دور القلب السلیم في الطاعة و الاجتناب

هوية الکتاب

دور القلب السليم في الطاعة والاجتناب

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة القلب السليم في نهج البلاغة (3) دور القلب السليم في الطاعة والاجتناب تألیف السيد هيثم أحمد الحيدري

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة www.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

کس قال أمير المؤمنين عليه السلام:

(...فَطُوبَی لِذِی قَلْبٍ سَلِیمٍ أَطَاعَ مَنْ یَهْدِیهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ یُرْدِیهِ وَ أَصَابَ سَبِیلَ اَلسَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ...) (نهج البلاغة: الخطبة 214)

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الهداة المطهرين.

وبعد:

فإن من اعجب ما خلق الله تعالى هو هذا القلب الذي اكتسب اسمه من تقلّب احواله وتغيّر سبله وميوله فكان القائد الى الجنّة أو النار والمعوّل عليه في المحن والاهوال فان ثبت في الطاعة لخالقه وفاطره قاد صاحبه الى النجاة وان تقلب وزاغ عن الحق قاده الى الهلاك

ولذا:

تعددت الآيات والروايات التي تبين للإنسان خطر القلب ووسائل سلامته ومرضه.

وهنا في هذه السلسة الموسومة ب (سلسلة القلب السليم) رسونا على ضفاف نهج البلاغة

ص: 7

وحديث امير المؤمنين عليه السلام لنستخرج من بحره ما يعيننا على سلامة القلب.

والله الموفق لكل خير.

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها)(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد..

فقد تحدثنا آنفا عن القلب السليم وبينا انه أصل السلامة في المجتمع البشري، وبما أن الطاعة الحقيقية ثمرة القلب السليم، نودُ في هذا الجزء أن نتناول بعض مسائل الطاعة جريا مع قول الامام

ص: 9


1- من خطبة سيدة نساء العالمين عليها السلام (الاحتجاج للشيخ الطبرسی، ج 1، ص 132؛ بلاغات النساء، لابن طيفور، ص 15)

عليه السلام: (أَطَاعَ مَنْ یَهْدِیه...)

من هنا نتسائل: ما هي الطاعة؟

ومن الذين تجب علينا طاعتهم؟

ومن الذين يجب علينا ان نتجنبهم لنيل السلامة في الدارين؟

وفي محل الإجابة عن هذه التساؤلات يقتضي تقسيم البحث على عدة مسائل.

السيد هيثم الحيدري

ص: 10

المسألة الأولى: معنى الطاعة

لقد عُرِفَت الطاعة بأنها: (الانقياد والموافقة بلا إكراه) وقريب منها الامتثال وهو: (الاتيان بالمأمور به، والانتهاء عن المنهي عنه)(1)

ولا شك ولا ريب ان الطاعة كل الطاعة يجب أن تكون لله تبارك وتعالی خالصة، ثم لمن أمر بطاعتهم بلطفه وحكمته سبحانه، ومن هنا نقول:

إن لمفهوم الطاعة العام تقسيمات كثيرة ومن أهمها:

1- الطاعة الإيجابية: وهي كل إطاعة تهدف الى طاعة الله عز وجل، فطاعة الله سبحانه هي الأصل في جميع فروع الطاعة، وكل من أمر الله بإطاعته إنما طاعته مستمدة من طاعة الله عز

ص: 11


1- معجم ألفاظ الفقه الجعفري ص 268

وجل.

2- الطاعة السلبية: وهي كل إطاعة لا تهدف الى طاعة الله سبحانه وتعالی.

بعد التقسيم الآنف الذكر يندرج من الطاعة الإيجابية قسمان من الطاعة بلحاظِ مَن أمر الله سبحانه بطاعتهم، وهما:

القسم الأول: طاعة مطلقة غير مشروطة: وهي إطاعة من أمر الله تعالى بإطاعتهم مطلقا أي لم تقيد بقيد أو شرط.

القسم الثاني: طاعة مقيدة ومشروطة: وهي إطاعة من أمر الله تعالى بإطاعتهم ولكن مع القيد أو الشرط.

المسألة الثانية: الطاعة المطلقة الغير مشروطة:

وهي لمن اصطفاهم الله من الانبياء والرسل

ص: 12

والأئمة المعصومين عليهم السلام ليهدوا الناس الى الصراط المستقيم بأمر من الله عز وجل، وهذا ما صرح به القرآن الكريم في كثير من آیاته كقوله تعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ...»(1).

وقوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ»(2).

وقوله تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا»(3).

جاء في الوافي للشيخ الكاشاني: عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضاء الرحمن

ص: 13


1- الانبياء، 73
2- النساء، 64
3- النساء، 80

تعالى الطاعة للإمام بعد معرفته ثم قال إن الله تعالى يقول: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا».

بیان: يعني كما أن طاعة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم طاعة الله كذلك طاعة الإمام طاعة الله لأنه يدعو إلى ما يدعو إليه الرسول لأنه خليفته»(1).

وقوله تعالى: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا»(2).

وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...»(3).

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه

ص: 14


1- الوافي، للفيض الكاشاني، ج 2، ص 90
2- الأحزاب، 71
3- النساء، 59

السلام: «اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان»(1).

يتبين لنا من الآيات المارة الذكر ومن الآية الأخيرة أن طاعة الرسول (صلی الله عليه وآله) وأولي الامر عليهم السلام هي فرع طاعة الله سبحانه وتعالى لأنها مفروضة منه على عباده، وأولو الأمر هم أهل البيت عليهم السلام كما دل الدليل في محله(2).

المسألة الثالثة:

العصمة المطلقة لأصحاب الطاعة المطلقة:

إن في الآية 59 من سورة النساء المذكورة أعلاه - بیان جلي بثبوت العصمة المطلقة للنبي

ص: 15


1- الهداية، للشيخ الصدوق، ص 15
2- من أراد التفصيل يراجع تفسير الميزان، ج 4، ص 397، في تفسير الآية 59 من سورة النساء

وأولي الامر صلوات الله عليهم أجمعين لأنّ الطاعة المطلقة هي الانقياد والامتثال القلبي والجوارحي للمطاع بكل صغيرة وكبيرة، ولا يجوز الامر بطاعتهم مطلقا عقلا لو لم يكونوا معصومين لأن الامر بطاعتهم مطلقا مع العلم بجواز صدور القبيح منهم قبيح، وساحته تعالى منزهة عن القبيح قليله وكثيره، فالنتيجة أنهم عليهم السلام لا يصدر منهم القبيح قليلا ولا كثيرا، بل انهم أسبق العباد الى الطاعات وأنهاهم عن المعاصي كما بينه أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال: «أیّها النّاس إنّي والله ما أحثّكم على طاعة إلّا وأسبقكم إليها، ولا ألنهاكم عن معصية إلّا وأتناهي قبلكم عنها»(1).

