عجیب خلق الطاووس

هوية الکتاب

عجیب خلق الطاووس

الكتاب...عجيب خلق الطاووس.

المؤلف...محمد حمزة الخفاجي.

الناشر:مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

الكتاب...عجيب خلق الطاووس.

المؤلف...محمد حمزة الخفاجئي.

الناشر:مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ: 1000 نسخة.

ص: 2

سلسلة عجائب المخلوقات في نهج البلاغة (3) عجیب خلق الطاووس تألیف محمد حمزة الخفاجي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع: www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«وَمِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَمِ تَعْدِيلٍ وَنَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ إذَا دَرَجَز إلَى الاْنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ وَسَمَا بِهِ مُظِلاًّ عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَيَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ يُفْضِي كَإفْضَاءِ الدِّيَكَةِ وَيَؤُرُّ بِمَلاَقِحِهِ جأَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ أُحِيلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلَى مُعَايَنَةٍ لاَ كَمَنْ يُحِيلُ عَلى ضَعِيفٍ إسْنَادُهُ وَلَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ فَتَقِفُ في ضَفَّتَي جُفُونِهِ وأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ ثُمَّ تَبِيضُ لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ الْمُنبَجِسِ لَمَا كَانَ ذلِكَ بَأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِى مِنْ فِضَّةٍ وَمَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ وَشُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْيَانِ وَفِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الاْرْضُ قُلْتَ جَنِى جُنِى مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ وَإنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْملابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِي الْحُلَلِ أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ؟ الَيمَنِ؟ وَإنْ شَاكَل كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ الْمُكَلَّلِ يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَهُ فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ فَإذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلاً بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ وَيَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ لاِنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلاَسِيَّةِ وَقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كالاْبْرِيقِ وَمَغَرزُهَا

ص: 5

إلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَمَانِيَّةِ أَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ إلاَّ أنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَ بِهِ وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الاْقْحُوَانِ أَبْيَضُ يَقَقٌ فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِك َيَأْتَلِقُ وَقَلَّ صِبْغٌ إلاَّ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَعَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِيقِهِ وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ فَهُوَ كَالاْزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيعٍ وَلاَ شُمُوسُ قَيْظٍ وَقَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ رِيشِهِ وَيَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ فَيَسْقُطُ تَتْرَى وَيَنْبُتُ تِبَاعاً فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الاْغْصَانِ ثُمَّ يَتَلاَحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ لاَ يُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ وَلاَ يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَإذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عسْجَدِيَّةً فَكَيْفَ تَصِلُ إلَى صِفَةِ هذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِينَ وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الاْوهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ وَالاْلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلاَّهُ لِلْعُيُونِ فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً وَمُؤَلَّفاً مُلَوَّناً وَأَعْجَزَ الاْلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ وَقَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ»

نهج البلاغة، صبحي الصالح، خطبة 165، ص 236 - 238.

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة:

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، والصلاة والسلام على أشرف النعم وأتمها وأفضلها محمد وآله الأطهار الهداة الأخيار.

أما بعد:

فإن من لطائف الحكمة المكنونة في متون كتاب نهج الله البلاغة احتوائه على خطب اختصت ببيان بديع صنع تعالى في خلقه، ومنها خلق الطيور، والخفاش، والنملة، والجرادة وغيرها مما تلحظه العيون أو تأنس به النفوس أو تنتفع به الأبدان أو تتأمل فيه العقول وغير ذلك من الغايات والمقاصد التي كانت وراء خلق الله تعالى لهذا الخلق العجيب.

كما ورد بيانه في كلام أمير المؤمنين عليه السلام فقال: «وَأَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ، وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثارُ حِكْمَتِهِ، وَاعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ

ص: 7

قُوَّتِهِ، مَا دَلَّنا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَظَهَرَتِ في الْبَدَائِعُ الَّتِي أحْدَثَها آثَارُ صَنْعَتِهِ، وَأَعْلاَمُ حِكْمَتِهِ، فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَدَلِيلاً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً، فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ، وَدَلاَلَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ»(1).

ومن هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة طباعة هذه السلسلة الموسومة ب (سلسلة عجائب المخلوقات في نهج البلاغة) لما تحققه من هدف في انماء الفكر الإسلامي في واحدة من أهم حقوله المعرفية وهو التوحيد الذي كان من طرق تحصيله هو التأمل في خلق الله تعالى والتفكر في لطائف حكمته وبديع صنعه.

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8


1- نهج البلاغة، الخطبة: 91، ص 126

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله الخالق المبدع المصور، له الأسماء الحسنى، والصلاة والسلام على حبيبه ونجيبه وسيد رسله محمد وآله الأطهار الميامين الأبرار.

أما بعد..

ذكرنا في البحوث السابقة عجائب الطيور وأنواعها وأسماءها كالغراب والحمامة والعقاب، وذكرنا عجيب خلق الخفاش، وفي هذه الخطبة نذكر ما قال الإمام علي (عليه السلام) عن أعجب الطيور وأجملها وأحسنها خَلقاً وهو الطاووس، فهو أكثر الطيور زينة وجمالاً حيث أشار الإمام (عليه السلام) الى ألوانه العجيبة التي نسقها الله بأحسن نسق، وإن للطاووس رأساً أزرق داكناً وذيلاً جميلاً إذا نشره حير الناظر بجماله، يحتوي ذيل الطاووس على خصلات من الريش المطلي باللون الأخضر،

ص: 9

والأحمر، والأصفر، والوردي، والطريف إن صاحب الذيل الجميل ليس الانثى بل الذكر، وإن حجم الانثى اقل من حجم الذكر وألوانها أقل بهجة من ألوان الذكر، وإذا أراد الطاووس أن يغري الأنثى نشره والعجيب أن الطاووس يعرف أنه جميل، فإن الله ألهمه هذا الإلهام، وهو يعرف أن خلقه عجيب، إلا ساقاه، فإذا نظر إليهما بان ألمه واشتد حزنه.

وقد ذكر الإمام (عليه السلام) بعض الخرافات التي قيلت عن كيفية تزاوج الطواويس، حيث قالوا إن الذكر تدمع عيناه فتمتصها الأنثى فيتم الاخصاب، ولكن الحقيقة أن التلقيح يتم عن طريق الجماع، وهذا ما شوهد بالعين، ومن حكمة الله في خلق الطاووس هو بيان عجز الإنسان عن ادراك عظمة الخالق كونه لا يقدر أن يصف مخلوقاً يشاهده أمامه؛ فكيف يقدر أن يصل إلى مكنون عظمة الله سبحانه.

المؤلف

ص: 10

تمهيد:

الطاووس: طائر معروف وتصغيره طويس، بعد حذف الزوائد، وكنيته أبو الحسن وأبو الوشي، وهو في الطير كالفرس في الدواب، عزا وحسنا، وفي طبعه العفة وحب الزهو بنفسه والخيلاء والاعجاب بريشه وعقده لذنبه كالطاق، لا سيما إذا كانت الأنثى ناظرة إليه. والأنثى تبيض بعد أن يمضي لها من العمر ثلاث سنين، وفي ذلك الأوان يكمل ريش الذكر ويتم لونه وتبيض الأنثى مرة واحدة في السنة اثنتي عشرة بيضة وأقل وأكثر، ولا تبيض متتابعا ويسفد في أيام الربيع، ويلقي ريشه في الخريف كما يلقي الشجر ورقه، فإذا بدء طلوع الأوراق في الشجر طلع ريشه، وهو كثير العبث بالأنثى، إذا حضنت، وربما كسر البيض ولهذه العلة يحضن بيضه تحت الدجاج، ولا تقوى الدجاجة على حضن أكثر من

ص: 11

بيضتين منه، وينبغي أن تتعاهد الدجاجة بجميع ما تحتاج إليه من الأكل والشرب، مخافة أن تقوم فيفسده الهواء.

