الرزق بين السعة والضيق والكثرة والقلة

هوية الکتاب

الرزق بين السعة والضيق والكثرة والقلة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:... 1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:... 1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي

ص: 2

سلسلة الرزق والفقر في نهج البلاغة (2) الرزق بين السعة والضيق والكثرة والقلة تأليف علي فاضل الخزاعي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:

www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«وَقَدَّرَ الاْرَزاقَ فَکَثَّرَها وَقَلَّلها، وَقَسَّمَهَا عَلَی الضِّیقِ وَالسَّعَةِ فَعَدَلَ فِیهَا لِیَبْتَلِیَ مَنْ ارادَ بِمَیْسُورِهَا وَمَعْسُوِرَها ولِیَخْتَبِرَ بِذلِكَ الشُّکْرَ وَالصَّبْرَ مِنْ غَنِیَّها وَفَقِیرِها» نهج البلاغة: الحكمة 91

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

بين يدي القارئ الكريم مجموعة من الأحاديث الشريفة الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة والتي تضمّنت موضوع الرزق وما يتعلق به من أمور لطالما شغلت ذهن الإنسان قديماً وحديثاً وعلى اختلاف مستوياته المعرفية والثقافية والعقدية التي يمتاز بها في المجتمع.

ومن هنا: رأينا أن نتناول هذا الموضوع ضمن بیان مولی الموحدین علیه السلام، وقد

ص: 7

تفرع العنوان إلى مباحث ثلاثة، اقتضى المنهج أن نفرد لكل منها كتاباً مستقلاً كي يأخذ البحث مداه وحاجته من النقاش والدراسة والتوضيح فكانت عنوانات هذه الكتب كالآتي:

الكتاب الأول: الرزق رزقان، رزق تطلبه ورزق يطلبك.

الكتاب الثاني: الرزق بين السعة والضيق والكثرة والقلة.

الكتاب الثالث: تقدير الأرزاق بين التكفّل والتوكّل.

وذلك ضمن السلسلة الموسومة ب «سلسلة الرزق في نهج البلاغة».

وما توفيقنا إلا بالله والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

«والحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء على ما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد..

فإن الله تعالى في تقديره للأرزاق كثّرها في محل وقلّلها في محل آخر، أو قسمها على الضيق

ص: 9


1- من خطبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، عليها السلام، الاحتجاج، للشيخ الطبرسي: ج 1، ص 132

والسعة، وإنما كان ذلك لحكمة خاصة بَيّن مضامینها ومحتواها أمير المؤمنين عليه السلام، وهو ما سنتناوله من خلال هذا المبحث ومسائله.

علي فاضل الخزاعي

ص: 10

المسألة الأولى: الفرق بين معنى السعة والزيادة

تناول أهل اللغة مفردة السعة والزيادة في مصنفاتهم، ولغرض الوقوف على الفرق بين المفردتين نورد ما جاء في مصنفاتهم.

أولاً: السعة لغة:

1- قول ابن منظور:

(السعة: نقيض الضِّيق، وقد وَسِعَه يَسَعُه ويَسِعُه سَعةً، وهي قليلة، أَعني فَعِيلَ يَفعِلُ وإِنما فتحها حرف الحلق، ولو كانت يَفعَلُ ثبتت الواو وصحت إِلَّا بحسَب ياجَلُ. ووسُع، بالضم، وساعةً، فهو وَسِيعٌ. وشيءٌ وَسِيعٌ

ص: 11

وأَسِيعٌ: واسِعٌ)(1).

2- قول محمد بن أبي بكر الرازي:

(سعى يسعى سعيا أي عدا وكذا إذا عمل وكسب وكل من ولي شيئا على قوم فهو ساع عليهم وأكثر ما يقال ذلك في سعاة الصدقة يقال سعى عليها أي عمل عليها وهم السعاة، والمسعاة واحدة المساعي في الكرم والجود، وسعى به إلى الوالي سعاية وشى به وسعى المكاتب في عتق رقبته سعاية أيضا واستسعيت العبد في قيمته)(2).

ثانياً: الزيادة لغة:

1- قول ابن منظور:

(الزيادة: خلاف النقصان. زَاد الشيءٌ يزيدُ زَيداً وزِيداً وزيادة وزياداً ومَزِيداً ومَزاداً أَي

ص: 12


1- لسان العرب، ابن منظور، ج 8، ص 392
2- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، ص 161

ازدَاد. والزَّيدُ والزِّيدُ: الزيادة. وهم زيِدٌ على مائة وزَيدٌ، قال ذو الأُصبع العدواني:

وأَنتُمُ مَعشَرٌ زَيدٌ على مائة، *** فأَجمِعُوا أَمرَكم طُرًّا، فكيدوني

يروى بالكسر والفتح. وزدته أنا أَزيده زيادة: جعلت فيه الزيادة. واستزدته: طلبت منه الزيادة. واستزاده أَي استَقصَرَه. واستزاد فلان فلاناً إذا عتب عليه في أَمر لم يرضه، وإِذا أَعطى رجلاً شيئاً فطلب زيادة على ما أَعطاه قيل: قد استزاده)(1).

