مناظرة علميّة : حوار علمي في الحديث والمحدّثين

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: النجمي، الشيخ محمد صادق

عنوان واسم المؤلف:مناظرة علميّة (حوار علمي في الحديث والمحدّثين)/ تأليف الشيخ محمد صادق النجمي؛ ترجمة السيد محمد رضا المهري

تفاصيل المنشور: قم: مؤسسة المعارف الاسلامية، 1418ق. = 1377.

مواصفات المظهر: 184 ص.عکس

فروست : (مؤسسة المعارف الاسلامية 83)

شابک : 964-6289-33-92500ریال ؛ 964-6289-33-92500ریال

حالة الاستماع: القائمة السابقة

ملحوظة : العربية

ملحوظة : ببليوغرافيا مع ترجمة

موضوع : الحديث -- علم الروایه -- المناظرات

محدثان -- المناظرات

المعرف المضاف: مهری، محمدرضا، 1336 - ، مترجم

المعرف المضاف: مؤسسة المعارف الاسلامية

ترتيب الكونجرس: BP110/ن 3م 8 1377

تصنيف ديوي: 297/264

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 77-5966

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب : ... مناظرة علميّة

تأليف ...حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد صادق النجمي

المترجم ...السيد محمد رضا المهري

الناشر :.. مؤسسة المعارف الإسلامية

الطبعة : ...الأولى - فروردين 1376 ه- . ش ، 1418ه- . ق

المطبعة :... پاسدار اسلام

العدد : ...2000 نسخة

السعر :... 250 تومان

شابك :9-33-6289-964

ISBN:964_6289_33_9

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة

لمؤسّسة المعارف الإسلامية

ايران - قم المقدسة

تلفون: 732009 - فاكس: 743701

ص - ب 168 / 37185

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

ص: 3

ص: 4

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

مقدّمة الناشر

لا ريب ان اقرب طريق لتقريب المذاهب وازالة الشكوك والشبهات وتعبيد طريق الوحدة الحقيقية هو البحث العلمي والمناظرات التي تقع بين العلماء ولذلك نجد ان كتاب المراجعات التي جمعت مكاتبات رجلين من اعلام الامة الاسلامية المرحوم العلامة الكبير السيد عبدالحسین شرف الدين قدس الله روحه والعلامة الشيخ سليم البشري رحمه الله قد تلقت القبول والحفاوة اكثر من سائر الكتب التي كتبت بشأن العقيدة الاسلامية واختلاف الفريقين وقد استضاء بهداه الكثيرون وليس ذلك الا من جهة أن الطرفين كانا من أهل العلم والتقى وما كان هدفهما الا الحق والوصول إلى اليقين فلم يحل دون ذلك غرض مادي الكشف عن أو عصبيّة جاهليّة .

والحق أن الكتاب الذي بين يديك - أيها القارىء العزيز - من هذا النمط فقد اشتمل على اسئلة من أحد أعلام السنة في ايران وهو الشيخ الخضري وأجوبة من العلّامة الفنّ الشيخ محمد صادق النجمي إمام الجمعة في مدينة خوي. وقد حاول فيه المؤلّف حفظه الله ان يتحرّى الحق ويتجنّب العصبيّة فاشتمل كتابه على تحقيق عميق وبحث غزير

ص: 5

وتتبع جاد وبيان ناصع فأسفر عن وجه الحق وأزاح ظلمات الشك والوهم فلله درّه وعليه أجره ونحن نأمل أن يطيل الله في بقاء شيخنا المبجّل ويزيد في توفيقه لخدمة الدين ومذهب أهل البيت الطاهرين عليهم أفضل الصّلاة والسّلام .

وها نحن نقدم ترجمة الكتاب بعد الاستئذان من سماحة الشيخ أيده الله وبعد تغييرات واضافات بالنسبة للطبعة الاولى من الكتاب تفضل بها فضيلته . والحمد لله أولاً وآخراً.

قم - مؤسسة المعارف الاسلامية

ص: 6

الصورة

ص: 7

ص: 8

المقدمة

طبقا للرسالة التي أرسلها إلينا الشيخ الخضري والأسئلة التي سألنا عنها فإنّ مجال البحث والمناظرة ينحصر في فئة خاصة ولا يفيد القراء عادة إلا ان الاستقبال الذي تلقيناه من القراء الأعزاء وبالأخص طالبوا المواضيع الاعتقادية ، وخصوصاً فئة من علماء أهل السنة الأجلاء الذين أبدوا علاقة خاصة بالكتاب ، هذا الاستقبال الكبير أدّى إلى نفاد الطبعة الأولى (باللغة الفارسية) في مدة قليلة ، واضطررنا إلى إعادة الطبعة ؛ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التحوّل الفكري في المجتمع بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة.

وهذا التحوّل المبارك ، جعل ثلة من العلماء الأجلاء ، يتوجهون إلى مكانتهم الحقيقية وهي التحقيق في المسائل الدينية وتجنب التقليد فيها ، وهذا أيضاً ردّ واضح على عدد قليل من المتعصبين الجامدين الذين يتهربون من كل بحث مذهبي حتى ولو كان معياره الحق والإنصاف ويصرون على جمودهم وتعصبهم ليبعدوا المجتمع الاسلامي من الوصول إلى الحقائق.

وإننا إذ نقوم بالطبعة الثانية من الكتاب نشكر الله تعالى ونحمده على هذا التوفيق ، وقد تعهدت بطبع الكتاب مؤسسة المعارف الاسلامية في قم التي لها خدمات مذهبية عظيمة داخل البلاد وخارجها ، ولا تزال طائفة كبيرة من المسلمين في أنحاء العالم يستفيدون من بركاتها العلمية والمعنوية .

أننا نرجو من العلي القدير أن يوفق جميع المناضلين في سبيل الدين الحنيف

ويوفق المسؤولين والمحققين في هذه المؤسسة تحت لواء الولاية وفي ظل رعاية بقية الله الأعظم أرواحنا فداه

خوى - محمد صادق النجمي

15 جمادى الأولى 1417

ص: 9

ص: 10

رسالۀ القاضی الخضری

اشارة

بسم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد المصطفى الأمين وآله الطيبين وصحبه الطاهرين ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين رضوان الله تعالى عليهم وعلينا ببركاتهم آمين.

العلامة الفاضل امام جمعة خوي ، المكرم.

حضرة الشيخ النجمي دامت بركاته .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مع تمنياتنا بدوام سلامة وطول عمر الولي الفقيه الإمام الخميني دام ظله العالي وانتصار القوات الاسلامية على الكفر العالمي.

الغرض من الرسالة أننا نلاحظ في جميع كتب الحديث لأهل السنّة تقريباً ، أحاديث وروايات من أهل بيت النبوة علیه السلام . فمثلاً یوجد في المسند الكبير للامام أحمد بن محمد بن حنبل، معلّم البخاري ومسلم وأبي داود رحمهم الله تعالى 679 رواية متصلة من أهل البيت، إلّا أنّه لا نرى رواية واحدة من الأئمة الثلاثة« أبو بكر ، عمر وعثمان» رضي عنهم وأولادهم في كتاب الكافي الذي يعتبر أهم كتاب روائي للشيعة، فهل هؤلاء أضعف من العفير .

أرجو أن تجيبوا على هذا الإشكال وفي الختام أتمنى من الله جلّ شأنه استمرار وحدة المسلمين ضد مؤامرات الكفار.

المحب الودود لكم القاضي الخضري

امام جمعة أشنويه

29 ذي القعدة 1408

ص: 11

ص: 12

بسمه تعالی

امام جمعة خوي المحترم

حضرة الفاضل الشيخ النجمي دامت بركاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتمنى من الله تعالى استمرار وحدة السنّة والشيعة تحت ظل القائد المعظم الإمام الخميني مدّ ظله العالي . وبناءً على ما وعدتكم خلال لقائنا اللطيف معكم والذي لا ننساه أبداً،نقدّم إليكم نسخة من كتاب «رسالة الطلاق في نظر القرآن» بواسطة صهرنا شهاب جليلي. وفي الختام نتمنّى من الباري الصحة والسلامة لكم ولعلماء «خوي» .

المنتظر الدعاء خيركم صديقكم الودود

القاضي الخضري

7 ربيع الثاني 1409

ص: 13

ص: 14

بسمه تعالى

الأخ العلمي والاسلامي حجّة الاسلام والمسلمين الشيخ النجمي إمام جمعة خوي المكرم دامت بركاته .

مع تمنياتنا لاستمرار حكومة الجمهورية الاسلامية تحت ظل تطبيق الوصايا الإلهيّة والسياسية للإمام الخميني «قدس سره» ، من الله جل شأنه دوام الصحةو السلامة لحضرتكم .

لقد وصلنا كتابكم مع ثلاثة كتب قيمة . ولقد فهمنا من رسالتكم أنكم تعتقدون مثل ما يعتقده الإمام مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه إذ قال لهارون الرشید :« باستثناء کتاب الله تعالى ، فالاعتراض وارد في كلّ کتاب مهما كان قدره» . وبالنسبة للكتابين القيمين حقاً الذين أرسلتهما إلينا كتاب( النص والاجتهاد وكتاب المراجعات) فلا أدرى إن كانا هدية منكم أو أمانة ، فالرجاء إعلامنا بذلك عبر البريد أو بواسطة التلفون رقم (2465) حتى أعيدهما - بعد المطالعة - إن كانا برسم الأمانة والسلام عليكم وعلى من لديكم .

المحب الودود

القاضي الخضري

2 محرم الحرام 1410

ص: 15

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله على آلائه وله الشكر على نعمائه

والصلاة والسلام على انبيائه ولا سيما

خاتمهم محمد وآله الطاهرين وصحبه

المنتجبين

ص: 16

حضرة ملاذ الأنام ومفخر علماء اخواننا أهل السنّة بمنطقة آذربیجان و کردستان ، العلامة الفهامة، والمتحرّي الحرّ ، الشيخ محمد قاضي الخضري إمام الجمعة بمدينة «أشنويه»ایده الله تعالى وجعل مستقبل أمره وأمرنا خيراً مما مضى .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مع تمنياتنا بطول عمر إمام الأمة الذي استطاع بتأسيس الجمهورية الإسلامية الايرانية ، احياء توحيد الكلمة بين المسلمين وكلمة التوحيد في أعماق الأفئدة ، وتمكن بإسقاط النظام الشاهنشاهي المنحط ، ازالة الشرك والعداء والاختلاف والتفرقة من قلوب المسلمين.

ونقدّم التحيات اللامتناهية إلى الأرواح الطاهرة لشهدائنا الكرام الذين سقوا بدمائهم الشجرة الطيبة للثورة ، وقدموا إلينا هذه الشجرة

ص: 17

المعطاء بما فيها من ثمار لذيذة ومناظر خلابة ، بالإضافة إلى شعارهم النابع من شعورهم ووعيهم والخارج من أعماق قلوبهم وهم يهتفون :

«أيها المسلمون ! لا تنخدعوا من خداع الأعداء ، واحذروا الشر والفتنة من الشرق والغرب والمترصدين للاسلام العزيز ، ولا تنسوا أنّ آخر أسلحة الأعداء وأحدها هو إيجاد الفرقة والاختلاف فيما بينكم ، فاحذروهم وتجنبوا الفرقة على أي حال ».

وانني إذ أتمنّى لك أيها الأخ في الإيمان ، وأيها الصديق الودود ،دوام الصحة والعافية وطول العمر ، أرجو أن تستمر هذه الأخوّة الصادقة النابعة من المنبع الاعتقادي الأصيل، وأن تدوم هذه الصداقة الحميمة الملهمة من الروابط الإسلامية المعنوية .

تسلمت رسالتكم الشريفة المؤرّخة 1367/4/23ه . ش وأشكركم تمام الشكر على العناية والمحبة التي أبرزتموها لأخيكم ، بالإضافة إلى السؤال العلمي الذي يخص نقل الحديث بين بعض المحدثين الشيعة والسنة .

سبب تأخير الرد

ربما حمل التأخير في ردّ رسالة ذلك العالم الجليل على عدم الاهتمام بالوظيفة الخلقية أو مسائل أخرى ، إلا أنني - مع تقديم الاعتذار -

ص: 18

أوضح لحضرتكم أن السبب في التأخير ليس عدم الاهتمام بالوظيفة الخلقية أو أي مسألة شخصية أخرى ، ولكن سبب التأخير عاملان ، وانني كنت متردداً في الإجابة لأجل هذين العاملين وهما :

أولاً : سؤالكم يستدعي إجابة مفصلة ، تتناسب مع المقام العلمي والمواضيع المذهبية والحديثية والتاريخية ، وتتطلب بالطبع عرض بعض المواضيع المتعلقة بتاريخ حياة وكيفية تفكير المحدثين واختلافاتهم الفكرية والذوقية .

ثم طرأ على ذهني هذا السؤال : ما مدى أهمية عرض مثل هذه المواضيع التي مضى عليها قرون طويلة ، مع ملاحظة المشاكل المتعدّدة التي تواجه الاسلام والمسلمين عملياً في هذا العصر ، ومع الهجوم المتعدّد الأطراف على المسلمين من الكفر العالمى حيث يتعرّض اسلامنا العزيز لشتّى المؤامرات الدنيئة يومياً ؟

في هذه الأجواء التي تمضي تسع سنوات على تعرض المسلمين في أفغانستان للهجوم المسلّح من الدولة الإلحادية الروسية ويريدون محو هذا البلد الاسلامي من جغرافية العالم ولا يسمع نداء هؤلاء المسلمين أحد ...

في هذه الأجواء التي تتعرض لبنان إلى الاعتداء الصهيوني الآثم ونسمع يومياً أنباء القصف الجوي للصهيونية الغاصبة والعميلة لأمريكا

ص: 19

على جنوب لبنان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين ، وتُسمع هذه الأنباء في شتى بقاع العالم ، وكأن العالم كله ، ورؤساء البلاد الاسلامية يغطون في نوم عميق ، ولا يحسّون بأية مسؤولية تجاه هذه الجرائم البشعة ..

ويا ليت المصائب تنتهي إلى هذا الحد، ويا ليت رؤساء الدول الاسلامية ، تنحصرعمالتهم في السكوت أمام هذه الجرائم ، ولكن هيهات .. ألم نر جميعاً بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران وبعد ظهور الحركة الحديثة في العالم الاسلامي جرّاء السكوت المميت طوال القرون السالفة ؟ ألم نشاهد هؤلاء الخونة كيف نسوا مشاكلهم واتفقوا في صف واحد على ضرب الثورة الاسلامية وضرب الإسلام الخالص «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشرِکُون »؟

وعندما لاحظوا قرب انتصار الاسلام وسقوط الكفر ، قاموا بجريمة جديدة أبشع من ذي قبل .. لقد بدلوا «مكة المكرمة »هذا المكان الآمن ، إلى مذبحة كبرى، وسفكوا دماء أربعمائة ضيف من ضيوف الرحمن لأنهم أعلنوا براءتهم من الشيطان الأكبر ، وبذلك بيتضوا وجوه الكفّار والمشركين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه وآله وسلم.

وهكذا تعرّض المسلمون العراقيون إلى أكبر مذبحة في العصر الحاضر حيث تعرّضوا للقصف الكيمياوي ، وفي الوقت نفسه تحوّلت طائرة الركاب الايرانية ، بواسطة الصاروخ الأمريكي إلى كتلة من الرماد ،

ص: 20

ولكن لم يحرك العالم ساكناً. فهل كان العالم يسكت إذا تعرّض المسيحيون أو اليهود أو أتباع أي مذهب آخر إلى إحدى هذه الجرائم ؟

ثانياً : ربَّما تسربت هذه المواضيع إلى بعض الجهال المتحجرين ، وهؤلاء إن كانوا يتسلّحون في السابق بسلاح التكفير ، فإنّهم اليوم يحملون في اليد الأخرى حجّة التفرقة ، ويتذرّعون بهذا السلاح لكي يمنعوا من عرض المواضيع العقائدية على المستوى العلمي والتحقيقي ، ويكتفوا بعرضها في صورة تقليدية بحتة .

وعلى هذا الأساس كنت أتهرب من الإجابة على رسالتكم حتى إنني لم أسمح لا لنفسي ، بل لعلماء الدين الشيعة حيث أعتبر نفسي عضواً صغيراً من هذا المجتمع الكبير المقدَّس، أن نصبح في مسار هاتين الذريعتين ، وأن لا يلاحظوا عنواناً آخر غير عنوان كتاب «جولة في الصحيحين» فيتشبثوا به. إلّا أنّني وبعد مضي فترة وللأسباب التي سوف أشير إليها ، عزمت على الإجابة على رسالة حضرتكم وعملت بواجبي الخلقي تجاه رسالتكم :

1 - لقد شملتني عنايتكم ومحبتكم مرة أخرى عبر الرسالة الثانية التي تلقيتها منكم ، بالإضافة إلى رسالة «الطلاق في نظر القرآن» المباركة . ذلك لأنّ هذه الرسالة تدلّ على تحرّركم الفكري وتحريكم العلمي ، ولقد أعلنتم في هذا الكتاب أن طريقة البحث العلمي تختلف

ص: 21

تماماً عن طريقة الاعتراضات الناشئة عن التعصب الجاهلي ، وبذلك أجبتم على كثير من الإشكالات والأسئلة الواردة في أذهان العوام.

نعم ! انكم عبر هذه الرسالة تعرّضتم لبحث فقهي هام وخلافاً لفتاوى أكثر فقهاء السنة وحكامهم طوال التاريخ ، أفتيتم بأنّ الطلاق الثلاثي إن كان في مجلس واحد ، فإنه وفقاً لصريح الآية الشريفة يعتبر طلاقاً واحداً ، وبهذا الإقدام الجريء حطّمتم سد التقلي الجاهلي ، وفتحتم باب البحث الحر والنظرة الحديثة إلى المفاهيم العلمية . جزاكم الله خيراً ووفقكم لنشر سائر آثاركم المتعدّدة العلمية .

2 - وصلت إلى هذه النتيجة أن سؤالكم لم يكن سؤالاً شخصياً وجزئياً ، بل هو موضوع هام يتطرق إلى أذهان سائر العلماء في أغلب الأوقات ، ومن ناحية أخرى وكما يقول العلامة المجاهد المرحوم السيد شرف الدین رضوان الله تعالى عليه : «إذا لم يردّ علماء الاسلام على الأسئلة الإسلامية ، فمن الذي يجب أن يردّ عليها ؟ علماء المسيحية؟!».

إذن من الأفضل أن يكون السؤال والرد بيني وبينكم .

3- هذه المواضيع التي تعرض على صورة سؤال وجواب ، قبل أن تكون لهاواجهةعقائدية فإنّها عبارة عن بحث علمي ومناظرة علمية تعتبر من المسائل الهامة والمشتركات التي تتعلق بجميع أتباع الدين الاسلامي .

ص: 22

4 - بالإضافة إلى ما ذكرنا ، فإنّ هذه الإجابة موجهة إلى الفضلاء وذوي الألباب وليس إلى الجهال وأهل القبور ، انها ليست استنباطات شخصية وآراء فردية ، بل هي بحث تطرّق إليه المؤرّخين والمحدثين الكبار منذ العهود السابقة وإن كان لأحد نقد أو اعتراض ، فإنّ هذا النقد موجّه إلى أولئك العظماء وليس إلينا حيث ننقل بحوثهم بعد مضي قرون

عليها .

ولهذه الأسباب ، ومع قلة الوقت وعدم التفرغ الكافي للبحث والتحقيق ، وبالاستمداد من العنايات الإلهية ، بدأت بالاجابة على سؤالكم ، راجياً أن تكون هذه المكاتبة مرضية للطرفين ومفيدة لنا وللأجيال القادمة .

وفي الختام ان كان لكم أي نقد أو نظرة اصلاحية أو أي تذكر ، فإنّي استقبلها منكم بكل سرور . وتقبلوا تحياتنا مع وافر الشكر والتقدير.

اخوكم إمام الجمعة

ورئيس الجامعة الاسلامية الحرّة في مدينة خوي

محمد صادق النجمى

جمادى الثانية 1409

ص: 23

ص: 24

السؤال الأول: وردت في جميع كتب أهل السنة تقريباً وفي مسند أحمد بن حنبل، معلم البخاري ومسلم سلم وأبى داود - رحمهم الله - 769 حديثاً متصلاً من أهل البيت عليهم السلام.

اشارة

ص: 25

ص: 26

نص السؤال:

نرجع قليلاً إلى أصل الموضوع ونعرض نص سؤالكم مرة أخرى : اننا نلاحظ في جميع كتب الحديث لأهل السنة تقريباً ، أحاديث وروايات من أهل البيت علیهم السلام فمثلاً يوجد في المسند الكبير للامام أحمد بن محمد بن حنبل ، معلّم البخاري ومسلم وأبي داود رحمهم الله تعالى ، 769 حديثاً متصلاً من أهل البيت ، إلا أننا لا نرى في كتاب الكافي - الذي يعتبر من أهم كتب الحديث للشيعة - ، حتى رواية واحدة من الأئمة الثلاثة «أبو بكر وعمر وعثمان »وأولادهم رضي الله عنهم ، فهل هؤلاء أضعف من العفير ؟

أرجو كتابة جواب شاف على هذا السؤال .

الجواب :

سؤالكم ينشعب إلى أربعة أسئلة ولابد أن نردّ عليها واحدة تلو الأخرى ، على هذا الأساس:

1 - وردت أحاديث من أهل البيت في أغلب كتب الحديث لدى

السنّة ، وفي مسند أحمد بن حنبل ورد 769 حديثاً متصلاً منهم .

ص: 27

2 - لماذا لم ينقل حتى حديث واحد في الكافي من

الأئمّة الثلاثة ؟

3- - لماذا لم ينقل حديث واحد من أولاد الخلفاء في الكافي ؟

4 - هل أبناء الخلفاء أضعف من العفير ؟

الإجابة على السؤال الأول

اشارة

الاجابة الإجمالية أن الأحاديث المنقولة في مسند أحمد بن حنبل أقل بكثير من العدد المفروض في السؤال . ومن ناحية أخرى لو كان ينقل عشرة أضعاف ما نقل من أهل البيت ، فلا يمكن القول بأنّه عمل بواجبه الشرعي تجاه أهل البيت .

وبالنسبة للإجابة التفصيلية، فإنّها تحتاج إلى عرض بعض البحوث العلمية ، فإليكم إياها :

1-أهمية الحديث

إن لحديث رسول الله صلی الله علیه وآله في الدين الاسلامي مكانة عالية من القداسة والأهمية القصوى حيث يعتبر أحد أركان وأعمدة الأصول والفروع في هذا الدين السماوي ، وكل حديث ثبتت صحته ، فإنّه طبقاً لنص الآيات القرآنية، يجب العمل به على كل مسلم.

ص: 28

وفي القرآن المجيد وضمن آيات متعددة ، فإن حديث رسول الله

احتل مكانة ممتازة ، منها قوله تعالى : «انا أَنْزَلْنَاعلیک القرآن لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ »(1) والرسول الأعظم صلی الله علیه[وآله] أيضاً اعتبر نقل الحديث

الله من المسؤوليات الهامة للمسلمين وأكد عليه كثيراً منها قوله : «نضّر الله عبداً سمع مقالتي فبلغها»(2).

ولِمَ لا يكون كذلك ؟ ولم لا يكون حديث الرسول من الأركان الهامة للاسلام ، بل وركنه العظيم؟ وبالطبع لولا الحديث الشريف ، فما كان يصل إلينا كثير من الأحكام والفروع غير الواردة في القرآن الكريم (3) ، بل وماكنا نعرف بدقة أكثر الآيات القرآنية المتعلقة بالفروع وأحكام الدين ، ولولا الحديث وتبيين رسول الله ، فإنّ المطلقات والمجملات والمبهمات الكثيرة فى الآيات الشريفة ، كانت تبقى على إطلاقها وإجمالها وإبهامها.

ص: 29


1- سورة النحل : 44.
2- نقله ابن ماجة في مقدمة سننه والترمذي في كتاب العلم
3- يقول المرحوم الفاضل المقداد - المتخصص في معرفة وتفسير آيات الأحكام - في كتابه القيم كنز العرفان (ج 1 - ص 5) : المشهور بين العلماء أن آيات القرآن الحكيم الواردة في الأحكام الفقهية هي 500 آية، وإذا حذفنا المكرّرات في هذا المجال، فانّ آيات الأحكام أقل بكثير من هذا العدد.

2 - اختلاف الآراء فى نقل الحديث

وكما تعرفون - ويعتبر من المسلّمات التاريخية - أنّه بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله، وظهرت خلافات كثيرة في نقل وكتابة الحديث بين أهل بيت النبي وصحابته ، ولا نريد التطرّق إلى أسبابها ولكن وكما تعرفون ، ففي الوقت الذي كان يصر أهل البيت وعدد من الصحابة على نقل وكتابة الحديث ، كان الخلفاء وعدد من الصحابة فى الطرف الآخر يصرون على عدم نقل وكتابة الحديث، ويمنعون الآخرين بكل شدّة من هذا الأمر. ولا شك أنّ لهذا الاختلاف في نقل وكتابة الحديث ، نتائج وتبعات كثيرة على طول التاريخ الإسلامي وفي جوانبه المختلفة ، ولذلك لابد أن نرى الهدف من عرض السؤال الأول والثاني والاجابة عليهما أيضاً في هذا الفارق الفكري والعملي ، ولا شك أن السبب في كثرة حديث أهل البيت في كتب السنة وعدم نقل الحديث من الخلفاء في الكافي ، له جذورٌ في هذا الفارق المذكور ، وسوف نعرضها في الصفحات القادمة بإذن الله .

3 - الحديث من وجهة نظر أهل البيت علیهم السلام.

نؤخّر البحث عن وجهة نظر الخلفاء حول الحديث ، إلى صفحات أخرى وبعد الإجابة على السؤال الثاني ، ولكننا نلقي نظرة اجمالية عابرة

ص: 30

على وجهة نظر أهل البيت في هذا المجال :

كما أشرنا سابقاً فإن أهل بيت الرسول الله صلی الله علیه وآله وعلى رأسهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، كانوا يصرون على نقل الحديث وكتابته ، وفي التاريخ شواهد كثيرة على هذا الأمر، وبناء على نقل البخاري ومسلم ، فإن أمير المؤمنين علیه السلام كان يهتم كثيراً بهذه الأحاديث حتى أنّه كان يحمل صحيفة معه ويضعها عادة في غلاف سيفه ، وأشار هذان المحدّثان الكبيران إلى أحكام مختلفة ، كانت واردة في هذه الصحيفة(1).

كان هذا الاسلوب متبعاً بين أصحاب أمير المؤمنين وأئمة الشيعة خاصة في عهد الإمام الباقر والإمام الصادق علیه السلام وفي زمن الإمام الرضاعلیه السلام ونتيجة أوضاع خاصة ، فقد بلغ نقل الحديث وكتابته غايته ، هذا هو شعار أئمة الشيعة :

1- «أعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنا».

2 - «اكتبوا فانّكم لا تحفظون حتى تكتبوا» .

3 - «احتفظوا بكتبكم فانّكم سوف تحتاجون إليها» (2).

ص: 31


1- صحيح البخاري ، ج 1، باب كتابة العلم ، وج 4 باب حرم المدينة ، وج 4 باب ذمّة المسلمين ، صحیح مسلم ، ج 4 باب تولّي العتيق غير مواليه
2- وردت هذه الروايات في أصول الكافي ج 1 ، ص 51 وكتاب وسائل الشيعة ج 18 كتاب الشهادات ، باب 8

ونتيجة هذا الترغيب والإلحاح من الأئمة علیهم السلام، فقد انتشر نقل الحديث وكتابته بين أتباع الأئمة وتلامذتهم بكل شدة ، وكلما سنحت لهم الفرصة ، كانوا يؤدون هذا الواجب الهام وهو حفظ ونشر الحديث ، على أحسن وجه ، حيث يقول حسن بن علي الوشاء ، من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام بأنه رأى تسعمائة عالم ومحدّث شيعي في زمن واحد في مسجد الكوفة وكلّ واحد منهم يقول : حدثني جعفر بن محمد (1).

يكفي أنّ النجاشي (المتوفى سنة 450 )ذكر في كتابه الرجالي القيم اسم الف ومائتين من أصحاب الأئمة ورجال الشيعة وذكر تراجمتهم ، وأشار إلى مؤلفاتهم الفقهية وغير الفقهية وقال : «انّني أوردت من أصحاب الأئمة فى هذا الكتاب ، أحوال المؤلفين والكتاب منهم فقط والذين تمكنت من الاطلاع عليهم»(2).

وهذا غيض من فيض وقليل من كثير .

4 - الجوامع والأصول الأربعمائة

ان ما ذكره النجاشي حول مؤلفات أصحاب الأئمة ومجموعاتهم

ص: 32


1- رجال النجاشي - في ترجمة حسن بن علي بن زياد الوشاء.
2- رجال النجاشي ص 1

الحديثية - وكما أشرنا سابقاً - بعض هذه التأليفات لاكلها ، وأما العدد الحقيقي للمجموعات الحديثية ومؤلّفيها من عهد أمير المؤمنين علیه السلام إلى عصر الإمام الرضاءعلیه السلام ، فلا يمكن احصاؤها بدقة لكثرتها ووفرتها .

