سهل بن حنيف الأنصاري : فدائي النبي وناصر الوصي

هوية الکتاب

ISBN 978-9933-582-33-3 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1196 لسنة 2018 مصدر الفهرسة:

المؤلف الشخصي: موسی، عماد طالب، مؤلف.

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP33.S24 M87 2018 :LC

العنوان: سهل بن حنيف الأنصاري: فدائي النبي وناصر الوصي.

بیان المسؤولية: تاليف عماد طالب موسی؛ تقديم السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: کربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 191 صفحة؛ 34 سم. سلسلة النشر: العتبة الحسينية المقدسة؛ (383).

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة، سلسلة حياة السلف الصالح ، صحابة الإمام علي (عليه السلام)؛ البدريون (5).

تبصرة ببليوجرافية. يتضمن هوامش: لائحة المصادر (الصفحات 169 - 188). موضوع شخصي: سهل بن حنيف الأنصاري، توفي 38 للهجرة - سيرة. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - اصحاب.

مصطلح موضوعي: الصحابة والتابعون - تراجم.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 - مقدم.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة حياة السلف الضالح صحابة الأمام علي عليه السلام البدريون فدائي النبي صلی الله علیه وآله وسلم وناصر الوصي علیه السلام تأليف المُدَرّس المُسَاعِد عِمَاد طَالِبُ مُوسَى اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Imahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633 - 07728243600 تنويه: إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها؛ ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

الإهداء مَالِي وَقَفْتُ عَلَی الْقُبُورِ مُسَلِّماً قَبْرَ الحَبِیْبِ فَلَحْ یَرُدَّ جَوَابي إِلَيْكِ أَيَّتُهَا السَّاکِنَةُ وَسَطَ الفؤادِ..

إِلَيْكِ أَیَّتُهَا الْحَاضِرَةُ مَعِي وَإِنْ غَیِّبَ جَسَدَكِ التُّرَابُ.

أُهْدِي رُوحَكِ الطَّيّبَةَ أَجْرُ هَذَا الْعَمَلِ الْمُبَارَكِ.

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

لم يزل الإمام علي عليه السلام الفاروق بين الحق والباطل والمحك الذي يكشف القير من التراب والإيمان من النفاق والفئة العادلة من الباغية والسنّة من البدعة والصالح من الطالح، ولأن الدين هو اثمن ما لدى العاقل فقد احتاج العاقل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام؛ ولأن الدعوة إلى التمسك بالسلف الصالح أصبحت اليوم شعار الخلف كان لا بدّ من الرجوع إلى أولئك السلف لنرى أين كانوا أو تحت أي راية ساروا وإلى أي فئة انتسبوا وأي سنّة أحيوا وأي بدعة أماتوا.

ولأجل هذا وغيره:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم مكنزاً معرفياً يعيد رسم صورة الإسلام ويوضح الطريق لمن تشوق لمعرفة رجال صدقوا في إيمانهم وكانوا دعاة ربانيين للإسلام وعاملين مجدين في بناء الحضارة الإنسانية منذ أن شرّفهم الله بالإسلام وصحبة رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتمسك بأخيه ووصيه وخليفته في أمته.

فكانوا صحابة وموالين وسلفاً صالحاً لمن أراد أن يعلم من هم السلف الصالح ومن أميرهم ومولاهم حتى قال فيهم الحاكم النيسابوري في مستدرکه نقلاً عن الحكم: (شهد مع علي - معركة - صفين ثمانون بدرياً

ص: 7

وخمسون ومئتان ممن بايعوا تحت الشجرة)(1) ولأجل معرفة هؤلاء (البدريون والشجريون) الذين كانوا يقاتلون تحت راية علي عليه السلام في حربه للفئة الباغية معاوية وحزبه واشياعه وممن لم يشتركوا لكنهم عرفوا بموالاتهم لعلي.

ولذا شرعت المؤسسة بالبحث والدراسة لهذا السلف الصالح، وبيان شخصيتهم وسيرتهم العطرة، ضمن سلسلة تصدر تباعاً والموسومة ب(سلسة أصحاب علي عليه السلام) فقدمنا منهم الصحابة البدريين والسابقين من المهاجرين والأنصار فإن وفقنا الله لإكمالهم شرعنا بأهل البيعة تحت الشجرة.

وبناءاً عليه:

كان هذا البحث الموسوم ب(سهل بن حنيف الأنصاري فدائي النبي وناصر الوصي) للباحث م. م عماد طالب موسى الذي بين فيه المواقف النبيلة لهذا الصحابي في حياته العطرة مع الرسول (صلى الله عليه وآله) و وصيه الإمام علي (عليه السلام) جنبا إلى جنب مع الثلة الطاهرة من الصحابة الذين لم يلبسوا إيمانهم بشائبة الخروج على وصايا الرسول (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته (عليهم السلام) وحرمة الإسلام وضرورة الحفاظ على وحدته.

فاین الخلف اليوم من هذا السلف؟ إنه سؤال يدق أبواب من يدعون اليوم أنهم أنصار السلف الصالح وهديهم، أليس هذا هديهم؟!!

السيد نبيل الحسني

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 180

مقدَّمة

الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه، وجعله نورا لمن استضاء به، وبرهانا لمن تكلم به، ودليلا لمن خاصم به، ربِّ واجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك على عبدك ورسولك، الفاتح لما سبق، والخاتم لما انغلق، والمعلن الحق بالحق، وعلى أهل بيته الذين هم يستعطي الهدى، ويستشفى العمي، واجعلهم اللهم حجة لنا، ولا تجعلهم حجة علينا.

أمَّا بعد:

فنضع بين يدي القارئ الكريم هذا الكتاب الذي يُعد حلقة في سلسلة متمثلة بالصحابة البدريين - الصفينيين، الذين شاركوا مع الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في معركة بدر وما بعدها، واستمروا في ثباتهم و ولائهم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورجعوا بعده إلى الإمام علي (عليه السلام)، وجاهدوا معه في حربه الناكثين والقاسطين والمارقين، فنالوا شرف الصحبة، والسبق، والجهاد، ومنهم الصحابي الجليل سهل بن حنيف الأنصاري الذي يشكل موضوع هذا الكتاب، الذي يهدف إلى إماطة اللثام عن الثلة الطيبة من الصحابة البدريين ذوي النهج السليم الذين لم يلبسوا إيمانهم بشائبة الخروج على وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كانوا يشكلون عماد جيشه (عليه السلام)، واتخذ (عليه السلام) منهم ولاة للأمصار.

ص: 9

وتتجه هذه الدراسة - وما ينتظم معها من الدراسات المكملة لهذه السلسلة، التي أخذت مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة على عاتقها تأليفها - إلى التنقيب عن سيرة ومناقب هذه الصحابي - سهل بن حنيف-، التي تحتفل بها بطون كتب التاريخ، لما فيها من عبرة وفوائد تربوية وتوعوية، وبذلك تقدم مؤسسة علوم نهج البلاغة فيضا من التجارب الناضجة نصرةً للدين وفائدة للقراء.

وقد أجمعت المصادر التاريخية على أن سهل بن حنیف شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو بذلك يعد من الأنصار السابقين والثابتين على نهج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الإمام علي (عليه السلام).

وقامت مادة الكتاب على فصلين، يقدمهما تمهيد، وتقفوهما خاتمة تمثل خلاصة الدراسة، مع قائمة المصادر والمراجع، وثبت المحتويات: وتضمن التمهيد لمحة عن أفضلية الإمام علي (عليه السلام) على غيره من السابقين واللاحقين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لما استقر له من المناقب المعنوية والمادية حتى استوی سیف الله وترجمان کتابه مع وبعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد تلاحقت المواقف التي تثبت النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة والخلافة و وجوب اتباعه، ختاما ببيعة الغدير، الأمر الذي شكل مرجعيات فكرية وإسلامية متح منها الصحابة المخلصون، وثبتوا على عهد الرسول فيهم بولاية الإمام علي (عليه السلام)، فكانت هذه الأحداث وما شابهها منطلقا لجهاد الثلة الطيبة من الصحابة

ص: 10

عامة، وسهل بن حنیف خاصة، وثباته ومناصرته للإمام (عليه السلام)؛ لأنه كان حاضرا في تلك المواقف كلها، وكان أحد طرقها الإعلامية.

وعرض الفصل الأول: حياته بما فيها نسبه وإسلامه، ثم صحبته مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحروب التي خاضها معه وأهم الأحداث التي شكلت شخصيته الإسلامية، امتدادا إلى عهد عثمان.

بينما قدم الفصل الثاني أهم الأحداث التي عاشها في زمن خلافة الإمام علي (عليه السلام)، والحروب التي شهدها معه، والأدوار التي تقلدها، حتى وفاته.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

المؤلف

ص: 11

ص: 12

التمهيد

«أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(1) يطيب لي أن أتخذ من هذه الآية المباركة عنوانا للتمهيد؛ لما ترشد إليه من عبر تتفق ومانروم طرحه في التمهيد الذي سنناقش فيه - وإن باختصار - الخلاف بين الإمام علي (عليه السلام) والذين حاربوه على حقه سواء أكانت حرب تنحية عن منصبه المنصوص عليه من الله سبحانه وتعالى بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى، أم حروب الخروج عليه أيام خلافته التي رسمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتسمياتها عندما عهد إليه ما سيؤول إليه أمر الأمة الإسلامية بعده، بقوله (صلى الله عليه وآله): «ليرجعن أكثرهم كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض، ومابينك وبين أن ترى ذلك إلا أن يغيب شخصي عنك، فاصبر على ظلم المضلين، إلى أن تجد أعوانا، فالكفر مقبل والردة والنفاق في الأول ثم الثاني، وهو شر منه وأظلم، ثم تجتمع لك شيعة فقاتل بهم الناكثين والقاسطين والمارقين..»(2)، وما بنت عليه مدرسة الصحابة بعد ذلك من أحكام استنادا إلى عقيدتهم التي تقضي بعدالة كلِّ الصحابة، إذ يرون (بموالاة كل من شهد بَدرًا مَعَ

ص: 13


1- يونس: من الآية 35
2- الإيمان والإسلام.. وما ينجي من النار.. وبعض النصوص في الردة والمرتدين، مركز المصطفی (صلى الله عليه وآله): 2 / 85

النبي (عَلَيْهِ السَّلَام)، وَقَطعُوا بأنَّهم من أهل الجنَّة، وَكَذَلِكَ كل من شهد بيعَة الرضْوَانِ بِالْحُدَيْبِية من أهل الجنَّة، وَقَالُوا قد صَحَّ الخَبَر بَأنَّ سبعين ألفَاً من هَذِه الأمة يدْخلُونَ الجنَّة بِلَا حِسَاب، وإنَّ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم يشفع في سبعين ألفَاً)(1) ثم ليحاكم الفرد منّا نفسه، وينظر في سبل نجاتها أحق وانصاف لها أن يتبع (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ)(2)، ويجعله مثلا له في أعماله بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، أم يتبع من «كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»(3)، وبذلك قد رُسِم أمامنا طريقان: طريق ذو نهج كثير العثرات ملتو يخطئ ويصيب، وطريق ذو منهج رصين مستقيم لم يعهد به زلة، ولم يؤخذ عليه مؤاخذة لا صغيرة ولا كبيرة، بالرغم من اجتهاد الأعداء على اقتناص صغائر الهفوات، بل يرشد إلى الهداية والنجاة وبذلك نعود للآية: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى».

لقد استقر لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) من المناقب والمکارم مالم يحظ به أحد بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، وكل ما يَكتب عن شخصيته (عليه السلام) مهما بلغ من الدقة والحرفة لا يعدو أن يكون مجرد مُکّرس صغير يحاكي جنبة من جنبات ما تميز به أكبر النوابغ البشرية وأعظم القادة والهداة للإنسانية جمعاء، وأطهر الفروع القيمة من الشجرة الطيبة المحمديّة، التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها(4).

ص: 14


1- ينظر: الفَرْقُ بَيَن الفِرَقِ وبيان الفِرْقَةِر الناجية، عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور (المتوفى: 429 ه): 1 / 344
2- غافر من الآية: 28
3- هود من الآية: 17
4- ينظر: علي والحاكمون، الدكتور محمد الصادقي، مكتبة المكتبة، بيروت - لبنان، ط 1، 1433 ه - 2012 م: 7

وهذا تراثه (عليه السلام) بين أيدينا يتكلم ويخطب، ويرشدنا إلى سواء الصراط في شتى مجالات الحياة، بالرغم من القرون الطائلة الفاصلة بينه وبیننا، کلماته تنبض بالحياة، وتنتقل من جيل إلى جيل، فلا الزمان بقادر على أن يصمت صداها في آذاننا، و لا المكان بمبعده (عليه السلام) عنّا.

لاشك أن الحديث عن الأئمة وعن حياتهم وفضلهم ومواقفهم وممارساتهم ليس حديثا عن أشخاص لهم ميزات وخصائص محدودة، ذات طابع فردي، تمتاز بها شخصية ماعلى حدما عرفناه وألفناه، وإنما هو حديث عن الإسلام بشتى مجالاته، ومختلف أبعاده، وأروع خصائصه، وكل ما فيه من شمولية، وأصالة وعمق. إنه الحديث عن الدنيا والآخرة بآفاقها الرحبة، وبجميع ما فيها وكل مالها من ميزات وسمات(1).

