الابتلاء بالمال و الأولاد

هوية الکتاب

الابتلاء بالمال والأولاد

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة البلاء في نهج البلاغة (3) الابتلاء بالمال والأولاد تأليف السيد هيثم احمد الحيدري اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

إن الحديث عن المال والبنين هو الحديث عن الزينتين المذكورتين في القرآن الكريم، قال تعالى:

(المال والبنون زينة الحياة الدنيا).

وقد اسلفنا الذكر في الجزء الأول من هذه السلسلة بأن الحياة الدنيا هي اصل البلاء بالنسبة للإنسان، وبينا أن الابتلاء فيها قد يكون بالشر وقد يكون بالخير، وها نحن نكمل السير في (سلسلة

ص: 5

البلاء في نهج البلاغة) مسلطين الضوء على ما اتحفنا به أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نهج البلاغة لنأخذ الموازين الدقيقة بكيفية التعامل مع هذين المادتين الابتلائيتين وهما المال والأولاد من حيث ان الانسان قد يبتلى بالشر فيها ما كفقد الأولاد او طروء السوء عليهم او كالفقر وقد يبتلى بالخير فيهما ككثرة الأولاد وكثرة الأموال، فلابد من ضبط النفس في كيفية التعامل معهما، لذا فلننهل من فيض بحر أمير المؤمنين عليه السلام سائلين التوفيق من الللطيف القدير.

ص: 6

المبحث الأول: الابتلاء بالأولاد

أولاً: حزن الأب على فقد ابنه استحقاقة للرحم

من كلام له عليه السلام قاله للأشعث بفقد ابنه:

«إِنْ تَحْزَنْ عَلَی اِبْنِكَ فَقَدِ اِسْتَحَقَّتْ مِنْكَ ذَلِكَ اَلرَّحِمُ وَ إِنْ تَصْبِرْ فَفِی اَللَّهِ مِنْ کُلِّ مُصِیبَةٍ خَلَفٌ...»(1).

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«أولادنا أكبادنا، صغراؤهم أمراؤنا وكبراؤهم أعداؤنا، فإن عاشوا فتنونا وإن ماتوا أحزنونا»(2).

ص: 7


1- نهج البلاغة: الحكمة 291
2- معارج اليقين: ص 283

إن لفقد الولد ألمين، ألماً معنوياً وآخر مادياً، فالمعنوي منه ما ينتاب الانسان من حزن ولوعة فراق في النفس، ولكن لا ينبغي أن يصل حد الجزع، وأما المادي فهو نتيجة الألم المعنوي وأول ضرباته في الكبد كما هو بائن من قول النبي صلّى الله عليه وآله: «أولادنا أكبادنا».

وكذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«موت الولد صدع في الكبد»(1).

وهذا المعنى ليس فقط عند الانسان بل حتى عند الحيوان، ففي الخبر: (جاء إعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يختصمان في ناقة، كل منهما يقول: الناقة لي، فقال أحدهما: یا رسول الله أأمر بنحر الناقة فإن في كبدها صدعين، فأمر النبي صلى الله عليه وآله فنحروها وأخرجوا كبدها فإذا فيه صدعان فقال النبي صلى الله عليه وآله:

«من أين علمت أن في كبدها صد عين؟».

ص: 8


1- عيون الحكم: ص 487

قال: يا رسول الله إني نحرت لها ولدين وأنا أدري أن فقد الولد يصدع كبد الوالدين...)(1).

قال حبيب الله الخوئي رحمه الله: (تعزية المصاب ... موجب للثواب، وندب إليه في الشرع بالسّنة والكتاب، كما أنّ التعزّي والصبّر عند المصيبة مندوب إليه في غير واحد من الأخبار ففي الحديث إنّ الله عزاء من كلّ مصيبة فتعزّوا بعزاء الله.

والمقصود بالتعزّي بعزاء الله، التصبّر والتسلّي عند المصيبة وشعاره أن يقول «إنّا لله وإنّا إليه راجعون» كما أمر الله تعالى فقال:

«...وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»(2).

ص: 9


1- شجرة طوبى: ص 417
2- سورة البقرة، الآيات: 155 - 157

وقد استدلّ عليه السّلام للأشعث في لزوم الصبر بوجوه ثلاثة:

1. الصبر يوجب عوضاً و خلفاً من المصيبة، و يمكن أن يكون المراد من الخلف ابن آخر يقوم مقام المفقود.

