مفهوم العطاء و الحرمان

هوية الکتاب

مفهوم العطاء والحرمان

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الالى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر علیه السلام

ص: 1

اشارة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 2

سلسلة العطاء والحرمان في نهج البلاغة (1) مفهوم العطاء والحرمان «فإنّ بيده العطاء والحرمان» تأليف السيد هيثم أحمد الحيدري

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الالى 1437 ه - 2015 م مؤسسة علوم نهج البلاغة العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر علیه السلام هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع:

www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

وَأَخْلِصْ فِی الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِیَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ نهج البلاغة: كتاب 31

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل العطاء والحرمان بيده وضمن لعباده الاجابة عند مسألته والصلاة والسلام على سنخ رحمته محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

وبعد..

فإن من المواضيع التي شغلت اهتمام الإنسان منذ القدم فأولها عنايته وتفكيره هي العطاء والحرمان وذلك لما ارتبط بشؤونه الحياتية وتجاذبات عيشه وتأثير الظروف المحيطة به وانقياده الى جملة من الاسباب التي لم تزل موضع شغله وتفكيره وهو

ص: 7

يتجاذب اسباب البقاء ويدافع عن مقتنياته الشخصية وشؤونه الاسرية والاجتماعية.

من هنا.

وجدنا ان خير ما نستلهم منه هذه المعرفة هو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومدار حركة قرآنه وذلك ضمن هذه السلسلة الموسومة ب «سلسلة العطاء والحرمان» والتي اشتملت على مباحث خمسة تفرعت إلى جملة من المسائل ولأهمية الموضوع جعلنا كل مبحث ضمن کتاب مستقل علنا بذلك نكون قد وفقنا لتقديم مادة معرفية لدى القارئ الكريم..

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد...

فإن العطاء - كل العطاء - بيد الله وحده لا

ص: 9


1- من خطبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، الاحتجاج، للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 132

شريك له جلت قدرته، سواء أكان هذا العطاء دنیویاً أم أخروياً وسواء أكان مادياً أم معنوياً، وكذلك الحرمان، والله سبحانه وتعالى يعطي ويحرم بحكمته وعدله ورحمته، وللعطاء والحرمان أسباب ومسببات أغلبها ترجع إلى العباد، وفي هذا البحث الموسوم: ب «سلسلة العطاء والحرمان في نهج البلاغة» نودّ أن نوقف القارئ الكريم عند بعض العطايا الإلهية وأسبابها وموانعها والشرائط التي قيدنا بها الشرع المقدس، وكذلك الوقوف عند بعض أسباب الحرمان، مستلهمين ذلك من درر أمير المؤمنين عليه السلام المكنونة في كتاب نهج البلاغة، فنسأل الله أوسع المعطين أن يمنّ علينا برضاه في الدنيا والدين، ويجعلنا مع محمد وآله الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين.

السيد هيثم أحمد الحيدري

ص: 10

تمهید

إن البحث في العطاء الإلهي ينقسم على عدة أقسام وفق عدد من الاعتبارات، وسنسلط الضوء في الجزء الأول من هذه السلسلة على العطاء الإلهي بلحاظ عالم الدنيا وعالم الآخرة إجمالاً، وكذلك الحرمان.

المبحث الأول تناول البحث بعض ففي حقائق العطاء والحرمان في عالم الدنيا، وفي المبحث الثاني عرض بعض صور العطاء والحرمان في عالم الآخرة، انطلاقاً من

ص: 11

وصية أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن عليهما السلام إذ قال:

«وَأَخْلِصْ فِی الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِیَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ».

فقد قال تعالى:

«قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ وَأَقِیمُواْ وُجُوهَکُمْ عِندَ کُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ»(1).

وقال تعالى:

«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(2).

إن الإخلاص سمة الذائبين بحب الله سبحانه وتعالى، الذين لا يرون سواه، وأعلى مراتبه استوطنت قلوب من

ص: 12


1- سورة الأعراف، الآية 29
2- سورة البينة، (الآية 5)

استخلصهم الله سبحانه لتبليغ رسالاته، المصرح بهم في القرآن الكريم ب (المُخلَصين) بفتح اللام.

قال تعالى:

«سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ»(1).

(والخالص في اللغة كلّ ما صفي وتخلص ولم يمتزج بغيره، سواء كان ذلك الغير أدون منه أم لا، وقد خص العمل الخالص في العرف بما تجرد قصد التقرب فيه عن جميع الشوائب، ولا تريد أن يحمدك عليه إلا الله، وهذا التجريد يسمى إخلاصا..)(2).

ص: 13


1- سورة الصافات، (الآيتان 159 - 160)
2- مجمع البحرین، ج 4، ص 169

وقال تعالى:

«أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ»(1).

(ومعنى الإخلاص لله في الدين أن تؤمن به وحده، وتتجه إليه دون سواه في جميع أقوالك وأفعالك)(2) وأن تقع الطاعات جميعها من العبد بنية خالصة الله جل جلاله، ولذلك فإن أمير المؤمنين عليه السلام يصف الإخلاص بكمال التوحيد إذ قال:

«أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَ كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ..»(3).

ص: 14


1- سورة الزمر، (الآية 3)
2- التفسير الكاشف، ج 6، ص 466
3- نهج البلاغة، خطبة 1

وعن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة،

قال: قلت له: إنه يأتيني من كل صنف من الأصناف أفأروي لهم هذا الحديث؟ قال عليه السلام:

«نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين فتسلب لا إله إلا الله منهم إلا من كان على هذا الامر»(1).

فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام يؤكد على جوهر العبودية لله سبحانه وتعالى وهو الإخلاص، ومن جانب آخر يؤكد على التوجه القلبي لله سبحانه وسؤاله في كل صغيرة وكبيرة، فعن أبي الحسن الرضا عليه

ص: 15


1- بحار الانوار، المجلسي، ج 3، ص 12

السلام قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه عليهما السلام أنه قال:

«إنما اتخذ الله عز وجل إبراهيم خليلاً، لأنه لم يرد أحداً ولم يسئل أحداً قط غير الله عز وجل»(1).

وورد عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال:

«لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار تلقاه جبرئیل علیه السلام في الهواء، وهو يهوي، فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا..»(2).

وتفصيل الكلام عن الدعاء يأتي في الجزء الثاني من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى، وقد ذكرنا هذا النذر اليسير عن الاخلاص والسؤال استطراداً وتوضیحا الكلام الإمام عليه السلام.

ص: 16


1- مسند الامام الرضا عليه السلام، ج 1، ص 56
2- علل الشرائع، ج 1، ص 36

العطاء والحرمان في اللغة:

قال ابن منظور: (العَطاء والعَطِيَّة: اسمٌ لما يُعطَى، والجمع عَطايا وأَعطِيَة..)(1)، وجاء في الصحاح: (واستعطى وتعطى: سأل العطاء، ورجل معطاء: كثير الاعطاء، وامرأة معطاء، ومفعال يستوي فيه المذكر والمؤنث. وقوم معاطي ومعاط..)(2)

(الحِرمُ المنع، والحِرمَةُ الحِرمان، والحِرمانُ نَقيضه الإِعطاء والرزقُ.

يقال: مَحرُومٌ ومَرزوق، وحَرَمه الشيءَ يَحرِمُه وحَرِمَه حِرماناً وحِرما..)(3).

وقد جاء في الدعاء: «اللهم لا تحرمني سعة رحمتك وسبوغ نعمتك وشمول عافيتك

ص: 17


1- لسان العرب، ج 15، ص 69
2- الصحاح، ج 6 ص 2430
3- لسان العرب، ج 12 ص 125

وجزيل عطاياك»(1)، وفي دعاء آخر:

«وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم، يا واهب العطايا»(2).

بعدما بينّا العطاء والحرمان في اللغة فإننا إذا نظرنا إلى العطاء الإلهي في عالم الدنيا ترى بوضوح أنه ينقسم إلى عطاء مادي وعطاء معنوي.

* * * *

ص: 18


1- مصباح الكفعمي، ص 65
2- المصدر نفسه، ص 57

المبحث الأول العطاء والحرمان في الدنيا

ص: 19

ص: 20

المسألة الأولى:- العطاء المادي في الدنيا:

إن العطاء المادي المال والأولاد والقوة..

أغلب هذه العطايا لا تختص بالمؤمنين بل ربما في الأعم الأغلب يمد الله سبحانه بها الكافرين، وعليه:

(فإن هذا العطاء الإلهي المادي ليس مرتبطا بالفضل والامتياز عند الله والقربي لديه كما هو شأن العطاء البشري ومقایسه، بل قد يكون العكس هو الصحيح، قال تعالى:

«وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ»(1).

