نبي الله سلیمان علیه السلام

هوية الکتاب

نبي الله سليمان عليه السلام

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الأنبياء في نهج البلاغة (3) نبي الله سليمان عليه السلام

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1436 ه - 2015 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.Inahj.org E-mail: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

مقدمة الكتاب

ورد ذكر نبي الله سليمان عليه السلام في نهج البلاغة في مورد واحد يتناول فيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بیان دور الموت الذي لا يدفعه ملك أو سلطان أو أي قوة أخرى في وقوعه وحتمیته مما يشكل واعظاً قويا في إعادة الإنسان إلى جادة الصواب، ولو كان لأحدٍ شيء من مقومات البقاء في الحياة لكان لنبي الله سليمان عليه السلام، إلا أن كل ما أوتي من مقومات لم تمكنه من البقاء ودفع الموت.

ص: 5

من كلام لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال:

«ولَو أنَّ أحَداً یَجِدُ إلَی البَقاءِ سُلّماً أو إلی دَفعِ المَوتِ سَبیلاً لَکانَ ذلِكَ سُلَیمانُ بنُ داوُدَ علیه السلام الَّذی سُخِّرَ لَهُ مُلكُ الجِنِّ وَالإِنسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وعَظیمِ الزُّلفَةِ فَلَمَّا استَوفی طُعمَتَهُ وَاستَکمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتهَا قِسِیُّ الفَناءِ بِنِبالِ المَوتِ وأصبَحَتِ الدِّیارُ مِنهُ خالِیَةً وَالمَساکِنُ مُعَطَّلَةً ووَرِثَها قَومٌ آخَرونَ»(1).

إن كل الخلائق لابد أن تفنى ويبقى وجه الله الدائم، ففي هذه الخطبة ضرب لنا الإمام علي عليه السلام مثالاً في النبي سليمان عليه السلام بأن الموت لو ترك أحداً لكان سليمان هو الناجي منه، لأن كل المخلوقات سُخِرت له فقد سخر الله له، الجن والإنس وسخر له الريح وكذلك الشياطين.

ص: 6


1- نهج البلاغة، تحقيق محمد عبده: ج 2، ص 290

وعلى الرغم من كل هذه القدرات التي أعطاها الله لسليمان عليه السلام إلا أنه كبقية الناس أدرکه الموت، فلابد لكل انسان ان يموت لذا يجب أخذ العبرة من هذه الدنيا فكل ما ملك سليمان من مُلك قد زال بموته ولم يأخذ معه سوی کفنه.

أولاً: قال عليه السلام: «ولو أن أحدا يجد إلى البقاء»

قال العلامة التستري في شرحه لقوله عليه السلام : «ولو أنّ أحدا يجد إلى البقاء في الدنيا «سلّما» كناية عن الوسيلة. «أو إلى دفع» والصواب: (أو لدفع) «الموت سبيلا» حتّى ينجو منه.

وقد جاء في تفسير القمي عن الإمام الصادق عليه السّلام:

«أنّ الله تعالى غضب على ملك من الملائكة، فقطع جناحه وألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فبقي ما شاء الله في ذلك البحر، فلمّا بعث الله إدريس عليه السّلام جاء ذلك الملك

ص: 7

إليه، فقال: يا نبيّ الله أدع الله تعالى أن يرضى عنّي، ويردّ عليّ جناحي، قال: نعم. فدعا إدريس، فردّ الله عليه جناحه، ورضي عنه، فقال الملك لإدريس: ألك إليّ حاجّة؟ قال: نعم، أحبّ أن ترفعني إلى السّماء حتّى أنظر إلى مَلَك الموت، فإنّه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملكُ على جناحه حتّى انتهى به إلى السماء الرابعة، فإذا ملك الموت يحرّك رأسه تعجبّا، فسلّم إدريس على ملك الموت، وقال له: ما لك تحرك رأسك؟ قال: إنّ ربّ العزّة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة...».

