الدعاء و الإجابة

هوية الکتاب

الدعاء والإجابة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام

ص: 1

اشارة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 2

سلسلة العطاء والحرمان في نهج البلاغة (2) الدعاء والإجابة «من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة» تأليف محمد حمزة الخفاجي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:

www.inahi.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أميرالمؤمنين علیه السلام:

مَنْ أُعْطِیَ أَرْبعاً لَمْ یُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِیَ الدُّعَاءَ لَمْ یُحْرَمِ الْإِجَابَةَ وَمَنْ أُعْطِیَ التَّوْبَةَ لَمْ یُحْرَمِ الْقَبُولَ وَمَنْ أُعْطِیَ الاْسْتِغْفَارَ لَمْ یُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ أُعْطِیَ الشُّکْرَ لَمْ یُحْرَمِ الزِّیَادَةَ نهج البلاغة: حكمة 136

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل العطاء والحرمان بيده وضمن لعباده الاجابة عند مسألته والصلاة والسلام على سنخ رحمته محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد..

فإن من المواضيع التي شغلت اهتمام الإنسان منذ القدم فأولها عنايته وتفكيره هي العطاء والحرمان وذلك لما ارتبط بشؤونه الحياتية وتجاذبات عيشه وتأثير الظروف المحيطة به وانقياده الى جملة من الاسباب التي لم تزل موضع شغله وتفكيره وهو

ص: 7

يتجاذب اسباب البقاء ويدافع عن مقتنياته الشخصية وشؤونه الاسرية والاجتماعية.

من هنا.

وجدنا ان خير ما نستلهم منه هذه المعرفة هو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومدار حركة قرآنه وذلك ضمن هذه السلسلة الموسومة ب «سلسلة العطاء والحرمان» والتي اشتملت على مباحث خمسة تفرعت الى جملة من المسائل ولأهمية الموضوع جعلنا كل مبحث ضمن کتاب مستقل علنا بذلك نكون قد وفقنا لتقديم مادة معرفية لدى القارئ الكريم..

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جمَّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد...

إن الدعاء والاستغفار والتوبة والشكر جميعها تمثل أجلى مراتب العبودية والصلة بين العبد وربه، وقول الإمام عليه السلام: «مَنْ أُعْطِیَ

ص: 9


1- من خطبة لسيدة نساء العالمين عليها السلام، الاحتجاج، للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 132

أَرْبعاً لَمْ یُحْرَمْ أَرْبَعاً»، أي من وفق لواحدة منها أو لكل هذه العطايا الأربع ضمن له الإمام عليه السلام جني ثمارها، أي ضمن للداعي الإجابة، وللتائب قبول التوبة، وللمستغفر غفران الذنوب، وللشاكر الزيادة في الخيرات، والتوفيق لهذه العطايا الاربع لابد أن يكون بمعناها الحقيقي المراد منها، أي بأداء شروطها ورفع موانعها، فعندها يضمن الإمام عليه السلام للموفق لها عدم الحرمان من ثمارها، وقد مر الكلام عن العطاء والحرمان في الجزء الأول من هذه السلسلة، وفي هذا الجزء يدور بحثنا حول الدعاء وشروطه وموانعه وآدابه وجملة أمور تتعلق به انطلاقاً من قول أمير المؤمنين عليه السلام: «مَنْ أُعْطِیَ اَلدُّعَاءَ لَمْ یُحْرَمِ

ص: 10

اَلْإِجَابَةَ»، فالدعاء يمثل الغذاء الروحي في حياة الفرد المؤمن، وهو الحصن الحصين للمؤمنين والدافع لمكاره الدنيا والآخرة، وهو سلاح الأنبياء والمؤمنين، ومن أهم مضامين الدعاء هو اللجوء إلى الباري عز وجل، لأن الله أراد لعباده الرجوع إليه في كل حال وحين، وليس في ساعة العُسر فقط، بل يكون دعاؤهم في الرخاء كدعائهم في البلاء، وإنّ لذة الدعاء الحقيقية لا يدركها إلا من تذوق حلاوتها، وكل مؤمن يتذوقها بحسب درجة إيمانه قوة أو ضعفا، والعبد يكون - في أثناء الدعاء الحقيقي - متصلا بمطلق الجمال والجلال والحنان والرأفة والجود والعطاء...

ص: 11

فلذا لا يرجع العبد من الدعاء خالي اليدين قطعا، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله عز وجل أن يردها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء. فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه»(1).

من هنا كان حديثنا حول الدعاء في عدة مسائل كما سيأتي خلال هذا البحث.

محمد حمزة الخفاجي

ص: 12


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 471، ح 2، (باب أن من دعا استجيب له)

المسألة الاولى

الدعاء لغةً واصطلاحاً

الدعاء هو: (أن تميل الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك، تقول: دعوت فلانا أدعوه دعاء، أي ناديته وطلبت إقباله، وأصله دعاو، إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت.

وللدعاء في الكتاب الكريم وجوه عديدة، كلها تدور حول المعنى اللغوي المتقدم، نذكر منها:

1- النداء:

يقال: دعوت فلاناً، أي ناديته وصحت به.

قال تعالى:

ص: 13

«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(1).

أي، ننادي...

وقد يستعمل كل من النداء والدعاء موضع الآخر، قال تعالى:

«كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً»(2).

2- الطلب:

يقال: دعاه، أي طلبه، قال تعالى:

«وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا»(3).

أي تطلب أن يحمل عنها.

3- القول:

قال تعالى:

«فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا...»(4).

ص: 14


1- سورة آل عمران، الآية: 61
2- سورة البقرة، الآية: 171
3- سورة فاطر، الآية: 18
4- سورة الأعراف، الآية 5

أي قولهم إذ جاءهم العذاب.

4- العبادة:

قال تعالى:

«لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا»(1).

أي نعبد.

5- الاستعانة:

قال تعالى:

«وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ»(2).

