حقيقة الذکر

هوية الکتاب

حقيقة الذكر

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الذكر في نهج البلاغة (4) حقيقة الذكر تأليف السيد علي الحسني

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع: WWW.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنین علیه السلام:

«ولَن تَذکُرَهُ حَقیقَهَ الذِّکرِ، حَتّی تَنسی نَفسَكَ فی ذِکرِكَ وتَفقِدَها فی أمرِكَ»

نهج البلاغة: 572

«قَدْ كَفَاكُمْ مَؤُونَةَ دُنْيَاكُمْ وَحَثَّكُمْ عَلَى الشُّكْرِ وَافْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الذِّكْرَ»

نهج البلاغة: 266

«لسانُ الصدقٍ حُسنَ الذِكرِ بالحَق»

عيون المواعظ والحكم: 525

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الهداة الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وبعد..

فإن لذكر الله تعالى من المنزلة والآثار والفوائد ما يدفع إلى التأمل والنظر والتفكر ويقود إلى البحث والدراسة؛ وذلك لما ارتبط به من احاديث كثيرة ورد بعضها عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها الآخر عن أمير المؤمنين علي عليه السلام

ص: 7

وأبنائه الأئمة، فضلاً عن اختصاص عنوان (الذكر) بجملة من الآيات المباركة في محكم التنزيل، وقد أظهرت هذه الأحاديث والآيات جملة من الخصائص والآثار التي ارتبطت بعنوان (الذكر) مما يحتاج إلى تخصيص جملة من المباحث والمسائل التي ترشد القارئ الكريم إلى أهمية (الذكر) وخصوصيته وأثره عليه في الحياة الدنيا والآخرة.

ومن هنا:

والتزاماً من مؤسسة علوم نهج البلاغة ببيان ما ورد من علوم جمّة في هذا الكتاب الشريف، وجدنا أن نضع بين يدي القارئ الكريم هذه السلسلة الموسومة «بسلسلة الذكر في نهج البلاغة»، التي اشتملت على جملة من المباحث التي تم تخصيصها ضمن كتيبات مستقلة كي تنال استحقاقها من البحث والدراسة فكانت ضمن أربعة عناوين هي:

ص: 8

1. أحسن الذكر.

2. أثر الذكر في جلاء القلوب.

3. أهل الذكر.

4. حقيقة الذكر.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

السيد نبيل الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 9

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله المبتدأ بالنعم قبل استحقاقها، والمتفضل بالعطایا قبل سؤالها، الذي سبقت رحمته غضبه، ورضاه شكره، وهو الحنان المنان، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على النبي الهمام محمد وآله الغر الكرام.

وبعد...

فلما وجدنا الحاجة الماسة لفهم الذكر ومعرفة خواصه، وما به من آثار و فوائد، من حيث لا يخلو مؤمن من مزاولته، ومحتاج من حيازته، وملهوف لا ينفك عنه، لجئنا إلى باب مدينة علم رسول الله صلی

ص: 10

الله عليه وآله، والذكر الحقيقي لله تعالى المتجسد في شخصية الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله تعالی عليه ، إذ هو الذِكرُ الكامل التام لله تبارك وتعالى بكل مفاهيمه ومصادیقه ومعانيه وخصائصه.

ومنه يؤخذ العلم الأكمل والمعرفة التامة بحقائق الأشياء، فمن خلال كلماته صلوات الله تعالى عليه عرفنا أهمية الذِكر وقَدرَ الذاكر عند الله عز وجل، ودور الذكرِ في نجاح المطالب وقضاء الحوائج، ومنزلة الذاكرين الذين لم يتخذوا من الذكر وسيلة لقضاء حوائجهم ونجاح مطالبهم فحسب، بل كان ذكرهم لله عبادة ومناجاة استحبوها على كل ما في الحياة، حتى صارت شغلهم الشاغل فلم يمنعهم ويشغلهم عنها تجارة أو بيع لأنهم آثروا الآخرة على الدنيا وكانوا من الموقنين.

وبفضل کتاب نهج البلاغة وكلمات الإمام أمير

ص: 11

المؤمنين عليه السلام نهلنا فيضاً من عين ماء لا ينضب فيضها، وبحر علم لا قرار له، علّنا نرتوي أو نروي طلابها.