والفرخ الذي يخرج من حضن الدجاجة، يكون قليل الحسن، ناقص الخلق وناقص الجثة، ومدة حضنه ثلاثون يوما، وفرخه يخرج من البيضة كالفروج كاسيا كاسبا...

وأعجب الأمور أنه مع حسنه يتشاءم به، وكأن هذا، والله أعلم، أنه لما كان سببا لدخول إبليس الجنة، وخروج آدم منها، وسببا لخلو تلك الدار من آدم مدة دوام الدنيا، كرهت إقامته في الدور بسبب ذلك.

حكي أن آدم لما غرس الكرمة، جاء إبليس فذبح عليها طاووسا، فشربت دمه فلا طلعت أوراقها، ذبح عليها قردا فشربت دمه، فلما طلعت ثمرتها ذبح عليها أسدا فشربت دمه، فلما انتهت ثمرتها ذبح عليها خنزيرا فشربت دمه، فلهذا شارب الخمر تعتريه هذه الأوصاف الأربعة، وذلك أنه أول ما يشربها وتدب في أعضائه،

ص: 12

يزهو لونه ويحسن كما يحسن الطاووس فإذا جاءت مبادي السكر لعب وصفق ورقص، كما يفعل القرد فإذا قوي سكره جاءت الصفة الأسدية، فيعبث ويعربد ويهذي بما لا فائدة فيه ثم يتقعص كما يتقعص الخنزير، ويطلب النوم وتنحل عرى قوته)(1).

ص: 13


1- حياة الحيوان الكبرى، كمال الدين الدميري، ج 2، ص 113، باب الطاء المهملة

المسألة الأولى: أعجب الطيور خلقاً.

قوله (علیه السلام):

«وَمِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ الَّذِی أَقَامَهُ فِی أَحْکَمِ تَعْدِیلٍ وَنَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِی أَحْسَنِ تَنْضِیدٍ».

المعنى اللغوي:

(نضد) النون والضاد والدال أصل صحيح يدل على ضم شيء إلى شيء في اتساق وجمع منتصبا أو عريضا، ونضدت الشيء بعضه إلى بعض متسقا أو من فوق، والنضد المنضود من الثياب)(1).

إن من أعجب طيور الدنيا خلقاً هو الطاووس بل هو من أجمل الحيوانات، كونه فائق الجمال فالريشة الواحدة تحتوي على عدة ألوان ومنسقة بنسق عجيب ومدهش،

ص: 14


1- معجم مقايس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا، ج 5، ص 439

فكل من نظر الى الطاووس ذُهل فيه، فذيله الطويل الذي يخط على الأرض يجلب الإنتباه إلى كل من رآه وحينما ينشره يكون في غاية الروعة، فهو أجمل طيور العالم وإن الله سبحانه وتعالى وضع كل شيء في موضعه الصحيح من مختلف الألوان.

جاء في عجائب المخلوقات (الطاووس أحسن الطيور جمالاً وأحسناً وأرقها لوناً والله تعالى في خلقه حكمة في اختلاف ألوانها فترى في وسط كل ريشة دائرة من ذهب مختلفة بالزرقة والخضرة وغيرهما من الألوان التي يلائم بعضها بعضاً ينشأ في تركيبها زيادة حسن فإن الذهب إذا جعلته على الحمرة أو الصفرة أو البياض لا تجد مثل حسنها على الزرقة والخضرة والكحلية، فانظر إلى قدرة الصانع كيف خلق في بيضة تلك النقوش العجيبة والألوان الحسنة، ثم أن الذهب الذي يولدها في الحجر لا يخرج الا بالحيلة الشديدة ولا يصلح للتزويق إلا بعد أن يعمل عليها صناع كثر مختلفو الصناعات،

ص: 15

وكيف خلق الله في البيضة خاصية يتبين منها لون الذهب، فسبحان من أعظم شأنه وأوضح برهانه. قالوا عمر الطاووس خمس وعشرون سنة وفي هذه المدة يتلون بألوان كثيرة، وفي كل سنة يلقي بريشه وقت الخريف، وإذا بدأت الاشجار بالأوراق يكتسي الطاووس أيضاً بريشه. قال ابن سينا: من أراد أن يظفر بإبعاد الهوام يقتني طاووساً في مكانه)(1).

ص: 16


1- عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات، ص 349

المسألة الثانية: وصف جناح الطاووس وذيله

قوله (عليه السلام):

«بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ، وَذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ، إِذَا دَرَجَ إِلَی الْأُنْثَی نَشَرَهُ مِنْ طَیِّهِ، وَسَمَا بِهِ مُطِلًّا عَلَی رَأْسِهِ، کَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِیٍّ عَنَجَهُ نُوتِیُّهُ».

(أَشرَجَ، شَرَجَها شَرجاً، وأَشرَجَها، وشَرَّجها: أَدخل بعض عُرَاها في بعض وداخل بين أَشراجها، وشُرِّجَ اللحم: خالطه الشحمُ، وتَشَرَّجَ اللحمُ بالشَّحم أَي تداخلا(1)، القَصَبُ: كل عظمٍ مستدير أَجوَفَ، وكلُّ ما اتُّخِذَ من فضة أَو غيرها، الواحدة قَصَبةٌ(2)، مَسحَبَهُ، سحب: السحب: جرك الشيء، كسحب المرأة ذيلها، وكسحب الريح التراب وسمي السحاب لانسحابه في

ص: 17


1- لسان العرب، ج 2، ص 305
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 675

الهواء(1)، قِلعُ دَارِيٍّ: أَي شِراعٌ منسوب إلى هذا الموضع البحري(2)، نُوتِيُّهُ، النُّوتِيُّ: المَلَّاحُ الذي يُدَبِّرُ السفينة في البحر(3)).

جناح الطاووس:

والمعنى من كلامه (عليه السلام) إن الله سبحانه وتعالى جمع عظام الأجنحة وما فيها من عروق ثم رتبها ونظمها ونسقها بحسب اختلاف الطول والقصر حتى لائمها بحيث من نظر الى جناح الطاووس ونَسَق ألوانه انبهر فيه لجماله.

وجاء في ظلال نهج البلاغة في كتاب (كل شيء عن الطيور): (ان أجنحتها تؤدي وظائف كثيرة ومذهلة، إلى جانب الطيران.. ولولا ما فيها من عضلات لتعذر

ص: 18


1- العين، ج 3، ص 151
2- لسان العرب، ج 4، ص 400
3- المصدر نفسه، ج 2، ص 101

ذلك.. وثمة وجه شبه بين جناح الطير ومروحة الطائرة.. ولا شك ان دراسة طيران الطيور قد أسهمت في اختراع الطائرة)(1).