أي استعينوا واستغيثوا بهم

6- الحث على الشيء:

قال تعالى:

«قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا»(3).

أي حثثتهم على عبادة الله سبحانه.

ص: 15


1- سورة الكهف، الآية 14
2- سورة البقرة الآية 23
3- سورة نوح، الآية 5

7- النسبة:

قال تعالى:

«ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ»(1).

أي انسبوهم واعزوهم.

8- السؤال:

قال تعالى:

«قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ»(2).

أي اسأله.

والدعاء في الاصطلاح: طلب الأدنى من الأعلى: على جهة الخضوع والاستكانة،

ودعاء العبد ربه جل جلاله: طلب العناية منه، واستمداده إياه المعونة)(3).

* * * *

ص: 16


1- سورة الأحزاب، الآية 5
2- سورة البقرة، الآية 68
3- الدعاء حقيقته آدابه آثاره، مركز الرسالة، ص 109

المسألة الثانية

الحث على الدعاء في الكتاب والسنّة المطهرة

لقد صرح القرآن الكريم والسنّة المطهرة بتصريحات كثيرة تحث المؤمنين على الدعاء لأهمية الدعاء وما يحمل من مضامين من شأنها العروج بالمؤمن نحو التكامل المراد من خلقته، ونیل السعادة في الدارين، فلذا وردت كثير من الروايات تحث المؤمنين بتخصيص أوقاتٍ للدعاء، وقد عُبّر عنه بالقرآن الصاعد، وسلاح المؤمن، ومخ العبادة.. الى غيرها من التوصيفات

ص: 17

أ- الحث على الدعاء في القرأن الكريم:

قال تعالى:

«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ»(1).

وقال تعالى:

«وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»(2).

وقال تعالى:

«ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»(3).

وقال تعالى:

«وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ»(4).

ص: 18


1- سورة البقرة، الآية 186
2- سورة غافر، الآية 60
3- سورة الأعراف، الآية 55 - 56
4- سورة الأنبياء، الآية 90

وقال تعالى:

«فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(1).

ب- بعض ما ورد من الأحاديث في الحث على الدعاء:

1- عن النبي صلى الله عليه وآله قال:

«افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجئوا إليه في ملماتكم، وتضرعوا إليه وادعوه، فإن الدعاء مخ العبادة، وما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب، فإما أن يعجله له في الدنيا، أو يؤجل له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بمأثم»(2).

2- عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«سُوسُوا إِیمَانَکُمْ بِالصَّدَقَةِ وَ حَصِّنُوا أَمْوَالَکُمْ بِالزَّکَاةِ وَ اِدْفَعُوا أَمْوَاجَ اَلْبَلاَءِ بِالدُّعَاءِ»(3).

ص: 19


1- سورة غافر، الآية 14
2- بحار الانوار، المجلسي، ج 90، ص 302
3- نهج البلاغة، محمد عبده، ج 4، حكمة 146، ص 532

3- عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال:

«لكل داء دواء، فسئل عن ذلك؟ فقال: لكل داء دعاء، فإذا ألهم المريض الدعاء فقد أذن الله في شفائه. وقال أفضل الدعاء الصلاة على محمد وآل محمد - صلى الله عليهم - ثم الدعاء للإخوان ثم الدعاء لنفسك فيما أحببت، وأقرب ما يكون العبد من الله سبحانه إذا سجد. وقال الدعاء أفضل من قراءة القرآن، لأن الله عز وجل يقول: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم(1)»(2).

4- عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«إن العبد إذا دعا الله تبارك وتعالى بنيّة صادقة وقلب مخلص استجيب له»(3).

5- عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:

«لا تملّ من الدعاء فإنه من الله بمكان، وعليك

ص: 20


1- سورة الفرقان، الآية 77
2- مکارم الاخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 389
3- الاختصاص، الشيخ المفيد، ص 242

بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم...»(1).

6- عن أبي ذر - في حديث - قال: قلت: یا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«كانت أمثالا كلها: أيها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردّها وإن كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا أن تكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها صنع الله إليه، وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال، فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات، واستجمام للقلوب، وتفريغ لها»(2).

7- قال أمير المؤمنين عليه السلام:

لِلْمُؤْمِنِ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ فَسَاعَةٌ یُنَاجِی فِیهَا رَبَّهُ، وَ سَاعَةٌ یَرُمُّ مَعَاشَهُ، وَ سَاعَةٌ یُخَلِّی بَیْنَ نَفْسِهِ وَ بَیْنَ لَذَّتِهَا فِی

ص: 21


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 7، ص 84، ح 1، (32 باب استحباب ملازمة الداعي للصبر وطيب المكسب)
2- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 16، ص 97، ح 4

مَا یَحِلُّ وَ یَجْمُلُ. وَ لَیْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ یَکُونَ شَاخِصاً إِلاَّ فِی ثَلاَثٍ، مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِی مَعَادٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِی غَیْرِ مُحَرَّمٍ»(1).

8- عن الإمام الكاظم عليه السلام قال:

«إجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرم»(2).

* * * *

ص: 22


1- نهج البلاغة، محمد عبده، الحكمة 388، ص 584
2- بحار الانوار، المجلسي، ج 75، ص 321، ح 18

المسألة الثالثة

شروط استجابة الدعاء

إن لاستجابة الدعاء شروطا يجب أن تتوفر للداعي لكي يستجاب دعاؤه، ومنها:

أولاً: معرفة الله سبحانه

وذلك بأن يتيقن الداعي أن كل شيء بيد الله عز وجل، وأن الله سبحانه يعطي ويمنع لحكمة ترجع لمنفعة العباد، لأن الله سبحانه وتعالى قد يؤجل الإجابة لمصلحة العبد لوجود مفسدة في طلبته فلا يستجيب له، فقد جاء في وسائل الشيعة يقول الله عز وجل في حديث

ص: 23

قدسي:

«يا بن آدم، تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك»(1).

