الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك

هوية الکتاب

الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:... 1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة

اشارة

ص: 1

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:... 1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 2

سلسلة الرزق والفقر في نهج البلاغة (1) الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك تالیف علي فاضل الخزاعي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:

www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«یَا اِبْنَ آدَمَ اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ یَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ فَلاَ تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَی هَمِّ یَوْمِكَ کَفَاكَ کُلُّ یَوْمٍ عَلَی مَا فِیهِ فَإِنْ تَکُنِ اَلسَّنَهُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَی سَیُؤْتِیكَ فِی کُلِّ غَدٍ جَدِیدٍ مَا قَسَمَ لَكَ، وَ إِنْ لَمْ تَکُنِ اَلسَّنَهُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِیمَا لَیْسَ لَكَ، وَ لَنْ یَسْبِقَكَ إِلَی رِزْقِكَ طَالِبٌ، وَ لَنْ یَغْلِبَكَ عَلَیْهِ غَالِبٌ، وَ لَنْ یُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ» نهج البلاغة: حكمة 379

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

بين يدي القارئ الكريم مجموعة من الأحاديث الشريفة الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة والتي تضمّنت موضوع الرزق وما يتعلق به من أمور لطالما شغلت ذهن الإنسان قديماً وحديثاً وعلى اختلاف مستوياته المعرفية والثقافية والعقدية التي يمتاز بها الإنسان في المجتمع.

ومن هنا: رأينا أن نتناول هذا الموضوع ضمن بیان مولی الموحدین علیه السلام، وقد

ص: 7

تفرع العنوان إلى مباحث ثلاثة اقتضى المنهج أن نفرد لكل منها كتاباً مستقلاً كي يأخذ البحث مداه وحاجته من النقاش والدراسة والتوضيح فكانت عنوانات هذه الكتب كالآتي:

الكتاب الأول: الرزق رزقان، رزق تطلبه ورزق يطلبك.

الكتاب الثاني: الرزق بين السعة والضيق والكثرة والقلة.

الكتاب الثالث: تقدير الأرزاق بين التكفّل والتوكّل.

وذلك ضمن السلسلة الموسومة ب «سلسلة الرزق في نهج البلاغة».

وما توفيقنا إلا بالله والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

«والحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء على ما قدّم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد...

فالفكر الإنساني يبقى قاصراً عن فهم جُلّ المسائل التي تقنن له مسيرته الحياتية، لولا أنّ الله سبحانه وتعالى مَنَّ على الإنسان بلطفه بسفراء حمّلهم قوانين السماء لكي يرسموا

ص: 9


1- من خطبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، الاحتجاج، للشيخ الطبرسي: ج 1، ص 132

للناس نهج السلامة في الدارين، ومن تلك المسائل المهمة مسألة الرزق، التي طالما ألبسها كثير من الناس ثوب الإفراط أو التفريط، وكذلك اسباب حصول الرزق والفقر.

وقد وضع البحث هذا تحت عنوان (سلسلة الرزق في نهج البلاغة وما ورد عن أمير المؤمنين في هذا الخصوص)، حيث جزئت السلسلة الى ثلاثة مباحث وكل مبحث ضمن كتاب مستقل ليسهل على القارئ الإحاطة بمطالب المبحث، تناول المبحث الاول الرزق وتفريعه الى رزق يطلبه الإنسان ورزق يطلب صاحبه كما ورد عنه عليه السلام: الرزق رزقان، رزق تطلبه، ورزق يطلبك.

وجاء المبحث الثاني بعنوان (الرزق بين السعة والضيق والكثرة والقلة)، اما المبحث الثالث فقد تناول (تقدير الارزاق بين التكفل

ص: 10

والتوكل).

وقد قصدنا لفهم هذه المباحث اجمالاً علي ابن ابي طالب عليه السلام، باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله، وسنقف عند قطرة من بحر حكمه، سائلين من المولى السداد، وأن يكون هذا الجهد ذخراً ليوم المعاد.