ذيل الطاووس:

أمّا ذيل الطاووس فهو من أروع وأجمل ما خلق الله خاصةً حينما ينشره، حيث تظهر بوضوح النقوش والألوان الجذابة ويكون الطاووس في قمة جماله، فلو أمعنا النظر في ذيل الطاووس نجده مليئاً بالعيون التي تحوي ألوان جميلة وبراقة فهذه النقوش الموجودة في ذيل الطاووس تزيده جمالاً.

والطاووس إذا أراد أن يجذب الأنثى ينشر ذيله ويقوم بتحريكه حيث يشاء ويتباهى أمام الانثى بما أعطاه الله من جمال عجيب فهذه العروض المذهلة التي يقوم فيها إنما هي استعراض لإغواء الانثى، وقيل إن (كل ذكر

ص: 19


1- في ظلال نهج البلاغة، ج 2، ص 470

من أي نوع كان يتضاهى ويتباهى أمام أنثاه، وبالخصوص حين يهتف به نداء الجنس، ويقول علماء الطيور: ان الذي يغني من الطيور هو الذكر، أما الإناث فتكاد لا تغني على الاطلاق ومن جملة الأسباب أن يغري الأنثى بغنائه.. وكل طائر يطوي وينشر ذيله متى شاء تماما كما يفعل الانسان بأنامله سوى ان ذيل الطاووس أجمل الذيول وأطولها وأعرضها بحيث يستطيع أن يجعل منه مظلة على رأسه)(1).

فالله سبحانه وتعالى ميز الذكر على الانثى بهذا الذيل المدهش والعجيب الذي يحوي ألواناً براقة وعجيبة، مما زاده جمالاً مضاعفاً.

ص: 20


1- المصدر نفسه، ص 470

المسألة الثالثة: تكبر الطاووس وغروره وما قيل عن كيفية تزاوجه

قوله (عليه السلام):

«یَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ، وَیَمِیسُ بِزَیَفَانِهِ، یُفْضِی کَإِفْضَاءِ الدِّیَکَهِ، وَیَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَهِ لِلضِّرَابِ. أُحِیلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلَی مُعَایَنَهٍ، لَاکَمَنْ یُحِیلُ عَلَی ضَعِیفٍ إِسْنَادُهُ، وَلَوْ کَانَ کَزَعْمِ مَنْ یَزْعُمُ أَنَّهُ یُلْقِحُ بِدَمْعَهٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ، فَتَقِفُ فِی ضَفَّتَی جُفُونِهِ، وَأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ ثُمَّ تَبِیضُ، لَامِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ، سِوَی الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ، لَمَا کَانَ ذلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَهِ الْغُرَابِ».

المعنى اللغوي:

المختال: الخُيَلاء والخِيَلاء، بالضم والكسر: الكِبر والعُجب، وقد اختال فهو مُختال(1)، بِزَیَفَانِهِ، زوف: زَافَت الحَمَامَةُ زَافَت، تَزُوفُ، زَوفاً: نَشَرَت جَنَاحَيهَا وذَنَبَهَا

ص: 21


1- لسان العرب، ج 11، ص 228

وسَحَبَتهُمَا علَى الأَرضِ(1)، وَيَمِیسُ، يقال مَسَي يَمسِي مَسیاً إِذا ساءَ خُلقُه بعد حُسن(2)، يَؤُرُّ، الأرِّ بمعنی النِّكَاح(3)، مُغتَلِمَةِ، غلم يغلم غلما وغلمة أي غلب شهوة(4)، اَلضِّرَابِ: لقاح الفحل لأنثاه، المُنبَجِسِ، الأنبجاس: النبوع في العين خاصة، أو عام(5).

غرور الطاووس:

إن هذا الجمال الذي يمتلكه الطاووس قد جعله يتبختر في مشيه ويتعجب بخلقه ويمتلكه الغرور، لأن جماله فاق كثيراً من الطيور مما جعله يتكبر فسبحان الله خالق الوجود، وحينما تغلب عليه الشهوة ينشر جناحه وذنبه كي يجلب أنثاه لتتم عملية النكاح.

ص: 22


1- تاج العروس، ج 12، ص 258
2- المصدر نفسه، ج 15، ص 280
3- المصدر نفسه، ج 6، ص 20
4- العين، ج 4، ص 422
5- القاموس المحيط، ج 2، ص 199

روي عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم الجعفري قال: ذكرت عند أبي الحسن (عليه السلام) حسن الطاووس، فقال: لا يزيدك على حسن الديك الأبيض بشيء، قال: وسمعته يقول: الديك أحسن صوتا من الطاووس، وهو أعظم بركة ينبهك في مواقيت الصلوات فإنما يدعو الطاووس بالويل بخطيئته التي ابتلي بها(1)،

الرد على الخرافات التي قيلت في الطاووس والغراب.

ينفي الإمام (عليه السلام) أقوال القائلين عن كيفية التزاوج بين الطاووس وأنثاه؛ حيث قالوا أن الذكر تدمع عيناه فتأخذها الأنثى بمنقارها فتتم عملية التزاوج بهذه الطريقة وكذلك أشار الى الأعجب من ذلك قولهم عن كيفية نكاح الغراب؛ قالوا أن الغراب يزق الأنثى فيضع كل منهم منقاره بمنقار الآخر ويلقمها، وبذلك تتم العملية عن طريق المطاعمة، وقد نفى الإمام تلك

ص: 23


1- وسائل الشيعة، ج 11، ص 526، ح 3

الخرافات وأكد أن الجماع يتم بالطريقة المعهودة كالديكة بقوله: (یُفْضِی کَإِفْضَاءِ الدِّیَکَهِ، وَیَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَهِ لِلضِّرَابِ).

وقوله: (أُحِیلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلَی مُعَایَنَهٍ، لَاکَمَنْ یُحِیلُ عَلَی ضَعِیفٍ إِسْنَادُهُ).

يعني ان الذي شوهد بالعين أوضح دلالة من الكلام الذي يكون ضعيف السند و (لعل سبب هذه الخرافة أنّ أغلب الطيور تضع مناقير الطيور الأخرى قبل الجماع وهذا ما جعل البيض يلتبس عليه الأمر، وشبيه ذلك ما قيل في الطاووس من أنّ الأنثى تمتص دمع الذكر قبل الجماع)، سؤال: وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: ترى من الذي جعل الإمام (عليه السلام) يتعرض لهذه الخرافة بشأن الطاووس أو الغراب، والحال لو كان الأمر كذلك لكان من عجائب الخلقة وغرائبها؟

والجواب: أنّ الناس لو اتجهوا صوب الخرافات

ص: 24

لإثبات العجائب والغرائب لاضطرت الواقعيات وسلبت نتائجها المطلوبة.

والسؤال الآخر الذي يرد هنا لم يكن في الحجاز طاووس ليرى الإمام عليه السلام عملية التلقيح فكيف ورد هذا الكلام؟ أجاب ابن أبي الحديد في شرحه لهذه الخطبة من نهج البلاغة أنّ المدينة وإن خلت من هذا الطائر غير أن الإمام (عليه السلام) أورد هذه الخطبة في الكوفة التي كان يجلب إليها كل شيء بما فيها هدايا وصفايا الملوك، وعليه فليس من العجب أنّ الإمام (عليه السلام) شاهد الطاووس و حرکاته)(1).

