النبيان داود وعيسی عليهما السلام
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 1
ص: 2
سلسلة الأنبياء في نهج البلاغة (4) النبيان داود وعيسی عليهما السلام
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة WWW.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com
ص: 4
ورد ذکر نبي الله داود عليه السلام في نهج البلاغة ضمن موردین.
الأول في بيان زهده عليه السلام، وقد جاء ذكره بعد ذكر زهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونبي الله موسى عليه السلام.
وأما المورد الثاني فقد كان في ساعة استجابة الدعاء في وقت التهجد من الليل وموانع استجابة الدعاء في هذه الساعة.
ص: 5
من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
«...وَإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ؟ بِدَاوُدَ صَاحِبِ الْمَزَامِيرِ وَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِيَدِهِ وَيَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا وَيَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا»(1).
يحث الإمام علي عليه السلام المسلمين على الاتعاض بسيرة الأنبياء عليهم السلام لاسيما سيدهم وخاتمهم أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيتدرج في بيان تكسبهم بيدهم في تحصيل معايشهم،
ص: 6
فمنهم من يرعى الغنم ومنهم من عمل بالتجارة فأراد عليه السلام بذكر هذه السيرة أن يحثنا على العمل والتكسب باليد والسعي في طلب لقمة الحلال مثل الانبياء والصالحين والاعتماد على النفس لا على الغير ولكي يحصل الانسان على رزق حسن ولا يسأل الناس في سد حاجته عليه أن يجهد نفسه بالعمل ويتعب لكي يكسب قوته فالانسان الذي لاعمل له يسقط من عين الاخرين فقد روى ابن عباس قائلاً: (كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال:
«هل له حرفة؟».
فإن قالوا: لا، قال:
«سقط من عيني».
قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال:
لأن المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه»(1).
ص: 7
وروي عن صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من أكل من كد يده كان يوم القيامة في عداد الأنبياء، ويأخذ ثواب الأنبياء»(1).
وعنه صلى الله عليه وآله قال:
«ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده(2).
وروي إن حواريي عیسی علیه السلام كانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا، فيضرب بيده على الأرض - سهلا كان أو جبلا - فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين يأكلهما، فإذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا، فيضرب بيده على الأرض - سهلا كان أو جبلا - فيخرج ماء فيشربون، قالوا: يا روح الله من أفضل منا؟ إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنا بك واتبعناك! قال عليه السلام:
ص: 8
«أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب بالكراء».
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خير الكسب کسب يدي العامل إذا نصح»(1).
قال الفيروزآبادي: (مزامير داود عليه السلام ما كان يتغنى به من الزبور، وقال ابن أبي الحديد: إن داود عليه السلام أعطي من طيب النغم ولذة ترجيع القراءة ما كانت الطيور لأجله تقع عليه وهو في محرابه، والوحش تسمعه فتدخل بين الناس ولا تنفر منهم لما قد استغرقها من طيب صوته)(1).
وقال عليه السلام:
«وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا»(2).
وقوله تعالی:
«اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ»(3).
ص: 10
وقال تعالى:
«وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ»(1).
وجاء في قصص الانبياء في تفسير علي بن إبراهيم: «يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ» أي سبّحي لله «وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ».
وقال: كان داود عليه السلام اذ مر في البراري يقرأ الزبور، تسبّح الجبال والطيور والوحوش معه وألان الله له الحديد مثل الشمع، حتى كان يتخذ منه ما أحب.
وقال الإمام الصادق عليه السلام:
«أطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء، فإنه اليوم الذي ألان فيه الله الحديد لداود عليه السلام)(2).
ص: 11
وفي حديث أبي موسى قال: (أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله استمع إلى قِرَاءتِه فقال:
«لقد أوتِيتَ مِزماراً من مَزَامير آل دَاود».
فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
«لو علمتُ أنَّك تَستَمع لحبَّرته لك تَحبيراً»).
أي حَسَّنتُ قِراءته وزَيَّنتُها، ويؤيِّد ذلك تأييداً لا شُبهةَ فيه حديث ابن عبّاس أنه قال: (أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال:
«لِكُلِّ شيءٍ حليةٌ، وحِليَةُ القرآن حُسن الصوت»)(1).
السفائف أي: النسائج.