علي فاضل الخزاعي

ص: 11

ص: 12

المسألة الأولى: الرزق في اللغة والاصطلاح

أولاً: الرزق لغة

قال ابن منظور: (رزق: الرازقُ والرّزَّاقُ: في صفة الله تعالى لأَنه يَرزُق الخلق أَجمعين، وهو الذي خلق الأَرزاق وأَعطى الخلائق أرزاقها وأَوصَلها إليهم، وفَعّال من أَبنية المُبالغة...

والأَرزاقُ نوعانِ: ظاهرة للأَبدان کالأَقوات، وباطنة للقلوب والنُّفوس كالمَعارِف والعلوم.. وارتَزقَه واستَرزقَه: طلب منه الرِّزق..

ص: 13

والرِّزقُ: ما يُنتَفعُ به، والجمع الأَرزاق(1).

ثانياً: الرزق اصطلاحا:

(العطاء، ويشمل ما يفرضه الإمام في بيت المال للمستحقين وغيره من التبرعات کالوقف، والهبة، وصدقة التطوع وغير ذلك مما يدفع بلا مقابل)(2).

* * * *

ص: 14


1- لسان العرب، ج 10، ص 115
2- معجم المصطلحات والالفاظ الفقهية، محمود عبد الرحمن عبد المنعم، ج 2، ص 142

المسألة الثانية: الرزق في القرآن الكريم

هنالك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي رسمت لنا صوراً جلية عن مفاهيم الرزق وأعطتنا مضامين غنية، ولا شك أنّ مفهوم الرزق واسع يشمل الرزق الأخروي والدنيوي، والمادي والمعنوي، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في آيات عدة نذكر بعضا منها:

أ- الرزق الأخروي:

قال تعالى:

«وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ

ص: 15

اللَّهُ لَهُ رِزْقًا»(1).

وقال تعالى:

«وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ»(2).

ب- الرزق الدنيوي المعنوي:

قال تعالى عن لسان شعیب:

«قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا»(3).

وقال تعالى في نبيه يوسف عليه السلام:

«وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا»(4).

وقال تعالى في مورد آخر:

«فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا

ص: 16


1- سورة الطلاق، آية 11
2- سورة الأعراف، آية 50
3- سورة هود، آية 88
4- سورة يوسف، آية 22

وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا»(1).

ج- الرزق المادي:

قال تعالى:

«وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا»(2).

وقال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»(3).

من هنا ينبغي القول أن محور بحثنا هو الارزاق المادية، وما يتعلق بها، حيث أشارت إليه الحكمة محل البحث.

قال تعالى:

«هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي

ص: 17


1- سورة الكهف، آية 65
2- سورة نوح، آية 12
3- سورة البقرة، آية 172

مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ»(1).

(ذلولاً لينة يسهل لكم السلوك فيها «فامشوا في مناكبها» في جوانبها أو جبالها فإذا كانت في الذل بحيث يمشي في مناكبها ولم يسبق شيء منها لم يتذلل)(2).

وقال تعالى:

«وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(3).

وقال تعالى:

«فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ»(4).

وقال تعالی:

«وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ»(5).

ص: 18


1- سورة الملك، الآية 15
2- التفسير الصافي، الكاشاني، ج 5، ص 203
3- سورة هود، الآية 7
4- سورة الجمعة، الآية 10
5- سورة المزمل، الآية 20

والمراد بالضرب في الأرض للابتغاء من فضل الله طلب الرزق بالمسافرة من أرض إلى أرض للتجارة(1).

وقال تعالى:

«كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»(2).

ومعنى قوله تعالى وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» أي لا تطغوا ولا تسعوا في الأرض فسادا. واصل العثا: شدة الفساد(3).

وقال تعالى:

«فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(4).

وعن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير

ص: 19


1- الميزان في تفسير القرآن، ج 20، ص 76
2- سورة البقرة، الآية 60
3- التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ج 1، ص 271
4- سورة العنكبوت، الآية 17

قوله عز وجل: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» قال: «رضوان الله والجنة في الآخرة، والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا»(1).