وكذلك كان دأب بقية الأئمة من ولده عليهم

ص: 16


1- نهج البلاغه، خطبة 175

السلام.

فالطاعة المطلقة لا يستحقها إلا المعصوم الذي اصطفاه الله وطهره من كل رجس ليُخرج الناس من طاعة الشيطان ويدخلهم في طاعة الرحمان، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «فَبَعَثَ اَللَّهُ مُحَمَّداً (صلی الله علیه وآله) بِالْحَقِّ لِیُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ اَلْأَوْثَانِ إِلَی عِبَادَتِهِ وَ مِنْ طَاعَةِ اَلشَّیْطَانِ إِلَی طَاعَتِهِ...»(1)

إن السلام العالمي لا يتحقق إلا بطاعة الله رب العالمين وطاعة الله لا تتأتى إلا بطاعة من فرض الله طاعتهم على عباده لأنهم أمناء الله وخلفاؤه في الأرض وهم أعلم الخلق بمصالح الخلق، ولذا كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يؤكد ذلك ويقول: «اُنْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ

ص: 17


1- نهج البلاغه، خطبة 147

فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَ اِتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَ لاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا»(1)

وقال عليه السلام: (هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ...)(2).

وقال عليه السلام: «لاَ یُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ) مِنْ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لاَ یُسَوَّی بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَیْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ اَلدِّینِ وَ عِمَادُ اَلْیَقِینِ إِلَیْهِمْ یَفِیءُ اَلْغَالِی وَ بِهِمْ یُلْحَقُ اَلتَّالِی وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ اَلْوِلاَیَةِ وَ فِیهِمُ اَلْوَصِیَّةُ وَ اَلْوِرَاثَةُ...»(3)

ص: 18


1- نهج البلاغة، خطبة 97
2- نهج البلاغة، خطبة 2
3- نهج البلاغة، خطبة 2

وقال عليه السلام: «ألَا إِنَّ مَثَلَ آل مُحَمَّدٍ (صَلَّی اللّه عَلَیْهَ وَآلهِ) کَمَثَلِ نُجُومِ السَّماءِ إِذَا خَوَی نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ...»(1)

وفي خطبة أم أبيها فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) اشارت الى هذا المعنى إذ قالت: «فجعل الله الايمان تطهيرا لكم من الشرك... والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة وإمامتنا أمانا من الفرقة...»(2).

ففي هذه الكلمات توضيح لما تقدم من البيان فيما يتعلق بطهارة القلب وطاعة الهداة وثمار هذه الطاعة وثمار الإيمان، حيث تبين سيدة نساء العالمين عليها السلام الجعل الإلهي المترتب على اعتدال القلب وهو التنسيق والجعل المترتب على

ص: 19


1- نهج البلاغة، خطبة 100
2- بحار الانوار، ج، 29 ص 223؛ وذكرت هذه الخطبة في کتاب بلاغات النساء، ص 7

طاعة أهل البيت عليهم السلام وهو سلامة النظام والجعل المترتب على الإقرار بالإمامة وهو السلامة من الفرقة، وتشير لفظة الجعل الى انها سنة إلهية، وسنن الله لا تقبل التبديل والتغيير، قال تعالى: «فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا»(1)

فإذا تحصّلت الشروط تحصّلت مشروطاتها، وبعبارة اخرى: اذا اعتدلت القلوب استقامت واتسقت واهتدت، واذا أطاعت الأمة أهل البيت عليهم السلام تَقَوَّمَ نظامُ الامة واستقامت أمور دينها ودنياها وآخرتها، واذا أقرت الامة بإمامتهم سلمت من الفرقة.

فمن هذا البيان المتقدم يتضح لنا جليا أن كل قوم تكبروا وكذبوا بآيات الله ولم يطيعوا مَن أمر

ص: 20


1- فاطر، 43

الله عز وجل بطاعته، فإن هؤلاء لا يهتدون الى سبيل السلامة ما داموا متكبرين ومكذبين، قال تعالى: «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ»(1).

ويتضح أيضا سبب تدهور الامة ولماذا هجرها السلام بجميع مفرداته، وسوف لن يعود السلام إلا اذا عادت الامة الى رشدها وتمسكت بهداتها وهم أهل البيت عليهم السلام لانهم ترجمان الكتاب الذي أنزله الله تعالى ليهدي به العباد الى سبل السلام، قال تعالى: «...قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ

ص: 21


1- الاعراف، 146

نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام واصفاً أهل البيت عليهم السلام وهو أولهم: «بِهِمْ عُلِمَ الْکِتَابُ وَبِهِ عُلِمُوا وَبِهِمْ قَامَ کِتَابُ اللّهِ تَعَالی وَبِهِ قَامُوا...»(2).

وهذا ما أكده القرآن الكريم بقوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3).

فأهل البيت عليهم السلام هم النبع الأصفى والمصداق الأكمل ل (أهل الذكر)

ص: 22


1- المائدة، 15-16
2- نهج البلاغة، حكمة 432
3- الانبياء، 7

فقد ذكر الحسكاني - وهو من العامة - عن الحارث قال: سألت عليا عن هذه الآية: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» فقال: والله إنا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه)(1).

وقال تعالى: «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»(2)

روى الحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله تعالى: «ومن عنده علم الكتاب) قال: ذاك أخي علي بن أبي

ص: 23


1- شواهد التنزيل، ج 1، ص 432
2- الرعد، 43

طالب»(1).

وعن أبي صالح في قوله عز وجل: (ومن عنده علم الكتاب) قال: رجل من قريش هو علي ولكنا لا نسميه)(2).

