التوبة والقبول
الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.
الطبعة:...الأولى.
عدد النسخ:...1000 نسخة.
التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.
التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام
ص: 1
الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.
الطبعة:...الأولى.
عدد النسخ:...1000 نسخة.
التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.
التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.
ص: 2
سلسلة العطاء والحرمان في نهج البلاغة (3) التوبة والقبول «من أعطي التوبة لم يحرم القبول» تأليف محمد حمزة عباس
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع: www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com
ص: 4
قال أمير المؤمنين علیه السلام:
مَنْ أُعْطِیَ أَرْبَعاً لَمْ یُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِیَ اَلدُّعَاءَ لَمْ یُحْرَمِ اَلْإِجَابَةَ وَ مَنْ أُعْطِیَ اَلتَّوْبَةَ لَمْ یُحْرَمِ اَلْقَبُولَ وَ مَنْ أُعْطِیَ اَلاِسْتِغْفَارَ لَمْ یُحْرَمِ اَلْمَغْفِرَهةَ وَ مَنْ أُعْطِیَ اَلشُّکْرَ لَمْ یُحْرَمِ اَلزِّیَادَةَ نهج البلاغة: الحكمة 136
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل العطاء والحرمان بيده وضمن لعباده الاجابة عند مسألته والصلاة والسلام على سنخ رحمته محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد..
فإن من المواضيع التي شغلت اهتمام الإنسان منذ القدم كان اولها عنايته وتفكيره هي العطاء والحرمان وذلك لما ارتبط بشؤونه الحياتية وتجاذبات عيشه وتأثير الظروف المحية به وانقياده الى جملة من الاسباب التي لم تزل موضع شغله وتفكيره وهو يتجاذب اسباب
ص: 7
البقاء ويدافع عن مقتنياته الشخصية وشؤونه الأسرية والاجتماعية.
من هنا.
وجدنا ان خير ما نستهل من هذه المعرفة هو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومدار حركة قرآنه وذلك ضمن هذه السلسلة الموسومة به «سلسلة العطاء والحرمان» والتي اشتملت على مباحث خمسة تفرعت الى جملة من المسائل ولأهمية الموضوع جعلنا كل مبحث ضمن كتاب مستقل علنا بذلك نكون قد وفقنا لتقديم مادة معرفية لدى القارئ الكريم..
السيد نبيل الحسني
رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد...
فقد تقدم الكلام في الجزء الثاني من هذه السلسلة عن الدعاء وأهم مسائله، وفي هذا الجزء نتناول بحث التوبة وأهم مسائلها سيراً مع الحكمة محل البحث «مَنْ أُعْطِیَ أَرْبَعاً لَمْ یُحْرَمْ أَرْبَعاً».
ص: 9
التوبة الندامة على الذنب سواء كان الذنب قولي كالغيبة والبهتان والكذب أو فعلي كالزنا وغيرها من الذنوب، فإن الله جعل باب التوبة مفتوحاً وجعل حبله ممدوداً، فمن صدقت نيته وأراد أن يتطهر من الذنوب فإن الله يحب التوابين، قال تعالى في كتابه الكريم:
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»(1).
الذين يحاسبون أنفسهم إذا عملوا سوءا بجهالة، فاذا تابوا تاب الله عليهم، والتوبة تشمل جميع العباد، فمن شعر بالندم على المعاصي التي ارتكبها وأراد أن يتوب فإن الله قابل التوبة ولا يحرم من وفق في طلبها لأنه تعالى يريد لعباده الخير، فمعرفة الإنسان بأخطائه دليل على حب الله له، والشعور بالندم دليل على قبول التوبة، وفي القرآن الكريم أجمل القصص والعبر والمواعظ التي بيّنها الله لنا بخصوص التوبة، فقصة نبينا آدم
ص: 10
عليه السلام ومعصيته لله بأكله مما نهاه الله عنه من تلك الشجرة وبعد ذلك ندمه عليه السلام على الخطيئة وتوبته إلى الله، فقبل الله توبته وتاب عليه، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
«ولولا أن الله عز وجل تاب على آدم ما تاب على مذنب أبداً»(1).
فمن هنا فتحت باب التوبة قال تعالى:
«إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(2).
فإذا تاب العبد توبة نصوحاً سقط عنه العقاب ونال رضا الله.
