الکلمة الشافیة في حکم ما کان بین الامام علي علیه السلام ومعاویة السَّيدَ العَلَامَة الزاهِد الفَاضِل مُحمَّد بْن مُحِمَّد بْنِ اسْمَاعِيْل المَنْصُورْ الزَیْدِيُّ الیَمَنيُّ رَحِمَهُ اللهُ تحقيق الدكتور سعد الحداد
الطبعة الأولى 1436 ه - 2016 م
العراق: كربلاء المقدسة
مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 1
ص: 2
الکلمة الشافیة في حکم ما کان بین الامام علي علیه السلام ومعاویة السَّيدَ العَلَامَة الزاهِد الفَاضِل مُحمَّد بْن مُحِمَّد بْنِ اسْمَاعِيْل المَنْصُورْ الزَیْدِيُّ الیَمَنيُّ رَحِمَهُ اللهُ تحقيق الدكتور سعد الحداد
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 07815016633 الموقع الالكتروني:
www.inahj.org الايميل:
Inahj.org@gmail.com
ص: 4
الى...
نبضِ الرُّوحِ ونورِ العَيْنِ أبي الحَسَنَيْنِ...
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحیمِ
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بما قدَّم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على أتم النعم وأفضلها محمد وآله الطاهرين المطهرين.
أما بعد:
فإن هذه الأسطر التي دونها المصنف رحمه الله هي رسالة إلى كلِّ ذي لبٍّ رشیدٍ قد غُيِّبت عنه الحقائق وأُسدِلَت عليه ستائر التضليل والتحريف منذ أن نشأ التدوين، فراحت أقلام المضلين تبتغي حجْبَ النورِ عن اصحاب القلوب النقية متناسية «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(1)، فاغتاظ لذلك المنافقون وتوعد المبطلون «وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ»(2).
ولعل أبرز السمات العلمية التي اتحف بها المصنف طلاب العلم ورواده أنَّه لفت الانتباه ؆فضلاً عن حقائق الأعمال التي تحيد السلف عن الحوض يوم الفزع الأكبر -
ص: 7
إلى أن صحيح البخاري قد حذف منه المبطلون أحاديث كثيرة تخص الآل والعترة ورأسها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
وذلك حينما أسند قريضة قائلاً: وعِترَهُ خَيرِ المُرسلینَ کما روی آل ٭٭٭ بُخاريُّ عنِ الصِّديق والثُقُل الثاني ثم أضاف في البيان لما ذكر شعراً:
(روى البخاري في صحيحه عن أبي بكر الصديق أنه قال «علي عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم») ولا يخفى على طلبة العلم والباحثين والمحققين أن كتاب صحيح البخاري وبطبعاته المعاصرة وباختلاف دور نشره واماکن طبعه قد خلا من هذا القول مما يرشد إلى أن الصحيح قد تعرض للتشذيب والحذف لا سيما أن المصنف مشهودٌ له بالعلم والفضل والتقوى وهذا يجنبه الاشتباه في الرواية والاسناد.
فجزى الله خيراً المصنف محمد بن محمد بن اسماعيل المنصور رحمه الله فقيه الزيدية ووزير الدولة في اليمن، والمحقق الأخ الدكتور سعد الحداد اللذين بذلا جهدهما في اخراج هذا السفر القيم فعلى الله أجرهما.
السَیَد نَبیكَ قَدُوري حَسَن الحَسَنی رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِمِ الحَمْدُللهِ رَبِّ العَالِميْنَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَيْر الأنَامِ النَّبيِّ الأمِّيِّ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ وعَلى آلِهِ الطَّيبِيْنَ الطَّاهِرِينَ وصَحْبِهِ المُنْتَجَبِيْنَ.
سُئل الخليل بن أحمد عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: (ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذین وذین ما ملأ الخافقين).
دفعني إلى تحقيق هذا الكتاب أمرانِ متضادانِ (حبٌّ) و (حقدٌ)، الأول فطرةٌ جُبلنا عليها، ونسألُ اللهَ تعالى أن يختم أعمارنا على مانحن فيه من الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام).
أمّا الأمرُ الثاني فذاك البلاءُ المدقع الذي مازلت أتحرَّی مکنون سرّه، وأستكشفُ کناه، ممثلاً بزمرة من السِّلف وأخصّ بالذكر (ابن تيمية) الذي ما فتء يحيد عن الحقِّ، ويتجنب الإبحار فيه. بل الأدهى أنّه ظل يعاكس تيار الحقِّ بعجرفة وإصرار عجيبينِ، حتى راح يشكّك ویستنکر کلَّ فضيلة للإمام عليّ (عليه السلام) ويتذرّع بأعذار واهية لاتصمد أمام اليقين. وكم مرة حاولتُ أنْ أجدَ لهذا الرَّجل عذراً غير أنّي عدت خالي الوفاض. وأتساءل ما مقدار الأذى الذي أصيب به من قبل
ص: 9
عليٍّ (عليه السلام) وهو البعيد عنه زمناً طويلاً كي اعذره في تبنيه لمواقفه الغريبة وتخريجاته العجيبة التي ملأت كتبه؟ فالرجل يخالف الآخرينَ إلا ماندر، بل يعلنُ صراحة بتهکّم واستهجان موقفه المعادي لعليّ (عليه السلام)، ويحاول بخس كلِّ فضيلةٍ وردت بحقّه، فضلاً عن تحريفها وحرفها ونسبتها إلى آخرين، والتشكيك حتى بالحديث النَّبويِّ الشريف على الرّغم من صحَّة الرُّواية والسَّند.
كان الرَّجل ينتصبُ أمام ناظري بصورة ناطقة بالنَّصْبِ والمُروقِ، وأنا أقلِّبُ صفحاتِ هذه المخطوطةِ التي ألَّفها شعراً وشرحاً رجلٌ يمانيٌّ سليمُ الفِطرةِ، كان قد تساءلَ قبل الشُّروع بالنَّظم عن عدالةِ الصَّحابة فأنتجَ نتاجه المنطقي الكفيل بالإجابة الوافية وهو يسترسلُ بالحدیث مستظهراً ما اختزنه من علم في الحديث والرِّجال.
ومهما كان الأمر فعليٌّ (عليه السلام) وإنْ عَمَدَ بعضُهم إلى الزَّيف والتَّفضيلِ يبقى عليّاً، ويبقى معاويةُ معاويةً، وشتانَ بين الثَّرى والثُّريا.
وآخرُ دعوانا أنِ الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين.
ص: 10
(1) مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ بنُ إسْماعِيلَ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ بنُ إسْماعيلِ بنُ مُظْهرِ بنُ إسْمَاعيلَ ابنُ یَحْیی بنُ الحُسَينِ ابنُ الإمامِ القاسمِ المنصورِ بن مُحَمَّدِ عليٍّ بنُ مُحَمَّدِ بنُ عليٍّ بنُ الرَّشیدِ بنُ أحْمَدَ ابنُ الأميرِ الحُسينِ الأملحي بنُ عليِّ بنُ یَحْیی بنُ مُحَمّدِ ابنُ الإمامِ الدَّاعي يوسِفِ الأصْغرِ المللقَّب بالاشلّ بنُ القاسم بنُ الإمام الداعي يوسفِ الأكبر ابنُ الإمامِ المنصورِ یَحْیی بنُ الإمامِ النَّاصرِ احمدَ بنُ الإمامِ الهَادي إلى الحّقِّ يَحْیی بنُ الحُسينِ بنُ الإمامِ الرَّضِي بنُ إبراهيمَ الملقَّبِ طَبَاطَبَا بنُ إسْماعِيلَ الدِّيباجِ بنُ إبراهيمَ الشَّبهِ لرسولِ اللهِ بنُ الحَسنِ المُثَنَّى بنُ الحَسَنِ السِّبْطِ أحَدِ سيِّدَي شَبابِ أَهْلِ الجّنَّةِ ابنُ الإمامِ عليّ بنُ أبي طالبٍ وبنُ فاطمةَ الزَّهراءِ بنتِ مُحَمَّدٍ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم).
ولد في شهارة في اليَمَنِ في الثامنِ من جمادي الآخرة سنة 1333 ه الموافق 23 / 4 / 1915. ونشأ على الطُّهرِ والتَّقوى. رحلت أسرتُهُ سنة 1338 ه إلى صَنْعاءَ، فأخذَ العلم من شيوخها وشيوخ ذمار والذاري والمدرسة العلمية بصنعاء، حتى برع في شتى الفنون في منطوقها والمفهوم.
ص: 11
كان علَّامةً، مجتهداً، زاهداً، أديباً، شاعراً، سیاسيَّاً محنَّكاً، شديد الذَّكاء، من سماته ملازمة الذِّكر لله سبحانَه وتعالى في كلِّ وقت، رزقه اللهُ التواضع وسماحة النَّفس والسخاء، ولا سيَّما العطف على طلبة العلم.
ووصف بالقول: کریم النفس محبوب لدى الجميع، كبير الموقع في صنعاء، يحترمه مختلف الطبقات، يتحلى بالأرْيَحِيَّة مع المحافظة على الوقار والإتزان. لا يفارق الذِّكر لسانُهُ، وقد أثنى عليه كثير من العلماء في إجازاتهم له وغيرها، فهو فريد عصره.
المشايخ الذين أجازوا العلامة محمد بن محمد بن إسماعيل مطهر المنصور، هم:
1 - الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين.
2 ۔ منصب المراوغة.
3 - محمد سالم البيحاني.
4 - صالح بن محمد الحودي.
5 - إسماعيل بن محمد بن يحي العنسي.
6 - یحیی بن محمد بن عبدالله الأرياني.
7 - الحسن بن علي بن حسين المغربي.
8 - عبدالله بن عبدالكريم الجرافي.
9 - عبدالله بن علي اليماني.
10 - علي بن محمد بن أحمد إبراهيم.
11 - أحمد بن أحمد الجرافي. 12 - محمد بن أحمد الجرافي.
ص: 12
13 - أحمد بن محمد زبارة (مفتي اليمن سابقاً).
تولّى عدة وظائف رسمية كان فيها مثالاً للنزاهة والإخلاص منها: إعانة والده على أعمال قضاء بيت الفقيه، وعيّن ضمن کتّاب وحکّام ولي العهد بتعز سنة 1364 ه - 1945 م، ومساعداً لوزير الخارجية القاضي محمد راغب، ثمَّ ناظراً للوصايا والأوقاف، ووزيراً من وزراء الاتحاد بين مصر واليمن.
وبعد قيام الثورة في اليمن عيّن عضواً في مجلس السيادة، ووزيراً للعدل من سنة 1384 ه إلى سنة 1387 ه - 1967 م، ثم وزيراً للأوقاف، وعضواً في المجلس التأسيسي (مجلس الشعب)، وعضواً في لجنة تقنين الشريعة الإسلامية. وبعد قیام الوحدة أسهم في تأسيس حزب الحق الإسلامي في اليمن.
وشغل منصب نائب رئيس هيئة الإفتاء بالجمهورية اليمنية، وناظراً للوصایا، ورئيس الهيئة الإستشارية بجمعية بدر الخيرية.
نشاطه العلمي واصل مشواره في الدرس والتدريس والإفتاء والتأليف، فقد درس عليه الكثير من الطلاب في الجامع الكبير ومسجد الفليحي ومسجد النهرين وفي مركز بدر العلمي والثقافي والذي يرأس المجلس الأعلى به، وكما يقيم دروساً في منزله.
وقد جمع العديد من الكتب المخطوطة والمطبوعة، فكوّن مكتبة تحتوي على الكثير من الكتب، وتعدّ من أكبر المكتبات الخاصة في اليمن، وقد سخَّرها في خدمة العلم وأهله.
ص: 13
له مؤلفات كثيرة تدلُّ على غزارة علمه، وسعة اطلاعه، ودقة نظره، وعظيم إنصافه، ومنها: - 1 - قدسيَّة الإيمان، وهي قصيدة نافعة من نظمه.
2 - برقُ، وهو شرح صغير على قدسيّة الإيمان.
3 - القضاء والقدر.
4 - تعليقات على أمالي أبي طالب.
5 - حكمة الحجاب.
6 - الكلمة الشافية في حكم ما كان بين علي ومعاوية.(هذا الكتاب).
7 - مقتطفات من التفسير.
8 - لوامع من خواطر شواسع (ديوان شعري).
وله الكثير من الرسائل والفتاوی الهامة والقصائد الرائعة.
محمد
نهجتُ على ما درجَ عليه محققو التراث في تحقيق المخطوطات، وإتّباع خطواتِ هذا الفنِّ في إخراجِ المخطوطِ بأفضل ما یكونُ عليه أو بما أرادَ له مؤلفُهُ. فكانَ منهجي في تحقيقِ هذا الكتابِ كالآتي:
1. الاستئناسُ بالنسخةِ المصوَّرةِ التي بحَوزةِ مكتبةِ مركزِ الأميرِ (عليه السلام) لتحقيقِ التراثِ في النَّجفِ الأشرفِ، بوصفِها نسخةً فريدةً، غيرَ متوفرةٍ في باقي مراكزِ المخطوطاتِ في العراق. وعدد أوراقها (45) ورقة.
2. ضبطتُ النَّصَّ الشِّعريّ المنظومَ بالشَّكلِ، وهو (قصيدةٌ نونيَّةُ القافيةِ، مكسورةُ الحركةِ، من البحرِ الطويلِ). ليتسنَّى للقارئ أنْ يقرأها قراءةً صحيحةً، سَلِسَة
ص: 14
بعيدةً عن اللحنِ.
3. وثّقتُ الرواياتِ التي أشارَ إليها المؤلفُ، بالرجوعِ إلى المراجعِ والمصادرِ المشارِ إليها، مع ذكرِ رقمِ الصَّفحةِ والجزءِ إنْ وجد.
4. خرّجتُ الآياتِ القرآنيّةَ الكريمةَ، والأحاديثَ النبويَّةَ الشريفة.
5. خرّجتُ الأبياتِ الشّعريّةَ التي اسْتشهدَ بها المؤلفُ، بالرجوعِ إلى دواوينِ قائليها أو المصادرِ الأخرى.
6. ترجمتُ للأعلامِ الواردِ ذكرُهم في المخطوطِ.
7. صوبتُ الأسماءَ أو الألقابَ التي وردتْ خطأ في المتنِ، التي ربَّما أصابَها تصحیفٌ أو تحريفٌ، مع ذكرِ المصادرِ المعتمدةِ في إيرادِ الصَّوابِ.
وآخرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
المحقق
ص: 15
ص: 16
ص: 17
ص: 18
ص: 19
(من البحر الطويل):
عليٌّ أميرُ المُؤمنينَ فَمْنْ بَدَا ٭٭٭ لهُ فیهِ شَكٌّ فهو مَشْلولُ إیمَانِ أخو المُصْطَفَی في مکَّةٍ وبطیبةٍ ٭٭٭ ودارِ الجَزَا والحَشْرِ لیسَ لهَ ثاني علی فِطْرةِ الرَّحمَنِ ظَلَّ کمَا نَشَا ٭٭٭ بأکنَافِ طَه لمْ یُدَنَّسْ بکُفْرانِ وأسْرَعُ مَن لبَّی نِداءَ مُحمَّدٍ ٭٭٭ مُربِّیهِ هادِیهِ مُعلّمِهِ الحَاني عليٌّ مَعَ الحَقِّ المُبینِ کأنَّهُ ٭٭٭ ردْیفٌ أو مثلُ نورٍ لکیوانِ رواهُ البُخَاریّ بالدُّعاءِ وغیرهِ ٭٭٭ رَوَوْه بأنّ المرتَضی مَعَ قرآنِ وقتلُ عليّ طلحةً دلَّ أنّهُ ٭٭٭ کَطَه کما في الذِّکرِ عن وفدِ نَجْرانِ سأقتلُ کَبْشَ القومِ قالَ قَدَّهُ ٭٭٭ عليٌّ أخو المُختارِ فارسُ عَدنانِ ولما دَعاهُمْ ما دَعَا غیرَ منْ دَعَا ٭٭٭ من الآلِ فافْقَهْ ما أفادَ من الشانِ وخامسُ أصْحَابِ الکِسَا أعْلَمُ الوَرَی ٭٭٭ وهارونُ إلا الوَحْي سَیْفُ الرَّدَی القَانِي وأعْلَمَهُمْ أوْلَی الوَرَی بمَقامِهِ ٭٭٭ کمَا قالَ هَذا کُلُّ حبْرٍ وربَّانِي وبابُ عَلِيِّ لَمْ یَزَلْ مِثْلَ بابِهِ ٭٭٭ الی حَرَمٍ أعْظِمْ ببانیه منْ باني ولا سَیْفَ إلا ذو الفَقَارِ ولا فَتَیً ٭٭٭ یُدانیهِ بأسَاً بین غَانَا وجَابَان فما شَهِدَتْ بَدْرٌ وأُحْدٌ وغیرُها ٭٭٭ فَتَیً مِثْلَهُ أنْکَی بِشِرْكٍ وأوثَانِ
ص: 20
وأزهَدُ منْهُ لَمْ تَرَ الأرضُ قانِتَاً ٭٭٭ والبَطْش منْهُ ما رأَی أيُّ میْدَانِ وأصحابُهُ کانوا نُجُوماً وحیْدَرٌ ٭٭٭ ذَکَا بینَهُم یحتَلُّ رُتْبَةَ خاقانِ إمَامُ الهُدَی، صِنو النَّبيَّ، وصیّهُ ٭٭٭ فعاصِیهِ عاصِیهِ وشَانیهِ کالشَّاني وسِلْمُ عَليٍّ سِلْمُ طَهَ شَقیقِهِ ٭٭٭ وحَرْبُ علِيٍّ حَرْبُ أحْمَدَ سَیَّانِ سِوی أنَّ ذا باغٍ وذلكَ کافِرٌ ٭٭٭ وقد حُرِمَ الاثنَانِ جَنَّاتِ رِضْوانِ مُوالیهِ مَوْلی اللهِ عَزّ وربُّهُ ٭٭٭ عَدّو مُعادیهِ کعَمْرو وعِمْرانِ وباغضه فیه نفاق فقد تَوَی ٭٭٭ معاویةٌ فهَو البَغِیضُ له الشَّانِي دَعَاهُمْ إلی جَنَّاتِ عَدْنٍ وهُمْ دَعَوا ٭٭٭ الی النِّارِ سّلْ عَمَّارَ عنْ دِیْنِ ما دَانِ وعِتْرَةُ خَیْرِ المُرْسَلینَ کمَا رَوَی ال ٭٭٭ بُخاريُّ عَنِ الصِّدِیقِ والثُّقُلِ الثَّانِي فماذا تَرَی فیمَنْ دَعَا لِجَهَنَّمٍ ٭٭٭ وقَتْلِ أولِي بَدْرٍ وبیعَةِ رُضْوَانِ وحِجْرٍ وتملیكِ الیَزِیدِ علیهُمُو ٭٭٭ مَعَ السّمِّ للأتْقَی إلی نَکْثِ إیمَانِ فمَا بَعْدَ هذا الحَقِّ إلا ضلالةٌ ٭٭٭ تَسُوقُ وتَهْدي أهلَهَا نَهْجَ نیرانِ ولو أنَّهم تابوا نَجَوا غیر أنَّهُمْ ٭٭٭ أصَرّوا وَسَنَّوا سَبَّةً عبرَ أزمَانِ وصُحْبَةُ طَهَ تقتَضِي فَضْلَ صَحْبِهِ ٭٭٭ وفَضْلَ الجَزا إنْ أحْسَنُوا أيَّ إحْسِانِ کمَا تقتَضِي ضِعْفَ الجَزا لإسَاءةٍ ٭٭٭ وفي سُورةِ الأحزابِ في ذِیْنِ نصَّانِ فلا صُحْبةٌ أغنتْ نِسَاءَ صفیّهِ ٭٭٭ فما بالُكَ القاصِي إذا حُرِمَ الدَّانِ وفي سُوْرَةِ التَّحْرِیمِ لمْ تُغْنِ صُحْبَةٌ ٭٭٭ لِنُوْحٍ ولًوْطٍ منْ هَلاكٍ وطُوفَانِ وعاتَبَ فیها حَفْصَةً في صَغیرةٍ ٭٭٭ وأخری صَغتْ فانْظُرْ لمَا قالَ هاتانِ
ص: 21
