حقيقة البلاء وحتمیته ودور الدنيا في بلاء الإنسان

هوية الکتاب

حقيقة البلاء وحتمیته ودور الدنيا في بلاء الإنسان

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

نشر وحدة النشر في مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

سلسلة البلاء في نهج البلاغة (1) حقيقة البلاء وحتميته ودور الدنيا في بلاء الإنسان تأليف السيد هيثم احمد الحيدري اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

مقدمة المؤسسة

بسمه تعالى

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الأخيار.

وبعد:

لا شك في أن مسألة البلاء هي من المسائل التي شغلت ذهن الإنسان على اختلاف مصادر ثقافته، ومنذ القدم حينما بدأ الإنسان يعيش على الأرض ويتقاسم معها ومع السماء ما تدر عليه من خير وشر كالأمطار والرياح والعواصف والزلازل والبراكين والفيضانات، فضلاً عن قساوة الحياة وما تجلبه أنماط المعيشة فيها من هموم

ص: 5

وحوادث وعوارض وغيرها.

حتى بات الإنسان ومنذ القدم في بحث دؤوب عن السبل التي تحقق له الدفع والجذب، فالدفع ووسائله يجري خلفه الإنسان في مواجهة الضرر، والجذب ووسائله يسعى خلفه الإنسان في قبض المنفعة.

حتى إذا تناص فكر الإنسان بفضل الرسل والأنبياء عليهم السلام وما جاءوا به من كتب وشرائع اتضح له الكثير من فلسفة البلاء وغاب عنه الكثير؛ ومن هذا ذاك كان بحثنا هذا، لتدلوا بدلونا في بحر علوم أمير المؤمنين عليه السلام ولنضع بين يدي القارئ الكريم ما ورد عن البلاء في كتاب نهج البلاغة، فكان ضمن هذه السلسلة الموسومة ب (سلسلة البلاء في نهج البلاغة) والله الموفق لكل خير.

السيد نبيل الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 6

الحمد لله رب العالمين، العليم الحليم الذي لا يُحمد على مكروه سواه، کرّم الإنسان إذ سوّاه ونفخ فيه من روحه وهداه، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد الذي اصطفاه وعلى آله عدد ما أحاط به علمه وأحصاه.

أما بعد:

من السنن الإلهية التي سنّها الله عز وجل في خلقه هي سنّة البلاء والاختبار، وأجراها فيهم منذ بدء الخليقة وهذه السنّة لا تقبل التغيير والتبديل كما قال الله عز وجل:

«وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»(1).

ص: 7


1- سورة الفتح، الآية: 23

بل بالابتلاء فاز الفائزون وبه خسر الخاسرون، كما حَدَثَ مع إبليس (لعنه الله) ولو نظرنا نظرة واسعة إلى عالم الخليقة نرى أن يد الابتلاء لم ولن تفارقه البتة، وهذا المعنى واضح لمن تتبع القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، لذلك ارتأينا أن نسلط الضوء على روائع كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ونتدبر بعض إشاراته إجمالا، سائلين من الله التوفيق بأن يجعل هذا العمل ذخرا لنا يوم نلقاه إنه سميع مجيب.

البلاء في اللغة

قال الجوهري في الصحاح: البلاء: الاختبار ويكون بالشر والخير، يقال أبلاه الله بلاءً حسنا، وابليته معروفا والبلية والبلاء واحد، والجمع بلايا.

ومن الظريف ما ذكره الجوهري إذ قال: (والبلية أيضا الناقة التي كانت تعقل في الجاهلية

ص: 8

عند قبر صاحبها فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت، لأنهم كانوا يزعمون أن الناس يحشرون ركبانا على البلايا، ومشاة إذا لم تعكس مطاياهم على قبورهم)(1).

وقال ابن منظور في لسان العرب في مادة بلا: (بلوت الرجل بلواً وبلاءً، وابتليته اختبرته. وابتلاه يبلوه بلواً إذا جربه واختبره...)(2).

والظاهر أن معنى البلاء في الاصطلاح واللغة متساويان.

قبل الشروع في مفردات البلاء لابد لنا أن نقف على عدة مسائل ونتدبر فيها لتتبين لنا بعض حقائق البلاء إجمالا.

ص: 9


1- الصحاح للجوهري: ج 6، ص 2285
2- لسان العرب لابن منظور: ج 14، ص 83

المسألة الأولى: حتمية البلاء

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أَیُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَعَاذَکُمْ مِنْ أَنْ یَجُورَ عَلَیْکُمْ وَ لَمْ یُعَذِّبْکُمْ مِنْ أَنْ یَبْتَلِیَکُمْ وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ.

«إِنَّ فِی ذَلِكَ لَآیَاتٍ وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ»(1)»(2).

إن في هذه الكلمات المباريات دفعا لشبهة، فالإمام عليه السلام يدفع شبهة من الممكن أن تستقر في ذهن الإنسان حين نزول البلايا والمصائب فيراها من الجور والظلم عليه، وما هذه

ص: 10


1- سورة المؤمنون، الآية: 30
2- نهج البلاغة: خطبة 103

الرؤية إلا سوء ظن بالله سبحانه وتعالى، ومن وساوس الشيطان وحديث النفس الأمارة، (فكل من يظلم ويجور يكون محتاجا عقلا)(1)، والله غني عن العالمين، قال تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»(2).

هذه الآية المباركة تنبه أن ما يجري علیکم یا بني البشر من الظلم والجور إنما من عند أنفسكم لمخالفتكم قوانين السماء، فأعقبكم ذلك ظلما وجورا فيما بينكم في الدنيا وعذابا في الآخرة.

ص: 11


1- فالظلم والجور يستلزمان أحد أمرين: أ: أن يكون الظالم جاهلاً بالظلم موضوعا أو حكما، فيلزم الاحتياج للعلم. ب: أن يكون الظالم محتاجا للظلم کاحتیاج السارق للمسروق أو القاتل للتشفي مثلا. والاحتياج سمة المخلوقين وليس من سمية الموجد لكل الوجود الغني الحميد. ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب الكلامية المختصة
2- سورة يونس، الآية: 44

وقال تعالى:

«ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»(1).

إضافة إلى ما استفدنا من الآية السابقة نستفيد من هذه الآية المباركة نكتة أخرى وهي: أن مفردة (ظلّام) التي جاءت على وزن (فعّال) بصيغة المبالغة، تفيد نفي الظلم عنه تعالی، قليله وكثيره، فلذلك نبّه عليه السلام إلى هذا المعنى بقوله:

«أَیُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَعَاذَکُمْ مِنْ أَنْ یَجُورَ عَلَیْکُمْ...».

وأما قول الإمام عليه السلام:

«وَ لَمْ یُعَذِّبْکُمْ مِنْ أَنْ یَبْتَلِیَکُمْ، وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: إِنَّ فِی ذَلِكَ لَآیَاتٍ وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ»» يشير إلى حتمية جريان سنّة البلاء وأنه لا مفر منه ليتميز الخبيث من الطيب كما قال تعالى:

ص: 12


1- سورة آل عمران، الآية: 182

«مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...»(1).

وقال تعالى:

«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(2).

وقال عليه السلام:

«أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَالْآخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ...»(3).

وقال تعالی حاکيا عن مؤمن آل فرعون:

«يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ»(4).