وجاء في الموقع الترفيهي سحر الكون (تبدأ مرحلة التزاوج للطاووس عند بلوغه ثلاث سنوات بحيث يكون اكتمل نموه واكتمل ذیل ذكر الطاووس لتبدأ مرحلة اختيار انثى الطاووس والتزاوج ويكون ذلك

ص: 25


1- نفحات الولاية، ج 6، ص 262

خلال موسم الربيع وبعد التزاوج تبني انثى الطاووس عشها على الارض من الاعشاب ويكون العش مخفياً عن الانظار حتى تحميه من هجوم الحيوانات المفترسة، وتضع انثى الطاووس عادة ما بين (4 - 6) بيضات في المرة الواحدة، وتحتضن انثى الطاووس البيض لمدة شهر تقريبا او على الأقل (28) يوما وتتبع صغار الطاووس امهم لمدة اربعة اشهر ويكتمل نمو صغار الطاووس بعد (8 - 10) اشهر)(1).

ص: 26


1- سحر الكون: أكبر موقع ترفيهي يهتم بأنواع الحيوانات وغرائب و عجائب الكون، جميع الحقوق محفوظة سحر الكون . Copyrighted © 2012

المسألة الرابعة: وصف ريش الطاووس وجماله

قوله (عليه السلام):

«تَخَالُ قَصَبَهُ مدَاَريَ مِن فِضّةٍ، وَ مَا أُنبِتَ عَلَيهَا مِن عَجِيبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ، خَالِصَ العِقيَانِ وَ فِلَذَ الزّبَرجَدِ، فَإِن شَبّهتَهُ بِمَا أَنبَتَتِ الأَرضُ قُلتَ: جَنًي جنُيَ مِن زَهرَةِ كُلّ رَبِيعٍ، وَ إِن ضَاهَيتَهُ بِالمَلَابِسِ فَهُوَ كمَوَشيِّ الحُلَلِ، أَو مُونِقِ عَصبِ اليَمَنِ، وَ إِن شَاكَلتَهُ باِلحلُيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلوَانٍ قَد نُطّقَت بِاللّجَينِ المُكَلّل».

المعنى اللغوي:

(قصبة: بمعنی عمد الريش، دَارَاتِهِ: والدارة: التي حول القمر، وهي الهالة(1)، اَلعِقيَانِ: ذهب ينبت نباتا

ص: 27


1- الصحاح، ج 2، ص 660

وليس مما يذاب من الحجارة(1)، فِلَذَ: الفلذ: كسرك قطعة من كبد أو فضة أو ذهب(2)، اَلزَّبَرجَدِ، بالكسر: الزينة من وَشيٍ أَو جوهر ونحو ذلك: يقال: زِبرِجٌ مُزَبرَجٌ أَي مزیَّن(3)، الجني: الذهب والودع والرطب والعسلج: أجناء، واجتنينا ماء مطر: وردناه فشربناه، وأجنی الشجر: أدرك والأرض: کثر جناها، وثمر جني: جني من ساعته(4)، مَوشِيِّ أي منقوش، أنق: الأنق: الإعجاب بالشيء، تقول: أنقت به، وأنا آنق به أنقا، وأنا به أنق: معجب، وآنقني الشيء يؤنقني إيناقا، وإنه لأنيق مؤنق، إذا أعجبك حسنه(5)، اللُّجَينِ: الفضة(6)، (إكليل) بمعنی

ص: 28


1- العين، ج 2، ص 178
2- المصدر نفسه، ج 8، ص 186
3- لسان العرب، ج 2، ص 285
4- القاموس المحیط، ج 4، ص 314
5- العين، ج 5، ص 221
6- المصدر نفسه، ج6 ، ص 124

التاج، كما يطلق على ما يزن بالمجوهرات(1)).

إن في ريش الطاووس ألواناً عجيبة ومن أبرز هذه الألوان التي ذكرها الإمام الأصفر والأخضر؛ فاللون الأصفر يلمع كالذهب الخالص واللون الأخضر كالزبرجد الذي يستخدم للزينة، وهو من الأحجار الجميلة وجاء في لسان العرب الزِّبرِجُ: النَّقشُ، وزَبرَجَ الشيءَ: حَسَّنَه، وكلُّ شيء حَسَنٍ: زِبرِجٌ(2)، وهذه الأحجار الجميلة توضع للزينة، وهي أحجار باهظة الثمن؛ فريش الطاووس کهذه الاحجار البراقة والمذهلة.

ووصف الإمام (عليه السلام) ألوان ريش الطاووس كباقة الورد التي تحتوي على ألوان جذابة ومختلفة، وقال الشارح البحراني (شبّه عليه السّلام قصب ذنبه بالمداري من الفضّة، ومن شاهد صورة قيام ذنبه مع بياض أصول

ص: 29


1- نفحات الولاية، ج 6، ص 263
2- لسان العرب، ج 2، ص 285

ریشه و تفرّقها عند نشره للسفاد عرف موضع التشبيه المذكور ووقوعه موقعه، وكذلك شبّه الخطوط الصفراء المستديرة على رؤوس ريش الذنب بخالص العقيان في الصفرة الفاقعة مع ما يعلوها من البريق، وما في وسط تلك الدارات من الدوائر الخضر بقطع الزبرجد في الخضرة، واستعار لها لفظ الشموس ملاحظة لمشابهتها لها في الاستدارة والاستنارة. ثمّ قال: وإن شبّهته بما أنبتت الأرض. إلى قوله: كلّ ربيع، ووجه الشبه اجتماع الألوان مع نضارتها وبهجتها. وكذلك وجه الشبه في تشبيهه بموشيّ الحلل أو المعجب من برود اليمن، وكذلك إن شاکلته بالحليّ، ووجه شبهه بالفصوص المختلفة الألوان المنطَّقة في الفضّة: أي المرصّعة في صفائح الفضّة والمكلَّل الَّذي جعل كالإكليل بذلك الترصيع)(1).

عن هشام بن الحكم يقول: دخل أبو شاكر الديصاني

ص: 30


1- شرح نهج البلاغة - ابن میثم البحراني، ج 3، ص 310

على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: إنك أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدوراً بواهر، وأمهاتك عقيلات عباهر، وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:

«نستدل عليه بأقرب الأشياء»

قال: وما هو؟ قال: فدعا أبو عبد الله عليه السلام ببيضة فوضعها على راحته، فقال:

«هذا حصن ملموم داخله غرقی رقيق لطیف به فضة سائلة وذهبة مائعة ثم تنفلق، عن مثل الطاووس، أدخلها شيء؟».

فقال: لا، قال:

«فهذا الدليل على حدوث العالم».

قال: أخبرت فأوجزت، وقلت فأحسنت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا، أو سمعناه

ص: 31

بآذاننا، أو شممناه بمناخرنا أو ذقناه بأفواهنا أو لمسناه بأكفنا أو تصور في القلوب بيانا أو استنبطه الرويات إيقانا، قال أبو عبد الله (علیه السلام):

«ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع شيئاً بغير دليل کما لا يقطع الظلمة بغير مصباح»(1).