ثمّ قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة، وهو قوله تعالی:

«وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»(1)

ص: 8


1- سورة مريم، الآية: 57

ثانياً: «لكان ذلك سليمان بن داود»

قال شاعر: يا هاربا من جنود الموت *** عنها توقّف أين المفرّ لكا

هب عشت أكثر من نوح *** بقدرة الله من طوفانه هلکا

وقال آخر:

لو أنّ حيّا مدرك الفلاح *** أدركه ملاعب الرماح

ثالثاً: قال عليه السلام: «الّذي سخّر له ملك الجن والإنس»

قال تعالى:

«وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ»(1)

وقوله تعالی :

ص: 9


1- سورة الأنبياء: 81

«وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ»(1).

وقال عزّ وجل:

«وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ

ص: 10


1- سورة سبأ، 12

فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ»(1).

وقوله تعالی:

«وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ»(2).

وروي في قصص الأنبياء للسيد الجزائري (أن سلیمان عُلِّم منطق الطير و سُخِّر له الجن والإنس، وكان لا يسمع بملك في ناحية الارض إلا أتاه حتى يذلّه ويدخله في دينه، وسخر له الريح، فكان إذا

ص: 11


1- النمل: 17
2- سورة ص: 34

خرج إلى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والإنس، وكان إذا أراد أن يغزو أمر بمعسكره، فضرب له من الخشب وجعل عليه الدواب والناس وآلة الحرب كلها حتى اذا حمل معه ما یرید أمر العاصف من الريح فدخلت الخشب فحملته، حتى تنتهي به إلى حيث يريد، وكان غدوها شهرا.

وفيه عن الأصبغ قال: خرج سليمان بن داود عليهما السلام من بیت المقدس، ومعه ثلاثمائة ألف کرسي عن يمينه عليها الإنس وثلاثمائة ألف کرسي عن يساره عليها الجن، وأمر الطير فأظلّتهم وأمر الريح فحملتهم حتى وردت بهم المدائن، ثم رجع وبات في أصطجر.

ثم غدا فانتهى الى جزيرة بركاوان، ثم أمر الريح فخفضتهم حتى كادت أقدامهم تصيب الماء، فقال بعضهم لبعض: هل رأيتم ملكا أعظم من هذا؟ فنادى ملك من السماء: لثواب تسبيحة وأحدة أعظم

ص: 12

مما رأيتم)(1).

وفيه عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«كان لسليمان حصن بناه الشياطين له، فيه ألف بيت، في كل بيت منکوحة، منهن سبعمائة أمة قبطية وثلاثمائة حرة مهيرة. فأعطاه الله قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء، وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن»(2).

رابعاً: معنى قوله: (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي)

إن الله أعطى لنبيّه سليمان عليه السلام ملكا لم يعطه لأحد من بعده ولكن النبي وعترته سبقوا سليمان بالملك، فلذلك قال النبي سليمان عليه السلام هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ولم

ص: 13


1- النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين للسيد نعمة الله الجزائري: ص 334
2- نفس المصدر السابق

يقل من قبلي لأن الله أعطى كل ملکه لمحمد وعلي وعترته عليهم أفضل الصلاة والسلام، فهم السابقون قبل كل سابق.

فلقد كانوا أشباح نور في أظلة العرش، خلقهم الله قبل خلقه، فالذي علم آدم الأسماء وهي أسماء الرسول والعترة الطاهرة علمها لجميع الأنبياء، فبهذه الأسماء كانت معجزاهم، فما من نبي إلا ودعي بهذه الأسماء.

فإن أهل البيت عليهم السلام اعطاهم الله ما لم يعطِ لأحد من أنبيائه.

فقد روي في الكافي عن الحسين بن محمد الاشعري، عن معلی بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبدالله، عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن صاحب العسكري عليه السلام قال: سمعته يقول:

«اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض

ص: 14

فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب»(1).

