أَحسن الذکر

هوية الکتاب

أحسن الذكر

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الذكر في نهج البلاغة (1) أحسن الذكر تأليف السيد علي الحسني

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع: www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام: «أَفِیضُوا فِی ذِکْرِ اَللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ اَلذِّکْرِ» نهج البلاغة: 163.

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الهداة الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وبعد..

فإن لذكر الله تعالى من المنزلة والآثار والفوائد ما يدفع إلى التأمل والنظر والتفكر ويقود إلى البحث والدراسة؛ وذلك لما ارتبط به من احاديث كثيرة ورد بعضها عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها الأخر عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وأبنائه الأئمة، فضلاً عن اختصاص عنوان (الذكر)

ص: 7

بجملة من الآيات المباركة في محكم التنزيل، وقد أظهرت هذه الأحاديث والآيات جملة من الخصائص والآثار التي ارتبطت بعنوان (الذكر) مما يحتاج إلى تخصيص جملة من المباحث والمسائل التي ترشد القارئ الكريم إلى أهمية (الذكر) وخصوصيته وأثره عليه في الحياة الدنيا والآخرة.

و من هنا:

والتزاماً من مؤسسة علوم نهج البلاغة ببيان ما ورد من علوم جمّة في هذا الكتاب الشريف، وجدنا أن نضع بين يدي القارئ الكريم هذه السلسلة الموسومة «بسلسلة الذكر في نهج البلاغة» التي اشتملت على جملة من المباحث التي تم تخصيصها ضمن كتيبات مستقلة كي تنال استحقاقها من البحث والدراسة فكانت ضمن أربعة عناوين هي:

ص: 8

1. أحسن الذكر.

2. أثر الذكر في جلاء القلوب.

3. أهل الذكر.

4. حقيقة الذكر.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 9

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إن في التأمل بذكر الله عز وجل أنس وسعادة، لا يدركها إلا ذو حظ عظيم، فكثير من مغريات الحياة الدنيا شاغلة عن الله تعالى، وللذكر دور فعّال في إيصال الطالب والراغب لما يرتضيه الله سبحانه وتعالى. وفيه ايضاً دافع كبير لنيل الدرجات العالية.

ولما كان لا بد من وسيلة توصل إلى ذلك، فقد دل عليها الله تعالى، كما أراد لكل مؤمن أن يبتغي وسيلة توصله للذي يريد فقال عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(1)، وجعل الحصول على الوسيلة ابتغاء،

ص: 10


1- المائدة: 35

كما ورد (وَابْتَغُوا)(1) وهي بمعنى أطلبوا بشدة وسيلة تقربكم لله عز وجل، فكانت الوسيلة إليه سبحانه وتعالى على عدة أوجه، منها الذكر الحسن، وهو الكتاب المبين، لقوله تعالى: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»(2)، ومنها المبيَّن كما في الكتاب الذي قال عنه سبحانه: «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(3) ومنها الصلاة لقوله تعالى «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي»(4)، وطالما هناك غاية مقدسة، وهي عبادته جل ثناؤه، لقوله تعالی: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(5) فكل

ص: 11


1- وقال الرَّاغب: الابتغاء خصب بالاجتهاد في الطلب، فمتی کان الطّلب لشيء محمود فالابتغاء فيه محمود نحو: «ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا» [الإسراء: 28] وقوله تعالى: «إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى» [الليل: 20]، لسان العرب، ابن منظور، ج 19، ص 205
2- النحل: 89
3- يس: 12
4- طه: 14
5- الذاريات: 56

وسيلة تخدم هذه الغاية هي حسنة، ولا سيما الخوض في ذكر الله تعالى، وأهم ما فيه أن يكون الإنسان بعبادته على بينة من أمره، ولا يكون من الغافلين الذين شملهم قوله تعالى: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»(1).

وقد جعل سبحانه وتعالى على عاتق نبيه المصطفی صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه مهمة إرشاد الناس إلى ما يذكّرهم بالله ويدلّهم على عبادته، ويعرّفهم عظيم النعمة وسبيل الشكر.