ص: 32


1- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 292

المسألة الخامسة: أسرار في الطاووس

قوله (علیه السلام):

«يمَشيِ مشَيَ المَرِحِ المُختَالِ، وَ يَتَصَفّحُ ذَنَبَهُ وَ جَنَاحَيهِ، فَيُقَهقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِربَالِهِ، وَ أَصَابِيغِ وِشَاحِهِ، فَإِذَا رَمَي بِبَصَرِهِ إِلَي قَوَائِمِهِ، زَقَا مُعوِلًا بِصَوتٍ يَكَادُ يُبِينُ عَنِ استِغَاثَتِهِ، وَ يَشهَدُ بِصَادِقِ تَوَجّعِهِ لِأَنّ قَوَائِمَهُ حُمشٌ كَقَوَائِمِ الدّيَكَةِ الخِلَاسِيّةِ وَ قَد نَجَمَت مِن ظُنبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيّة».

(اَلمَرِحِ: شدة الفرح حتى يجاوز قدره(1)، اَلمُختَالِ، الخيلاء والخيلاء بالضم والكسر الكبر والعجب، يقال: اختال فهو مختال، وفيه خيلاء ومخيلة: أي كبر(2)، وِشَاحِهِ، الوشاح: شيء ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر،

ص: 33


1- العين، ج 3، ص 225
2- النهاية في غريب الحدیث، ج 2، ص 93

وتشده المرأة بين عاتقيها، يقال وشاح(1)، مُعوِلاً، العول: كل أمر عالك والعولة من العويل، وهو البكاء(2)، حمش: الحمش: الدقيق القوائم، وساق حمشة، جزم، وتجمع على حمش وحماش(3)، اَلخِلاَسِيَّةِ: الخلاسي، بالكسر: الولد بين أبوين أبيض وأسود، والديك بين دجاجتين هندية وفارسية(4)، النجم من النبات: ما لم يقم على ساق كساق الشجر، والنجوم: ما نجم من العروق أيام الربيع، ترى رؤسها أمثال المسال تشق الأرض شقا، و نجم الناب إذا طلع(5)، الظنبوب: حرف الساق من قدم، أو عظمه، أو حرف عظمه، ومسار يكون في جبة السنان(6)، صِيصِيةٌ، الصيصية: شوكة الحائك التي يسوى بها السداة

ص: 34


1- الصحاح، ج 1، ص 415
2- العين، ج 2، ص 248
3- المصدر نفسه، ج 3، ص 100
4- القاموس المحیط، ج 2، ص 211
5- العين، ج 6، ص 155
6- القاموس المحيط، ج 1، 99

واللحمة، ومنه صيصية الديك التي في رجليه(1)).

يمشي الطاووس مشي المتعجب بنفسه والمتكبر ويتفقد وينظر برقة ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكا لما أعطاه الله من جمال وأصابيغ عجيبة حيث الريش المزركش بألوان مدهشة ومتنوعة، كوشاح المرأة المرصع بالجواهر واللؤلؤ، والطاووس بهذا الجمال له رجلان قبيحتان؛ فإذا نظر إليهما حزن واغتم، ويظهر ذلك لمن نظر إليه لأن الطاووس إذا رمى ببصره إلى قوائمه صاح في دهشة بصوت يكاد يظهر عن استغاثته بسبب قبح رجله الخلاسية فكل شيء في جسم الطاووس جميل ومدهش إلا ساقاه فإنهما قبيحتان، ويعني بالخلاسية المتولدة بين الهندية والفارسية، فإن هذه الديكة أقبح رجلاً من الديكة العادية ويوجد في ساق الطاووس أصبع لا يلامس الأرض وهو صغير ليس بطويل وهذا ما أشار إليه الإمام بقوله (وَ قَد نَجَمَت مِن ظُنبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيّة)،

ص: 35


1- الصحاح، ج 3، ص 1044

وقد بيّن الإمام (عليه السلام) هذه الأمور العجيبة والأسرار المدهشة ليكشف فيها عن حال الطاووس وما يكمنه في نفسه من ألم عندما ينظر إلى ساقيه وقد تكون الحكمة من خلق ساق الطاووس بهذا الشكل كي لا يتكبر ولا يغتر لأن هاتين الصفتين مذمومتان عند الله فعندما ينظر الطاووس لساقيه يعلم أنه رغم جماله الذي اعطاه الله اياه إلا أن فيه شيئاً سلبياً ولولا اغترار المخلوقات لأعطاها الله ما تشاء.

روي عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:

«الطاووس مسخ كان رجلا جميلا كابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله تعالى طاووسين أنثى وذكراً فلا تأكل لحمه ولا بيضه»(1).

ص: 36


1- وسائل الشيعة، ج 24، ص 106، ح 6

المسألة السادسة: جمال الطاووس وما خصه الله من خصالٍ خمس

قوله (عليه السلام):

«وَ لَهُ فِي مَوضِعِ العُرفِ قُنزُعَةٌ خَضرَاءُ مُوَشّاةٌ وَ مَخرَجُ عَنُقِهِ كَالإِبرِيقِ وَ مَغرِزُهَا إِلَي حَيثُ بَطنُهُ كَصِبغِ الوَسِمَةِ اليَمَانِيّةِ أَو كَحَرِيرَةٍ مُلبَسَةٍ مِرآةً ذَاتَ صِقَالٍ وَ كَأَنّهُ مُتَلَفّعٌ بِمِعجَرٍ أَسحَمَ إِلّا أَنّهُ يُخَيّلُ لِكَثرَةِ مَائِهِ وَ شِدّةِ بَرِيقِهِ أَنّ الخُضرَةَ النّاضِرَةَ مُمتَزِجَةٌ بِهِ وَ مَعَ فَتقِ سَمعِهِ خَطّ كَمُستَدَقّ القَلَمِ فِي لَونِ الأُقحُوَانِ أَبيَضُ يَقَقٌ فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأتَلِقُ وَ قَلّ صِبغٌ إِلّا وَ قَد أَخَذَ مِنهُ بِقِسطٍ وَ عَلَاهُ بِكَثرَةِ صِقَالِهِ وَ بَرِيقِهِ وَ بَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَ رَونَقِهِ فَهُوَ كَالأَزَاهِيرِ المَبثُوثَةِ لَم تُرَبّهَا أَمطَارُ رَبِيعٍ وَ لَا شُمُوسُ قَيظٍ».

المعنى اللغوي:

قُنزُعَةٌ القنزعة: الخصلة من الشعر(1)، مُوَشَّاةٌ، بمعنى

ص: 37


1- العين، ج 2، ص 292

منقوشة، اَلوَسِمَةِ، الوسمة بكسر السين، وهي أفصح من التسكين: نبت يخضب بورقه، ويقال هو العظلم، وأنكر الأزهري السكون وفي القاموس: الوسمة ورق النيل أو نبات يختضب بورقه(1)، صِقَالٍ، الصقل: الجلاء(2)، مُتَلَفِّعٌ، اللفاع: خمار للمرأة يستر رأسها وصدرها، والمرأة تتلفع به(3)، بِمِعجَرٍ، المعجر: ثوب تعتجر به المرأة، أصغر من الرداء، وأكبر من المقنعة(4)، سحم: السحمة: سواد كلون الغراب الأسحم، أي: الأسود(5)، يَأتَلِقُ، التألق: التلألؤ من البرق ونحوه، وتقول: ائتلق يأتلق ائتلاقا(6)، بَصِيصِ،

ص: 38


1- مجمع البحرين، ج 6، ص 184
2- العين، ج 5، ص 64
3- المصدر نفسه، ج 2، ص 146
4- المصدر نفسه، ج 1، ص 222
5- المصدر نفسه، ج 3، ص 154
6- المصدر نفسه، ج 5، ص 214

بصيص أي بريق(1)، قَيظٍ: القيظ: صميم الصيف(2).

