الصداقة الإیجابية و آثارها علی الإنسان

هوية الکتاب

الصداقة الإيجابية وأثارها على الإنسان

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:... 1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:... 1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 2

سلسلة الأخوة والصداقة في نهج البلاغة (4) الصداقة الإيجابية وآثارها على الإنسان تأليف علي فاضل الخزاعي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:

www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«لَا یَکُونُ الصَّدِیقُ صَدِیقاً حَتَّی یَحْفَظَ أَخَاهُ فِی ثَلَاثٍ فِی نَکْبَتِهِ وَ غَیْبَتِهِ وَ وَفَاتِهِ» في نهج البلاغة: الحكمة 129.

ص: 5

ص: 6

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

«والحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء على ما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد..

تعد الصداقة الحقيقية من اجمل العلاقات التي يمرّ بها الانسان في حياته، فللصداقة معان لا يفهمها إلا من يمتلك صديقا حقيقيا صدوقا، لأن پ

ص: 7


1- من خطبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام (الاحتجاج، للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 132؛ بلاغات النساء، لابن طيفور، ص 15)

الصديق الحقيقي هو الذي يحبك في الله دون مصلحة مادية أو معنوية ووجود الأصدقاء أمر مهم عند الانسان، لأن الصديق يزيد في المرح وانفراج الهمّ وزرع الثقة بنفس الشخص من خلال تعزيز وجوده وإثبات ذاته من خلال الصداقة، كما تعرف بواطن الاصدقاء عند الشدائد.

وقد بيّن عليه السلام في هذه الحكمة شرائط الصداقة الصادقة الّتي ما أكثر مدّعيها و أقلّ المؤمنين فيها، وعلى ما ذكره لا تُعرف صداقة الصديق بكمالها إلاّ بعد الموت.

علي فاضل الخزاعي

ص: 8

المسألة الأولى: المصاحبات الإيجابية

قوله عليه السلام: «لا تصحب إلا عاقلا تقيا ولا تخالط إلا عالما زكيا ولا تودع سرك إلا مؤمنا وفيا»(1).

فالإسلام أمر باختيار الصديق الصالح النافع المفيد، حيث وضع للصديق الأمثل مواصفات عديدة وردت في كثير من موارد الثقافة الإسلامية، كأن يكون ناصحاً أميناً، ويعين على طاعة الله، ويصدق في قوله، ويبرّ في عمله، ولا يوقع بالفساد بين الناس، وأن يكون مثلاً يقتدى به في الأمانة والوفاء والالتزام بأوامر الله ونواهيه.

ولا بد للإنسان عامة والشباب خاصة أن تكون لهم علاقات وصداقات وأصحاب وأحباب يأنسون إليهم في وقت فراغهم ويساعدونهم عند شدتهم ويستشيرونهم فيما يلم بهم، والمعلوم أن الناس يختلفون في اختيار الصديق والجليس

ص: 9


1- عيون الحكم والمواعظ، علي الواسطي، ص 520

باختلاف أفكارهم وآرائهم وطبائعهم وعاداتهم وميولهم، لذلك أكد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام علی مصاحبة الصادقين، عنه عليه السلام:

«عليك باخوان الصدق، فأكثر من اكتسابهم، فإنهم عدة عند الرخاء، وجنة عند البلاء»(1).

كما جعل الدين الاسلامي للأخوة حقوقاً وأداباً يلتزم بها المؤمن مع اخيه المؤمن منها زيارته والسؤال عنه، فعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«حدثني جبرئيل عليه السلام إن الله عز وجل أهبط إلى الأرض ملكا، فأقبل ذلك الملك يمشي حتى وقع إلى باب عليه رجل يستأذن على رب الدار، فقال له الملك، ما حاجتك إلى رب هذه الدار؟ قال: أخ لي مسلم زرته في الله تبارك وتعالى، قال له الملك، ما جاء بك إلا ذاك؟ فقال: ما جاء في إلا ذاك، فقال: إني رسول الله إليك وهو يقرؤك السلام

ص: 10


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 71، ص 187

ويقول: وجبت لك الجنة وقال الملك: إن الله عز وجل يقول: أیّما مسلم زار مسلما فليس إياه زار، إياي زار وثوابه عليّ الجنة»(1).