محمد حمزة الخفاجي
* * * *
ص: 11
لقد وردت كلمة التوبة في المعاجم اللغوية ومنها ما أورده ابن منظور:
التَّوبةُ: الرجوع من الذنب. وفي الحديث: الندم توبة. والتوب مثله.
وقال الأَخفش: التَوبُ جمع تَوبةٍ مثل عَزمةٍ وعَزمٍ. وتابَ إلى الله يَتُوبُ تَوباً وتَوبةً ومَتاباً: أَنابَ ورَجَعَ عن المَعصيةِ إلى الطاعةِ،
ورَجل تَوَّابٌ: تائِبٌ إلى الله.
والله تَوّابٌ: يَتُوبُ علَى عَبدِه.
وقوله تعالی: «غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ»(1).
ص: 12
والتوبة: مطلق الرجوع، والرجوع عن الذنب.
وفي الاصطلاح: الرجوع عن أفعال مذمومة إلى أفعال محمودة شرعا(1).
* * * *
ص: 13
ووردت كلمة التوبة في القرآن الكريم في آیات کثرة منها:
قال تعالى:
«وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»(1).
وقوله تعالی:
«إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»(2).
وقوله تعالی:
ص: 14
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»(1).
وقوله تعالی:
«أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(2).
* * * *
ص: 15
ليس هنالك شيء أنفع من التوبة للعباد لذلك نجد كثيراً من الآيات القرآنية تؤكد وتحث على التوبة وكذلك السنّة النبوية المطهرة ترشد العباد إلى طلبها حتى لو كان الانسان في آخر لحظة من حياته لكي يتدارك العبد عقوبات الدنيا وأهوال الآخرة، لأن التوبة هي المانع من نزول البلاء فالتوبة طاعة والله يحب المطيعين ويتقبل توبة النادمين، ومن الأحاديث التي تحفز الإنسان على طلب التوبة نذكر الآتي:
1- عن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر خطبة خطبها: «من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه، ثم قال: وإن السنة لكثيرة، من تاب قبل
ص: 16
موته بشهر تاب الله عليه، ثم قال: وإن الشهر لكثير، من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه، ثم قال: وإن يوما لكثير، من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال: وإن الساعة الكثيرة، من تاب وقد بلغت نفسه هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - تاب الله عليه»(1).
2- عن أبي عبد الله وعن أبي جعفر عليهما السلام قالا: إن آدم عليه السلام قال:
«یا رب سلطتّ علىَّ الشيطان وأجريته مني مجرى الدم فاجعل لي شيئا، فقال: يا آدم جعلت لك أن من هَم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة ومن هَم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشرا، قال: يا رب زدني، قال: جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له، قال: يا رب زدني، قال: جعلت لهم التوبة - وقال: بسطت لهم التوبة - حتى تبلغ النفس هذه، قال: يا رب حسبي»(2).
ص: 17
3- عن عمر بن أذينة، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
«إن الله تبارك وتعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها»(1).
4- قال أمير المؤمنين عليه السلام:
«ما كان الله .... ليفتح لعبد باب الدّعاء ويغلق عنه باب الإجابة، ولا ليفتح لعبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة»(2).
5- عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول:
«أوحى الله إلى داود النبي عليه السلام يا داود، ان عبدي المؤمن إذا أذنب ذنبا ثم رجع وتاب من ذلك
ص: 18
الذنب واستحي مني عند ذكره غفرت له وأنسيته الحفظة وأبدلته الحسنة ولا أُبالي وأنا أرحم الراحمين»(1).
* * * *
ص: 19
كما إن للدعاء شروطاً كذلك للتوبة شروط ومن أهما:
معنى ذلك هو أن لا يرجع العبد الى الذنب أبداً، فالندم على الذنب توبة والاعتراف بالخطيئة فضيلة، روي عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا»(1).
قال: «يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه»(2).
ص: 20
فمن شروط التوبة صدق النية والعزم على أن لا يعود للذنوب التي اقترفها بجهله وإن كانت ذنوباً صغاراً، قال أمير المؤمنين عليه السلام:
«الذنوب الداء، والدواء الاستغفار، والشفاء أن لا تعود»(1).
فمن صدق النية عدم العودة الى الذنوب، لأن التوبة ليس باللسان وإنما النية الصحيحة هي نبذ التلوث الداخلي من الاعمال الرذيلة التي تكون في داخل الانسان.