ومنها الكتب التي جمعت الأحكام والمسائل الفقهية المختلفة وكتبت بواسطة بعض الأصحاب المشهورين ، فإنّها أربعمائة كتاب ألفها وجمعها أربعمائة أو أقل من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ويقال لها : «الأصول الأربعمائة» ، وبما أنّ هذه الأصول تختلف مع بعضها من ناحية نوعية التنظيم ، ويُوجد قسم من الأحاديث فى بعض الكتب دون البعض ، فإنّ عدداً من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام وتلامذته ، جمع هذه الأصول الأربعمائة ، كل حسب ذوقه ، في كتاب وموسوعة كبيرة عُرفت باسم «الجوامع ». وبالطبع فهذه الجوامع غير الكتب المختلفة التي ألفها أصحاب الأئمة حتى زمان الغيبة .

ويجب ملاحظة هذه النقطة وهي آنه وبعد مضي ثلاثة عشر قرناً ، يوجد عدد من هذه الأصول الأربعمائة فى بعض المكتبات الكبرى(1) .

الجوامع المذكورة كانت مرجع الشيعة وملجأهم بعد الإمام الرضا علیه السلام ، في المسائل الدينية والأحكام ، والذين لم يتمكنوا من

ص: 33


1- لاحظت قبل عشرين عاماً تقريباً، بعض هذه الأصول في المكتبة العامة للمرحوم آية الله المرعشي في قم.

الاتصال بالأئمة مباشرة ، كانوا يحفظون ، عبر هذه الكتب ، علاقتهم بالإسلام والمذهب . وبعد قرن تقريباً ألف المرحوم الكليني (المتوفى سنة 329 ه ) كتاب الكافي وجمع بين دفتيه الأحاديث في أسلوب جديد ومنظم . وبعد الكليني، جاء دور المرحوم الصدوق

(المتوفى سنة 381 ه ) في تأليف كتاب من لا يحضره الفقيه وبعده ألف المرحوم الشيخ الطوسي (المتوفى سنة 460 (ه) كتابيه (المعروفين التهذيب والاستبصار) في الحديث ، وبذلك حوت هذه الكتب على الأحاديث المستخرجة من الجوامع والأصول وسائر كتب الأصحاب والمنقولة من لسان المحدثين أيضاً .

تحوي هذه الكتب الأربعة على 410999 حديثاً وباعتبار أن الكافي يحوي لوحده 16000 حديث(1)، فإنه يعتبر في المقدمة . انّنا نمتنع عن ذكر سائر المجموعات الحديثية الموجودة أو التي فقدت إثر الحوادث الواقعة ، ومرور مئات السنين عليها .

5 - حديث أئمة الشيعة، حدیث رسول الله صلى الله عليه وسلم

الموضوع الآخر الذي لابد من ذكره أن الشيعة وعلماءهم يعتبرون

ص: 34


1- الكافي عبارة عن ثمانية مجلدات، مجلدان في الأصول وخمسة مجلدات في الفروع ومجلد واحد باسم روضة الكافي

كل حديث منقول من أحد الائمة وصحيح من الناحية الرجالية وعلم الحديث، يعتبرونه حديث رسول الله وقوله صلی الله علیه وآله ، وقد ثبت هذا الأمر في علم الكلام بالأدلة والبراهين الجلية الواضحة . نكتفي هاهنا بنقل حديث عن الإمام الصادق علیه السلام إذ يقول :

«حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، وحدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قول الله عز وجل»(1).

6 - أهل البيت في القرآن والسنة

بما أنّه ورد فى السؤال ذكر أهل البيت، فمن الضروري بيان تعريف إجمالي عن أهل البيت ، وتوضيح رأي القرآن والسنة في هذا الأمر:

يضع القرآن الكريم أهل البيت في مستوى أرفع من مستوى عامة الأفراد ويمنحهم أرقى وسام حيث يعرفهم بقوله :« إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ».

ص: 35


1- اصول الكافي - ج 1 ص 53 ح 14

وان نزول آية التطهير هذه في حق أهل البيت - وهم أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعلیهم السلام - وارد في المصادر الروائية والتفسيرية لأهل السنّة ، وعبر روايات متواترة منها ، في صحيح مسلم (1)عن عائشة أُمُّ المؤمنين ، وفي تفسير الدر المنثور من مصادر مختلفة (2).

نعم ! في هذا الحديث، بالاضافة إلى أنّ أُمُّ المؤمنين تؤيد نزول الآية في حق أهل البيت ، فإنّها تعرفهم بكل دقة .

يكفي في فضل أهل البيت ووصايا الرسول الكثيرة في حقهم أنه صلی الله علیه وآله وسلم

يعتبرهم عدل القرآن وفي نفس المستوى ، ويترك القرآن وأهل البيت بمثابة ثقلين، بل وأثقل الأمانات بين أمته ويؤكد لأمته أنّها اُمّته لن تكون محفوظة من الضلالة إلّا إذا تمسكت بهاتين الأمانتين ، ثم يقول: «فانظروني بم تخلفوني فيهما» ؟

وما دام البحث حول مسند أحمد بن حنبل ، فإنّنا في مثل هذه الأحاديث لن نتوجه إلى منابع أخرى ، بل نكتفي بذكر حديث واحد من هذا المسند :

يروي أحمد بن حنبل متصلاً عن أبي سعيد الخدري عن

ص: 36


1- صحیح مسلم - ج 5 - ص 198
2- الدر المنثور - ج 7 - باب فضائل أهل بيت النبي صلی الله علیه وآله وسلم

النبي صلی الله علیه وآله وسلم قال : «إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وانّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي ؛ كتاب الله حبل محدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي وانّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروني بم تخلفوني فيهما» (الحديث رقم 10707 ) .

وفي حديث آخر في مسند أحمد وردت جملة «أحدهما أكبر من الآخر».

عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله : «إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»( حدیث 10681) (1).

7 - خطأ أحمد بن حنبل في تعريف أهل البيت

بملاحظة البحث السابق ومعرفة أهل البيت أنّهم عبارة عن : علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام وبالاضافة إلى الأدلة القطعية والتي لا

ص: 37


1- راجع الأحاديث في مسند أحد أحمد بن حنبل / 3 / ص 14، 17، 26، 56 وج 4 / ص 366 وج 5 / ص 18، 189

يمكن إنكارها ، من أحاديث أهل السنة وحتى حديث عائشة ، كلها تؤكد على هذا الأمر، ورغم وضوح هذه الحقيقة ، فإن أحمد بن حنبل تعرّض للخطأ الفادح في تعريف أهل البيت ، ذلك لأنه عندما يريد ذكر مسانيد أهل البيت تحت عنوان «مسند أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين »يذكر مسند خمسة أشخاص وهم :

1 - الحسن بن علي 2 - الحسين بن علي 3 - عقيل بن أبي طالب. 4 - جعفر بن أبي طالب -5 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وتحت عنوان« مسند بني هاشم »يذكر مسانيد العباس وعبدالله بن عباس ، ويفصل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء اللذين هما على رأس أهل البيت ، من أهل البيت ويضع مسانيدهما بجانب مسانید صحابة رسول الله ومسانيد أزواجه وأقاربه صلی الله علیه وآله.

هذا التقسيم العجيب لأحمد بن حنبل ، يوجب الشك والترديد لدى الكثيرين ، ويبقى هذا السؤال دون جواب : كيف يمكن لابن حنبل أن يفصل عليّاً وفاطمة عن أهل البيت خلافاً لصريح الأحاديث المنقولة عن أكابر الصحابة ، وحتى خلافاً للعرف واللغة ، ويضع بدلاً منهما أشخاصاً آخرين مثل عقيل وجعفر وعبدالله بن جعفر ، وهؤلاء الثلاثة خصوصاً جعفر بن أبي طالب ، لهم احترام خاص في الإسلام ومنزلة لدى الرسول الأعظم صلی الله عَلَيْهِ وآله وسلم الا أنهم - على أي حال - لم يُعتبروا من أهل البيت ؟

ص: 38

مناظرة علمية

8- عمن ينقل ابن حنبل أحاديثه؟

نظرة اجمالية إلى 40 ألف حديث (1)فی مسند أحمد بن حنبل الكبير ، نلاحظ أنه بالاضافة إلى نقل الأحاديث الصحيحة عن المعتمدين والصحابة الأجلاء ، فإنه - مع الأسف -ينقل مئات بل وآلاف الأحاديث عن بعض الأشخاص الذين لا يمكن الاعتمادعليهم أبدا.

وبالطبع سبب عدم الاعتماد بهذه الأحاديث ليس فقط بسبب نقله من أناس مجهولي الهوية (2)، بل والمصيبة العظمى أنه ينقل الأحاديث من أشخاص ثبت عنادهم ومعارضتهم للاسلام والمسلمين ؛ أشخاص غمسوا أياديهم إلى المرافق في دماء المسلمين ، أشخاص لم يمثوا إلى الاسلام بصلة ، بل كانوا من اليهود والنصارى ودخلوا الإسلام لأسباب خاصة مثل «تميم الذاري»(3) الذين ادخلوا الاسرائيليات والمسيحيات في أحاديث النبي ،

ص: 39


1- يختلف العلماء في عدد أحاديث مسند أحمد بن حنبل من 30 إلى 40 ألف حديث ، فيقول صاحب كشف الظنون مثلاً أن مجموع أحاديثه 30 ألف حديث وربما كان يقصد الأحاديث بدون تكرار فاذا اضفنا مكررات ابن حنبل يبلغ عدد الأحاديث 40 ألف حديث
2- ينقل من 43 شخص غير معروف تحت عنوان «رجل أعرابي» أو «رجل من البادية أو« رجل من بكر بن وائل »وينقل عن عشرة نساء بتعبير «امرأة من الأنصار» أو «امرأة من بني سليم» وعن امرأتين تحت عنوان «عجوزة من الأنصار» أو «عجوزهءمن بنی نمیر» ولا شك أن هذه الأحاديث ليس لها أية قيمة علمية لأنّه لا الرجال ولا النساء معروفين !
3- نقلت أحاديث تميم الداري في المسند الكبير وفي صحيحي البخاري ومسلم

وشوَّهوا منظر الإسلام وسمعته .

واكثر من هذا أنّ أحمد بن حنبل ينقل الأحاديث عن بعض المسلمين الذين ارتدوا واتبعوا أدياناً أخرى (1).

انّه ينقل أحاديثاً عن أشخاص مشبوهين مثل سمرة بن جندب (2)ومروان بن الحكم(3) وعمرو بن العاص(4) ومغيرة بن شعبة(5) ووليد بن عقبة(6) ومعاوية بن أبي سفيان (7) .

9 - نموذج من الوضع الخلقى والعقيدي لهؤلاء الرواة

اشارة

بما أنّ توصيف هؤلاء الرواة ومعرفتهم معرفة واقعية ، لا يسعها هذا الكتاب ويحتاج إلى مجلد ضخم وحتى الأشخاص الذين ذكرناهم كأمثلة ، لا يمكن تعريفهم أيضاً ، فإننا نكتفي بذكر أحد هؤلاء الرجال مع

ص: 40


1- مثل ربيعة بن أمية الذي اسلم بعد فتح مكة وفي عهد الخليفة الثاني لجأ إلى الروم واتَّبع المسيحية راجع (فتح الباري - ج 7 ص3)
2- 150 حديث
3- 22 حديث
4- 20 حديث
5- 72 حديث
6- حديث واحد
7- مائة حديث بملاحظة تكرار الأحاديث فهذه الأرقام تقريبية

ذكر نموذج من أحاديث ناقل آخر من ناقلي المسند الكبير ومن أحاديثه ، ونكتفي بذكر هذين النموذجين :

سمرة بن جندب وعصيانه لرسول الله

سمرة بن جندب من الرواة الذين ينقل عنهم أحمد بن حنبل مائة وخمسين حديثاً . وقصة عناده ومخالفته لرسول الله ومعارضته لأمره الصريح وارد في أكثر كتب الشيعة ومنابع أهل السنة :

«ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، فكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن . فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبى سمرة ، فلما تأتى ، جاء الأنصاري إلى رسول الله صلی الله علیه وآله، فشكا اليه وخبره الخبر ، فأرسل اليه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخبره بقول الأنصاري وما شكا وقال : إذا أردت الدخول فاستأذن ، فأبى ، فلما أبى ساومه حتى بلغ به الثمن ما شاء الله فأبى بى أن يبيع . فقال : لك بها عذقُ يمدّ لك في الجنّة ، فأبى أن يقبل . فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للأنصاري: إذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فإنّه لا ضرر ولا ضرار»

هذا الحديث الذي هو مبنى قاعدة لا ضرر»، بالإضافة إلى وروده

ص: 41

فی کتب الشیعه (1)، فإن أهل السن أيضاً نقلوه من منابعهم وأفتى به عدد من علماء السنه(2).

هذا الحديث لا يدلّ على فسقه ومعارضته للرسول صلی الله علیه [وآله] حسب ،

بل ويدلّ على كفره وعدم ايمانه ، وذلك لقوله تعالى :

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا »(3)

نعم ! هيهات أن يؤمن الانسان بالمعاد والوعود الإلهية ولم يقبل ضمان رسول الله وكفالته اياه، ويبيع نعم الجنة بثمن بخس .

سمرة بن جندب بعد رسول الله صلی الله علیه [و آله]

سمرة بن جندب ، بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه [وآله] ، بالاضافة إلى أنه كان يشرب الخمر علانية واشتهر ببيعه الخمر بين الناس ، فإنّه كان من أشقى الأشقياء وأعدى أعداء آل محمد صلی الله علیه [وآله] وشيعتهم ، وكان له السبق في

ص: 42


1- نقله الشیخ الحر العاملی فی کتاب وسائل الشیعه/کتاب احیاء الموات ج 25 ص 428 باب 12 ويقول : ان الصدوق أيضاً نقل هذا الحديث
2- یقول العلامه فی التذکره.فی المسأله الأولی من خیارالغبن بأن مالک واحمد بن حنبل افتیا به وذلک لقوله صلی الله علیه و[آله]لاضرر ولاضرار:ونقله أیضاًابن ابی الحدید فی المجلد الرابع ص78 من کتابه،وابن الاثیر فی ماده«ضرر»
3- سوره النساء:65

مناظرة علمية

جعل الأحاديث والكذب على الله ورسوله وقتل الأبرياء وخيار الأمة .

ورد بيعه للخمر اثناء خلافة عمر بن الخطاب في مدينة البصرة ، نقلاً عن ابن عباس ، في الصحيحين (البخاري ومسلم ). ونقله أيضاً أحمد ابن حنبل في مسنده في المجلد الأول ص 25 . واليك متن الخبر في صحیح مسلم : «عمرو بن دينار ، قال أخبرني طاووس انه سمع ابن : عبّاس يقول : بلغ عمر أن سمرة باع خمراً فقال : قاتل الله سمرة . ألم يعلم أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فحملوها فباعوها» (1)؟

وكما ينقل ابن أبي الحديد فان معاوية دفع إلى سمرة مائة ألف درهم حتى يعلن ، في الناس أنه سمع رسول الله يقرأ آية «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ » ويقول انها نزلت في علي بن أبي طالب !!! ويقرأ آية «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ »وانّها نزلت في حق ابن ملجم !!! إلا ان سمرة رفض ، فزاد معاوية في أجر هذا الكذاب الكبير حتى وصل إلى أربعمائة ألف درهم . فانقاد له سمرة وأطاع أمر

ص: 43


1- صحیح مسلم ج 5 / باب تحريم بيع الخمر والميتة، صحيح البخاري ج 3/ باب لا يذابشحم الميتة ولا يباع

معاوية !(1)

وجاء في تاريخ الطبري ان زياد بن أبيه ولى سمرة بن جندب على البصرة وبعد مضي زمان جاء سمرة إلى الكوفة والتقى بزياد بن أبيه وقد قتل ثمانية آلاف من الناس (وقيل من الشيعة) فقال له زياد : هل تخاف ان تكون قد قتلت أحداً بريئاً ؟ قال : لو قتلت اليهم مثلهم ما خشيت(2) .

وكما روى ابن أبي الحديد ، ان في حادثة مقتل الحسين بن على علیه السلام كان سمرة من رجال ابن زياد وشرطته ، وكان يحث أهل الكوفة على قتال سبط رسول الله صلی الله علیه وآله(3).

10 - نموذج من الأحاديث

كان ذلك نموذجاً من الشخصية المعنوية والاسلامية لواحد من رواة الحديث في مسند أحمد بن حنبل وقد نقل عنه ما يقارب مائةً وخمسين حديثاً ، وإليك نموذجاً من حديث يرويه أحد رواة المسند الكبير والصحاح الست وهو عمرو بن العاص .

وقبل ذكر الحديث يجدر أن نشير إلى هذه النقطة :

ص: 44


1- شرح نهج البلاغة : ج 4 ص 202
2- الطبرى والكامل لابن الاثير - حوادث سنة 50
3- شرح نهج البلاغة : ج 4 ص 79

كان العاص بن وائل والد عمرو يعادي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بشدة وقد نزلت سورة «الكوثر» ردّاً على سخريته بالرسول ، وسمّاه الله فيها ب «الأبتر » ، وكذلك كان عمرو بن العاص لا يتناهى عن العداء تجاه أهل البيت واتباع كلّ الطرق لاظهارهذه العداوة، فتارةً يدخل الحرب ضد أمير المؤمنين علیه السلام وأخرى يختلق الأحاديث ضد أهل البيت علیهم السلام، والحديث التالي واحد من أكاذيبه ، ومع الأسف الشديد فقد نقله البخاري وصحيح مسلم ، وجعله أحمد بن حنبل رابع حديث يرويه ضمن مجموعة أحاديثه ، وهذا نص الحديث :

«سمعت رسول الله جهاراً غير سر يقول : ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء انّما وليي الله وصالح المؤمنين» ! .

انه يحاول بحديثه الموضوع أن يُخرج أمير المؤمنين علیهم السلام وعقيل وجعفر الطيار والحسنين علیه السلام من صف المؤمنين وأن يقطع علاقة الرسول بهم ، إذ أنّهم جميعاً من آل أبي طالب ، وقد دعم عمر و كذبته بأكذوبة أخرى وهما أنّ الرسول قد ذكر هذا الكلام علناً وجهاراً لا في الخفاء أو أمام جمع خاص .(1)

ص: 45


1- الجدير بالذكر ان النسخ المتوفّرة اليوم من الصحاح والمسند قد حرّفت هذا الحديث النادر !! فذكرت (آل فلان) بدلاً من آل أبي طالب) ، لكن ابن أبي الحديد الذي كان يعيش في القرن السادس من الهجرة قبل ظهور المطابع ولجان التصحيح (التحريف) يذكربصراحة انه جاء في الصحيحين ان آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء) . راجع شرح نهج البلاغة ج 4 صفحة 64 ، كما يمكن مراجعة النص المحرّف أو المصحح من حديث عمرو ابن العاص الموضوع في صحيح مسلم کتاب الایمان حدیث 366 وصحيح البخاري كتاب الادب حديث 56 و 44 ومسند أحمد ج 4 ص 203.

11 - عدد الأحاديث التي ينقلها أحمد بن حنبل عن أهل البيت

إذا أحصيت بدقة الأحاديث التي ينقلها أحمد بن حنبل في مسنده عن أهل البيت فلن تجدها 769 حديثاً كما ذكرت ، بل هي أقل من ذلك بكثير ، فلا تعجب إذا عرفت انها لا تتعدّى 29 حديثاً مسنداً متصلاً ، بعد حذف الأحاديث المكرّرة ، وبناءً على تعريف أحمد بن حنبل لاهل البيت والذي تم بيانه في البند السابع ، وهي على هذا التفصيل :

1 - الحسن بن على علیه السلام 6 أحاديث

2 - الحسين بن علي علیه السلام 6أحاديث

3 - عقيل بن أبي طالب حديث واحد

4 - جعفر بن أبي طالب حديث واحد

5 - عبد الله بن جعفر 15 حديثا

المجموع 29 حديثاً

ص: 46

أما إذا أخذنا أهل البيت على المعنى الحقيقي للكلمة ، فلا تزال أحاديثهم لا تبلغ العدد الذي ذكرته ، بل يصل العدد إلى 318 حديثاً ، ففي المسند الكبير ما يقارب 300 حديثاً عن أمير المؤمنين علیه السلام وذلك بعد حذف المكررات ، وكذلك ستة أحاديث عن كلّ من الحسنين وفاطمة الزهراء علیها السلام، نعم مجرّد ستة أحاديث فقط.

أما إذا كان مقصودكم من العدد المذكور أن تحصوا الأحاديث مع مكرّراتها ، فالظاهر صحة احصائكم لها ، إذ ان الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين علیه السلام مع احتساب التكرار تبلغ 800 حديثاً ، إلا ان الأحاديث المكرّرة بنفس النص أو المضمون وباختلاف الاسناد انّما تعتبر حديثاً واحداً .

12 - ما هي أسفار أحمد بن حنبل ؟ عمن يروي وعمن لا يروي

يقول عبد العزيز سيد (الاهل ):

كان أحمد بن حنبل يتحمّل أنواع الصعاب في أسفاره من أجل تلقي الحديث واللقاء مع العلماء والمحدثين فكان يسافر إليهم في أقصى نقاط المعمورة حتى في كبر سنه ، متحملاً الحرّ والقر وانواع الآلام ، فلا هذه ولا غيرها من الصعاب كانت تمنعه عن إرادته وتصميمه الجاد ، فلم يكن قد بلغ العشرين من عمره إذ ابتدأ سفرته العلمية الأولى من مسقط

ص: 47

رأسه بغداد إلى الكوفة ومنها إلى البصرة ثم إلى مختلف مدن الشام وفلسطين ، ومن ثَمَّ إلى مكة والمدينة وبعدها إلى صنعاء ورمانة في اليمن ، وفي ايام شيبه توجّه إلى الشرق فسافر إلى الري ومرّ في سفره على فارس وكرمان .

يقول سيد الأهل : لقد كرّر أسفاره إلى بعض المدن مثل مكة والمدينة والكوفة والبصرة ، وأقام في بعض هذه السفرات طويلاً، ففي المدينة كانت له اقامتان طويلتان، وفي سفرته إلى اليمن ظل هناك ما يقارب السنتين.

ويضيف سيد الأهل : كان أحمد بن حنبل يسافر شخصياً من أجل تلقي الحديث واللقاء مع مشايخ الحديث ، أما سائر العلوم مثل التاريخ وغيره فكان يرسل رسلاً إلى أصحاب هذه العلوم لينقلوا إليه علومهم ، کار ساله حنبل ابن عمه إلى ابن سعد (كما في كتاب الواقدي ) حيث كتب حنبل معلوماتٍ عديدةً منه ثم نقلها إلى أحمد بن حنبل(1).

من يروي عنهم أحمد بن حنبل :

يذكر ابو الفرج ابن الجوزي أربعمائة من مشايخ الحديث الذين

ص: 48


1- يذكر سيّد الأهل في كتابه (شيخ الأمة أحمد بن حنبل سرداً كاملاً عن أسفار أحمد بن حنبل العلمية ولقائه مع مختلف المحدّثين

التقى بهم ابن حنبل وروى عنهم ، فيسميهم ويعرفهم ، وبينهم امرأة تدعى (أم عمرو بنت حسّان بن زيد الثقفي) .

يقول ابن الجوزي : هؤلاء مشايخ حديث ابن حنبل الذين سجل ابن حنبل أحاديثهم ، أما من أخذ منهم الحديث ولم يروه فهم أكثر من ذلك (1).

اما منْ لم يأخذ أحمد بن حنبل الحديث منهم

يجب أن نذكر هنا - ومع الأسف - أربعةً من أئمة الشيعة وهم الإمام موسى بن جعفر والإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي علیه السلام ، لقد طوى أحمد بن حنبل معظم البلاد التي تضمّ نفراً من العلماء والمحدثين شرقاً وغرباً ، والتقى بأكثر من أربعمائة عالم ومحدّث وأخذ منهم ، إلا أننا لم نعثر بين هؤلاء ذكراً عن واحدٍ من أولئك الأربعة من آل الرسول وذرّية الزهراء البتول ، أغصان شجرة النبوّة والولاية ، مع أن ابن حنبل كان معاصراً لهم وعلى جوارٍ منهم (2)، فاذا كان قد التقى مع أحد الائمة علیه السلام أو

ص: 49


1- مناقب أحمد بن حنبل ص 33 - 54
2- ولد أحمد بن حنبل سنه 164وتوفی عام241،فکان إذن فی التاسعۀ عشرهۀ من عمره عند استشهاد الام موسی بن جعفر سنۀ183،وعاش أبن حنبل طوال أیام إمامۀالامام الرضا والامام الجوادو21سنۀ من إمامۀ الهادی علیه السلام والتی استمرت من سنۀ220إلی سنۀ 254

روى عنهم حديثاً ، لذكره التاريخ بلا شك ، ألا ترى ان التاريخ لم يهمل اسم امرأةٍ روى عنها ابن حنبل ، ولم ينس حتى كيفية جمعه للمعلومات (كتاب الواقدي )عن طريق إرسال ابن عمه حنبل .

الجواب الكامل على السؤال

والآن وبعد الإشارة إلى النقاط الاثنتي عشرة التي لم يكن لنا بد من ذكرها ، نصل إلى الجواب الكامل للسؤال الذي طرحته .

ومع ان جواب السؤال كامن في النقاط المذكورة ، إلّا أنّنا قد الخصناه بالنقاط التالية :

1 - رغم وجود الآلاف المؤلّفة من الأحاديث النبوية الشريفة المنقولة عن طريق أهل البيت إلا أن الكتب الأربعة لا تحوي إلا واحداً وأربعين ألف حديث منها .

2 - لقد وصی رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بالقرآن والعترة الطاهرة ،

وعرّف أهل بيته بأنهم العروة الوثقى التي يتمسك بها للنجاة من الضلالة والانحراف

«فانظروني بم تخلفونى فيهما».

3 - روى أحمد بن حنبل في مسنده آلاف الأحاديث عن أمثال سمرة بن جندب ، وقد روى عن رجل واحدٍ آلاف الأحاديث ، نعم قد

ص: 50

روى عن أبي هريرة لوحده كلّ تلك الأحاديث (1). ، ذاك أبو هريرة الذي أدبه الخليفة الثاني لكثرة أكاذيبه ، فأمر بضربه بالسياط حتى جرى الدم من جسمه(2).

4- طوى أحمد بن حنبل بلاداً كثيرةً ولاقى علماء عديدين ليأخذ الحديث عنهم ، وكان يعيش في زمان ومكان مناسبين للقاء بعدة من أئمة الشيعة أبناء الرسول صلی الله علیه[وآله]وأخذ الأحاديث النبوية الصحيحة منهم ، ليسقي الأمة الاسلامية من تلك الينابيع العذبة ، ويرشد المسلمين إلى تلك البحار الزاخرة بالعلوم والآن يا ترى مع كلّ ذلك ، هل أتى أحمد بن حنبل الواجب الذي عليه ؟

دعنا إذن نبدّل سؤالك المطروح بسؤال آخر ، أنت تقول : ان أحمد بن حنبل قد روى 769 حديثاً مسنداً متصلاً عن أهل البيت ، ومعنى هذا الكلام أنه قد خطا بذلك خطوة كبيرة وأدّى أكبر واجب على عاتقه !

أما سؤالنا نحن فكما يلي:

هل أدّى ابن حنبل واجبه تجاه وصايا رسول الله في أهل

ص: 51


1- بلغت أحاديث أبي هريرة 5374 حديثاً مسنداً ، أما احصاء أحاديثه في مسند أحمد بن حنبل بعد حذف المكررات منها فيحتاج إلى وقت طويل لا سبيل اليه في هذه العجالة ، ولكن من المسلّم به ان في المسند عدة آلاف من أحاديثه ، فراجع
2- «العقد الفريد» ج 1 ص 26 ، برواية «الإمام الصادق والائمة الاربعة ج 2 ص 605

بيته ، بمجرد نقله ثلاثمائة حديث عن أمير المؤمنين وثمانية عشر حديثاً عن ثلاثة آخرين من أهل البيت، مقابل نقله آلاف الأحاديث عن غيرهم أمثال من ذكرناه .

تُرى هل يمكن أن يكون ابن حنبل قد أدّى واجبه الخطير هذا بنقله ثلاثمائة وثمانية عشر حديثاً أو كما تقول 769 حديثاً أو حتى ألف حديث ؟ فانظر كيف تحكم في هذا

الأمر ؟

نقطة تلفت النظر

إذا كانت أحاديث أهل البيت في مسند أحمد بن حنبل لا تتجاوز الثلاثمائة والثمانية عشر فإنّ هذا العدد يبلغ في الصحاح الست حده الأدنى وخصوصاً في الصحيحين الذين ألفهما محدثان كبيران من تلامذة أحمد بن حنبل ، وهما البخاري ومسلم ، ففي صحيح مسلم ينقل عن أمير المؤمنين 32 حديثاً وعن الزهراء علیها سلام حديثاً واحداً، أما عن ريحانتي الرسول الله الإمام الحسن والإمام الحسين علیها السلام فلم نعثر حتى على حديث واحدٍ بسند متصل عنهما .

في حين أنّه يروي أكثر من خمسمائة وخمسين حديثاً عن أبي هريرة وخمسة أحاديث عن كل من عمرو بن العاص وسمرة بن جندب .