* * * *

ص: 20


1- میزان الحكمة ج 1 ص 433

المسألة الثالثة: الرزق في السنّة المطهرّة

لقد ورد في السنّة المطهرة كثير من الروايات التي بيّنت فيها فضل الرزق وطلبه وكيفية سعته وسنقف على ذكر البعض منها:

1- عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:

«..ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته..»(1).

ص: 21


1- الكافي، الكليني، ج 2، ص 47

2- وعنه صلى الله عليه وآله، في حديث طويل، أنّه قال:

«قال الله تعالى في ليلة المعراج: يا أحمد، إنّ العبادة عشرة أجزاء، تسعة منها طلب الحلال..»(1).

3- وعنه صلى الله عليه وآله قال:

«اَلرِّزْقُ أَسْرَعُ إِلَی مَنْ یُطْعِمُ اَلطَّعَامَ مِنَ اَلسِّکِّینِ فِی اَلسَّنَامِ»(2).

4- وعن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال:

إذا أُعسر أحدكم فليخرج من بيته وليضرب الأرض يبتغي من فضل الله، ولا يغمّ نفسه وأهله»(3).

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر

ص: 22


1- مسند الإمام علي عليه السلام، ج 6، ص 29
2- الكافي، الكليني، ج 4، ص 51
3- مسند الإمام علي عليه السلام، ج 6، ص 30

- أي المسحاة - ويستخرج الأرضين، وأنه أعتق ألف مملوك من كد يده(1).

5- وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

«اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه»(2).

6- عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«كم من متعب نفسه مقتر عليه، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير»(3).

* * * *

ص: 23


1- الكافي، الكليني، ج 2، ص 47
2- الارشاد: للشيخ المفيد، ج 1، ص 303
3- میزان الحكمة، الريشهري، ج 100، ص 35

ص: 24

المسألة الرابعة: دوران الرزق بين الطالب والمطلوب

لقد قسّم الإمام علي عليه السلام الرزق على قسمين:

أ- رزق تطلبه:

وتسعى إليه من حيث أن السعي في اكتساب الرزق من طرقه الصحيحة هو ما يحث عليه الشرع المقدس، لأنه يهدف الى الاحتفاظ بعزة النفس وشرفها، ولا ينبغي للمرء الذي يستطيع العمل - أن ينكث يديه عن السعي في طلب الرزق بدعوى أن الله عز وجل سوف يدبر له الرزق وهو جليس لا يحرك ساكنا، ففي هذا الادعاء مسحة من الكسل والجهل، لأن

ص: 25

استحصال الرزق لا يتأتى إلا عن طريق السعي والطلب وإن اختلفت أنواعه ودرجاته، بل نجد إن القرآن الكريم لم يترك الحث على السعي في أشد وأصعب المواقف مع عباده المقربين فضلاً عن عوام الناس، وذلك واضح في قوله تعالی:

«وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا»(1).

حيث أمر الله سبحانه وتعالى مريم عليها السلام بهز النخلة وهي في حالة حرجة من المخاض والولادة، وفي ذلك إشارة إلى أن السعي مطلوب حتى في هكذا مواقف.

وبما أن النفقة على العيال واجبة في الشرع المقدس، لزم ذلك وجوب السعي، ولكن درجات السعي قد تختلف بين الاشخاص قوة وضعفا كل بحسبه، وهذا كله يتعلق بالرزق

ص: 26


1- سورة مريم، الآية 25

الذي يطلبه الإنسان.

ب- رزق يطلبك:

وهو الرزق الذي يأتي فجأة ولم يكن في الحسبان، ففي الأعم الأغلب يكون ثمرة سعي وطلب مسبق، ولعل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أشار لهذه النكتة بتقديم ذكر الرزق الذي يطلبه الانسان على الرزق الذي يطلب الانسان في قوله:

«رِزقٌ تَطلُبُهُ ورِزقٌ یَطلُبُكَ..» ولا تعارض بين القسمين من جهة السعي، إذ الرزق الذي يطلب الانسان لا يعني القعود عن السعي، فلا ضير أن يسعى الانسان الى رزقه وفي الوقت نفسه يأتيه الرزق الذي يطلبه، ولكن هذا لا يعني أن يكون همه الوحيد هو انشغال تفكيره في كيفية تحصيل المال وترك بقية ما أوجبه الله عليه، عندها يصبح من أهل الدنيا وبعيداً عن

ص: 27

الآخرة كما سيأتي بيانه.