فلوصَحَّ ما قلتُمْ لمَا عُوتِبَا ولا ٭٭٭ تَخَلَّدَ في القُرآنِ تَهْديدُ دَیّانِ وفي جَمْعِ تَيْنِ القصَّتينِ بسُورَةٍ ٭٭٭ کتي صِغَراً شَأنٌ ويا لكَ من شَانِ وکَرْکَرَةٌ في النِّارِ غَلَّ عَبَاءَةً ٭٭٭ وكانَ من الأصْحَابِ صَادِقَ إيمَانِ وآیَةُ إنْ أشْرَکْتَ يعنِي مُحَمَّداً ٭٭٭ وتَرْکُنُ شَيْئاً كانَ أنْوَرَ بُرْهَانِ یُسَاقُ بِهِمْ ذاتَ الشِّمالِ مُوَضّحٌ ٭٭٭ مُرَادَ رسُولِ اللهِ أوْضَحَ تِبْیَانِ ولمْ تَدْرِ مَاذا أحْدَثُوا بَعْدَ کَاشِفٍ ٭٭٭ بأنَّهُمُ مَقْصُودُهُ مِنْ عَنَا العانِي وهذا حَدِيثٌ في الصَّحَاحِ مُسَلّمٌ ٭٭٭ بِهِ دونَمَا نَقْدٍ ولا طَعْنِ طَعّانِ وأَضْحَكَ في تلْفِيقِ مَعْنَاهُ بَعْضُهمْ ٭٭٭ فَمِيْزَ مقالُ الصِّدقِ مِنْ قَولِ فَتَّانِ ولمْ يَرْضَ باغِ الحَقِّ ذلكَ وارْتَضَى ٭٭٭ بهِ کُلُّ منْ يُصْغِي لِزُخْرِفِ شَیْطانِ ومَنْ لم يُمَيِّزْ بينَ حَقٍّ وباطِلٍ ٭٭٭ عَريضٍ وسادٍ والقفَا فهو باعَانِ وكائِنْ تَرَى من غَالِطٍ ومُغَالطٍ ٭٭٭ فذلكَ من جَهْلٍ وذا خُتْلُ شَيطانِ ولا تَرْجِعُوا بعْدِي إلى الكٌفْرِ ناسِفٌ ٭٭٭ خَيَالاتِهِمْ مازَ الصَّدوقَ مِنَ المَانِي ونَصَّ باأنَّ الجُرْمَ يَحْدُثُ بَعْدَهُ ٭٭٭ ولیسَ نِفَاقاً كانَ في عهدِهِ الغانِي فمَنْ يَتَجَاهَلْ مثْلَ هذا معانِدٌ ٭٭٭ وكاتِمُ حَقٍّ أبْلَجٍ أيّ كتمانِ وکَمْ دوّنُوا رأياً ضَعِيْفَاً وزَوَّروا ٭٭٭ مَقَالاً ولمْ يأتُوا عليهِ بسُلْطَانِ سِوی شَبَهٍ قد زيَّنَتْها ذلاقةٌ ٭٭٭ ونَفْثَةُ فتَّانٍ وحِبْکَةُ کُهَّانِ وهذا صِراطٌ مسْتَقيمٌ دَليلُهُ ٭٭٭ کَشَمسِ الضُّحَي والبَدْرُ لیلةَ شَعْبانِ فمنْ يَغْتَفِرْ حَربَ ابنِ هنْدٍ كعَاذرٍ ٭٭٭ أباهُ وعَمْراً يوم أُحْدٍ وفرقانِ
ص: 22
ومثلُ رضاهُمْ عن عِداهُ اعتذارُهُمْ ٭٭٭ تصدّي قريشٍ للنَّبيِّ يوم عُسْفانِ وخَيْبَرُ أبْدَتْ أنَّ حُبَّ إلهِهِ ٭٭٭ له فوقَ حُبِّ الآخَرينَ بِحُسْبانِ وهذا دَليْلٌ أنَّهُ أكْرَمُ الورَى ٭٭٭ من الصَّحبِ ما في ذاكَ شَكٌّ ليقْظَانِ وقد بَرَزَ الإيمانُ للشَّركِ كلِّهِ ٭٭٭فيا لكَ من شركٍ هَوی تحتَ إيمانِ وباهَی بهِ اللهُ الملائِكَ إذْ فَدَي ٭٭٭ نَبِيَّ الهُدَى طِفْلاً وزَیْنَاً لِشُبَّانِ وکُلُّ امْرِئ مِنْهُمْ رَهِیْنٌ بِمَا جَنَی ٭٭٭ إذا لَمْ يَتُبْ يا وضيْلَ قاليهِ منْ جَانِ بَرَأتُ إلى الرَّحْمَنِ مِنْ كلِّ ناصِرٍ ٭٭٭ عَدَاهُ وما تَابُوا منِ الأنِسِ والجَانِ وشَتَّانَ ما بَيْنَ المُوالي وليَّهُ ٭٭٭ وبَيْنَ مُوالي مَنْ يُعَادِیهِ شَتَّانِ عَدُوُّ عَلِيٍّ مَنْ یُحِبُّ عَدُوَّهُ ٭٭٭ وَمَوْلاهُ مَنْ عَادَی عِدَاهُ بإيمَانِ وما حَلَّ قلبَاً قَطُّ حُبٌ وبُغْضَةٌ ٭٭٭ لِضِدَّيْنِ أو جَوْفٌ بهِ قلبَان فهَلْ يا تُرَی وَجْهٌ لِزَعْمِكَ حُبُّهُ ٭٭٭ وحُبُّ عِدَاهُ مارِقِيٌّ وسُفْيَانِ بَلَی حُبُّهُ حَقَّاً عَدُوُّ عَدُوُّهُ ٭٭٭ وقاليهِ حُبُّ القاسِطِینَ بعُدْوَانِ ضَرَبْتُ مِنَ الأمْثَالِ ماکُلّ واحِدٍ ٭٭٭ شِفَاً لِصُدُورِ العَالمِيْنَ بإيقَانِ وسِقْتُ مِنَ البُرْهَانِ ما کُلُّ حِجَّةٍ ٭٭٭ غِنَىً لأوُلِي الأبْصَارِ لا لأولِي الرَّانِ فيَا ربَّنَا احْشُرْنَا مَعَ المُرْتَضَى إذا ٭٭٭ أَثَوا مَعَ ذِي المُلْكِ العَضُوْضِ ومَرْوانِ کَسُوْبُ الخَطايا مُعْدَمُ الزَّادِ مِنْ تُقَىً ٭٭٭ یُنَادِي کَرِيْمُ الصَّفْحِ يا خَيْرَ مَنَّانِ أحَطْتَ بِمَا سَوَّيْتَ عِلْمَاً ورَحْمَةً ٭٭٭ فَرُحْمَاكَ یا رَبَّاهُ بالعَاجِزِ الفَانِي إلَهِي أنِّي ظَالِمٌ ومُضَیّعٌ ٭٭٭ لِعُمْرِي وجَانٍ فَارْحَمْ النَّادِمَ الجَانِي
ص: 23
ومُنَّ بِتَوفِيقٍ وشُكْري لأنْعُمٍ ٭٭٭ تَقَلَّبْتُ في أفيائِها ذاتَ أفْنَانِ حَنَانَيْكَ ذا الفَضْلِ العَظِيمِ بمُشْفِقٍ ٭٭٭ مِنَ الخَيرِ مِخْمَاصٍ مِنَ الشَّرِ مِبْطانِ خَلا أنَّهُ باللهِ أحْسَنَ ظَنَّهُ ٭٭٭ ووَحَّدَهُ توحِیدَ موسَی بنِ عِمْرَانِ وقَدَّسَهُ عَمَّا يُقَدِسُهُ الحِجَا ٭٭٭ وجِبْريْلُ والمُخْتَارُ مِنِ آلِ عَدْنَانِ وذا النُّونِ إذ نَاداهُ في ظُلُماتِهِ ٭٭٭ وتوحيدُ إبراهيمَ يومَ ابنِ کِنْعَانِ فَمَالي مَدْعُوٌّ سِواكَ ولا رَجَاً ٭٭٭ وإنِّي لَذُو عِلْمٍ بِربِّيَ ربَّانِي قِنِي مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ثُمَّ جَهَنَّم ٭٭٭ وأهوالِ يومِ الحَشِر یا خَيرَ حَنَّانِ فإنْ لمْ تُدَارِ كْنِي مِنَ اللهِ رَحْمَةٌ ٭٭٭ فيا خِزْيَ توقَافِي ويا خُسْرَ مِيزانِ وعَمَّ الأوُلَى أرْجُو لهُم فضلَكَ الَّذي ٭٭٭ أحَاطَ وتولينَا جمِيعَاً بإحْسَانِ ويا مالِكَ المُللْكِ العَظَيمِ اهْدِنَا لِمَا ٭٭٭ تُحِبُّ وتَرْضَى واعْفُ واخْتِمْ برضْوانِ وصَلِّ على المُخْتارِ والآلِ كلَّمَا ٭٭٭ أضاءتْ سَمَاءَ الفِهْمِ آیَاتُ قُرآنِ
ص: 24
مقدمة المؤلف بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ وصلّ اللّهم وسَلِّم على عبدِكَ سيِّدنا مُحمَّدٍ وعلى آلهِ وبعد..
فإنّي كنتُ في سَحرِ ليلةِ الاثنينِ ثامنِ شعبانَ الوسيمِ سنة 1394 أربعٍ وتسعينَ وثلاثمائةٍ وألفٍ هجريّة قمريّة، قبلَ الفجرِ بساعتينِ قد استيقظتُ، ثم عدتُ للنومِ حتى يقربَ وقتُ الخروجِ إلى المسجدِ، فإذا بي أقولُ البيتَ الأولَ من المنظومة الآتيةِ، ونحو أربعةِ أبياتٍ مفرَّقةِ طيَّها الآنَ قلتُها بديهةً بدونِ تكلُّفٍ منِّي كأنَّني أحفظُها من قبلُ، وذلك أثَرَ ما خَطرَ على البالِ قولُ فريقٍ من العلماءِ بتعديلِ الصَّحابةِ مطلقاً وتولِّيهم مطلقاً، وهو خلافُ ما اعتقدُهُ في القاسطينَ والمارقينَ.
وهجمَ عليَّ الخوفُ من أنْ أكونَ على خطأ في المُعتقَدِ لا يغفرُهُ اللهُ لي. وتصوَّرتُ حياةَ البرزخِ التي أصبحتُ منها على قابِ قوسينِ أو أدنى، وماذا سيكونُ الحالُ إذنْ والعياذُ بالله، وأنّي لي بتداركِ الخطأ وتلافي الهفوةَ، وقد ذَهَبَتِ الدّنيا عنّي فوجدتّني أقولُ ما ذكرَتُهُ في الصَّباحِ نقلتها من الذَّاكرةِ وأكملتُها يومَ عاشرِ شعبانَ ورکنتُها في مسوّدتها. ويوم السّابعَ عشرَ منه وجدتُ فرصةً فبيَّضْتُها وبدا لي أنْ أضَعَ عليها تعليقاً يزيدُ من فائدتِها فكتبتُهُ وأكملتُهُ يومَ تسعةَ عشرَ منه. وهذا النَّقلُ هو التبييضُ لمسودةِ التعليقِ الأولِ والثَّاني للمنظومةِ.
ص: 25
بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ الحَمْدُ لله الذي له الحَمدُ ولهُ المُلكُ ولهُ الخَلقُ ولهُ الأمرُ وحدهُ لا شريكَ لهَ وصَلِّ اللّهمَ وسَلّم على شسیِّدِ الأولينَ والآخرينَ وآلهِ قرْنَا الكتابِ المُبينِ ورضِيَ اللهُ عن الصَّحابةِ الرَّاشدينَ ومن تِبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدِّينِ.
وبعد...
فهذا التعليقُ الذي أشرتُ إليهِ ممزوجاً بالمنظومةِ ليزيدَ معانيها وضوحاً، والصُّدور انشراحاً بالحقِّ، ولئلا يُقال رأيتُ أنْ أكتفي فيه بالاستشهادِ بما قرأتُهُ في الأمهاتِ السِّتِ(1)، وسائَرِ الأمهاتِ الحديثيةِ، كمسند أحمد وموطأ مالك. وفي السِّير وكتبِ التاريخِ المعتَمَدةِ عن إتباعِ الأئمةِ الأربعةِ (رضوانُ اللهِ عليهم)(2)مثل سيرةِ ابن هشامٍ، وسيرةِ الحلبيِّ، وتاريخِ ابنِ الأثيرِ، ونهايةِ ابنِ كثيرٍ ونحوها، مرجَّحاً الاستغناءَ بما صححوهُ فيها عن الاستشهادِ بشيءٍ ممَّا في كُتبِ آلِ محمَّدٍ (صلَّی اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم)، أو كُتِبِ أيِّ فريقٍ من طوائفِ الشّيعةِ، مع الاحترامِ للجميعِ ولكُتبِ الجميعِ:
عليٌّ أميرُ المُؤمنينَ فَمنْ بَدا ٭٭٭ لهُ فيهِ فهو مَشْلولُ إيمَانِ أجمعتِ الأمَّةُ بعدَ زوالِ بني أميَّة أنّه من الخلفاءِ الراشدينَ وعلى أنَّه الخليفةُ وأميرُ المؤمنينّ بعد مقتلِ ذي النورين(3).
ص: 26
ومع ذلك فالأحاديثُ النَّبويةُ ناصّةٌ عليهِ، هاديةٌ إليهِ، فإمامتُهُ قطعيَّةٌ. كما سيأتي ما يفيدُكَ العلمُ بذلك ولا وزن لزعم مثل الخوارج:
أخو المُصْطَفَى في مكَّة وبطيبةٍ ٭٭٭ ودارِ الجَزَا والحَشْرِ ليسَ لهَ ثاني آخی رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ و آلهِ وسلّم) بين أصحابهِ في مكَّةَ، واصطفى عليّاً لمؤاخاته.
وبالرغمِ من أنَّ المؤاخاة كانت بين رجلينِ لا تجمعُهُا أسرةٌ واحدةٌ، بل هذا من أسرةٍ وأخوهُ من أسرةٍ أخرى، باستثناءِ المصطفى والمرتضى فهُمَا من أسرةٍ واحدةٍ.
وبالرغمِ من أنَّ باعثَ المؤاخاةِ يقتضي أنْ يكون لكلٍّ منهما أخٌ من أسرةٍ أخرى.
ص: 27
وبالرغمِ من وجودِ أبي بكر الصديق(1)الذي آخى بينه وبين عُمَر(2)المطابقِ للباعثِ، والمطابقِ للموافقِ من حيث السّنّ(3)، وبالرغم من وجودِ حمزةَ(4)، عمُّه وأخوهُ من الرّضاعِ الذي آخی بينه وبين زیدِ بن حارثةٍ(5)والأنسبُ سِنَّاً، وبالرغمِ
ص: 28
من الفارق الكبيرِ بين سِنِّ أميرِ المؤمنينَ وسنِّ سیِّد العالمينَ.
ولمّا آخَى بين الصَّحابةِ بالمدينةِ، جعلَ لكلِّ مهاجرٍ أخاً من الأنصارِ، باستثناءِ المصطفى والمرتضى فكانا أخوينِ.
وكان المقتضي للمؤاخاةِ يومئذٍ أنْ يكونَ لكلٍّ منهما أخٌ من الأنصار. فلمّا سأل عليٌّ نبيَّ اللهِ لماذا تركَهُ بدون أخٍ قال له: أنتَ أخي في الدُّنيا والآخرة(1).
وهذه المنقبةُ جديرةٌ بالتأمّل، إذ تصلحُ بمفردها أنْ تكونَ القولَ الفصلَ لمعرفةِ الرأي الأصحِّ، والأرجحِ في مسائلَ اختُلِفَ فيها.
إذ هي كالنَّصِّ بأنَّه لا يصلحُ لمؤاخاتي ياعليُّ سواكَ، ولا يصلحُ لمؤاخاتِكَ غيري.
ص: 29
لدفعهِ بالصَّدرِ بدونِ وجهٍ، وأنكرَ عليه ردَّه للبى بالقياسِ، وخروجَهُ بذلك عن قاعدةِ الأصوليينَ، واستغفلَهُ إذ لم يفطنْ لحديثِ البخاري في أمرِ ابنةِ حمزة(1)وخلافِ
ص: 31
وجعفرِ وعليّ وزيدٍ عليها، وقول زيدٍ هي ابنةُ أخي يعني المؤاخاةَ بمكَّةَ، ولم يتنبّه شرّاحُ هذا الحديثِ على شَرَفِ هذه المؤاخاةِ، فيما قد وقفتُ عليه وحسبُكَ من قوتِها وشرفِها أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبرها فوقَ رابطةِ القرابةِ.
فعليٌّ ابن عمِّ عمارةِ بنتِ حمزةَ، فكانت رابطتُها بزیدِ بن حارثةٍ أقوى، وإنْ كان من بني كَلْبٍ. وكانت رابطتُها بجعفرٍ كذلك وبزوجتهِ أيضاً، وهي خالتُها أختُ أمّها. فهما رابطتانِ من جهة النَّسبِ، فكانت دونَ رابطةِ المؤاخاةِ، أفلا تكونُ رابطةُ عليٍّ برسولِ اللهِ كذلك، بالإضافةِ إلى علاقة القَرابةِ، وعلاوةً على رابطةِ النَّبيِّ بأمِّهِ فاطمةَ
ص: 32
بنتِ أسدٍ(1)ورابطتهِ بعمِّه شقيقِ أبيهِ من أبويهِ(2)وحاميهِ والمُدافعِ عنه، المُضَحِّي بالنَّفسِ والنَّفيسِ، والمُتحمِّلِ في سبيلِ حمايتهِ ونشرِ دعوتِهِ أصنافَ البلاءِ الفظيعِ. وفي هذا كفايةٌ لمنْ تدبّرَ.
ص: 33
وهذه المؤاخاةُ بمكانٍ من الأهميةِ القصوى، فقد قدَّمَها النَّبيّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) على مؤاخاةِ النَّسبِ في حديثِ عمارةَ، إذ بادرَ عليٌّ (عليه السلام) لضمِّها إليه قائلاً: هي ابنةُ عمّي، وبادرَ جعفرُ فقال: هي ابنةُ عمّي، وأيضا خالتها، والخالةُ أمٌّ فأنا أحقُّ بها من أخي لسببين.
وقال زيدٌ: هي ابنةُ أخي يعني بالمؤاخاةِ في مكّةّ بينه وبين الحمزةِ. فحكم النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) بها لزیدٍ رغمَ عدمِ القرابةِ بينهما، ورغم القرابةِ بينها وبين عليّ وجعفر.
أفلا تكون مؤاخاةُ النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) لعليّ (عليه السلام) من هذا النَّمطِ، وبهذه القوةِ والدرجةِ، علاوةً على ما بينَ أبي طالبٍ وعبد الله(1)من كونهما أخوينِ لأبوينِ، وما بين النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) وفاطمةّ بنتِ أسدٍ أمُّ عليٍّ (کرم الله وجهه) التي ربّتْ رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم)، وكان يقولُ: هي أمّي بعدَ أمّي.
ص: 34
وما لعليّ عند اللهِ من الحُبِّ الذي لا يساميه فيه صَحَابيٌّ قطّ. فإذا وضعتَ في حسبانكَ هذا كلَّهُ عرفتَ أنَّ الحديثَ المتَّفقَ عليه (أنتَ منّي بمنزلةِ هارونَ من موسی)(1)، وحديثَ (مَنْ کُنْتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ)(2)، وهو متواترٌ، أنّها أشبَهُ بالتأكيدِ والتبيين لما يدلُّ عليه حديثُ المؤاخاة.
ص: 35
ولا يُلتَفَتُ لطَعْنِ منافِقٍ أو حاسدٍ في صَحَّةِ هذهِ الأحاديثِ، أو طَعْنِ جهولٍ للحقِّ، أو من أعْمَتهُ العصبيةُ والحُبُّ لأعداءِ الإمامِ.
وعليكَ الإطلاعُ على مثلِ (شرحِ التحفة) للبدر محمَّد إسماعيل الأمير(1).
وقولي: ودارُ الجزاءِ أي الآخرةُ في لفظِ الحديثِ، وقولي: والحَشرُ مفادُ أحاديثٍ أنَّه السَّاقي على حوضِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحشرِ.
منها ما ذكره الزمخشريّ (رحمه الله) في (الفائق) في مادة ذاد أو مادة صاد(2): قال (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) لعليٍّ: أنتَ الذائدُ عن حوضِي يومَ القيامةِ، تذودُ عنهُ
ص: 36
الرِّجالَ کما یُذادُ البعيرُ الصّاد.
وفي الرّوضة النَّديّة للبدرِ الأميرِ (رحمهُ اللهُ) عن الطَّبراني وأحمدَ وابن المغازليِّ بمعناهُ وفيها عن أحمدَ من حديثٍ:
أما واحدةٌ فهو (يعني عليِّاً) كأنّي بين يدي ربِّي حتى يفرغَ الحسابُ.
وأما الثانيةُ، فلواءُ الحمدِ بیدِ آدمَ ومن ولدهِ تحته.
وأما الثالثةُ، فواقفٌ على عقْرِ حوضي يسقِي من عَرَفَ من أمَّتي.
وفي حديث الطّبراني: معكَ يا عليّ عَصَاً من عِصِيّ الجنَّةِ تذودُ بها المنافقينَ عن الحوضِ(1) على فِطْرةِ الرَّحمَنِ ظَلَّ كمَا نَشَا(2)٭٭٭ بأكنَافِ طَه لمْ يُدَنَّسْ بکُفْرانِ كانَ من عنايةِ اللهِ به أنْ بادرَ النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) وحمزةُ والعباسُ(3)
ص: 37
للتخفيفِ عن أخيهما أبي طالبٍ (رضي الله عنهم جميعاً) في عامِ المجاعةِ فأخذ النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) عليّاً، وهو طفلٌ فتولّى رعايتَهُ وكفالتهُ وتأديَبُه وتعليمَهُ. فلم يتخلّقْ إلا بالطّهرِ والإيمانِ، ولم يسجد لصنم قَطُّ، لهذا خُصَّ بقولهم: کَرَّمَ اللهُ وجْهَهُ.
قال عليٌّ (عليه السلام) في خطبتِهِ القاصِعَةِ: (قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمُنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إلى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَلِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ، ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم)، مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَکَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ کُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالاِقْتِدَاءِ بِه.
ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي کُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَیْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَیْرَ رَسُولِ الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم)، فَقُلْتُ یَا رَسُولَ الله مَا هَذِه الرَّنَّةُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسمَعُ وتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ
ص: 38
ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ)(1).
ولا غرابةَ في اصْطِفاءِ المُصْطَفى لعليّ وتوليه تربيتَهُ، فلو لم يكنْ إلا رداً لجميلِ أبي طالبٍ، وجميلِ فاطمةَ بنتِ أسَدٍ أم عليٍّ، التي قال فيها النَّبيّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): فاطمةٌ أمُّي بعدَ أمُّي(2).