ص: 52

اعتراف أبي زهرة

أشار الكاتب المصري المعاصر محمد أبو زهرة في كتابه (الإمام الصادق) إلى جانب من هذه الحقيقة ، أنه يقول في الإمام أمير المؤمنين علیه السلام: يجب أن نعترف ان فقه علي الله وقضاءه وفتاواه لم تذكر في كتب أهل السنة بالحدّ المناسب لما بذله علي من جهد دائب في زمن الخلفاء الثلاثة في الفقه والإفتاء وتعليم الأحكام ، وفوق ذلك ما كان منه أيام خلافته ، فالذي ندري عنه انه قضى كلّ حياته في سبيل علوم الشريعة والأحكام الدينية ، وكانت صحبته للرسول صلی الله علیه وآله وسلم أكثر من جميع الصحابة ، إذ صاحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منذ صغره قبل البعثة واستمر معه حتى وفاته ، وعلى ذلك فيجب أن تكون أحاديثه في كتب أهل السنّة أضعاف ما ذكروه عنه.

ويضيف أبو زهرة :

وإذا طلبنا السبب في هذا الأمر انتهينا إلى أنّ حكومة بني أمية لعبت دوراً مؤثراً في طمس آثار علي علیه السلام، إذ لا يعقل أن يسبّوا ويلعنوا عليّاً على المنابر ثم يسمحوا للعلماء أن يتابعوا علمه وفقهه وينشروا آراءه وأقواله ، وخصوصاً ما يرتبط منها بالحكومة ، ونحن نعلم ان العراق وهو مهد آثار علي علیه السلام ومركز نشر علومه ومحل سكناه ، إنما كان في

ص: 53

أوائل حكم الأمويين وأواسطها تحت سلطة جبابرة غلاظ شداد لم يكتفوا بردع الناس عن نشر آراء علي وأفكاره في المجتمع ، بل حاولوا جهدهم في إيجاد الشك وسوء الظن عند المسلمين تجاهه(1).

الدفاع عن المحدثين

من الممكن أن تدافع عن كبار المحدّثين وعلى رأسهم أحمد بن حنبل فتقول : ان هؤلاء باعتبارهم أكبر المحدثين وأشهرهم ، وانهم أوّل من جمع الحديث ودونه في بداية العصر الاسلامي ، انّما أرادوا أن ينفّذوا وصايا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في أهل بيته ، ويبلغوا الأجيال التالية من المسلمين الأحاديث الصحيحة عن النبى الله صلی الله علیه وآله وسلم على لسان أهل بيته ، وأن ينجزوا بحق مغزى الحديث الشريف : «نضر الله عبداً سمع مقالتي فبلغها»، أو على الأقل أن يرووا عن أهل البيت ما لا يقل عن الأحاديث التي رووها عن عمرو بن العاص وسمرة بن جندب وأمثالهم ، وهناك ما يؤيد هذا الاحتمال في المحدثين وخصوصاً بالنسبة إلى أحمد بن حنبل حيث انه :

ص: 54


1- الإمام الصادق : ص 126

1 - نجد أن عدداً وافراً من الأحاديث النبوية الشريفة في فضائل أهل البيت موجودة وسط أحاديث مسند أحمد بن حنبل .

2 - مع ان أحمد بن حنبل لم يرو عن الأئمة ولا أبنائهم بصورة مباشرة ، إلا اننا نلاحظ بين أسماء أساتيذه ومشايخه حوالي سبعة عشر رجلاً من علماء الشيعة ومحدّثيهم (1).

نعم ! كان المحدثون يرون واجبهم أن يأخذوا أحاديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من أهل بيته وينقلوها إلى المسلمين ، لكن الارهاب الذي فرضه الأمراء ضد آل البيت على طول التاريخ انّما ارعب أحمد بن حنبل

وسائر المحدثين ومنعهم عن إداء هذا الواجب ، وهذا ما أشار اليه محمد أبو زهرة إذ يقول : إذا استثنينا برهات زمنية خاصة وقصيرة من خلافة بني أمية وبنى مروان وبني العباس ، لوجدنا ان هؤلاء طوال أيام ملكهم لم يكتفوا بالردع الشديد مقابل الموذة لأهل البيت أو ذكر الحديث عنهم ، بل كان مجرد ذكر أسماء أهل البيت يعتبر عصياناً وذنباً لا يغفر .

تُرى هل نسي أحمد بن حنبل ما أصدره معاوية من أوامر بعثها

إلى جميع الأمراء والقضاة في أقصى بلاد الاسلام بهذا المضمون :

ص: 55


1- هؤلاء المحدّثون قد عدّهم ابن الجوزي ضمن أربعمائة من مشايخ أحمد بن حنبل

«إذا ظننتم في أحدٍ انه يوادد آل علي فضيقوا الخناق عليه ، وهدموا داره على رأسه ، ليكون عبرةً لغيره» (1)؟

وهل نسي أحمد بن حنبل ان معاوية قد أمر أهل الشام والعراق وسائر بلاد المسلمين وأكد عليهم أن يسبّوا عليّاً ويلعنوه (2)؟

ألم يشاهد أحمد بن حنبل استمرار هذه السياسة لدى الخلفاء التالين ، حتى أنّ الوليد بن عبدالملك (86- 96) كان يسبّ علياً ويلعنه على المنبر ويضيف انه لص وابن لص(3).

وهل انتهت آثار الاضطهاد والرعب الذي أوجده في القلوب الحجاج بن يوسف والي العراق من قبل الخليفتين عبدالملك وابنه الوليد ؟ وهل انمحت عن الافكار ذكريات مذابحه للموالين لأهل البيت طوال عشرين سنة من حكمه (74-95) ، تلك المذابح الدامية التي قلما ذكر التاريخ أفعالها ؟

لقد أدام الحجاج بن يوسف سياسة معاوية والوليد بن عبدالملك في شتم أمير المؤمنين ، وأضاف إليه ست الحسنين والزهراء ابنة رسول

ص: 56


1- شرح نهج البلاغة : ج 11 ص 46
2- المرجع السابق ج 4 ص 56
3- المرجع السابق ج 4 ص 58

الله صلی الله علیه وآله وسلم، حتى صار ذلك أمراً رسمياً(1) ، واستمر سبّ أمير المؤمنين علیه السلام وسائر أهل البيت مفروضاً في المراسم الدينية إلى عهد عمر بن عبدالعزیز(2).

ورغم ان المؤرّخين قد دأبوا على حفظ مكانة الحكام وجبابرة التاريخ إلا ان جرائم الحجّاج كانت أفظع من أن يتناساها المؤرخون ولا يشهدوا بها ، هذا ابن كثير يشرح جانباً من جرائم الحجاج قائلاً :

كان الحجاج رجلاً سفّاحاً ناصبياً ، يعادي علي بن أبي طالب وشيعته عداءً شديداً ، فكان يريق دماءهم لأوهن التهم ، وقد ذكرت عنه أقوال تدلّ على كفره وإلحاده(3) .

لم يكتف الحجاج بن يوسف بقتل مشاهير الشيعة وخاصة أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام مثل كميل بن زياد (4)وسعيد بن جبير(5) ، بل انه قد قتل طوال أيام حكمه مائة وعشرين ألف رجل وامرأةٍ من شيعة

ص: 57


1- المرجع السابق ج 4 ص 61
2- تاریخ مختصر الدول لابن العربي - في ترجمة عمر بن عبد العزيز
3- البداية والنهاية - ج 9 ص 132
4- المرجع السابق ج 9 ص 122 كما جاء في ارشاد الشيخ المفيد تفصيلاً لقضية استشهاد کمیل بن زياد سنة 83 والتي تدل على شهامته وشجاعته
5- ذكر الطبري في تاريخه وابن الاثير في الكامل في حوادث سنة 94 كيفية استشهاد سعيد بن جبير والتي تدل على ظلامة القتيل وشراسة القاتل

أمير المؤمنين علیه السلام إما بالسيف أو بأنواع التعذيب في غياهب السجون(1)، وبعد هلاك الحجاج كان عدد سجنائه الذين أطلقوا يبلغ ثمانين ألفاً بينهم ثلاثين ألف امرأة (2).

وازدادت هذه الاضطهادات حتى ان الرجل من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام إذا أراد أن ينقل كلاماً عن الإمام لم يجرأ ان يذكر اسمه بصراحة ، بل يضطر إلى أن يشير إليه بصورة رمزية ، فكانوا يسمونه أحياناً بأبي زينب (3).

وإضافةً إلى كلّ ذلك ، ألم يكن أحمد بن حنبل يشاهد الخليفة المعاصر له ، المتوكل العباسي (4)كيف يعادي أهل البيت أشد العداء ، وكيف يمنع الناس بكل حقد عن زيارة قبر الحسين بن علي ، ويرتكب لهذا الامر أبشع الجرائم ، وفي النهاية يصدر الاوامر بتخريب مرقده المطهر حتى لا يبقى له أثر(5) ؟

لقد طلب المتوكل من يعقوب بن سكيت ان يفضّل ولديه المعتز

ص: 58


1- تهذيب التهذيب : ج 2 ص 211 البداية والنهاية : ج 9 ص 136
2- البداية والنهاية : ج 9 ص 136
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 73
4- توفي أحمد بن حنبل سنة 241 وهلك المتوكل سنة 247
5- تاريخ الخلفاء للسيوطي في شرح حياة المتوكل

والمؤيد على الحسنين ، فانكر عليه ابن سکيت ذلك ، فأمر بقتله وقلع لسانه من خلف عنقه (1).

وفوق ذلك ، ألم يكن أحمد بن حنبل يمتاز عند المتوكل العباسي باحترام فائق إلى أن سعى عند الخليفة ضدّه بعض غرمائه ، فنسى المتوكل كل ذلك الاحترام تجاه ابن حنبل ، وضرب عرض الحائط كل المودّة التي بينه وبين ابن حنبل ، فأمر بمحاصرة الحي الذي يسكن فيه وتفتيش منزله لمجرد الشك انه يخفي بعض الشيعة في داره ، ولنقرأ الحادثة على لسان ولدٍ لابن حنبل يسمى صالح ، حيث ينقل عنه ابن الجوزي هكذا :« طرق رجال المتوكل الباب على والدي ، فخرج اليهم لابساً رداءً ، إذ أنبأوه عما وصل من الخبر إلى الخليفة بأنه يُخفي شيعياً في بيته ، فكذب أحمد هذا الخبر وقال : أنا أرى طاعة الخليفة واجباً على فى كلّ حال ، فكيف يمكن منّي ما ترونه ؟ لكن شرطة الخليفة لم يقتنعوا بكلامه وطالبوه بالقسم، فحلف ابن حنبل ومع ذلك لم يرضوا ودخلوا

ص: 59


1- ابن سكيت يعقوب بن إسحاق الأهوازي الشيعي ، كان من أئمة اللغة وحامل لواء العربية والشعر والأدب ، واستعمله المتوكل مرتياً لأبنائه ذكر ابن خلكان فى وفيات الأعيان كيفية شهادته وسمّى له 23 كتاباً، ونقل عن بعض العلماء انّه قال في واحدٍ من تأليفات ابن سكيت وهو إصلاح المنطق) : لم يعبر على جسر بغداد كتاب في علم اللغة مثل اصلاح المنطق).

الدار ومعهم بعض النساء ، وفتشوا كل انحاء البيت ، ثم دخلوا بيتي وفتشوا مثل تفتيش منزل والدي .

يقول صالح : هؤلاء الشرطة كانوا في غاية الدقة أثناء تفتيشهم البيت حتى انّهم أوقدوا شمعةً لتفتيش بئر كانت في بيتي ، وبعد يومين من هذا الحادث أصدر الخليفة أوامره بالعفو عن والدي وإطلاقه» .

وأرّخ ابن الجوزي هذا الحادث بانه كان سنة 236 نقلاً عن (ذريح العكبري )أحد تلامذة أحمد بن حنبل(1).

خلاصة الدفاع

خلاصة الكلام فى دفاعكم عن المحدثين أن أحمد بن حنبل وتلامذته لم يكن لهم بد من الاستمرار على الطريق الذي رسموه لأنفسهم وذلك مقابل تلك الجرائر والاضطهادات التي كانوا يشاهدونها ، ألم يكن هؤلاء المحدّثون مضطرين إلى الاكتفاء بذكر عددٍ يسير من أحاديث أهل البيت ، أو أن يتناسوا تلك الأحاديث بصورة كاملة ؟.

ألا يخطر ببالكم هذا الاحتمال ان مشاهدة الالوف من الجرائم البشعة أمثال قطع لسان ابن سكيت وغير ذلك أجبرت أحمد بن حنبل

ص: 60


1- مناقب أحمد بن حنبل ص 361

عند تعريفه لمفاخر القرآن والاسلام أهل بيت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ان يستبدل علياً وفاطمة بعقيل وجعفر وعبدالله ،خوفاً من أن ينتهي بنفسه إلى تلك الأهوال؟

ولذا فإنّ هذا التعريف لأهل البيت انما كان عن دراية وعمد ، لا نتيجة لخطأ عارض .

ألا تحتمل ان محاصرة دار ابن حنبل وتفتيشها إضافة إلى الضغوط الأخرى ، أدت إلى أن يروي حديث «انّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء» عن عمرو بن العاص وعشرات الأقوال مثل ذلك من أجل أن يطمئن على سلامة نفسه ؟ فرواية تلك الأحاديث المدسوسة لم تكن ملائمة لتلك الايام فحسب دون وجود أي اعتراض أو منع ، بل كانت تستوجب إطلاق الحرية للفرد في مختلف المجالات ، إضافةً إلى سيل الهدايا والجوائز الملكية التي تنهمر على مثل هذا الراوي ، كما كان حال أحمد ابن حنبل وما يراه من آيات التكريم والاجلال في أيام حياته من قبل المتوكل ، ثم تشييع جنازته على أيدي ما يقارب مليوناً وثمانمائة ألف شخص ، علاوةً على عشرات المكرمات والأحلام التي ذكرت فيه بعد وفاته(1) مما لم تذكر حتى في حق الخلفاء الثلاثة.

ص: 61


1- راجع مناقب أحمد بن حنبل لابن الجوزي ، وشيخ الأمة» تأليف سيد الأهل، ووفيات الأعيان» لابن خلكان في ترجمة حياة ابن حنبل

أما بالنسبة للبخاري ومسلم وسائر المحدثين فلا ينبغي الاعتراض والرد عليهم أبداً ، إذ انهم اضافةً إلى الضغوط السياسية المذكورة التي كانوا يتحملونها ، لم يكن يسعهم أن يخرجوا عن الإطار الذي رسمه شيخهم أحمد بن حنبل أو أن يفوقوه في رواية الحديث .

نهاية الكلام : رغم ان السبب الاساسي لانزواء أحاديث أهل البيت واستبدالها باحاديث سمرة بن جندب وأمثاله يكمن في مماشاة المحدثين والكتاب مع الأمراء والتنسيق معهم ، إلا انه يجب أن لا ننسى انّ هذا التنسيق لم يحدث صدفةً ودون سبب ، إنّما حدث نتيجةً للعداء الشديد الذي يضمره الأمراء تجاه أهل البيت ، وارغامهم هؤلاء المحدثين على اتباع أهوائهم ، فهذا الانحراف إذن كان له عاملان : الإجبار ، وقبول الإجبار .

هذا هو الدفاع الذي يمكن تصوّره تجاه كبار المحدثين ، وها هو ذا العذر الذي قد يتنصل به المحدّثون الكبار أمام التاريخ ، كل ذلك في الدنيا أما عذرهم في الدار الآخرة أمام الله ورسوله فلو ندري ما سيكون .

ويجدر بنا ان نتساءل : هل ان هذه الأعذار المقبولة تستطيع أن تسدّ الخسائر الفادحة وتردّ العواقب السيئة من جراء انقطاع أحاديث أهل البيت عن المجتمع الاسلامي وحرمان المسلمين عبر التاريخ من هذا المنهل العذب .

ص: 62

أحاديث أهل البيت وأحاديث غيرهم

من الممكن أن تطرح هذا السؤال : انّ الفرق الذي اعتقد به بين أحاديث أهل البيت وأحاديث غيرهم، ناشيء عن تعصبي المذهبي وغلوي في مودّة أهل البيت ، وإلا فترك أحاديث أهل البيت والاتجاه إلى أحاديث الآخرين لن يضر شيئاً ولن يعقب سوءاً، فكما يقول أهل البيت : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، كذلك يقول الآخرون : قال

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فالغاية واحدة وإن اختلفت السُّبُل للوصول إليها والجواب : أخي العزيز ، هاهنا تكمن النقطة الأساسية وإن كانت دقيقةً يصعب كشفها ، فكما أشرنا في بداية هذه الرسالة انّ الاسلام متبلور في القرآن والسنة ، فالأحاديث النبوية الشريفة تعتبر ركناً أساسياً للاسلام وخصوصاً لبيان أحكام الاسلام وقوانينه ، إذ إنّ مُعْظَمَ الأحكام الاسلامية لا تستبين إلا بحديث الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، وإذا تركنا الحديث الشريف فستبقى قوانين الاسلام غامضةً لا يمكن العمل بها .

فالحديث النبوي الشريف بانضمامه إلى جنب محكم كتابه تعالى هو الذي يكشف الغطاء عن أحكام الاسلام الخالدة ويوضح خفاياها ، فلسنا بحاجةٍ في فروع الدين وأحكامه فحسب إلى الحديث الشريف ، بل اننا ننتهل منه مختلف أصول العقائد أيضاً ، فالتوحيد والمعاد والنبوة التي تعتبر أصول الدين الراسخة في القرآن ، هذه الاصول الثلاثة أيضاً لا

ص: 63

تنجلي زواياها وغوامضها إلا بالسنة الشريفة ، أي ان الحديث انّما يلعب دوراً هاماً فى تفسير آيات القرآن وبيان معانيها .

من هنا ندرك أهمية الحديث في معرفة الاسلام ، ولذلك نضطر إلى استعمال الدقة والتمحيص في التعرف على رواة الحديث ، ولا نكتفي بان يكون هؤلاء الرواة صادقين أمناء في نقل الحديث وسلامة البيان عن التوحيد والنبوة ، دون اضافةٍ أو نقصان ، وعدم التحريف في تفسير القرآن ، فلو كان هؤلاء الرواة ضعفاء القلوب وقليلى المعرفة عن كنه كلام الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، أو كانوا على انحراف في أفكارهم وعقائدهم ، وافتتنتهم الدنيا بثرواتها وسلطانها ، مثل هؤلاء لا يسعهم ان يسعهم ان يرسموا لنا صورةً واضحةً لمغزى أحاديث الرسول صلی الله علیه وآله وسلم والدرجة الرفيعة التي يمتاز بها ، انّهم ليحرّفون الكلم عن مواضعه ، ولن يصلوا بنا إلى الغاية المطلوبة ، وسيبقى هذا الاعوجاج عن مسير الحق في كيان المجتمع الاسلامي على مر التاريخ .

موضوع الحكومة حسب وجهة نظر أحاديث أهل البيت وأحاديث غيرهم

اشارة

إذا أردنا مناقشة هذا الموضوع وعرض الأمثلة الدالة على جميع أبعاده من أصول العقائد إلى أحكام الدين وفروعه ومن التوحيد إلى

ص: 64

المعاد ومن التفسير إلى التاريخ ، وحاولنا مقارنة معرفة الاسلام الناتجة لنا من أحاديث أهل البيت ومن أحاديث غيرهم ، لكلّفنا الأمر تحرير كتاب كبير وقضاء وقت طويل ، لذا نكتفي بعرض مسألة الحكومة حسب وجهة نظر أحاديث أهل البيت وأحاديث الآخرين ، وذلك باعتبارها واحدةً من المسائل الهامة والقوانين الخطيرة للاسلام ، انّها مسألة كانت ولا تزال ، ولا يزيدها مر الأيام وتقلب الأحوال إلا أهميةً وخطورة.

إن حديث الآخرين ليؤيد كل نظام جائر ، ويرتضي بأي أمير ظالمٍ جبار ، ويعتبر إتباع مثل هذه الحكومة فرضاً واجباً والتمرّد عنها من كبائر المعاصي ، أما حديث أهل البيت فلا يرفض مثل هذا الحكم فحسب ، بل يفرض المقاومة والجهاد ضدها.

وإليك نصّ هذين النوعين من الحديث :

1 - حديث الآخرين :

«عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ، جمع ابن عمر حشمه وولده فقال : اني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وانّي لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجلٌ على بيع الله ورسول ورسوله لم ينصب له القتال ، وانّى لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الامر إلّا كانت الفيصل بيني وبينه».

ص: 65

هذا الحديث مع ما أضاف إليه راويه (عبدالله بن عمر) من التوضيح ، وارد في صحيح البخاري ومسند أحمد بن حنبل (1)وقد نقلناه هنا من صحيح البخاري .

2 - حديث أهل البيت : الحسين بن علي علیه السلام في طريقه إلى العراق حلّ بارضِ تُدعى البيضة ، وكان إلى جانبه جيش من أهالي الكوفة على رأسهم (الحر) ، جاءوا ليمنعوه من سفره ، وقد استطاع الإمام علیه السلام ان يخطب بهم وبأصحابه في هذا المكان ويقرع أسماعهم حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث قال الحسين وهو ابن رسول الله ورابع فرد من أهل البيت ، مخاطباً هذا الجمع :

«أيّها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «من رأى سلطاناً جائراً ، مستحلاً لحرام الله ، ناكثاً عهده ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يُدخِلَه مدخله» ، ألا وانّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا

ص: 66


1- ) صحيح البخاري - ج 9 كتاب الفتن ، باب إذا قال عند قوم شيئاً)، مسند أحمد ج 2 ص 48 وص 96 ، وقد ذكر الحديث في سنن الدارمي وجميع الصحاح ما عدا سنن النسائي

حرام الله ، وحَرَّموا حلاله» (1)

كان هذا نموذجاً من حديث اهل البيت إلى جانب حديث الآخرين ، فانظر كيف يروى واحد من أهل البيت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلموكيف يروي محدث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وكلاهما يقول : قال رسول الله ، وكل منهما يطبق الحديث على يزيد بن معاوية .

إِلَّا انّ أحدهما يقول : انّه يلزم تأييد يزيد والدفاع عنه طبقاً لحديث الرسول ، أما الآخر فيقول: انه يجب القتال مع يزيد بناءً على قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

أحدهما يستدل بالحديث النبوي على أن القتال مع يزيد ، بل حتى عدم الدفاع عنه يعتبر إثماً كبيراً .

والآخر يرى من حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ان السكوت أمام يزيد

يعتبر من كبائر المعاصي .

وفي النهاية يعتقد أحدهما ان الحديث النبوي لا يوجب عليه فقط ان يدافع عن يزيد ، بل يرى نفسه ملزماً أن نفسه ملزماً أن يوصي أبناءه وعشيرته بالاستمرار على بيعة يزيد .

أما الآخر فلا يفدي نفسه فقط في سبيل الجهاد ضد يزيد معتمداً

ص: 67


1- الطبري ج 9 ص 300 ، الكامل لابن الاثير ج 3 ص 280 - أنساب الاشراف ج 3 ص 171

في ذلك على حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بل انه يضحي بأبنائه وأصحابه أيضاً في هذا السبيل .

هكذا يكون التأثير العملي لحديث أهل البيت وحديث غيرهم ، وهاهو الفرق بين ما يقتبسه هذان الفريقان من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

نموذجان آخران

من الملاحظ ان هذا النوع من الاقتباس من مفهوم الحديث الشريف لا يقتصر على حديث واحدٍ أو محدث واحد ، ولا يختص بأمير واحد أيضاً ، بل نجد مثل هذا يتكرر بين سائر المحدثين وبالنسبة لجميع الأمراء الجبابرة الظالمين وعلى مر التاريخ ، بل نجد مثل هذا التفكير لا يزال سائداً في بعض جوانب العالم الاسلامي اليوم ، ولذلك ومن أجل الوقوف على مدى أهمية الموضوع ، ألفت نظركم إلى نموذجين آخرين

من هذا القبيل : 1 - أنس بن مالك : عن الزبير بن عدي قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما تلقى من الحجاج فقال : اصبروا فانه لا يأتي عليكم زمان

إلّا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم»

(1)

ص: 68


1- صحيح البخاري ج 9 كتاب الفتن باب الا يأتي زمان إلا الذي بعده....

2 - أحمد بن حنبل : يذكر ابن حنبل رأيه وفتواه في أصول الاسلام وفروعه بناءً على الأحاديث الشريفة في رسالة كتبها في الحكومة جواباً لأحد العلماء المعاصرين له اسمه

«المسدّد»(1) :

« ... والسمع والطاعة للائمة وأمير المؤمنين البر والفاسق ، ومن ولى الخلافة فاجتمع الناس إليه ورضوا به ، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمّي أمير المؤمنين ، والغزو ماضٍ مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر ، وقسمته الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماضٍ ، ليس لأحدٍ أن يطعن عليهم ولا ينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة ، من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفه وخلف كل من ولى امامته ركعتين ، من أعادها فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ، ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمّة كان من كانوا بزهم وفاجرهم، فالسنة أن تصلي معهم ركعتين وتدين بأنّها تامة لا يكن في صدرك شك ، ومن خرج على إمام من أئمّة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان ، بالرضى أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله ، فإن مات الخارج عليه مات ميتةً جاهلية ، ولا يحلّ قتال

ص: 69


1- ذكر نصها الكامل ابن الجوزي في كتابه (مناقب أحمد بن حنبل) ص 175 طبعة بيروت.

السلطان ولا الخروج عليه لأحدٍ من الناس ، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنّة والطريق »

هذا ما أفتى به أحمد بن حنبل ، وهذه النهاية القصوى لفهمه وفهم أنس بن مالك وعبد الله بن عمر الحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

ثمّ انّ دفاع المحدّث الكبير عبدالله بن عمر عن يزيد بن معاوية كان بعد جريمة يزيد الكبرى في قتل الحسين بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه معه ، أمّا معه ، أما بعد ذلك الدفاع فقد أقدم يزيد على معركة (الحرّة) ، إذ هاجم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وارتكب فيها جرائم فظيعةً هائلة ، فلم يكتف بقتل أهل المدينة وسلب أموالهم ، بل أباح لجنوده أعراض صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و فداسوا وهتكوا ، ثم أمر يزيد بالكعبة فهدمت .

أمّا دعوة المحدّث الثاني أنس بن مالك إلى الصبر والدعة ، فقد جاءت والحجاج بن يوسف منهمك بقتل أنصار أمير المؤمنين علیه السلام واقتلاع جذور الاسلام ومحو اسم الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد خذل البقية الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى أن أنس بن مالك بنفسه ومعه سهل بن سعد الساعدي وجابر بن عبد الله قد أمر الحجّاج أن يختم على رقابهم حتى

ص: 70

لا يحترمهم الناس باعتبارهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1) .

وكذلك فإنّ إمام الحنابلة انّما يفتي بوجوب طاعة الحاكم الفاسق الفاجر الذي تسلّط على رقاب الناس بالسيف، وتصدر هذه الفتوى من ابن حنبل ، بينما كان المتوكل منهمكاً بالقتل والسلب من جهة ، وبالمجون والخمر من جهة أخرى، ففاق بذلك ما ارتكبه أسلافه من خلفاء بني أمية وبني العباس ، حتى ان السيوطي يقول فيه : ان المتوكل بلغ في الفساد وشرب الخمر أقصى ما يمكن بلوغه حتى انه قد جامع أربعة آلاف جارية(2)

لقد كان شرب الخمر سائداً لدى المتوكل حتى في مجلسه العام ، بحيث انه قدم الخمر للإمام الهادي علیه السلام اهانة له (3).

وعلينا الآن أن نجيب على هذا السؤال : لماذا طرح زبير بن عدي سؤاله عن الحجاج بن يوسف في قصر أنس بن مالك (4)في مكان قريب

ص: 71


1- أسد الغابة - ترجمة أنس وسهل بن سعد الساعدي، تاريخ الخلفاء - ترجمة عبدالملك بن مروان
2- تاريخ الخلفاء - ترجمة المتوكل ..
3- مروج الذهب ج 4 ص 93 ، وفيات الاعيان ج 3 ص 272
4- يذكر ابن الأثير الجزري في أسد الغابة انّ أنس بن مالك كان يلبس الخز ويسكن قصره فى الطف التي تبعد عن البصرة بفرسخين ، وقد توفّى فى هذا القصر سنة 93 عن مائة وثلاث سنين

من البصرة ، ولم يطرحه عند الإمام زين العابدين علیه السلام في المسجد النبوي قبل ان يدشوا السم في طعام الإمام بأمر من الوليد بن عبدالملك (1)؟

ولماذا لم يبعث «المسدّد» استفتاءه إلى الإمام الهادي الليل بدلا من امام الحنابلة ، حيث كان الإمام الهادي يسكن في منفاه بأمر المتوكل في مدينة سامراء بالقرب من أحمد بن حنبل (2)، ولم يكن الإمام الهادي آنذاك قد تناول السم بعد بأمر المعتز ابن المتوكل ؟

فيا ترى لو ان هذين السؤالين كان يُسأل بهما ذانك الإمامان العظيمان وهم من رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هل انهما كانا يجيبان بذكر أحاديث من نوع ما رواه أنس وابن حنبل ، ويفتيان كما أفتيا ؟ أم أنهما كانا يكرّران ما رواه الحسين بن علي الله في أرض البيضة عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : «من رأى سلطاناً جائراً محلاً لحرام الله ..». .

