أبو الهيثم مالك بن التيهان السابق في المناقب :حياته وشعره

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1089 لسنة 2019 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP32.5.A25 K4 2019 : LC المؤلف الشخصي: الخزاعي، عمار حسن - مؤلف.

العنوان: أبو الهيثم مالك بن التيهان السابق في المناقب: حياته وشعره / بيان المسؤولية: تأليف المدرس المساعد عمار حسن الخزاعي؛ تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: کربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي: 143 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 626).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ 167).

سلسلة النشر: (حياة السلف الصالح، صحابة الإمام علي (عليه السلام)؛ 7).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 130 - 143).

موضوع شخصي: ابو الهيثم التيهاني، مالك، توفي 641 - نقد و تفسير.

مصطلح موضوعي: الصحابة والتابعون - تراجم.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم السَّابِقُ فِي المنَاقِبِ حَیَاتهُ وَشِعْرهُ

ص: 2

سلسلة للحياة السلف الصالح صحابة الأمام علي عليه السلام السَّابِقُ فِي المنَاقِبِ حَيَاتهُ وَشِعْرهُ تأليف إصدار في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1440 ه - 2019 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Info@Inahj.org تنویه: إن الأفکار والآراء المذکورة في هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة تخلي العتبة الحسینیة المقدسة مسؤولیتها عن أي انتهاك لحقوق الملکیة الفکریة

بسم الله الرحمن الرحيم «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ٭ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» صدق الله العلي العظيم سورة الواقعة الآية: 10 - 11

ص: 5

ص: 6

الإهداء إلى صاحب الشَّقاشِق الهادرة..

إلى أول مظلوم یجثو بين يدي الرَّب..

إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أهدي هذا الجُهد حبًّا ونصرةً الباحث

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

لم يزل الإمام علي (عليه السلام) الفاروق بين الحق والباطل والمحك الذي يكشف الإيمان من النفاق، والفئة العادلة من الباغية، والسنّة من البدعة، والصالح من الطالح، ولأن الدين هو أثمن ما لدى العاقل فقد احتاج العاقل إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ ولأن الدعوة إلى التمسك بالسلف الصالح أصبحت اليوم شعار الخلف كان لا بدّ من الرجوع إلى أولئك السلف؛ لنرى أين كانوا؟ أو تحت أي راية ساروا؟ وإلى أي فئة انتسبوا؟ وأي سنّة أحيوا؟ وأي بدعة أماتوا؟.

ولأجل ذلك ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم مكنزًا معرفيًا يعيد رسم صورة الإسلام، ويوضح الطريق لمن تشوّق لمعرفة رجال صدقوا في إيمانهم، وكانوا دعاة ربانيين للإسلام، وعاملين مجدين في بناء الحضارة الإنسانية منذ أن شرّفهم الله بالإسلام، وصحبة رسوله الأكرم (صلی الله عليه وآله)، والتمسك بأخيه ووصيه وخليفته في أمته، وولي من كان المصطفى (صلى الله عليه وآله) نبيه.

ص: 9

فكانوا صحابة وموالين، وسلفًا صالحًا، لمن أراد أن يعلم من هم السلف الصالح، ومن أميرهم ومولاهم حتى قال فيهم الحاكم النيسابوري في مستدرکه نقلًا عن الحكم: (شهد مع علي - معركة - صفين ثانون بدریًا وخمسون ومئتان ممن بايعوا تحت الشجرة)، ولأجل معرفة هؤلاء (البدريون والشجريون) الذين كانوا يقاتلون تحت راية الإمام علي (عليه السلام) في حربه للفئة الباغية معاوية، وحزبه وأشياعه، وممن لم يشتركوا لكنهم عرفوا بموالاتهم لعلي (عليه السلام).

ولذا شرعت المؤسسة بالبحث والدراسة لهذا السلف الصالح، وبيان شخصيتهم وسيرتهم العطرة، ضمن سلسلة تصدر تباعًا والموسومة ب(سلسة حياة السلف الصالح صحابة الإمام علي عليه السلام) فقدمنا منهم الصحابة البدريين والسابقين من المهاجرين والأنصار فإن وفقنا الله لإكمالهم شرعنا بأهل البيعة تحت الشجرة.

وكان البحث الموسوم ب(أبو الهيثم مالك بن التيهان: السابق في المناقب حياته وشعره) الذي درس الباحثُ فيه حياة هذا الصحابي الجليل، الذي يُعد من حواري أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإن هذا الكتاب يكشف عن شخصية إسلامية عالية المضامين قد ضلمها التاريخ وتجاهلتها أقلام الباحثين لا لذنبٍ سوى تهالكها في نصر أمير المؤمنين (عليه السلام) فجزى الله الباحث كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

والحمد لله ربّ العالمين

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدِّمة

الْحَمْدُ لله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، کَانَ حَیًّا بِلَا كَيْفٍ ولَمْ يَكُنْ لَه کَانٌ، ولَا کَانَ لِکَانِه کَيْفٌ، ولَا كَانَ لَه أَيْنٌ ولَا كَانَ فِي شَيْءٍ ولَا كَانَ عَلَى شَيْءٍ، ولَا ابْتَدَعَ لِکَانِه مَکَانًا... والصلاة والسلام على العبد المؤيد، والرسول الأحمد، الفاتح لما سبق، والخاتم لما انغلق، والمعلن الحق بالحق، وعلى أهل بيته الذين هم يُستعطَى الهدى، ویُستجلَى العمي..

أمَّا بعد فإنَّ البحث في الشخصيات التي والت أهل البيت (عليهم السلام)، وعارضت فيهم الحُكَّام يعلوه الشجن وتلفُّه المصاعب، فالأول، متأتٍ من حجم الظلم الذي أصاب هذه الشخصيات على الرَّغم من دورها الفاعل في تثبيت الإسلام والذَّبِّ عنه، فضلًا عن السبق إليه، وما يرفع من سقف الحزن أنَّك تجد كتب التاريخ والمآثر والسير... الخ تعجُّ برصف الفضائل والمآثر والمناقب والمكارم، وتطنب مسهبةً في التسطير لنکراتٍ غاية مايوصفون بأنَّهم أسلمة الفتح والطلقاء، وتجد في المقابل الإيجاز والاختصار والكلام على استحياء في شخصيِّاتٍ شکَّلت ورصفت لبنات الإسلام الأولى، واستمرَّت على ذات نهجها إلى آخر نبضها، ولم يكن لهم ذنب سوى أنَّهم ساروا في طريق يقلُّ سالكيه، ولذلك استوحشتهم

ص: 11

أقلام السلطة وكتَّابها، ولم يفقه كتبة التاريخ أنَّهم بفعلهم هذا قد فارقوا أسلوب البلاغة، إذ أنَّهم أطنبوا في موضع الإيجاز، وأوجزوا في موضع الاطناب، ومن هنا تنبثق السمة الأخرى، وهي المصاعب التي تلفُّ البحث عن الشخصيات الموالية لأهل البيت (عليهم السلام)، وخصوصًا الصحابة منهم، وذلك لندرة الحديث عنهم ممَّا يتطلَّب من الباحث مضاعفة الجهد في التنقيب والبحث عن المعلومات التي تناولت حياتهم ومناقبهم.

ومن الشخصيات التي ظُلِمت كثيرًا هي شخصية أبي الهيثم مالك بن التيهان (رضوان الله عليه)، إذ لم يذكر له التاريخ إلَّا نُتفًا من هنا وهناك، على الرغم من دوره الفاعل والمؤثِّر في الإسلام، فهو أوَّل من بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأنصار في مكَّة المكرَّمة، وأوَّل من أعلن إسلامه في المدينة، وأوَّل من أجاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى جهاد الناكثين، وأوَّل من تقدَّم من المهاجرين والأنصار حين اشتدَّ القتال في صفِّين، ولم يرجع حتَّى استشهد (رضوان الله عليه)، فضلًا عن حضوره العقبتين، واختياره نقيبًا في موضعين من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله تعالى.

وعلى الرغم من ذلك کُلِّه لم يُسلَّط الضوء على هذه الشخصية المباركة، وما أشكُّ في أنَّ السبب من ذلك هو موالاة أبي الهيثم لأمير المؤمنين علي (عليه السلام). ومن هنا حاولنا في هذا الكتاب انصاف هذا الرجل ولو بشيء يسير، فعقدنا العزم لتتبِّع أخباره ومناقبه ورصد مفاصل حياته وشعره؛ لنُخرج للقارئ الكريم بعضًا من مکارمه (رضوان الله عليه) حتَّى يتعرف على هذه الشخصية عن كثبٍ، ويأخذ منها العبر، ويستقي منها أصول الاتباع السليمة والنقية لمحمد وآله (صلوات الله عليهم).

ص: 12

وقد وسمنا هذا الكتاب ب(أبو الهيثم مالك بن التيهان السابق في المناقب حياته وشعره)، فأخذنا بالنظر سمة السبق عنده في المناقب سواء أكان مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيعته له وفي إعلانه للإسلام أم مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في سبقه في الإجابة لحرب الناكثين وكذلك الباغين.

أمَّا خطَّة الدِّراسة فقد اقتضت مادَّة البحث أن تكون على محورين سبقهما تمهید کشف النقاب عن ماهية السبق عند أبي الهيثم (رضوان الله عليه). وأمَّا محورا الدراسة فقد تكفَّل الأوَّل ببيان حياة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والآخر، بيَّن أدوار أبي الهيثم (رضوان الله عليه) مع الإمام علي (عليه السلام)، وقد اتَّبعنا في هذه الدِّراسة المنهج التاريخي والتحليلي، وذلك عن طريق رصد الظاهرة التاريخية ثمَّ تحليلها بشكل موجز غير مخل.

وفي الختام فإنَّنا لا ندَّعي أنَّنا قد أحطنا بهذه الشخصية من جميع جوانبها، وإنَّما غاية الأمر أنَّنا بذلنا جهدنا وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم....

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين المؤلف

ص: 13

ص: 14

التمهید: سابقة أبي الهيثم في المناقب

في المواقف تولد الرجال، وينكشف الوجه الحقيقي للإنسان، وفي المواقف تنكشف القادة، وتبرز شجاعة الرجال، وخصوصًا في المواقف العسيرة والصعبة، فهي تُعدُّ محطَّاتُ ابتلاءٍ وتمحيص لا يتخطَّاها إلَّا من روَّض نفسه على الشجاعة وربَّاها على الإقدام.

وعندما نطالع حياة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) نجده السابق إلى المكارم في المواقف الحرجة، فهو لا يسعى إلى تسجيل موقف هامشي في الصعاب، وإنَّما يسعی إلى السبق في الفضيلة بحيث لا يكون أحد قبله، ليكون المركز الذي تدور حوله الأفلاك، وكان يأبى أن يكون جرمًا هامشيًا تتجاذبه الكثرة أينما حلَّت، وعنصر السبق إلى الفضيلة له خاصيَّة غاية في الروعة، وهي أنَّ الأوَّل هو من يفتح المسار لمن بعده، وهو من يشقُّ غبار الخوف ليمنح من بعده دفعةً من الإصرار على المواجهة والاقدام، ومن هنا تبرز فضيلة الأول السابق لغيره، وکُلَّما كان الأول عزيزًا في موقفه، صارمًا في ثباته، ثابتًا في إقدامه، خلَّف سلسلةً قوَّيةً من بعده؛ لأنَّها تستمدُّ وجودها من مُبدئها وفاتِقها.

وهكذا كان أبو الهيثم، مقدامًا في الشدائد، ضرغامًا في المواقف، لا تهزُّه ریاح المصاعب، ولا تثني عزمه شدَّة المواقف، فهو أوَّل من أعلن إسلامه من أهل يثرب في مكة المكرَّمة، وأوَّل من بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأنصار

ص: 15

في العقبة(1)، وأوَّل من أجاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى جهاد الناكثين(2)، وأوَّل من تقدَّم من المهاجرين والأنصار حين اشتدَّ القتال في صفِّين، ولم يرجع حتَّى استشهد (رضوان الله عليه)(3).

وكلُّ هذه المواقف غاية في الشدَّة، فإعلان الإسلام والبيعة لرسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) يُعدَّان بمثابة إعلان حرب لقريشٍ وحلفائها، وقریش کانت في أوجِّ عزِّتها، ولكن كل ذلك لم يُشكِّل عائقًا أمام أبي الهيثم (رضوان الله عليه) بعدما تیقن من سلامة موقفه وصحة عقيده، وكذلك إجابته للجهاد مع أمير

ص: 16


1- الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى، 1968 م: 3 / 341، البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي (المتوفي: نحو 355 ه)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد، (د ط)، (د ت): 4 / 165، المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة، عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق، ابن مندة العبدي الأصبهاني، أبو القاسم (المتوفي: 470 ه)، تحقيق: أ. د. عامر حسن صبري التَّميميُّ، وزارة العدل والشئون الإسلامية البحرين، إدارة الشئون الدينية، (د)، د ت): 1 / 112، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، شمس الدين أبو المظفر یوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله المعروف ب«سبط ابن الجوزي» (581 - 654 ه)، تحقيق وتعليق: محمد بركات، دار الرسالة العالمية، دمشق - سوريا، الطبعة: الأولى، 1434 ه - 2013 م: 5 / 345، الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفي: 1396 ه)، دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مایو 2002 م: 5 / 258
2- ينظر: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (المتوفي: 808 ه)، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بیروت، الطبعة: الثانية، 1408 ه - 1988 م: 2 / 606
3- ينظر: الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، (المتوفى: 314 ه)، تحقيق: علي شيري (ماجستر في التاريخ الإسلامي)، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة: الأولى، 1411 ه: 3 / 177

المؤمنين (عليه السلام)، ويبدو أنَّ هذه المواقف كان لها أثرًا في اختياره من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون نقيبًا من النقباء الاثني عشر، على أنَّه كان الأول من بين الذين وقع عليهم اختیار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وهذه السمة (السبق في المناقب) قد شکَّلت إضاءةً بارزةً في حياة أبي الهيثم مالك بن التيهان (رضوان الله علیه)؛ لأنَّها قد تكررت منه في أكثر من موقف خلال حياته.

ص: 17


1- الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، الوفاة: 334، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1411 - 1991 م، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان: 82

ص: 18

الفصل الأول حياة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 19

ص: 20

المبحث الأول: اسمه ونسبه

نسبه:

هو ((أَبُو الْهَیْثَمِ مَالِكُ بْنُ التَّيِّهَانِ بْنِ عتيك بْنِ عَمْرِو بْنِ عبد الْأَعْلَمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الأَوْسِ))(1).

وقيل: ((مالك بْن بلي بْن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة حليف لبني عَبْد الأشهل))(2). وأمُّه ((ليلى بِنْت عتيك بْن عَمْرو بْن عَبْد الأعلم بْن عامر بْن زعوراء بْن جشم بْن الْحَارث بن الخزرج بن عمرو. وهو النبيت. وكان أَبُو

ص: 21


1- طبقات خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (المتوفى: 240 ه)، رواية أبي عمران موسی بن زکریا بن يحيى التستري (ت ق 3 ه)، محمد بن أحمد بن محمد الأزدي (ت ق 3 ه)، تحقيق: د سهیل زکار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (1414 ه - 1993 م): 1 / 141، معجم الصحابة، أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق الأموي بالولاء البغدادي (المتوفي: 351 ه)، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1418 ه: 3 / 376، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345
2- الطبقات الکبری: 3 / 341 - 342، طبقات خليفة بن خياط: 1 / 141، الاستیعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفي: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بیروت، الطبعة: الأولى، 1412 ه - 1992 م: 3 / 1348 - 1349، تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (508 ه - 597 ه)، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بیروت، الطبعة: الأولى، 1997 م: 1 / 93، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345

الهيثم وأخوه آخر وُلد عَمْرو بْن جشم وقد انقرضوا فلم يبق منهم أحد))(1). ((والتَّيِّهان: فَیعِلان من التِّيه، من قولهم: تاه يَتِيه تيهًا وتَيْهَانًا، إذا تاهَ على وجهه))(2).

((وابنته (اميمة) بنت مالك بن التّيهان بن مالك من النساء المبايعات لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)))(3)، وهو من خيار الصحابة(4)، ومن سادات الأوس(5)، ومن صالحي الأنصار(6)، ومن الطبقة الأولى منهم(7)، وكان يُعدُّ من خطبائهم المتقدِّمين(8)، وهو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه

ص: 22


1- الطبقات الکبری: 3 / 341 - 342، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345
2- الاشتقاق، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفي: 321 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1411 ه - 1991 م: 1 / 445
3- المحبر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (المتوفي: 245 ه)، تحقيق: إيلزة ليختن شتیتر، دار الآفاق الجديدة، بیروت: 1 / 417
4- تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، تحقيق: الدكتور بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م: 3 / 221
5- ينظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي (المتوفى: 1408 ه)، دار الساقي، الطبعة: الرابعة 1422 ه / 2001 م: 7 / 137
6- ينظر: مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة، الطبعة: الأولى 1411 ه - 1991 م: 1 / 32
7- ينظر: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345
8- ينظر: معرفة الصحابة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفي: 430 ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى 1419 ه - 1998 م: 5 / 2447

السلام)(1)، ولذلك هو من ((الجماعة الذين وثَّقهم الأئمّة (عليهم السلام)، أو أثنوا عليهم، أو أمروا بالرجوع إليهم))(2).

لُقِّب أبو الهيثم بن التيهان بذي السَّيفَين؛ لأنَّه ((كان يتقلد سَيفَين في الحرب))(3)، وهذا إن دلَّ فإنَّه يدلُّ على شجاعته وبسالته وقوَّة إقدامه في الحرب، إذ الفارس الشجاع المقدام يبحث دائمًا عن علامة فارقة تميَّزه عن أقرانه، يتَّخذ منها عنوانًا عسكريَّا له يُرهب به أعداءه، وقد اختار أبو الهيثم أن يتقلد سيفين في حروبه، وهذا الاختيار یُحتِّم عليه أن يكون في مقدِّمة العسكر وفي أوَّل النزال؛ وإلَّا لا يكون جديرًا بهذا اللقب.

ولذا فنحن أمام شخصية إسلامية رافقت اللبنات التأسيسية الأولى للإسلام، وأفنت عمرها في سبيل نصرته وإدامته ونشره، وقد رافق أبو الهيثم رسول الله (صلى

ص: 23


1- ينظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، (المتوفي: 460 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق: میر داماد الأسترابادي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404 ه - قم: 1 / 187، مستدرکات علم رجال الحدیث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، (المتوفي: 1405)، حيدري - طهران، الطبعة: الأولى، محرم الحرام 1415
2- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام)، الحر العاملي، (المتوفي: 1104 ه)، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، الطبعة: الأولى، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية - مشهد - ایران: 8 / 576
3- الكامل في اللغة والأدب، محمد بن یزید المبرد، أبو العباس (المتوفي: 285 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي - القاهرة، الطبعة الثالثة 1417 ه - 1997 م: 4 / 84، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 2 / 477، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري (المتوفي: 821 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت: 1 / 516، المحاضرات والمحاورات، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفي: 911 ه)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى : 1 / 425

الله عليه وآله وسلم) في كافة المراحل التي تلت هجرته المباركة، ولم يبخل بنفسه في سبيل نصرة دين الله تعالى، ثمَّ بعد ذلك لزم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكان من خيرة أنصاره ومحبيه حتَّى ختم حياته الكريمة بالشهادة بين يديه في ميدان الكرامة الذي فصل بين الحقِّ والبغي صفِّين الإباء، فكان شهيدًا کریمًا بين يديّ إمامه الحقِّ علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه).

فكانت حياة هذا الصحابي الجليل مليئةً بالفضائل والمفاخر والسمو والرفعة، ولذلك فهو من المحطَّات النيرة في حياة الإسلام. ومن هنا وجدنا من الواجب إحياء ذكر هذه الشخصية بتتبع أخبارها وذكر مآثرها، وهذا أقلُّ الوفاء...

إسلامه:

مفهوم التوحيد لم يكن غائبًا عن سکَّان شبه الجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام، إذ كان نفر منهم يؤمنون بالإله الواحد، ويرفضون فكرة عبادة الأصنام، وكلَّ العاداتِ العبادية المنحرفة التي كان يؤمن بها أكثر سکَّان شبه الجزيرة العربية.

وقد نقل الشريف المرتضى (ت: 436 ه) عن (کتاب المقالات) لعيسى الوراق قال: ((ومن كان يقر بالخالق وابتداء الخلق والإعادة والثواب والعقاب، عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة الأيادي النزاري... وقد زعم بعض الناس أنَّ عبد المطلب لم يعبد صنمًا، وأنه كان موحدًا حنيفًا على ملة إبراهيم، وكذلك كان أبو النبي صلى الله عليه وآله))(1).

فكان عبد المطلب (عليه السلام) من الموحدين المخلصين الله تعالى، وكان ((يأمر أولاده بترك الظلم والبغي، ويحثَّهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن

ص: 24


1- رسائل الشريف المرتضى، الشريف المرتضى (المتوفي: 436 ه)، تحقيق: تقديم: السيد أحمد الحسيني / إعداد: السيد مهدي الرجائي، مطبعة الخيام - قم، 1405 ه: 3 / 224

دنيَّات الأمور))(1)، وعندما قدم أبرهة الحبشي إلى الكعبة يريد هدمها، قال له عبد المطلب - وكان سيد مكَّة -: ((إنَّ لهذا البيت ربًا يحفظه ويذبُّ عنه))(2). ومقولته هذه لم تأتِ من فراغ، وإنَّما جاءت من عقيدة راسخة وإيمان صادق.

ومنهم أيضا زید بن عمر الذي ((تَرَكَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَفَارَقَ دِينَهُمْ وَكَانَ لا يأكل إِلَّا مَا ذُبِحَ عَلَى اسْمِ الله وَحْدَهُ))(3). ذكرته أسماء بنت أبي بكر فقالت عنه: ((لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِ، وبْنِ نُفَيْلٍ شَيْخًا كَبِيرًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَلَّذِي نَفْسُ زَیْدِ بْن عَمْرٍ بِيَدِهِ، مَا أَصْبَحَ مِنْکُمْ أَحَدٌ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ غَيْرِي))(4)، وكان كثيرًا ما يدعو قومه إلى التمسُّك بدين إبراهيم (عليه السلام)، ((وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: إِلَهِي إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَدِينِي دِينُ إِبْرَاهِيمَ))(5)، وكان يرفض عبادة الأصنام ويقول: ((اللَّهم إِنيِّ لَوْ أَعْلَمُ أَحَبَّ

ص: 25


1- الملل والنحل، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548 ه)، مؤسسة الحلبی، (د ط)، (د ت): 3 / 83
2- الملل والنحل: 3 / 84
3- البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفي: 774 ه)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1418 ه - 1997 م، 1424 ه / 2003 م: 3 / 316
4- السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213 ه)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375 ه - 1955 م: 1 / 225
5- السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، 1395 ه - 1976 م: 1 / 154

الْوُجُوهِ إِلَيْكَ عَبَدْتُكَ بِهِ وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُ يَسْجُدُ عَلَى رَاحِلَتهِ))(1)، ((وَكَانَ يُحْيِي الموؤودة يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: مهلًا لا تقتلها أنا أكفيك مؤونتها، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها))(2).

ومنهم قس بن ساعدة الأيادي، الذي يقول في بعض مواعظه: ((شَرْقٌ وَغَرْبٌ، وَيُتْمٌ وَحِزْبٌ، وَسِلْمٌ وَحَرْبٌ، وَیَابِسٌ وَرَطْبٌ، وَأُجَاجٌ وَعَذْبٌ، وَشُمُوسٌ وَأَقْمَارٌ، ورياح وأمطار، وليل ونهار، وإناث وذكور، وبرار وبحور، وَحَبٌّ وَنَبَاتٌ، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَاتٌ، وَجَمْعٌ وَأَشْتَاتٌ، وَآيَاتٌ فِي إِثْرِهَا آیَاتٌ، وَنُورٌ وَظَلَامٌ، وَیُسْرٌ وَإِعْدَامٌ، وَرب وأصنام، لقد ضل الأنام، نشو مَوْلُودٍ، وَوَأْدُ مَفْقُودٍ، وَتَرْبِيَةُ مَحْصُودٍ، وَفَقِيرٌ وَغَنِيٌّ، ومحسن و مسئ، تَبًّا لأَرْبَابِ الغَفْلَةِ، لَيُصْلِحَنَّ الْعَامِلُ عَمَلَهُ، وَلَيَفْقِدَنَّ الْآمِلُ أَمَلَهُ، کَلَّا بَلْ هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، لَيْسَ بِمَوْلُودٍ وَلَا وَالِدٍ، أَعَادَ وَأَبْدَى، وَأَمَاتَ وَأَحْيَا، وَخَلَقَ الذَّکَرَ وَالْأُنْثَی، رَبُّ الْآخِرَةِ وَالأُولَى))(3).

وقس ممَّن تنبأ بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان يقول مبشِّرًا: ((أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ للهَّ له دِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِینِکُمْ هَذَا الَّذِي أَنتُمْ عَلَيْهِ وَهَذَا زمانه وأوانه))(4)، وقد ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عنه: ((رَحِمُ الله قُسَّا، يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةٍ وَحْدَهُ))(5)، وكان النبي محمد

ص: 26


1- سيرة ابن إسحاق (کتاب السير والمغازي)، محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني (المتوفي: 151 ه)، تحقيق: سهیل زکار، دار الفكر - بيروت، الطبعة: الأولى 1398 ه / 1978 م: 116
2- الطبقات الکبری: 3 / 291
3- البداية والنهاية: 3 / 30 - 36
4- البداية والنهاية: 2 / 293
5- کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق (المتوفي: 381 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، محرم الحرام 1405 - 1363 ش: 167، ينظر: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، أبو نعیم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 ه)، تحقيق: الدكتور محمد رواس قلعه جي، عبد البر عباس، دار النفائس، بيروت الطبعة: الثانية، 1406 ه - 1986 م: 1 / 103

الله عليه وآله وسلم) يسأل من يقدم عليه من أيادٍ عن قس وعن حكمه، وكان يطلب منهم أن ينشدوه شيئًا منها(1).

ومثل قسٍّ كثير من الأشخاص ممَّن تنبَّأ بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ((ولادته وبعد ولادته، وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوة، ومن قبل ظهور دعوته وذلك مثل سلمان الفارسي (رحمه الله)... ومثل تبع الملك، ومثل عبد المطلب، و أبي طالب، ومثل سيف بن ذي يزن، ومثل بحيرى الراهب، ومثل كبير الرهبان في طريق الشام، ومثل أبي مويهب الراهب، ومثل سطيح الكاهن، ومثل يوسف اليهودي، ومثل ابن حواش الحبر المقبل من الشام، ومثل زید بن عمرو بن نفيل، ومثل هؤلاء كثير ممن قد عرف النبي (صلى الله عليه وآله) بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده))(2).

ومن هؤلاء الموحدين قبل ظهور الإسلام أبو الهيثم مالك بن التيهان، الذي كان يكره الأصنام ويؤفف بها، ويقول بالتوحيد(3)، ويرى بأنهَّا لا تنفع ولا تضر

ص: 27


1- کمال الدین وتمام النعمة: 167
2- کمال الدین وتمام النعمة: 29
3- الطبقات الکبری: 3 / 342، سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، الطبعة: 1427 ه - 2006 م: 3 / 121، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، جمال الدين أبو، الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفي: 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفی عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بیروت، الطبعة: الأولى، 1412 ه - 1992 م: 4 / 305، الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفي: 1396 ه)، دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مایو 2002 م: 5 / 258

ولا تشفع؛ ولذلك لم يعبدها(1)؛ بل لم يتقرَّب إليها(2)، ولم يكن موحدًا فحسب، وإنَّما كان ممَّن يتكلم بالتوحيد مع أسعد بن زرارة في يثرب(3)، ((وكان يقول: في الجاهلية لا إله إلا الله))(4) فكان أبو الهيثم بن التيهان صاحب فطرة سليمة، أهلته أن يرفض عبادة الأصنام ويدعو إلى التوحيد، وهو عبادة الإله الواحد مُتبعًا في ذلك ملة إبراهيم (عليه السلام) ولم يكن من المشركين، ولذلك فهو آمن بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمجرد سماع دعوته وحضوره بين يديه، فكان أوَّل من أعلن إسلامه من أهل يثرب في مكة المكرَّمة، وأوَّل من بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأنصار في العقبة(5).