(خاض الإمام (عليه السلام) هنا بعبارات فصيحة بليغة في خمس خصائص أخرى تعكس جمال الطاووس ليذكر من خلالها هذه الجمالية على ضوء مظاهر جمال الله وجلاله، فقال: (وَلَهُ فِی مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَهٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاهٌ، العرف عند العرب، شعرات طويلة تبدأ من أعلى الكتف والرقبة حتى خلف الرأس لتنتهي بين الأذنين فيكون التاج وحيث هذا التاج أخضر براق في الطاووس فإنه يمنحه جمالاً يسحر الأبصار ويلفت نظر الإنسان إلى مبدأ هذا الجمال الساحر.

وقال في الخاصية الثانية:

وَ مَخْرَجُ عَنُقِهِ کَالْإِبْرِیقِ وَ مَغْرِزُها إِلی حَیْثُ بَطْنُهُ کَصِبْغِ

ص: 39


1- أساس البلاغة، الزمخشري، ص 49
2- العين، ج 5، ص 200

االْوَسِمَةِ(1) الْیَمانِیَّةِ اوْ کَحَرِیرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذاتَ صِقالٍ».

وقال في الثالثة:

«وَکَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ إِلاَّ أَنَّهُ یُخَیَّلُ لِکَثْرَةِ مَائِةِ وَ شِدَّةِ بَرِیقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ».

وقال في الخاصية الرابعة:

«وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطُّ کَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِی لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ(2) أَبْیَضُ یَقَقٌ(3) فَهُوَ بِبَیَاضِهِ فِی سَوادِ ما هُنالِكَ یَأْتَلِقُ».

وأخيراً قال في الخاصية الخامسة:

«وَقَلَّ صِبْغٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَ عَلاهُ بِکَثْرَةِ صِقالِهِ وَ بَرِیقِهِ وَ بَصِیصِ دِیباجِهِ وَرَوْنَقِهِ فَهُوَ کَالْأَزاهِیرِ الْمَبْثُوثَهِ لَمْ تُرَبِّها أَمْطارُ رَبِیعٍ وَ لا شُمُوسُ قَیْظٍ».

ص: 40


1- (وسمة) لون خاص تخص به الحلية والحاجب
2- (الاقحوان) بمعنى البابونج
3- (یقق) شديد البياض، من مادة (دق)، على وزن حق

(إن التمعن في هذه الخواص الخمس للطاووس إضافة لما ذكر في مقاطع الخطبة السابقة يكشف من جانب عن عظمة وقدرة المصور الماهر الذي جمع كل هذا الحسن والجمال في هذا المخلوق وجعله نموذجاً لأنواع الجمال، حيث أدنی وقفة عند هذا المخلوق دليل على وجود الخالق سوى لهذا المخلوق البديع لكفي في الوقوف على الخالق العظيم، وكلما أوغل الإنسان أكثر وتعلق أصبح أكثر خضوعاً لخالقه الحكيم ونطق بلسان حاله: يا لك من مخلوق رائع جميل، فما أجمل من خلقك ومنحك كل هذا الجال. ومن جانب آخر، نقف على مدى عظمة هذا الإمام العظيم بطل التوحيد ومدى دقته في عرض عجائب وجمال عالم الخلقة وإرشاده الخلق إلى الخلق، والحق أن أحداً لم يتحدث عن جمال هذا الطائر كما تحدث الإمام)(1).

ص: 41


1- نفحات الولاية، ج 6، ص 267 - 268

المسألة السابعة: عجائب ريش الطاووس

قوله (عليه السلام):

«وَ قَدْ یَنْحَسِرُ مِنْ رِیشِهِ، وَ یَعْری مِنْ لِباسِهِ، فَیَسْقُطُ تَتْرَی وَ یَنْبُتُ تِبَاعا، فَیَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ اءَوْراقِ الْأَغْصانِ ثُمَّ یَتَلاحَقُ نامِیا حَتَّی یَعُودَ کَهَیْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، لا یُخالِفُ سالِفَ أَلْوانِهِ، وَ لا یَقَعُ لَوْنٌ فِی غَیْرِ مَکانِهِ، وَإِذا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَراتِ قَصَبِهِ، أَرَتْکَ حُمْرَةً وَرْدِیَّةً، وَ تارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِیَّةً، وَ أَحْیَانا صُفْرَةً عَسْجَدِیَّةً».

المعنى اللغوي:

يَنحَسِرُ، حسر: الحسر: كشطك الشيء عن الشيء، انحسر الطير: خرج من الريش العتيق إلى الحديث(1)، الوتر معروف، وجمعه أوتار، الوتيرة: المداومة، وهي من

ص: 42


1- العين، ج 3، ص 134

التواتر، والمواترة: المتابعة(1)، (نحت) النون والحاء والتاء كلمة تدل على بحر شيء وتسويته بحديدة ونحت النجار الخشبة ينحتها نحتا والنحيتة الطبيعة يريدون الحالة التي نحت عليها الإنسان كالغريزة التي غرز عليها الإنسان وما سقط من المنحوت نحاتة(2)، زَبَرجَدِیَّةً، زبرجد: الزبرجد: الزمرد(3)، عسجد: العسجد: الذهب، ويقال: بل العسجد اسم جامع للجوهر كله، من الدر والياقوت(4).

تساقط ريش الطاووس:

قد تسقط ريش الطاووس واحدة تلو الأخرى لأسباب ما کما تتساقط أوراق الأشجار، فهنالك كثير من العوامل البيئية قد تسبب تلفاً في الريشة، وكذلك من

ص: 43


1- المصدر السابق نفسه، ج 8، ص 132
2- معجم مقاییس اللغة، ج 5، ص 404
3- العين، ج 6، ص 210
4- المصدر نفسه، ج 2، ص 315

طبيعة الأجسام أنها على تغير مستمر كي تقاوم تقلبات الحياة لتستمر في العيش، والله سبحانه وتعالى قد أتقن كل شيء، فبمجرد أن تقع واحدة تنشأ ريشة جديدة تشبه الريشة التي سقطت وكأنما نُحتت فكل ريشة تتجدد تكون بنفس اللون ونفس المنظر ونفس النقوش التي كانت مسبقاً بلا خلاف، فهذه الدقة في الخلق أكبر برهان على أن هنالك صانعاً عجيباً قد أتقن خلقه.

(تتكون الريشة من مادة بروتينية تدعى كيراتين؛ والكيراتين مادة متينة تتشكل من الخلايا القديمة التي هاجرت من مصادر الأوكسجين والغذاء الموجودة في الطبقات العميقة من الجلد والتي تموت لتفسح المجال أمام الخلايا الجديدة.

إن تصميم الريشة تصميم معقد جداً لا يمكن تفسيره على ضوء العملية التطورية. يقول العالم الان فيديوسيا عن ريش الطيور: (لها بنية سحرية معقدة

ص: 44

تسمح بالطيران بأسلوب لا يمكن أن تضمنه أي وسيلة أخرى).

