أهل الذکر

هوية الکتاب

أهل الذكر

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه- 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السّلام مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الذكر في نهج البلاغة (3) أهل الذكر تأليف السيد علي الحسني

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه- 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السّلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع: www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام السّلام:

«وإنَّ للذِّکرِ لَأهلاً أخَذُوهُ مِن الدُّنیا بَدَلاً، فلَم تَشغَلْهُم تِجارَةٌ ولا بَیعٌ عَنهُ..»

نهج البلاغة: ص 342

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الهداة الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وبعد..

فإن لذكر الله تعالى من المنزلة والآثار والفوائد ما يدفع إلى التأمل والنظر والتفكر ويقود إلى البحث والدراسة؛ وذلك لما ارتبط به من احاديث كثيرة ورد بعضها عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها الأخر عن أمير المؤمنين علي عليه السلام

ص: 7

وأبنائه الأئمة، فضلاً عن اختصاص عنوان (الذكر) بجملة من الآيات المباركة في محكم التنزيل، وقد أظهرت هذه الأحاديث والآيات جملة من الخصائص والآثار التي ارتبطت بعنوان (الذكر) مما يحتاج إلى تخصيص جملة من المباحث والمسائل التي ترشد القارئ الكريم إلى أهمية (الذكر) وخصوصيته وأثره عليه في الحياة الدنيا والآخرة.

ومن هنا:

والتزاماً من مؤسسة علوم نهج البلاغة ببيان ما ورد من علوم جمّة في هذا الكتاب الشريف، وجدنا أن نضع بين يدي القارئ الكريم هذه السلسلة الموسومة «بسلسلة الذكر في نهج البلاغة»، التي اشتملت على جملة من المباحث التي تم تخصيصها ضمن كتيبات مستقلة كي تنال استحقاقها من البحث والدراسة فكانت ضمن أربعة عناوين هي:

ص: 8

1. أحسن الذكر.

1. أثر الذكر في جلاء القلوب.

3. أهل الذكر.

4. حقيقة الذكر.

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 9

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة

الحمد لله الذي فطر الخلائق برحمته وجعل لهم فرائض متعددة لعبادته ومَنّ عليهم بلطائف نعمه، إذ جعل فيهم رسلا وأنبياء يعلمونهم الحكمة والكتاب، ومَنَّ عليهم بصفوته من خلقه محمد وآله الميامين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وبعد..

فعندما يتأمل القارئ في كلمات الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يلمس دقة التشخيص

ص: 10

وعمق المعنى، ويهتدي للوصول إلى حقائق القضايا الغامضة التي غاب عنها الوضوح أما بسب الاختلاط بين الحق والباطل، وإما بسب كثرة اللبس والاشتباه.

فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام يكشف كثيراً من الحقائق بكلماته القصير المقتضبة.

ومنها: التعريف بذوات الأشخاص حتى يتم التمييزُ لكل من يريد أن يتعرف ليطلع أو يتعلم ليكتسب، من جانب، ومن جانب آخر معرفة حقائق الأشياء تعين العاقل وتدفع بالعارف إلى حسن الاختيار.

ومن هنا:

استطعنا بفضل بركات باب علم مدينة رسول الله صلی الله عليه وآله معرفة أهل الذكر وخواصه، مع الذي تقدم في المباحث السابقة كمبحث (أحسن الذكر) و (الذِكرُ جلاء للقلوب) وهذا المبحث الذي بشخص أهمية الذكر وأهله، إذ أن الرجال تعرف

ص: 11

بالأفعال.

وبالله التوفيق وهو المستعان.

السيد علي الحسني

ص: 12

المسألة الأولى: الأهل في اللغة

لكلمة الأهل أكثر من معنى يتضح من خلال الاستعمال، فكلمة الأَهل: تعني أَهل الرجل وأَهلُ الدار، وكذلك الأَهلة؛ قال أَبو الطَّمَحان:

وأَهْلة وُدٍّ قد تَبَرَّیْتُ وُدَّهَم *** وأَبْلَیْتُهم فی الحَمْد جُهْدی ونائِلِی

وذكر ابن سيده: أن أَهل الرجل عَشِيرتُه وذَوُو قُرباه، والجمع أَهلون وآهَالٌ وأَهَالٍ وأَهلات وأَهَلات؛ قال المُخَبَّل السعدي:

وهُمْ أهَلاتٌ حَوْلَ قَیْسِ بنِ عاصِمٍ *** إذا أدَلجُوا باللیلِ یَدْعونَ کَوْثَرَا

وأَنشد الجوهري:

وبَلْدَةٍ ما الإنْسُ من آهالِها *** تَرَى بِها العَوهَقَ من وِئالِها

وِئالُها: جمع وائل كقائم وقِيام؛ ويروى البيت:

ص: 13

وبَلدَةٍ يَستَنُّ حازي آلِها.