وهذه المؤهلات تجعل من مالك بن التيهان محطة مهمة تستحق الوقوف عندها واستلهام العبر منها، فقضية سبقه الإيماني برسول الله (صلى الله عليه وآله

ص: 28


1- موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، تحقيق: مركز بحوث دار الحديث وبمساعدة: السيد محمد کاظم الطباطبائي، السيد محمود الطباطبائی نژاد، الطبعة: الثانية، دار الحدیث، 1425 ه: 12 / 46 - 47
2- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي (المتوفى: 1408 ه)، دار الساقي، الطبعة: الرابعة 1422 ه / 2001 م: 11 / 68
3- ینظر: البدء والتاریخ: 4 / 165، مرآة الزمان في تواریخ الأعیان: 3 / 148 - 149
4- البدء و التاريخ: 4 / 165
5- الطبقات الکبری: 3 / 341، البدء والتاريخ: 4 / 165، المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة: 1 / 112، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345، الأعلام: 5 / 258

وسلم) ووثوقه بما سمع ينمُّ عن استعداد روحي وتکامل نفسي استطاع عن طريقه أن يكون أرضًا خصبة صالحة لاستقبال فيوضات الوحي الإلهي، ثمَّ ما لبث أن سبق الجميع فمدَّ يده مُبايعًا لرسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) يفديه بالمال والنفس، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن ذا سلطان أو دولة، وإنَّما كان في بداية دعوته ولم يكن له أتباع إلَّا القليل القليل، وكانت جُلُّ قريش في هذه المرحلة تُعاديه وتنصب له الحرب، وقريش لها من القوة أن تهابها كل العرب، وكل هذه المعطيات لم تقف بوجه مالك بن التيهان ولم تثبِّط عزيمته، فكان عارفًا بالمسار الذي يسير باتِّجاهه والعواقب التي يمكن أن تُخلفها خطوته باتِّباع هذا النبي الذي يُحاربه قومه.

ص: 29

ص: 30

المبحث الثاني: قصَّة إسلامه (بيعة العقبة الأولى والثانية)

أولًا / بيعة العقبة الأولى (إسلام أبي الهيثم):

أبو الهيثم بن التيهان عقبي(1)شهد العقبتين: الأولى والثانية(2)، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء الاثني عشر(3)، ((أَجَمْعُوا عَلَى ذَلِكَ کُلُّهُمْ))(4).

وأبو الهيثم أوَّل من أسلم من الأنصار بمكة، وعُدَّ من الستة(5)، وقيل الثمانية(6)الذين وفدوا إلى مكة والتقوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل قومهم وأسلموا، ثمَّ عادوا إلى المدينة وأفشوا بها الإسلام(7). ممَّا يعني أنَّ أبا الهيثم

ص: 31


1- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير: 1 / 93، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 4 / 305، المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة: 1 / 112، البداية والنهاية، 10 / 105 - 106
2- مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345
3- ينظر: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة: 1 / 112، تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير: 1 / 93، البداية والنهاية: 10 / 105 - 106، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3 / 221
4- الطبقات الکبری: 3 / 448
5- ينظر: المصدر نفسه
6- ينظر: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345
7- ينظر: الطبقات الکبری: 3 / 448، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345

لم يكتفِ بأن أسلم بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنَّما راح يصدح في يثرب داعيًا إلى الإسلام بمعيَّة من أسلم معه، وبذلك نال شرف السبق إلى الإسلام وفضيلة الدعوة إليه.

أمَّا قصَّة إسلامه وبيعته في العقبة فيمكن أن نلخصها بأنَّ رَسُول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صار يجتمع بالناس في موسم الحج فيدعوا القبائل إِلَى الله وَإِلَى الإِسلَامِ، وَيَعْرِضُ عليهم رسالته وما جاء به من الله تعالى مِنَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ، وَلَا يَسْمَعُ بوافد يفد مَكَّةَ مِنَ الْعَرَبِ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ، إِلَّا تَصَدَّى لَهُ وَدَعَاهُ إِلَى الله تَعَالَى، وَعَرضَ عَلَيْهِ مَا ِعنْدَهُ من الآيات البينات، والشواهد المحكمات.

وفي أحد المواسم قَالَ (صلى الله عليه و آله) لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ: ((یَا عَمِّ، إِنَّ الله (عَزَّ وَجَلَّ) نَاصِرُ ديِنَهُ بِقَوْمٍ يُهَوَّنُ عَلَيْهِمْ رَغْمَ قُرَيْشٍ عِزًّا فِي ذَاتِ الله تَعَالَى، فَامْضِ بِي إِلَى عُکَاظٍ؛ فَأَرِنِي مَنَازِلَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ إِلَى الله (عَزَّ وَجَلَّ)، وَإِنْ یَمْنَعُونِي وَيُؤْوُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنِ الله (عَزَّ وَجَلَّ) مَا أَرْسَلَنِي بِهِ))(1).

فَقَالَ الْعَبَّاسُ: ((يَا ابْنَ أَخِي امْضِ إِلَى عُکَاظٍ فَأَنَا مَاضٍ مَعَكَ حَتَّى أَدُلَّكَ عَلَى مَنَازِلِ الْأَحْيَاءِ))(2)، فبدأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنازل ثَقيف، ثم

ص: 32


1- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفي: 430ه)، حققه: الدكتور محمد رواس قلعه جي، عبد البر عباس، دار النفائس، بیروت، الطبعة: الثانية، 1406 ه - 1989م: 1 / 302، ينظر: معرفة الصحابة، أبو نعیم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفي: 430 ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى 1419 ه - 1998 م: 5 / 2447
2- حياة الصحابة، محمد یوسف بن محمد إلياس بن محمد إسماعيل الكاندهلوي (المتوفي: 1384 ه)، حققه، وضبط نصه، وعلق عليه: الدكتور بشار عوّاد معروف، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 ه - 1999 م: 1 / 122

استقرى القبائل الوافدة إلى البيت في سنته، ولمَّا كان العام المقبل في موسم الحج انطلق إلى منازل العرب الوافدة إلى مكة حتَّى لقي الستة نفرٍ الخزرجيين والأوسيين - کما ذهب إلى ذلك الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ(1)- وهم: ((أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَأَبُو الْهَیْثَمِ بْنُ التَّیْهَانِ وَعَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِیعِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ))(2)، وقد لقيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أیَّام مِنًی عند جَمرة العقَبَة ليلًا، فجلس إليهم وحاورهم فيما أرسله الله تعالى، ثمَّ دعاهم إلى عبادته سبحانه وحده لا شريك له، والموازرة على دينه الذي بعث به الأنبياء والرسل، فسألوه أنْ يقرأ عليهم بعض ما أُوحي إليه، فقرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) سورة إبراهيم: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ»(3)- إلى آخر السورة، فرقَّ القوم وأخبتوا حين سمعوا وأجابوه(4).

وفي هذه الأثناء مرَّ العباس بن عبد المطلب والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يُكلمهم ويُكلمونه فعرف صوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : ((ابْنَ أَخِي مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَكَ؟ قَالَ:یَا عَمِّ،سُکَّانُ یَثْرِبَ؛الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ،فَدَعْوَتُهُمْ إِلَی مَا دَعَوْتُ إِلَیْهِ مِنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَحْیَاءِ فَأَجَابُونِي وَصَدَّقُونِي وَذَکَرُوا أَنَّهُمْ یُخْرِجُونَنِي إِلَی بِلَادِهِمْ))(5)، وعند ذلك نزل العباس وعقل راحلته ثمَّ قال:

ص: 33


1- البداية والنهاية: 3 / 182
2- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 302
3- سورة إبراهيم: الآية 35
4- ينظر: حياة الصحابة: 1 / 122
5- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 302

((يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ والْخَزْرَجِ، هَذَا ابْنُ أَخِي وَهُوَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَإِنْ کُنْتُمْ قَدْ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ وَأَرَدْتُمْ إِخْرَاجَهُ مَعَكُمْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ عَلَیْکُمْ مَوْثِقًا تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي، وَلَا تَخْذِلُوهُ، وَلَا تَعْدُوهُ، فَإِنَّ جِيرَانَكُمُ الْيَهُودُ وَهُمْ لَهُ عَدُوٌّ، وَلَا آمَنُ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِ))(1).

فقام أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وقد شُقَّ عليه قول العباس لما فيه من التُّهمة له ولأصحابه فقال: ((یَا رَسُولَ الله ائْذَنْ لَنَا فَلْنُجِبْهُ غَيْرَ مُخَشِّنِينَ بِصَدْرِكَ وَلَا مُتَعَرِّضِينَ لِشَيْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ إِلَّا تَصْدِيقًا لِإِجَابَتِنَا إِيَّاكَ وَإِيمَانًا بِكَ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: أَجِيبُوهُ غَيْرَ مُتَّهَمِينَ))(2)، فأقبل أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ عَلىَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بِوَجْهِهِ وقال: ((یَا رَسُولِ الله إِنَّ لِکُلِّ دَعْوَۃٍ سَبِيلًا إِنْ لِينٌ وَإِنْ شِدَّةٌ وَقَدْ دَعَوْتَ الْيَوْمَ إِلَى دَعْوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ لِلنَّاسِ مُتَوَعِّرَةٍ عَلَيْهِمْ، دَعَوْتَنَا إِلَى تَرْكِ دِینِنَا وَاتِّبَاعِكَ عَلَى دِينِكَ وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَدَعَوْتَنَا إِلَى قَطْعِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْجِوَارِ وَالْأَرْحَامِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ فَاجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَکُلُّ هَؤُلَاءِ الرُّتَبِ مَکْرُوهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ عَزَمَ الله عَلَی رُشْدِهِ وَالْتَمَسَ الْخَیْرَ فِي عَوَاقِبِهَا، وَقَدْ أَجَبْنَاكَ إِلَی ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا وَصُدُورِنَا وَأَیْدِینَا؛ إِیمَانًا بِمَا جِئْتَ بِهِ وَتَصْدِیقًا بِمَعْرِفَةٍ ثَبَتَتْ فِي قُلُوبِنَا، نُبَایِعُكَ عَلَی ذَلِكَ وَنُبَایِعُ رَبَّنَا وَرَبَّكَ یَدُ الله

ص: 34


1- معرفة الصحابة: 1 / 280، الموسوعة في صحيح السيرة النبوية، دراسة موثقة لما جاء عنها في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والروايات التاريخية المعتمدة علميًا مرتبة على أعوام عمر النبي صلى الله عليه وسلم (العهد المكي)، أبو إبراهيم، محمد إلياس عبد الرحمن الفالوذة، مطابع الصفا - مكة، الطبعة: الأولى، 1423 ه: 1 / 506
2- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 302، معرفة الصحابة: 5 / 2448، حياة الصحابة: 1 / 122

فَوْقَ أَيْدِينَا وَدِمَاؤُنَا دُونَ دَمِكَ، وَأَيْدِينَا دُونَ يَدِكَ، نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَإِنْ نَفِي بِذَلِكَ فَلِلَّهِ نَفِي وَإِنْ نَغْدِرْ فَبِالله نَغْدِرُ وَنَحْنُ أَشْقِيَاءُ، هَذَا الصِّدْقُ مِنَّا یَا رَسُولَ الله وَالله الْمُسْتَعَانُ))(1) ثُمَّ توجَّه تلقاء الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِوَجْهِهِ وقال له: ((وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لَنَا بِالْقَوْلِ دُونَ النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) وَالله أَعْلَمُ مَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ، ذَکَرْتَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيكَ وَأَحَبُّ النَّاس إِلَيْكَ فَنَحْنُ قَدْ قَطَعْنَا الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَذَا الرَّحِمِ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ الله أَرْسَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ لَیْسَ بِکَذَّابٍ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْبَشَرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْنَا فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَأْخُذَ مَوَاثِيقَنَا فَهَذِهِ خَصْلَةٌ لَا نَرُدُّهَا عَلَى أَحَدٍ أَرَادَهَا لِرَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ فَخُذْ مَا شِئْتَ))(2).

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: ((يَا رَسُولَ الله خُذْ لِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، وَاشْتَرِطْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئًا، وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَکُمْ وَأَبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَکُمْ قَالُوا: فَذلِكَ لَكَ یَا رَسُولَ اللّه))(3)وهنا التفت إليهم العباس وقال: ((عَلَيْكُمْ بِذَلِکُمْ عَهْدُ الله مَعَ عَهُودِكُمْ وَذِمَّةُ الله

ص: 35


1- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 303، حياة الصحابة: 1 / 122، الموسوعة في صحيح السيرة النبوية، دراسة موثقة لما جاء عنها في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والروايات التاريخية المعتمدة علميًا مرتبة على أعوام عمر النبي صلى الله عليه وسلم (العهد المكي): 1 / 507
2- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 301، حياة الصحابة: 1 / 123
3- الموسوعة في صحيح السيرة النبوية، دراسة موثقة لما جاء عنها في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والروايات التاريخية المعتمدة علميًا مرتبة على أعوام عمر النبي صلى الله عليه وسلم (العهد المكي): 1 / 507، معرفة الصحابة: 1 / 280

مَعَ ذِمَّتِکُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ تُبَایِعُونَهُ وَتُبَايِعُونَ الله الله رَبِّکُمْ یَدُ الله فَوْقَ أَيْدِیکُمْ لَتَجِدُّنَّ فِي نَصْرِهِ، وَلَتَشُدُّنَّ لَهُ مِنْ أَزْرِهِ، وَلَتُوفُنَّ لَهُ بِعَهْدِهِ بِدَفْعِ أَيْدِیکُمْ وَصَرْحِ أَلْسِنَتِکُمْ وَنُصْحِ صُدُورِکُمْ، لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَغْبَةٌ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهَا وَلَا رَهْبَةٌ أُشْرَفَتْ عَلَيْکُم، وَلَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِكُمْ، قَالُوا جَمِيعًا: نَعَمْ، قَالَ: الله عَلَيْکُمْ بِذَلِكَ رَاعٍ وَوَکِيلٌ، قَالُوا: نَعَم، قَالَ: اللهمَّ إِنَّكَ سَامِعٌ شَاهِدٌ وَإِنَّ هَذَا ابْنَ أَخِي قَدِ استَرْعَاهُمْ ذِمَّتَهُ وَاسْتَحْفَظَهُمْ نَفْسَهُ، اللهمَّ فَكُنْ لاِبْنِ أَخِي عَلَيْهِمْ شَهِيدًا. فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) مِنْ نَفْسِهِ وَرَضِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) بِمَا أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ کَانُوا قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ الله إِذَا أَعْطَيْنَاكَ ذَلكَ فَمَا لَنَا؟ قَالَ: رِضْوَانُ الله وَالْجَنَّةُ قَالُوا: رَضِينَا وَقَبِلْنَا))(1).

وفي هذه الأثناء يتدخل أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّیْهَانِ فيقبل عَلَى أَصْحَابِهِ ويقول لهم: ((أَلسْتُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ الله إِلَيْکُمْ وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي بَلَدِ الله الْحَرَامِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَمَوْلِدِهِ وَعَشِيرَتِهِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسْلِمِيهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَلَاءٍ يَنْزِلُ بِکُمْ فَالْآنَ؛ فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيکُمْ فِيهِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُکُمْ عَنِ الْأَنفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ فِي ذَاتِ الله (عَزَّ وَجَلَّ) فَمَا لَکُمْ عِنْدَ الله (عَزَّ وَجَلَّ) مِنَ الثَّوَابّ خَیْرٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِکُمْ، فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا: لَا بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ))(2).

وفي أثناء هذه المحاورة يتدخل عَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ ويقول: ((خَلِّ بَیْنَنَا یَا أَبَا

ص: 36


1- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 304، حياة الصحابة: 1 / 122
2- سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني: 1 / 660

الْهَيْثَمِ حَتَّی نُبَایِعَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآلهِ] وَسَلَّمَ))(1).

فيسارع أَبُو الْهَیْثَمِ إِلَى مبايعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول: ((أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الاِثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِیلَ مُوسَی بْنَ عِمْرَانَ «عَلَيْهِ السَّلَامُ»))(2) فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ: ((أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ الله عَلَى مَا بَایَعَ عَلَيْهِ الاِثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ))(3).

وَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ: ((أُبَايِعُ الله وَأُبَایِعُ رَسُولَ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلهِ] وَسَلَّمَ) عَلَى أَنْ أُتِمَّ عَهْدِي بِوَفَائِي وَأُصَدِّقَ قَوْلِي بِفِعْلِي وَنُصْرَتِكَ))(4) وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَاِثَةَ: ((أُبَايِعُ الله یَا رَسُولَ الله، وَأُبَايِعُكَ عَلَى الْإِقْدَامِ فِي أَمْرٍ الله لَا أُرَاقِبُ فِيهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، فَإِنْ شِئْتَ وَالله يَا رَسُولَ الله مِلْنَا بِأَسْيَافِنَا هَذِهِ عَلَى أَهْلِ مِنًی، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلهِ] وَسَلَّمَ): لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ))(5) وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: ((أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ الله عَلَى أَنْ لَا تَأْخُذَنِي فِي الله لَوْمَةُ

ص: 37


1- دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه)، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، الطبعة: الأولى - 1408 ه - 1988 م: 2 / 306، معرفة الصحابة: 5 / 2448
2- معرفة الصحابة: 5 / 2448، السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون)، علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج، نور الدين ابن برهان الدين (المتوفى: 1044 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الثانية - 1427 ه: 2 / 24
3- دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسَرْوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 306، السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون): 2 / 24
4- السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون): 2 / 24
5- معرفة الصحابة: 5 / 2663، السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون): 2 / 24

لَائِمٍ))(1) وَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: ((أُبَايِعُ الله یَا رَسُولَ الله وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا أَعْصِيَکُمَا وَلَا أَكْذِبَکُمَا حَدِيثًا))(2).

وإلى هنا انتهى اللقاء وانصرف القوم إلى بلادهم مسرورين بما سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الوحي والجزاء الأخروي، ولمَّا قدموا المدينة بدأوا يذكرون أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابهم، وصاروا يدعون إلى الإسلام حتَّی فشا الإسلام في المدينة ولم تبقَ دار من دور المدينة إلَّا وفيها خبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته، حَتَّی إِذا كَانَ الْعَام الْمقبل وافي الْمَوْسم من الْأَنْصَار اثْنَا عشر رجلًا(3)، وهم ((من بني زريق أَسْعَدُ زُرَارَةَ، وَعَوْفٌ وَمُعَاذٌ وَهُمَا ابْنَا الْحَارِثِ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ، وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَیَزِیدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ عَوْفٍ عَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ. وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِئٍ، وَمِنْ بَنِي سَوَّادٍ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حديدة، فهؤلاء عشرة من الخزرج. والأوس رَجُلانِ أَبُو

ص: 38


1- دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسَرْوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 306
2- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفي: 430 ه): 1 / 309، السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون): 2 / 24
3- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري الدرعي الجعفري السلاوي (المتوفي: 1315 ه)، تحقيق: جعفر الناصري / محمد الناصري، الناشر: دار الكتاب - الدار البيضاء: 1 / 67

الْهَیْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ مِنْ بَلِيٍّ حَلِيفٌ فِي بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلَ، وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ))(1)، فأسلموا و بایعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيعة أُطلق عليها بيعة النساء، ((وذلك قبل أن يفترض الحرب، ومعناه أنه حينئذ لم يؤمر بالجهاد وكانت البيعة على الإسلام فقط، كما وقع في بيعة النساء على أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ... الآية))(2)، وهي كما ينقلها عبادة بن الصامت: إذ يقول: بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بالله شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانِ نَفْتَرِیهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَ أَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِیَهُ فِي مَعْرُوفٍ. فَإِنْ وَفَّیْتُمْ فَلَکُمْ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَشِیتُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُکُمْ إلَى الله (عَزَّ وَجَلَّ) إنْ شَاءَ عَذَّبَ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ))(3). ولمَّا أراد القوم الانصراف بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معهم مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ وأمره

ص: 39


1- الطبقات الکبری: 1 / 170 - 171، ينظر: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 3 / 32 - 33، الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفي: 630 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1417 ه / 1997 م: 1 / 689 - 690، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 1 / 650 - 653
2- ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (المتوفى: 808 ه)، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بیروت، الطبعة: الثانية، 1408 ه - 1988 م: 2 / 348
3- السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفي: 213 ه)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375 ه - 1955 م: 1 / 443، الطبقات الکبری: 1 / 171 - 172 ، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 3 / 32 - 33، البداية والنهاية: 3 / 183، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى: 1 / 69

أن يعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين ويقرئهم القرآن الكريم(1)، وأصبح مصعب يُعرف في المدينة بالمقرئ، وقد أسلم على يديه كثير من الأوس والخزرج مِنْهُم أسيد بن حضير وَسعد بن معَاذ سيدا الْأَوْس(2).

ثانيًا / بيعة العقبة الثانية:

وبعد مدَّة من الزمن رجع مصعب بن عمير إلى مكَّة المكرَّمة وخرج فوج من الأنصار المسلمين إلى الحج مع قومهم من أهل الشرك حتَّى وصلوا مكة المكرَّمة، فتواعدوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سرًا عند العقبة من أوسط أيَّام التشريق، ولمَّا فرغوا من الحج وحان موعد اللقاء مع رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) خرجوا متنكرين متسللين مستخفين لئلا يعلم بهم المشركين، فتوافدوا حتَّى اجتمعوا عند العقبة، وكان عددهم ثلاث وسبعون رجلًا وامرأتين هما: نُسَيْبَةُ بِنتُ كَعْبٍ، أُمُّ عُمَارَةَ، إحدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ بْنِ نَابِي، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ، ولمَّا كانوا كذلك حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه عمَّه العبَّاس بن عبد المطلب(3) الذي ابتدأ الكلام قائلًا: ((يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ - قَالَ: وَكَانَتْ الْعَرَبُ إِنَّمَا يُسْمَّونَ

ص: 40


1- البداية والنهاية: 3 / 183
2- ينظر: السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 443، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى: 1 / 69
3- ينظر: السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 441، تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه)، (صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، المتوفي: 369 ه)، دار التراث - بيروت، الطبعة: الثانية - 1387 ه: 2 / 361 - 362، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 446، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 3 / 35، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 1 / 302، حياة الصحابة: 1 / 291

هَذَا الْحَيَّ مِنْ الْأَنْصَارِ: الْخَزْرَجَ، خَزْرَجَهَا وَأَوْسَهَا-: إنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَیْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا، مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، فَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةِ فِي بَلَدِهِ، وَإِنَّهُ قَدْ أَبَى إلَّا الاِنْحِيَازَ إِلَيْكُمْ، وَاللُّحُوقَ بِکُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّکُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إلَيْهِ، وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ کُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَمِنْ الْآنَ فَدَعُوهُ، فَإِنَّهُ فِي عِزٍّ وَمَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَلَدِهِ))(1).

فردَّ عليه الوفد قائلاً: ((قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، فَتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ الله، وَخُذْ لِنَفْسِكَ وَرَبِّكَ مَا أَحْبَبْتَ))(2)، فتكلَّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) داعيًا إلى الله تعالی و مرغبًا بالإسلام، ثمَّ تلا عليهم آياتٍ من القرآن الحکیم، وختم كلامه بقوله: ((أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمَنْعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَکُمْ وَأَبْنَاءَکُمْ))(3) قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِیَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ (نَبِیًّا)، لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزَرُنَا، فَبَايِعْنَا یَا رَسُولَ الله، فَنَحْنُ وَاَلله أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا کَابِرًا عَنْ کَابِرٍ))(4)، وهنا یعترض أبو الهيثم القول والبراء يكلم رسول الله

ص: 41


1- السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 441، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 446، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 3 / 35، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 1 / 302، البداية والنهاية: 3 / 195 - 196
2- تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 2 / 362، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 3 / 35، الكامل في التاريخ: 1 / 691
3- السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 442، تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 2 / 362، دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 301
4- السيرة النبوية لابن هشام: 442، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء، سليمان بن موسی بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، أبو الربيع (المتوفى: 634 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 ه: 1 / 266، تاریخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 2 / 362 - 363، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 3 / 36، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 303

(صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول: ((یَا رَسُولَ الله لَعَلَّكَ إِذَا حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ، وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ وَالْأَرْحَامِ، وَحَمَلَتْنَا الْحَرْبُ عَلَى سِيسَائِهَا فَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا لِحَقْتَ بِبَلَدِكَ وَتَرَکْتَنَا وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ))(1).

فَتَبَسَّمَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثُمَّ قَالَ: ((بَلْ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي، أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ))(2).

والمعنَّى أنَّ أبا الهيثم أراد أَنه کَانَت بَيْننَا وبَين قوم يَعْنِي قُریْشًا عهود ومواثيق، ثمَّ قَطَعْنَاهَا فِيك، فلعلك ترجع إِلَى مَكَّة إِذا ظَهرت و تخلي بيننا وبين القوم، وَأمَّا قَول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الدَّم الدَّم وَالْهدم الْهدم، وقد أُختلف في هذا القول لفظًا و تأويلًا فَقَالَ بَعضهم: كَانَت قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا تحالفت تَقول: الدَّم الدَّم وَالْهدم الْهدم، ويقصدون من ذلك: تطلب بدمي وأطلب بدمك، وَمَا هدمت من الدِّمَاء هدمت أَي مَا عَفَوْت عَنهُ وهدرته عَفَوْت عَنهُ و هدرته، وَقَالَ آخر: إنَّهم كَانُوا يَقُولُونَ: هدمي هدمك وَدمِي دمك، وترثني أرثك، وتطلب بِي وأطلب بك، فَإِذا مَاتَ أَحدهمَا وَرثهُ الآخر السُّدس وَدفع الْبَاقِي إَلَى ورثته.

ص: 42


1- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430 ه): 1 / 305 - 306، معرفة الصحابة: 5 / 2448، سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني: 1 / 661
2- السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 442، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 447، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 3 / 36، البداية والنهاية: 4 / 402

أمَّا الاختلاف في اللفظ فإنَّه روي أنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الْهدم الْهدم، واللدم اللدم، أَي: حرمتي مَعَ حرمتكم وبيتي مَعَ بَيتکُمْ، ومعنى ذلك أنّه يُرِيد بالهدم مَا انْهَدم من جَوَانِب الْبِئْر فَسقط فِيهَا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ على هَذَا التَّأوِيل: مقبري مقبرکم، أَي لَا أَزَال حَتَّى أَمُوت عنْدكُمْ، وَمِمَّا يشْهد لهَذَا التَّأْوِيل أنه رُوِيَ فِي حَدِيث آخر أَن الْأَنْصَار قَالُوا: أَتَرَوْنَ أَن نَبِي الله إِذا فتح الله عَلَيْهِ مَکَّة أرضه وبلده يُقيم بهَا، فَقَالَ: معَاذ الله الْمحيا محیاکم وَالْمَمَات مماتكم. واللدم الْحُرْمَة: جمع الادم، وهو أهل الرجل ونساؤه، وذلك لِأَنَّهُنَّ يلتدمن عَلَيْهِ إِذا مَاتَ، أَي يضربن صدورهن أَو خدودهن، واللدم الضَّرْب، والقصد من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (اللدم اللدم) حرمي مَعَ حرمكم(1). أو أنَّ المقصود: حُرمَتي مَعَ حُرْمَتِكم، وبيتي مَعَ بَيْتِكم وأصل الهَدَم مَا انهَدَم. یُقَال: هدمْتُ الْبناء هَدْمًا، والمَهْدُوم هَدَمٌ، وَسُمِّيَ منزلُ الرجل هَدَمًا، لانهدامه. فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَقبَرِي مَقْبَرُکُم: أَي لَا أَزَال مَعكُمْ حَتَّى أموتَ عنْدکُمْ، و قيل في معنى دَمِي دَمُك: إنْ قتلَني إنسانٌ طلبْتَ بدَمِی کَمَا تطلُبُ بِدَم ولیِّك (ابْن عمِّك وأخيك)، وهَدَمي هَدَمُك أَي مَن هَدَم لي عِزًّا وشَرَفًا فقد هَدَمه مِنْك، وكلّ من قتَل لَك ولیًّا فَكَأَنَّمَا قتلَ وَلِييِّ، وَمن أَرَادَ هَدْمك فقد قصدني بذلك(2).