لا جدال أن الإمام علي (عليه السلام) جسد الإسلام بكل حركاته وسكناته، بكل أقواله وأفعاله، فهو تجسيد وتمثيل للحقيقة المحمدية العظمی، تلك الشجرة الطيبة التي نبتت في أرض جرداء، لا ماء فيها ولا كلاء، أرض سقيمة وعرة من مبادئ الدين، نبتت فيها وأثمرت ثمرات قيّمة ثمينة لا تستغني عنها الإنسانية مهما بلغت، وها هو الإمام علي (عليه السلام) فرع من ذلك الأصل يمثله كما هو وامتداد له كما يحق، فإنه وليده وأخوه و وزیره ونفسه المقدسة وخليفته، ولقد بلغ من تمثل أصله القمة وهو أمة مستقلة ليس له في الأمة مثيل ولا لهم فوقه بعد نبيها دليل(2).

ص: 15


1- ينظر: الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضی من سيرة المرتضی)، المركز الإسلامي للدراسات، ط 1، 1430 ه - 2009 م: 13
2- ينظر: علي والحاكمون: 8

ومع ذلك فقد سعت يد الطغيان إلى تنحية الإمام (عليه السلام) ومن بعده الأئمة الأطهار (عليهم السلام) عن مراتبهم التي رتبهم الله سبحانه وتعالى عليها، وتشدقوا وتشبثوا بحجج واهية لا حقيقة ولا حق لهم بها، كل غايتهم کسب مغانم الدنيا والعيش بزخرفها على حساب الدين وحقوق المسلمين، ضاربين صفحا عن الإرث المحمدي فيهم بكل تأكيداته ومواثيقه في تبليغهم عن دور الإمامة وتسنمها بعد النبوة زمام الدين وقيادة المسلمين، وهذه حكمة إلاهية رسمها لسعادة البشرية، ولكن للشيطان سطوته على هؤلاء النفر فأغراهم وزين لهم سوء أعمالهم فكانوا قوما بورا، فركبوا الأعاليل وفعلوا الأفاعيل بغیر برهان ولا سابقة.

ونحن في هذا المضمار لا نريد أن نبرهن على حق الإمام علي (عليه السلام) وأفضليته بالخلافة وحسب، فهذا الحق واضح بيّن وهو شاخص يشار له بالبنان، ولا يختلف في حكمة وعلم وسابقة وفضل وقربي الإمام علي (عليه السلام) اثنان، هذا والمواقف متعددة لإثبات مكانة الإمام علي (عليه السلام) من الدار إلى الغدیر؛ وباتت جلية تلك المواقف للمسلمين، إذ سطر فيها الإمام علي (عليه السلام) اروع الإنجازات، وأكبر التضحيات، سواء أكان ذلك في ميادين الجهاد أم محافل العلم وخفايا الدين، وانما نقدم هذا العمل (سهل بن حنيف) لنجني فائدتين: أولهما: تقديم ترجمة مفصلة عن حياة هذا الصحابي الجليل مع أبرز مواقفه التي خدم فيها الإسلام، والأخرى: بيان حقيقة تميز بها جيش الإمام (عليه السلام) وظن الطرف الآخر على مرّ العصور أنها لهم، وعند البحث فيها نجدها من المناقب التي تحكم بحق الإمام علي (عليه

ص: 16

السلام) وتبينه، إذ قال أتباع مدرسة الصحابة نحن نسلم برأي وفعل الصحابة السابقين وبالأخص البدريين فكانوا يستلهمون منهم أمور دينهم وعقائدهم. وأما الحروب التي جرت بينهم فلا يرون فيها تقصيرا على الصحابة ويبررون هم قائلين: إنَّ الإمام علي (عليه السلام) و طلحة والزبير وعائشة في معركة الجمل، وبعدهم معاوية في حرب صفين كانوا مجتهدین ولكلٍّ منهم أجره، وأنَّ الله تعالى سيثيبهم ويدخلهم الجنَّة جميعاً، على فرقٍ أنَّ الإمام علي (عليه السلام) كان مجتهداً مصيباً وله أجره، ومن حاربه كان مجتهداً مُخطِئًا ولكن له أجره أيضاً، ثمَّ أنَّ هذه فتنة قد صان الله تعالى عنها أيدينا، فنسأل الله تعالى أن يصون عنها السنتنا، ويسكروا البحث في الموضوع لئلا تظهر ندب أصحابهم السوداء في جسد الأمة فيُفضَحُوا(1)، فلا وزر على من خرج على الخليفة الشرعي المنصب بالنص، محاولة لتمويه الحقيقة واخفائها من جهة، وابعاد المسلمين عن فكر آل البيت عليهم السلام وحقهم من جهة أخرى، واستمروا - مدرسة الصحابة - ينظرون إلى الصحابة مهما فعلوا بأنهم الفيصل في عقائدهم وأعمالهم حتى وأن تكررت هفوات كبار من يوقروهم وأخطائهم، ضاربين صفحا عن من اجتمعت فيه الصحبة والقربى والعصمة وهو «يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ» والعقل يقضي ب«أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ» بخلاف «مَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى»، وعليه فأين ما كانوا - الصحابة - ترجح كفة من انضووا تحت لوائه، وإن سلمنا جدلا وجعلنا هذه الضابطة مقياس لبيان الحق بالخلافة، و بيان الظالم في المعارك التي دارت بينهم وعليه يقع مثلبة سفك الدماء وأوزار

ص: 17


1- ينظر: شرح العقيدة الطحاوية، صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز الحنفي، الأذرعي الصالحي الدمشقي (المتوفى: 792 ه): 1 / 493 - 494

الحرب، نجد كفة الإمام علي (عليه السلام) هي الأثقل حتى تبلورت لنا سلسلة من الصحابة البدريين الذين شاركوا في معركة بدر مع الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) ضدَّ کفار مكَّة، وقد تميزوا بمنزلةٍ سامية بمفهوم مدرسة الصحابة أيضا، بوصفهم الأسبق إيماناً وجهاداً(1).

وقد بقي منهم بقية إلى عصر الإمام علي (عليه السلام)، إذ ثبتوا في ولائهم وعهدهم مع وصيه الإمام علي (عليه السلام) ولم يزيغوا عن الحق والرشاد، وشاركوا في حرب الجمل وصفين مع الإمام علي (عليه السلام) وقد بلغ عدد البدريين في جيشه (عليه السلام) في معركة الجمل مائة وثلاثين بدرياً(2)، استشهد منهم في معركة الجمل خمسة وعشرون بدرياً(3). أمَّا في معركة صفين فقد بلغ عدد البدريين فيها مع الإمام علي (عليه السلام) سبعة وثمانين رجلاً، من

ص: 18


1- ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: 3 / 129، الرَّوضُ البَاسم في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ - (وعليه حواشٍ لجماعةٍ من العلماء منهم الأمير الصّنعاني)، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضی بن المفضل الحسني القاسمي: 1 / 13
2- ينظر: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى: 1111 ه) تحقیق، عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط: 1، 1419 ه - 1998 م: 2 / 560
3- ينظر: المستَخرجُ من کُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة، عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق، ابن مندة العبدي الأصبهاني، أبو القاسم (المتوفى: 470 ه)، تحقيق: أ. د. عامر حسن صبري التَّميميُّ، وزارة العدل والشئون الإسلامية البحرين إدارة الشئون الدينية: 2 / 573، وتاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2، 1413 ه - 1993 م: 3 / 542، سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایاز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، 1427 ه - 2006 م: 2 / 520

المهاجرين سبعة عشر، ومن الأنصار سبعين(1)، وقيل: كان معه ثمانون بدرياً(2)، وقيل: سبعون(3)، فضلا عن العدد الكبير من أصحاب بيعة الرضوان منهم عمَّار بن ياسر (رضوان الله عليه)، إذ قتل منهم مايقارب ثلاثة وستين في معركة صفين ومنهم أويس القرني، وهو من التابعين الذين شهد لهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالجنة(4)، وهؤلاء جميعاً كانوا في صفِّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقتلهم معاوية بن أبي سفيان بحربه ضد الإمام

ص: 19


1- ينظر: مروج الذهب ومعادن الجوهر، أبو الحسن علي بن الحسين بن على المسعودي (المتوفی: 346 ه)، تحقيق: اسعد داغر، دار الهجرة - قم، 1909 ه: 2 / 352
2- ينظر: المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعیم بن الحكم النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفي: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط: 1، 1411 ه - 1990 م.: 3 / 112، التدوين في أخبار قزوین، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم: 1 / 193، بنية الطلب في تاريخ حلب، عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، کمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660 ه)، تحقيق: د. سهيل زکار، دار الفكر: 1 / 311
3- ينظر: بغية الطلب في تاريخ حلب،: 1 / 312
4- ينظر: تاریخ خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (المتوفى: 240 ه)، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، دار القلم، مؤسسة الرسالة - دمشق، بیروت، ط 2، 1397: 1 / 196، الاستیعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفي: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1612 ه - 1992 م: 3 / 1138، سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایاز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، 1427 ه 2006 م: 2 / 526، الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة، محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (المتوفی: بعد 645 ه)، نقحها وعلق عليها: د محمد التونجي، الأستاذ بجامعة حلب، دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع - الرياض، ط 1، 1403 ه - 1983 م: 2 / 259

(عليه السلام).

وهذه الثلة المؤمنة قد صدقت بما عاهدت الله تعالى عليه فلازَمتْ رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودافعت عن الإسلام، ثمَّ تابعت ولاءها مع الوصي فكانت له خير ناصر ومعين، ويحق لنا أن نتساءل ويتساءل غيرنا عن هذه الدماء الزكية من كان المسؤول عن إراقتها؟ ولمن كانت المصلحة في ذلك؟.

وكان من هؤلاء المخلصين الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري، الذي سار في ركب الرسول (صلى الله عليه وآله) بوصفه من الصحابة السابقين، وحضر معه جميع محافله الجهادية من بدر وما تلاها، وشهد حجة الوداع، وبيعة الغدير وكان من رواة حديثه، ثم انتفض على أبي بكر، مع النقباء الاثني عشر الذين ذكرهم الإمام الصادق (عليه السلام)، واستمر بولائه للإمام علي (عليه السلام) حتی بایعه الناس ونصبه واليًا على المدينة ثم البصرة، ثم بلاد فارس، وغيرها من المشاهد المهمة في حياة هذا الصحابي الجليل التي تحاول عرضها بتسلسل واضح بحسب مراحل حياته الجهادية في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

ص: 20

«أما بلغكم أنّ رجلا صلَّى عليه عليّ علیه السلام فكبّر عليه خمسا حتّى صلَّى عليه خمس صلوات وقال: إنّه بدريّ، عقبيّ، أحديّ، من النقباء الاثني عشر، وله خمس مناقب، فصلَّى عليه لكلّ منقبة صلاة»(1) الإمام الصادق علیه السلام

ص: 21


1- اختیار معرفة الرجال للشيخ الطوسي: ج 1 ص 166

ص: 22

الفصل الأول سيرة سهل بن حنيفه مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إلى خلافة الإمام علي(علیه السلام)

ص: 23

ص: 24

من كلمات النبي محمد (صلى الله عليه وآله) يوم أحد:

«نبلوا سهلاً فأنه سهل».

نروم في هذا الفصل تحصیل مایعنّ لنا من سيرة الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري بدءا من ولادته وأهم ما اشتمل عليه من مواقف نبيلة ومناقب في حياته بصورة عامة، ومن لحظة إسلامه ومناصرته للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مختلف المواقف والمشاهد العامة والخاصة حتى وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وما جرى بعده من أحداث إلى نهاية خلافة عثمان بن عفان، وقد أثرنا تقسيم هذا الفصل على مبحثين، الأول بعنوان: أثر الصحابي سهل في الحياة الإسلامية بصورة عامة، والثاني بعنوان: أثره في نشر الإسلام.

ص: 25

ص: 26

المبحث الأول : أثره في الحياة الإسلامية بصورة عامة

اشارة

يتضمن هذا الفصل أثر الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري في الواقع الإسلامي بوصفه من الأنصار السابقين في مرحلة التأسيس، وذي سيف حادٍّ على الكفار، لذا سيعالج هذا الفصل أهم مواقفه النبيلة التي احتفلت بها كتب التاريخ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وآن لها أن ترتشف عبق الذكر الخاص بدراسة مستقلة، وقبل الشروع في معترك الأحداث أجدني ملزما بتقديم بطاقة تعريفية لهذا الصحابي الجليل.

أولاً: نسبه

ولد سهل بن حنيف في يثرب، و مصادر التاريخ كحالها مع كثير من دونت لهم لم تقف على سنة ولادته، إذ باشرت سيرته على كبر، وهذا منطقي لا تُأخذ عليه؛ لأنّها - كتب السيرة - تذكر الأحداث المهمة في التاريخ، وما واكبها من شخصيات صنعت تلك الأحداث ومن ساندهم على نجاحها وكمالها، بغض النظر عن ماهية تلك الأحداث وما تصحبها من أمور إيجابية للمجتمع أو سلبية، وطبيعة التاريخ يُدوِّن الأحداث والمواقف العامة ليقدم عبراً ومواعظ جاهزة استغرقت أعار أجيال لنضجها.

ص: 27

وسهل بن حنیف وافقه الحظ أن يحظى بمواقف مشرفة رفعت ذكره مع الطيبين، وخط اسمه في التاريخ عبرة للوفاء، ومصداق للطاعة، حتى استوی سهلا، وبذلك اتجهت الأقلام لتتبع محطات حياته بصورة عرضية مع طيات الأحداث التي شهدها، فارتسمت للأفق سيرته العطرة، فإذا كانت کتب التاريخ لم تنتبه لولادته، فقد عوضت ذلك بالتدقيق على وفاته؛ إذ شهدت مراسيم خاصة يتطلع أن يناها كل مسلم على مرّ الأجيال، وإذ ذاك فلابد من تقديم بطاقة تعريفية لهذه الشخصية الفذة.