ص: 13


1- سورة آل عمران، الآية: 179
2- سورة العنكبوت، الآية: 2
3- نهج البلاغة: الخطبة 203
4- سور غافر، الآية: 39

ولكن هذا الممر ليس من السهل اجتيازه فانه مليء بالاختبارات والبلايا، بل إن الإنسان مختبر فيه بكل حركة وسكنة سواء كانت جوارحية أو قلبية.

وبما أننا لم تخلق لهذه الدنيا ولا للاستقرار فيها، بل لاجتيازها بنجاح وامتياز، مع أن اجتيازها أمر في غاية الخطورة والصعوبة حيث يترتب عليه إما سعادة الدنيا والآخرة وإما الشقاوة فيهما، فلذلك بيّن الإمام عليه السلام سبل النجاح والنجاة للإنسان في هذه المرحلة الخطرة.

ومن أهم السبل التي تحقق للإنسان النجاح والنجاة في ميدان الاختبار والابتلاء في هذه الدنيا هو التدبر في أحوال الماضين وما نزل بهم من البلاء ليستلهم الدروس والعبر في ذلك، كما نبه إليه الإمام عليه السلام إذ قال:

«تَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ قَبْلَکُمْ کَیْفَ کَانُوا فِی حَالِ التَّمْحِیصِ وَ

ص: 14

الْبَلاَءِ»(1).

وهذا عين المنهج القرآني إذ قال تعالى:

«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ»(2).

وقال تعالى:

«...فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(3).

فالتفكر والتدبر من أهم سبل النجاة كما عرفت، سواء أكان في أحوال الماضين أم في حِكَمِ البلاء وغايته وأهدافه ومواده.

ص: 15


1- نهج البلاغة: الخطبة 192
2- سورة يوسف، الآية: 3
3- سورة الأعراف، الآية: 176

المسألة الثانية: الحكمة من وقوع البلاء

عندما نفكر في البلاء والاختبار الإلهي يتبادر إلى أذهاننا سؤال وهو أننا إذا أردنا اختبار شخص ما، إنما نختبره لأننا نجهل ما هي نتائج هذا الاختبار.

فهل أن الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى مثل هذا الاختبار لعباده؟

كيف وهو العالم بما كان وما یکون ویکل الخفايا والأسرار وجزئيات عالم الخليقة.

حاشا لله أن يكون غير عالم بما ستؤول إليه الأمور.

ص: 16

فإذا كان عالما إذاً ما هي الحكمة من الاختبار؟

والجواب على هذا السؤال عند مولی الموحدين عليه السلام إذ قال:

«وَ إِنْ کَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ لَکِنْ لِتَظْهَرَ اَلْأَفْعَالُ اَلَّتِی بِهَا یُسْتَحَقُّ اَلثَّوَابُ وَ اَلْعِقَابُ»(1).

ولكي يتضح لنا كلام أمير المؤمنين عليه السلام نضرب مثالا من واقعنا لتقريب الصورة إلى الذهن.

فلنتصور أن أستاذا في مدرسة ما، يَعلمُ إمكانيات طلابه تماماً، ويعرف من منهم المجد ومن هو بالعكس، فهل يصح أن يضع لطلبته الدرجات نهاية العام الدراسي على حسب علمه بهم من دون أن يمتحنهم؟

أو هل يصح أن يضع لهم الدرجات على

ص: 17


1- نهج البلاغة: الحكمة 93

مستوى واحد، مثلا يضع لهم درجة (مائة بالمائة) للمجد منهم وغير المجد؟

والجواب في الفرض الأول: إن الطلبة غير المجدين من حقهم أن يحتجوا على الأستاذ بقولهم: أنت لم تمتحنا، ووضعت لنا درجات الرسوب بحسب علمك وما يدريك لعلنا ننجح؟

وفي الفرض الثاني: من حق المجدين أن يحتجوا على الأستاذ ويقولوا: كيف تساوي بين الذين يجدون ويجتهدون، وبين الذين لا يبالون للامتحانات ولا يرعون لها حرمة، فهل هذا من العدل والإنصاف؟

ومن الواضح أن كلا الفرضين يفتقران إلى العدل والإنصاف لا محال.

فالنتيجة إذاً: لابد من الامتحان لكي يأخذ كل منهم درجته بحسب استحقاقه وجدّه واجتهاده.

ص: 18

فكذلك الاختبار بالنسبة للإنسان لينال الجزاء بحسب استحقاقه يوم القيامة، ولتتم الحجة من الله عز وجل على الإنسان الذي يجادل عن نفسه يوم القيامة قال تعالي:

«يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»(1).

وقال تعالى بخصوص إتمام الحجة:

«قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ...»(2).

ونحن ذكرنا هذا المثال لبيان بعض حِكَمِ الاختبار من وجه.

والخلاصة: أننا نستفيد من قوله عليه السلام: «وَ إِنْ کَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» أي أن الله سبحانه وتعالى، ما من شيء ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا، إلا وهو عالمٌ به وهو

ص: 19


1- سورة النحل، الآية: 111
2- سورة الأنعام، الآية: 149

أعلم بنا من أنفسنا وما سيجري علينا كما هو ثابت في علم الكلام؛ «وَ لَکِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ» في الاختبارات بجميع أنواعها وأصنافها سواء أكانت هذه الأفعال قلبية أم جوارحية، «الَّتِی بِهَا یُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَ الْعِقَابُ».

فالأفعال هي المعيار الأساس لِمُجازاة العبد عقابا وثوابا، قال تعالى:

«فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(1).

وتفيد من هذه الكلمات النورانية أيضا: أن البلاء يستخرج طاقات الإنسان الكامنة فيه من القوة إلى الفعل، ثم تجري عملية الصقل والتنقية، فالبلاء عملية تربوية للإنسان فكما أن بعض المعادن تتخلص من شوائبها عند صهرها بالنار،

ص: 20


1- سور النازعات، الآيات: 37 - 41

كذلك الإنسان ينقى ويرتقي إيمانه كلما صُبَّ عليه البلاء واجتازه بنجاح، وأما من لم يرتفع وينتفع من مواطن البلاء فيقول عنه أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللهُ بِالْبَلاَءِ وَالتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِظَةِ وَأَتَاهُ الْتَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ»(1).

بيّن الإمام عليه السلام في هذه الكلمات أن میدان البلاء هو محطة انتفاع وتزود للإنسان ومن يخسر في هذا الميدان يخرج منه وهو لا يملك من العظة شيئا، بل يحوطه التقصير من كل جانب، فتكون النتيجة عكسية تماما فبدل أن ينتفع من مواطن البلاء، يتضرر لعدم صبره وصموده عند نزول البلاء عليه، والانتفاع من البلاء ربما يكون ماديا أو قد يكون معنويا وربما يكون في الاثنين، هذا في الدنيا وأما في الآخرة فجنة عرضها

ص: 21


1- نهج البلاغة: الخطبة 176

السماوات والأرض، والتضرر كذلك - إذا لم ينجح الإنسان - ربما يكون ماديا أو معنويا، وربما سوية، فتحصّل مما تقدم في هذه المسألة عدة أمور:

1. إن الله سبحانه وتعالى يعلم بعواقب الأمور كلها جزئياتها وكلّياتها.

2. بالاختبار تتم الحجة من الله سبحانه على عباده.

3. العمل هو المعيار في الثواب والعقاب.

4. بالبلاء تتفجر الطاقات الكامنة في الإنسان.