ص: 12
والخوص: ورق النخيل.
روي في الكافي عن أحمد بن أبي عبد الله، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
«أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام أنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا، قال: فبكى داود عليه السلام أربعين صباحا فأوحى الله عز وجل إلى الحديد: أن لُن لعبدي داود فألان الله عز وجل له الحديد فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألفا واستغنى عن بيت المال)(1).
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
ص: 13
«ما أكل العبد طعاما أحب إلى الله تعالى من كد يده، ومن بات كالا من عمله بت مغفورا»(1).
وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً قال:
«إن داود النبي كان لا يأكل إلا من كسب يده»(2).
وروي أن داود عليه السلام - لما مر بإسكاف قال: «يا هذا اعمل وكل، فإن الله يحب من يعمل ويأكل، ولا يحب من يأكل ولا يعمل»(3).
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
«لا تكسلوا في طلب معايشكم، فإن آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها»(4).
وأما سليمان (عليه السلام) فقد كان - مع ما
ص: 14
هو فيه من الملك - يلبس الشعر، وإذا جاء الليل شد يديه إلى عنقه، فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا، وكان قوته من سفائف الخوص يعملها بيده، وإنما سأل الله الملك لأجل القوة والغلبة على ملوك الكفار ليقهرهم بذلك، وقيل: سأل الله القناعة(1).
وجاء في شرح بهج الصباغة روى الطبري في (ذيله) أنّه كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده.
و روي في (الاستيعاب) أنّ قوما دخلوا على سلمان وهو أمير على المدائن، وهو يعمل الخوص، فقيل له: تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال: (إنّي أحبّ أن آكل من عمل يدي)(2).
ص: 15
جاء في كتاب الكافي للشيخ الكليني عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السّلام أنه قال:
«ما من نبيّ إلاّ وقد دعا لأكل الشعير وبارك عليه، وما دخل جوفا إلاّ وأخرج كلّ داء فيه، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار، أبى الله تعالى أن يجعل قوت أنبيائه إلاّ شعيرا»(1).
هذا، وروى الطبري في (ذيله): (أنّ أصحاب الإبل وأصحاب الغنم تفاخروا عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أصحاب الإبل: ما أنتم يا رعاء الشّاة، هل تجبون شيئا أو تصيبونه؟ ما هي إلاّ شويهات أحدكم يرعاها ثمّ يروحها حتّی أصمتموهم، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم:
«بعث داود عليه السّلام وهو راعي غنم، وبعث موسى عليه السّلام، وهو راعي غنم، وبعثت أنا
ص: 16
وأنا أرعى غنم أهلي بأجياد».
فغلبهم أصحاب الغنم)(1).
وري في بحار الأنوار (عن سعد، عن النهدي، عن ابن محبوب، عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
«أوحى الله عزّ وجل إلى داود عليه السلام: إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فابيحه جنتي قال: فقال داود: يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة، قال: فقال داود عليه السلام: حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك»)(2).
ص: 17
عن نوف البكالي، قال: (رأيت أمير المؤمنين علياً عليه السّلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر في النجوم فقال لي:
«يا نوف أراقد أنت أم رامق؟».
فقلت: بل رامق يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام:
«يا نوف طوبى للزّاهدين في الدّنيا الرّاغبين في الآخرة، أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن شعارا، والدّعاء دثارا، ثمّ قرضوا الدنيا قرضا على
ص: 18
منهاج المسيح؛ يا نوف إنّ داود عليه السّلام قام في مثل هذه السّاعة من اللّيل فقال: إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلاّ استجيب له، إلاّ أن يكون عشّارا أو عريفا، أو شرطيّا، أو صاحب عرطبة (وهي الطّنبور) أو صاحب كوبة (وهي الطبل)»)(1).
1. روي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«إذا كان آخر الليل يقول الله عز وجل: هل من داع فاجيبه؟ وهل من سائل فاعطيه سؤله هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من تائب فأتوب علیه»(2).
2. وجاء في الخصال عن سعد بن عبد الله
ص: 19
قال: حدثني أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
«يا معاوية من أعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة: من أعطي الدعاء أعطي الإجابة، ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة، ومن أعطي التوكل أعطي الكفاية، فإن الله عزّ وجل يقول في كتابه:
«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ»(1).