سهل بن حنیف (ت: 38 ه - 658 م) وهو: سهل بن حنیف بن وهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمر بن خناس ويقال ابن خنساء بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك الأوسي الأنصاري، أبو سعید، أو أبو سعد، أو أبو عبد، وكنيته أبو سعيد(1).

عرفت عائلته بالجهاد والتضحية خدمة للدين فأخيه عثمان بن حنيف الأنصاري، قضى عمره بالجهاد وملازمة أولي الأمر الذين فرض الله سبحانه طاعتهم، وسيرته نار على علم، إذ (کَانَ سهل وَعُثْمَان من فضلاء الْأَنْصَار

ص: 28


1- ينظر: المعرفة والتاريخ، يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي، أبو يوسف (المتوفي: 277 ه)، تحقيق: أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بیروت، ط 2، 1401 ه- 1981 م: 1 / 337.، وأعيان الشيعة، السيد محسن الأمين (1371 ه)، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بیروت - لبنان، (د. ط)، (د. ت): 11 / 320، والأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفي: 1396 ه)، دار العلم للملايين، ط 15، 2002 م: 3 / 142، وموسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية، أبو سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي، المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، القاهرة - مصر، النبلاء للكتاب، مراکش - المغرب، ط 1: 1 / 164

وصالحيهم)(1) وله أخ آخر هو عباد بن حنيف(2).

أما أولاده فهم: أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري واسمه أسعد بن سهل بن حنیف ولد في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل وفاته بعامين، وقد سماه النبي (صلى الله عليه وآله) بهذا الاسم على اسم أسعد بن زرارة(3) الصحابي الجليل(4)، وأمه (حبيبة) بنت اسعد بن زرارة(5)، فسمی باسم جده،- والد أمه - أسعد بن زرارة. كان من رواة الحديث، وأحاديثه

ص: 29


1- الدرر في اختصار المغازي والسير، النمري، الحافظ يوسف بن البر، تحقيق: الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط 2، 1403 ه: 93
2- ينظر: مسند أحمد بن حنبل،، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ات: 241 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1421 ه- 2001 م: 1 / 321
3- أسعد بن زُرَارَة (000 - 1 ه / 000 - 622 م): هو أسعد بن زرارة بن عدس النجاري، من الخزرج: أحد الشجعان الأشراف في الجاهلية والإسلام، من سكان المدينة. قدم مكة في عصر النبوة ومعه ذكوان بن عبد قيس فأسلما وعادا إلى المدينة، فكانا أول من قدمها بالإسلام. وهو أحد النقباء الاثني عشر، كان نقيب بني النجار. ومات قبل بدر فدفن في البقيع. ينظر: الأعلام للزركلي: 1 / 300
4- ينظر: غاية الأماني في الرد على النبهاني، أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (المتوفي: 1342 ه)، أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي، مكتبة الرشد، الرياض - المملكة العربية السعودية، ط 1، 1422 ه - 2001 م: 1 / 252. وأسعد بن زرارة: هو أسعد بن زرارة بن عدم النجاري، من الخزرج: أحد الشجعان الأشراف في الجاهلية والإسلام، من سكان المدينة. قدم مكة في عصر النبوة ومعه ذکوان بن عبد قيس فاسلما وعادا إلى المدينة، فكانا أول من قدمها بالإسلام. وهو أحد النقباء الاثني عشر، كان نقیب بني النجار. ومات قبل بدر فدفن في البقيع. ينظر: الأعلام للزركلي: 300
5- ينظر: المحبر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (المتوفی: 245 ه)، تحقيق: إيلزة ليختن شتیتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، (د. ط)، (د. ت): 431

كثيرة توازعتها كتب التفسير والفقه والعقائد، وهي تحمل معالجات جذرية لحياة المسلمين، و وصفه ابن سعد: بأنه ثقة كثير الحديث(1)، (وَكَانَ مِنْ کُبَرَاءِ الْأَمْصَارِ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَبْنَاءِ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا)(2)، توفي سنة (74 ه) یوم الجمعة ودفن بالبقيع، وهو ممّن له عقب من الصحابة، وكان يحفي شاربه ويصفر لحيته(3)، (وَقِيلَ: سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةِ)(4).

ومن أولاده أيضا عثمان بن سهل بن حنیف، ثقة من رواة الحديث(5)، وأمه أحدى النسوة الأتي بايعْنَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيعة العقبة

ص: 30


1- ينظر: المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276 ه)، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط 2، 1992 م: 291، و تفسير الطبري - جامع البيان عن تأویل آي القرآن، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الأملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن یمامة، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط 1، 1422 ه - 2001 م: 8 / 105. هامش المؤلف
2- الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 ه)، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 - 2000 م: 3 / 41
3- ينظر: اسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 130 ه)، دار الفكر - بيروت، (د. ط)، 1409 ه - 1989 م: 2 / 289، والحديث النبوي بين الرواية والدراية، الشيخ السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، اعتماد - قم، ط 1، 1419 ه: 508
4- الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط 1، 1417 ه - 1997 م: 4 / 110
5- ينظر: شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة، أبو الأشبال حسن الزهيري آل مندوه المنصوري المصري، (د. ط)، (د. ت): 24 / 7

الثانية(1)، ويذكر الطبري في تفسيره عبد الرحمن بن سهل بن حنيف في اسناد بعض الأحاديث عنه مروية عن أبيه سهل(2)، وعبد الله بن سهل أمه إحدى نساء بنِي أمية بن زید من أوس الله، كانت عند ثابت بن الدحداحة، ففرّت منه، وهو يومئذ كافر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فزوّجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) سهل بن حنیف، فولدت له عبد الله(3).

ثانيًا: هيأته

أما هيأته فكان جميل المنظر قد رزقه الله طلعة بهية وسيماً حسن الجسم(4)، ويروى أنّ سهل بن حنيف كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض غزواته، فمر بنهر فاغتسل فيه، وكان رجلا حسن الجسم فمر به رجل من الأنصار، فقال: ما رأيت اليوم، ولا جلد مخبأة وتعجب من خلقته، فلبط(5) به فصرع، فحمل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله):

4

ص: 31


1- ينظر: المحبر: 406
2- ينظر: تفسير الطبري: 18 / 6
3- ينظر: تفسير الطبري: 23 / 332 - 333
4- ينظر: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، حافظ بن أحمد بن علي الحكمي (المتوفى: 1377 ه)، تحقيق: عمر بن محمود ابو عمر، دار ابن القيم - الدمام، ط 1، 1410 ه - 1990 م: 2 / 502
5- لبط: لبَطَ فُلاَنٌ بِفُلاَنٍ الَأرضَ یَلْبِطُ لَبْطاً مِثْلَ لبَجَ بِهِ: ضَربها بِهِ، وَقِيلَ: صَرعَه صْرَعاً عَنِيفاً. ولُبِطَ بِفُلَانٍ إِذا صُرِع مِنْ عَيْنٍ أَو حُمّي. وَ لُبِطَ بِهِ لَبْطاً: ضرَب بِنَفْسِهِ الأَرض مِنْ دَاءٍ أَو أَمر يَغْشاه مفاجأَةً. ولُبِطَ بِهِ يُلْبَط لَبْطاً إِذا سقَط مِنْ قِيام، وَکَذَلِكَ إِذا صُرعَ. وَتَلَبَّط أَي اضْطَجَع وَتَمَرَّغَ. والتَّلَبُّط: التَّمرُّغُ. لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفى: 711 ه)، دار صادر - بيروت، ط 3، 1414 ه: 7 / 387 - 388

مايمنع أحدكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه في نفسه، أو في حاله أن يبرك عليه (أي يقول تبارك الله) فأنّ العين حق(1).

ورويت القصة بإسناد آخر عن سهل بن حنيف أنه قال: مررت بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموما فنمي ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: مروا أبا ثابت فليتصدق، ويحتمل أن تكون هذه واقعة أخرى غير الاصابة بالعين(2).

وبعد أن عرفنا جمال منظره و وسامته، لابد أن نطلع على جمال فطرته التي سارعت إلى اعتناق الإسلام، مذ بزغ نجمه، إذ تطالعنا كتب التاريخ والسير، أنه اعتنق الإسلام قبل الهجرة النبوية إلى المدينة، وليس هذا وحسب بل كان من الداعين والممهدين له في يثرب.

ثالثًا: إسلامه ومنزلته

أ - إسلام سهل بن حنيف

جهد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) مذ تلقيه أمر السماء بالدعوة الإسلامية، فاتخذ أسلوب الدعوة الخاصة وأقصد من يرى في فطرتهم نقاء التقبل لروح الإسلام وتوحيد الله، وعرف هذا الأمر بالدعوة السرية، وبعد

ص: 32


1- ينظر: المعجم الكبير، سلیمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360 ه)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، دار، مكتبة ابن تيمية - القاهرة، ط 2، (د. ت): 6 / 82، و معالم السنن، وهو شرح سنن أبي داود، أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى: 388 ه)، المطبعة العلمية - حلب، ط 1، 1351 ه - 1932 م: 4 / 227
2- ينظر: أعيان الشيعة: 11 / 322

إعلان المرحلة العلنية تصدى له المشركون بعنف الرد ومختلف أساليب الرفض، وفي خضم هذه المجابهات الداخلية تناثر من أخبارها شيء إلى المدن المجاورة لمكة، فاهتزت فطرة من طابت سرائرهم فسعوا إلى مقابلة الرسول (صلى الله عليه وآله) وكان من طليعة السابقين من أهل المدينة (يثرب) الصحابي الجليل سهل بن حنيف الأنصاري الذي كان أحد النقباء الستة مع اسعد بن زرارة، إذ إنّه كان داخلا في الستة الذين جاؤوا من المدينة، ولاقاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عقبة المدنيين وأخذ البيعة عنهم، وسميت ببيعة العقبة الأولى، وفي السنة الثانية جاء اثنا عشر رجلا وأخذ منهم البيعة وجعلهم الخلفاء وبعثهم إلى المدينة، برئاسة أسعد بن زرارة. وكان سهل داخلا فيهم أيضا، وسميت ببيعة العقة الثانية وفي السنة الثالثة جاء سبعون وأخذ منهم البيعة واختار منهم اثني عشر ليكونوا داعين للإسلام في المدينة وكان من الاثني عشر أيضا(1). (وَلم يفته مشْهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَجُمْلَة مَا روى عَنهُ أَرْبَعُونَ حَدِيثا)(2).

فجاء مدحهم في القرآن الكريم لما لهم من فضل السبق والنصرة، وذلك في قوله تعالى:

ص: 33


1- ينظر: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي، (المتوفى: 1070 ه)، تحقيق: نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: السيد حسين الموسوي الكرماني، (د. ط)، (د. ت): 1 / 431، والوافي، الفيض الكاشاني (ت: 1091 ه)، تحقيق: ضياء الدين الحسيني، مكتبة الإمام أمير المؤمنين على (ع) العامة - أصفهان، طباعة أفست نشاط أصفهان، ط 1، 1406 ه: 24 / 442
2- کشف المشكل من حديث الصحيحين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 ه)، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن - الرياض، د. ط)، (د. ت): 2 / 111

«وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).

أي السابقون إلى الإيمان أو إلى الطاعات، وإنما مدحهم بالسبق لان السابق إلى الشيء يتبعه غيره، فيكون متبوعا وغیره تابع له، فهو إمام فيه وداع له إلى الخير بسبقه إليه، وكذلك من سبق إلى الشر يكون أسوء حالا لهذه العلة(2).

(من المهاجرين) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وإلى الحبشة (والأنصار) أي ومن الأنصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى الإسلام وقرأ يعقوب (والأنصار) بالرفع فلم يجعلهم من السابقين، وجعل السبق للمهاجرين خاصة «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» أي بأفعال الخير والدخول في الاسلام بعدهم، و سلوك منهاجهم، ويدخل في ذلك من بعدهم إلى يوم القيامة «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» [الاية]، وفي هذه الآية دلالة على فضل السابقين ومزيتهم على غيرهم، لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين، فمنها مفارقة العشائر والأقربين، ومنها مباينة المألوف من الدين، فمنها نصرة الإسلام مع قلة العدد وكثرة العدو، ومنها السبق إلى الایمان والدعاء إليه(3).

ص: 34


1- التوبة: 100
2- ينظر: بحار الأنوار: 66 / 59
3- ينظر: تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي (ت: 548)، تحقيق: تحقیق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان،: 1415 - 1995 م: 5 / 111، وبحار الأنوار: 66 / 59

ويكشف هذا التتابع في مواصلة الرسول (صلى الله عليه وآله) عن صدق عقيدة هذا الصحابي الجليل (سهل بن حنيف)، وتكريس حياته لنصرة الدين ونشر الإسلام، فنال شرف السبق ورضوان الرسول (صلى الله عليه وآله)، الذي هو مقدمة لرضا الله سبحانه وتعالى.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أثر الاستعداد الفطري أو النفسي للعمل الصالح، وهذا منوط بخوالج الإنسان ودقة تأمله في ذاته، والمفارقة تكمن في أفراد عشيرة قريش، إذ خصهم القرآن الكريم بالدعوة: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1).