قال سيبويه: وقالوا أَهلات، فخففوا، شَبَّهوها بصعبات حيث كان أَهل مذكَّراً تدخله الواو والنون، فلما جاء مؤنثه كمؤنث صَعب فُعل به كما فعل بمؤنث صَعب؛ قال ابن بري: وشاهد الأَهل فيما حَکی أَبو القاسم الزجاجي أَن حَكِيم بن مُعَيَّة الرَّبَعي كان يُفَضِّل الفَرَزدق على جَرير، فَهَجَا جریر حکیماً فانتصر له کنان بن ربيعة أَو أَخوه ربعي بن ربيعة، فقال يهجو جریراً:

غَضِبْتَ عَلَیْنا أن عَلاکَ ابنُ غالِبٍ *** فهَلّا عَلَی جَدَّیْکَ فی ذاکَ تَغْضَبْ

هُما، حینَ یَسْعَی المَرْءُ مَسْعاةَ جَدِّهِ *** أَناخَا فشَدّاکَ العِقالَ المُؤَرَّبْ

وما يُجعَل البَحرُ الخِضَمُّ، إِذا طما *** كَجُدٍّ ظَنُونٍ، ماؤُه يُتَرقَّبُ

أَلَستَ کُليبیًّا لأَلئمِ وَالدٍ *** وأَلئمِ أُمٍّ فَرَّجَت بك أَو أَبُ؟

وحكى سيبويه في جمع أَهل: أَهلُون، وسئل الخليل: لم سكنوا الهاء ولم يحرّكوها كما حركوا أَرَضِيين؟ فقال: لأَن الأَهل مذكر، قيل: فلم قالوا

ص: 14

أَهَلات؟ قال: شبهوها بأَرَضات، وأَنشد بيت المخبل السعدي، قال: ومن العرب من يقول أَهلات على القياس.

والأَهَالي: جمع الجمع وجاءت الياء التي في أَهالي من الياء التي في الأَهلين(1).

وأَهل الرجل: أَخَصُّ الناس به، وأَهلُ بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إبنته فاطمة الزهراء ولداه الحسن والحسين وصِهرُه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا باعتقاد الإمامية من أتباع مذهب أهل البيت، وفي حديث رسول الله صلى عليه وآله وسلم لأُمِ سلمة: «ليس بكِ على أَهلكِ هَوَانٌ»؛ أَراد بالأَهل نَفسَه عليه السلام، أَي لا يَعلَق بكِ ولا يُصيبكِ هَوَانٌ عليهم.

ص: 15


1- لسان العرب، ج 11، ص 28

ولعل أصدق تعريف في بيان معنى الأهل قول الله عز وجل:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).

ص: 16


1- الأحزاب: 33

المسألة الثانية

الأهل في القرآن والسنة

لقد تناول القرآن الكريم جميع القضايا، الجزئية الصغيرة، والكلية الكبيرة، فهو أي القرآن يحاكي الواقع العملي للإنسان وذلك من أجل الوصول إلى أرقى المستويات في جميع ميادين الحياة.

وقد أولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اهتماما كبيراً بالأهل كما أولى ذلك القرآن الكريم، والله تعالی يُعلّم الناس من خلال اقتدائهم بالنبي فقوله تعالی:

«وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا»(1).

ص: 17


1- مريم: 55

كذلك موقف النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم في كسر عادات الجاهلية العرفية الممنوعة، کمنعهم التزويج من زوجة المُتَبني، أو التزويج من زوجة الخادم بعد موت زوجها عنها، أو بعد طلاقها منه، كما استعرض القرآن الكريم قصة زواج زید بن حارثة ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من زینب بنت جحش، وكان النبي يحثه على الصبر والإمساك لزوجته كما ورد في قوله تعالی:

«وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ

ص: 18

اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا»(1).