2- قول محمد بن أبي بكر الرازي:

(الزيادة النمو وبابه باع وزيادة أيضا، وزاده الله خيرا، قلت يقال زاد الشيء، وزاده غيره فهو لازم، ومتعد إلى مفعولين، وقولك زاد المال درهما والبرمدا، فدرهما ومدا تمييزاه

ص: 13


1- لسان العرب، ج 3، ص 199

كلامي، والمزيد بكسر الزاي الزيادة، واستزاده استقصره، وتزيّد السعر أي غلا، والتزيّدُ في الحديث الكذب، والمزادة بالفتح الرواية، والجمع مزاد ومزايد)(1).

ومن خلال هذا المعنى اللغوي لمفردتي (السعة) و (الزيادة) يتضح أن موضوع البحث في تحقق السعة التي جاءت بمعنى نقيض الضيق هي ضمن مقتضيات إجراء حكمة الله تعالى في تقدير مصلحة خلقه، وللوقوف على هذه المضامين نورد ما جاء به الوحي حول السعة والضيق في الأرزاق.

* * * *

ص: 14


1- مختار الصحاح، ص 151

المسألة الثانية: سعة الرزق في القرآن الكريم والسنّة المطهرة

تناول القرآن الكريم والسنّة المطهرة مسألة الرزق ضمن موارد عديدة نذكر بعضاً منها بحسب احتياج المسألة وهي:

اولاً: بعض الآيات المتعلقة بسعة الرزق

1- قال تعالى:

«وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ

ص: 15

يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»(1).

2- قال تعالى:

«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا»(2).

3- قال تعالى:

«وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً»(3).

4- قال تعالى:

«وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا»(4).

ص: 16


1- سورة البقرة، الآية 247
2- سورة الطلاق، الآية 7
3- سورة النساء، الآية 100
4- سورة النساء، الآية 30

ثانيا: بعض الأحاديث المتعلقة بسعة الرزق

1- عن أمير المؤمنين عليه السلام - من خطبة له، وه-ي م-ن الخطب العجيبة، وتُسمّى الغرّاء -:

«...اُوصيكم عبادَ الله بتقوى الله الذي ضرب الأمثال، ووقّت لكم الآجال، وألبسكم الرِّياش وأرفع لكم المعاش»(1).

(الرفع والرفاغة بالغين المعجمة هي: الرخاء والسعة في العيش)(2).

2- وعنه عليه السلام:

«من هنيء - هنا - النعم سعة الأرزاق»(3).

3- وعنه عليه السلام:

ص: 17


1- موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، ج 11، ص 191
2- الديباج الوضي، قطب الدين الشروني ج 1، ص 390
3- غرر الحكم ودرر الكلم، حرف الميم، ص 394

«نعم البركة سعة الرزق»(1).

4- وعنه عليه السلام:

«وَإنَّ مِنَ النَّعَمِ سِعَةَ المالِ، وأَفضَلُ مِن ذلِكَ صِحَّةُ البَدَنِ، وأَفضَلُ مِن ذلِكَ تَقوىَ القُلُوبِ»(2).

* * * *

ص: 18


1- المصدر نفسه
2- عيون الحكم والمواعظ، علي الليثي، ص 494

المسألة الثالثة: تقدير الأرزاق بين الكثرة والقلة

قوله عليه السلام:

«وَقَدَّرَ الأَرزَاقَ فَكَثَّرَهَا وقَلَّلَهَا»

قدر الله سبحانه وتعالى الرزق على عباده فمنهم من بسط عليه في الرزق ومنهم من قتر عليه فإذا رضى الإنسان من الله بالقليل من الرزق الذي يستحصله، فإن الله سيقبل بالقليل من عمله.

عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«من رضي من الله بالقليل من الرزق،

ص: 19

رضي الله منه بالقليل من العمل، وانتظار الفرج عبادة»(1).

كما أن الرزق مقسوم على العباد وهو يأتي إلى الإنسان أيّا كانت وجهته وميوله، سواء كانت نحو التقى أم نحو الفجور.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير الحمد لله ربّ العالمين، قال:

«ربّ العالمين مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، فالرزق مقسوم وهو يأتي ابن آدم على أيّ سيرة سارها من الدنيا، ليس بتقوى متّق يزايده ولا لفجور فاجر يناقصه، وبينه شبر وهو طالبه، ولو أنّ أحدكم يتربّص رزقه لطلبه كما يطلبه کما الموت»(2).

ص: 20


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 122
2- مسند الامام علي عليه السلام، السيد حس-ن القبانجي، ج 155، ص 11

عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسی بن عمران علیه السلام خرج يقتبس لأهله ناراً فكلّمه الله عزّ وجلّ ورجع نبيّاً مرسلا، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سلیمان علیه السلام، وخرجت سحرة فرعون يطلبون العزّ لفرعون فرجعوا مؤمنين»(1).

