سلامة القلب

هوية الکتاب

سلامة القلب

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة القلب السليم في نهج البلاغة (2) سلامة القلب تأليف السيد هيثم أحمد الحيدري

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

(... فَطُوبَی لِذِی قَلْبٍ سَلِیمٍ أَطَاعَ مَنْ یَهْدِیهِ وَ تَجَنَّبَ مَنْ یُرْدِیهِ وَ أَصَابَ سَبِیلَ اَلسَّلاَمَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ وَ طَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ...) نهج البلاغة: الخطبة 214)

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الهداة المطهرين.

وبعد:

فإن من اعجب ما خلق الله تعالى هو هذا القلب الذي اكتسب اسمه من تقلّب احواله وتغيّر سبله وميوله فكان القائد الى الجنّة أو النار والمعوّل عليه في المحن والاهوال فان ثبت في الطاعة لخالقه وفاطره قاد صاحبه الى النجاة وان تقلب وزاغ عن الحق قاده إلى الهلاك

ولذا:

تعددت الآيات والروايات التي تبين للإنسان خطر القلب ووسائل سلامته ومرضه.

وهنا في هذه السلسة الموسومة ب (سلسلة

ص: 7

القلب السليم) رَسونا على ضفاف نهج البلاغة وحديث امير المؤمنين عليه السلام لنستخرج من بحره ما يعيننا على سلامة القلب.

والله الموفق لكل خير.

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عندها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها)(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد...

بعد أن بينا معنى القلب في الجزء الأول بما يتناسب مع حجم البحث فقد تكشفت لنا الكثير من الحقائق، وصار من السهل علينا تسليط الضوء على معنى القلب السليم ومعرفة بعض المسائل

ص: 9


1- من خطبة سيدة نساء العالمين عليها السلام (الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج 1 ص 132 \ بلاغات النساء لابن طیفور ص 15)

عنه.

وقبل الخوض في مسائل القلب السليم علينا الوقوف على معنى السلامة في اللغة لأننا سنتحدث عن سلامة القلوب وبعض ما يتعلق بها، ودور القلب السليم في كثير من القضايا التي تمثل الحصن الحصين لسلامة بني الانسان في الدارین، سائلين من المولى التوفيق انه سميع مجيب.

السيد هيثم الحيدري

ص: 10

المسألة الأولى: السلامة في اللغة

وقال الراغب في مفرداته: (والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة، قال تعالى: (بقلب سليم) أي متعر من الدغل فهذا في الباطن، وقال تعالى: (مسلمة لاشية فيها) فهذا في الظاهر وقد سلم يسلم سلامة وسلاما وسلمه الله، قال تعالى: (ولكن الله سلم) وقال: (ادخلوها بسلام آمنين) أي سلامة، وكذا قوله: (اهبط بسلام منا) والسلامة الحقيقة ليست إلا في الجنة، إذ فيها بقاء بلا فناء وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم، كما قال تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم) أي السلامة، (وقال تعالى): (والله يدعو إلى دار السلام)(1).

ص: 11


1- المفردات في غريب القرآن ص 239

وقال ابن منظور : (السَّلامُ في الأَصل السَّلامة يقال سَلِمَ يَسلَمُ سَلاماً سَلامة ومنه قيل للجنة دار السَّلام لأَنها دار السَّلامة من الآفات...)(1)

يُفهم مما تقدم أن مفهوم السلامة مفهوم كلي وله مشتقات ويحوي تحت طياته مصاديق كثيرة، وعندما نقول: السلام أو السلامة إنما المراد من هذين اللفظين أصل واحد وهو السلامة من الآفات المادية والمعنوية التي تطرأ على الانسان.

قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله): (السلام والسلامة واحد كالرضاع والرضاعة...)(2).

ص: 12


1- لسان العرب مادة (سلم) ص 1877
2- تفسير الميزان ج 10 ص 37

المسألة الثانية: القلب السليم في القرآن الكريم والسنة المطهرة

قال تعالى في خصوص خليله ابراهيم عليه السلام: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(1).

وقال تعالى: «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(2).

سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: ما القلب السليم؟ قال: (دين بلا شك وهوى، وعمل بلا سمعة ورياء)(3)

وقال الامام الصادق عليه السلام: صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم لأن سلامة

ص: 13


1- سورة الصافات آية 83 - 84
2- سورة الشعراء آية 88 - 89
3- مستدرك الوسائل: ج 1 ص 113

القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية لله تعالى في الأمور كلها قال الله تعالى: (يوم لا ينفع مال وبنون إلا من اتى الله بقلب سليم)(1).

وعن سفيان ابن عُيينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل «إِلَّا مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ» قال القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه قال وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة)(2)

قال العلامة المازندراني في شرح هذه الرواية المباركة:

قوله: (وليس فيه أحد سواه) أي اشتغل

ص: 14


1- مصباح الشريعة ص 53
2- اصول الكافي / ج 2 ص 16

بربه عن غيره من المال والولد وغيرهما كما قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(1).

قوله: (وكل قلب فيه شرك) لعبادة النفس والشيطان أو شك لميله إلى الدنيا وحبه لها...

قوله: (وانما أرادوا بالزهد في الدنيا وتركها لتفرغ قلوبهم للآخرة) وتتفكر في أمرها وما يوجب النجاة والترقي فيها بذكر الله(2) وطاعته في الظاهر والباطن فلا فائدة في تركها ظاهراً مع اشتغال القلب بها وحبه لها وميله إلى عبادة النفس والشيطان.