نعم، ولهذا السبب بالذات نجدهما لا يسكنان القصور مثل أنس ابن مالك ، بل كانا يعيشان في المنفى أو السجون ، وبدلاً من أن يُشيّع جثمانهما أكثر من مليون شخص، نراهما يقتلان مسمومين مظلومين في غياهب السجون ثم ينقل جثمانهما الطاهرين على أيدي أربعة رجال إلى مثواهما .

ص: 72


1- كان الحجاج بن يوسف يحكم العراق كوال للوليد هذا ، ولأبيه عبدالملك بن مروان
2- كان أحمد بن حنبل يسكن بغداد ويسافر إلى سامراء بين حين وآخر

وخلاصة القول : اننا بمقارنة حديث أهل البيت بحديث غيرهم ، مع ماكان من هذا الغير من فهمه للحديث وافتائه فيه ، نستنتج ان حديث الاغيار انّما يريد ان يطبق كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الوضع السائد في المجتمع آنذاك ، أما حديث أهل البيت فعلى العكس ، يريد أن يُطبّق المجتمع مع السنة الشريفة ومع قوانين الاسلام ، وهذا هو الفرق الأساسي بين هذين النوعين من الحديث .

وليس من الصدفة ما نراه في فتوى إمام الحنابلة من تساوي الفسق والعدالة للأمير سواءً تأمر على الناس بالقوة والسيف أم برضا الناس به واتفاقهم عليه ، وكذلك تأكيد ابن حنبل ان فتواه هذه انّما أخذها من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد كرر في فتواه عدم الفرق بين فسق الحاكم وعدالته أربع مرات ، كما كرّر مسألة التساوي بين الحاكم بالقوة والحاكم برضا الناس مرتين ، فتأمل !

نعم ، مثل هذه الفتوى انّما ترسم صورةً حقيقية للواقع السائد آنذاك وكيفية وصول الأمراء إلى السلطة.

والآن وبعد اتضاح الفرق الشاسع بين هذين النوعين من الحديث يمكننا أن ندرك مغزى كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ».

ص: 73

النتائج المؤقتة والنتائج الدائمة

ولنعد ثانيةً إلى التساؤل عن الآثار السيئة والنتائج الضارة التي تنجم عن العمل بالحديث الوارد من غير أهل البيت .

ومع أنّ هذا السؤال قد اجيب عليه فيما مرّ ، لكن أهمية الموضوع تتطلب اعادة ما ذكرناه بتعبير أوضح وبيان جديد .

إذا أخذنا فى الاعتبار النقاط المذكورة بالنسبة لفهم المحدثين معنى الحديث ، وكيفية ابداء وجهة نظرهم واصدارهم الفتاوى ، أمكننا استخراج نتيجتين قطعيتين من الأحاديث المروية عن غير أهل البيت ، نتيجةً مؤقتة وأخرى دائمةً بعيدة التأثير .

أما النتيجة القريبة:

ألم تكن وجهة نظر المحدثين وفتاويهم في الدفاع عن الطغاة المجرمين المعاصرين لهم ، مشجّعةً لأولئك الظالمين في ارتكاب جرائمهم والاستمرار عليها ؟

على سبيل المثال : تأييد عبدالله بن عمر ودفاعه عن خلافة يزيد ، ألم يكن له اثر فعال في المذبحة التي أجراها يزيد في المدينة المنورة ؟ فقتل وسلب ، واعتدى على أعراض الصحابة ، وبعدها أيضاً تجرأ على هدم الكعبة .

ص: 74

وكذلك إعلام أنس بن مالك رأيه في جرائم الحجاج بن يوسف ودعوته الناس إلى السكوت والدعة ، ألم يكن كلّ ذلك دافعاً له فی مداومة عدوانه ، حتى انه استفاد من كلام أنس كتأييد من رسول الله له ولإدامة مذابحه ؟

أليس حديث أحمد بن حنبل وفتواه في وجوب الطاعة لأي حاكم

فاسق أو فاجر يعتبر أكبر دعم للمتوكل في إدامة جرائره ضد الاسلام .

لو شككت في هذا الأمر فكأنّما تشك في قانون العلية في نظام الكون ، وعندئذٍ علينا أن نقول : ان العقوبة مرتفعة عن أية معصية واثم ،

وعن أية جريمة حدثت ، ولكن الله تعالى يقول : «وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ »

. أمّا النتيجة الدائمية لهذه الآراء والفتاوى، والتي استمرت طوال القرون الماضية وحتى اليوم وستبق إلى أمد بعيد :

ألم تكن آراء عبدالله بن عمر وأنس بن مالك ذات اثر بعيد في أفكار الملايين من علماء الاسلام ، وآلاف الملايين من المسلمين الذين يقرأون صحيح البخاري ويعتبرونه أصح الكتب دون استثناء بعد القرآن الكريم(1)؟

ص: 75


1- روى البخاري في صحيحه آراء هذين المحدثين كما مرّ

ألا ترى أنّ هؤلاء العلماء والمفكرين ومعهم جمهور المسلمين ، عندما يقرأون مثل هذه الأحاديث مروية عن أولئك المحدثين (مع ما يعتقدونه فيهم من صحة النظر وسلامة الرأي) ، انّما يرون الخضوع أمام أمثال يزيد والحجاج فرضاً واجباً عليهم ؟ .

ثمّ ألا ترى أنّ تلك الفتوى الصائبة والآراء السديدة لإمام الحنابلة في وجوب طاعة الأمراء الفسقة الفجرة ، والملوك الجبارين كان لها عميق الأثر في عقائد أئمة الوهابيين وأفكارهم (حيث انّ الوهابية منبثقة من المذهب الحنبلي )؟ ألا تجبرهم بالتزام الطاعة والتأييد للملوك السفاحين ، والجبابرة المترفين في أيامنا هذه؟

وحيث اني أرى سماحتك رجلاً فاضلاً مؤمناً ، ملتزماً بالحديث النبوي والسنّة الشريفة ، منصفاً واقعياً غير متعصب ، لذلك وبناء على وصية النبي صلی الله علیه وآله وسلم «اني تارك فيكم الثقلين ..»، وكذلك التأمل والدقة في بحثنا عن حديث أهل البيت وحديث غيرهم) ، اعتقد انك ستستبدل عنوان البحث بأحد العنوانين التاليين :

1 - اسلام أهل البيت وإسلام سمرة .

2 - الإسلام المحمدي صلی الله علیه وآله وسلم الخالص و الاسلام الأمريكي !!

ص: 76

طلب إعادة النظر

بناءً على البحث السابق بالنسبة لبعض رواة الحديث وكيفية ظهور مجموعة من الأحاديث التي عمل على اختلاقها الأمراء المستبدون الطغاة ومعهم محدّثوهم المنتمون إليهم ، إذ صنعوا الأحاديث وفقاً لعقائدهم وأفكارهم ، ولم يعتمدوا فيها على كلام الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، بناءً على ذلك أختم هذا الجزء من رسالتي مع خالص احترامي لكم مقدماً آيات من الاكرام والتوقير لجميع العلماء الأجلاء ، وخصوصاً سماحتكم ، ولي طلب وبكل تواضع من العلماء الأفاضل ، ولم يدفعني إلى عرض هذا الطلب سوى ما أكِنَّهُ في صدري من الحبّ للاسلام العزيز ، وما تتطلب منّي روح الاخوة، امّا طلبي فهو أن تعيدوا النظر وتتدارسوا من جديد موضوع النقاش الدائر بيننا وقضية الحديث والمحدثين ومجموعات الأحاديث . فكما انّ سماحتك اعدت النظر بكلّ شهامة في مسألة فقهية خاصة دون أدنى خوف من مرارة عواقبه المحتملة ، كذلك فعلى جميع العظام والمفكرين أن يعيدوا النظر بصورة شاملة ، وعلى جميع الجوانب في واحدة من أهم المسائل الأساسية، وهي مسألة الأحاديث والمحدثين ، ويجب عليهم أن يناقشوا من جديد عمق الكوارث التي أصابت الاسلام والمسلمين من قبل نوع خاص من الأحاديث والمحدثين

ص: 77

كما لاحظتم نماذج منها ، وإلى جانب ذلك يرفعوا الحواجب التي غطّت أحاديث أهل البيت ، وحرمت الاسلام والمسلمين من نيلها ، وهذا هو الحل الوحيد لانقاذ الاسلام والمسلمين من المظالم الواقعة بهم .

ولكن بالطبع لن تتم إعادة النظر هذه في بلاد المسلمين دون وقوع البلايا والمصائب الخطرة بينهم ، لأنه - وبك-ل أس-ف - قد استمرت الضغوط التي ألمت بالحديث والمحدثين في عهد الأمويين والعباسيين ، استمرت إلى اليوم وعلى مدى أوسع مما كان وباشكال متنوّعة ، فإذا كانت أحاديث أمثال سمرة بن جندب ومن على شاكلته تنتشر في صدر الاسلام لتمنع من نشر أحاديث أهل البيت ، فإن سياسة التعتيم هذه تقتني اليوم أحدث الأجهزة لتبثّ سمومها الاعلامية إلى جميع العالم في مدة قصيرة .

فإذا كان عددٌ مِمَّن يُدعون مفسّرين ومحدثين في تلك الأيام ، انما يحرفون تفسير القرآن ويأوّلون أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حسب ما يناسب أميالهم وأذواقهم، ويسدون بذلك الطريق أمام تعاليم الاسلام الحقيقية الحية ، فإنّا نشاهد أمثالهم اليوم يديمون مسيرة أسلافهم بصورة أوسع عن طريق مؤلفاتهم الضالة مثل (الخطوط العريضة) و(أبو سفيان) و(حقائق عن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية) و(تبديد الظلام) و(جاء دور المجوس )ومئات من الكتب الأخرى .

ص: 78

وإذا قتل الحجاج بن يوسف مائة وخمسين ألف شخص من أهالي الكوفة وبغداد في سبيل الصد من نشر أحاديث أهل البيت في تلك الأيام ، فقد شهدنا اليوم أيضاً ولنفس الهدف مقتل أربعمائة شخص من ضيوف الرحمن في مكة المكرمة قرب الكعبة الشريفة وفي جوار بيت الله الحرام ، في الحد الفاصل بين مسجد الجن ومقبرة المعلّى ، وهكذا أصبح هذا المكان مثل أرض منى مذبحاً للأبرار ، وإذا لاحظنا الظروف المكانية والزمنية لهذه الجريمة لوجدناها أكثر بشاعة من جرائم الحجاج .

وإذا اقتلعوا لسان ابن سكيت من رقبته في سامراء تلك الأيام بحجة دفاعه عن أهل البيت ، فإنّ الشهيد الصدر وأصحابه قد نالوا الشهادة تحت التعذيب في بغداد اليوم.

وأخيراً ، نجدهم اليوم وفي سبيل تلك الأغراض بعينها ، يشعلون نیران حرب ضروس ، يقتلون فيها مئات الآلاف من خيرة أبناء القرآن الذاتين حقاً عن الاسلام ، يذبحونهم ويقطعونهم إربا إرباً كما فعل الحجاج قبلهم في كميل بن زياد وسعيد بن جبير، ويشترك معظم حكام الدول الاسلامية في هذه المذابح بصورة عملية أو على الأقل بالتأييد اللفظي وإرسال التهاني لهم .

فاذا أعاد علماء المسلمين النظر في أمر الحكومة ، فعليهم أن يُعدّوا أنفسهم لأنواع التعذيب والقتل ، ولا يخافوا في الله لومة لائم .

ص: 79

أمّا في ايران الاسلامية وبعد انتصار الثورة اتيحت الفرص لجميع العلماء للبحث والتفكير بكل حرية، وانّ رسالتك الكريمة هذه مثال حي لحرية التفكير التي اثمرتها الثورة الاسلامية ، حيث طرحت - بكل حرية - موضوعاً أساسياً للمناقشة ، واعترضت على أكبر محدّث شيعي وهو الشيخ الكليني رحمه الله .

ولذلك فعلى علماء المسلمين شيعةً وسنّة أن يغتنموا الفرصة اليوم في ايران ، وقد منَّ عليهم الباري تعالى بالثورة الاسلامية المباركة ، ليرتووا من مناهلها ، ويشكروا نعمها ، ولا يغفلوا عنها ، فالغفلة عن هذه النعمة الكبرى تورث الندامة في يوم الجزاء ، عندما يقف المرء خجِلاً أمام ربّه «وَلَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ».

ص: 80

السؤال الثاني: لماذا لم يرو الكافى عن الخلفاء الثلاثة حتى حديثا واحدا؟

اشارة

ص: 81

ص: 82

السؤال الثاني: لماذا لم يرو الكافي عن الخلفاء الثلاثة حتى حديثاً واحداً؟

ملخص الجواب : الدليل الأوّل على عدم الرواية من الخلفاء الثلاثة قلة الأحاديث المروية عنهم ، والدليل الثاني هو انتخاب الكليني أقصر الطرق للوصول إلى ينابيع السنة الشريفة.

اما الجواب بالتفصيل فكما كان الأمر في جواب السؤال الأول ، انّما يلزم عرض أبحاث في التاريخ والحديث نلفت نظركم إليها .

1- الحديث من وجهة نظر الخلفاء

كما ذكرنا في الجزء الأول من هذه الرسالة ، اختلف المسلمون بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في كيفية رواية الحديث الشريف ، فدعا أهل البيت إلى رواية الحديث وكتابته ، أما الخلفاء ومن تبعهم من الصحابة فقد منعوا رواية الحديث أو كتابته .

ص: 83

ويعتبر هذا الموضوع من المواضيع الأساسية الهامة والتي تحتاج إلى بحث شامل وسنتطرق إليه على حدّ نطاق الرسالة والاجابة عليها ، فندرس الموضوع كما كان في عهد الخلفاء ونتائج ذلك في كتب الحديث لدى أهل السنّة ، ثمّ نستخلص الجواب منها بالتفصيل .

2 - الحديث في عهد أبي بكر

يقول الذهبي في «تذكرة الحفاظ» : بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجمع أبو بكر الناس وقال : انكم تروون الحديث عن رسول الله ، وتختلفون في نقله ، فإذا دام الأمر هكذا زاد الاختلاف بين المسلمين بعدكم ، فلا ترووا بعد اليوم حديثاً عن الرسول ، وإذا سألكم أحد أمراً فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، أحلّوا حلاله وحرموا حرامه(1).

ويروي الذهبي عن عائشة مثل ذلك ، إذ قالت :

جمع أبي خمسمائة حديث عن رسول الله ، ثم رأيته احدى الليالي مضطرباً في فراشه ، حتى اصابني القلق عليه ، فلما أصبح سألته عما كان عليه فأجاب : يا بنية ، آتيني بتلك الأحاديث ، فأخذها وحرقها جميعاً، ثمّ قال : أخشى أن أموت وتبقى هذه الأحاديث لديكم ، وقد تكون بينها

ص: 84


1- تذكرة الحفاظ - ج 1 ص 3

أحاديث رويتها عن رجال ثقات عندي ، لكنهم غير ثقات في الواقع ، فأحاسب على ذلك (1).

3 - الحديث في عهد عمر بن الخطاب

بعد مضي ما يقارب السنتين من عهد الخليفة الأوّل ، ابتدأت خلافة عمر بن الخطاب واستدامت عشر سنوات ، واستمر الحظر على رواية الحديث وكتابته أشدّ مما سبق، حتى أن قرظة بن كعب عندما أرسله الخليفة الثاني إلى العراق طلب منه أهل العراق أن يروي لهم أحاديث الرسول فقال قرظة : منعنا عمر عن رواية الحديث (2).

حتى ان الخليفة الثاني ضيّق على ثلاثة من المحدثين (ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي ذر ليمنعهم من رواية الحديث(3).

ص: 85


1- تذكرة الحفاظ - ج 1 ص 5
2- مستدرك الحاكم ج 1 ص 102 ، سنن ابن ماجة ج 1 باب 3 طبقات ابن سعد ج 6 ص 7 ، جامع بيان العلم ج 2 ص 147 - سنن الدارمي ج 1 ص 85 تذكرة الحفاظ ج 1 ص 3
3- مستدرك الحاكم ج 1 ص 110

4 - الحديث في عهد عثمان

واستمر الوضع على ما هو عليه طوال اثني عشر سنة أخرى وهي عهد عثمان بن عفان ، وقد ذكر في التاريخ أن عثمان صعد المنبر فقال : «لا يحلّ لأحد أن يروي حديثاً عن رسول الله لم اسمع به في عهد أبي بكر و عمر» (1).

5- قلة أحاديث الخلفاء في كتب أهل السنة:

ونتيجةً لتلك الرؤية من قبل الخلفاء فى رواية الحديث وكتابته ، أنَّ سائب بن يزيد الصحابي المتوفّى سنة 80 يقول :

سافرت مع سعد بن مالك (2)من المدينة إلى مكة ، لكن سعد لم يرو خلال هذا السفر ولو حديثاً واحداً عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم (3).

هذا الكلام من سائب بن يزيد حقيقة نتلمسها اليوم في منابع الحديث الموثوقة ومجموعة كتب الحديث لدى أهل السنة من الصحاح والسنن ، حيث نلاحظ أنّ الأحاديث المروية عن الخلفاء قليلة جداً

ص: 86


1- مسند الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 363 ، طبقات ابن سعد ق 2 ج 2 ص 100
2- حسب رواية الاستيعاب ج 2 ص 602 كان سعد بن مالك من علماء الأنصار وكان يحفظ عن رسول الله أحاديث كثيرة
3- سنن ابن ماجة ج 1 ص 12

تستوجب العجب لقلتها ، ولكي نعلم مدى قلة هذه الأحاديث اخترنا صحيح مسلم من بين كتب الحديث باعتباره حاوياً أكبر عددٍ من الأحاديث بين الصحاح الست، حتى نعلم ما يجري في بقية الصحاح بالمقارنة مع صحيح مسلم .

ولنتصفّح صحيح مسلم لنحصي عدد أحاديث الخلفاء في أكبر كتب الحديث لدى أهل السنّة وأصحها عندهم .

مجموع أحاديث الخلفاء بعد حذف المكررات في صحيح مسلم يبلغ 62 حديثاً على هذا النحو :

1 - أبو بكر : 5 أحاديث 2 - عمر بن الخطاب : 41 حديثاً

3 - عثمان بن عفان : 16 حديثاً .

و لنقارن هذه الاعداد بعدد الأحاديث المروية في صحيح مسلم عن راو واحد غير هؤلاء لندرك مدى قلة أحاديث الخلفاء في الصحيح ، هذا الراوي هو أبو هريرة حيث تبلغ أحاديثه في صحيح مسلم خمسمائة وخمسة وثمانين حديثاً ، أي ان مجموع أحاديث الخلفاء الثلاثة أقل من (تسع) أحاديث راو آخر .

أو بعبارة أخرى : الأحاديث المروية في صحيح مسلم عن أبي بكر أقل من الأحاديث المروية عن أبي هريرة بمائة وست عشرة مرّة وكذلك

ص: 87

أحاديث الخليفة الثاني والثالث أقل من أحاديث أبي هريرة بأربع عشرة مرّة وست وثلاثين مرّة على الترتيب ، فانظر !!

إجابة السؤال من جديد وتلخيص ما فات

نظراً إلى النقاط الخمسة المذكورة عن حديث الخلفاء ، يمكننا أن نلخص الاجابة عن ثاني أسئلتكم بصورة أوضح هكذا :

ان المحدّث الثاني بين كبار المحدثين الثقات لدى أهل السنة وهو مسلم بن حجاج النيسابوري لم يستطع أن يجمع في مجموعة أحاديثه التي بلغت أكبر عدد من الحديث بين الصحاح ، أكثر من خمسة أحاديث عن الخليفة الأوّل وواحداً وأربعين حديثاً عن الخليفة الثاني وستة عشر حديثاً عن الخليفة الثالث ، ومن المسلّم أنه لو كان يلقى عدداً أكبر من أحاديث هؤلاء لم يتناه عن نقله .

هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإنّ الكليني رحمه الله كان دقيق النظر في الحديث وسيأتي في جواب السؤال الثالث أحد طرقه العلمية في تنقيح الأحاديث ، فإذا علمنا ذلك فلا يستبعد أن يتشكك الكليني في من روى هذه الأحاديث الاثنين والستين عن الخلفاء ، فإذا شك في كون هذه الأحاديث قد رواها الخلفاء الثلاثة كفاه هذا الشك في حذفها عن كتابه .

وهذا هو الشك نفسه التي طرأ على الخليفة الأوّل فاستدل به لإبادة

ص: 88

تلك الأحاديث الخمسمائة ، حيث قال :« قد تكون بين هذه الأحاديث ما رويته عن رجال ثقاتٍ عندي ولكنّهم ليسوا بثقة في واقع الأمر، فاحاسب على ذلك»(1).

مثل هذا الكلام من الخليفة الأوّل يدلّ على أن ما رواه الخلفاء من الأحاديث لم يسمعوها كلها عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم مباشرة ، بل فيها أحاديث رووها عن غيرهم من الصحابة ، وبناءً على ذلك فإذا كان أمثال الكليني من المحدثين يرون في الحديث رأي الخلفاء ، فهو إذن رأي سديد يُشكرون عليه ولا ينبغي أن نحمل عملهم هذا على التعصب .

سؤالان موجهان إلى أصحاب الصحاح

اتضح فيما سبق ان أحاديث أهل البيت بلغت في الصحاح الست أقل ما يمكن ، حتى ان بعض أهل البيت لم يُذكر عنهم حتى حديث واحد.

وكذلك الأمر بالنسبة لأحاديث الخلفاء الثلاثة فأحاديثهم قليلة جداً بالمقارنة مع سائر رواة الحديث، فتبلغ أحياناً أقل من واحدٍ بالمائة في القياس مع أحاديث بعض الرواة ، إذا علمنا كل ذلك يمكننا أن نوجه

ص: 89


1- ذكرنا هذا الكلام عنه تحت موضوع الحديث في عهد أبي بكر

سؤالين مختلفين إلى أصحاب الصحاح والمسانيد ، سؤال من قبلنا وسؤال منكم .

أما سؤالنا : فهو تكرار للسؤال الذي واجهه أحمد بن حنبل في الجزء الاول من هذه الرسالة ، وهو كالآتي :

لماذا لم يؤد المحدثون واجبهم تجاه أهل البيت مع كلّ ما وصاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في أهل بيته ، إذ أهمل المحدثون أحاديث أهل البيت ورووا بدلا عنها عنهم كلّ هذه الأحاديث عن أمثال سمرة وأبي هريرة وغيرهم .

ففي صحيح مسلم والذي يعتبر معياراً لسائر الصحاح والسنن ، مجرد اثنين وثلاثين حديثاً عن أمير المؤمنين وحديث واحد عن الزهراء ، أما عن الحسنين ريحانتي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم يو حتى حديثاً واحداً مسنداً متصلاً عنهما(1).

والجواب عنه : قد يجيب أصحاب الصحاح عن سؤالنا هذا كما أجيب عنه في الجزء الأول بانتهاء الاجابة عن أول سؤالكم وهو كما يلي :

وجود الاضطهاد والرعب السائدضدأحاديث أهل البيت طوال التاريخ لم يمنع فقط عن رواية حديث أهل البيت ، بل كانت الظروف

ص: 90


1- لمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة الجزء الأول من كتاب «سيري در صحيحين بالفارسية

تقتضي اختلاق أحاديث ضد أهل البيت ونشر هذه الأكاذيب بين الناس ، وبناء عليه نرجو أن تعذرونا نحن المحدثين إذا شاهدتم أن صحيح مسلم يروي اثنين وثلاثين حديثاً فقط عن أمير المؤمنين إلى جانب خمسمائة وثمانين حديثاً عن أبي هريرة ، ويروي حديثاً واحداً ليس إلا ، عن الصديقة ابنة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمام مئات الأحاديث التي يرويها عن غيرها من النساء ، وأمّا الحسن والحسين وهما عضوان من أهل البيت وريحانتا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لا فلا تعثر لهما اسماً في كتابه ولا يروي عنهما ولو حديثاً واحدةً مسنداً متصلاً

وأما سؤالكم :

أما سؤالكم لأصحاب الصحاح فهو نفس السؤال الذي طرحتموه للمحدثين الشيعة ، بانّ الكليني مثلاً لماذا لم يرو شيئاً عن الخلفاء الثلاثة ؟ نعم ، ان سؤالكم موجّه هذه المرة إلى مؤلّفي الصحاح الست ، ولكن بكلّ لطف ودون أية شدة ، فتسألونهم لماذا لم يرووا في كتب حديثهم عن الخلفاء الثلاثة سوی عدد ضئيل لا يتجاوز أحياناً أصابع اليد الواحدة ، مقابل المئات والآلاف من الأحاديث التي جمعوها عن أشخاص عاديين منهم من لم يصاحب الرسول إلا فترةً قصيرةً جداً ؟ هل كان الخلفاء أضعف حديثاً من أبي هريرة وعمرو بن العاص وتميم

ص: 91

الداري وغيرهم ؟ وهل ان الخلفاء أضعف ايماناً من سمرة بن جندب ، أو أن ذاكرتهم لحفظ الحديث كانت أضعف من بعض النساء (1)؟!.

جواب المحدّثين وبيان حقيقة مُرّة

ويجيب المحدّثون وأصحاب الصحاح عن سؤالكم باننا لا نرى الخلفاء أضعف ايماناً من سمرة وعمرو بن العاص ، ولا نريد إساءة الأدب تجاههم ، لكن الدليل على ما فعلناه انقطاع السبيل لنيل حديث الخلفاء إثر الحظر الذي فرضوه بأنفسهم على رواية الحديث ومن دون أي تسامح في ذلك ، حتى أنّ هذه الأحاديث القليلة أيضاً قد رويت عنهم خلافاً لأوامرهم الصريحة .

أما القسم الثاني من سؤالكم عن كثرة الرواية من أبي هريرة وغيره ، فذلك أمر واقعي لا يمكن انكاره ، وفي نفس الحال يعتبر حقيقةً مُرّة اضطررنا إليها بسبب الحظر الذي فرضه الخلفاء على رواية الحديث ونشره من جهة ، ومنع أمراء السوء من رواية الحديث عن أهل البيت من جهةٍ أخرى ، مما ادى إلى افتقار المسلمين (ماعدا اتباع أهل البيت) من حديث الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتى كادت تنمحي عن القلوب ، كل هذا

ص: 92


1- جمع مسلم في صحيحه 310 حديثاً عن عائشة أم المؤمنين أي ما يعادل 65 مرة من أحاديث أبي بكر

والمسلمون بحاجة ماسة إلى حديث الرسول صلی الله علیه وآله وسلم في جميع جوانب حياتهم الدينية ، سواءً في العقائد مثل التوحيد والمعاد ، أو في الأحكام الفقهية بكل فروعها وأجزائها ، أو فى تفسير القرآن وتاريخ الأنبياء والسيرة النبوية وتاريخ الأمم السابقة وما سيكون عليه مستقبل العالم الاسلامي ، بل وكل صغيرة أو كبيرة جرت وستجري في حياة المسلمين ، وكيف يمكن اقتباس كلّ ذلك من عددٍ ضئيل من الأحاديث المروية عن طريق محدثين ثقات؟ لقد كان العالم الاسلامي يواجه فراغاً هائلاً من أمس ما يحتاج إليه .

في مثل هذه الظروف جاء دور المفترين ورواة الأساطير بالدخول الساحة لملء هذا الفراغ منتحلين صفة المحدثين لينشروا بين الناس وعلى نطاق واسع أباطيل لا شأن لها بالاسلام ولا بحديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ومع ذلك فالحاجة الشديدة دفعت المسلمين إلى قبول هذه الأكاذيب باعتبارها أحاديث حقيقةً عن الرسول ، ثم تسربت هذه الأقوال إلى مجموعات الحديث وكأنها أحاديث صحيحة ، فرسخت محكمةً بين أيدي المسلمين .

ويجب أن لا ننسى في هذا المقام دور الحكام في تحكيم هذه الأحاديث المدسوسة لارتباط عدد كبير منها بامارتهم وتثبيت سلطانهم ، ولو أمكن إحصاء هذه الاكذوبات في كتب الحديث بدقة لعثرنا على عددٍ

ص: 93

ضخم منها في الصحاح الست، ومن هنا يبدو الاضطراب في الصورة الجلية للاسلام وتبدأ تعاليمه الرفيعة بالافول وتغيب حقائقه السماوية التي جرت على لسان النبي الصادق الأمين ، تاركةً مكانها لتلك المهملات التي تسرّبت من أفكار علماء اليهود والنصارى ، ولفظتها ألسِنَةُ القصاصين ورواة الأساطير .