وعن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال:

«يا علي إنّ اليقين أن لا ترضي أحداً على سخط الله، ولا تحمدنّ أحداً على ما آتاك الله، ولا تذهنّ أحداً على ما لم يؤتك الله، فإنّ الرزق لا يجرّه حرص الحريص ولا يصرفه کره کاره، فإنّ الله عزّ وجلّ بحكمته وفضله جعل الروح

ص: 21


1- الوافي: الفيض الكاشاني، ج 17، ص 67

«والفرج في اليقين والرضى، وجعل الهمّ والحزن في الشك والسخط، فإنّه لا فقر أشدّ من الجهل»(1).

أذا كان العبد لا يطيع ربه ولا يشكره فلماذا إذاً يأكل من رزقه!؟.

عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل:

«إن كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل من رزقه، وإن کنت والیت عدوّه فاخرج من ملکه، وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب ربّاً سواه»(2).

فإذا أراد الإنسان سلوك طريق التوكل على الله لاستحصال الرزق فلزام عليه أن يجعل نفسه بين يديّ الله كالميت بين يديّ الغاسل حين يقلبه كيف يشاء عند تغسيله.

ص: 22


1- المصدر نفسه، ج 18، ص 102
2- مسند الإمام علي عليه السلام، ج 19، ص 10

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أيّها الناس لا يشغلكم المضمون من الرزق عن المفروض عليكم من العمل، والمتوكّل لا يسأل ولا يردّ ولا يمسك شيئاً خوف الفقر، وينبغي لمن أراد سلوك طريق التوكّل أن يجعل نفسه بين يدي الله تعالى فيما يجري عليه من الاُمور، كالميّت بين يدي الغاسل يقلّبه كيف پشاء»(1).

ص: 23


1- إرشاد القلوب، أبو الحسن محمد الديلمي، ج 18، ص 1

ص: 24

المسألة الرابعة: تقسيم الأرزاق بين الضيق والسعة

قسم الله سبحانه وتعالى الأرزاق بين عباده وفق نظام وحساب دقيقين، فهو عالم بمقدار استيعاب كل شخص فيعطيه رزقه وفقا لمصلحته جل وعلا، فلا يعطيه كثيراً حتى لا يطغى، ولا يعطيه قليلاً حتى لا يعييه الفقر.

والله سبحانه وتعالى جعل الخلق متفاوتين في الرزق في الدنيا وهذا من مقتضى إرادة الله وحكمته، لأن الدنيا دار امتحان، وليس لها قيمة تذكر عند الله تعالى، فقد يبسط الله الرّزق للكافر، ويقتّره على المؤمن، وذلك لا يدلّ على تكريم الكافر وإهانة المؤمن، فإن سعة

ص: 25

الرزق قد تكون دليلا على التّورّط والاستدراج والإضرار، وتضييق الرزق قد يكون زيادة في الأجر والثواب. والمعنى إن هذا كله بمشيئة الله، يهب الكافر المال ليهلکه به، ويقدّره على المؤمن ليعظم بذلك أجره وذخره.

وعند التدقيق والبحث في أحوال الناس نلمس على هذه الحقيقة الصادقة، إي أنّه عندما تقبل الدنيا عليهم ويعيشون في رفاهية وسعة، ينسون الخالق ويبتعدون عنه ويغرقون في بحر الشهوات، ويفعلون ما لا ينبغي فعله، ويشيعون الظلم والجور والفساد في الأرض.

فنرى أشخاصاً لهم رزق وفير وقد أفسدوا وطغوا كثيراً في الدنيا ولم يمنعهم الخالق، سواء على مستوى الأفراد، أو الدول الناهبة والظالمة، ذلك أن بسط الرزق أحياناً قد يكون أسلوباً للامتحان والاختبار، لأن جميع الناس

ص: 26

يجب أن يُختبروا في هذا العالم، وقسم منهم يختبرون بواسطة المال.

وأحياناً قد يكون بسط الرزق لبعض الافراد لكي يعلموا بأن الثروة لا تجلب السعادة، فعسى أن يعثروا على الطريق ويرجعوا إلى خالقهم، ونحن الآن نرى بعض المجتمعات غرقى بأنواع النعم والثروات، وفي الوقت نفسه شملتهم مختلف المصائب والمشاكل، کالخوف والقتل والفساد الخلقي، والقلق بأنواعه المختلفة.

فأحياناً تكون الثروة غير المحدودة نوعاً من العقاب الإلهي الذي يشمل بعض الناس، فإذا نظرنا إلى حياتهم من بعيد نراها جميلة، أمّا إذا تفحّصناها عن قرب فسوف نشاهد التعاسة بأجلى حالاتها.

قال تعالى:

ص: 27

«إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى»(1).