5. البلاء محطة انتفاع للإنسان في الدنيا ماديا ومعنويا.

6. إذا لم ينجح الإنسان في البلاء ربما تضرر ماديا ومعنويا في الدنيا.

ص: 22

المسألة الثالثة: الاختبار بالعبادات وثماره

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَلکِنَّ اللَّهَ یَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ وَیَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمجَاهِدِ وَیَبْتَلِیهِمْ بِضُرُوبِ الْمَکَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّکَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِسْکَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِی نُفُوسِهِمْ وَلِیَجْعَلْ ذلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَی فَضْلِهِ وَأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ»(1).

بيّن عليه السلام في هذا المقطع من كلامه، الذي يدور حول العبادات الشاقة ومن ضمنها مناسك الحج، أن الله

ص: 23


1- نهج البلاغة: الخطبة 192

سبحانه وتعالى يختبر عباده بفرض عبادات شاقة ومخالفة لهوى النفس وطبعها، وشدة العناء في هذه العبادات تارة يكون مادياً وأخرى معنوياً، وأشار عليه السلام إلى أهم حكمة من هذه الفروض الشاقة بقوله:

«إِخْرَاجاً لِلتَّکَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِسْکَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِی نُفُوسِهِمْ».

فالتكبر تارة يكون على الله عز وجل وهو أعظم أنواع التكبر وهو: الامتناع عن العبادة له سبحانه والامتناع عن قبول الحق، وأخرى يكون التكبر على الرسل والأوصياء، قال الله تبارك وتعالی:

«إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ»(1).

ص: 24


1- سورة النحل، الآية: 22

وأخرى يكون التكبر على العباد، بأن يرى الإنسان في نفسه مزية فوق الغير، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام بأن التكبر «مصيدة إبليس العظمي ومكيدته الكبرى»(1).

وفي غرر الحكم:

قال عليه السلام:

«التواضع رأس العقل و التكبر رأس الجهل».

وقال عليه السلام:

«أقبح الخُلُق التكبر».

وقال عليه السلام:

«الكِبرُ داعٍ إلى التقحّم في الذنوب».

وقال عليه السلام:

«الكِبرُ يساور القلوب مساورة السموم القاتلة».

ص: 25


1- نهج البلاغة: الخطبة 192

وقال عليه السلام أيضاً:

«مَن لَبِسَ الكِبرَ و السَرَف خلع الفضل و الشرف».

وعنه عليه السلام قال:

«من تكبر في ولايته كثرت عند عزله ذلته».

فمن هذه الحكم تتبين لنا خطورة هذا الداء على الإنسان، كما عرفت أن التكبر كالسم القاتل للقلب، ويجلب الجهل والذنوب العظام ويخلع الفضل والشرف، بل إن نتائجه السلبية على الإنسان من الصعب إحصاؤها.

ومن المعلوم أن أولَ مَن استكبر هو إبليس، قال تعالى:

«إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ»(1).

ص: 26


1- سورة ص، الآية: 74

فإبليس هو الأبرع بزرع هذا الداء في قلوب بني آدم وتضليلهم وإيقاعهم في مصيدة التكبر، ولكن يمكننا التخلص منه من خلال العبادة الخالصة لوجه الله تعالى بجميع صنوفها، فلذلك بيّن أمير المؤمنين عليه السلام أن هذه العبادات بأنواعها الشديدة على العبد وألوانها المجهدة له وضروب مکارهها، إنما أهم حكمة فيها هي إخراج التكبر من قلوب العباد، فإذا خرج كمٌ من التكبر سکنت محله في النفس ذلة لله، وأصبح العبد طائعين لمولاه وعُدَّ من المهتدين.

ومن هنا يظهر لنا جليا أن التكبر من أخطر الآفات المُبعِدة عن الله سبحانه وتعالى وأن العبد ما إن تخلص من التكبر يسلك الصراط المستقيم، ويُفهم مما تقدم أيضا أن البلاء هو أنجح دواء لداء التكبر، فشعور الإنسان بفقره وضعفه وعجزه حين لا يتمكن أن يدفع عن نفسه أقل بلاء ينزل عليه، دافع لِلكبر من قلبه.

ص: 27

ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وَلِیَجْعَلْ ذلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَی فَضْلِهِ، وَأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ».

وهذه الكلمات بيّنت لنا ثمار تلك العبادات الشاقة والمكاره التي يجتازها العبد بتوفيق من الله سبحانه ليفتح الله عز وجل لعبده أبواب الفضل في الدنيا ماديا ومعنويا وفي الآخرة أبواب الجنان الفسيحة.

ثم يكسوه الله سبحانه بفضله، قال تعالى:

«لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1).

ونختم هذه المسألة برواية من الكافي عن التواضع الذي هو الضد من التكبر: (قال عيسى ابن مريم عليه السلام: «يا معشر الحواريين لي

ص: 28


1- سورة النور، الآية: 38

إليكم حاجة اقضوها لي»، قالوا: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل أقدامهم، فقالوا: كنا نحن أحق بهذا يا روح الله!، فقال عليه السلام: «إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم»، ثم قال عيسى عليه السلام: «بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل»)(1).

ص: 29


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 37، باب صفة العلماء

المسألة الرابعة: تقسيم البلاء

ينقسم البلاء على قسمين:

1. البلاء الاضطراري

وهو مما لا خيار للعبد فيه عند وقوعه عليه کالمرض مثلا والمصائب وما شابه ذلك.

2. البلاء الاختياري

وهو ما يقدم عليه العبد من البلاء باختياره کالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكثير من العبادات الشاقة، والجهاد في سبيل الله، لما فيها من العناء وبذل الأموال والأنفس، وكذلك إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب....

ص: 30

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب»(1).

فالمؤمن إذا رأى ملهوفا فأغاثه باختياره لابد له من بذل جهد نفسي أو بذل مال أو ما شاكل ذلك.

فهو في هذا الحال سواء كان بلاؤه في الجهاد أم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم بإغاثة الملهوف، فهو في دائرة الاختبار، فإذا اجتاز هذا الاختبار بنجاح يؤجر من ناحية وتكفر عنه الذنوب من ناحية أخرى.

وكلما كان الاختبار أشد بجميع صنوفه نال المؤمن مثوبة أجزل، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم

ص: 31


1- نهج البلاغة: الحكمة 24

كانت المثوبة والجزاء أجزل...»(1).

تتبين لنا ثمرة هذا التقسيم عندما نتتبع أحاديث أهل البيت عليهم السلام نجد أن البلاء الاختياري يدفع البلاء الاضطراري.

وبعبارة أوضح أن المؤمن عندما يقحم نفسه في البلاء الاختياري تُدفعُ عنه كثير من البلاءات الاضطرارية والروايات مليئة بهذا المضمون وإليك بعضاً منها:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبراما، ولا يذهب بالأدواء إلا الدعاء والصدقة»(2).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«الصدقة تمنع سبعين نوعا من أنواع البلاء،

ص: 32


1- نهج البلاغة: الخطبة 192
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 36، ص 137، ح 71

أهونها الجذام والبرص»(1).

وجاء في غرر الحكم عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام:

«صنائع المعروف تدر النعماء وتدفع البلاء»(2).