والشيء الذي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخفيه في نفسه، حليّة الزواج من زوجة الربيب بعد فراق زوجها عنها بالموت أو بالطلاق، فتلك عادة كانت في الجاهلية منبوذة امتنع عنها الناس، ونبذوا من يفعلها، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله عَمِدَ إلى تغيير هذه العادة، وإنهائها من المجتمع بزواجه من زینب بنت جحش بعد طلاقها، وليس للإسلام أن يقر عادات الجاهلية التي تخالف الشريعة الإلهية،

ص: 19


1- الأحزاب: 37 - 40

والقصة مشهورة، والعبرة منها واضحة، وليس الأمر كما يؤوله بعضهم من لم يفهم شخصية النبي صلى الله عليه وآله وظواهر القرآن الكريم، فكيف له بمعرفة بواطنه.

أضف إلى ذلك، أَنَ القرآن الكريم والسنّة النبوية ألّما بقضية الأهل من حيث التعريف بأهل الله وخاصته، وأهل بيته الحرام فقال عز وجل:

«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ

ص: 20

أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(1).

فللمسجد الحرام أهلٌ لا تقل حرمتهم عن حرمة البيت، وأن لهم مذهبهم العقائدي والديني فَأهلُ المذهب: مَن يَدين به، وأَهلُ الإِسلام: مَن يَدِين به، وأَهلُ الأَمر: وُلاتُه، وأَهلُ البيت: سُکَّانه(2).

وأَهل القرآن هم أَهلُ الله وخاصَّته أَي حَفَظة القرآن العاملون به هم أَولياء الله والمختصون به اختصاصَ أَهلِ الإِنسان به(3).

وهذا التحريم للقتال هو من المعايير الإلهية والتدابير الحكيمة التي قد لا يقع الناس على مفاهيمها والجوانب السلبية والإيجابية فيها، كذلك جهل الناس بأهل البيت الحرام دفعهم إلى إخراجهم، والبغض والعداء دفعهم إلى قتالهم.

ص: 21


1- البقرة: 217
2- لسان العرب، ج 11، ص 29
3- الجامع الصغير، لجلال الدين السوطي: ج 1، ص 364

وكذلك حَفِظ القرآن الكريم والسنّة النبوية حقوق الأهل، وذلك في حال قُتلَ منهم فرد ذكراً أو أنثی، فعلى القاتل أن يدفع دية إلى أهلهِ كما أوضح ذلك بقوله تعالی:

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»(1).

وأيضاً في إصلاح ذات البين فإن للأهل دوراً فعال في حل الخلاف الواقع بين الزوجين فقال تعالى:

ص: 22


1- النساء: 92

«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا»(1).

وما زال هناك كثير من القضايا التي تخص مسألة الأهل في القرآن والسنة، لم نورد ذكرها رعايةً للاختصار.

ص: 23


1- النساء: 35

المسألة الثالثة

صفات أهل الذكر

تظهر أهمية الذكر من خلال صفات أهله، حيث أن كل عمل له أهله المختصون به، والله تعالی ذکر بعض صفاتهم:

«إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ

ص: 24

اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»(1).

وعلى الظاهر من الآية المباركة وجود جملة من الصفات تحلى بها الذاكرون، وكانت صفتهم بالذكر هي آخر الصفات التي ورد ذكرها في الآية.

وهذا التدرج الرُتبي يوضح أهمية الذكر ومكانة أهله، بحيث بدأ الله تعالی بذكر صفة الإسلام ثم الإيمان ثم القنوت، ثم الصدق، ثم الصبر، ثم الخشوع، ثم الصوم، ثم الحفظ، ثم الذكر، فلأهمية الذكر قدم جملة من الصفات حتى بلغ صفة الذاکرین.

ولأهمية الذكر أختص به أنبياء الله تعالى وحججه على خلقه، الذين اختارهم فجعلهم مستودعا لعلمه «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2).

ص: 25


1- الأحزاب: 35
2- النحل: 43

وتظهر أهمية الذكر عند الله تعالى بقوله:

«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(1).