نماذج من تلك الخزعبلات

اشارة

لا يسعنا في هذه العجالة أن نتطرّق إلى بحث عميق مبسوط عن هذا النوع من الحديث المدسوس ، ولذا نكتفي بالإشارة إلى بعض النماذج من هذه الأحاديث :

1 - مضاجعة النبي سليمان مع مائة زوجة له:

يروي أبو هريرة في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان النبي سليمان قال : إنّي سوف أضاجع الليلة مائةً من زوجاتي حتى تلدكل واحدة منهن ولداً شجاعاً فارساً ، ثمّ يجاهد كلّ أولئك في سبيل الله ، وكان إلى جنب سليمان علیه السلام مَلَكٌ فقال له : قل إن شاء الله . لكن سليمان لم يقل ذلك ، فلم تحمل من نسائه إلا واحدةً وهي لم تلد ولداً سليماً ، بل وضعت

ص: 94

قطعة لحم فقط (1)

2 - عزرائيل يفقد بصره:

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : أمر الله ملك الموت أن

يذهب إلى موسى علیه السلام ويقبضه ، فدافع موسى عن نفسه وصفع وصفع صفعةً

قويةً في وجه عزرائيل علیه السلام الا ادت إلى فقد بصره ، فعاد إلى الله وقال :

أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد أن يموت (2).

3 - سباق الحجر مع موسى :

يروي أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان النبي موسى علیه السلام كان خجولاً كثير الحياء ، فكان يغطي جسمه حتى لم ير أحدٌ أي جزء من بدنه ، فشك فيه نفر من بني إسرائيل وابتغوا أن يؤذوه وقالوا : لعلّ في جسمه عيباً أو مرضاً كالبرص أو الفتق يجعله يغطّى جسمه هكذا ، فأراد

ص: 95


1- روى البخاري هذا الحديث في خمسة موارد في صحيحه : 1- ج 4 كتاب الجهاد . 2 - ج 7 كتاب النكاح 3 - ج 8 کتاب الایمان 4 - کتاب کفارات الايمان . 5 - ج 5 كتاب التوحيد، ورواه مسلم في صحيحه في ج 5 كتاب الايمان
2- رواه صحيح البخاري في موردين : ج 2 كتاب الجنائز ، ج 7 باب فضائل موسى

الله أن يلقى التهمة عنه ، وأراد موسى أن يغتسل يوماً، فخلع ملابسه وجعلها على قطعة حجر ، ولما اغتسل أراد أن يرتدي ثيابه فتحرك الحجر وفر بثياب موسى ، وأخذ موسى علیه السلام عصاه وجرى خلف الحجر وهو ينادي : ثيابي أيها الحجر ، آتني ثيابي أيها الحجر ، ووصل على هذا الحال عارياً إلى بنى اسرائيل فرأوه مجرّداً من ثيابه ، وعلموا أنّه لا يشتكي عيباً أو نقصاً في جسمه . هنالك توقف الحجر وأخذ موسى علیه السلام

ملابسه وارتداها وهو غضبان ، فرفع عصاه و ضرب الحجر بقوّة ، وقد بقيت والله آثار ضرباته على الحجر(1) .

4 - رسول الله لا يأتي إلى الصلاة جنباً:

يقول أبو هريرة: أقيمت الصلاة يوماً وانتظمت الصفوف ، ووقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المحراب لإقامة الصلاة ، فتذكر لحينه أنّه على جنابة ، فأمرنا أن نبقى فى أماكننا مصطفين وعاد إلى بيته ، ثم رجع إلى المحراب وماء الغسل يتساقط عنه ، ثمّ أدينا الصلاة معه(2).

ص: 96


1- يروى البخاري هذا الحديث مفصلاً في الجزء الأول كتاب الغسل، وفي ج 4 كتاب بدء الخلق ، ويرويه مسلم في الجزء الأول باب جواز الاغتسال عرياناً ، وفي ج 7 باب فضائل موسی علیه السلام
2- صحيح البخاري ج 1 كتاب الغسل بدء الاذان ، صحيح مسلم ج 2 كتاب الصلاة

5 - جناح ذبابة أم دواء مبرىء

يروي أبو هريرة عن رسول الله رسول الله له أنه قال :

«إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثمّ ليطرحه فإنّ في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء». ثم يحاول أبو هريرة رفع الشك في صحة الحديث من قلب مستمعه فيضيف هذه العبارة : «فانّه يتقى بالذي فيه داء» (1)أي أنّ الذباب يدافع عن نفسه بجناحه الذي فيه داء(2).

هذه نماذج ذكرها أبو هريرة في أحاديثه من عمل الأنبياء أو معجزاتهم ، ونموذج من مسألة طبية تواجهنا أحياناً ، والذي يلفت النظر أنّ قصّة فقد عزرائيل بصره ، ومسابقة موسى مع الحجر ذكرهما صحيح مسلم في باب فضائل النبي موسى علیه السلام، أما مسألة الشفاء من جناح الذباب فقد ذكرها صحيح البخاري وسنن ابن ماجة في كتاب الطب إلى جانب أحاديث الأدعية وأنواع الطعام والأدوية المبرئة من الأمراض .

والأمر إليكم الآن ، فاحكم فى هذه الأحاديث كما تشاء ، إلا ان هذه الفضائل والمعجزات والمسائل الطبية والصحية التي قرأناها من أحاديث أبي هريرة تنبئنا عن مضمون 5374 حديثاً له في العقائد

ص: 97


1- صحيح البخاري ج 7 كتاب الطب - سنن ابن ماجة ج 2 كتاب الطب - سنن أبي داود ج 2 كتاب الأطعمة - مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص ، 246 ، 263، 299 ، 355،340، 388
2- هذه الجملة الزائدة ذكرها مسند أحمد

هذه الفضائل والمعجزات والمسائل الطبية والصحية التي قرأناها من أحاديث أبي هريرة تنبئنا عن مضمون 5374 حديثاً له في العقائد والأحكام وفي قصص القرآن وتفسيره ، فعلى سبيل المثال هلا يمكن مناقشة مدى صحة أحاديث أبي هريرة في موضوع رؤية الله سبحانه بالعين في الآخرة ، هذا الموضوع الذي يعتقد به معظم علماء أهل السنّة

إن لم نقل كلهم .

كيس أبي هريرة

من حسن حظ المحققين وأصحاب الرأي انّ أبا هريرة قد دلّهم بنفسه إلى كيس له يستطيع أن يخرج منه الحديث المطلوب حسب ما تقتضيه الظروف ولا شأن لرسول الله في كيسه هذا ، وقصته مع الكيس كما يلي :

روى أبو هريرة حديثاً عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في الانفاق ، لكن حديثه كان يحوي أموراً غريبةً لا يمكن قبولها لمن يسمع الحديث ، فتجرّأ المستمعون هذه المرة وقالوا : أسمعت هذا من رسول الله ؟ قال :

لا ، هذا من كيس أبي هريرة(1).

ص: 98


1- تفصيل هذا الحديث موجود في صحيح البخاري ج 7 النفقات ، باب

كان هذا تفصيل الجواب الأوّل وما تبعه من القول ، أما الجواب الثاني وهو انتخاب أقصر الطرق و آمنها للوصول إلى حديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فنبسط الكلام فيه خلال الصفحات الآتية ضمن الاجابة عن السؤال الثالث .

ص: 99

ص: 100

السؤال الثالث: لماذا لم يرو الكافي حديثاً عن أبناء الخلفاء؟

اشارة

ص: 101

ص: 102

أما سؤالكم الثالث:

لماذا لم يرو الكافي حديثاً عن أبناء الخلفاء ؟

فإليكم ملخص الجواب أوّلاً : لقد انتخب الكليني (ره) بعمله هذا

أقصر الطرق وآمنها للوصول إلى حديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

أما توضيح هذا الجواب وتفصيل الكلام فيه فيحتاج إلى ذكر عدة نقاط :

1 - أبناء الخلفاء

لعلك تعني بأبناء الخلفاء أمهات المؤمنين عائشة وحفصة ، وكذلك عبدالله وأسماء ، لأننا لم نجد أحداً من أبناء الخلفاء سوى هؤلاء الأربعة من يُروى عنه حديث مسند متصل عن رسول الله ، أما الأربعة المذكورون فقد روى عنهم صحيح مسلم 570 حديثاً(1).

ص: 103


1- 310 أحاديث عن عائشة ، 232 عن عبد الله ، 19 عن أسماء و 9 أحاديث عن حفصة

2 - حديث عالي السند وحديثُ نازل السند:

هناك اصطلاح في علم دراية الحديث فيقال حديث عالي السند وحديث نازل السند ، أما الحديث العالي فيتميز بالاتصال وقلة الوسطاء ، أي انه قصير السند ، أما الحديث النازل فعلى العكس ، انّه حديث أكثر اسطةً وأطول سنداً، ولذا فالمحدثون يفضلون الأحاديث العالية ويهتمون بها كثيراً ، لأنّ الحديث إذا كان عالي السند ويربطه بالمعصوم وسطاء قليلون ، إذن يقل فيه احتمال النسيان والنقل بالمعنى وسائر الاحتمالات التي تؤدّي إلى ضعف الحديث ، ولهذا يمتاز الحديث العالي بقوّة أكثر مما يدعو العلماء والمحدثين شيعةً أو سنة ان يهتموا بجمع هذا النوع من الحديث في مجموعات خاصة تروى على حدة ، وقد اصطلح عليها محدّثو الشيعة اسم قرب الإسناد» ، أما محدّثو السنّة فسموها

«بالعوالی»(1)

3- الكليني ينتخب الأحاديث عالية السند

يروي المرحوم الكليني في الكافى أحاديث لا يتجاوز سندها عادةً أربعة وسطاء أو خمسة ليصل إلى الائمة علیه السلام ، أما إذا أراد رواية

ص: 104


1- يذكر (كشف الظنون ) 14 تأليفاً باسم العوالي عن المحدثين السنّة ، ويذكر (الذريعة) 7 تأليفات باسم قرب الاسناد لمحدّثي الشيعة

الأحاديث عن الخلفاء وأبنائهم للزمه ضعفُ هذا العدد من الوسطاء .

توضیح ذلك : ان المرحوم الكليني توفّي سنة 329 فكان يفصله عن أئمة الهدى علیه السلام زمن قصير ، فمثلاً كانت وفاته بعد الإمام الرضا والإمام الصادق بمائة وخمس وعشرين سنة ومائة وثمانين سنة على الترتيب(1) .

بينما كان الفاصل الزمني بينه وبين أبناء الخلفاء مثل عائشة وعبدالله بن عمر مائتي وسبعون سنة ومائتان وست وخمسون سنةً على الترتيب ، أي أكثر من ضعف الفاصل الزمني المذكور(2) ، وبهذه النسبة سيكون سند الحديث أطول ، وعدد الرواة فيه أكثر من الضعف ، فبدلاً من خمسة أشخاص سيكونون عشرة أو اثنى عشر شخصاً ، خصوصاً

بالنسبة للخلفاء أنفسهم .

4 - الحديث الموثوق والحديث الاكثر ثقة :

هناك نقطة أساسية هامة وهي ان الخلفاء وأبناءهم لا يعتبرون معصومين لديكم ولاهم يعتقدون بذلك ، إذن يخطر هذا السؤال على البال دائماً أنّ الخلفاء وأبناءهم هل كانوا على يقين مما نسبوه إلى رسول

ص: 105


1- توفّي الإمامان في سنتي 203 و 148 على الترتيب
2- توفيت عائشة سنة 57 وتوفي عبد الله سنة 73

الله صلی الله علیه وآله وسلم في القول أو الفعل ، أم يبقى هذا الاحتمال على قوته ؟ وهو ما أجاب به الخليفة الأوّل ابنته قائلاً : أخشى أن تكون بين هذه الأحاديث ما أراه وارداً عن الرسول وبحق ، لكنه في الواقع كلام الآخرين .

أمّا بالنسبة لأئمة الهدى علیه السلام فلا يخطر ببالنا أدنى شك ان الحديث المروي عن طريقهم إذا صح سنده إليهم واتصاله بهم فهو كلام الرسول لاحقاً.

وقد أعلن الأئمة علیه السلام بأنفسهم هذا الأمر بكل صراحة ان حديثنا حدیث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

والنتيجة:

أولاً : لا يرضى الكليني (رحمه الله) ولا غيره من المحدثين شيعةً أو سنة أن يترك حديثاً عالي السند لا يفصله عن رسول الله أكثر من خمسة وسطاء ليأخذ بدلاً منه حديثاً نازل السند يفصله عن المروى عنه عشرة وسطاء ، إلّا إذا كانت هناك مرجّحات قويةٌ تُعوّضُ الحديث نزول سنده ، ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة لموضوع بحثنا ، إذ لا مرجّح فيه .

ثانياً : على فرض تفضيل الحديث نازل السند وانتخابه بدلاً من الحديث عالى السند ، إلا انه لا نجد محدثاً يترك حديثاً ينتهى إلى المعصوم ليروي بدلاً منه حديثاً يصل إلى غير المعصوم وإن كان حديثاً

ص: 106

موثوقاً ، وبناءً على ذلك فقد اختار الكليني أقصر الطرق وآمنها للوصول إلى حديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ومثل هذا الانتخاب لا مناص من هلأي محدث آخر شيعي كان أم سني ، وهو ما يدعو إليه الرأي العلمي السليم .

نقطة تلفت النظر

وهي أننا لو خرجنا قليلاً عن نطاق سؤالكم الذي يدور حول كتاب الكافي خاصة ونظرنا إلى سائر كتب الحديث والتفسير لدى الشيعة لعثرنا على أحاديث عديدة مروية عن طرق أهل السنة ورواتهم وخصوصاً عن عائشة وعبدالله بن عمر وحتى الخلفاء الثلاثة مع قلة أحاديثهم لأنها لم تنحصر بالحدود الضيقة التي تدور فيها أحاديث الكافي .

الصحابة من وجهتي نظر الشيعة والسنة

رغم ان الاجابة عن القسمين الأول والثاني من سؤالكم كانت وافية إلّا انّه يلزم أن ندفع عن الشيعة ولو بصورةٍ مجملة متناسبة مع هذه الرسالة ، ما افتروا به عليهم واتهموهم به على مر التاريخ مدعين انّ الشيعة - والعياذ بالله - يطعنون في جميع الصحابة ولا يعتمدون على حديث أحدٍ منهم ، فإنّ هذه النظرة الخاطئة إلى الشيعة وهذه التهمة الكاذبة تستطيع أن تورد نتائج سيئة للغاية، ويستفاد منها للطعن بالاسلام ،

ص: 107

حتى ان سؤالكم أيضاً قد يكون نابعاً - ومن دون قصد - من هذه الاشاعات الكاذبة والتصوّر الخاطىء .

وكما أشرنا في المقدمة، فإن أفضل الطرق لبذر اليأس في قلوب أعداء الاسلام وإزالة الخلافات من الصفوف المتحدة للمسلمين هو توعيتهم وإرشادهم ، فإنّ السهم النافذ بأيدي أعداء الاسلام وسلاحهم القوي الذي يستعملونه في سبيل أهدافهم المشؤومة انّما هو الجمود الفكري لدى بعض المسلمين وعدم اطلاعهم على واقع آراء البعض الآخر ، وعليه فمن الواجب على علماء المسلمين تعرية العدو من هذا السلاح الخطير ، وذلك عن طريق بيان الحقائق الغامضة لدى بعض المسلمين ، وتصحيح آرائهم وأفكارهم، لأنه بالتوعية الصحيحة والنطق السليم، يمكن تثبيت جذور الوحدة الاسلامية ، وبناء الاخوة بين المسلمين كحصن منيع لا يخرقه شيء .

ثلاثة آراء مختلفة في الصحابة

هناك ثلاثة آراء مختلفة بالنسبة للصحابة ، أو على الأقل يمكن فرض ثلاثة نظرياتٍ متباينة في الصحابة كالتالي :

1 - الصحابة عدول بأجمعهم ولم يرتكب أحدهم أية معصية أو أي عمل قبيح .

ص: 108

2 - رغم ما يتميز به الصحابة عن غيرهم من فخرٍ عظيم للقائهم برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلا أنّهم كغيرهم من المسلمين فيهم الصالح والطالح فكرياً وعملياً، فيثاب المحسن منهم ويعاقب المسيء ، كلّ حسب ما قدمه من أعمال.

3 - الصحابة - والعياذ بالله - كلهم كفرة مرتدون ، لكن مثل هذه العقيدة الخطرة أمرُ مشوب بالكفر ، ولا يعتقد به إلا من هو خارج عن الاسلام ، ، لأنه يخالف نص القرآن والسنة كما يخالف إجماع المسلمين ، ولا يجري مثل هذا الكلام الباطل إلا على لسان شخص كافر ليس من الاسلام بشيء .

نعم هذه الآراء الثلاثة في الصحابة هي ما يمكن احتمال تبنيها لدى البعض، ومما لا شك فيه ان جميع هذه الآراء أو بعضها موجود عند الناس وهناك من يدافع عنها ، ولذا يلزم أن ندرس الموضوع ونناقشه قليلاً حتى يستبين لنا أيها اقرب إلى الواقع وأصدق في الحديث ، يوافق القرآن والسنة ، ويقبله العقل السليم والرأي السديد .

أمّا الرأي الثالث فكما أشرنا إليه يرفضه القرآن والسنة ويبطله المسلمون جميعاً ولا يعتقد به إلّا أعداء الاسلام ، بل يحتمل عدم وجود من يرى مثل هذا الرأي كما سنذكر .

أما القول بعدالة جميع الصحابة وهو ادعاء نوع من العصمة لهم ،

ص: 109

فلا يوافق المعايير العلمية ولا حقائق القرآن والحديث ، ولا يتلاءم مع التاريخ ، فلا مناص إذن من الإذعان بالقول الثاني ، وهو أوسط الأقوال وأبعدها عن الإفراط والتفريط ، ويؤيّده القرآن والسنّة ، وهذا هو رأي الشيعة في الصحابة فيقيم كلاً من الصحابة على قدر إيمانه وعمله .

قول أهل السنّة:

قبل أن نشرح رأي الشيعة في هذا المجال ، نشير إلى قول أهل السنّة وعقيدتهم ، على لسان عددٍ من علمائهم ومفكريهم :

1 - الحافظ أبو حاتم الرازي ، إمام علماء «الجرح والتعديل»(1) وقائدهم ، كان على دراية وافيةٍ في علم الرجال ، يقول في الصحابة بعد شرح مبسوط عنهم : (فكانوا عدول الأمة ، وأئمة الهدى ، وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنّة )(2)

2 - ابن عبدالبر، حيث يقول في مقدمة «الاستيعاب» : (ثبتت

ص: 110


1- عبدالرحمن بن حاتم الرازي المتوفى سنة 237 ه- ، كان من أكبر رجال العلم، وله تأليفات في التفسير والحديث ، وقد اشتهر في علم الرجال ، وهذا كتابه (الجرح والتعديل) في التعريف والنقد لرجال الحديث ورواته خير دليل على مستواه العلمي الرفيع، إذ لا تزال أيدي العلماء تتداول كتابه بعد مضي أحد عشر قرناً عليه
2- الجرح والتعديل ، ج 1، ص 7

عدالة جميعهم ) (1).

3 - ابن الأثير : يقول في مقدّمة «اسد الغابة» بعد بيانه لأهمية معرفة الرواة وضرورة ذلك : (والصحابة يشاركون فى ذلك إلا الجرح والتعديل ، فإنّهم كلهم عدول لا يتطرّق إليهم الجرح )(2).

4 - الحافظ ابن حجر العسقلاني : يقول في مقدمة «الاصابة» : اتفق أهل السنة على ان الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا من شذ من المبتدعة)(3).

5- ابن حجر المكي حيث يقول : (اعلم أنّه مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة انّ كلّ مسلم ملزم ان يزكي الصحابة جميعهم عن طريق اثبات عدالتهم ، وعليه أن يذكرهم بالخير وأن يجتنب الطعن والجرح بهم ، لأنّ الله قد مدحهم وعرفهم في آيات عديدة)(4).

كان ذلك موجزاً لآراء عددٍ من علماء أهل السنّة في الصحابة ، ولا يسعنا أن نذكر أقوال جميع العلماء فيهم ، إذ يلزم تأليف كتاب ضخم لهذا

ص: 111


1- «الاستيعاب في معرفة الاصحاب» تأليف الحافظ المحدّث يوسف بن عبدالبر المتوفّى 463ه-
2- «أسد الغابة في معرفة الصحابة» تأليف عزالدين علي بن محمد الشيباني المعروف بابن الاثير المتوفى - 630 ه- - ج 1 صفحة
3- «الاصابة في تمييز الصحابة» تأليف ابن حجر العسقلاني المتوفى 825 ه- - ج 1 ص 17
4- الصواعق المحرقة ص 194

الغرض .

وكما أشرنا في الجزء الأول ان مثل هذا الرأي هو الذي يؤدي إلى ظهور أحاديث مروية عن سمرة وعمرو بن العاص ، ويضيف إلى قائمة رواة الحديث عشرات الأشخاص من المعلومين والمجهولين رجالاً ونساء ، ويعتبر ما يروونه من الحديث صحيحاً لا شك فيه .

وقد ذكر علماء أهل السنّة دلائل مختلفة من الكتاب والسنة لاثبات رأيهم هذا ، لكننا نتغاضى عنها لنعود إلى هدفنا الأساسي وهو بيان رأي الشيعة ومناقشته والتحقيق فيه .

الشيعة يحبون الصحابة رضى الله عنهم

يُكِنُ الشيعة في سويداء قلوبهم خالص المودة والحب تجاه ذلك النفر من صحابة رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلم ، الذين افدوا نفوسهم رخيصةً في سبيله ، وقدموا أرواحهم الطاهرة من أجل علوّ كلمة التوحيد ، ان الشيعة ليفتخرون بهؤلاء الأخيار ويزورون قبورهم ليكونوا شفعاء لهم عند ربهم فتقضى حوائجهم ، وقد تلقى الشيعة هذا الود من المأثور عن أئمتهم النجباء ، مثال ذلك دعاء من الصحيفة السجادية المعروفة بزبور آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم و على لسان رابع الأئمة الاثني عشرعلیه السلام حيث يدعو للصحابة على هذا النحو :

ص: 112

«اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه واسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في اظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته ، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبته ، يرجون تجارةً لن تبور في مودته ، والذين هجرتهم العشائر إذا تعلقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك ، وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دعاةً لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاشي إلى ضيقه ، ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم...»

(1).

رأي الشيعة في نطاق الكتاب والسنة

كان ذلك نموذجاً من عقيدة الشيعة في الصحابة ، ومثالاً لحبهم تجاه أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ولكن على رغم هذا الود، فإنّ الشيعة لتعتقد ان مصاحبة الرسول ولقياه مع ما فيه من الفضيلة والفخر إلا انه لا يوجب بوحده العدالة ، ولا

ص: 113


1- الصحيفة السجادية - الدعاء الرابع

يصون الفرد عن الذنب والعصيان ، فالذي يؤدّي إلى السعادة والنجاة من عذاب الآخرة انّما هو الايمان والعمل بالقرآن والسنة ، ولذلك فالصحابة أيضاً مثلهم مثل غيرهم من المسلمين ، ففيهم الأتقياء العدول الذين يشكلون الجزء الأعظم من الصحابة ، كما يوجد بين الصحابة جمع آخر لم يصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، أولئك أهل الذنوب والآثام وممن مردوا على النفاق . وهناك أيضاً مجموعة ثالثة مجهولة الحال لا نعلم شيئاً عن مدى ايمانهم وعقيدتهم . وعلينا إذن أن نتبع الفريق الأول ونحبّهم ونتقبل الحديث منهم ، ففي ذلك سعادتنا في الدنيا والآخرة، أمّا الفريق الثاني ممّن ثبت لنا نفاقهم وخيانتهم فلا نعترف بهم ولا نقبل حديثاً منهم .

أما المجهولين فلا نبدي رأياً عنهم ، ونتوقف عن قبول حديثهم أو رده حتى يتبين لنا أمرهم ومدى إيمانهم وعقيدتهم .

ولقد دلّنا القرآن الكريم على هذا السبيل ، وأرشدتنا السنة الشريفة إلى هذا الرأي السديد ، وجرت سيرة الخلفاء على هذا السلوك .

رأي القرآن في الصحابة

يشير القرآن الكريم إلى صدق بعض الصحابة في إيمانهم

ص: 114

وعقيدتهم حيث يقول تعالى :«مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ»(1)

كما يمدح القرآن اخلاص فريق من الصحابة وارتقائهم درجات التكامل : «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ »(2)

ويصف هؤلاء بهذه الصورة : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»(3).

هذه نماذج من آياتٍ تحكي عن الصدق والاخلاص ، والايمان والعقيدة ، والجهاد والايثار في فريق من الصحابة .

إلّا أنّ القرآن المجيد من جهة ثانية يرفع الستار عن نفاق فريق آخر من الصحابة ويكشف عن سوء عملهم وفساد إيمانهم وعقيدتهم وعدم انطباقهم أبداً مع المعاييرالاسلامية الصحيحة ، فيقول تعالى :«وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ»(4).

ص: 115


1- الاحزاب : 23
2- الفتح : 29
3- الحجرات : 15
4- التوبة : 101

ويقول أيضاً : «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ»(1).

ثمّ يوعد الذين يؤذون الرسول صلی الله علیه وآله وسلم و بالعذاب فيقول : «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ »(2).

كما يُعرف فريقاً آخر بانهم مخادعون يتظاهرون بالإيمان لكنهم يستهزؤون بالمؤمنين : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ»(3)«و وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ »(4)

ويشير أحياناً إلى خيانتهم ونقض عهودهم ، وامتناع بعضهم عن اداء الزكاة فيقول تعالى : «وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ »(5).

ص: 116


1- التوبة : 61
2- التوبة : 61
3- البقرة : 8 و 9
4- البقرة : 14
5- التوبة : 75 - 077

وخلاصة الكلام : ان صحبة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم تعتبر درجة رفيعة وفخراً عظيماً ، إلا ان اصطلاح «الصحابي» بصورة عامة تطلق من جهة على أولئك الأتقياء المخلصين الذين ارتقوا إلى ذروة الاخلاص والعمل الصالح ، وكانوا سباقين للجهاد في سبيل الله ، والذب عن رسوله ، وتسلّقوا درجات التكامل الانساني واعتلوا إلى قمته ، وكانوا خير نماذج لمكارم الاخلاص ، وامتلأت أفئدتهم من الخشوع لربهم، فأصبحوا بذلك مصادیق بارزة للآية الكريمة : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(1).

أما من جهةٍ أخرى فإن اصطلاح الصحابة يطلق أيضاً على أناس أسلموا وشاهدوا الرسول ، ولكن لم يدخل الايمان في قلوبهم ،

«يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ »(2) هؤلاء كانوا مشركين منافقين ، اختفوا خلف ستار الاسلام ، وادعوا الايمان لأنهم عرفوا أنّ مصاحبة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم والتسلل في جمع المسلمين خير وسيلة لنيل أهدافهم المشؤومة ، وأقرب طريق لطعن الاسلام والمسلمين .

وحَسْبُنا لمعرفتهم سورة المنافقون و آيات من سورة البقرة

ص: 117


1- الانفال : 2
2- الفتح : 11

والتوبة في شأنهم، وفوق ذلك كله الآية التي تحكي عن بناء مسجدٍ ضرار ، إذ رفع الله تعالى الغطاء عن نفاقهم وفضحهم إلى يوم القيامة .

كيف نميز المؤمن عن المنافق؟

ذكرنا نماذج من آياتٍ كريمة تحكي عن بعض الصحابة ، حيث تدلّ هذه الآيات اضافة إلى آياتٍ أخرى أيضاً على وجود بعض المنافقين بين الصحابة وتنبهنا عن مدى خطرهم .

وقبل أن نتطرق إلى موضوع الصحابة من وجهة نظر السنة الشريفة ، نحاول الاجابة على السؤال التالى : هل يمكن أن نقتبس من الآيات السابقة معياراً للتعرّف على المنافقين وتمييزهم عن المؤمنين المخلصين ؟ وهل يمكن كشف هؤلاء المنافقين من بين الصحابة وعزلهم عن سائر صحابة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم والذين كانوا مؤمنين حقاً ؟

والجواب بالايجاب ، نعم هناك أدلة جيدة نختبر بها ايمان الرجل أو نفاقه ، وهذه الأداة قد أعدها الرسول الله لنا بنفسه ، فقد روت كتب الحديث من السنة والشيعة عن أمير المؤمنين انه قال : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة أنّه لعهد النبي الأمي أن لا يحبّني إلّا مؤمن ولا ،

ص: 118

يبغضني إلا منافق» (1).

والجدير بالذكر ان النسائي قد روى في سننه هذا الحديث في باب خاص له سماه باب علامة «المنافق ، وقد كان الصحابة الحقيقيون يستعملون هذه العلامة في زمن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم للكشف المنافقين عن طريق عدائهم وحقدهم تجاه أمير المؤمنين ، حيث يروى عن الصحابي الجليل «أبي ذر» (ره) انّه قال : «ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلاة والبغض لعلي بن أبي طالب »

ويقول أبو سعيد الخدري : «انّا كنا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب »(2).

كما رُوي مثل هذا القول عن عددٍ من الصحابة مثل عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله الأنصاري وأنس بن مالك وعمران بن الحصين

ص: 119


1- صحيح مسلم ج 1 باب الدليل على أنّ حب الأنصار وعلي من الايمان ، حديث رقم 78 سنن ابن ماجة ج 1 مقدمة باب 11 حديث 114 - سنن النسائي ج 8 باب علامة المنافق . (2) مستدرك الصحيحين ج 3 ص 129 - كنز العمال ج 15 ص 19 برواية معالم المدرستين ج 1 ص 100
2- سنن الترمذي ج 5 كتاب المناقب الباب 83 حدیث 300

واُمّ المؤمنين عائشة وأُمّ سلمة (1).