ومع قليل من التدبر المنصف في عبارة (ولكنا لا نسميه) تتبين لنا الكثير من الامور الغامضة عن هذه الامة، فتدبر.

وقال تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...»(3).

فأهل البيت عليهم السلام هم الراسخون في العلم، اصطفاهم الله ووهبهم علم الكتاب وتأويله ليخرجوا الناس من الظلمات الى النور،

ص: 24


1- شواهد التنزيل، ج 1 ص 400
2- شواهد التنزيل، ج 1، ص 404
3- آل عمران، 7

ولذلك كان امير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه يؤكد هذا المعنى وهو يستنكر مزاعم البعض على انهم راسخون في العلم دون أهل البيت عليهم السلام إذ قال: «أَیْنَ اَلَّذِینَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ اَلرَّاسِخُونَ فِی اَلْعِلْمِ دُونَنَا کَذِباً وَ بَغْیاً عَلَیْنَا أَنْ رَفَعَنَا اَللَّهُ وَ وَضَعَهُمْ وَ أَعْطَانَا وَ حَرَمَهُمْ وَ أَدْخَلَنَا وَ أَخْرَجَهُمْ بِنَا یُسْتَعْطَی اَلْهُدَی وَ یُسْتَجْلَی اَلْعَمَی إِنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَیْشٍ غُرِسُوا فِی هَذَا اَلْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لاَ تَصْلُحُ عَلَی سِوَاهُمْ وَ لاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَیْرِهِمْ»(1)

المسألة الرابعة: الطاعة المقيدة:

أو تسمى المشروطة، وسبب تقييد هذه الطاعة واضح للمتأمل، وهو أن المطاع في هذا القسم غير معصوم، ومصاديقها كثيرة نقتصر على ذكر

ص: 25


1- نهج البلاغة، خطبة 144

بعضها :

1- إطاعة الوالدين: قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(1).

فالآية صريحة البيان بتقييد هذا النوع من الطاعة والسنة الشريفة قد بينت حدودها.

2- إطاعة علماء الدين الصالحين: فطاعة العلماء الصالحين تتفرع من طاعة المعصومين عليهم السلام لأنهم حجة علينا والمعصوم حجة الله عليهم، وبما أن العلماء غير معصومين فقد بينت الروايات صفات من علينا إطاعتهم.

ففي رواية عن أبي محمد العسكري عليه

ص: 26


1- العنكبوت، 8

السلام قال في حديث طويل: «.. فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فلعوام أن يقلدوه...»(1).

وبهذا الصدد ورد التوقيع عن الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وبخطه المبارك:

«وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»(2).

3- إطاعة الزوجة لزوجها.

4- إطاعة العبد لمالكه.

وغير ذلك من الطاعات المقيدة والمشروطة وكل هذه الأصناف من الطاعة تحكم وتقيد بالنص الوارد عند الفريقين: «لا طاعة لمخلوق في

ص: 27


1- وسائل الشيعة، ج 27، ص 131
2- کتاب الغيبة، للشيخ الطوسي، ص 291

معصية الخالق»(1).

وإذا قال قائل لماذا لم تقيدوا الطاعة المطلقة بهذا النص المتفق عليه؟

قلنا في محل الجواب:

1- لاطلاق الآيات المارة الذكر في إطاعتهم دین وعدم تقييدها.

2- بعد إثبات عصمتهم عليهم السلام فلا موضوعية لأمرهم بالمعصية بمعنى ان القضية سالبة بانتفاء الموضوع.

3- انهم مصادر التشريع الالهي والامناء على الله تبارك وتعالى فبهم ينشر السلام في البلاد وبهم يُفرق بين الحق والباطل، فهل يُعرف الصواب إلا منهم؟

ص: 28


1- المبسوط، للشيخ الطوسي، ج 7، ص 41؛ الشرح الكبير، لعبد الرحمان بن قدامة، ج 9، ص 342

والى هذا المعنى يشير قوله تعالى: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(1).

أورد ابن عساكر في تاريخه عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر عليا وقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول: «علي مع الحق والحق مع علي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة»(2).

المسألة الخامسة:

تجنب مَن طاعتهم مردية:

بعد الكلام عن الطاعة الايجابية المطلقة

ص: 29


1- يونس، 35
2- تاريخ مدينة دمشق، ج 42، ص 449

والمقيدة نبين من خلال كلمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام محل البحث ان هنالك اناساً لابد من تجنبهم، وأن طاعة هؤلاء مردية مبعدة عن سبل السلامة، لذا تصبح طاعة هؤلاء طاعة سلبية، وذلك لان العقل والشرع يقودان الى اجتناب أهل الباطل والنفاق والضلال وغيرهم ممن أعلنوا العداء للحق وأهله.

1- سلبية طاعة أئمة الضلال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أَلاَ فَالْحَذَرَ اَلْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِکُمْ وَ کُبَرَائِکُمْ اَلَّذِینَ تَکَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَ تَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَ أَلْقَوُا اَلْهَجِینَةَ عَلَی رَبِّهِمْ وَ جَاحَدُوا اَللَّهَ عَلَی مَا صَنَعَ بِهِمْ مُکَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَ مُغَالَبَةً لِآلاَئِهِ فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ اَلْعَصَبِیَّةِ وَ دَعَائِمُ أَرْکَانِ اَلْفِتْنَةِ وَ سُیُوفُ اِعْتِزَاءِ اَلْجَاهِلِیَّةِ فَاتَّقُوا اَللَّهَ وَ لاَ تَکُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَیْکُمْ

ص: 30

أَضْدَاداً وَ لاَ لِفَضْلِهِ عِنْدَکُمْ حُسَّاداً وَ لاَ تُطِیعُوا اَلْأَدْعِیَاءَ اَلَّذِینَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِکُمْ کَدَرَهُمْ وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِکُمْ مَرَضَهُمْ وَ أَدْخَلْتُمْ فِی حَقِّکُمْ بَاطِلَهُمْ وَ هُمْ أَسَاسُ اَلْفُسُوقِ وَ أَحْلاَسُ اَلْعُقُوقِ اِتَّخَذَهُمْ إِبْلِیسُ مَطَایَا ضَلاَلٍ وَ جُنْداً بِهِمْ یَصُولُ عَلَی اَلنَّاسِ وَ تَرَاجِمَةً یَنْطِقُ عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ اِسْتِرَاقاً لِعُقُولِکُمْ وَ دُخُولاً فِی عُیُونِکُمْ وَ نَفْثاً فِی أَسْمَاعِکُمْ فَجَعَلَکُمْ مَرْمَی نَبْلِهِ وَ مَوْطِئَ قَدَمِهِ وَ مَأْخَذَ یَدِهِ»(1).