ومن هنا:

وجدنا أن للذكر خصوصية خاصة وأهمية بالغة لما ارتبط به من آثار و فوائد اتضحت من خلال كلام أمير المؤمنين عليه السلام التي تضمنتها خطبه وأقواله، فكان منها ما أورده الشريف الرضي في نهج البلاغة، ومنها ما جاء في مصنفات أخرى مما استلزم إيراد ما

ص: 12


1- الكهف: 104

تیسر منها في هذه السلسلة الموسومة (بسلسة الذكر في نهج البلاغة) ضمن مباحث ومسائل، والله الموفق الكل خير.

السيد علي الحسني

ص: 13

المسألة الأولى: الذكر في اللغة

الذِّكرُ لغةً هو: ما ذكرته بلسانك وأَظهرته(1)، ويرد بعبارة مرادفة هي: الذِّکرى بمعنى الذِّکر، ويكون بمعنى التَّذَكُّرِ، والذِّکرُ والذِّکرى، بالكسر: نقيض النسيان، وكذلك الذُّكرَةُ.

قال كعب بن زهير:

أَنَّی أَلَمَّ بِكَ الخَیالُ یَطِیفُ *** ومَطافُه لكَ ذُکْرَةٌ وشُعُوفُ

وأصل الكلمة (ذكر) ومعناه: الذِّكرُ: الحِفظُ للشيء تَذكُرُه.

والذِّكرُ أَيضاً: الشيء يجري على اللسان ، والذِّكرُ: جَريُ الشيء على لسانك، وقد تقدم أَن الذِّكرَ لغة في الذكر، ذَكَرَهَ يَذكُرُه ذِکراً وذُکراً؛

ص: 14


1- لسان العرب: ج 4، ص 308

الأخيرة عن سيبويه.

ويرد الذِكرُ بمعنى الدرس لقوله تعالی:

«خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(1).

قال أبو إسحق: معناه ادرُسُوا ما فيه.

وتَذَكَّره واذَّکَرَه وادَّکَرَه واذدَکَرَه، قلبوا تاء افتَعَلَ في هذا مع الذال بغير إِدغام؛

قال:

تُنْحِی علی الشَّوْك جُرَازًا مِقْضَبا *** والهَمُّ تُذْرِیه إذْدِکارًا عَجَبا(2)

قال ابن سيده: أَما اذَّکَرَ وادَّکَر فإِبدال إِدغام، وأَما الذِّكرُ والدِّکرُ لما رأَوها قد انقلبت في اذَّكَرَ الذي هو الفعل الماضي قلبوها في الذِّكرِ الذي هو جمع ذِكرَةٍ،

ص: 15


1- البقرة: 63
2- القول للجوهري: المصدر السابق نفسه

وأَذكَرَه إِياه: ذَکِّرَه، والاسم الذِّكرَی.

الفراء: يكون الذِّکرَي بمعنى الذِّكرِ، ويكون بمعنی التَّذَكُّرِ في قوله تعالى:

«وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»(1).

والذِّكرُ والذِّري، بالكسر: نقيض النسيان، وكذلك الذُّكرَةُ؛ قال كعب بن زهير:

أَنَّی أَلَمَّ بِكَ الخَیالُ یَطِیفُ *** ومَطافُه لكَ ذُکْرَةٌ وشُعُوفُ

يقال: طاف الخيالُ يَطِيفُ طَيفاً ومَطَافاً وأطافَ أَيضاً، والشُّعُوفُ: الولُوعُ بالشيء حتى لا يعدل عنه.

وتقول: ذَكَّرتُه ذِكرَى؛ غير مُجرَاةٍ، ويقال: اجعَله منك على ذُكرٍ وذِكرٍ بمعني، وما زال ذلك مني على ذِكرٍ وذُكرٍ، والضم أَعلى، أي تَذَكُّرٍ، وقال الفراء: الذِّكرُ ما ذكرته بلسانك وأظهرته.

ص: 16


1- الذاريات: 55

والذُّکرُ بالقلب، يقال: ما زال مني على ذُكرٍ أَي لم أَنسَه.

واستَذكَرَ الرجلَ: ربط في أُصبعه خيطاً ليَذكرَ به حاجته.

والتَّذكِرَةُ: ما تُستَذكُرُ به الحاجة. وقال أَبو حنيفة في ذِكرِ الأَنواء: وأَما الجَبهَةُ فَنَوؤُها من أَذكَرِ الأَنواء وأَشهرها؛ فكأَن قوله من أَذكَرِها إِنما هو على ذِکُرَ وإن لم يلفظ به وليس على ذَكِرَ، لأَن أَلفاظ فعل التعجب إِنما هي من فِعل الفاعل لا من فِعلِ المفعول إِلَّا في أَشياء قليلة، واستَذكَرَ الشيءَ: دَرَسَهَ للذِّكرِ.