قال تعالى:

«قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(2).

وقال رسول الله صلى الله عليه و آله: قال الله عز وجل:

«من سألني وهو يعلم أني أضر وأنفع استجبت له»(3).

وقال قوم للإمام الصادق عليه السلام: ندعو فلا يستجاب لنا، فقال عليه السلام: «لأنكم تدعون من لا تعرفونه»(4).

ص: 24


1- وسائل الشيعة، ج 7، ص 60، ح 12
2- سورة ال عمران، الآية 26
3- وسائل الشيعة، ج 2، ص 53، ح 3
4- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 289، ح 7

ثانياً: حضور القلب

إن من أهم شروط استجابة الدعاء بعد المعرفة هو حضور القلب، بأن يكون الداعي متوجها الى الله سبحانه وتعالى، فعلى الداعي أن لا يدعو الله وقلبه ساه عن ذكره فیکون دعاؤه بلسانه وقلبه مشغول عن الله.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إذا دعوت فأقبل بقلبك وظنّ حاجتك بالباب»(1).

فإن أصل الدعاء هو الإقبال بالقلب، فعن سليمان بن عمرو قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة»(2).

ص: 25


1- وسائل الشيعة، ج 7، ص 52، ح 2
2- الكافي، ج 2، ص 473، ح 1

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

«لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب لاه»(1).

ثالثا: الوفاء بالعهد الإلهي

قال تعالى:

«وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ»(2).

فمن لم يوفِ بعهد الله ولم يؤدِ حقوقه الله فلا يتوقع من الله أن يستجيب دعاءه، فقد سئل أمير المؤمنين عن قوله تعالى «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، فما بالنا ندعو فلا يجاب؟ قال:

«إن قلوبكم خانت بثمان خصال :أولها:

إنّكم عرفتم الله، فلم تؤدوا حقه كما أوجب عليكم، فما أغنت عنكم معرفتكم شيئا، والثانية:

ص: 26


1- الكافي، ج 2، ص 473، ح 2
2- سورة البقرة، الآية 40

إنكم آمنتم برسوله، ثم خالفتم سنّته وأمتم شریعته، فأين ثمرة إيمانكم؟ والثالثة:

إنكم قرأتم كتابه المنزل عليكم، فلم تعملوا به، وقلتم: سمعنا وأطعنا، ثم خالفتم، والرابعة:

أنكم قلتم إنكم تخافون من النار، وأنتم في كل وقت تقدمون إليها بمعاصيكم، فأين خوفكم؟ والخامسة:

إنكم قلتم إنكم ترغبون في الجنة، وأنتم في كل وقت تفعلون ما يباعدكم منها، فأين رغبتكم فيها؟ والسادسة:

انكم اكلتم نعمة المولى، ولم تشكروا عليها، والسابعة:

إنّ الله امركم بعداوة الشيطان، وقال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا»، فعادیتوه بلا قول، وواليتموه بلا مخالفة، والثامنة:

إنكم جعلتم عيوب الناس نصب عيونكم، وعيوبكم وراء ظهوركم، تلومون من أنتم أحقّ باللوم منه، فأي دعاء يستجاب لكم مع هذا؟ وقد سددتم أبوابه وطرقه، فاتقوا الله، وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فيستجيب الله لكم دعاءكم»(1).

ص: 27


1- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، ج 5، ص 268 - 269

المسألة الرابعة

موانع استجابة الدعاء

قد يسأل سائل إن جميع الشروط قد توافرت ولم يستجب دعائي؟

فنقول في محل الجواب: إن هنالك كثيراً من الموانع التي تمنع استجابة الدعاء وفي أغلبها يكون السبب العبد نفسه، فإن الله جواد کریم، ولكن يعطي لحكمة ويمنع لحكمة، كما مر آنفاً، ومن هذه الموانع:

أولاً: الذنوب

ففي دعاء كميل: «اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء».

ومن دعاء لأمير المؤمنين عليه السلام:

ص: 28

«اللهم إني أعوذ بك من ذنب يحبط العمل، وأعوذ بك من ذنب يعجل النقم، وأعوذ بك من ذنب يمنع الدعاء»(1)

وقال الإمام الصادق عليه السلام:

«إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطي، فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك تعالى للملك: لا نقض حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي، واستوجب الحرمان مني»(2).

وقال الإمام زین العابدین علیه السلام:

«والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق، وترك التصدق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول»(3).

ص: 29


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج 88، ص 382، ح 7
2- وسائل الشيعة، ج 15، ص 302، ح 13
3- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص 271

ثانياً: أكل الحرام

وأشده ما نبت عليه اللحم وقوي به الجسد وذلك عند من اعتاد على أكل الحرام حتی نمی في عروقه، فأصبح مانعاً دون استجابة دعائه، ففي الحديث القدسي:

«لا يحجب عني دعوة إلا دعوة أكل الحرام»(1).

وروي أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: یا رسول الله أحب أن يستجاب دعائي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«طهر ماكلك، ولا تدخل بطنك الحرام»(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

ص: 30


1- وسائل الشيعة، ج 7، ص 145، ح 4
2- وسائل الشيعة، ج 5، ص 145، ح 5. (67 باب وجوب ترك الداعي للذنوب واجتنابه للمحرمات)

«من سره أن تستجاب له دعوته، فليطب مكسبه»(1).

ثالثاً: قطيعة الرحم

إن قطيعة الرحم مخالفة لأمر الله عز وجل لذلك كانت مانعاً الاستجابة الدعاء، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:

«قطيعة الرحم تحجب الدعاء»(2).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما من مؤمن دعا الله سبحانه دعوة، ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم، إلا أعطاه الله بها أحد خصال ثلاث: إما أن يعجل دعوته، وإما أن يدخر له، وإما أن

ص: 31


1- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج 7، ص 84، ح 2. (32 باب طلب الحلال)
2- مستدرك الوسائل، میرزا حسین نوري الطبرسي، ج 15، ص 185

يدفع عنه من السوء مثلها. قالوا: يا رسول الله، إذن تكثر؟ قال: أكثروا»(1).