ومن البديهي أن التلازم بين الذكر والذاكر لا بد منه، فتنزيل الذكر وحفظه قد تولاه الله عز وجل، فكيف يترك رعاية الذاكر وحفظه، وتصديق ذلك بما أوحاه الله عز وجل لنبيه عيسى بن مريم:

«یا عیسی - إني لا أنسي - من ينساني فكيف أنسی - من يذكرني»(2).

ووجدنا في كلمة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام التشخيص المميز لصفات أهل الذكر، حيث يصف فيهم ما يلي: -

1- أهل الذكر هم أهل الإيمان، الذين كان ذِكرُ الله تعالى عندهم، هو كل ما يملكون كما قال

ص: 26


1- الحجر: 9
2- شجرة طوبى: ج 2، ص 361

عليه السلام فيهم: «ذِكرُ الله رأس مال كل مؤمن وريحة السلامة من الشيطان»(1).

2- إنهم أهل الإحسان كما قال عليه السلام:

«ذِكر الله سجية كل محسن وشيمة كل مؤمن»(2).

3- إنهم أهل العِبرة والموعظة وفيهم قال عليه السلام:

«الذِکرُ هداية العقول وتبصرة النفوس وجلاء الصدور»(3).

وقد أخذوا العِظةَ والعبرة من الدنيا فكان اعتبارهم واتعاضهم من الدنيا طريقاً نافعا لذكر الله تعالى، فعلاقتهم بالدنيا كما وصفها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

ص: 27


1- غرر الحکم، ص 144
2- المصدر نفسه، ص 144
3- المصدر نفسه، ص 145

«مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ، فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ، مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ، وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ - بِهَا بَصَّرَتْهُ، وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ»(1).

قال الشريف المرتضى أقول: وإذا تأمل المتأمل قوله عليه السلام ومن أبصر بها بصرته - وجد تحته من المعنى العجيب والغرض البعيد - ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره - لا سيما إذا قرن إليه قوله ومن أبصر إليها أعمته - فإنه يجد الفرق بين أبصر بما وأبصر إليها واضحاً نيراً وعجيباً باهراً.

فكان الاعتبار والاستبصار عند أهل الذكر بدلا عن الدنيا وما فيها كما قال عليه السلام:

«وإنَّ للذِّکرِ لَأهلاً أخَذُوهُ مِن الدُّنیا بَدَلاً».

4- إنهم الانقطاع إلى الله تعالى، إذ أن الذاكر لله عز وجل يجد الأنس في أذكاره فتكون شغله

ص: 28


1- نهج البلاغة، ص 107

الشاغل عن الدنيا وما فيها كما وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام:

«فلَم تَشغَلْهُم تِجَارَةٌ ولا بَیعٌ عَنهُ».

فكانوا كما وصفهم عليه السلام:

«ذكر الله قوت النفوس ومجالسة المحبوب»(1).

وقال عليه السلام:

«ذِكر الله طارد الأدواء والبؤس»(2).

وللإمام علي بن الحسین زین العابدين عليه السلام مناجاة للذاكرين قال فيها:

«إِلهی أَنْتَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اذْکُرُوا اللَّهَ ذِکْراً کَثیراً وَسَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَأَصیلًا، وَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: فَاذْکُرُونی أَذْکُرْکمْ، فَأَمَرْتَنا بِذِکْرِكَ وَوَعَدْتَنا عَلَیْهِ أَنْ تَذْکُرَنا تَشْریفاً لَنا وَتَفْخیماً وَإِعْظاماً؛ وَها نَحْنُ ذاکِرُوكَ کَما أَمَرْتَنا فَأَنْجِزْ

ص: 29


1- غرر الحکم، ص 145
2- المصدر السابق نفسه

لَنا ما وَعَدْتَنا یا ذاکِرَ الذَّاکِرینَ وَیا أَرْحَمَ الرَّحِمینَ»(1).

وأيقنا أن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام من الرجال الذين حملوا الذكر وكانوا من أهله وأصله ومعدنه، بل وجدته الأجيال المتعاقبة أنه الذِكر المُذِکِر بالله جل ثناؤه وأنه من:

«رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ»(2).