ويقول:
«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(2).
ويقول:
«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(3)»)(4).
ص: 20
3. جاء في مرآة العقول ما روي عن النبي محمد صلی الله عليه واله أنه قال:
«الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل، فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة، وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقتها فإن لكل شيء وقتا، وإما لأنه لم يقدّر في أول الأمر قبول دعائه في الدنيا ليعطى عوضه في الآخرة، وإما أن يؤخر القبول ليلح ويبالغ فيها، فإن الله تعالى يحب الإلحاح في الدعاء»(1).
قال العلامة التستري في شرح عن قوله عليه السلام:
«يا نوف إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه
ص: 21
الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلاّ استجيب له».
ورد في الكافي (عن الإمام الصادق عليه السلام:
«إنّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثمّ يصلّي ويدعو الله فيها إلاّ استجيب له في كل ليلة».
قلت: وأيّ ساعة هي من الليل؟ قال عليه السلام:
إذا مضى نصف الليل وهي السدس الأول من أوّل النصف»)(1).
وروي في البحار عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن المفضل قال: سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول:
«كان فيما ناجي الله عزوجل به نبيه موسی بن ص: 22
عمران عليه السلام أن قال له: يا ابن عمران كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنّه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه؟ ها أنا ذا يا ابن عمران مطّلع على أحبائي إذا جنّهم الليل حولّت أبصارهم من قلوبهم، ومثلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلموني عن الحضور، يا ابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل، وادعني فإنك تجدني قريبا مجيبا»(1).
وعن عمر بن عنبسة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
«صلاة الليل مثنى مثنی، وجوف الليل الأخير أجوبه»(2).
عن ابن أبي جمهور في درر اللآلئ: عن عبادة
ص: 23
ابن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«ما من امرئ مسلم يقعد في جوف الليل، فيقول: الله أكبر، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، استغفر الله الغفور الرحيم، إلا سلخه الله من خطاياه، كيوم ولدته أمه»(1).
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلی الله عليه وآله:
«قالت أم سليمان بن داود لسليمان عليه السلام: إياك وكثرة النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة»(2).
قوله عليه السلام: «إلا أن يكون عشّارا». أي:
ص: 24
من يأخذ من قبل السلطان عشر أموال الناس. «أو عريفا» القيّم بأمر الناس بعد الرئيس يعرّفهم له «أو شرطيا» أي: جنديا، من «أشرط نفسه لأمر كذا، أي: أعلمها، والجند يجعلون لأنفسهم علامة يعرفون بها.
وفي الأغاني عن المدائني قال: (لمّا مات أمية بن الأسكر عاد ابنه کلاب إلى البصرة، فكان يغزو مع المسلمين، ويشهد فتوحات كثيرة، وبقي إلى أيّام زیاد، فولاّه الأبله، فسمع كلاب يوما عثمان بن أبي العاصي يحدث: أنّ داود نبي الله كان يجمع أهله في السحر ويقول: «ادعوا ربّكم فإنّ السحر ساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن إلاّ غفر له، إلاّ أن يكون عشّارا أو عريفا»، فلمّا سمع ذلك كلاب كتب إلى زياد فاستعفاه من عمله فأعفاه)(1).
وفي كتاب الاستیعاب «عن زوجة أبي ذر قالت: لمّا حضرته الوفاة، بكيت فقال: ما يبكيك؟
ص: 25
قلت: تموت بفلاة وليس عندي ثوب يسعك كفنا فقال أبو ذر، لجمع نزل عليه: سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يقول لنفر، أنا فيهم:
«ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلاّ مات في قرية».
فأنا ذلك الرجل، والله ما كَذبت ولا كُذّبت ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي، لم أكفّن إلاّ في ثوب هو لي أو لها، وإنّي أنشدكم الله أن لا يكفّنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلاّ فتى من الأنصار، فقال الفتى الأنصاري: أنا أكفّنك يا عمّ في ردائي هذا، وفي ثوبين في عيبي من غزل أمّي. قال: أنت تكفّني).
ص: 26
ثالثاً: في بيان معنى قوله عليه السلام: صاحب عرطبة
قال عليه السلام: «أو صاحب عرطبة وهي الطنبور أو صاحب کوبة وهي الطبل».