ص: 43


1- ينظر: غريب الحديث، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفي: 276 ه)، تحقيق: د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني - بغداد، الطبعة: الأولى، 1397 ه: 6 / 303 - 304
2- ينظر: تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفي: 370 ه)، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 2001 م: 6 / 123 - 124، ينظر: الفائق في غريب الحديث والأثر، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفي: 538 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي - محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة - لبنان الطبعة: الثانية: 1 / 252

وبعد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلتفت أبو الهيثم إلى قومه فيقول لهم: ((يَا قَوْمِ، هَذَا رَسُولُ الله حَقًّا، أَشْهَدُ بِالله إِنَّهُ لَصَاودِقٌ، وَإِنَّهُ الْيَوْمَ فِي حَرَمِ الله وَأَمْنِهِ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ تُخْرِجُوهُ تَرْمِکُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ طَابَتْ أَنْفُسُکُمْ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ الله وَذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَادْعُوهُ إِلَى أَرْضِکُمْ، فَإِنَّهُ رَسُولُ الله حَقًّا، وَإِنْ خِفْتُمْ خِذْلَانَهُ فَمِنَ الْآنَ))(1) (2)، ولمَّا قبلوا ذلك توجَّه أبو الهيثم تلقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال أنا أوَّل من يبايع(3) فبايع أبو الهيثم ثمَّ تتابع القوم بعده على البيعة كلَّهم.

ثمَّ قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أَخْرِجُوا إلَيَّ مِنْکُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، لِيَكُونُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ. فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ الْأَوْسِ))(4)، وعند ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه

ص: 44


1- يبدو أنّ أبا الهيثم - كما يظهر من النصوص - قد كرَّر كلامه في كلا العقبتين وأراد به أن يستوثق لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قومه، وكذلك أراد أن يبين لقومه الموقف الذي هم فيه حتَّى يكونوا على قدر المسؤولية التي ستلقى عليهم جرَّاء بيعتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
2- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 310
3- السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 447
4- السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 443، تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 2 / 362، ينظر: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 452، السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير): 2 / 198 - 199، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (المتوفى: 734 ه)، تعليق: إبراهيم محمد رمضان، دار القلم - بیروت، الطبعة: الأولى، 1414 / 1993: 1 / 191، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 1 / 305

وآله وسلم) للنقباء: ((أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ کُفَلَاءُ، كَکَفَالَةِ الْحَوَارِيِّینَ لِعِيسَی ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا کَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي - يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ - قَالُوا: نَعَمْ))(1).

ولم يكن اختيار النقباء عشوائيًا من دون إشارة، وإنَّما كان الاختيار بإشارة من جبرئیل (عليه السلام) فهو الذي ((کَانَ يُشِيرُ لَهُ إِلَى مَنْ يَجْعَلُهُ نَقِيبًا))(2).

والنقيب: في اللغة من ((نَقِیبُ الْقَوْمِ: شَاهِدُهُمْ وَضَمِينُهُمْ. وَمَعْنَاهُ وَمَعْنَی النِّقَابِ الْعَالِمُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ يُنَقِّبُ عَنْ أُمُورِهِمْ، أَوْ يُنَقِّبُ کَمَا یَنْقُبُ عَنِ الْأَسْرَارِ. وَالْمَنْقَبَةُ: الْفَعْلَةُ الْكَرِيمَةُ، وَقِیَاسُهَا صَحِيحٌ، لِأَنَّهَا شَيْءٌ حَسَنٌ قَدْ شُهِرَ، کَأَنَّهُ نُقِّبَ عَنْهُ))(3)، وهو ((الرئيس من العرفاء وقد قيل: إنَّه الضمين، وقد قيل: إنه الأمين، وقد قيل: إنَّه الشهيد على قومه))، قال تعالى: «وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا»(4)، أي ((أخذ من كل سبط منهم ضمينًا بما عقد عليهم من الميثاق في أمر دينهم))(5). فكان أبو الهيثم رئیس قومه، والأمين عليهم، والشاهد فيهم.

ص: 45


1- السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 446، تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 2 / 363، البداية والنهاية: 4 / 406، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر: 2 / 418
2- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسَرْوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 453، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: 1 / 192، البداية والنهاية: 4 / 405
3- معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفي: 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399 ه - 1979 م: 5 / 466
4- سورة المائدة: 12
5- الخصال: 492

وهذا المنصب لا يكون إلَّا لمن يمتلك مؤهلاتٍ خاصَّة فضلًا عن حُسن سيرته وسريرته، لا سيَّما وأن الاختيار كان من الله تعالى عن طريق جبرئیل (عليه السلام).

أمَّا أسماء النقباء فهم: نَقِيبُ بَنِي النَّجَّارِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَنَقِيبُ بَنِي سَلَمَةَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، وَعَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَنَقِیبُ بَنِي سَاعِدَةَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَنَقِيبُ بَنِي زُرَیْقٍ: رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَنَقِيبُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: عَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَنَقِيبُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ:

عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ بدَلَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ خَارِجَةَ بْنَ زَیْدٍ - وَنَقِيبُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَعْدُ بن خيثمة، ونقيب بني عَبدِ الْأَشْهَلِ - وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ - أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَأَبُو الْهَیْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ(1).

وقد حصر الشاعر كَعْب بن مالك النُّقَبَاء في قصيدة له قال فيها:

أَبْلِغْ أُبَيًّا أَنَّهُ فَالَ رَأْيُهُ *** وَحَانَ غَدَاةَ الشِّعْبِ وَالْحَيْنُ وَاقِعُ

أَبَي الله مَا مَنَّتْكَ نَفْسُكَ إِنَّهُ *** بِمِرْصَادِ أَمْرِ النَّاسِ رَاءٍ وَسَامِعُ

وَأَبْلِغْ أَبَا سُفْیَانَ أَنْ قَدْ بَدَا لَنَا *** بِأَحْمَدَ نُورٌ مِنْ هُدَى الله سَاطِعُ

فَلَا تَرْغَبَنْ فِي حَشْدِ أَمْرٍ تُرِيدُهُ *** وَأَلِّبْ وَجَمِّعْ كُلَّ مَا أَنْتَ جَامِعُ

وَدُونَكَ فَاعْلُمْ أَنَّ نَقْضَ عُهُودِنَا *** أَبَاهُ عَلَيْكَ الرَّهْطُ حِينَ تَتَابَعُوا

أَبَاهُ الْبَرَاءُ وَابْنُ عَمْرٍو كِلَاهُمَا *** وَأَسْعَدُ يَأْبَاهُ عَلَيْكَ وَرَافِعُ

وَسَعْدٌ أَبَاهُ السَّاعِدِيُّ وَمُنْذِرٌ *** لِأَنْفِكَ إِنْ حَاوَلْتَ ذَلِكَ جَادِعُ

وَمَا ابْنُ رَبِيعٍ إنْ تَنَاوَلْتَ عَهْدَهُ *** بِمُسْلِمهِ لَا يَطْمَعَنْ ثَمَّ طَامِعُ

وَأَيْضًا فَلَا يُعْطِيکَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ *** وَإِخْفَارُهُ مِنْ دُونِهِ السُمُّ نَلقِعُ

ص: 46


1- ينظر: السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 443 - 444، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: 1 / 191 - 192، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 1 / 303 - 304

وَفَاءً بِهِ وَالْقَوْقَلِيُّ بْنُ صَامِتٍ *** بِمَنْدُوحَةِ عَمَّا تُحَاوِلُ يَافِعُ

أَبُو هَيْثَمٍ أَيْضًا وَفِيٌّ بِمِثْلِهَا *** وَفَاءً بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعَهْدِ خَانِعُ

وَمَا ابْنُ حُضَيْرٍ إنْ أَرَدْتَ بِمَطْمَعِ *** فَهَلْ أَنْتَ عَنْ أُحْمُوقَةِ الْغَيِّ نَازِعُ

وَسَعْدٌ أَخُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَإِنَّهُ *** ضَرُوحٌ لِمَا حَاوَلْتْ مِلْأَمْرِ مَانِعُ

أُولَاكَ نُجُومٌ لَا يُغِبُّك مِنْهُمْ *** عَلَيْكَ بِنَحْسٍ فِي دُجَى اللَّيْلِ طَالِعُ

وعند ذلك صاح الشيطان مِنْ رَأْسِ الجَبْلِ: ((هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ، قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِکُمْ))(1)، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه و آله وسلم): ((لاَ یَرُعْکُمْ هَذَا الصَّوْتُ، فَإِنَّمَا هُوَ عَدُوُّ الله إِبْلِيسُ، لَيْسَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَخَافُونَ))(2)، ((هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أُزْيَبٍ أَمَا وَاللهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ، ارْفَضُّوا إلى رحالكم))(3).

ص: 47


1- المصدر نفسه: 2 / 204
2- دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 310، الخصائص الکبری، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفي: 911 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت (د ط)، (د ت): 1 / 303
3- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسَرْوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 2 / 448، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك : 3 / 38

ص: 48

المبحث الثالث: مواقف مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

أولًا / المؤاخاة:

المؤاخاة: هي عهد أخوة عقده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين صحابته مرتين: إحداهما في مكة المكرَّمة بين المهاجرين، والأخرى في المدينة المنورة بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار. وما يتعلق بالبحث هي المؤاخاة الثانية، ولذلك سنسلط الضوء عليها.

تعدُّ المؤاخاة خطوة استراتيجية من النبي محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) یهدف منها إلى بناء النظم التأسيسية للمجتمع الإسلامي، فهو قد رصد بشكل دقيق حالة المسلمين المهاجرين الذين تركوا الأهل والأصحاب والأموال وفرُّوا بدينهم إلى أرض وأناسٍ وواقع جديد تحكمه أطر تختلف عمَّا كانوا عليه، أضف إلى ذلك مشكلة الواقع الاقتصادي بالنسبة لهم وكيفيَّة بناء حياتهم وهم بلا مال، ولذلك كان لا بدَّ من کسر حواجز الغربة والطبقية بين المسلمين في أوَّل نواة مجتمعية لهم، وهذه النواة يجب أن تتأسَّس على بناء راسخ من الأواصر القوية بين الأفراد، بحيث تذوب فيها الضغائن والأحقاد والعزلة الانتماءات الفردية للقبيلة والقومية، ليحل محلها الانتماء إلى الدين الإسلامي الذي يرقي ويعلو على كلِّ انتماء، ولذلك وجد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في المؤاخاة أسلوب عملي يحقِّق ما يهدف إليه من بناء مجتمع مسلم تسوده العدالة وتحكمه المساوات،

ص: 49

وتُعدُّ حلًا ناجعًا لكسر حاجز الغربة عند المهاجرين، وتعيد لهم كرامتهم بحيث يشعرون بأنَّهم لن يكونوا حملًا ثقيلًا على الأنصار.

فكان أوَّل عمل قام به النبي محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة بعد بناء المسجد هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار على أساس عقائدي بتشريع من الله تعالى، فآخی ((بين المهاجرين والأنصار على الحق والمؤاساة، يتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام، وكانوا تسعين رجلا: خمسة وأربعون رجلا من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار. ويقال: كانوا ماْئة، خمسون من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار، وكان ذلك قبل بدر، فلما كانت وقعة بدر، وأنزل الله (عز وجل): «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ»(1)نسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه))(2).

فآخی رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين والأنصار، فجعل لكلِّ فرد من المهاجرين أخًا له من الأنصار يواسيه بما عنده من مؤنة العيش، وقد آخی رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أبي الهيثم بن التيهان وعثمان بن مظعون (رضوان الله عليها)(3)، فكانا نعم القرينين؛ لما ضمَّت سريرتها من إيمانٍ صافٍ وروحٍ زكية جعلت منها أن يكونا من خيرة أصحاب الإمام علي (عليه السلام).

ص: 50


1- سورة الأنفال: 75
2- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: 3 / 70 - 71
3- ينظر: المحبر: 1 / 74، الطبقات الکبری: 3 / 342، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (المتوفي: 734 ه)، تعليق: إبراهيم محمد رمضان، دار القلم - بیروت، الطبعة: الأولى، 1414 ه - 1993 م: 1 / 232

ثانيًا / بدري:

ازداد أذى المشركين للنبي محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولمن اتَّبعه وشایعه، وقد اتفقت كلمتهم على محاربة كل من يثبت ولاءه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصاروا يتتبعونهم أينما وجدوا، ولذلك خطَّط النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للهجرة من مكَّة المكرَّمة إلى مكان آخر يستطيع فيه التحرِّك بحريَّةٍ تامَّة لنشر مشروعه الرِّسالي، وقد تهيأت الظروف في يثرب إلى أن تكون المحطَّة التي تستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آمن به، وخصوصًا بعد بيعة العقبة الثانية التي كانت بوابة لنشر الإسلام في يثرب، إذ انطلق المبایعون فيها ينشرون الإسلام في قومهم حتَّى لم يبقَ بيت فيها لا يوجد فيه ذكر للإسلام، فأصبحت قاعدة قوية ورصينة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتباعه، ومن هنا جاء الأمر بالهجرة إليها على شكل جماعاتٍ وأفرادٍ، ولمَّا تمَّت الهجرة إلى يثرب التي سُمِّيت ب (المدينة المنورة) أصبح للمسلمين كيان مستقل له ثقله الجغرافي والسياسي، حتَّى صار يُهدِّد مراکز تجارة قريش، وهنا أحسَّت قريش بخطورة الإسلام بموقعه الجديد، فدعت أنصارها ومن والها لحرب النبي وأنصاره، وقد حدثت مواجه عسكرية بين الطرفين أُطلق عليها (معركة بدر)، وهي أوَّل معركة حدثت بين المسلمين والمشركين من قریش، انتهت بانتصار النبي محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنصاره وهزيمة المشركين هزيمة نكراء بعد أن قُتِل سادتهم وقادتهم.

كان عدد المسلمين فيها ثلاث مائة وبضعة عشر(1)، نالوا شرف المشاركة في

ص: 51


1- ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: 3 / 129، الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم - صَلَّی الله عَلَيْهِ وَ [آله] سَلَّمَ - (وعليه حواشٍ لجماعةٍ من العلماء منهم الأمير الصّنعاني)، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضی بن المفضل الحسني القاسمي، أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير (المتوفي: 840 ه)، تقديم: فضيلة الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، اعتني به: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، (د ط)، (د ت): 1 / 13

هذه المعركة، وقد نال المخلصون منهم الثناء والتبجيل بوصفهم الأسبق إيمانًا وجهادًا وتضحيةً، وقد كان من هذه الثلة المؤمنة أبو الهيثم بن التيهان، إذ أجمعت المصادر على مشاركته فيها، وفي جميع المشاهد التي خاضها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)(1).

ثالثًا / الخَرْص:

الخَرْص: ((الحَزْرُ في العدد والكيل، والخارص: يَخْرُص ما على النخلة، ثم يقسم الحراج على ذلك))(2)، والخَرْصُ: ((حَزْرُ ما على النَخل من الرُطَب

ص: 52


1- ينظر: المغازي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفي: 207 ه)، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1409 / 1989: 1 / 158، السيرة النبوية لابن هشام: 1 / 455، الطبقات الکبری: 3 / 341 - 342، طبقات خليفة بن خياط: 1 / 141، تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك)، وصلة تاريخ الطبري: 4 / 447، معجم الصحابة: 5 / 183، الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعید خان مدير دائرة المعارف العثمانية، دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدين الهند، الطبعة: الأولى، 1393 ه = 1973: 3 / 376، السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، صحّحه، وعلق عليه الحافظ السيد عزيز بك وجماعة من العلماء، الكتب الثقافية - بيروت: 1 / 192، معرفة الصحابة: 5 / 2447، جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعید بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفي: 456 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار المعارف - مصر، الطبعة: 1، 1900 م: 1 / 124، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3 / 1348 - 1349، تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير: 1 / 93، البداية والنهاية: 10 / 105 - 106
2- العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170 ه)، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، (د ط)، (د ت): 4 / 183، ينظر: جمهرة اللغة،: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفي: 321 ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الأولى، 1987 م: 1 / 585

تمرًا))(1).

وقد كان أبو الهيثم (رضوان الله عليه) يخرص التمر على اليهود وقصة ذلك نجدها عندما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر عنوة بعد قتال فقال له اليهود: ((يَا مُحَمّدُ، نَحْنُ أَرْبَابُ النّخْلِ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَة بِهَا. فَسَاقَاهُمْ رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خيبر عَلَى شَطْرٍ منْ التّمْرِ وَالزّرْعِ، وَکَانَ یَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: أُقِرّکُمْ عَلَى مَا أَقَرّكُمْ اللهُ))(2). وبذلك صالح أهلها فدفع لهم خيبر بأرضها ونخلها مقاسمةً على النصف، وصار يرسل لهم عبد الله بن رواحة (رضوان الله عليه) في كلِّ موسم يخرص عليهم أي: يعدُّ ويکيل الثمر، وكان يقول لهم: ((إِنْ شِئْتُمْ خَرَصْتُ وَخَیَّرْتُکُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ خَرَصْتُمْ وَخَيَّرْ تُمُونِي فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ والأرض))(3)، واستمر عبد الله بن رواحة (رضوان الله عليه) يخرص على أهل خيبر إلى أن استشهد في معركة مؤتة، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكانه أبا الهيثم مالك بن التيهان (رضوان الله عليه)، وصار يخرص على اليهود واستمر على هذا الحال إلى أن استشهد رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)، فآلت السلطة إلى أبي بكر

ص: 53


1- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفي: 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الرابعة 1407 ه - 1987 م: 3 / 1035
2- المغازي: 2 / 690
3- ينظر: فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلاَذُري (المتوفى: 279 ه)، دار ومكتبة الهلال - بیروت، 1988 م: 1 / 37 - 38

فبعث إلى أبي الهيثم وطلب منه أن يخرص الثمر على يهود خيبر کما كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنَّ أبا الهيثم رفض ذلك، فقال له أبو بکر متسائلًا عن سبب امتناعه: ((قَدْ خَرَصْتَ لِرَسُولِ الله؟! فَقَالَ: إِنِّي کُنْتُ إِذَا خَرَصْتُ لِرَسُولِ الله فَرَجَعْتُ دَعَا الله لي. قال فترکه))(1)، وفي رواية أخرى ((دعا لي بالبركة))(2).

هذه الحادثة تحمل دلالات كثيرة منها: أين أنَّ الهيثم مالك بن التيهان (رضوان الله عليه) كان يتمتَّع بالأمانة والتقوى وحسن السلوك، ولهذا بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خارصًا على اليهود، وكذلك تكشف هذه الحادثة أنَّ أبا الهيثم كان على وعي ودراية بأصول الحساب والمكيال، ولو لم يكن كذلك لم يبعثه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). أمَّا رفضه لطلب أبي بكر وتعليله لذلك الرفض فهما علامتا استفهام كبيرتان، وخصوصًا ردِّ أبي الهيثم على تساؤل أبي بكر بأن قال له ((إِنِّي کُنْتُ إِذَا خَرَصْتُ لِرَسُولِ الله فَرَجَعْتُ دَعَا الله لي بالبركة)). وكأنَّه أراد أن يقول له أنَّك لست مؤهلًا بالدعاء لي، ولم يكتفِ أبو الهيثم بذلك وإنَّما تنصُّ الرواية على انصرافه وتركه لأبي بكر بعد هذا القول مباشرةً. وفي جملة القول يمكن أن نفهم من هذه الحادثة معارضة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) لسياسة أبي بکر وسلطته، وأنَّه لم يكن يرى فيه السلطان الشرعي الذي يجوز العمل معه.

وهذا الموقف من أبي الهيثم بن التيهان (رضوان الله عليه) المعارض لإدارة أبي بکر نراه في أوَّل وهلةٍ يتعارض مع موقف آخر لأبي الهيثم (رضوان الله عليه) مع عمر بن الخطاب، إذ انتدبه الأخير في عصر حكومته إلى تقييم أرض ونخل

ص: 54


1- الطبقات الکبری: 3 / 342، سير أعلام النبلاء: 1 / 190
2- مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 5 / 345

يهود خيبر عندما أراد إجلاءهم إلى الشام، فوافق أبو الهيثم على ذلك، وكان ضمن المجموعة المكلفة بالتقييم التي كانت تتألف منه ومن فروة بن عمرو وزيد بن ثابت، ويبدو أنَّه كان المقدَّم عليهم، وقد قُیَّمت الأرض بنخلها خمسين ألف درهم، فدفع عمر لأهل خيبر نصف المبلغ ثمَّ أجلاهم إلى الشام(1).

ومن هنا ينبثق الإشكال، فلماذا رفض أبو الهيثم طلب أبي بكر وقبل طلب عمر بن الخطاب، ويمكن أن يُجاب على ذلك بأنَّ الصحابة وخصوصًا الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) کانوا يُقدِّمون مصلحة الإسلام في تعاملهم مع الحكَّام الثلاثة (أبو بکر، عمر، عثمان)، وإذا دققنا في طلب أبي بكر فإنَّه عرض على أبي الهيثم أن يكون أحد موظفي الدولة وعمَّالها؛ لأنَّ الخرص مستمر في كلِّ موسم ولذلك يتطلب أن يتعهد شخص بمهامه، ويكون ارتباطه بالحاكم مباشرة أو ببیت المال، وكذلك في الخرص عوائد ماليَّة يأخذها صاحبه من اليهود ويُسلِّمها للحكومة. وهنا يمكن أن يُقال بأنَّ أبا الهیثم رفض طلب أبي بكر لأنَّه لا يريد أن يكون أحد المصادر المالية التي تعتمد عليها حكومته.

وأمَّا طلب عمر فلم يكن وظيفة يتقلَّدها أبو الهيثم، وإنَّما كان لجنة مؤقَّتة تتولَّى تقييم أرض معينة ثمَّ بعد ذلك تُحلُّ تلقائيًا، وكذلك إجلاء اليهود من المدينة المنورة - بعد توفُّر المال الذي جاء من العراق - يعدُّ بحدِّ ذاته عملًا يصبُّ في خدمة الإسلام؛ لأنَّ الأرض ستؤخذ من اليهود وتُعطى للمسلمين، ولذلك لم يرَ أبو الهيثم بحسب هذه القراءة إشکالًا في مشاركته بالتقييم.

رابعًا / غزوة تبوك:

من الحوادث التي ورد ذكر أبي الهيثم فيها ما جرى في غزوة تبوك من أنَّه (صلى

ص: 55


1- ينظر: المغازي: 2 / 718

الله عليه وآله وسلم) نزل بجيشه ((على غير ماء وهم نحو ثلاثين ألفًا فعطشوا وشكوا ذلك إليه فبعث أبا قتادة وأبا طلحة وسماك بن خرشنة وسعد بن عبادة يلتمسون الماء فغابوا إلى قائم الظهيرة، ثمَّ رجعوا ولم يجدوا شيئا، وبلغ العطش من الناس والخيل والدواب، فصلى بأصحابه متيممًا، فلمَّا فرغ شكوا إليه العطش فبعث أسيد بن حضير وأسامة يلتمسون الماء من الأعراب، فقال المنافقون: إنّ محمدًا يخبر بأخبار السماء وهو لا يدري الطريق إلى الماء، فأتاه جبریل (عليه السلام) فأخبره بقولهم وسماهم له، فشکی ذلك إلى سعد بن عبادة فقال سعد: إن شئت ضربت أعناقهم، فقال: «لا يتحدث الناس أنَّ محمدًا يقتل أصحابه ولكن نحسن صحبتهم ما أقاموا معنا»، ثم قال لأبي الهيثم بن التيهان وأبي قتادة وسهيل بن بیضاء، يستعرضون الطريق ويأخذون على الكثيب فتقفوا ساعةً فإنَّ عجوزا من الأعراب تمر بكم على ناقة لها معها سقاء من ماء فأطعموها واشتروا منها بما عزّ وهان وجيئوا بها مع الماء»، فمضوا حتَّى بلغوا الموضع الذي وصف لهم فإذا بالمرأة فقالوا: تبيعينا هذا الماء؟ قالت: أنا وأهلي أحوج إلى الماء منکم، فطلبوا إليها أن تأتي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مع الماء فأبت وقالت: إن هذا لساحر، خير الأشياء أن لا أراه ولا يراني فشدوا وثاقها حتَّى حاءوا بها مع الماء، فلما وقفت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: «خلوا عنها، وقال لها: تبيعين هذا الماء؟» قالت: إن أهلي أحوج إليه منكم، قال: «فأذني لنا فيه وليصيرن ذلك كما جئت به»، قالت: شأنكم، فقال لأبي قتادة: «هات الميضأة»، فقربت إليه فحل السقاء وتفل فيه وصب في الميضأة فوضع يده فيه ثم قال: «ادنوا فخذوا»، فجعل الماء يزيد والناس يأخذون حتى ما أبقوا معهم سقاء إلّا ملأوه وأرووا خليهم وأبلهم والميضأة ملأى، ثمَّ زاد رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في السقاء حتى ملأه وبقي في الميضأة ثلثاه، ثمَّ توضأوا كلهم حين

ص: 56

أصبحوا و هو يزيد ولا ينقص))(1).

وهذه القصَّة من الدلائل على معاجزه وصدق نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم). وأما دور أبي الهيثم (رضوان الله عليه) منها فكان أحد رسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى العجوز فكان ممّن حضر هذه المعجزة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

خامسًا / ضيافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

عُرِف أبو الهيثم مالك بن التيهان بصاحب الضيافة(2)، وذلك أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل ضيفًا عليه بمعيَّة الإمام علي (عليه السلام) في حادثةٍ لخُصت بأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((أصبح طاویًا، فأتی فاطمة (عليها السلام) فرأى الحسن والحسين (عليها السلام ) يبكيان من الجوع، وجعل يزقَّهما بريقه حتى شبعا وناما، فذهب مع علي (عليه السلام) إلى دار أبي الهيثم فقال: مرحبًا برسول الله ما كنت أحب أن تأتيني وأصحابك إلَّا وعندي شيء وكان لي شيء ففرقته في الجيران، فقال: أوصاني جبرئيل بالجار حتَّى حسبت أنه سيورثه، قال: فنظر النبي إلى نخلة في جانب الدار فقال: يا أبا الهیثم تأذن في هذه النخلة؟ فقال: يا رسول الله إنَّه لفحل وما حمل شيئا قط شأنك به، فقال: يا علي اتيني بقدح ماء فشرب منه ثم مج فيه ثم رش على النخلة فتملت أغداقًا من بسر ورطب ما شئنا، فقال: ابدؤا بالجيران، فأكلنا وشربنا ماءً باردًا حتى شربنا

ص: 57


1- أعلام النبوة، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفي: 450 ه)، دار ومكتبة الهلال - بيروت، الطبعة: الأول - 1409 ه: 1 / 119 - 120
2- ينظر: معرفة الصحابة: 5 / 2447، معجم الصحابة: 5 / 183، تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 4 / 447

وروينا، فقال: يا علي هذا من النعيم الذي يسألون عنه يوم القيامة، يا علي تزود لمن وراك لفاطمة والحسن والحسين. قال: فما زالت تلك النخلة عندنا نسميها نخلة الجيران حتى قطعها يزيد عام الحرة))(1).

ويبدو أنَّ هذه الضيافة لم تكن الأخيرة، إذ يُروى أنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل ضيفًا بمعيَّة أبي بكر وعمر على أبي الهيثم مالك بن التيهان، في رواية يذكرها المؤرخون وأصحاب التراجم، وتتلخص هذه الحادثة بخروج النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من داره فيلتقي بأبي بكر وعمر، وعند سؤاله عن سبب خروجها شكیا له ما أصابهما من الجوع، وعند ذلك قال لهما: (انْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَیْثَمِ بْنِ التَّیْهَانِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ، وَلَمْ یَکُنْ لَهُ خَدَمٌ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالُوا لاِمْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ فَقَالَتِ: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَ أَبُو الْهَیْثَمِ بِقِرْبَةٍ یَزْعَبُهَا، فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَاءَ يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) وَيُفَدِّيهِ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيَقتِهِ فَبَسَطَ لَهُمْ بِسَاطًا، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلَةٍ فَجَاءَ بِقِنْوٍ(2)فَوَضَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ؟» فَقَال: یَا رَسُولَ الله، إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا، أَوْ تَخَيَّرُوا مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ. فَقَالَ (صَلَّی اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «هَذَا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنِ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظِلٌّ بَارِدٌ وَرُطَبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ». فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ لِيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا. فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «لَا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ»، فَذَبَحَ لَهُمْ

ص: 58


1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (المتوفي: 588 ه)، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الحيدرية - النجف الأشرف، 1376 ه - 1956م: 1 / 105
2- القِنْوُ: عذق التمر بها عليه من الرطب، والجمع: القنِوْان والَأقْناء. ينظر: العين: 5 / 217

عَنَاقًا(1)أَوْ جَدْیًا، فَأَتَاهُمْ بَهِا فَأَكَلُوا، فَقَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «هَلْ لَكَ خَادِمٌ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ فَأْتِنَا».

فَأُتِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) بِرَأْسَیْنِ لَیْسَ مَعَهُمَا ثَالِثُ، فأَتَاهُ أَبُو الْهَیْثَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «اخْتَرْ مِنْهُمَا» فَقَالَ: یَا رَسُولَ الله، اخْتَرْ لِي. فَقَالَ النَّبِيُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «إِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، خُذْ هَذَا فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي، وَاسْتَوصِ بِهِ مَعْرُوفًا».

فَانْطَلَقَ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ)، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا أَنْتَ بِبَالِغٍ حَقَّ مَا قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) إِلَّا بِأَنْ تَعْتِقَهُ قَالَ: فَهُوَ عَتِيٌق، فَقَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): «إِنَّ الله لَمْ يَبْعَثْ نَبِیًّا وَلَا خَلِيفَةً إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا، وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فَقَدْ وُقِيَ»))(2).

ص: 59


1- يُسمَّى ولد الشاة من المعز جدي إذا كان ذكرًا، وإن كانت أنثي سُمِّيت عناق. ينظر: الشاء، الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قریب بن علي بن أصمع (المتوفي: 216 ه)، حققه وعلق عليه وقدم له: الدكتور صبيح التميمي، دار أسامة - لبنان / بيروت، الطبعة: الأولى - 1407 ه - 1987 م: 53
2- الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسی بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفي: 279 ه)، تحقيق: سید بن عباس الجليمي، المكتبة التجارية، مصطفی أحمد الباز - مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1413 ه - 1993 م: 1 / 310، ينظر: دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه): 1 / 360 - 361، غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة، أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الخزرجي الأنصاري الأندلسي (المتوفي: 578 ه)، تحقيق: د. عز الدين علي السيد، محمد کمال الدين عز الدين، عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى، 1407: 2 / 628 - 629، البداية والنهاية: 8 / 506 - 507

وفي رواية أخرى أنهم لا أكلوا وشربوا قال لهم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «هَذَا وَالّذي نَفْسي بِيَدِهِ اَلنَّعِیمِ اَلَّذِی تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ظِلٌّ بَارِدٌ، وَرُطَبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ»(1).

وذكرت ضيافة أخرى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي الهيثم، وذلك أنَّه دخل يومًا صائفًا، ومعه أبو بكر على أبي الهيثم فقال له: ((هل من ماء بارد؟ فأتاه بشجب فيه ماء كأنه الثلج، فصب منه على لبن عنزله، وسقاه، ثم قال له: إنّ لنا عریشًا باردًا فقل فيه يا رسول الله عندنا، ونضحه بالماء، فدخله وأبو بكر، وأتی أبو الهيثم بألوان من الرطب: عجوة وابن طاب، وأمهات جراذين، ثم جاءهم بعد ذلك بجفنة مملوءة ثريدا عليها العراق، فأكل رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)... وأكلنا... فلمَّا حضرت الصلاة، صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في بيت أبي الهيثم، وزوجة أبي الهيثم خلفنا، ثم سلّم وعاد إلى العريش، فصلى فيه ركعتين بعد الظهر ورأيته ينصب اليمنی من رجليه، ويفترش اليسرى))(2).

وكذلك روي عَنْ کِلابِ بْنِ عَبْدِ الله، ((قَالَ: صَنَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّیِّهَانِ طَعَامًا،

ص: 60


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفي: 630 ه)، تحقيق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415 ه - 1994 م: 5 / 12، ينظر: منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عبد الله بن سعيد بن محمد عبادي اللّحجي الحضرميّ الشحاري، ثم المراوعي، ثم المكي (المتوفي: 1410 ه)، دار المنهاج - جدة، الطبعة: الثالثة، 1426 ه - 2005 م: 2 / 213
2- إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفي: 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 ه - 1999 م: 7 / 349 - 350

فَدَعَا رَسُولَ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآلهِ] وَسَلَّمَ) وَکُنَّا مَعَهُ، فَلَمَّا أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، قَالَ: «أَثِیبُوا أَخَاکُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، بِأَيِّ شَيْءٍ نَثِيبُهُ؟ قَالَ: «ادْعُوا الله لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَكَلَ طَعَامَهُ، وَشَرِبَ شَرَابَهُ، ثُمَّ دُعِيَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ، فَذَلِكَ ثَوَابُهُ»))(1).

وهذه الضيافات المتكررة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي الهيثم (رضوان الله عليه) تدلُّ على المنزلة الرفيعة التي كان يتمتع بها أبو الهيثم (رضوان الله عليه) عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك حبَّه له. لا سیَّما نجد أنَّ بعض هذه الضيافات كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من يبادر بها فيذهب إلى أبي الهيثم (رضوان الله عليه) فينزل عليه ضيفًا.

سادسًا / بئر أبي الهيثم:

يسعى الإنسان بفطرته إلى البحث عن مصادر طعامه، فيختار أشرفها من حيث النوع والنظافة والمصدر، ولو كان هذا الإنسان مسلمًا فإنَّه سيدقِّق أكثر بالبحث عن مصدر الطعام، ويُضاف إلى ما سبق الحلِّية والطهارة، ويزداد الأمر أكثر تدقيقًا كلما ازدادت منزلة الإنسان الدينية والاجتماعية إلى أن نصل إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم)، وهو سيد الخلق وأفضلهم، وهذا الأمر يجعل منه أكثر حرصًا في البحث والتدقيق عن مصدر طعامه وشرابه، ولو ثبت أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختار مصدرًا للأكل أو الشرب دون غيره فإنَّ ذلك سيكشف لنا سمو ورفعة ذلك المصدر.

ولو تتبَّعنا تاريخيًا عن المصدر الذي كان يشرب منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لوجدنا أنَّه كان ((يَشْرَبُ مِنْ جَاسِمَ بِئْرِ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ

ص: 61


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 465

بِرَاتِجَ))(1)، وَكَانَ مَاؤُهَا طَیِّبًا(2). وهذه فضيلة تُضاف إلى أبي الهيثم، إذ نال بئره شرف اختيار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يشرب منه، ممَّا يدلُّ على طهارة هذه البئر ونقاوتها، وكذلك يمكن أن يدلَّ على سلامة صاحبها الدينية والعقدية، ولو لم يكن كذلك لما شرب منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 62


1- الطبقات الکبری: 1 / 390، ينظر: تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (المتوفي: 262 ه)، تحقيق: فهیم محمد شلتوت، (د ط)، (د ت) 1399 ه: 1 / 69
2- الطبقات الکبری: 1 / 391

المبحث الرابع: مؤامرة العقبة

تعرَّض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى محاولات اغتيال كثيرة من مشركي قريش واليهود، ولم تقف محاولات الاغتيال عند المشركين واليهود، وإنَّما تجاوزتهم إلى بعض من ينتمي إلى الإسلام ظاهرًا، فقاد بعضهم محاولة اغتيال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد عودته من معركة تبوك، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحادثة في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ»(1).

فقوله تعالى: «وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا » ((من الفتك بالرسول وهو أنَّ خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل، فأخذ عمار بن یاسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح

ص: 63


1- سورة التوبة: الآيتان 73 - 74

فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله، فهربوا))(1).

قال حذيفة بن اليمان (رضوان الله علیه): ((کُنْتُ آخِذاً بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ أَقُودُ بِهِ، وَعَمَّارٌ يَسُوقُ النَّاقَةَ - أَوْ أَنَا: أَسُوقُهُ، وَعَمَّارٌ يَقُودُهُ - حَتَّى إِذَا کُنَّا بِالْعَقَبَةِ فَإِذَا أَنَا بِاثْنَيْ عَشَرَ رَاکِبًا قَدِ اعْتَرَضُوهُ فِيهَا، قَالَ: فَأَنْبَهْتُ رَسُولَ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) بِهِمْ فَصَرَخَ بِهِمْ فَوَلَّوْا مُدْبِرِینَ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ): هَلْ عَرَفْتُمُ الْقَوْمَ؟ قُلْنَا: لَا یَا رَسُولَ الله، قَدْ كَانُوا مُتَلَثِّمِينَ، وَلَکُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الرِّکَّابَ. قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا أَرَادُوا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: «أَرَادُوا أَنْ يَزْحَمُوا رَسُولَ الله فِي الْعَقَبَةِ، فَیُلْقُوهُ مِنْهَا. قُلْنَا: یَا رَسُولَ الله، أَوَ لَا تَبْعَثُ إِلَى عَشَائِرِهِمْ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْكَ کُلُّ قَوْمٍ بِرَأْسِ صَاحِبِهِمْ؟ قَالَ: لَا، أَكْرَهُ أَنْ تَتَحَدَّثَ الْعَرَبُ بَيْنَهَا أَنَّ مُحَمَّدًا قَاتَلَ بِقَوْمٍ حَتَّى إِذَا أَظْهَرَهُ الله بِهِمْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ يَقْتُلُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ ارْمِهِمْ بالدُّبَيْلةِ. قُلْنَا: یَا رَسُولَ الله، وَمَا الدُّبَیْلَةُ؟ قَالَ: شِهَابٌ مِنْ نَارٍ یَقَعُ عَلَى نِيَاطِ قَلْبِ أَحدِهِمْ فَيَهْلِكُ))(2).

ص: 64


1- أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفي: 685 ه)، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 ه: 3 / 89، ينظر: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفي: 1224 ه)، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الدكتور حسن عباس زكي - القاهرة، الطبعة: 1419 ه: 3 / 406، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، الطبعة: الأولى، (1393 ه = 1973 م) - (1414 ه = 1993 م): 3 / 1734
2- تفسير القرآن العظيم (ابن کثیر)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفي: 774 ه)، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بیروت، الطبعة: الأولى - 1419 ه: 4 / 159، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 1 / 434، سير أعلام النبلاء: 2 / 249

ومؤامرة العقبة قد ذكرها أهل البيت (عليهم السلام) وفصلوا الكلام فيها، ومن ذلك ما روي عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في رواية طويلة نأخذ منها ما يتعلق بالبحث، وهو أنَّ المتآمرين لمَّا ((أحسَّوا بالناقة في ثلثي العقبة دحرجوا الدباب في وجهها فنزلت ولها دوي كدوي الرعد، فنفرت الناقة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنَّ الله معنا فأسرع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وكان يتلوه من ورائه في الطريق وقال: لبيك لبيك يا رسول الله، وتلقته الدباب فاقبل يأخذها برجله فيطحنها واحدة بعد واحدة، وضج المهاجرون والأنصار فصاح بهم أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تخافوا ولا تحزنوا فقد مكروا ومكر الله والله خير الماكرين. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نزل عن الناقة في وقت نفورها وأخذ جبریل (عليه السلام) زمام الناقة في العقبة في أغصان دوحة كانت بجانب المسلك في العقبة، وسُمِع للناقة صريخ والشجرة تنادي يا رسول الله قد عقد خطام ناقتك في أغصاني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أخي جبريل ما هذه الدوحة التي تكلمني فقال: يا حبيب الله ورسوله هذه الدوحة، أثلة من نبات الأرض التي تحتها ولد أبوك إبراهيم الخليل (عليه السلام) وهي لك يا رسول الله محبة، والله أذن لها أن تكلمك فقال رسول الله : (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهمَّ بارك في الأثل كما باركت في السدر، وقدَّم جبریل (عليه السلام) الناقة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتَّى ركبها وسار وهي تمر کمرِّ السَّحاب، وقرب ما كان بعيدًا من مسلك هذه العقبة حتَّى صار کالأرض البسيطة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فديتك يا أبا الحسن نادِ بالمهاجرين والأنصار، فلمَّا صاروا على ذروة العقبة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اجتمعوا من حوله، وقالوا فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله ما هذا الكيد؟ ومن أكادك؟ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سيروا على اسم الله وعونه، وانزلوا إلى الأرض فانِّي مخبر کم

ص: 65

بهذا الكيد ومن هو أكادني، والمهاجرون والأنصار يظنون ذلك من مشركي قريش ورصَّادهم زيادة الاثني عشر أصحاب الدباب، فنزلوا أكثر الناس واختار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعين رجلًا، فقال لهم: قفوا معنا في ذروة العقبة، فإنَّكم تعلمون ما أنا صانع، فلمَّا لم يبقَ غیر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والسَّبعون رجلًا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل رأيتم ما صنع هؤلاء الأشقياء الضالون المضلون من کَبِّهم ما كان في الدِّباب من زادهم، وطرحهم فيها الحصا وإرسالها في وجه النَّاقة - ناقتي - مقدِّرين نفورها بي وسقوطي عنها من ذروة العقبة، فأهلك وتقطِّعُني الناقة، وقصَّ عليهم ما قاله الاثنا عشر أصحاب الدِّباب، وما تشاوروا فيه من أوَّل أمرهم إلى آخره. ثمَّ قال: إنِّي مختار منكم اثني عشر نقيبًا یکونوا سُعداء في الدنيا والآخرة كما الاثني عشر أصحاب الدِّباب أشقياء في الدنيا والآخرة، فلبَّاه السبعون رجلًا وقال كل واحدٍ منهم: اللهمَّ اجعلني من الاثني عشر نقيبًا، واختار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السبعين رجلًا اثني عشر نقيبًا: أوَّلهم أبو الهيثم مالك بن التيهان الأشهلي الأنصاري، والبراء بن مغرور الأنصاري، والمنذر بن لوذان، ورافع بن مالك الأنصاري، وأسيد بن حضير، والعباس بن عبادة (بن نضلة الأنصاري)، وعبادة بن الصامت النوفلي، وعبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري، وسالم بن عمير الخزرجي، وأبي بن كعب، ورافع بن ورقا، وبلال رياح الشنوي. فقال حذيفة بن اليمان: والله ما حسدتُ أحدًا ولا خلقني الله حاسدًا؛ ولكنِّي سألت الله (عزَّ وجل) وتمنيت أن أكون من هؤلاء الاثني عشر نقيبًا فإنَّ لله مايشاء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أدن منِّي يا أبا عبد الله، فمسح يده على ظهره وقال: ما يكفيك يا أبا عبد الله يا حذيفة أن يعطيك الله علم المنايا والبلايا إلى يوم القيامة؟ فقال: بلى يا رسول الله ولله الحمد ولك يا رسول الله. ثمَّ خصَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلًا من السَّبعة وخمسين رجلًا الباقين من

ص: 66

السَّبعين رجلًا شيئًا من فضله))(1).

فيظهر من هذا النَّص أنّ أبا الهيثم قد اُختير لأن يكون نقيبًا وسعيدًا في الدنيا والآخرة، وكان له فضيلة السبق في اختيار النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان أول الاثني عشر اختبارًا من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك توجد منقبة أُخرى لأبي الهيثم في هذه الرواية، إذ جعله النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعيَّة النقباء الآخرين في قبال المتآمرين عليه، الذين خانوه وأرادوا قتله والوقيعة فيه، وهذا التقابل يعني أنَّ أبا الهيثم وأصحابه أوفي الصحابة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأقربهم منه، وأخوفهم عليه، وأحرصهم على سلامته، وأكثرهم طاعة له، كما الطرف المقابل المتآمر الذين كانوا أشدَّ الناس شقاءً، وأكثرهم حقدًا على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأعظمهم غدرًا عليه.

وهذا الرواية تكشف أيضًا عن منصبٍ تكرَّر لأبي الهيثم، وهو النقابة؛ إذ تکرَّر اختياره نقيبًا من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانت المرة الأولى في العقبة الثانية، والأخرى في مؤامرة العقبة بعد عودته من معركة تبوك، وفي الاثنين كان الاختيار من لدن الله تعالى على لسان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يكشف عن علوِّ منزلة أبي الهيثم وشرفه وسؤدده، و قد ذكرنا سابقًا معنى النقيب الذي هو: ((الرئيس من العرفاء وقد قيل: إنَّه الضمين، وقد قيل: إنه الأمين، وقد قيل: إنَّه الشهيد على قومه))(2). وهذه الخصال نالها أبو الهيثم مرتين.

ص: 67


1- الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، (المتوفّی: 334)، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة الرابعة، 1411 ه - 1991: 80 - 82
2- الخصال: 492

ص: 68

المبحث الخامس: منزلة أبي الهيثم (رضوان الله عليه)

أولًا: منزلة أبي الهيثم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام):

لم يكن الصحابة كلَّهم بمنزلة واحدة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنَّما كانوا متفاوتين كلًا بحسب قابلياته الإيمانية، ومدى طاعته للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويمكن لنا أن نكتشف حجم المنزلة التي كان يتمتع بها أبو الهيثم مالك بن التيهان (رضوان الله عليه) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق حديث رواه أبو الهيثم يقول فيه: ((إِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى الله عَليْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) لَقِيَهُ، فَاعْتَنَقَهُ فَقَبَّلَهُ وَالْتَزَمَه))(1).

إنَّ فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس كسائر أفعال الناس؛ لما يحمل من سمة تشريعية، وبعد تواصلي مع الله تعالى، ولذلك فأفعاله (صلى الله عليه وآله وسلم) تدخل في التشريع، ويترتب عليها آثار دينية وعقائدية. ولو دققنا في الحديث السابق فإنَّنا سنتهي إلى أنَّ أبا الهيثم كان على منزلةٍ خاصَّة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه المنزلة إنَّما حصل عليها بفعل ما يتمتع به من قوة إيمانٍ ونفاذ بصيرة وسلامة تقوى، إذ إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يعانق شخصًا ويُقبله ثمَّ يلتزمه بأن يجعله من رفقائه، فإنَّ ذلك يمكن أن

ص: 69


1- سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني: 1 / 663

يكون لنا قرينة فيما يأتي من الأزمان على سلامة هذا الشخص ونقاء عقيدته، وأنَّه من العلامات الحقَّة التي تشير إلى طريق الرشاد والصراط المستقيم، لاسيَّما أنَّ هذا الإنسان استمرَّ على نقاء العقيدة فلم يبدِّل ولم يُغيَّر.

والتزام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لشخص من الصحابة فإنَّ ذلك يعني أنَّ هذا الشخص مؤهل لأن يدخل إلى المدرسة النبوية، وأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى فيه من المزايا ما تجعله مؤهلًا للإعداد الرسالي؛ ولذلك عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على احتواء أبي الهيثم ومن بدرجته فقرَّبهم إليه، وبثَّ فيهم المعارف الدينية، وكان يختصُّهم ببعض الأحاديث والمناقب دون غيرهم لما يمتلكون من صفاء العقيدة وحسن السريرة، ومن ذلك ما رواه جابر الأنصاري (رضوان الله عليه) قال: ((بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سلمان الفارسي، والمقداد ابن الأسود الكندي، وأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن یاسر، وحذيفة بن اليماني، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبو الهيثم مالك بن التيهان، الأشهلي، وأبي الطفيل عامر بن واثلة، وسوید بن غفلة، وسهل وعثمان ابني حنيف، ويزيد السلمي، فحضرنا يوم جمعة ضحی، فلمَّا اجتمعنا بين يديه وأمير المؤمنين (عليه السلام) عن يمينه، أمر (صلوات الله عليه) بأن لا يدخل أحد، وكان أنس في ذلك الوقت خادمه فأمره بالانصراف إلى منزله، ثمَّ أقبل علينا بوجهه الكريم على الله وقال لنا: أبشروا فانَّ الله مَنَّ علينا بفضله، وعلم ما في أنفسنا من الإخلاص له والإيمان به، والاقرار بوحدانيته وبملائكته وكتبه ورسله، وعلم وفاكم الجنة بغير حساب، أنتم ومن كان كما أنتم عليه من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة. قال جابر فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبشرنا ويحدثنا ودموعه تجري، ودموعنا تهطل لبكائه ولفضل الله

ص: 70

علينا ورحمته لنا ورأفته بنا، فسجدنا شكرًا لله، وأردنا الكلام فقطعتنا عنه الرقة والبكاء، فقال لنا: فإن بكيتم قليلا لنضحككم كثيرًا، وإنِّي أبشركم بما أعلمه منكم أنَّكم تحبُّون مسألتي عنه، ولو فقدتموني وسألتم أخي عليًا لأخبركم به، فجهرنا بالبكاء والشكر والدعاء، فقال لنا (عليه السلام): تحاولون مسألتي عن بد وكوني واعلموا (رحمكم الله) إنَّ الله تقدست أسماؤه وجل ثناؤه كان ولا مكان ولا كون معه ولا سواه أحد في فردانيته، صمد في أزليته، مشيء لا شيء معه، فلمَّا شاء أن يخلق خلقني بمشيئته... وقال لي كن فكنت نورًا شعشعانيًا أسمع وأبصر وأنطق بلا جسم ولا كيفية، ثمَّ خلق منِّي أخي عليًا، ثمَّ خلق منَّا فاطمة، ثمَّ خلق منِّي ومن عليٍّ وفاطمة الحسن، وخلق منَّا الحسين ومنه ابنه علي، وخلق منه ابنه محمدًا، وخلق منه ابنه جعفرًا، وخلق منه ابنه موسى، وخلق منه ابنه عليًا، وخلق منه ابنه محمدًا، وخلق منه ابنه عليًا، وخلق منه ابنه الحسن، وخلق منه ابنه سميِّي وكنييِّ ومهديِّ أمَّتي، ومحي سنني ومعدن ملتي، ومن وعدني أن يظهرني به على الدِّين كله، ويحق به الحق ويزهق به الباطل، إنَّ الباطل كان زهوقًا، ويكون الدين كله واصبًا فکنَّا أنوارًا بأرواح وأسماع وأبصار ونطق وحس وعقل، وكان الله الخالق ونحن المخلوقون، والله المكون ونحن المكونون والله البارئ ونحن البرية.. موصولون لا مفصولون، فهلل نفسه فهللناه، وکبَّر نفسه فكبرناه، وسبَّح نفسه فسبحناه، وقدس نفسه فقدَّسناه، وحمد نفسه فحمدناه، ولم يغيبنا وأنوارنا تتناجی وتتعارف مسمين متناسبين أزليين لا موجودين، منه بدأنا وإليه نعود، نور من نور بمشيئته وقدرته، لا ننسی تسبیح، ولا نستكبر عن عبادته، ثمَّ شاء فمدَّ الأظلة، وخلق خلقاً أطوارًا ملائكة وخلق الماء والجان، وعرش عرشه على الأظلة، وأخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم الست بربکم؟ قالوا: بلی، كان يعلم ما في أنفسهم والخلق أرواح وأشباح في الأظلة، يبصرون ويسمعون

ص: 71

ويعقلون فأخذ عليهم العهد والميثاق ليؤمننَّ به وبملائكته وكتبه ورسله، ثمَّ تجلَّی لهم وجلَّي عليًا وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمة من الحسين الذين سميتهم لكم، فأخذ لي العهد والميثاق على جميع النبيين، وهو قوله الذي أكرمني به جل من قائل «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ»(1)، وقد علمتم أنَّ الميثاق أُخذ لي على جميع النبيين، وأنِّي أنا الرسول الذي ختم الله بي الرسل، وهو قوله تعالى: «رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»(2)، فكنتُ والله قبلهم، وبعثتُ بعدهم، وأُعطيتُ ما أُعطوا وزادني ربِّي من فضله ما لم يعطه لأحد من خلقه غيري، فمن ذلك أنَّه أخذ لي الميثاق على سائر النبيين ولم يأخذ ميثاقي لأحد، ومن ذلك ما نبا نبيّ ولا أُرسل رسولٌ إلَّا أمره بالإقرار بي، وأن يبشِّر أُمَّته بمبعثي ورسالتي، والشاهد لي بهذا قوله (جلَّ ذكره) في التوراة لموسى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(3)، ولا يعلمون نبيًا ولا رسولاً غيري، وفي الإنجيل قوله عزَّ اسمه الذي حكاه فيما أنزله علىَّ من خطابه لأخي عیسی بن

ص: 72


1- سورة آل عمران: 81
2- سورة الأحزاب: 40
3- سورة الأعراف: 157

مریم (عليه السلام)، «وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»(1)، ويعلم أنَّه ما يرسل رسولًا اسمه أحمد غيري، وأنَّ الله منحني اللوح يوم القيامة الذي يحمله أخي علي وآدم فمن دونه تحته يوم القيامة، وأعطاني الشفاعة والحوض تفضلًا منه عليَّ، وأعطاني مفاتيح الدنيا وكنوزها ونعيمها فلم أقبله زهدًا فيه، فعوضني بمفاتیح الجنة والنار فجعلت كلَّ ما أعطانيه ربِّي لأخي علي والأئمة منهم، فطوبی لكم وطوبى لمن والاكم حسن مآب، فقمنا على أقدامنا وقلنا: يا رسول الله إنَّا قد أنعم الله بك علينا، وبأخيك علي وذريتك، فنسأل الله يقبضنا إليه الساعة، لئلَّا يأتي أحدٌ منَّا ببائقة تخرجه عن هذا الخطر العظيم، فقال لنا (عليه السلام): كلَّا لا تخافون فإنكم من الذين قال الله فيهم: «فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(2)(3).