أضف إلى ذلك لزيادة التوضيح، وبيان التعريف بأهل الذكر قول أمير المؤمنين عليه السلام لأبي ذر:

«ألزِم قلبك الفكر ولسانك الذكر وجسدك العبادة، وعينيك البكاء من خشية الله، ولا تهتم برزق غد، والزم المساجد، فإن عمارها هم أهل الله وخاصته، قراء کتابه

ص: 30


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ص 223
2- النور: 37

العاملون به»(1).

ومن خلال هذه الوصية نتعرف على نموذج من نماذج أهل الذكر الذين عرفوه وكانوا من أهله.

فليس أهل الذكر هم من ردد الأذكار والتسابيح فحسب؛ بل إن أهل الذكر هم: من آثروا الآخرة على الدنيا، لما وجدوه ولمسوه من آثار للذكر، فجعلهم يتخذوه بدلاً عن الدنيا وما فيها وصدق فيهم قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«فَلَم تَشغَلْهُم تِجارَةٌ ولا بَیعٌ عَنهُ»

فمن كان بهذه المزايا يكن من أهل الذكر.

وعلاوة على ذلك نجد في توجيه الله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالرجوع إلى أهل الذكر لفهم الوحي ومعرفة علومه ومكنون أسراره حيث يقول له:

ص: 31


1- مسند الإمام علي عليه السلام، للسيد حسن القبانجي، ج 10، ص 208

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).

وفي بديع البيان القرآني، تلحظ وبدقة كيف يخبره عز وجل عن وجود أهل للذكر، وعلى الناس كافة أن يرجعوا لهم للحصول على ما يريدون، والجميل في الذكر الذي عند أهله، إنه يجد من يسأل جواباً عن كل ما يجهل؛ ولم يقل له عز وجل:

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ»

فليسألوك عن الوحي الذي لا يعلمون. وهذا على سبيل الفرض، بل أنك تجد في قوله تعالى توجيهاً بشكل آخر، إنه سبحانه يريد الرجوع إلى حملة الذكر وأهله وهم محمد وآل محمد صلوات الله تعالى عليهم أجمعين كما يروي عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر

ص: 32


1- النحل: 43

عليه السلام في قول الله عز وجل:

«فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».

قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«الذكر أنا والأئمة أهل الذكر»،

وقوله عز وجل:

«وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ»(1).

قال أبو جعفر عليه السلام:

«نحن قومه ونحن المسؤولون»(2).

ولملازمة الذكر فوائد ثلاث:

الفائدة الأولى: مطردة الشيطان

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«ذِكر الله مَطردةٌ للشيطان»(3).

ص: 33


1- الزخرف: 44
2- کتاب الكافي، للشيخ الكليني، ج 1، ص 210
3- عيون المواعظ والحكم، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص 255

لا بد لنا في البدء من التعرف على الشيطان ومضاره، فهو ليس فكرة أو وهماً كما يتصوره البعض، وليس من الملائكة، كما توقعه البعض الآخر، بل هو حقيقة ثابتة، وقد سُئل الإمام موسی بن جعفر الكاظم عليه السلام من قبل هارون العباسي عن حقيقة الشيطان، وعن أول من ألحدَ وتزندق، فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد وتزندق؟ فقال الإمام موسی بن جعفر عليه السلام: أول من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين، فاستكبر وافتخر علی صفي الله ونجيه آدم عليه السلام، فقال اللعين:

«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1).

فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الالحاد ذريته إلى

ص: 34


1- الأعراف: 12

أن تقوم الساعة.

فقال: ولإبليس ذرية؟ فقال عليه السلام:

«نعم ألم تسمع إلى قول الله: «إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا»(1).

«مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا»(2).

لأنهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم وكذبهم ويشهدون أن لا إله إلا الله كما وصفهم الله في قوله:

«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ

ص: 35


1- سورة الكهف: آية 50
2- سورة الكهف: آية 51

اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»(1).

أي إنهم لا يقولون ذلك إلا تلقينا وتأديبا وتسمية.

ومن لم يعلم وإن شهد كان شاكاً حاسداً معانداً. ولذلك قالت العرب: «من جهل أمراً عاداه ومن قصر عنه عابه وألحد فيه»، لأنه جاهل غير عالم(2).

فالشيطان من الجن، وإنه لعدو لآدم وولده:

«إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ»(3).