ص: 15


1- سورة المنافقون آية 9
2- في الاصل: (من ذكر الله)

وقال بعض الحكماء: اثنان في العذاب سواء غنى حصلت له الدنيا فهو بما مشغول مهموم، وفقير زويت عنه فنفسه تنقطع عليها حسرات فلا يجد إليها سبيلا.

والحاصل أن ترك الدنيا لتطهير القلب عن حبها وعن طاعة النفس والشيطان وتصفيته عن غيره تعالى لينمو فيه بذر المحبة والذكر ويرتقي إلى مقام القرب ولا يتحقق ذلك بالقلب الملوث بشهواتها كالبذر في أرض السبخة..)(1)

وفي الصحيفة السجادية: (اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهٍ، وَاجعَل سَلامَةَ قُلوبِنا في ذِكرٍ عَظَمَتِكَ)(2)

ص: 16


1- شرح اصول الكافي للمازندراني ج 8 ص 54
2- من الصحيفة السجادية: الدعاء الخامس مِن دُعاء الامام السجاد عَليه السَّلامُ لِنَفسِه وَأهلِ ولايته

وفي هذا المقطع من دعاء الامام زين العابدين عليه السلام يشير الى ترتب سلامة القلب من العلائق والنفثات الشيطانية وجميع ما يلهي عن ذكر الله سبحانه وتعالى، حينما يتذكر الانسان عظمة الله عز وجل ويتفكر في عظيم خلقه سبحانه، قال تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»(1)

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة، تفكّروا في خلق

ص: 17


1- سورة آل عمران آية 190-191

الله ولا تفكروا في الله فإنّكم لن تقدروا قدره)(1)

وفي شرح هذا المقطع من الدعاء قال السيد علي الشيرازي في رياض السالكين:

السلامة: الخلوص من الآفات، والمراد بسلامة القلوب: سلامتها من الأمراض الروحانيّة كالجهل وسائر الأخلاق الذميمة... حتى قال: فيكون ذكر عظمته حينئذ حاميا لسلامة القلوب من الآفات التي تتطرق إليها..)(2)

المسألة الثالثة: مراتب القلب السليم:

إن للقلب السليم درجات ومراتب متفاوتة، فكلما سلم القلب من شائبة أو رذيلة ارتقى

ص: 18


1- حاشية ابن ادريس على الصحيفة السجادية ص 74
2- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين ج 2 ص 166

واقتطف ثمار رقيه وانجلت بصيرته بحسب رقيه، وهكذا كلما سلم القلب يرقى الانسان درجة أعلى وكلما ارتقى كانت نظرته للأشياء أشمل وأعمق ونفذت بصيرته أكثر وتجرد عن (الأنا) شيئا فشيئا ومن تجرد عن الأنا سَخَّرَ تفكيره في المصلحة العامة ولا يدع للأنانية مجالا في تفكيره، ولا شك أن للتجرد عن الأنا درجات بحسب سلامة القلب وعدمه، والكلام عن سُلم الرقي ذو بسط ومقامات حتى نصل في الكلام الى مقام العصمة.

وأما مقام العصمة المعبر عنها في القرآن الكريم (بالاجتباء والاصطفاء والمخلَصين بفتح اللام..) فقلوب هؤلاء خالصة من كل شائبة ورجس، بل لا يوجد فيها سوى الله تبارك

ص: 19

وتعالى، لذا فقد كانوا مستعدين لحمل رسالة السماء وهداية الناس، فأصحاب هذه القلوب متخلقون بأخلاق الله يحبون الخير لجميع عباد الله ويريدون السير بهم على الصراط المستقيم والنهوض الى قمة السلامة الدنيوية والأخروية الله إبراهيم عليه السلام الذي قال فيه الباري عز وجل: «إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(1)

كي وحين يكون القلب سالما من كل رجس تتلألأ بصيرته فيريه الله تبارك وتعالى حقائقَ الأشياء لا كما نراها نحن، قال تعالى: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»(2)

ص: 20


1- الصافات 84
2- الانعام 75

ولهذه الرؤية مقامات و مراتب فکل نبي ومرسل يرى بحسب مقامه ومنزلته حتى نصل في الكلام الى مقام النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وهو أفضل المخلوقات طرا، الذي وصل إلى مقام لم ولن يصله أحد سواه قال تعالى: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى»(1)

عن محمد بن الفضيل قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه

ص: 21


1- سورة النجم من آية 8 إلى 18

وآله ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: ما كذب الفؤاد ما رأى، أي لم يره بالبصر، لكن راه بالفؤاد)(1)

ومن هنا - لو تقصينا التأريخ البشري - نرى ان قانون السنخية يأخذ مجراه في الطاعة والاتباع، فأصحاب القلوب السليمة نسبيا يتبعون اصحاب القلوب السليمة مطلقا، من حيث ان شبيه الشيء منجذب اليه، فمن كان له حظ من سلامة القلب كان له حظ باتباع الهداة بمقدارها، فنجد ان كل امة من الامم على قدر سلامة قلوبهم يطيعون هداتهم من الأنبياء والرسل والاوصياء، وعلى قدر طاعتهم لهم يعيشون السلامة وينالون خير الدنيا والآخرة لأن طاعة سفراء الله هي طاعة الله

ص: 22


1- بحار الأنوار ج 4 ص 43

وفي طاعة الله فوز في الدارين.

ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يصدر عن القلب السليم إلا معنی مستقیم)(1)

المسألة الرابعة: مرض القلوب:

قال تعالى: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ»(2)

وقال تعالى: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ»(3)

إن من أعظم آفات سلامة القلوب وبالتالي آفة المجتمع البشري هي الامراض القلبية التي تأكل مفردات السلامة كما تأكل النارُ الحطبَ، وقد أكد أمير المؤمنين عليه السلام على ان اشد الامراض

ص: 23


1- عيون الحكم والمواعظ ص 535
2- سورة البقرة، آية 10
3- سورة المائدة، آية 52

هو مرض القلب إذ قال: (أَلاَ وإِنَّ مِنَ الْبَلاَءِ الْفَاقَةَ، وَأَشَدُّ مِنَ الْفَاقَةِ مَرَضُ الْبَدَنِ، وَأَشَدُّ مِنْ مَرَض الْبَدَنِ مَرَضُ الْقَلْبِ، أَلاَ وَإِنَّ مِنَ صِحَّهِ الْبَدَنِ تَقْوَی الْقَلْبِ)(1).

لقد بين عليه السلام في هذه الحكمة ان من أعظم المهلكات للإنسان هو مرض القلب، ولا شك ان مرض القلب المقصود هنا هو القلب الباطني كما مر بيانه في معنى القلب وكما هو واضح من الآيات المارة الذكر، وقد بين ان البلاء على عدة ضروب ومنها الفقر وسقم البدن وفيهما خسران الدنيا وهما أهون من سقم القلب الذي فيه خسران الآخرة.

ثم ان الفقر وسقم البدن علاجهما ممکن

ص: 24


1- نهج البلاغة، حكمة 388

وسهل وأما علاج سقم القلب فهو صعب ليس بالسهل، وفي أغلب الأحيان يكون سقم القلب غير ظاهر للعيان، وأغلب امور الدنيا غير متوقفة عليه بخلاف سقم البدن، فصاحب سقم القلب في الأعم الأغلب متهاون به، لعدم توقف الدنيا عليه ولإمكان التستر عليه، وإن كان لابد من هذا المضمر ان يظهر على الجوارح في يوم ما كما أشار الى ذلك الإمام عليه السلام إذ قَالَ: (ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه)(1).

فكما يذهب أحدُنا الى الطبيب مسرعا عند سقم بدنه حريٌ به أن يتوجه الى علاج الامراض القلبية أسرع، لأن فيه فقد السعادة الأبدية.

ص: 25


1- نهج البلاغة، حكمة 26

وقد بين الامام عليه السلام ان من ثمار صحة القلب هو صحة البدن كما جاء في الحديث النبوي الذي أوردناه آنفا، عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: (في الانسان مضغة إذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد، فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد وهي القلب)(1).

ولعل المراد من علامة صحة البدن على تقوى القلب هو استخدام الجوارح فيما يرضي الله عز وجل فتقوى الله سبحانه مسكنها في القلب ثم تتجلى آثارها على الجوارح، لذلك عرفها الامام الصادق عليه السلام بآثارها عندما سئل عنها فقال: (أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك

ص: 26


1- الخصال، ج 1، ص 18

حيث نهاك)(1) فبما أن حركات البدن المتقنة والمقتدرة دالة على صحته وسلامته، كذلك السير على جادة الشريعة والتحلي بالأخلاق الحميدة دالٌ على سلامة القلب.

المسألة الخامسة: فطرة القلوب:

قد يسأل السائل عن الأمراض القلبية هل هي موجودة في الانسان ذاتياً منذ مجيئه إلى الدنيا؟ أو أنها دخيلة عليه عرضية يكتسبها بعد وروده الى الدنيا؟

والإجابة على هذا السؤال ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (اَللَّهُمَّ دَاحِیَ اَلْمَدْحُوَّاتِ وَ دَاعِمَ اَلْمَسْمُوکَاتِ وَ جَابِلَ اَلْقُلُوبِ عَلَی فِطْرَتِهَا

ص: 27


1- بحار الانوار، ج 67، ص 285

شَقِیِّهَا وَ سَعِیدِهَا...)(1)

قال الشيخ محمد جواد مغنية (رحمه الله) في قوله: (اللهم داحي المدحوات). باسط الأرضين يجعلها للخلق فراشا ومعاشا (وداعم المسموكات) أي السماوات، والمراد بدعمها إمساكها بقانون الجاذبية (وجابل القلوب على فطرتها قاشقيّها وسعيدها). والمراد بالفطرة استعداد الانسان لأن يكون خيّرا أو شريرا، قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(2) أي هداها النجدين: طريق الخير، وطريق الشر، وترك الخيار لصاحبها حرصا على حريته وانسانيته، وقال سبحانه: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا»(3) وهو السعيد الذي

ص: 28


1- نهج البلاغة، خطبة 72
2- سورة الشمس، آية 7 - 8
3- سورة الشمس، آية 9

آثر الخير على الشر، وحلال الله على حرامه «وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»(1) وهو الشقي الذي آثر الشر على الخير، والحرام على الحلال)(2)

تبين لنا مما تقدم من قول أمير المؤمنين عليه السلام وشرحه أن كل انسان يولد على الفطرة نقي القلب من كل رذيلة إلا انه يتلوث بالأعمال السيئة فيُرانُ على ذلك القلب، فلا يرى صاحبُه الحقائق كما هي، قال تعالى: «إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(3).

فالقرآن الكريم يصرح جليا أن كسب الأعمال السيئة هو المانع عن رؤية الحقيقة وأن

ص: 29


1- سورة الشمس آية 10
2- في ظلال نهج البلاغة، ج 1، ص 353
3- سورة المطففين، آية 13 - 14

الانسان مفطور على المعارف الحقة كما قال تعالى: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(1).