وقد جاء في شرح حبيب الله الخوئي ومنها حديث البساط المعروف قال الرّاوي: (خبر من خزانة مولانا مفترض الطاعة على الخلق أجمعين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: حدّثنا أبو عبد الله بن زكريّا عن ابن جوهر بن الأسود عن محمّد بن سابغ يرفعه إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه أنّه قال:

كنا جلوسا عند مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم، أنا وولداه الحسن والحسين عليهما السّلام، ومحمّد بن الحنفية، ومحمّد بن أبي بكر،

ص: 15


1- الكافي للشيخ الكليني: باب ما أعطي الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم: ج 1، ص 330، ح 3

وعمّار بن یاسر، ومقداد بن أسود الكندي، فإذا التفت إليه الحسن عليه السلام وقال:

«يا أمير المؤمنين إنّ سليمان بن داود قال: فهب لي من لدنك ملكا لا ينبغي لأحد من النّاس وأعطاه الله تعالى ذلك، فهل ملكت شيئا من ملك سليمان؟».

فقال له أمير المؤمنين:

«والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة لقد ملك أبوك ملكا لا يملك أحد قبله ولا بعده».

فقال الحسن عليه السلام:

«إنّا نحبّ أن ننظر مما ملّكه الله إيّاك من الملكوت ليزداد النّاس إيمانهم».

قال عليه السّلام:

«نعم وكرامة».

وقام وصلّى ركعتين ثمّ ذهب إلى صحن داره ونحن نراه، فمدّ يده نحو المغرب حتّى بان لنا من كفّه

ص: 16

سحابة وهو يمدّها حتّى أوقفها على الدّار، وإلى جانب تلك السحابة سحابة أخرى، ثمّ أشار إلى ريح وقال:

«اهبطي إلينا أيتّها الرّيح».

فو الله العظيم لقد رأينا السّحاب والرّيح قد هبطا يقولان: (نشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ونشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ونشهد أنّك وصيّ رسول کریم، محمّد رسول الله وأنت وليّه، من شكّ فيك فقد هلك و من تمسّك بك فقد سلك سبيل النّجاة)، ثمّ تطأطأت السّحابتان حتّى صارتا كأنهما بساطان ورائحتهما كالمسك الأذفر، فقال لنا أمير المؤمنين عليه السّلام: اجلسوا على الغمام فجلسنا وأخذنا مواضعنا، ثمّ قال سلمان: إنّ أمير المؤمنين قال:

«أيتّها الرّيح ارفعينا».

فرفعتنا رفعا رفيعا فاذا نحن وأمير المؤمنين في

ص: 17

تلك على كرسيّ من نور وعليه ثوبان أصفران وعلى رأسه تاج من ياقوتة صفراء وفي رجليه شراك من یاقوت يتلألؤ وفي يده خاتم من درّة بيضاء یکاد نور وجهه يذهب الأبصار، فقال له ابنه الحسن عليه السلام:

«يا أبتاه إنّ سليمان بن داود كان يطاع بخاتمه وأمير المؤمنين عليه السّلام بما ذا يطاع؟».

فقال عليه السّلام:

«يا ولدي أنا وجه الله، وعين الله، ولسان الله، وأنا وليّ الله، وأنا نور الله، وأنا كنز الله في الأرض، وأنا القدرة المقدرّة، وأنا الجنّة والنّار، وأنا سيّد الفريقين، يا ولدي أتحبّ أن أريك خاتم سليمان بن داود؟».

قال: «نعم».

فأدخل يده تحت ثيابه واستخرج خاتما عليه فصّ من یاقوت مكتوب عليها أربعة أسطر، وقال:

ص: 18

«هذا والله خاتم سليمان بن داود».

قال سلمان: فبقينا متعجبّا من ذلك فقال عليه السّلام:

«من أيّ تعجبون وما هذا العجب إنّي لأريناكم اليوم ما لم يره أحد قبلي إلى بعدي».

فقال الحسن عليه السّلام:

«يا أمير المؤمنين إنّا نحبّ أن ترينا يأجوج ومأجوج والسّد».

فقال عليه السّلام للرّيح:

«سيري».