والاستِذكارُ: الدِّرَاسَةُ للحفظ، والتَّذَكُّر: تذكر ما أُنسيته.

وذَكرتُ الشيء بعد النسيان وذَکرتُه بلساني وبقلبي وتَذَكَّرتُه وأَذكَرتُه غيري وذَكَّرتُه بمعنىً.

قال الله تعالی:

«وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ

ص: 17

بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ»(1).

أَي ذَمَرَ بعد نِسيان، وأَصله اذتَكَرَ فَأُدغم(2).

ص: 18


1- يوسف: 45
2- لسان العرب، ابن منظور: ج 4، ص 309

المسألة الثانية: الذكر في الاصطلاح

وللذكر أكثر من معنی اصطلاحي، والاصطلاح هو الاستعمال:

فيستعمل الذِكرُ بكلمة جميل فيقال: جميل الذكر في الدنيا وهو الثناء بالجميل، وقد حصل، قال الله تعالى: «وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ»(1)، فسره بعضهم بالثناء الحسن، قال ابن دريد:

وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعی(2)

ويستعمل الذكر للاستبعاد، نحو قوله تعالى: «أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ»(3).

فإنّه لا يجوز حمله على الاستفهام الحقيقي، بل

ص: 19


1- الشعراء: 84
2- تاج العروس: ج 1 ص: 101
3- الدخان: 13

المراد استبعاد أن يكون لهم الذّكرى بقرينة قوله: «ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ»(1)(2).

ويستعمل بكلمة: الصَّيتُ: الذِّکرُ؛ يقال: ذَهَب صِيتُه في الناس أَي ذِكرُه، والصِّيتُ والصَّاتُ: الذِّكرُ الحَسَنُ.

الجوهري: الصِّيتُ الذِّكر الجميلُ الذي يَنتَشِرُ في الناس، دون القبيح، ويقال: ذهب صِيتُه في الناس، وأَصله من الواو، وإِنما انقلبت ياء لانكسار ما قبلها، كما قالوا: رِيحُ من الرُّوحِ، كأَنهم بَنَوه على فِعلٍ، بكسر الفاء، للفرق بين الصَّوتِ المسموع، وبين الذِّكر المعلوم، وربما قالوا: انتَشَرَ صَوتُه في الناس، بمعنی الصِّيتِ.

وقال ابن سيده: والصَّوتُ لغةٌ في الصِّيتِ، وفي الحديث: ما من عبدٍ إِلَّا له صِيتٌ في السماء أَي ذِكرٌ وشُهرة وعِرفان؛ قال: ويكون في الخير والشر،

ص: 20


1- الدخان: 14
2- کتاب البليغ في المعاني والبديع، للشيخ أحمد أمين الشيرازي ص 134

والصِّيتَةُ، بالهاء: مثلُ الصِّيتِ؛ قال لبيد:

وکم مُشتَرٍ من مالِه حُسْنَ صِیتِه *** لأیَّامه فی کلّ مَبْدًی ومَحْضَرِ(1)

ويستعمل بكلمة: أَرتَمتُ بمعنی استذكرت، واستَذكَرَه: کاذَّکَرَه؛ حكى هذه الأَخيرة أَبو عبيد عن أَبي زيد فقال: أَرتَمت إِذا ربطتَ في إِصبعه خيطاً یَستَذکِرُ به حاجَتَه(2).

ويستعمل بكلمة: السُّبحَة وهي: التطوُّع من الذِّكر والصلاة؛ قال ابن الأَثير: وقد يطلق التسبيح على غيره من أَنواع الذكر مجازاً كالتحميد والتمجيد وغيرهما، وسُبحَةُ الله: جلالُه.

وقيل في قوله تعالى: «إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا»(3) أَي فراغاً للنوم، وقد يكون السَّبحُ بالليل(4).

ص: 21


1- لسان العرب، ج 2، ص 58
2- لمصدر السابق نفسه
3- المزمل: 7
4- المصدر السابق نفسه، ج 2، ص 474

وتستعمل بكلمة التَّصَبُّحُ وهي: النوم بالغداة، وقد كرهه بعضهم؛ وفي الحديث: أَنه نهى عن الصُّبحة وهي النوم أَوّل النهار لأَنه وقت الذِّكر، ثم وقت طلب الكسب(1).