وقوله عليه السلام:

«یَا اِبْنَ آدَمَ اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ» أي قسمان، بالنظر الى الرزق الحاصل بالسعي إليه والطلب، والرزق الذي يحصل من غير حسبان وطلب.

«رِزْقٌ تَطْلُبُهُ»، وتسعى إليه ربما تناله وربما لا تناله.

«وَرِزْقٌ یَطْلُبُكَ» قد قسمه الله سبحانه وتعالى لك يأتيك لا محال.

«فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ» فإن لم تسعَ وتذهب إليه أتاك فجأة ووصل إليك من غير عناء.

«فَلاَ تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَی هَمِّ یَوْمِكَ» إذ للعبد رزق سنته المحفوظ له يأتيه تدريجا، وهذا النهي هوعن حمل همَّ قوت السنة إذا لم يتحصل، أما إذا تحصل القوت للإنسان من

ص: 28

طرقه الشرعية فلا نهي عنه، بل هو ممدوح في الشرع، فعن الإمام الرضا عليه السّلام قال:

«إِنَّ اَلْإِنْسَانَ إِذَا أَدْخَلَ طَعَامَ سَنَهٍ خَفَّ ظَهْرُهُ وَ اِسْتَرَاحَ»(1).

«کَفَاكَ کُلُّ یَوْمٍ عَلَی مَا فِیهِ» أي اكتفِ بما يأتيك من الرزق في يومك.

«فَإِنْ تَکُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ» وقدر لك أن تعيشها،

«فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَی سَیُؤْتِیكَ فِی کُلِّ غَدٍ جَدِیدٍ مَا قَسَمَ لَكَ» من الارزاق.

«وَ إِنْ لَمْ تَکُنِ اَلسَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ» ولم تكن من أهل هذه السنة،

«فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِیمَا لَیْسَ لَكَ» فلمَ تهتم بالأيام التي ليست من عمرك؟، وإذا كانت الارزاق بهذا النوع من التقسيم المار الذکر

ص: 29


1- الكافي، للكليني، ج 5، ص 89

فلماذا يهتم الانسان ويسرف في تفكيره برزقه، فربما هذا النوع من التفكير المفرط يخرجه عن كثير من الحدود الأخلاقية، بل حتى الشرعية أحيانا.

«لَنْ یَسْبِقَكَ إِلَی رِزْقِكَ طَالِبٌ، وَ لَنْ یَغْلِبَكَ عَلَیْهِ غَالِبٌ، وَ لَنْ یُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ» فلا يمكن لغيرك أخذه بالسبق إليه، ولا بالغلبة عليه، فإذا حان وقته جاءك ولا مانع يمنعه.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في حكمة أخرى:

«الرِّزْقُ رِزْقَانِ طَالِبٌ وَمَطْلُوبٌ فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْیَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّی یُخْرِجَهُ عَنْهَا وَمَنْ طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْیَا حَتَّی یَسْتَوْفِیَ مِنْهَا رِزْقَهُ»(1).

وفي هذه الحكمة صنّف الإمام عليه السلام

ص: 30


1- نهج البلاغة، الحكمة 431

الرزق الى صنفين بلحاظ المرزوق، من جهة إنه إما أن يكون طلب الرزق بالنظر الى الدنيا من دون النظر الى الآخرة، وفي ذلك الخسران المبين، لأن الموت يلاحق الانسان - وهو كناية عن انقضاء ساعاته من الدنيا الزائلة ساعة بعد ساعة - وإما أن يكون طلب الرزق للآخرة أي لإحراز ما تُسد به الحاجة وصرف الفضل منه في الموارد التي حث عليها الشرع المقدس وهؤلاء جعلوا الدنيا متجرا كما وصفها أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال:

«وَمَتجَرُ أَولِيَاءِ الله اكتَسَبُوا فِيهَا الرَّحمَةَ وَرَبِحُوا فِيهَا الجَنَّة»(1).