يتبين لنا جليا من هذه الأحاديث المباركة أن الصدقة وصنع المعروف بشتى صنوفهما يدفعان الكثير من البلايا الاضطرارية، فالصدقة وصنع المعروف لا يخرجان عن دائرة الاختبار الاختياري، وعلى هذا، قس كم ممن أقحم نفسه في الاختبارات باختياره فارتفعت عنه البلاءات الاضطرارية.

ص: 33


1- میزان الحكمة للريشهري: ج 2، ص 1595
2- غرر الحكم حديث: ح 4727

المسألة الخامسة: الهدف من البلاء

إذا أردنا أن نعرف ما هو الهدف من البلاء علينا أن نعرف مَن هو المبتلى؟

1. تارة يقع البلاء على المعاندين المستكبرين وذلك لإخراج التكبر من قلوبهم والرجوع إلى الله تبارك وتعالی کما بیّنا آنفاً في المسألة الثالثة، وفي هذا الصدد كثيراً ما أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى التدبر في أحوال الماضين أيضاً.

قال عليه السلام:

«واحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالاْمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلاَتِ بِسُوءِ الاْفْعَالِ، وَذَمِيمِ الاْعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ

ص: 34

وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ»(1).

وقال عليه السلام:

«فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وَ بِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَلاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرُطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ وَ بَقَاءَ الْمُلْكِ وَ هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَ الذُّلِّ فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَ جَمْعِهِ- وَ احْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسِه...».

وفي هذا الحدث قال تعالى:

ص: 35


1- نهج البلاغة: الخطبة 192

«ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ»(1).

فاستكبر فرعون وملؤه فأخذهم الله سبحانه وتعالى بالسنين لعلهم يتذكرون، قال تعالى:

«وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ»(2).

فقد أنزل الله سبحانه وتعالى عليهم البلاء لعلهم يرجعون إلى فطرتهم بالتذكر لأن الإنسان بطبيعته إذ ما مسته یدُ البلاء والمكاره انتفضت فطرتُه وسطع نورها، فيرى الحق حقاً والباطل باطلاً فيكون من المهتدين، إلا من ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، فهؤلاء قد غلفوا قلوبهم

ص: 36


1- سورة المؤمنون، الآيات: 45 - 47
2- سورة الأعراف، الآية: 130

بمعاصيهم واستكبارهم المفرط بغلاف الرين، فلا سبيل لخروج نور الفطرة إليهم، إذاً هذه العقوبات تنفع من بقي له حظ من الخير لإيقاظ الفطرة عنده.

وتسمى هذه العقوبات: تنبيهية، يبتلي بها المعاندون والمستكبرون بأنواع البلايا ليلمسوا ضعفهم في أعماق أنفسهم فيرجعوا الى الله سبحانه وتعالى.

أما من هو كفرعون وجنوده فعندما لم تنفع معهم هذه العقوبات التنبيهية أخذهم الله جل وعلا بالعذاب بإغراقهم، قال تبارك وتعالى:

«وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ»(1)

ص: 37


1- سورة القصص، الآيتان: 39 - 40

2. وتارة يقع البلاء على المؤمنين كالمرض مثلا، فيكون كفارة للذنوب وحطًا للسيئات كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«فإن المرض لا أجر فيه ولكنه يحط السيئات ويحتها حت الأوراق»(1).

فالمرض كفارة للذنوب ويعطي للمؤمن شحنة إيمانية برجوعه إلى الله سبحانه وتعالى أكثر مما كان عليه قبل البلاء، فتعلو الدرجات، ويكون المؤمن ذا لياقة مستعدا معها للمرحلة القادمة من الاختبار وهذا ما يفهم ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام:

«إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد إيمانه زيد في بلائه»(2).

وقال تعالى:

ص: 38


1- نهج البلاغة: الحكمة 42
2- الكافي للكليني: ج 2، ص 254

«وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»(1).

هذه الآية الكريمة تتحدث عن بني إسرائيل الذين أنعم الله تبارك وتعالى عليهم بنعم كثيرة وكذلك ابتلاهم بكثير من البلايا حينما عدلوا عن الحق.

فإن كلاً من النعمة والبلاء رحمة من الله تعالی على العباد من جهة التذكير والإيقاظ، فالنعمة توجب الرجوع إلى الله وشكره وإلاّ صارت نقمة، والمحنة توجب الرجوع الى الله والاستغفار من الذنوب، ومن الواضح في هذه الآية أن الرجوع إلى الله تعالى هو الغاية.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«قال الله عز وجل: عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيرا له، فليرضَ بقضائي وليصبر على بلائي

ص: 39


1- سورة الأعراف، الآية: 168

وليشكر نعمائي، اكتبه يا محمد من الصديقين عندي»(1).

وعنه عليه السلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتَسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها»(2).

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلاّ ابتلي بالمرض، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلاّ ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلاّ ضُيِّق عليه عند خروج نَفسِهِ حتى يلقى الله حين يلقاه وما له من ذنب

ص: 40


1- الكافي للكليني: ج 2، ص 61
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 64، ص 232

يدّعيه عليه، فيأمر به إلى الجنة، وإن الكافر والمنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما حتى يلقيان الله حين يلقيانه وما لهما عنده من حسنة يدّ عيانها عليه، فيأمر بهما إلى النار»(1).

وعن الإمام الكاظم عليه السّلام أنه قال:

«لن تكونوا مؤمنين حتى تعدّوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة، وذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء»(2).

3. وتارة يقع البلاء على الأنبياء والأوصياء ولكن لا يصح القول بأن البلاء يقع عليهم للتكفير عن ذنوبهم، لأنهم معصومون، وإنما لنيل المقامات والدرجات العليا، قال أمير المؤمنين عليه السلام عنهم:

ص: 41


1- معارج اليقين في أصول الدين: ص 314
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 420

«وقَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَابْتَلاَهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَمَخَضَهُمْ بِالْمَکَارِهِ»(1).

وقال بأنهم: (أجهد العباد بلاءً).

نعم إن الأنبياء والأوصياء هم أشد الناس بلاءً.

ولو أردنا أن نأخذ انموذجا مثاليا في تاريخ الأنبياء والبلاء لما عدونا النبي إبراهيم عليه السلام قال تعالى:

«وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(2).

لقد ابتلي النبيُ إبراهيم عليه السلام بابتلاءات شتى منها وضعه في المنجنيق لإحراقه ومنها إسكان أهله بوادٍ غير ذي زرع ومنها ابتلاؤه بذبح ولده

ص: 42


1- نهج البلاغة: الخطبة 192
2- سورة البقرة، الآية: 124

إسماعيل عليهما السلام، والی آخر عواصف البلاءات التي تندكّ لها الجبال الشامخات ولا يصمد أمامها إلا من هو كإبراهيم وذريته من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

فبعد اجتياز كل هذه الاختبارات بلياقة العبودية لله سبحانه، نال مقام الإمامة العظمی التي هي أعلى مرتبةً من مقام النبوة والرسالة.

ولكن يجب القول هنا إن أشد الأنبياء والأوصياء ابتلاءً نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما قال:

«ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت»(1).

فتحصّل مما تقدم أن كل هذه الأنواع من البلاعات وكل هؤلاء المُبتَلِين، إنما الغرض والغاية من بلائهم هو سوق الإنسان إلى الله تبارك وتعالی.