وروي بهذه الإسناد عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه الباقر (عليه السلام) قال: دخل سلمان الفارسي (عليه السلام)، والمقداد بن الأسود الكندي، وأبو ذر جندب الغفاري، وعمار بن یاسر، وحذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم مالك بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم، فقالوا له: فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله إنَّا نسمع في أخيك علي (عليه السلام) ما يحزننا سماعه، وإنَّا نستأذنك في الردِّ عليهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وما عساهم يقولون في أخي علي؟ فقالوا: يا رسول الله إنَّهم يقولون: أيُّ فضيلةٍ له

ص: 73


1- سورة الصف: 6
2- سورة الزمر: 17، 18
3- الهداية الكبری: 378 - 381

في سبقه إلى الإسلام، وإنمَّا أدركه الإسلام طفلًا، ونحن يحزننا هذا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا يحزنكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقال: أسألكم بالله هل علمتم من الكتب الأولى أنَّ إبراهيم (عليه السلام) هربت به أُمُّه طفلًا صغيرًا من عدو الله وعدوه النمرود في عهده، فوضعته أُمُّه بين ثلاث أشجار شاطئ نهر يدفق يقال له حوران، وهو بين غروب الشمس وإقبال الليل، فلمَّا وضعته أُمُّه واستقرَّ على وجهِ الأرض فقام من تحتها فمسح رأسه ووجهه وسائر بدنه، وهو يكثر من الشهادة لله بالوحدانية، ثمَّ أخذ ثوبًا فاتَّشح به، وأُمُّه ترى ما يفعل فرعبت منه رعبًا شديدًا، فهرول من بين يديها مادًا عينه إلى السماء، فكان منه ما قال الله (عز وجل): «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ»(1)، وعلمتم أنَّ موسی بن عمران (عليه السلام) كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل، ويذبح الأطفال لقتل موسى (عليه السلام)، فلمَّا ولدته أُمُّه أوحى إليها أن يأخذوه من تحتها فتقذفه وتلقيه في التابوت وتقذفه في اليمِّ، فبقيت حيرانة حتَّى كلَّمها موسى وقال لها: يا أمِّ اقذفيني في التابوت، فقالت له هي من كلامه: يا بنيَّ إنِّي أخاف عليك من الغرق، فقال لها: لا تخافي إنَّ الله رادَّني إليكِ، ففعلت ذلك فبقي التابوت في اليمِّ إلى أن ألقاه إلى الساحل، وردَّ إلى أُمِّه وهو برهة لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابًا معصومًا... وقال الله تعالى في حال

ص: 74


1- سورة الأنعام: 76 - 78

طفولته: «... وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ...»(1)، وهذا عیسی بن مریم (عليه السلام) قال الله تعالى: «فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا»(2). فكلَّم أُمَّه وقت مولده فقال لها: «فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا»(3)، وقال: «فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا»(4)، فتكلَّم عیسی بن مریم (عليه السلام) في وقت ولادته، وأعطي الكتاب والنبوة وأُوصِي بالصلاة والزكاة في ساعة مولده، وكلَّمه الناس في اليوم الثالث، وقد علمتم جميعًا خلقتي وأنَّ عليًا من نوري ونوري ونوره نور واحد، وكنَّا كذلك نسبح الله ونقدسه ونمجده ونهلله ونكبره قبل أن يخلق الملائكة والسماوات والأرضين والهواء، ثمَّ عرش العرش وكتب أسماءنا بالنور عليه، ثمَّ أسكننا صُلب آدم، ولم نزل ننتقل في أصلاب الرجال المؤمنين، وفي أرحام النساء الصالحات، يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر وزمان إلى أبي عبد المطلب، فإنَّه كان يظهر نورنا في بلجات وجوه آبائنا وأمهاتنا، حتَّى ثبتت أسماؤنا مخطوطة بالنور على جبهاتهم، فلمَّا افترقنا نصفين: في عبد الله نصف، وفي أبي طالب عمي نصف كان تسبيحنا في ظهورهما، فكان عمَّي وأبي إذا جلسا في

ص: 75


1- سورة طه: 39 - 40
2- سورة مريم: 24
3- سورة مريم: 26
4- سورة مریم: 29 - 32

ملأ من الناس ناجی نوري من صلب أبي نور علي من صلب أبيه، إلى أن خرجنا من صلبي أبوينا وبطني أمينا، ولقد علم جبریل (عليه السلام) في وقت ولادة علي وهو يقول: هذا أوَّل ظهور نبوتك وإعلان وحيك و کشف رسالتك، إذ أيَّدك الله بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك، ومن شددت به أزرك وأعليت به ذكرك علي بن أبي طالب، فقُمتُ مبادرًا فوجدت فاطمة ابنة أسد أمَّ علي بن أبي طالب، وقد جاءها المخاض فوجدتها بين النساء والقوابل من حولها، فقال حبيبي جبرائیل: سجِّف بينها وبين النساء سجافا، فإذا وضعت عليا فتلقه بيدك اليمنى، ففعلت ما أمرني به، ومددت يدي اليمنى نحو أُمِّه، فإذا بعليٍّ ماثلًا على يدي، واضعًا يده اليمني في أُذنه یؤذِّن ويقيم بالحنفية، ويشهد بوحدانية الله (عزَّ وجلَّ) وبرسالتي، ثمَّ أشار إليَّ فقال: يا رسول الله اقرأ، قلت: اقرأ والذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وابنه شيث فتلاها من أوّل حرف إلى آخر حرف، حتَّى لو حضر شيث لأقر بأنه أقرأ لها منه، ثمَّ تلا صحف نوح حتَّى لو حضر نوح لأقر أنَّه أقرأ لها منه، ثمَّ تلا صحف إبراهيم حتَّى لو حضر إبراهيم لأقر أنَّه أقرأ لها منه، ثمَّ تلا زبور داود حتَّى لو حضر داود لأقر أنَّه أقرأ لها منه، ثمَّ تلا توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر أنَّه أقرأ، ثمَّ قرأ إنجيل عيسی حتَّى لو حضر عيسى لأقر بأنه اقرأ لها منه، ثمَّ خاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء ثمَّ عاد إلى طفولتيه، وهكذا سبيل الاثني عشر إمامًا من ولده يفعلون في ولادتهم مثله، فماذا تحدثون؟ وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك بالله؟ هل تعلمون أنَّي أفضل النبيين، ووصيي علي أفضل الوصيين، وأنَّ أبي آدم تمام اسمي واسم أخي علي وابنتي فاطمة وابني الحسن والحسين (عليهم السلام) مكتوبة على سرادق العرش بالنور، منذ قال آدم: الهي هل خلقت خلقًا قبلي هو أكرم عليك منِّي؟ قال يا آدم: لولا هذه الأسماء ما خلقت سماءً مبنيةً، ولا أرضًا مدحيةً، ولا

ص: 76

ملکًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، ولا خلقتك يا آدم، فقال: الهي وسيدي بحقهم إلَّا غفرت لي خطيئتي، فكنَّا نحن الكلمات التي تلقَّى آدم من ربِّه، فغفر له، وقال: أبشر يا آدم فإنَّ هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد الله وافتخر على الملائكة بنا، فإذا كان هذا من فضلنا عند الله وفضل الله علينا، ولا يُعطي إبراهيم وموسی وعيسى شيئًا من الفضل إلَّا ويعطيه بنا، فماذا يضرنا ويحزنكم قول أهل الإفك والمسرفين؟ فقام سلمان ومن كان معه على أقدامهم وهم يقولون: یا رسول الله نحن الفائزون؟ قال: نعم، أنتم الفائزون، والله لكم خلقت الجنة، ولأعدائنا وأعدائكم خلقت النار))(1).

واختصاص أبي الهيثم بأسرار من المعارف العقائدية لم يكن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط وإنَّما استمرَّ ذلك في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكان أبو الهيثم من المختصين عنده، ومن ثقاته الذين يؤول إليهم في بعض أموره وأحواله، ومن تلك الدلائل على ذلك ما جاء في حديث شهاب المدني فيما نقله بقوله: ((كُنّا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في (بئر رومة) على يمين الوادي، إذ نادى لسلمان الفارسي وقال: يا أبا عبد اللهّ، اصعد إليَّ، وليصعد ثقاتي إليّ والعسكر في الوادي، وذلك عند عشاء الآخرة، فصعد سلمان والنقباء، وهم معروفون: سلمان، وعمّار، والمقداد، و أبو ذرّ، وأبو الدرداءِ، وخزيمة بن ثابت، وأبو الأعور السلمي، ومالك بن الحارث الأشتر، وحذيفة اليماني، وأبو الهيثم بن التيهان، وأُسامة بن زيد، وخالد بن سعيد. وصعد نفر من أصحاب رسول اللهّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا أمير المؤمنين قاعد، و[...]

ص: 77


1- الهداية الكبری: 98 - 101، الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان)، (المتوفي: 660 ه)، تحقيق: علي الشكرچي، الطبعة: الأولى، 1423 ه: 107 - 111

عند اشتباك الكواكب، فقعدنا إليه، فجعل يحدِّثنا ونحدّثه هينمة. ثمَّ قام فأذَّن للعشاء الآخرة، وأقام وصلّى وصلّينا معه، ثمَّ التفت عن يمينه وتكلَّم بكلام لم نفهمه ولم ندرِ عربيّة أو فارسيّة.

فقلنا: فداك آباؤنا وأُمّهاتنا يا أمير المؤمنين، ما هذه الكلمات التي تكلّمت بهنّ؟ قال: دعوت ربِّي على لسان نوح (عليه السلام) فقلنا: وما ذاك؟ قال: معناه بالعربيّة: قدُّوس قدَّسته السماوات والأرض، سبُّوح سبَّحته الجبال والبحار، عظیم عظَّمته الخلائق بالتوحيد، جبّار جبر الخلق بالنعمة، کریم سجد لوجهه جبرئیل وميكائيل وإسرافيل.

فعند هذه الكلمات، تدلّي نجم من الهواء کالكوكب الدرّي فقالت: صدَّقتَ محمّداً، من أنكرك فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين. إنّا معاشر الكواكب زُيّنَ بنا السماء ورُمي بنا الشياطين، وزُیّن بکم الكتاب والبلاد، ورُمي الكفّار بكم حتّى رجعت الكلمة إلى كلمة الإخلاص.

قال: فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أيَّها الكوكب، وما كلمة الإخلاص؟. فقال الكوكب: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله حقًّا، وأنَّ عليًّا وصيَّه صدقًا، بمحمّد أصلح الله العباد والبلاد، وبعليٍّ عرف الناس الدين، ونصر به [على] أهل الشرك، حتَّى أقرّوا للهِّ بالوحدانيِّة، وخضعوا له بالربوبيِّة، وأقرُّوا بأنَّه الواحد الجبَّار، الذي لا شريك له في أمره، ولا يعادله أحد من خلقه، ولا ينازعه وزير، ولا يقاسمه شريك، وهو العليّ الجبّار، ومحمّد عبده ورسوله، وعليٌّ وصيَّه وخليله... ثمَّ ارتفع الكوكب وتعجّبنا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): مِمَّ تعجّبتم؟ فلو رأيتم كلامي للشّمس يوم التلّ، إذًا لداخلكم النفاق.

فقلت: يا أمير المؤمنين، لا ينكرك إلاّ جاحدٌ، ولا يبغضك إلاَّ فاسق، ولا

ص: 78

يبغضك إلاّ فاجر، ولا يحسدك إلاّ زندیق، أنت الوصيّ الأمين، وصلَّى الله عليك وعلى ذرّيتك. قال: ثمّ قمنا وارتحلنا من سفرنا إلى متوجّهنا، قلنا: فأعطانا الله بك يا أمير المؤمنين الظفر، ووهب لنا بك النصر، وهو العزيز الحكيم))(1).

ومن الروايات التي تكشف عن منزلة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) عند أمير المؤمنين، ودرجة قربه منه ما جاء في رواية قيس مولى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ((قال: إنَّ عليًا أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قريبًا من الجبل بصفين فحضرت صلاة المغرب، فأمعن بعيدًا، ثمَّ أذَّن، فلمَّا فرغ من أذانه إذا رجل مقبل نحو الجبل، أبيض الرأس واللحية والوجه، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بوصي خاتم النبيين، قائد الغر المحجلين، والأغر المأمون، والفاضل الفائز بثواب الصديقين، وسيد الوصيين. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): وعليك السلام كيف حالك؟ فقال: بخير، أنا منتظر روح القدس، ولا أعلم أحدًا أعظم في الله (عزَّ وجلَّ اسمه) بلاءً ولا أحسن ثوابًا منك، ولا أرفع عند الله مكانا، اصبر يا أخي على ما أنت فيه حتَّى تلقى الحبيب، فقد رأيت أصحابنا ما لقوا بالأمس من بني إسرائيل، نشروهم بالمناشير، وحملوهم على الخشب، ولو يعلم هذه الوجوه التربة الشايهة، وأومأ بيده إلى أهل الشام ما أعدَّ لهم في قتالك من عذاب وسوء نکال لأقصروا، ولو تعلم هذه الوجوه المبيضة وأومأ بيده إلى أهل العراق، ماذا لهم من الثواب في طاعتك لودَّت أنَّها قرضت بالمقاريض، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ثم غاب من موضعه.

ص: 79


1- العقد النضيد والدر الفريد، محمد بن الحسن القمي (المتوفي: ق 7)، تحقيق: علي أوسط الناطقي، بمساعدة: سید هاشم شهرستاني، لطيف فرادي، دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة: الأولى، 1423 -1381 ش: 142 - 143

فقام عمار بن یاسر، وأبو الهيثم بن التيهان، وأبو أيوب الأنصاري وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت، وهاشم المرقال في جماعة من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد كانوا سمعوا كلام الرجل فقالوا: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل؟ فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا شمعون وصي عيسى (عليه السلام)، بعثه الله يصبرني على قتال أعدائه، فقالوا له: فداك آباؤنا وأمهاتنا والله لننصرنَّك نصرنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يتخلف عنك من المهاجرين والأنصار إلَّا شقي، فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): معروفا))(1).

وإلى هنا فقد تبيَّن أنَّ أبا الهيثم كان ذا منزلة رفيعة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من الثُّلة المؤمنة التي اتَّبعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصاياه بأهل بيته، فكان من خيرة الموالين لهم والسابقين إليهم، وهو ممَّن كان يختَّصه رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ببعض الأخبار، وهذا يكشف عن المؤهلات الخاصَّة التي كان يمتلكها أبو الهيثم، تلك التي جعلت منه متهيئًا لاستقبال النصوص التي تبين قيمة ومنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام).

ثانيًا: منزلة أبي الهيثم عند أهل البيت (عليهم السلام):

أخذ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على عاتقهم بيان العقائد الإسلامية، ومايجب على المسلم من الاعتقاد به في المنظومة الإسلامية، ومن جملة العقائد

ص: 80


1- الأمالي، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه)، تحقيق: حسين الأستاذ ولي، علي أكبر الغفاري، الطبعة: الثانية، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، 1414 - 1993 م: 104 - 106، ينظر: الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي (المتوفي: 560 ه)، تحقيق: نبيل رضا علوان، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر - قم المقدسة، الطبعة: الثانية، 1412 ه: 225 - 226

التي أكدوا عليها التولي لأولياء الله والتبري من أعداء الله تعالى، فبينوا هوية من يجب أن يتولاهم المسلم ويتَّبع هداهم، ومن جملة الأولياء الذين حدَّدهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وأمروا الناس بالاقتداء بهم أبو الهيثم مالك بن التيهان (رضوان الله عليه)، و ممَّا ورد في ذلك ما كتبه الإمام الرضا (عليه السلام) في جوابه للمأمون الذي سأل فيه ((أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الايجاز والاختصار، فكتب (عليه السلام) له أنَّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا، قیُّومًا سميعًا بصيرًا قديرًا قدیمًا قائمًا باقيًا، عالمًا لا يجهل، قادرًا لا يعجز، غنيًا لا يحتاج، عدلًا لا يجور، وأنَّه خالق كلَّ شيء، وليس كمثله شيء، لا شبه له ولا ضدَّ له ولا ندَّ ولا كفؤ له، وأنَّه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة، وأنَّ محمدا عبده ورسوله وأمينه وصفيه وصفوته من خلقه، وسيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين، لا نبيَّ بعده ولا تبديل لملته ولا تغيير لشريعته، والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، والذين مضوا على منهاج نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن یاسر، وحذيفة اليماني، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم (رضي الله عنهم) ورحمة الله عليهم، والولاية لاتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهداهم، والسالكين منهاجهم رضوان الله عليهم))(1) فالإمام الرضا (عليه السلام) ينصُّ على أنَّ أبا الهيثم (رضوان الله عليه) من

ص: 81


1- عیون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق (المتوفى: 381ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان، 1404 ه - 1984 م: 2 / 129 - 134

الأولياء الذين ثبتوا على منهج النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يغيروا بعده ولم يبدلوا، وإنَّما ثبتوا على ولائهم وعقيدتهم التي أخذوها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانوا حقًّا من الأولياء الذين تجب موالاتهم.

وقد نصَّ الإمام الكاظم (عليه السلام) على أنَّ أبا الهيثم كان من الروافض برواية نقلها عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك بقوله: ((قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لأبي الهيثم ابن التيهان والمقداد وعمار وأبي ذر وسلمان هؤلاء رفضوا الناس، ووالفوا عليا، فسماهم بنوا أمية الرافضة))(1)، ولقب الرافضة فسَّره الإمام الصادق (عليه السلام) في جوابه لأبي بصير عندما قال له: ((إنَّ الناس يسمونا الرافضة، فقال: والله ما سمُّوكم به، ولكنَّ الله سمَّاکم، فإنَّ سبعين رجلًا من خيار بني إسرائيل آمنوا بموسى وأخيه، فسموهم رافضة، فأوحى الله إلى موسى أثبت هذا الاسم لهم في التوراة، ثم ادَّخره الله لينحلكموه. یا أبا بصير رفض الناس الخير، وأخذوا بالشر، ورفضتم الشر وأخذتم بالخير))(2).

فسَّر الإمام الصادق (عليه السلام) ما ورد في رواية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ اكتفى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيان صفة (الرافضة) بالنسبة لأبي الهيثم، والمقداد، وعمار، وأبي ذر، وسلمان (رضوان الله عليهم)، أمَّا الإمام الصادق (عليه السلام) فإنَّه بيَّن البعد الزماني لهذا الوصف فوضع يده على ولادته الأولى مع النبي موسى (عليه السلام)، ولذلك لا مشاحَّة بين الروايتين.

وممَّا سبق يمكن أن نستنتج أنَّ أبا الهيثم كان من رؤوس المعارضة الأولى

ص: 82


1- الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (المتوفى: 877 ه)، تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد الباقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية: 76
2- الصراط المستقیم: 76

لحكومة السقيفة وما تلاها من حكومات مخالفة لأهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّ أبا الهيثم كان من النواة الأولى لشيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بعدما رفض الانصياع إلَّا لإمامه المنصَّب من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد عدَّه الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه) من السابقين الأولين الذين نصَّت عليهم الآية القرآنية «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1)، فقال: ((والسابقون الأولون من المهاجرين، هم: أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وخباب، وزيد بن حارثة، وعمار وطبقتهم. ومن الأنصار النقباء المعروفون، كأبي أيوب، وسعد بن معاذ، وأبي الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، ومن كان في طبقتهم من الأنصار))(2). أمَّا الشيخ الصدوق (أعلى الله مقامه) فقد ذهب إلى وجوب موالاة أبي الهيثم ومن كان على شاكلته، وذلك بقوله: ((وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد (عليهم السلام)، وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك، ومنعوها میراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهموا بإحراق بيتها، وأسَّسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام: أئمة الضلال وقادة الجور کلهم أولهم وآخرهم واجبة، والبراءة من أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل

ص: 83


1- سورة التوبة: 100
2- الإفصاح، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه)، تحقيق: مؤسسة البعثة، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 - 1993 م: 78

أمير المؤمنين (عليه السلام) واجبة، والبراءة من جميع قتلة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة، والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) واجبة مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود الكندي، وعمار بن یاسر، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله ابن الصامت، وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، ومن نحا نحوه، وفعل مثل فعلهم، والولاية لاتباعهم والمقتدين بهم وبهداهم واجبة))(1).

والخلاصة أنَّ أبا الهيثم كان من المرضيين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعند أهل البيت (عليهم السلام)، ولذلك كان من الأولياء الصالحين، الذين تجب مولاتهم والاقتداء بهم.

ص: 84


1- الخصال: 607 - 608

المبحث السادس: موقف أبي الهيثم (رضوان الله عليه) اتِّجاه حكومة السقيفة:

اشارة

لمَّا استشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اجتمع القوم في السقيفة وانتهوا إلى تولية أبي بكر حاكمًا على المسلمين، مبعدين بذلك أهل بيته (عليهم السلام) وعشيرته، وقد روى البراء بن عازب ذلك المشهد بقوله: ((لم أزل لبني هاشمٍ محبا؛ فَلَمَّا قبض رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ [وآلهِ] وَسلم) تخوفت أَن تتمالأ قُرَيْش على إِخْرَاج هَذَا الْأَمر من بني هَاشم؛ فأخذني مَا يَأْخُذ الواله العجول مَعَ مَا فِي نَفسِي من الْحزن لوفاة النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ [وآلهِ] وَسلم) وَقد مَلأ الهاشميون بَيتهمْ، فَكنت أتردد بَينهم وَبَين الْمَسْجِد أتفقد وُجُوه قُرَيْش، فَإِنِّي لكذلك إِذْ فقدت أَبَا بكر وَعمر، ثمَّ لم ألبث إِذْ أَنا بأبي [بكر] قد أقبل فِي أهل السَّقِيفَة، وهم يحتجزون الأزر الصنعانية، لَا يَمرونَ بِأحد إِلَّا خطبوه، فَإِذا عرفوه قدموه فمدوا يَده، فمسحوها على يَد أبي بكرٍ، وَقَالُوا لَهُ: بَايع. شَاءَ ذَلِك أَو أَبي، فأنكرت عِنْد ذَلِك عَقْلِي، وَخرجت مسرعًا حَتَّى انتَهَيْت إِلَى بني هَاشم - وَالْبَاب مغلقٌ - فَضربت الْبَاب عَلَیْهِم ضربًا عنيفًا، وَقلت: قد بَايع النَّاس أَبَا بكر بن أبي قُحَافَة. فَقَالَ الْعَبَّاس: ترحت أَیْدِیکُم إِلَى آخر الدَّهْر؛ أما إِنِّي قد أَمرتكُم فعصيتموني. قَالَ الْبَراء: فَمَكثت أكابد مَا فِي نَفسِي، وَرَأَيْت فِي اللَّيْل الْمِقْدَاد بن الْأسود، وَعبادَة بن الصَّامِت، وسلمان الْفَارِسِي، وَأَبا ذَر وَأَبا الْهَيْثَم بن التيهَان، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَإِذا هم يُرِيدُونَ أَن

ص: 85

يعود الأمر شُورَی بَين الْمُهَاجِرين، وَبلغ ذَلِك أَبَا بكر وَعمر فأرسلا إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح وَإِلَى الْمُغيرَة بن شُعْبَة، فسألاهما عَن الرَّأْي؛ فَقَالَ الْمُغيرَة: أرى أَن تلقوا الْعَبَّاس فتجعلوا فِي هَذَا الْأَمر نَصِيبًا لَهُ ولعقبه، فتقطعوا بذلك نَاحيَة عَليّ بن أبي طَالب [عليه السلام]، فَانْطَلق أَبُو بكر وَعمر وَأَبُو عُبَيْدَة والمغيرة، حَتَّى دخلُوا على الْعَبَّاس فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة من وَفَاة النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسلم)، فَحَمدَ أَبُو بکر الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ الله ابتعث لكم مُحَمَّدًا (صلى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسلم) نَبيا، وَلِلمُؤْمنِينَ وليا، فَمنَّ الله عَلَيْهِم بِکَوْنِهِ بَين ظهرانيهم، حَتَّى اخْتَار لَهُ مَا عِنْده فخلَّى على النَّاس أُمُورهم، ليختاروا لأَنْفُسِهِمْ فِي مصلحتهم، متفقين لَا مُخْتَلفين، فاختاروني عَلَيْهِم واليًا، ولأمورهم رَاعيا؛ فتوليت ذَلِك عَلَيْهِم، وَمَا أَخَاف بعون الله وتسديده وَهنًا وَلَا حيرةً وَلَا جبنا، «... وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»(1)، وَمَا انْفَكَّ يبلغنِي عَن طاعنٍ يَقُول بِخِلاَف عَامَّة المُسلمين، يتخذكم لجئًا فتكونوا حصنه المنيع، وخطبه البديع، فإمَّا دَخَلْتُم فِيمَا اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس، أَو صرفتموهم عَمَّا مالوا إِلَيْهِ، وَقد جِئْنَا وَنحن نُرِيد أَن نجْعَل لَك فِي هَذَا الْأَمر نَصِیبا، يكون لَك ويمون لمن بعْدك إِذْ كنت عَمَّ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسلم). وَإِن كَانَ النَّاس قد رَأَوْا مَكَانك من رَسُول الله وَمَکَان أَصْحَابك فعدلوا هَذَا الْأَمر عَنْکُم، وعَلى رسلکُمْ بني هَاشم؛ فَإِنَّ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسلم) منَّا ومنکم، فَقَال عمر: إِي والله، وَأُخْرَى أَنَّا لم نأتكم حَاجَة إِلَيْكُم، وَلَكنَّا کرهنا أَن يكون الطعْن فِيمَا اجْتمع عَلَيْهِ المُسلمُونَ مِنْکُم، فيتفاقم الْخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم ولعامَّتكم، فَحَمدَ الله الْعَبَّاس وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِنَّ الله ابتعث مُحَمَّدًا (صلى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسلم) - کَمَا وصفت - نَبیا وَلِلْمُؤْمنِينَ ولیَّا،

ص: 86


1- سورة هود: 88

فَمنَّ الله بِهِ... حَتَّى اخْتَار لَهُ مَا عِنْده، فَخَلَّ النَّاس على أَمرهم مختارو لأَنْفُسِهِمْ، مصيبين للحق، لَا مائلين بزبغ الْهوى، وَإِن كنت برَسُول الله (صلى الله عَلَيهِ [وآله] وَسلم) طلبت فحقَّنا أخذت، وَإِن كنتَ بِالْمُؤْمِنِينَ طلبت فَنحْن مِنْهُم، مَا تقدمنا فِي أَمرکُم فرطا، وَلَا حللنا وسطا، وَلَا برحنا سخطًا، وَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر إِنَّمَا يجب لَك بِالمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجب إِذْ کُنَّا کارهين؟ وَمَا أبعد قَولك إِنَّهُم طعنوا عَليْك من قَوْلك إِنَّهُم مالوا إِلَيْك! وَأمَّا مَا بذلت فَإِن يكن حَقك أعطيتناه فأمسكه عَلَيْهِ، وَإِن يكن حق المُؤمنِينَ فَلَیْسَ لَك أَن تحكم فِيهِ، وَإِن يكن حَقنا لم نرضَ مِنْك بِبَعْضِه دون بعض، وَمَا أَقُول هَذَا أروم صرفك، وَلَكِن للحجة نصِيبهَا من الْبَيَان، وَأمَّا قَوْلك: إِنَّ رَسُول الله منَّا ومنکم، فَإِنَّ رَسُول الله (صلى الله عَلَيْهِ [وآله] وَسلم) كَانَ من شَجَرَة نَحن أَغْصَانهَا وَأَنْتُم جِيرَانهَا، وَأمَّا قَوْلك يَا عمر إِنَّك تخَاف النَّاس علينا، فَهَذَا الَّذِي تقدمتم بِهِ أول ذَلِك))(1).

وهذا النص يكشف عن معارضة أبي الهيثم لحكومة السقيفه مع النفر الذين كانوا معه، وقد اتَّخذوا من بني هاشم محورًا لهم ومركزًا لحركتهم، وأمَّا مطالبتهم بأن يرجع الأمر شوری بین المسلمين فإنَّه من باب إلزام الخصم والتنزُّل في الحجاج من أجل البرهنة، أي أنَّ القوم عندما رفضوا الوصية في خلافة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فإنَّ أبا الهيثم وأصحابه طالبوهم بالشورى التي تؤول حتمًا إلى تنصيب أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وذلك لأنَّ القوم استغلوا انشغال بني هاشم ووجوه الصحابة بتجهیز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم الثقل الأكبر، وأخذوا الناس على حين غفلة فنصَّبوا أبا بكر حاکمًا، ولو اجتمع وجوه

ص: 87


1- نثر الدر في المحاضرات، منصور بن الحسين الرازي، أبو سعد الآبي (المتوفي: 421 ه)، تحقيق: خالد عبد الغني محفوط، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 ه - 2004م: 1 / 277 - 279

الصحابة كأبي الهيثم والمقداد وعمَّار وسلمان وابن اليمان ومن بطبقتهم لما آل الأمر إلى أبي بكر.