ص: 11


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 176

المسألة الثانية: آداب الصحبة والصداقة وحقوقهما:

للصداقة والصحبة آداب وحقوق رسمها لنا نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والائمة المعصومون من أهل بيت النبوة عليهم السلام لكي يوثقوا هذا المعنى السامي للمسلمين فيلتزمون بهذه الآداب، لأن من التزم بها يصبح للصداقة طعم خاص في الحياة، فتكثر المحبة والألفة بينهم ويحترم بعضهم البعض.

وللصداقة حقوق ينبغي مراعاتها والعمل بها، وقد تحدث عنها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لولده الإمام الحسن عليه السلام فقال:

«احمل نفسك من أخيك عند صرمه(1) على الصلة، وعند

ص: 12


1- الصرم: القطيعة (المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد، ج 1، ص 280

صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتى كأنك له عبد، وكأنه ذو نعمة عليك»(1).

وبيّن الإمام زین العابدين عليه السلام بحقوق الصداقة فقال عليه السلام:

«وأما حق الصاحب: فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً، وإلا فلا أقل من الإنصاف، وأن تكرمه كما يكرمك، وتحفظه كما يحفظك، ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأته، ولا تقصر به عما يستحق من المودة. تلزم نفسك نصيحته وحياطته وتعاضده على طاعة ربه ومعونته على نفسه فيما لا يهم به من معصية ربه، ثم تكون عليه رحمة، ولا تكون عليه عذاباً ولا قوة إلا بالله»(2).

كما أن الاسلام جعل للإخّوة حقوق يلتزم بها الانسان مع اخيه الانسان منها أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه وأن يعينه بأيّ شيء

ص: 13


1- نهج البلاغة، وصيته عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام، ص 403
2- بحار الانوار، ج 71، ص 17

يحتاج فيه الى العون ما دام في رضاة الله.

عن معلی بن خنیس عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: «قلت له ما حق المسلم على المسلم، قال له سبع حقوق واجبات ما منهن حق إلا وهو عليه واجب إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب، قلت له جعلت فداك وما هي، قال يا معلي إني عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل قال قلت له لا قوة إلا بالله قال أيسر - حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك والحق الثاني أن تجتنب سخطه وتتبع مرضاته وتطيع أمره والحق الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك. والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته والحق الخامس أن لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعري والحق السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه وتصنع طعامه وتمهد فراشه والحق السابع أن تبر قسمه وتجيب دعوته وتعود مرضته وتشهد جنازته وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته

ص: 14

وولايته بولايتك»(1).

كما أن الصاحب یکتسب من صاحبه عاداته وأخلاقه وتقاليده وأفكاره وقد أمر الإسلام الفرد باختيار الأصحاب الذين يقربونه من الله ويعينونه عند الضيق، وعلى الإنسان أن يتمهل في اتخاذ الصديق وترکه.

«وقد حدد الإمام زين العابدین علیه السلام حقوق الصاحب على صاحبه وهي:

1- أن تكون المصاحبة على الفضل والمعروف وليس لغايات خاصة.

2- أن يحفظ كل منهما صاحبه في حضوره وفي غيابه.

3- أن تقوم المصاحبة على المودة الصادقة والإخاء الصافي والمحبة الخالصة.

4- أن يقدم كل صاحب لصاحبه النصيحة

ص: 15


1- الكافي، الكليني، ج 2، ص 169

ولا يقصر به عما يستحق من المساعدة.

5- أن يعضد كل منهما صاحبه على طاعة الله تعالى والتجنب عن معاصيه فيعينه في دنياه وفي آخرته.

6- أن تكون الصداقة نعمة ورحمة فلا يغير علی صاحبك سلطة تسلمها أو مال حصل عليه»(1).

وان تكون الثقة والوفاء بالعهد موجوده بين الاصدقاء، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما لجلسائه:

«تدرون ما العجز؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال العجز ثلاثة أن يبدر أحدكم بطعام يصنعه لصاحبه فيخلفه ولا يأتيه، والثانية أن يصحب الرجل منكم الرجل أو يجالسه يجب أن يعلم من هو ومن أين هو فيفارقه قبل أن يعلم ذلك...»(2).