أضف إلى ذلك علم عشيرته بصفاته (صلى الله عليه وآله) أنَّه الصادق الأمين، وبالرغم من الدلائل التي ساقها لهم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنّهم لم يهتدوا ولم يتبعوا الحق الذي جاءهم، بل حاربوه بكل ما يمتلكون من سلطة و قوة، بينما نجد مَن آمن به وصدّقه قبل أن يراه حتى، فما نريد الوصول إليه هنا أنّ رحمة الله قريب من كل شخص مهما ابتعدت قبسات ضیاء الهداية فإنّ هناك ولا شك رافدا يعصف في ضمائر الصالحين، فيقتربوا ليزدادوا نورا. وهذه الصورة تظهر في كل عصر وزمان، ولبيانها يمكن أن ننطلق من حديث الرَسُولُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ)، إذ قال:

«إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدَهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»(2).

ص: 35


1- الشعراء: 214
2- مسند أحمد بن حنبل: 17 / 170

والقرآن الكريم هو ذاك الكتاب المحفوظ بين دفتي المصحف، تضمن درر الباري عزّ وجل، وفيه تفصيل كل شيء، وهذا التفصيل مقرون بترجمان له ومطبق لأحكامه ليكونوا القرآن الناطق، ولذلك قُرِنَ بالقرآن الناطق المتمثل بأهل البيت (عليهم السلام)، وباختصار شديد و تجنبا للخوض بمفهوم (أهل البيت) واتساع الحديث فيه بما يبعدنا عن فكرة البحث بالرغم من عظيم الفائدة، إلا أننا يمكن تشخيصهم من أمرين:

الأول: من وصف القرآن الكريم لهم (عليهم السلام)، ويبين هذا الأمر على وفق قراءة مغلقة - لا تخرج عن القرآن الكريم - الآيات القرآن تجلي ماهية (أهل البيت) ومعرفتهم، ولنعمل بحثا عن مصطلح البيت في عموم القرآن الكريم لنعرف أهله، ولنرى مضامين الآيات التي تحمله:

قال تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»(1).

وقوله تعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(2).

وكذلك قوله تعالى: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ»(3).

ص: 36


1- البقرة: 125
2- البقرة: 127
3- البقرة: 158

وقال تعالى: «فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ»(1).

وقال تعالى من سورة المائدة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2).

وقوله تعالى: «جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(3).

وقال تعالى: «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ»(4).

وقال تعالى: «قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»(5).

ص: 37


1- آل عمران: 97
2- المائدة: 5
3- المائدة: 97
4- الأنفال: 35
5- هود: 73

وقال تعالى: «وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»(1).

وفي سور الحج: «لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ»(2).

وقال تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(3).

وقال تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ»(4).

فالبيت الوارد في القرآن الكريم هو بيت الله سبحانه وتعالى، ومصطلح (أهل) المقرون به هم الذين أوكل الله لهم مهمة نشر الإسلام، وحملة الدين على مرّ العصور، ولعل مصطلح (أهل) هنا اشتمل على تطور دلالي انتقل من العموم إلى الخصوص، بمعنى أنّ هؤلاء المندوبين بهذا المصطلح لا يراد بهم - والله أعلم - كل أفراد العائلة من العوائل المذكورة بصورة عامة، وعائلة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بصفة خاصة، بل هم الذين خصهم الله بالقيام لنشر دينه وتثبيته، وبذلك كانوا أهل بيته المحرم، ويعضد ذلك خطاب الله سبحانه وتعالى لنبيه نوح (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام) عندما دعاه لينجيه من الغرق:

ص: 38


1- الحج: 26
2- الحج: 33
3- الأحزاب: 33
4- قريش: 3

«وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(1).

فقوله سبحانه وتعالى: (إنه ليس من أهلك)، أي ليس من الذين خصهم الله لرعاية الدين ونشر الرسالة السماوية، وبذلك فهو ليس من أهلك الناجين؛ إذ عمل عملا غير صالح من شرك والحاد، وإذ ذاك فإن أهل البيت (عليهم السلام) في الحديث الشريف، هم الأئمة الأطهار(عليهم السلام) الذين أُنيطت بهم مسؤولية نشر الإسلام، و إحياء الدين، ورعاية أمر المسلمين بالرغم مما اكتنف هذه المهمة من صعوبات وعقبات من جهال الأمة وظلمتها. ولا يراد بهم سائر الأهل من زوجات وأقارب، ومصادیق هذا القول كثيرة وكفيلة بإماطة اللثام عن الحقيقة.

ثانياً: من موروث أهل البيت (عليهم السلام) وأخبارهم ومناظراتهم التي فصلوا بها هذه المكانة و بینوا حقهم وأرثهم العلمي، ولنا أن نستحضر المحاورة بين الإمام الرضا (عليه السلام) وطائفة من علماء النصارى في مجلس المأمون، إذ قال الإمام الرضا (عليه السلام): في تفسير آية الوراثة أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهر، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم.

فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟

ص: 39


1- هود: 45 - 47

قال الإمام الرضا (عليه السلام): الذين وصفهم الله في كتابه فقال: عز وجل: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» وهم الذين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إني مخلف فیکم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنها لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما - أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم»(1).

قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن، عن العترة أهم الآل أو غير الآل؟.

فقال الرضا (عليه السلام): هم الآل.

فقالت العلماء: فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤثر عنه أنّه قال: أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه: آل محمد أمته.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا: نعم.

قال: فتحرم على الأمة؟.

قالوا: لا.

قال: هذا فرق ما بين الآل والأمة، ويحكم أين يذهب بكم أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون؟، أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟(2).

ص: 40


1- بحار الأنوار: 25 / 221
2- ينظر: بحار الأنوار: 25 / 222

ثم قالوا: ومن أين يا أبا الحسن؟.

قال من قول الله عز وجل: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ»(1)، فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين، أما علمتم إن نوحا (عليه السلام)، حين سأل ربه فقال: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ»(2)، وذلك أن الله عز وجل وعده أن ينجيه وأهله فقال له ربّه: «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ»(3).

فقال المأمون: هل فضل الله العترة على سائر الناس؟.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): إنّ الله عز وجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه.

فقال له المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟.

فقال له الإمام الرضا (عليه السلام): في قوله عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(4).

قال العلماء: فأخبرنا هل فسر الله عز وجل الاصطفاء في الكتاب؟.

ص: 41


1- الحديد: 26
2- هود 45
3- هود 46
4- آل عمران: 33

فقال الإمام الرضا (عليه السلام): فسر الاصطفاء في الظاهر سوی الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا(1):

فأول ذلك قوله عز وجل: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(2)، وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عني الله بذلك الآل فذكره لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذه واحدة.

والآية الثانية في الاصطفاء قوله عز وجل: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، وهذا الفضل الذي لا يجهله أحد معاند أصلا؛ لأنّه فضل بعد طهارة تنتظر فهذه الثانية.

وأما الثالثة فحين ميز الله سبحانه وتعالى الطاهرين من خلقه وأمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بالمباهلة في آية الابتهال فقال عز وجل: يا محمد «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3)، فأبرز النبي (صلى الله عليه وآله) عليا، والحسن والحسين، وفاطمة (صلوات الله عليهم) وقرن أنفسهم بنفسه فهل تدرون ما معنی قوله: (وَأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ)؟ قالت العلماء: عنى به نفسه.

ص: 42


1- ينظر: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: 11 / 252 - 253
2- الشعراء: 214
3- آل عمران 61

فقال أبو الحسن (عليه السلام): غلطتم إنما عنى بها علي بن أبي طالب (عليه السلام). ومما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله) حين قال: لينتهين بنو ولیعة أو لأبعثن عليهم رجلا كنفسي، یعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعنى بالأبناء الحسن والحسين (عليهما السلام) وعنی بالنساء فاطمة (عليها السلام)، فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقه فيه بشر وشرف لا يسبقه إليه خلق، إذ جعل نفس علي (عليه السلام) کنفسه (صلى الله عليه وآله).

وأما الرابعة: فإخراجه (صلى الله عليه وآله) الناس من مسجده ما خلا العترة حتى تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس، فقال: يا رسول الله تركت عليا (علیه السلام) وأخرجتنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما أنا تركته وأخرجتكم ولكن الله ترکه وأخرجكم، وفي هذا بيان قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزلة هارون من موسى(1).

(فإن البيت في مثل هذا لا يراد به بیت البنيان ولا بيت النساء والصبيان بل بيت التقوى والإيمان وبيت النبوة والحكمة والعرفان وكذلك كل نبي أو وصي نبي فهو آل للنبي الأفضل والوصي الأمثل فجميع الأنبياء والأوصياء السابقين آل نبینا وأهل بيته ولذا قال (صلى الله عليه وآله): كل تقي ونقي آلي، وتصديق ما قلناه في كلام الصادق (عليه السّلام) الذي رواه المفضل بن عمر: أن الأنبياء جميعا محبون لمحمد وعلي متبعون أمرهما)(2).

ص: 43


1- ينظر: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: 11 / 252 - 253
2- الوافي: 3 / 897

وإذ ذاك فإن نور الهداية يسطع في كل مكان وزمان، فلا تخلو الأرض من حجة الله عز وجل على خلقه، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لما انقضت نبوة آدم وانقطع اكله أوحى الله عز وجل إليه ان يا آدم قد انقضت نبوتك وانقطع الملك فانظر إلى ماعندك من العلم والایمان ومیراث النبوة وأثرة العلم والاسم الأعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة الله فاني لم ادع الأرض بغير عالم يعرف به طاعتي وديني ويكون نجاة لمن أطاعه، وفيما سُمِعَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: اللهم لا تخل الأرض من حجة لك على خلقك ظاهر أو خاف مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك(1).

کما لا تخلو الدنيا من أئمة الكفر الذين فرض الله سبحانه قتالهم، في قوله تعالى: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»(2).

وعليه حريّ بالمؤمن أن يعيش هذا النور الحاضر في عصره ويجعله رقيبا على عمله وسلوكه، مثل مافعل سهل بن حنيف الذي تمثل عبق النبوة والإمامة فذاب في ولائهم حتى أصبح سهلا، فلزاما على كل مقتفٍ أثر أهل البيت (عليهم السلام) أن يدقق في ثقافة الانتظار التي تقضي بأن هناك من يطلع على أعمالنا ويسره زیْنُنها، مثلما يسوؤه شيْنُها، إذا ما أردنا توظيف تجارب الماضين وترجمتها عبرة تنجينا من مزالق الدنيا وحبال الشيطان، فالعصر هو العصر، والمعادلة هي المعادلة، واللبيب من اتعظ.

ص: 44


1- ينظر: علل الشرائع، الشيخ الصدوق (381 ه)، تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعنها - النجف الأشرف، (د. ط)، 1386 ه - 1966 م: 1 / 195
2- التوبة: 12

ب - منزلته في الإسلام

عند الحديث عن منزلة الصحابي سهل بن حنيف أو غيره من الصحابة في الإسلام ينبغي الإحاطة بما انطوت عليه مسيرتهم من أعمال وما انطوت عليه سريرتهم من توجهات، بدءا من انطلاقتهم مع الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وختاما بما أدركوه من مواقف تجلي حنكتهم ودرايتهم بثوابت الدين وصدق العقيدة من عدمها، وعليه لربها يتعذر الحكم المسبق أو الذي يعوزه التتبع الختامي، أو الترجمة لصحابي بالاقتصار على ما قدمه ذلك الصحابي في حياة الرسول واهمال ما وراء ذلك؛ لأن هناك من حاد عن جادت الصواب واتبع هواه لذا نلحظ التعبير القرآني قد وقف عند هذه الفئة ليميز طبقة المهتدين من الضالين، إذ قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ»(1)، فنرى الآية الكريمة قد انطلقت من نقطة الالتقاء التي عليها المسلمون في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي الإيمان والتصدیق بالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم انتقلت في مقطعها الثاني لوضع ضابطة مهيِّئة للنتيجة وهي ألا (يلبسوا إيمانهم بظلم)، فمجرد التسليم لما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم) أو الإيمان به في حياته غير كاف لتحصيل الفوز بالجنة والخلاص من النار، فهناك تتابع في المسيرة وتواصل وتلازم رسالي بين خط النبوة المتمثلة بشخص النبي والأنبياء من قبله (عليهم وعلى نبينا وأهل بيته الصلاة والسلام) وخط الإمامة الذي يمثله ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، والأئمة الهادين من

ص: 45


1- الأنعام: 82

ولده (عليهم السلام) وهدي هذا الخط والتمسك به ومواكبته تتضح مكانة المسلمين بصورة عامة، والصحابة بصورة خاصة.

ومن هذه المقدمة نروم استجلاء مكانة الصحابي سهل بن حنیف من خلال ما سطره من مواقف مشرفة يتوِّجها الثبات على خط النبوة والتمسك بتعاليمها وكان من الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم فنال الدرجة الرفيعة، والمنزلة السامية، التي رفعته في مصاف الموالين، الذين يجب حبهم والاقتداء بهم لما نقشوا من خطوط المجد بأوضح العبارات.

وقد بين الطرح السابق مواقف سهل بن حنيف مع النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ومنزلته التي لا تشوبها شائبة، بل كان مخلصا كعَلَم فوقه نار، ويطيب للدراسة أن تؤكد هذه المنزلة له بقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عندما قرن حب أولياء الله والولاية لهم، وكذلك الولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله)، بشرائع الدين الواجبة، إذ قال الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام): «هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد الله هداه: إسباغ الوضوء کما أمر الله عز وجل في كتابه الناطق غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين مرة مرة ومرتان جائز، وصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والفجر ركعتان، الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله واجبة في كل المواطن وعند العطاس والرياح...»(1).