ویُذكر موقف آخر لأبي الهيثم (رضوان الله عليه) عند استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك ((لمَّا قُبِضُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ)، شَمِتَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَی بِأَهْلِ الإِسْلامِ، وَظَهَرَ النِّفَاقُ فِي الْمَدِينَةِ مِمَّنْ كَانَ یُخْفِيهِ قَبْلَ ذلك، وماج الناس وَاضْطَرَبُوا، وَأَقْبَلَ مَالِكُ بْنُ التَّیِّهَانِ الأَنْصَارِيُّ حَتَّى وَقَفَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَنْصِتُوا وَاسْمَعُوا مَقَالَتِي، وَتَفَهَّمُوا مَا أُلْقِيهِ إِلَيْكُمْ، اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ شَمِتَتِ الْيَهُودُ واَلنَّصَارَی بِمَوْتِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ الَّسلامُ)، وَقَدْ ظَهَرَتْ حَسِیكَةُ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَعِظَمُ الْمَصَائِبِ عَلَيْنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ خَرَجَ بِأَرْضِ الْيَمَامَةِ بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ، وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ نبينا (صلّی الله عليه وآله وَسَلَّمَ)، وَالآنَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَیْلِدٍ الأَسَدِيَّ أَيْضًا قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِبِلادِ نَجْدٍ، وَأَنَا وَالله خَائِفٌ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ أَنْ تَرْتَدَّ عَنْ دِينِ الإِسْلامِ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَذَا الأَمْرِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُوَ وَالله الْهَلاكُ والبوار، ثم أنشأ أبو الهيثم يقول:

أَلا قَدْ أَرَى أَنَّ الْفَتَى لَمْ يَخْلُدِ ٭٭٭ وَأَنَّ الْمَنَايَا لِلرِّجَالِ بِمَرْصَدِ

لَقَدْ جُدِّعَتْ آذَانُنَا وَأُنُوفُنَا ٭٭٭ غَدَاةَ فُجِعْنَا بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ

نَصَارَى يَقُولُونَ الشَّجَا وَمُنَافِقٌ ٭٭٭ وَكُلُّ كَفُورٍ شَامِتٍ مُتَهَوِّدِ

ثَلاثَةُ أصْنَافٍ مِنَ النَّاسِ كُلُّهُمْ ٭٭٭ یَرُوحُ عَلَيْنَا بِالسِّنَانِ وَيَغْتَدِي

تَكَلَّمَ أَهْلُ الْكُفْرِ مِنْ بَعْدِ ذِلَّةٍ ٭٭٭ لِغَيْبَةِ هَادٍ كَانَ فِينَا وَمُهْتَدِ

وَأَرْعَدَ كَذَّابَ الْيَمَامَةِ جَهْدَهُ ٭٭٭ وَأَكْلَبَ فِينَا بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ

وَدَانَاهُ فِيمَا قَالَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ ٭٭٭ أَخُو الْجَهْلِ حَقًّا طَلْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدِ

ص: 88

فَإِنْ يَكُ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُم شَمَاتَةٌ ٭٭٭ فَلا تَأْمَنُوا مَا يُحْدِثُ الله فِي غَدِ

وَمَا نَحْنُ إِنْ لَمْ يَجْمَعِ الله أَمْرَنَا ٭٭٭ بِخَيِر قَرَيْشٍ كُلِّهَا بَعدَ أَحْمَدِ

بِأَمْنَعِ مَنْ شَاءَ بِقَفْرٍ مَطِيرَةٍ ٭٭٭ وَفَقْعَةِ قَاعٍ أَوْ ضِبَاعٍ بِفَدْفَدِ

وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِنَا ٭٭٭ عَلِيٌّ أَوِ الصِّدِّيقُ أَوْ عَمْرٌو مِنْ غَدِ

وَتَعْدُو زَكَاةُ الحَيِّ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ ٭٭٭ وأنصار هذا الدين من كلّ معتد

وَأَمْسَى مُسَيْلِمٌ(1)فِي الْيَمَامَةِ غَالِبًا ٭٭٭ عَلَى النَّاسِ طُرًّا بِالْقَنَا وَالْمُهَنِّدِ))(2) ((ولعل الأبيات الثلاثة [الأخيرة] إضافة من متأخر))(3). وهذا هو الصحيح لأنَّ الثابت عن أبي الهيثم (رضوان الله عليه) ولاؤه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومعارضته لأبي بكر وحكومته، ولكن يأبى الظالمون إلَّا أن يسعوا إلى اطفاء نور الله بأفواههم ويأبى الله إلّا أن يُتمَّ نوره. وممَّا يدلُّ على ولاء أبي الهيثم لأمير المؤمنين (عليه السلام) و معارضته لأبي بكر وحكومته، ما روي عنه في انكاره مع جملة من أنكر على أبي بكر في أوَّل جلوسه على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وملخص الحادثة أنَّ ((اثني عشر رجلًا من المهاجرين والأنصار: عمرو بن سعید العاص، والمقداد بن الأسود، وعمار بن یاسر، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وبريدة بن حصيب الأسلمي، وكان من الأنصار: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وسهل وعثمان ابنا حنيف، وأبو أيوب خالد بن زید الأنصاري، وأبو الهيثم بن

ص: 89


1- قال محقق الكتاب ((في الأصل: (مسیلمة في اليمامة غالب) وهي محتلة الوزن ويستقیم بما أثبتنا))
2- الردة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنی بن حارثة الشيباني، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفى: 207 ه)، تحقيق: يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 ه - 1990 م: 1 / 28 - 31، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - والثلاثة الخلفاء: 2 / 67 - 68
3- الردة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنى بن حارثة الشيباني: 1 / 31 هامش المحقق

التيهان، وأبي بن كعب، وناس من إخوانهم من المهاجرين والأنصار. فلمَّا صعد أبو بكر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله تشاجروا بينهم في أمره. فقال بعضهم: هلا نأتيه فنزيله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وقال آخرون: إنَّكم إن أتيتموه لتزيلوه عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعنتم على أنفسكم، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((لا ينبغي للمؤمن أن يذلَّ نفسه))، ولكن امضوا بنا إلى علي (عليه السلام) نستشيره ونطلع رأيه.

فأتوا عليًا (عليه السلام) فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ضيعت نفسك وأضعت حقك لمن أنت أولى بالأمر منه، وقد أردنا أن نأتي الرجل فنزيله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونعلمه أنَّ الحق حقك وأنت أولى بالأمر منه، فكرهنا أن نركب أمرًا دون مشاورتك.

فقال لهم علي (عليه السلام): لو فعلتم ذلك ما کنتم وهم إلَّا كالکحل في العين والملح في الزاد، وقد أضيعت الأمة الناكبة التاركة قول نبيها (صلى الله عليه وآله)، والكاذبة على ربِّها ببيعته، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي وصالح المؤمنين فأبوا إلَّا السكوت بما يعلمون من وغرة صدور القوم، وبغضهم لله ولأهل بیت رسول (الله صلى الله عليه وآله)، يطلبونهم بالتبول(1)وتراث الجاهلية. وأيم الله لو فعلتم ذلك لكنتم كأنا إذ أتوني وقد شهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال، حتى قهروني على نفسي وقالوا: بایع وإلَّا قتلناك، فلم أجد إلَّا أن أدفع القوم عن نفسي، وذاك أنِّي ذكرت قول رسول (الله صلى الله عليه وآله): ياعلي، إنَّ القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر،

ص: 90


1- ((التبْلُ عَدَاوةٌ يُطلَبُ بَها یُقَال: قد تَبَلَني فلانٌ ولي عِنْده تَبْل والجميع التُّبول)) تهذيب اللغة: 14 / 207 (مادة: تَبَلَ)

فإنَّهم سيغدرون بك لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلًا على نفسك لإذلالك، فإنَّ الأمة ستغدر بك من بعدي، كذلك أخبرني به جبرئیل (عليه السلام).

ولكن ائتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من قول نبیکم (صلى الله عليه وآله) ولا تدعوه في شبهة من أمره ليكون ذلك أعظم للحجة عليه، وأبلغ فيه في عقوبته إذا أتى ربَّه وقد عصى نبيه وخالف أمره. فانطلقوا في يوم جمعة حتَّى حفوا بمنبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: يا معشر المهاجرين، إنَّ الله (عز وجل) قد قدَّمكم فقال: «لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ...»(1)، وقال: «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ...»(2). فكان أوَّل من تكلم عمرو بن سعید بن العاص، فقال: يا أبا بكر، اتَّقِ الله، فقد علمت ما تقدم لعلي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال لنا ونحن محتوشوه بيوم بني قريضة، إذ فتح الله على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد قتل علي (عليه السلام) عشرة من رجالهم وأولي النجدة منهم، فقال (رسول الله صلى الله عليه وآله): يا معشر المهاجرين والأنصار، إنِّي أوصيكم بوصية فأحفظوها، وموعز إليكم أمرًا فأحفظوه، ألا وإنَّ علي بن أبي طالب أمير کم من بعدي وخليفتي فيكم، أوصاني بذلك ربي، على أنَّكم إن لم تحفظوا فيه وتوازروه ولم تنصروه اختلفتم في أحكامكم، واضطرب عليكم أمر دینکم، وولاكم شراركم، ألا إنَّ أهل بيتي هم الوارثون لأمري، القائمون بأمر أمتي من بعدي. اللهمَّ فمن أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشره في زمرتي، وأجعل له من مرافقتي نصيبًا يدرك به فوزه الآخرة، اللهمَّ من أساء خلافتي فيهم فاحرمه الجنة التي

ص: 91


1- سورة التوبة: 117
2- سورة التوبة: 100

عرضها السماوات والأرض.

قال عمر: اسكت يا عمرو، فلست من أهل المشورة ولا ممن يُرضي بقوله. فقال له عمرو: اسکت یابن الخطاب، فوالله إنَّك لتعلم أنَّك تنطق بغير لسانك، وتعتصم بغير أركانك، والله إنَّ قريشًا لتعلم أنَّك ألأمها حسبا، وأدناها منصبا، وأخملها ذكرا، وأقلَّهاغنىً عن الله تعالى، وعن رسوله (صلى الله عليه وآله)، وإنك لجبان عند الحرب، وأنت لئيم العنصر، مالك في قريش من مفخر. قال: فسکت عمر وجعل يقرع سنَّه بأنامله.

ثمَّ قام أبو ذر الغفاري (رحمه الله)، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله، ثمَّ قال: أمَّا بعد، یا معشر قريش، ویا معشر المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، لقد علمتم وعلم خياركم أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الأمر من بعدي لعلي ثم في أهل بيتي من ولد ابني الحسين. فأطر حتم قول نبیکم، ونسيتم ما أوعز إليكم، واتبعتم الدنيا الفانية، وبعتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شبابها، ولا يزول نعيمها، ولا يحزن أهلها، ولا يموت ساكنها... وكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد أنبيائها، وبدلت وغیرت واختلفت، فحاذيتموهم حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، عمَّا قليل تذوقوا وبال أمركم، وما قدَّمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد.

ثمَّ قام سلمان الفارسي فقال: يا أبا بكر، إلى من تسند أمرك إذا نزل بك الموت، وإلى من تفزع إذا سئلت عمَّا لا تعلم وفي القوم من هو أعلم منك، وأكثر في الخير إعلاما منك، وأقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرابة منك، قد قدَّمه في حياته، وأوعز إليكم عند وفاته، فنبذتم قوله، وتناسيتم وصيته، فعمَّا قليل يصفو لك الأمر، وتزور القبور، وقد أثقلت الأوزار، وحملت معك إلى قبرك ما

ص: 92

قدمت يداك، فإن راجعت الحق وأنصفت أهله، كان ذلك نجاة لك يوم تحتاج إلى عملك، وتفرد في الآخرة بذنوبك، وقد سمعت کما سمعنا ورأيت كما رأينا، فلم يردعك ذلك عما أنت فاعل، فالله الله في نفسك، فقد أعذر من أنذر، وما الله بظلام للعبيد.

ثم قام المقداد بن الأسود وقال: يا أبا بكر، إربع على ضلعك، وقس على شبرك بفترك، وألزم بيتك وابك على خطيئتك، فإنَّ ذلك أسلم لك في حياتك ومماتك، وتردَّ هذا الأمر حيث جعله الله (عزَّ وجل) ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ولا تركن إلى الدنيا، ولا يغرَّنك من قريش أوغادها، فعمَّا قليل يضمحل عنك دنياك، ثمَّ تصير إلى ربِّك فيجزيك بعملك، وقد علمت أن عليًا (عليه السلام) صاحب هذا الأمر من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاجعله له، فإنَّ ذلك أسلم لك، وأحسن لذكرك، وأعظم لأجرك، وقد نصحت لك إن قبلت نصحي، وإلى الله ترجع بخير كان أو بشر.

ثم قام بريدة بن حصيب الأسلمي فقال: يا أبا بكر، أنسيت أم تناسيت أم خدعتك نفسك، أما تذكر إذ أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلمنا على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، ونبینا بين أظهرنا، فاتَّقِ الله وتدارك نفسك قبل أن لا تداركها، وادفع هذا الأمر إلى من هو أحق به منك من أهله، ولا تماد في اغتصابه، وأرجع وأنت مستطيع أن ترجع، فقد محضت نصحك وبينت لك ما عندي، ما إن فعلته وفقت ورشدت.

ثمَّ قام عمار بن یاسر فقال: يا معاشر قریش، قد علمتم أنَّ أهل بیت نبیکم أحقُّ بهذا الأمر منکم، فمروا صاحبكم فليردَّ الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم، ويضعف مسلككم، وتخلفون فيما بينكم، فقد علمتم أنَّ بني هاشم أولى

ص: 93

بهذا الأمر منكم، وأقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن قلتم: إنَّ السابقة لنا فأهل بیت نبیکم أقدم منکم سابقة، وأعظم غنیً من صاحبكم، وعلي بن أبي طالب صاحب هذا الأمر من بعد نبیکم، فأعطوه ما جعله الله له، ولا تردُّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين.

ثمَّ قام سهل بن حنيف الأنصاري فقال: يا أبا بكر، لا تجحد حقًا ما جعله الله لك، ولا تكن أول من عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته، وأدِّ الحقَّ إلى أهله تخفف عن ظهرك ثقل وزرك، وتلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) راضيًا، ولا تخص به نفسك، فعمَّا قليل ينقضي عنك ما أنت فيه، ثمَّ تصير إلى الملك الرحمن فيحاسبك بعملك، ويسألك عمَّا جئت له، وما الله بظلَّام للعبيد.

ثمَّ قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال: يا أبا بكر، ألست تعلم أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قال: نعم، قال: فأشهد أنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي إمامكم بعدي.

قال: وقام أبي بن كعب الأنصاري فقال: أشهد أنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم.

وقام أبو الهيثم بن التيهان قال: وأنا أشهد على نبينا (صلى الله عليه وآله) أنَّه أقام عليًا علينا لنسلم، فقال بعضهم: ما أقامه إلَّا للخلافة، وقال بعضهم: إلَّا ليعلم الناس أنَّه مولى من كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مولاه، فتشاجروا في ذلك، فبعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلًا يسأله عن ذلك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هو ولیکم بعدي، وأنصح الناس لكم بعد وفاتي.

وقام عثمان بن حنيف الأنصاري فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه

ص: 94

وآله) يقول: أهل بيتي نجوم الأرض ونور الأرض، فلا تَقْدِمُوهم فهم الولاة بعدي، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، وأيُّ أهل بيتك أولى بذلك؟ فقال: علي وولده.

وقام أبو أيوب الأنصاري فقال: اتَّقوا الله في أهل بیت نبیکم، وردُّوا إليهم حقَّهم الذي جعله الله لهم، فقد سمعنا مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبينا (صلى الله عليه وآله)، ومجلس بعد مجلس يقول: أهل بيتي أئمتكم بعدي.

قال: فجلس أبو بكر في بيته ثلاثة أيام، فأتاه عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل، فأتاه كلٌّ منهم متسلحًا في قومه حتَّى أخرجوه من بيته، ثمَّ أصعدوه على المنبر وقد سلوا سيوفهم))(1).

وهكذا كان أبو الهيثم مالك بن التيهان في طليعة المعارضين لحكم السقيفة، ولم یکتم معارضته؛ بل صرَّح بها على رؤوس الأشهاد، ولم تأخذه في الحقِّ لومة لائم، فكان مثالًا للمخلص لدينه وعقيدته، لأنَّه كان يعلم بأنَّ الدنيا زائله، وما هي إلَّا برهةً من الزمن فينقلب إلى ربِّه يسأله عمَّا فعل، ولذلك فهو بذل هذه البرهة القصيرة من العمر في سبيل خلود دائم، ونعيم لا يزول. ولم يكن أبو الهيثم مجاهدًا بسيفه فقط، وإنَّما كان بلسانه كذلك، فكان يقول الحقَّ ولا يخشى فيه لومة لائم.

ص: 95


1- اليقين، السيد ابن طاووس (المتوفي: 664 ه)، تحقيق: الأنصاري، نمونه، مؤسسة دار الكتاب (الجزائري)، الطبعة: الأولى، (ربيع الثاني 1413 ه): 336 - 342

ص: 96

الفصل الثاني حياة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام)

ص: 97

ص: 98

المبحث الأول: المهام التي أوكلها أمير المؤمنين (عليه السلام)

إلى أبي الهيثم (رضوان الله عليه)

أولًا: أبو الهيثم (رضوان الله عليه) يأخذ البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام):

بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفَّان اجتمع المسلمون على بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد كان رافضًا لبيعتهم في بادئ الأمر لأنَّه كان على علمٍ بما تؤول إليه الأحداث التي سيطرت عليها الفتنة من كلِّ الجهات، ولكنَّ المسلمين أصرُّوا عليه بالبيعة مجتمعين عليه مبايعين له: ((فقام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي وآله، ثمَّ قال: أمَّا بعد، فإنِّي قد كنت کارهًا لهذه الولاية، يعلم الله في سماواته وفوق عرشه على أمِّة محمد (صلى الله عليه وآله) حتى اجتمعتم على ذلك، فدخلت فيه، وذلك أنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أيمَّا والٍ ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حدِّ الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن نجا فبعدله، وإن جار انتقض به الصراط انتقاضةً تزيل ما بين مفاصله، حتَّى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام، يخرق به الصراط، فأوَّل ما يُلقى به النار أنفه وحر وجهه. ولكنِّي لمَّا اجتمعتم عليَّ نظرت فلم يسعني ردكم حيث اجتمعتم، أقول ما سمعتم، واستغفر الله لي ولكم. فقام إليه الناس فبايعوه، فأوَّل من قام فبايعه طلحة والزبير، ثمَّ قام المهاجرون والأنصار وسائر الناس حتى بايعه الناس، وكان

ص: 99

الذي يأخذ عليهم البيعة عمار بن یاسر وأبو الهيثم بن التيهان، وهما يقولان: نبايعكم على طاعة الله وسُنَّة رسوله، وإن لم نفِ لكم فلا طاعة لنا علیکم، ولا بيعة في أعناقكم، والقرآن إمامنا وإمامكم))(1).

وهذه الحادثة تبين عظم منزلة أبي الهيثم (رضوان الله عليه)، فإنَّه لم يُبايع أمير المؤمنين (عليه السلام) فحسب؛ وإنَّما كان يأخذ البيعة من الناس ويجعل نفسه من المعنيين بالبيعة بقوله: (نبايعكم على طاعة الله وسُنَّة رسوله، وإن لم نفِ لكم فلا طاعة لنا علیکم، ولا بيعة في أعناقكم، والقرآن إمامنا وإمامكم)، وهذا يكشف عن القرب الذي حظي به هذا الصحابي من أمير المؤمنين (عليه السلام) حتَّى صار يتكلم بلسانه (صلوات الله عليه).

ثانيًا: إشراف أبي الهيثم ((رضوان الله عليه) على بيت المال:

عندما تسلم أمير المؤمنين (عليه السلام) مقاليد الحكومة الإسلاميَّة بعد مقتل الحاكم الثالث التَّفَّ حوله خيرة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عامَّة فئات المجتمع، وبدأ بتوزيع مسؤوليات إدارة الحكومة على الأكفَّاء من الصحابة والتابعين، ومن أوَّل ما بدأ به هو انتخاب مجموعة تدیر بیت المال وتوزِّع العطايا على مستحقِّيها، وقد انتدب لذلك ثلاثة من الصحابة، وهم أبو الهيثم مالك بن التيهان، وعمار بن یاسر، وعبد الله بن أبي رافع (رضوان الله عليهم)، فكتب لهم: ((العربي والقرشي والأنصاري والعجمي وكل من كان في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء))(2)، ثمَّ قال لهم: ((اجمعوا الناس، ثم انظروا

ص: 100


1- الأمالي، الشيخ الطوسي (المتوفي: 460 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم، الطبعة: الأولى، 1414 ه: 728
2- الاختصاص، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 ه - 1993

إلى ما في بيت مالهم فاقسموه بینهم بالسوية. فحسبوا، فوجدوا نصيب كل واحد منه ثلاثة دنانير، فأمرهم يقعدون للناس ويعطوهم. قال: وأخذ مكتله ومسحاته، ثم انطلق إلى بئر الملك، فعمل فيها، فأخذ الناس ذلك القسم حتى بلغوا الزبير، وطلحة، وعبد الله بن عمر أمسكوا بأيديهم وقالوا: هذا منكم أو من صاحبكم؟ قالوا: بل هذا أمره، لا نعمل إلا بأمره. قالوا: فاستأذنوا لنا عليه، قالوا: ما عليه إذن، هو ذا ببئر الملك يعمل، فركبوا دوابهم حتى جاءوا إليه، فوجدوه في الشمس ومعه أجير له يعينه، فقالوا له: إنَّ الشمس قد آذتنا، فارتفع معنا إلى الظل فارتفع معهم إليه، فقالوا له: لنا قرابة من نبي الله، وسابقة وجهاد وأنك أعطيتنا بالسوية ولم يكن عمر ولا عثمان يعطوننا بالسوية، كانوا يفضلونا على غيرنا، فقال علي (عليه السلام): أيُّهما عندكم أفضل: عمر، أو أبو بكر؟ قالوا: أبو بكر، قال: فهذا قسم أبي بكر، وإلا فدعوا أبا بكر وغيره، هذا كتاب الله فانظروا ما لكم من حق فخذوه، قالا: فسابقتنا! قال: أنتما أسبق مني بسابقتي؟ قالوا: لا، قالوا: قرابتنا بالنبي؟ قال: أقرب من قرابتي؟ قالوا: لا، فقالوا: فجهادنا! قال: أعظم من جهادي؟ قالوا: لا، قال: فو الله ما أنا في هذا المال وأجيري هذا إلا بمنزلة سواء. قالا: فتأذن لنا في العمرة؟ قال: ما العمرة تريدان؟ وإني لأعلم أمركم وشأنكم، فاذهبا حيث شئتما فلمَّا ولَّيا، قال: فمن نكث فإنمَّا ينكث على نفسه))(1).

وفي رواية أُخرى أنَّ طلحة والزبير قالا له (عليه السلام): ((إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفيء، فأعطونا کما أعطي سائر الناس، قال: (فما تريدان؟) قالا:

ص: 101


1- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي (المتوفي: 573 ه)، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) / بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، الطبعة: الأولى، كاملة محققة، ذي الحجة 1409، المطبعة: العلمية - قم: 1 / 186 - 187

ليس كذلك كان يعطينا عمر قال (عليه السلام): (فما كان يعطيكما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟) فسكتا، فقال (عليه السلام): (أليس كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم بين المسلمين بالسوية؟) قالا: نعم، قال: (فسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالاتباع عندکما، أم سنة عمر؟) قالا: سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن لنا يا أمير المؤمنين سابقة وعناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس فافعل، قال: (سابقتكما أسبق أم سابقتي؟) قالا: سابقتك، قال: (فقرابتكما أقرب أم قرابتي؟) قالا: قرابتك، قال: (فعناؤکما أعظم أم عنائي؟) قالا: بل أنت يا أمير المؤمنين أعظم عناء، قال: (فو الله ما أنا وأجيري هذا في المال إلا بمنزلة واحدة) وأومأ بيده إلى الأجير الذي بين يديه))(1).

ومن المعروف أنَّ إسناد إدارة بيت المال لأشخاصٍ معينين يكشف عن أمانتهم في الحفاظ على أموال المسلمين، وحرصهم على أن تصل تلك الأموال إلى مستحقِّيها، وكذلك معرفتهم بالحساب وكيفية التوزيع، وهذه الأمور كانت تتوفَّر في شخصية أبي الهيثم (رضوان الله عليه)، ولذلك وقع اختيار أمير المؤمنين عليه في إدارة وتوزيع الأموال على مستحقِّيها.

ص: 102


1- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي (المتوفى: 1320 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1408 - 1988 م: 11 / 90 - 91

المبحث الثاني: دور أبي الهيثم في حربي الجمل وصفين

أولًا: حرب الجمل:

بعد أن رأى طلحة والزبير من عدالة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وشدَّته وبأسه في التسوية بين الرعيَّة، لم يرق لهم هذا النظام؛ لأنَّهم قد تعودوا على نظام الطبقية، وأن لا يساوی بهم غيرهم، ولذلك قرَّرا الثورة ضد هذا النظام الذي يحارب مصالحهم الشخصية وطموحهم بالملك والرياسة، وقد وجدوا في عائشة والثأر لعثمان واجهةً يستطيعون النفوذ من خلالها لتنفيذ مآربهم في تحريك عواطف المسلمين وتأجيجهم للثورة ضدَّ عدالة أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

فاتَّجه طلحة والزبير مع عائشة إلى البصرة لإعلان التمرد فيها ونقض البيعة، وقد اختارا البصرة دون غيرها لما فيها من أموال وفيرة، إذ كان بيت مالها غاصًّا بالذهب والفضة، ولذلك كانت السيطرة عليه تمثل مغنمًا كبيرًا للمتمردين، لأنَّهم بأموال البصرة يستطيعون تجهيز الجيوش وإعداد العدَّة والعدد لمحاربة الخليفة الشرعي.

ولمَّا علم بهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جمع أهل المدينة وألقى فيهم خطبة جاء فيها: ((وَقَالَ: إِنَّ آخِرَ هَذَا الأَمْرِ لا یَصْلُحُ إِلا بِمَا صَلَحَ أَوَّلُهُ، فَقَدْ رَأَیْتُمْ عَوَاقِبَ قَضَاءِ الله (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى مَنْ مَضَی مِنْکُمْ، فَانْصُرُوا الله

ص: 103

يَنْصُرْکُمْ وَيُصْلِحْ لَکُمْ أَمْرَکُمْ))(1).

وقيل: إنَّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لما بلغه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة ((نادي: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) قلنا: نحن أهل بيته، وعصبته، وورثته، وأولياؤه، وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) منا، وولوه غيرنا، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا. وقد ولي ذلك ولاة، ومضوا لسبيلهم، ورد الله الأمر إلي، وقد بايعني هذان الرجلان طلحة والزبير فيمن بايعني، وقد نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسکم بینکم، اللهم فخذهما بغشهما لهذه الأمة، وسوء نظرهما للعامة.

فقام أبو الهيثم بن التيهان (رحمه الله) وقال: يا أمير المؤمنين إنَّ حسد قریش إيَّاك على وجهين: أمَّا خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعًا في الدرجة وأمَّا أشرارهم فحسدوك حسدًا أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قریش بقريش، نصرت نبيهم حيّا، وقضيت عنه الحقوق میتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن أنصارك وأعوانك، فمرنا بأمرك.

ص: 104


1- الفتنة ووقعة الجمل، سیف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (المتوفى: 200 ه)، تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، الطبعة: السابعة 1413 ه / 1993 م: 109 - 110، تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 4 / 447

ثم أنشأ يقول:

إنَّ قومًا بغوا عليك وكادوك ٭٭٭ وعابوك بالأمور القباح

ليس من عيبها جناح بعوض ٭٭٭ فيك حقا ولا كعشر جناح

أبصروا نعمة عليك من الله و ٭٭٭ قرما يدق قرن النطاح

وإمامًا تأوي الأمور إليه ٭٭٭ ولجامًا يلينُ غرب الجماح

حاكما تجمع الإمامة فيه ٭٭٭ هاشمیًّا له عراض البطاح

حسدا للذي أتاك من الله ٭٭٭ وعادوا إلى قلوب قراح

ونفوس هناك أوعية البغض ٭٭٭ على الخير للشقاء شحاح

من مسر يکنه حجب الغيب ٭٭٭ ومن مظهر العداوة لاح

يا وصي النبي نحن من الحق ٭٭٭ على مثل بهجة الإصباح

فخذ الأوس والقبيل من الخزرج ٭٭٭ بالطعن في الوغى والكفاح

ليس منا من لم يكن لك في الله ٭٭٭ وليا على الهدى والفلاح

فجزاه أمير المؤمنين (عليه السلام) خيرا، ثم قام الناس بعده فتكلم كل واحد بمثل مقاله))(1).

وعند ذلك استجاب له كبار الصحابة ومنهم: أبو الهيثم بن التيهان، وأبو قتادة، وزياد بن حنظلة، و خزيمة بن ثابت (رضوان الله عليهم)(2)، على أنَّ أوَّل من أجابه إلى الجهاد هو أبو الهيثم مالك بن التيهان وخزيمة بن ثابت (رضوان

ص: 105


1- الأمالي، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه)، تحقيق: حسين الأستاذ ولي، على أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 - 1993 م: 154 - 156
2- ينظر: تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري): 4 / 447، البداية والنهاية: 10 / 440

الله عليهما)(1).

وله شعر آخر في هذه الواقعة يُوبِّخ فيه طلحة والزبير وهذا نصُّه(2):

قل للزبير وقل لطلحة إننا ٭٭٭ نحن الذين شعارنا الأنصار

نحن الذين رأت قريش فعلنا ٭٭٭ يوم القليب أولئك الكفار

كنا شعار نبينا ودثاره يفديه ٭٭٭ منا الروح والأبصار

إنَّ الوصي إمامنا وولينا ٭٭٭ برح الخفاء وباحت الأسرار

وعندما اجتمع الطرفان في معركة الجمل مصطفين، فطلع الزبير وطلحة، ثمَّ طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير والمسور بن مخرمة، ولمَّا اجتمعوا قال: عمَّار بن یاسر (رضوان الله عليه) لأبي الهيثم بن التيهان، ولخالد بن زید، ولأبي أيوب، ولأبي حية، ولرفاعة بن رافع في رجال من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((قوموا إلى هؤلاء القوم، فإنَّه بلغنا عنهم ما نكره من خلاف أمير المؤمنين إمامهم، والطعن عليه، وقد دخل معهم قوم من أهل الجفاء والعداوة، وإنهم سيحملونهم على ما ليس من رأيهم. قال: فقاموا، وقمنا معهم حتَّى جلسوا إليهم، فتكلم أبو الهيثم بن التيهان، فقال: إنَّ لكما لقدمًا في الإسلام وسابقة وقرابة من أمير المؤمنين، وقد بلغنا عنكما طعن وسخط لأمير المؤمنين، فإن يكن أمر لكما

ص: 106


1- ينظر: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر: 2 / 606
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (المتوفىَّ: 656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة: الأولى، 1378 ه - 1959 م: 143 - 144، بحار الأنوار، العلامة المجلسي (المتوفي: 1111 ه)، تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني، السيد كاظم الموسوي المياموي، الطبعة: الثانية المصححة، مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان، 1403 ه - 1983 م: 38 / 20 - 21، مصادر نهج البلاغة وأسانیده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، دار الزهراء، بيروت، الطبعة: الأولى، 1409 ه - 1988 م: 1 / 155

خاصة فعاتبا ابن عمتكما وإمامكما، وإن كان نصيحةً للمسلمين فلا تؤخراه عنه، ونحن عون لکما، فقد علمتما أنَّ بني أمية لن تنصحكما أبدًا، وقد عرفتما عداوتهم لكما، وقد شرکتما في دم عثمان ومالأتما، فسكت الزبير وتکلم طلحة، فقال: افرغوا جميعًا مما تقولون، فإنِّي قد عرفت أن في كل واحد منكم خبطة))(1).