إن هذا المقطع من الخطبة المسماة بالصاعقة يبدو كبيان وتفسير لقوله تعالى: «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ

ص: 31


1- نهج البلاغة، خطبة 192

مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا»(1)

وفي شرح هذا المقطع قال الشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله): (ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم). حذّر الإمام من الذين يعشقون المناصب والرياسة لا لشيء إلا للذة الحكم وشهوة السلطان، وأيضا حذّر من الذين يتعشقون الكراسي كوسيلة تمكنهم من الوصول إلى غاياتهم ومآربهم، أما من يطلب الحكم لإقامة العدل وإحقاق الحق، وللقضاء على الشر والفساد - أما هذا فواجب الطاعة والمؤازرة...

(الذين تكبروا عن حسبهم، وترفعوا عن نسبهم) أي احذروا السادات الذين يتنابزون بالألقاب، ويتفاخرون بالمناصب. وفي الحديث الشريف: «حسب الرجل دينه، ومروعته خلقه،

ص: 32


1- الاحزاب، 66-67-68

وأصله عقله»(1)

(وألقوا الهجينة على ربهم)... والمعنى انهم يتعاظمون على الناس، لأن الله هو

الذي ألبسهم قميص العظمة، وحرم غيرهم منه، كما يزعمون، وهذه جرأة وفرية على الله الذي قال: (إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ)(2)

(وجاحدوا الله ماصنع بهم... إلخ) ان الزعماء يستظهرون بنعمة الله على عباد الله، ويعاندون أمره بالشكر والتواضع، ويجحدون آلاءه تمردا وعنادا.

(فإنهم قواعد... إلخ).. المراد بالعصبية التعصب لغير الحق، وبالفتنة الفرقة والفساد، وبالاعتزاء الانتساب. والقصد هو مجرد الذم، وان

ص: 33


1- الكافي، للكليني، ج 8، ص 181
2- الحجرات، 13

الزعماء هم أصل الداء والبلاء.

(فاتقوا الله ولا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا). النعمة تستوجب الشكر والتواضع. والكبر ضد التواضع، والكفران ضد الشكر. والقصد النهي عن رذيلة الكفران والكبر .

(ولا لفضله عندكم حسادا). المراد بالحساد هنا الأعداء، والمعنى لا تعملوا ما يستوجب زوال النعمة عنكم، وإلا يكون شأنكم مع أنفسكم شأن العدو الذي يتمنى زوال النعمة عن عدوه. وبكلمة لا تكونوا أعداء أنفسكم.

(ولا تطیعوا الأدعياء... إلى العقوق). الدعيّ هو الذي ينتسب إلى غير أبيه، ومثله النذل الخسيس حيث يدعي الشرف والمكانة، والمعنى أنتم ودعاء وأبرياء، لأنكم لا تهدفون إلى شيء سوى العيش في أمان واستقرار وبكدّ اليمين وعرق

ص: 34

الجبين، أما الرؤساء الخبثاء فهم سفلة ولصوص قد تخصصوا بأساليب الخداع، وتفننوا في طرق السلب والاستغلال، وعليكم أن تكافحوهم، ولا تركنوا إليهم، ومن تحالف معهم عن وعي وعلم، ومن أجل الربح والكسب فهو مجرم وخائن، ومن ركن إليهم عن غفلة وجهل أخذوا منه دينه وضميره الصافي النقي، وبره لوطنه وأمته، وأعطوه الكدر والمرض والباطل..

(اتخذهم إبليس مطايا... إلخ) إن الزعماء المنحرفين يفعلون بوحي من الشيطان، وينطقون بلسانه، وينظرون بعينه، وبأذنه يسمعون، بل هم في قبضته وتحت قدمه...)(1).

2- سلبية طاعة الظالمين:

ص: 35


1- في ظلال نهج البلاغة، ج 3، ص 77

قال تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ»(1)

ففي تفسير القمي: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) قال: ركون مودة ونصيحة وطاعة)(2)

وفي تفسير النحاس وهو من العامة قال: (وقوله جل ذكره (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار...) قال عكرمة: أي: (لا) تودوهم و (لا) تطيعوهم)(3).

ولا شك أن الظالمين على أصناف، وكل صنف له درجات تتفاوت في شدة الظلم عندهم وضعفه.

ص: 36


1- هود، 113
2- تفسير القمي، ج 1، ص 338
3- معان القرآن، للنحاس، ج 3، ص 385

قال تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ»(1).

إن هذا الصنف من الظالمين يعبر عنه القرآن بالأظلم فلا ظلم أشد من ظلم هؤلاء لأنهم متصفون بأعلى درجات المفسدين فهم يفترون على الله الكذب، وذلك لأجل مصالحهم وإرضاء نفوسهم الأمارة بالسوء وتثبيت مناصبهم، ولهذا النوع من الكذب معنى واسع من قبيل تحريف کلام الله بالزيادة أو النقصان أو التفسير بالرأي وتزييف الحقائق أو بالكذب على رسول الله صلی

ص: 37


1- هود، 19

الله عليه وآله بأحاديث لم ينطق بها وهي تعارض الكتاب والسنة، ولو تقصينا التأريخ بإنصاف نجد أن أئمة هذه الافتراءات هم بنو أمية وبنو العباس، فلقد كان دأبهم سرقة العقائد الحقة من الناس واستبدالها بعقائد مزيفة تلائم مصالحهم الخاصة، وبذلك تحطيم صرح العدل والسلام و تشیید دولة الظلم والجور والإعوجاج، وهذا جلي في قوله تعالى: «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا»(1).