فقال سلمان: فو الله لمّا سمعت الريح قوله دخلت تلك السّحاب ورُفعنا إلى الهواء حتّى أتينا إلى جبل شامخ في الهواء وعليه شجرة جافة تساقط أوراقها فقلنا: ما بال هذه الشجرة قد جفّت وماتت، قال:

«سلوها فإنها تخبركم».

ص: 19

فقال الحسن عليه السّلام:

«ما بالك أيّتها الشجرة قد حلّ بك ما نراه منك؟».

فما أجابت، فقال لها أمير المؤمنين - عليه السلام -:

«بحقّي عليك أيتّها الشجرة أجيبيهم».

قال سلمان: فو الله لقد سمعناها وهي تقول لبّيك لبّيك يا وصيّ رسول الله وخليفته من بعده حقّا، فقالت للحسن: يا أبا محمّد إنّ أباك أمير المؤمنين يجيئين في كلّ ليلة و يسبّح عندي الله عزّ وجلّ ويستظلّ بي فإذا فرغ من تسبيحه جاءته غمامة بيضاء تفوح منها رائحة المسك وعليها كرسيّ فيجلس عليها ثمّ تسير به فلا أراه إلى وقته ذلك، وكان يتعاهدني كلّ ليلة وكنت أعيش من رائحته فقطعني منذ أربعين ليلة لم أعرف له خيرا، والذي تراه منّي ممّا أنكرته من فقده والغمّ والحزن، فاسأله یا

ص: 20

سيدي حتّى يتعاهدني بجلوسه عندي فقد عشت من رائحته في هذا الوقت وبنظري إليه.

قال: فبقيت متعجّبا من ذلك، فقام عليه السّلام ومسح يده المباركة عليها، قال سلمان: والله الذي نفسي بيده لقد سمعت لها أنينا وأنا أراها وهي تخضر حتّى أنبتت ورقا وأثمرت بقدرة الله عزّ وجلّ وببركاته عليه السّلام، فأكلنا فكانت أحلى من السّكر، فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا عجب فقال عليه السّلام:

«الّذي ترون بعدها أعجب».

ثمّ عاد عليه السّلام إلى موضعه وقال للرّيح:

«سيري بنا».

فدخلت الريح تحت السّحابة ورُفعنا حتى رأينا الدّنيا مثل دور الرأس ورأينا في الهواء ملكا رأسه تحت الشمس ورجلاه في قعر البحور ويده في المغرب والأخرى في المشرق فلما خبرنا به قال: لا إله إلاّ الله

ص: 21

وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّك وصيّه حقّا لا شك فيك ومن شكّ فيك فهو کافر.

فقلنا: يا أمير المؤمنين من هذا الملك وما بال يده في المغرب وأخرى في المشرق؟ فقال عليه السّلام:

«أنا أقمته بإذن الله ههنا ووکّلته بظلمات الليل وضوء النّهار ولا يزال كذلك إلى يوم القيامة وإنّي أدبّر أمر الدّنيا وأصنع ما أريد بإذن الله وأمره وأعمال الخلايق إليّ وأنا أدفعها إلى الله عزّ وجل».

ثمّ سار بنا حتى وقفنا على يأجوج ومأجوج فقال عليه السّلام للريح:

«اهبطي تحت هذا الجبل».

وأشار بيده إلى جبل شامخ إلى قرب السّد ارتفاعه مدّ البصر وإذا به سواد كأنه قطعة ليلة يفور

ص: 22

منه دخان فقال عليه السلام:

«يا أبا محمّد أنا صاحب هذا السّد على هؤلاء العباد».

فقال سلمان: فرأيتهم ثلاثة أصناف: صنف طوله مائة وعشرون ذراعا من عرض ستّين ذراعا، والصّنف الثاني طوله مائة وسبعون ذراعا من عرض ثمانين ذراعا، والصّنف الثالث أحدهم يفرش أذنه تحته والأخرى فوقه.

ثمّ قال - عليه السلام - للريح:

«سيري بنا إلى قاف».