فكان أبو الهيثم (رضوان الله عليه) ناصحًا لهؤلاء القوم، راشدًا إيَّاهم لما فيه خيرهم وصلاحهم، وكان في نصيحته لهم عارفًا بمجريات الأحداث، فقد أعطى الاحتمالات التي ينشأ من أجلها الخلاف، مبينًا الحلَّ الأمثل لكلٍّ منها، فبهت الجميع، ولم يجرأ أحدٌ منهم على الردِّ سوى طلحة الذي طرد الناصحين معلِّلًا طردهم بأنَّ كلَّ واحدٍ فيهم شيء من الحمق وقلة العقل (ضبطه)، وهذا الأسلوب اتَّبعه المشركون مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كانوا يعجزون عن الردِّ عليه يرمونه بالجنون والعياذ بالله.

وهذه النصوص تدلُّ على أنَّ أبا الهيثم (رضوان الله عليه) قد شارك في معركة الجمل، وكان لحضوره أثر في تلك المعركة بوصفه الصحابي البدري العقبي النقيب الذي شارك بكلِّ معارك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك يُعدُّ ولاؤه للإمام علي (عليه السلام) من العلامات الدالة على صحَّة وأحقية منهج الخليفة الشرعي، وظلال وبطلان منهج من خالفه من الناكثين والقاسطين والمارقين.

ثانيًا: حرب صفين:

بعد أن انتهت معركة الجمل بهزيمة الناكثين توجَّه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان وحزبه الذي أعلن تمرده على الخليفة الشرعي، ولم يبادره الإمام بالحرب مباشرةً وإنَّما أرسل إليه رسولًا يبلغه عزله عن ولاية

ص: 107


1- الأمالي، الشيخ الطوسي: 730

الشام، ويطلب منه أخذ البيعة، وقد انبری جریر بن عبد الله البجلي طالبًا من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أن يرسله إلى معاوية بن أبي سفيان وكان من قوله: ((ابعثني يا أمير المؤمنين إليه، فإنّه لم يزل لي مستخصًّا وودا، ...))(1)، وافق أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على اقتراح جرير وقال له: ((ائت معاوية بكتابي، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا فانبذ إليه وأعلمه أنَّي لا أرضى به أميرًا، وأن العامة لا ترضی به خليفة))(2).

وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يعرف نوايا معاوية بن أبي سفيان في طلب السلطة والحكم، ولذلك أراد أن يقطع عليه الطريق فأعلمه منذ البدء أن لا طريق للسلطة في ظل حكومته.

فانطلق جریر حتی أتی الشام، ولمَّا وصل إلى معاوية بن أبي سفيان ((دخل عليه فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أمَّا بعد یا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز واليمن ومصر وعمان والبحرين واليمامة، فلم يبقَ إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها، لو سال عليها من أوديته سیل غرقها وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى متابعة أمير المؤمنين علي))(3). ثمَّ دفع إليه كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيه:

ص: 108


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (المتوفي: 656 ه): 3 / 74
2- وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري (المتوفي: 212 ه)، تحقيق: تحقیق وشرح: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع - القاهرة، الطبعة: الثانية، 1382 ه: 28، الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري (المتوفي: 276 ه)، تحقيق: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، (د ط)، (د ت): 1 / 84، الفتوح: 2 / 506، بحار الأنوار: 32 / 367
3- وقعة صفين: 28، تاریخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر (المتوفي: 571 ه)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمر وي، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 ه - 1995 م : 59 / 128، ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 75، بحار الأنوار: 32 / 367

((بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عليٍّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أمّا بعد فإنّ بيعتي لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بایعوا عليه، فلم يكن لشاهدٍ أن يختار، ولا لغائب أن يرد، وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار؛ فإذا اجتمعوا على رجلٍ وسمَّوه إمامًا كان ذلك رضًا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبی قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيرًا، وإنَّ طلحة والزبير بایعاني ثم نقضا بيعتي وكان نقضها کردهما فجاهدتهما على ذلك حتَّى جاء الحق وظهر أمر الله وهم کارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإنَّ أحب الأمور إليَّ فيك العافية إلا أن تعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثمَّ حاكم القوم إليَّ أحملك وإياهم على كتاب الله، فأمَّا تلك التي تريدها یا معاوية فهي خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني أبرأ قريش من دمِ عثمان، واعلم يا معاوية أنَّك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعرض فيهم الشورى، وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جریر بن عبد الله وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايع ولا قوة إلا بالله))(1).

فلمَّا قرأ الكتاب، قام جرير فخطب، فقال:

((الحمد لله المحمود بالعوائد المأمول منه الزوائد، المرتجي منه الثواب والمختشی منه العقاب، المستعان على النوائب، أحمده وأستعينه في الأمور التي

ص: 109


1- وقعة صفين: 29 - 3، تاریخ دمشق: 59 / 128، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 75 - 76، بحار الأنوار: 32 / 367

تخير دونها الألباب، وتضمحل عندها الأسباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله أرسله بعد الفترة، والرسل الماضية والقرون الخالية، والأبدان البالية والجبلة الطاغية فبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة وأدى الحق الذي استودعه، وأمر بأدائه إلى أمته (صلى الله عليه و[آله] سلم) من رسول الله ومنتخب، أَيها الناس إنَّ أمر عثمان قد أعيا من شهده فما ظنَّكم بمن غاب عنه؟ وإن الناس بایعوا عليًا غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممن بایعه ثمَّ نقضا بيعته على غير حدث، ألا وإنَّ الدين لا يحتمل الفتق، وإنَّ العرب لا تحتمل السيف، وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع بمثلها فلا بقاء للناس بعدها، وقد بايعت العامة عليًا، ولو أنَّا ملكنا أمورنا لم نختر لها غيره، فمن خالف هذا استعتب، فادخل يا معاوية فيما دخل الناس فيه، فإن قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين، وكان لكلِّ امرئ ما في يديه، ولكنَّ الله جعل للذخر من الولاة حق الأول، وجعل تلك الأمور موطأة وحقوقًا ینسخ بعضها بعضا))(1).

طلب معاوية من رسول الإمام علي (عليه السلام) الانتظار، وبعد مدَّة كشَّر عن أنيابه وبانت سريرته، فصرَّح بعدم البيعة للإمام علي (عليه السلام) معلنًا تمرَّده على الخليفة الشرعي للمسلمين، وقد احتجَّ على ذلك بالثأر لدم عثمان، وقد اتَّخذ من قميص عثمان شعارًا لتمرده، متناسيًا أنَّ الحكومة بين عثمان وخصومه يجب أن ينظر فيها الحاكم الشرعي وهو أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ثمَّ

ص: 110


1- وقعة صفين: 30 - 31، تاریخ دمشق: 59 / 127 - 128، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 76 - 77

إنَّ معاوية حشَّد أهل الشام ضدَّ الإمام علي (عليه السلام) وأقنعهم بأنَّ من قتل عثمان هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وصار يشيع بين الناس ذلك، وقد كتب للإمام علي عليه السلام يتَّهمه بذلك ويمتنع عن البيعة: ((أمَّا بعد، فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت برئ من دم عثمان، كنت كأبي بكر وعمر وعثمان، ولكنَّك أغريت بعثمان المهاجرين، وخذلت عنه الأنصار، فأطاعك الجاهل، وقوي بك الضعيف، وقد أبی أهل الشام إلا قتالك، حتَّى تدفع إليهم قتلة عثمان، فإذا دفعتهم كانت شوری بین المسلمين، وقد كان أهل الحجاز الحكام على الناس وفي أيديهم الحق، فلمَّا ترکوه صار الحق في أيدي أهل الشام، ولعمري ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة، ولا حجتك على طلحة والزبير، لأن أهل البصرة باعوك، ولم يبايعك أحد من أهل الشام، وإن طلحة والزبير بایعاك ولم أبايعك، وأما فضلك في الإسلام، وقرابتك من النبي (عليه الصلاة والسلام)، فلعمري ما أدفعه ولا أنكره))(1).

فأجابه أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

((أما بعد، فقد جاءني منك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد یر شده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده فاستقاده، زعمت أنَّك إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان، ولعمري ما كنت إلا رجلًا من المهاجرين، أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا، وما كان الله ليجمعهم على الضلال، ولا ليضربهم بالعمى، وما أمرت فيلزمني خطيئة عثمان، ولا قتلت فيلزمني قصاص القاتل، أمَّا قولك إن أهل الشام هم الحكام على الناس، فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى، أو تحل له الخلافة، فإن سميت كذبك المهاجرون والأنصار، وإلا أتيتك به من قریش

ص: 111


1- الإمامة والسياسة: 1 / 91، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 88، بحار الأنوار: 32 / 394

الحجاز، وأما قولك ندفع إليك قتلة عثمان فما أنت وعثمان؟ إنمَّا أنت رجل من بني أمية، وبنو عثمان أولى بعثمان منك، فإن زعمت أنك أقوى على ذلك، فادخل في الطاعة، ثم حاكم القوم إلي، وأما تمييزك بين الشام والبصرة وذكرك طلحة والزبير، فلعمري ما الأمر إلا واحد، إنها بيعة عامة، لا ينثني عنها البصير، ولا يستأنف فيها الخيار، وأما ولوعك بي في أمر عثمان، فو الله ما قلت ذلك عن حق العيان ولا عن يقين الخبر، وأما فضلي في الإسلام، وقرابتي من رسول الله (عليه الصلاة والسلام)، وشرفي في قريش، فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته))(1).

بعد أن ألقى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كلَّ الحجج والبراهين على معاوية وأتباعه، وأوضح لهم طريق الصواب وجادة الحق، ولكنَّهم أبوا إلَّا طغيانًا وبغيًا وأصرُّوا على باطلهم وغيِّهم، ولم يبقَ له إلَّا طريق المناجزة والقتال، فقرر المسير إليهم مجاهدًا باطلهم، وقد سار معه جُلُّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخيرتهم، ومنهم أبو الهيثم مالك بن التيهان.

ولمَّا وصل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الشام عسکر عند أطرافها في منطقة صفِّين حيث كان معاوية وجيشه معسكرًا، وبعد جملة من الأحداث حان وقت القتال ف (طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوى صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على أنَّ لي حکمي إن قتل الله ابن أبي طالب، واستوثقت لك البلاد! فقال: أليس حكمك في مصر! قال: وهل مصر تكون عوضا عن الجنة، وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي «لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ»(2)فقال معاوية: إن لك حكمك أبا عبد الله إن قتل ابن أبي

ص: 112


1- وقعة صفين: 57 - 58، الإمامة والسياسة: 1 / 91 – 92، بحار الأنوار: 32 / 379 - 380
2- سورة الزخرف: 75

طالب، رويدًا لا يسمع أهل الشام كلامك. فقام عمرو فقال: معاشر أهل الشام، سووا صفوفكم قص الشارب، وأعيرونا جماجمكم ساعة، فقد بلغ الحق مقطعه، فلم يبق إلا ظالم أو مظلوم))(1).

وهنا أقبل أبو الهيثم بن التيهان وهو من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان نقيبًا شهد العقبة وبدرًا، فصار يسوى صفوف أهل العراق ويقول: ((يا معشر أهل العراق إنه ليس بينكم وبين الفتح في العاجل، والجنة في الآجل إلا ساعة من النهار، فأرسوا أقدامكم، وسووا صفوفکم، وأعيروا ربَّکم جماجمكم، استعينوا بالله إلهكم، وجاهدوا عدو الله وعدوکم، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم، واصبروا فإنَّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين))(2).

ثمَّ تقدَّم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال كلامًا منه: ((ألا إنَّ خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير في عواقب الأمور، ألا إنها إحن بدرية وضغاین إحدية وأحقاد جاهلية وقرأ: «فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»(3)، ثمَّ تقدَّم وهو يرتجز:

ص: 113


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5 / 189 - 190
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 5 / 190، الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 322، الفوائد الرجالية، السيد مهدی بحر العلوم (المتوفي: 1212 ه)، تحقيق: تحقیق وتعليق: محمد صادق بحر العلوم، حسین بحر العلوم، الطبعة: الأولى، المطبعة: آفتاب، مكتبة الصادق - طهران، 1363 ه ش: 3 / 197 - 198، الروض النضير في معنى حديث الغدير، فارس حسون کریم، مؤسسة أمير المؤمنين (عليه السلام) للتحقيق - قم - ایران، الطبعة: الأولى، المطبعة: دانش، 1419 ه: 186 - 187، جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية بيروت - لبنان: 1 / 352
3- سورة التوبة: 12

دُبُّوا دبيب النمل لا تفوتوا ٭٭٭ وأصبحوا في حربكم وبيتوا

كيما تنالوا الدِّين أو تموتوا ٭٭٭ أو لا فإنّي طال ما عُصِيتُ

قد قلتم لو جئتنا فجئت ٭٭٭ ليس لكم ما شئتم وشئت

بل ما يريد المحيُ المميتُ(1) فحمل (صلوات الله عليه) في سبعة عشر ألف رجل فكسّروا الصفوف وخاصوا في جيش العدو، وهنا قال معاوية لعمرو: ((اليوم صبر وغدًا فخر، فقال عمرو: صدقت يا معاوية، ولكنَّ الموت حق والحياة باطل، ولو حمل علي في أصحابه حملة أخرى فهو البوار))(2) وفي هذه الأثناء قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأصحابه: ((فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنة؟ فبرز أبو الهيثم بن التيهان... فقاتل حتَّى قتل))(3)رحمه الله تعالى وأعلى درجته في الجنَّة.

وقد أُختلف في وفاة أبي الهيثم (رضوان الله عليه)، فمنهم من ذهب إلى أنَّه

ص: 114


1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (المتوفي: 588 ه)، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، 1376 ه - 1956 م: 2 / 362
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (المتوفي: 588 ه): 2 / 362
3- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (المتوفى: 588 ه): 2 / 1392

مات سنة عشرين(1)، ومنهم من قال أنَّه توفي سنة إحدى وعشرين(2)، ومنهم من نصَّ على أنَّه شهد يوم صفين(3)، وتوفيِّ بعد الانصراف من القتال(4)، وهناك من ذهب إلى أنَّه استشهد بصفين(5)، وهو الأكثر(6).

وقد وردت أخبار عديدة تنصُّ على أنَّ أبا الهيثم شهد صفِّين مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) منها: ما ذكره ابن اعثم الكوفي (المتوفَّى: 314 ه) في قوله: ((وزالت الشمس وذهب وقت الصلاة والحرب قائمة على ساق، قال: وصاح علي [عليه السلام] بالمهاجرين والأنصار فقال: (إنَّ الفرار عن الحرب في مثل هذا اليوم إرداد عن الحقِّ، ورغبة عن دين الإسلام، أما سمعتم الله تبارك وتعالى يقول:

ص: 115


1- الطبقات الکبری: 3 / 341 - 342، مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق علی ابراهیم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة، الطبعة: الأولى 1411 ه - 1991 م: 1 / 32، الاستیعاب في معرفة الأصحاب: 3 / 1348 - 1349، تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير: 1 / 93
2- طبقات خليفة بن خياط: 1 / 141، الاستیعاب في معرفة الأصحاب : 3 / 1348 - 1349، تاریخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 2 / 121
3- طبقات خليفة بن خياط: 1 / 141، المؤتَلِف والمختَلِف، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دینار، البغدادي الدارقطني (المتوفي: 385 ه)، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 ه - 1986 م: 1 / 229، المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة: 1 / 309
4- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3 / 1348 - 1349، الفوائد الرجالية: 3 / 197 – 198، الروض النضير في معنى حديث الغدير، فارس حسون کریم: 186
5- الكامل في التاريخ: 2 / 700
6- أسد الغابة في معرفة الصحابة: 5 / 324، البداية والنهاية: 10 / 105 - 106، الفوائد الرجالية: 3 / 197 - 198، الروض النضير في معنى حديث الغدير: 186

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ»(1)فما انتظاركم إن کنتم تريدون الجنة؟ قال: فكان أوَّل من تقدم أبو الهيثم بن التيهان وجعل يرتجز ويقول:

أحمدُ ربِّي وهو الحميدُ ٭٭٭ ذاكَ الذي يفعلُ ما يُريدُ

ذاك الذي عذابُه شديدُ ٭٭٭ من ينجُ منهُ فهوَ السَّعيدُ

هذا عليٌّ ما له نَدِيدُ ٭٭٭ دِينٌ قويمٌ وهُوَ الرَّشيدُ

ثمَّ حمل فقاتل حتَّى قُتِل رحمه الله))(2).

ومنها أيضًا ما روي ((عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: شَهِدْنَا صِفِّينَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [عليه السلام]، قَالَ: فَوَ الله إِنَّ النَّاسَ لَفِي سُکْنَاهُمْ وَمَنَازِلهِمْ الرَّجُلُ يُصْلِحُ سَرْجَهُ وَالرَّجُلُ يُعْلِفُ دَابَّتَهُ، قَالَ فَوَالله مَا رَاعَنَا إِلا عَمَّارٌ يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ یَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِینَ مَنْ رَائِحٌ إِلَى الله (عَزَّ وَجَلَّ)؟ الظَّمْآنُ یَرِدُ الْمَاءَ، الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ وَأَطْرَافِ العوالي، فَأخذ النَّاس فِي السِّلَاح والتهيئ وَالرُّکُوبِ، قَالَ ثُمَّ الْتَقَيْنَا حَتَّى صَارَتِ الشَّمْسُ على رؤوسنا، فَتَنَازَعْنَا حَتَّی انْتَصَفَ اللَّيْلُ فَقُتِلَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ، وَأَبُو جَهْمٍ وَحُذَیْفَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ))(3)، و ((قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقُتِلَ عمار أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان عِنْدَ سُرَادِقِ مُعَاوِيَةَ))(4).

ص: 116


1- سورة محمد: 31
2- الفتوح: 3 / 177 - 178
3- المحن، محمد بن أحمد بن تميم التميمي المغربي الإفريقي، أبو العرب (المتوفى: 333 ه)، تحقيق: د عمر سليمان العقيلي، دار العلوم - الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى، 1404 ه - 1984م: 1 / 117
4- المحن: 1 / 119

والسُرَادِق: ((هُوَ كلُّ مَا أحاطَ بشَيءٍ: من حائِطٍ أَو مَضْرِبٍ أَو خباءٍ))(1)، وهذا يعني: أنَّ سُرادق معاوية، هو المضرب أو الخباء الذي كان يتواجد فيه معاوية بن أبي سفيان، وهو مركز قيادة الجند في جيش الشام، ومن المعروف أنَّ هكذا مكان لا يكون إلَّا في موضعٍ محصَّنٍ وبحراسةٍ مشددةٍ، وعندما يُذكر أنَّ موضع استشهاد عمَّار بن یاسر وأبي الهيثم على أعتاب سرادق معاوية، فإنَّ ذلك يكشف أمرين:

الأول: انکسار جیش معاوية بحيث تمَّ وصول قادة جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مركز قيادته في معسكره، وهذا الأمر يعدُّ في العرف العسكري انتصارًا على جيش معاوية الشامي.

والآخر: استشهاد عمَّار وأبي الهيثم عند سرادق معاوية يمكن أن يكشف لنا عن عزيمة هذين الصحابيين الجليلين للقضاء على معاوية رأس الفتنة، على الرغم من أنَّ معاوية قد حصَّن نفسه بفدائيين أشدَّاء حوله، إلَّا أنَّ ذلك لم يشكِّل حاجزًا عند صحابة أمير المؤمنين (عليه السلام) من الإقدام على معاوية.

وقد رُثي أبو الهيثم (رضوان الله عليه) بجملةٍ من الأبيات رثته بها أمينة الأنصارية، وذلك قولها(2):

منَع اليومَ أن أذوقَ رقادا ٭٭٭ مالكٌ إذ مضى وكان عمادا

يا أبا الهيثم بن تيهان إنِّي ٭٭٭ صرتُ للهمِّ معدنًا ووسَادا

إذ عدا الفاسقُ الكفورُ عليهم ٭٭٭ إنَّه كان مِثلُها مُعْتَادا

أصبحوا مِثْلَ من ثَوی يومَ أُحدٍ ٭٭٭ يرحمُ اللهُ تِلكُمُ الأجْسَادا

ص: 117


1- تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، المللقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205 ه)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، (د ط)، (د ت): 25 / 441
2- وقعة صفين: 365،

ص: 118

المبحث الثالث: شهادات أبي الهيثم (رضوان الله عليه) للإمام علي (عليه السلام)

كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يسعى دائمًا إلى إلقاء الحجة على الناس بيان فضله ومنزلته في كلِّ مرحلة تُتاح له الفرصة في ذلك، لكي يُذکِّر من نسي ويزداد العارف إيمانًا، وكذلك ليُعرِّف حديثي الإسلام بمنزلته، وهو في كلِّها لا يبتغي الشهرة لنفسه، وإنَّما يسعى لبيان عقيدة مهمَّة أُنيطت بشخصه الكريم، وهي الإمامة والوصاية؛ لذلك كان يحرص على بيان قضية تعيينه بوصفه إمامًا وخليفةً من لدن الله تعالى على لسان خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد اتَّخذ لذلك وسائل متعددة، ومن تلك الوسائل وسيلة المناشدة، إذ كان (صلوات الله عليه) يستثمر المشاهد التي يجتمع فيها السابقون إلى الإسلام ممَّن عايشوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أوِّل دعوته إلى استشهاده، وبالأخص المهاجرين والأنصار، فيناشدهم بما سمعوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقِّه وفضيلته.

وقد كان أبو الهيثم حاضرًا في بعض مناشداته (عليه السلام)، وما كان من أبي الهيثم إلَّا أن يشهد بما سمعه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، شاهدًا بالحقِّ أمام كلِّ من حضر، ومن شهاداته لأمير المؤمنين (عليه السلام) شهادته بالإخوة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووزارته، ووصايته، ووراثته،

ص: 119

وخلافته في أمَّته، والولاية على كلِّ مؤمن من بعده له ولولده الأحد عشر من بعده، وقد روى ذلك سُلیم بن قیس بما نصُّه: ((إعلان الولاية في غدیر خم قال: أنشدكم الله في قول الله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»(1)، وقوله: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2)، ثمَّ قال: «وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً»(3)، فقال الناس: یا رسول الله، أخاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم؟ فأمر الله (عزَّ وجل) رسوله أن يعلمهم فيمن نزلت الآيات وأن يفسِّر لهم من الولاية ما فسَّر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم، فنصبني بغدیر خم وقال: (إنَّ الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أنَّ الناس مكذبوني، فأوعدني لأبلغنها أو يعذبني، قم يا علي). ثم نادى بالصلاة جامعة، فصلى بهم الظهر، ثمَّ قال: (أيُّها الناس، إنَّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم. ألا من کنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ والِ من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله)، فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه کماذا؟ فقال: (ولاؤه کولايتي، من کنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، وأنزل الله تبارك وتعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»(4)، فقال سلمان الفارسي: یا رسول الله، أنزلت هذه الآيات في عليِّ خاصة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بل فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة)؛ ثمَّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (یا سلمان، اشهد

ص: 120


1- سورة محمد: 33
2- سورة المائدة: 55
3- سورة التوبة: 16
4- سورة المائدة: 3

أنت ومن حضرك بذلك وليبلغ الشاهد الغائب). فقال سلمان الفارسي: یا رسول الله، بيِّنهم لنا، فقال: (علي أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، وأحد عشر إماما من ولده، أولهم ابني الحسن، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه حتَّى يردوا علىَّ الحوض).

فقام اثنا عشر رجلًا من البدريين فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله کما قلت سواء لم تزد فيه ولم تنقص حرفًا، وأشهدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك، وقال بقية السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظ كله، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا، فقال (عليه السلام): صدقتم، ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض.

فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان وأبو أيوب الأنصاري وعمار بن یاسر وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين رحمهم الله، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفظناه أنه قال يومئذ وهو قائم وعلي قائم إلى جنبه))(1) ومن المناشدات التي كان أبو الهيثم حاضرًا فيها مناشدة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في صفين إذ ((صعد (عليه السلام) المنبر في عسكره وجمع الناس ومن بحضرته من النواحي والمهاجرين والأنصار، ثمَّ حمد الله وأثنى عليه، ثم

ص: 121


1- کتاب سلیم بن قیس، سلیم بن قیس الهلالي الكوفي (المتوفي: ق 1)، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، نگارش، الطبعة: الأولى، 1422 - 1380 ش : 299 - 297، ينظر: الغيبة، ابن أبي زينب النعماني (المتوفى: 380 ه)، تحقيق: فارس حسون کریم، مهر - قم، الطبعة: الأولى، 1422 ه: 74 - 76

قال: مناقب علي (عليه السلام) لا تحصى يا معاشر الناس، إنَّ مناقبي أكثر من أن تحصى أو تعد، ما أنزل الله في كتابه من ذلك، وما قال في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أكتفي بها عن جميع مناقبي وفضلي، أتعلمون أنَّ الله فضل في كتابه الناطق، السابق إلى الإسلام - في غير آية من كتابه - على المسبوق، وأنَّه لم يسبقني إلى الله ورسوله أحد من الأمة؟ قالوا: اللهمَّ نعم. علي (عليه السلام) أفضل الأوصياء قال: أنشدكم الله، سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قوله: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنزلها الله في الأنبياء وأوصيائهم، وأنا أفضل أنبياء الله وأخي ووصيي علي بن أبي طالب أفضل الأوصياء. فقام نحو من سبعين بدریا جُلُّهم من الأنصار وبقيتهم من المهاجرين، منهم أبو الهيثم بن التيهان، وخالد بن زید أبو أيوب الأنصاري، ومن المهاجرين عمار بن یاسر وغيره، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك))(2).

وكان أبو الهيثم من نواة الشيعة الأوائل الذين كانوا يعتقدون بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ووصايته، وكان يشهد له بذلك مع ثُلَّة من الصحابة الكرام منهم: أبو ذر، وسلمان المحمدي، والمقداد وعمار، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبو أيوب صاحب منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهاشم بن عتبة المرقال، وكل هؤلاء من أفاضل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(3).

ص: 122


1- سورة الواقعة: 10 - 11
2- کتاب سلیم بن قیس: 290
3- ينظر: الأمالي، الشيخ الصدوق (المتوفي: 381 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة: الأولى، 1417 ه: 107

مفهوم الإمامة والوصاية كان معهودًا عند الصحابة ومعروفًا لديهم، وكانوا يعتقدون به وبما يؤول إليه من واجبات اتِّجاه الإمام المفترض الطاعة، وكان أبو الهيثم من الصحابة الذين يرون إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنصِّ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعينه، وبذلك يكون من الشيعة الأوائل الذين كانوا يدينون لأمير المؤمنين عليه السلام) بالولاء والطاعة

ص: 123

ص: 124

المبحث الرابع: مرويات أبي الهيثم (رضوان الله عليه):

كان أبو الهيثم بن التيهان (رضوان الله عليه) من الصحابة الملازمين للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد سمع منه وأخذ عنه كثيرًا من الأحاديث النبوية الشريفة، لاسيَّما تلك التي تناولت فضائل أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ومن تلك الروايات:

عَنْ مَالِكِ بْنِ التَّيِّهَانِ (رَضِيَ الله عَنْهُ)، قَالَ: ((اجْتَمَعَتْ مِنَّا جَمَاعَةٌ عِنْدَ النَّبِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فَقُلْنَا: یَا رَسُولَ الله إِنَّا أهْلُ سَافِلَةٍ، أَهْلُ عَالِيَةٍ، نَجْلِسُ هَذِهِ الْمَجَالِسَ فِيهَا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «أَعْطُوا الْمَجَالِسَ حَقَّهَا» قُلْنَا: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ:

«غُضُّوا أَبْصَارَکُمْ، وَرُدُّوا السَّلَامَ، وَأَرْشِدُوا الْأَعْمَي، وَمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانهَوْا عَنِ الْمُنْکَرِ»))(1).