والخلاصة أن طاعة هؤلاء والركون اليهم ظلم ومشاركة في أفعالهم، وأما التقي بعيد عن موالاة الظالمين، قال تعالى: «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ»(2)، ومن

ص: 38


1- هود، 19
2- الجاثية، 19

يشترك في ظلم هؤلاء يسلب طريق الهداية قال تعالى: «وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(1)، وكذلك الحب الالهي قال تعالى: «وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»(2).

وقد وصف الإمام الحسين عليه السلام دولة بني أمية أدق الوصف في خطبة نقلها الطبري في تأريخه حيث قال: (عن عقبة بن أبي العيزار ان الحسين (عليه السلام) خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطان جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم

ص: 39


1- آل عمران، 86
2- آل عمران، 57

يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله...)(1).

3- سلبية طاعة أهل الكتاب:

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ»(2).

قال الطبرسي في مجمع البيان: (يا أيها الذين آمنوا) أي: صدقوا الله ورسوله، وهو خطاب للأوس والخزرج، ويدخل غيرهم من المؤمنين في اللفظ. (إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا

ص: 40


1- تاريخ الطبري، ج 4، ص 304
2- آل عمران، 100

الكتاب) معناه: إن تطيعوا هؤلاء اليهود في قبول قولهم، وإحياء الضغائن التي كانت بينكم في الجاهلية (يردوكم بعد إيمانكم كافرين) أي: يرجعوكم كفارا بعد إيمانكم)(1).

ان الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين في هذه الآية وينهاهم عن طاعة أهل الكتاب وهم اليهود، وقيل اليهود والنصارى، ولا يسمعوا لهم فإن في طاعتهم ردة عن الإيمان ببثِ تشكيكاتهم وضلالهم، وقد خص الله سبحانه فريقا منهم لأن أهل الكتاب ليسوا جميعا يتربصون بالإسلام والمسلمين الدوائر، بل أكثرهم كما جاء في قوله تعالى: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا

ص: 41


1- تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 353

مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ»(1).

إذا لما كان هؤلاء أعداء للسلام وللإسلام والمسلمين حرم الله جل وعلا طاعتهم على المؤمنين بجميع أشكالها كالإستماع إليهم وودهم وبرهم بل كل ما يسمى ولاء لهم، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(2).

وأما من لم يكن عدوا للإسلام والمسلمين فالأمر مختلف معهم، قال تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»(3).

ص: 42


1- البقرة، 109
2- المائدة، 51
3- الممتحنة، 8

وهنا تنبغي الإشارة الى داء طالما اشتكى منه جسد المجتمع الإسلامي عموما وشبابه خصوصا، ألا وهو داء تقليد المجتمع الغربي وهو ضرب من ضروب الطاعة غير المباشرة والغير واعية، وهذا ما عملت من أجله أياد خفية ماسونية البصمات منذ زمن بعيد، فهذه الايادي ما إن لمست مجتمعا من مجتمعات المسلمين يتمتع بمبادئه إلا ونفثت فيه سمها كالأفعى.

والأعظم ألماً في هذا الأمر هو انصياع بعض الشباب المسلم لهم، بشعور تارة ومن غير شعور أخرى، فنحن نجد بعض الشباب متحديا لأعداء الإسلام قولا، وأما على الصعيد العملي فهو مشروع لهم بأفعاله، من قبيل تقليدهم بعادات بعيدة عن روح الاسلام، والسير بخطاهم بلا شعور، وما هذا إلا سير بخطى الشيطان، قال

ص: 43

تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).

4- سلبية طاعة المسرفين:

قال تعالى عن لسان النبي صالح عليه السلام: «وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ»(2)

ان خطورة إطاعة المسرفين تتضح لنا بجلاء عندما نبين العلاقة الوثيقة بين الإسرافِ وبين قطع جذور السلام ونشر الفساد في الأرض، قال تعالى

ص: 44


1- النور، 21
2- الشعراء، 151

في شأن فرعون:«إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ»(1)

فالقرآن الكريم يصرح جليا ان فرعون كان من المسرفين الذين تكبروا وتجاوزوا الحدود، بل انه بالغ بإسرافه واستعلائه، فاستهزأ بعقول قومه ببث المغالطات العقيمة والكاذبة فأطاعوه بعشوائية من غير إعمال العقل، نتيجة انغماسهم بالفسق والفجور ولهذا المعنى أشار قوله تعالى: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ»(2)

وفي تفسير الامثل ما يكشف لنا النقاب عن شيء من حقيقة الاسراف وبعض مصاديقه من القرآن الكريم، إذ قال: (نعرف أن «الإسراف» هو

ص: 45


1- الدخان، 30-31
2- الزخرف، 54

التجاوز عن حدّ قانون التكوين وقانون التشريع... وواضح أيضاً أنّ أيّ تجاوز عن الحد موجب للفساد والاختلال وبتعبير آخر: إن مصدر الفساد هو الإسراف، ونتيجة الإسراف هي الفساد أيضاً.

وينبغي الإلتفات إلى أنّ الإسراف له معنى واسع، فقد يطلق على المسائل المادية كالأكل والشرب، كما في الآية (31) من سورة الأعراف (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) وقد يَرِدُ في الإنتقام والقصاص - عند تجاوز الحد - كما في الآية (33) من سورة الإسراء...(فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً) وقد يستعمل في الإِنفاق والبذل عند التبذير وعدم التدبير، كما في الآية (67) من سورة الفرقان: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) وقد يأتي في الحكم أو

ص: 46

القضاء الذي يجرّ إلى الكذب، كما في الآية (28) من سورة غافر: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب).

وقد يستعمل في الإعتقاد المنتهي إلى الشك والتردد والإرتياب كما في الآية (34) من سورة غافر إذ تقول: (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) وقد يأتي بمعنى الإستعلاء والإستكبار والإستثمار كما جاء في الآية (31) من سورة الدخان في شأن فرعون (إنّه كان عالياً من المسرفين) وأخيراً فقد يأتي بمعنى مطلق الذنوب كما هو في الآية (53) من سورة الزمر (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً)، وبملاحظة كل ما بيّناه آنفاً، تتّضح العلاقة بين الإسراف والفساد

ص: 47

بجلاء...)(1)

تبين لنا مما تقدم، أن الطاعة السلبية بجميع أنواعها التي ذكرناها - والتي لم نذكرها طلبا للإيجاز - لا تُرتجي منها ثمارٌ إلا الفساد في الارض وقمع جذور السلام.