ولا يخفى على عاقل أن لكل عدوٍ مضاراً، ولا يقل الشيطان عن غيره من أعداء ابن آدم ضرراً وإيذاءً، فمن مضاره إحاطته بقلب الإنسان، وتصديق ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 36


1- لقمان: 25
2- کتاب تحف العقول، لأبن شعبة الحراني: ص 406
3- الأعراف: 22

«لولا أن الشياطين يحومون حول قلب ابن آدم لنظر إلى الملكوت»(1). فهم بهذه الإحاطة يحجبون الإنسان عن نیل کرامات الله تعالى التي أرادها للإنسان، والتي منها الفيض والإلهام الذي يوصل ابن آدم بالنظر إلى الملكوت، ومن مضاره خلق العداوة والبغضاء بين الناس من خلال دعواه لشرب الخمر ولعب القِمار، وفي ذلك قال الله تعالی:

«إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ»(2).

وقد يفلح الشيطان بإصابة الناس، بضرر المعصية وخسارة الطاعة بدعواه لا غير، التي ذكرها الله تعالی:

«وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ

ص: 37


1- عوالي الليالي، ابن جمهور الإحسائي ج 4، ص 114
2- المائدة: 91

وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1).

ومن هنا:

لا بد لنا في التخلص من الشيطان ومضاره، الاستعانة والاستفاضة بذكر الله تعالی، بدرجة تعطي القوة لطرده، فكما قال عليه السلام: «ذِكرُ الله مَطردةٌ للشيطانِ»(2).

وعليه: ريما یرد تساؤل عن أي ذكر لله تعالی

ص: 38


1- أبراهيم: 22
2- عيون المواعظ والحكم، علي بن محمد الليثي الواسطي: ص 255

تكون فيه مطردة الشيطان؟ حيث كل ذكر لله تعالى هو طارد للشيطان، و لا ريب في ذلك.

إلا أن لكل كلمة من الذكر خصوصية، فعلى سبيل الفرض، للذكر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصوصية قال:

«أكثروا من ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من الضر أدناها الهم»(1).

وفي توجيه القرآن الكريم تمام الفائدة لطرد الشيطان، إذ بذكر الله تعالى وهو أحسن الذكر يتحقق ذلك:

«وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ

ص: 39


1- كنز العمال، المتقي الهندي: ج 1، ص 456

سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).

والاستعاذة بالله تعالى لمطردة الشيطان علی شكلين: -

1- الاستعاذة باللسان: وهو قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو الاستعاذة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام، ثم تقول عشر مرات عند طلوع الشمس وغروبها: (أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، وأعوذ بالله أن يحضرون إن الله هو السميع العليم)(2).

أما في قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام «مطردةٌ للشيطان» ولم يقل «طردا للشيطان» فهو للتشبيه بمقارعة الشيطان وطرده برمح اللعن

ص: 40


1- الأعراف: 200
2- الكافي، ج 2، ص 533

والاستعاذة، وكذلك معنى الطرد لغةً الإخراج والإبعاد، (فأصل الكلمة: (طرد) الطاء والراء والدال أصل واحد صحيح يدل على إبعاد يقال طردته طردا وأطرده السلطان وطرده إذا أخرجه عن بلده والطرد معالجة أخذ الصيد والطريدة الصيد ومطاردة الأقران حمل بعضهم على بعض وقيل ذلك لأن هذا يطرد ذاك والمطرد رمح صغير ويقال لمحجة الطريق مطردة ويقال إطرد الشيء إطّرادا إذا تابع بعضه بعضا وإنما قبل ذلك تشبيها كأن الأول يطرد الثاني ومنه قوله:

أتعرف رسما کاطراد المذاهب *** لعمرة وحشا غير موقف راكب(1)

2- اعتصام النفس بالطاعات، فإن أشد ما يكون على الشيطان العبادة وطاعة الله تعالى ومنها ما ذكره معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام

ص: 41


1- معجم مقاییس اللغة: ص 456، والقول للأعشی

وهو يقول: إن العبد إذا أطال السجود حيث لا يراه أحد قال الشيطان وا ويلاه أطاعوا وعصیت وسجدوا وأبيت(1).