قال الإمام علي عليه السلام:
«أَفَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ»(2).
ص: 21
إن الانسان حينما يدركه الموت يشعر باليأس من الدنيا فلطا لما كان فيها فلا يذكر الله ولا يكترث للذنوب التي اقترفها ولكن هول الموت جعله يتوب فهذه ليست توبة عن صدق وندم، قال تعالى:
«وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»(1).
وعن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ»
قال: «هو الفرار تاب حين لم ينفعه التوبة ولم يقبل منه»(2).
وقوله تعالى«وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ
ص: 22
قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»(1).
إن الله يعلم بهذه الانفس حينما تشعر أن الموت قد حان وانكشفت لهم الامور التي وعدهم الله بها مسبقا كتذكيرهم بالموت والمعاد، فشعروا بحقيقة كلام الله وما أنبأت به الرسل فتذكروا التوبة، فمثل هؤلاء لا تقبل توبتهم لأنها جاءت بعد الشعور بقوة الله فخضعوا لها، فمَثَل هؤلاء مَثل المجرمين يوم الحشر، قال تعالى:
«وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ»(2).
وعن أبي عبدالله عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول:
«لا خير في الدنيا إلا لاحد رجلين، رجل يزداد كل
ص: 23
يوم إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة»(1).
من شروط التوبة أن لا يكون سيء الظن بالله، فإنّ الله كريم يحب لعباده الخير ويمهل العباد لكي يرجعوا الى رشدهم ويتوبوا إليه، فمهما كانت الذنوب وإن عظمت فإن الله تواب رحيم، فاعلم إنك بمجرد أن تعزم على التوبة وتصدق في طلبها فإن الله عند حسن ظن عبده، روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«إن آخر عبد يؤمر به إلى النار فيلتفت فيقول الله جل جلاله اعجلوه، فإذا اتي به قال له: عبدي لم التفت؟ فيقول: يا رب ما كان .
ص: 24
ظنك بك هذا فيقول الله جل جلاله عبدي ما ظني كان بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك ان تغفر لي خطيئتي وتدخلني جنتك قال: فيقول الله جل جلاله: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيرا قط ولو ظن بي ساعة من حياته خيرا ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: ما ظن عبد بالله خيرا الا كان له عند ظنه، وما ظن به سوء الا كان الله عند ظنه به، وذلك قول الله سوء عز وجل: «وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(1) (2).
ص: 25
حينما تتراكم الذنوب وتكثر المعاصي وتغلب الشهوة عند الإنسان وتزداد الظلمات في القلب يتراكم الرين على القلب، قال تعالى:
«بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1).
عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا تغطى البياض
ص: 26
لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول الله وج: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1) (2).
يزين الشيطان للإنسان سوء عمله فيجعله يرى الباطل حقاً على الرغم من بطلانه ويراه عقلائياً من كل النواحي ويراه عملاً صائباً، قال تعالى:
«زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(3).
ومن كلام له عليه السلام قال:
«اتَّخَذُوا الشَّيطانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاكاً، وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْراكاً، فَباضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ،
ص: 27
فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ»(1).
فلذلك يكون هذا التزيين مانعاً للإنسان من طلب التوبة، فقد ورد في الدعاء: «اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه»(2).
واليأس من رحمة الله من الكبائر وأحد موانع التوبة ويأتي من كثرة الذنوب فيظن الإنسان أن الله لا يغفر له لقبح افعاله، والله يقول في كتابه الكريم:
«لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(3)، وهذا اليأس يأتي من عدم
ص: 28
معرفة الانسان بأن الله هو الغفار الرحيم التواب، قال تعالى:
«وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»(1).
وعن يونس، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
«إن من الكبائر عقوق الوالدين، واليأس من روح الله»(2).
فاليأس من رحمة الله أشد من الذنوب التي ارتكبها الانسان، لأنه وقع بباطل آخر ومن جهل إلى ظلمات الجهل.
إن من يترك الشرع المقدس ويتبع هواه يصده عن الحق ويبعده عن طريق الهدى فيكون مانعاً
ص: 29
للتوبة لأن اتباع الهوى مصدر الغفلة واتباع الهوى من المضلات، قال تعالى:
«فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(1).
وقوله تعالى:
«يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ»(2).