فظاهر هذه الآية الكريمة يبين أنه لولا مخافة أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر لجعلنا لمن یکفر بالرحمن - لبيوتهم سقفاً من فضة

ص: 21


1- سورة الزخرف، (الآية 33)

ومعارج عليها يظهرون -، وقد يكون ذلك تعويضا لهم عما يلحق بهم من الخسران والعذاب في الدار الآخرة، فإن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)(1).

وهذا ما أكدته أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إذا أراد الله بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد سوءا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة»(2).

ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام يبين فيه انزواء الدنيا عن أشرف خلق الله النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم، وأنه ليس في إقبال الدنيا على أحدٍ دلالة على رضا الله سبحانه عنه، بل ربما دل إقبال الدنيا وبسطها

ص: 22


1- علوم القرآن، محمد باقر الحكيم، ص 407
2- الخصال، للصدوق، ص 20

على المهانة له، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَلَقَدْ کَانَ فِی رَسُولِ اللّهِ (صلی الله علیه و آله) مَا یَدُلُّكَ عَلَی مَسَاوِی الدُّنْیَا وَعُیُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِیهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَزُوِیَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِیمِ زُلْفَتِهِ فَلْیَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَکْرَمَ اللّهُ مُحَمَّداً (صلی الله علیه و آله) بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ کَذَبَ وَأَتی بِالْإِفْكِ الْعَظِیمِ وَإِنْ قَالَ أَکْرَمَهُ فَلْیَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَهَانَ غَیْرَهُ حَیْثُ بَسَطَ الدُّنْیَا وَزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ»(1).

ومن كلام للإمام علي بن الحسين عليهما السلام يتحدث عن الدنيا إذ قال:

«..وما أعطي أحد منها جفنة(2) إلا أعطي من الحرص مثليها ومن أصاب من الدنيا أكثر كان فيها أشد فقرا لأنه يفتقر إلى الناس في حفظ أمواله، ويفتقر إلى كل آلة من آلات الدنيا..»(3).

ص: 23


1- نهج البلاغه، خطبة 160
2- الجفنة كالقصعة: لسان العرب، ابن منظور، ج 1، ص 644
3- الخصال، للصدوق، ص 64

فالعطاء المادي ليس دليلاً على رضا الله عز وجل البتة، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال:

«فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَا وَ اَلسَّخَطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِی مَوْضِعِ اَلْغِنَی وَ اَلْإِقْتَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی: «أَیَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ * نُسارِعُ لَهُمْ فِی اَلْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ»(1)»(2).

ولقد سخر الله سبحانه وتعالى للإنسان ما في السماوات والأرض، قال تعالى:

«وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(3).

(وليس هذا التسخير إلا لأن يتوسل بنوع من التصرف فيها إلى بلوغ أغراضه وأمانيه في الحياة أي أنه جعلها مرتبطة بوجوده لينتفع بها،

ص: 24


1- سورة المؤمنون، (الآيتان 55 - 56)
2- نهج البلاغة، الخطبة 192
3- سورة الجاثية، (الآية 13)

وجعله متفکرا يهتدي إلى كيفية التصرف والاستعمال والتوسل)(1).

فإن العطايا والنعم الإلهية التي أعطيت لبني الإنسان لا تعد ولا تحصى، كما قال تعالی:

«وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ»(2).

ومن تلك العطايا الإلهية العظيمة التي أعطيت لبني الإنسان هي أدوات المعرفة التي يكتسب بها المعارف الحقة ويميز بها بين الحق والباطل وأهم هذه الادوات السمع والبصر والفؤاد - أي العقل - كما أشار القرآن الكريم بقوله تعالی:

«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ

ص: 25


1- تفسير الميزان، ج 5، ص 310
2- سورة ابراهيم، (الآية 34)

تَشْكُرُونَ»(1).

لذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام يخاطب المسلمين وهو يقول:

«..وَ اللّهِ مَا أَسمَعَكُمُ الرّسُولُ شَيئاً إِلّا وَ هَا أَنَا ذَا مُسمِعُكُمُوهُ، وَ مَا أَسمَاعُكُمُ اليَومَ بِدُونِ أَسمَاعِكُم بِالأَمسِ، وَ لَا شُقّت لَهُمُ الأَبصَارُ، وَ لَا جُعِلَت لَهُمُ الأَفئِدَةُ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ إِلّا وَ قَد أُعطِيتُم مِثلَهَا فِي هَذَا الزّمَانِ، وَ وَ اللّهِ مَا بُصّرتُم بَعدَهُم شَيئاً جَهِلُوهُ، وَ لَا أُصفِيتُم بِهِ وَ حُرِمُوهُ، وَ لَقَد نَزَلَت بِكُمُ البَلِيّةُ جَائِلًا خِطَامُهَا رِخواً بِطَانُهَا، فَلَا يَغُرّنّكُم مَا أَصبَحَ فِيهِ أَهلُ الغُرُورِ فَإِنّمَا هُوَ ظِلّ مَمدُودٌ إِلَي أَجَلٍ مَعدُودٍ»(2).

«والله ما أسمعکم الرسول شيئاً إلا وها أنا ذا مسمعكموه». جمع الله سبحانه لمحمدٍ صلی الله عليه وآله علم النبيين، وجمع محمد صلی الله عليه وآله ذلك كلَه لأمير المؤمنين عليه السلام فبث على كل ذي سمع ما بلغه الرسول

ص: 26


1- سورة النحل، (الآية 78)
2- نهج البلاغة، خطبة 89

صلی الله عليه وآله للناس، ولم يكتم الإمام منه شيئا.

«وما أسماعكم اليوم ... هذا الزمان».

إن الشيء الذي سمعتموه مني هو بالذات ما سمعه الصحابة من الرسول، وإن الهدي الذي رأيتموه مني قولاً وعملاً هو الهدي نفسه الذي رآه الصحابة من رسول الله، ومدارککم تماما كمداركهم، وإذن فلا عذر لكم بجهل، لأني قد بلغت كما بلغ الرسول، وأيضا لا عذر لكم بعجز لأنكم مثل الصحابة عقلا وسمعا وبصرا «و والله ما بصرتم بعدهم شيئا جملوه، ولا أصفيتم به وحرموه»

أي انكم لا تختصون بشيء من دونهم، بل إن حالكم كحالهم من حيث التبليغ، وتيسير السبيل للعلم بدين الله وأحكامه، كما أن حالي كحال الرسول الأعظم صلى الله عليه

ص: 27

وآله في قطع المعذرة وقيام الحجة.

«ولقد نزلت بكم البلية جائلا خطامها رخوا بطانها».

هذا انذار بأنهم سيلاقون من بعد الإمام عليه السلام بلاء يكونون معه كراكب البعير الذي أفلت من أنفه الخطام، واسترخی من تحت بطنه الحزام، وأوشك راكبه على السقوط «فلا يغرنكم ما أصبح فيه أهل الغرور» کالجاه والمال «فإنما هو ظل ممدود إلى أجل معدود» يذهب ويبقى وزره وتبعته. ومن أقواله عليه السلام:

«شتان بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره»(1).

ومن هنا يتبين لنا جلياً أن من أهم الأسباب التي حرمت الأمة الإسلامية كثيراً من النعم الإلهية كالأمن والأمان والوحدة والسيادة والخ.. هو عدم إعمال السمع والبصر والفؤاد

ص: 28


1- في ظلال نهج البلاغة، ج 1، ص 450

لمعرفة الحق ثم اتباعه، بل هذا السبب هو العامل الأساس في خراب المجتمع البشري جميعه، لأن الناس إذا اغتروا بالحياة الدنيا وزينتها أعملوا أسماعهم وأبصارهم وأفئدتهم لأجلها وهجروا اتباع الحق، وهجروا ما يذكر به من قريب أو بعيد، هذا كله والعطايا الإلهية المادية واصلة إليهم.

فمن طلب الدنيا دون الآخرة أعطي الدنيا والآخرة له، ومن طلب الآخرة وسعي لها فاز بها، والعطايا المادية تشمل المؤمن والكافر والبر والفاجر وتشمل من يسأل الله عز وجل ومن لا يسأله(1)، وتشمل المعاندين والضالين، قال تعالی:

ص: 29


1- ففي الدعاء (يا من أعطى من سأله تحننا منه ورحمة، ويامن أعطى من لم يسأله ومن لم يعرفه ومن لم يؤمن به تفضلا منه وكرما)، مصباح المتهجد، ص 353

«مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا»(1).