رابعاً: الظلم

إن من الناس من يشكو الى الله ظلم من ظلمه وهو ظالم لغيره، فكيف يرجو استجابة دعائه من يستقبح الظلم اذا وقع عليه ويستحسنه اذا وقع على غيره، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله عز وجل:

«وعزتي وجلالي، لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ولأحد عنده مثل تلك المظلمة»(2).

* * * *

ص: 32


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 7، ص 27، ح 8
2- وسائل الشيعة، ج 7، ص 146، ح 1، باب وجوب ترك الداعي للظلم ورده المظالم

المسألة الخامسة

آداب الدعاء

إن للدعاء آدابا خاصة يستحسن للداعي أن يتبعها قبل الشروع بالدعاء، بالنظر الى عظمة المتَوجه اليه من جهة، ومن جهة أخرى لكي يقطف الداعي ثمار الدعاء المرجوة منه، وهاهنا نذكر بعض هذه الآداب:

أولاً: الطهارة

قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»(1).

ص: 33


1- سورة البقرة، آية 222

وعن الإمام الحسن عليه السلام قال:

«يا ابن آدم من مثلك وقد خلّى ربك بينه وبينك متى شئت أن تدخل إليه توضأت وقمت بين يديه ولم يجعل بينك وبينه حجابا ولا بوابا تشكو إليه همومك وفاقتك وتطلب منه حوائجك وتستعينه على أمورك»(1).

ثانياً: استقبال القبلة

روي عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

«كان رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر ما يجلس تجاه القبلة»(2).

وعن محمد بن علي عليه السلام قال:

«إذا استقبل القبلة استقبل الرحمن بوحجمه لا إله غيره)(3).

ص: 34


1- إرشاد القلوب، الحسن بن محمد الديلمي، ص 77
2- الكافي، ج 2، ص 661، ح 4، باب الجلوس
3- وسائل الشيعة، ج 7، ص 289، ح 4، باب كراهة الالتفات اليسير في الصلاة

ثالثاً: البسملة:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«لا يرد دعاء أوله: بسم الله الرحمن الرحيم»(1).

وعنه صلى الله عليه وآله:

«من حزنه أمر يتعاطاه فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) وهو مخلص لله ويقبل بقلبه إليه لم ينفك من إحدى اثنتين، إما بلوغ حاجته في الدنيا، وإما يعد له عند ربه ويدخر له لديه، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين»(2).

رابعاً: الثناء على الله عز وجل:

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره، وسبا

ص: 35


1- مستدرك الوسائل، ج 5، ص 304، ح 5
2- وسائل الشيعة، ج 7، ص 169، ح 1، باب استحباب الدعاء بالبسملة 33

للمزيد من فضله»(1).

وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن في كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

«إن المدحة قبل المسألة، فإذا دعوت الله عز وجل فمجّده، قلت: كيف أمجّده؟ قال: تقول: "يا من هو أقرب إلي من حبل الورید، یا فعالا لما يريد، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الاعلى يا من هو ليس كمثله شيء»(2).

خامسا: الصلاة على محمد وآل محمد:

روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال:

«ما من دعاء إلا بينه وبين السماء حجاب حتى يصلى على محمد وآل محمد، وإذا فعل ذلك انخرق الحجاب،

ص: 36


1- نهج البلاغة، محمد عبده، الخطبة 156، ص 247
2- الكافي، باب الثناء قبل الدعاء

فدخل الدعاء، وإذا لم يفعل ذلك لم يرفع الدعاء»(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد»(2).

وعنه عليه السلام قال:

«من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه»(3).

سادسا: التعميم بالدعاء:

وهو من الآداب المهمة في الدعاء، فمن

ص: 37


1- بحار الأنوار، ج 91، ص 64
2- الكافي، ج 2، ص 498، ح 1، باب الصلاة على محمد وأل محمد
3- المصدر نفسه، ص 494، ح 17، باب الصلاة على النبي وأهل بيته

أحب أن تقضي حوائج الناس قضى الله له حوائجه.

عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تبارك وتعالی:

«وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ»(1)، قال: «هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك: آمين ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثلما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه»(2).

وعنه عليه السلام قال:

«أوشك دعوة وأسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب»(3).

ص: 38


1- سورة الشورى: الآية 26
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 507، ح 3، باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب
3- المصدر نفسه، ح 1

سابعاً: رفع اليد عند الدعاء:

جاء في كتاب التوحيد من اسئلة الزنديق للإمام الصادق عليه السلام: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟ قال أبو عبد الله عليه السلام:

«ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع علیه فرق الأمة كلها»(1).

* * * *

ص: 39


1- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 248، ح 1

المسألة السادسة

أمور عامة حول الدعاء

نستعرض في هذه المسألة بعض الاحاديث التي أشارت الى أمور شتي تتعلق بالدعاء، فكل حديث يحكي لنا معنی يأخذ بنا الى فهم أوسع، ولأجل أن تعم الفائدة نوردها على شکل نقاط:

1- الدعاء يدفع البلاء المبرم:

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«ولَو أنَّ النّاسَ حینَ تَنزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وتَزولُ عَنهُمُ

ص: 40

النِّعَمُ، فَزِعوا إلی رَبِّهِم بِصِدقٍ مِن نِیّاتِهِم ووَلَهٍ مِن قُلوبِهِم، لَرَدَّ عَلَیهِم کُلَّ شارِدٍ، وأصلَحَ لَهُم کُلَّ فاسِدٍ»(1).

وعن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«الدعاء يرد القضاء بعد ما ابرم إبراما، فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا بالدعاء وإنه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه»(2).