2. الويل والثبور لا يغير المقدور، فإن صبرت جرى عليك القدر مع الأجر والثواب وإن جزعت جرى عليك القدر مع الوزر والإثم، وقد أثبت عليه السّلام الوزر في الجزع على المصيبة، فهو مخصوص بما يخالف الشّرع أو أعمّ من الحرمة والكراهة.

3. الولد مادام حيّا فتنة وبلاء و ألم وعناء، فإذا مات يصير رحمة وثوابا، والعجب أنّ الإنسان یسرّ به ما دام فتنة وبلاء، ويحزن عليه إذا صار رحمة وثوابا وهذا من غلبة الإحساس المتأثر من الغرائز على العقل(1).

ص: 10


1- منهاج البراعة: ج 21، ص 383

ثانيا: ليس المال والأولاد ميزاناً لرضا الله تعالى

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«فَلاَ تَعْتَبِرُوا اَلرِّضَا وَ اَلسَّخَطَ بِالْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ جَهْلاً بِمَوَاقِعِ اَلْفِتْنَةِ وَ اَلاِخْتِبَارِ فِی مَوْضِعِ اَلْغِنَا وَ اَلْإِقْتَارِ».

فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

«أَیَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِی اَلْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ»(1)»(2).

قال حبيب الله الخوئي رحمه الله: («فلا تعتبروا الرّضا و السخط بالمال والولد» أي إذا عرفتم أنّ رضا الله عن أنبيائه وأوليائه بما لهم من الذلّ والجهد والمشاق، فلا تجعلوا رضاه منوطا بزهرة الحياة الدّنيا من الأموال والأولاد و سخطه

ص: 11


1- سورة المؤمنون، الآيتان: 55 - 56
2- نهج البلاغة: الخطبة 192

منوطا بعدمها «جهلا بمواقع الفتنة» والابتلاء «والاختبار في مواضع الغنى» والفقر «والاقتار»، أي لا تجعلوا المال والولد علامة الرضا، وعدمهما دليلا على السّخط من أجل جهلكم بمواقع الامتحان في مواضع الثروة والفقر، إذ ربما يكون الإبتلاء بالفقر والمسكنة لأجل الوصول إلى مقام الزلفي لا من جهة السّخط كما في حقّ الأولياء المقرّبين من الأنبياء والمرسلين، ويكون الإبتلاء بالمال والثروة للاستدراج والازدياد في المعصية لا من جهة الرضى كما يشهد به الكتاب الكريم.

(ف) قد (قال) الله (تعالى) في سورة المؤمنون «أَیَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِی اَلْخَیْراتِ بَلْ لا یَشْعُرُونَ»، أي أيحسبون أنّ الذي أمددناهم به تعجيل لهم في الخير.

قال في الكشاف: المعنى أنّ هذا الإمداد ليس إلاّ استدراجا لهم إلى المعاصي واستجرارا إلى زيادة الإثم وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات وفيما

ص: 12

لهم فيه نفع وإكرام ومعاجلة بالثواب قبل وقته كما يفعل بأهل الخير من المسلمين وقوله:

«بل»، استدراك لقوله: «أيحسبون»، يعني هم أشباه البهائم لا فطنة بهم ولا شعور حتّى يتأمّلوا ويتفكّروا أهو استدراج أو مسارعة في الخير.

فقد ظهر أن ذلك الإمداد بالمال والبنين والبسط في الرّزق قد يكون نقمة وبلاء لا رحمة وعطاء كما في حقّ فرعون وملأه الكافرين المستكبرين المسبوق ذكرهم في الآية الشريفة، ويكون الضيق والإقتار تفضّلا وإحسانا لا سخطا وحرمانا كما في حقّ الأولياء المستضعفين من عباد الله المكرمين)(1).

ثالثا: النهي عن صرف جل وقت الإنسان في شغله على أهله وولده والعلة فيه

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ص: 13


1- منهاج البراعة: ج 11، ص 317

«لَاتَجْعَلَنَّ أَکْثَرَ شُغْلِكَ بِأَهْلِكَ وَ وَلَدِكَ فَإِنْ یَکُنْ أَهْلُكَ وَ وَلَدُكَ أَوْلِیَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَایُضِیعُ أَوْلِیَاءَهُ وَ إِنْ یَکُونُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فَمَا هَمُّكَ وَ شُغْلُكَ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ ومن یتَّق الله يَجعَل له مخَرجاً»(1).

قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(2).

وقال تعالى:

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»(3).

إن الإنسان مفطور على حب أولاده وهذه المحبة نعمة من نعم الله تعالى على بني الإنسان،

ص: 14


1- نهج البلاغة: الحكمة: 352
2- سورة المنافقون، الآية: 9
3- سورة الأنفال، الآية: 28

وواحدة من حكم هذه المحبة والحنان هي الحافظ على نوع الإنسان، فلولاها لما ربّت الأم ولدها وما كد الأب على أولاده وحينها ينقرض جنس البشر من على وجه البسيطة.

ولكن أمير المؤمنين عليه السلام ينبّه على قضية في غاية الأهمية وهي أن لا يكون الأولاد هم الهم الوحيد لدى الأب-وين بحيث يخرجونهما عن طاعة الله تعالى، وفي الجملة يبيّن الإمام عليه السلام بقوله:

«لَاتَجْعَلَنَّ أَکْثَرَ شُغْلِكَ بِأَهْلِكَ وَ وَلَدِكَ».

أن رعاية الأهل والأولاد لا ينبغي أن تكون بدافع دنيوي بحت، فيكونوا شغلك الشاغل والهدف الأول والأخير في حياتك، فتقع في كثير من المحاذير وفي هذا هلاك المرء.

قال حبيب الله الخوئي رحمه الله: (حفظ الأهل والولد وإدارة أمورهم من أهمّ الوظائف،

ص: 15

وقد صدر في حقّهم أحكام وآداب مفروضة ومندوبة، والله تعالى قال:

«...قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...»(1).

فأمر بوقاية الأهل من نار جهنّم كوقاية النّفس وأوجب للأهلين من الزّوجة والبنين النفقة والمسكن.

ولكن لابدّ أن يجتنب الإنسان من تسلّطهم على قلبه والاشتغال بهم عن أمر ربّه بحيث يوجب الاشتغال بهم عن ظهر القلب ترك ما يلزم من الوظائف الأخرى الواجبة، فيمنع الحقوق الواجبة خوفا من فقرهم وضيق معاشهم، أو يترك السّفر الواجب من الحجّ والجهاد حذرا من فراقهم، كما اعتذر المنافقون في التخلّف ع عن الجهاد بقولهم:

ص: 16


1- سور التحريم، الآية: 6

«سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا».(1))(2).

رابعا: في حقوق الولد على الوالد

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وحقّ الولد على الوالد أن يُحسِن اسمه ويحسن أدبه ويعلّمه القرآن»(3).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيّكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن»(4).

ص: 17


1- سورة الفتح، الآية: 11
2- منهاج البراعة: ج 21، ص 436
3- نهج البلاغة: الحكمة 399
4- كنز العمال: الحديث 45409

إن المسؤوليات والحقوق التي تقع على عاتق الوالد تجاه الأولاد مسؤوليات عظمى وكثيرة، ولا شك أن الامام ذكر أهمها، فلا بأس أن نتناول ما على الرجل إجمالا حين يفكر بإنشاء أسرة جديدة وما هو الهدف منها.

إن الهدف الأسمى من تكوين الأسرة هو تكوين المجتمع الصالح لأن الأسرة إذا صلحت صلح جزء من المجتمع البشري وإذا فسدت فسد جزء منه، وعلى هذا تكون الأسرة الصالحة هي بذرة المجتمع الصالح ومن هنا تتبين خطورة المسؤولية الملقاة على عاتق الأبوين بل على الخصوص الأب لان الرجل ه-و ال-ذي يختار الأم الصالحة لأولاده لتكوين هذه الأسرة ومثل الأم كمثل الشجرة إن كانت طيبة تأتي بثمار طيبة وإلا فبالعكس، لذا نبه الشارع المقدس على هذه المرحلة بشدة.

ص: 18

قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن»(1).

وقال صلى الله عليه وآله:

«ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرا له من زوجة صالحة»(2).

وعنه صلى الله عليه وآله أيضا قال:

«خير متاع الدنيا المرأة الصالحة»(3).

وعنه صلى الله عليه وآله قال:

«من سعادة المرء الزوجة الصالحة»(4).

وفي بيان الصفات التي تُمدح بها المرأة ويُذم بها الرجل، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ الرِّجَالِ

ص: 19


1- ميزان الحكمة: ج2 ، ص 1183
2- ميزان الحكمة: ج 2، ص 1187
3- المصدر السابق
4- المصدر السابق

الزَّهْوُ وَ الْجُبْنُ وَ الْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَعْرِضُ لَهَا»(1).