ولا يخفى أن الطاعة السلبية منشؤها من إطاعة النفس الأمارة بالسوء قال تعالى: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ»(2).

وأيضا من إطاعة الشيطان الذي يأمر بالفحشاء والمنكر قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»(3)

ص: 48


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 11 ص 430
2- یوسف، 53
3- النور، 21

وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام الى طاعة الشيطان ونتائجها إذ قال: .. «أَطَاعُوا الشّيطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِم سَارَت أَعلَامُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ، فِي فِتَنٍ دَاسَتهُم بِأَخفَافِهَا وَ وَطِئَتهُم بِأَظلَافِهَا، وَ قَامَت عَلَي سَنَابِكِهَا، فَهُم فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفتُونُونَ...»(1).

قال العلامة التستري: «أطاعوا الشيطان» في ما يدعوهم إليه.

«فسلكوا مسالكه» فيتّبعون خطواته.

«ووردوا مناهله» المناهل: موارد الماء.

«بهم سارت أعلامه» أي: بسببهم وقعت ألوية الشيطان في السير حيث شاء.

«وقام لواؤه» على ساقها ولم تقع.

ص: 49


1- نهج البلاغة، خطبة 2

«في فتن» راجع-ة إلى أم-ور دنياهم، كما أنّ الأولى كانت راجعة إلى أمور دينهم...».

«داستهُم» من: داس الشيء برجله، إذا مشى عليه، وداس الطعام: دقّه بالفدان ليخرج الحبّ من السنبل.

«بأخفافها، ووطئتهم بأظلافها» قالوا: الخف للبعير، والظلف للبقرة والشاة والظبي، والكلام استعارة، فشبّه عليه السّلام الفتن بإبل تدوس شيئا، وببقر تطأ شيئا.

«وقامت» تلك الفتن.

«على سنابكها» سنابك، جمع سنبك: طرف مقدّم الحافر، شبّه عليه السّلام الفتنة بخيل قامت على سنابكها.

«فهم فيها» أي: في تلك الفتن التي كانت

ص: 50

أوصافها ما ذكر.

«تائهون» كمن وقع في مفازة لا يهتدي فيها للطريق.

ہیں «حائرون» أي: متحيّرون لا يدرون علاجا لدائهم...)(1).

المسألة السادسة:

قوله علیہ السلام: (وَأصَابَ سَبيلَ اَلسَّلاَمَةِ ببَصَر مَن بَصِّرَهُ وطَاعَةِ هَادٍ أمَرَهُ...)

و قال سبحانه وتعالى مخاطبا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(2).

* * * *

ص: 51


1- بهج بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 112
2- یوسف، 108

بعدما أشار أمير المؤمنين عليه السلام الى أهمية سلامة القلوب ومن ثَم إطاعة الهداة وتجنب المردين أشار الى النتيجة المتوخاة من ذلك ومرحلة جني الثمار وهي إصابة سبيل السلامة المطلقة، أي سلامة الدنيا والآخرة التي يبحث عنها كل انسان مؤمن باليوم الآخر يعيش على وجه هذه المعمورة، وقد بين الامام عليه السلام في كلام له وَصَفَ مَن سلك طريق السلامة إذ قال: (قَدْ أَحْیَا عَقْلَهُ وَأَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّی دَقَّ جَلِیلُهُ - وَلَطُفَ غَلِیظُهُ وَبَرَقَ لَهُ لاَمِعٌ کَثِیرُ الْبَرْقِ - فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِیقَ وَسَلَک بِهِ السَّبِیلَ - وَتَدَافَعَتْهُ الأَبْوَابُ إِلَی بَابِ السَّلاَمَةِ وَدَارِ الاْقَامَهِ - وَثَبَتَتْ رِجْلاَهُ بِطُمَأْنِینَهِ بَدَنِهِ فِی قَرَارِ الأَمْنِ وَالرَّاحَهِ - بِمَا اسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ وَأَرْضَی رَبَّهُ)(1)

ص: 52


1- نهج البلاغة، خطبة 220

إن اصابة سبيل السلامة بمفهومها العام لا تتأتى إلا عن علم وبصيرة ودراية ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لولده الامام الحسن عليه السلام: (لَیْسَ کُلُّ مَنْ رَمَی أَصَابَ)(1).

وذلك لأن البعض لا يتعدى نظره الى ما بعد الدنيا بل لا يعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، وهذا الصنف من الناس يصفه الامام عليه السلام بالأعمى كما جاء في كلامه إذ قال: (وَ إِنَّمَا اَلدُّنْیَا مُنْتَهَی بَصَرِ اَلْأَعْمَی لاَ یُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَیْئاً وَ اَلْبَصِیرُ یَنْفُذُهَا بَصَرُهُ وَ یَعْلَمُ أَنَّ اَلدَّارَ وَرَاءَهَا فَالْبَصِیرُ مِنْهَا شَاخِصٌ وَ اَلْأَعْمَی إِلَیْهَا شَاخِصٌ وَ اَلْبَصِیرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ وَ اَلْأَعْمَی لَهَا مُتَزَوِّدٌ...)(2).

ص: 53


1- نهج البلاغة، كتاب 31، (الوصية)
2- نهج البلاغة، خطبة 133

وقال عليه السلام في مورد آخر «وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بَلَبِيبٍ، وَلاَ كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِیعٍ، وَلاَ كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ...»(1).