فهي مؤاخاةٌ عميقةُ الجذورِ معَ قَطْعِ النَّظرِ عن اصْطِفاءِ اللهِ له لذلك، وحفظِهِ من دَنسِ الشِّركِ وبَقائهِ على الفِطْرَةِ. وهذا هو المُرادُ في البيتِ السَّابقِ والآتي: وأَسْرَعُ مَن لبَّى نِداءَ مُحمَّدٍ ٭٭٭ مُربِّيهِ هادِيه مُعلّمِهِ الحَاني الحُنُوّ، العطفُ، وعلىٌّ أوَّل من آمنَ بالرِّسالةِ. انظر سيرةَ ابنِ هشامٍ(3)وغيرها.
ص: 39
عليٌّ مَعَ الحَقِّ المُبینِ كأنَّهُ ٭٭٭ رديْفٌ أو مثلُ نورٍ لكيوانِ أي كأنَّ لفظَ عليٍّ مرادفٌ للفظِ الحقِّ والعكسِ، أو كأنَّه مثلُ كلمةِ كيوانٍ، وهو زُحَلُ. تدلُّ على ذاتِ النَّجمِ بالمطابقةِ، وعلى نورهِ بالتضمّنِ، وعلى لازمها من الدَّلالةِ على الجهةِ والزَّمانِ فيه، وعلى الهدايةِ الحِسّيةِ فيه والهداية المعنوية في الإمامِ (كرَّم اللهُ وجهَه) بالالتزامِ. وسيأتيك حديثُ: عليّ مع الحقِّ وعليّ مع القرآنِ.
رواهُ البُخَاريّ بالدُّعاءِ وغيرهِ ٭٭٭ رَوَوْه بأنّ المرتَضی مَعَ قرآنِ قال في الرَّوضةِ النَّديةِ: أخرجَ البخاريّ وصَحَحهُ عن عليٍّ (عليه السلام) قال: سمعتُ رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) يقولُ: رحِمَ اللهُ عليَّاً اللّهم أدِرْ الحقَّ معه حيثُ دار(1).
وأخرجَ الطبرانيّ في الأوسطِ، و مالكٌ في المُوطّأ، من حديثِ أمِّ سَلَمة قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): عليٌّ مع القرآنِ والقرآنُ مع عليٍّ لن يفتَرِقا حتی یَرِدَا عليَّ الحوضَ(2) وأخرجَ الديلميّ عن عمار أنّ النَّبيَّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) قال: يا عمارُ إنْ رأيتَ عليَّاً قد سلكَ وادياً والنَّاسُ وادياً غيره فاسْلُكْ معَ عليٍّ ودَع النَّاسَ، أنَّهُ لن
ص: 40
يدلَكَ على رَدَىً ولن يُخْرجَكَ من هُدىً.(1) وأخرجَ الطبرانيّ عن کعبِ بنِ عجدةَ عنه (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): أنَّه تكونُ بين النَّاسِ فرقةٌ واختلافٌ، فيكونُ هذا وأصحابُهُ يعني عليَّاً (عليه السلام) على الحقّ.(2) وأخرج الديلميّ عن ابنِ عباس عنه (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): أنا المُنْذِرُ وعليٌّ الهادِي، وبكَ يا عليُّ يهتدي المُهتدونَ من بَعدي.(3) وأخرج الخطيبُ عن أنسٍ عنه (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): أنا وهذا حجَّةٌ على أمَّتي يومَ القيامةِ يعني عليّاً (عليه السلام)(4).
وفي البحثِ قالَ الأميرُ (رحمَهُ اللهُ): وفيه دليلٌ على عصمتِهِ (عليه السلام) أوضحُ من أدلّةِ عِصْمَةِ الأئمةِ، وفيه دليلٌ أيضاً على حِجيّةِ قولهِ لأنَّه لا يقولُ إلا الحقَّ، والحقُّ
ص: 41
هو ما أمَرَ اللهُ بإتباعِهِ. انتهى.
وهذا في شرحُ قولهِ ويدورُ الحقُّ معَهُ حيثما دارَ.. فاعلمْهُ حديثاً نبويَّاً. ومما لا ريبَ فيه أنَّ دعوةَ الرَّسولِ مستجابةٌ ومما يجدرُ التيقّظُ لهُ أنَّ حديثَ عليٍّ غيرُ حديثِ أمِّ سَلَمَة، وإنَّه تكرَّرَ منَ الرَّسولِ بلفظِ الدُّعاءِ تارةً، وبغيرهِ أخرى، وإنَّهما وما في معناهما وما يستلزمُ معناهُما، يفيدانِ تواتراً معنوياً بکَونِ الحقِّ لا يفارقُهُ.
قالَ ابنُ تيميّة في الاقتضاءِ ص 73 روى الترمذيّ عن المطَّلبِ: أنَّ العباسَ دخلَ على رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُغضِباً وأنا عندهُ. فقال: ما أغْضَبَكَ؟ فقال: يا رسولَ الله مالنا ولقريشٍ إذا تلاقوا بوجوهٍ بشرةٍ، وإذا لقوْنا لقونا بغيرِ ذلكَ فغَضِبَ رسولُ الله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) حتى احْمرَّ وجهُهُ ثمَّ قالَ: والذي نفسِي بیدهِ لا يدخلُ قلبَ رجلٍ الإيمانُ حتى يحبّكم للهِ ولرسولهِ. ثم رواه شيخُ الإسلامِ من عدّةِ طرقٍ، أحدُها حتى يحبّكم للهِ ولقرابتي. قالَ ابنُ تيميّة والحجّة بالحديثِ قائمةٌ. انتهى(1).
وقد صحَّ مع هذا حديثُ: (حبُّهُ إيمانٌ وبغضُهُ نفاقٌ)(2)، فثبتَ وجوبُ محبتِهِ بعمومياتٍ و خصوصياتٍ. وهذا حالُ من هو على الحقِّ المبينِ.
وقتلُ عليّ طلحةً دلَّ أنّهُ ٭٭٭ کَطَه كما في الذِّكرِ عن وفدِ نَجْرانِ سأقتلُ كَبْشَ القومِ قالَ فَقدَّهُ ٭٭٭ عليٌّ أخو المُختارِ فارسُ عَدنانِ ولما دَعاهُمْ ما دَعَا غيرَ مًنْ دَعَا ٭٭٭ من الآلِ فافْقَهْ ما أفادَ من الشانِ
ص: 42
برزَ طلحةُ بنُ أبي طلحةِ العبدري(1)يوم أحُدٍ بين الصَّفَيِن وطالبَ للمبارزة، فأحجم عنهُ الأبطالُ رغمِ كثرةِ مناشدتِهِ، وقولهُ تزعمونَ يا أصحابَ مُحَمَّدٍ بأنَّ قتلانا في النَّارِ وقتلاكُمْ في الجنّةِ، فأيّكُمْ يبرزُ لأعجّلهُ إلى الجنّةِ أو يعجّلني إلى النَّار؟ فبرز له عليٌّ (عليه السلام) فقتلَهُ. وكان رأى النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) البارحةَ فيما رآهُ في المنامِ كما قالَ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): إنّي مُرْدِفٌ كَبْشاً فأولتُّه بأنّي سأقتلُ كبشَ الكتيبة(2)يعني فارسَ فرسانهِم وبطلَ شجعانهِم. فقوله (صلىَّ اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): إنّي سأقتلهُ ثم قتلهُ علیّ (کرم الله وجهه). دلَّ على أنَّهما کنَفْسٍ واحِدۃٍ کما أفادتْ ذلكَ قصةُ مباهلتِهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) لوفدِ نَجْران.
وقولُهُ تعالى حاكياً قصَّتَهم: «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3)فلم يدعُ ممن يصدقُ عليه ضميرُ الجمعِ في أنفسِنا إلا عليّاً، وكانَ معهُ كثيرٌ من بني هاشمَ رجالاً فما دعا إلا إيّاه، وأطفالاً فما دعا إلا الحسنينِ، ونساءً فما دعا غيرَ فاطمةَ (عليها السلام).
وهذه منقبةٌ للأربعةِ عاليةُ البنيانِ، شامخةُ الأركانِ، مدوَّيةٌ إلى آخرِ الدَّهرِ في سَمْعِ
ص: 43
الزَّمانِ. فويلٌ لمن يتجاهلُ عظيمَ شأنِها.
وفي السُّورةِ بعدَ هذه الآيةِ قولُهُ جلَّ وعَلا: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).
قال الأميرُ: وقالَ جارُ اللهِ في كشافه: وفيه دليلٌ لا شيءَ أقوى منه على فضلِ أصحابِ الكِساءِ(2). ثم قال الأميُر وكَفي شرفاً لأميِر المؤمنيَن (كرَّم اللهُ وجهه) في الجنَّةِ أنْ سمَّاهُ اللهُ في ذكرهِ العزيزِ نَفْسَاً لرسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمَّاهُ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) نفسَهُ. انتهى.
وحديثُ المباهلةِ في كُتبِ السِّيرِ والحديثِ وأسبابِ النُّزولِ والتفسيرِ(3).
ص: 44
وقولي ما أفادَ أي: قتلُهُ طلحةَ، ولفظُ أنفسِنا في الآيةِ الكريمةِ.
(تنبيه) ابحثْ باستقصاءِ جميعِ السِّيرِ النَّبويَّةِ وافْتِلْها تفتیشاً وفَحْصاً وستجدُ حقيقةً شامخةً لا يرتقيها حافرٌ، ولا يوفي عليها طائرٌ. وهي أنَّ رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) ولَّى على أكابرِ الصَّحابةِ بعضهَم بعضاً في السَّرايا ماعدا زيدِ بنِ حارثةٍ، فلم يُوَلِّ عليه أحداً. وكان العُمَرانِ تحتَ إمرتهِ وتحتَ إمرةِ ابنهِ أسامةٍ، وتحتَ إمرۃِ عَمْرو بن العَاص(1) في عدّةِ سرايا إلا أنَّه لمَّا اقتضىَ الحالُ أنْ يجتمعَ عليٌّ (عليه السلام) وزيدٌ، أمرَ الرَّسولُ أن يكونَ علىٌّ الأميرَ، ولم یَتَوَّلَ على زيدٍ غيرُهُ حتى يوم جَمَعَتْهُ وجعفرَ الطيارَ في الجنِّةِ سريَّةٌ كان زيدٌ هو الأميرُ. فأمَّا مع عليٍّ فلا، لأنَّ هذا (كرَّم الله وجهه) لم يتولَّهُ على وجهِ الإطلاقِ إلا أخوهُ ((صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) وفي هذا من الإفادةِ بما تقتضيهِ الحقيقةُ من الإشادةِ وعلوِّ المنزلةِ أكثر ممَّا تفيدُه آیةُ المباهلةِ.
فتأمَّلْ ولَعلِّي مسبوقٌ إلى هذه الملاحظةِ ولكنِّي لم أقفْ على ذلك.
ص: 45
وخامسُ أصْحَابِ الكِسَا أعْلَمُ الوَرَى ٭٭٭ وهارونُ إلا الوَحْي سَيْفُ الرَّدَي القَانِي وأعْلَمَهُمْ أوْلَى الوَرَی بمَقامِهِ ٭٭٭ کمَا قالَ هَذا كُلُّ حبْرٍ وربَّانِي رواةُ حديثِ الکِسَاءِ وحديثِ المُبَاهلةِ جمٌّ غفيرٌ من أئمَّةِ الحديثِ. وقد أكثرَ ابنُ تيميَّة الاستشهادَ بهما في رسائلِهِ، وكذلك ابنُ القيِّمِ، فأفادنا ذلكَ صحتهُما عندهُما، وكذلكَ حديثُ المنزلةِ لامنازع في صحتهِ.
وقولي أَعْلَمُ الورى، إشارةٌ إلى حديثِ: أنا مدينةُ العِلْمِ وعليٌّ بابُها(1).
(تنبيه) لاحظت ما يفيدُ قولُهُ تعالى «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(2). وقولُهُ سبحانُهُ «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»(3).
ومايفيدُهُ هذا الحديثُ، وحدیثُ (أقْضَاکُم عليٌّ)(4). وما في معناهما فوجدتُ أنَّ
ص: 46
عليَّاً أعلمُ النَّاسِ بعدَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنَّ الأعلمَ أرفعُ عندَ اللهِ من دونَهُ علماً على مقدارِ الفارقِ بينهما في العِلمِ. وإذن فعليٌّ الأرفعُ درجةً، وهذا هو الأفضلُ حتماً، وهي منقبةٌ أصلُها ثابتٌ وفرعها في السَّماءِ.
ص: 47
هذا وقد ذكرَ الأميرُ (رحمهُ اللهُ) أنَّ الإمامَ محمَّدُ بن جريرِ الطَّبريّ، والإمامَ أبا عبدِ اللهِ الحاكم، ويحيى بنَ معين، والحافظَ صلاحَ الدينِ العلائي، مصححو حديثِ أنا مدينةُ العِلْمِ وعليٌّ بابُها. وكذلك الحافظُ السُّيوطيّ وقالَ في البحثِ: قال ابنُ عَدِيّ: أنَّهُ موضوعٌ وأوردَهُ لابنِ الجوزيّ في الموضوعاتِ.
قالَ العلائي: قالَ ببطلانهِ أيضاً الذَّهبيُّ في الميزانِ، وغيرُه ولم يأتوا في ذلك بعلَّةٍ قادحةٍ سوى دعوى الوضعِ دفعاً بالصَّدرِ(1).
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ: هذا الحديثُ له طرقٌ كثيرةٌ في مستدركِ الحاکِم أقلُّ أحوالِها أنْ يكونَ لها أصلٌ وهو من قسمِ الحَسَنِ.
وقال السُّيوطيّ: لمّا وقفتُ على تصحيحِ الإمامينِ، ابنُ جريجٍ والحاكمُ لحديثِ ابنِ عباسٍ (أنا مدينةُ العِلْمِ)، اسْتَخَرْتُ اللهَ وجَزَمْتُ بصحَّةِ الحديثِ.
قلتُ: فأينَ يقعُ ابنُ الجوزيِّ عندَ هذينِ الإمامينِ؟(2)وأينَ هو منْ طبقتِهِما
ص: 48
وحفظِهما وإتقانِهما. وهو الذي قالَ الذهبيُّ في حقِّه نقلاً عن المأموني: انَّهُ كانَ كثيرَ الغلطِ فيما يصنِّفُهُ.
ثم قال الذَّهبيّ قلتُ: ولهُ وَهْمٌ كثيرٌ في مؤلفاتِهِ يدخلُ عليه الدَّاخلُ من العَجلةِ والتحوّلِ من كتابٍ إلى آخر(1).
قال الأميرُ وإنَّ هذا الشَّرفَ يتضاءلُ عنهُ كلُّ شرفٍ، ويُطأطِئُ رأسَهُ تعظيماً له كلُّ مَن سَلَفَ وخَلفَ، ولمَّا كان الشَّيءُ بالشَّيءِ يُذكرُ انفتحَ لنا من ذلكَ خصوصيةُ فتحِ
ص: 49
بابِهِ إلى مسجدِهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) وسَدَّ ما عداهُ من الأبوابِ. كما أخرجَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ من حديثِ زيدِ بنِ أرقمَ، قال: كان لنفَرٍ من أصحابِ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) أبوابٌ شارعةٌ إلى المسجدِ، فقالَ يوماً سُدُّوا هذهِ الأبوابَ إلا بابَ عليّ، قالَ فتكلَّمَ في ذلكَ ناسٌ، فقامَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) فحَمِدَ اللهَ وأثَنَى عليهِ ثم قال: أما بعدُ، فإنِّي لمَّا أمِرْتُ بسَدِّ هذهِ الأبوابِ غيرِ بابِ عليِّ، فقالَ فيه قائلُكمْ وإنِّي واللهِ ما سَدَدْتُ شيئاً ولا فتحتُ شيئاً، ولكنْ أمِرْتُ بشيءٍ فاتبعتُهُ. انتهى(1).
ثم ذكر الأميرُ حديثَ أحمدَ عن عَمْرو فيه، وسَدُّ الأبوابِ إلا بابَ عليٍّ. وذکَرَ روايةَ أحمدَ والنِّسائيِّ له من طريقِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ والطَّبرانيّ والحاكمِ من طريقِ زيدٍ بنِ أرقمَ وابنِ عباس، ثم قال:
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: وهذه الأحاديثُ يقوِّي بعضُها بعضَاً وكلٌّ منها صالحٌ للاحتجاجِ(2).
قلتُ: وأمَّا إدخالُ ابنُ الجوزيِّ لهُ في الموضوعاتِ فمن قُصُورهِ وقلّةِ اطلاعِهِ، وكم في موضوعاتِهِ من صحيحٍ. انتهى باختصار(3).
وقولي: وأعلَمُهُمْ سيأتي أنَّهُ يشترطُ في صحَّةِ إمامِةِ المسلمينَ (العلم والاجتهاد).
وإلا فهو مَلِكٌ لا إمَامٌ.
أقول وبمناسبةِ استطرادِ الأميرِ لحديثِ البابِ ألحقتُ البيتَ الآتي:
ص: 50
وبابُ علِيٍّ لَمْ يَزَلْ مِثْلَ بابِهِ ٭٭٭ الى حَرَمٍ أعْظِمْ ببانیه منْ باني ولا سَيْفَ إلا ذو الفَقَارِ ولا فَتَىً ٭٭٭ يُدانيهِ بأسَاً بين غَانَا وجَابَان قيلَ أنَّهُ سَمِعَ يوم أُحُدٍ قائلٌ لا يُرى يقولُ: لا سَيفَ إلا ذو الفَقَار ولا فتَی إلاّ عليّ(1).
وغانا في غربِ أفريقيا، والجابانُ في منتهى الشَّرقِ الأقصى، وما بينهما من جهةِ آسيا واستراليا وأوربا وأفريقيا ومن الجهةِ الأخرى أمريكا القارة الخامسة، لأنَّ الأرضَ بلا شكٍّ کرويةُ الشَّكلِ. فالمعنى إذنْ أنَّه لا فارسَ من فرسانِ الأرضِ كلّها یُدانيهِ فَضْلاً عن أن يُساميهِ. وهذهِ حقيقةٌ لا مُبَالغةَ فيها.
فما شَهِدَتْ بَدْرٌ وأُحْدٌ وغيرُها ٭٭٭ فَتَیً مِثْلَهُ أنْکَی بِشِرْكٍ وأوثَانِ سَألَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيز (رحمهُ اللهُ)(2)أباهُ لماذا يا أبَتِي إذ بلغتَ في خطبتِك إلى
ص: 51
لَعْنِ أبي ترابٍ تَلَجْلَجْتَ. فقال: يا بُنَيَّ إنَّه من أصحابِ النَّبيِّ وهو بدريٌّ، وذکَرَ فضلَهُ. فقال عُمَرُ: أهْوَ بدريٌّ؟ فقالَ: وهلْ كانتْ بَدْرٌ إلا لهُ. فعقدَ عُمَرُ النِّیَّةَ إنْ أمكنَهُ اللهُ ليزيلَنَّ هذهِ البدعَةَ الخبيثةَ، فلمّا أمكنَهُ اللهُ أزالَها وجعلَ مكانَها «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(1).
وفي سيرةِ ابنِ هشامٍ، وغيرها حَصرٌ لقتلى عليٍّ (كرم الله وجهه يومَ بدرٍ يَنيفُ المُتَّفقَ عليهم، والمُخْتَلِفَ فيهم على العشرينَ قتيلاً من مجموعِ السبعين قتيلاً، ويومَ أحُدٍ طوّحَ بكبشِ القومِ طلحةَ کا سبقَ، وبأشدِّ الأبطالِ من أَصحابِ لواءِ المُشْركينَ وغيرهِم. ويومُ الأحزابِ هل كانَ لسِواهُ.
ومواقفُهُ كلُّها في جميعِ الغَزَواتِ والسَّرايا أسمى المواقفِ وأعظمها عناءً، فلا عجبَ أنْ يقولَ ابنُ مروان هل كانتْ بَدْرُ لَهُ.
وأزهَدُ منْهُ لَمْ تَرَ الأرضُ قانِتَاً ٭٭٭ والبَطْشُ منْهُ ما رأَي أيُّ میْدَانِ وأصحابُهُ كانوا نُجُوماً وحيْدَرٌ ٭٭٭ ذَكَا بينَهُم يحتَلُّ رُتْبَةَ خاقانِ إمَامُ الهُدَی، صِنو النَّبيِّ، وصيّهُ ٭٭٭ فعاصِیهِ عاصِيهِ وشَانيهِ کالشَّاني أخبارُ زهدِهِ كثيرةٌ، وهو الذي خاطبَ بيدرَ الذَّهبِ والفضَّةِ يومَ رآها في بيتِ مالِ البصرةِ: صَلْصِلِي صِلْصَالكِ فلستُ من أشكالكِ، هيهاتَ هيهاتَ یا صفراءُ ويا
ص: 52
بيضاءُ غُرّي غَيري. وهو القائلُ یا دُنيا غُرّي غَيري إلىَّ تعرَّضتِ أم إلىَّ تشوَّقتِ قد طلقتُكِ ثلاثاً لا رجعةَ فيها، فخطرُكِ يسيرٌ، وعيشُكِ حقیرٌ، آهٍ من قلَّةِ الزَّادِ، وبُعْدَ الطَّريقِ، وعظيمِ المَوردِ(1).
وكيفَ لا يكونُ أزْهَدَ النّاسِ، وهو صاحِبُ الحِكمةِ والمَوعِظةِ التي تُغْني عن کتابٍ ضَخمٍ من کتبِ الزّهدِ، ألا وهي قولُهُ: (إِنَّمَا الْغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى الله)(2). يا لَها من كلمةٍ لمنْ تدبَّرَها، ويا لَها من رُقْيَةٍ وشفاءٍ من سُمومِ الدُّنيا والتَّهالك عليها ويالها من باعثٍ وحافزٍ ودافعٍ وحاثٍّ على المسابقةِ إلى مَغْفِرةٍ من ربِّنا وجنَّةٍ عَرْضُها کعرْضِ السَّماءِ والأرضِ، والتزوّدِ من أعمالِ البِرِّ.