وتستعمل لنشر الذِكر العالي بكلمة الطرماح: وسُمِّيَ الطِّرِمَّاحُ في بني فلان إِذا كان عاليَ الذكر والنسب.

أبو زيد يقال: انك لَطِرِمَّاح وإِنهما لَطرِمَّاحانِ، وذاك إِذا طَمَحَ في الأَمر(2).

ويستعمل بكلمة مُذَكَّرٌ: ويوم مُذَكَّرٌ: إِذا وُصِفَ بالشِّدّةِ والصعوبة وكثرة القتل؛ قال لبيد:

فإِن كنتِ تَبغِينَ الكِرامَ، فأَعوِلي *** أَبا حازِمٍ، في كُلِّ يومٍ مُذَكَّرِ

وطريق مُذَكَّرٌ: مَخُوفٌ صَعبٌ(3).

ص: 22


1- المصدر السابق نفسه، ج 2، ص 503
2- المصدر السابق نفسه، ج 2، ص 593
3- المصدر السابق نفسه: ج 4، ص 309

المسألة الثالثة: الإفاضة في الذكر

والإفاضة لغة هي: الزيادة والكثرة والانتشار، وللكلمة أكثر من معنى اعتمادا على اشتقاقها، فأصل الكلمة (فيض) كما في قوله تعالی:

«ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ»(1).

أي ادفعوا من حيث دفع الناس، واختلف في المراد بالإفاضة: فقيل المراد إفاضة عرفات وإن الأمر لقريش لأنهم كانوا لا يقفون بعرفات مع سائر العرب ويقولون نحن حرم الله فلا نخرج منه، فأمرهم الله بموافقة سائر العرب ، وقيل إن المقصود ب (الناس) هو إبراهيم عليه السلام أي أفيضوا من حيث أفاض خلیل الرحمن، وسماه ب (الناس) كما سماه أمة،

ص: 23


1- البقرة: 199

وقوله تعالى: «وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ»(1).

أي تدفعون فيه بكثرة، ومنه الحديث: فأفاض من عرفة، وأصل الإفاضة الصبر، فاستعيرت للدفع في السير.

وأفاض الإناء فيضا: امتلأ، وفاض كل سائر: جرى(2).

واستفاض الحديث: شاع في الناس وانتشر، فهو مستفیض اسم فاعل، ومنه أثر مستفيض أي مشهور.

ومما تقدم من اشتقاقات لكلمة الإفاضة، يتضح معناها، وهو: استعماله بكثرة وأخذه بقوة، ففي ذلك وصول وتقرب لله عز وجل، وإن كل سعي له

ص: 24


1- يونس: 61
2- کتاب مجمع البحرین، للطريحي، ج 4، ص 224

أثره، فإن لاستعمال الذكر والسعي لأخذه بقوة، منافع كثيرة، وهذا مما لا شك فيه، فالله تعالى يعطي الجزاء في الدنيا والأخرة على كل سعي، لقوله تعالی:

«وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا»(1).

وتذكّرُ الآخرة من أحسن الأذكار، والسبيل إلى ذلك استعمال القرآن الحكيم فهو أحسن الذكر، ومن أحسن أحسن لنفسه ، وفي ذلك قوله تعالى:

«إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا»(2).

وفي سعي الإنسان التطبيق أوامر الله تعالى، إحرازه الآخرة، وبذل أي جهد لتجنب معاصيه خلاصه من مفاسد متعددة، إذ لم يأمر سبحانه وتعالى بشيء إلا وجعل فيه الفائدة، ولا نهی عن شيء إلا لما فيه من ضرر، وفي تحقق الإفاضة بالذكر لا ريب لهو ذکر حَسن.

ص: 25


1- الاسراء: 19
2- الاسراء: 7

المسألة الرابعة: ما هو أحسن الذكر..؟

أشارت بعض الآيات الشريفة إلى وجود معانٍ0 متعددة للذكر وهي كالآتي:

«بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(1).

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(2).

«يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا»(3).

ص: 26


1- النحل: 44
2- الانبياء: 105
3- الفرقان 28 - 29

«قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا»(1).

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(2).

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3).

«إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ»(4).