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)(2)

المسألة السادسة: حب الدنيا مدار الأمراض القلبية:

إن من توغل قلبه في حب الدنيا أصبح قلبه مدارا تدور عليه الآفات، ووعاء يحوي من الأمراض القلبية بمقدار ذلك الحب، ولا مجال لحب

ص: 30


1- سورة الروم، آية 30
2- عوالي اللآلي، ج 1، ص 16 35

الدنيا مع الإيمان بالآخرة حقيقة، وبمقدار الإيمان بالآخرة تسكن التقوى في القلب، ومن لا يعلم حقيقة الدنيا وركن اليها هجمت عليه الآفات القلبية وهو غافل، والى هذا المعنى أشار قوله تعالى: «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ»(1)

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (حرام على كل قلب متوله بالدنيا أن يسكنه التقوى)(2)

وقال عليه السلام: (لحب الدنيا صمت

ص: 31


1- سورة الروم، آية 7 - 8
2- غرر الحکم، ص 126

الأسماع عن سماع الحكمة و عميت القلوب عن نور البصيرة)(1)

وقال عليه السلام: (رأس الآفات التوله بالدنيا)(2)

ومن كلام له عليه السلام يصف فيه حال مريض القلب، وماذا صنع بهذا القلب حبُ الدنيا إذ قال: (وَمَنْ عَشِقَ شَیْئاً أَعْشَی بَصَرَهُ وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ یَنْظُرُ بِعَیْنٍ غَیْرِ صَحِیحَةٍ وَیَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَیْرِ سَمِیعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ وَأَمَاتَتِ الدُّنْیَا قَلْبَهُ وَوَلِهَتْ عَلَیْهَا نَفْسُهُ فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَلِمَنْ فِی یَدَیْهِ شَیْ ءٌ مِنْهَا حَیْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَیْهَا وَحَیْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَیْهَا..)(3)

ص: 32


1- غرر الحکم، ص 268
2- غرر الحکم، ص 147
3- نهج البلاغة، خطبة 109

قال تعالى: «لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(1).

وفي شرح هذا المقطع من خطبة الامام عليه السلام قال حبيب الله الخوئي: (ومن عشق شيئا) أي كان مولعا به شديد المحبّة له، فانّ العشق هو الافراط في الحبّ والتجاوز عن حدّ الاعتدال... الى ان قال:

وكيف كان فالمراد أنّ من أفرط في محبّة شيء أغشي ذلك الشيء (بصره وأمرض قلبه) أي يكون فرط حبّه لذلك الشيء مانعا عن توجّهه إلى ما يلزمه التوجّه إليه وحاجبا عن النظر إلى

ص: 33


1- سورة الاعراف، آية 179

مصالحه وما يلزمه الاشتغال به فیکون غافلا عما عداه، صارفا أوقاته بكلَّيته إلى هواه، ويكون عشقه مانعا عن ادراکه العقول، ويكون عشقه أيضا مانعا عن ادراكه لعيوب المعشوق، وعن التفاته إلى مساویه...

وغرضه عليه السّلام أنّ أهل الدنيا لكثرة حبّهم لها وفرط رغبتهم إليها قصرت أبصارهم عن النظر إلى أخراهم، ومرضت قلوبهم عن التوجه إلى عقباهم، وصرفوا أوقاتهم بكلَّيتها إليها وإلى زخارفها وقنياتها، غافلين عن ادراك عيوبها ومساويها ولم يعرفوا أنها غدّارة مكَّارة، غرّارة يونق منظرها ويويق مخبرها، ولم تف إلى الآن لأحد من عشّاقها، ولم تصدق ظنّ أحد من طالبيها وراغبيها (فهو ينظر بعين غير صحيحة

ص: 34

ويسمع باذن غير سميعة) لغفلته عما سوى المحبوب وعدم تنبّهه بما فيه من العيوب فلا ينظر اليه بنظر البصيرة والاعتبار حتى يبصر ما فيه من المفاسد والمضار، ولا يستمع إلى المواعظ والزواجر والنواهي والأوامر حتّى يأخذ عدّته ليوم تبلی السرائر.

(قد خرقت الشهوات عقله) شبّه العقل بالثوب إذ كما أنّ الثوب زينة الانسان ووقاية للبدن من الحرّ والبرد فكذلك العقل زينة للمرء ووقاية له من حرّ نار الجحيم يعبد به الرّحمن ویکتسب به الجنان، وجعل عقل الرجل الموصوف بمنزلة ثوب خلق ورشح الاستعارة بذكر الخرق إذا الثوب إذا كان خرقا خلقا ممزقا لا ينتفع به صاحبه فكذلك العقل إذا كان مفرقا بالشهوات الباطلة

ص: 35

مصروفا في اللَّذات العاجلة لا ينتفع به فيما خلق لأجله البتة وفي الحقيقة هذه القوة نكر أو شيطنة وليست بالعقل وإنما هي شبيهة بالعقل.

وأماتت الدّنيا قلبه) فلا انتفاع له به کمیّت لا نفع له (وولهت عليها نفسه) أي صار في فرط محبّته للدنيا بمنزلة الواله عليها والمفتون بها (فهو عبد لها ولمن في يديه شيء منها) لأنه إذا كانت همته مصروفة إليها وأوقاته مستغرقة في جمعها وجبايتها صار زمام أمره بيدها (حيثما زالت زال إليها وحيثما أقبلت أقبل عليها) كعبد دائر في حركاته وسكناته مدار مولاه بل عبوديته لها أشدّ وأخسّ من عبودية العبد لسيّده، إذ طاعة العبد وانقياده لسيّده ربما يكون قسّريا وخدمة ذلك لدنياه عن وجه الشّوق والرّغبة والرضاء والمحبة

ص: 36

وفي هذا المعنى قال الشاعر: ما النّاس إلَّا مع الدّنيا وصاحبها * فكيف ما انقلبت يوما به انقلبوا

يعظَّمون أخا الدّنيا فان وثبت * يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا)(1).