وبعد مسؤولية اختيار الزوجة الصالحة ننبّه الى مسؤولية أخرى وهي التكسّب من الحلال، فللمكسب الحلال دور كبير في بناء الأسرة الصالحة، كما لمكسب الحرام دور كبير في هدم الأسرة، ولذلك نجد أن الروايات أكدت على خطورته، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«بئس الكسب الحرام»(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«المؤمن من طاب مكسبه...»(3).

ص: 20


1- نهج البلاغة: حكمة 234
2- عيون الحكم: ص 193
3- الكافي للشيخ الكليني: ج 2، ص 235

وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:

«أربع من كنَّ فيه طاب مکسبه، إذا اشترى لم يعب وإذا باع لم يحمد ولم يدلس وفيما بين ذلك لا يحلف»(1).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«العبادة عشرة أجزاء، تسعة أجزائه في طلب الحلال»(2).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«من أكل الحلال أربعين يوما، نوّر الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(3).

ومن ثم تأتي مسؤولية تعليم الأولاد أمورا كثيرة وأهمها ما أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله:

ص: 21


1- الكافي للكليني: ج 5، ص 153
2- جامع السعادات: ج 2، ص 136
3- جامع السعادات: ج 2، ص 136

1- حب النبي المصطفى صلى الله عليه وآله.

2- حب أهل بيت النبي صلوات الله عليهم أجمعين.

3- قراءة القرآن.

لا يخفى على القارئ الكريم أهمية هذه العصم الثلاثة، من حيث اشتمالها على مضمون حدیث الثقلين، أي أن حب النبي صلى الله عليه وآله وطاعته يستلزم التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة وهذا التمسك موجب لسعادة الدنيا والآخرة.

وأما ما أشار اليه أمير المؤمنين عليه السلام:

1- تحسين الأسم: لأن الاسم له مدخلية كبيرة في بناء شخصية المرء.

2- تحسين الأدب: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«ألزموا أولادكم وأحسنوا آدابهم فإن أولادكم هدية إليكم»(1).

ص: 22


1- شرح رسالة الحقوق، للقبانجي: ج 1، ص 582

فالآباء مُختَبرون في كيفية التعامل مع هذه الهدية ومع هذه الأمانة التي وضعت في أعناقهم، فيجب ملازمة تعليمهم وتوجيههم الى حيث الصواب بغية إنشاء المجتمع الصالح، وكما يقال: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

وأما أساليب التعليم فهي تختلف باختلاف قابليات الأولاد في الذكاء والفطنة، والخوض فيها ربما يخرجنا عن موضوع بحثنا.

ص: 23

المبحث الثاني: البلاء بالأموال

أولا: الخير في أن يكثر العلم والحلم

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

»لَیْسَ اَلْخَیْرَ أَنْ یَکْثُرَ مَالُكَ وَ وَلَدُكَ وَ إِنَّمَا اَلْخَیْرُ أَنْ یَکْثُرَ عِلْمُكَ وَ یَعْظُمَ حِلْمُكَ»(1).

يتصور بعض الناس أن الخير والسعادة تتأتی من كثرة الأموال والبنين وما هذا التصور والتفكير إلا من إيحاءات النفس الأمارة ومن تزيين الشيطان، قال تعالی:

ص: 24


1- نهج البلاغة: الحكمة 94

«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(1).

وقال تعالى:

«وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ»(2).

فالإمام عليه السلام في هذا الكلام يبيّن أن هذا التصور بعيد عن الحقيقة، بل الخير الحقيقي هو العلم المعمول به كما هو واضح من قوله: «أن يكثر علمك وأن يعظم حلمك»، فالحلم يمثل القمّة في سلّم العلماء العاملين.

ص: 25


1- سورة آل عمران، الآية: 14
2- سورة سبأ، الآية: 37

قال حبيب الله الخوئي رحمه الله: (قد استعمل لفظ الخير في القرآن بمعنى الإسلام كما في قوله تعالی:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1).

وقد نفى عليه السّلام في حكمته هذه أن يكون كثرة المال والولد خيرا، على خلاف ما يعتقده عامّة النّاس من أنّ الخير في كثرة المال والولد، ويجهدون في تحصيلهما وتكثيرهما بكلّ وجه ممكن.