ص: 27


1- الفرقان: 18
2- المنافقون: 9
3- النحل: 43
4- يس: 12

«ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ»(1).

«وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ»(2).

«أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ»(3).

«أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ»(4).

وللوقوف على هذه المعاني التي أشارت إليها الآيات المباركة نورد ما يلي:

أولاً: الذكر بمعنى القرآن الكريم

ومنه يفهم أن الذكر المنزل هو الوحي الإلهي، المتضمن البيانات متعددة الغرض منها:

ص: 28


1- ص: 1
2- القلم: 51
3- الزخرف: 5
4- القمر: 25

تحريك عقولهم بالتفكير، من حيث أن التفكير عبادة، كما روي عن الحسين الصيقل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تفكر ساعة خير من قيام ليلة؟ فقال نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟ قال: يمر بالدار والخربة فيقول: أين بانوك؟ أين ساکنوك؟ ما لك لا تتكلمين.

أو ما روي عن أبي العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«تفکر ساعة خير من عبادة سنة، قال الله: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1).

فمن خلال التفكر المتواصل يكون التذكر لكلمات الله تعالى ولكل ما يريد، هذا من جانب ومن جانب آخر الوصول إلى الحقائق المخفية التي يظهرها التفكير، والرجوع عن الشبهات الكثيرة المنطوية في

ص: 29


1- مستدرك الوسائل، حسين النوري الطبرسي، ج 11، ص 183

المسائل والقضايا المتعددة.

وبمساعدة الذِكر المُنزل يتبين للناس ما هم بحاجة إليه من شؤونهم الدنيوية والأخروية.

ثانياً: الذكر بمعنى الكتاب

وفي كون الكتاب هو الذكر، يفهم منه التدوين للفرائض والقصص، والعِبر والمواعظ التي جمعت وكتبت حتى صار يطلق على هذه المجموعة وما دُوَّنَ منها مصطلح کتاب، أشارت جملة من الآيات إلى هذه التسمية:

«وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ»(1)، «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ

ص: 30


1- البقرة: 89

يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ»(1)، «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ»(2)، «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(3)، «وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ»(4)، «وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ

ص: 31


1- آل عمران: 23
2- آل عمران: 82
3- الأنعام: 59
4- الأنعام: 92

فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(1).

وعلى من آمن بهذا الكتاب استعماله بكثرة، وأخذه بقوة، وذلك الاستعمال والأخذ هو التطبيق للأحكام المختلفة التي تحتاج في تطبيقها إلى القوة كما أمر الله تعالى نبيه يحيى فقال: «يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»(2) فيكون هذا الكتاب هو الذكر الذي تُذكر فيه أحكامه ومواعظه عز وجل.

وهو الكتاب المتضمن للفروض الإلهية التي كتبها في كتب متعددة كالزبور والتوراة، وكالإنجيل والقرآن الكريم وغيره من الصحف التي أنزلت على إبراهيم وموسى «إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى» (3)(3) والتي ورد فيها أيضاً ذكر وراثة الأرض، وغيره من الأحكام التي كتبت فريضتها

ص: 32


1- الأنعام: 155
2- مریم: 12
3- الأعلى: 18 - 19

كالصيام، والقصاص وغير ذلك.

ثالثاً: الذكر بمعنى النبي صلى الله علیه و آله وسلم:

للنبي دوراً أساس في التذكير بالله تعالى وأحكامه وبيناته، ولولاه لم يصب الخير والهدى أحد من الخلق، والله تعالى يقول حكايةً عن لسان نبيه إبراهيم «قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»(1).

فكل هدى كان بالنبي صلى الله عليه واله وسلم، ولذلك أمر سبحانه وتعالى الخلق بسؤال أهل الذكر الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ليهتدوا، ويعلموا، ويتعلموا.

فعن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2) قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«الذكر أنا والأئمة أهل الذكر، وقوله عز وجل: «وَإِنَّهُ

ص: 33


1- طه: 50
2- النحل: 43

«وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ»(1) قال أبو جعفر عليه السلام:

«نحن قومه ونحن المسؤولون».

وعن عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" قال: الذكر محمد صلى الله عليه وآله ونحن أهله المسؤولون، قال: قلت: قوله: "وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون" قال: إيانا عنى ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.

وكذلك الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء قال: سألت الرضا عليه السلام:

فقلت له: جعلت فداك فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»؟ فقال:

«نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون».