ومن كلام له عليه السلام قال:
«أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَیْکُمُ اثْنَانِ؛ اتِّبَاعُ الْهَوَی وَ طُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَی فَیَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ..»(3).
وعن أبي محمد الوابشي قال: (سمعت أبا
ص: 30
عبدالله عليه السلام يقول:
«احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس بشيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم»(1).
إن الإنسان الذي علق أمله على هذه الدنيا الفانية لا بد أن تشغله عن التوبة حتى تهلكه بالمعاصي وهو لا يشعر، لأن طول الأمل يجعل أن الإنسان بلا تفكير وأهم شيء عنده هو يفعل ما يريد ويقنع نفسه بأنه سوف يتوب في المستقبل، قال تعالى:
«ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(2).
ومن حكمة له عليه السلام قال:
ص: 31
«لا تكن ممن يرجوا الآخرة بغير العمل، ويرجي التوبة بطول الامل»(1).
وقال عليه السلام:
«وَ أَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَیُنْسِی الْآخِرَهَ»(2).
فمثل هؤلاء لا ينفع فيهم الوعظ ولا النصح لأنهم علقوا أمالهم على الدنيا فطال أملهم فيها فصدهم عن الحق.
وضدها اليقظة، فالإنسان الغافل لا يذكر التوبة فهو غافل عن طلبها، وأصل الغفلة جاء من حب الدنيا واتباع رغبات النفس ونسيان الإنسان منن الله عليه، قال الامام على عليه السلام:
ص: 32
«فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَةِ فِي قَلْبِكَ بِعَزِيمَةٍ، وَ مِنْ كَرَى الْغَفْلَةِ فِي نَاظِرِكَ بِيَقَظَةٍ»(1).
وقال عليه السلام:
«وَالشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا، وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا، إِذَا هَجَمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا، فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً»(2).
أما سيء الخلق فإن الله لا يتوب عليه لأن صفاته لا تنسجم مع حقيقة التوبة وهي عدم الإصرار على الذنب، فسيء الخلق كما بيّنه النبي (صلى الله عليه واله) كلما خرج من ذنب وقع بآخر بسبب سوء الخلق، روي في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي
ص: 33
صلى الله عليه وآله:
«أبي الله عز وجل لصاحب الخلق السيئ بالتوبة»
قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال:
«لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه»(1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«إن سوء الخلق ليفسد الايمان كما يفسد الخل العسل»(2).
عن الإمام موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«أبي الله لصاحب البدعة بالتوبة، وأبى الله لصاحب الخلق السيء بالتوبة».
فقيل: يا رسول الله، وكيف ذاك؟ قال:
ص: 34
على الانسان أن لا يتأخر في طلب التوبة لطول أمله في هذه الدنيا، فالبعض يريد أن يتوب ولكن حبه للدنيا قد شغله عن التوبة، فقد يغرق الإنسان في المعاصي ولا يجد له شفيعاً يشفع له من تراكم الذنوب، فعلى الإنسان أن يتدارك نفسه بالتوبة فهي خير شفيع، فمن حكمة له عليه السلام قال:
«ولا شفيع أنجح من التوبة»(1).
والنجاح الظفر فالإنسان لا يظفر بشيء ينجيه من عذاب الباري مثلما يظفر بالتوبة فهي خير شفيع له من ذنوبه، وإن الله لا يغير ما بنفس
ص: 36
الانسان ولكن الانسان هو الذي يسعى بتغير نفسه، فالتوبة الله يعني زرع بذرة جديدة في نفس الانسان لتنمو على طاعة الله وترك المعاصي ونبذها نهائيا فإن الله يحب العبد الذي يتوب إن أذنب حتى يعصمه الله من الذنوب، عن أبي جعفر عليه السلام، أنه قال:
«إن من أحب عباد الله إلى الله المفتن المحسن»(1).
ومن خطبة له عليه السلام قال:
«فاتَّقَی عَبْدٌ رَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ وَقَدَّمَ تَوْبَتَهُ وَغَلَبَ شَهْوَتَهُ، فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ، وَالشَّیْطَانُ مُوَکَّلٌ بِهِ یُزَیِّنُ لَهُ الْمَعْصِیَهَ لِیَرْکَبَها، وَیُمَنِّیهِ التَّوْبَهَ لِیُسَوِّفَها»(2).