ص: 43


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 39، ص 56

فالمستكبر المعاند يقع في البلاء ليخرجه من استکباره فيرجع إلى ربه، والمؤمن يقع عليه البلاء للتكفير عن ذنوبه ويرجع إلى ربه ويتمسك بالقدرة المطلقة أكثر، والأنبياء والأوصياء يقع عليهم البلاء لنيل المقامات والدرجات العليا.

ومن هنا يتبيّن لنا أن الهدف الأسمى من البلاءات والاختبارات هو القرب الإلهي على اختلاف درجاته ومقاماته، وتبين أيضا أن البلاءات بشتى أنواعها وأصنافها ظاهرها نقمة وباطنها لطف و رحمة من الله سبحانه وتعالى على عباده.

ص: 44

المسألة السادسة: حقيقة الدنيا

بعدما انتهينا من الوقوف على عدة مسائل حول البلاء إجمالا نقف الآن على أصل البلاء، بالنسبة للإنسان وعلى أهم عنصرين من مواد البلاء في الدنيا وهما النفس والشيطان.

ونتأمل قليلا بعض كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة.

فلو أمعّنا النظر في كلام أمير المؤمنين عليه هو السلام نجد أن الأصل في البلاء هي الدنيا كما ظاهر في كثير من كلماته إذ، قال عليه السلام:

«دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ وَبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَلاَ یَسْلَمُ نُزَّالُهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ الْعَیْشُ فِیهَا مَذْمُومٌ وَالْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ وَإِنَّمَا أَهْلُهَا

ص: 45

فِیهَا أَغْرَاضٌ مُسْتهْدَفَةٌ تَرْمِیهِمْ بِسِهَامِهَا وَتُفْنِیهِمْ بِحِمَامِهَا وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللّهِ أَنَّکُم وَمَا أَنْتُمْ فِیهِ مِنْ هذِهِ الدُّنْیَا عَلَی سَبِیلِ مَنْ قَدْ مَضَی قَبْلَکُمْ مِمَّنْ کَانَ أَطْوَلَ مِنْکُمْ أَعْمَاراً وَأَعْمَرَ دِیَاراً وَأَبْعَدَ آثَاراً أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً وَرِیَاحُهُمْ رَاکِدَةً وَأَجْسَادُهُمْ بِالِیَةً وَدِیَارُهُمْ خَالِیَةً وَآثَارُهُمْ عَافِیَةً...»(1).

لقد أطنب العلامة حبيب الله الخوئي رحمه الله في منهاج البراعة في شرح هذه الخطبة لذلك رأينا أن نذكر أغلب شرحها لتتم الفائدة، قال رحمه الله: (اعلم أنّ الغرض من هذه الخطبة الشريفة التنفير عن الدّنيا والتّحذير منها والتّنبيه على مساويها ومخازيها الموجبة للنّفرة والحذر، قال عليه السّلام «دار بالبلاء محفوفة» أي حفّت بالمكاره والبليّات وأحاطت بها من كلّ جانب الآلام

ص: 46


1- نهج البلاغة: الخطبة 226

والآفات وفي نسبة محفوفة إلى الدّار توسّع والمراد كون أهلها محفوفة بما).

«وبالغدر معروفة، قال الشّارح البحراني: (استعار لفظ الغدر عمّا يتوهّم الإنسان دوامها عليها من أحوالها المعجبة له كالمال والصحّة والشّباب، فكأنّه في مدّة بقاء تلك الأحوال قد أخذ منها عهدا، فكأن التغيّر العارض لها المستلزم الزوال تلك الأحوال أشبه شيء بالغدر.

ومراده عليه السّلام أنّها مشهورة بالغدر والخداع، معروفة بالمكر والغرور، غير مختفية حيلتها ومكيدتها على أهل البصيرة، لأنّها بكونها حلوة خضرة محفوفة بالشهوات ومهيّئة للآمال والأمنيات، أعجبت النّاس بشهواتها العاجلة وتحبّبت إليهم بلذّاتهما الحاضرة، وتزيّنت بالغرور، فاغترّ بها كلّ من كان غافلا عن مكيدتها وافتتن بحبّها كلّ من كان جاهلا بحقيقتها، حتّى إذا أوقعتهم في حبائل محبّتها أبدت ما كان مضمرا في

ص: 47

باطنها من مكرها وحيلتها، فلم يكن امرؤ منها في حبرة إلاّ أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق من سرّائها بطنا إلاّ منحته من ضرّائها ظهرا، ولم ينل أحد من غضارتها رغبا إلاّ أرهقته من نوائبها تعبا، فكم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة قد صرعته، وذي أبهة قد جعلته حقيرا، وذي نخوة قد ردّته ذليلا.

وكفى في إيضاح غدرها ما قاله بعض قدماء أهل الحقيقة والبصيرة من أنها الآخذة ما تعطي والمورّثة بعد ذلك التبعة، السالبة لمن تكسوه والمورّثة بعد ذلك العرى، الواضعة لمن ترفّع والمورّثة بعد ذلك الجزع، التاركة لمن يعشقها والمورّثة بعد ذلك الشقوة، المغوية لمن أطاعها الغدّارة بمن أئتمنها، هي المحبوبة التي لا تحبّ أحدا، الملزومة التي لا تلزم أحدا، يوف لها وتغدر، ويصدق لها وتكذب، وينجز لها فتخلف، هي المعوّجة لمن استقام بها، والمتلاعبة بمن استمكنت

ص: 48

منه، بينا هي تطعمه إذ حولته مأكولا، وبينا هي تخدمه إذ جعلته خادما، وبينا هي تضحكه إذ ضحكت منه، وبينا هي تشتمه إذ شتمت منه، وبينا هي تبكيه إذ بكت عليه، وبينا هي قد بسطت يده بالعطية إذ بسطتها بالمسألة، وبينا هو فيها عزیز إذ أذّلته، وبينا هو فيها مكرّم إذ أهانته، وبينا هو فيها معظم إذ حقرته، وبينا هو فيها رفيع إذ وضعته، وبينا هي له مطيعة إذ عصته، وبينا هو فيها مسرور إذ أحزنته، وبينا هو فيها شبعان إذ أجاعته، وبينا هو فيها حيّ إذ أماتته، فأفّ لها من دار هذه صفتها، تضع التاج على رأسه غدوة، وتعفّر خدّه بالتراب عشية، وتحلي الأيدي بالأسورة عشيّة، وتجعلها في الأغلال غدوة، وتقعد الرّجل على السرير غدوة، وترمي به في السجن عشيّة، تفرش له الدّيباج عشيّة، وتفرش له التراب غدوة، وتجمع له الملاهي والمعازف غدوة، وتجمع عليه النوائح والنوادب عشيّة،

ص: 49

تحبّب إلى أهله قربه عشيّة، وتحبّب إليهم بُعدَه غدوة، تطيب ريحه غدوة، وتنتن ريحه عشيّة.

فهو في كلّ ساعة متوقّع لسطوتها غير آمن غدرها وخديعتها، غير ناج من بلائها وفتنتها، تمتّع نفسه من أحاديثها، وعينه من أعاجيبها، ويده من جمعها، ثمّ يصبح باكي العينين، صفر اليدين، في أودية الندامة والحسرة والخذلان حيران.