ص: 16


1- الإمام السَّجاد جهاد وأمجاد، حسين الحاج حسن، ج 1، ص 212
2- مسائل علي بن جعفر، علي بن جعفر الصادق، ص 329

المسألة الثالثة: اختيار الرفيق في السفر

ذكرنا فيما سبق من تجب مصاحبتهم ومرافقتهم وبينا من هم اصدقاء الثقة واصدقاء السوء، فالأمام علي عليه السلام أهتم اهتماماً كثيرا باختيار صديق الثقة لأن الصديق الجيد هو من يصحبك في السفر، فعن الامام علي عليه السلام أنه قال:

«فأما إخوان الثقة فهم الكف والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حد الثقة فابذله مالك وبدنك وصاف من صافاه، وعاد من عاداه، واكتم سره وعيبه، وأظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل إنهم أقل من الكبريت الأحمر»(1).

كما بيّن الاسلام حب التعاون بين الاصدقاء عند السفر ومساعدة بعضهم البعض، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر أصحابه بذبح شاة في سفر، فقال رجل من القوم:

ص: 17


1- الوافي، الكاشاني، ج 5، ص 571

علي ذبحها، وقال الاخر: علي سلخها، وقال الاخر: علي قطعها، وقال الاخر: علي طبخها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«علي أن ألقط لكم الحطب، فقالوا: يا رسول الله لا تتعبن - بآبائنا وأمهاتنا أنت - نحن نكفيك، قال صلى الله عليه وآله وسلم: عرفت أنكم تكفوني ولكن الله عز وجل يكره من عبده إذا كان مع أصحابه أن ينفرد من بينهم، فقام صلى الله عليه وآله وسلم يلقط الحطب لهم»(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام كان يقول:

«اصحب من تتزين به، ولا تصحب من يتزين بك»(2). قال الكاشاني (يعني اصحب من تنتفع به وتستفيد منه المكارم بأن يكون ناصحا لك ناقلاً إليك عيوبك ومع ذلك يغتنم صحبتك فإنه ما لم يغتنم صحبتك لا يكون زينة لك ولا يمكنك أن تتزين به لا من هو بخلاف ذلك ممن أراد الانتفاع بك من

ص: 18


1- مکارم الاخلاق، الطبرسي، ج 1، ص 254
2- بحار الانوار، ج 73، ص 267

دون نفع لك منه ولا اغتنام لصحبتك منه)(1).

ذکر صاحب کتاب المحجة البيضاء كلاما بيّن فيه أثر الصداقة وآداب المخالطة وكذلك حق الصحبة والجوار ودرجات الصداقة فقال (اعلم أنّ الإنسان إمّا أن يكون مع غيره أو وحده وإذا تعذّر عيش الإنسان وحده ولم يتمّ إلا بمخالطة من هو من جنسه لم يكن له بدّ من تعلَّم آداب المخالطة، وكلّ مخالط ففي مخالطته أدب، والأدب على قدر حقّه، وحقّه على قدر رابطته الَّتي بها وقعت المخالطة، والرابطة إمّا القرابة وهي أخصّها أو أخوّة الإسلام وهي أعمّها وإمّا الجوار وإمّا صحبة السفر أو المكتب أو الدرس وإمّا الصداقة والأخوّة، فلكلّ من هذه الروابط درجات، فالقرابة لها حقّ ولكن حقّ الرحم المحرم آكد، وللمحرم حقّ ولكن حق الوالدين أكد، وكذلك

ص: 19


1- الوافي،ص 573

حقّ الجار يختلف بحسب قربه من الدّار وبعده ويظهر التفاوت عند النسبة حتّى أنّ البلديّ في بلاد الغربة يجري مجرى القريب في الوطن لاختصاصه بحقّ الجوار في البلد، وكذلك حقّ المسلم يتأكَّد بتأكيد المعرفة وللمعارف درجات، فليس حقّ الَّذي عرف بالمشاهدة كحقّ الَّذي عرف بالسماع بل آكد منه والمعرفة بعد وقوعها يتأكَّد بالاختلاط وكذلك الصحبة يتفاوت درجاتها فحقّ الصحبة في الدرس والمكتب آكد من حقّ الصحبة في السفر، وكذلك الصداقة تتفاوت فإنّها إذا قویت صارت أخوّة فإن ازدادت صارت محبّة، فإن ازدادت صارت خلَّة والخليل أقرب من الحبيب والمحبّة ما يتمكَّن من حبّة القلب والخلَّة ما يتخلَّل سرّ القلب وكلّ خليل حبيب وليس كلّ حبيب خليلا، وتفاوت درجات الصداقة لا يخفی بحكم المشاهدة والتجربة، فأمّا كون الخلَّة فوق الأخوّة فمعناه أنّ لفظ الخلَّة عبارة

ص: 20

عن حالة هي أتمّ من الأخوة، إذ الخليل هو الَّذي يتخلَّل الحبّ جميع أجزاء قلبه ظاهرا وباطنا ويستوعبه، وكان صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حبيب الله وخليله، فقد روي أنّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم صعد المنبر يوما مستبشرا فرحا فقال:

«إنّ الله تعالى قد اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا فأنا حبيب الله وأنا خليل الله»(1).