فسارت بنا إلى جبل من یاقوتة خضراء وهو محيط بالدّنيا وعليه ملك في صورة بني آدم وهذا الموكل بقاف، فلما نزل الملك إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

«تريد أن تسألني أن آذن لك فقد أذنت».

فأسرع الملك وقال: بسم الله الرّحمن الرّحيم

ص: 23

ثمّ طار.

قال سلمان وطفنا في ذلك حق انتهينا إلى شجرة جافة من الشجرة الأولى فقلنا: يا أمير المؤمنين ما بال هذه الشّجرة قد ماتت؟ فقال - عليه السلام -: «سلوها».

قال الحسن عليه السّلام:

«وقمت ودنوت أنا وأبي عليه السّلام وقلت لها أقسمت عليك بحقّ أمير المؤمنين أن تخبرينا ما بالك وأنت في هذا المكان».

قال سلمان: فتكلّمت بلسان طلق وهي تقول: يا أبا محمّد إنّي كنت أفتخر على الأشجار فصارت الأشجار تفتخر عليّ وذلك أنّ أباك كان يجيئني في كلّ ليلة عند الثلث الأوّل من اللّيل يستظلّ بي ساعة ثمّ يأتيه فرس أدهم فيركبه ويمضي فلا أراه إلى وقته وكنت أعيش من رائحته وأفتخر به فقطعني منذ أربعين ليلة فغمنّي ذلك فصرت كما ترى.

ص: 24

فقلنا: يا أمير المؤمنين أسأل الله في ردّها كما كانت فمسح يده المباركة ثمّ قال: يا شاه شاهان فسمعنا لها أنينا وهي تقول أشهد أنّك أمين هذه الأمّة ووصيّ رسول الله من تمسّك بك فقد نجا ومن خالفك فقد غوى، ثمّ اخضرّت وأورقت فجلسنا تحتها وهي خضرة نضرة. فقلنا أين ذهب هذا الملك الموكّل بقاف؟ قال عليه السّلام:

«إلى زيارة الملك الموكل على ظلمات اللّيل وضوء النّهار».

فقلنا يا أمير المؤمنين ما يزالون عن مواضعهم إلاّ بإذنك؟ فقال عليه السلام:

«والذي رفع السّماء بغير عمد ما أظنّ أحدا يزول عن موضعه بغير إذني إلاّ احترق».

فقلنا: يا أمير المؤمنين كنت معنا جالسا في منزلك فأيّ وقت كنت في قاف؟ فقال عليه السّلام لنا:

ص: 25

«غمّضوا أعينكم».

فغمضناها ثمّ قال عليه السّلام:

«افتحوها».

ففتحناها فإذا نحن قد بلغنا مكّة، فقال عليه السّلام:

«لقد بلغنا ولم يشعر أحد فكذلك كنت بقاف ولم يشعر أحد منكم».

فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا العجب من وصيّ رسول الله فقال:

«والله إنّي أملك من الملكوت ما لو عاينتموه لقلتم أنت أنت أنت، وأنا أنا وأنا عبد الله مخلوق من الخلايق آكل وأشرب».

ثمّ أتينا إلى روضة نضرة كأنّها من رياض الجنّة فإذا نحن بشاب يصلّي بين قبرين، فقلنا يا أمير المؤمنين من هذا الشّاب؟ فقال - عليه السلام -:

«أخي صالح وهذان قبرا أبويه يعبد الله بينهما».

ص: 26

فلمّا نظر إلينا صالح أتى إلى أمير المؤمنين عليه السّلام وهو يبكي، فلمّا فرغ من بكائه قلنا ممّ تبكي؟ فقال: إنّ أمير المؤمنين كان يمرّ بي كلّ يوم عند الصّبح وكنت آنس به وأزداد في العبادة فقطعني منذ أربعين يوما فأهمّني ذلك ولم أملك من شدّة شوقي إليه وأصابني ما تراه، فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا هو العجب من كلّ ما رأينا، أنت معنا في كلّ يوم وتأتي إلى هذا الفتى، فقال عليه السّلام:

«أتحبّون أن أرينكم سليمان بن داود؟».