فإذا كان عليٌّ يتأوَّهُ من قلَّةِ الزَّادِ ويشفِقُ من عِظَمِ المَوردِ، زُهْدَاً أو عِبادةً وامتحاناً في الدُّنيا، وصَبراً على بلائها فكيفَ بنا ونحنُ ربَّنَا ظَلَمْنا أنفُسَنا وإنْ لمْ تَغْفِرْ لنا وترحَمْنَا لنكونَنَّ من الخاسرينَ.
وأمَّا أخبارُ فَتْکِهِ بالأبطالِ وتحامِيهِم من لقائِهِ في مَعْمَعَةِ القتالِ فمتواترةً لا تحتاجُ لذكِرِ مثالٍ، وفي قتلهِ طلحةَ العبدريّ، قال الحجَّاجُ بنُ عِلاطٍ(3)السَّلَمِيُّ:
ص: 53
للهِ أيُّ مُذَبِّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ٭٭٭ أعْنِي ابنَ فاطِمَةَ المُعَمَّ المُخْوَلاَ جادتْ يداكَ له بعاجِلِ طعنةٍ ٭٭٭ تَرَکَتْ طُلَیْحَةَ للجبينِ مُجَدَّلا وعَلَلْتَ سيفكَ بالدِّماءِ ولمْ تَكُنْ ٭٭٭ لِتَرُدَّهُ حَرَّانَ حتی یَنْهَلا(1) فاطمةُ هي بنتُ أسَدٍ (رضي الله عنها)، أمُّ عليّ التي اضْطَجَعَ النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) في قبرِها وفَرَشَ ها رداءَهُ، وكفّنَها من ثيابِهِ، وخَصَّها بذلكَ، ومن الدُّعاءِ وهو يُصلّي عليها بما لم يكنْ منهُ لغيرِها، والمُعَمُّ المُخوّلُ حائزُ الشَّرفِ من الجِهَتينِ.
ومثلُ هذا الشّعرُ المُسَجِّلُ لاسمِ القاتلِ والمقتولِ يزیِّفُ الروايةَ التي تَنْسِبُ قتلَهُ إلى غيرِ الإمامِ، وتقوّي الظَّنَّ بأنَّها وضِعَتْ لغَرضٍ کما جاءَ مثلُ ذلكَ في شأنِ مَرْحَبٍ اليهوديّ وغيرهِ.
وقال معاويةُ لسعدِ بنِ أبي وقاصٍ أتُحِبُ عليَّا؟ فقالَ: كيفَ لا أحبُّهُ! وقد سَمِعْتُ رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) يقولُ: أنتَ منِّي بمنزلةِ هارونَ من موسى إلَّا انَّهُ لا نَبيَّ بعدي. ولقد رأيتهُ بارزَ يومَ بَدرٍ وهو يُحَمْحِمُ کما يُحَمْحِمُ الفَرَسُ ويقولُ:
بازلُ عامينِ حديثُ سِنِّي سَنَحْنحَ الليلُ كأنِّي جِنِّي لمِثلِ هذا ولَدَتني أمِّي
ص: 54
فما رجعَ حتى خضَّبَ سيفّهُ دمَاً(1) ولا يخفَى تعريضُ سعدٍ لمعاويةَ، بأنَّ يومَ بَدرٍ من أسبابِ بغضِهِ لعليٍّ، وأنَّ يزيدَ وَرِثَ هذا عن أبيهِ الذي زرعَهُ في نفسهِ فقالَ:
ليتَ أشياخِي ببدرٍ شَهِدوا *** جَزعَ الخَزرجِ من وقعِ الأسَل(2) وقال أسيدُ بنُ أبي إياس(3) *** يحرّضُ مشركي قريشٍ على قتلِهِ:
في كلِّ مَجْمَعِ غايةٍ أخزاكمو *** جذعٌ ابرَّ على المذاكي القُرَّحِ للهِ درّكمُو ألّما تنکُروا *** قد یَنْکُرُ الحُرُّ الكريمُ ويستَحي هذا ابنُ فاطمةَ الذي أخزاکُمو *** ذبْحَاً وقتلهُ قَصْعَةٍ لم يَذبحِ اعْطُوهُ خَرجاً واتَّقوا بضَريبهِ *** فعلُ الذَّليلِ وبيعةٌ لم تَربحِ أينِ الكهولُ وأينَ كلُّ دعامَةٍ *** في المُعْضلاتِ و أينَ زينُ الأبطحِ أفْنَاهَمُو طَعناً وقَتلاً يُفتَلى *** بالسَّيفِ يغمدُ حدَّهُ لم يصفحِ(4)
ص: 55
وهذا الشِّعرُ أفصَحُ، إنَّه لم يقلهُ الشَّاعرُ إلا بعدَ معاركَ عديدةٍ، كَثُرتْ فيها مَصَارعُ القتلى بسيفِ عليٍّ البتَّارِ، يوحِي بهذا قولُهُ في كلِّ مَجْمَعِ غايةٍ، وقولُهُ أخزاکُمو ذبحاً، وقولُهُ أفناهُمو طعناً وقتلاً.
وهذا يقوّي الظَّنَّ أنَّ روایاتٍ وُضِعتْ ودُسَّتْ في الغَزَواتِ، لاسيَّما بدرٌ وأحُدٌ وخيبرٌ وحنينُ لتنسبَ قتلَ أبطالٍ من المشركينَ فيها إلى غيرِ عليّ (كرَّم الله وجهه) لتخفَّفَ من شأنِه العظيمِ حَسداً وبُغْضاً.
ولمّا انخدعَ حُريثُ(1) مولى معاويةَ بخدعَةِ عَمرو بن العاص وتحريضِهِ له على مقاتلةِ عليٍّ، فصرعَهُ بعد أنْ كانَ معاويةُ قد حذَّرهُ من ذلك.
قال معاويةُ:
ص: 56
حُرَيثُ، ألمْ تَعْلمْ وعلمُك ضَائرُ *** بأنَّ عليّاً للفوارسِ قاهرُ وأنَّ عليّاً لم يُبارزهُ فارسٌ *** منَ الناسِ إلا أقْصَعَتْهُ الأظافرُ(1) وكان (کرم الله وجهه) إذا خاضَ بحربٍ قالَ مرتجزاً:
أيّ يَوْميَّ منَ المَوتِ أفِرْ *** يومَ لا يُقدرُ أم يومَ قُدِرْ يومَ لا يقْدْرِ لا أرهبُهُ *** ومنَ المَقْدورِ لا يَنْجو الحَذِرْ(2) وسُئلَ لماذا لا يبارزُ فارساً إلا قتلَهُ؟.
فقال: لأنَّه يظن أنّي قاتِلُهُ فأكونُ أنا ونفسُهُ عَوناً عليهِ(3). ولا يخفَى ما في هذا الجوابِ من التواضعِ.
وسُئلِ لماذا تَرْكبُ البَغلةَ في الحربِ دونَ الفَرِسِ؟. فقالَ لأنّي لا أَفرُّ ممنْ يَكرُّ
ص: 57
والبَغلةُ تزجيني. أي تسوقني إلى حيث أريد(1).
وكان لرحمتهِ وسمّو خلقهِ لا يكرّ على من يفرّ (صلوات الله وسلامه عليه). والبيتُ الثاني يشيرُ إلى حديثِ: (أصحابي كالنُّجُومِ بأیِّهِم اقْتَدَیْتُم اهْتَدَيْتُم)(2).
والمُرادُ علماؤهُم الأبرارُ الذينَ همْ نجومُ هدايةٍ، ألا تَرى أنَّكَ لو اهتديتَ مثلاً بفعلِ الوليدِ بنِ عُقْبةٍ(3) فيما كانَ سبباً لنزولِ آيةِ (يَا أَيَهُّا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
ص: 58
بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا)(1).
وبعملِ المُغِيْرةِ أو عملِ الوليدِ أيضاً، فيما نقمَ عليهما بعد موتِ الرَّسولِ، أو بعمل خالد(2) الذي تَبرَّأ منهُ النّبيُّ إلى اللهِ من قتلِ بَني خُزيمةَ، ونحو ذلكَ مما كانَ من بعضِ الصَّحابةِ، وانْتُقِد عليه منهُ فانَّكَ لا تكونُ باقتداكَ به مَهْدِیَّاً، فالهداةُ إذنْ في الحديثِ علماؤهم الأبرارُ (رضوان الله عليهم).
والبيتُ الثالثُ فيهِ الإمامةُ والمؤاخاةُ والوصايةُ. فالإمامةُ وكونُهُ رابع الحلفاءِ الراشدين لا نزاعَ فيه حتى الذينَ يقولونَ معاويةُ الآنَ.
فأمَّا القاسطونَ والمارقونَ فلا يُعتدُّ بنزاعِهم لأنَّهم بُغاةٌ. فعاصيهِ عاصٍ للهِ ولرسولِهِ وشانیهِ شانيهُمَا الأبترُ لصحَّةِ إمامتِهِ. ولأحاديثٍ تخصُّهُ وحدهُ تفرضُ الائتمامَ بهِ،
ص: 59
وتحرّمُ بغضَهُ ومعصيتَهُ وتقضي بأنَّ مُحَارِبَهُ مُحَاربٌ للهِ ولرسولهِ.
والمؤاخاةُ أحاديثُها في كثيرٍ من الكتبِ، منها: سُنَنُ الترمذيِّ، ومسندُ الأمامِ احمدَ بنِ حنبلٍ، والبغويُّ في المصابيح، وأبو يَعَلى الموصليّ، وابنُ عساکرَ، والسِّيرُ النَّبويّةُ وغيرُها.
منها عن أحمدَ: (أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كنف الجنة). وفي روايةٍ فهو كَنَفُ اللهِ ومنْ ماتَ على عهدكَ فقد قَضَى نحبَهُ، ومن ماتَ یُحبُّكَ بعدَ موتكَ خَتَمَ اللهُ له بالأمنِ والإيمانِ ما طلعتْ شمسٌ أو غربتْ(1).
ومن أحاديثِ الوصَايةِ حديثُ أبي القاسمِ البغويِّ الحافظِ في معجم الصَّحابةِ عن بريدةَ، قال (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): لكلِّ نبيٍّ وَصِيٌّ و وارثٌ وإنَّ علیَّاً وصِیي ووارثي(2).
ومثله عن أحمَدَ إلى أَنَسٍ وعن أحمدَ أيضاً إلى سلمانَ، وحديثِ ابنِ عساکرَ وغيرِهِ، ذكرَها الأميرُ (رحمَهُ اللهُ) في الرَّوضةِ.
ص: 60
ثم أشارَ الأميرُ إلى أنَّ حديثَ عائشةَ: متى أوصَى رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ و آلهِ وسلّم)؟ فقد ماتَ بينَ سَحْري ونَحْري(1). ينفي علمُها بالوصايةِ لا غير أو ينفي الوصايةَ في ذلكَ الوقتِ، ولا يستلزمُ عَدَمَها کما عقَّبَ الأميرُ على قولِ المحبِّ الطَّبريِّ رحمه الله: إنَّ الوصيَّةَ محمولةٌ على ما في حديثِ أَنَسٍ: يقضي ديني وينجز موعدي.
أو على ما في حديثِ ابنِ السَّراج من وصيتِهِ بالعَرَبِ خيراً، أو على ما رواه الحُسينُ السِّبطُ أنَّ النَّبيَّ (صلَّى اللهُ عليهِ و آلهِ وسلّم) أوصَاهُ أنْ يُغسِّلَهُ، فقالَ الأميرُ في تعقيبِهِ: فنؤمنُ بأنَّهُ (عليه السلام) وَصِیَهُ، ولا يلزمُنا تفاصيلَ المُوصَّى بهِ، فقد ثَبُتَ أنْ أمرَهُ بقتالِ النَّاكثينَ والقاسِطينَ والمارقينَ وعیَّنَ علاماتِهِم لهُ، وأودَعَهُ علوماً جمَّةً.
ثمَّ عقَّبَ على المُرادِ من قولِهِ (صلَّى اللهُ عليهِ و آلهِ وسلّم) لعُمَرَ إذ سافرَ للعَمْرةِ لا تنسَنا يا أخي من دعائِكَ، و قولُهُ لزيدٍ أنتَ أخونا. بقولهِ: لا شكَّ أنَّ نَصَّ القرآنِ قد أَخْبرَ بأنَّ المؤمنينَ إخوةٌ، ولكنَّ الأخوة التي عقدَها بين أصحابِهِ کجعلِهِ أبا بكرٍ أخا لعمرِ وطلحةَ أخا للزبيرِ، واتخاذُهُ (صلى الله عليه واله وسلم) لعليِّ (عليه السلام) أخاً، أخُوَّةً خاصّةً، اختصاصاً آخرَ نسبتها إلى أخوّةً الإيمانِ العامَّةِ، كنسبة أخوَّةِ الأخوينِ لأبوينِ الخاصةِ إلى أخوتهما العامةِ، وكونهما من نسل نوحٍ فكما يصحُّ أنْ تقولَ: الناسُ أخوتي، يصحُّ أنْ تقولَ: المؤمنونَ أخوتي بجامعِ صفةِ الإيمانِ.
وأما هذه الأخوَّةُ المعقودةُ فهي التي اختصَّ بها أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام). وسِلْمُ عَليٍّ سِلْمُ طَهَ شَقيقِهِ *** وحَرْبُ علِيٍّ حَرْبُ أحْمَدَ سَيَّانِ سِوى أنَّ ذا باغٍ وذلكَ كافِرٌ *** وقد حُرِمَ الاثنَانِ جَنَّاتِ رِضْوانِ كلُّ من خرجَ على إمامِ حقٍّ فهو باغٍ، ويجبُ قتاله حتى يفيءَ إلى الطاعةِ.
ص: 61
ومعاويةُ بقلبهِ مخطٍ، وبلسانِهِ فاسقٌ، وبيليه محاربٌ، وهو عاصٍ للهِ ولرسولهِ.
وإذا كان هذا حكمُ الباغي على إمامِ محقٍّ في أيِّ زمانٍ ثبتتْ و صحَّتْ إمامتُهُ بوجه ظنّيٍّ. فما بالكَ بالباغي على إمامٍ ثبتتْ و صحّتْ إمامتُهُ بوجهٍ قَطْعِيٍّ، بل بوجوه قطعیَّةٍ. وماذا تعتبرُ المحاربَ الشَّابَ لمن قالَ له ولولديهِ سیِّدِ المرسلينَ: (أنا حربٌ المن حاربَکم وسِلْمٌ لمن سالمَکم)(1).
ومَنْ شمِلَهُ في عمومهِ مثل قوله (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): (أحبّوا اللهَ لما يغذوكم به من نِعَمِهِ، وأحبوني لحُبِّ اللهِ وأحبّوا أهلَ بيتي لِحُبّي)(2) ومثل قولِهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): والذي نفسي بیدِهِ، لا يؤمنوا حتى یحبُّوكم للهِ ولقرابتي. وقولِهِ (صلى الله عليه وآله): (لا يدخلونَ الجّنَّةَ حتى يحبُّوكم للهِ ولقرابتی)(3).
وهذهِ الأحاديثُ مما استشهدَ بهِ كثیراً ابنُ تيميَّة على وجوبِ الوفاءِ بحقوقِهِم.
وقالَ أبو بكر الصِّديق فيما رواهُ عنه البخاريُّ في صحيحِهِ: (عليٌّ عترةُ رسولِ
ص: 62
اللهِ)(1).
فإذا رکَّبتَ من هذه المقدماتِ الصَّادقةِ برهاناً منطقياً جاء هكذا، فلانٌ يبغضُ عليَّاً ولا يحبّهُ، ومَنْ يبغضُهُ أو لا يحبُّهُ لا يؤمنُ باللهِ ولا يدخُلِ الجنَّةَ، ينتج من موضوعِ الصُّغري ومحمُولُ الكبرى. فلانٌ لا يؤمنُ باللهِ ولا يدخُلِ الجنَّةَ كذلك، فلانٌ عاصٍ لعليٍّ أو حربٌ لعليٍّ وكلُّ عاصٍ لعليّ عاصٍ للهِ ولرسوله وحربٌ لرسولِهِ (صلَّی اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) ينتجُ، فلانٌ عاصٍ للهِ ولرسوله وحربٌ لرسولِهِ ولربِّهِ، وفي الحديثِ: (أنَّ عَمَّاراً تقتلُهُ الفئةُ الباغيةُ، وأنَّهُ يدعوهُمْ إلى الجنَّةِ ويدعونَهُ إلى النَّارُ)(2).
قالَ الأميرُ في الرَّوضةِ أَنَّهُ من الأحادیثِ المتواترةِ عند أئمَّةِ الحديثِ وغيرِهم. مُواليهِ مَوْلى اللهِ عَزّ وربُّهُ *** عَدّو مُعاديهِ كعَمْرو وعِمْرانِ لفظُ الحديثِ:
(مَنْ کُنْتُ مَولاهُ فعليٌّ مولاهُ، اللّهم والِ مَنْ والاهُ وعادِ منْ عَاداهُ)(3).
ص: 63
وقد ألَّفَ ابنُ جريرٍ في طرقِهِ مجلداً كبيراً فهو متواترٌ بذلك(1).
وإذا تأملتَ فيما وردَ من الأحاديثِ الصَّحيحةِ باتفاقٍ في مَعْنَى جُمَلِ الحديثِ وقضاياهُ أفادكَ ذلكَ التواترُ المعنويُّ أيضاً.
وصدرُهُ کافٍ للدلالةِ على مَعْنى البيتِ، لمنْ كانَ له قلبٌ أو ألقى السَّمع وهو شهيدٌ.
وعَمرو هو ابنُ العاصِ، وكانَ من أشدِّ الناسِ في محاربةِ الإمامِ والتأليبِ عليهِ، والمَكر ضدَّهُ وضدَّ أنصارهِ.
انضم إلى معاوية على أنْ أعطاهُ مصرَ طيلةَ حياتهِ ولايتَها و خراجَها، فوفي لهُ بذلكَ حتى هَلَكَ عَمرو. وعَمرو أيضاً ابنُ عبدٍ ودٍّ صرعَهُ عليٌّ يومَ الخندقِ(2).
وعِمْرانُ هو ابنُ حِطَّانٍ(3)، أحدُ الخَوارجِ، کِلابُ النَّارِ. وقد أثنى في مرثاةٍ لهُ على
ص: 64
ابنِ مُلْجَم(1) قاتلِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) بقوله:
يا ضَرْبَةً مِن تَقِيٍّ ما أرادَ بهَا *** إلا ليبلُغَ مِنْ ذي العَرِشِ رِضْوَاناً(2) وقد جاءَ في الحديثِ أنَّ ابنَ مُلْجَم أشقى الآخرينَ.
وباغَضَهُ فيهِ نِفَاق فقد لَوَى *** معاويةٌ فهَو البَغِيضُ له الشَّانِي معاويةُ من الذينَ أسْلَموا يومَ الفتحِ، جَزَعاً وهَرَباً من السَّيفِ، فليس من المهاجرينَ ولا من الأنصارِ.
وفي شأنهِ وشأنِ بعض أنصَاره، قالَ الإمامُ (كرم الله وجهه): والله ما اسْلَمُوا ولكنْ اسْتَلمُوا، ولقد عرفتُهم صِغاراً وكباراً، فهم شَرُّ صِغارٍ وشَرُّ كبارٍ(3).
ص: 65
وكان معاويةُ من دُهَاۃِ العَربِ المشهورينَ، وممن يُبَرِّرُ كلَّ وسيلةٍ دنيئةٍ لغایتهِ الدُّنيويَّةِ.
ولهذا لما اشتدَّ الأمرُ على الخليفةِ ذي النورينِ، واستنجدَ به فلم يجدْ بُدَّاً من إرسالِ جيشِ نجدةٍ، لئَلا يثير على نفسهِ بترکهِ من عندهِ. ولكنْ لمَّا كان ذلكَ الإنجادُ سیفوِّتُ عليهِ الأمرَ الذي يعدُّ نفسَهُ له إذا نجحَ إنقاذُ عثمانَ، ويرصُد دونَهُ الأبوابَ في وجهِهِ، فإنَّهُ أَمَرَ سِرَّاً رئيسَ الحَمْلةِ أنْ يتقدَّمَ إلى النُّخَیْلَةِ(1) بالجيشِ وينتظر ريثما يلحقُ به لمنْ بَقي.
وبذلك حَبَسَ جيشَ النَّجدۃِ عن تأديةِ المُهِمَّةِ، وأرى من عنده أنَّه قد فعلَ وحققَ بذلك مقتلَ الخليفةِ الذي سيمهِّدُ له للوثوبِ على أمرِ المسلمينَ، فلما استُشهِدَ الخليفةُ أمَرَ الجيشَ بالعودةِ، وكتبَ لطلحةَ(2)
ص: 66
والزُّبير(1) کتاباً مشتركاً يقولُ فيه: إنَّ مَنْ قَبْلِي مِن المسلميَن لا يَعْدلونَ بكما أحَدَاً و
ص: 67
استكتَمَهُما أمرَ الكتابِ هذا من النَّاسِ جميعاً.
وكَتَبَ مع هذا لكلِّ منهُما كتاباً خاصاً يقولُ فيه: إنَّ مَنْ قَبْلِي يرجِّحونَكَ أنتَ على صاحبِكَ، واکْتُمْ هذا عنهُ.