وعلى الرغم من أنه عالم تطوري، إلا أن فيديوسيا اعترف أيضاً (أن الريش هو بنية متكيفة بشكل مثالي تقريباً مع الطيران) لأنها خفيفة، قوية وذات شكل منسجم مع الديناميكية الهوائية، ولها بنية معقدة من الخطافات والقصبات.

لقد أجبرت هذه الرياش تشارلز داروین نفسه على التفكر بها؛ بل لقد جعلته ريشة الطاووس (مريضاً) (حسب قوله). لقد كتب إلى صديقه آز غري في الثالث عشر من نیسان 1860: (أتذكر تماماً حين كان الشعور بالبرودة يجتاحني ما أن تخطر ببالي العين، إلا أنني تغلبت على هذا الآن..) ثم يتابع:

«... والآن عندما أفكر بجزئيات البنية أشعر بعدم الارتياح. إن منظر ذیل الطاووس وریاشه يشعرني

ص: 45

بالمرض!)(1).

وقد يجدد الله ريش الطاووس لحكمة وهي: أن يعلم العباد ان الله قادر على أن يعيد الخلق من جديد لأن المشركين يزعمون أنهم لا يبعثون، كما جاء في قوله تعالى:

«وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ»(2).

وقوله تعالى:

«وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ

ص: 46


1- التصميم في الطبيعة، ص 43
2- الواقعة، 47

شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(1).

فهذه احدى الآيات والدلائل على قدرة الله وعظمته في احياء الموتى وأنه سبحانه قادر على أن يعيد الخلق بعد فنائه.

بعض ألوان ریشة الطاووس

ذكر الإمام (عليه السلام) بعض ألوان ريش الطاووس بقوله:

«وَ إِذا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَراتِ قَصَبِهِ، أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِیَّةً وَتارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِیَّةً وَ أَحْیَانا صُفْرَةً عَسْجَدِیَّةً».

فكل من تصفح في شعرة من شعرات قصبة يجد فيها ألواناً متعددة و ممتزجة منها: (ُمْرَةً وَرْدِیَّةً) يقول العلامة التستري، وهي أحسن ألوان الحمرة، قال الجوهري: الورد الذي يشمّ، وبلونه قيل للأسد ورد، وللفرس ورد،

ص: 47


1- يس، 79 - 83

وهو ما بين الكميت والأشقر، وقال الفيروز آبادي: لقب قیس بن حسّان بالورد لجماله، (خُضْرَةً زَبَرْجَدِیَّةً)، كذلك هي أحسن ألوان الخضرة)(1).

(صُفْرَةً عَسْجَدِیَّةً)، العسجد اسم جامع للذهب بل جميع الياقوت، وكون ريش الطاووس جميلاً فقد يستخدم للزينة وحلية ينتفع بها الناس وكذلك يستخدمها بعض الخدم في أضرحة الأئمة (عليهم السلام).

ص: 48


1- بهج الصباغة، ج 7، ص 60

المسألة الثامنة: بيان عجز الإنسان في الوصول إلى خلق الطاووس

قوله (عليه السلام):

«فَکَیْفَ تَصِلُ إِلی صِفَةِ هذا عَمَائِقُ الْفِطَنِ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرائِحُ الْعُقُولِ، اءَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْواصِفِینَ، وَ أَقَلُّ أَجْزائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الْأَوْهامَ أَنْ تُدْرِکَهُ، وَالْأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ، فَسُبْحانَ الَّذِی بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلَّاهُ لِلْعُیُونِ، فَأَدْرَکَتْهُ مَحْدُودا مُکَوَّنا، وَ مُؤَلَّفا مُلَوَّنا، وَ أَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِیصِ صِفَتِهِ، وَ قَعَدَ بِها عَنْ تَاءْدِیَهِ نَعْتِهِ».

اَلفِطَنِ: الفطنة كالفهم، تقول: فطنت للشيء بالفتح، ورجل فَطِنَ وفَطن، وقد فُطِنَ بالكسر فطنة وفطانة وفطانية، والمفاطنة: مفاعلة منه(1)، قَرَائِحُ: القراح بالفتح أيضا الذي لا يشوبه شيء والقريحة أول ماء يستنبط من

ص: 49


1- الصحاح، ج 6، ص 2177

البشر ومنه قولهم لفلان قريحة جيدة يراد به استنباط العلم بجودة(1)، نَعتِهِ، النعت: وصفك الشيء بما فيه، ويقال: النعت وصف الشيء بما فيه إلى الحسن(2).

قال حبيب الله الخوئي عن قوله (عليه السلام): (فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن) أي الفطن العميقة التي من شأنها إدراك دقايق الأشياء والعلم بوجوه الامور على ما ينبغي (أو تبلغه قرائح العقول) أي تناله العقول بجودة الطّبيعة من قولهم لفلان قريحة جيّدة يراد استنباط العلم بجودة الطبع (أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين) والحال أنّ (أقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه والألسنة أن تصفه) ولا ريب أنّ الشّعرة أقلّ الأجزاء الّتي بها قوام الحيوان.

والمراد بيان عجزها عن ادراك علل هذه الألوان على

ص: 50


1- المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 396
2- العين، ج 2، ص 72

اختلافها واختصاص كلّ من مواضعها بلون غير الآخر وعلل هيئاتها وسایر ما أشار إليه، أو إظهار عجزها عن إدراك جزئيّات الأوصاف المذكورة و تشریح الهيئات الظاهرة والخصوصيات الخفيّة في خلق ذلك الحيوان، فإنّ ما ذكره (عليه السّلام) في هذه الخطبة تشريحه وإن كان على غاية البلاغة وفوق كلّ بيان في وصف حاله إلاّ أنّ فيه وراء ذلك جزئيّات لم يستثبتها الوصف.

وهذا هو الأقرب والأنسب بما عقّبه به من تنزيهه تعالى أعني قوله: (فسبحان الّذي بهر العقول) وغلبها (عن وصف خلق جلاه للعيون فأدركته محدودا مكوّنا) أي موصوفا بالحدود والتكوين و(مؤلّفا) من الأجزاء (ملوّنا) بالألوان المختلفة.

(وأعجز الألسن عن تلخيص صفته وقعد بها عن تأدية نعته) والغرض الدّلالة على عجز العقول عن إدراك ذاته سبحانه، فإنّها إذا عجزت عن إدراك مخلوق ظاهر

ص: 51

للعيون على الأوصاف المذكورة فهي بالعجز عن إدراكه سبحانه ووصفه أحرى، وكذلك الألسن عن تلخيص صفته وتأدية نعته أعجز)(1).

فالطاووس خلق من خلق الله، جعل فيه هذا الجمال وهذه الألوان البراقة، فلو جعلت الطاووس أمامك وأردت أن تصفه حق وصفه لما استطعت، فلجماله وحسنه وما فيه من ابداع؛ فإنه يصعب عليك أن تصل إلى ابداع المبدع، لما له من ألوان مختلفة؛ فالريشة الواحدة تحتوي على عدة ألوان، بل الشعرة الواحدة هي معجز حيث توجد في هذه الشعرة عدة ألوان.