هكذا تعلّم المسلمون من رسول الله الله كيف يميزوا المنافقين ، وهكذا كان أصحاب الرسول يستعملون هذا المعيار الذي قرأت نماذج من الأحاديث المتعلقة به .

ولم يعتقد الشيعة ولم يعملوا إلا بما قاله الرسول وما سار عليه السلف الصالح من الصحابة الاجلاء .

ولنعد الآن إلى موضوع الصحابة ورأي السنة الشريفة فيهم .

رأي السنّة الشريفة في الصحابة

1 - عن ابن عباس في حديث طويل عن يوم القيامة ، انّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «وان أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال (2)فأقول : أصحابي ، أصحابي ، فيقول : انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم »(3).

2 - ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يرد علي الحوض رجال من أصحابي

ص: 120


1- راجع معالم المدرستين للعلّامة العسكري ج 1 ص 100
2- «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ»
3- صحيح البخاري ج 4 كتاب بدء الخلق ج 6 تفسير سورة المائدة، صحيح مسلم ج 8 کتاب الجنة وصفة نعيمها

فيحملون عنّى ، فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : انّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، أنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقري»(1).

3-وفي حديث آخر قال صلی الله علیه وآله وسلم: «لير دَنَّ عليَّ الحوض رجالٌ ممن

له صاحبني ، حتى إذا رأيتهم ورفعوا الي اختلجوا دوني فلأقولَنَّ : أي ربّ أصحابي ، فليقالن لي : أنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(2).

وهناك أحاديث كثيرة عن اعتراض الرسول صلی الله علیه وآله وسلم على عدد من الصحابة ، فقد أبدى صلی الله علیه وآله وسلم سخطه على سوء صنيعهم بمختلف التعابير ، إلا اننا اكتفينا بهذه الأحاديث الثلاثة رعايةً للاختصار ، إذ يبدو فيها بكلّ وضوح انتقاد الرسول على من يسموا بالصحابة دون أدنى شك قد يدعو إلى تأويل كلمة «الصحابة» أو تفسيرها .

سيرة الخلفاء

ويدلّ على صحة كلامنا سيرة أمير المؤمنين لها في عهد الخلفاء الثلاثة وفي أيام خلافته ، فقد كان صلی الله علیه وآله وسلم يعاقب كل صحابي يخالف القانون ويتجاوز على حدود الاسلام وأحكامه ، وكان صلی الله علیه وآله وسلم يجري عليهم الحدود حسبما ارتكبوه من آثام، وكان لا يلعن في قنوت صلاته أو علانيةً على

ص: 121


1- صحيح البخاري ج 8 باب في الحوض
2- صحیح مسلم ج 7 كتاب الفضائل باب اثبات حوض نبينا

المنبر أولئك الذين خرجوا عليه وحاربوه خلافاً لكتاب الله وسنة رسوله ، مع انهم كانوا ممن يطلق عليهم لقب الصحابة (1).

كما ان الخليفة الثاني أيضاً كان يعاقب من يرتكب المعاصي وإن كان صحابياً (2).

على سبيل المثال : لما عزل الخليفة أبا هريرة عن ولاية البحرين ، استفسره عن الثروة العظيمة التي عاد بها ، ثمّ صادر تلك الأموال ثمّ جلده حتى سال الدم من جسمه(3) .

وخلاصة القول : ان عقيدة الشيعة بالنسبة للصحابة مستمدة من القرآن والسنّة وسيرة الخلفاء ، وانّ علماء الشيعة ومحدثيهم ليأخذون جانب الاحتياط في رواية الحديث وتعلّم معارف الدين وأحكام الشرع ، سواء كان راوي الحديث صحابياً أو غير صحابي ، وكما أشرنا فإنّ الشيخ الكليني رحمه الله وسائر المحدثين اضطروا إلى الامتناع عن نقل الحديث عن الخلفاء وأبنائهم بسبب الفاصل الزمني بينهم من جهة ، وعدم ثقتهم

ص: 122


1- شرح نهج البلاغة - ج 4 ص 74
2- جاء في طبقات ابن سعد ج 3 ص 202 طبعة ليدن في ترجمة الخليفة الثاني : «وهو أول من ضرب في الخمر ثمانين واشتد على أهل الريب والتهم ، وأحرق بيت رويشد الثقفى وكان حانوتاً وغرب ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر وكان صاحب شراب فدخل أرض الروم فارتد»
3- البداية والنهاية ج 8 ص 113 - العقد الفريد ج 1 ص 26

بمن يروي عن أولئك من جهةٍ أخرى ، وانعدام الثقة كان لوجود خليط من الرواة من النوعين المذكورين ، النوع الأول هم الثقات العدول والنوع الثاني أولئك الذين سخط الله ورسوله عليهم .

فاذا كان اخواننا السنّة يرون في الصحابة رأي الشيعة وينظرون إليهم نظرةً واقعية لا تبتنى على (أصالة العدالة) ، لتوقفوا عن قبول أكثر الأحاديث التي نقلها رواة متباينون عن الخلفاء وابنائهم ، ولرفضوا معظم الأحاديث التي يعتبرونها اليوم أحاديث صحيحة.

السياسة والعصبية كعاملين للافتراء

اتضح لنا إذن ان معتقد الشيعة في الصحابة نابع من القرآن والسنّة ومبتنٍ على سيرة الخلفاء ، ولا يجيز الشيعة مؤاخذة الصحابة على أعمالهم إلا أولئك الذين عادوا امير المؤمنين أو خالفوا تعاليم القرآن واوامر الرسول و مخالفةً صريحةً واضحة ، وقد تلقى الشيعة هذا الدرس -كما لاحظتم - من نص القرآن وكلام الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وسيرة الصحابة.

بعدما اتضح ذلك يفرض السؤال التالي نفسه : كيف وُجِدَت تلك التهمة الكبرى؟ ومن أين انبثق ذلك الافتراء العظيم ضد الشيعة بأنّهم يتهمون جميع الصحابة ويطعنون فيهم؟

أما موجز الاجابة عن هذا السؤال فهو ان هذا الاتهام له عاملان ،

ص: 123

هما :أولاً : سياسة التحريف ، وثانياً : العصبية العمياء ، وإلى جانب هذين العاملين يلعب الجهل وعدم التحقيق دورا هاما في نشر هذا الاتهام واشاعته .

أما سياسة التحريف

كما ذكرنا في ذيل الاجابة عن السؤال الثاني ، تعرّض الشيعة في عهد الخلفاء الأمويين والعباسيين إن لم نقل على طول التاريخ لضغوط سياسية كثيرة حتى أصبح السجن والتعذيب والمذابح أمراً مألوفاً في حق الشيعة ، وماكان لهم ذنب إلا الولاء لأهل بيت الرسول ، إلا أن هذه الجرائر كانت تستلزم تبريراً يقبله المجتمع ويرتضيه الرأي العام ، ولذلك أقوم الحكام الذين ارتكبوا تلك الجرائم على التحريف وقلب الحقائق ، فبدلاً من الاعتراف بانّ الشيعة يوالون أهل البيت ويُخلصون المودة لآل الرسول ، اتهموا الشيعة بالعداء للصحابة واستطاع الحك-ام ب-هذه التهمة جلب الرأي العام نحوهم وتأييد جرائمهم البشعة ، أما إذا كانت الحقيقة تتجلى واضحةً لاعترض عليهم المسلمون وخالفوا أمرهم وها نحن اليوم نشاهد هذا النوع من التحريف وتشويه الحقائق من قبل بعض الحكام :

مثال ذلك انّ أربعمائة مسلم تراق دماءهم الطاهرة ويسقطوا شهداء

ص: 124

على مقربةٍ من المسجد الحرام، ويجرح معهم آلاف من الحجاج الأبرياء ، إلّا أنّ حكام آل سعود يحرفون الكلم عن مواضعه ليكسبوا الرأي العام في العالم الاسلامي ويبرّروا عملهم الشيطاني الأثيم ، فلم يذكروا السبب الحقيقي الذي دعاهم إلى ارتكاب جريمتهم تلك ، وهو اعلان الايرانيين البراءة من الكفّار والمستكبرين وارتفاع أصواتهم بالتكبير والدعاء على امريكا بالموت ، بدلاً من هذا كله استعان السعوديون بسياسة التحريف فادعوا ادعاءً باطلاً يوجب السخرية لمن يسمعه ، حيث أرسلوا نبأ إلى وكالات الأنباء العالمية أعلنوا فيه بان «الحجاج الايرانيين أرادوا ان يقتلعوا الحجر الاسود ! أو الكعبة وينقلوهما إلى مدينة قم !! .

لكن هل تعلم ان هذا الكلام التافه قد صدقه بعض الجهلاء ممّن لا يفقهون شيئاً ، وفي المستقبل إذا انتقل هذا الخبر من الجرائد اليومية إلى كتب التاريخ تدعمه مجموعة من الصور الكاذبة ، ثمّ تداولته الموسوعات ودوائر المعارف لصار واقعاً تاريخياً لا يشك فيه أحد .

وعلى هذا المنوال كانت مسألة سب الصحابة ونصب العداء له-م أمراً مضحكاً تافهاً، إلا ان الأيام قد صنعت من هذه الاكذوبة أمراً واقعاً لدى بعض الناس لتسربها إلى متون الكتب .

ص: 125

نموذج تاریخی

لقد اعتبرنا سياسة التحريف عاملاً أساسياً لهذه التهمة ، ولم يكن ادعاؤنا مجرد احتمال وتفسير للتاريخ ، بل هو أمر واقع أشار إلي-ه المؤرخون في بعض كتبهم ، وسنذكر على سبيل المثال نموذجاً من ذلك :

يقول المؤرّخ الشهير ابن الاثير ضمن سرده حوادث سنة 407:

في هذه السنة ، في المحرم ، قتلت الشيعة بجميع بلاد إفريقية ، وك-ان سبب ذلك أنّ المعز بن باديس ركب ومشى في القيروان والناس يسلمون عليه ويدعون له ، فاجتاز بجماعة ، فسأل عنهم ، فقيل : هؤلاء رافضة يستون أبا بكر وعمر ؛ فقال : رضي الله عن أبي بكر وعمر ! فانصرفت العامة من فورها إلى درب المقلى من القيروان ، وهو [مكان] تجتمع به الشيعة ، فقتلوا منهم ، وكان في ذلك شهوة العسكر وأتباعهم ، طمعاً في النهب ، وانبسطت أيدي العامة في الشيعة ، وأغراهم عامل القيروان وحرضهم .

وسبب ذلك أنه كان قد أصلح أمور البلد ، فبلغه أن المعز بن باديس يريد عزله ، فأراد فساده ، فقُتل من الشيعة خلق كثير ، وأحرقوا بالنار ، ونُهبت ديارهم ، وقتلوا في جميع إفريقية ، واجتمع جماعة منهم إلى قصر المنصور قريب القيروان ، فتحصنوا به، فحصرهم

العامة

ص: 126

وضيقوا عليهم ، فاشتد عليهم الجوع ، فأقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم حتى قتلوا عن آخرهم ، ولجأ من كان منهم بالمهدية إلى الجامع فقتلوا كلهم.

وكانت الشيعة تُسمّى بالمغرب المشارقة نسبة إلى أبي عبدالله الشيعي ، وكان من المشرق ، وأكثر الشعراء ذكر هذه الحادثة ، فمن فرح مسرورٍ ومن باك حزين (1).

في هذه البرهة من التاريخ والتي ذكرناها بايجاز ، نقاط هامة تكشف عن واقع هذا الاتهام والتحريف :

1 - اجتماع الشيعة في شهر محرم .

2 - تجمعهم وذهابهم إلى بوابة «المقلى» ، ثمّ مقتلهم هناك.

3-مذابح الشيعة في سائر أنحاء أفريقيا.

4 - سرور فريق وحزن آخرين لهذه الحوادث .

بيان ذلك : انّ الشيعة منذ أقدم الأيام وعلى مر التاريخ كانوا يقيمون الشعائر خلال محرّم في كل بقاع الأرض وفي مصر وافريقيا أيضاً ، وكانوا يندبون فيها على الحسين ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقام هذه المراسيم على صورة اجتماعات أو مسيرات لهم ، وكان تجمع

ص: 127


1- الكامل في التاريخ ج 9 ص 295

الشيعة في شهر محرّم بالقيروان ، ثمّ مسيرهم نحو بوابة المدينة على هذا المنوال .

ومما لا شك فيه ان مناسبات العزاء هذه لا ترتبط بالصحابة بشيء أبداً ، أما ما تُلقى فيها من الخطب والقصائد فليست إلا للرثاء على ما لاقاه الحسين بن علي واصحابه من ظلم وعدوان على أيدي يزيد واعوانه .

إذن فمقتل الشيعة بالقيروان ، بحجة سب الصحابة لم يكن إلا مؤامرة مدبرة لتنفيذ سياسة الاضطهاد التي ابتغاها أمراء أفريقيا ذلك اليوم ، وقد سادت هذه السياسة اضافةً إلى القيروان كل انحاء افريقيا .

وكما يحكي ابن الأثير كان جمع من الناس ضاحكون مستبشرون من جراء هذه الحوادث وجمع آخر محزونون باكون ، أي انّ العقلاء الذين ادركوا سياسة التحريف وتمويه الحقائق سالت دموعهم هماً وحزناً ، أما الجهلاء والبسطاء فكانوا فرحين مبتهجين .

وإذا كان سبّ الصحابة واقعاً كما يدعون فلا معنى لحزن البعض وتألمه ، وسياسة التحريف هذه لا تختص بالقيروان في تونس، بل توجد في كلّ مكان وعلى مر التاريخ .

ص: 128

وأمّا العصبية

نقرأ في بعض الكتب التي تحكي عن الملل والنحل وعن مختلف العقائد والآراء ، اسم شخص يُدعى «أبا كامل» ، ويقال عنه انه كان شيعياً ، وفي نفس الحال كان يعتقد بكفر جميع الصحابة وارتدادهم حتى أمير المؤمنين أيضاً ، ثمّ تُذكر له طائفة باسم «الكاملية»

لها نفس أفكاره ، أي أنّهم يعتبرون شيعةً ولكن يُكفّرون كل الصحابة حتى أمير المؤمنين علیه السلام ، وتصطف هذه الفرقة إلى جانب العديد من فرق المسلمين وفرق الشيعة على تباينها وغرابتها مثل العجاردة والصلتية والمعلومية والمجهولية والمعبدية والأخنسية والهزلية وعشرات الفرق الأخرى بامثال هذه الأسامي المضحكة . وقد ذكر أبو كامل هذا وأتباعه لأول مرّة في كتاب «الفرق بين الفرق »تأليف أبي منصور عبدالقادر الشافعي البغدادي المتوفّى 429 ، وهاك ملخص عمّا ذكره هذا الكتاب في الكاملية ومؤسسها : «هؤلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبي كامل وكان يزعم أنّ الصحابة كفروا بتركهم بيعة عليّ ، وكفر علي بتركه قتالهم »(1).

وقد ذكر هذه العبارة كما هي - محمد بن عبد الكريم الشهرستاني

ص: 129


1- ترجمة الفرق بين الفرق طبعة 1333ه- . ش تبریز ص 46

المتوفى 548 الذي كان يعيش بعد قرن من أبي منصور ، في كتابه «الملل والنحل»(1).

ومن البديهي ان تواجد أي موضوع في كتابين شهيرين من الكتب القديمة التي ألفَتْ في القرنين الخامس والسادس ، انّما يؤدّي إلى تسربه إلى سائر الكتب والمؤلفات ، ولذا نجد ان ابن أبي الحديد المتوفّى 655 وهو من ادباء عصره وكتابهم ، يروي ما ذكره الشهرستاني قبله بقرن دون أدنى نقد أو تصحيح(2)

فإذا حققنا في الموضوع بدقة لوجدنا أن العصبية الطائفية هي السبب الرئيسي في تعريف فرقةٍ مثل الكاملية أو فى اتهامها بتلك العقيدة الغريبة على فرض وجودها ، كما ان الجهل وعدم التحقيق هما خير دافع إلى هذا الاتهام .

تعريف موجز لأبي منصور البغدادي والشهرستاني

اشتهر هذان الكاتبان بما ألفاه في التعرف على الأديان والمذاهب المختلفة ، أما موضوع البحث هنا فقد اختلقه أبو منصور ونشره الشهرستاني ، وعليه فلا يسعنا أن نطيل الكلام عبر هذه الوريقات ، بل

ص: 130


1- الملل والنحل طبعة 1368 القاهرة ج 1 ص 291
2- شرح نهج البلاغة ج 10 ص 254

نكتفي بذكر جانب من الموضوع ، فانظر إلى ما يراه الامام الفخر الرازي المتوفّى 606 ه-

يقول الامام الفخر الرازي (1) في كتابه «المناظرات»(2):

جاءني يوماً المسعودي (3) رحمه الله وهو مبتهج فرح ، فسألته عن سبب سروره فقال : عثرت على كتب نفيسةٍ قيمة فاشتريتها . قلت : ما هي ؟ ، فسمّى بعض الكتب حتى وصل إلى كتاب الملل والنحل للشهرستاني . قلت : نعم ، يظن الشهرستاني انّه جمع في كتابه عقائد أهل العالم ومذاهبهم ، لكن لا يوثق بكتابه لأنه ذكر المذاهب الاسلامية نقلاً عن كتاب باسم «الفِرَق» تأليف أبي منصور البغدادي ، وكان أبو منصور شديد التعصب ضد مخالفيه ، فلم يذكر مذاهبم وعقائدهم كما هي في الواقع ، وقد اقتبس الشهرستاني المذاهب من هذا الكتاب ، فلا تخلو

ص: 131


1- يقول مؤلف ميزان الاعتدال»: انّ الفخر الرازي كان في قمة الذكاء والفطنة. وفاق الجميع في العلوم العقلية والنقلية، ويدلّ على مدى تعمقه في مختلف العلوم تأليفاته العديدة وعلى رأسها تفسيره الكبير . توفّي الرازي في مدينة «هرات» يوم عيد الفطر سنة 606 ه-
2- مناظرات جرت في بلاد ما وراء النهر تأليف الفخر الرازي ، طبعة حيدر آباد سنة 100 ه نقلاً عن الدكتور مشكور في ترجمة «الفرق بين الفرق» ص 25 - 27
3- إذا قرأنا المسألة التاسعة من كتاب (المناظرات) لعرفنا ان المسعودي كان معاصراً للفخر الرازي ، وكانت تدور بينهم مناقشات علمية عالماً

أقواله في المذاهب إذن من الخطأ والنقصان(1).

فانظر كيف يعرف الفخر الرازي ، أبا منصور البغدادي بأنه رجلٌ متعصب ، وان الشهرستاني مقلّد فعله في كلامه غير محدّث .

ويمكننا أن ندرك صحة كلام الفخر الرازي ونتقبله بمجرد نظرةٍ اجمالية كما يلي :

تعصب أبي منصور

1 - يزعم أبو منصور وكذلك الشهرستاني تبعاً له ان فرقة «الكاملية كانت من الشيعة ، مع انهما يدعيان ان الكاملية يكفّرون جميع الصحابة حتى أمير المؤمنين .

يا ترى كيف يمكن أن يجهل أبو منصور هذا التناقض الواضح ولا ينتبه إليه ؟ إذ لا معنى لأن يعتقد شخص أو جماعة بكفر جميع الصحابة أمير المؤمنين الله ثم يُعتبرون مسلمين وتابعين لأئمة الشيعة ، معانّ الشيعة يرفعون أمير المؤمنين حتى إلى مقام العصمة .

إذن فليست إلا العصبية العمياء التي يمكنها أن تحور كلّ أمرٍ محال لتجعله ممكناً وتُصوِّرُ كلَّ غير معقول معقولاً، وتجمع بين الكفر والعصمة في شخص واحد .

ص: 132


1- ترجمه الفرق بين الفرق ص 16 مع بعض التصرّف

2- لم يذكر سائر العلماء الذين ألفوا في موضوع الملل والنحل ايّ خبرٍ عن فرقةٍ تدعى «الكاملية» ، فلم يذكرها النوبختي مثلاً المتوفّى 300 - 320 في كتابه «فرق الشيعة ، مع ان رجلاً مُطَّلِعاً مثل النوبختي لا يمكن أن تفوته فرقة بهذا الاسم وهذه العقائد إن كانت موجودةً حقاً ، فعساه على الأقل أن يشير إلى هذه العقيدة ومؤسسها في مقام الردّ عليها

والاعتراض عليه .

ومهما حققنا لم نعثر على أدنى أثر لأبي كامل واتباعه وتاريخ جباتهم أو محل سكناهم ، لا في كتب الآراء والعقائد ولا في كتب التاريخ والتراجم ، ومن هنا يبدو أنّ هذه الفرقة اسطورة حالها بين الفرق حال بين الطيور ، فهي لم تخلق إلا في أوهام أبي منصور وتخيلاته .

أما بالنسبة للشهرستاني

فهو لا يعتبر من أهل التحقيق ، وكما يقول عنه الفخر الرازي كان الشهرستانى فى ترجمته للمذاهب الاسلامية يقلد أبا منصور أو يكتب ما يسمعه من أفواه عامة الناس من هنا وهناك ، ونحن نكتفي لاثبات هذا القول فيه بذكر دليل واحدٍ فقط.

يقول الشهرستاني في تعريف الشيعة : ... فقالوا الامام بعد موسى

ابنه علي الرضا ومشهده بطوس ، ثم بعده محمد التقي وهو في مقابر

ص: 133

قریش ، ثمّ بعده علي بن محمد النقي ومشهده بقم ....»(1).

ماذا ترى في مثل هذا الرجل الذي يحاول ترجمة الأديان والمذاهب وتأليف كتاب فيها ، فعندما يصل إلى أئمة أكبر المذاهب الاسلامية (الشيعة) تجده ينقل مرقد الامام الهادي علیه السلام من سامراء في العراق إلى مدينة قم في ايران ؟ فما قيمة هذا الكتاب وما فائدة آراء هذا الرجل ونظرياته بالنسبة إلى المذاهب والعقائد المختلفة وغير المعروفة أحياناً ؟! فاقض فيه ما أنت قاض .

والملاحظ ان الرجل يعتذر لغلطته هذه وسائر هفواته في ذيل كلامه السابق فيقول : (هذه الاثنا عشرية في زماننا) . وأنت أيها القارىء العزيز ، ما يسعك أن تعرفه من هذه الجملة؟

وهل كان الشيعة تتغير عقائدهم من زمن إلى آخر ؟

مفهوم هذه الجملة حسب الظاهر ان الرجل قد أخذ عقائد الشيعة من عامة الناس أو من أي عابر سبيل ، فسمعهم يقولون ان عاشر أئمة الشيعة مدفون فى مدينة قم.

ولو سمع الشهرستاني غيرهم يقول ان الامام الحادي عشر من الشيعة مدفون في شيراز لكتب الرجل : وبعده الحسن العسكري و مشهده بشیراز !!

ص: 134


1- الملل والنحل طبعة مصرج 1 ص 280 - 281

والنتيجة أنه : أولاً : عدم ثقة الشيعة في جميع الصحابة أمر يرفضه التاريخ بما نقل عنهم ، وهو كلام غير معقول ينقض بعضه بعضاً . ثانياً : لم يكن هناك أبداً شخص يُدعى أبا كامل ولا فرقة تسمى تلك العقائد المذكورة ، وما هي إلا أكاذيب سطرها رجل

«الكاملية» مع متعصب مثل أبي منصور مما أملى عليه خياله.

ثالثاً: وجود مثل هذا الفرد وهذه الفرقة مع ما ذكر لهم من عقائد

مخالفة للاسلام ، ، لا علاقة له بالشيعة أبداً ، وه-ا ه-ي كتب الشيعة في الحديث والتاريخ وتصانيفهم التي تبين عقائدهم تملأ مكتبات العالم ويقرأها الجميع ؟ فبأي كتب الشيعة مثل هذه العقيدة الغريبة ؟ ومن سمع عالماً مثقفاً أو حتى شخصاً عاميّاً من الشيعة يذكر مثل هذا الكلام ؟

«یا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ »(1)

الشيعة هم أهل السنة الواقعيون

ذكرنا أن عقيدة الشيعة في الصحابة تبتنى على القرآن والسنة وما فيهما من آياتٍ وأحاديث في شأنهم ، ومن هنا نستنتج انه يجب البحث

ص: 135


1- سورة الاحزاب : 70 - 71

عن أهل السنة الواقعيين من بين الشيعة ، فلا يمكن اتباع السنة الصحيحة للرسول صلی الله علیه وآله وسلم إلا عن طريق التشيع.

ولكن ليس المهم مجرد التسمية ولا نريد الآن أن نبحث عن كيفية التسمية بالشيعة والسنة ولا عن زمن هذه التسمية أو العوامل التي أدت إليها ، ولا نتطرق أيضاً إلى موضوع تسمية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه أتباع أمير المؤمنين علیه السلام بالشيعة(1) ، وان تسمية أهل السنة والجماعة قد ظهرت سنة 41 عند توقف القتال بين الإمام الحسن المجتبى علیه السلام وبين معاوية ، ثم انتشرت هذه التسمية على مر الأيام(2) .

نعم ، لا نريد أن نطرح هذا البحث الآن ، ولكن لاحظتم ان رأي الشيعة في الصحابة مقتبس من الكتاب والسنّة ، ولم ينحرفوا في هذا السبيل عن السنة أبداً ، فليكن هذا انموذجاً يدلكم على كل آراء الشيعة وعقائدهم وأعمالهم وعبادتهم ، فنستنبط انّ الشيعة انّما يتبعون القرآن والسنة في جميع أفكارهم سواءً في أصول العقائد ، أو في الفروع

والأحكام ، وان أساس التشيع واتباع أمير المؤمنين وأهل البيت علیه السلام

ص: 136


1- راجع الصواعق المحرقة في ذيل الآيتين الثامنة والعاشرة في فضائل أهل البيت ، وكذلك «النهاية» لابن الأثير ذيل كلمة (قمح) ، وتفسير الدر المنثور) في تفسير آية «أولئك هم خير البرية».
2- تاريخ الخلفاء وتاريخ أبي الفداء في ترجمة معاوية

يأتي في إطار حكم القرآن وأوامر الرسول صلی الله علیه وآله وسلم حيث قال : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ...» . وعلى هذا الأساس نقول : ان الباحث عن التسنّن وعن اتباع السنة الحقيقية انما يجد ضالته في التشيع ، فالشيعة هم أهل السنة الواقعيون والمتبعون حقاً للسنة النبوية الصحيحة .

ص: 137

ص: 138

السؤال الرابع: هل انّ أبناء الخلفاء أضعف من عفير أيضاً؟

اشارة

ص: 139

ص: 140

السؤال الرابع:

هل ان ابناء الخلفاء أضعف من عفير (مرکب رسول الله صلی الله علیه واله وسلم) ؟

الجواب بالايجاز

اشارة

لعلّ المقصود من هذا السؤال وما ترومونه من هذا التعبير ه-و الاعتراض على المرحوم الكليني لنقله روايةً مرسلة بلاسند وهي روايةٌ غريبة ذات نص ضعيف تحكى عن عفير» وهو مركب رسول الله صلی الله علیه واله وسلم ، وهذه الرواية ذكرتها كتب أهل السنّة مسندة لا مرسلة ولكن بنصٌ ضعيف أيضاً ، بل أضعف مما رواه الكليني .

ونحن كما عمدنا عليه ، سنجيب على السؤال بايجاز أولاً وخلال أسطر قليلة قبل أن نتطرق إلى بيان الموضوع بصورة مفصلة ، فإليك الجواب الموجز :

1 - خلافاً لما يراه علماء أهل السنة ان أحاديث «الصحاح الست وخصوصاً أحاديث الصحيحين كلّها صحيحة لا مجال للشك فيها ، فإنّ علماء الشيعة لا يرون ان جميع الأحاديث المروية في الكتب الأربعة

ص: 141

وعلى رأسها أحاديث الكافي يجب أن تكون صحيحةً دون أدنى شك ، بل يعتقدون بضرورة التحقيق والنقد لأحاديث هذه الكتب حديثاً حديثاً سواء من جهة النصّ أو من جهة السند ، فإذا وجدوا حديثاً ضعيفاً أو غير صحيح لتركوه جانباً وما دافعوا عنه، ولو كان موجوداً فى( الكافى الشريف) .

2 - هذه الرواية التي نقلتها بعض كتب الشيعة ومنها الكافي، تدعى ا (عامية) أي انها اساساً واردةٌ في كتب العامة (أهل السنة) وعن طريق رواتهم، ثمّ تسربت من كتبهم إلى مآخذ الشيعة وكتبهم .

3-ذكرت هذه الرواية في الكافي مرسلة وبدون سند ، فهي إذن غير معترف بها علمياً .

4 - تعتبر هذه الرواية من وجهة نظر علماء الاسلام مرفوضةً من جهة السند ومطعون بها من ناحية النص.