لهذا عاب الله الأغنياء الأشقياء وحقّر شأنهم وشأن أموالهم، فلا يصح لهم أن يفهموا أن زيادة الرزق والغنى ووفرة المال لهم لكونهم يستحقون ذلك، وإنما قد يكون ذلك تعذيبا لهم، فإذا فرح المشركون والكافرون فرح بطر وتكبّر بالحياة الدنيا ومتاعها، وجهلوا ما عند الله من الخير الدائم الخالد في الآخرة والسعادة الأبدية، فإن فرحتهم تعقبها الغصّة والألم، لأن الحياة الدنيا في ميزان الآخرة مجرد متاع زائل، وشيء قليل ذاهب، يزول بسرعة كالبرق الخاطف، لمن تأمل ووعي، قال تعالى:

«وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ»(2).

ص: 28


1- سورة العلق، الآيتان 6-7
2- سورة الشورى، الآية 27

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أمّا بعد فإنّ الأمر ينزل من السّماء إلى الأرض كقطرات المطر إلى كلّ نفس بما قسم لها، من زيادة أو نقصان، فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة (أي زيادة) في أهل أو مال أو نفس، فلا تكوننّ له فتنة»(1).

فمتى ما كان الإنسان فقيراً فلا ينبغي له اليأس من رحمة الله، لأن الخالق جعل مصلحته في هذا الفقر فقد تكون قلة الرزق بسبب كسل الإنسان وتهاونه أحياناً، فهذا النقص والحرمان ليس ما يريده الله حتماً، بل بسبب أعماله، والإسلام يدعو الجميع إلى الجهد والمثابرة وفقاً لتأكيده على أصل السعي وبذل الجهد.

ولكن عندما يبذل الإنسان منتهی جهده،

ص: 29


1- نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 1، ص 60

ورغم ذلك تغلق الأبواب في وجهه، عليه أن يعلم بأن هناك مصلحة معينة في هذا الأمر، فلا يجزع، ولا ييأس، ولا ينطق بالكفر، ويستمر في محاولاته ويستسلم لرضا الخالق أيضاً.

* * * *

ص: 30

المسألة الخامسة: ابتلاء الله الخلقه بميسور الرزق ومعسوره

قوله عليه السلام:

«فَعَدَلَ فِيهَا لِيَیتَلِىَ مَن أراد بِمَیشُورِهَا ومَعشُورِهَا»

إن لله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة في الخلق بالنسبة إلى التقدير والتضييق على عباده والتيسير لهم، فعندما يرحم الله عز وجل أحد عباده برحمة منه ثم بعد حين يزيل الله سبحانه وتعالی عنه هذه النعمة ليختبره هل يشكر أم يكفر، فإذا أزيلت عنه سيكون يائساً فيكفر بنعمة الله، وعندما يعطيه الله بركات من عنده يكون فرحاً وفخوراً بأن الله رضي عنه ولا

ص: 31

يعلم بأن هذه النعمة التي جاءته هي بمثابة اختبار له، كما قال تعالى:

«وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ»(1).

فقسم الله الرزق بين عباده ليعرف الغني قدر نعمة الله عليه بالإيسار فيشكره عليها ويلتحق بالشاکرین، ويعرف الغني ما ابتلاه الله من الفقر فيصبر عليه وينال درجة الصابرین، قال تعالى:

«إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(2).

فالفقير لايزال يسأل ربه الميسرة وينتظر

ص: 32


1- سورة هود، الآیات 9-11
2- سورة الزمر، الآية 10

الفرج من رب العالمين، فكان تقسيمه سبحانه وتعالى للرزق بين عباده على اساس تقویم مصالحهم الدينية والدنيوية، فلو بسط الرزق علی جمیع عباده لبغوا في الارض بالكفر والطغيان والفساد، ولو ضيق الرزق عليهم جميعاً لاختل نظامهم، ولو كان الناس في الرزق على درجة واحدة لم يتخذ بعضهم بعضا سخريا ولم يعمل أحدهم للآخر صنعة ولم يحترف له بحرفه، لأن الكل في درجة واحدة، فليس أحدهم أولى بهذا من الآخر. عن الحواريين أنهم قالوا لعيسى عليه السلام یا روح الله هل بعدنا أمة؟ قال: نعم أمة محمد صلى الله عليه وآله حكماء علماء أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منهم باليسير من العمل»(1).

ص: 33


1- تفسير غريب القرآن، الشيخ فخر الدين الطريحي، ص 227

ص: 34

المسألة السادسة: أثر الضيق والسعة في دفع الإنسان إلى الاختبار

قوله عليه السلام:

«لِیَخْتَبِرَ بِذَلِكَ اَلشُّکْرَ وَ اَلصَّبْرَ مِنْ غَنِیِّهَا وَ فَقِیرِهَا»

بسط العليم الحكيم الرزق لعباده وضيّقه على بعضهم ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا تفاوت ما بينهم في درجات الآخرة.

فكما أن الناس في هذه الدنيا متفاوتون، فمنهم من يسكن القصور المشيدة العالية ويركب المراكب الفخمة الغالية ويتقلب في ماله

ص: 35

وأهله وبنيه في سرور ومرح.