ص: 34


1- الزخرف: 44

قلت: فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال:

«نعم».

قلت: حقاً علينا أن نسألكم؟ قال:

«نعم».

قلت: حقاً عليكم أن تجيبونا؟ قال:

«لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل، أما تسمع قول الله تبارك وتعالى: «هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1)».

رابعاً: الذكر بمعنى الحجة:

والحجة البالغة الله تعالى هو خليفته، وبه يحتج على الناس، بعد ما جعل له دوراً متكاملاً في جميع جوانب الحياة العلمية والعملية ليهديهم ويعلمهم «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»(2).

ص: 35


1- ص: 39
2- الأنعام: 149

ولكنه سبحانه وتعالى جعل الهداية على يد حجته البالغة وهو خليفته جل شأنه وعزت أسماؤه، الذي أخبر ملائكته عنه «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(1).

وتكفل بعباده، لإنقاذهم من الجهل، ونفعهم بالعلم والعمل.

فعن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«وجدت علم الناس كله في أربع؛ أولها أن تعرف ربك والثاني أن تعرف ما صنع بك والثالث أن تعرف ما أراد منك والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك»(2)، علماً أن هذا العلم أو غيره لا يتحقق إلا بالحجة البالغة لله تعالى على خلقه.

خامساً: الذكر بمعنى الإمام:

ويرد الذكر بمعنى الإمام، ويكون له دور في تذكير

ص: 36


1- البقرة: 30
2- الكافي، ج 1، ص 50 ، باب النوادر، ح 11

المأمومين له، المؤمنين بالله تعالى وبأحكامه، وهو إمامٌ على من تبعه وآمن به، بل وحتى إمام على من لم يتبعه، ومن لم يؤمن به، من حيث تنصيبه الإلهي الذي جعله إماماً، وجعل الناس مأمومين له، فرض عليهم إتباعه في حربه وسلمه، وقيامه وقعوده، كما جاء عن أبي أيوب الأنصاري وهو يحدث جمعاً من أهل البصرة قال: والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي إنك تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، مع علي بن أبي طالب عليه السلام. قلنا: إنك سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي قال: سمعته يقول:

«علي مع الحق والحق معه، وهو الإمام والخليفة بعدي، يقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل، وابناه الحسن والحسين سبطاي من هذه الأمة، إمامان إن قاما أو قعدا، وأبوها خير منهما، والأئمة بعد الحسين تسعة من صلبه، ومنهم القائم الذي يقوم في آخر الزمان كما قمت في أوله، ويفتح

ص: 37

حصون الضلالة.

قلنا: فهذه التسعة من هم؟ قال:

«هم الأئمة بعد الحسين، خلف بعد خلف». قلنا: فكم عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون بعده من الأئمة؟ قال: «اثنا عشر». قلنا: فهل سماهم لك؟ قال: نعم إنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لما عرج بي إلى السماء نظرت إلى ساق العرش فإذا هو مكتوب بالنور (لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، ونصرته بعلي) ورأيت أحد عشر - اسماً مكتوبا بالنور على ساق العرش بعد علي، منهم الحسن والحسين وعلياً وعلياً وعلياً ومحمداً ومحمداً وجعفراً وموسى والحسن والحجة». قلت: إلهي من هؤلاء الذين أكرمتهم وقرنت أسماءهم باسمك؟ فنوديت: يا محمد هم الأوصياء بعدك والأئمة، فطوبى لمحبيهم، والويل لمبغضيهم»(1).

والإمام هو الذِكرُ المُذكر بالله تعالى الذي بشر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم باتباعه، وأنذر

ص: 38


1- كفاية الأثر، للخزاز القمي، ص 117

وحذر عن اجتنابه «إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ»(1).

وهو الذكر الذي من انشغل عنه بأمواله وأهله كان من الخاسرين كما يوضح ذلك قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(2).

وهو الذكر الذي عنه ضلّ كثير، وتبرأ الخليل من خليله، وتصديق ذلك قوله تعالى:

«لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا»(3).