1 - آراء علماء أهل السنة في الصحيحين:

اشارة

يعتبر كبار علماء أهل السنة - كما ذكرنا - ان أحاديث الصحاح الست خصوصاً صحيح البخاري وصحيح مسلم كلها صحيحة لا شبهة فيها ، وتحدثوا كثيراً في صحة جميع الأحاديث المروية في موسوعات الحديث هذه ، حتى جعلوا بعضها عدلاً للقرآن ، وإليك بعض هذه الآراء :

ص: 142

1 - النووي (1)، يقول في مقدمة الشرح على صحيح مسلم : جميع ما حكم مسلم في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته ، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر ، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه وذلك لأنّ الأمة تلقت ذلك بالقبول (2).

2-القسطلاني (3)، يقول : وقد اتفقت الأمة على تلقي الصحيحين بالقبول (4).

3- ابن حجر المكي(5) ، يقول : اتفق العلماء وأجمعوا على انّ صحيح البخاري وصحيح مسلم هما اصح الكتب بعد القرآن الكريم (6).

ص: 143


1- يحيى بن شرف الدين النووي المتوفّى 576ه- ، مبلّغ المذهب الشافعي ، ألف كتباً عديدةً في الحديث والرجال والتي طبعت كلّها في مصر والحجاز ومن كتبه (المنهاج )في شرح صحيح مسلم .
2- شرح صحیح مسلم ، ج 1 ص 19
3- شهاب الدين القسطلاني المتوفّى 923 ه- ، من مشاهير علماء أهل السنة ، له مؤلفات كثيرة منها (ارشاد الساري) الذي يعتبر من أشهر الكتب ومن أحسن الشروح على صحيح البخاري
4- ارشاد الساري ج 1 ص 19
5- ابن حجر الهيثمي المكي، مفتي الحجاز المتوفّى 972 ه، من تأليفاته (الفتاوى الحديثة) و (الصواعق المحرقة) والذي ردّ عليه المرحوم القاضي نور الله الشهيد الهند في كتابه الصوارم المهرقة)
6- الصواعق المحرقة ص 5 وتطهير الجنان المطبوع في حاشية كتاب الصواعق ص 15

4- امام الحرمين(1) ، يقول : لو حلف انسان بطلاق امرأته ان ما في كتابي البخاري ومسلم ممّا حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لاجماع علماء المسلمين على صحتهما.(2)

ه - القاسمي : يقول في( قواعد التحديث) : صحيح البخاري عدل القرآن ، وإذا قُرىء هذا الكتاب في أي دارٍ وقت انتشار الطاعون ، لأمِنَ أهل الدار من مرض الطاعون ، وإذا خَتَمَ أحد هذا الكتاب لأي غرض لحصل على غرضه ، ولا يُقرأ في أية حادثة إلاكان به النجاة من خطرها ، ولو اصطحب راكب البحر معه هذا الكتاب لما أصاب الغرق سفينتهم .

كلّ ما في صحيح البخاري صحيح !!

كانت هذه نماذج من آراء علماء أهل السنة في الصحيحين والتي أبدوها على مر التاريخ ، ولعلّك تظن ان قبول جميع أحاديث الصحيحين بحيث لا يرد عليهما ولا على سائر الصحاح أي نقد أو مؤاخذة ، انما يرجع هذا القبول إلى عهود سابقة ، أما اليوم وبعد التطورالعلمي الواسع

ص: 144


1- إمام الحرمين ابو المعالي شيخ الامام الغزالي وعدد من العلماء المشهورين ، كان يدرّس فترةً في مكة ولذا سمي بإمام الحرمين ، توفّى سنة 478
2- مقدمة شرح النووي ص 19

النطاق والتحقيق الجاري بكل دقة في جميع المواضيع العلمية ، فستتعرّض كتب الحديث هذه أيضاً للتحقيق والمناقشة من حيث النص والسند ، ولابد للافكار القديمة أن تكون قد تبدلت وتحوّلت ، فلا يرضى الفكر الحديث أن يربط أحاديث سمرة بن جندب وعمرو بن العاص بالقرآن الكريم أو أن يجعل تلك الأحاديث معادلةً لكتاب الله .

ولكن ليس الأمر كذلك ، فللأسف لم تتغير الافكار من صحة جميع الأحاديث الموجودة في هذه الكتب ، ولم يطرأ عليها أي شك ، بل انّها زادت و تحكّمت على قلوب البعض ، ويمكننا أن نعرض عدة عوامل أدت إلى استمرار هذه الأفكار وتقويتها :

1 - أصدرت جمعية الاصلاح الاجتماعي» الكويتية في ربيع الاول 1386 ه- كُتيّباً باللغة العربية (1)وبعثته إلى جميع أنحاء العالم الاسلامي ، دافعت فيه عن صحيح البخاري وردّت على من لا يعتقد بصحة جميع أحاديثه ، وكانت الجملة التالية على خلاف الكتيب تلفت

النظر: «كلّ ما في صحيح البخاري صحيح ».

جاء هذا الكتيب ردّاً على مقال للكاتب المحقق الفاضل «عبدالوارث کبیر» تحت عنوان «ليس كلّ ما في صحيح البخاري

ص: 145


1- لعلّه ترجم إلى مختلف اللغات في العالم

صحيحاً» وقد نشرت المقال مجلة «الوعي الاسلامي» الكويت .

والجدير بالذكر ان الكتيب كان يحوي قائمةً من توقيعات اثنين وثلاثين شخصاً من أساتيد الجامعات والمراكز العلمية في سورية خطاباً إلى أمير الكويت بالاعتراض على كاتب المقال ، والمطالبة بكسر هذه الأقلام والحظر على انتشار أمثال هذه المقالات الخطيرة والتي تخالف الواقع كاملاً !! وبعد قائمة التوقيعات توجد في الكتيب ثمانية مقالات من قبل ثمانية من العلماء والمفكرين من مختلف البلاد دافعوا فيها عن

الصحيحين .

كما ذكر الكتيب أسامي عشرة أشخاص آخرين من الأساتذة ورجال العلم ممن كتبوا ردوداً على مقالة «عبدالوارث» وأدانوه على أفكاره ، وقد أحيلت مقالات هؤلاء إلى طبعةٍ أُخرى.

وعلى كل فانتشار هذه المقالات تدلّ على استمرار هذا الفكر وثبات هذه العقيدة في كون صحيح البخاري» عدلاً للقرآن لا يمته شيء ، مع هذا الفارق انّ بعض الآيات القرآنية منسوخة حسب رأي هؤلاء المفكرين ، أي ان القول بوجود النسخ في قراءة بعض الآيات وفي أحكام آيات أخرى أمر وارد لا اشكال فيه أما الاعتقاد بوجود نسخ في بعض أحاديث صحيح البخاري ذنب لا يغتفر !!! .

ص: 146

2 - الهجوم علی کتاب سیری در صحيحين»(1): يراجع هذا الكتاب (2) قسماً من أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم ويناقش بعض الأحاديث الضعيفة في هذين الكتابين ، ويستخرج منهما مواضيع لا أساس لها من الصحة تتعلق بأهم عقائد المسلمين أي التوحيد والنبوة . وبهذا الدليل وبناءً على أهمية موضوع الكتاب كان مؤلف الكتاب يحتمل اقبال جميع المسلمين على كتابه ، ففي هذا الكتاب يظهر بكل وضوح كيف انحرفت مسألة التوحيد على يد بعض رواة الحديث وعلى رأسهم أبي هريرة ، وكيف عرفوا الله سبحانه وتعالى على صورة جسم له جميع أعضاء بدن الانسان .

الله الذي يجلس على العرش ولا ينزل إلى السماء إلّا في ليالٍ خاصة وفي ساعات معينة .

الله الذي سيظهر يوم القيامة بصورة كاملة كما يظهر القمر والشمس ويراه جميع المسلمين حتى المنافقين والفاسقين ، يرفع الله للشكوك عن المشاهدين ليطمئنوا انه هو الله بعينه فيُبدي لهم علامة ترفع كلّ شك عن

ص: 147


1- أي «سير في الصحيحين». المترجم
2- هذا الكتاب من تأليفات الاستاذ (آية الله النجمي) مؤلف الكتاب الذي ب-ي-ن يديك، ويمتاز الكتاب حقاً بجودة الموضوع ودقة التحقيق ، وقد طبع هذا الكتاب عدّة مرات باللغتين الفارسية والعربية . (الناشر)

عباده ، وهذه العلامة موجودة في ساقه فيكشف الله عن ساقه فتنمحي الشكوك عن قلوب المسلمين ويسيرون بصورة جماعية خلف الله .

أمّا في مسألة النبوّة ، قد النبوّة ، قد بين الكتاب بوضوح كيف ولماذا لعب عدد ممن سُمّوا برواة الحديث بشأن الأنبياء صلی الله علیه وآله وسلم وقداستهم و وقداستهم وخصوصاً عصمة خاتم الأنبياء الله صلی الله علیه وآله وسلم فلم يكتف هؤلاء بالدش في مسألة الوحي والقرآن وعبادات الرسول الاكرم صلی الله علیه وآله وسلم، بل هتكوا حياته الشخصية أيضاً وداسوا قداسة أبويه الكريمين ، ونسبوا إليه ما لا يليق به ، فقالوا فيه على سبيل المثال :

كان صلی الله علیه وآله وسلم يصيبه السحر أحياناً ، وكان يبول واقفاً ، ويدعو زوجته لمشاهدة الراقصين ، وهذه المشاهدة تتطلب أحياناً منه ان يرفع زوجته على منكبيه ، وحيث كان الرسول يكن لها الحب والاحترام ويود أن تشعر بلذة أكبر من مشاهدتها للراقصين ، فقد كان النبي يتقبل لنفسه تعب حملها ويصبر على هذا الأذى طويلاً !!.

وكان الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مولعاً بحب الغناء والرقص ، فيدخل جلسات

العرس للنساء فيجلس في صدر حفلهن ويبدي رأيه في غناء المطربين ویر شدهم أحياناً بنفسه ، وكانت العروس تقوم بخدمة الرسول بنفسها ...

نعم ، قام مؤلف كتاب «سير في الصحيحين» بالدفاع عن التوحيد والنبوّة لينزّه الله سبحانه وتعالى عمّا نسبوا إليه من الأباطيل ويطهر المقام

ص: 148

الشامخ للنبوة من أرجاس تهمهم ومفترياتهم ، وحاول المؤلف كشف الأسباب التي دعت إلى اختلاق هذه الأحاديث ، ظناً منه أن جميع العلماء سيمدون أيديهم إليه بالتأييد وسيشاركونه في مسعاه إلى تعريف التوحيد الخالص والنبوّة الملازمة للعصمة .

ورغم اقبال معظم العلماء والمفكرين داخل البلاد وخارجها على هذا الكتاب(1)، إلا انه قوبل في الداخل بنوع من الهجوم من قبل بعض الاخوان العاميين والبسطاء وإن كان عليهم رداء رجال الدين ، ومن هنا علمنا ان الاعتقاد بصحة جميع أحاديث الصحيحين لا يزال قائماً بكلّ قوة ، وكان هؤلاء يرون أمثال أبى هريرة أعلى من الله سبحانه ، كما يرون فريقاً آخر من الرواة أعلى من رسول الله بكثير ، لأنّ هؤلاء لا يهمهم هتك المكانة المقدّسة للباري جلّ وعلا، ولا تشويه مسألة التوحيد ومعرفة الله ، بل المهم حفظ مكانة أبي هريرة ومن على شاكلته ، وكذلك فلا تضر الإساءة إلى المقام الرفيع لرسول الله ولا حاجة إلى رفع تلك المفتريات عنه ، بل الذي يُخشى عليه هو التعرض إلى حكام القرن الأول للاسلام وإزالة العظمة الخيالية لبعضهم .

ص: 149


1- كان الاقبال كبيراً جداً على الترجمة العربية لهذا الكتاب في الدول العربية وخصوصاً في مصر

كما ان ردود الفعل المذكورة تثير هذا الاحتمال أو تقوّيه بأنّ الأفكار الوهابية قد أثرت على هؤلاء الأشخاص ، لأنّ الوهابيين هم الذين يعتقدون بالتجسّم في مسألة التوحيد اعتقاداً راسخاً عميقاً ، أمّا بالنسبة للنبوة فلا يرون لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أي احترام أو قداسة، بل ينظرون إليه كغيره من الناس ، ويعتقدون ان أي احترام زائدٍ له انّما هو شراً والحاد(1) ، وكما ترون فانّهم يحاولون جهدهم لنشر عقائدهم في أنحاء المعمورة ، ويصرفون عليها أموالاً طائلة ، وأهم من ذلك كله ان الدول المستعمرة والمعادية للاسلام انّما تحميهم بكل قواها لنيل أهدافهم الهدّامة وايجاد الفرقة بين المسلمين !

وهذا ما يرى علماء أهل السنة في الصحيحين وفي صحة جميع الأحاديث الموجودة فيهما ، وأما :

2 - آراء علماء الشيعة في الكتب الأربعة:

ان كبار علماء الشيعة يقابلون كتب الحديث لديهم خصوصاً الكتب الأربعة بالاحترام، ويعتبرون هذه الكتب الأربعة من أهم مراجع

ص: 150


1- راجع كتب الوهابيين خصوصاً كتاب (التوحيد) لمحمد بن عبدالوهاب مؤسس هذا المذهب الجديد، وكذلك شرح الكتاب باسم (فتح المجيد) بقلم الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ، وهو من ابناء محمد بن عبدالوهاب

الحديث عندهم ، ومع ذلك لا يعتقدون ان جميع الأحاديث الواردة في اي من هذه الكتب الأربعة وعلى رأسها الكافي صحيحة على الاطلاق ، ويخالفون في هذا المقام رأي علماء السنّة مخالفةً علمية ، فعلى العكس من نظرية (كلّ ما في صحيح البخاري (صحيح) يعتقد علماء الشيعة بضرورة نقد أحاديث الكافي من جهة النصّ أو السند ، فيحققون في كلّ حديث من الجهتين ، وسنشير إلى بعض النماذج من آراء علماء مشهورين من الشيعة من القدماء والمعاصرين :

الف - العلّامة المجلسي : شيخ الاسلام العلامة مولانا محمد باقر المجلسي رحمه الله يصرح في مقدمة كتاب «مرآة العقول» (1) :

ان وجود الخبر في أمثال تلك الأصول المعتبرة (الكتب الأربعة) مما يورث جواز العمل به، لكن لابد من الرجوع إلى الأسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض ، والبحث والتحقيق في سند الأخبار من واجبات من يريد العمل بمفهوم هذه الأحاديث (2).

ويقوم العلامة المجلسي بنفسه عند شرح أحاديث الكافي بمناقشة سند الحديث أولاً من حيث الصحة والسقم ، والقوة والضعف ، ثم يبادر

ص: 151


1- يعتبر هذا الكتاب احسن شرح على كتاب الكافي الشريف، حيث طبع في البداية في أربعة مجلدات كبيرة ، وأعيد طبعه اخيراً بصورةٍ مهذبة في 26 مجلداً
2- ج 1 ص 22

إلى شرح نص الحديث عند اللزوم ، فيجد القارىء في جميع الكتاب تعابير مختلفة في ذيل كل حديث كالتالي : صحيح ، ضعيف ، مرسل ،حسن ، موثق ، مرفوع ،...، وهذه الألفاظ على كثرتها تدلّ على انّ المرحوم العلّامة المجلسي لم يعتقد بصحة جميع أحاديث الكافي ولذلك عرضها للنقد والتحقيق .

ب - المرحوم العلامة آية الله الشيخ آقا بزرگ الطهراني(1) : حصرت (أي أحاديث أصول الكافي وفروعه) في ستة عشر ألف حديث ، الصحيح 5072 ، الحسن ،146 ، الموثق ،178 ، القوي 302 الضعيف .9475(2)

ج - حضرة آية الله العظمى السيد الخوئي : يذكر عدة دلائل على أنه لا يمكن قبول جميع أحاديث الكتب الأربعة باعتبارها أحاديث

ص: 152


1- العلامة الكبير، المحقق الفريد ، الكاتب المجاهد المرحوم آية الله الشيخ آقا بزرگ الطهرانی (1293- 1389ه-) ، واحد من أكبر علماء الشيعة في القرن الرابع عشر الهجري ، والذي الف حوالي مائة مجلد تحوي 25 موضوعاً مختلفاً، منها «طبقات أعلام الشيعة) في 11 مجلداً في ترجمة علماء الشيعة وآثارهم من القرن الرابع إلى القرن الرابع عشر ، وكذلك «الذريعة إلى تصانيف الشيعة في 29 مجلداً، فهرس فيه تأليفات علماء الشيعة خلال اربعة عشر قرناً من تاريخ الاسلام مع تعريف المواضيع هذه الكتب ، وقد أحصيتُ الكتب التي عرفها فكانت أربعةً وخمسين ألفاً وتسعمائة وخمسة وثلاثين كتاباً
2- راجع كلمة ( كافي ) في «الذريعة».

صحيحة ، ثم يقول :

«انّ دعوى القطع بصدور جميع روايات الكتب من المعصومين اللام واضحة البطلان ، ويؤكد ذلك أن أرباب هذه الكتب بأنفسهم لم يكونوا يعتقدون ذلك». وبعد نقل جمل عن الكليني يقول : و هذا الكلام ظاهر ان محمد بن يعقوب (الكليني) لم يكن يعتقد صدور روايات كتابه عن المعصومين الا جزماً (1)

د - صحيح الكافي : قام أحد العلماء أخيراً بفرز الكتب الأربعة فاستخرج منها - حسب نظره - الأحاديث الصحيحة من بين الأحاديث الموثقة والحسنة والضعيفة ، ونشر هذه المجموعة باسم «سلسلة صحاح الأحاديث عند الشيعة الامامية ، فانتقى من بين ستة عشر ألف حديث في الكافي أربعة آلافٍ وأربعمائة وثمانية وعشرين حديثاً ، أي ما يقارب ربع أحاديث الكافي باعتبار أنها هي الأحاديث الصحيحة في الكافي لا أكثر .

وعلى رغم اننا لا نوافق عملية تجزئة الكتب هذه ، ونعتبرها خطاً علمياً ، ولكن كيفما كان فإنّ هذه الآراء مضافةً إلى هذه التجزئة انّما تدلّ على ان علماء الشيعة لا يعتقدون ان جميع أحاديث الكافي وسائر كتب

ص: 153


1- معجم رجال الحديث - ج 1 ص 25

الحديث صحيحة على الاطلاق، بل يفتحون باب البحث والتحقيق فيها أمام جميع الباحثين ، فهم لا يسمحون بالتحقيق في أسناد الأحاديث ونصوصها فحسب ، بل ان كبار الشخصيات العلمية لديهم قد سلكوا هذا الطريق بأنفسهم وأبدوا آراءهم في أحاديث هذه الكتب .

وقد يرفض المحققون أحياناً آراء بعضهم البعض ، إذ قد يعتبر العلامة المجلسي مثلاً أحد الأحاديث موثقاً، بينما يراه محقق آخر انّه حديث صحيح أو العكس، ولكن على أي حال فإنّ باب البحث والتحقيق مفتوح على مصراعيه لجميع العلماء والباحثين .

وهذا هو الاشكال الأساسي على «سلسلة صحاح الأحاديث» التي ذكرناها آنفاً ، إذ لا يعقل أن يقوم احد بحذف عدد غفير من الأحاديث بناءً على رأيه الشخصي ، مع انّ هذه الأحاديث قد يعتمد عليها علماء ومحققون آخرون ، أو ان الحديث وإن كان ضعيف السند إلّا انّه قد يؤيد مضمون حدیث آخر وهكذا ، وبعبارة أخرى فإنّ الموسوعات الحديثية قد جُمعت ودُوّنت من اجل جميع المسلمين وجميع العلماء والمحققين على مر التاريخ، ولا تختص بأشخاص معنيين أو لبرهة زمنية خاصة ، ومع اننا نعتقد بضرورة التحقيق وتبادل الأفكار في الأحاديث إلا اننا لن نرضى أبداً بتجزئة كتب الحديث وتنقيحها .

ص: 154

3 - هذه الاسطورة قد تسربت من مراجع أهل السنة إلى كتب الشيعة:

كما ذكرنا سابقاً فإنّ هذه الرواية أو بالأحرى هذه الاسطورة قد

تناقلها رواة أهل السنّة ، ثمّ اندست بصورة تدريجية في كتب الشيعة توضيح ذلك : انّه على الرغم من ان تاريخ اختلاق هذه الاسطورة غير واضح بصورة دقيقة إلا ان دراسةً إجماليةً فيها تُبيَّن ان هذه الاكذوبة قد ظهرت قبل القرن الرابع ، ثمّ من أجل تثبيتها ورسوخها أكثر وأكثر ، اصطنعوا لها سنداً أيضاً ، وهذا السفر ينتهي أحياناً إلى معاذ وأحياناً إلى أبي منصور ، أو ينسبونها مباشرةً ومن دون سند إلى أمير المؤمنين علیه السلام

أو إلى غيره .

لكن الكذاب ينسى كذبته ، ولذا نجد نص الحديث أيضاً يتبدل من حين إلى آخر .

والآن دعنا نسرد نص الرواية وسيرها التاريخي في كتب أهل السنة ، ولو من أجل التسليم !!.

1 - يروي أبو نعيم الاصفهاني المتوفى 430 ه- قصة عفير في كتابه

دلائل النبوة باسناده إلى معاذ بن جبل ، فيقول :

ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري ، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ، ثنا إبراهيم بن سويد الجذوعي ، حدثني عبدالله بن

ص: 155

آذين الطائي ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل قال : أتى النبي صلی الله علیه وآله وسلم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا عمرو بن فلان ، كنا سبعة اخوة كلّنا رَكَبنا الأنبياء ، وأنا أصغرهم ، وكنت لك ، فملكني رجلٌ من اليهود ، فكنت إذا ذكرتك کبوت به فيوجعني ضرباً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فأنت يعفور .

2- يروي ابن عساكر المتوفى 571 ه- قصة عفير بنص وسندِ مختلفين عن أبي منصور كما يلي :

لما فتح النبي صلی الله علیه وآله وسلم خيبر أصاب حماراً أسود فكلم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الحمار فقال له : ما اسمك ؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً لا يركبها إلا نبي ، وقد كنت أتوقعك لتركبني ولم يبق من نسل جدّي غيري ولا من الأنبياء غيرك ، قد كنت قبلك عند رجل يهودي وكنت أعثر به عمداً ، كان يجيع بطني ويركب ظهري ، فقال النبي صلی الله علیه وآله وسلم : تعال فأنت يعفور ، يا يعفور تشتهى الاناث ؟ قال : لا ، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يركبه في حاجته ، وكان يبعثه خلف من شاء من أصحابه فيأتي الباب فيقرعه برأسه ، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه ، فيعلم ان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و أرسله إليه ، فيأتي النبي صلی الله علیه وآله وسلم ، فلما قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها

ص: 156

جزعاً على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(1).

3 - كما روى هذه القصة قبل ابن عساكر ، شخص آخر من علماء أهل السنّة وهو (امام الحرمين المتوفّى 478 ه- في كتابه (الشامل في أصول الدين) باسناده إلى أبي منصور(2).

4- وروى القصّة أيضاً القاضي عياض المتوفّى 544ه والمعاصر لابن عساكر في كتابه (الشفا في تعريف حقوق المصطفى) والذي اشتهر (بالشفاء) (3).

5 - ورواها الدميري نقلاً عن ابن عساكر في حياة الحيوان)(4).

6 - وكذا ذكرها (الديار بكري المتوفّى 982 ه- في« تاريخ الخميس»(5).

كان ذلك نص قضية عفير فى كتب أهل السنة وسيرها من القرن الرابع إلى القرن العاشر الهجري ، ويمكننا أن ندعي دون شك أنّه لو أتيحت لنا الفرصة أكثر لتتبعها في سائر المراجع لعثرنا على هذه القصة

ص: 157


1- السراية : ج 6 ص 10
2- البداية والنهاية - ج 6 ص 10
3- البداية والنهاية - ج 6 ص 10
4- حياة الحيوان - ج 1 ص 251
5- ج 2 ص 187

المختلقة لاعلى سندين وبنصين مختلفين وفي ستة كتب فحسب ، بل من طرق متعددة وبنصوص متباينة وفي مختلف كتب أهل السنة ، ولما ابتدأت روايتها من القرن الرابع، بل قد تكون من القرن الثاني أو الثالث ، فإنّ أبا نعيم وابن عساكر قد تلقياها من مراجع تسبقهما زمناً ثمّ ذكراها في كتابيهما .

4 - قصة عفير في كتب الشيعة :

أما في كتب الشيعة فلم نعثر على هذه القصة إلا في كتابين ، أحدهما أصول الكافي والذي اعترضتم عليه والثاني بحار الأنوار.

أمّا اصول الكافي : رُويت القصة في أصول الكافي مرسلةً من دون سند ، ونصها كما يلي : ورُوِيَ أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال ان ذلك الحمار كلم رسول الله فقال : بأبي أنت وأمي انّ أبي حدثني عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه انه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثمّ قال : يخرج من صلب هذا الحمار ، حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم ، ، فالحمد لله الذي جعلنى ذلك الحمار»(1)

ص: 158


1- اصول الكافي - ج 1 ص 237

يروي المرحوم الكليني هذه القضية بعد نقله رواية في سلاح رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومركبه مما بقي منه إلى ما بعده.

والملاحظ أولاً : انّ السندين المختلقين للقصة بروايتيها من مراجع أهل السنة غير موجودين - ولحسن الحظ - فيما رواه المرحوم الكليني ، ولذلك فلا حاجة إلى البحث والتحقيق ، وترمى هذه الرواية على جنب.

وثانياً : على الرغم من ان الرواية هذه ليس لها أي اعتبار علمي ، إلا أنها ليست على تلك الغرابة الشديدة التي كانت عليها الروايتان السابقتان ، فتأملوا !!.

وأمّا بحار الأنوار:

فقد تسربت إلى «بحارالأنوا»ر تدريجياً نفس الرواية التى نقلها ابن عساكر والقاضي عياض وغيرهما من علماء أهل السنة بالاسناد إلى ابي ،منصور فرواها في القرن 12 المرحوم العلامة المجلسي المتوفى 1111ه.

وذلك كما يلي:

يعتمد محدثوا الشيعة في نقل الأخبار والأحاديث على طريقين :

ص: 159

طريق العامة وطريق الخاصة ، فكما أنّهم يروون الأحاديث باسنادها من رواة الشيعة ، فهم يروون أحياناً بعض الأحاديث من طرق أهل السنّة أيضاً، ويمكن ملاحظة ذلك كثيراً فيما رواه محدّثو الشيعة ، ولذلك فإنّ هذه القصة أيضاً قد ذكرها المرحوم الصدوق المتوفّى 381 ه- عن طريق رواة العامة وبسندٍ من أهل السنة ، ثمّ انتقلت القصة في القرن السادس إلى كتاب باسم« قصص الانبياء»(1) حتى انتهت إلى المرحوم العلامة المجلسي الذي رواها من كتاب قصص الأنبياء بنصها وبنفس سندها ، واليك نص القصّة فى البحار :

«قصص الأنبياء »: الصدوق عن عبد الله بن حامد بن أحمد بن حمدان ، عن عمرو بن محمد بن محمد بن مؤيد عن عبدالله بن محمد بن عقبة عن أبي حذيفة عن عبدالله بن حبيب الهذلي ، عن أبي عبدالرحمن السلمي ، عن أبي منصور قال : لمّا فتح الله على نبيه خيبر أصابه حمار أسود ، فكلّم النبي الحمار فكلّمه وقال : أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً لم يركبها إلا نبي ، ولم يبق من نسل جدي غيري ، ولا من الأنبياء

ص: 160


1- حسب ماذكره المرحوم العلامة المجلسي في مقدّمة البحار، يحتمل ان يكون هذا الكتاب من تأليفات المحدّث والمفسّر الكبير المرحوم قطب الدين الراوندي المتوفى 573 ه- أو من تأليفات السيد الأجل فريد دهره ضياء الدين الراوندي المتوفّى 588 ، وبقي الكتاب مخطوطاً إلى زمن قريب

غيرك وقد كنت أتوقعك ، كنت قبلك ليهودي أعثر به عمداً ، فكان يضرب بطني وظهري ، فقال النبي صلی الله علیه وآله وسلم : سميتك يعفور ، ثم قال : تشتهي الاناث يا يعفور ؟ قال : لا ...»(1)

هذه قصة عفير في بحار الأنوار ، وكما تلاحظ فإنّ هذه الاسطورة من جهة النصّ والسند هي كما رواها محدثو أهل السنّة عن أبي منصور وكانت في مراجعهم منذ القرن الرابع ، ويمكنكم مراجعة تراجم رواتها في كتب رجال أهل السنة مثل (تهذيب التهذيب) و(لسان الميزان) . وعلى كل فإن نقل قصة عفير في كتب أهل السنة بنصوص

وأسانيد مختلفة وعدم نقلها عن نقلها عن طرق واسناد الحديث لدى الشيعة ، انّما يفرض هذا الاحتمال انّ النص المذكور في الكافي أيضاً قد انتقل عن طريق مراجع ورواة أهل السنّة في القرن الثالث إلى الكافي ، كما انّ القصة قد اندشت فى القرن الحادي عشر بنص وسندٍ مختلفين إلى احد كتب الشيعة (بحار الأنوار) .