وبالتالي يكون هدف هذا الطلب بناء دار الآخرة، وقد بيّن الإمام عليه السلام أن الصنف الثاني من طالبي الرزق وإن كان سعيه

ص: 31


1- نهج البلاغة، الحكمة 131

بلحاظ آخرته ولم يكترث للدنيا، إلا إنه لا يخرج من الدنيا حتى يستوفي رزقه منها بالكامل، قَالَ أمير المؤمنين عليه السلام في حكمة أخرى:

«اَلنَّاسُ فِی اَلدُّنْیَا عَامِلاَنِ؛ عَامِلٌ عَمِلَ فِی اَلدُّنْیَا لِلدُّنْیَا قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْیَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ... وَ عَامِلٌ عَمِلَ فِی اَلدُّنْیَا لِمَا بَعْدَهَا فَجَاءَهُ اَلَّذِی لَهُ مِنَ اَلدُّنْیَا بِغَیْرِ عَمَلٍ(1) فَأَحْرَزَ اَلْحَظَّیْنِ مَعاً وَ مَلَكَ اَلدَّارَیْنِ جَمِیعاً فَأَصْبَحَ وَجِیهاً عِنْدَ اَللَّهِ لاَ یَسْأَلُ اَللَّهَ حَاجَةً فَیَمْنَعُهُ»(2).

وفي خطبة الوداع عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 32


1- لعل المراد بغير عمل: أي من غير سعي وطلب، فيكون من الرزق الذي يطلب الانسان
2- نهج البلاغة، الحكمة 269

«..ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي(1) أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته..»(2).

وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السّلام يبين لنا فيها الميزان في كيفية السعي وحدوده الجوارحية والقلبية إذ قال:

«لِيَكُنْ طَلَبُكَ الْمَعِيشَةَ فَوْقَ كَسْبِ الْمُضَيِّعِ(3) وَ دُونَ طَلَبِ الْحَرِيصِ الرَّاضِي بِدُنْيَاهُ الْمُطْمَئِنِّ إِلَيْهَا وَ لَكِنْ أَنْزِلْ نَفْسَكَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ

ص: 33


1- النفث: النفخ، ونفث الله الشيء في القلب من باب ضرب ألقاه، والروع بالضم الخاطر والقلب (شرح اصول الكافي، للمازندراني، ج 8، ص 235)
2- الكافي، ج 2، ص 47
3- (المضيع) أي: المضيع لنفسه وعياله، قال النبي صلى الله عليه وآله: (ملعون ملعون من يضيع من يعول)، وقال الإمام الصادق عليه السلام: (كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعول) من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج 3، ص 168

النَّصَفِ الْمُتَعَفِّفِ تَرْفَعُ نَفْسَكَ عَنْ مَنْزِلَةِ الْوَاهِنِ الضَّعِيفِ وَ تَكْسِبُ مَا لَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْهُ إِنَّ الَّذِينَ أُعْطُوا الْمَالَ ثُمَّ لَمْ يَشْكُرُوا لَا مَالَ لَهُمْ(1)»(2)

وهنا لابد من التذكير أن الإنسان يجب أن يتوكل على الله (سبحانه وتعالى) في جميع مقاصده لفظاً وقلبا، ويكون سعيه مقصوداً به وجه الله (سبحانه)، ولا يكون اتكال العبد على حسن تدبيره وسعيه، وفي التوكل على الله تعالى - لتحصيل الرزق - حصانة تبرأ رزق الانسان من المحذورات، لأن المتوكل على الله حقاً يعيش ذكره جل وعلا، وعندما تعرض عليه المحذورات ينفر ويشمئز منها ما دام في ذكر اللہ سبحانه وتعالى.