ونرجو التفضل بالقبول في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

السيد علي الحسني

ص: 12

المسألة الأولى: الحقيقة في اللغة

ترد الحقيقة في اللغة بعدة معانٍ، منها إنها بمعنی الوجوب، وقال أبو زكريا الفراء: والحَقِيقَةُ ما يصير إليه حَقُّ الأَمر ووجُوبُه(1).

وترد معنى كلمة الحقيقة بأنها: اليقين، كقوله(2):

وبلغ حقيقةَ الأَمر أي يَقِينَ شأنه.

وفي الحديث: لا يبلُغ المؤمن حقيقةَ الإِيمان حتى لا يَعِيب مسلماً بِعَيب هو فيه؛ يعني خالِصَ الإِيمان ومَحضَه وكُنهَه.

وحقيقةُ الرجل: ما يلزمه حِفظه ومَنعُه ويَحِقُّ عليه الدِّفاعُ عنه من أهل بيته؛ والعرب تقول: فلان يَسُوق الوَسِيقة ويَنسِلُ الوَدِيقةَ ويَحمي الحقيقة، فالوَسيقةُ الطريدةُ من الإِبل، سمیت وسيقة لأَن طاردها يَسِقُها

ص: 13


1- لسان العرب، ج 10، ص 53
2- القول لأبي زكريا الفراء

إذا ساقَها أي يَقبِضها، والوَديقةُ شدّة الحر، والحقيقةُ ما يَحِقّ عليه أن يَحمِيه، وجمعها الحَقائقُ.

والحقيقةُ في اللغة: ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضعِه، والمَجازُ ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الإِتِّساع والتوكيد والتشبيه،

وهذه الأوصاف هي معاني لبيان الحقيقة، فالاتساع هو: السعة ويستعمل في لفظ المجاز لا في لفظ الحقيقة كقوله تعالی:

«وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ»(1).

وهذا السؤال في الآية هو من قبيل المجاز لا الحقيقة، فالسؤال في الحقيقة هو سؤال أهلها لا سؤال القرية، كما في سؤال العِيرَ فهو مجاز، إذ كيف له أن

ص: 14


1- يوسف: 82

يسأل الجِمال والأباعر، بينما في الحقيقة السؤال يكون من الجمال صاحب الأباعر.

وأما التوكيد فهو: تثبيت لمعنى حقيقي واحد في أكثر من لفظ قد يكونا متشابهين كقول الفراء: في معنى لَبَّيكَ، إِجابةً لك بعد إِجابة، أو لفظ معنى حقيقي واحد في لفظين مختلفين كقول الشريف المرتضى (والتأكيد في قوله تعالى: «الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»(1) أحسن وجهي التأكيد وأبلغهما. وهذا الجواب على مذهب من يقول: إن التأكيد لا يفيد إلا معنى المؤكد، وفي هذا خلاف ليس هذا موضع ذکره)(2).

وقيل: الحقيقة الرّاية؛ قال عامر بن الطفيل:

لقد عَلِمَتْ عَلْیا هَوازِنَ أَنَّنی *** أَنا الفارِسُ الحامی حَقِیقةَ جَعْفَرِ

ص: 15


1- الفاتحة: 1
2- رسائل الشريف المرتضى: ج 3، ص 289

وقيل: الحقيقة الحُرمة، والحَقيقة الفِناء. وحَقَّ الشيء يَحِقُّ، بالكسر، حقّاً أي وجب.

وفي حديث حذيفة: ما حَقَّ القولُ على بني إسرائيل حتى استغنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ بالنساءِ أي وجَب ولَزِم. وأحقَقت الشيء أي أوجبته. وتحقق عنده الخَبَرُ أي صحَّ.

وحقَّقَ قوله وظنَّه تحقيقاً أي صدَّقَ. وكلامٌ مُحَقَّقٌ أي رَصِين؛ قال الراجز:

دَع ذا وحَبِّر مَنطِقاً مُحَقَّقا.

والحَقُّ: صِدق الحديثِ. والحَقُّ: اليَقين بعد الشكِّ.