والمعنى: («کُلا» كل واحد من الفريقين «نمدّ» نعطي «هؤلاء وهؤلاء» بدل من کلا «من عطاء ربك» رزقه «وما كان عطاء ربك محظورا» ممنوعا في الدنيا من مؤمن ولا کافر.. )(2).

وبخصوص هذه الآية المباركة قال العلامة الطباطبائي: (وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالی هو الإمداد بالعطاء: يمد كل من يحتاج إلى إمداده في طريق حياته ووجوده، ويعطيه ما يستحقه، وأن عطاءه غير محظور ولا ممنوع من

ص: 30


1- سورة الاسراء، الآيتان 19 - 20)
2- تفسير شبر، ص 281

قبله تعالى إلا أن يمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه، من قبل نفسه لا من قبله تعالی)(1)

(فالله سبحانه يمد كل نفس من عطائه بما يستحقه فإن أراد الخير أوتيه وإن أراد الشر أوتيه أي منع من الخير، ولو شاء الله لكل نفس صالحة أو طالحة أن تشاء الخير وتنكب على الايمان والتقوى من طريق الاختيار كان في ذلك إبطال النظام العام وإفساد أمر الأسباب)(2).

وقال السيد البروجردي: (إن فيضه تعالی غير منقطع عنهم في حال من الأحوال سواء اختاروا الكفر أو الايمان... فالعطايا الإلهيّة والإمدادات الربانية من القدرة والاستطاعة وسائر الأدوات والآلات وغيرها واصلة إلى كل أحد في كل حال وصولا سیالا اتصالیا بلا

ص: 31


1- تفسير الميزان، ج 2، ص 130
2- المصدر نفسه، ج 7، ص 66

فرق بيّن أن يصرفها في الطَّاعة أو في المعصية، فإن كان الفعل طاعة فقد أرشده الله وأمره وأقدره عليها وأثابه بفعلها، وإن كان معصية فقد بيّن له ونهاه وزجره وأقدره کیلا يكف الظالم من ظلمه قسراً وجبراً.

وإليه أشار الصّادق عليه السّلام بقوله: شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن أكون فاعله.

والرّضا عليه السلام حيث ذكر عنده الجبر والتفويض فقال:

«لأعطينكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلَّا كسرتوه، قلت: إن رأيت ذلك، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه هو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فإن استمر العباد بطاعنه لم يكن الله تعالى منها صادا ولا عنها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته وشاء أن

ص: 32

يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل وفعلوه فلیس هو الذي أدخلهم فيه.. الخبر»(1).

وقال الشيخ مغنية: (وعطاء الله للإنسان يبتدأ بخلقه وإيجاده الذي لا يعطى إلا منه، ثم بأسباب بقائه ونموه، وهذا العطاء يعم الصالح والطالح، أما عطاؤه في الآخرة فيختص بالصالحين المتقين ... أما الثروات التي تأتي بالغش والاحتيال والسلب والنهب فهي من الشيطان، ولا يجوز نسبتها إليه تعالی بحال)(2).

المسألة الثانية:- العطاء المعنوي في الدنيا:

إن من العطاء المعنوي اطمئنان القلب وغفران الذنوب والعلم والقوى العقلية والقدرات النفسانية والايمان.. فهذه العطایا المعنوية منها ما اختص بالمؤمنين وحُرِم منها

ص: 33


1- تفسير الصراط المستقيم، البروجردي، ج 4، ص 253
2- التفسير الكاشف، ج 5، ص 33

غيرهم، ومنها ما عم المؤمنين وغيرهم، كالقوة العقلية العامة - أي العلم الخالي من العمل أو محض العلم بالماديات - وبعض القدرات النفسانية - كالقوى الحاصلة من بعض الرياضات النفسية -... فان هذه العطایا قد ينالها البر والفاجر.

وأما غفران الذنوب واطمئنان القلب والعلم والإيمان.. فهذه العطايا مختصة بالمؤمنين وقد حرم منها الكافرون، قال تعالى:

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ»(1).

وبما أن الذنوب سبب للحرمان كما في الدعاء: «اللهم إن ذنوبي لم يبق لها إلا رجاء عفوك وقد قدمت آلة الحرمان..»(2).

ص: 34


1- سورة الرعد، (الآية 16)
2- بحار الانوار، المجلسي، ج 97، ص 413

فقد خُصَّ غفران الذنوب بالمؤمنين، قال تعالی:

«وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(1).

وإن مما خص به المؤمنون من عطاء أن الملائكة تدعو وتستغفر لهم، قال تعالى:

«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ»(2).

وفي كلام للإمام الصادق عليه السلام مع ابي بصير قال:

«..إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ مَلاَئِکَةً یُسْقِطُونَ اَلذُّنُوبَ عَنْ ظُهُورِ شِیعَتِنَا کَمَا یُسْقِطُ اَلرِّیحُ اَلْوَرَقَ فِی أَوَانِ سُقُوطِهِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ:

ص: 35


1- سورة طه، (الآية 82)
2- سورة غافر، (الآية 7)

«اَلَّذِینَ یَحْمِلُونَ اَلْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ.. وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا»(1) اِسْتِغْفَارُهُمْ وَ اَللَّهِ لَکُمْ دُونَ هَذَا اَلْخَلْقِ..»(2).

وعن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَعْطَی اَلْمُؤْمِنَ ثَلاَثَ خِصَالٍ: اَلْعِزَّ فِی اَلدُّنْیَا والْآخِرَةِ، وَ اَلْفَلَحَ(3) فِی اَلدُّنْیَا والْآخِرَةِ، وَ اَلْمَهَابَةَ فِی صُدُورِ اَلْظَالَمِینَ»(4).

وفي الدعاء: «من آمل عطاياه إن حرمتني»(5).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«إذا أراد الله بعبد خيرا ألهاه عن محاسنه، وجعل مساويه بين عينيه، وكرهه مجالسة المعرضين عن ذكر الله..»(6).

ص: 36


1- سورة غافر، (الآية 7)
2- الكافي، للكليني، ج 8، ص 34
3- الفلج، الظَفَر
4- الوافي، للفيض الكاشاني، ج 5، ص 733
5- مصباح التهجد، ص 275
6- مستدرك الوسائل، للنوري، ج 8، ص 464

وأما اطمئنان القلوب، قال تعالى:

«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(1).

وقال أبو عبد الله عليه السلام:

«إذا أراد الله بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء، فجال القلب يطلب الحق، ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره»(2).

وفي الايمان والعلم ودرجاته، قال تعالى:

«يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(3).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إِذَا أَرَادَ اَللَّهُ بِعَبْدٍ خَیْراً زَهَّدَهُ فِی اَلدُّنْیَا وَ فَقَّهَهُ فِی اَلدِّینِ وَ بَصَّرَهُ عُیُوبَهَا وَ مَنْ أُوتِیَهُنَّ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْرَ اَلدُّنْیَا وَ اَلْآخِرَةِ وَ قَالَ لَمْ یَطْلُبْ أَحَدٌ اَلْحَقَّ بِبَابٍ أَفْضَلَ مِنَ

ص: 37


1- سورة الرعد، (الآية 28)
2- المحاسن، للبرقي، ج 1، ص 201
3- سورة المجادلة، (الآية 11)

اَلزُّهْدِ فِی اَلدُّنْیَا وَ هُوَ ضِدٌّ لِمَا طَلَبَ أَعْدَاءُ اَلْحَقِّ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِمَّا ذَا قَالَ: مِنَ اَلرَّغْبَةِ فِیهَا..»(1). وعن الامام الصادق عليه السلام قال:

«إذا أراد الله بعبد خيراً طيّب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلّا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلّا أنكره»(2).

ومما ينبغي ذكره أن السنّة الإلهية جرت على أن تكون العطايا - الخاصة بالمؤمنين - تتناسب دائما مع المستوى الإيماني والعقلي والمعرفي الحاصل عندهم، والمصاحب بالعمل الصالح، ووقت العمل الصالح وشدة عنائه وخطورة موقفه منظور من قبل الله عز وجل، قال تعالى:

ص: 38


1- الكافي، للكليني، ج 2، ص 130
2- بصائر الدرجات، ص 36

«لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(1).

فلما كانت مستويات الإيمان والمعرفة والطاعة والإخلاص والأعمال الصالحة متفاوتة فيما بين المؤمنين، اقتضت حكمة الله جل وعلا أن يكون العطاء الإلهي متناسباً لتلك المستويات، قال تعالى:

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(2).