وأمرَ رسولَهُ الذي حملَ الكُتُبَ الثَّلاثةَ إليهما سِرَّاً، والذي حمل كتابَ معاويةَ إلى الإمامِ جهاراً، أنْ يُسلِّمَ الكتابَ المُشتركَ بينهُما إليها في خفاءٍ من النَّاسِ وبحضورهِما معاً، ويسلِّمَ لكلٍّ منهما الكتابَ الخاصَ به في خفيةٍ عن الآخرِ وبدونِ علمِهِ.
وبذلك استطاعَ أنْ يُفَّرِقَ بينهما وبين عليٍّ، وأنْ يجعلَ كلَّا منهما قوي الأملِ والطموحِ في صيرورةِ الأمرِ إليه دونَ صاحبهِ، وأنْ يكونا يداً واحدةً ضد الإمام.
ولقد قالَ الإمامُ (كرم الله وجهه): واللهِ ما معاويةُ بأدْهَى مِنّي ولكنّهُ يغدُرُ ويفجُرُ(1).
وكان الرأي مع الإمامِ عندما رفضَ نُصْحَ المغيرةِ. وبعبارةٍ أصَحّ غُشَّ المُغيرةِ، بأنْ يبقى معاويةُ على الشَّامِ ريثما يتمُّ الأمرُ، ومثلُهُ رأي ابنِ عباسٍ فقالَ (عليه السلام): کلا لا التَّخِذُ المُضِلِّینَ عَضُداً. لأنَّ معاويةَ من الدَّهاءَ والمَكْرِ بالمكانِ الذي لا يَخْفَى عليهِ هذا، ومن الفِطْنةِ بحيث أنَّهُ كان سيجعلُ من توْلِيةِ الإمامِ حُجَّةً لهُ أقوى من كلِّ حُجَّةٍ على صلاحيتِهِ لمَّا آلَ إليهِ آخرَ الأمرِ وأولهُ، فكانَ رأي الإمامِ هو الأرجَحُ والأرضَى للهِ سبحانَه.
والحديثُ المشارُ إليه في البيتِ هو لا يُحبُّكَ إلا مؤمنٌ ولا يبغضُك إلا منافقٌ.
ص: 68
وحبُّهُ إيمانٌ وبغضهُ نفاقٌ.
ومن تأمَّلَ سَيْرَ الحوادثِ من أواخر أيامِ عثمانَ إلى أنْ تغلَّبَ معاويةُ واستبدَّ بالمُلْكِ عَرَفَ أنَّهُ رجلُ دنياً وأنَّهُ ابتزَّ أمْرَ المسلمينَ بالقهْرِ والغَلَبةِ ولهذا جاءَ في الحديثِ: الخِلافةُ بعدي ثلاثونَ سنةً ثم تكون مُلْكَاً عَضُوضَاً(1). وإذا كانَ محارباً الإمامةِ الحَقِّ، فلا شكّ أنَّه كانَ شديدَ البغضاءِ لهُ، وأنَّه استمرَّ ولا أدلُّ على ذلكَ من عهدِهِ لولاته بشدَّةِ المضايقةِ لأولياءِ الإمامِ بعدَ موتِهِ، وأنْ لا يقبلوا شهادتَهُم، وأنْ يُخْرَجُوا من الدِّيوانِ، ويُنَّكِلوا بكلِّ مَنْ رَوَى فضيلةً لهُ، وأنْ يلعنُوهُ على المَنَابرِ في جُمَعِهِمْ وأنْ يُفْرِضُوا هذهِ، والبراءةَ منهُ على النَّاسِ. وهذهِ حقائقٌ لا غبارَ عليها ويستحيلُ عندَ العقلِ والإنصافِ اطِّراحُها وتجاهُلُها وعدمُ اعتبارِها لهوى النُّفُوسِ سَريْرَةٌ لا تُعْلَمُ *** کَمْ حَارَ فيهَا عَالِمٌ مُتَكَلِّمُ(2) ويقولُ آخرُ:
ص: 69
يَأبَى الفَتَى إلا اتِّبَاعَ الهَوَى *** ومَنْهَجُ الحَقِّ لهُ واضِحُ(1) دَعَاهُمْ إلى جَنَّاتِ عَدْنٍ وهُمْ دَعَوا *** إلى النِّارِ سّلْ عَمَّارَ عنْ دِيْنِ ما دَانِ لفظُ الحديثِ: وَيْحَ عمَّار تقتلُهُ الفئةُ الباغيةُ، يَدْعوهُمْ إلى الجنَّةِ ويَدْعونَهُ إلى النَّار.
وقد سبقَ عنِ الأميرِ تواترُهُ، ويأتي بعدَ هذا مثلُهُ عن الحسنِ الجلالِ فِي العِصْمَة عن الضَّلالِ، ولمَّا قُتِلَ عمَّار (رضي الله عنه) هَمَّ ذو الكِلاعِ الحميري(2) وآخرونَ أنْ يفيئوا إلى عليٍّ لعلمِهم بالحديثِ.
فأمَّا ذو الكلاع فقُتِلَ حالاً فقالَ معاويةُ: لا ادري بأیِّهما أسَرُّ أبقتلِ عمَّار أم بقتلِ ذي الكلاع(3). وأما الآخرونَ فخدعَهُمْ بقولهِ إنَّما قَتَلَهُ مَنْ جاءَ به فانْخَدَعوا. فلماَّ بلغَ قولُهُ عليَّاً ((عليه السلام) قال: إذنْ رسولُ اللهِ قَتَلَ حمزةَ، وبمثلِ هذهِ الكلمةِ تَکْتَسِحُ السُّبَّةُ السَّخيفةُ التي تَنْطلي على الجهلةِ الأغبياءِ أتباعِ كلِّ ناعقٍ.
ص: 70
ودِيْنٌ في البيتِ: أي دعاةُ الجنَّةِ ودعاةُ النَّارِ، وما يفيدُهُ لفظ الحديثِ من تمييزِ المُحِقِّ من المُبْطِلِ كقولهِ تعالى: «أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(1) وعِتْرَةُ خَيْرِ المُرْسَلینَ کمَا رَوَى ال *** بُخاريُّ عَنِ الصِّدِیقِ والثُّقُلِ الثَّانِي روى البخاريُّ في صحيحِهِ عن أبي بكر الصِّديقِ أنَّهُ قالَ: (عليٌّ عِتْرةُ رسولِ الله)(2). أي هو المرادُ في زمنِهِ بالعِترْةِ في حديثِ الثَّقليِن(3) الذي تبلغُ طرقُهُ ستيَن طريقاً كلُّها ترويهِ بلفظِ الكتابِ والعِتْرةِ وأهلِ بيتي أو هُمَا معاً وهو الأكثرُ(4).
ص: 71
قالَ ابنُ حَجرٍ في الصَّواعقِ المُحرقةِ: ثمَّ اعْلَم أنَّ لحديثِ التَمسُّكِ بذلكَ طرقاً كبيرةً وردتْ عن نيفٍ وعشرينَ صحابياً، وفي بعضِ تلكَ الطُّرقِ أنَّهُ قال ذلكَ بعَرَفَة، وفي أخرى أنَّهُ قال بغديرِ خُمٍّ، وفي أخرى أنَّهُ قالَ بالمدينةِ في مرضِهِ وقد امتلأتِ الحُجْرَة بالصَّحابةِ، وفي أخرى أنَّهُ قالَ لمَّا قامَ خطيباً بعد انصرافِهِ من الطَّائفِ ولا تنافي إذ لا مانعَ أنَّه كرَّرَ عليهم في تلكَ المَواطنِ وغيرِها اهتماماً بشأنِ الكتابِ العزيزِ والعِتْرةِ الطَّاهرةِ. انتهى(1).
فإحداها: (إنِّي تاركٍ فيكمْ خليفتينِ) وفي لفظٍ (فلا تتقدَمُوهُما فتهلكوا كتابُ اللهِ وعترتي).
قالَ الحسنُ الجَلالِ(2) في العِصْمَةِ في الكَلامِ عليهِ وعلى حديثِ السَّفينةِ المستفيضِ الصَّحيحِ، قال: والكلُّ منها ظاهرٌ في إيجابِ إتباعِهِما الذي هو مَعْنى الائتِمِامِ بهما لأنَّ فيها النَّهي عن تقدمِهِما، والإخبارُ هلاكُ المتخلِّفِ عنهما.
ص: 72
ثمَّ قالَ والإمامَةُ قطعیَّةٌ مَنْصِباً كلياً، ظنيةٌ شخصيَّاً إلا عليَّاً (عليه السلام) فإمامتُهُ قطعیَّةٌ لحديثِ عمَّارِ المتواترِ لفظاً ومعنى، إجماعاً بلفظِ: وَيْحَ عمَّارٍ يدعوهُمْ إلى الجنَّةِ ويدعونَهُ إلى النَّارِ. وذلك صريح في أنَّ عليَّا وأصحابَهُ يدعونَ إلى الجنَّةِ التي دعا اللهُ إليها في قوله: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ»(1) وذلكَ معنى الإمامَةِ في الدِّينِ قطعاً الخ.
ولفظِ حديثِ السَّفينةِ (أهل بيتي كسفينة نوح (عليه السلام) من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)(2) وفي روايةٍ غَرَقَ وهَوَى.
وهذا وحدهُ كافٍ في التدليل على هلاكِ معاويةَ وأنصارِهِ، دعاۃِ النَّارِ، وانَّهُ غيرُ مجتهدٍ بل هو باغٍ على إمامِ المسلمينِ، ووصي سیِّدِ المرسلينَ. ولا اجتهادَ مع نصٍّ بالإجماعِ.
فماذا تَرَى في دَعَا لَجِهَنَّمٍ *** وقَتْلِ أوليِ بَدْرٍ وبيعَةِ رُضْوَانٍ وحِجْرٍ وتمليكِ اليَزِيدِ عليهُمُو *** مَعَ السّمِّ للأتْقَى إلى نَكْثِ إيمَانِ كانَ مع الإمامِ في قتالِهِ للقاسطينَ جميعُ الأحياءِ منَ البدرينَ وأهلِ أُحدٍ وبيعةِ الرُّضوانِ، وقد قُتِلَ منهم نیفٌ وسبعونَ بسيوفِ القاسطينِ، کما قَتَلَ صَبْراً معاويةُ
ص: 73
حِجْرَ بن عَدِيّ(1) العَبَّادَةَ الأوَّاه مع ستَّةٍ من أصحابهِ لنَهْيهم عن مُنْکَرِ السَّبّ على المنابرِ لأميرِ المؤمنينَ (كرم الله وجهه) ومِمنْ أنکَرَ عليه هذا البَغْي والفسادَ عائشةٌ أمُّ المؤمنينَ(2).
ولما اسْتَوْسَقَ لهُ الأمرُ فرضَ على النَّاسِ أنْ يبايعوا لابنِهِ يزيدَ.
ومهَّدَ لذلك بقتلِهِ للحَسَنِ السِّبطِ بالسّمِّ بواسطةِ إحدى زوجاتِهِ، إذ أغراها بمبلغٍ من المالِ وأنْ يزوِّجها يزيدَ، فلمَّا نفَّذتْ کَيْدَها أوفاها بالمالِ فقط واعتذرَ عن تزويجها ابنَهُ لعدمِ الثِّقةِ بها، والخوفِ عليه منها(3).
ص: 74
ثمَّ أخذَ في أمرِ البيعةِ ليزيدَ متجاهلاً لإنكارِ جميعِ المهاجرينَ والأنصارِ لذلكَ ولمعارضَتِهم. ولمَّا دخلَ الكوفةَ بعد الصُّلحِ على شروطِهِ، قالَ على منبرِ الكوفةِ الأهلِها: كلُّ شرطٍ شرطتُمُوهُ فهو تحتَ قَدَمِي. فنكثَ بما قَبِلَ من شروطِهم، ونكث بغدرهِ بالحَسَنِ السّبط(1)، وبقتلِ حِجْرٍ وأصحابِهِ الأخيارِ، وخانَ اللهَ ورسولَهُ والمؤمنينَ بتوليتِهِ ابنه.
ص: 75
ففي الحديثِ الشَّريفِ ما معناهُ ولفظهُ (ومَنْ ولَّى على المسلمينَ رجلاً وفيهم خيرٌ منهُ فقد خانَ اللهَ ورسولَهُ وجميعَ المسلمين)(1).
وله أمثالهُنَّ هِناتٌ كثيرةٌ، وإنَّما نذکُر ما يقتضيهِ الحالُ من الكُتبِ المُعتمَدةِ عند أخوانِنا المُهَذبينَ من أتباعِ الأئمةِ الأربعةِ والسُّنةِ الشَّريفةِ.
فمَا بَعْدَ هذا الحَقّ إلا ضلالةٌ *** تَسُوقُ وتَهْدي أهلَهَا نَهْجَ نيرانِ ولو أنَّهم تابوا نَجَوا غير أنَّهُمْ *** أصَرّوا وسَنَّوا سَبَّةً عبرَ أزَمانِ نعم إحْدَى هذهِ الأفاعيلُ کافيةَ لمعرفةِ الحَقِّ في المسألةِ.
فماذا بعدَ الحَقّ إلا الضَّلالُ المبينُ، فمن يصرِفُ عن الحَقِّ المبينِ فإنَّما أخذتْهُم العزَّةُ عن الرُّجوعِ إليه، ودَخَائلٌ في النُّفوس.
فأمِّا تظاهرُهُم بأنَّهم بذلكَ يجلّونَ صحبةَ الرَّسولِ، ويحترمونَ أصحابَها وتسويلهم لأنفسِهم. إنَّ سيئاتِ الصَّحابةِ لا تضرُّهُمْ ولا يؤاخذونَ عليها بجانبِ حسناتِهِم التي تَمْحُوها، إنَّما هو مُجَرَّدُ خُدْعةٍ يخدعونَ بها أنفسَهُم ومن يطيعهم واعتذارٌ أَوْهَی من نَسْجِ العنكبوتِ يردونَ بهِ الحَقِّ الصِّراحَ ويحسَبونَهُ هَيْنَاً وهو عندَ اللهِ عظيمٌ وعندِ شهداءِ اللهِ في أرضِهِ.
ولو أنَّ معاوية وحزبَهُ تابوا كما تابَ أصحابُ الجَمَلِ لَنَجوا، ولكنَّهم أصَرُّوا واسْتَكْبَروا اسْتِكْبَاراً، وظَلُّوا على مُنْتَهى ما يفعلُهُ لئيمٌ ظافِرٌ من سُوءِ معاملَتِهم الأنصارِ الإمام، ومِن لعْنِهِ على منابرهِم، وحَمْلِ النَّاسِ على البراءةِ منهُ حينَ لم يبقَ مبررٌ ولا موجبٌ لذلكَ، كلَّا بلْ رانَ على قلوبِهم ما كانوا يكسبونَ، حتى أزالها الأمامُ
ص: 76
عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ (رضوان الله عليه).
وفي الحدي الشَّريفِ: (مَنْ عادى لي وليَّاً فقد آذنتُهُ بالحَرْبِ)(1) وفيه أيضا: (سِبابُ المؤمنِ فُسُوقٌ وقتالُهُ كُفْرٌ)(2) ولا يقالُ هذا عليٌّ قاتلٌ فهو يصدقُ على الطَّرفِين المتقاتلينِ، لأنَّهُ لابدَّ من مُحِقٍّ و مُبْطِلٍ في قتالهِ وأسبابِهِ. والذي يستحقُ اسمَ الفُسوقِ والکُفرِ منهما، هو المُبطِلُ لا غيرَ في كلِّ ما حدثَ أو يحدثُ مدى الدَّهِر، وهو المُعتدي الظَّالمُ، وهو في هذا المقامِ من عَلِمْتُم رحمَكُم اللهُ.
وصُحْبَةُ طَهَ تقتَضِي فَضْلَ صَحْبِهِ *** وفَضْلَ الجَزا إنْ أحْسَنُوا أيَّ إحْسِانِ لما قَتَلَ خالدُ الوليدِ بني خُزَيمةَ، وغَضبُ النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) لذلكَ فقالَ ثلاثاً: (اللّهمَ إنِّي أبرأُ إليكَ ممَّا فعلَهُ خالدٌ)(3)، وأساءَ خالدُ حينذاكَ إلى عبدِ الرَّحمنِ بن عوف، فقال النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله) معرِّضَاً بإساءةِ خالد إلى ابنِ عوفٍ: (ألَسْتُمْ تارکينَ لي أصحابي إنَّهُ لو انفقَ أحَدُكم مثلَ أُحدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدِهِم ولا نصيفهِ) فنزّل النّبيُّ خالداً من ابنِ عوف کمنزلةِ التَّابعيِّ من الصَّحابي، ونزلَ حَسَناتهِ من حَسَناتهِ بحيث قال (صلَّى اللهُ عليهِ و آلهِ وسلّم) ويقول اللهُ معظِّماً لدرجةِ
ص: 77
الأسبقيةِ: «وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً»(1).
وهاكَ دليلاً يكادُ سَنَا برقِهِ يُذهِبُ بالأبصارِ، وهو المشار إليه بقولي:
کمَا تقتَضِي ضِعْفَ الجَزا لإسَاءةٍ *** وفي سُورةِ الأحزابِ في ذِيْنِ نصَّانِ فلا صُحْبةٌ أغنتْ نِسَاءَ صفيّهِ *** فما بالُكَ القاصِي إذا حُرِمَ الدَّانِ قالَ اللهُ تعالى: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا»(2) هذانِ نصّانِ في جانبي ثوابهنَّ وعقابهنَّ لو فعلنَ، وهذا هو المعقولُ فإذا كانتِ الحسنةُ منهم ومنهُنَّ أحسنَ، فالسَّيئةُ منهمْ ومنهُنَّ اثنتينِ بنصِّ القرآنِ.
قالَ عليٌّ (كرم الله وجهه): (وليسَ بينَ الله وبينَ أحَدٍ من خلقِهِ هوادةٌ في إباحةِ حِمَىً حرَّمهُ على العالمينَ)(3) ولو جازَ ذلكَ لكَانَ نساءُ النَّبيّ أحقَّ بالمحاباةِ من سائرِ الصَّحابةِ لكونهِنَّ صحابیاتٍ، وزيادةٌ لاختصاصهِنَّ بالصَلةِ من رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم).
وقد خاطبَ اللهُ الصَّحابةَ ومن بعدِهِم إلى يومِ الدِّينِ بقولِهِ: «لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا»(4)
ص: 78
وبقولِهِ: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(1).
وكلّ وعِيدٍ في الكتابِ أو السُّنَّةِ موجَّهٌ إليهم لأنَّهم المخاطبونَ بهِ کالو عيدِ على الرِّبا والزِّنا والقتلِ بغيرِ حقٍّ بالخلودِ في النَّارِ. غيرَ أنَّ بعضَ المنتمينِ إلى العلمِ سوَّلتْ لهم أنفسُهُم، بل اخترعتْ لهم أهواؤهم أنْ يفرُّوا من التَّسليم بالحقِّ الأبلجِ بتلكَ الشُّبهةِ الضَّئيلةِ التي يدعمونَها بأحاديثَ إنْ صحَّتْ فقد أساءوا تأويلَها، وها زَعَمُوا أنَّ الكلَّ على حقٍّ وإنْ ثبتَ الخَطأ فهم متأولونَ و مأجورونَ، وحسناتُهم كفيلةٌ لمحو سيئاتِهم، ومغفورٌ لهم، دعوی باطلةٌ وزعمٌ ما أنزلَ اللهُ به من سلطانٍ.
فإذا كان العذابُ مُضاعَفاً على فاحشةٍ لا يتعدَّى إثمُها وضرّها فاعلتها لو فعلتها، فما بالُكَ بفاحشةِ قتلِ مائةِ ألفٍ فصاعداً، فيهم سبعونَ بدریَّاً من الصَّحابةِ غيرَ سائِر المسلمينَ، وتوليتهِ الأشرارَ على الأخیارِ کابنِ أرطأة(2) وغيره وتركَ الأخيارِ ولکنْ
ص: 79
ص: 80
قد تُنْکِرُ العَيْنُ ضَوءَ الشَّمسِ مِن رَمَدٍ *** ويُنْکِرُ الفَمُّ طَعْمَ المَاءِ مِن سَقَمٍ(1) وفي سُوْرَةِ التَّحْرِيمِ لمْ تُغْنِ صُحْبَةٌ *** لِنُوْحٍ ولوْطٍ منْ هَلاكٍ وطُوفَانِ وعاتَبَ فيها حَفْصَةً في صَغيرةٍ *** وأخرى صَغتْ فَانْظُرْ لمَا قالَ هاتانِ فلو صَحَّ ما قلتُمْ لمَا عُوتِبَا ولا *** تَخَلَّدَ في القُرآنِ تَهْديدُ دَیّانِ وفي جَمْعِ تَیْنِ القصَّتینِ بسُورَةٍ *** کتي صِغَراً شَأْنٌ ويا لكَ من شَانِ قالَ اللهُ سبحانَهً وتعالى في سورةِ التَّحريم: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ»(2) هكذا كانَ عاقبةُ أمرهِمِا دخولَ النَّارِ ولم ينقذهُما منها أعظمُ وألصقُ علاقةٍ لهما و صُحبةٌ للعبدينِ الصَّالحينِ، وكذلكَ الحُكْمُ في أزواجِ سیِّدِ العبيدِ الصَّالحينَ (صلوات الله عليهم أجمعين) فلو خانتهُ إحداهُنَّ لقيلَ لها ادْخُلي النَّارِ مع الدَّاخلينَ، کما خاطبهُنَّ مالكُ المُلْكِ جلَّ في عُلاهُ بقولهِ:
«مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ»(3) فالزَّوجيةُ مضافاً إليها الصُّحبةُ لا تنقذُ وهذا يدلُّ بدلالة فحوى الخطابِ على عدمِ إفادةِ الصُّحبةِ بمفردِها من بابِ أولى، وحتى الصَّغائر منهُنَّ هي اكبرُ منها من غيرهِنَّ ألا ترى كيفَ
ص: 81
عاتبَ اللهُ وأنَّبَ ووبَّخَ حفصةَ وعائشةَ على أمرٍ يُعدُّ من سواهِن من الصَّغائرِ وأكثرَ في تجسیمِ ما اقترفاهُ حتى اشتملَ على ذكرِ الطَّلاق وبدَّلَ خيراً منهُنّ. وذكرِ جبريلَ والملائكةِ وطلبِ التَّوبةِ وغيرِ ذلكَ، ولعلَّ من السِّرِّ في جمعِ قصتِهما و قصةِ الخائنتينِ في سورةِ قصيرةٍ التوكيدُ والتقريرُ في الأذهانِ لحقيقةِ الأمرِ، وصدُّ وسْوسَةِ الشَّيطانِ واستغوائِهِ للجُهّالِ بأنَّ صُحبةَ النَّبيِّ مكفّرةٌ لما تقدَّمَ من الذَّنبِ وما تأخَّرَ. فيا لَلْعَجَبِ العجابِ من تَصْعِيرِ الموسوسينَ خُدودَهُم عن الصَّوابِ، وتوجيهِ المغرورينَ إلى سَرابٍ.