وأحقُّ الرجالُ: قال شيئاً أو ادَّعَی شيئاً فوجب له. واستحقَّ الشيءَ: استوجبه.

وفي التنزيل: فإن عُثِرَ على أنَّهُمَا استَحقّا إثماً، أي استوجباه بالخِيانةِ، وقيلٍ: معناه فإن اطُّلِعَ على أنهما استوجبا إثماً أي خيانةً باليمين الكاذبة التي أقدما

ص: 16

عليها، فآخرانِ يَقُومانِ مَقامها من ورثة المُتوفَّى الذين استُحِقَّ عليهم أي مُلِك عليهم حقٌ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة، وقيل: معنى عليهم منهم، وإذا اشتَرَى رجل داراً من رجل فادّعاها رجل آخر وأقامَ بيِّنةً عادلةً على دعواه وحكم له الحاكمُ ببينة فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها عليه، وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى ید مَن استحقَّها، ورجع المشتري على البائع بالثمن الذي أدَّاه إليه، والاستِحقاقُ والاستِجابُ قريبان من السواء.

وأما قوله تعالى: لَشَهادَتُنا أحَقُّ من شهادتهما، فيجوز أن يكون معناه أشدُّ استِحقاقاً للقَبول، ويكون إذ ذاك على طرح الزائد من استَحقَّ أعني السين والتاء، ويجوز أن يكون أراد أثبَتُ من شهادتهما مشتق من قولهم حَقَّ الشيءُ إذا ثبت(1).

ص: 17


1- لسان العرب، ج 10، ص 53

وقيل: ما السرور؟ قال: إدراك الحقيقة، واستنباط الدّقيقة(1).

ص: 18


1- نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري، ج 2، ص 13

المسألة الثانية: مفهوم مفردة الحقيقة في القرآن

لكل مفردة من مفردات اللغة العربية مفهوم ومنطوق كما أن لها مبنی ومعنى، وإنّ للقرآن الكريم مفاهیم كثيرة متعددة كل بحسبه.

وقد اختصت كلمة الحقيقة في القرآن الكريم بمعانٍ مهمة دخلت في صميم القضايا العقائدية، الدينية، والاجتماعية، والنفسية، فمن قبيل القضايا الدينية والعقائدية، الشبهة كشبهة الثالوث، كما في قوله تعالی:

«لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1).

ص: 19


1- نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري، ج 2، ص 13

ومن قبيل القضايا المعرفية كمعرفة الله وهي أشرف المعارف، والنبي والوصي، والمبدأ والمعاد والموت والنشور، أو في القضايا الاجتماعية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو من قبيل قضايا التولي والتبري کمسألة موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، أو القضايا الاجتماعية، كالزواج والطلاق:

«وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»(1).

وقوله تعالی:

«لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ»(2).

وكذلك مسألة صلة الرحم، كقوله تعالی:

ص: 20


1- البقرة: 241
2- البقرة: 236

«وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(1).

أو كما في مسألة الوصية وحفظ حق المحجوب من الأحفاد بعد موت الأب وبقاء الجد وحق الأجداد والجدات وتمليكهم حصة من الميراث كونهم من الأقربين ولهم حق القربة والصلة وبدافع التقوى يستطيعون أن يحصلوا على حصة من الميراث كما هو قوله تعالی:

«كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»(2).

أو في مسألة المواريث كما هو في قوله تعالی:

ص: 21


1- النساء: 1
2- البقرة: 180

«يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»(1).

أو قضايا المعاملة كالتجارة والبيع والشراء، والقرض والإيداع، وما شابه ذلك كثير من القضايا والمسائل التي تؤدي الحقيقة فيها دورا فعالاً، فهي بين ظهورها وتشخيص من يعمل بها، كقول نبي الله موسی بن عمران:

ص: 22


1- النساء: 11

«حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(1).

وبين إخفائها وتميز من تغافل عنها، فكان مصيره إلى النار «وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(2).

أو في خطاب أهل الكتاب ودعوتهم إلى الحق والإسلام كقوله تعالی:

ولا تلبسوا الحق بالباطل وت م وا الحق وأنتم تعلمون«وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(3).