ص: 46


1- الخصال، الشيخ الصدوق (381 ه)، تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (د. ط)، 1403 ه: 603

ويسترسل في بيان شرائع الدين إلى قوله عليه السلام: «وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمد عليهم السلام وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة عليها السلام فدك، ومنعوها میراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهموا بإحراق بيتها، وأسسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام: أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم واجبة، والبراءة من أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود قاتل أمير المؤمنين عليه السلام واجبة، و البراءة من جميع قتلة أهل البيت عليهم السلام واجبة، والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واجبة مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي، وعمار بن یاسر، وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله ابن الصامت، وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، ومن نحا نحوهم، وفعل مثل فعلهم، والولاية لاتباعهم والمقتدين بهم و بهداهم واجبة»(1).

فذكر الإمام الصادق (عليه السلام) الصحابي سهل بن حنیف مع المؤمنين الذين تجب محبتهم و ولايتهم، وما ذلك الا لحسن سيرتهم الولائية والثبات عليها في البأساء والضراء، فاستحقوا ما وعدهم الله سبحانه وتعالى من جزاء جميل الذي من تجلياته المضامين الآتية: إن أولياءهم الذين وصفهم

ص: 47


1- الخصال، الشيخ الصدوق(381 ه)، تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (د. ط)، 1403 ه: 603، و بحار الأنوار: 10 / 227

الله عز وجل فقال الذين يدخلون الجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم إن طبتم فادخلوها خالدين، قال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ»(1).

ألا إن أولياءهم الذين قال لهم الله عز وجل: يدخلون الجنة بغير حساب، قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ»(2).

وذكر كذلك اعدائهم فقال تعالى ذكره: إن أعداءهم يصلون سعيرا، قال تعالى: «فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا»(3).

ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير، قال تعالى: «إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا»(4).

ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم: «قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ»(5).

ص: 48


1- الزمر: 73
2- غافر: 40
3- الانشقاق: 11 - 12
4- الفرقان: 12
5- الأعراف: 38

ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل: «تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ»(1). ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير(2).

والمتمعن في متن الرواية يجدها قامت على شقين:

الأول: طريق الحق الذي يعلوه شخص الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المصطفون الأبرار (عليهم السلام) ومن تمسك بهم وتابعهم في أقوالهم و أفعالهم، فاهتدى بهديهم وتنوّر بنورهم الذي به فوزهم في الدارين.

والآخر: الذي يمثله أعداؤهم - أي أعداء الخط الأول - وماحاق بهم من وبال أمرهم فتكون نتيجتهم بأنهم يصلون سعيرا.

فنجد الحديث الشريف قد اشتمل على هذه الثنائية، الخط النبوي وأهل البيت عليهم السلام، والخط المعادي لهم جهرا وخفية، ومن سار على نهجهم العدائي، من الذين ظلموا آل محمد عليهم السلام وهتكوا حجابه... واستمروا بتأسيس أساس الظلم والجور عليهم وعلى الإسلام.

والحق أن هذا الطرح قد بينه القرآن الكريم كما هو واضح في الآيات المباركات السابقة، وقد أكد القرآن الكريم على تفصيل كل خطوبيان مكانتهم وما تؤول إليه عاقبة كل خط، فذكر خط «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ

ص: 49


1- الملك: 8 - 9
2- ينظر: الاحتجاج: 1 / 80

إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ» [الأية]. وذكر في المقابل الخط الآخر وما ينتظرهم من عذاب: «إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا» [الأية].

وخلاصة القول إن المسألة ليست مسألة مسميات بل مصادیق تعكس کوامن النفوس ومدى استلهامها من هدي النبوة من عدمه، فالدعوة واحدة والإسلام واحد بتعاليمه وعقائده، أوامره ونواهيه، وما الاسماء التي ذكرها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وقرنهم بوصفه الذي لا يناله أحد الا بعد جهد ومحاربة النفس والثبات على الاسلام، وكأنه يريد ايصال رسالة أن الركب النبوي مشروع نجاة ورفعة وسمو في الدنيا والآخرة فمن تمسك به فاز ومن أضمر له العداء وتطلع لمحاربته خسر وتردی، فذكر بعد أولياء الله طائفة من المؤمنين الذين يجب حبهم وموالاتهم لا لشخصهم بل لأنهم خير مصداق يمثل الطبقة المخلصة التي ترفعت بنفسها من مغريات الدنيا إلى آداب الطاعة والتمسك بقوانين السماء. ومنهم سهل بن حنيف من الأنصار المخلصين للنبيّ والوصيّ ومن السابقين الأوّلين الَّذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار.

وفي خبر عقبة أنّ الصادق عليه السّلام قال: أما بلغكم أنّ رجلا صلَّی عليه عليّ (عليه السّلام) فكبّر عليه خمسا حتّی صلَّى عليه خمس صلوات وقال إنّه بدريّ عقبيّ احديّ من النقباء الاثني عشر وله خمس مناقب فصلَّی

ص: 50

عليه لكلّ منقبة صلاة(1)، فأي مكانة نلت یا سهل وأنت تعيش أنفاس النبوة والإمامة، ولك منها الأقوال الحسان، التي باتت قناديل تنير صفحات التاريخ التي تحمل اسمك الناصع

ص: 51


1- ينظر: العبر في خبر من غبر، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه) تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية - بیروت: 1 / 32

ص: 52

المبحث الثاني : أثره في نشر الإسلام

اشارة

بعد بيعة العقبة الثانية انتقلت الدعوة الإسلامية إلى طور أوسع، فبدأت في طورها الجديد، إذ عاهد اليثربيون النبي (صلى الله عليه وآله) و وصيه المرتضی (علیه السلام) عهدا وضع أسس الدعوة على طريق الانتشار والنجاح، فكانت يسرا بعد مرحلة كلها عسر.

وفي طبيعة الحال أن السابقين في الإسلام قد امتازوا فضل السبق والتكريم، وهذا الفضل يعلله الجهد الذي بذلوه في نشر الإسلام مع الرسول (صلى الله عليه وآله)، وليس هذا فحسب بل يضاف إلى ذلك شدة المضايقات والتعذيب التي ابتلوا بها، وصاحبنا سهل بن حنيف من هذه الثلة التي ما أن دخلت الإسلام كانت يدا للرسول (صلى الله عليه وآله) في مناطقهم يدعون بلسانه ويمتثلون لأوامره، حتی استتب الأمر في المدينة وأخذ صحابته يأخذون طريقهم إلى يثرب هربا بدينهم من قريش وطغيانها، فتسربوا من بين براثن قبضتها وهي لا تشعر، يتوافدون على يثرب التي وطّن سهل بن حنیف ومن معه أهلها لهم(1).

ص: 53


1- ينظر: وما أدراك ما علي، د. صلاح مهدي الفرطوسي، العتبة العلوية المقدسة - قسم الشؤون الفكرية والثقافية، طبعة مصححة ومنقحة، 2432 ه - 2011 م: 1 / 146

وعند تصفح كتب السيرة والتاريخ نجدها تزخر بمناقب هذا الصحابي الجليل سهل بن حنيف، ومن أروع تضحية من يعاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الموت ثباتا ودفاعا عن الإسلام، فكان مصداقا لقوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(1)، حتى غدا مع رسول الله وغيره من الصحابة يدا واحدة على الكافرين، متوادون متحابون في ما بينهم: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»(2)، وعليه ستجتهد الدراسة لبيان أهم محطات حياة هذا الصحابي الجليل، وحسب الآتي:

أولاً: المؤاخاة

من الأهداف التي يرمي إليها الإسلام هي توثيق الروابط الاجتماعية بين المسلمين، ومن تحقيقات ذلك، الأسلوب الذي اتبعه النبي الكريم (صلی الله عليه وآله) في المؤاخاة بين المسلمين، وقد وصفت هذه الواقعة بعدة روایات تناقلتها كتب السير والتاريخ، وفي طليعة هذه الأخوة ما مثله النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام).

ص: 54


1- البقرة: 207
2- الفتح: 29

ولو استنطقنا كتب التاريخ لوجدنا حادثة المؤاخاة قد تكررت غير مرّة، منها ما جرى بين المسلمين في مكة قبل الهجرة، ومنها ما وقع بعد الهجرة في المدينة(1)، ولا يخفى ما تفيض به هذه المواقف من مقاصد کامنة في سلوك الرسول (صلى الله عليه وآله) ودقة اختياره بين الأشخاص الذين آخی بينهم، وهو في أقل تأمل يكشف عن الترابط بين تلك الشخصيات سواء أكان إيجابيا ذلك الترابط أم سلبيا.

وسهل بن حنیف نال من الشرف والحظوة الأمر الذي جعل بعض أصحاب السير والتاريخ أن يجعلوه قرين الإمام علي (عليه السلام) في حادثة المؤاخاة، فقَالُوا: (آخَی رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ) بين سهل بْن حُنَيْف، وعليّ بن أبي طَالِب)(2) وبالرغم من سمو المكانة التي يتمتع بها هذا الصحابي وحسن سيرته إلا أن مسألة أخوته بالإمام علي (عليه السلام) لا تنهض للواقع؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) عندما آخى بين المهاجرين والأنصار، اتخذ الإمام عليا (عليه السلام) أخاله، والحادثة قد تناقلتها الألسن، وتداولتها المحافل العامة والخاصة.

أمّا من قال بأخوة سهل بن حنيف مع الإمام (عليه السلام) فقد اتخذ من قول عام للنبي (صلى الله عليه وآله) بعيد عن موضوع المؤاخاة التي جرت لينفوا كون النبي (صلى الله عليه وآله) قد اتخذله أخا، ولو حدث

ص: 55


1- ينظر: الغدير: 3 / 1144 - 116
2- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3 / 590. وينظر: الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1410 ه - 1990 م: 3 / 359

واتخذ أخا لاتخذ من أبي بكر أخاله واستدلوا بقوله (صلى الله عليه وآله): «لَوْ كُنْتُ مُتَخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخي وصاحبي»(1)، واعتمادا على هذا الحديث قالوا: (وهذا الذي لا يصح غيره، وأما أخوة علي [عليه السلام](2). فلا تصح إلا مع سهل بن حنيف)(3). وإنّما هذه الأخوة بالمعنى العام، يؤيد ذلك قول الرسول (صلى الله عليه وآله): «وَدِدْتُ أَنْ قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا، قَالُوا: أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي قَوْمٌ یَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي»(4). وتفسر تلك الأخوة إخوة الإسلام ومودته. كما أنَّ الخلة المنتفية فيه هي الخلة بالمعنى الخاص لا الخلة العامة الثابتة(5)، بقوله تعالى: «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ»(6).

فلم تكن هي تلك الأخوة بالمعنى الخاص التي تمت يومي المؤاخاة بوحي من الله العزيز، عندما قدم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمواساة وأن يتوارثوا بعد الممات من دون ذوي الأرحام، واستمر الحال إلى وقعة بدر، فلم يمت أحد ممن كانت المؤاخاة بينه

ص: 56


1- مختصر زاد المعاد، محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206 ه)، دار الريان للتراث - القاهرة، ط 2، 1407 ه - 1987 م: 117
2- لأهمية هذه العبارة في عقائدنا وضعناها بين قوسين، للحفاظ على النص الاصل كما هو، وهذا الاجراء ستتبعه مع كل نص لا يذكر هذه العبارة
3- الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 ه)، مكتبة الخانجي - القاهرة، (د. ط)، (د. ت): 4 / 115
4- سيرة ابن إسحاق (السير والمغازي)، محمد بن إسحاق المطلبي ابن اسحاق (المتوفى: 151)، تحقيق: محمد حميد الله، معهد الدراسات والأبحاث للتعريف، (د. ت): 5 / 262
5- ينظر: الغدير: 3 / 112
6- الزخرف: 67

وبين صاحبه حتى نزلت سورة الأنفال: «وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(1) فصارت المواريث للرحم دون المؤاخاة(2).

ومن يدقق النظر بين الشخصيات التي آخي بينها الرسول (صلى الله عليه وآله) وما اتسمت به من صفات وآثار يجد أنها كانت على أساس المشاكلة والماثلة بين كل اثنين في الدرجات النفسية، وما انطوت عليه بنيتهم العقدية تجاه الإسلام.

ومن ذلك المؤاخاة التي عقدت بين أبي بكر وعمر، فهما متفقان اتفاقاً في التوجه والعمل وتفضيل الحكم والمال على مرضاة الله ورسوله، وما جرى في السقيفة من أدل المداليل على ذلك، إذ تآزرا على نقض المواثيق والعهود المعهودة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسألة الخلافة وإمامة على (عليه السلام) وقيَّضا الأمر لصالحهما، ومنه قول عمر بن الخطاب للإمام علي (عليه السلام): إنك لست متروکا حتى تبايع طوعا أو كرها. قال الإمام على (عليه السلام) احلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع(3) وغيرها من المواقف التي تتابعت على الخروج على وصايا الرسول وإرادته (صلى الله عليه وآله) حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى وهو غاضب عليهم.

ص: 57


1- الأنفال: 75
2- ينظر: المحبر: 70. الأنفال: 75
3- ينظر: الاحتجاج: 1 / 85 - 86، و خلاصة عبقات الأنوار، السید حامد النقوي (ت: 1306 ه)، مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية - طهران - ایران، (د. ط)، 1405: 3 / 314 - 317

ومن ذلك التعانق في التوجه والهدف ما تمَّ بين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، ففي (يوم الشورى الذي نصِّب فيه عثمان، عرض عبد الرحمن بن عوف على أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعمل بسيرة الشيخين حتى يكون خليفة)(1)، فكان هواهما واحد لاسيما أنهما شريكان في التجارة.