فالتوبة تشفع للعبد المذنب فتكون مفازه في الدنيا والآخرة.
ص: 37
إن كل عمل يرتضيه الله يترك أثراً في حياة الانسان وللتوبة آثار كثيرة ومنافع للتائب سواء كانت في الحياة الدنيا ام الحياة الآخرة فمن آثارها:
إن من آثار التوبة غفران الذنوب، فإن العبد إذا تاب توبة نصوحاً غفر الله له ذنوبه، قال تعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(1).
وليس غفران الذنوب فقط بل يبدل الله السيئات الى حسنات كما جاء في قوله تعالى:
ص: 38
«إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا»(1).
فالتوبة تطهر الإنسان من الذنوب وتبعده عن دنس الشيطان، فإن الله يحب العبد الطهور لأن الطهر ضد الرجس والرجس هو اسم يجمع ما يستقذر من الاعمال ويشمل جميع الذنوب والوساوس والأفعال التي تسبب فساد الانسان فالتوبة تطهر الانسان من هذه الآثام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن التوبة مطهرة من دنس الخطيئة»(2).
وقال الامام علي عليه السلام: «التوبة تطهر القلوب وتغسل الذنوب»(3).
ص: 39
إن أصل التوبة الستر والله يستر ذنوب التائبين في الدنيا والآخرة وينجيهم من خزيهما، يوم تكشف الأستار عن الناس ويأتي الله بأعمال العباد، فقد روي عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: «إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كانا یکتبان عليه ويوحي الله إلى جوارحه وإلى بقاع الارض أن اكتمي عليه ذنوبه فيلقى الله عز وجل حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب»(1).
وروي عن سليمان بن خالد قال كنت في محمل أقرأ إذ ناداني أبو عبد الله عليه السلام:
«... اقرأ يا سليمان» فقرأت حتى انتهيت إلى
ص: 40
قوله «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» قال: «قف؛ هذه فيكم، إنه يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز وجل فيكون هو الذي يلي حسابه فيوقفه على سيئاته شيئا فشيئا فيقول عملت كذا وكذا في يوم كذا في ساعة كذا فيقول أعرف يا رب قال حتى يوقفه على سيئاته كلها كل ذلك يقول أعرف فيقول سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم أبدلوها حسنات قال فترفع صحيفته للناس فيقولون سبحان الله أما كانت لهذا العبد ولا سيئة واحدة فهو قول الله عز وجل «فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ»(1).
فالتائب حبیب الله كما قال تعالى:
ص: 41
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ»(1).
وعن معاوية ابن وهب قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول:
«إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله»(2).
وروي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا رفعه قال: (إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها قوله عز وجل:
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»(3).
«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ
ص: 42
عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).
وقوله عز وجل:
«وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا»(2)»(3).
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله):
«التائب حبیب الله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له»(4).
فمن وفِّق في التوبة فقد أخرجه الله من ظلمات
ص: 43
المعاصي الى نور الهداية وما يؤكد هذا الكلام، قوله تعالی:
«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(1).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(2). يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة»(3).
فالإنسان لا يخرج من هذه الظلمات الا بالتوبة، لذا عليه أن يتوب عن جميع المعاصي لكي ينير الله له طريق الحق.
ص: 44
ص: 45
قال الإمام عليه السلام:
ترك الذنب أهون من طلب التوبة»(1).
كما ذكرنا في بداية الكلام ان للتوبة شروطاً وقد وضحنا هذه الشروط، فعلى الإنسان الذي يطلب التوبة أن يتجاوز هذه العقبات وجميع الموانع التي تخل بقبول التوبة ومنها عقبات النفس الامارة بالسوء وما ذكرناه من الغفلة وطول الأمل واتباع الهوى وكثير من وساوس الشيطان وتأثير المجتمع على حياة الإنسان، فمن الصعب أن يتخطى الانسان هذه العقبات بسهولة إلا بتوفيق من الله عز وجل لنجاحه في طلب التوبة، فترك الذنب أهون من طلب
ص: 46
التوبة لأن قبول التوبة مشروط بعدم الرجوع الى الافعال السابقة، وليس كل من تاب نال مطلبه لذا كان ترك الذنب أهون، وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ملخصه
أن إبليس احتال على عابد من بني إسرائيل حتى ذهب إلى فاجرة يريد الزنا بها، فقالت له إن ترك الذنب أيسر - من طلب التوبة، وليس كل من طلب التوبة وجدها، فانصرف وماتت من ليلتها فأصبحت وإذا على بابها مکتوب: احضروا فلانة فإنها من أهل الجنة فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في أمرها، فأوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء ولا أعلمه الا موسی بن عمران أن انت فلانة فصل عليها، ومر الناس فليصلوا عليها، فاني قد غفرت لها، وأوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي(1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام:
«ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة وكم من شهوة ساعة
ص: 47
أورثت حزنا طويلا والموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحا»(1).