ص: 23


1- الأعراف: 105
2- السجدة: 13
3- البقرة: 42

أو في مسألة الدَين والقروض كقوله تعالی:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا

ص: 24

تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(1).

وعليه: مما تقدم يظهر بشكل واضح مفهوم مفردة الحقيقة، بلفظ كلمة الحق الذي لا بد منه، ولا بد من ظهوره في جميع القضايا والمسائل، بحيث إن المسألة التي تخلو من الحق فهي باطلة، أو لا يكون للحق فيها دور فهي ناقصة، أو لا يكون للحق فيها وضوح فهي شبهة وهكذا حتى يصل الإنسان إلى اليقين بمعرفة الحق، كما في قوله تعالى:

«الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ»(2).

ص: 25


1- البقرة: 282
2- البقرة 147

المسألة الثالثة: شروط منزلة حقيقة الذكر

الشرط الأول: نسيان النفس حال ذكر الله:

في النفس قوى متصارعة فيما بينها وهي: قوة الشهوة، وقوة الغضب، وقوة الخيال، وقوة العقل، ولكل قوة من هذه القوى مطالب أخذت مأخذها من النفس، وقد يكون لبعضها الغلبة على غيرها من القوى، وتنشغل النفس بالقوة الغالبة، حتى تصل درجة انشغال النفس إلى حد نسيان الواجبات من الفروض التي فرضها الله، من قبيل انشغال النفس بقوة الغضب فتصل بالإنسان إلى حد القسوة والبطش والفتك، وقد تصل النفس بقوة الشهوة إلى نسيان عواقب الحرمة، حتى تنزلق في مدارج الرذيلة ومهاويها، ولربما تنشغل النفس بقوة الخيال وهي القوة الشيطانية حتى تصل بهذا الانشغال إلى درجة عبادة الشيطان كما هو ظاهر في كل زمان ومكان.

ص: 26

وعليه:

فلابد من الوصول إلى حقيقة الذِكر وهو الانقطاع بقوة العقل إلى الله تعالی بدرجة نسيان مطالبها أي مطالب النفس، وإهمال صراع بقية القوى، كقوة الغضب وقوة الشهوة، حينها یکون الذاكر لله تعالی بحالة توجه وإقبال کاملين على الله عز وجل ويذكره عز وجل كما وصف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«لا تذكر الله ساهياً ولا تنسه لاهياً وأذكره ذکراً کاملاً يوافق فيه قلبك لسانك ويطابق إضمارك إعلانك ولن تذکره حقيقة الذكر حتى تنسي نفسك في ذكرك و تفقدها في أمرك»(1).

ص: 27


1- عيون المواعظ والحكم، علي الواسطي، ص 525

الشرط الثاني: فقدان الذاكر لنفسه فلا يذكر أمرها

ربما يصيب النفس داء واعتلال فلا تعود قادرة على التمييز حتى بين صور الأشياء، فهل باستطاعة الذاكر لله تعالى أن يصل إلى درجة نسيان نفسه عند ذكره، وقد يكون الجواب على هذا الافتراض: إن آلام المرض والداء تنسي كل ما حو المصاب لِما نزل وألمّ به من ألم، وهكذا هو الذاكر فآلام مرض العشق تكون بأكثر من ذلك، ولهذا الحال خيرُ مثال ما أصاب الأنبياء والأولياء والشهداء من حب الله تعالى حتى صاروا بكل شدة ومصيبة فرحين بما آتاهم الله تعالى، فالموت هو الموت وهو مصيبة كما سمي ذلك الله تعالی:

«فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ»(1).

فلم یا ترى يكون الشهداء فرحين بما نزل بهم من القتل والموت؟ سؤال يجيب عنه الله جل ثناؤه في محكم

ص: 28


1- المائدة: 106

كتابه:

«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(1).

وهذا هو حال من أحب الله وضحى بنفسه وجاد بها، والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ، وكان ذكره لله تعالى كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ومرّ بنا سابقاً.