وهذا النفي قد يكون نفيا حقيقيّا، والمقصود منه تخطئة الناس في هذا الاعتقاد، وكثيرا ما يشتهر في العرف وعند العامّة أمور لا أصل لها في الواقع،

ص: 26


1- سورة الأنفال، الآية: 70

کالعنقاء وأكثر الأساطير الشائعة بين عامّة النّاس، وإمّا أن يكون المراد من النفي نفي آثار الخير من كثرة الأموال والأولاد وأنها غير مؤثرة في تحصيل السعادة المعنويّة.

وربما يكون المراد من هذه الجملة نفي الكمال كما في قوله عليه السّلام:

«یا أشباه الرّجال ولا رجال»)(1).

ثانياً: من أخسر الناس صفقة؟

قال أمير المؤمنين عليه السلام

«إِنَّ أَخْسَرَ اَلنَّاسِ صَفْقَةً وَ أَخْیَبَهُمْ سَعْیاً رَجُلٌ أَخْلَقَ بَدَنَهُ فِی طَلَبِ آمَالِهِ وَ لَمْ تُسَاعِدْهُ اَلْمَقَادِیرُ عَلَی إِرَادَتِهِ فَخَرَجَ مِنَ اَلدُّنْیَا بِحَسَرَاتِهِ وَ قَدِمَ عَلَی اَلْآخِرَةِ بِتَبِعَاتِهِ»(2).

ص: 27


1- منهاج البراعة: ج 21، ص 142
2- نهج البلاغة: الحكمة 430

قال العلامة التستري رحمه الله: (قال الجوهري: يقال صفقة رابحة وصفقة خاسرة، والصفق الضرب الذي يسمع له صوت، وصفقت له بالبيع والبيعة أي: ضربت يدي على يده.

«وأخيبهم سعيا» أي: أيأسهم من سعيه وجِدّه.

«رجل أخلق بدنه، أي : جعله باليا.

في طلب ماله» ولم تساعده المقادير على إرادته، فخرج من الدّنيا بحسرته وقدم علی الآخرة بتبعته»(1).

ثالثاً: أحوال الإنسان عند الاحتضار

قال أمير المؤمنين عليه السلام في أحوال الإنسان عند الاحتضار

«وَیَتَذَکَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ فی مَطَالِبِهَا وَأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا

ص: 28


1- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ج 14، ص 450

وَمُشْتَبِهَاتِهَا قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا وَأَشْرَفَ عَلَی فِرَاقِهَا تَبْقَی لِمَنْ وَرَاءَهُ یَنْعَمُونَ فِیهَا وَیَتَمَتَّعُونَ بِهَا فَیَکُونُ الْمَهْنَأُ لِغَیْرِهِ وَالْعِبْءُ عَلَی ظَهْرِهِ»(1).

قال حبيب الله الخوئي: («ويتذكّر أموالا جمعها» واستغرق أوقاته فيها «أغمض فی مطالبها» وتساهل في اكتسابها أيّامه وذلك لعدم مبالاته بأنها من حلال أو حرام «وأخذها من مصرّحاتها ومشتبهاتها» أي من وجوه مباحة وذوات شبهة.

كما أشير إليه في النبوي المعروف قال عليه السّلام: إنما الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتّبع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ومن أخذ بالشّبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم.

ص: 29


1- نهج البلاغة: الخطبة 109

«قد لزمته تبعات جمعها» وآثام جبايتها «وأشرف على فراقها تبقى لمن ورائه ينعمون فيها ويتمتّعون بها» وهم إما أهل طاعة الله فسعدوا بما شقي، وإمّا أهل معصيته فكان عونا لهم على معصيتهم «فيكون المهنأ لغيره والعبء على ظهره» أي يكون الهناء والتمتع تلك الأموال لغيره، ووزرها وثقلها على ظهره.

وفي الحديث النبويّ صلّى الله عليه و آله و سلّم المرويّ عن إرشاد القلوب قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: إذا حمل الميّت على نعشه رفرفت روحه فوق النعش وهو ينادي: يا أهلي وولدي لا تلعبنّ بكم الدّنيا كما لعبت بي، جمعته من حلّ وغير حلّ وخلّفته لكم فالمهنأ لكم والتعب عليّ، فاحذروا مثل ما قد نزل بي، ونعم ما قيل:

ص: 30

يمرّ أقاربي جنبات قبري *** كأنّ أقاربي لم يعرفوني

وذو الميراث يقتسمون مالي *** وما يألون أن جحدوا ديوني

وقد أخذوا سهامهم وعاشوا *** فيا لله ما أسرع ما نسوني)(1).