وأما صفات البصير فيبينها أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه إذ قال: «فَإِنّمَا البَصِيرُ مَن سَمِعَ فَتَفَكّرَ وَ نَظَرَ فَأَبصَرَ وَ انتَفَعَ بِالعِبَرِ ثُمّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنّبُ فِيهِ الصّرعَةَ فِي المهَاَويِ وَ الضّلَالَ فِي المغَاَويِ وَ لَا يُعِينُ عَلَي نَفسِهِ الغُوَاةَ بِتَعَسّفٍ فِي حَقّ أَو تَحرِيفٍ فِي نُطقٍ أَو تَخَوّفٍ مِن صِدقٍ فَأَفِق أَيّهَا السّامِعُ مِن سَكرَتِكَ وَ استَيقِظ مِن غَفلَتِكَ وَ اختَصِر مِن عَجَلَتِكَ وَ أَنعِمِ الفِكرَ فِيمَا جَاءَكَ عَلَي لِسَانِ النّبِيّ الأمُيّ (صلی الله علیه و آۀه) مِمّا لَا بُدّ مِنهُ وَ لَا مَحِيصَ عَنهُ وَ خَالِف مَن خَالَفَ ذَلِكَ إِلَي غَيرِهِ وَ دَعهُ وَ مَا رضَيِ َ لِنَفسِهِ

ص: 54


1- نهج البلاغة، خطبة 88

وَ ضَع فَخرَكَ وَ احطُط كِبرَكَ وَ اذكُر قَبرَكَ فَإِنّ عَلَيهِ مَمَرّكَ وَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَ كَمَا تَزرَعُ تَحصُدُ وَ مَا قَدّمتَ اليَومَ تَقدَمُ عَلَيهِ غَداً فَامهَد لِقَدَمِكَ وَ قَدّم لِيَومِكَ فَالحَذَرَ الحَذَرَ أَيّهَا المُستَمِعُ وَ الجِدّ الجِدّ أَيّهَا الغَافِلُوَ لا يُنَبّئُكَ مِثلُ خَبِيرٍ إِنّ مِن عَزَائِمِ اللّهِ فِي الذّكرِ الحَكِيمِ التّيِ عَلَيهَا يُثِيبُ وَ يُعَاقِبُ وَ لَهَا يَرضَي وَ يَسخَطُ أَنّهُ لَا يَنفَعُ عَبداً وَ إِن أَجهَدَ نَفسَهُ وَ أَخلَصَ فِعلَهُ أَن يَخرُجَ)(1).

ولا شك أن السلامة الحقيقية هي التي يدعو اليها الباري عز وجل إذ قال: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(2).

والباحث عن هذه السلامة يتوجب عليه الجدُ والاجتهاد في طلبها، وبما أن الانسان تتلوث فطرته بارتكاب المعاصي والذنوب فتعشو بصيرته وحينها لا يرى الحقائق كما هي، فيحتاج بالضرورة إلى

ص: 55


1- نهج البلاغة، خطبة 153
2- یونس، 25

مَن ينذره من عاقبة أمره إن عصى، ويهديه الى الصواب، لذلك قال الامام عليه السلام: «بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ»(1).

أي ببصيرة الامام الحق المطهر من كل رجس، وإطاعته في كل الاوامر والنواهي ولذلك قال تعالى مخاطبا نبيه (صلى الله عليه وآله): «..إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(2).

جاء عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد"؟ فقال: رسول (الله صلى الله عليه وآله) المنذر، وعلي الهادي، يا أبا محمد هل من هاد اليوم؟ قلت: بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك، فقال: رحمك الله يا أبا محمد لو

ص: 56


1- نهج البلاغة، خطبة 214
2- الرعد، 7

كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل، ماتت الآية، مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى)(1)

وذكر الشيخ وحيد الخراساني في مقدمة منهاج الصالحين موضوعا حول الهداية ننقل بعضا منه قال: (.. ومعرفة إمام الهداية يتوقف على معرفة الهداية، ومعرفة الهداية تحتاج إلى التدبر في آيات الكتاب الواردة في هذا الموضوع، التي تزيد على المائتين وتسعين آية، ولا يتسع هذا الموجز لشرحها.

وذلك أن الهداية كمال الخلقة قال تعالى: «قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»(2)

ص: 57


1- الكافي، للكليني، ج 1، ص 192
2- طه، 50

وقال تعالى: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى»(1) وهداية كل مخلوق تناسب خلقته، ولما كان الانسان مخلوقا في أحسن تقويم فهدايته أعلى مراتب كمال الخلق... إلى أن قال: وان الإمام هو المبين لأصول الدين وفروعه، لأن الله تعالى لم يوكل تفسير دينه إلى آراء الخلق المعرضة للخطأ والاختلاف، لأن الخطأ والاختلاف في الدين آفتان تنقضان الغرض من تشريعه وتدخلان الأمة في ظلمات الضلال، بل لم يترك الله تعالى نقطة غموض ولا إبهام، حول أصول دينه وفروعه، إلا أوضحها بأئمة الهدى...)(2).

ومن هنا ينبغي التنبيه الى نكتة لابد من

ص: 58


1- الأعلى، 1-2-3
2- مقدمة منهاج الصالحين، ج 1، ص 207

معرفتها وهي:

أن الانبياء والرسل والأئمة عليهم السلام هم الهداة الى الصراط المستقيم حيث سلامة الدارين، ولكنَّ هذا لا يعني وقوفهم دائما في دائرة المسالمة والمحاورة والمهادنة، ولا يعني كونهم دعاة السلام أنهم لن يحاربوا لأجله، بل هم محاربون إذا ما دعت الحكمة الى الحرب، ومسالمون إذا ما دعت الحكمة الى السلم، وبهذا تكون حربهم نشرا للسلام، لأن حروبهم مع أعداء السلام حصرا، ولكن ينبغي القول أن الحرب عندهم آخر الحلول، وهذا ما نشهده في تأريخ النبي صلى الله عليه وآله وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام.

فمن كلام للإمام عليه السلام وقد استبطأ أصحابُه إذنَه لهم في القتال بصفين قال: «.. فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ اَلْحَرْبَ یَوْماً إِلاَّ وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِی

ص: 59

طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِیَ بِی وَ تَعْشُوَ إِلَی ضَوْئِی وَ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَی ضَلاَلِهَا وَ إِنْ کَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا...»(1).