ومن ذلك كلّه علم أنها «لا تدوم أحوالها» بل تصير حياتها موتا وغناؤها فقرا وفرحها ترحا، وصحتها سقما، وقوّتها ضعفا، وعزّها ذلا، إلى غير هذه من حالاتها المتبدّلة المتغيّرة «ولا تسلم نزالها» أي لا يسلم النازل في تلك الدّار من آلامها وآفاتها وصدماتها بل هو في كلّ آن مترقّب لإصابة مكروه، وجل من كلّ بلاء.

فانّ كلّ ذي جسد فيها لا ينفكّ جسده من أنّ الحرّ يذيبه، والبرد يجمده والسَّموم يتخلّله، والماء يغرقه، والشّمس تحرقه، والهواء يسقمه،

ص: 50

والسّباع تفترسه، والطّير تنقره، والحديد يقطعه، والصّدم يحطمه.

ثمّ هو معجون بطينة من ألوان الأسقام والأوجاع والأمراض، فهو مرتهن بها مترصّد لها دائما، لكونه مخلوقا من الأخلاط الأربعة الّتي لو غلب أحدها على الآخر أحدث أنواعا من المرض ألا ترى إنّ أصحّ الأخلاط وأقربها إلى الحياة هو الدّم، فإذا خرج عن حدّ الاعتدال يموت صاحبه بموت الفجأة والطّاعون والاكلة والسّرسام، هذا كلّه مع ماله من مقارنة الآفات السّبع التي لا يتخلّص منها ذو جسد، وهي الجوع، والظّماء، والحرّ، والبرد، والخوف، و الجوع والموت.

أحوالها «أحوال مختلفة» إن جانبٌ منها اعذوذبَ واحلولى أَمَرَّ منها جانبٌ فأَوبَى، لم تطل على أحد فيها ديمة رخاء إلاّ هتنت عليه مزنة بلاء، ولم يُمَسَّ امرؤ منها في جناح أمن إلاّ أصبح على قوادم خوف.

ص: 51

«وتارات متصرّفة» يعني أنّ حالاتها تتغيّر بأهلها تارة بعد أخرى، ومرّة بعد مرّة، فإنّها تنقل أقواما من الجدب إلى الخصب ومن الرّجلة إلى الرّكب، ومن البؤس إلى النّعمة، من الشدّة إلى الرّخاء، ومن الشّقاء إلى الرّاحة، ثمّ تنقلب بهم فتسلبهم الخصب وتنزع منهم النّعمة والرّاحة.

ومحصّله أنّها دار تصرّف وانتقال وتقلّب من حال إلى حال صحّتها تتبدّل بالسّقم، وشبابها بالهرم، وغناها بالفقر، وفرحها بالتّرح، وسرورها بالحزن، وعزّها بالذّل، وأمنها بالخوف.

بينا ترى المرء فيها مغتبطا محبورا وملكا مسرورا في خفض ودعة ونعمة ولذّة وأمن وسعة، في بهجة من شبابه وحداثة من سنّه، وبهاء من سلطانه، وصحّة من بدنه إذا انقلبت به الدّنيا أسرّ ما كان فيها قلبا، وأطيب ما كان فيها نفسا، وأقرّ ما كان فيها عينا، وألذّ ما كان فيها عيشا، فأخرجته من ملكها وغبطتها وخفضها ودعتها

ص: 52

وبهجتها، فأبدلته بالعزّ ذلاً، وبالسّرور حزنا، وبالنّعمة نقمة، وبالغنى فقرا، وبالسّعة ضيقا، وبالشّباب هرما، وبالشّرف ضعة وبالحياة موتا.

ففارق الأحبّة وفارقوه، وخذله إخوانه وتركوه، وصار ما جمع فيها مفرّقا وما عمل فيها متبّرا، وما شيّد فيها خرابا وصار اسمه مجهولا، وذكره منسيّا، وحسبه خاملا، وجسده باليا، وشرفه وضيعا، ونعمته وبالا، وكسبه خسارا، وورث أعداؤه سلطانه، واستذلّوا عقبه واستباحوا حريمه، وتملّكوا أمواله، ونقضوا عهده وملكوا جنوده، فأفِّ وتُفٍّ لدار حالها هذا، وشأن ساكنها ذلك، وفّقنا الله تعالى للزّهد فيها والإعراض عنها.

وبما ذكرنا ظهر أنّ «العيش فيها مذموم»، وأراد بالعيش التّرفّه فيها والتنعّم بلذّاتها والالتذاذ بشهواتها، وإنّما كان مذموما لكونه شاغلا عن التّوجّه إلى الحقّ وعن الالتفات إلى الآخرة،

ص: 53

ومعقّبا للنّدم والحسرة الطّويلة والعذاب الشّديد يوم القيامة، قد وقع ذمّه في كتاب الله تعالى وعلى ألسنة الأنبياء والرّسل متجاوزا عن حدّ الإحصاء، قال تعالى:

«اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»(1).

وقال تعالى أيضا:

«مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(2).

ص: 54


1- سورة الحديد، الآية: 20
2- سورة هود، الآيتان: 15 - 16

وقد وقع تشبيه المتنعّم بالّلذات الدّنيويّة والمتلذّذ بشهواتها الملهية له عن التّوجّه إلى عاقبة أمره والالتفات إلى مآل حاله في كلام الحكماء برجل حمل عليه فيل مغتلم، فانطلق مولّيا هاربا، فاتّبعه الفيل فغشيه حتّى اضطرّه إلى بئر فتدلّى فيها وتعلّق بغصنين نابتين على شفير البئر، فإذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين أحدهما أبيض والآخر أسود، فلمّا نظر إلى تحت قدميه فإذا رؤوس أربع أفاع قد طلعن من جحرهنّ، فلمّا نظر إلى قعر البئر إذا تنين فاغر فاه نحوه يريد التقامه، فلما رفع رأسه إلى أعلى الغصنين إذا عليهما شيء من عسل النّحل فألهاه ما طعم منه وما نال من لذّة العسل وحلاوته عن الفكر في أمر الأفاعي اللواتي لا يدري متى يبادرنه، وألهاه عن التّنين الّذي لا يدري كيف مصيره بعد وقوعه في لهواته أما الفيل فهو الأجل، وأمّا البئر فالدّنيا المملوءة من الآفات والبلايا والشرور وأمّا

ص: 55

الغصنان فالعمر، وأمّا الجرذان فالليل والنّهار يسرعان في قطع العمر، وأمّا الأفاعي الأربع فالأخلاط الأربعة الّتي هي السّموم القاتلة من المرّة والبلغم والرّيح والدّم الّتي لا يدري صاحبها متى تهيج به، وأمّا التّنين الفاغر فاه ليلتقمه فالموت الرّاصد الطالب، وأمّا العسل الذي اغترّ بأكله فما ينال النّاس من عيش الدّنيا ولذّتها وشهوتها ونعيمها ودعتها من لذّة الطّعام والشّراب واللباس والشم واللّمس والبصر، هذا هو العيش المذموم.