وقال عليه السلام:

«إِنَّ أَعْظَمَ اَلْحَسَرَاتِ یَوْمَ اَلْقِیَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ کَسَبَ مَالاً فِی غَیْرِ طَاعَةِ اَللَّهِ فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَهُ فِی طَاعَهِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ فَدَخَلَ بِهِ اَلْجَنَّةَ وَ دَخَلَ اَلْأَوَّلُ بِهِ اَلنَّارَ»(2).

ص: 31


1- منهاج البراعة: ج 7، ص 336
2- نهج البلاغة: الحكمة 429

رابعاً: هلك خزان الأموال

قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زیاد النخعي:

«هَلَكَ خُزَّانُ اَلْأَمْوَالِ وَ هُمْ أَحْیَاءٌ وَ اَلْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِیَ اَلدَّهْرُ أَعْیَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَ آثَارُهُمْ فِی اَلْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ»(1).

قال العلامة المجلسي رحمه الله: (أي هم في حال حياتهم في حكم الأموات، لعدم ترتب فائدة الحياة على حياتهم من فهم الحق وسماعه وقبوله والعمل به، واستعمال الجوارح فيما خلقت الأجله، كما قال تعالى:

«أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ»(2).

والعلماء بعد موتهم باقون بذكرهم الجميل،

ص: 32


1- نهج البلاغة: الحكمة 147
2- سورة النحل، الآية: 21

وبما حصل لهم من السعادات واللذات في عالم البرزخ، والنشأة الآخرة، وبما يترتب على آثارهم وعلومهم، وينتفع الناس من برکاتم الباقية مدى الإعصار...)(1).

إن الإمام عليه السلام لم يقل أصحاب الأموال إنما استعمل لفظة (خزّان) والحزن في اللغة من مادة (خزن) خَزَنَ الشَّيءَ يَخزُنه خَزناً واختَزَنه أحرَزه وجعله في خِزانة واختزنه لنفسه ... وخَزَن المالَ إذا غيَّبه)(2).

لأن أصحاب الأموال على صنفين، صنف جعل المال هدفه في الحياة الدنيا ويرى السعادة فيه لا في غيره، وقد أشرنا إليه فيما سبق، وهنا عبّر الإمام عليه السلام عنهم بالخزّان أي اختزنوه لأنفسهم حرصا عليه، ولا شك إنه يوجد تفاوت في نسبة هذه النظرة من شخص إلى آخر.

ص: 33


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 1، ص 191
2- لسان العرب لابن منظور: ج 13، ص 139

وصنفٌ جعل المال وسيلة ليصل به الى المطلوب الحقيقي وهو السعادة في الآخرة، أدّى ما عليه من الحقوق وسخّره لمساعدة المحتاجين، وفي الجملة (سخر المال لمرضاة الله تعالی)، وفي هذا الصنف أيضا يوجد تفاوت بين شخص وآخر في النسبة، ولذلك لم يقل الامام عليه السلام «هلك أصحاب الأموال»، بل قال: «هلك خزّان الأموال» أي الذين هم من الصنف الأول.

فخران الأموال يندثر ذكرهم بمجرد موتهم بل حتى في حياتهم هم أموات القلوب، قال الشيخ محمد جواد مغنية: «هلك خزان الأموال وهم أحياء» أي وهم غارقون في الترف والملذات، وهلكوا لأنهم تنازلوا عن إنسانيتهم لأعداء الإنسانية، ونفّذوا كل ما يراد منهم على حساب دينهم ووطنهم وأمتهم «والعلماء باقون إلخ».. ما بقيت الأجيال تنتفع بثمار عقولهم وجهودهم دون

ص: 34

مقابل)(1).

وأما العلماء المراعون لعلمهم فهم أحياء ما بقي الدهر، ففضيلة العلم لا فضيلة بعدها كما جاء في الكتاب والسنة.

عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال:

«إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء»(2).