2- الدعاء في الشدة والرخاء:

قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل سأله أن يعظه پ:

«لاَ تَکُنْ مِمَّنْ یَرْجُو اَلْآخِرَهَ بِغَیْرِ عَمَلٍ وَ یُسَوِّفُ اَلتَّوْبَهَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ... اِنْ اَصابَهُ بلاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً واِنْ نالَهُ رَخاءٌ اَعْرَضَ مُغتَرّاً...»(3).

ص: 41


1- نهج البلاغة، محمد عبده، ج 2، الخطبة 177، ص 284
2- الكافي، ج 2، ص 470، ح 7
3- نهج البلاغة، محمد عبدة، الحكمة 150، ص 535، ج 4

وعن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:

«أدع ولا تقل: قد فرغ من الامر، فإن الدعاء هو العبادة إن الله عز وجل يقول: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»(1) وقال: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(2).

وفي المناجاة السجادية:

«ولا تجعلني ممن يطره الرخاء، ويصرعه البلاء، فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة ولا يذكرك إلا عند وقوع جائحة(3)، فيضرع لك خده ويرفع بالمسألة إليك يده»(4).

ص: 42


1- سورة غافر، الآية 60
2- الكافي، ج 2، ص 467، ح 5
3- الجائحة: البلية
4- الصحيفة السجادية، للإمام زين العابدین، ص 487

3- الدعاء سلاح الأنبياء والمؤمنين:

عن الإمام الرضا عليه السلام انه كان يقول لأصحابه:

«عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء»(1).

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والارض»(2).

4- مخ العبادة وأفضلها:

عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم «أفضل العبادة الدعاء»(3).

ص: 43


1- الكافي، ج 2، ص 468، ح 5
2- الكافي، ج 2، ص 469، ح 1، باب ان الدعاء سلاح المؤمن
3- کنز العمال، المتقي الهندي، ج 2، 64، ح 3134

وعنه صلى الله عليه وآله قال:

«الدعاء مخ العبادة»(1).

وعنه صلى الله عليه وآله قال:

«ليس شيء أحب إلى الله عز وجل من أن يُسأل»(2).

وعن بريد العجلي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام: أيهما أفضل في الصلاة كثرة القرآن أو طول اللبث في الركوع والسجود في الصلاة؟ فقال عليه السلام:

«كثرة اللبث في الركوع والسجود في الصلاة أفضل أما تسمع لقول الله عز وجل فاقرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة، إنما عنى بإقامة الصلاة طول اللبث في الركوع والسجود قلت فأيهما أفضل كثرة القراءة أو كثرة الدعاء،

ص: 44


1- وسائل الشيعة، ج 7، ص 27، ح 9، باب استحباب الاكثر من الدعاء
2- الكافي، ج 4، ص 21، ح 4

فقال كثرة الدعاء أفضل، أما تسمع لقول الله تعالى لنبيه صلى الله علیه و آله قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم»(1).

5- بعض اوقات استجابة الدعاء:

قال رسول الله صلى الله عليه واله:

«إن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم و ناجاه، أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: یا رب! ناداه الجليل جل جلاله: لبيك عبدي، سلني أعطك وتوكل على أكفك، ثم يقول جل جلاله للملائكة: ملائکتی انظروا إلى عبدي قد تخلى بي في جوف هذا الليل المظلم، والبطالون لاهون والغافلون ينامون، اشهدوا أني قد غفرت له»(2).

وعن نوف البكالي في حديث قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه وقال لي:

ص: 45


1- وسائل الشيعة، ج 6، ص 333، ح 3
2- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، علي الطبرسي، ص 450، ح 1509

«يا نوف، إن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له»(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«اغتنموا الدعاء عند أربع: عند قراءة القرآن وعند الاذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة»(2).

6- الذين لا ترد دعوتهم:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«أربعة لا ترد لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء وتصير إلى العرش: الوالد لولده، والمظلوم على من ظلمه، والمعتمر حين يرجع، والصائم حين يفطر»(3).

ص: 46


1- نهج البلاغة، الحكمة 104
2- الكافي، ج 2، ص 477، ح 3
3- وسائل الشيعة، ج 7، ص 117، ح 44.2 باب استحباب دعاء الانسان لوالديه، ودعاء المعتمر

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«من قدم في دعائه أربعين من المؤمنين ثم دعا لنفسه استجيب له»(1).

7- الذين لا تستجاب دعوتهم:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«أربعة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللهم ارزقني فيقال له: ألم آمرك بالطلب، ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك، ورجل كان له مال فأفسده فيقول: اللهم ارزقني فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد، ألم آمرك بالإصلاح، ثم قال: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما، ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة فيقال له: ألم آمرك بالشهادة»(2).

ص: 47


1- المصدر نفسه، ح 2، 45 باب استحباب دعاء الانسان لأربعين من المؤمنين قبل دعائه لنفسه
2- الكافي، ج 2، ص 511، ح 2، باب من لا تستجاب دعوته

8- أماكن يضمن فيها استجابة الدعاء

هنالك بقاع جعلها الله محل نزول ملائكته وجعلها محل استجابة الدعاء والعبادة ونیل المطالب فمن هذه الاماكن:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فأتِ المنبر فامسحه بيدك وخذ برمانتیه وهما السفلاوان وامسح عينيك ووجهك به فإنه يقال: إنه شفاء العين وقم عنده فاحمد الله وأثن عليه وسل حاجتك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترح الجنة والترعة هي الباب الصغير ثم تأتي مقام النبي صلى الله عليه وآله فتصلي فيه ما بدا لك فإذا دخلت المسجد فصل على النبي صلى الله عليه وآله وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله»(1).

ص: 48


1- الكافي، ج 4، ص 553، ح 1. باب المنبر والروضة ومقام النبي

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«قال إنَّ إلى جانب كوفان قبرا ما أتاه مکروب قط فصلي عنده ركعتين أو أربع ركعات إلّا نفس الله عنه كربته وقضى - حاجته، قال: قلت قبر الحسين بن علي عليهما السلام؟ فقال لي برأسه: لا فقلت: فقبر أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال برأسه: نعم»(1).