نقل في مستند الشيعة عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
«إنّ شيطانا يقال له القفندر إذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط، ودخل عليه الرجال، وضع ذلك الشيطان كلّ عضو منه على مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة، فلا يغار»(1).
وجاء في الفقه الرضا عليه السلام: (وإيّاك والضربة بالصولجان، فانّ الشيطان يركض معك، والملائكة تنفر عنك)(2).
وعن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
ص: 27
«إنّ الله تعالى بعثني هدى ورحمة للعالمين، وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار والأوثان وأمور الجاهلية»(1).
وقد قيل أيضاً أنّ العرطبة: الطبل، والكوبة: الطنبور، ذهب إليه ابن دريد في (جمهرته)، وقال الجوهري: العرطبة العود، وقال الزمخشري: الكوبة النرد أو الشطرنج.
وفي تاريخ الطبري عن بشر مولى هشام: أُتي هشام برجل عنده قيان وخمر ويربط فقال: اكسروا الطنبور على رأسه، وضربه فبكى، قال بشر: فقلت له وأنا أعزّيه عليك بالصبر. فقال: أتراني أبكي للضرب انما أبكي لاحتقاره للبربط إذ سمّاه طنبورا(2).
وجاء في البحار من كتاب البيان لابن شهر آشوب: قيل إن داود عليه السلام جزأ ساعات الليل
ص: 28
والنهار على أهله، فلم تكن ساعة إلا وإنسان من أولاده في الصلاة، فقال تعالى:
«...اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا...»(1).
ص: 29
من كلام له عليه السلام:
«وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ علیه السلام فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ، وَظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا وَ فَاكِهَتُهُ وَ رَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الأرض لِلْبَهَائِمِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَ لاَ وَلَدٌ يَحْزُنُهُ وَ لاَ مَالٌ يَلْفِتُهُ وَ لاَ طَمَعٌ يُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلاهُ وَ خَادِمُهُ يَدَاهُ»(1).
في هذا الكلام يشير الإمام علي عليه السلام
ص: 30
إلى زهد نبي الله عیسی علیه السلام إذ ترك كل ما في هذه الدنيا وزينتها وتوجه إلى طاعة الله ومرضاته، فلم تكن له زوجة تفتنه، فإن أغلب ما يوقع الرجال في المعاصي حبهم للنساء وأتباعهم للشهوات وافتتانهم بنسائهم فكان نبي الله عیسی علیه السلام لا يريد ان يفتن بهذه الدنيا ولا يحزن عليها، بل يكون حزنه لله وفرحه لله وكان عليه السلام ينام على الارض وكرس حياته في عبادة الباري ورضاه وخدمة الناس وكان يسافر من مكان إلى آخر بدون وسيلة نقل تنقله والغاية من هذا السفر هو نشر كلمة التوحيد وهداية الناس ومساعدتهم فكان يرشد الناس إلى طريق الصواب ويعطي الحكم والمواعظ.
ومن مواعظه عليه السلام قال: «ویلکم یا عبيد السوء: من أجل دنیا دنيّة وشهوة ردّية تفرّطون في ملك الجنه وتنسون هول يوم القيامه»(1).
ص: 31
قال العلامة محمد تقي التستري في شرح قوله عليه السلام: «وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام» قال تعالى:
«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ
ص: 32
وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(1).
«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ
ص: 33
وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».
«فلقد كان» أي: عیسی. «يتوسّد الحجر» أي: يجعله له وسادة، وفي الخبر: أنّ إبليس أتی عیسی علیه السّلام وكان قد نام وجعل وسادته لبنة، فقال له عليه السّلام: «ما تريد منّي وليس لي شيء من علائق الدّنيا؟» فقال: ما دامت هذه اللبنة تحت رأسك أرجو منك ذلك. فأخذه عیسی، ورمی به(1).
وقد روي عن أهل البيت عليهم السلام في بیان زهد نبي الله عيسى عليه السلام وزهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام جملة من الأحاديث، كان منها:
1. روي في الكافي (عن عدد من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس عن
ص: 34
سعيد بن جناح، عن عثمان بن سعيد، عن عبد الحميد بن علي الكوفي، عن مهاجر الاسدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«مرّ عيسى بن مريم عليه السلام على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها فقال - عليه السلام -: أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا، فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فتجتنبها، فدعا عيسى عليه السلام ربه فنودي من الجو: أن نادِهِم.