وكذلك ورد من الطاعات التي فيها مطردة للشيطان صلاة ركعتين في آخر يوم من شهر ذي الحجة بفاتحة الكتاب، وعشر مرات سورة (قل هو الله أحد) وعشر مرات(2) آية الكرسي، ثم تدعو وتقول: اللهم ما عملت في هذه السنة من عمل، نهیتني عنه ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، ودعوتني إلى التوبة بعد اجترائي عليك، اللهم فإني استغفرك منه فاغفر لي، وما عملت من عمل يقربني إليك فاقبله مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم.

ص: 42


1- ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق: ص 34
2- يعني من غير انقطاع

قال: فإذا قلت هذا قال الشيطان: يا ويلي ما تعبت فيه هذه السنة هدمه أجمع بهذه الكلمات وشهدت له السنة الماضية إنه قد ختمها بخير(1).

الفائدة الثانية: دعامة للإيمان

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ذِكر اللهِ دِعامَةُ الإيمانِ وعِصمَةٌ من الشيطانِ»(2)

والإيمان بالله تعالى من أعظم النعم على الإنسان، إلا أنه في خطر زوال هذه النعمة، فيما لو نقض عهده، أو أتي بفاحشة، أو فعل منكراً، فإن الإيمان يفارقه، أو اتخذ الإيمان دخلاً، بمعنى حيلة ومكراً كما قال الله تعالی:

ص: 43


1- إقبال الأعمال، ابن طاووس: ج 2، ص 380، عنه في المستدرك، النوري، ج 6، ص 376
2- غرر الحکم، حدیث 5171: عنه مسند الإمام علي للسيد علي عاشور: ص 14

«وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(1).

فلا بد حينها من حفظ هذه النعمة من الزوال بالذكر كما وصفه عليه السلام:

«ذِكر الله رأس مال المؤمن»(2).

إذ لولا الذكر لم يستقم الإيمان، فقول رسول الله صلى الله عليه وآله يوضح ذلك:

«لاَ یَسْتَقِیمُ إِیمَانُ عَبْدٍ حَتَّی یَسْتَقِیمَ قَلْبُهُ، وَ لاَ یَسْتَقِیمُ قَلْبُهُ حَتَّی یَسْتَقِیمَ لِسَانُهُ»(3).

ص: 44


1- النحل، 49
2- عيون الحكم والمواعظ، لعلي بن محمد الواسطي: ص 256
3- نهج البلاغة، صبحي الصالح، ص 254

وأفضل ما يستقيم به اللسان هو ذِكرُ الله عز وجل والإقرار له بالوحدانية ولرسله بالتصديق والمناصرة فيقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاَصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا».

والمُصَاصُ هو: خالِصُ كل شيء، ومُصَاصُ الشيءِ: سِرُّه ومَنبِته(1)، فالظاهر من قوله عليه السلام إن شهادتي لله تعالی خالصة وهي سر منبتي وكل كياني ووجودي.

ثم يقول عليه السلام:

«نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا، وَ نَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا» .

فإذا أفاض العبد في ذكر الله وأخذه بهذه الشاكلة

ص: 45


1- لسان العرب: ج 7، ص 91

التي عليها مولانا أمير المؤمنين لاشك فإنه يجده أحسن الذكر الذي يستحق الإفاضة، وحقاً وصدقاً إن الإفاضة في الذكر تدعم الإيمان كما قال عليه السلام:

«فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ اَلْإِيمَانِ وَ فَاتِحَةُ اَلْإِحْسَانِ، وَ مَرْضَاةُ اَلرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَةُ اَلشَّيْطَانِ».

وهذا هو التوحيد الخالص، وعلى شاكلته من الإخلاص الشهادة بالنبوة كما يقول صلوات الله تعالى عليه:

«وَ أَشهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ، أَرسَلَهُ بِالدّينِ المَشهُورِ وَ العَلَمِ المَأثُورِ، وَ الكِتَابِ المَسطُورِ وَ النّورِ السّاطِعِ، وَ الضّيَاءِ اللّامِعِ وَ الأَمرِ الصّادِعِ»(1).

وكل ذكر بهذا النهج سواء كان بمعناه العام وهو

ص: 46


1- نهج البلاغة، ص 46

الذِكر اللفظي أو الخاص وهو الذكر القلبي المتضمن للإقرار والتصديق، لهو في حقيقته دعامةٌ للإيمان ومسوغ للعمل بأركانه.