وبناءً على ذلك ، أولاً : اعتراضكم وقدحكم بالنسبة لقضية عفير انّما يتجه إلى محدّثي أهل السنة وعلمائهم لا علماء الشيعة ومحدّثيهم ، لأنّ هذه الاسطورة انّما نبتت فى كتب أهل السنة وغرسها هناك رواة منهم .

ص: 161


1- بحار الأنوار - ج 17 ص 404 - راجع القصة في الصفحات السابقة

ثانياً : لو أنّ هذه القضية كانت تروى عن طريق الشيعة وبصورة مسندةٍ أيضاً لناقشها علماء الشيعة وحققوا فيها ، لأنّ علماء الشيعة لم يقولوا أبداً (كل ما في الكافي صحيح) ولم يدعوا انه لو أقسم أحد ان كل ما في الكافي كلام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأئمة الهدى لما وجبت عليه كفّارة القسم وغير ذلك .

5 - قصة عفير كما يراها علماء الشيعة وأهل السنة:

اشارة

علماً بان اسطورة عفير نقلت عن طريق رواة أهل السنة ، فإنّ علماء الشيعة لم يبالوا بها كثيراً ولم يُلزموا انفسهم على البحث والتحقيق عنها ، ولا حاولوا ردّها من جهة النصّ أو السند ، انّما اكتفوا بالاشارة إلى سلسلة سندها وغرابة نصها .

أمّا علماء أهل السنّة فبسبب كثرة روايتها وتعدّد نصوصها واسنادها في تاليفاتهم، فقد ذكر عدد منهم ضعف نص القضية وغرابة وعدم استقامة سندها ، وأمام ذلك قابل عدد آخر منهم هذه الاسطورة بالقبول (1).

وإليك آراء علماء الشيعة وأهل السنة في هذه الاسطورة :

ص: 162


1- مثل الديار بكري في تاريخ الخميس) ج 2 ص 187
آراء علماء الشيعة

يقول أحد علماء الشيعة في غرابة نصّ هذه القصة المروية في الكافي : «ليس الاستبعاد في هذه المرسلة من جهة تكلّم الحمار مع النبى صلی الله علیه وآله وسلم حتى يجاب عنه حتى يجاب عنه بكلام الهدهد والنمل ، بل الاستبعاد من جهة انّ الحمار كيف يعرف أباه وجده حتى يحدّث عنهم .

وقال بعض الأفاضل : ولا يتعقل معنى صحيح لهذه المرسلة تحمل عليه ، ولعلها مما وضعه الزنادقة استهزاء بالمحدثين السُّنّج ، كما انهم وضعوا كثيراً من الأحاديث لتشويه صورة الدين»(1).

ويقول غيره من العلماء في ذيل الرواية التي ذكرها المرحوم المجلسي في البحار : رُوي هذا الحديث عن طريق رواة أهل السنّة ، ورواها الصدوق (ره) أيضاً بسندٍ يتصل برواة أهل السنة»(2) .

آراء علماء أهل السنة

كما ذكرنا فإنّ عدداً من علماء أهل السنة أيضاً اعتبروا هذه القصة مرفوضةً وطعنوا بنصها وسندها :

ص: 163


1- مرآة العقول : ج 3 حاشية ص 53
2- بحار الأنوار: ج 17 حاشية ص 404.

1 - ابن الجوزي المتوفّى 598 ه- ، بعد ذكر القصة يقول : «هذا حديث موضوع ، فلعن الله واضعه فإنّه لم يقصد إلّا القدح في الاسلام والاستهزاء به» (1).

2 - الدميري ، يقول :أولاً : ان ابن عساکر روی الحدیث باسناده إلى أبي منصور ، ثمّ يضيف الدميري : أما الحافظ أبو موسى فقد قال انّ هذا الحديث غير صحيح نصاً وسنداً ولا يجوز أن يرويه أحدٌ إلا أن يذكر عدم صحته أيضاً .

3 - الدميري : يضيف انّ السهيلي أيضاً في كتابه (التعريف والاعلام) ذكر ردّ الحديث نقلاً عن أبي موسى(2).

4 - ابن كثير ينكر وجود سند صحیح للحديث تسلسل فيه الرواة على نظم و ترتيب سليمين ، ثم يقول : «وقد أنكره غير واحدٍ من الحفاظ منهم عبدالرحمن بن أبي حاتم وأبوه ، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج ينكره غير مرة إنكاراً شديداً ، ويضيف ابن كثير في القصّة المروية عن طريق معاذ : هذا حديث غريب جدا(3).

ص: 164


1- الموضوعات ج 1 ص 284
2- حياة الحيوان - ج 1 ص 251
3- البداية والنهاية : ج 6 ص 10
اسطورة سيئة الحظ

لقد أنكر عدد من علماء السنّة هذه الاسطورة ورفضوها ، وهذا ممّا يدلّ على دقة النظر في المنقولات ، وهو ما أكدنا عليه خلال هذه الرسالة بان وجود حديث في الكتب الموثوق بها لا يوجب قبوله قطعاً ولايمنع من البحث والتحقيق في نصه وسنده ، ولكن رغم كل ذلك فإنّ ردّ اسطورة عفير من قبل كل هؤلاء العلماء العظام يعتبر نوعاً من سوء الحظ بالنسبة لهذه الاسطورة !! فلو انها حازت قدراً يسيراً من الحظ واستطاعت الدخول فى أحد الصحيحين لما تجرّأ احد من الانتقاد عليها ومناقشتها ، لأننا نجد أحاديث أكثر غرابةً من قصة عفير وأساطير أفظع منها استطاعت أن تصطف إلى جانب أحاديث الصحيحين فظلت قائمةً معتبرةً شأنها شأن آيات القرآن الكريم، وقد أشرنا في هذه الرسالة إلى هذا الموضوع وذكرنا عدداً من هذه الأحاديث، أما بيان جميعها فيوجب

الإطالة ويحتاج إلى تأليف كتاب خاص فيه .

جواب على نقد

وفي خاتمة الرسالة ، أرى من الضروري بمناسبة ذكر قصة «عفير» مسندةً في بحار الأنوار أن ألقي بعض الضوء على هذه الموسوعة الاسلامية العظيمة وهذا المؤلّف الديني الكبير ، وأجيب على النقد

ص: 165

المطروح من قبل البعض على دائرة المعارف الكبيرة هذه ، أمّا النقد فكما يلي :

توجد روايات متناقضة وضعيفة في بحار الأنوار بصورة متوافرة ، وهذه الروايات ليس لها أثر علمي ولا دور عملي وخير مثال لهذه الروايات قصة «عفير» السابقة الذكر فهي اسطورة لا أساس له-ا م-ن الصحة ، وقد اتضح في ما ذكرناه انها مختلقة موضوعة.

ورغم ان الاجابة على هذا النقد قد اتضحت عن طريق الأولوية فيما شرحناه من آراء علماء الشيعة في الكتب الأربعة ، ولكن الموضوع على أهمية بالغة تستلزم بعض التوضيح ولو بشيء من الاختصار ، فلنبدأ أولاً ببيان الهدف الداعي إلى تأليف كتاب بحار الأنوار وكيفية العمل في إداء هذا الأمر ، على حد تعبير مؤلّفه الجليل :

«... ثم بعد الاحاطة بالكتب المتداولة المشهورة تتبعت الاصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الاعصار المتطاولة والأزمان المتمادية ، ... فطفقت أسأل عنها في شرق البلاد وغربها حيناً ، وألح في الطلب لدى كلّ من أظنّ عنده شيئاً من ذلك وان كان به ضنيناً ، ولقد ساعدني على ذلك جماعة من الاخوان ضربوا في البلاد لتحصيلها ، وطلبوها في الاصقاع والأقطار طلباً حثيثاً حتى اجتمع عندي بفضل ربي

ص: 166

كثير من الأصول المعتبرة التي كان عليها معوّل العلماء في الأعصار الماضية ، وإليها رجوع الأفاضل في القرون الخالية ، فالفيتها مشتملةً على فوائد جمة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة ، ... ولما رأيت الزمان في غاية الفساد ، ووجدت أكثر أهلها حائدين عمّا يؤدّي إلى الرشاد ، خشيت ان ترجع عمّا قليل إلى ما كانت عليه من النسيان والهجران ، وخفت أن يتطرّق إليها التشتت لعدم مساعدة الدهر الخوان ، ومع كانت الأخبار المتعلقة بكلّ مقصد منها متفرّقاً في الأبواب ، متبدّداً في الفصول ، قلما يتيسر لأحدٍ العثور على جميع الاخبار المتعلقة بمقصد من المقاصد منها ، ولعلّ هذا أيضاً كان أحد أسباب تركها وقلة رغبة النّاس في ضبطها .

فعزمت ... على تأليفها ونظمها وترتيبها وجمعها في كتاب متسقة الفصول والأبواب ، مضبوطة المقاصد والمطالب ، على نظام غريب ، وتأليف عجيب ، لم يعهد مثله فى مؤلّفات القوم ومصنفاتهم ... وفي بالي - إن أمهلني الاجل وساعدني فضله عزّ وجل - أن أكتب عليه شرحاً كاملاً يحتوي على كثير من المقاصد التي لم توجد في مصنفات الأصحاب ، وأشبع فيها الكلام لأولي الألباب(1) ...»

ص: 167


1- بحار الأنوار : ج 1 ص 3 - 5
عظمة شأن «بحار الأنوار»

لقد صدق المحدّث الكبير العلامة المجلسي (ره) مؤلف بحار الأنوار فيما أشار إليه من ان هذا الكتاب هو موسوعة فريدة من نوعها ، إذ تضمّ الوفاً مؤلّفة من أحاديث المعصومين إلى جانب مجموعة قيمة من المعارف الاسلامية التي لا يمكن ان تتجمع بهذا الحجم الكبير في أي كتاب وأي تأليف مع ما فيها من الأخبار والآثار الوافرة كمياً وكيفياً .

وقد تم ترتيب آيات القرآن بصورة تفصيلية لأول مرة في هذا الكتاب ، ففيه تفصيل آيات القرآن الكريم مع التفسير وتوضيح غوامض الآيات .

كما تضم هذه الموسوعة العظيمة محتويات مئات الكتب التي كانت على شرف الضياع والتلف وقد نظمت هذه المعلومات في فصول وأبواب موضوعية ، فأصبحت بذلك مكتبةً غنية بالمعارف الاسلامية والأخبار والأحاديث و آثار عدد جم من العلماء .

فمن يطلب المعارف الاسلامية لا يستغني أبداً عن الرجوع إلى هذا الكتاب ، ومن يبتغي التحقيق يستطيع أن يجد بغيته بسهولة في دائرة المعارف الكبيرة هذه، فيتراءى له مطلوبه كمائدة مبسوطة أمامه ، معدّةٍ تحوي ألوان ما تشتهيه نفسه، إذ يتضمّن هذا الكتاب جميع الروايات

ص: 168

المختلفة الصعبة المنال مرتبة حسب المواضيع ، بعضها مسندة وبعضها فاقدة السند ، كما انّ منها ما ذكرت كاملةً وأخرى تناقلتها كتب السابقين ناقصةً مقطعةً ، فتراها فى هذا الكتاب قد جُمِعَت أجزاؤها من شتّى الكتب وانضمت إلى بعضها ، فالكتاب حاوِ على جميع الروايات بتباينها وتناقضها ، صحيحةً كانت أو غير صحيحة ، فيستطيع الباحث مقارنتها مع بعض ليتأكد من نص الحديث ، ويُصحِّحَ سنده ، ويكمل روايةً ناقصةً مقطعةً محذوفة الألفاظ بأخرى أكمل نص منها .

والقارىء المحقق يستطيع بالرجوع إلى هذا الكتاب أن يدرك ضعف الرواية أو قوتها، تواترها أو كونها خبراً واحداً ، كما يمكنه أن يزيل اضطراب النص في رواية ما بمقارنتها بنص رواية أخرى . وخلاصة القول : انّ بيان الابعاد العلمية المختلفة لبحار الأنوار يفوق النطاق العلمي لكاتب هذه الرسالة ولا تسعه حدود رسالته المتواضعة ، بل يحتاج ذلك إلى هيئة علمية متخصصة وإلى كتاب خاص به.

المجلسي المحدّث والمجلسي المحقق

والآن ، بعد أن تعرفنا على بحار الأنوار باختصار ، تلقي بعض الضوء على مؤلّفه البارع ، المجلسي الكبير .

ص: 169

والتعرّف على هذا العالم النحرير ، والمحقق العملاق ، انما يتم من جهتين علميتين، باعتباره إما محدثاً بارعاً أو محققاً فريداً في نوعه.

أما كونه محدثاً : فكما ذكرنا سابقا ، ان المرحوم العلامة المجلسي إضافةً إلى الكتب والمراجع العديدة التي أنقذها من الضياع والابادة ، فقد جمع أحاديث ورواياتٍ متشتتةً في جميع جميع المجالات، وذكرها بصورةٍ منظمةٍ متناسبة مع مواضيعها ، والأهم من ذلك كله ان المجلسي في روايته للأحاديث قد أدى واجبه كمحدث حقيقي في نقل جميع الأخبار والأحاديث بمختلف مواضيعها ونصوصها واسنادها ، أما مهمة تنقيح الأحاديث لمعرفة السليم منها والسقيم، وتمييز الصحيح ، عن غير الصحيح فقد ألقاها على عاتق القارىء المحقق ، فلم يقم بالأمر معتمداً على رأيه وعقيدته الخاصة أبداً ، فيأتي بهذه الرواية مثلاً بناءً على رأيه الشخصى بصحتها ويترك الأخرى لأنه يراها ضعيفةً لا يعتمد عليها ، فلو كان يفعل كذلك لحذف روايات كثيرةً قد تكون أقرب للواقع لمجرد انها تعارض روايات أخرى مذكورةً في كتابه ، وفى النهاية يتعرض هذا المحدّث الكبير لنفس النقد الذي ذكرناه لمؤلفي الصحاح الست وسائر كتب الحديث ، لأنّ هؤلاء المحدثين كما ذكرنا سابقاً - قد رووا في كتبهم تلك الأحاديث التي وجدوها صحيحةً حسب رأيهم ، وحذفوا ما خالف آراءهم وعقائدهم ، ولهذا فقد اضطر العلماء التالين لهم إلى تقليد أولئك

ص: 170

واتباع آرائهم في معرفة أصول العقيدة ومبانيها ، ومما ساعد على ذلك رواج كتبهم وصحاحهم بين العلماء واعتبارها صحيحة لدى الجميع ، اضافةً إلى الطعن في سائر الكتب وردها .

ولذا نجد بعض علماء أهل السنّة ينكرون «حديث الغدير» ويطعنون فيه (1)لمجرد أن الصحاح الست لم ترو هذا الحديث، مع انه حديث متواتر لدى الشيعة والسنة ، ويعتبر من وجهة نظر التاريخ واحداً من أهم الحوادث في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

رأي الامام الخميني في بحار الأنوار

والجدير بالذكر أن نلفت نظر القارىء العزيز في موضوع «بحار «الأنوار» إلى رأي أكبر شخصية علمية عرفانية في العالم اليوم ، قائد الجمهورية الاسلامية ومؤسسها في ايران ، حضرة آية الله العظمى الامام الخميني دامت برکات وجوده الشريف على رؤوس المسلمين والمستضعفين : «يعتبر كتاب بحار الأنوار لمؤلّفه الكبير المحدّث الجليل محمد باقر المجلسي ، مجموعةً تضم أربعمائة كتاب ورسالة ، فالكتاب في الحقيقة مكتبة صغيرة جاءت باسم واحد ، فقد رأى مؤلّف الكتاب انّ

ص: 171


1- مثل ابن تيمية في منهاج السنة» ج 4 ص 12

كتباً عديدةً تكاد أن تتلف أو تضيع لصغرها ومرور الأيام عليها ، ولذلك جمعها فی مجموعةٍ واحدة باسم «بحار الأنوار» دون أن يلتزم بصحة جميعها ، فلم يكن هدفه تأليف كتاب علمي أو جمع قوانين الاسلام وأحكامه فيه ، حتى يتطلّب منه التحقيق فيها لتمييز الصحيح فيها عن غير الصحيح . فالبحار مخزن لجميع ما نسب من الأخبار إلى أئمّة الاسلام صحيحةً كانت أو غير صحيحة .

فمن بينها كتب يرفضها صاحب بحار الأنوار بنفسه ، فهو لم يرد تأليف كتاب علمي حتى يعترض عليه لجمعه تلك الكتب ، فلا يصح الاعتراض على المتدينين بأن خبراً مما رواه البحار انّما يخالف العقل والحش ، هذا من جهة ، ومن جهةٍ أخرى لا يصح ردّ أخبار هذا الكتاب لمجرد أنّها لا توافق رأينا ، بل يجب التحقيق في كل رواية منه ، لنتبين إمكان العمل بها أم لا ، بناء على المعايير التي عينها علماء الأصول»(1).

إذن فكما قال سماحة الامام الخميني ، قد لعب المرحوم المجلسي دور المحدث عند نقله للأحاديث في بحار الأنوار ، فلم يؤلّف البحار باعتباره كتاباً عملياً في الحديث ، ولهذا السبب يرفض العلّامة المجلسي أن ينقل أحاديث الكتب الأربعة لكونها أحاديث عملية ، على رغم

ص: 172


1- كشف الاسرار - ص 319 - 320

الالحاح الشديد من قبل بعض تلامذته ومعاونيه على صورة رسالة أرسلت إليه من أجل إضافة أحاديث الكتب الأربعة إلى البحار(1) .

المجلسي المحقق

هكذا كان يبدو المجلسي كمحدّث . أما مرآه كمحقق يعمل في كشف أسرار الحقائق ورموزها : فانّه بحرٌ موّاج لا تقدر الزوارق الصغيرة الاقتراب منه ، ولا يسع الجميع أن يرتاحوا هادئين على ساحل هذه الأمواج المتلاطمة ، فهكذا يجب أن نتعرّف على ذلك المرحوم عبر كتاب «مرآة العقول »وخلال تحقيقاته في كتاب «البحار» وسائر تأليفاته أيضاً .

نعم ، كان يسعنا أن نتعرف على شخصية المجلسي كمحقق إذاكان الأجل يمهله ليكتب شرحاً مفصلاً تحقيقاً على كتاب «بحار الأنوار» ، إلا ان وفاة هذه الشخصية الفذة أدت - وبكل أسف - إلى حرمان العالم الاسلامي من هذه النعمة العظيمة .

ص: 173


1- هذه الرسالة كتبها العالم الجليل المحقق البارع الميرزا عبد الله التبريزي الاصفهاني المعروف بافندي، مؤلف كتاب رياض العلماء» المتوفى 1130 ، وقد نقل المرحوم المجلسي نص الرسالة في خاتمة بحار الأنوار في ج 110 ص 165
مجموعتان وقعتا في الخطأ !!

والآن يمكننا أن نستنتج مما سبق ان مجموعتين من الأشخاص قد اخطأتا في بحار الأنوار» وفي شخصية مؤلّفه ، وهما وان اشتركتا في قلة الاطلاع والوعي ، إلا ان احداهما أخذت جانب الإفراط والأخرى جانب التفريط :

المجموعة الأولى : ممن لم يكونوا خبراء في نصوص الأحاديث ومعرفة الرجال والأسناد ، وممن لا يميزون بين قوة الرواية وضعفها ، ويعجزون عن كشف النقائض الموجودة فيها ، فالواحد من هؤلاء يكتفي بمشاهدة حديثٍ في البحار يلائم رأيه وهدفه ، فتراه يعتمد على هذا الحديث وينقله شفاهياً أو يبادر إلى درجه فى كتابه أو مقالته ، مثل هذا الشخص لا يعتمد في صحة الحديث على نصه أو سنده ، انّما يكتفي بثقته بمؤلف الكتاب ، ومثل هذا الاقتباس خطير وتتضح خطورته فيما ذكرناه من قبل .

المجموعة الثانية : هؤلاء أشخاص مفرطون ، ولا يعلمون شيئاً من المسائل العلمية ولا أوليات العلوم الاسلامية، فبعضهم من تلامذة المستشرقين وبعضهم ممن تربّى على أيدي أعداء الاسلام والقرآن، ولكن يظهرون وكأنّهم من أصحاب الفكر ، وقد تؤثر العوامل السياسية لتخلق لهم صورة خبراء في معرفة الاسلام ، مثل هؤلاء يطعنون في «بحار

ص: 174

الأنوار »ومؤلّفه بسبب نقله أحاديث ضعيفة أو متناقضة ، ويفسّرون هذا الموضوع أحياناً على أساس ضعف العلامة المجلسي وعدم تحقيقه أو تبحره في الامور .

والجواب على هؤلاء أيضاً كامن فيما ذكرناه ، ولكن من أجل توضيح أكثر نقول :

لو انّ هؤلاء المفكرين والأخصائيين ! قد وجدوا تناقضاً بين روايتين فى البحار ، أو كشفوا ضعف رواية وقوّة أخرى ، أو رأوا واحدةً مرفوضةً تماماً ، فإنّ هذا الكشف لم يكن من جراء تحقيقهم وبحثهم ، بل كان ذلك بسبب وجود بحار الأنوار وبركاته الواسعة ، ونتيجةً للدورالعظيم الذي لعبه المجلسي رحمه الله باعتباره محدثاً ، فلو ان المجلسي لم ينقل جميع الروايات الواردة في أي موضوع لما استطاع هذا القارىء أن يكشف التناقض بين رواية يقرأها في أحد الكتب مع رواية أخرى في مكانٍ آخر ، ولو ان المجلسي الكبير لم يجعل جميع الروايات المذكورة في موضوع واحد وباسناد مختلفة إلى جانب بعضها لما استطاع هذا القارىء أن يكتشف قوة هذا الحديث وضعف الآخر ، ومثال هذا الكشف ما قرأته في قصة «عفير » حيث استطعنا أن نهتدي إلى الحقيقة

عن طريق مشاهدة هذه الاسطورة بسندها في بحار الأنوار .

إذن ، فمن يقرأ بحار الأنوار ، إذا نظر إلى المجلسي باعتباره محققاً

ص: 175

هانت عليه المسألة وسهل عليه الاقتباس من هذا الكتاب ، لأن المجلسي قد حقق في نص كل حديث وسنده ، ووضح معناه أيضاً، فيمكن للقارىء أن يستفيد من هذا التحقيق على قدر معلوماته ، أما إذا نظر القارىء إلى المجلسي باعتباره محدثاً يكتفي بنقل الأحاديث فحسب ، فلا يحق لهذا القارىء أن يبدي راياً في الكتاب ، ويحوّل الأمر إلى العلماء والفضلاء المتخصصين في هذا الفن، فإنّ هذا الطريق وعر حتى على المتخصصين.

انه ولذا نجد ان المرحوم العلامة الطباطبائي - رضوان الله عليه - رغم اهتم بالبحث والتحقيق في أحاديث بحار الأنوار مع عددٍ من تلامذته من العلماء الأفاضل ، إلّا أنّ هذا المفسّر الكبير الذي يعتبر فيلسوف الفقهاء وفقيه الفلاسفة لم يستطع في هذه المدة الطويلة أن يعلو أكثر من الأدراج الأولى من سماء الفضيلة هذه التي تحتوي مائة وعشرة أدراج ، وذلك لأنّ العلامة الطباطبائي كان يعمل بالأخبار والأحاديث وقد انشغل بالتحقيق في كلام المعصومين.

ومن هذا المنطلق نقول : ان التعمق في بحار أنوار العلامة المجلسي لنيل الدرر الثمينة من هذا المحيط العظيم لا يتيسر إلا في النطاق العلمي والفكري لأمثال العلامة !

وفي الختام أعتذر ثانيةً من التأخير في الإجابة على رسالتكم ،

ص: 176

وأهدي إليكم كتابين قيمين للمجاهد الصامد ، العلامة السيد شرف الدين رحمه الله ، باسم «المراجعات» و «النص والاجتهاد»باعتبارهما أحسن هدية لسماحتكم لتدلّ على مدى مودتي تجاهكم ، نفعنا الله بهما .

و آخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين . والسلام عليكم ورحمة

الله وبركاته

محمد صادق النجمي

ص: 177

ص: 178

فهرس الموضوعات

الموضوع

مقدّمة الناشر...5

المقدمة...9

رسالة القاضي الخضري...11

سبب تأخير الردّ...18

السؤال الأوّل: وردت في جميع كتب أهل السنّة تقريباً وفي مسند أحمد بن حنبل، معلم البخاري ومسلم وأبي داود - رحمهم الله - 769 حديثاً متصلاً من أهل البيت

عليهم السلام...25

الإجابة على السؤال الأول:...28

1 - أهمية الحديث :...28

2 - اختلاف الآراء في نقل الحديث:...30

3 - الحديث من وجهة نظر أهل البيت علیه السلام...30

4 - الجوامع والأصول الأربعمائة:...32

5 - حديث أئمة الشيعة ، حديث رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:...34

ص: 179

6 - أهل البيت فى القرآن والسنّة:...35

7 - خطأ أحمد بن حنبل في تعريف أهل البيت:...37

8 - عمّن ينقل ابن حنبل حديثه ؟...39

9 - نموذج من الوضع الخلقي والعقيدي لهؤلاء الرواة:...40

سمرة بن جندب وعصيانه الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:...41

سمرة بن جندب بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:...42

10 - نموذج من الأحاديث :...44

11 - عدد الأحاديث التي ينقلها أحمد بن حنبل عن أهل البيت : ...46

12 - ما هي أسفار أحمد بن حنبل ؟ عمن يروي وعمن لايروي:...47

من يروي عنهم أحمد بن حنبل :...48

مَنْ لم يأخذ أحمد بن حنبل الحديث منهم:...49

الجواب الكامل على السؤال:...50

نقطة تلفت النظر:...52

اعتراف أبى زهرة:...53

الدفاع عن المحدّثين :...54

خلاصة الدفاع:...60

ص: 180

أحاديث أهل البيت وأحاديث غيرهم:...63

موضوع الحكومة حسب وجهة نظر أحاديث أهل البيت وأحاديث غيرهم:...64

نموذجان آخران: ... 68

النتائج المؤقتة والنتائج الدائمة : ...74

طلب إعادة النظر:...77

السؤال الثاني: لماذا لم يرو الكافي عن الخلفاء الثلاثة حتى حديثاً واحداً ؟...81

1 - الحديث من وجهة نظر الخلفاء :...83

2- الحديث في عهد أبي بكر :...

3- الحديث في عهد عمر بن الخطاب:...85

4 - الحديث في عهد عثمان :...86

5 - قلة أحاديث الخلفاء في كتب أهل السنّة:...86

إجابة السؤال من جديد وتلخيص ما فات :...88

سؤالان موجهان إلى أصحاب الصحاح:...89

جواب المحدّثين وبيان حق84يقة مُرّة :...92

نماذج من تلك الخزعبلات:...94

1 - مضاجعة النبي سليمان مع مائة زوجة له:...94

ص: 181

2 - عزرائيل يفقد بصره :...95

3 - سباق الحجر مع موسى:...95

4 - رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يأتي إلى الصلاة جُنُباً : ...96

5-جناح ذبابة أم دواء مبرىء:...97

كيس أبي هريرة :...98

السؤال الثالث : لماذا لم يرو الكافي حديثاً عن أبناء الخلفاء ؟... 101

1 - أبناء الخلفاء : .. .103

2 - حديث عالي السند وحديث نازل السند :...104

3 - الكليني ينتخب الأحاديث عالية السند :...104

4 - الحديث الموثوق والحديث الاكثر ثقة :...105

نقطة تلفت النظر:...107

الصحابة من وجهتي نظر الشيعة والسنة :...107

ثلاثة آراء مختلفة في الصحابة:...108

قول أهل السنّة :...110

الشيعة يحبون الصحابة رضي الله عنهم : ...112

رأي الشيعة في نطاق الكتاب والسنّة :...113

رأي القرآن في الصحابة : ...114

كيف نميّز المؤمن عن المنافق ؟...118

ص: 182

رأي السنة الشريفة في الصحابة :...120

سيرة الخلفاء :...121

السياسة والعصبية كعاملين للافتراء :...123

سياسة التحريف :...124

نموذج تاريخي :...126

العصبية:...129

تعريف موجز لأبي منصور البغدادي والشهرستاني:...130

تعصب أبي منصور : ...132

بالنسبة للشهرستاني :...133

الشيعة هم أهل السنّة الواقعيون :...135

السؤال الرابع : هل انّ أبناء الخلفاء أضعف من عفير أيضاً ؟.. . 139

الجواب بالايجاز :...141

1 - آراء علماء أهل السنّة في الصحيحين:...142

كلّ ما في صحيح البخاري صحيح !!...144

2 - آراء علماء الشيعة في الكتب الأربعة :...150

3 - هذه الاسطورة قد تسربت من مراجع أهل السنّة إلى كتب الشيعة : ...155

4 - قصة عفير فى كتب الشيعة :...158

ص: 183

5 - قصة عفير كما يراها علماء الشيعة وأهل السنة: ...162

آراء علماء الشيعة :...163

آراء علماء أهل السنة :...163

اسطورة سيئة الحظ:...165

جواب على نقد:...165

عظمة شأن «بحار الأنوار» :...168

المجلسي المحدّث والمجلسي المحقق:...169

رأي الامام الخميني في بحار الأنوار: ...171

المجلسي المحقق :...173

مجموعتان وقعتا في الخطأ !! :...174

ص: 184

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.