ومنهم من لا مأوى له ولا أهل ولا مال ولا بنون، ومنهم ما بين ذلك على درجات مختلفة فكما هو حالهم هذا في دار الدنيا، فإن التفاوت في درجات الاخرة أعظم وأكبر وأجل وأبقى، قال تعالى:

«انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا»(1).

فإذا كانت الآخرة أكبر الدرجات وأكبر تفضيلاً فإنه ينبغي أن نتسابق إلى درجاتها العالية وحياتها الباقية ذلك خير وأحسن أملا.

عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني»(2).

جاء في ظلال نهج البلاغة (العفاف زينة

ص: 36


1- سورة الإسراء، الآية 21
2- میزان الحكمة، الريشهري، ج 4، ص 219

وفضيلة للفقير والغني وأيضا للملوك.. وخص الإمام الفقر بالذكر لأنه منقصة عند الناس، والعفاف يكفّر عنه، وأيضا الشكر زينة وفضيلة لكل الناس، بل هو واجب عام عليهم كل حسب طاقته، وذكر الإمام الغني بالخصوص لأنه في الغالب يبعث على الكبرياء والطغيان، فإذا شكر الغني وتواضع فمعنى هذا انه من الطيبين الأخيار، ويأتي قول الإمام: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتکالا على الله)(1).

* * * *

ص: 37


1- ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية، ص 66

ص: 38

المسألة السابعة: مسببات الرزق

إن سعي الإنسان لطلب الرزق ليس سبباً متمما لحصول الرزق، فهناك ظروف وأسباب كثيرة ومختلفة لاستنزال الرزق إن وجدت يحصل الرزق وهذه الأسباب تعتمد في استحصال الرزق على قوانين وضعها الله سبحانه وتعالى بحكمته، فمن هذه الاسباب التي يستنزل بها الرزق:

1- النية الحسنة وحسن الخلق:

من الأمور التي تؤدي إلى حصول الرزق لدى الإنسان هي النية الحسنة وحسن الخلق.

عن أمير المؤمنين عليه السلام:

وصول المرء إلى كل ما يبتغيه من طيب

ص: 39

عيشه و أمن سربه و سعة رزقه بحسن نیته و سعة خلقه»(1)

2- الزكاة:

تعد الزكاة أحد الأسباب المؤدية إلى زيادة رزق الإنسان، حيث أن إعطاء الزكاة في سبيل الله هو الذي يضاعف الثروة، كما قال الامام علي عليه السلام:

«فَرَضَ اللَّهُ الْاِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ... وَالزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ»(2).

المفهوم من كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إن الزكاة توجب زيادة الرزق وهي بمعنى النماء أي النمو في المال.

3- الصدقة:

ومن الأمور التي تؤدي إلى زيادة رزق الإنسان هي الصدقة، كما في قول الإمام علي

ص: 40


1- میزان الحكمة، ج 10، ص 570
2- نهج البلاغة، الحكمة 252

عليه السلام:

«اِسْتَنْزِلُوا اَلرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ»(1).

أي اطلبوا نزول الرزق بإعطاء الصدقة، فإنها توجب زيادة الرزق(2).

وكذلك في حكمة له عليه السلام:

«من يعطِ باليد القصيرة يُعطَ باليد الطَّويلة»(3).

(فإنّ اليدين عبارتان عن النّعمة مع ظهورهما في الجارحة المخصوصة واقترانهما بما يلائم القريب أعني الاعطاء والقصر والطول، واليد القصيرة هي نعمة العبد، واليد الطويلة هي نعمة الرّب سبحانه)(4).

ص: 41


1- بحار الانوار، ج 10، ص 99
2- توضيح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ج 4، ص 331
3- نهج البلاغة الحكمة 232
4- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الهاشمي الخوئي، ج 1، ص 164

4- التقوى:

كذلك من الأمور التي توجب زيادة الرزق هي التقوى، كما قال جل اسمه:

«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»(1).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال:

«إن فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقم البيت، وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب: نقل الحطب، وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوما: یا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاث إلا شيء آثرتك به، قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و آله نهاني أن أسألك شيئا، فقال: لا تسألي ابن عمك شيئا، إن جاءك بشيء عفوا وإلا فلا تسأليه، قال: خرج عليه السلام

ص: 42


1- سورة الطلاق، الآية 3

فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا، ثم أقبل به وقد أمسى-، فلقي المقداد بن الأسود فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع، والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين، قال: فهو أخرجني وقد استقرضت دينارا وساوثرك به، فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى، فلما فرغت أحضرت ذلك الشيء، فإذا جفنة من خبز ولحم، قال: يا فاطمة أني لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال: يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فكلوا منها شهرا وهي الجفنة التي

ص: 43

يأكل منها القائم عليه السلام وهو عنده»(1).

يستفاد من هذه الرواية ما يلي:

1- إن الزهراء عليها السلام لم ترد أن تكلّف الإمام عليه السلام أكثر من طاقته وهي تعلم أنه لا يمتلك المال، ومنعها من السؤال والطلب من زوجها وصية الرسول الأعظم حين قال لها صلى الله عليه واله:

«لا تسألي ابن عمك شيئا..».