ص: 29


1- آل عمران: 196 - 170

المسألة الرابعة: شروط تحقق الذكر الكامل لله تعالى

حتى يستوفي كل عمل الكمال، لا بد من شروط تكون على شكل مراحل يمر العمل من خلالها، وهي:

1. توجه القلب والإقبال على الله تبارك وتعالى:

لا شك أن عمل العارف ليس كعمل الجاهل، والله تعالى يقول:

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1).

فإن جهل العبد لم يكن بوسعه الإقبال على الله تعالى، وإن عَرِفَ وعلم أعانه علمه ومعرفته على

ص: 30


1- الزمر: 9

التوجه إلى الله تعالى، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن قلب الإنسان تموج فيه الأماني وتحركه الشهوات فتجعله في شغل عن معرفة حقائق الأشياء، وكذلك يكون للغفلة دور فهي تحجب معرفة معنى الكلمات التي يرددها الذاكر، وفي مثل هذا الحال یکون الذكر مجرد كلمات يرددها اللسان، بينما نجد إن للذكر حقيقة أخرى يذكرها مولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«اَلذِّکْرُ لَیْسَ مِنْ مَرَاسِمِ اَللِّسَانِ وَ لاَ مِنْ مَنَاسِمِ اَلْفِکْرِ وَ لَکِنَّهُ أَوَّلٌ مِنَ اَلْمَذْکُورِ وَ ثَانٍ مِنَ اَلذَّاکِرِ».

ومن رآه الله تعالی راغبٌ إليه، مقبل عليه، أقبل على قلبه فيجد في الذكر المؤانسة والمجالسة كما قال عليه السلام:

«ذاکر الله سبحانه مجالسة»(1).

ص: 31


1- غرر الحكم: ص 144

«ذاکر الله مؤانسة»(1).

2. مطابقة الظاهر للباطن:

قال عليه السلام:

«وَ اُذْکُرْهُ ذِکْراً کَامِلاً یُوَافِقُ فِیهِ قَلْبُكَ لِسَانَكَ وَ یُطَابِقُ إِضْمَارُكَ إِعْلاَنُكَ»(2).

وما شخّصه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو المطابقة بين الباطن والظاهر والمراد من هذه المطابقة أن لا يكن الذكر الذي يردده اللسان في الظاهر يخالف الباطن ويختلف عن القصد القلبي، وهذا معنی

كلامه: «یوافق فيه قلبك لسانك» فالذي يردده لسانك فليردده قلبك.

ص: 32


1- المصدر السابق نفسه
2- میزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 297

إذ إن إضمار ابن آدم إما ينجيه وإما يهلكه، فأما الذي ينجيه مطابقة إضماره لعلانيته كما قال عليه السلام:

«یُطَابِقُ إِضْمَارُكَ إِعْلاَنُكَ»

وأما الذي يهلکه مخالفة إضماره علانيته وحينها يكون حال الذاكر أشبه بحال المنافقين، إذ لا يخفى أن المنافقين استحقوا النار بما أضمروه من الكفر، وأظهروه من الإيمان فكانوا في الظاهر مؤمنين، وكل مؤمن يعد من الذاكرين، وفي الباطن کافرین، والذِكر بهذه الصورة لا يكون مسموعا عند الله سبحانه وهو غير مرضيّ عنده.

3. صدق النية:

والنّية هي باطن الإنسان وسريرته، وعليها يحشر أبن آدم يوم القيامة كما في قوله تعالی:

ص: 33

«إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ»(1).

فكيف ما تكون النيّة يكون حال الإنسان، ودرجة رضا الله تعالی عنه.

وسُئلَ الإمام علي بن موسی الرضا عليه السلام عن تفسير نيّة المؤمن خير من عمله، قال:

«إنه ربما انتهت بالإنسان حالة من مرض أو خوف، يفارقة العمل ومعه نیته، فلذلك الوقت نية المؤمن خير من عمله»(2).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

نية الؤمن خیر من عمله ونیة الکافر شر من عمله،

ص: 34


1- الطارق: 8-9
2- فقه الرضا، القمي، ص 379

وکی علل يعمل على نیه»(1).

4. حسن الظن بالله تعالى

ويقصد به حسن الظن باستجابة الدعاء، لأنه عز وجل صاحب دعوة ويريد من عباده تلبيتها، لقوله تعالی:

«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(2).