وأما الرابط بين الثنائي طلحة والزبير فبيِّن، تمثل بنكثهم البيعة وخروجهما على إمام زمانهم، وحشدا الناس لقتال الإمام علي (عليه السلام) في البصرة، بعد نهب بیت المال، وقتل المسلمين من دون أي ذنب في تلك الواقعة المعروفة بحرب الجمل، وكانا شديدي التعلق أحدهما بالآخر(2).

ومن ذلك أيضا التعانق السلوكي بين أبي عبيدة الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وما اتصفا به من انقلاب عسكري على الإمام (عليه السلام) ومناصرتهما أقطاب السقيفة، إذ حاصرا مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيه أخيه و وصيه و وارث علمه مع أنصاره الثابتين، فجاءهم سالم مولى أبي حذيفة(3) وأبو عبيدة ومعها ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل

ص: 58


1- أسس النظام السياسي عند الإمامية، الشيخ محمود السند، تحقيق: محمد حسن الرضوي ومصطفی الاسكندري، مطبعة سرور، الناشر باقیات، ط 1، 1426
2- ينظر: مناقب آل ابي طالب ابن شهرآشوب (588 ه)، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1376 ه - 1956 م: 2 / 338، و منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 153. وأعيان الشيعة: 8 / 141، وتاريخ الطبري: 4 / 468
3- سالم مولى أبي حذيفة بن عبيد بن ربيعة وكان غير معروف النسب، قال المامقانّي: لم أقف فيه على مدح بل الخبر الَّذي في باب مسجد الغدير يدلّ على ذمّه فإنّ إقران سالم مولى حذيفة بالمنافقين وأبي عبيدة الجرّاح يؤذن بسوء حاله. وقيل هو مجهول وقع في مضمون رواية مرسلة في الفقيه = دالة على أنه من المنافقين. ينظر: المفيد من معجم رجال الحدیث، محمد الجواهري، مكتبة المحلاتي - قم - ایران، ط 2، 1424: 243. و نساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري الوفاة: 279)، تحقيق: الأستاذ الدكتور سهيل زكار - الدكتور رياض زركلي، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1: 9 / 374

ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسیافهم يقدمهم عمر بن الخطاب وأبو بكر حتى وقفوا بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عمر: والله يا أصحاب علي لئن ذهب منکم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس - أي بالاعتراض الذي حدث من الأنصار ومطالبتهم بتنصيب أمير المؤمنين علي عليه السلام خليفة على المسلمين - لنأخذنَّ الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال، یا بن صهاك الحبشية أ بأسيافكم تهددوننا أم بجمعكم تفزعوننا، والله إنَّ أسيافنا أحد من أسیافكم، وأنَّا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا، والله لولا أنَّي أعلم أنَّ طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى بي لشهرت سیفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اجلس يا خالد فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك، فجلس، وقام إليه سلمان الفارسي، فقال: الله أكبر، الله أكبر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين الأذنين وإلا صمتا، يقول: بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من کلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك إلا وأنَّكم هم، فهمَّ به عمر بن الخطاب، فوثب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال: يابن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتك أيّنا أضعف ناصرا وأقل

ص: 59

عددا. ثم التفت إلى أصحابه فقال: انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلا کما دخل أخواي موسى وهارون، إذ قال له أصحابه، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لقضية أقضيها فإنَّه لا يجوز بحجة أقامها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يترك الناس في حيرة(1)، لاشك أن هذا التعانق ووحدة الهدف بين الشخصيات یندُّ عن اعجاز إذ قدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كل قرين مع قرينه على وفق موازنة دقيقة تكشف عن السرائر والكوامن النفسية.

وآخي بين أبي بن كعب وابن مسعود. وبين معاذ وثوبان. وبين أبي طلحة وبلال، وبين سعد بن أبي وقاص وصهيب. وبين أسامة وهند حجام النبي. وبين معاوية والحباب المجاشعي. وبين فاطمة بنت النبي وأم سلمة. وبين عائشة وامرأة أبي أيوب، وآخي أيضا بين النقاء النفسي والتفاني من اجل نصرة الدين فقدم ثنائيات لامعة في صدى التاريخ ومنهم موازنته بين عمار وحذيفة وما عرف عنهم من ولاء وإیان ثابت لله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام). وكذلك آخى بين أبي الدرداء وسلمان.. وبين أبي ذر والمقداد بن عمرو. وبين أبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن سلام(2).

وأخر النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) لنفسه قائلا له: («وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا اخْتَرْتُكَ إِلَّا لِنَفْسِي؛ فَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، فَأَنْتَ أَخِي وَوَارِثِي»، قَالَ: «یَا رَسُولَ اللهِ،

ص: 60


1- ينظر: الاحتجاج: 1 / 92 - 93
2- ينظر: الغدير: 3 / 112

مَا أَرِثُ مِنْكَ؟» قَالَ: «مَا وَرِثَ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَبْلَكَ» قَالَ: «کِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ، أَنْتَ أَخِي وَرَفِيقِي» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) الْآيَةَ «إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ»(1))(2).

هذه الأخوة بالمعنى الخاص الثابتة لأمير المؤمنين (عليه السلام) مما يُخصُّ بها (عليه السلام) ولا يدعيها بعده إلا كذاب، وكانت مطردة بين الصحابة كلقب يعرف به، تداولته الأندية، وحوته المحاورات، ووقع الحجاج به، وتضمنه الشعر السائر(3).

أما تأخير المؤاخاة مع علي (عليه السلام) فقد تقدم: أن النبي (صلى الله عليه وآله) آخى بين الناس وترك علياً (عليه السلام) إلى الأخير، حتى لا بری له أخاً. وربما يكون الهدف من هذا التأخير هو(4):

1 - التهيئة لمطالبة علي (عليه السلام) بذلك، ليفسح المجال للنبي (صلى الله عليه وآله) ليطلق في حق أمير المؤمنين ما يستحقه من أوسمة يريد الله للناس أن يسمعوها، ويأخذوها بجدية واهتمام..

ص: 61


1- الحجر: 47
2- الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى: 287 ه)، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية - الرياض، ط 1، 1411 - 1991: 5 / 170
3- ينظر: مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي (المتوفى: 300 ه)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع أحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة، مطبعة النهضة، ط 1، 1412 ه: 1 / 303
4- ينظر: الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، السيد جعفر مرتضى العاملي، ولاء المنتظر (عج)، دفتر تبلیغات إسلامي، ط 1، 1430 ه: 2 / 337

2 - إنه لا يريد أن يختزل من مستوى تذوُّق الناس لهذه العملية النبيلة والمباركة، فيوجه الانتباه إليها، ويثير الحماس لدى الناس للتأمل بكل حركة، ووعي كل كلمة، لأن الله ورسوله يريدان لها أن تؤتي ثمارها، جهداً وجهاداً، وتعاوناً ومواساةً، والتزاماً بالحق، والعمل به.

أما عبارة (لا يقولها بعدي إلا كذاب): فقد روي عن علي (عليه السلام) بسند صحيح على شرط الشيخين: البخاري ومسلم، أنه قال: «أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري، لقد صليت قبل الناس بسبع سنين»(1).

وهذه العبارة هي العبارة نفسها التي قالها النبي (صلى الله عليه وآله) العلي (عليه السلام) في حديث المؤاخاة، وهي: (فإن ذكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها بعدك إلا كذاب..).

فقول علي (عليه السلام) الأنف الذكر: (أنا عبد الله وأخو رسوله.. إلخ) يشير إلى أن ثمة من سيدَّعي، أو أدعي فعلاً: أنه هو - لا علي (عليه السلام)- أخو رسول الله، وهو عبد الله. أي المتلبس بالعبودية الحقيقية له تعالى.. فجاء قول علي هذا للتذكير بمقالة النبي فيه.

ولذلك لم نجد أحداً تجرأ على أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له: بل فلان عبد الله وأخو رسوله. وليس أنت؛ لأن من يفعل ذلك سيجد التكذيب الصريح والفاضح له من الصحابة اللذين سمعوا ذلك القول من النبي (صلى الله عليه وآله) مباشرة(2).

ص: 62


1- الآحاد والمثاني: 2 / 592
2- ينظر: الصحیح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): 2 / 337

ثانيًا: رواية الحديث

إن الحاجة إلى معرفة حال الرواة من جرح أو تعديل تستدعي الحاجة إلى علم الرجال، والوقوف على تفاصيله وأحكامه؛ لما له من الأهمية في الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية من مصادرها وأصولها، وعلى ما يبدو أن هناك وشائجا مشتركة بين علم الرجال وعلم السير(تراجم الأعلام والمشاهير) وهذه الوشائج تحيلنا إلى فتح دائرة أخرى في البحث تدخل علم الأنساب، فيقوم تمحيص الحديث واعتماده على أساس هذه المحاور الثلاثة المتداخلة الجذور، التي تمتد إلى أصل التاريخ بمعناه العام.

إن ما یعنی به الرجاليون هو البحث عن حال الرجل من حيث صلاحه أو فساده، وإمكان الاعتماد عليه، أو رفضه، وإمكان الأخذ بروايته أو ضربها، عندما يوجد في سند الحديث، وعلى هذا الأساس فقد يتعرض لخصوصية ميلاده أو وفاته، عندما يوجد التباس أو اختلاط، أو بالأصح لئلا يوجد في الرواية مثل هذا الالتباس، أما علم السير فيتضمن ترجمة الأشخاص الأعلام من حيث خصائصهم النفسية وشمائلهم، ومايتحلون به من فضائل، ومالهم من رذائل، كما يبحث عن مولد الشخص ووفاته، وسائر شؤونه الخاصة، وما يقع له من جسيم الأعمال(1).

فأخذ الحديث عن الرجال منوط بسيرتهم الحسنة وعدالتهم، ولا يؤخذ ممن تشوبه شائبة الجرح بحسب منظور علمائنا الأفذاذ، وما هذا التدقيق إلا

ص: 63


1- ينظر: معجم رجال الحدیث وتفصيل طبقات الرواة، للإمام الأكبر السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره الشريف: المجلد الأول: 5

لتنقية الأسس التي يقوم عليها استنباط الحكم الشرعي الذي تسير عليه العامة في أعمالها، وسهل بن حنيف الأنصاري يجني منقبته الثانية، التي جاءته من رواية الحديث؛ إذ تخبر ضمنا بحسن سيرته وطيب سريرته الأمر الذي عده علماء الحديث من الرجال الثقات، ودونوا أحاديثه، وهي تبلغ أَرْبَعِينَ حديثا، سمعها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وروى عَنْهُ ابناه أَبُو أُمامة، وعبدُ الله، وروى عنه أيضاً أبو وائل، وعبيد بْن السَّبَّاق، وعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو(1)، وفيما يأتي نذكر طائفة من الأحاديث التي رويت بسنده عن الرسول (صلى الله عليه وآله):

أ - من الأحاديث التي رواها عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ماجاء عن ابنه أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: قال أَبِيَ: إنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: «من سأل الله الشّهادة بصدق بلّغه الله منازل الشّهداء وإن مات على فراشه»(2).

ص: 64


1- ينظر: جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفي: 456 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار المعارف - مصر، ط 1900، 1: 280، وتلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (508 ه - 597 ه) شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت، ط 1، 1997: 265
2- صحيح ابن حبان بترتیب این بلبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، 1414 - 1993: 7 / 465، و ينظر: ربيع الأبرار ونصوصالأخبار، الزمخشري (538 ه)، تحقيق: عبد الأمير مهنا، مؤسسة الأعلمي، بيروت لبنان، ط 1، 1412 - 1992 م: 4 / 121، وشمائل الرسول (صلى الله عليه وآله)، أحمد بن عبد الفتاح زواوی، دار القمة - الإسكندرية: 285

فالحديث يهدف إلى الإخلاص في النية والعمل، وأن يجعل العبد أعماله وحركاته وسكناته خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، وهذا أساس التقوى؛ الأمر الذي جعل من صدقت نيته وأخلص في توجهه أن يرفعه الله سبحانه وتعالى في مصاف الشهداء وإن لم ينل شرف الشهادة فعليا، وما ذلك إلا الصدق قصده في منالها، وقد سُئِلَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ریاء. أي ذلك في سبيل الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله): من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فذلك في سبيل الله(1).

فمنزلة الشهيد سامية لا تعلوها منزلة؛ إذ يقدمون أنفسهم لنصرة الحق وإعلاء كلمة التقوى، أولئك الشهداء الذين يذهبون إلى ساحة الحرب بين الحق والباطل عن وعي واخلاص في النية، ويقدمون آخر قطرة من دمائهم الزكية في هذا السبيل. وتلاحظ في المصادر الإسلامية روايات عجيبة حول مقام الشهداء، تحكي عظمة عمل الشهداء، وقيمته الفذة منها هذا الحديث المزبور.

وإذا قلبنا أوراق تاريخ الإسلام، فسنرى أن الشهداء قد سجلوا القسم الأعظم من الافتخارات، وهم الذين قدموا القسط الأوفر من الخدمة وليس هذا في الأمس فقط، فإن ثقافة الشهادة المصيرية اليوم ترعب العدو أيضا، وتمزق صفوفه، وتمنعه من النفوذ إلى حصون الإسلام، وتزرع اليأس في نفسه من إمكان تخطيها، فما أكثر بركة ثقافة الشهادة للمسلمين، وما أشدها على أعداء الدين(2).