وقال تعالى:

«الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ»(3).

ص: 39


1- سورة الحديد، (الآية 10)
2- سورة الزمر، (الآية 9)
3- سورة التوبة، (الآية 20)

وقال تعالى:

«لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا»(1).

المسألة الثالثة:- العطاء الخاص بالعباد المصطفين:

بعدما تقدم من البيان الموجز عن العطایا الإلهية لعامة المؤمنين في عالم الدنيا نودّ أن نعرج إلى ذكر العطاء الذي خصَّ الله تعالی به عباده الذين اصطفاهم على العالمين، قال تعالی:

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ»(2).

ص: 40


1- سورة النساء، (الآية 95)
2- سورة آل عمران، (الآية 33)

ويكفي في ذكر العطاء الإلهي للأنبياء والمرسلين عليهم السلام أجمعين أن الله سبحانه وتعالى خصّهم بوحيه وبعثهم سفراء إلى عباده، فأصبحوا قدوة للعالمين وسُرُجا منيرة للمهتدين.

ومن بين هؤلاء الانبياء نذكر نبي الله سليمان عليه السلام وما اعطاه الله عز وجل من المواهب العظيمة، وقد حكى عنه القرآن الكريم بقوله تعالى:

«قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1).

ففي مجمع البيان قال: «هَذَا عَطَاؤُنَا» أي: هذا الذي تقدم ذكره من الملك الذي لا

ص: 41


1- سورة ص، (الآيتان 35 - 39)

ينبغي لأحد من بعدك عطاؤنا «فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ» أي: فأعط من الناس من شئت، وامنع من شئت.

والمن: الإحسان إلى من لا يستثيبه «بِغَيْرِ حِسَابٍ» أي: لا تحاسب يوم القيامة على ما تعطي وتمنع، فيكون أهنأ لك(1).

وإن من تلك النعم التي أنعمها الله سبحانه وتعالى على نبيه سليمان هي إعطاؤه الصلاحيات الواسعة والكاملة في توزيع العطايا والنعم على من يريد، ومنعها عمن يريد حسب ما تقتضيه المصلحة، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب.

(وعبارة بغير حساب إما أن تكون إشارة إلى أن الباري عز وجل قد أعطى لسليمان صلاحيات واسعة لن تكون مورد حساب أو

42

ص: 42


1- مجمع البیان، ج 8، ص 363

مؤاخذة، وذلك لصفة العدالة التي كان كان يتمتع بها سليمان في مجال استخدام تلك الصلاحيات، أو أن العطاء الإلهي لسليمان كان عظيما بحيث أنه مهما منح منه فإنه يبقى عظيما وكثيرا)(1).

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان سليمان عنده اسم الله الأكبر الذي إذا سئله أعطى وإذا دعا به أجاب ولوكان اليوم لاحتاج إلينا»(2).

ومن الواضح أن التفاوت والتفاضل بين الأنبياء والمرسلين مصرح به في القرآن الكريم، قال تعالى:

«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ»(3).

ص: 43


1- تفسير الامثل، ج 14، ص 517
2- بصائر الدرجات، ص 231
3- سورة البقرة (الآية 253)

وعلى هذا نسأل: إذا كان لنبي الله سليمان عليه السلام وهو ليس من أولي العزم ما عرفنا العطاء فكيف بأولي العزم؟

وكيف بأشرف خلق الله أجمعين النبي المصطفى وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين؟

لا شك أن أعلى مراتب العطاء الإلهي نالها النبي المصطفى وآل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى:

«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»(1).

قال الشيخ الطوسي في التبيان: (هذا خطاب من الله لنبيه صلى الله عليه وآله على وجه تعداد نعمه عليه، يقول «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» فالإعطاء إخراج الشيء إلى آخذ له، وهو على وجهين: إعطاء تمليك وإعطاء غير

ص: 44


1- سورة الكوثر، (الآية 1)

تمليك. فإعطاء الكوثر إعطاء تمليك، كإعطاء الاجر، وأصله التناول من عطا يعطو إذا تناول، و (الكوثر) الشيء الذي من شأنه الكثرة، والكوثر الخير الكثير، وهو (فوعل) من الكثرة)(1).

وقال الكاشاني: في تفسير قوله تعالى «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» الخير المفرط الكثرة، بحيث لا غاية لكثرته، من خير الدارين الذي لم يعطه أحد غيرك، فاجتمعت لك الغبطتان السنيتان على الوجه الأكمل الأتم، فإن زنة فوعل موضوعة للمبالغة جدا)(2).

وقد فُسرَ بكثرة الذرية (من ولد فاطمة عليها السلام حتى لا يحصى عددهم، ويؤيده ما روي عن ابن عباس: أنها نزلت في العاص

ص: 45


1- التبيان في تفسير القرآن، ج 10، ص 417
2- زبدة التفاسیر، ج 7، ص 531

بن وائل السهمي، وذلك أنه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يخرج من المسجد، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلما دخل العاص قالوا من الذي كنت تحدث؟ قال: ذلك الأبتر. وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وهو من خديجة، وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر، فسمته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبورا، وهو الذي لا عقب له.

واللفظ محتمل للكل، فيجب أن يحمل على جميع ما ذكر من الأقوال)(1).

وفي الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«أنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومعي عترتي

ص: 46


1- زبدة التفاسیر، ج 7، ص 533

وسبطى على الحوض فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل عملنا، فان لكل أهل بيت نجيب ولنا شفاعة، ولأهل مودتنا شفاعة فتنافسوا في لقائنا على الحوض فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقى منه أحباءنا وأولياءنا، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، حوضنا مترع فيه مثعبان(1) ينصبان من الجنة: أحدها من تسنيم، والآخر من معين، على حافتيه الزعفران، وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وهو الكوثر. إن الأمور إلى الله عز وجل ليست إلى العباد، ولوكانت إلى العباد ما كانوا ليختاروا علينا أحدا ولكن الله يختص برحمته من يشاء، فاحمدوا الله على ما اختصكم به من بادي النعم، على طيب الولادة»(2).

والذي يؤيد ما تقدم من التفسير المار الذكر - أي أن الكوثر هو الخير الكثير من عطاء الدنيا والآخرة والذرية والحوض وغيرها من التفاسير - ما جاء في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس أنه قال: (الكوثر

ص: 47


1- المثعب: مسيل المياه، لسان العرب، ابن منظور، ج 1، ص 481
2- الخصال، للصدوق، ص 624

الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر فقلت لسعيد أن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال والنهر من الخير الكثير هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)(1).

وعن أبي حمزة الثمالي وهو يسأل الإمام علي بن الحسين عليه السلام: الأئمة يحيون الموتى ويبرؤون الأكمه والأبرص ويمشون على الماء؟ قال عليه السلام:

«ما أعطى الله نبيا شيئا قط إلّا وقد أعطاه محمدا صلى الله عليه وآله وأعطاه ما لم يكن عندهم»،

قلت: وكل ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقد أعطاه أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال:

«نعم ثم الحسن والحسين عليهما السلام ثم من بعد كل امام إماما إلى يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في

ص: 48


1- المستدرك على الصحیحین، ج 2، ص 537

كل سنة وفي كل شهر ثم قال أي والله في كل ساعة»(1).

وفي خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام: «..أعطينا ستا وفضلنا بسبع: أعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا، ومنا الصديق، ومنا الطيار، ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنا سبطا هذه الأمة..»(2).

وفي الخبر قال الإمام الصادق عليه السلام:

«والله لقد أعطينا على الأولين والآخرين»،

فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له:

«إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسّعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتعلم قلوبكم فنحن كل حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر مؤمن قوي قوته كقوة جبال تهامة بإذن الله، والله لو

ص: 49


1- بصائر الدرجات، ص 290
2- بحار الانوار، المجلسي، ج 45، ص 138

أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم، وما من يوم ولا ليلة إلا والحصى يلد إيلادا كما يلد هذا الخلق، و جو والله لتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا»(1).

وأهل البيت عليهم السلام هم الراسخون في العلم الذين قال الله تعالى فيهم:

«وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»(2).

وقد صرح الإمام علي عليه السلام بذلك إذ قال:

«أين الَّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم..»(3).

وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

ص: 50


1- مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 374
2- سورة آل عمران، (الآية 7)
3- نهج البلاغة، خطبة 143

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).

والقرآن الكريم لا يمس علومه ومعارفه ومكنونه إلا المطهرون، قال تعالى:

«إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»(2).