فقام عيسى عليه السلام بالليل على شرف من الأرض فقال: يا أهل هذه القرية، فأجابه منهم بل مجيب: لبيك يا روح الله وكلمته، فقال: ويحكم ما كانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت وحب الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب.
ص: 35
فقال - عليه السلام -: كيف كان حبكم للدنيا؟ قال: كحب الصبي لأمه، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنا بكينا وحزنا.
قال - عليه السلام -: كيف كانت عبادتكم للطاغوت قال: الطاعة لأهل المعاصي.
قال - عليه السلام -: كيف كان عاقبة أمركم؟ قال: بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية.
فقال - عليه السلام -: وما الهاوية؟ فقال: سجّين، قال - عليه السلام -: وما سجّين؟ قال: جبال من جمر أوقد علينا إلى يوم القيامة، قال - عليه السلام -: فما قلتم وما قيل لكم؟ قال: قلنا ردّنا إلى الدنيا فنزهد فيها، قيل لنا: كذبتم، قال - عليه السلام -: ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح الله إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد وإني كنت فيهم ولم أكن منهم، فلما نزل
ص: 36
العذاب عمّني معهم فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها، فالتفت عيسى عليه السلام إلى الحواريين فقال: يا أولياء الله أكل الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة»)(1).
قال عليه السلام: «ويلبس الخشن، وزاد ابن أبي الحديد: «ويأكل الجشب».
2. من وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر رضي الله عنه:
«يا أبا ذر:البس الخشن من اللباس، والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك»(2).
3. روي عن عقبة بن علقمة: دخلت على
عليها:
ص: 37
أمير المؤمنين عليه السلام فإذا بين يديه لبن حامض قد آذتني حموضته، وكسر يابسة، قلت: يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا؟! فقال لي:
«يا أبا الجنود! إني أدركت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا، فإن لم آخذ بما أخذ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خفت أن لا ألحق به»(1).
4. عن العباس بن هلال الشامي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: قلت: جعلت فداك وما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويتخشع، قال - عليه السلام -:
«أما علمت أن يوسف بن يعقوب نبي ابن نبي، كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب،
ص: 38
ويجلس في مجالس آل فرعون يحكم، فلم يحتج الناس إلى لباسه، وإنما احتاجوا إلى قسطه، وإنما يحتاج من الإمام إلى أن إذا قال صدق، وإذا وعد أنجز، وإذا حكم عدل، إن الله لم يحرم طعاما ولا شرابا من حلال، وإنما حرم الحرام قل أو كثر».
وقد قال عليه السلام:
«قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق»(1) (2).
قال عليه السلام: «وكان أدامه الجوع، أي أن النبي عیسی علیه السلام اعتاد على الجوع.
روي في كتاب وسائل الشيعة عن ابن عباس قال: (أتاه رجل يسأله عن الصيام؟ فقال: إن كنت
ص: 39
تريد صوم داود فإنه كان من أعبد الناس - إلى أن قال - قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«إن أفضل الصيام صيام أخي داود عليه السلام وكان يصوم يوما ويفطر يوما، وإن كنت تريد صيام سليمان عليه السلام فإنه كان يصوم من أول الشهر ثلاثة ومن وسط الشهر ثلاثة، ومن آخره ثلاثة، وإن كنت تريد صوم عيسى عليه السلام فإنه كان يصوم الدهر كله لا يفطر منه شيئا وإن كنت تريد صوم مريم عليها السلام فإنها كانت تصوم يومين وتفطر يوما، وإن كنت تريد صوم خير البشر العربي القرشي أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويقول: هي صيام الدهر»(1).
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام:
ص: 40
«إن عيسى بن مريم عليه السلام لمّا مرّ على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء فقال له بعض الحواريين: يا روح الله وكلمته، لم فعلت هذا وإنما هو من قوتك؟ فقال: فعلت هذا لدابة تأكله من دواب الماء وثوابه عند الله عظيم»(1).