ص: 34


1- أي يسلبون المال أو لا ينفعهم المال، ولعل الغرض الحث على ترك الحرص في جمع المال، فإن المال الكثير يلزمه غالبا ترك الشكر ومع تركه لا يبقى إلا الندامة، فالمال القليل مع توفيق الشكر أحسن، الكافي، ج 5، ص 81
2- المصدر نفسه، ج 5، ص 81

المسألة الخامسة: لا يسمى الرزق رزقاً إلا من حلال

قال عليه السلام:

«إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له»(1).

إن بعض الناس عندما تتحصل عندهم الأموال - أو غيرها - من طرق غير شرعية يسمون هذه الأموال رزقا من الله سبحانه وتعالى، وما ذلك إلا جهل بمبادئ السماء، وعبادة لهوى النفس والشيطان.

فهذان القرآن الكريم والسنّة المطهرة

ص: 35


1- میزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 2، ص 1076

يصرحان بأن تسمية الرزق تقتصر على ما يتحصل من طرقه المحللة شرعا دون غيره، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(1).

(و"الحلال" ما أبيح تناوله، والطيب ما طاب ووافق الطبع السليم، ويقابله "الخبيث" الذي يشمئز منه الإنسان.

و"الخطوات" جمع "خطوة" وهي المرحلة التي يقطعها الشيطان للوصول إلى هدفه وللتغرير بالناس.

وعبارة «وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ» تكررت خمس مرات في القرآن الكريم، وكانت في موضعين بشأن الاستفادة من الأطعمة والرزق الإلهي، وهي تحذير من استهلاك هذه النعم

ص: 36


1- سورة البقرة، آية 168

الإلهية في غير موضعها، وحث على الاستفادة منها على طريق العبودية والطاعة لا الفساد والطغيان في الأرض..)(1).

وقال تعالى:

«وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»(2).

وقال تعالى:

«فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»(3).

وقد جاء في الكافي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبة الوداع:

«.. أَلاَ إِنَّ اَلرُّوحَ اَلْأَمِینَ نَفَثَ فِی رُوعِی أَنَّهُ لاَ تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّی تَسْتَکْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا اَللَّهَ وَ أَجْمِلُوا فِی اَلطَّلَبِ وَ لاَ یَحْمِلَنَّکُمُ اِسْتِبْطَاءُ

ص: 37


1- الامثل، ج 1، ص 475
2- سورة المائدة، آية 88
3- سورة النحل، آية 114

شَیْءٍ مِنَ اَلرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِیَهِ اَللَّهِ فَإِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی قَسَّمَ اَلْأَرْزَاقَ بَیْنَ خَلْقِهِ حَلاَلاً وَ لَمْ یُقَسِّمْهَا حَرَاماً فَمَنِ اِتَّقَی اَللَّهَ وَ صَبَرَ أَتَاهُ اَللَّهُ بِرِزْقِهِ مِنْ حِلِّهِ وَ مَنْ هَتَكَ حِجَابَ اَلسَّتْرِ وَ عَجَّلَ فَأَخَذَهُ مِنْ غَیْرِ حِلِّهِ قُصَّ بِهِ مِنْ رِزْقِهِ اَلْحَلاَلِ وَ حُوسِبَ عَلَیْهِ یَوْمَ اَلْقِیَامَهِ..»(1).

وجاء في الاخبار أن أمير المؤمنين عليه السلام دخل المسجد وقال لرجل:

«أمسك علىَّ بغلتي»

فخلع لجامها وذهب به، فخرج علي عليه السلام بعد ما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما إليه مكافأة له، فوجد البغلة عطلا، فدفع إلى أحد غلمانه الدرهمين ليشتري بها لجاما، فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق، قد باعه الرجل بدرهمين، فأخذه بالدرهمين وعاد إلى

ص: 38


1- الكافي، الكليني، ج 5، ص 80

مولاه، فقال علي عليه السلام: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له»(1).