ففي تفسير الميزان: (والمعنى: لا يمس الكتاب المكنون الذي فيه القرآن إلا المطهرون أو لا يمس القرآن الذي في الكتاب إلا المطهرون.

والكلام على أي حال مسوق لتعظيم أمر القرآن وتجليله، فمسّه هو العلم به وهو في الكتاب المكنون كما يشير إليه قوله تعالی:

«إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ»(3).

ص: 51


1- سورة الأحزاب، (الآية 33)
2- سورة الواقعة، (الآيتان 77-79)
3- سورة الزخرف، (الآية 4)

والمطهرون - اسم مفعول من التطهير - هم الذين طهر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب أو مما هو أعظم من ذلك وأدق وهو تطهير قلوبهم من التعلق بغيره تعالى، وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمسّ الذي هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث كما هو ظاهر.

فالمطهرون هم الذين أكرمهم الله تعالی بتطهير نفوسهم کالملائكة الكرام والذين طهرهم الله من البسر، قال تعالى:

«وإنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»(1).

ولا وجه لتخصيص المطهرين بالملائكة كما عن جاء عن جل المفسرين لكونه تقييد من غير مقيد)(2).

ص: 52


1- سورة الأحزاب، (الآية 33)
2- تفسير الميزان، ج 19، ص 137

المسألة الرابعة:- على العطاء والحرمان:

بعدما تبين لنا مما تقدم في المسائل السابقة، أن العطاء والحرمان بکلا قسميه المادي والمعنوي لا يخلو أمرهما من علل وقوانين جعلها الله سبحانه وتعالى بقدرته وحكمته معیاراً في العطاء الالهي أو المنع، فلا بأس أن نورد في هذه المسألة بعض موجبات و موانع العطاء من درر أمير المؤمنين (عليه السلام) في نقطتين:

1- من موجبات العطاء:

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«مَا أَعْطَی اَللَّهُ سُبْحَانَهُ اَلْعَبْدَ شَیْئاً مِنْ خَیْرِ اَلدُّنْیَا وَ اَلْآخِرَهِ إِلاَّ بِحُسْنِ خُلْقِهِ وَ حُسْنِ نِیَّتِهِ»(1).

وقال عليه السلام:

ص: 53


1- غرر الحكم، ص 283

«أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِیَهُنَّ فَقَدْ أُعْطِیَ خَیْرَ اَلدُّنْیَا وَ اَلْآخِرَهِ: صِدْقُ حَدِیثٍ، وَ أَدَاءُ أَمَانَهٍ، وَ عِفَّهُ بَطْنٍ، وَ حُسْنُ خُلُقٍ»(1).

وقال عليه السلام:

«مَنْ أُعْطِیَ أَرْبَعاً لَمْ یُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِیَ الدُّعَاءَ لَمْ یُحْرَمِ الْإِجَابَةَ وَ مَنْ أُعْطِیَ التَّوْبَةَ لَمْ یُحْرَمِ الْقَبُولَ وَ مَنْ أُعْطِیَ الاِسْتِغْفَارَ لَمْ یُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ وَ مَنْ أُعْطِیَ الشُّکْرَ لَمْ یُحْرَمِ الزِّیَادَةَ»(2).

وقال عليه السلام:

«أَحَقُّ اَلنَّاسِ بِزِیَادَةِ اَلنِّعْمَةِ، أَشْکَرُهُمْ لِمَا أُعْطِیَ مِنْهَا»(3).

وقال عليه السلام:

«عَلَی قَدْرِ اَلنِّیَّةِ تَکُونُ مِنَ اَللَّهِ اَلْعَطِیَّةُ»(4).

ص: 54


1- المصدر نفسه، ص 29
2- نهج البلاغة، الحكمة 135
3- غرر الحكم، ص 18
4- المصدر نفسه، ص 198

2- من موجبات الحرمان:

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«عَلَی قَدْرِ اَلْحِرْمَانِ تَکُونُ اَلْحُرْمَةُ»(1).

وقال عليه السلام:

«جُحُودُ اَلْإِحْسَانِ یُوجِبُ اَلْحِرْمَانَ»(2).

وقال عليه السلام:

«رُبَّ رَجَاءٍ یُؤَدِّی إِلَی الْحِرْمَانِ»(3).

وقال عليه السلام:

«مَنْ تَتَبَّعَ خَفِیَّاتِ اَلْعُیُوبِ حَرَّمَهُ اَللَّهُ مَوَدَّاتِ اَلْقُلُوبِ»(4).

وقال عليه السلام:

«مَن آخی فِی الدُّنیا حُرِمَ»(5).

وقال عليه السلام:

ص: 55


1- غرر الحكم، ص 198
2- المصدر نفسه، ص 119
3- المصدر نفسه، ص 149
4- المصدر نفسه، ص 314
5- المصدر نفسه، ص 299

«مَنْ حَرَمَ اَلسَّائِلَ مَعَ اَلْقُدْرَةِ عُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ»(1).

* * * *

ص: 56


1- المصدر نفسه، ص 319

المبحث الثاني العطاء والحرمان في الآخرة

ص: 57

ص: 58

مدخل:

إن العطاء والحرمان الأخروي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريق النقل كتاباً وسنّةً، ولا شك أن درجات العطاء والحرمان في الآخرة أعظم مما هي في الدنيا، قال تعالى:

«انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا»(1).

وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال:

ص: 59


1- سورة الاسراء، (الآية 21)

«..وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ

مِنَ الاْخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ، فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ، وَمِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ في الاْخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الاَْخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا، فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابحٍ وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ...»(1).

وقال تعالى:

«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ»(2).

وقال تعالى:

«فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ

ص: 60


1- نهج البلاغه، خطبة 114
2- سورة السجدة، (الآيات 18 - 20)

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(1).

أي (غير مقطوع من نعيم الآخرة، في الجنة يكون متصلاً به)(2).

المسألة الأولى:- العطاء في الآخرة:

لكي تتضح لنا بعض المطالب في هذه المسألة يجدر بنا أن نقف عند فقرات:

1- العطاء المدخر للمؤمنين المتقين:

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«..أَلاَ وَ إِنَّ اَلتَّقْوَی مَطَایَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَیْهَا أَهْلُهَا وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ اَلْجَنَّةَ...»(3).

وقال تعالى:

ص: 61


1- سورة هود، (الآيات 106 - 108)
2- تفسير القمي، ج 1، ص 338
3- نهج البلاغة، خطبة 16

«إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا»(1).

قال العلامة الطباطبائي: (الفوز: الظفر بالخير مع حص-ول السلامة على ما قاله الراغب، ففيه معنى النجاة والتخلص من الشر والحصول على الخير، والمفاز مصدر ميمي أو اسم مكان من الفوز والآية تحتمل الوجهين جميعا.

وقوله: «حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا» الحدائق جمع حديقة وهي البستان المحوط، والأعناب جمع عنب وهو ثمر شجرة الكرم وربما يطلق على نفس الشجرة.

وقوله: «وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا» جمع كاعب وهي الفتاة التي تكعب ثدياها واستدار مع

ص: 62


1- سورة النبأ، (الآيات 31 - 36)

ارتفاع يسير، والترائب جمع ترب وهي لغيرها من اللذات.

وقوله: «وَكَأْسًا دِهَاقًا» أي ممتلئة شرابا مصدر بمعنى اسم الفاعل.

وقوله: «لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا» أي لا يسمعون في الجنة لغوا من القول لا يترتب عليه أثر مطلوب ولا تكذيبا من بعضهم لبعضهم فيما قال فقولهم حق له أثره المطلوب وصدق مطابق للواقع.

وقوله تعالى: «جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا»أي فعل بالمتقين ما فعل حال كونه جزاء من ربك عطية محسوبة فقوله: جزاء حال، وكذا «عطاء» و «حساباً» بمعنى اسم المفعول صفة للعطاء، ويحتمل أن يكون عطاء تمييزا أو مفعولا مطلقا)(1).

ص: 63


1- تفسیر المیزان، ج 20، ص 169

وقال تعالى:

«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا»(1).

(أي أننا نعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن ندخلهم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار والسواقي يعيشون فيها حياة خالدة، هذا مضافاً إلى ما يعطون من أزواج مطهرات يستريحون إليهن، ويجدون في كنفهن لذة الروح والجسد، وينعمون تحت ظلال خالدة بدل الظلال الزائلة، لا تؤذيهم الرياح اللافحة كما لا يؤذيهم الزمهرير أبدا)(2).