فقلنا: نعم، فقام عليه السّلام وقمنا معه فمشينا حتى دخلنا إلى بستان لم نر قطّ مثله وفيه من جميع الفاكهة، والأنهار تجري والأطيار تتغنّی، فلما نظرت الأطيار إلى أمير المؤمنين عليه السّلام جعلت تظلّ على رأسه، فإذا نحن بسرير عليه شابّ ملقى على ظهره وليس في يده خاتم وعند رأسه ثعبان وعند رجليه ثعبان فلمّا نظرا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام

ص: 27

انكبّا على قدميه يمرغان وجوههما على التراب ثمّ صارا كالتّراب فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا هو سليمان؟ قال:

«نعم وهذا خاتمه».

ثمّ أخرج من يده الخاتم وجعله في يد سليمان ثمّ قال:

«قم يا سليمان بإذن من يحيي العظام وهي رميم وهو الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم القهّار ربّ السّماوات والأرضين، ربّي وربّ آبائنا الأوّلين».

قال سلمان: فسمعنا سليمان يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون، وأشهد أنّك وصيّ رسول الله الأمين الهادي، وإنّي سألت ربّي عزّ وجلّ أن أكون من شيعتك ولولا ذلك ما ملكت شيئا.

ص: 28

قال سلمان: فلما سمعت ذلك وثبت وقبّلت أقدام أمير المؤمنين عليه السّلام، ثمّ نام سليمان وقمنا ندور في قاف فسألته ما وراء قاف؟ فقال عليه السّلام:

«وراءه أربعين دنيا كلّ دنيا مثل الدّنيا التي جئنا أربعين مرّة».

فقلت له: يا أمير المؤمنين كيف علمك بذلك؟ قال عليه السّلام:

«كعلمي بهذه الدّنيا ومن فيها وبطرف السّماوات والأرضين، یا سلمان كتبت على اللّيل فأظلم، وعلى النهار فأضاء، أنا المحنة الواقعة على الأعداء والطامّة الكبرى، أسماؤنا كتبت على العرش حتّي استند، وعلى السّماوات فقامت، وكتبت على الأرض فسكنت، وعلى الرّياح فذرت، وعلى البرق فلمع، وعلى النّور فسطع، وعلى الرّعد فخشع، وأسماؤنا مكتوبة

ص: 29

على جبهة اسرافيل الّذي جناحه في المشرق والمغرب وهو يقول: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح»)(1).

وجاء في شرح العلامة التستري في تفسير القمي لقوله تعالی:

«وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ»(2).

أنّ سليمان لمّا تزوّج باليمانية ولد منها ابناً وكان يحبّه، فنزل ملك الموت على سليمان، وكان كثيرا ما ينزل عليه، فنظر إلى ابنه نظرا حديدا، ففزع سليمان من ذلك، فقال لأمّه: «إنّ ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنّه قد أمر بقبض روحه».

فقال للجنّ والشياطين: «هل لكم حيلة في أن تجعلوه يفرّ من الموت»؟

ص: 30


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة لحبيب الله الخوئي: ج 6، ص 558 - 559
2- سورة ص: 34

فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشّمس في المشرق، فقال سليمان: «إنّ ملك الموت يخرج ما بين المشرق والمغرب».

فقال واحد منهم: أنا أضعه في السحاب والهواء، فرفعه ووضعه في السحاب، فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب، فوقع جسده میّتا على كرسيّ سليمان، فعلم أنّه قد أخطأ.

وروي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«مَلَك الأرضَ كلّها مؤمنان: سليمان وذو القرنين، وكافران: نمرود وبخت النصر، ولو أنّ أحدا كان ناجيا من الموت لكان أبوه داود عليه السلام الذي قال تعالى فيه:

«اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ

ص: 31

وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ»(1)»(2).

وروي في الكافي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«مات داود النبيّ عليه السّلام يوم السبت مفجوءا، فأظلّته الطير بأجنحتها، وكذا لو كان نجا أحد لكان موسی کلیم الله»(3).