وقد جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي (رحمه الله) كلام حول أصل مرض القلب إذ قال: (الصحة والمرض متقابلان لا يتحقق أحدهما في محل إلا بعد إمكان تلبسه بالآخر کالبصر والعمى ألا ترى أن الجدار مثلا لا يتصف بأنه مريض لعدم جواز اتصافه بالصحة والسلامة.

وجميع الموارد التي أثبت الله سبحانه فيها للقلوب مرضا في كلامه يذكر فيها من أحوال تلك القلوب وآثارها أمورا تدل على خروجها من

ص: 37


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 331

استقامة الفطرة، وانحرافها عن مستوى الطريقة كقوله تعالى: «وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا»(1) وقوله تعالى: «إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ»(2) وقوله تعالی: «لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ»(3) إلى غير ذلك.

وجملة الامر أن مرض القلب تلبسه بنوع من الارتياب والشك يكدر أمر الايمان بالله والطمأنينة إلى آياته، وهو اختلاط من الايمان بالشرك، ولذلك يرد على مثل هذا القلب من الأحوال، ويصدر عن صاحب هذا القلب في مرحلة

ص: 38


1- سورة الأحزاب آية 12
2- سورة الأنفال آية 49
3- سورة الحج، آية 53

الأعمال والافعال ما يناسب الكفر بالله وبآياته، وبالمقابلة تكون سلامة القلب وصحته هي استقراره في استقامة الفطرة ولزومه مستوى الطريقة، ويؤل إلى خلوصه في توحيد الله سبحانه ورکونه إليه عن كل شيء يتعلق به هوى الانسان، قال تعالى: «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(1) ... الى ان قال: فالظاهر أن مرض القلب في عرف القرآن هو الشك والريب المستولي على إدراك الانسان فيما يتعلق بالله وآياته، وعدم تمكن القلب من العقد على عقيدة دينية)(2).

ص: 39


1- سورة الشعراء، آية 88-89
2- تفسير الميزان، ج 5، ص 377

المسألة السابعة: آفات القلب:

لقد تظافرت كلمات أمير المؤمنين عليه السلام معددةً الكثير من أمراض القلوب وأكدت على خطورة هذه الأمراض بشدة فائقة، فمن هذه الامراض: النفاق والحسد والحقد... والخ.

أولا: آفة النفاق:

قال تعالى: «يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ»(1)

وقال تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا»(2).

ص: 40


1- سورة التوبة، آية 64
2- سورة النساء، آية 61

وقال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ»(1)

قال صاحب تفسير الامثل في معنى النفاق: (النفاق في مفهومه الخاص.. صفة أولئك الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر.

لكن النفاق له معنى عام واسع يشمل كل ازدواجية بين الظاهر والباطن، وكل افتراق بين القول والعمل، من هنا قد يوجد في قلب المؤمن بعض ما نسميه " خيوط النفاق ".

ففي الحديث النبوي: "ثلاث من كن فيه

ص: 41


1- سورة البقرة، آية 8 - 9 - 10

كان منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: من إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف "... (و) كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): (الرياء شجرة لا تثمر إلا الشرك الخفي، وأصلها النفاق)(1)

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (وَ لَقَدْ قَالَ لِی رَسُولُ اَللَّهِ (صلی الله علیه وآله) إِنِّی لاَ أَخَافُ عَلَی أُمَّتِی مُؤْمِناً وَ لاَ مُشْرِکاً أَمَّا اَلْمُؤْمِنُ فَیَمْنَعُهُ اَللَّهُ بِإِیمَانِهِ وَ أَمَّا اَلْمُشْرِكُ فَیَقْمَعُهُ اَللَّهُ بِشِرْکِهِ وَ لَکِنِّی أَخَافُ عَلَیْکُمْ کُلَّ مُنَافِقِ اَلْجَنَانِ عَالِمِ اَللِّسَانِ یَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ وَ یَفْعَلُ مَا تُنْکِرُونَ)(2)

فالمنافقون يشكلون أخطر صنف من أصناف

ص: 42


1- تفسير الامثل، ج 1، ص 99
2- نهج البلاغة، رسالة 27

الوباء على الجسد الاسلامي، قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَی اللهِ وَأُحَذِّرُکُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ وَالزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ یَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَیَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً وَیَعْمِدُونَکُمْ بِکُلِّ عِمَادٍ وَیَرْصُدُونَکُمْ بِکُلِّ مِرْصَادٍ قُلوبُهُمْ دَوِیَّةٌ وَصِفَاحُهُمْ نَقِیَّةٌ یَمْشُونَ الْخَفَاءَ وَیَدِبُّونَ الضَّرَاءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَیَاءُ حَسَدَةُ الرَّخَاءِ وَمُؤَکِّدُوا الْبَلاَءِ وَمُقْنِطُوا الرَّجَاءِ لَهُمْ بِکُلِّ طَرِیقٍ صَرِیعٌ وَإلی کُلِّ قَلْبٍ شَفِیعٌ وَلِکُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ یَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ وَیَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ إِنْ سَأَلُوا ألْحَفُوا وَإِنْ عَذَلُوا کَشَفُوا وَإِنْ حَکَمُوا أَسْرَفُوا قَدْ أَعَدُّوا لِکُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً وَلِکُلِّ قَائِمٍ مَائِلاً وَلِکُلِّ حَیٍّ قَاتِلاً وَلِکُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً وَلِکُلِّ لَیْلٍ مِصْبَاحاً یَتَوَصَّلُونَ إِلَی