فعلى الإنسان أن يكون صبوراً في طلب رزقه في الحلال ولا يحرم نفسه من نعمة الله بالتسرع في طلب الحرام لأنه لا يزداد من الرزق إلا ما قدره الله له.

* * * *

ص: 39


1- ميزان الحكمة، ج 2، ص 1076

ص: 40

المسألة السادسة: التفاضل والتفاوت في الأرزاق

قال تعالى:

«وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ»(1).

(أي: جعلكم متفاوتين في زيادته ونقصانه انی فمنكم غنيّ ومنكم فقير... ولا ريب أنّ ذلك أمر مقسوم من قبل الله وإلَّا لم يكن الغافل رخي البال والعاقل رديّ الحال)(2).

وقال تعالى:

ص: 41


1- سورة النحل، الآية 71
2- مسالك الافهام إلى آيات الأحكام، الجواد الكاظمي، ج 4، ص 160

«إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا»(1).

(أي: يوسع مرة، ويضيق مرة، بحسب المصلحة مع سعة خزائنه، «إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا» أي: عالما بأحوالهم، بصيرا بمصالحهم، فيبسط على واحد، ويضيق على آخر، يدبّرهم على ما يراه من الصلاح..)(2).

ولاشك إن الأصل في تفاوت الأرزاق بين الناس هو اقتضاء الحكمة الالهية لذلك، تدبيراً لمصالح العباد، وهنالك خليط من العوامل المادية والمعنوية التي تستدعي هذا التفاوت، ولكن هذا الأصل لا يقف حاجزاً أمام الجد والاجتهاد والسعي، بل نجاح الانسان يكمن في مثابرته وسعيه وجده، سواء أكان في الأرزاق

ص: 42


1- سورة الاسراء، الآية 30
2- مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 6، ص 245

المادية أم في الأرزاق المعنوية، فالسعي والعمل المقرون بالتقوى والبعيد عن أي إفراط أو تفريط من أهم عوامل السعادة في الدارين.

ولهذا جعل القرآن الكريم ارتباطا بين ما يحصل عليه الإنسان وبين سعيه، فقال بوضوح:

«وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»(1).

ومن الأمور المهمة والمؤثرة في مسألة استحصال الرزق الالتزام بالمبادئ من قبيل التقوى والأمانة وإطاعة القوانين الإلهية والالتزام بأصول العدل، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى:

«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(2).

وكما في قوله تعالى:

ص: 43


1- سورة النجم، الآية 39
2- سورة الاعراف، الآية 96

«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»(1).

وكما في قوله تعالى بخصوص أثر الإنفاق في سعة الرزق:

«إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ»(2).

وقال تعالى:

«نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ»(3).

جاء في تفسير الإمام العسكري عليه السلام في تفسير معنى قوله تعالى: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» أي هم يقسمون رحمة ربك يا محمد؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم، فأحوجنا بعضا إلى

ص: 44


1- سورة الطلاق، الآيتان 2-3
2- الامثل، ج 8، ص 251
3- سورة الزخرف، الآية 32

بعض، أحوجنا: هذا إلى مال ذلك وأحوج ذاك إلى سلعة هذا، وهذا إلى خدمته، فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب: إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به، وإما باب من العلوم والحكم، فهو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته، ثم ليس للفقير أن يقول: هلا اجتمع إلى رأبي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني؟ ولا للملك أن يقول هلا اجتمع إلى ملكي علم هذا الفقير»(1).

ومن هنا نعلم اجمالا ما حاكته يد الحكمة الإلهية في تدبير أمور العباد بإيجاد التفاضل فيما بينهم، إذ جع-ل الله (عز وجل من الانسان

ص: 45


1- تفسير الإمام العسكري، ص 507

اجتماعيا وتعاونيا في الطبع، حتى ينتفع كل فرد بأبناء نوعه بما يتيسر ل-ه الانتفاع المقنن بقوانين السماء، وينبغي أن نعلم أن قانون التفاضل هذا - المادي منه والمعنوي - خاضع الى سلسلة أسباب ومسببات مادية ومعنوية.