وکَرْکَرَةٌ في النِّارِ غَلَّ عَبَاءَةً وكانَ من الأصْحَابِ صَادِقَ إيمَانِ روى البخاريُّ وغيرُهُ أنَّهُ كانَ على ثقلِ رسولِ الله (صلَّى اللهُ عليهِ و آلهِ وسلّم) رجلٌ يقالُ له (کَرْکَرَةٌ) فماتَ، فقال النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): هو في النَّارِ فنظروا فإذا هو قد غَلَّ عباءةً مع أنَّهُ ماتَ في عهدِ رسولِ اللهِ، هُمْ أولى بالنَّجاۃِ ممنْ ماتَ بعدَهُ(1).
وقد نصَّ الحديثُ أنَّ غَلَّ العباءةِ ادخلَهُ النَّارَ لانِفَاقَ فهو صادقُ الايمانِ لكنَّهُ
ص: 82
سَرى عليهِ حكمُ العُمومِ في قولِهِ تعالى: «وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1) وحكم الشمول في مثل «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا»(2) التي خاطبَ اللهُ بها المسلمينَ ليطيعوه فيما عيَّنَهُ من المواريثِ.
و آيَةُ إنْ أشْرَکْتَ يعنِي مُحَمَّداً *** وتَرْکُنُ شَيْئاً كانَ أنْوَرَ بُرْهَانِ قالَ تعالى: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(3) وقالَ لهُ: (قَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ»(4) فإذا كانتِ المؤاخَذَةُ منَ اللهِ لرسولِهِ لمجردِ رکونٍ قليلٍ لو حدث قد يتجاوزَ عنه ممنْ هو دونَهُ، فإنَّ المؤاخَذَةَ للصَحابةِ منَ اللهِ أسرعُ وأكبرُ من مؤاخذتهِ من بعدهِمْ ومن هو دونَهُم فضلاً لأنَّ الحُجَّةَ عليهِم أكبُر. هذا هو القِياسُ الصَحیحُ الموافقُ للنُصوصِ لا قياسُهم المَنْكوسُ واسْتدلالُهُم المَرْكوسُ.
ومن ذلكَ قالوا حَسَناتُ الأبرارِ سَیِّئاتُ المُقَرَّبينَ، فإنْ لمْ يكنْ حَديثاً نبويَّاً فمعناه نبويٌّ قرآنيٌّ.
ولهذا لمْ يَختَلِفِ العُلماءُ في التَّسليمِ بمعناهُ، وهذا البرْهانُ بمَكانٍ من الوضوحِ لا يخْفَى على بَليدٍ. وكلُّ برهانٍ ذكرتُهُ أو أذكرُهُ في هذهِ المَنْظومةِ و تعليقِها ستجِدُني بنيته على زُبُرِ الحَدِيدِ وأفرَغْتُ عليهِ قِطْرَاً والفضلُ والمِنَّةُ للهِ سبحانَهُ الهادِي إلى الصِّراطِ المُسْتقیمِ.
ص: 83
يُسَاقُ بِهِمْ ذاتَ الشِّمالِ مُوَضّحٌ *** مُرَادَ رسُولِ اللهِ أوْضَحَ تِبْیَانِ ولمْ تَدْرِ مَاذا أحْدَثُوا بَعْدَ کَاشِفٍ *** بأنَّهُمُو مَقْصُودُهُ مِنْ عَنَا العانِي *** وهذا حَدِيثٌ في الصَّحَاحِ مُسَلّمٌ *** بِهِ دونَمَا نَقْدٍ ولا طَعْنِ طَعّانّ الحديثُ في الصَّحِيحينِ أي أحدُهُما وغيرُهُ يؤتى بأناس من أصْحابي يومَ القيامةِ فَیُسَاقُ بهمْ ذاتَ الشِّمالِ، فأقولُ يا ربِّ أصْحَابي فيقالُ لي انَّكَ لا تدري ماذا أحْدَثوا بعدَكَ إنَّهُم رَجَعوا على أعْقَابِهِمْ.
فقولهُ من أصحابي نصَّ على أنَّ الصُحبةَ لَهُ لا تُعْصِمُ من عِقَابِ اللهِ مَنْ أحْدَثوا بعدَ موتِهِ مِنْ أصْحابِهِ.
وتمامُ الحديثِ فأقولُ سُحْقاً سُحْقاً أو بُعْداً بُعْداً، و قولُهُ ما أحْدَثوا(1) إلا لمَا عَمَلوهُ بعدَهُ مُخَالفاً لمَا فارقَهُم عليهِ، كما تَنصُّ عليه كلمةُ (بعدكَ) أيضا (صلَّى الله عليهِ وآلهِ وسلّم) فَتَكَلُّفُ مَنْ أدْلوهُ بالمنافقينَ مَرْدودٌ بمَدلولِ هذهِ الكلماتِ التي تأبَاهُ، وبقولهِ أنَّهم رَجَعوا على أعقابِهم، أي رَجَعوا على الأعقابِ، وانثنوا عن الجَّادَّةِ والاتِّجَاهِ الذي كانوا عليهِ في عهدِكَ.
فإمَّا المنافقونَ فقدْ كانوا على ضَلالٍ من عهدِهِ، ومِن أوَّلِ الأمرِ في حياتِهِ، وعَلِمَ ما هُمْ عليهِ، وبأعَيانِ نِفَاقِهِم وأنواعِهِ، کما تقصّهُ سورةُ بَراءةٍ وغيرِها، وعلَّمَ أعيانَهم
ص: 84
بل أخبرَ حذيفةَ(1) بهمْ وعرَّفَهُ بأسمائِهِم.
أمَا هؤلاءِ فإنَّهُ عندما يراهُمْ يُدَعّونَ دَعَّاً في ذاتِ الشّمالِ فإنَّهُ سيفزعُ ويهولُهُ الأمرَ فيقولُ مُسْتَشْفِعَاً لهُمْ (يا ربِّ أصْحَابي) فيقالُ لَهُ: أنتَ لا تعرِفُ ما فعلوهُ بعدَ موتِكَ فاسْتَحَقُّوا بهِ ما تراهُ. فلا يَسَع النَّبيّ عندَ ذلكّ إلا أنْ يقولَ سُحْقاً سُحْقاً.
وهذا قاطِعٌ للطَمَعِ في الشَّفاعةِ لهم، هذا وقد أفادَكَ الحديثُ بالنَّصِ أنَّ ما اسْتَحَقُّوا بهِ عقابَهُم ليسَ الِّنفاقُ لذا قلتُ:
وأَضْحَكَ في تلْفِيقِ مَعْنَاهُ بَعْضُهمْ *** فَمِيزَ مقالُ الصِّدقِ مِنْ قَولِ فَتَّانِ ولمْ يَرْضَ باغِ الحَقَّ ذلكَ وارْتَضَی *** بهِ کُلُّ منْ يُصْغِي لِزُخْرِفِ شَيْطانِ هذا تحذيرٌ بالتَّذكيرِ بقولِهِ تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ
ص: 85
مُقْتَرِفُونَ»(1) فتأمل طويلا.
ومَنْ لم يُمَيِّزْ بينَ حَقٍّ وباطِلٍ *** عَریضٍ وسادٍ والقفَا فهو باعَانِ ليس في واقعِ الأمرِ إلا مُحِقٌّ ومُبْطِلٌ ولا ثالثَ لهما. وليسَ وراءَ الدُّنيا منزلٌ إلا الجنَّةَ أو النَّارَ ولا ثالثَ لهما. وليس من عملٍ إلا طيبٍ وخبيثٍ، فَتَوَهُّمُ شَيءٍ خارجٍ عن هذه القسمةِ خرافةٌ وأمانيّ باطلةٌ وأوهامٌ: (وَالَّذِينَ كَفُرُوا أَعْمَالُهُمْ کَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِنْدَهُ فَوَقَّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الْحِسَابِ)(2) وكانَ يكفي أنْ يكونِ القفَا نصفَ باعٍ ولكن ماذا نقولُ للقافيةِ.
وكائِنْ تَرَى من غَالِطٍ ومُغَالطٍ *** فذلكَ من جَهْلٍ وذا خُتْلُ شَيطانِ الغالطُ جاهِلٌ، والمسألةُ التي نحنُ بصددِها لا يُعْذَرُ فيها الجاهلُ فكيفَ بالتمُجَاهلِ؟ عن أبي الدَّرداءِ قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كيفَ أنتَ يا عُويمرُ إذا قيلَ أعَلِمْتَ أمْ جَهِلْتَ فانْ قلتَ عَلِمْتُ قيْلَ لكَ فما عَمِلْتَ فيما عَلِمْتَ وإنْ قلتَ جَهِلْتُ قيلَ لكَ فما كانَ عُذْرُكَ فيما جَهِلْتَ)(3)
ص: 86
ولا تَرْجِعُوا بعْدِي إلى الكفْرِ نَاسِفٌ *** خَيَالاتِهِمْ مازَ الصَّدوقَ مِنَ المَانِي ونَصَّ بأنَّ الجُرْمَ يَحْدِثُ بَعْدَهُ *** ولیسَ نِفَاقاً كانَ في عهدِهِ الغانِي فمَنْ يَتَجَاهَل مثْلَ هذا معانِدٌ *** وكاتِمُ حَقٍّ أبْلَجٍ أيّ کِتْمانِ المَاني الكاذبُ، والجُرم الجريمةُ، والغَاني (بالغين المعجمةِ) الغِنَى بوجوده (صلى الله عليه وآله وسلم).
والحديثُ من الصَّحاح لفظه (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ)(1). فقوله لا ترجعوا بعدي أي لا تغلبكُمْ الأهواءُ والدُّنيا بعد موتي فتحملُکُمْ على قَتْلِ بعضِکُمْ بعضاً بَغْياً، فإنَّ ذلك سيرجعُكُمْ كُفاراً بعد الإيمانِ، وسواءٌ حَمَلْنا الكفْرَ على الحقيقةِ والمبالغةِ في وصفِ الجُرْمِ فإنَّهُ نصَّ على أنَّهم سيساقونَ بهِ إلى النَّارِ، كما في الحدیثِ السَّابقِ، لأنَّهُ نَفْسُ الحدثِ المُشارِ إليه فيهِ أو أعْظَمهُ عندَ اللهِ. فهل نقولُ الوصفَ بالكفْر والوعيدِ بذات ِالشِّمالِ يشملُ جميعَ المُتَقَاتلينَ بمُحقِّهِم و مُبْطِلهم، أمْ نقصرُهُ على المُبطلينَ، وهو الحقُّ المبينُ أمْ نَرُدّ الحديثَ ونقولُ لا أحدَ منهم يوصفُ بما وصفَهُ النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم)، ولا أحدَ منهِم سيُسَاقُ ذاتَ الشِّمالِ التي قالَ اللهُ في وصفِها وفي أهلِها: «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ٭ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ»(2) فنکفرُ نحنُ بِرَدِّ الحَدِيثينِ اللذين يؤمنُ بصحَّتِهِما و برفضِنا لتصديقِ الرَّسولِ أمْ نتجاهلُ معنی لا تَرْجعوا و معنی بَعْدي و معنی کُفاراً ونتجاهلُ حقيقةَ ما حدثَ بعدَ موتِ الرَّسولِ من قتالٍ بين أصحابهِ، ونقوُل المُرادُ المنافقونَ. سبحانَ اللهَ ما أسْخَفُ مثلَ هذا الزَّعْمِ المبنيُّ على شَفا جُرْفٍ هَارٍ فانهارَ به، ولماذا تلبسون الحَقَّ بالباطلِ
ص: 87
وتكتمونَ الحقَّ وانتمْ تعلمونَ.
وکَمْ دوّنُوا رأياً ضَعِيْفَاً وزَوَّروا *** مَقَالاً ولمْ يأتُوا عليهِ بسُلْطَانِ سِوی شَبَةٍ قد زيَّنَتْها ذلاقةٌ *** ونَفْثَةُ فتَّانٍ وحِبْکَةُ کُهَّانِ في حديثٍ شريفٍ (وإنَّ منَ البيانِ لَسِحْراً)(1) وفيه أيضاً قد يكونُ أحدُکُمْ الحقّ بحجَّتِهِ. فمنْ قُضِيتْ لهُ بحقِّ أخيهِ فإنَّما اقطعَ لهُ قطعةٌ من نارٍ بلفظِهِ و معناهُ.
لذلك يجبُ على المخلصينَ في طلبِ الحقِّ أنْ يُعطوا أدلَّة كلِّ قولٍ حقَّه من النَّظرِ والتأمُّلِ والإنصافِ، وإلا هَلَكوا حتى لو أصابوا الحقَّ، فسيُهْلِکُهم عدمُ التحرّي على إصابةِ الحقِّ کمنْ قَضَى بالحقِّ وهو لا يعلَمُهُ، فهو في النَّارِ، كما جاء في الحديثِ: (قاضيانِ فِي النَّارِ وقاضٍ في الجنَّةِ)(2).
(والعلمُ نقطةٌ) كثَّرَها الجاهلونَ بما انتحلوا من بِدَعٍ وأهواءٍ ومذاهبَ، وانتصرت له أقلامُهم السَّيالةُ بسحرِ البيانِ من الأباطيلِ التي صارَ الحقُّ بينَهُما غريباً، والمَعروفُ مُنْکَراً، واامُنْکَر مَعْروفاً، بدوافعَ شتَّى منها التعصُّبُ لما ألقوهُ وتلقَّوهُ عمَّن يُجِلُّوهُ، وتَعِزُّ عليهم مخالفتَهُ، ومن رَزقهُ اللهُ الإخلاصَ، وألحَّ على اللهِ أنْ يهديهِ سواءَ السَّبيلِ
ص: 88
استبانَ له الحقُّ.
فاللهُ تعالى يقولُ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا»(1) ويقول (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى)(2) فقد منحَ الخَلْقَ الهدايةَ العلاقة التي اقْتَضاها عدلُهُ، ثمَّ عرضَ المزيدَ من الهدايةِ الخاصَّةِ، كالإعانةِ للمتَّقي على ما ينبغي.
وهذا صِراطٌ مسْتَقيمٌ دَليلُهُ *** كَشَمسِ الضُّحَي والبَدْر ليلةَ شَعْبانيِ الإشارةُ إلى كلِّ ما أسلفتُهُ من حُجَجٍ واضحةٍ وبراهينَ قاطعةٍ والى ماُنْتِبعُ هذا من ذلك فمنْ يَغْتَفِرْ حَربَ ابنِ هنْدٍ كعَاذرٍ *** أباهُ وعَمْراً يوم أُحْدٍ وفرقانِ سمَّي اللهُ يوم بدرٍ يوم الفرقانِ، لأنَّهُ نصرَ فيه الحقَّ النَّصرَ الخالدَ وأذلَّ فيه الشِّركَ، فكان فرقاناً بينَ كُفرٍ وإسلامٍ، ونورٍ و ظلامٍ.
ومثلُ رضاهُمْ عن عِداهُ اعتذارُهُمْ *** تصدّي قريشٍ للنَّبيِّ يوم عُسْفانٍ أي من حاولَ التأوّلَ للقاسطينَ، وقد أمرَ الرَّسولُ أخاهُ بقتالِهم، واتَّضحَ له مما سبقَ ومما يلحقُ بغيِّهم. وحاولَ تغطيةَ الحقيقةِ وتبريرَ موقِفِهم وهُمُ هُمُ فذلكَ قريبٌ من إلتماسِ العذرِ لقريشٍ عندما وقفوا لقتالِ النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) بعسفان(3) وصلىّ بأصحابِهِ تجاهَهُم صلاةَ الخوفِ، ويومَ هَبُّوا لصدِّه عن العَمْرةِ عامَ
ص: 89
الحُدَيبيةِ، فلمَّا علِمَ بذلك النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) استأجَرَ دليلاً سلكَ بهِ مکاناً أخرجَهُمْ إلى الحُدَيبيةِ.
ثُمَّ أعودُ إلى الاسْتِظهارِ بدليلٍ آخرَ يزيدُكَ اطمئناناً وقوَّةً، قلتُ.
وخَيْبَرُ أبْدَتْ أنَّ حُبَّ إلهِهِ *** له فوقَ حُبِّ الآخَرينَ بِحُسْبانِ وهذا دَليْلٌ أنَّهُ أكْرَمُ الورَى *** من الصَّحبِ ما في ذاكَ شَكٌّ ليقْظَانِ لمَّا طالَ حِصَارُ النَّبيِّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) لحِصْني (الوطيحِ والسَّلالمِ) من حُصُونِ خيبرَ وامْتَنَعَا، بعثَ الصّديقَ في جيشٍ لفتحِها فعادَ ولم يُفْتَحْ عليهِ، فبعثَ اليومَ الثاني عُمَرَ فلم يُفْتَحْ عليهِ، فقام النَّبيُّ في الصَّحابةِ فقالَ: (لأعْطِيّنَّ الرَّايةَ غَداً رَجُلاً يحِبُّ اللهَ ورسولَهُ ويحبُّهُ اللهُ ورسولُهُ، کراراً غيرُ فرَّارٍ یَفْتَح اللهُ على يديهِ)(1)
ص: 90
فباتَ الصَّحابةُ يَدُوْکُوْنَ ليلتَهُم كلّهم يرجو أنْ يُعْطاها، فلمَّا كانَ الغَدُ دعا الرَّسولُ عليَّاً فقيلَ أنَّه رَمِدٌ. فطلبَهُ فَتَفَلَ في عينيهِ فشَفَاهُما اللهُ وأمرَهُ بمهاجمةِ الحِصْنینِ وأنْ يسيرَ ولا يلتفتَ حتى يُفْتَحَ عليه الحصنان. فمَشَى قليلاً ثم نادى الرَّسولَ دونَ أنْ يلتفِتَ: على ماذا أقاتِلُهُم؟ فأمرَهُ أنْ يقاتِلَهُم حتى يسْتَسْلِموا أو يُسْلِموا فمَضَى من فورِهِ وفَتَحَ اللهُ لهُ.
وفي هذه معجزاتٌ للرسولِ (صلَّی اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) منها إخبارُهُم بالفَتْحِ، وعلى يدي عليٍّ، و في نفس اليومِ، وشِفاءَ عَيْنَي عليٍّ بريقِهِ، فلم يشتكِهِما بعدُ حتى لَحِقَ باللهِ، و فيها فضيلةٌ لعليِّ لا تقاسُ بها أيُّ فضيلةٍ لسِواهُ.
إذنْ من المعلومِ أنَّ اللهَ يحبُّ كلَّ مؤمنٍ، وأنَّ كلَّ مؤمنٍ يحبُّ اللهَ منذ كانت الدُّنيا إلى أنْ لا تكون. ولاسيَّما الصَّحابة الموجَّهُ إليهم ذلك الخِطابُ النَّبويُّ العظيمُ وخصوصاً أهلُ السَّبقِ مثلُ الصِّديقِ وسعد وطلحة والزُّبيرِ وذي النورينِ، الذين أجابوا الرَّسول فورَ دعوتِهِ دونَ أيِّ تردُّدٍ وصبروا على الأذى.
فالتنويهُ بهذا الحبِّ في ذلك الملأ، أفادَ أنَّ الله يحبُّه حبَّاً أسْمى وأعلى من حبِّهِ سائِرِكِم وأنَّ عليَّاً يحبّ اللهَ حبَّاً أسْمى وأعلى من حبِّكم للهِ.
فمحبّةُ اللهِ لعليٍّ، ومحبَّةُ عليٍّ للهِ من درجةٍ لم يَنَلْها أحدٌ منكم، ولم يظْفَرْ به أحدٌ من المخاطبينَ، بل غيرهم.
والأحَبُّ هو الأقربُ وهو الأكرمُ من غيرهِ، ما في ذلك من شكٍّ ولا مَحْمَلٍ للتنويهِ بهذه المحبَّةِ غيرَ ذلكَ، وإلا فَلِمَ قالَ الفاروقُ: واللهِ ما تمنَّيْتُ الإمارةَ إلا ومثل ذلك
ص: 91
اليوم(1).
ولماذا أمسى الصَّحابةُ وأصْبحوا، وكلّ يتمناها ويتطاولُ لها فمنْ أرادَ أنْ يتجاهلَ هذا، ويتكلَّفَ في تحريفِهِ وتأويلهِ، فإنَّما يبرهنُ على أنَّهُ مكابرٌ، مجادلٌ بالباطلِ، ولا يبالي بمثلِ قول المعرِّي:
هذا الفتى أوقَحُ من صَخْرَةٍ *** یَبْهتُ من ناظِرهِ حيث كَانْ ويدَّعِي الإخْلاصَ في دينِهِ *** وهو عن الإلحادِ في القَولِ کَانْ يزْعُمُ أنَّ العَشْر ما نِصْفُها *** خَمْسٌ وأنَّ الجِسْمَ لا في مَكانْ(2) كانَ: اسمُ فاعلٍ من کَنی یُکنّي في البيتِ الثاني.