ص: 43

الطَّمَعِ بِالْیَأْسِ لِیُقیمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ وَیُنَفِّقُوا بِهِ أَعْلاَقَهُمْ یَقُولُونَ فَیُشَبِّهُونَ وَیَصِفُونَ فَیُمَوِّهُونَ قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِیقَ وَأَضْلَعُوا الْمَضِیقَ فَهُمْ لُمَةُ الشَّیْطَانِ وَحُمَةُ النِّیرَانِ «أُولئِكَ حِزْبُ الشَّیْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(1)»(2)

وكان النبي صلى الله عليه وآله يقول: (خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت، وفقه في سنة) السمت: الطريق والمحجة، وأيضا يستعمل لهيئة أهل الخير وهي عبارة عن الحالة التي يكون عليها الانسان من السكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة واستقامة المنظر والهيئة، يقال: فلان حسن السمت أي حسن المذهب في الأمور

ص: 44


1- سورة المجادلة، آية 19
2- نهج البلاغة، خطبة 194

كلها)(1)

وعن أبي عبد الله عليه السلام قا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الذي أراد، فحوله في موضع آخر فلم يستقم له، فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنار)(2).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (إِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِیثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَیْسَ لَهُمْ خَامِسٌ رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِیمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلاَمِ لاَ یَتَأَثَّمُ وَ لاَ یَتَحَرَّجُ یَکْذِبُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ کَاذِبٌ لَمْ یَقْبَلُوا مِنْهُ وَ لَمْ

ص: 45


1- تحف العقول عن آل الرسول، ص 179
2- الكافي، للكليني، ج 2، ص 396 باب صفة النفاق والمنافق 40

یُصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَ لَکِنَّهُمْ قَالُوا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ لَقِفَ عَنْهُ فَیَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ وَ قَدْ أَخْبَرَكَ اللَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِینَ بِمَا أَخْبَرَكَ وَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ فَتَقَرَّبُوا إِلَی أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ وَ الدُّعَاةِ إِلَی اَلنَّارِ بِالزُّورِ وَ الْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ وَ جَعَلُوهُمْ حُکَّاماً عَلَی رِقَابِ النَّاسِ فَأَکَلُوا بِهِمُ الدُّنْیَا وَ إِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَ الدُّنْیَا إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ...)(1).

وعن أبي جعفر عليه السّلام قال: (بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا، إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله)(2)

ص: 46


1- نهج البلاغة، خطبة 194
2- اصول الكافي، ج 2 ص 343

ثانيا: آفة الحسد:

قال تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(1)

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (ولا تحاسدوا، فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب)(2).

وقال عليه السلام: (وَ لَا تَكُونُوا كَالمُتَكَبّرِ عَلَي ابنِ أُمّهِ مِن غَيرِ مَا فَضلٍ جَعَلَهُ اللّهُ فِيهِ سِوَي مَا أَلحَقَتِ العَظَمَةُ بِنَفسِهِ مِن عَدَاوَةِ الحَسَدِ...)(3) والمقصود هنا قابيل الذي تكبر على أخيه هابيل (عليه السلام) وبالغ في حسده فقتله.

ص: 47


1- سورة النساء، آية 54
2- نهج البلاغة، خطبة 86
3- نهج البلاغة، خطبة 192

وقال الشيخ النراقي في معنى الحسد: (وهو تمني زوال نعم الله تعالى عن أخيك المسلم مما له فيه صلاح، فإن لم ترد زوالها عنه ولكن تريد لنفسك مثلها فهو (غبطة) ومنافسة، فإن لم يكن له فيها صلاح واردت زوالها عنه فهو (غيرة). ثم إن كان باعث حسدك مجرد الحرص على وصول النعمة إلى نفسك، فهو من رداءة القوة الشهوية وإن كان باعثه محض وصول المكروه إلى المحسود، فهو من رذائل القوة الغضبية، ويكون من نتائج الحقد الذي من نتائج الغضب، وإن كان باعثه مركبا منهما، فهو من رداءة القوتين. وضده (النصيحة)، وهي إرادة بقاء نعمة الله على أخيك المسلم مما له فيه صلاح)(1).

ص: 48


1- جامع السعادات، ج 2، ص 148

إن الحسد من الامراض القلبية التي تسلب حياة القلوب، وله أسباب عدة، وقد ذكر العلامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول بعضها إذ قال: (وقيل: للحسد أسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة: العداوة والتعزز والكبر، والتعجب، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة، وحب الرئاسة، وخبث النفس وبخلها، فإنه إنما يكره النعمة عليه إما لأنه عدوه فلا يريد له الخير، وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه، وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه وهو المراد بالتعزز، وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته، وهو المراد بالتكبر، وإما أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما

ص: 49

أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا ما أَنتُم إِلَّا بَشَرٌ مِثلُنا، وقالوا أَنؤمِنُ لِبَشَرَينِ مِثلِنا، وأمثال ذلك كثيرة، فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب، وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمته بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه، وإما أن يكون بحب الرئاسة التي يب-تني على الاختصاص بنعمة لا يساوي فيها، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله.

فهذه أسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد، فيعظم الحسد لذلك ويقوى قوة لا يقدر معها على الإخفاء والمجاملة، بل يهتك حجاب المجاملة

ص: 50

ويظهر العداوة بالمكاشفة، وأكثر المحاسدات يجتمع فيها جملة من هذه الأسباب...)(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (حسد الصدّيق من سقم المودّة)(2).

وقال عليه السلام: (عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله)(3).