ص: 65


1- ينظر: ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: 4 / 121
2- ينظر: تفسير الأمثل، الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط 1، 1434 ه - 2013 م: 16 / 329

وهنا ثمة كلمة فلا شك أن الشهادة ليست هدفا، بل الهدف هو الانتصار على العدو، وحراسة دين الله والحفاظ عليه لان علة خلق الإنسان هي العبادة قال تعالى في القرآن الكريم: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، وفي ذلك إيماء إلى أنّ الهدف الذي خلق من أجله الإنسان يستدعي البقاء لا الفناء وأن اعترته صور الإبادة وطرأت عليه من قبيل عروض الموت، إلا أن الحراس على دينهم - المجاهدين - يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد، بحيث إذا احتاج الحال بذل النفوس والدماء فإنهم لا يتأخرون عن بذلها، بل يبادرون إلى البذل والتضحية والإيثار، وهذا هو معنی کون الأمة منجبة للشهداء، لا أنهم يطلبون الشهادة كهدف نهائي(1).

وهناك نكتة تستحق الاهتمام، وهي أن للشهادة في ثقافة الإسلام معنيين مختلفين: معنی خاص، وآخر عام واسع، أما الخاص: فهو القتل في سبيل الله في معركة الجهاد، وله أحكامه الخاصة في الفقه الإسلامي، ومن جملتها أن الشهيد لا يغسل ولا يكفن، بل يدفن بثيابه ودمائه إذا توفي في ميدان المعركة!.

أما المعنى العام الواسع للشهادة، فهو أن يقتل الإنسان في طريق تأدية الواجب الإلهي، فإن كل من يرحل عن الدنيا وهو في حالة أداء هذا الواجب يعد شهيدا، ولذلك ورد في الروايات الإسلامية أن عدة فئات يغادرون الدنيا وهم شهداء.

والإنسان بحكم وجوده في الحياة وطبق الحكمة التكليفية مارس صراعاً عنيفاً بين جانبيها المتضادّين السلبي والإيجابي المتمثل بالشر والخير، وجانب

ص: 66


1- ينظر: تفسير الأمثل: 16 / 329

الخير في المقاييس الإلهية راجح باعتبار الأهمية والأثر، قال تعالى: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(1).

ومجاهدة الباطل يمكن تمثلها من خلال نمطين: الأول: الجهاد بصورته المباشرة ضد الأعداء ومكانه ساحات القتال، وجبهات الدفاع عن كيان الأمة والدين، والثاني: متمثل بدفع الشبهات ومحاربة النعرات والإشاعات التي تسدل غيوم التجهيل بحقيقة الدين عامة، وتهدف إلى تغييب وتفتيت دور أهل البيت ومكانتهم في الإسلام ورعايته بصورة خاصة، وإذ ذاك فبناء المجتمع وتطوره وتحرره من أدران الاستعباد مرهون بنمطي الجهاد، ولربما كان الجهاد غير المباشر لا يقل أهمية عن الأول؛ لأن العدو فيه غير ظاهر، وهذا متمثل بالحرب الإعلامية وتسميم الفكر، التي هي وسيلة لتغيير العقائد وتشويهها ثم انحلال المجتمع وفك أواصره، وأدواته متوفرة وقد عُدّت بإحكام لاستهداف الإسلام عامة، والمذهب الشيعي بصفة خاصة.

وقد عمل صاحبنا سهل بن حنیف بهذين المستويين، وهو جمرة تستعر تحت الرمضاء، تتقد كلما لامستها رياح الحاجة، ودعتها غصون الولاء، فنراه مجردا سيفه مجاهدا في سبيل الإسلام جنبا إلى جنب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ووصيه الإمام علي (عليه السلام) والصحابة الصالحين الأبرار، فحمل نفسه على راحته في ساحات الوغى، وجاد بها هبة خالصة للدين، والجود بالنفس أسمى غاية الجود، وقد بنی منطلقاته - سهل بن حنيف - على مرتكزات أساسية وحقه، ينبغي أن يعيها كل من يتطلع إلى الجهاد في سبيل

ص: 67


1- الإسراء: 81

الله عزّ وجل، ومنها: قدسية الهدف، والموت على طريق تحقيق هذا الهدف المقدّس أيان كان في سبيل اللهّ، وأن تكون الشهادة قد تمّت عن علم ووعي.

وإذا كان هذا الوجه المشرق للشهيد الذي قدم حياته دفاعا عن الحق فينبغي ألا نغفل الوجه الإجرامي البشع المبتذل للقاتل الذي يقابله أو يتحوقل معه في الموقع نفسه، وهذا مبني على وعي المجاهد ودقة تمييزه بين طريق الحق وطريق الباطل، وينبغي استلهام عبر الماضيين وترجمتها في سلوك الحاضر، والمجتمع الإسلامي عصرئذ حافل بالمواقف المماثلة لواقعنا المعاصر، وخير مثال ما نحن بصدده، إذ جاهد الصحابي سهل بن حنیف مذ برقت القدحة الأولى للإسلام جنبا إلى جنب مع الصحابة السابقين، وبمرور الزمن تخلف من كان يجاهد في صفه وأصبح يقف في الطرف الآخر ممنِّيا نفسه بأمانيّ دنيوية وأحلام جانبت الصواب اتخذت من خسران الدنيا ثمنا لها، ومثال ذلك أشهر من أن يشار إليه كما هو ملاحظ في حرب الجمل وصفين والنهروان، فالجهاد وتقديم النفس للقتل ينبغي أن يكون على يقين الهدف المبني على مرضاة الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله)، وآله الطيبين (عليهم السلام)، حتى يتكلل بالفوز الذي وعدهم الله سبحانه به وأعده للشهيد، فهذا النوع من الموت هو وحده الذي يفيض على الحياة عظمة وقدسية وأهمية، قال عز وجل في ذلك: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1)، وقال عز وجل:

ص: 68


1- التوبة: 111

«فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا»(1)، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»(2).

ولأهمية ذلك العطاء والجهد امتدح اللهّ سبحانه أصحابه والمتلبّسين به، بقوله: «لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا»(3)، ويتسلسل القرآن الكريم بتقديم صورا متماسكة ومتتابعة عن الدرجات المتتالية التي يوظفها المؤمن بغية الارتقاء إلى رضا المعبود، ومصداق ذلك يمكن أن نستشفه من قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ»(4)، إذ فيها إشارة إلى مستويات من الطاعة:

ص: 69


1- النساء: 74
2- الصف: 10 - 13
3- النساء: 95
4- الأنفال: 74

1 - الذين آمنوا: انطلق النص المبارك من مسلمة الإيان في بيان مراتب الفضل والجهاد؛ لأن الإيمان أساس كل عمل، فكل سلوك يصدر من رغبة الفرد نابع من إيمانه واعتقاده الجازم بصحته أو صدقه، ولربما هي إشارة إلى تنقية النفس من الداخل وبنائها بناء سليماً على وفق أصول عقدية صحيحة ثم الانتقال إلى الخارج ومجابهة الظروف والموانع التي تحول من دون تحقيق هذه الأهداف أو تلك العقائد، وقد عالج القرآن الكريم هذه المسألة، بقوله تعالى: «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ»(1). وكل ما كان الشخص قائمًا على استعداد نفسي رصين كلما استطاع الصمود أكثر ضد التيارات الفكرية والقهرية التي تحول من دون تحقيق أهدافه وتجاوزها.

2 - وهاجروا: وهنا إشارة إلى سلوك آخر يعد انعكاسا لإصرار المؤمن في الحفاظ على معتقده وتوجهاته الخالصة لله سبحانه، فالجميل في هذا الهدف انعدم المقايسة بين ما يبذله المؤمن في سبيل الله والجزاء الذي ينتظرهم على أعمالهم، قال تعالى: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا»(2) فيكون موقف التكريم لهم بالهدوء والاطمئنان، فقال سبحانه: «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا»(3) إذاً هي هجرة خالصة لله تمثلت بالانتقال من دار الذل والهوان إلى مقام العز والرفة

ص: 70


1- الرعد: 11
2- الاحزاب: 39
3- الأحزاب: 44

والسبق بالرغم مما يعتورهامن مشقة وجهد، قال تعالى: «وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا»(1) ولنا بالمهاجرين الأولين عبرة وعلى رأسهم سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، قال تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ»(2).

3 - الذين آووا ونصروا: فالإسلام يهدف إلى إنشاء مجتمعا متماسکا، كالجسد الواحد إذا تداعی منه عضو واحد تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وبه فإن الذين يهاجرون في سبيل الله تاركين خلفهم كل غال وثمين لا عن جرم سوى أنهم قالوا ربنا الله، وما تلزمهم هذه العبارة من طقوس التوحيد و طاعة أولي الأمر الذين فرض الله سبحانه طاعتهم وأوكل إليهم رعاية دينه، وفي المقابل هناك من دورهم لا يقل عن هذا المستوى، وأقصد من احتضن انصار الله سبحانه ونبيه وقاسمهم مايملك بغية استكمال الطريق والبلوغ إلى الهدف المنشود وهو إعلاء راية الإسلام واستتبابه، قال تعالى:

«وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(3).

ص: 71


1- النساء: 100
2- الحشر: 7
3- الحشر: 8

فاللهّ عز وجل هنا يحث عبادة المؤمنين الثابتين الصادقين بقوة القرآن البيانية وأسلوبه الجذّاب، ويُطَمْئِنهم بحسن الخاتمة والعاقبة، ويؤكد على ذلك بشتّى الأساليب والعبارات المؤدية إلى اليقين القلبي بتلك النهاية السعيدة.

ولا نغلو إن قلنا إن الصحابي سهل بن حنیف (رضوان الله عليه) تجسدت بشخصيته هذه الأناط حتى لاحت واضحة للعيان، فهو من راسخي الإيمان والتقوى ومواقفه التي تظهر هذا الجانب كثيرة في الإسلام وقبله على ما سيأتي بيان بعضا منها.

وتمثلت الهجرة عنده بالرقي من موبقات الدنيا الدنية إلى سيا الدين وعبق الولاء، وتربعت منقبة الجهاد بكل أبعادها وحيثياتها في نفسه، فكان من السابقين والثابتين مع رسول الله ومن الذين تناط بهم حمل الرايات في المعارك، وقد اشتهر بمهارته في رمي النبل، حتى قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «نبلوا سهلا فأنه سهل»(1)، إذ قال ابن سعد: وَثَبَتَ سهل بن حنيف مَع رَسُول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أُحُدٍ، وَبَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَجَعَلَ يَنْضَحُ يَوْمَئِذٍ بَالنَّبْلِ عَنْ رَسُولِ (اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ)

ص: 72


1- المغازي، ، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوف: 207 ه)، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي - بيروت، ط 3، 1409 / 1989: 1 / 253، وينظر: تاريخ الطبري: 11 / 512، والمستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفي: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1911 - 1990: 3 / 462، و کوثَر المَعَاني الدَّرَارِي في كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري، محمَّد الخَضِر بن سید عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354 ه)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1415 ه - 1990 م: 2 / 265

فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): «نَبِّلُوا سَهْلًا فَإِنَّهُ سَهْلٌ»(1)، وكان من الثابتين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد إلى جنب الإمام علي (عليه السلام) والثلة الطيبة من المهاجرين، أما الموآواة فهو أهلها بوصفه من المدينة من قبيلة الأوس(2)، وبعد هذه المناقب الأساسية التي تحلابها الصحابي سهل بن حنيف فيقينا قد جنى منقبة النصرة لدين الله ورسوله و وصيه فاستحق الموافاة، التي وعدها الله المتقين.

ب - روي عن البيهقي وابن عساكر عن سهل بن حنیف أيضا أنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم(3).

وهنا كان الصحابي سهل بن حنیف مصورا لسلوك الرسول (صلى الله عليه وآله) ليكون مصداقا للمبادئ الإسلامية، وعليه ينبغي بالفرد المسلم عامة، والمسؤول خاصة أن يعيد المحتاج ويأخذ بيد الضعيف وهو من

ص: 73


1- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2، 1413 ه - 1993 م: 3 / 596
2- ينظر: المعرفة والتاريخ: 1 / 337
3- ينظر: الآداب للبيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخروجردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه)، اعتني به وعلق عليه: أبو عبد الله السعيد المندوه، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت - لبنان، ط 1، 1408 ه - 1988 م: 1 / 411، و سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفي: 942 ه)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط 1، 1414 ه - 1993 م: 7 / 40، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 ه)، دار الفکر، بیروت - لبنان، ط 1، 1922 ه - 2002 م: 9 / 3717

أولويات دوره و مسؤوليته التي يحتمها عليه منصبه، فنقل لنا الصحابي سهل بن حنيف هنا أفعال الرسول الكريم لتكون لنا منارا نقتدي به، ونقتفيه في أعمالنا ونجعله عنوانا لأخلاقنا.

ج - روي أيضا أن سهل بن حنيف وقيس بن سعد كانا قاعدين بالقادسية، فمرّوا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لها: إِنّها من أهل الأرض، أي من أهل الذمّة، فقالا: إِنّ النبي (صلى الله عليه وآله) مرّت به جنازة فقام، فقيل له: إِنّها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً(1).