وعن الإمام الباقر عليه السّلام لما ذكر زيارة أمين الله، قال:

«ما قاله أحد من شیعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام أو عند قبر أحد من الأئمّة عليهم السّلام إلَّا وقع في درج من نور، وطبع عليه بطابع محمّد صلَّى الله عليه وآله حتّى يسلَّم إلى القائم عليه السّلام فيلقى صاحبه بالبشري والتحيّة والكرامة إن شاء الله»(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«خلق الله أرض كربلاء قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها، فما زالت

ص: 49


1- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج 6، ص 35، ح 17
2- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة، ج 5، ص 455

قبل أن خلق الله الخلق مقدسة مباركة لا يزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنة»(1).

وعنه عليه السلام قال:

«إن الحسين عليه السلام صاحب کربلاء قتل مظلوماً مکروباً عطشاناً لهفاناً، فآلى الله عز وجل على نفسه أن لا يأتيه لهفان، ولا مكروب، ولا مذنب، ولا مغموم، ولا عطشان، ولا من به عاهة، ثم دعا عنده وتقرب بالحسين بن علي عليهما السلام إلى الله عز وجل إلا نفس الله كربته، وأعطاه مسألته، وغفر ذنبه، ومد في عمره، وبسط في رزقه»(2).

وعن الإمام الرضا عليه السلام:

«لا تشد الرحال إلى شيء من القبور إلا إلى قبورنا، ألا وإني لمقتول بالسم ظلما، ومدفون في موضع غربة، فمن شد رحلة إلى زيارتي استجيب دعاؤه وغفر له

ص: 50


1- المصدر السابق نفسه
2- کامل الزیارات، جعفر بن محمد، ص 313

ذنبه»(1).

9- علامات استجابة الدعاء:

تمر حالات على المؤمن يكون فيها بين يدي الله خاشعا متضرعا عازبا عن الدنيا وما فيها، فاذا كان ذلك فهو علامة لفتح باب رحمة الله عز وجل، وقرب المطلب، وقد وردت أحاديث تشير الى ذلك منها:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك، فدونك دونك، فقد قصد قصدك»(2).

وعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلى فأرق وأبكي، فهل يجوز ذلك؟ فقال عليه

ص: 51


1- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 144، ح 167
2- الكافي، ج 4، ص 478، ح 8

السلام: «نعم، فتذكر فإذا رققت فابك وادع ربك تبارك وتعالى»(1).

وعن الإمام الصادق عليه السلام في ختام الدعاء المعروف بدعاء اُمّ داود:

«... واجتهدي أن تَسِّح عيناك ولو بقدر رأس الذبابة دموعاً، فإن ذلك علامة الإجابة»(2).

وعنه عليه السلام قال:

«إذا رق أحدكم فليدع، فان القلب لا يرق حتى يخلص»(3).

* * * *

ص: 52


1- وسائل الشيعة، ج 7، ص 74، ح 1
2- موسوعة أحاديث أهل البيت عليه السلام، الشيخ هادي النجفي، ج 1، ص 97
3- الكافي، ج 2، ص 477، ح 5

المسألة السابعة

من وصية أمير المؤمنين

لولده الحسن علیهما السلام

«فَلَا يُقَنّطَنّكَ إِبطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنّ العَطِيّةَ عَلَي قَدرِ النّيّةِ، وَ رُبّمَا أُخّرَت عَنكَ الإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعظَمَ لِأَجرِ السّائِلِ، وَ أَجزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ، وَ رُبّمَا سَأَلتَ الشيّءَ فَلَا تُؤتَاهُ، وَ أُوتِيتَ خَيراً مِنهُ عَاجِلًا أَو آجِلًا، أَو صُرِفَ عَنكَ لِمَا هُوَ خَيرٌ لَكَ، فَلَرُبّ أَمرٍ قَد طَلَبتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَو أُوتِيتَهُ، فَلتَكُن مَسأَلَتُكَ فِيمَا يَبقَي لَكَ جَمَالُهُ، وَ يُنفَي عَنكَ وَبَالُهُ»(1).

ص: 53


1- نهج البلاغة، تحقيق محمد عبدة، ج 3، وصيته لولده الحسن (عليهما السلام)، ص 428

للوقوف على المضامين التي حوتها هذه الوصية التي أوصى بها الإمام علي ولده الحسن عليهما السلام، لابد من استعراضها ضمن عدة نقاط:

1- قوله عليه السلام: «فَلَا يُقَنّطَنّكَ إِبطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنّ العَطِيّةَ عَلَي قَدرِ النّيّةِ»(1).

إنّ اليأس والقنوط من رحمة الله يعدّان من الكبائر، قال تعالى:

«إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ».

وقال تعالى:

«قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(2).

وقوله عليه السلام: «فَإِنّ العَطِيّةَ عَلَي قَدرِ النّيّةِ» أي تكون العطية على قدر الدعوة

ص: 54


1- سورة يوسف، الآية 87
2- سورة الزمر، الآية 53

الصادرة من القلب وليس ما نطق به اللسان، فنيّة الإنسان هي التي تحدد العطية، فمن أحسن الظن بالله سبحانه وتعالی کان الله عند حسن ظن عبده لا محال، فقد روي عن العالم(1) عليه السلام أنه قال:

«والله ما أعطى مؤمن قط خير الدنيا والآخرة، إلا بحسن ظنه بالله ورجائه منه، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين، وأيم الله لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار، إلا بسوء الظن بالله، وتقصيره من رجائه لله، وسوء خلقه ومن اغتيابه المؤمنين. والله لا يحسن عبد مؤمن ظنا بالله، إلا كان الله عند ظنه به، لأن الله عز وجل كريم يستحيي أن يخلف ظن عبده ورجاءه، فأحسنوا الظن بالله وارغبوا إليه، وقد قال الله عز وجل: «الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء»(2).