وكذلك عنق الطاووس ورأسه وكل أجزائه جميلة في غاية الروعة، فالإنسان مع ما أودعه الله من الفهم والإدراك والذكاء فإنه لا يصل إلى خلق هذا الطاووس، فالطاووس مخلوق لا نقدر أن نصفه لما له من إعجاز في

ص: 52


1- منهاج البراعة، ج 10، ص 58

خلقه، فكيف بالذي خلق الطاووس ونضد ألوانه وألهمه هذا الشعور الذي من خلاله يعرف أنه جميل بحيث يغتر من جماله وحينما ينظر الى رجليه يحزن ويغتم؛ فسبحان من ألهمه هذا الإلهام.

فهذا الأدراك وهذه المعرفة التي أعطاها الله لهذا المخلوق قد أعطاها لجميع المخلوقات ولولا عناية الله الجميع خلقه لما استطاعت أن تعيش.

فالطاووس وما فيه من عجب فهو بسيط الخلق بالنسبة للخالق ونحن لا نستطيع أن نصل الى مكنون أسراره، فكيف بالواحد الأحد الفرد الصمد الذي خلق الخلق بقدرته وعظمته، فمن كلام له (عليه السلام) يبين فيه عظمة الله عز وجل قال:

«اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِی اِنْحَسَرَتِ اَلْأَوْصَافُ عَنْ کُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَ رَدَعَتْ عَظَمَتُهُ اَلْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَی بُلُوغِ غَایَةِ مَلَکُوتِهِ، هُوَ اَللَّهُ اَلْحَقُّ اَلْمُبِینُ، أَحَقُّ وَ أَبْیَنُ مِمَّا تَرَی اَلْعُیُونُ، لَمْ

ص: 53

تَبْلُغْهُ اَلْعُقُولُ بِتَحْدِیدٍ فَیَکُونَ مُشَبَّهاً، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَیْهِ اَلْأَوْهَامُ بِتَقْدِیرٍ فَیَکُونَ مُمَثَّلاً، خَلَقَ اَلْخَلْقَ عَلَی غَیْرِ تَمْثِیلٍ وَ لاَ مَشُورَهِ مُشِیرٍ، وَ لاَ مَعُونَةِ مُعِینٍ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، فَأَجَابَ وَ لَمْ یُدَافِعْ وَ اِنْقَادَ وَ لَمْ یُنَازِعْ»(1).

ص: 54


1- نهج البلاغة: الخطبة: 154، ج 2، ص 243

المصادر

- القرآن الكريم

1. حياة الحيوان الكبرى / المؤلف: کمال الدین دميري / الوفاة: 808 ه / الطبعة: الثانية / سنة الطبع: 1425 / الناشر: دار الكتب العلمية.

2. معجم مقاییس اللغة / المؤلف: أحمد بن فارس بن زكريا الوفاة: 395 / تحقيق: عبد السلام محمد هارون / سنة الطبع: ،1404 الطبعة: مکتبة الإعلام الإسلامي / الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي.

3. عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات، للإمام العالم زکریا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني، الطبعة الأولى / سنة الطبع / 1421 ه، مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان.

ص: 55

4. العين / المؤلف: الخليل الفراهيدي / الوفاة: 175 ه / تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي - الدكتور ابراهيم السامرائي / الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1409 / المطبعة: الناشر: مؤسسة دار الهجرة.

5. لسان العرب / ابن منظور / الوفاة: 711 / سنة الطبع: محرم 1405 / المطبعة، الناشر: نشر أدب الحوزة.

6. في ظلال نهج البلاغة / المؤلف: محمد جواد مغنية / الوفاة: 1400 / الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1427 / المطبعة: مطبعة ستار / الناشر: انتشارات كلمة الحق.

7. تاج العروس / المؤلف: الزبيدي / الوفاة: 1205 / تحقيق: علي شيري سنة الطبع: 1414 - 1994 م / المطبعة: دار الفكر - بيروت الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

ص: 56

8. القاموس المحيط / المؤلف: الفيروز آبادي / الوفاة: 817 المجموعة: علوم اللغة العربية.

9. وسائل الشيعة آل البيت / الحر العاملي / الوفاة: 1104 / مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

10. نفحات الولاية / لسماحة آية الله العظمى الشيخ ناصر مکارم الشيرازي / طبعة منقحة ومزيدة / الطبعة الأولى / 1432 - 2011. دار جواد الائمة للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت لبنان.

11. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية / المؤلف: ابو نصر اسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي / الوفاة: 393 ه / تحقيق أحمد بن غفار عطار / الناشر دار العلم للملايين / - بيروت الطبعة الرابعة 1407 ه - 1987 م.

12. شرح نهج البلاغة المؤلف: ابن میثم البحراني عني بتصحيحه عدد من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها / الطبعة: الأولى / سنة الطبع: تابستان

ص: 57

1362 ش / الناشر: مركز النشر مكتب الاعلام الاسلامي - الحوزة العلمية - قم - ایران.

13. التوحيد / الشيخ الصدوق / الوفاة: 381 / تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني: الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

14. مجمع البحرین / الشيخ فخر الدين الطريحي الطبعة: الثانية / سنة الطبع 1362 ه / ایران.

15. أساس البلاغة / الزمخشري الوفاة: 538 ه / تحقيق: سنة الطبع: 1960 الناشر: دار ومطابع الشعب - القاهرة.

16. التصميم في الطبيعة / تأليف: هارون يحيى / ترجمة: أورخان محمد علي / استانبول - فبراير 2003.

17. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة / العلامة المحقق الحاج الشيخ محمد تقي التستري / الطبعة: الأولى، الناشر مؤسسة التاريخ العربي / بيروت - لبنان.

ص: 58

18. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / حبيب الله الهاشمي الخوئي / الوفاة: 1324 / تحقيق: سید إبراهيم الميانجي / الطبعة: الرابعة المطبعة: مطبعة الاسلامية بطهران

- المواقع الألكترونية:

1- سحر الكون: أكبر موقع ترفيهي يهتم بأنواع الحيوانات و غرائب وعجائب الكون، جميع الحقوق محفوظة سحر الكون Copyrighted. © 2012

ص: 59

المحتويات

مقدمة المؤسسة:...7

المقدمة...9

تمهيد:...11

المسألة الأولى: أعجب الطيور خلقاً...14

المعنى اللغوي:...14

المسألة الثانية: وصف جناح الطاووس وذيله...17

جناح الطاووس:...18

ذیل الطاووس:...19

المسألة الثالثة: تكبر الطاووس و غروره وما قيل عن كيفية تزاوجه...21

المعنى اللغوي:...21

غرور الطاووس:...22

الرد على الخرافات التي قيلت في الطاووس والغراب...23

المسألة الرابعة: وصف ريش الطاووس وجماله...27

المعنى اللغوي:...27

المسألة الخامسة: أسرار في الطاووس...33

المسألة السادسة: جمال الطاووس وما خصه الله من خصالٍ خمس...37

المعنى اللغوي:...37

المسألة السابعة: عجائب ريش الطاووس...41

المعنى اللغوي:...42

تساقط ريش الطاووس:...43

بعض ألوان ريش الطاووس:...47

ص: 60

المسألة الثامنة: بيان عجز الإنسان في الوصول إلى خلق الطاووس...49

المصادر...55

ص: 61

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.