* * * *

ص: 46

نتائج البحث

نستنتج من خلال البحث أن مضامين قول أمير المؤمنين التي كانت مورداً لبيان الحكمة في مسألة الرزق وهي كالآتي:

1- «یَا اِبْنَ آدَمَ اَلرِّزْقُ رِزْقَانِ» أي قسمان، بالنظر الى الرزق الحاصل بالسعي إليه والطلب، والرزق الذي يحصل من غير حسبان وطلب.

2- إن السعي في اكتساب الرزق في قوله علیه السلام «رِزْقٌ تَطْلُبُهُ» وتسعى إليه ربما تناله وربما لا تناله.

«وَرِزْقٌ یَطْلُبُكَ» قد قسمه الله سبحانه

ص: 47

وتعالى لك يأتيك لا محال.

3- للعبد رزق سنته المحفوظ له يأتيه تدريجا، فهناك نهي عن حمل هم قوت السنة إذا لم يتحصل، أما إذا تحصل القوت للإنسان من طرقه الشرعية فلا نهي عنه، بل هو ممدوح في الشرع.

4- يجب أن يتوكل العبد على الله سبحانه مقاصده لفظاً وقلبا، ويكون سعيه مقصوداً به وجه الله سبحانه، ولا يكون اتكال العبد على حسن تدبيره وسعيه.

* * * *

ص: 48

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم

1- لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، محرم 1405 ه.

2- معجم المصطلحات والالفاظ الفقهية، محمود عبد الرحمن عبد المنعم، دار الفضيلة للنشر والتوزيع والتصدير، القاهرة.

3- نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، بیروت، ط 1، 1387 ه - 1967 م.

4- الوافي، الفيض الكاشاني، طباعة أفست نشاط أصفهان، ط 1، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة، اصفهان.

5- الميزان في تفسير القرآن، السيد الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

ص: 49

6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، دار الحديث، ط 1.

V- الكافي، لشيخ الكليني، مطبعة حيدري، دار الكتب الإسلامية، ط 5.

8- مسند الإمام علي عليه السلام، السيد حسن القبانجي، تحقيق: الشيخ طاهر الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط 1، السلامي، 1421 ه - 2000 م.

9- الارشاد، الشيخ المفيد، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان. ط 2، 1414 ه - 1993 م.

10- بحار الانوار، العلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان ط 2 المصححة، 1403 ه - 1983 م.

ص: 50

11- مسالك الافهام الى آيات الاحكام، الجواد الكاظمي، علق عليه وأخرج أحاديثه، الشيخ محمد باقر شریف زاده، تصحيح وتحقيق: محمد الباقر بهبودي، عنيت بنشره المكتبة المرتضوية، طهران، سوق بين الحرمين.

12- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط 1.

13- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الطبعة الجديدة والمنقحة.

14- تفسير الامام العسكري: المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه، قم المقدسة، ط 1 محققة، ربيع الأول 1409 ه.

ص: 51

15- التبيان في تفسير القران، الشيخ الطوسي، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، رمضان المبارك 1409 ه.

ص: 52

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة الكتاب...9

المسألة الأولى: الرزق في اللغة والاصطلاح...13

أولاً: الرزق لغة...13

ثانياً: الرزق اصطلاحا:...14

المسألة الثانية: الرزق في القرآن الكريم...15

أ- الرزق الأخروي:...15

ب- الرزق الدنيوي المعنوي:...16

ج- الرزق المادي:...17

المسألة الثالثة: الرزق في السنة المطهرّة...21

المسألة الرابعة: دوران الرزق بين الطالب والمطلوب...25

أ- رزق تطلبه:...25

ب- رزق يطلبك:...27

المسألة الخامسة: لا يسمى الرزق رزقاً إلا من حلال...35

المسألة السادسة: التفاضل والتفاوت في الأرزاق...41

نتائج البحث...47

المصادر والمراجع...49

المحتويات...53

ص: 53

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.