حيث لم یکن للنبي بيت يسكنه وكان كثير الانتقال كما أشرنا في بداية الخطبة بأنه كان ينتقل من مكان إلى آخر لنشر كلمة التوحيد والهروب من الطواغيت فكان لا يهمه حر الصيف ولا برد الشتاء ولا الجوع فكل هذا من اجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله وتبليغ رسالاته السماوية.
ص: 41
رابعاً: قال عليه السلام: «وفاكهته وريحانة ما تنبت الأرض للبهائم» ولم يأكل لحما ولا فواكه.
روي أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: «أكلي ما تنبته الأرض للبهائم - إلى أن قال - ولبسي الشعر»(1).
وروي عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
«كان طعام عيسى عليه السلام الباقلاء حتى رفع، ولم يأكل شيئا غيّرته النار»(2).
روي عن علي بن حديد رفعه قال: قام عيسى بن مريم خطيبا فقال: «يا بني إسرائيل! لا تأكلوا حتى تجوعوا، وإذا جعتم فكلوا، ولا تشبعوا، فإنكم إذا شبعتم غلظت رقابكم، وسمنت جنوبكم ونسيتم ربكم»(3).
ص: 42
كما اتّفق لكثير من العبّاد والزهّاد افتتالهم بنسائهم، فقد روي أن عيسى عليه السلام اشتد عليه المطر والرعد والبرق يوما، فجعل يطلب شيئا يلجأ إليه فرفعت إليه خيمة من بعيد، فأتاها (فإذا فيها امرأة فحاد عنها) فإذا هو بكهف في جبل فأتاه فإذا فيه أسد فوضع يده عليه فقال: «إلهي لكل شيء مأوى ولم تجعل لي مأوى، فأوحى الله إليه: مأواك في مستقر رحمتي، ولأزوجنّك يوم القيامة بمائة حوراء خلقتها بيدي، ولاطعمنّ في عرسك أربعة آلاف عام، كل يوم منها كعمر الدنيا، ولآمرنّ مناديا ينادي: أين الزّهاد في الدنيا؟ هلموا إلى عرس الزاهد عيسى بن مريم عليه السلام»(1).
وقوله عليه السلام: «ولا ولد يحزنه» بمرضه أو خوف فقره أو موته. فمن طبيعة الإنسان أن يراعي
ص: 43
أولاده وإذا أصابهم شيء يحزن عليهم لذا أراد النبي عیسی علیه السلام أن لا يحزنه ولد ولا أي شي في هذه الدنيا فجعل حياته كاملة في خدمة الله عز وجل.
قال تعالی:
«وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ»(1).
قال عليه السلام: «ولا مال يلفته» أي: يصرفه عن الله تعالى ذكره، قال تعالي:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(2).
وقوله تعالی:
ص: 44
«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»(1).
إن الله قد زوى عن أنبياءه كل ما في هذه الدنيا من لهو فالأموال تلهي الإنسان فينشغل بها وهي زينة الحياة والله قدم الأموال على الأولاد فأراد الله لأنبياءه أن لا تنشغل قلوبهم بغيره فأبعد زينة هذه الدنيا عن عيونهم.
قال المسيح [عيسى] عليه السلام للحواريين:
«إنما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها»(2).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«رفع عيسى بن مريم بمدرعة صوف، من غزل مريم ومن نسج مريم ومن خياطة مريم، فلما انتهى إلى السماء نودي: يا عيسى، ألق عنك زينة الدنيا»(3).
ص: 45
قيل: عزّ من قنع وذلّ من طمع.
روح قال عيسى عليه السلام لأصحابه: «يا معشر الحواريين لأنتم أغنى من الملوك»، قالوا: وكيف يا الله؟ وليس نملك شيئا، قال: «أنتم ليس عندكم شيء ولا تريدونه وهم عندهم أشياء ولا يكفيهم»(1) وقال عيسى عليه السّلام: «من رضي بقسمة الله فكأنّما عمل بالإنجيل»(2).
عن أبي القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق قال: (قال عيسى بن مريم للحواريين (يا معشر الحواريين، إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، ولا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون)(3).
ص: 46
جاء في الإرشاد عن عیسی بن مریم روح الله وكلمته أنّه كان يقول: «خادمي يداي، ودابتي رجلاي، وفراشي الأرض، ووسادي الحجر، ودفائي في الشتاء مشارق الأرض، وسراجي بالليل القمر، وأدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وفاكهتي وريحانتي ما أنبتت الأرض للوحوش والأنعام، أبيت وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على وجه الأرض أحد أغنى منّي»(1).