2- خروج الإمام عليه السلام لجلب الطعام مع عدم وجود المال واستقراضه هو بحد ذاته سعي لاستحصال الرزق.

3- إن الايثار أحد أسباب استنزال الرزق، بل الرزق المباشر كما حدث مع مريم عليها السلام إذ أنزل الله لها رزقا بسبب إيثارها بإطعام الفقراء.

ص: 44


1- بحار الانوار، ج 14، ص 198

وعن أمير المؤمنين عليهم السلام:

«من أتاه الله برزق لم يخط إليه برجله ولم يمد إليه يده، ولم يتكلم فيه بلسانه، ولم يشد إليه ثيابه، ولم يتعرض له كان ممن ذكر الله عز وجل في كتابه: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»(1)»(2).

المقصود من هذه الرواية إن التقوى تجلب الرزق من غير سعي ولكنها لا تنفي حصول السعي في طلب الرزق، لأنها لا تقول من جلس في داره، بل رُب هذا الرزق الحاصل من دون تعب وعناء هو ثمرة الرزق المسبوق.

وقد جاء في كتاب تذكرة الفقهاء (إن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ

ص: 45


1- سورة الطلاق، الآية 3
2- بحار الانوار، ج 67، ص 281

مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا قد كُفينا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فأرسل إليهم، فقال:

«ما حملكم على ما صنعتم؟»

فقالوا: یا رسول الله تكفل لنا بأرزاقنا فاقبلنا على العبادة فقال:

«إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب»(1).

يتبين لنا من ذلك إن السعي والطلب في استحصال الرزق يختلف باختلاف الاشخاص وقابلياتهم من جميع الجوانب.

5- الاستغفار:

إن من الامور التي تؤدي إلى زيادة الرزق هي الاستغفار حيث أن كثرة استغفار المؤمن يؤدي إلى درُّ الرزق، كما قال سبحانه وتعالى:

ص: 46


1- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج 1، ص 580

«اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا»(1).

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرزق ورحمة الخلق»(2).

6- السعي والطلب:

إن سعي الإنسان وطلبه يعدّان من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة رزقه، كما في قوله عليه السلام:

«اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه»(3).

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر - أي المسحاة - ويستخرج الأرضين، وأنه أعتق

ص: 47


1- سورة نوح، الآيتان 10 - 12
2- نهج البلاغة، حكمة 143
3- الارشاد، الشيخ المفيد، ص 160

ألف مملوك من کد يده(1).

7- الأمانة:

من الأمور التي تؤدي إلى زيادة رزق الإنسان هي حفظ الأمانة، كما قال النّبيّ صلى الله عليه و آله:

«الأمانة تجلب الرّزق، و الخيانة تجلب الفقر»(2).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

«الأمانة تجر الرزق، والخيانة تجر الفقر»(3).

8- الشكر:

إن شكر الإنسان لله سبحانه وتعالى بدرور الرزق له من يعد من الأمور التي تزيد في الرزق، قال تعالی:

«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(4).

ص: 48


1- الكافي، ج 2، ص 47
2- تحف العقول عن آل الرسول، الصدوق، ص 45
3- میزان الحكم، ج 1، ص 232
4- سورة غافر، الآية 60

وقال الإمام علي عليه السلام:

«ما كان الله ليفتح على عبد باب الشکر، ويغلق عند باب الزبيادة»(1).

9- التوكل:

وكذلك التوكل على الله في استجلاب الإنسان لرزقه من الأمور التي تؤدي إلى الزيادة في الرزق. قال الإمام الصادق عليه السلام:

«من اهتمّ لرزقه كتب عليه خطيئة، إن دانیال كان في زمن ملك جبار عات، أخذه فطرحه في جب وطرح معه السباع، فلم تدن منه، ولم تجرحه، فأوحى الله إلى نبي من أنبيائه، أن ائت دانیال بطعام. قال: يا رب، وأين دانيال؟ قال: تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فاتبعه فإنه يدلك عليه، فأتت به الضبع إلى ذلك الجب، فإذا فيه دانیال، فأدلى إليه الطعام، فقال دانیال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، الحمد

ص: 49


1- نهج البلاغة، الحكمة 435

لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد الله الذي يجزي بالإحسان إحسانا وبالصبر نجاة»(1).

10- صلة الرحم:

من الأسباب التي تؤدي إلى البركة في زيادة رزق الإنسان هي صلة الرحم وبالعكس فإن قطيعة الرحم تورث الفقر، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«من سرّه أن يُمَدَّ له في عمره ويُزادَ له في رزقه فليبرَّ والديه وليصل رحمه»(2).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

«من سره أن يُمَدَّ له في عمره ويُوسَّعَ له في رزقه ويُدفَعَ عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه»(3).