فعلى الرغم من أنه تعالى وضع شروطاً للتوبة إلا أنه أعطى فرصة لجميع الخلق بأن يتوبوا وأن لا ييأسوا من طلب التوبة مع العزم والتوكل على الله بأنه يقبل من عباده، ومن وصية له لإبنه الحسن عليهما السلام قال:
«..ولَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، ولَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ، ولَمْ يُعَيِّرْكَ بِالإِنَابَةِ ولَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، ولَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الإِنَابَةِ، ولَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، ولَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً، وحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وفَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ...»(2).
* * * *
ص: 48
ص: 49
لقد ذكرنا في بداية البحث ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام:
«ولولا أن الله عز وجل تاب على آدم ما تاب على مذنب ابدا»(1).
فكانت هذه التوبة عبرة للمعتبرین وضمانة للتائبين، فلنأخذ من هذه الرواية العبرة وكيفية التوبة الصادقة.
جاء في شرح الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ذكر توبة آدم وتوسله بمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، قيل:
ص: 50
«وکیف كان ذلك يا رسول الله؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لما زلت الخطيئة من آدم عليه السلام وأخرج من الجنة وعوتب ووبخ قال: يا رب إن تبت وأصلحت أتردني إلى الجنة؟ قال: بلى.
قال آدم: فكيف أصنع يا رب حتى أكون تائبا وتقبل توبتي؟ فقال الله عز وجل: تسبحني بما أنا أهله، وتعترف بخطيئتك كما أنت أهله، وتتوسل إليَّ بالفاضلين الذين علمتك أسماءهم، وفضلتك بهم على ملائكتي، وهم محمد وآله الطيبون وأصحابه الخيرون.
فوفقه الله تعالى فقال: يا رب لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسی فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت
ص: 51
نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم، بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين.
فقال الله تعالى: لقد قبلت توبتك، وآية ذلك أني انقي بشرتك، فقد تغيرت - وكان ذلك لثلاث عشر من شهر رمضان - فصم هذه الثلاثة الايام التي تستقبلك فهي أيام البيض ينقي الله في كل يوم بعض بشرتك. فصامها فنقي في كل يوم منها ثلث بشرته.
فعند ذلك قال آدم یا رب ما أعظم شأن محمد وآله وخيار أصحابه؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم إنك لو عرفت کنه جلال محمد وآله عندي وخيار أصحابه، أحببته حبا یکون أفضل أعمالك.
قال آدم: یا رب عرفني لأعرف.
قال الله تعالى: يا آدم إن محمداً لو وزن به
ص: 52
جميع الخلق من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين وسائر عبادي الصالحين من أول الدهر إلى آخره ومن الثرى إلى العرش لرجح بهم، وإن رجلا من خيار آل محمد لو وزن به جميع آل النبيين لرجح بهم، وإن رجلا من خيار أصحاب محمد لو وزن به جميع أصحاب المرسلين لرجح بهم.
یا آدم لو أحب رجل من الكفار أو جميعهم رجلا من آل محمد وأصحابه الخيرين لكافأه الله عن ذلك بأن يختم له بالتوبة والايمان، ثم يدخله الله الجنة.
إن الله ليفيض على كل واحد من محبي محمد و آل محمد وأصحابه من الرحمة ما لو قسمت على عدد كعدد كل ما خلق الله من أول الدهر إلى آخره وكانوا كفارا لكفاههم، ولاداهم إلى عاقبة محمودة: الايمان بالله حتى يستحقوا به
ص: 53
الجنة.