وروى مَالِك بْنِ التَّيْهَانِ، (رَضِيَ الله عَنْهُ) عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: ((مَنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْکُمْ کُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْکُمْ وَرَحْمَةُ الله كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً، وَمَنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْکُمْ وَرَحْمَةُ

ص: 125


1- مسند ابن أبي شيبة، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (المتوفى: 235 ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي وأحمد بن فريد المزيدي، دار الوطن - الرياض، الطبعة: الأولى، 1997 م: 2 / 200

الله وَبَرَکَاتُهُ كُتِبَ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً))(1) وعنه (رضوان الله عليه) أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: ((الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ))(2).

وممَّا رواه أبو الهيثم (رضوان الله عليه) من مناقب لأمير المؤمنين (عليه السلام) على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام وعلقها بالعرش، وأمرها بالتسليم عليَّ والطاعة لي، وكان أول من سلم علي وأطاعني من الرجال روح علي بن أبي طالب [عليه السلام]))(3).

وممَّا رواه أبو الهيثم (رضوان الله عليه) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة فقال: ((خَطَبَ [عليه السلام] النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: الْحَمْدُ للهَّ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، کَانَ حَیًّا بِلَا كَيْفٍ ولَمْ یَکُنْ لَه کَانٌ، ولَا كَانَ لِکَانِه كَيْفٌ، ولَا كَانَ لَه أَيْنٌ ولَا كَانَ فِي شَيْءٍ ولَا كَانَ عَلَى شَيْءٍ، ولَا ابْتَدَعَ لِکَانِه مَکَانًا، ولَا قَوِيَ بَعْدَ مَا کَوَّنَ شَيْئًا،

ص: 126


1- الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفي: 287 ه)، تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية - الرياض، الطبعة: الأولى، 1411 ه - 1991 م: 4 / 35، مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، المتوفي: 548 ه، تحقيق: تحقیق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة: الأولى، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان، 1415 - 1995 م: 3 / 148، زبدة التفاسير، الملا فتح الله الكاشاني، المتوفي: 988 ه، تحقيق: مؤسسة المعارف، الطبعة: الأولى، پاسدار اسلام، 1423 ه: 2 / 118
2- معجم ابن الأعرابي، أبو سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري الصوفي (المتوفي: 340 ه)، تحقیق وتخریج: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 ه - 1997 م: 2 / 586
3- الأمالي، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه): 113 - 114

ولَا كَانَ ضَعِيفًا قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئًا، ولَا كَانَ مُسْتَوْحِشًا قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئًا، ولَا يُشْبِه شَيْئًا ولَا كَانَ خِلْوًا عَنِ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِه، ولَا يَکُونُ خِلْوًا مِنْه بَعْدَ ذَهَابِه، کَانَ إِلَهًا حَيًّا بِلَا حَيَاةٍ، وَمَالِکًا قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئًا، وَمَالِکًا بَعْدَ إِنْشَائِه لِلْکَوْنِ، وَلَيْسَ يَکُونُ لله كَيْفٌ ولَا أَيْنٌ، ولَا حَدٌّ يُعْرَفُ، ولَا شَيْءٌ يُشْبِهَه، ولَا یَهْرَمُ لِطُولِ بَقَائِه، ولَا يَضْعُفُ لِذُعْرَةٍ، ولَا يَخَافُ کَمَا تَخَافُ خَلِیقَتُه مِنْ شَيْءٍ، ولَكِنْ سَمِیعٌ بِغَيْرِ سَمْعٍ، وبَصِيرٌ بِغَیْرِ بَصَرٍ، وَقَوِيٌّ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنْ خَلْقِه، لَا تُدْرِکُه حَدَقُ النَّاظِرِينَ، ولَا يُحِيطُ بِسَمْعِه سَمْعُ السَّامِعِينَ، إِذَا أَرَادَ شَیْئًا کَانَ بِلَا مَشُورَةٍ ولَا مُظَاهَرَةٍ ولَا مُخَابَرَةٍ، ولَا يَسْأَلُ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِه أَرَادَه، (لا تُدْرِكُه الأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُه، أَرْسَلَه بِالْهُدَى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَه عَلَى الدِّينِ کُلِّه ولَوْ کَرِه الْمُشْرِکُونَ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَنْهَجَ الدَّلَالَةَ. أَيُّهَا الأُمَّةُ الَّتِي خُدِعَتْ فَانْخَدَعَتْ، وعَرَفَتْ خَدِيعَةَ مَنْ خَدَعَهَا فَأَصَرَّتْ عَلَى مَا عَرَفَتْ، والتَّبَعَتْ أَهْوَاءَهَا وَضَرَبَتْ فِي عَشْوَاءِ غَوَايَتِهَا، وَقَدِ اسْتَبَانَ لَهَا الْحَقَّ فَصَدَّتْ عَنْه، والطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فَتَنَکَّبَتْه، أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوِ اقْتَبَسْتُمُ الْعِلْمَ مِنْ مَعَدِنِه، وشَرِبْتُمُ الْمَاءَ بِعُذُوبَتِه، وادَّخَرْتُمُ الْخَيْرَ مِنْ مَوْضِعِه، وأَخَذْتُمُ الطَّرِيقَ مِنْ وَاضِحِه، وسَلَكْتُمْ مِنَ الْحَقِّ نَهْجَه؛ لَنَهَجَتْ بِکُمُ السُّبُلُ، وبَدَتْ لَكُمُ الأَعْلَامُ، وأَضَاءَ لَکُمُ الإِسْلَامُ، فَأَكَلْتُمْ رَغَدًا ومَا عَالَ فِيکُمْ عَائِلٌ، ولَا ظُلِمَ مِنْکُمْ مُسْلِمٌ ولَا مُعَاهَدٌ، ولَكِنْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَ الظَّلَامِ فَأَظْلَمَتْ عَلَیْکُمْ دُنْیَاکُمْ بِرُحْبِهَا، وسُدَّتْ عَلَيْکُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ فَقُلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ، واخْتَلَفْتُمْ فِي دِینِکُمْ فَأَفْتَيْتُمْ فِي دِينِ الله بِغَيْرِ عِلْمٍ، واتَّبَعْتُمُ الْغُوَاةَ فَأَغْوَتْکُمْ، وتَرَکْتُمُ الأَئِمَّةَ فَتَرَکُوکُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ تَحْکُمُونَ بِأَهْوَائِکُمْ إِذَا ذُکِرَ الأَمْرُ، سَأَلْتُمْ أَهْلَ الذِّکْرِ فَإِذَا أَفْتَوْکُمْ قُلْتُمْ هُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِه، فَكَيْفَ وقَدْ تَرَكْتُمُوه ونَبَذْتُمُوه و خَالَفْتُمُوه، رُوَيْدًا عَمَّا قَلِيلٍ تَحْصُدُونَ جَمِيعَ مَا زَرَعْتُمْ، وتَجِدُونَ وَخِيمَ مَا

ص: 127

اجْتَرَمْتُمْ ومَا اجْتَلَبْتُمْ، والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ؛ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي صَاحِبُکُم، والَّذِي بِه أُمِرْتُمْ وأَنِّي عَالِمُکُمْ والَّذِي بِعِلْمِه نَجَاتُکُمْ، ووَصِيُّ نَبِیِّکُمْ، وخِيَرَةُ رَبِّکُمْ، ولِسَانُ نُورِکُمْ، والْعَالِمُ بِمَا یُصْلِحُکُمْ، فَعَنْ قَلِيلٍ رُوَیْدًا یَنْزِلُ بِکُمْ مَا وُعِدْتُمْ ومَا نَزَلَ بِالأُمَمِ قَبْلَکُمْ وسَیَسْأَلُكُمُ الله (عَزَّ وجَلَّ) عَنْ أَئِمَّتِکُمْ، مَعَهُمْ تُحْشَرُونَ، وإِلَى الله (عَزَّ وجَلَّ) غَدًا تَصِیرُونَ، أَمَا والله لَوْ كَانَ لِي عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ، أَوْ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ - وهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ - لَضَرَبْتُکُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّی تَؤُولُوا إِلَى الْحَقِّ وتُنِيبُوا لِلصِّدْقِ، فَکَانَ أَرْتَقَ لِلْفَتْقِ وآخَذَ بِالرِّفْقِ، اللهمَّ فَاحْکُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وأَنْتَ خَيْرُ الْحَاکِمِينَ))(1).

هذه من الروايات التي رواها أبو الهيثم (رضوان الله عليه)، وهي تدل - لا سیَّما روایات الفضائل - على أنَّه كان من المقرَّبين للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن المتابعين له في وليِّه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو من الذين صمدوا بعقيدتهم فلم يغيِّر ولم يُبدل، ولم يسعَ إلى منصبٍ أو مالٍ من السُّلطة التي خلفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى أن آلت الأمور إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فجرَّد حسامه بوجه الباطل مجاهدًا مع إمامه الوصي إلى أن نال الشهادة بين يديه (صلوات الله عليه).

وإلى هنا نصل إلى ختام المطاف في رحلتنا مع أبي الهيثم (رضوان الله عليه)، وكنَّا فيها نطوف بين قطوف دانية، ورياحين متنوعة، وقد كانت الرحلة مليئةً بالمفاجئات التي تُبهر العقل حول هذه الشخصيَّة التي غفلت أو تغافلت عنها الأقلام.

ص: 128


1- الكافي، الشيخ الكليني، (المتوفي: 329 ه)، تحقيق وتصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، چاپخانه حيدري، الطبعة: الرابعة، 1362 ش: 8 / 31 - 32

كان أبو الهيثم (رضوان الله عليه) موحدًا قبل الإسلام يقرُّ بالإله الواحد، ولمَّا بزغت شمس الإسلام كان أبو الهيثم (رضوان الله عليه) من السابقين إليه، فهو أوَّل من بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأنصار، وأوَّل من أعلن الإسلام في المدينة المنورة، وكان من الدعاة إليه فيها، وقد اُختير في غير مرَّةٍ نقيبًا من لدن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولمَّا قدم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة المنورة (يثرب) لازمه أبو الهيثم (رضوان الله عليه) فكان مثالًا للورع والتَّقوى والوفاء، وقد اشترك بجميع حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولمَّا استشهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لزم أبو الهيثم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عملًا بوصيَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك كان من رؤوس المعارضة لحكومة السقيفة، وظلَّ مواليًا لأمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يُبدِّل ولم يُغيِّر، وقد كان من جملة خاصَّته وأعوانه في حكومته، إذ أسند له بعض المهام فيها، ولما نكث الناكثون في الجمل كان أبو الهيثم أوَّل من أجاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى قتالهم، وكذلك يستولي أبو الهيثم على قصب السبق في إجابة أمير المؤمنين (عليه السلام) لمَّا اشتدَّ القتال في صفِّين، فكان أوَّل من برز فيها من الأنصار، وظلَّ يقاتل في صفِّ راية الحقِّ حتَّى لقي ربَّه شهيدًا في معركة صفِّين رحمه الله تعالى وأعلى درجته في النعيم.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين

ص: 129

ص: 130

المصادر والمراجع:

القرآن الكريم الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفي: 287 ه)، تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية - الرياض الطبعة: الأولى، 1411 ه - 1991 م.

الاختصاص، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 ه - 1993 م.

اختیار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، (المتوفي: 460 ه)، تحقيق: تصحیح وتعليق: میر داماد الأسترابادي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404 ه - قم.

الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري الدرعي الجعفري السلاوي (المتوفى: 1315 ه)، تحقيق: جعفر الناصري / محمد الناصري، الناشر: دار الكتاب - الدار البيضاء.

الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفي: 463ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بیروت، الطبعة: الأولى، 1412 ه - 1992 م أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630 ه)،

ص: 131

تحقيق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415 ه - 1994 م.

الاشتقاق، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفي: 321 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1411 ه - 1991 م.

أعلام النبوة، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفي: 450 ه)، دار ومكتبة الهلال - بيروت، الطبعة: الأول - 1409 ه.

الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفي: 1396 ه)، دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م.

الإفصاح، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه)، تحقيق: مؤسسة البعثة، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 - 1993 م.

الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء، سليمان بن موسی بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، أبو الربيع (المتوفى: 634 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 ه.

الأمالي، الشيخ الصدوق (المتوفي: 381 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة: الأولى، 1417 ه.

الأمالي، الشيخ الطوسي (المتوفي: 460 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم، الطبعة: الأولى، 1414 ه.

الأمالي، الشيخ المفيد (المتوفي: 413 ه)، تحقيق: حسين الأستاذ ولي، علي أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414 - 1993 م.

ص: 132

الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري (المتوفي: 276 ه)، تحقيق: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، (د ط)، (د ت).

إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفي: 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1420 ه - 1999 م.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفي: 685 ه)، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 ه.

بحار الأنوار، العلامة المجلسي (المتوفى: 1111 ه)، تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني، السيد كاظم الموسوي المياموي، الطبعة: الثانية المصححة، مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان، 1403 ه - 1983 م.

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفي: 1224 ه)، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الدكتور حسن عباس زكي - القاهرة، الطبعة: 1419 ه.

البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي (المتوفي: نحو 355 ه)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد، (د ط)، (د ت).

البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفي: 774 ه)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1418 ه - 1997 م، 1424 ه / 2003 م.

تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، المللقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفي: 1205 ه)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، (د ط)، (د ت).

ص: 133

تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، تحقيق: الدكتور بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م.

تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري)، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه)، (صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، المتوفي: 369 ه)، دار التراث - بيروت، الطبعة: الثانية - 1387 ه.

تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (المتوفي: 262 ه)، تحقيق: فهیم محمد شلتوت، (د ط)، (د ت) 1399 ه.

تاریخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفي: 571 ه)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 ه - 1995 م.

تفسير القرآن العظیم (ابن کثیر)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفي: 774 ه)، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت، الطبعة: الأولى - 1419 ه.

التفسير الوسيط للقرآن الكريم، مجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، الطبعة: الأولى، (1393 ه = 1973 م) - (1414 ه = 1993 م).

تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي [508 ه - 97 ه]، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت، الطبعة: الأولى، 1997.

تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370)،

ص: 134

تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 2001 م.

الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي (المتوفى: 560 ه)، تحقيق: نبيل رضا علوان، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر - قم المقدسة، الطبعة: الثانية، 1412 ه.

الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعید خان مدير دائرة المعارف العثمانية، دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدكن الهند، الطبعة: الأولى، 1393 ه = 1973 جمهرة اللغة،: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفي: 321 ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الأولى، 1987 م.

جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية بيروت - لبنان.

جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعید بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفي: 456 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار المعارف - مصر، الطبعة: 1، 1900 م.

حياة الصحابة، محمد یوسف بن محمد إلياس بن محمد إسماعيل الكاندهلوي (المتوفي: 1384 ه)، حققه، وضبط نصه، وعلق عليه: الدكتور بشار عوّاد معروف، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 ه - 1999 م.

الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي (المتوفي: 573 ه)، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) / بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، الطبعة: الأولى، كاملة محققة، ذي الحجة 1409 ه، المطبعة: العلمية - قم الخصال، الشيخ الصدوق (المتوفي: 381 ه)، تصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 18 ذي القعدة الحرام

ص: 135

1403 ه - 1362 ش.

الخصائص الکبری، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفي: 911 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت (د ط)، (د ت).

الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني الشيرازي (المتوفي: 1120)، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة بصيرتي - قم، (د ط)، 1397 ه.

دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفي: 430 ه)، حققه: الدكتور محمد رواس قلعه جي، عبد البر عباس، دار النفائس، بیروت، الطبعة: الثانية، 1406 ه - 1986 م.

دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه)، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، الطبعة: الأولى - 1408 ه - 1988 م.

ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (المتوفي: 808 ه)، تحقيق: خليل شحادة، دار الفکر، بیروت، الطبعة: الثانية، 1408 ه - 1988 م.

الردة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنی بن حارثة الشيباني، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفي: 207 ه)، تحقيق: يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى (د ت).

رسائل الشريف المرتضى، الشريف المرتضى (المتوفي: 436 ه)، تحقيق: تقديم: السيد أحمد الحسيني / إعداد: السيد مهدي الرجائي، مطبعة الخيام - قم، 1405 ه.

الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَ[آله] سَلَّمَ - (وعليه

ص: 136

حواشٍ لجماعةٍ من العلماء منهم الأمير الصّنعاني)، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضی بن المفضل الحسني القاسمي، أبو عبد الله، عز الدين، من آل الوزير (المتوفي: 840 ه)، تقديم: فضيلة الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، اعتني به: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، (د ط)، (د ت).

الروض النضير في معنى حديث الغدير، فارس حسون کریم، مؤسسة أمير المؤمنين (عليه السلام) للتحقيق - قم - ایران، الطبعة: الأولى، المطبعة: دانش، 1419 ه.

الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان)، (المتوفي: 660 ه)، تحقيق: علي الشکرچي، الطبعة: الأولى، 1423 ه.

زبدة التفاسير، الملا فتح الله الكاشاني، المتوفي: 988 ه، تحقيق: مؤسسة المعارف، الطبعة: الأولى، پاسدار اسلام، 1423 ه.

سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، الطبعة: 1427ه - 2006 م.

سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني، إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، المللقب بقوام السنة (المتوفي: 535 ه)، تحقيق: د. کرم بن حلمي بن فرحات بن أحمد، دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض.

سيرة ابن إسحاق (كتاب السير والمغازي)، محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني (المتوفى: 151 ه)، تحقيق: سهیل زکار، دار الفكر - بيروت، الطبعة: الأولى 1398 ه / 1978 م.

السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون)، علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج، نور الدين ابن برهان الدين (المتوفي: 1044 ه)، دار الكتب العلمية - بیروت، الطبعة: الثانية - 1427 ه: 2 / 24.

ص: 137

السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفي: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، 1395 ه - 1976 م.

السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213 ه)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375 ه - 1955 م.

السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، صحّحه، وعلق عليه الحافظ السيد عزیز بك وجماعة من العلماء، الكتب الثقافية - بيروت.

الشاء، الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قریب بن علي بن أصمع (المتوفى: 216 ه)، حققه وعلق عليه وقدم له: الدكتور صبيح التميمي، دار أسامة - لبنان / بيروت، الطبعة: الأولى - 1407 ه - 1987 م.

شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (المتوفَّى: 656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة: الأولى، 1378 ه - 1959 م.

الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسی بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفي: 279 ه)، تحقيق: سید بن عباس الجليمي، المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز - مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1413 ه - 1993 م.

صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري (المتوفي: 821 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت.

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفي: 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة:

ص: 138

الرابعة 1407 ه - 1987 م.

الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (المتوفي: 877 ه)، تحقیق وتصحيح وتعليق: محمد الباقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية (د ط)، (د ت).

الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بیروت، الطبعة: الأولى، 1968 م.

طبقات خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خیاط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (المتوفى: 240 ه)، رواية أبي عمران موسی بن زکریا بن يحيى التستري (ت ق 3 ه)، محمد بن أحمد بن محمد الأزدي (ت ق 3 ه)، تحقيق: د سهیل زکار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة النشر: 1414 ه - 1993 م العقد النضيد والدر الفريد، محمد بن الحسن القمي (المتوفي: ق 7)، تحقيق: علي أوسط الناطقي، بمساعدة : سید هاشم شهرستاني، لطيف فرادي، دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة: الأولى، 1923 – 1381 ش.

العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفي: 170 ه)، تحقيق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، (د ط)، (د ت).

عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق (المتوفي: 381 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان، 1404 ه - 1984 م.

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (المتوفى: 734ه)، تعليق: إبراهيم

ص: 139

محمد رمضان، دار القلم - بيروت، الطبعة: الأولى، 1414 ه - 1993م.

غريب الحديث، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276 ه)، تحقيق: د. عبد الله الجبوري، مطبعة العاني - بغداد، الطبعة: الأولى، 1397 ه.

غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة، أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال الخزرجي الأنصاري الأندلسي (المتوفى: 578 ه)، تحقيق: د. عز الدين علي السيد، محمد کمال الدين عز الدين، عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 ه.

الغيبة، ابن أبي زينب النعماني (المتوفي: 380 ه)، تحقيق: فارس حسون کریم، مهر - قم، الطبعة: الأولى، 1422 ه.

الفائق في غريب الحديث والأثر، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي - محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة - لبنان الطبعة: الثانية.

فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279 ه)، دار ومكتبة الهلال - بيروت، 1988 م.

الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، (المتوفى: 314 ه)، تحقيق: علي شيري (ماجستر في التاريخ الإسلامي)، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة: الأولى، 1411 ه.

الفوائد الرجالية، السید مهدی بحر العلوم (المتوفي: 1212 ه)، تحقيق: تحقیق وتعليق: محمد صادق بحر العلوم، حسین بحر العلوم، الطبعة: الأولى، المطبعة: آفتاب، مكتبة الصادق - طهران، 1363 ه ش.

الكافي، الشيخ الكليني، (المتوفي: 329 ه)، تحقيق وتصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، چاپخانه حيدري، الطبعة: الرابعة، 1362 ش.

ص: 140

الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفي: 630 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1417 ه / 1997 م.

الكامل في اللغة والأدب، محمد بن یزید المبرد، أبو العباس (المتوفي: 285 ه)، تحقيق:

محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي - القاهرة، الطبعة الثالثة 1417 ه - 1997 م کتاب سلیم بن قیس، سلیم بن قیس الهلالي الكوفي (المتوفي: ق 1)، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، نگارش، الطبعة: الأولى، 1422 - 1380 ش.

کمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق (المتوفي: 381 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، محرم الحرام 1405 ه - 1363 ش.

مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، المتوفي: 548 ه، تحقيق: تحقیق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة: الأولى، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان، 1415 ه - 1995 م.

المحاضرات والمحاورات، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفي: 911 ه)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى.

المحن، محمد بن أحمد بن تميم التميمي المغربي الإفريقي، أبو العرب (المتوفي: 333 ه)، تحقيق: د عمر سليمان العقيلي، دار العلوم - الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى، 1404 ه - 1989 م.

مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله المعروف ب «سبط ابن الجوزي» (581 - 654 ه)، تحقيق وتعليق: محمد برکات، دار الرسالة العالمية، دمشق - سوريا، الطبعة: الأولى، 1434 ه - 2013 م: 5 / 345 المستَخرجُ من کُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة، عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق، ابن مندة العبدي الأصبهاني، أبو القاسم (المتوفي: 470 ه)،

ص: 141

تحقيق: أ. د. عامر حسن صبري التَّميميُّ، وزارة العدل والشئون الإسلامية البحرين، إدارة الشئون الدينية، (د)، د ت): 1 / 112 مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي (المتوفي: 1320 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1408 ه - 1988 م.

مستدرکات علم رجال الحدیث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، (المتوفي: 1405 ه)، حيدري - طهران، الطبعة: الأولى، محرم الحرام 1415 ه.

مسند ابن أبي شيبة، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (المتوفى: 235 ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي وأحمد بن فرید المزيدي، دار الوطن - الرياض، الطبعة: الأولى، 1997 م.

مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق علی ابراهیم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة، الطبعة: الأولى 1411 ه - 1991 م.

مصادر نهج البلاغة وأسانیده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، دار الزهراء، بیروت، الطبعة: الأولى، 1409 ه - 1988م.

معجم ابن الأعرابي، أبو سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري الصوفي (المتوفى: 340 ه)، تحقيق وتخریج: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 ه - 1997 م.

معجم الصحابة، أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق الأموي بالولاء البغدادي (المتوفي: 351 ه)، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1418

ص: 142

معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفي: 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399 ه - 1979 م.

معرفة الصحابة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (المتوفي: 430 ه)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى 1419 ه - 1998 م.

المغازي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفى: 207 ه)، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1409 ه - 1989 م.

المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي (المتوفى: 1408 ه)، دار الساقي، الطبعة: الرابعة 1422 ه / 2001 م.

الملل والنحل، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (المتوفي:

548 ه)، مؤسسة الحلبي، (د ط)، (د ت).

مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب (المتوفى: 588 ه)، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الحيدرية - النجف الأشرف، 1376 ه - 1956 م.

المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، جمال الدين أبو، الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفي: 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 ه - 1992 م.

منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، عبد الله بن سعيد بن محمد عبادي اللّحجي الحضرميّ الشحاري، ثم المراوعي، ثم المكي (المتوفي: 1410 ه)، دار المنهاج - جدة، الطبعة: الثالثة، 1426 ه - 2005 م.

المؤتَلِف والمختَلِف، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن

ص: 143

النعمان بن دینار، البغدادي الدارقطني (المتوفي: 385 ه)، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 ه - 1986 م.

موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، تحقيق: مركز بحوث دار الحديث وبمساعدة: السيد محمد کاظم الطباطبائي، السيد محمود الطباطبائي نژاد، الطبعة: الثانية، دار الحديث، 1425 ه.

الموسوعة في صحيح السيرة النبوية، دراسة موثقة لما جاء عنها في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة والروايات التاريخية المعتمدة علميًا مرتبة على أعوام عمر النبي صلى الله عليه وسلم (العهد المكي)، أبو إبراهيم، محمد إلياس عبد الرحمن الفالوذة، مطابع الصفا - مكة، الطبعة: الأولى، 1423 ه نثر الدر في المحاضرات، منصور بن الحسين الرازي، أبو سعد الآبي (المتوفي: 421 ه)، تحقيق: خالد عبد الغني محفوط، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 ه - 2004م.

هداية الأمة إلى أحكام الأئمة ( عليهم السلام)، الحر العاملي، (المتوفي: 1104 ه)، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، الطبعة: الأولى، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية - مشهد - ایران.

الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، الوفاة: 334، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1411 - 1991 م، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري (المتوفي: 212 ه)، تحقيق: تحقیق وشرح: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع - القاهرة، الطبعة: الثانية، 1382 ه.

اليقين، السيد ابن طاووس (المتوفي: 664 ه)، تحقيق: الأنصاري، نمونه، مؤسسة دار الكتاب (الجزائري)، الطبعة: الأولى، (ربيع الثاني 1413 ه).

ص: 144

المحتويات

مقدمة المؤسسة...9

المقدِّمة...11

التمهيد: سابقة أبي الهيثم في المناقب...15

الفصل الأول حياة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)

المبحث الأول: اسمه ونسبه...21

نسبه:...21

إسلامه:...24

المبحث الثاني: قصَّة إسلامه (بيعة العقبة الأولى والثانية)...31

أولًا/ بيعة العقبة الأولى (إسلام أبي الهيثم): ....31

ثانيًا / بيعة العقبة الثانية:...40

المبحث الثالث: مواقف مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)...49

أولًا / المؤاخاة:...49

ثانيًا / بدري:...51

ثالثًا / الخَرْص:...52

رابعًا / غزوة تبوك:...55

خامسًا / ضيافته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):...57

سادسًا / بئر أبي الهيثم:...61

ص: 145

المبحث الرابع: مؤامرة العقبة...63

المبحث الخامس: منزلة أبي الهيثم (رضوان الله عليه)...69

أولًا: منزلة أبي الهيثم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام):...69

ثانيًا: منزلة أبي الهيثم عند أهل البيت (عليهم السلام):...80

المبحث السادس: موقف أبي الهيثم (رضوان الله عليه) اتِّجاه حكومة السقيفة:...85

الفصل الثاني حياة أبي الهيثم (رضوان الله عليه) مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام)

المبحث الأول: المهام التي أوكلها أمير المؤمنين (عليه السلام)...99

إلى أبي الهيثم (رضوان الله عليه)...99

أولًا: أبو الهيثم (رضوان الله عليه) يأخذ البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام):...99

ثانيًا: إشراف أبي الهيثم (رضوان الله عليه) على بيت المال:...100

المبحث الثاني: دور أبي الهيثم في حربي الجمل وصفين...103

أولًا: حرب الجمل:...103

ثانيًا: حرب صفين:...107

المبحث الثالث: شهادات أبي الهيثم (رضوان الله عليه) للإمام علي (عليه السلام)...119

المبحث الرابع : مرويات أبي الهيثم (رضوان الله علیه):...125

المصادر والمراجع:...131

ص: 146

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.