ص: 64


1- سورة النساء، (الآية 57)
2- تفسير الامثل، ج 3، ص 280

2- في صفة الجنة:

قال أمير المؤمنين عليه السلام في صفة الجنة أيضاً:

«فَلَوْ رَمَیْتَ بِبَصَرِ - قَلْبِكَ نَحْوَ مَا یُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَی اَلدُّنْیَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا وَ زَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَ لَذَهِلَتْ بِالْفِکْرِ فِی اِصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُیِّبَتْ عُرُوقُهَا فِی کُثْبَانِ اَلْمِسْكِ عَلَی سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا وَ فِی تَعْلِیقِ کَبَائِسِ اَللُّؤْلُؤِ اَلرَّطْبِ فِی عَسَالِیجِهَا وَ أَفْنَانِهَا وَ طُلُوعِ تِلْكَ اَلثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِی غُلُفِ أَکْمَامِهَا تُجْنَی مِنْ غَیْرِ تَکَلُّفٍ فَتَأْتِی عَلَی مُنْیَةِ مُجْتَنِیهَا وَ یُطَافُ عَلَی نُزَّالِهَا فِی أَفْنِیَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ اَلْمُصَفَّقَةِ وَ اَلْخُمُورِ اَلْمُرَوَّقَةِ، قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ اَلْکَرَامَةُ تَتَمَادَی بِهِمْ حَتَّی حَلُّوا دَارَ اَلْقَرَارِ وَ أَمِنُوا نُقْلَهَ اَلْأَسْفَارِ فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَیُّهَا اَلْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَی مَا یَهْجُمُ عَلَیْكَ مِنْ تِلْكَ اَلْمَنَاظِرِ اَلْمُونِقَةِ لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَیْهَا وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِی هَذَا إِلَی مُجَاوَرَةِ أَهْلِ اَلْقُبُورِ اِسْتِعْجَالاً بِهَا، جَعَلَنَا اَللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ یَسْعَی بِقَلْبِهِ إِلَی مَنَازِلِ اَلْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ»(1).

ص: 65


1- نهج البلاغة، خطبة 165

وفي توضيح معاني هذه الكلمات المباركات قال السيد الشيرازي: «فلو رميت ببصر قلبك» بأن فكّرت وأمعنت «نحو» أي إلى طرف «ما يوصف لك منها» أي من الجنة «لعزفت» أي كرهت وأعرضت «نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الدنيا من شهواتها ولذّاتها»، فإن الإنسان إذا رأى الشيء الأحسن كره الشيء الحسن وأعرض عنه، طلبا لذلك الأحسن.

وهذا هو نسبة لذّات الدنيا إلى لذات الآخرة «وزخارف مناظرها» جمع زخرف بمعنى الزينة «و لذهلت» أي اندهشت «بالفكر في اصطفاق أشجار» أي تضارب أوراقها بسبب النسيم.

فان الانسان إذا تصور ذلك النسيم الذي يهب في الجنة الذي يصفق الأشجار، لذهل وتحير من شدة اشتياق النفس إلى.. ذلك النعيم

ص: 66

الجميل، «غيبت عروقها» أي عروق تلك الأشجار «في كثبان المسك» جمع كتيب وهو التل، فإن طين الجنة، هو المسك «على سواحل أنهارها» أي انهار الجنة «و لذهلت» بالفكر «في تعلیق کبائس» جمع كباسة «اللؤلؤ» أي الخصل المكبوسة من اللؤلؤ «الرطب» وهو أجود أنواع اللؤلؤ.

وسمى رطباً لبقايا الماء فيه، الموجبة للنظارة والبهجة «في عساليجها» جمع عسلوج، بمعنى الغصن «وأفنانها» جمع فنن وهو الغصن أيضا، أو نوع آخر منه «وطلوع تلك الثمار» أي ظهور اللؤلؤ كالثمرة «مختلفة» كبرا وصغرا، أو المراد بتلك الثمار، الثمار المعهودة، أي الفواكه المختلفة «في غلف» جمع جمع غلاف «أكمامها» جمع كم، وهو وعاء الطلح والنور، مما يستر الثمر به، حفظا له، «تحنى» أي تعطف وتنحني

ص: 67

تلك الأغصان لمن أراد تناول تلك الثمار «من غير تكلف» وصعوبة.

فقد ورد أن الإنسان إذا اشتهى شيئا من الثمار انحنت الأغصان نحوه ليقطفها «فتأتي» تلك الأغصان، أو الثمار «على مُنية مجتنيها» أي من يريد اقتطافها وأخذها «ويطاف» نائب الفاعل له قوله عليه السلام الآتي «قوم» وفاعله الله سبحانه الذي يأمرهم بالطواف على المؤمنين «على نزّالها» أي نزال الجنة الذين جاؤوا إليها ونزلوا فيها «في أفنية قصورها» جمع فناء بمعنى الساحة الواسعة امام القصر، أو داخله «بالأعسال» جمع عسل «المصفقة» أي المصفات «والخمور المروّقة» أي المجعولة في الراووق وهو إناء خاص يزيد الخمر صفاء واجتذابا لشاربها، «قوم لم تزل الكرامة تتمادی بهم» (قوم) نائب فاعل لقوله:

ص: 68

«يطاف» والمراد بهم الولدان المخلدون، «حتّى حلَّوا دار القرار» أي الجنّة الَّتي يستقر فيها الإنسان، وتمادى الكرامة، كناية عن أهليتهم لكونهم «ولدانا» هناك، فإن الله أكرمهم بجعلهم هناك «وأمنوا» أولئك القوم «نقلة الأسفار» أي الانتقال من محل إلى محل فإنهم لم ينتقلوا من الأرض إلى البشرية.

ومن هذه الحياة، إلى البرزخ، ومن هناك إلى المحشر، ومن هناك إلى الجنة كما ينتقل لإنسان «فلو شغلت قلبك أيها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك» أي يأتي نحوك، والتعبير بالمهجوم، لأنه شبيه به، فإذا بالإنسان يرى جيشاً كثيفاً من النعم المختلفة، والسعادات المتنوعة التي لا زوال لها ولا اضمحلال، «من تلك المناظر» جمع منظر «المونقة» والمعجبة «لزهقت نفسك» أي طارت وخرجت من البدن

ص: 69

«شوقا إليها» أي إلى تلك المناظر «ولتحملت» أي حملت نفسك «من مجلسي هذا» وأنت تسمع إلى هذه الأوصاف وتفكر فيها «إلى مجاورة أهل القبور» وهذا كناية عن الموت «استعجالاً بها» أي طلبا لسرعة الوصول إلى تلك النعم العجيبة، فإن شدة الشوق توجب موت الإنسان، «جعلنا الله وإياكم ممّن سعى بقلبه» فإن القلب إذا درك سعى، وبسعيه تسعى الجوارح «إلى منازل الأبرار، برحمته» متعلق ب جعلنا)(1).

3- العطاء الخاص بالنبي واله (صلوات الله عليهم أجمعين):

قال تعالى:

«وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»(2).

ص: 70


1- توضیح نهج البلاغة، ج 3، ص 16
2- سورة الضحى، (الآية 5)

معناه: (وسيعطيك ربك في الآخرة من الشفاعة والحوض، وسائر أنواع الكرامة فيك، وفي أمتك، ما ترضى به..)(1).

إن العطاء الذي أعطاه الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله في الآخرة فضلا عن الدنيا مقطوع النظير بلا أدنى شك، لأنه أشرف خلقه طراً، والآية المارة الذكر واحدة من مبینات ذلك العطاء الالهي لحبيبه المصطفی صلی الله عليه واله وأي عطاء أعظم من: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»، وإن (هذا العطاء إنما هو في الدار الآخرة المستقبلية وقد أطلق تعالى هذا العطاء من حيث الأنواع والأقسام وكذلك من حيث الحدود والمقدار ولم يقيده بشيء إلا رضی رسول الله صلى الله عليه وآله ... فإن العطاء الموعود لرسول الله منجز معلوم في حقه صلی

ص: 71


1- تفسير مجمع البیان، ج 10، ص 382

الله عليه وآله لأن الله سبحانه قد شاء أن يعطيه على الإطلاق وقضى بذلك من دون قيد الإرضائه صلى الله عليه وآله)(1).

وعن حرب بن شریح البصري قال: قلت لمحمد بن علي عليهما السلام: أي آية في كتاب الله أرجی؟ قال عليه السلام:

«ما يقول فيها قومك؟»

قال: قلت: يقولون: «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» قال عليه السلام:

«لكنا أهل البيت لا نقول ذلك،»

قال: قلت: فأي شيء تقولون فيها؟ قال عليه السلام: نقول: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى» الشفاعة والله الشفاعة والله الشفاعة»(2).