وفي روضة الواعظين (جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إذا حَضرت جنازة أو حضر مجلس عالم، أيّهما أحب إليك أن أشهد؟ فقال رسول الله

ص: 35


1- في ظلال نهج البلاغة: ج 4، ص 314
2- أمالي الصدوق: ص 223

صلی الله عليه وآله:

«إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فإن حضور مجلس العالم أفضل من حضور ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض، ومن قيام ألف ليلة، ومن صيام ألف يوم، ومن ألف درهم يتصدق بها على المساكين، ومن ألف حجة سوى الفريضة، ومن ألف غزوة سوى الواجب تغزوها في سبيل الله بمالك ونفسك، وأين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم؟ أما علمت أن الله يطاع بالعلم. ويعبد بالعلم وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشر الدنيا والآخرة مع الجهل»)(1).

خامسا: ما جاء فقير إلا بما مُتّع به غني

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ص: 36


1- روضة الواعظين للنيسابوري: ص 12

«إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِی أَمْوَالِ اَلْأَغْنِیَاءِ أَقْوَاتَ اَلْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِیرٌ إِلاَّ بِمَا مَنَعَ غَنِیٌّ وَ اَللَّهُ سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ»(1).

قال الخوئي: (الظاهر أنّ أقوات الفقراء الّتي جعلت في أموال الأغنياء هي الزكاة المفروضة على الوجه المقرّر في بابها، فلو منعت كان من عليه مسؤولا عند الله، وقد صرّح في غير واحد من الأخبار أنّ مقدار الزكاة المفروضة كافء لرفع حاجة الفقراء، كما روي في باب العلّة لوضع الزكاة، بسنده عن حسن بن عليّ الوشاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:

«قيل لأبي عبد الله عليه السّلام: لأيّ شيء جعل الله الزكاة خمسة وعشرين في كلّ ألف ولم يجعلها ثلاثين؟».

ص: 37


1- نهج البلاغة: الحكمة 328

فقال عليه السّلام:

«إنّ الله عزّ وجلّ جعلها خمسة وعشرين، أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء، ولو أخرج النّاس زكاة أموالهم ما احتاج أحد»)(1).

قالت فاطمة أم أبيها صلوات الله عليها في خطبتها:

«والزكاة (أي وجعل الله الزكاة) تزكية للنفس، ونماء في الرزق»(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«إنما وضعت الزكاة اختبارا للاغنياء ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، ولاستغنى بما فرض الله له، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا

ص: 38


1- منهاج البراعة للخوئي: ج 21، ص 415
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 29، ص 223

عروا إلا بذنوب الأغنياء، وحقيق على الله تبارك وتعالى أن يمنع رحمته من منع حق الله في ماله، واُقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق انه ما ضاع مال فی برِّ ولا بحر إلا بترك الزكاة، وما صيد صيدٌ في بر ولا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم، وإن أحب الناس إلى الله تعالى أسخاهم كفا، وأسخى الناس من أدّى زكاة ماله، ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله»(1).

سادساً: السماحة والتبذير، والتقدير والتقتير

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«كُنْ سَمَحاً وَلَا تَكُنْ مُبَذِّراً، وَكُنْ مُقَدِّراً وَلَا تَكُنْ مُقَتِّراً»(2).

ص: 39


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 9، ص 12
2- نهج البلاغة: الحكمة 33

قال العلامة التستري رحمه الله: (التبذير والتقتير مذمومان، أما الأول فقال تعالى:

«...وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا»(1).

وأما الثاني فقال تعالى:

«قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا»(2).

وإنما الممدوح السمح المقدِّر، فقال تعالى:

«وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا»(3).

وفي الخبر (أخذ الصادق عليه السلام قبضة من حصى وقبضها بيده فقال:

ص: 40


1- سورة الإسراء، الآيتان: 26 - 27
2- سورة الإسراء، الآية: 100
3- سورة الفرقان، الآية: 67

هذا «الإقتار» الذي ذكره الله تعالى».

ثم أخذ قبضة أخرى وأرخى كفّه كلّها ثم قال:

«هذا «الاسراف» الذي ذكره تعالى».

ثم أخذ قبضة أخرى فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال:

هذا «القوام» الذي ذكره تعالى»)(1).

سابعاً: إقرار النعم موصول بمنافع العباد

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً اخْتَصُّهُمْ اللّهُ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ فَيُقِرُّهَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ ثُمَّ حَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ»(2).

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«إن من بقاء المسلمين وبقاء الإسلام أن

ص: 41


1- بهج الصباغة: ج 13، ص 193
2- نهج البلاغة: الحكمة: 425

تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق يصنع فيها المعروف وأن من فناء الإسلام وفناء المسلمين أن تصير الأموال في أيدي من لا يعرف فيها الحق ولا يصنع فيها المعروف»(1).