ثالثا: آفة الحقد:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (طهروا قلوبكم من الحقد، فإنه داء موبئ)(4)

وقال عليه السلام في عهده لمالك الأشتر (أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ کُلِّ حِقْدٍ وَاقْطَعْ عَنْكَ

ص: 51


1- مرأة العقول، ج 10، ص 159
2- نهج البلاغة، حكمة 218
3- نهج البلاغة، حكمة 212
4- میزان الحكمة، ج 1، ص 648

سَبَبَ کُلِّ وِتْرٍ)(1).

قال الشيخ المحمودي (أي اطلق واحلل عن الناس عقد الاحقاد، واقطع عنك اسباب کل عداوة فأحسن معهم السيرة، ولا تسئ إليهم والوتر - کحبر -: العداوة.)(2).

وفي معنى الحقد قال الفيض الكاشاني: (اعلم أنّ الغضب إذا لزم کظمه لعجز عن التشفّي في الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقدا ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استنقاله والبغضة له والنفار عنه وأن يقوم على ذلك ويبقي وقد قال صلَّى الله عليه وآله وسلم: (المؤمن ليس بحقود)(3).

ص: 52


1- کتاب 53 من عهده لمالك الأشتر
2- نهج السعادة، ج 5، ص 66
3- المحجة البيضاء في هذيب الأحياء، ج 5، ص 317

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (الدنيا أصغر وأحقر وأنزر من أن تطاع فيها الأحقاد)(1).

وقال عليه السلام: (إنما اللبيب من استسل الأحقاد)(2).

وقال عليه السلام: (الحقد من طبائع الأشرار)(3).

وقال عليه السلام: (سبب الفتن الحقد)(4).

وقال عليه السلام: (أشد القلوب غلا قلب الحقود)(5).

وقال عليه السلام: (ليس لحقود اخوة)(6).

ص: 53


1- المصدر السابق نفسه
2- المصدر السابق نفسه
3- المصدر السابق نفسه
4- المصدر السابق نفسه
5- المصدر السابق نفسه
6- المصدر السابق نفسه

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بأبعدكم مني شبها؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الفاحش المتفحش البذي البخيل المختال الحقود الحسود)(1).

وهنالك الكثير من الامراض القلبية التي لم نذكرها طلبا للإجمال، كالشّك والارتياب العداوة والبخل...

وهنالك جملة من الأحاديث التي وردت لتبين مواضيع شي حول القلب، نذكر بعضها لرسم صورة أوضح لما يتعلق بالقلب السليم:

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إن الشك والمعصية في النار، ليسا منا ولا إلينا، وإن قلوب المؤمنين لمطوية

ص: 54


1- المصدر السابق نفسه

بالإيمان طيا، فإذا أراد الله إنارة ما فيها فتحها بالوحي فزرع فيها الحكمة زارعها وحاصدها)(1)

وفي أمالي الصدوق: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول: (ما شيء أفسد للقلب من الخطيئة، إن القلب لیواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله)(2).

وعن سليمان بن خالد قال: قد سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أن الله إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء، وفتح مسامع قلبه، ووكل به ملكا يسدده، وإذا أراد بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء وشد علیه مسامع قلبه، ووكل

ص: 55


1- بحار الانوار، ج 67، ص 54
2- الأمالي للشيخ الصدوق ص 481

به شیطانا يضله ثم تلا هذه الآية: «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا...»(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن للقلب أذنين: روح الايمان يُسارِه بالخير، والشيطان یُسارِه بالشر فأيهما ظهر على صاحبه غلبه)(2).

وعن ابن نباته قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب)(3).

وعن الامام الصادق عليه السلام قال: (شر العمى عمى القلب)(4).

ص: 56


1- سورة الأنعام، آية 125؛ تفسير العياشي ج 1، ص 321
2- بحار الانوار ج 67 ص 53
3- بحار الانوار، ج 67، ص 55
4- الامالي، للشيخ الصدوق، ص 576

وعن علي بن الحسين عليهما السلام قال في حديث طويل يقول فيه: ألا إن للعبد أربع أعين: عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه، وعينان يبصر بما أمر آخرته، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته وإذا أراد به غير ذلك ترك القلب بما فيه)(1).

وقال الامام الصادق عليه السّلام: (إنما شیعتنا أصحاب الأربعة أعين عينين في الرأس، وعينين في القلب، ألا والخلائق كلهم كذلك، ألا إن الله عز وجل فتح أبصاركم، وأعمى أبصارهم)(2).

وفي الجملة إن أمراض القلب - وهي متنوعة

ص: 57


1- الخصال، للشيخ الصدوق، ص 240
2- البرهان في تفسير القران، ج 3، ص 374

كأمراض البدن - لا تُداوى إلا بالعلم والعمل الصالح إذ أن علاجها لابد أن يكون مستفادا من الكتاب والسنة المطهرة اللذَين وضعا مناهج ووظائف لإصلاح القلب وتخليصه من الشوائب، وبالتالي اصلاح المجتمع البشري، وحينها يتحصل الهدف من ارسال الأنبياء جميعا وهو عيش الناس في مدينة القسط والعدل، قال تعالى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»(1).

ومن هنا نتساءل إن طبيبنا أعظم طبيبٍ عرفه التأريخ الإنساني - بل أعظم طبيب ومعلم لجميع العباد - وقال في وصفه أمير المؤمنين عليه السلام: (..طَبِیبٌ دَوّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ اَحْکَم مَراهِمَهُ وأحمَی

ص: 58


1- سورة الحديد، آية 25

مَواسِمَهُ یَضَعُ ذلكَ حَیْثُ الحاجَةُ اِلَیه مِنْ قُلوبٍ عُمْیٍ وآذانٍ صُمٍّ وَاَلسِنَةٍ بُکْمٍ مُتَتَبِّعٌ بِدَوائِهِ مَواضِعَ الغَفْلَةِ..)(1).