ص: 72


1- بدائع الكلام في تفسير آيات الأحكام، ص 156
2- تفسير فرات الكوفي، ص 571

وفي البرهان عن عیسی بن مهران، بإسناده إلى زيد بن علي عليه السلام، في قول الله عز وجل: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»، قال:

«إن رضا رسول الله صلى الله عليه وآله إدخال أهل بيته وشیعتهم الجنة، وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم، والنار لأعدائهم، فعلی أعدائهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»(1).

وفي البرهان عن جابر الأنصاري أنه قال: رأى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام وعليها كساء من أجلة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:

ص: 73


1- تفسير البرهان، ج 5، ص 283

«یا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: یا رسول الله الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه» فأنزل الله الآية المباركة: «ولسوف يعطيك ربك فترضى»(1).

وعن محمد بن الحنفية أنه قال:

«یَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ، تَزْعُمُونَ أَنَّ أَرْجَی آیَةٍ فِی کِتَابِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «قُل یا عِبادِیَ اَلَّذِینَ أَسْرَفُوا»(2)، وَ إِنَّا أَهْلَ اَلْبَیْتِ نَقُولُ: أَرْجَی آیَهٍ فِی کِتَابِ اَللَّهِ «وَ لَسَوْفَ یُعْطِیكَ رَبُّكَ فَتَرْضی» وَ هِیَ وَ اَللَّهِ اَلشَّفَاعَهُ لَیُعْطِیَنَّهَا فِی أَهْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ حَتَّی یَقُولَ: رَبِّ رَضِیتُ»(3).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إِنَّمَا اَلْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اَللَّهِ عَلَی خَلْقِهِ، وَ عُرَفَاءُهُ عَلَی

ص: 74


1- تفسير البرهان، ج 5، ص 595
2- سورة الزمر، (الآية 53)
3- تفسير جوامع الجامع، ج 3، ص 800

عِبَادِهِ، فَلاَ یَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ، وَ لاَ یَدْخُلُ اَلنَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْکَرَهُمْ وَ أَنْکَرُوهُ»(1).

وقال تعالی:

«وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ»(2)

وعن سلمان: قال سمعت رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام أكثر من عشر مرات:

«يا علي إنك والأوصياء من بعدك أعراف بين الجنة والنار، ولا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه، ولا يدخل النار إلا من أنكركم وأنكرتموه»(3).

وعن أبي أيوب عن بريد العجلي قال: سئلت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ..». قال: «أنزلت في هذه الأمة والرجال هم الأمة من آل محمد»،

ص: 75


1- نهج البلاغة، خطبة 152
2- سورة الأعراف، (الآية 46)
3- تفسير الصافي، ج 2، ص 199

قلت فالأعراف:

«قال صراط بين الجنة والنار فمن شفع له الأئمة منا في المؤمنين المذنبين نجا ومن لم يشفعوا له هوى»(1).

مودم وعن مقرن قال، سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ». فقال عليه السلام:

«نحن على الأعراف، نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن الأعراف الذي لا يُعرَفُ الله عز وجل إلا بسبيل معرفتنا، ونحن الأعراف يعرفنا الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه».

إن الله تبارك وتعالی لوشاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتي منه، فمن عدل عن ولايتنا

ص: 76


1- بصائر الدرجات، 516

أو فضل علينا غيرنا، فإنهم عن الصراط النابون، فلا سواء من اعتصم الناس به(1) ولا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض، وذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربها، لا نفاد لها ولا انقطاع)(2).

المسألة الثانية:- درجات العطاء في الجنة:

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«دَرَجاتٌ مُتَفاضِلاتٌ ومَنازِلُ مُتَفاوِتاتٌ لا یَنْقَطِعُ نَعِیمُها ولا یَظْعَنُ مُقِیمُها ولا یَهْرَمُ خالِدُها ولا یَبْأَسُ

ص: 77


1- يعني ليس كل من اعتصم الناس به سواء في الهداية ولا سواء فيما يسقيهم، بل بعضهم يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم ويسقيهم من عيون صافية وبعضهم يذهب بهم إلى الباطل وإلى طريق الضلال ويسقيهم من عيون كدرة كما يفسره فيما بعده، يفرغ أي يصب بعضها في بعض حتى يفرغ: الكافي، للكليني، ج 1، ص 184
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 184

ساکِنُها»(1).

(لا يظعن: لا يخرج عنها، ولا يهرم: لا تصيبه شيخوخة، ولا يبأس: لا يشقى ولا يفتقر)(2).

يستفاد من كلام الإمام عليه السلام ومما صرحت به الكثير من الآيات والروايات أن العطاء الالهي في الآخرة للمؤمنين عظيم التفاوت، وأن كل صاحب درجة أدنى هو محروم من الدرجة التي هي أعلى من درجته وأن الحسرات في الآخرة أعظم بكثير من حسرات الدنيا كما يستفاد من قوله تعالی:

«انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا»(3).

ص: 78


1- المصدر نفسه، خطبة 85
2- نهج البلاغة، شرح علي محمد علي دخيل، ص 119
3- سورة الاسراء، (الآية 21)

فإن درجات الجنة مقسمة على قدر الإيمان والعمل الصالح كما أشارت إلى ذلك بعض الروايات منها ما ورد في الكافي الشريف عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له:

إن للإيمان درجات ومنازل، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال: نعم، قلت: صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا، تفاضل لذلك أوائل هذه الأمة وأواخرها ولو لم يكن للسابق إلى الايمان فضل على المسبوق إذا للحق آخر هذه الأمة أولها، نعم ولتقدموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى

ص: 79

الايمان الفضل علی من أبطأ عنه ولكن بدرجات الايمان قدم الله السابقين وبالإبطاء عن الايمان أخر الله المقصرين...)(1).

ولذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام يكثر من تنبيه المسلمين وينادي:

«أيها الناس الآن الآن من قبل الندم، ومن قبل أن تقول نفس: يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله»(2).

المسألة الثالثة:- الحرمان في الآخرة:

إن حديثنا في هذه المسألة عن الحرمان في الدار الآخرة يصور حرمان العصاة والكافرين من الجنان والنعيم وبالتالي دخول النار، قال تعالی: «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ

ص: 80


1- الكافي للكليني، ج 2، ص 40
2- میزان الحكمة، ج 3، ص 2113

جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ»(1)

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَغَلَّ الاْيْدِيَ إِلَى الاْعْنَاقِ، وَقَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالاْقْدَامِ، وَأَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ، وَ مُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ فِي عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ، وَبَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ وَلَهَبٌ سَاطِعٌ وَقَصِيفٌ هَائِلٌ، لاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا، وَلاَ يُفَادَى أَسِيرُهَا، وَلاَ تُفْصَمُ كُبُولُهَا، لاَ مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى، وَلاَ أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى»(2).

إن لهذه الكلمات صعقاً في قلب من استوعبها واستنطقها وتصور شيئا مما تشير إليه مضامینها.

وفي شرحها قال السيد الشيرازي: «وأما أهل المعصية فأنزلهم شرّ دار» وهی جهنّم

ص: 81


1- سورة فصلت، (الآيتان 27 - 28)
2- نهج البلاغة، خطبة 109

«وغل الأيدي» لهم «إلى الأعناق» حيث يجمع بينهما في الغل «وقرن النواصي» جمع ناصية مقدم الرأس «بالأقدام» يجمع بينهما زيادة في العذاب والنكال، «وألبسهم سرابيل القطران» سرابیل جمع سربال وهو الثوب، والقطران شيء كالدّهن له رائحة كريهة تسرع فيه النّار «ومقطعات النّيران» أي الألبسة المقطعة من النار «في عذاب قد اشتد حره» حتى أن حرارة النار في الدنيا لا شيء بالنسبة إليه كما ورد «و باب» لجهنم «قد أطبق» وسد «على أهله» أي أهل العذاب «في نار لها كلب» أي هيجان «ولجب» أي صوت مرتفع «ولهب» أي شعلة «ساطع» عال «وقصيف» هو الصوت الشّديد «هائل» يوجب الهول والوحشة «لا يظعن» أي لا يسافر ولا يرحل «مقيمها» أي المقيم في تلك النّار فإنها أبدية دائمة «ولا يفادي أسيرها» أي

ص: 82

لا يقبل اعطاء الفدية عن الأسير في تلك النّار حتّى ينجو، كما يفادي الأسير في الدنيا «ولا تفصم» أي لا تنقطع «كبولها» جمع كبل بمعنی القيد «لا مدة للدار فتفنی» كما تنفني [كذا] الدنيا «ولا أجل للقوم» أي مدة لبقائهم هناك «فيقضي» ذلك الأجل، ويتخلَّصوا من العذاب(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«..أَلا وَإِنَّ الْخَطایا خَیْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَیْها أَهْلُها وَخُلِعَتْ لُجُمُها فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِی النّارِ...»(2).