ص: 21


1- المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني، ج 3، ص 353

المسألة الرابعة: باب من ينبغي مصادقته ومصاحبته

قوله عليه السلام:

«لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تحمد كرمه، ولكن انتفع بعقله واحترس من سيئ أخلاقه ولا تدعن صحبة الكريم، فإن لم تنتفع بعقله ولكن انتفع بكرمه بعقلك، وافرر كل الفرار من اللئيم الأحمق»(1).

إنّ للصداقة مفهوماً واسعاً، وهي تعني الأصدقاء الخاصين الذين تربطهم علاقات وثيقة، وهذه العلاقة توجب التزاور فيما بينهم والأكل من طعام الآخر.

كما ذكر صاحب كتاب الأمثل حديثا للإمام الصادق عليه السلام بيّن فيه الإمام كل اصناف الصداقة واشكالها وشروطها إذ قال:

«لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها، فمن كانت فيه هذه

ص: 22


1- روضة المتقين، المجلسي، ج 12، ص 14

الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة فأوّلاها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثاني: أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرّابعة: أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته، والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات»(1).

إن على الانسان مصاحبة العقلاء والانتفاع منهم ومصاحبة الكريم والانتفاع بكرمه والابتعاد عن اللئيم وسيء الخلق، كما يجب عليه مصاحبة الصديق الناصح له المبين له اخطاءه ولا يصاحب الصديق الغشاش التي تكون صداقته للضحك والقوع في المكاره.

عن أبي العديس قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «يا صالح اتبع من يبكيك وهو لك ناصح ولا تتبع من يضحك وهو لك غاش، وستردون على الله جميعا فتعلمون»(2).

ص: 23


1- الامثل، مكارم الشيرازي، ج 11، ص 172
2- الكافي، ج 2، ص 639

والصديق الذي يظهر لصاحبه عيوبه يعد من أحبّ الاصدقاء لأنه لا يريد أن يكرر صاحبه الاخطاء نفسها.

عن أحمد بن محمد، رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال:

«أحب إخواني إلي من أهدي إلي عيوبي»(1).

إن على الانسان أن ينظر ويمعن النظر الى أصحابه لأن الاصحاب الأخيار خير الاصدقاء. فعن أبي علي الزعلي قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

«انظروا من تحادثون فإنه ليس من أحد ينزل به الموت إلا مثل له أصحابه في الله إن كانوا خيارا فخيارا وإن كانوا شرارا فشرارا، وليس أحد يموت إلا تمثلت له عند موته»(2).

ص: 24


1- الكافي، ج 2، ص 639
2- الوافي: ج 5، ص 572

المسألة الخامسة: كيفية المحافظة على الصديق

قد يقترب الإنسان من السعادة، لكنّ وسوسة شيطانية واحدة من صديق سيء تقلبه رأساً على عقب وتقلب مصيره، حيث إن الإنسان معرض للإنحراف في اي لحظة، وحين نستعيذ من شر الشيطان فإن ذلك دليل على عدم إمكان الوقوع في شراك الوسواس الخناس، لأن الانسان يحمل في جوانحه الاستعدادات المختلفة للخير والشر، ويتأثر بالعوامل الخارجية كالمغريات والمثيرات المتنوعة، فضلاً عن دور الشيطان في الوسوسة والإغراء، فالإنسان بحاجة إلى من يهديه ويرشده ويُقوم له تصوراته وعواطفه.

وفساد أخلاق الانسان عاقبة له لأتباعه أصدقاء السوء. فعندما تكون الصداقة خالصة لله سبحانه بعيدة عن وسوسة الشيطان وإغوائه من المستحيل أن يدخل فيها زيغ أو عيب.

ص: 25

عن الامام علي عليه السلام:

«فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته، والناس إخوان، فمن كانت اخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة»(1)، وصدق الله إذ يقول:

«الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ»(2).