وإن رجلا ممن يبغض آل محمد وأصحابه الخيرين أو واحدا منهم لعذبه الله عذابا لو قسم على مثل عدد ما خلق الله تعالى لاهلكهم أجمعين. قوله عز وجل: «وَلَمَّا جَاءَهُمْ کِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَکَانُواْ مِن قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ کَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَهُ اللَّهِ عَلَی الْکَافِرِینَ»(1).
ونستفيد من هذه الرواية أن أكثر دواعي قبول التوبة ضماناً وأجمل الآداب التي يتجمل بها التائبون ويفزع بها الى الله المتوسلون هي كما يلي:
أولاً: أن يسبح الله بأسمائه ويستغفره.
ثانياً: أن يعترف بالخطيئة.
ثالثاً: أن يتوسل إلى الله بمحمد واله الطاهرين.
ص: 54
ص: 55
هنالك الكثير من الحكم التي وردت عن أمير المؤمنين عليه السلام تناولت موضوع التوبة نذكر بعضا منها كما يلي:
1- «التوبة تستنزل الرحمة»(1).
2- التوبة تطهر القلوب وتغسل الذنوب»(2).
3- «التوبة ندم بالقلب واستغفار باللسان وترك بالجوارح وإضمار أن لا يعود»(3).
4- «بالتوبة تمحص السيئات»(4).
5- «بالتوبة تكفر الذنوب»(5).
ص: 56
6- «ثمرة التوبة استدراك فوارط النفس»(1).
7- «بادروا في محل البقية وأنف المشية وانتظار التوبة وانفساح الحوبة»(2).
8- «حسن التوبة يمحو الحوبة»(3).
* * * *
ص: 57
- القرآن الكريم
1. تفسير الإمام العسكري، المنسوب إلى الإمام العسكري، تح: مدرسة الإمام المهدي، مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، قم المقدسة، ط 1 محققة، ربيع الأول 1409 ه مهر.
2. تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.
3. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تحقیق: محمد صادق بحر، المكتبة الحيدرية، سنة 1966 م.
4. غرر الحکم و درر الكلام، عبد الواحد الآمدي التميمي من علماء القرن الخامس الهجري، تصحیح: الشيخ حسين الأعلمي، منشورات الأعلمي للمطبوعات.
5. الكافي، الشيخ الكليني، تصحیح و تعليق: علي اكبر
ص: 58
الغفاري،، دار الكتب الاسلامية طهران، 1363 ه
6. لسان العرب، ابن منظور، نشر أداب الحوزة، سنة الطبع محرم 1405 ه
7. المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تح: السيد جلال الدین الحسيني المشتهر بالمحدث، رنکین، طهران - 1327، دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 1، 1370 - 1330 ش.
8. مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
9. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، محمود عبد الرحمن عبد المنعم، دار الفضيلة، القاهرة.
10. نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبدة، مؤسسة التاريخ العربي، طبعة جديدة، بيروت، لبنان.
11. وسائل الشيعة، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
ص: 59
مقدمة المؤسسة...7
مقدمة الكتاب...9
المسألة الأولى...12
التوبة لغة واصطلاحاً...12
المسألة الثانية...14
التوبة في القرآن...14
المسألة الثالثة...16
التوبة في السنة المطهرة...16
المسألة الرابعة...20
شروط التوبة...20
أولاً: أن تكون توبة نصوحاً:...20
ثانياً: التوبة قبل الموت:...21
ثالثاً: حسن الظن بالله:...24
المسألة الخامسة...26
موانع التوبة...26
1- رين القلوب:...26
2- التزيين:...27
3- اليأس من رحمة الله:...28
4- اتباع الهوى:...29
5- طول الأمل:...31
ص: 60
6- الغفلة:...32
7- سوء الخلق:...33
8- صاحب البدعة ممنوع التوبة:...34
المسألة السادسة...36
التوبة خير شفيع...36
المسألة السابعة...37
آثار التوبة...37
1- تغفر الذنوب وتبدل السيئات حسنات:...37
2- تُطهر الإنسان من دنس الذنوب:...38
3- الستر:...39
4- حب الله للتائبين:...40
5- الخروج من الظلمات إلى النور:...42
المسألة الثامنة...45
ترك الذنوب أهون من طلب التوبة...45
المسألة التاسعة...49
أخذ العبرة من النبي آدم (عليه السلام) وكيفية طلب التوبة...49
المسألة العاشرة
من درر حكم أمير المؤمنين علیه السلام...55
المصادر والمراجع...57
ص: 61
ص: 62