ص: 50


1- الامالي، الطوسي، ص 300
2- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 11، ص 356
3- مسند الإمام علي، ص 6

11- التعقيب بعد الغداة وبعد العصر:

كذلك من الأمور التي تزيد في رزق الإنسان هي التعقيب بعد الصلاة، فعن الإمام الصّادق عليه السلام قال:

«التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد»(1).

يعني بالتعقيب، الدعاء بعقب الصلاة.

12- البكور في طلب الرزق:

إن من الاسباب التي تؤدي إلى زيادة الرزق هي البكور صباحا في طلب الرزق.

قال رسول الله صلى الله عليه واله:

«تعلموا من الغراب خصالاً ثلاث: استتاره (بالسفاد)(2) وبكوره في طلب الرزق وحذره»(3).

ص: 51


1- بحار الانوار، ج 82، ص 315
2- السفاد: المجامعة (مستدرك سفينة البحار، النمازي، ج 2، ص 249
3- بحار الانوار، ج 11، ص 262

عن الإمام الصّادق عليه السلام قال:

«إذا كانت لك حاجة فاغد فيها، فإنّ الأرزاق تقسّم قبل طلوع الشمس، وإنّ الله تبارك وتعالى بارك لهذه الاُمّة في بكورها. وتصدّق بشيء عند البكور، فإنّ البلاء لا يتخطّى الصدقة»(1).

فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام في زيادة الأرزاق:

اشارت الروايات الشريفة إلى مسببات أخرى للأرزاق نذكر منها رجاءً للمثوبة وتقديم الفائدة للقارئ الكريم، فهي تعد زيارة الامام الحسين عليه السلام أحد الاسباب الموجبة لزيادة الرزق، حيث ان في زيارته عليه السلام منافع كثيرة ينالها العبد في الدارين وأحد تلك المنافع هي زيادة الرزق، فعن الامام الباقر عليه

ص: 52


1- المصدر نفسه، ج 100، ص 41

السلام، قال:

«مروا شیعتنا بزيارة الحسين عليه السلام، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ بالإمامة من الله»(1).

وعن أبي الحسن عليه السلام قال:

«من أتى قبر الحسين عليه السلام في السنة ثلاث مرات أمن من الفقر»(2).

روی ابن قولویه بسنده عن منصور بن حازم قال: سمعناه - اي الامام الصادق عليه السلام - يقول:

«مَن أتى عليه حَولٌ لم يأت قبرَ الحسين عليه السلام أنقص الله من عُمره حَولاً، ولو قلتُ: إنَّ أحَدَكم لَيَموت قبلَ أجلِه بثلاثين سَنَة لكنتُ صادقاً، وذلك لأنّكم تتركون زيارةَ الحسين عليه

ص: 53


1- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 6، ص 42
2- المصدر نفسه، ج 3، ص 108

السلام، فلا تَدَعوا زيارَته يَمدُّ الله في أعماركم ويزيد في أرزاقكم، وإذا تركتم زيارته نَقّصَّ الله من أعمارِكم وأرزاقكم، فتنافسوا في زيارته ولا تدَعوا ذلك، فإنَّ الحسين شاهدٌ لكم في ذلك عند الله وعند رَسوله وعند فاطمة وعند أمير المؤمنين عليهم السلام»(1).

و عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«ان زيارة الحسين عليه السلام تزيد في العمر والرزق وان ترکها تنقصهما»(2).

وعن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال سمعته يقول:

«زوروا الحسين عليه السلام ولو كلّ سنة، فإن كل من أتاه عارفاً بحقه غير جاحد لم يكن له عوض غير الجنة ، ورزق رزقا واسعا، وآتاه الله

ص: 54


1- کامل الزیارات، ابن قولویه، ج 13، ص 1
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 262

من قبله بفرج عاجل»(1).

وعن عبد الملك الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي:

«يا عبد الملك لا تدع زيارة الحسين بن علي عليهما السلام ومُر أصحابك بذلك، يمد الله في عمرك ويزيد الله في رزقك، ويحييك الله سعيدا ولا تموت إلا سعيداً ويكتبك سعيداً»(2).

ص: 55


1- المصدر نفسه
2- المصدر نفسه

ص: 56

نتائج البحث:

نستنتج من خلال البحث أن مضامين قول أمير المؤمنين عليه السلام التي كانت مورداً لبيان الحكمة في السعة والضيق والكثرة والقلة والعسر واليسر هي كالآتي:

1- إنّ تقدير الارزاق كان من الله تعالی على اساس الكثرة والقلة، وإن تقسيمه عز وجل كان على الضيق والسعة.

2- انَّ الحكمة في ابتلاء الإنسان بميسورها ومعسورها كان الأساس في عدله سبحانه فيها، أي في المعسور والميسور من الرزق.

4- إن الحكمة في الكثرة والقلة والضيق والسعة واليسر والعسر في الأرزاق كان - فضلاً عما مرّ بيانه - لاختبار الغني بالشكر والفقير بالصبر.