وهذا الطبيب - وهو رسول الله صلى الله عليه وآله - قد وضع لكل داء دواء بين أيدينا وهو القائل في حجة الوداع: (یا أَیُّهَا النّاسُ وَاللَّهِ ما مِنْ شَیْءٍ یُقَرِّبُکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَیُباعِدُکُمْ مِنَ النّارِ إِلاّ وَقَدْ أَمَرْتُکُمْ بِهِ، وَما مِنْ شَیْءٍ یُقَرِّبُکُمْ مِنَ النّارِ وَیُباعِدُکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلاّ وَقَدْ نَهَیْتُکُمْ عَنْهُ...)(2).

فاذا كان الطبيب أعظم الأطباء والدواء بمتناول أيدينا فيا ترى ما هو السبب الذي جعل جسد الامة الاسلامية عليلا غارقا في بحر الغفلة

ص: 59


1- نهج البلاغة، خطبة 108
2- مرآة العقول، ج 8، ص 48

والحيرة...؟

فعند طرح هذا السؤال يأتي الجواب صارخا بأسماعنا: انكم لم تأخذوا الدواء فأعقبكم ما أنتم فيه من البلاء.

لذا كان أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه يوجه الخطاب الى القلوب النقية ويقول: (أَیْنَ اَلْقُلُوبُ اَلَّتِی وُهِبَتْ لِلَّهِ وَ عُوقِدَتْ عَلَی طَاعَةِ اَللَّهِ...)(1).

لان القلوب المليئة بالنفاق والحسد والحقد و... لا تدرك المبادئ الحقة كما أنها لا تعيش السلام المراد منها، وقد أشار الى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (ولکِنِ القُلوبُ عَلیلَةٌ

ص: 60


1- نهج البلاغه، خطبة 144

وَالبَصائِرُ مَدخُولَةٌ...)(1).

وفي الختام نذكر العلاج الأساس الذي وصفه أمير المؤمنين عليه السلام لأمراض القلوب على النحو العام إذ قال: (..فَإِنَّ تَقْوَی اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِکُمْ وَ بَصَرُ عَمَی أَفْئِدَتِکُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِکُمْ وَ صَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِکُمْ وَ طُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِکُمْ وَ جِلاَء عَشَا أَبْصَارِکُمْ...)(2).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ص: 61


1- النهج البلاغة، خطبة 185
2- نهج البلاغة خطبة 198

المصادر والمراجع

- القران الكريم

1- نهج البلاغة تح: صبحي الصالح

2- الصحيفة السجادية

3- الكافي، الشيخ الكليني، مطبعة حيدري، دار الكتب الإسلامية، ط 5.

4- الأمالي، الشيخ الصدوق، تح: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم المشرفة، ط 1.

5- الخصال، الشيخ الصدوق، تح وتص وتع : علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش.

6- مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، تح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام

ص: 62

لإحياء التراث، ط 2.

7- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول، العلّامة محمد باقر المجلسي، مطبعة مروي، دار الكتب الإسلامية، ط 2.

8- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

9- بحار الانوار، العلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء، بیروت، لبنان، ط 2 المصححة، 1403 ه - 1983 م،

10- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، تح: قسم الدراسات الاسلامية، مؤسسة البعثة، قم المشرفة.

11- مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليه السلام، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت،

ص: 63

لبنان، ط 1.

12- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة .

13- المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ط 2، 1404 ه.

14- حاشية ابن ادریس على الصحيفة السجادية، ابن إدريس الحلي، العتبة العلوية المقدسة، ط 1.

15- رياض السالكين في شرح صحيفة سید الساجدين، السيد علي خان المدني الشيرازي، تح: السيد محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر - الإسلامي، ط 4.

16- شرح أصول الكافي، المولي محمد صالح المازندراني، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1.

ص: 64

17- جامع السعادات، الشيخ محمد مهدي النراقي، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، ط 4.

18- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، الفيض الكاشاني، دفتر انتشارات اسلامی، ط 2.

19- تحف العقول عن آل الرسول، لابن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2.

20- عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، مطبعة سيد الشهداء، قم المشرفة، ط.

21- عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، دار الحديث، ط 1.

22- غرر الحکم و درر الكلم، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، ط 1.

23- میزان الحكمة، محمد الريشهري، دار الحديث، ط 1.

ص: 65

24- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، العلامة حبیب الله الهاشمي الخوئي، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، المطبعة الاسلامية، طهران، ط 4.

25- في ظلال نهج البلاغة، الشيخ محمد جواد مغنية، مطبعة ستار، انتشارات كلمة الحق، ط 1.

26- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشيخ المحمودي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، لبنان.

27- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، العلامة الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، الطبعة الجديدة والمنقحة

28- لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، محرم 1405 ه.

ص: 66

جدول المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة الكتاب...8

المسألة الأولى: السلامة في اللغة...11

المسألة الثانية: القلب السليم في القرآن الكريم والسنة المطهرة...13

المسألة الثالثة: مراتب القلب السليم:...18

المسألة الرابعة: مرض القلوب:...23

المسألة الخامسة: فطرة القلوب:...27

المسألة السادسة: حب الدنيا مدار الأمراض القلبية:...30

المسألة السابعة: آفات القلب:...40

أولا: آفة النفاق:...40

ثانيا: آفة الحسد:...47

ثالثا: آفة الحقد:...51

المصادر والمراجع...62

ص: 67

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.