قوله عليه السلام: (فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي) أي: (وتستضيئوا بي وفيه تعريض بضعف بصائر أهل الشّام فهم في الاهتداء بهداه كمن يعشو ببصر ضعيف إلى النّار في الليل..)(2)

وفي الختام نورد هذه الرواية المباركة لتبين لنا معنى الصراط المستقيم في الدنيا ومعناه في الاخرة، فعن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصراط، فقال: (هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل، وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة، فأما الصراط الذي في

ص: 60


1- نهج البلاغه، خطبة 55
2- جمج الصباغة، ج 4، خطبة 55

الدنيا، فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه، مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا، زلت قدمه عن الصراط في الآخرة، فتردى في نار جهنم)(1).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على حبيبه المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ص: 61


1- تفسير البرهان، ج 1، ص 114

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

2- نهج البلاغة تحقيق (صبحي الصالح)

3- الصحيفة السجادية

4- تفسير مجمع البيان مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان الطبعة: الأولى

5- الكافي للشيخ الكليني مطبعة حيدري / الناشر: دار الكتب الإسلامية / الطبعة الخامسة

6- تفسير علي بن ابراهيم القمي / مطبعة النجف / تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري

7- بحار الانوار للعلامة المجلسي / الطبعة: الثانية المصححة، سنة الطبع: 1403 - 1983 م

8- الخصال للشيخ الصدوق / تحقيق

ص: 62

وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري

9- مصباح الشريعة المنسوب للامام الصادق عليه السلام / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان / الطبعة الأولى

10- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة للعلامة حبيب الله الهاشمي الخوئي / تحقيق: سید إبراهيم الميانجي / المطبعة الاسلامية بطهران الطبعة الرابعة

11- بشارة المصطفى لمحمد بن أبي القاسم الطبري / تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني / المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي / ط 1.

12- لسان العرب لابن منظور / الناشر: نشر أدب الحوزة / سنة الطبع: محرم 1405

13- تاج العروس للزبيدي / طبعة دار الفكر

ص: 63

- بيروت، سنة الطبع: 1414 - 1994 م

14- الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسیر الثعلبي) / مطبعة دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان / الطبعة الأولى

15- البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني / تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية / مؤسسة البعثة - قم

16- میزان الحكمة محمد الري شهري / المطبعة: دار الحديث / الطبعة: الأولى

17- وسائل الشيعة، للحر العاملي / تحقيق:

مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث / ط 1.

18- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للعلامة الشيخ ناصر مکارم الشيرازي / الطبعة الجديدة والمنقحة

ص: 64

19- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني / الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مجمع إحياء الثقافة الإسلامية / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / الطبعة: الأولى

20- علل الشرائع للشيخ الصدوق / تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم / منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف

21- تفسير الميزان للسيد الطباطبائي / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

22- رياض السالكين في شرح صحيفة سید الساجدین (ع) للسيد علي خان المدني الشيرازي / تحقيق: السيد محسن الحسيني الأمين / المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي / الطبعة: الرابعة

ص: 65

23- مستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري الطبرسي / تحقيق: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث / الطبعة الثانية

24- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرّسول للعلّامة محمد باقر المجلسي / مطبعة مروي / الطبعة الثانية / الناشر: دار الكتب الإسلامية

25- الهداية للشيخ الصدوق / تحقيق: مؤسسة الإمام الهادي (ع) / الطبعة الأولى

26- الوافي للفيض الكاشاني / المطبعة: طباعة أفست نشاط أصفهان / الطبعة الأولى / الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (ع) العامة - أصفهان

27- معجم ألفاظ الفقه الجعفري للدكتور أحمد فتح الله / المطبعة: مطابع المدوخل - الدمام / الطبعة الأولى

ص: 66

28- بلاغات النساء لابن طيفور / الناشر: مكتبة بصيرتي. قم المقدسة

29- المبسوط للشيخ الطوسي / المطبعة الحيدرية - طهران / الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية

30- الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامه / الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

31- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر / المطبعة: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

32- معاني القرآن للنحاس / الناشر: جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية / الطبعة الأولى

33- تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي / الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية -

ص: 67

طهران

34- شرح أصول الكافي للمولي محمد صالح المازندراني / مطبعة دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع / الطبعة الأولى

35- حاشية ابن ادریس على الصحيفة السجادية لابن إدريس الحلي / الناشر: العتبة العلوية المقدسة / الطبعة: الأولى

36- عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي / المطبعة: دار الحديث /

الطبعة الأولى

37- غرر الحکم و درر الكلم / مؤسسة الاعلمي للمطبوعات / الطبعة الاولى

38- الأمالي للشيخ الصدوق / تحقیق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم / الطبعة الأولى

ص: 68

39- عوالي الليالي لابن أبي جمهور الأحسائي / مطبعة سيد الشهداء - قم / الطبعة الأولى

40- في ظلال نهج البلاغة للشيخ محمد جواد مغنية / مطبعة ستار / الطبعة الأولى / الناشر: انتشارات كلمة الحق

41- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة للشيخ المحمودي / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان

42- تاريخ الطبري لمحمد بن جرير الطبري / الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت - لبنان / الطبعة الرابعة

43 مقدمة منهاج الصالحين للشيخ وحيد الخراساني

44- جمج الصباغة في شرح نهج البلاغة للعلامة محمد تقي التستري / مؤسسة التاريخ

ص: 69

العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى

45- تحف العقول عن آل الرسول (ص) لابن شعبة الحراني / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي / الطبعة الثانية

46 - جامع السعادات للشيخ محمد مهدي النراقي / مطبعة النعمان - النجف الأشرف / الطبعة الرابعة

47- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء للفيض الكاشاني / الناشر: دفتر انتشارات اسلامی/ ط 2.

ص: 70

جدول المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة الكتاب...9

المسألة الأولى: معنى الطاعة...10

المسألة الثانية: الطاعة المطلقة الغير مشروطة:...12

المسألة الثالثة:...15

العصمة المطلقة لأصحاب الطاعة المطلقة:...15

المسألة الرابعة: الطاعة المقيدة:...25

المسألة الخامسة:...29

تجنب من طاعتهم مردية:...29

1- سلبية طاعة أئمة الضلال:...30

2- سلبية طاعة الظالمين:...35

3- سلبية طاعة أهل الكتاب:...40

4- سلبية طاعة المسرفين:...44

المسألة السادسة:...51

قوله عليه السلام: (وَأصَابَ سَبيلَ السَّلاَمَةِ ببَصَر مَن بَصَّرَهُ وَطَاعَةِ هَادِ أمَرَهُ)...51

المصادر والمراجع...62

ص: 71

ص: 72

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.