ص: 57

و إلى هنا ينتهي بحث «الرزق بين السعة والضيق والكثرة والقلة» راجين من الله القبول، ونيل رضاه المأمول، وله الحمد على إكماله والشكر على إنجازه والصلاة والسلام على نبي الرحمة وآله الطيبين.

* * * *

ص: 58

المصادر والمراجع

القران الكريم

1. الارشاد، الشيخ المفيد، منشورات بصیرتي، قم.

2. الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، ط 1.

3. بحار الانوار، العلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء، بیروت، لبنان، ط 2، 1403 ه - 1983 م.

4. تهذیب الاحکام: العلامة الطوسي، تحقيق: السيد حسن الموسوي، ط 4، دار الكتب الاسلامية، طهران.

5. تحف العقول عن آل الرسول، لابن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2.

6. تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، مهر، قم،

ص: 59

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، محرم 1414 ه.

7. التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، مؤسسة الهادي، قم المقدسة، مكتبة الصدر، طهران، ط 2، رمضان 1416 - 1374 ش.

8. تفسير غريب القرآن، الشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق: محمد كاظم الطريحي، زاهدي قم للنشر والطبع،

9. توضیح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي ، دار تراث الشيعة، طهران، ایران.

10. الدروس الشرعية في فقه الامامية، الشيخ شمس الدين محمد بن مكي العاملي الشهيد الأول قدس سره، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة

ص: 60

لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 2، 1417 ه.

11. الديباج الوضي، قطب الدین بن محمَّد الشَروَني الجعفري، القسم البلاغة والنحو والأدب والشعر.

12. غرر الحکم و درر الكلم، عبد الواحد الآمدي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1.

13. الكافي، الشيخ الكليني، مطبعة حيدري، دار الكتب الإسلامية، ط 5.

14. کامل الزیارات، جعفر بن محمد بن قولویه،، مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة نشر الفقاهة، ط 1، 1417 ه.

15. لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، محرم 1405 ه.

16. مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، دار الكتب العلمية، بیروت،

ص: 61

لبنان، ط 1، 1415 ه - 1994 م.

17. مستدرك الوسائل، النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 2.

18. مسند الامام علي، السيد حسن القبانجي، منشورات الاعلمي، بيروت، لبنان، ط 1، 1421 ه.

19. معدن الجواهر، ابو الفتح الكراكجي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مطبعة مهر استوار، قم، ط 2، 1394 ه.

20. من لا يحضره الفقيه، أبي جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، ط 2.

21. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، العلامة حبيب الله الخوئي، تحقيق: سيد

ص: 62

إبراهيم الميانجي، المطبعة الاسلامية بطهران، ط 4.

22. موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب و السنة و التاريخ، محمد الريشهري، ج 11، ص 191.

23. میزان الحکمة، محمد الريشهري، دار الحديث، ط 1.

24. نهج البلاغة، الشريف الرضي، تحقيق: صبحي الصالح، انوار الهدى، ایران، قم، ط 4، 1431 ه.

25. نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، بیروت، ط 1، 1387 ه - 1967 م،

26. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، لبنان.

27. النور المبين في قصص الأنبياء

ص: 63

والمرسلين، السيد نعمة الله الجزائري، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، ایران، 1404 ه.

28. الوافي: الفيض الكاشاني، تحقيق: مركز التحقيقات الدينية والعلمية، ط 1، 1412 ه، افست نشاط، اصفهان.

ص: 64

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة الكتاب...9

المسألة الأولى: الفرق بين معنى السعة والزيادة...11

أولاً: السعة لغة:...11

1- قول ابن منظور:...11

2- قول محمد بن أبي بكر الرازي:...12

ثانياً: الزيادة لغة:...12

1- قول ابن منظور:...12

2- قول محمد بن أبي بكر الرازي:...13

المسألة الثانية: سعة الرزق في القرآن الكريم والسنّة المطهرة...15

اولاً: بعض الآيات المتعلقة بسعة الرزق...15

ثانيا: بعض الأحاديث المتعلقة بسعة الرزق...17

المسألة الثالثة: تقدير الأرزاق بين الكثرة والقلة...19

المسألة الرابعة: تقسيم الأرزاق بين الضيق والسعة...25

المسألة الخامسة: ابتلاء الله لخلقه بميسور الرزق ومعسوره...31

المسألة السادسة: أثر الضيق والسعة في دفع الإنسان إلى الاختبار...35

المسألة السابعة: مسببات الرزق...39

ص: 65

1- النية الحسنة وحُسن الخلق...39

2- الزكاة:...40

3- الصدقة:...40

4- التقوى:...42

5- الاستغفار:...46

6- السعي والطلب:...47

7- الأمانة:...48

8- الشكر:...48

9- التوكل:...49

10- صلة الرحم:...50

11- التعقيب بعد الغداة وبعد العصر:...51

12- البكور في طلب الرزق:...51

فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام في زيادة الأرزاق:...52

نتائج البحث:...57

المصادر والمراجع...59

المحتويات...65

ص: 66

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.