لا شك أنّ الخطايا وجميع المعاصي في عالم الدنيا تعني الحرمان والخسران في عالم الآخرة، لأنها سلسلة مقدمات من الانحرافات عن الصراط المستقيم مما تنتج الحرمان من الجنة والنعيم، والتقحم في النار، فلذا وصف أمير

ص: 83


1- توضيح نهج البلاغة، ج 2، ص 189
2- نهج البلاغه، خطبة 16

المؤمنين عليه السلام الذنوب والمعاصي بالخيول الجامحة التي يصعب السيطرة عليها

«ألا وإن الخطايا خيل شمس(1) حمل عليها أهلها، وخلعت نجمها، فتقحمت بهم في النار»

يا له من تشبيه رائع، فركوب الفرس الجامح خطير، وتشتد الخطورة إذا فقد لجامها الذي يلجم عنانها، ثم تتضاعف هذه الخطورة أكثر من ذي قبل إذا كان هذا الجموح في أرض تشتمل على بعض المطبات.

وهذا هو التصوير الواقعي للذنب، فارتكاب الذنب يقود الإنسان إلى ذنب آخر وهكذا، على سبيل المثال قد يرتكب الإنسان

ص: 84


1- (شمس) من مادة (شموس) و (شماس) على وزن فتوح وكتاب بمعنى التغيير وعدم الاستقرار ومن هنا اطلق اسم الشمس، حيث تتحرك على الدوام، وشمس التي وردت في العبارة جمع شموس بمعنى الفرس الجموح الذي يمنع ظهره من الركوب

خيانة فيكتمها، وإذا استجوب استحضر ما لا يحصى من الأكاذيب للتغطية على خيانته كما يقسم کاذباً أو يلجأ إلى اتهام الآخرين، فاذا لم يُجد ذلك نفعاً ربما لا يتورع عن سفك دم من يعلم بخيانته، بغية عدم افتضاح أمره وهكذا يصبح أرضية خصبة لمقارفة ماشاء من الذنوب؛ ولا غرو فقد أصبح كالخيل الشموس التي خلع لجامها فهي تقذف بصاحبها إلى الهاوية)(1).

ولا شك أن هؤلاء الذين جعلوا الخطايا والمعاصي مطايا لهم هم الذين قد حرموا أنفسهم من نعيم الآخرة وأدخلوها النار، قال تعالی:

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ

ص: 85


1- نفحات الولاية، ج 1، ص 353

النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ»(1).

وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك إذ قال:

«ازْدَحَمُوا عَلَی الْحُطَامِ، وَتَشَاحُّوا عَلَی الْحَرَامِ، وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إِلَی النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ؛ وَدَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا، وَدَعَاهُمُ الشَّیْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا»(2).

وفي الختام نورد مقطعاً من الدعاء يحكي لسان حال كل مؤمن: «اللهم لا تحرمني طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحما وريحانها»(3).

ص: 86


1- سورة يونس، (الآيتان 44 - 45)
2- نهج البلاغة، خطبة 144
3- مصباح المتهجد، ص 8

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

* * * *

ص: 87

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم

1. الوافي، الفيض الكاشاني، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة - أصفهان، ط 1.

2. غرر الحکم و درر الكلم، عبد الواحد الآمدي، مؤسسة الأعلمي، ط 1.

3. مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط 2.

4. تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

5. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية، مؤسسة البعثة - قم.

6. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، العلامة الشيخ ناصر مکارم الشيرازي.

7. تفسير جوامع الجامع، الشيخ الطبرسي، تحقيق: مؤسسة النشر الاسلامي، ط 1.

8. نهج البلاغة، علي محمد علي دخيل، ط 1.

9. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق:

ص: 88

لا السيد احمد الحسيني، ط 2.

10. مسند الإمام الرضا، تحقيق: الشيخ عزیز الله عطاردي، مؤسسة طبع و نشر آستان قدس الرضوي، 1406 ه.

11. نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، بیروت لبنان، ط 1، 1387 ه - 1967 م.

12. التفسير الكاشف، الشيخ محمد جواد مغنيّة، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، ط 3.

13. توضیح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار تراث الشيعة، طهران - ایران.

14. في ظلال نهج البلاغة، الشيخ محمد جواد مغنية، مطبعة ستار، انتشارات كلمة الحق، ط 1.

15. التبيان في تفسير القران، الشيخ الطوسي، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، ط 1.

16. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب،، المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، 1376 ه - 1956 م.

17. التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، مؤسسة الهادي، قم، ط 2، 1416 ه.

ص: 89

18. میزان الحكمة، محمد الريشهري، دار الحدیث، ط 1.

19. صحاح الجوهري، تح: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين - بيروت - لبنان، ط 4.

20. مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، مؤسسة فقه الشيعة بيروت - لبنان، ط 1.

21. علوم القرآن، السيد محمد باقر الحكيم، مؤسسة الهادي - قم، ط 3، 1417 ه.

22. الصحيفة السجادية

23. الكافي، الشيخ الكليني، دار الكتب الإسلامية، ط 5.

24. تفسير القرآن الكريم (تفسير شبر)، السيد عبد الله شبر، تحقيق: راجعه الدكتور حامد حفني داود، السيد مرتضى الرضوي، ط 3، 1385 ه - 1966 م.

25. تفسير الصراط المستقيم، السيد حسين البروجردي، تحقيق: الشيخ غلام رضا بن علي أكبر، مطبعة الصدر - قم، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، 1416 ه - 1995 م.

26. زبدة التفاسير، الملا فتح الله الكاشاني، تحقيق: مؤسسة المعارف، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، ایران، ط 1، 1423 ه.

ص: 90

27. التفسير الكاشف، الشيخ محمد جواد مغنية، دار العلم للملايين، ط 3، 1981 م.

28. كتاب المحاسن، الشيخ أحمد بن محمد بن خالد تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، 1370 ه - 1330 ش

29. کتاب بصائر الدرجات، الشيخ محمد بن الحسن الصفار، تحقيق: الحاج ميرزا حسن مطبعة الأحمدي - طهران 1404 ه - 1362 ش

30. المستدرك على الصحيحين، الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: يوسف عبد الرحمن دار المعرفة بيروت - لبنان.

31. بدائع الكلام في تفسير آيات الأحكام، الشيخ محمد باقر الملكي، مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان، ط 1 1400 ه - 1980 م.

32. تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي، تحقيق: محمد الكاظم.

33. نفحات الولاية شرح نهج البلاغة، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، دار جواد الأئمة بيروت - لبنان، ط 1.

34. تفسير علي بن ابراهيم القمي، مطبعة النجف، خالد

ص: 91

تصحيح وتعليق: السيد طيب الموسوي الجزائري.

35. تفسير مجمع البيان مؤسسة، الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان، ط 1.

36. الخصال، الشيخ الصدوق، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 ه.

37. بلاغات النساء، ابن طيفور، مكتبة بصيرتي. قم المقدسة.

38. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

39. لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة / 1405 ه.

ص: 92

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة...9

تمهيد...11

المبحث الأول العطاء والحرمان في الدنيا

المسألة الأولى:- العطاء المادي في الدنيا:...21

المسألة الثانية:- العطاء المعنوي في الدنيا:...33

المسألة الثالثة: العطاء الخاص بالعباد المصطفين:...40

المسألة الرابعة:- علل العطاء والحرمان:...53

1- من موجبات العطاء:...53

2-من موجبات الحرمان:...55

المبحث الثاني العطاء والحرمان في الآخرة

مدخل:...59

المسألة الأولى:- العطاء في الآخرة:...61

1- العطاء المدخر للمؤمنين المتقين:...61

ص: 93

2- في صفة الجنة:...65

3- العطاء الخاص بالنبي واله (صلوات الله عليهم أجمعين):...70

المسألة الثانية:- درجات العطاء في الجنة:...77

المسألة الثالثة:- الحرمان في الآخرة:...80

المصادر والمراجع...88

ص: 94

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.