وجاء في اصول الكافي عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، رفعه قال: (قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين: «لي إليكم حاجة اقضوها لي»، فقالوا: قضيت حاجتك يا روح الله، فقام فغسل أقدامهم، فقالوا: كنا أحق بهذا منك، فقال: «إن أحق الناس بالخدمة العالم إنما تواضعت هكذا لكيما
ص: 47
تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم»، ثم قال عيسى عليه السلام: «بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل»(1).
ص: 48
1. القرآن الكريم.
2. نهج البلاغة / شرح الشيخ محمد عبده / خرج مصادره فاتن محمد خليل اللبوت / مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع.
3. معارج اليقين في اصول الدين / تاليف الشيخ محمد بن محمد السبزواري من اعلام القرن السابع الهجري تحقيق علاء آل جعفر.
4. الكافي للكليني الوفاة 329 / تحقيق وتصليح: علي اكبر الغفاري / الطبعة الثالثة / سنة الطبع 1367 / النشر: دار الكتاب الاسلامية طهران.
5. بحار الانوار / العلامة محمد باقر المجلسي /
ص: 49
طبعة منقحة وبتعليق العلامة الشيخ علي النمازي الشاهرودي / منشورات مؤسسة الأعلمي بيروت.
6. النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين / السيد نعمة الله الجزائري / قدم له وعلق عليه علاء الدين الاعلمي / منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت.
7. سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ملحقات / المؤلف السيد الطباطبائي 1404 / تحقيق الشيخ محمد هادي الفقهي / سنة الطبع رمضان 1419 / مؤسسة النشر الاسلامي.
8. وسائل الشيعة (آل البيت) / الحر العاملي / تحقیق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث / الطبعة الثانية سنة الطبع 1414 / قم المشرفة.
9. المستدرك / الحاكم النيسابوري توفي سنة 405 / تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعاشي.
10. مستند الشيعة / المحقق النراقي توفي
ص: 50
1244 / تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث / مشهد المقدسة / 1419 ه.
11. فقه الرضا: علي ابن بابويه القمي توفي سنة 329 / تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث.
12. مستدرك الوسائل ميرزا حسين النوري البرسي توفي سنة 1320 / تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث / سنة الطبع 1408 - 1988 م.
13. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ابن شعبة الحراني / تحقيق علي اكبر الغفاري / الطبعة الثانية / 1404 - 1363 / مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.
14. مكارم الاخلاق الشيخ الجليل رضي الدين الطبرسي من اعلام القرن السادس الهجري حققه فضيلة الشيخ حسين الاعلمي مؤسسة الاعلمي
ص: 51
للمطبوعات / بيروت - لبنان.
15. الخصال الشيخ الصدوق توفي سنة 381 / تحقیق علي اكبر الغفاري مؤسسة النشر الاسلامية التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.
16. ارشاد القلوب الحسن بن محمد الديلمي / الطبعة الثانية.
ص: 52
مقدمة الكتاب...5
المسألة الأولى: زهد النبي داوود علیه السلام...6
أولاً: الحث على التكسب باليد...6
ثانياً: قوله عليه السلام: «وإن شئت ثلثت»...9
ثالثاً: قال عليه السلام: «فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه أيم يكفيني بيعها»...12
رابعاً: قال عليه السلام: «ويأكل قرص الشعير من ثمنها»...16
المسألة الثانية: في ساعة تهجد داود عليه السلام...18
أولاً: بعض ما روضي في التهجد بالليل...19
ثانياً: في بين معنى قوله عليه السلام في تهجد داود عليه السلام...21
المسألة الثالثة: زهد النبي عيسى علیه السلام...30
أولاً: قال عليه السلام: «وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام»...32
ثانياً: زهد نبي الله عيسى عليه السلام...39
ثالثاً: قوله عليه السلام: «وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها»...41
خامساً: قال عليه السلام: «ولم تكن له زوجة تفتنه»...43
سادساً: قال علیه السلام: «ولا طمع يذله»...46
سابعاً: قال عليه السلام: «دابته رجلاه، وخادمه يداه»...47
ص: 53