وبقباله العيش الممدوح وهو العيش الهنيء الّذي أشير إليه في الحديث القدسي المرويّ في البحار من إرشاد القلوب للديلمي عن أمير المؤمنين عليه السّلام إنّ الله - تعالى شأنه - قال للنّبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم ليلة المعراج في جملة مخاطباته: «يا أحمد هل تدري أي عيش أهنى وأي حياة أبقى؟ قال: اللهمّ لا، قال: أمّا العيش الهنيء فهو الذي لا يفتر صاحبه عن ذكري

ص: 56

ولا ينسى نعمتي ولا يجهل حقّي، يطلب رضاي ليله ونهاره، وأمّا الحياة الباقية فهي الّتي يعمل لنفسه حتّى تهون عليه الدّنيا، وتصغر في عينه، وتعظم الآخرة عنده ويؤثر هواي على هواه، ويبتغي مرضاتي، ويعظّم حقّ عظمتي، ويذكر عملي به، ويراقبني بالليل والنّهار عند كلّ سيّئة أو معصية، وينقى قلبه عن كلّ ما أكره ويبغض الشيطان ووساوسه، ولا يجعل لإبليس على قلبه سلطانا وسبيلا، فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبّا حتّى اجعل قلبه لي، وفراغه واشتغاله وهمّه وحديثه من النّعمة الّتي أنعمت بها على أهل محبّتي من خلقي، وأفتح عين قلبه وسمعه حتّى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي، وأضيّق عليه الدّنيا وأبغّض إليه ما فيها من اللذات، وأحذّره من الدّنيا وما فيها كما يحذّر الرّاعي غنمه مراتع الهلكة، فإذا كان هكذا يفرّ من النّاس فرارا، وينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دار

ص: 57

الشيطان إلى دار الرّحمن، يا أحمد لأزيننّه بالهيبة والعظمة، فهذا هو العيش الهنيء والحياة الباقية، وهذا مقام الرّاضين...».

«والأمان فيها معدوم» لأنها إذا كانت بالبلاء محفوفة وبالخديعة موصوفة، مختلفة الحالات متصرّفة التارات، حسبما عرفت تفصيلا وتوضيحا، فكيف يؤمن من بوائقها ويطمئنّ من طوارقها، وكيف يسلم من فجعتها ويستراح من خدعتها ويتخلّص من غيلتها؟ فهي غرارة ضرارة حائلة زائلة نافذة بائدة أكالة غوّالة، حيّها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم، مُلكُها مسلوب، ومالها منهوب، وعزيزها مغلوب، وموفورها منكوب، كيف لا وقد رأيتم تنكّرها لمن أمن بها ودان لها واطمئنّ إليها حتّى ظعنوا عنها لفراق الأبد، هل زوّدتهم إلاّ السغب، أو أحلّتهم إلاّ الضنك، أو نوّرت لهم إلاّ الظلمة، أو أعقبتهم الاّ الحسرة والندامة، فبئست الدّار لمن لم يتّهمها ولم

ص: 58

یکن فيها على وجل.

«وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها»، ومحصّل المراد أنّ الناس في الدّنيا بمنزلة أغراض منصوبة للهدفية ترمي الدّنيا إليهم بسهامها أي مصائبها ومحنها وآلامها.

وقوله عليه السّلام «وتفنيهم بحمامها» ترشح آخر أي تهلكهم بموتها)(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«مَثَلُ الدنيا كمَثَل الحيّة ليّن مسّها والسم ناقع في جوفها، يهوي إليها الغرّ الجاهل ويحذرها ذو اللب العاقل»(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام في وصيته لهشام قال:

«يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء، فقال لها:

ص: 59


1- منهاج البراعة للسيد الخوئي: ج 14، ص 322
2- نهج البلاغة: الحكمة 119

كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا، قال: فكل طلَّقكِ؟ قالت: لا بل كلا قتلت قال المسيح: فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أما بعد فإن الله سبحانه جعل الدنيا لما بعدها وابتلى فيها أهلها ليعلم أيّهم أحسن عملا، ولسنا للدنيا خلقنا ولا بالسعي فيها أمرنا، إنما وضعنا فيها لنبتلى بها»(2).

نعم هكذا وصف الدنيا أمير المؤمنين عليه السلام ولكن من الملفت للنظر أن رجلا ذم الدنيا فسمعه الإمام عليه السلام فقال له:

«أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها المخدوع بأباطيلها، أتغتر بالدنيا ثم تذمها...».

ص: 60


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 1، ص 152
2- نهج البلاغة: كتاب 55

إلى أن قال:

«إِنَّ اَلدُّنْیَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَّقَهَا وَ دَارُ عَافِیَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ غِنًی لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَ دَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اِتَّعَظَ بِهَا...»(1).

إلى أن قال:

« ومتجر أولياء الله إكتسبوا فيها الرحمة وبحوا فيها الجنة. .

وقال عليه السلام:

«وَمَتجَرُ أولِیاءِ اللّهِ إکتَسُوا فیها الرَّحمةَ ورَبحُوا فیها الجَنَّةَ...»(2).

وقال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»(3).

ص: 61


1- نهج البلاغة: الحكمة 132
2- نهج البلاغة: الخطبة 64
3- سورة الحشر، الآية: 18

مع كل ما تبيّن لنا من ذم الدنيا ودنائتها، ولكن من بين كلمات أمير المؤمنين عليه السلام نرى أنه تارة يذم الدنيا وأخرى يمتدحها فكيف نوفق بين الكلامين؟ وأي رسالة يريد أن يبعثها إلينا أمير المؤمنين عليه السلام وأي منهجية يرسمها لنا بالتعامل مع الدنيا؟

نفهم من كلماته عليه السلام أن المعيار في تعامل الإنسان مع الدنيا هو جوهر الإنسان فلو كان جوهره طالبا للدنيا صار من أهلها وخسر الدنيا والآخرة لأنها وإن أهدته لها، لكنها (بالغدر معروفة لا تدوم أحوالها)، وإن كان جوهره مصروفا عنها ناظرا إلى آخرته، حينها نظر إلى الدنيا نظرة المتسوق المتبضع منها زاده والخارج منها عن قريب وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:

«ومتجر أولياء الله»، وقوله: «ودار غنى لمن تزود منها».

ص: 62

فالإنسان في سفينة تسري في بحر الدنيا، والصيد في البحر كثير وهو العمل الصالح، ولكن ما إن يصل ماء البحر الغزير إلى قلب السفينة، غرقت السفينة، فيغرق الإنسان في الدنيا.

نعم ما إن يتوغل حب الدنيا في قلب الإنسان غرق فيها، وحينها يمسي ويصبح ولا يرى سواها.

وأمير المؤمنين عليه السلام عندما يذم الدنيا يذمها لدنائتها ويبيّن أنها ليست بدار مقر بل دار ممر وهي لهو للأهي فيها، وعندما يمتدحها ينبّه إلى نكتة في غاية الأهمية وهي: بدون الدنيا لن ننال الآخرة لأنها دار تسوقنا كما في قوله: «ومتجر أولياء الله» وقوله: «فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا»(1).

ففي خضمّ هذه الاختبارات والفتن التي يجتازها الإنسان المؤمن بنجاح ينال السعادة في الآخرة، لأن نتائج الإختبارات في عالم الدنيا هي

ص: 63


1- نهج البلاغة: الخطبة 64

نفسها زاده في عالم الآخرة.

وقال عليه السلام:

«فإنّ الغاية أمامكم، وإنّ وراءكم السّاعة تحدوكم، تخفّفوا تلحقوا...»(1).

في هذه الدرة العلوية قال الشريف الرضي رحمه الله: (إنّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه وكلام رسوله بكلّ كلام لمال به راجحا وبرز عليه سابقا، فأمّا قوله عليه السّلام تخفّفوا تلحقوا فلا سمع كلام أقلّ منه مسموعا ولا أكثر محصولا، وما أبعد غورها من كلمة، وأنقع نطفتها من حكمة...)(2).