وفي الخبر: مات موسی کلیم الله عليه السّلام في التّيه، فصاح صائح من السماء: مات موسی، و أيّ نفس لا تموت؟!

خامساً: قوله عليه السلام: «مع النبوّة وعظيم الزّلفة»

أي: التقرّب إليه تعالى، قال تعالى:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا

ص: 32


1- سورة ص: 17 - 20
2- جمج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ج 2، ص 74
3- الكافي للكليني: ج 3، ص 112

مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ»(1).

وقال تعالی:

«وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)

ص: 33


1- سورة النمل، الآية: 16

«اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ

ص: 34

مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(1)

ص: 35


1- سورة النمل، الآیات: 20- 44.

سادساً: في معنى قوله عليه السلام: «فلمّا استوفی طعمته»

فما دام الإنسان لم يأكل اللقمة الأخيرة، ولم يشرب الجرعة الأخيرة من رزقه من الدّنيا لا يموت.

سابعاً: في معنى قوله عليه السلام: «واستكمل مدّته»

قال تعالى:

«فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»(1).

و أجله المسمّى عند ربّه، روی (الإكمال): أنّه عاش (712) سنة.

وروي عن الصادق عليه السّلام أنّ ملك الموت قال للنبيّ صلى الله عليه و آله: «إنّي أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله، فأقوم في ناحية من دارهم، فأقول: ما هذا الجزع فو الله ما تعجّلناه قبل

ص: 36


1- سورة النحل آية 61

أجله، وما كان لنا في قبضه من ذنب، فإن تحتسبوا وتصبروا تؤجروا، وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا، واعلموا أنّ لنا فيكم عودة ثمّ عودة، فالحذر الحذر إنّه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بیت مدر ولا وبر إلاّ وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات، ولأنا أعلم بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتى يأمرني ربّي».

ثامناً: في معنى قوله عليه السلام: «رمته قسي الفناء بنبال الموت»

«رمته قسّي» قال الجوهري: قسيّ وأقواس: جمع القوس يذكّر ويؤنّث، وأصل قسيّ قؤوس على وزن فعول، إلاّ أنّهم قدّموا اللام، وصيّروه (قسوّ) على (فللوع) ثمّ قلبوا الواو ياء وكسروا القاف، كما کسروا عين (عصيّ) فصارت (قسيّ) على (فليع). «الفناء» الارتحال من الدّنيا. «بنبال» قال الجوهري: النبل: السهام العربية، وهي مؤنّثة لا واحد لها من

ص: 37

لفظها، وقد جمعوها على نبال، وأنبال. «الموت» قوله تعالی:

«فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ»(1))(2).

تاسعاً: في معنى قوله عليه السلام: «وأصبحت الديار منه خالية والمساكن معطّلة، وورثها قوم آخرون»

ومن كلام له عليه السلام وقد رجع من صفّين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة قال عليه السلام:

«أَمَّا اَلدُّورُ فَقَدْ سُکِنَتْ وَ أَمَّا اَلْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُکِحَتْ وَ أَمَّا اَلْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا

ص: 38


1- سورة سبأ، الآية: 14
2- جمج الصباغة في شرح نهج البلاغة للعلامة التستري: ج 2، ص 76 - 77

فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَکُمْ ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَی أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِی اَلْکَلاَمِ لَأَخْبَرُوکُمْ إِنَّ خَیْرَ اَلزّادِ اَلتَّقْوی»(1).