الفائدة الثالثة: حصول السعادة:

لا يقتصر العاقل في سلوكه، على نيل ما يحتاج إليه من المأكل والمشرب فحسب، بل أن سلوك العاقل يرقى إلى ما هو أكبر من ذلك، وهو الحصول على السعادة ونيل المؤانسة، واختلف العقلاء في تشخیص تحقق السعادة وحصول الأنس، فذهب بعضهم إلى أن السعادة بالغنى، وذهب البعض الآخر إلى أن السعادة بالصحة، وقال آخرون إن السعادة بالصحة والغنى معاً، ووجد من أفاض بذكر الله تعالی سعادة ومؤانسة، من حيث قوله عليه السلام:

«ذكر الله ينير البصائر ويؤنس الضمائر»(1).

ص: 47


1- عیون الحکم، ص 255

«ذكر الله دواء اعتلال النفوس»

«ذكر الله طارد اللأواء(1) والبؤس»

«الذكر مفتاح الأنس»

«إذا رأيت الله سبحانه وتعالى يؤنسك بذكره فقد أحبك، إذا رأيت الله يؤنسك بخلقه و يوحشك من ذكره فقد أبغضك»(2).

وأضف إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«ذكر الناس داء، وذكر الله دواء وشفاء»(3).

فهو يوضح أن السعادة الحقيقية تتم بذكر الله تعالی.

ص: 48


1- الألواء: بمعنى الانحناء الذي يحتاج إلى استغاثة: تاج العروس للزبيدي: ج 20، ص 168
2- عيون المواعظ والحكم، ص 135
3- مستدرك الوسائل، ج 5، ص 286

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

1. نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، تح صبحي الصالح، ت 40، ط 1، 1387 - 1967 م.

2. لسان العرب: ابن منظور، ت 711، محرم 1405، نشر أدب الحوزة

3. الجامع الصغير: جلال الدين السيوطي ت 911، ط 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

4. غرر الحكم، عبد الواحد الآمدي التميمي من علماء القرن الخامس الهجري، مؤسسة الاعلمي، بيروت، لبنان.

5. بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي، ت: 1111 م، تح: السيد إبراهيم الميانجي، محمد الباقر البهبودي، ط 3 المصححة، 1403 - 1983 م، دار إحياء التراث العربي، بیروت، لبنان.

6. شجرة طوبى: الشيخ محمد مهدي الحائري، ت: 1369، ط 5، محرم الحرام 1385، المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

ص: 49

7. مسند الإمام علي عليه السلام، السيد حسن القبانجي، تح: الشيخ طاهر السلامي، ط 1، 1421 - 2000 م، الأعلمي بيروت، لبنان.

8. الكافي: الشيخ الكليني، ت 329 / تحقيق وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط 3، 1367 ش، مطبعة حيدري.

9. عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي، تح: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث.

10. عوالي اللآلئ: ابن أبي جمهور الأحسائي، ت نحو 880 تح: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي؛ آقا مجتبی العراقي، ط 1، 1403 - 1983 م سيد الشهداء - قم.

11. تحف العقول عن آل الرسول: ابن شعبة الحراني، تحقیق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط 2 1404 - 1363 ش

ص: 50

12. معجم مقاییس اللغة: أحمد بن فارس بن زکریا (ابن فارس)، ت 395، تح: عبد السلام محمد هارون، 1404، مكتبة الإعلام الإسلامي.

13. ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ت 318، تح: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، ط 2، 1368 ش، مطبعة أمير، قم.

14. إقبال الأعمال: السيد ابن طاووس، ت 664، تح: جواد القيومي الأصفهاني، ط 2، ربيع الأول 1415، مكتب الإعلام الإسلامي.

ص: 51

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

المقدمة...10

المسألة الأولى: الأهل في اللغة...13

المسألة الثانية...17

الأهل في القرآن والسنة...17

المسألة الثالثة...24

صفات أهل الذكر...24

الفائدة الأولى: مطردة الشيطان...33

الفائدة الثانية: دعامة للإيمان...43

الفائدة الثالثة: حصول السعادة:...47

المصادر والمراجع...49

ص: 52

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.