صَدقتَ أيها الطاهر وابن الطهر المطهرين أيها الصادق وابن الصادقين، فهذا ما يحدث معنا اليوم، إن أموال الشعوب المسلمة عند من لا يعرفون للحق طريقا وبالفعل قد أفني روح الاسلام الحقيقي وما أحوجنا الى الامناء الصلحاء.

وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: «المال مالي، والفقراء عيالي، والأغنياء وكلائي، فمن بخل بمالي على عيالي أدخله النار ولا أبالی»(2).

ص: 42


1- الكافي للكليني: ج 4، ص 25
2- معارج اليقين: ص 202

ثامناً: المال مادة الشهوات

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«اَلْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ»(1).

قال حبيب الله الخوئي: (الشهوة هي تعاطي ما يلائم طبع الانسان وغرائزه الحيوانيّة من مأكل وملبس وتمایل جنسي، وأقوى شهوات الانسان حبّ الجاه والسيطرة والتصدّي الحكم وقهر بني نوعه، وكلّ هذه الشهوات تستمدّ وتقوى بالمال والثروة حيث تحتاج إلى اعداد الأسباب والوسائل)(2).

ص: 43


1- نهج البلاغة: الحكمة 58
2- منهاج البراعة: ج 21، ص 97

ص: 44

المصادر

1. القرآن الكريم.

2. نهج البلاغة / صبحي الصالح / الطبعة الأولى.

3. معارج اليقين في أصول الدين / الشيخ محمد بن محمد السبزواري / مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث - قم / الطبعة الأولى.

4. عيون الحكم والمواعظ / علي بن محمد الليث الواسطي / المطبعة دار الحديث / الطبعة الأولى.

5. شجرة طوبى / الشيخ محمد مهدي

ص: 45

الحائري / منشورات المكتبة الحيدرية / الطبعة الخامسة.

6. منهاج البراعة / السيد حبیب الله الهاشمي الخوئي / تحقيق السيد ابراهيم / المطبعة الاسلامية بطهران / الطبعة الرابعة.

7. کنز العمال / المتقي الهندي / تحقيق الشيخ بكري حياني / مؤسسة الرسالة - بيروت.

8. میزان الحکمة / محمد الريشهري / الطبعة الأولى / دار الحديث.

9. الكافي / الشيخ الكليني، الوفاة 329 ه / تحقیق علي اکبر الغفاري / الطبعة الخامسة / المطبعة دار الكتب الاسلامية.

10. جامع السعادات / الشيخ محمد مهدي النراقي / مطبعة النعمان.

11. شرح رسالة الحقوق / السيد حسن علي القبانجي / المطبعة مؤسسة اسماعیلیان.

ص: 46

12. بحار الانوار / العلامة المجلسي / مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان / الطبعة الثانية مصححة.

13. لسان العرب / لابن منظور / الناشر نشر ادب الحوزة.

14. في ظلال نهج البلاغة / محمد جواد مغنية / مطبعة سار / الطبعة الاولى.

15. امالي الشيخ الصدوق / مؤسسة البعثة / الطبعة الأولى.

16. وسائل الشيعة للحر العاملي / مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث / الطبعة الثانية.

17. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة / للعلامة المحقق الشيخ محمد تقي التستري / طبع مؤسسة التاريخ العربي / بيروت / الطبعة الأولى.

ص: 47

المحتويات

المقدمه...5

المبحث الأول: الابتلاء بالأولاد...7

أولاً: حزن الأب على فقد ابنه استحقاقاً للرحم...7

ثانيا: ليس المال والأولاد میزاناً لرضا الله تعالى...11

ثالثا: النهي عن صرف جل وقت الإنسان في شغله على أهله وولده والعلة فيه...13

رابعا: في حقوق الولد على الوالد...17

المبحث الثاني: البلاء بالأموال...24

أولا: الخير في ان يكثر العلم والحلم...24

ثانياً: من اخسر الناس صفقة؟...27

ثالثاً: أحوال الإنسان عند الاحتضار...28

رابعاً: هلك خزان الأموال...32

خامسا: ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني...36

سادساً: السماحة والتبذير، والتقدير والتقتير...39

سابعاً: إقرار النعم موصول بمنافع العباد...41

ثامناً: المال مادة الشهوات...43

المصادر...45

ص: 48

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.