وقد بَرَزَ الإيمانُ للشَّركِ كلِّهِ *** فيا لكَ من شركٍ هَوى تحتَ إيمانِ لما اقتحمَ الخَنْدقَ يومَ الأحزابِ فارسُها الجبّارُ وبطلُها المغوارُ عَمْرو بن عبدِ ودِّ
ص: 92
العامري(1) في ساحةِ الخَندقِ، اقتحمَ أثرَهُ أربعةٌ من أبطالهم غيَر أنَّ شهرتَهُ غَطَّتْ عليهم، وکادتْ تُعْفَى عليه، ثُمَّ جالَ عَمْرو بفرسِهِ أمامَ جيشِ المسلمينَ يطلبُ مبارزاً فلم يجبْهُ أحدٌ فقالَ الرَّسولُ الكريمُ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) لأصحابِهِ: مَنْ لِعَمْرٍ؟ فلم يُجِبهُ إلا عليٌّ. قال أنا له یا رسولَ الله، فقال النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم): اجلسْ إنَّه عَمْروٌ؟ وأعادَ عَمْرو النّداء. فقال النَّبيُّ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّم) للصَحابةِ: من لعَمْرو وأنا ضَمِینٌ له على الله بالجنَّةِ؟ فلم يجبْهُ أحدٌ غير عليٍّ (كرم الله وجهه)، قامَ فقالَ أنا له یا رسولَ اللهِ فقال لَه النَّبيُّ: اقعد انَّهُ عَمْرو.
واستمرَّ عَمْرو يجولُ بينَ يدي الرَّسولِ ويقولُ: أنَّكم تزعمونَ أن قتلاكم في الجَنّةِ وقتلانا في النَّارِ، فأيُّكم يبرزُ ليعجّلَني إلى النّارِ أو أعَجِّلهُ إلى الجنَّةِ. فلم يجبْهُ أحَدٌ وكانتِ الشِّدَةُ قد بلغتْ ذروتُها والرَّهبةُ منتَهاها، كما وصفَها اللهُ في سورةِ الأحزاب. قالَ تعالى: «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا»(2) شرحَ القرآنُ الكريمُ لهذا المَوقفِ الرَّهيبِ، ومنْ ذا يجهَلُ أنَّ اللحظاتِ التي وثَبَ فيها عَمْرو ورفاقُه الخندقَ و أبطَلوا مفعولَهُ وفائدتَهُ التي اعْتَصَموا بها وهو كلُّ ما أدَّوهُ لدفعِ الخَطَرِ الدَّاهمِ وتخفيفِ الهَولِ الجاثمِ، منْ يَحْمِلُ أنَّها كانتْ أشَدَّ أوقاتِ فترةِ الحِصَارِ وأعْتَاها، وهذا عَمْرو يجولُ ويصُولُ بينَهم ويقولُ:
ص: 93
ولقَدْ بُحِحْتُ مِنَ النِّدَا *** ءِ بجَمْعِکُمْ هَلْ منْ مُبَارز ووقَفْتُ إذْ جَبُنَ امُشَّی-َّ *** -عُ وقَفَةَ القِرْنِ المُنَاجِز(1)
ص: 94
إلى آخرِ الرَّجزِ فلم يجبْهُ أحَدٌ.
فقالَ النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَنْ لعَمْرو وأنا ضَمينٌ له الجَنَّةَ. فلم يقمْ إلا عليٌّ (عليه السلام)، قام فقال: أنا لهُ. فقالَ النَّبيُّ (صلى الله عليه واله وسلم): انَّه عَمرو . فقال: وإنْ كانَ عَمْرو أو في رواية وأنا عليُّ.
فأدناهُ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعممّهُ بعمامتِهِ السّحابِ وأذِنَ لهُ، فلمّا ولَّى قال (صلى الله عليه و آله وسلم): اللّهمَ إنَّكَ أخذتَ منّي عبيدةَ يومَ بدرٍ، و حمزةَ يومَ أُحدٍ، (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ)(1). وكانتْ بين البَطَليِن المُصَاولةُ المَهْيلةُ، والمُنَازلةُ الرَّهيبةُ. وثارَ بينَهما الغبارُ فحجبَهُما عن الأنظارِ تخترقُهُ أصواتُ المُصَادمةِ، و ضَرَباتُ السُّيوفِ. فلم يُعْرفِ الغالبُ من المغلوبِ حتى سَمِعُوا صوتَ الإمامِ والملائكة بالتكبيرِ فدوّتِ الأفواهُ بتكبيرِ المسلمينَ، وانْجَلى القتالُ وعَمْرو صریعٌ، ورأسُ عليٍّ يسيلُ دَمَاً فقد ضربَهُ عَمْرو على رأسِهِ. فقدَ البَيْضَةَ والمَغْفَرَ، وشجَّ رأسَهُ منها وردَّ اللهُ الذين كفروا بغيظِهْم لم ينالوا خيراً وكفَى اللهُ المؤمنينَ القتالَ، وكانَ اللهُ قوياً عزيزاً.
وممَّا دوَّنتْهُ السَّیَرُ وكتبُ الحدیثِ أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله علیه و آله وسلم) قالَ لمَّا
ص: 95
برزَ عليٌّ لعَمْرو: (بَرَزَ الإيمانُ كلُّهُ للشِركِ كلِّهِ)(1) وهذا مَخْرَجُ المبالغةِ كقوله تعالى
ص: 96
«وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»(1).
والصَّيدُ كلُّ الصَّیدِ في جوفِ الفَرَى، والمرادُ قوةُ الإيمانِ والمسلمينِ بعليٍّ (عليه السلام)، وقوةُ الشِّركِ وشوكته بعمرو.
وهي في مثلِ هذا من المحسَّناتِ البديعيةِ، وقسمِ المقبولِ المُسْتظرفِ. هذا، ولم يكنْ موقفُ الإمامِ يومَ مرحبٍ وخيبرَ، وموقفُهُ تجاهَ الأقرعِ بن جرموز وغيرِهِ يومَ حُنَيْنٍ أقَلَّ من هذا.
وإذا تتبعتَ الغَزواتِ والسَّرايا لم تجدْ أغنى منه فيها كلّها، وحسبُهُ هذه فضيلة، فضيلة الجهادِ. ورفعَ اللهُ بها قدرَهُ وشرفَ ذكره، وجعلَتْهُ بين المجاهدينَ طَوداً شامخاً فوقَ الشَّوامخِ وأجدرَ مَنْ يُخاطَبُ بقول إسحاقٍ الموصليّ:
عَطَسْتَ بأنْفٍ شَامخٍ وتناولتْ *** يداكَ الثّريا قاعِدَاً غيرَ قائمِ(2) وباهَی بهِ اللهُ الملائِكَ إذْ فَدَي *** نَبِيَّ الهُدَى طِفلاً وزَیْنَاً لِشُبَّانِ لما حاصَرتْ قريشُ بَني هاشمَ و المُطَّلبِ في شِعْبِ أبي طالبٍ قرابةَ أربعِ سنواتٍ، وصمَدَ البيتانِ مع أبي طالبٍ صُمُوداً سجَّل لهم بهِ الدَّهرُ عظیمَ الفَخْرِ كانَ أبو طالبٍ (رضي الله عنه) القائل:
ص: 97
ولقد عَلمْتُ بأنَّ دیْنَ مُحَمَّدٍ *** مِنْ خَيْرِ أدْيَانِ البَريَّةِ دیْنَا(1) والقائل:
ألمْ تَعْلمُوا أنَّا وجَدْنَا مُحَمَّداً *** نَبِيَّاً كمُوسَی خُطَّ في أوَّلِ الكُتُبِ(2) كانَ في ليالي الحِصَارِ يدَعِ النَّبيَّ إلى هَزِيعٍ من الليلِ حتى إذا اطْمَأنَ أنّضه لا رقيبَ يلحَظُ ما يفعلُ قامَ ونقلَ رسول الله من مضجعِهِ إلى مضجعِ عليٍّ وجعلَ عليِّاً مكانَهُ خشية أن يكونَ أحدٌ قد بينهُ ليقتلَهُ غِيْلةً.
وهذا هو فداءُ عليٍّ لنَّبيِّ الله طِفْلاً في البيتِ، وفداؤه شأبَّاً كانَ ليلةَ الهجرةِ و فيها کما جاء في الحديثِ: (أوحى اللهُ إلى جبریلَ و میکائیلَ: أنّي آخیتُ بینکما و جعلتُ عُمْرَ أحدكما أطولَ من عُمْرِ أخيه، فأیّكما يؤثر صاحبه بأطول العُمرين. فسكتا فقال لهما: إلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب آخيتُ بينه وبين محمَّدٍ ففداه. وأمرهما أن ينزلا فحرساه إلى الصباح يقولان: بخٍ بخٍ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله ملائكته)(3) به.
هذه هي المواساةُ، هذا معنى الحديثِ و أكثرُ لفظٍ فلا غروَ أن اختارَهُ اللهُ أخاً لنبيهِ.
وبعدُ فقد حاولَ باغِضُوهُ التَّخفِيضَ من هذهِ المنْقَبةِ. كما هو دأبُهُم و موقِفُهم من كلِّ فضيلةٍ لهُ.
ص: 98
فقالوا هنا قد أعْلَمَهُ النَّبيُّ أنّه لنْ يُصابَ بأذىً، ومع ذلك فلا فضلَ له في ذلكَ.
فنقولُ لهم إنْ كانَ أعْلَمَهُ کما قلتُم فانَّها منقبةُ إيمانٍ لا يساويهِ إيمانٌ. إذْ اسْلَمَ نفسَهُ ثقةً وإيماناً باللهِ و بصدقِ رسولِهِ، وعَرَّضَ نفسَهُ لسيوف غاضبةٍ حاقدةٍ، عزائمُها ومواثيقُها على القتلِ، فتيقَّنَ أنَّ اللهَ لابدَّ أنْ يَحْفَظَهُ. كما قال لهُ من لا ينطِقُ عن الهوى وإنْ كانَ لم يخبرْهُ فإنَّها منقبةُ فداءٍ، وفضيلةُ مُواسَاةٍ مُنْقَطِعِةِ النَّظِيرِ، بل إذا كان الواقعُ هو الأوَّلُ فقد أفادتِ الحادثَةُ الأمرينِ معاً فإنَّ منْ هذا إيمانُهُ لن يبْخَلَ قَطْعاً بنفسهِ فداءً لرسولِ اللهِ.
على آيةِ حالٍ، وفي كلِّ حالٍ فقضيةُ الفداءِ معلومةٌ لا طاعنَ في صحَّتِها من النَّواصبِ، وهي على كلِّ التَّقدیرِ من أفْخَرِ المَنَاقبِ.
هذا وكلُّ دليل ذكرتُهُ مستدِّلاً على أفْضَليتِهِ في هذه المَنْظومةِ والتَّعليقِ فالهدفُ منها إعطاءُ القارئ صُورةً للإمامِ، يتبيَّنُ لهُ من خلالهِا أهلُ الحقِّ المُبينِ، ویَسْتَبينُ أيضاً سَبيلَ المُجْرمينَ.
وكلُّ دليلٍ منها كافٍ بمُفْرَدهِ لتَحْصِيل المرادِ. فكيفَ بها مُجْتمِعَةً. إنَّهُ لأميرُ المؤمنينَ حقَّاً، مَنْ عاداه فقد عادي اللهَ ورسولَهُ، ومنْ حاربَهُ فقد حاربَ اللهَ ورسولَهُ، وكلُّ فضيلةٍ من فَضَائلِهِ تعدِلُ بمفردِها فضائلَ جميعِ الصَّحابةِ مُجْتمِعَةً، وترجحُ عليها حقَّاً بلا مُبالغةٍ.
وکُلُّ امْرِئ مِنْهُمْ رَهِیْنٌ بِمَا جَنَى *** إذا لَمْ یَتُبْ يا وضيْلَ قاليهِ منْ جَانِ بَرَأتُ إلى الرَّحْمَنِ مِنْ كلِّ ناصِرٍ *** عَدَاهُ وما تَابُوا منِ الأنِسِ والجَانِ وشَتَّانَ ما بَيْنَ المُوالي وليَّهُ *** وبَيْنَ مُوالي مَنْ يُعَادِيهِ شَتَّانِ
ص: 99
عَدُوُّ عَلِيٍّ مَنْ یُحِبُّ عَدُوَّهُ *** ومَوْلاهُ مَنْ عَادَی عِدَاهُ بإيمَانِ وما حَلَّ قلبَاً قّطُّ حُبٌّ وبُغْضَةٌ *** لِضِدَّيْنِ أو جَوْفٌ بهِ حَلَّ قلبَانِ فهَلْ یا تُرَی وَجْهٌ لِزَعْمِكَ حُبُّهُ *** وحُبُّ عِدَاهُ مارِقِيٌّ وسُفْیَانِ بَلَی حُبُّهُ حَقَّاً عَدُوُّ عَدُوُّهُ *** وقاليهِ حُبُّ القاسِطِينَ بعُدْوَانِ الذين استمرتْ عداوتُهُم للإمامِ إلى مماتِهِم، وزرعُوها في قلوبِ أخلافِهم وأتباعِهِم إلى يومِ الدِّينِ. المَارقهُ کلابُ النَّارِ، والقاسِطُونَ الذينَ قالَ في حقِّهم جميعاً أميرُ المؤمنينَ (کرم الله وجهه): (لا تقاتلوا الخَوارجَ مِنْ بَعْدِي فليسَ منْ طَلَبَ الحَقَّ فأخْطَأهُ کَمَنْ طَلَبَ الباطِلَ فأدَرَكَهُ)(1).
والأخيرُ هو معاويةُ وحزبُهُ وخلفُهم إلى يومِ القيامةِ. وانشقَّ منهُم من يدَّعي حُبَّ الطَّرفينِ، ومَحَالٌ أن يكونوا أولياءَ مع ذلك الإمامِ الحَقِّ، لا تجدوا قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ يوادّونَ مَنْ حادَّ اللهَ ورسولَهُ وقد ختمَ اللهُ تقسيمَهُ للمواريث التي كلَّفَ بها المؤمنينَ بقوله «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا»(2) والذين يحادّونَ الله هم الذين يتعدون حدوده و حدوده معصيته فيما أمر ونهی. ألا ترى إلى أنَّ الله سمَّى تقسيمه المواريث حدوده، إذ قال: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(3) وهذا في سياقِ مُخَاطبةِ المؤمنينَ لا المُشْركينَ وشتَّان (بكسرِ النُّونِ وفتحِها) اسمُ فعلٍ مثلُ بَعُدَ.
ص: 100
ضَرَبْتُ مِنَ الأمْثَالِ ماکُلّ واحِدٍ *** شِفَاً لِصُدُورِ العَالمِیْنَ بإيقَانِ وسِقْتُ مِنَ البُرْهَانِ ما کُلُّ حِجَّةٍ *** غِنَىً لأوُليِ الأبْصَارِ لا لأوليِ الرَّانِ فيَا ربَّنَا احْشِرْنَا مَعَ المُرْتَضَى إذا *** أتَوا مَعَ ذِي المُلْكِ العَضُوْضِ ومَرْوانِ تقدَّمَ الحديثُ الصَّحيحُ الخِلافَةُ بَعْدِي ثلاثونَ سَنَةً ثمَّ تكونُ مُلْکَاً عَضُوضَاً.
ومن أحاديثِ الصِّحاحِ: یكونُ هَلاكُ هذا الِّدينِ على أيْدِي أُغَيْلِمَةٍ يتَّخِذُونَ عِبَاد اللهِ خُوَلاً وأموالَهُ دُوَلاً، وعَيَّنَهُمْ أبو هُريرَة ببني أميَّة(1).
ونؤکِّد بأنَّهُ يجبُ على المُؤْمنِ أنْ يَسْتَیقنَ أنَّهُ لا يمكنُ الجَمْعَ بين مُوالاةِ أولياءِ اللهِ ومُوالاةِ أعدائِهِ.
وانَّ أولياء معاويةَ هُمْ أعداءُ عليٍّ لا مَحَالةَ. إذ لا يُمْكنُ الجَمْعَ بين الحَقِّ والباطِلِ، وأنَّ الخَطأ في مسألةٍ قطعيَّةٍ كمسألةِ الموالاةِ والمعاداةِ لا يُعْذَرُ فيه المُكَلَّفُ.
(تنبیه) المؤمنُ ليسَ بلعَّانِ ولا طَعَّانِ، فلا ينبغي لهُ أنْ يَتَّصِفَ بذلك ولا علاقةَ بينَ مُعْتَقدِ القلبِ وعَمَلِ اللسَانِ، فَلْيَجْتَهِد في معرفةِ الحَقِّ وأهلِهِ وأهلِ الباطلِ، ولا يُذَلِلُ لسانَهُ بالسَّبابِ.
وقد يقولُ قائلٌ أليسَ ما ذكرتهُ عن المُبْطلينَ سِباباً لهم؟
ص: 101
والجوابُ أنَّ بيانَ الحقِّ كتأديةِ الشَّهادةِ واجبٌ یُحاسبُ المُقَصِّرُ فيه. وعليهِ أنْ يبيِّنَ للناسِ كما لا ينبغي إثارةُ الجَدَلِ فيها، ولا الخوضُ فيها معَ مَنْ لا يوطِّنُ نفسَهُ على قَبُولِ الحَقِّ، وإنَّ ذلكَ يزيدُ الطِّينَ بلَّة.
والآنَ فقد حانَ لراجي رحمةَ ربِّهِ المُشْفِق مِن خَطاياهُ وذنبِهِ أنْ يَخْتمُ المنظومةَ بمُنَاجاةِ أرْحَمِ الرَّاحمينَ وذي الفَضْلِ العظيمِ، فأقولُ:
کَسُوْبُ الخَطايا مُعْدَمِ الزَّادِ مِنْ تُقَىً *** یُنَادِي کَرِيْمِ الصَّفْحِ يا خَيْرَ مَنَّانِ الأنْسَبَ بحَسْبِ مُقْتَضى الظَّاهِرِ أنْ أقولَ يُناجي يدلُّ نظراً إلى أنَّ اللهَ يَعْلمُ السِّرَّ وأخَفْى.
وفي المَعْنَى يقولُ الزَّمحشريُّ (رضي الله عنه): ومَنْ لمْ يَدْعُ في خِفْيةٍ وخِيْفَةٍ فذو دَعْوۃٍ سَخِيْفَةٍ. لكنْ آثرتُ كلمةَ ينادي لمَا تُفْصِحُ عنهُ منَ الدَّاعِي إليها. وهو قوَّةُ الشُّعورِ بعِظَمِ التَّفريطِ، والغَفْلةُ وكَثْرَةُ الذُّنوبِ، وشِدَّةُ الإحِسْاسِ بالفَاقَةِ، وتَنَاهِي الافْتِقارِ إلى رَحْمَةِ العَزِيزِ الغَفَّارِ، وعَفْو المَلِكِ الجَبَّارِ، ومَنْ هذا شأنُهُ فلا عليهِ أنْ يَدَعَ خَفْضَ صوتِهِ، ومخافَتَهُ في دعائِهِ إلى رَفْعِ صوتِهِ فوقَ صوتِ المُسْتَغِیثِ، وأصواتِ العَجِّ بتلبيَةِ الحَجِّ.
فسُبحانَ مَنْ وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحْمَةً وعِلْماً، القائلُ تباركَ وتَعَالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)(1).
أحَطْتَ بِمَا سَوَّیْتَ عِلْمَاً ورَحْمَةً *** فَرُحْمَاكَ يا رَبَّاُه بالعَاجِزِ الفَانِي
ص: 102
إلَهِي أنِّي ظَالِمٌ ومُضَيّعٌ *** لِعُمْرِي وجَانٍ فَارْحَمْ النَّادِمَ الجَانِي ومُنَّ بِتَوفِيقٍ وشُکْري لأنْعُمٍ *** تَقَلَّبْتُ في أفيائِها ذاتَ أفْنَانِ حَنَانَیْكَ ذا الفَضْلِ العَظِيمِ بمُشْفِقٍ *** مِنَ الخَيرِ مِخْمَاصٍ مِنَ الشَّرِ مِبْطانِ خَلا أنَّهُ باللهِ أحْسَنَ ظَنَّهُ *** ووَحَّدَهُ توحِيدَ موسَى بنِ عِمْرَانِ وَقَدَّسَهُ عَمَّا يُقَدِسُهُ الحِجَا *** وجِبْريْلُ والمُخْتَارُ مِنِ آلِ عَدْنَانِ وذا النُّونِ إذ نَاداهُ في ظُلُماتِهِ *** وتوحيدُ إبراهيمَ يومَ ابنِ کِنْعَانِ فَمَالي مَدْعُوٌّ سِواكَ ولا رَجَاً *** وإنِّي لَذُو عِلْمٍ بِربِّيَ ربَّانِي قِنِي مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ثُمَّ جَهَنَّمٍ *** وأهوالِ يومِ الحَشِر يَا خَيرَ ربَّانِي فإنْ لمْ تُدَارِکْنِي مِنَ اللهِ رَحْمَةٌ *** فيا خِزْيَ توقَافِي ويا خُسْرَ مِیزانِ وعَمَّ الأوُلَى أرْجُو لَهُم فضلَكَ الَّذي *** أحَاطَ وتولينَا جمِيعَاً بإحْسَانِ ويا مالِكَ المُلْكِ العَظَيمِ اهْدِنَا لِمَا *** تُحِبُّ وتَرْضَى واعْفُ واخْتِمْ برضْوانِ وصَلِّ على المُخْتارِ والآلِ كلَّمَا *** أضاءتْ سَمَاءَ الفِهْمِ آیَاتُ قُرآنِ انتهى والحَمْدُ للهِ نقلُها من مُسَودةِ التَّعليقِ مع إلحاقِ ما ليسَ بها، الآن ساعةَ خمسٍ إلا ثلثٍ غروبَ الشَّمسِ من ليلةِ الأحدِ ثالثِ ذي القعدةِ الحرامِ سنة 1394 أربع وتسعينَ وثلاثمائةٍ وألفٍ هجريةٍ قمريةٍ، على صاحبها وآله أفضلُ الصَّلواتِ والتَّسليم، وسبحانَ اللهِ وبحمدِهِ سبحانَ اللهِ العَظيمِ.