ص: 55


1- ويراد به الإمام موسی بن جعفر الكاظم (عليه السلام) فهو احد القابه
2- فقه الامام الرضا (عليه السلام)، ص 360

وعن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام(1): (جعلت فداك إني قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها شيء، فقال عليه السلام:

«يا أحمد إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك، إن أبا جعفر (صلوات الله عليه) كان يقول: إن المؤمن يسأل الله عز وجل حاجة فيؤخر عنه تعجیل إجابته حبا لصوته واستماع تحيبه»،

ثم قال:

«والله ما أخر الله عز وجل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما سجل لهم فيها وأي شيء الدنيا، إن أبا جعفر الباقر عليه السلام كان يقول:

ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تمل الدعاء فإنه من الله عز وجل بمكان وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم وإياك ومكاشفة الناس فإنا أهل البيت نصل من قطعنا وتحسن إلى من أساء إلينا، فنری

ص: 56


1- يعني الإمام الرضا (عليه السلام)

والله في ذلك العاقبة الحسنة إن صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فأعطي طلب غير الذي سأل وصغرت النعمة في عينه فلا يشبع من شيء وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه وما يخاف من الفتنة فيها، أخبرني عنك لو أني قلت لك قولا أكنت تثق به مني؟

فقلت له: جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه؟ قال:

«فكن بالله أوثق فإنك على موعد من الله، أليس الله عز وجل يقول: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ».

وقال: «لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».

وقال: «وَاللَّهُ یَعِدُکُم مَّغْفِرَهً مِّنْهُ وَ فَضْلاً».

فكن بالله عز وجل أوثق منك بغيره ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا فإنه مغفور لكم»(1).

2- قوله عليه السلام: «وَ رُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ اَلْإِجَابَهُ لِیَکُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ اَلسَّائِلِ، وَ أَجْزَلَ لِعَطَاءِ

ص: 57


1- الكافي، ج 2، ص 488

اَلْآمِلِ وَ رُبَّمَا سَأَلْتَ اَلشَّیْءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ، وَ أُوتِیتَ خَیْراً مِنْهُ عَاجِلاً وَ آجِلاً».

في هذا المقطع من كلام الإمام عليه السلام يبين لنا اهم ثلاثة حكم في حال تأخر استجابة الدعاء أو عدم استجابته نتحدث عنها فيما يلي:

أ- إن في تأخر استجابة الدعاء اجراً عظيماً للسائل ما إن اتصفت بعدة صفات ومن هذه الصفات:

1- إذا كان متعلقاً بالله عز وجل طوال هذه المدة دون أن يجزع من تأخر الحاجة، لأن الالحاح في الدعاء يثمر علاقة بين العبد وربه فيعيش العبد ذل العبودية التي هي اجلاً مراتب الكمال.

2- إذا كان مسلما أمره الله ويعلم ان الله حينما اخر الحاجة انما لمصلحة تعود اليه.

3- إذا كان أملاً بما عند الله لا بما عند

ص: 58

الناس، ويعلم أن الله سوف يعطيه الافضل منها في الدنيا والا عظم في الاخرة.

ب- قد يأخر الله سبحانه وتعالى الإجابة عن العبد ذلك ليزيده من فضله ويعوضه بأكثر مما يأمل لأن في تأخر الحاجة مشقة كبيرة على العبد فيكون الأجر والعطاء على قدر المشقة، وإن الله سبحانه وتعالى إذا منع عن عبده فذلك المنع لحكمة تصب الى مصلحة العبد فيكون هذا رحمة منه تعالى على عبده بل هو العطاء الحقيقي، قال تعالى:

«مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1).

وقد يأجل الله قضاء الحاجة لأنه يحب صوت المؤمن فيؤخر حاجته لسماع صوته، ويبغض صوت المنافق فيستجيب دعوته حتى لا

ص: 59


1- سورة النحل، الآية 96

يسمع صوته.

ففي مکارم الاخلاق: «.. إن الله عز وجل ليؤخر إجابة المؤمن شوقا إلى دعائه ويقول: صوت أحب أن أسمعه، ويعجل إجابة المنافق ويقول: صوت أكره سماعه»(1).

ج- ربما يسأل العبد ربه في حاجة فلا يعطيه الله ما سأله وذلك حبا به، ولكنه سبحانه يعوضه في قضاء حاجة اخرى فيها خير له ما طلبه، وقد تقضي الحاجة عاجلا ام اجلا، فإن الكثير من الناس يطلبون من الله حوائجهم ولكنهم لا يعلمون عواقب الامور في قضاء تلك الحوائج بل يرونها محض الخير وهي في حقيقتها وبال عليهم، قال تعالى:

«وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2).

ص: 60


1- مکارم الاخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 389
2- سورة البقرة، الآية 216

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «اعرف طرق نجاتك وهلاكك كي لا تدعو الله بشيء منه هلاكك وأنت تظن فيه نجاتك، قال الله عز وجل «وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ...»(1).

وقد یُأجلُ الله سبحانه وتعالى الإجابة لمصلحة العبد وذلك لوجود مفسدة في طلبته فلا يستجيب له دعوته، وقد جاء في وسائل الشيعة: يقول الله عز وجل: «يا بن آدم، تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك»(2).

3 - قوله عليه السلام: «أَوْ صُرِفَ عَنْکَ لِمَا هُوَ خَیْرٌ لَکَ، فَلَرُبَّ اَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِیهِ هَلاَکُ دِینِکَ لَوْ أُوتِیتَهُ فَلْتَکُنْ مَسْأَلَتُکَ فِیمَا یَبْقَی لَکَ جَمَالُهُ وَ یُنْفَی عَنْکَ وَبَالُهُ».