ونظراً لخطورة الصديق وتأثيره البالغ على الإنسان فإنه لا بد أن تكون هناك ضوابط وقواعد لاختياره وإلا أصيب الإنسان بالضرر ولذا يحذر القرآن الكريم من صديق السوء في أكثر من موضع من كتاب الله في إشارة إلى ضرورة اختيار الصديق وفق مواصفات معينة، إذ قال سبحانه:

«وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا *

ص: 26


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج 75، ص 82
2- سورة الزخرف، الآية: 67

«لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا»(1)، حيث كان الصديق والخليل سبباً لدخول هذا البائس عذاب الله، وبعده عن رحمته.

كما أن سوء الظن بالصديق يؤدي الى قطع حبل المودة بينهما ويهدم الصداقة بين الاصحاب، قال الامام علي عليه السلام:

«لا يفسدك الظن على صديق وقد أصلحك اليقين له. ومن وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه، استصلاح الأخيار بإكرامهم والأشرار بتأديبهم، والمودة قرابة مستفادة، وكفى بالأجل حرزا، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشر سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه وما أنعم الله عز وجل على عبد نعمة فعلم أنها من الله إلا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إلا غفر الله له قبل أن يستغفره»(2).

ص: 27


1- سورة الفرقان، الآيات: 27 - 29
2- بحار الانوار، ج 75، ص 83

ص: 28

نتائج البحث:

1- إن الناس يختلفون في اختيار الصديق والجليس باختلاف أفكارهم وآرائهم وطبائعهم وعاداتهم وميولهم. لذلك أكد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام على مصاحبة الصادقين.

2- وقد بيّن الامامعليه السلام في هذه الحكمة شرائط الصداقة الصادقة الّتي ما أكثر مدّعيها و أقلّ المؤمنين بها، و على ما ذكره لا تعرف صداقة الصديق بكمالها إلّا بعد الموت.

3- للصداقة تأثير كبير على الإنسان، وفي الغالب يتخل-ق الإنسان بأخلاق أصدقائه حسنة كانت أم سيئة.

4- أمر الإسلام باختيار الأصحاب الذين يقربونه من الله ويعينونه عند الضيق. وعلى الإنسان أن يتمهل في اتخاذ الصديق وتركه.

5- على الانسان مصاحبة العقلاء والانتفاع

ص: 29

منهم ومصاحبة الكريم والانتفاع بكرمه والابتعاد عن اللئيم وسيء الخلق.

6- على الانسان أن ينظر ويمعن النظر في أصحابه، لأن الأصحاب الأخيار هم خیر الاصدقاء.

ص: 30

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

1. الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي،.

2. بحار الانوار، العلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء بيروت لبنان، ط 2، 1403 ه - 1983 م.

3. الكافي، الشيخ الكليني، مطبعة حيدري، دار الكتب الإسلامية للنشر، ط 5.

4. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي، تح: السيد حسن الكرماني والشيخ علي بناه الاشتهار ابادي.

5. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، تح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، 1408 ه بيروت، لبنان.

6. مسائل علي بن جعفر، علي بن جعفر الصادق، مطبعة مهر، قم، ط 1، 1409 ه.

ص: 31

7. عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، دار الحديث، ط 1.

8. الإمام السجاد جهاد وأمجاد، الدكتور حسين الحاج حسن، دار المرتضى، بيروت.

9. نهج البلاغة، تح: صبحي الصالح، مؤسسة الأعلمي للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط 1، 1387 ه.

10. المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني، تح: علي اكبر نمازي، ط 2، مطبعة مهر، قم.

11. المفردات في غريب القرآن، ابو القاسم الحسين بن محمد، تح: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة للنشر، لبنان.

12. مکارم الاخلاق، الشيخ الطبرسي، منشورات الشريف الرضي، ط 6، 1392 ه.

13. الوافي، الفيض الكاشاني، طباعة افست نشاط اصفهان، ط 1، مكتبة امير المؤمنين العامة.

ص: 32

المحتويات

المقدمة...7

المسألة الاولى: المصاحبات الإيجابية...9

المسألة الثانية: آداب الصحبة والصداقة وحقوقهما:...12

المسألة الثالثة: اختيار الرفيق في السفر...17

المسألة الرابعة: باب من ينبغي مصادقته ومصاحبته...22

المسألة الخامسة: كيفية المحافظة على الصديق...25

نتائج البحث:....29

المصادر والمراجع...31

ص: 33

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.