وقال الخوئي رحمه الله: (والأظهر عندي أنّ قوله «فإنّ الغاية أمامكم، أراد بالغاية الموت، كما صرّح به في الحديث الآخر: الموت غاية المخلوقين، أي هايتهم التي ينتهون إليها، ولأجل

ص: 64


1- نهج البلاغة: الخطبة 21
2- نهج البلاغة: ص 63

كونه منتهى سير المخلوقين صحّ جعله أمامهم، لأنّهم يسيرون إليه بحركة جبلّية وتوجّه غريزي فيكون أمامهم لا محالة)(1).

«وَإِنَّ وَرَاءَکُمُ السَّاعَهَ تَحْدُوکُمْ» وهذا الكلام منه عليه السلام نظير كلامه: «وَإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ وَإِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ الْجَدِيدَانِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ...»(2).

وعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:

«عجب لقوم حبس أوّلهم عن آخرهم ثمّ نودي فيهم الرّحيل و هم يلعبون»(3).

قوله عليه السلام:

«تخفّفوا تلحقوا».

قال حبيب الله الخوئي: (وأمّا قوله «تخفّفوا

ص: 65


1- منهاج البراعة للسيد الخوئي: ج 3، ص 301
2- نهج البلاغة: الخطبة: 64
3- الكافي للشيخ الكليني: ج 3، ص 258، ح 29

تلحقوا» فأصله أنّ الرّجل يسعى وهو غير مثقل بما يحمله فيكون أجدر أن يلحق الذين سبقوه لأنّ التّخفيف وقطع العلائق في الأسفار سبب السّبق والفوز بلحوق السّابقين، وكذلك الزهد في الدنيا وتخفيف المؤونة فيها توجب اللّحوق بالسّالفين المقرّبين، والوصول إلى درجات أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وما أنسب بالمقام ما رواه المحدّث الجزائري عن سلمان الفارسي، وهو أنّه لمّا بعث إلى المدائن ركب حماره وحده، فاتّصل المدائن خبر قدومه، فاستقبله أصناف النّاس على طبقاتهم، فلمّا رأوه قالوا: أيّها الشّيخ أين خلّفت أميرنا؟ قال: ومن أميركم؟ قالوا: الأمير سلمان الفارسي صاحب رسول الله، فقال لا أعرف الأمير وأنا سلمان ولست بأمير، فترجلوا له وقادوا إليه المراكب والجنائب، فقال: إنّ حماري هذا خير لي وأوفق، فلمّا دخل البلد أرادوا أن ينزلوه دار الإمارة قال: ولست بأمير، فنزل على

ص: 66

حانوت في السّوق، وقال ادعوا إلىّ صاحب الحانوت، فاستأجر منه وجلس هناك يقضي بين النّاس وكان معه وطاء يجلس عليه، ومطهرة يتطهّر بها للصّلاة، وعكازة يعتمد عليها في المشي، فاتّفق أنّ سيلا وقع في البلد فارتفع صياح النّاس بالويل والعويل يقولون: وا أهلاه ووا ولداه ووامالاه، فقام سلمان ووضع وطائه في عاتقه وأخذ مطهرته وعكازته بيده، وارتفع على صعيد، وقال: هكذا ينجو المخفّفون يوم القيامة)(1).

وقال عليه السلام:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهَجاً بِهَا، وَ لَنْ يَسْتَغْنِىَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ نَقْضُ مَا أَبْرَمَ وَ لَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضى حَفِظْتَ مَا

ص: 67


1- منهاج البراعة: ج 3، ص 304

بَقِىَ وَالسَّلامُ»(1).

قال حبيب الله الخوئي: (فإنّه عليه السّلام نبّه على أنّ مشغلة الإنسان على وجهين:

1. المشغلة الروحانية والهدف الإنساني المجرّد عن الأميال المادّية وهي التقرّب إلى الله إلى الله وتحصيل رضاه لأداء شكره ورسم العبوديّة تجاه عظمته، ثمّ طلب رضوان الله ونيل المثوبات الاخرويّة ومنها رعاية الوجهة الملكيّة والسّماويّة الرّاجعة إلى الرّوح الإنسانيّة الّتي هي من عالم القدس والتجرّد، ورعاية الأخلاق السامية البشريّة من طلب العلم والمعرفة وكشف الحقائق الكونيّة ورموز أنوار الوجود المطلق.

2. المشغلة الدّنيويّة الشاملة لما فيها من الأمور الماديّة المتنوّعة كالمال والجمال والجاه والأنانية، وكلّما يرجع إلى الغرائز الحيوانيّة من الملاذّ والشّهوات والمكاره والأسفات الّتي منشأها كلتا

ص: 68


1- نهج البلاغة: الكتاب 49

القوّتين الشهويّة والغضبيّة)(1).

وعن الإمام الكاظم عليه السّلام قال لهشام بن الحكم:

«مثل الدّنيا مثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله»(2).

وعن الإمام الباقر عليه السّلام:

«مثل الحريص على الدّنيا كمثل دودة القزّ كلّما ازدادت على نفسها لفّا كان أبعد لها من الخروج»(3).

ص: 69


1- منهاج البراعة: ج 20، ص 139
2- الكافي للشيخ الكليني: ج 2، ص 136، ح 24
3- المصدر نفسه

المصادر

1. القرآن الكريم.

2. نهج البلاغة / تأليف الشريف الرضي / تعليق صبحي الصالح / مطبعة الهجرة - قم.

3. الصحاح للجوهري / الوفاة 393 / الطبعة الرابعة سنة 1407 ه / المطبعة دار العلم - بيروت - لبنان.

4. لسان العرب لابن منظور / الوفاة سنة 711 / مطبعة نشر ادب الحوزة.

5. الكافي للشيخ الكليني / الوفاة 329 / تحقيق علي اکبر الغفاري / الناشر: دار الكتب

ص: 70

الاسلامية - طهران.

6. بحار الانوار للعلامة المجلسي / الوفاة 1111 / تحقيق السيد ابراهيم الميانجي، محمد باقر البهبودي / الطبعة الثانية / الناشر مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان.

V. ميزان الحكمة / محمد الريشهري / الطبعة الاولى / دار الحديث.

8. مستدرك الوسائل / ميرزا حسن النوري الطبرسي الوفاة 1220 / تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث / الطبعة الثانية.

9. معارج اليقين في أصول الدين / الشيخ محمد السبزواري من علماء القرن السابع / طبع ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث قم.

10. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة /

ص: 71

السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي / الوفاة: 1324 / تحقيق السيد ابراهيم الميانجي.

11. غرر الحكم ودرر الكلم / عبد الواحد الآمدي / مؤسسة الأعلمي.

ص: 72

ص: 73

المحتویات

مقدمة المؤسسة...5

البلاء في اللغة...8

المسألة الأولى: حتمية البلاء...10

المسألة الثانية: الحكمة من وقوع البلاء...16

المسألة الثالثة: الاختبار بالعبادات وثماره...23

المسألة الرابعة: تقسيم البلاء...30

1. البلاء الاضطراري...30

2. البلاء الاختياري المحتويات...30

المسألة الخامسة: الهدف من البلاء...34

المسألة السادسة: حقيقة الدنيا...45

ص: 74

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.