وكما ورد في الحديث القدسي:

«أنا عند حسن ظن عبدي المؤمن بي»، وقوله جل جلاله: «سبقت رحمتي غضبي»(3).

ص: 35


1- الكافي، ج 2، ص 84
2- البقرة: 186
3- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، المجلسي: ص 318

5. إشراك الآخرين بثواب الذكر والدعاء

وذلك لقضاء حوائجهم وإنجاح مطالبهم لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصاياه لأمير المؤمنين إذ قال: يا علي

«والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب»(1)

أو قول الإمام الباقر عليه السلام:

«أسرع الدعاء نجاحاً للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب بدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل: آمين، ولك مثله»(2).

وبهذا القدر من الانشغال بالذِكرِ يصل الذاكر إلى كمال الذِكر وهو الانقطاع الله عز وجل، وهولا شك

ص: 36


1- مستطرقات السرائر باب النوادر، ابن إدريس الحلي، ص 212
2- الدعوات لقطب الدين الرواندي:

عبادة لله تعالى، وخصوصا إذا كانت بهذه الكيفية، بأن يَذكره عز وجل كما يصف لنا أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَ لَنْ تَذْکُرَهُ حَقِیقَهَ اَلذِّکْرِ حَتَّی تَنْسَی نَفْسَكَ فِی ذِکْرِكَ وَ تَفْقُدَهَا فِی أَمْرِكَ».

فيكون ذكرُ الله تعالى هو كل ما لديك في ظاهرك وباطنك، وسرك وعلانيتك، بل إن حقيقة ذكر الله تعالى أن تذكره على كل حال وفي كل مكان وزمان ذكراً يحقق المسرة واللذة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«ذكر الله مسرة كل متق ولذة كل متقٍ»(1).

ص: 37


1- غرر الحکم، ص 145

المصادر والمراجع

- القران الكريم.

1. نهج البلاغة : خطب الإمام علي (عليه السلام) ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: الدكتور صبحي صالح، ط 1، 1387 - 1967 م.

2. عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي، تح: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث.

3. رسائل الشريف المرتضى: الشريف المرتضی: ت 436: فقه الشيعة الى القرن الثامن تحقيق: تقديم: السيد أحمد الحسيني، إعداد: السيد مهدي الرجائي /: 1405 / المطبعة: مطبعة الخيام - قم: دار القرآن الكريم - قم.

4. نهاية الأرب في فنون الأدب: النويري: 733، گوستاتسوماس وشرك.

5. غرر الحكم: عبد الواحد الآمدي التميمي من علماء القرن الخامس الهجري طبع مؤسسة الاعلمي.

6. میزان الحکمة: محمد الريشهري، تح: دار الحديث، ط 1، دار الحديث.

ص: 38

7. فقه الرضا: علي ابن بابويه القمي: 329، تح: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة، ط 1، شوال 1406 م الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا (ع) - مشهد المقدسة

8. الكافي: الشيخ الكليني، ت 329، تح: علي أكبر الغفاري، ط 3، 1367 ش، مطبعة حيدري.

9. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: محمد تقي المجلسي (الأول): 1070 تحقیق: نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه «السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي»: بنیاد فرهنك اسلامي حاج محمد حسین کوشانبور

ص: 39

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

المقدمة...10

المسألة الأولى: الحقيقة في اللغة...13

المسألة الثانية: مفهوم مفردة الحقيقة في القرآن...19

المسألة الثالثة: شروط منزلة حقيقة الذكر...26

الشرط الأول: نسيان النفس حال ذكر الله...26

الشرط الثاني: فقدان الذاكر لنفسه فلا يذكر أمرها...28

المسألة الرابعة: شروط تحقق الذكر الكامل لله تعالى...30

1. توجه القلب والإقبال على الله تبارك وتعالى...30

2. مطابقة الظاهر للباطن...32

3. صدق النية:...33

4. حسن الظن بالله تعالى...35

إشراك الآخرين بثواب الذكر والدعاء...36

المصادر والمراجع...38

ص: 40

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.