جاء في العيون حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسی بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عليهم السلام قال:

«إن سليمان بن داود قال ذات يوم لأصحابه: إن الله تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي سخر لي الريح والانس والجن والطير والوحوش وعلمني منطق الطير وأتاني من كل شيء ومع جميع ما أوتيت من الملك ما تم لي سرور يوم إلى الليل وقد أحببت أن أدخل قصري في غد فأصعد أعلاه وانظر الى

ص: 39


1- نهج البلاغة تحقيق محمد عبده: الحكمة 131

ممالكي فلا تأذنوا لأحد بالدخول عليّ لئلا يرد علي ما ينغّص علي يومي فقالوا: نعم فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما أوتي فرحا بما أعطي إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره فلما أبصر به سليمان عليه السلام قال له: من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم؟ فبإذن من دخلت؟ فقال الشاب: أدخلني هذا القصر ربّه وبإذنه دخلت فقال: ربّه أحق به مني فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت قال: وفيما جئت؟ قال: لأقبض روحك فقال: أمض بما أمرت به في يوم سروري هذا وأبي الله عز وجل أن يكون لي سرورا دون لقائك فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء الله

ص: 40

والناس ينظرون إليه وهم يقدرون إنه حي فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال: إن سليمان قد بقي متكئا على عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يأكل ولم يشرب ولم يتعب ولم ينم أنه لربُّنا الذي يجب علينا أن نعبده وقال قوم إن سليمان لساحر وإنه يرينا أنه واقف متكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك فقال المؤمنون: إن سليمان هو عبد الله ونبيه يدبر الله أمره بما شاء فلما اختلفوا بعث الله عز وجل الأرضة فدبت في عصاه فلما أكلت جوفها انكسرت العصا وخرّ سليمان من قصره على وجهه فشكرت الجن الأرضة على صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان إلا وعندها ماء وطين وذلك قول الله عز وجل:

«فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ...»(1).

ص: 41


1- سورة سبأ، الآية: 14

يعني عصاه، فقال تعالى:

«...فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ».

قال الإمام الصادق عليه السلام: «وما نزلت هذه الآية هكذا وإنما نزلت: {فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين})(1).

ص: 42


1- عیون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق: ج 2، ص 239 - 240

المصادر

1. القرآن الكريم.

2. نهج البلاغة / تحقيق محمد عبده / طبعة جديدة خرج مصادره فاتن محمد خليل الليوث / مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر - دار احياء التراث العربي.

3. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة / العلامة المحقق الحاج الشيخ محمد تقي التستري / مؤسسة التاريخ العربي / بيروت - لبنان.

4. النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين / السيد نعمة الله الجزائري / قدمه وعلق عليه علاء الدين الاعلمي / منشورات الاعلمي للمطبوعات / بيروت - لبنان.

ص: 43

5. منهج البراعة في شرح نهج البلاغة / العلامة المحقق الميرزا حبیب الله الخوئي الهاشمي 1261 - 1324 / صححه محسن عقيل / دار المحجة البيضاء.

6. الكافي / للشيخ الكليني / توفي 329 / تحقیق وتعليق: علي اكبر الغفاري / الطبعة الثالثة / سنة الطبع 1367 ش / المطبعة حيدري / النشر دار الكتب الاسلامية - طهران.

7. عیون اخبار الرضا عليه السلام / الشيخ الصدوق الوفاة 381 / تحقيق الشيخ حسين الاعلمي / سنة الطبع 1404 - 1984 / مطابع مؤسسة الاعلمي بيروت - لبنان.

ص: 44

المحتويات

مقدمة الكتاب...5

أولاً: قال عليه السلام: «ولو أنّ أحدا يجد إلى البقاء»...7

ثانياً: «لكان ذاك سليمان بن داود»...9

ثالثاً: قال عليه السلام: «الّذي سخّر له ملك الجنّ والإنس»...9

رابعاً: معنى قوله: (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي)...13

خامساً: قوله عليه السلام: «مع النبوّة وعظيم الزّلفة»...32

سادساً: في معنى قوله عليه السلام: «فلمّا استوفی طعمته»...36

سابعاً: في معنى قوله عليه السلام: «واستكمل مدّته»...36

ثامنا: في معنى قوله عليه السلام: «رمته قسي الفناء بنبال الموت»...37

تاسعا: في معنى قوله عليه السلام: «وأصبحت الديار منه خالية والمساكن معطّلة، وورثها قوم آخرون»...38

ص: 45

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.