وكذلك قول الإمام امير المؤمنين عليه السلام:

ص: 39


1- یس: 12
2- المنافقون: 9
3- الفرقان: 29

«فَأَنَا اَلذِّکْرُ اَلَّذِی عَنْهُ ضَلَّ وَ اَلسَّبِیلُ اَلَّذِی عَنْهُ مَالَ وَ اَلْإِیمَانُ اَلَّذِی بِهِ کَفَرَ وَ اَلْقُرْآنُ اَلَّذِی إِیَّاهُ هَجَرَ وَ اَلدِّینُ اَلَّذِی بِهِ کَذَّبَ وَ اَلصِّرَاطُ اَلَّذِی عَنْهُ نَکَبَ»(1)؛ وهو الذكر الذي لولاه لم يعرف القرآن، ولا التنزيل والتبيان.

وعليه:

فإن للذكر معاني جمة، لا يسع المقام بيان كل ما فيها، ولعل الوقوف على قليل قر، خير من كثير فر، والنظر والتأمل في قول أمير المؤمنين عليه السلام الذي أراد منا جميعا الإفاضة في الذكر كما قال عليه السلام:

«أَفِیضُوا فِی ذِکْرِ اَللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ اَلذِّکْرِ»(2).

وإنّ الذِكر الذي من أفاض فيه وجده أحسن الذِكر، هو القرآن الكريم.

ففيه كل ما يحتاجه الإنسان لدينه ودنياه وآخرته،

ص: 40


1- كفاية أثر، للخزاز القمي، ص 117
2- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص 163

بل فيه ما يصلح الدهر وأهله، وهو غاية لكل من ابتغاه، ووسيلة لكل من توسل به، وقرباً الله تعالى لكل من رجا القربة منه.

وقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقدم جل اهتمامه بالقرآن الكريم، حتى إذا أخذنا مثلاً عن شدة اهتمامه بالقرآن الكريم، نجده مقدماً عنده حتى على التفقه بالدين، كما نلحظ ذلك بوضوح في وصيته لولده الحسن المجتبى عليه السلام:

«وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ - وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ - وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ مُقْتَبَلُ الدَّهْرِ - ذُونِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَنَفْسٍ صَافِيَةٍ - وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ وَشَرَائِعِ الاْسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ»(1)، فقدّم تعليم الكتاب وتأويله على شرائع الإسلام وأحكامه.

فهو حقاً وصدقاً أحسن الحديث كما أخبر عنه سبحانه وتعالى:

ص: 41


1- نهج البلاغة: 394

«اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ»(1).

وكذلك قوله عليه السلام في بيان فضل القرآن فإن فيه مدعاة للإفاضة فيه، فإنه أحسن الذكر «وَتَعَلَّمُوا الْقرْآن فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ - وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ - وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ - وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ - وَإِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ - كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ - بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ وَالْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ - وَهُوَ عَنْدَ اللهِ أَلْوَمُ».

ص: 42


1- الفرقان: 23

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

1. لسان العرب، ابن منظور: ت 711، محرم 1405 م، نشر أدب الحوزة.

2. نهج البلاغة، خطب الإمام علي، ما أختاره وجمعه الشريف الرضي، تح: صبحي الصالح، ط 1، الأولى، 1387 ه - 1967 م.

3. تاج العروس، الزبيدي، تح: علي شيري، 1414 19 المطبعة: دار الفكر - بيروت.

4. مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي، ت 1085، ط 2: شهريور ماه 1362 ش،: جابخانهء طراوت.

5. مستدرك الوسائل: ميرزا حسين النوري الطبرسي، ت 1320، تح: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ط 2، 1408 - 1988 م، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - بيروت - لبنان.

6. الكافي: الشيخ الكليني، ت 329، تح: علي أكبر الغفاري، ط 3، 1367 ش، حيدري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

7. كفاية الأثر: الخزاز القمي، ت 400، تح: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، 1401: الخيام - قم.

ص: 43

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

المقدمة...10

المسألة الأولى: الذكر في اللغة...14

المسألة الثانية: الذكر في الاصطلاح...19

المسألة الثالثة: الإفاضة في الذكر...23

المسألة الرابعة: ما هو أحسن الذكر..؟...26

أولا: الذكر بمعنى القرآن الكريم...28

ثانيا: الذكر بمعنى الكتاب...30

ثالثا: الذكر بمعنى النبي صلی الله علیه و آله وسلم:...33

رابعا: الذكر بمعنى الحجة:...35

خامسا: الذكر بمعنى الإمام:...36

المصادر والمراجع...43

ص: 44

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.