إن من نعم الله على العباد هو صرف السوء عنهم لأنهم لا يعلمون خفايا الامور فمن

ص: 61


1- میزان الحكمة، ص 886
2- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 7، ص 60، ح 12

برکات الدعاء دفع البلاء، فالإنسان يدعوا الله في قضاء حاجة له ولكنه لا يعلم إن بعض المطالب فيها هلاك الدين، فمثل هذه المطالب التي يكون في قضائها وبال على الطالب لا تستجاب من قبله سبحانه لأن الله يريد لعباده الخير ولا يريد لهم السوء، وإن عافية الدين عند الله أهم شيء، والله اذا احب عبداً اصلح له امر دينه فيكون بصلاح دينه صلاح الدنيا والاخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عز وجل:

«إن من عبادي المؤمنين عباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالغني والسعة والصحة في البدن فأبلوهم بالغني والسعة وصحة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم.

وإن من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالفاقة والمسكنة والسقم في

ص: 62

أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم، فیصلح عليهم أمر دينهم وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين.

وإن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده و لذيذ وساده فيتهجد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظراً مني له وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه زارئ عليها ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاکه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتی يظن أنه قد فاق العابدین وجاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي، فلا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا

ص: 63

أنفسهم وأفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم کنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع درجاتي العلي في جواري ولكن فبرحمتي فليتقوا وبفضلي فليفرحوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تداركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم عفوي، فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت»(1).

* * * *

ص: 64


1- الكافي، ج 2، ص 60 - 61، ح 4

المصادر والمراجع

- القران الكريم

1. معاني الأخبار: الشيخ الصدوق، تحقیق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1379 ه - 1338 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

2. إرشاد القلوب: الحسن بن محمد الديلمي، سنة 1415 ه - 1374 ش انتشارات الشريف الرضي.

3. الصحيفة السجادية: الإمام زين العابدین (عليه السلام) تحقيق: السيد محمد باقر الموحد الابطحي الإصفهاني

مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، مؤسسة الأنصاريان للطباعة والنشر - قم.

4. کنز العمال: المتقي الهندي، تحقيق: ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، 1409 ه - 1989 م، مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان.

5. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: علي الطبرسي، تحقيق: مهدي هوشمند، 1418 ه، دار الحديث

6. تهذیب الأحکام: الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية - طهران.

ص: 65

7. هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم السلام)، الحر العاملي، 1414 ه، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، مجمع البحوث الإسلامية مشهد، ایران.

8. کامل الزيارات: جعفر بن محمد بن قولویه، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق 1417 ه، مؤسسة النشر الإسلامي.

9. الخصال: الشيخ الصدوق، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري 1403 ه. 1362 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

10. موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام): الشيخ هادي النجفي، 1423 - 2002 م، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع.

11. الكافي: الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي اكبر الغفاري، دار الكتب الاسلامية طهران.

12. الدعاء حقيقته، آدابه، آثاره: مركز الرسالة، 1419 ه، مهر، قم، مركز الرسالة، قم - ایران.

13. بحار الأنوار: العلامة المجلسي، تحقيق: السيد ابراهيم المينانجي، محمد الباقر البهبودي، 1403 ه - 1983 م، مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان، دار احیاء التراث.

14. مکارم الأخلاق: الشيخ الطبرسي، 1392 ه - 1972 م،

ص: 66

منشورات الشريف الرضي.

15. الاختصاص: الشيخ المفيد، تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، 1414 ه - 1993 م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

16. وسائل الشيعة: الحر العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث 1414 ه: مهر - قم.

17. التوحيد: الشيخ الصدوق، تحقیق: تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

18. مستدرك الوسائل: میرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - بيروت - لبنان.

19. نهج البلاغة: تحقيق محمد عبدة طبعة جديدة، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان.

ص: 67

جدول المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة الكتاب...9

المسألة الاولى...11

الدعاء لغةً واصطلاحاً...11

1- النداء:...11

2- الطلب:...12

3- القول:...12

4- العبادة:...13

5- الاستعانة:...13

6- الحث على الشيء:...13

7- النسبة:...14

8- السؤال:...14

المسألة الثانية...15

الحث على الدعاء في الكتاب والسنة المطهرة...15

أ- الحث على الدعاء في القرآن الكريم:...16

ب- بعض ما ورد من الأحاديث في الحث على الدعاء:...17

المسألة الثالثة...21

ص: 68

شروط استجابة الدعاء...21

أولاً: معرفة الله سبحانه...21

ثانياً: حضور القلب...23

ثالثاً: الوفاء بالعهد الإلهي...24

المسألة الرابعة...26

موانع استجابة الدعاء...26

أولاً: الذنوب...26

ثانياً: أكل الحرام...28

ثالثاً: قطيعة الرحم...29

رابعاً: الظلم...30

المسألة الخامسة...31

آداب الدعاء...31

أولاً: الطهارة...31

ثانياً: استقبال القبلة...32

ثالثاً: البسملة:...33

رابعاً: الثناء على الله عز وجل:...33

خامسا: الصلاة على محمد وآل محمد:...34

سادسا: التعميم بالدعاء:...35

سابعاً: رفع اليد عند الدعاء:...37

المسألة السادسة...38

أمور عامة حول الدعاء...38

ص: 69

1- الدعاء يدفع البلاء المبرم:...38

2- الدعاء في الشدة والرخاء:...39

3- الدعاء سلاح الأنبياء والمؤمنين:...41

4- مخ العبادة وأفضلها:...41

5- بعض اوقات استجابة الدعاء:...43

6- الذين لا تُرد دعوتهم:...44

7- الذين لا تُستَجاب دعوتهم:...45

8- أماكن يُضمن فيها استجابة الدعاء...46

9- علامات استجابة الدعاء:...49

المسألة السابعة...51

من وصية أمير المؤمنين...51

الولده الحسن عليها السلام...51

المصادر والمراجع...63

ص: 70

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.