ومنْ أحَبَّ أنْ یکتالَ بالمِكْيالِ الأوفَى فليختِمَ الدُّعاءَ بقولهِ سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزَّةِ عمَّا يصفونُ وسلامٌ على المُرْسَلينَ والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ.
ألَّفَها وكتبَها المُغْتَفِر إلى رحمَةِ اللهِ وتوفيقِهِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ بنُ إسْماعِيلَ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ
ص: 103
بنُ إسْماعیلَ بنُ مُظْهرِ بنُ إسْمَاعیلَ بنُ یَحْیی بنُ الحُسَينِ ابنُ الإمامِ القاسمِ المنصورِ بن مُحَمَّدِ عليٍّ بنُ مُحَمَّدِ بنُ عليٍّ بنُ الرَّشیدِ بنُ أحْمَدَ ابنُ الأميرِ الحُسينِ الأملحي بنُ عليِّ بنُ یَحْیی بنُ مُحَمّدِ ابنُ الإمامِ الدَّاعي يوسُفِ الأصْغرِ الملقَّب بالاشلّ ابنُ القاسم بنُ الإمام الداعي يوسفِ الأكبر بنُ الإمامِ المنصورِ یَحْیی بنُ الإمامِ النَّاصِرِ احمدَ بنُ الإمامِ الهَادي إلى الحّقِّ يَحْيى بنُ الحُسينِ بنُ الإمامِ الرَّضِي بنُ إبراهيمَ الملقَّبِ طَبَاطَبَا بنُ إسْماعِيلَ الدِّيباجِ بنُ إبراهيمَ الشَّبهِ لرسولِ اللهِ بنُ الحَسنِ المُثَنَّى بنُ الحَسَنِ السِّبْطِ أحَدِ سيِّدَي شَبابِ أهْلِ الجّنَّةِ ابنُ الإمامِ عليّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ فاطمةَ الزَّهراءِ بنتِ مُحَمَّد رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى آلِهِ كلَّ حينٍ آمينَ. وغفرَ اللهُ لوالدينا المسلمينَ ولنَا أجمعينَ والحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
* ملحوظة أمُّ إبراهيمَ بنِ الحسنِ المثنَّى فاطمةُ بنتُ الحسينِ السِّبطِ وعنده التقى الحسنانِ (رضي الله عنهم أجمعين). وكتبه مؤلفه مُحَمّدُ بنُ مُحَمَّد (سامَحَهُمَا اللهُ) آمينَ.
تمَّ لنا بحمدِ الله زبرُ هذهِ المنظومةِ وشرحُها على الأمِّ التي بخطِّ مؤلِّفِها كتبَ اللهُ أجرَهُ وجزاهُ خيراً وذلك ليلةَ الأحدِ الموافقِ تاسع شهرِ ربيعٍ الثاني سنة 1403 ألف وأربعمائة وثلاث هجرية بقلم الفقير إلى اللهِ احمد سالم القاسمي.
ص: 104
فَيَا عَجَبَاً مِمَنْ يَرِى الحَقَّ واضِحَاً *** فَيَصْرِفهُ عنهُ هَوَىً يِتَجَهَّمُ أَلَمْ يَخْشَ أنْ يَأتي غَدَاً وإلهُهُ *** هَواهُ ومَثْوَى عابِدِیْهِ جَهَنَّمُ فَطَأ مُخْلِصَاً عُنْقَ الهَوَى تَنْجُ إنَّمَا *** نَجَاتُكَ بالإخلاصِ لو کُنْتَ تَعْلَمُ وكيفَ بنَا إنْ قالَ إبليسُ إنَّمَا *** دَعَوتُ فَلَبَّوا وأشَرْتُ فأقْدَمُوا وإذ يَتَبَرَّى منْهُ متبوعُهُ کَمَا *** بِذَا نَطَقَ الذِّکْرُ الحَكِيمُ المُعَظَّمُ ولا المَالُ یَجْدِي أو بِنُورٍ فَمَنْ أتَى *** بِقَلبٍ سَليمٍ في القِيامَةِ يَسْلَمُ وليسَ سَليمَاً مَنْ أتَى اللهَ قَدْ حَوَى *** مَعَ اللهِ غَيْرَ اللهِ فيه أتَفْهَمُ؟ وسُورةُ إبراهِيمَ والشُّعراءِ ومَا *** تَلَتْ سُورةُ السَّبعِ المَثَاني تُتَرجِمُ وفي سُورةِ الأنعَامِ والكَهْفِ أَنَّنَا *** سَنأتِي فُرَادَی کالفَراشِ ونَقْدمُ سَنأتي إلى الرَّحمَنْ وَفْداً بِفَضْلِهِ *** ویُسْحَبُ سَحْبَاً مَنْ تَوَلَّوَا وأجَرَمُوا فَدُونَكَ هَوْلُ الحَشْرِ يومَ تَغَابُنٍ *** وخُسْرانَ لا يَرْقَى إليهِ تَوَهُّمُ وقَاكَ وإيَّانَا الرَّحيْمُ بخَلْقِهِ *** بفَيْضِ الهُدَى والعَفْو واللهُ أكَرَمُ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّد (سَامَحَهُمَا اللهُ) آمينَ
ص: 105
- القرآن الكريم.
- الإتحاف بحب الأشراف، عبد الله بن محمد الشبراوي (1171 ه)، الأدبية، مصر، 1316.
- أسباب النزول، علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 ه)، دار الهلال، بیروت، 1985.
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبد البر النمري القطبي (ت 463 ه). (بهامش الاصابة)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1328 ه. - أسد الغابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630 ه)، دار الفكر - بیروت، 1409 ه - 1989 م.
- الاصابة في تمييز الصحابة، شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، دار إحياء التراث العربي، بیروت، 1328.
- الاعتقاد، أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق : أحمد الكاتب، بیروت، 1041 ه.
- إمتاع الأسماع، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845 ه)، لجنة التأليف والترجمة، مصر، 1941 م - أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت 279 ه)، بیروت، 1394 - 1974
ص: 106
- البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 ه)، مطبعة السعادة، مصر، 1351 ه.
- بغية الطلب في تاريخ حلب، عمر بن أحمد بن العديم الحلبي (ت 660 ه)، دار الفكر، بیروت، د ت.
- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت 1250 ه)، دار المعرفة - بيروت، د ت.
- تاریخ ابن الوردي، عمر بن المظفر بن الوردي (ت 749 ه)، المطبعة الحيدرية، النجف، 1389 - 1969 م.
- تاريخ الاسلام، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 ه)، مطبعة السعادة، مصر، 1376 ه.
- تاریخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي ثابت الخطيب البغدادي، (ت 463 ه)، مطبعة السعادة، مصر، 1349 - 1931. - تاريخ الخميس، الحسين بن محمد الديار بكري (ت 966 ه)، الوهبية، مصر، 1283 ه.
- تاریخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر الدمشقي (المتوفي: 571 ه)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر، 1415 ه - 1995 م.
- تاريخ الكوفة، السيد البراقي (ت 1332 ه)، تحقيق: تحقيق ماجد أحمد العطية، استدراكات السيد محمد صادق آل بحر العلوم، الطبعة الأولى، 1424 ه.
- تاريخ المدينة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري،
ص: 107
أبو زيد (ت 262 ه)، تحقيق: فهیم محمد شلتوت، جدة، 1399 ه.
- تذكرة الحفاظ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْمَاز الذهبي (ت 748 ه)، دائرة المعارف، حیدر آباد، 1375 ه.
- تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة، سبط ابن الجوزي ، يوسف بن فرغلي (ت 654 ه)، المطبعة الحيدرية، النجف، 1383 ه.
- تهذيب الأسماء واللغات، محيي الدين بن شرف الدين النووي (ت 676 ه)، المطبعة المنيرية، حیدر آباد، 1325 ه.
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن أبي محمد القضاعي الكلبي المزي (ت 742ه)، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1413 ه - 1992 م.
- جامع الأصول من أحاديث الرسول، المبارك بن محمد بن أثیر الجزري (ت 606)، السنة المحمدية، مصر، 1371 ه.
- الحدائق، ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت.
- الحقائق الجليّة في الرد على ابن تيمية، شهاب الدين أحمد بن جهبل الحلبي (ت 733 ه).
- حلية الأولياء أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (ت 430 ه)، مطبعة السعادة، مصر، 1351 ه.
- خزانة الأدب، عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093 ه) مطبعة الخانجي، مصر، 1409 ه).
ص: 108
- الدر النظيم، يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي (ت 664 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حیدر آباد، الهند، 1972 م۔ - الدرة الغراء في شعر شیخ البطحاء (ديوان أبي طالب) - دفع الشبه عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، الحصني الدمشقي (ت 829 ه)، تحقيق: جماعة من العلماء، دار إحياء الكتاب العربي، القاهرة، الطبعة الثانية 1418 ه.
- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، البيهقي ، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت 458 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 ه - 1985 م.
- ديوان أبي الطيّب المتنبي، دار المعرفة، بیروت، أو فسيت، 1397 ه - 1978 م.
- دیوان معاوية بن أبي سفيان، تحقيق: د. فاروق اسلیم بن أحمد، دار صادر، بیروت، ط 2، 2007 م.
- ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربی، محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت 694 ه)، مكتبة القدسي، مصر، 1356 ه.
- ذیل طبقات الحنابلة، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (ت 795 ه)، تحقيق: د عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الرياض، 1425 ه - 2005 م.
ص: 109
- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه)، تحقيق: عبد الأمير مهنا، منشورات مؤسسة الأعلمي، بیروت، 1412 ه - 1992 م.
- الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة، محب الدين الطبري (ت 694 ه)، دار التأليف، القاهرة، مصر، 1372 ه.
- سمط النجوم العوالي، عبد الملك بن حسين العصامي (ت 1111 ه)، المطبعة السلفية، القاهرة، مصر، د ت.
- سنن الترمذي (الجامع الكبير)، محمد بن عیسی بن سَوْرة بن موسی بن الضحاك الترمذي (ت 279 ه)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بیروت، 1998 م.
- السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت 458 ه)، دائرة المعارف النظامية، حیدر آباد، الهند، 1344 ه.
- سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (ت 748 ه)، دار الفکر، بیروت، 1317 ه.
- السيرة النبوية، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (ت 213 ه)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، دار إحياء التراث العربي، بیروت، (د ت).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي (ت 1089 ه)، حققه: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، دار ابن کثیر، دمشق - بيروت، ط 1، 1406 ه - 1986 م.
ص: 110
- شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد المدائني (ت 656 ه)، دار الفکر، بیروت، 1388.
- صحيح ابن حبان، محمد بن حبان البستي التميمي (ت 354 ه)، الرسالة، بیروت، 1418 ه.
- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري (ت 256 ه)، دار ومطابع دار الشعب، مصر، دت.
- صحیح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه)، عيسى البابي، القاهرة، مصر، 1357 ه.
- الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، (ت 974 ه)، الناشر: احمد البابي الحلبي، مصر، 1312 ه.
- الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (ت 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 ه - 1990 م.
- الغدير في الكتاب والسنة والأدب، عبد الحسين بن أحمد الاميني (ت 1390 ه)، دار الكتاب العربي، بيروت، 1977 م.
- الفائق في غريب الحديث والأثر، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري (ت 538 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي و محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، لبنان.
- الفتاوى الحديثية، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري،
ص: 111
شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (ت 974 ه)، دار الفكر (د ت).
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379 ه.
- الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه)، تحقيق: يوسف النبهاني، دار الفکر، بیروت، الطبعة الأولى، 1423 ه - 2003 م.
- الفتوح، أحمد بن اعثم الكوفي (ت 314 ه)، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء، الطبعة الأولى 1411 ه.
- الفصول المهمة في معرفة الأئمة، علي بن محمد أحمد المالكي (ابن الصباغ)، (ت 855)، تحقيق: سامي الغريري، دار الحديث للطباعة والنشر، قم، الطبعة الأولى 1422 ه.
- فضائل الخمسة من الصحاح الستة، السيد مرتضى الحسيني القزويني الفيروزآبادي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، 1402 ه - 1982 م.
- فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي (ت 1031 ه)، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى، 1356 ه.
- الكامل في التاريخ، ابن الأثير، دار الكتاب العربي، بیروت، 1387 ه.
- الكامل في اللغة والأدب، محمد بن یزید المبرد (ت 285 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1417 ه - 1997 م.
- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت 538 ه)، الاستقامة - مصر، 1373 ه.
ص: 112
- کشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت 1162 ه)، مكتبة القدسي، القاهرة، 1376 ه.
- کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي (ت 975 ه)، تحقيق: بكري حياني و صفوة السقا، الطبعة الخامسة، 1401 ه - 1981 م.
- کنز الفوائد، أبي الفتح الكراجكي (ت 449 ه)، الناشر: مكتبة المصطفوي، قم، 1369 ه.
- اللزوميات، أبو العلاء المعري، حققه: جماعة من الأخصائيين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1406 ه - 1989 م.
- المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم، أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (ت 370 ه)، تحقيق: الأستاذ الدكتور ف.
کرنكو، دار الجيل، بیروت، الطبعة الأولى، 1411 ه - 1991 م.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سلیمان الهيثمي (ت 807 ه)، تحقيق: حسام الدين القدسي، مكتبة القدسي، القاهرة، 1414 ه، 1994 م.
- مجموع الفتاوى، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت 728 ه)، المحقق:
عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 ه / 1995 م.
- المحبر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي (ت 245 ه)، تحقيق: إيلزة
ص: 113
ليختن شتیتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
- مختصر منهاج السنة، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت 728 ه)، اختصره: الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، صنعاء - الجمهورية اليمنية، الطبعة الثانية، 1426 ه - 2005 م.
- مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، أبو محمد عفيف الدين عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (ت 768 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، (د ت).
- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابیح، علي بن محمد الهروي القاري (ت 1014 ه)، دار الفكر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1422 ه - 2002 م.
- المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (ت 405 ه)، تحقيق:
مصطفی عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت 241 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و عادل مرشد، وآخرون إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1421 ه - 2001 م.
- مشكاة المصابیح، محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي (ت 741 ه)، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1985 م.
- المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276 ه)، تحقيق:
ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1992 م.
ص: 114
- المعجم الأوسط، سلیمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (ت 360 ه)، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين - القاهرة.
- معجم البلدان، شهاب الدين أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله الرومي الحموي (ت 626 ه)، الناشر: دار صادر، بیروت، الطبعة الثانية، 1995 م.
- معجم الصحابة، أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق البغدادي (ت 351 ه)، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1418 ه.
- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، عمر رضا کحالة (ت 1408 ه)، مؤسسة الرسالة، بیروت، 1414 ه - 1994 م.
- المعجم الكبير، سلیمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني (ت 360 ه)، تحقيق: فريق من الباحثين، الطبعة الأولى، 1427 ه - 2006 م.
- الروض الداني (المعجم الصغير)، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، الطبراني (ت 360 ه)، تحقیق: محمد شکور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي، دار عمار، بيروت، عمان، 1405 - 1985 م.
- معرفة الصحابة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (ت 430 ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1419 ه - 1998 م.
- مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصبهاني (ت 356 ه)، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار المعرفة، بیروت.
ص: 115
- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، شمس الدين أبو الخیر محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت 902 ه)، تحقيق: محمد عثمان الخشن، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1405 ه - 1985 م.
- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (ت 588 ه)، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الحيدرية - النجف الأشرف، 1376 - 1956 م - المناقب، الموفق الخوارزمي (ت 568 ه)، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي - مؤسسة سيد الشهداء (عليه السلام)، الطبعة الثانية 1414 ه.
- مناقب الإمام الشافعي، محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم، أبو الحسن الآبري السجستاني (ت 363 ه)، تحقيق: د. جمال عزون، الدار الأثرية، الطبعة الأولى 1430 ه - 2009 م.
- مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الحافظ أبو الحسن أو أبو محمد علي بن محمد الشهير بابن المغازلي (ت 483 ه)، الطبعة الأولى 1426 ه.
- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفی عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 ه - 1992 م.
- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (ت 728 ه)، تحقيق: محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، 1406 ه - 1986 م.
- میزان الاعتدال في نقد الرجال، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن
ص: 116
عثمان بن قَایْماز الذهبي (ت 748 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
- نزهة النظر في رجال القرن الرابع عشر، تأليف العلامة السيد محمد بن محمد بن يحيی زبارة، مكتبة الإرشاد، صنعاء، الجمهورية اليمنية، ط 1، 1431 ه - 2010 م.
- نيل الأوطار، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت 1250 ه)، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، مصر، الطبعة الأولى، 1413 ه - 1993 م.
- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت 821 ه) تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الكتاب اللبنانيين، بيروت، الطبعة الثانية، 1400 ه - 1980 م.
- نهج البلاغة - وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، شرح الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (مفتي الديار المصرية سابقا)، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان، (د ت).
- الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت 764 ه)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث - بيروت، 1420 ه - 2000 م.
- وقعة الجمل ونصرة سيد العترة في حرب البصرة، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، الشيخ المفيد (ت 413 ه)، تحقيق: السيد علي مير شريفي، قم، 1416 ه.
ص: 117
- وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري (ن 212 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بیروت، 1410 ه - 1990 م.
- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد ابن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلکان (ت 681 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت.
- ينابيع المودة لذوي القربی، القندوزي (ت 1294 ه)، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الطبعة الأولى 1416 ه.
ص: 118
- ذخائر المال في مدح المصطفى والآل، دراسة وتحقیق، بابل، سنة 2000 م.
- موسوعة أعلام الحلّة، الجزء الأول، بابل، سنة 2001 م.
- وثائق من ثورة العشرين، تحقیق، النجف، سنة 2002 م.
- أسفار المحبة - شعر - النجف، سنة، 2002 م.
- محمود حسان مرجان - حياته وأدبه - النجف، سنة 2002 م - العودة الميمونة - شعر و نثر - تحریر بابل، سنة 2006 م - الحسين في الشعر الحلّي - تراجم و قصائد - النجف، سنة 2007 م.
- مراقد الحلّة الفيحاء - الجزء الأول - النجف، سنة 2007 م.
- أخبار وشعر المساور بن هند العبسي وعبد الله بن سبرة الحرشي، صنعة، النجف سنة 2008 م.
- السيد محمد علي النجار - سيرة و شعر - النجف، سنة 2008 م - ظرافة الأحلام في النظام المتلو في المنام، تحقیق، إيران، سنة 2008 م.
- عازف الحرف - شعر ونثر - تحریر، بابل، سنة 2008 م.
- أرجوزة في الفرق بين الظاء والضاد، تحقیق مشترك، النجف، سنة 2008 م.
- ديوان الحاج عبد محمد صالح - جمع وتحقيق، النجف، سنة، 2008 م.
- نشر العلم في شرح لامية العجم - تحقیق مشترك - النجف، سنة 2009 م.
- ديوان الشهيد الشيخ محمد آل حيدر - جمع وتقديم - إيران، سنة 2009 م.
- الشعائر الحسينية - الأثر والأهمية - النجف، سنة 2009 م - ديوان الخليعي، تحقيق، النجف، سنة 2010 م.
- الإمام الرضا (عليه السلام)، نفحات سيرة عطرة، بابل، سنة 2011 م.
- ديوان الحلة - أنطولوجيا الشعر البابلي المعاصر، المركز الثقافي للطباعة والنشر - بابل سنة 2011 م.
ص: 119
- ديوان القصة - أنطولوجيا القصة البابلية، المركز الثقافي للطباعة والنشر، سنة 2012 م.
- الحضين بن المنذر - حياته وما تبقى من شعره، جمع وتحقيق، المركز الثقافي للطباعة والنشر، سنة 2013 م.
- السلطان أو لیجایتو ودوره في تجديد مسجد النخيلة التاريخي، دار الكفيل للطباعة والنشر، کربلاء، سنة 1436 ه - 2015 م.
- ديوان السيد صالح الحلّي (ت 1940 م) - دراسة وتحقيق، بیروت، سنة 1436 ه - 2015 م.
- ديوان السيد عبد الرحيم العميدي (ت 1985 م) - جمع وتحقيق، المركز الثقافي للطباعة والنشر، سنة 1436 ه - 2015م.
- ديوان السيد مطر الشلاه الأعرجي (ت 1964 م)، تحقیق، دار الفرات للثقافة والإعلام، بابل، سنة 1436 ه - 2015 م..
ص: 120
المحتويات الإهداء...5
مقدمة المؤسسة...7
المقدمة...9
نسبٌ وسيرة...11
مولده ونشأته...11
صفاته...12
مشايخه...12
مناصب تولاها...13
مؤلفاته...14
منهجنا في التحقيق:...14
القصيدة:...20
مقدمة المؤلف...25
أقولُ مُدَکِّراً ناصِحَاً...105
فهرس مصادر...106
صدر للمحقق:...119
ص: 121
ص: 122