إذ تتجلى في هذا الحديث قمة الإنسانية، واحترام وجودها، فهذا منطق الإسلام يرى للإنسان وحتّی لجنازته بأي ملة ودين كان حرمة وشأناً مالم يتجاوز على حقوق غيره، هذا وقد وجد اليهود والنصارى والمجوس في ظلّ الحكومات الإسلامية من كرامة العيش والحرمة في جميع مجالات الحياة: من السياسة والاقتصاد والحرّيّة في اكتساب العلوم والصنائع ما لم يجدوه في ظلّ الحكومات المسيحية وغيرها. وقد كانت الدول المسيحية في أروبا يستعبدون اليهود ويذلّونهم ويسومونهم سوء العذاب، وكانت البلاد الإسلامية ملجأً لهم وملاذاً يتمتعون فيها بأحسن ما كان يتمتع به المسلمون، كما شهدت بذلك التواريخ. ولكنّك رأيت في نهاية الأمر كيف جبروا ويجبرون إِحسان المسلمين إِليهم وكافؤوهم في مجازر فلسطين ولبنان، فنرجو من اللهّ العزيز المنتقم الجبّار أن يخذلهم ويضرب عليهم الذلّة والمسكنة بأيدي المسلمين(2).

ص: 74


1- ينظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل: 3 / 251، ودراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة، الشيخ المنتظري، مركز العالمي للدراسات الاسلامية، مكتبة الاعلام الاسلامي، ط 2، 1409: 2 / 724
2- ينظر: دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، الشيخ المنتظري: 2 / 725

د - عن سهل بن حنیف عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة»(1).

إذ يرشد الحديث النبوي الشريف إلى التكاتف والتعاون بين المؤمنين، والمتأمل في مصطلحات الحديث يجده قد حصر النصرة للمؤمن فقط، وهذا يكشف عن قول مضمر يحتم الدعوة إلى الإيمان، والعمل بمضامين الإسلام، فلو اقتصر التعاون والمساندة والمحبة بين المؤمنين لنُبِذَ الكافرون والمنافقون اجتماعيا، وأصبحوا أذلة لا ينصرهم أحد من المؤمنين، فينخزلوا بغَيِّهم وظلمهم فيقعدوا صاغرين لفقدهم ضابطة النصرة وشرطها.

ثم ذكر (صلى الله عليه وآله) شرط القدرة والإمكانية من النصرة حتى لا يكون حرج على المؤمن الضعيف، وفي ذلك غاية التكريم للمؤمنين، وفي ذلك بناء المجتمع وتوطيد العلاقات الاجتماعية بين طبقاته، فلو التزم المسلمون بنماذج معدودة من أحاديث الدوحة المحمدية لكانت كفيلة بنجاتهم، وتوطيد كيانهم، ورصانة قوتهم، فيجنون خير الدنيا والآخرة، وهذه أهم ميزة تميز الحديث النبوي الشريف فهو ينظم حياتك الدنيوية ويسمو بك لنيل نصيبك الأوفر من الآخرة.

ص: 75


1- مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفی: 2461 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421 ه - 2001 م: 25 / 361

ثالثًا: جهاده

اشارة

الجهاد مفهوم إسلامي، وهو فرض على المسلمين ويعد من أعظم الطاعات وأفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز فقال: «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ»(1)، والجهاد في سبيل الله متمثل في جهاد النفس في تعلم الدين، والدعوة إليه، وتطبيق أحكامه وتعاليمه، وجهاد النفس، وجهاد المنافقين والكفار الذي يحصل باللسان، والنفس، والقلب، والمال، وجهاد أصحاب المنكرات والظلم والبدع، وجهاد الشيطان الذي يقوم بدفع ما يلقى على البشر من شهوات وشبهات، وقد أثنى الله تعالى على الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، ووصف المجاهدين فقال تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»(2). وندب إلى جهاد الأعداء ووعد عليه أفضل الجزاء(3).

والجهاد في اللغة: (جهد: الجَهْدُ والجُهْدُ: الطَّاقَةُ، تَقُولُ: اجْهَد جَهْدَك ؛ وَقِيلَ: الجَهْد الْمَشَقَّةُ والجُهْد الطَّاقَةُ. اللَّيْثُ: الجَهْدُ مَا جَهَد الإِنسان مِنْ مَرَضٍ أَو أَمر شَاقٍّ، فَهُوَ مَجْهُودُ)(4)، يقال: جاهدت جهادا أي بلغت المشقة.

ص: 76


1- الحج: 78
2- الصف: 4
3- ينظر: المستطرف في كل فن مستطرف، شهاب الدین محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي أبو الفتح (المتوفی: 852 ه)، عالم الكتب - بيروت، ط 1، 1419 ه: 1 / 223
4- لسان العرب: 3 / 133

وفي الشرع: هو بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفسَّاق. فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بهاثم على تعليمها، وأما مجاهدة الشيطان فعل دفع مايأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات، وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب، وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب(1).

وقد شرع سهل بن حنيف بمجاهدة الكفار مذلاح فجر الإسلام إذ عمد إلى أصنام قومه وأخذ يحطمها في كل ليلة، وهذا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ما فتئ يذكر له هذه المنقبة، وتفصيل ذلك عندما هاجر الإمام علي (عليه السلام) وأقام بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنزل معه على کلثوم بن هدم. فكان (عليه السلام)، يقول: كانت بقباء امرأة لا زوج ها، مسلمة، قال: فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه . قال: فاستربت بشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة، فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو، وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنیف بن واهب، قد عرف أني امرأة لا أحدلي، فإذا أمسي عدا على أوثان قومه

ص: 77


1- ينظر: نيل الأوطار، الشوكاني (المتوفى: 125 ه)، دار الجيل، بیروت، لبنان، (د. ط)، 1973 م: 8 / 26، وينظر: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تألیف شیخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي (المتوفى: 1299 ه)، حققه وعلق عليه: الشيخ حيدر الدباغ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 2، 1433 ه: 22 / 5

فكسرها، ثم جاءني بها، فقال: احتطبي بها، فكان الإمام علي (عليه السلام) يأثر ذلك من أمر سهل بن حنیف، حين هلك عنده بالعراق(1).

وقد دلت المصادر التاريخية أن سهل بن حنیف قد شارك مع الرسول (صلى الله عليه وآله) في المشاهد جميعها، وقد سرد الواقدي أسماء غزواته (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب المغازي وهي(2):

1. غزوة الأبواء 2. غزوة بواط 3. غزوة بدر الكبرى 4. غزوة ذات العُشير 5. غزوة القينقاع 6. غزوة السويق 7. غزوة قرارة الكَدر 8. غزوة غطفان 9. غزوة بني سليم 10. غزوة أَحد 11. غزوة حمراء الأسد 12. غزوة بئر معونة 13. غزوة الرجيع 14. غزوة بني النضير 15. غزوة بني الموعد 16. غزوة ذات الرقاع 17. غزوة دومة الجندل 18. غزوة المريسيع 19. غزوة الخندق 20. غزوة بني قريظة 21. غزوة القرطاء 22. غزوة بني لحيان 23. غزوة الغابة 24. غزوة الحديبية 25. غزوة خيبر 26. غزوة القضية 27. غزوة مؤتة 28. غزوتة ذات السلاسل 29. غزوة الفتح.

وكان سهل بن حنيف في مقدمة القوم، ومن أصحاب الرايات الذين یقع على عاتقهم القيادة وتحمل المسؤولية.

ص: 78


1- ينظر: السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213 ه)، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، (د. ط)، (د. ت): 2 / 99 - 100
2- ينظر: المغازي: 1 / 7

أ - موقفه البطولي في معركة بدر الكبرى

لو تصفحنا المصادر التاريخية لوجدناها تؤشر أولى مشاركة سهل بن حنيف في معركة بدر، فمن (أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم سهل بن حنيف الأنصاري، بدري شهد الجمل وصفين)(1) وقد روي عنه نه قال: لقد رأيتنا يوم بدر أن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه(2)، وهذا مصداق قوله تعالى:

«وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ»(3).

فالآيات المباركات تفيض بالأنفاس الإيرانية والرعاية الإلهية التي خُصَّ بها أصحاب بدر، إذ (كَانَ النَّاسُ يَوْمَ بَدْرٍ يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبٍ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَعَلَى الْبَنَانِ مِثْلَ سِمَةِ النَّارِ قَدْ أُحْرِقَ بِهِ)(4)، وروي أَنَّ

ص: 79


1- شرح صحيح البخاري لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفي: 449 ه)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، ط 2، 1423 ه - 2003 م: 3 / 315
2- ينظر: المعجم الكبير، للطبراني (ت: 360 ه)، تحقيق: حمدي عبد المجيد، دار احیاء التراث العربي، (د. ط)، 1405 ه - 1980 م: 6 / 74
3- آل عمران: 123 - 125
4- الجامع لأحكام القرآن، تفسير القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671 ه)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم اطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 1، 1384 ه - 1994 م: 4 / 194

النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله) قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «هَذَا جِبْرّیلُ، آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الحَرْبِ»(1).

وقال بعضهم: (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ وَكَانَتْ عَلَامَةُ ضَرْبِهِمْ فِي الْكُفَّارِ ظَاهِرَةً، لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ أَصَابَتْ ضَرْبَتُهُمُ اشْتَعَلَتِ النَّارُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْفَائِدَةُ فِي كَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ لَتَسْكِينِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)(2)، وبذلك يكون إمداد الله تعالى للمؤمنين بالملائكة أمرا قطعيا ثابتا لا شك فيه، وأن الحكمة من هذا الإمداد تحصيل ما يكون سببًا لانتصار المسلمين، وهذا ما حصل بنزول الملائكة، فقد قاموا بكل ما يمكن أن يكون سببا لنصر المسلمين: من بشارتهم بالنصر، ومن تثبيتهم بما ألقوه في قلوبهم من بواعث الأمل والغلبة، والنشاط لقتال الأعداء، وبما أظهروه لهم من أنهم مسددون من الله سبحانه وتعالى، وأيضا بما قام به بعضهم من الاشتراك الفعلي في القتال، ولا شك أن هذا الاشتراك الفعلي في القتال قوی قلوبهم وثبتهم في القتال(3)، وهذا ما دلت عليه الآيات وصرحت به الأحاديث النبوية، ومنها قَوْلُهُ تَعَالَى:

«إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ»(4)،

ص: 80


1- الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1422 ه: 5 / 81
2- الجامع لأحكام القرآن، تفسير القرطبي: 4 / 194
3- ينظر: السِّيرةُ النّبوية - عرضُ وقائع وَتحليل أحدَاث، عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي. دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط 7، 1429 ه - 2008 م: 412
4- الأنفال: 9

وَقَوْلُهُ: «أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ»(1)، وَقَوْلُهُ: «بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ»(2)، فصبَر المؤمنون يوم بدر واتقوا الله فأمدهم الله بخمسة الاف من الملائكة(3).

فأي تکریم حُفَّتْ به هذه العصابة المجاهدة، التي شاركتها ملائكة الرحمن لتقاتل معها جنبا إلى جنب، من أجل إعلاء راية الحق، وتثبيت دعائم الإسلام، ولا سيما أنه اللقاء المصيري الأول بين المسلمين والمشركين، وقد کسب سهل بن حنیف شرف هذه المنقبة، وأشدد عليها حيازيمه ليرعاها بعيدا عن طالعها الدنيوي، فكان هدفه مجاهدة أئمة الكفر الذين فرض الله مجاهدتهم، واستمر على هذا النهج ولم يلبس سيرته دنس التقلب والنفاق، ولم يقدم نفسه على غيره من المجاهدين الأولين، لذلك أشارت إليه الأنامل بالعفة والفضل من غير منازع أو اختلاف، بل نجده سائرا تحت راية الحق وطاعة أولياء الله سبحانه بعدما أيقن أن فيهم خير دينه ودنياه.

والجدير بالذكر أن الحرية التي يتمتع بها المسلمون في المدينة، والحيلولة من دون وصول مضايقات متنفذي قریش لهم، وفرت لهم مساحة لا بأس بها لممارسة طقوسهم العبادية، بروية وتفكر، وقد انعكس أثرها على واقع الحياة في المدينة، ومن تجلياتها إصدار القوانين التي تنظم الواقع المدني بما

ص: 81


1- آل عمران: 124
2- آل عمران: 125
3- ينظر: الجامع لأحكام القرآن: 4 / 194

يتلاءم وأهداف الدين الإسلامي وثوابته کوثيقة المدينة وغيرها من الأسس التي وضعها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي يتولى التخطيط بنفسه، ويضع العلامات التي يجب اعتمادها في العمل، ومراعاة إشاراتها ودلالاتها، ولعل في ذلك إشارة إلى أن هذا التخطيط إنما یمارسه أو يوافق عليه من له القرار الأول في الدولة، إما بالمباشرة، أو بانتداب من يقوم بهذا الأمر، فالنبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي اختط بالفعل أسواق المدينة، واختط مساجد كثيرة فيها، وكان يعين المحراب في المسجد بواسطة خشبة يغرزها في موقعه، فأنشئت المساجد، وأُذِّنَ للصلاة في حرية، ولكن على القارئ أن لا يفهم من هذا أن العداوة للإسلام قد زالت. ففيها تمتّع المسلمون بكامل الحرية الدينية ضمن أسوار المدينة المنورة كانت نار الحقد تتقد بالعنف نفسه، في قلوب الملكيين، إذ كانت العداوة لا تفتأ تزداد حدّة وانتشاراً وليس ذلك بعجيب، فيوم هاجرت عصبة صغيرة من المسلمين إلى الحبشة استبدّ الحقد بقريش إلى حد جعلها لا تدعهم وشأنهم هناك، فتعقّبتهم حتى بلاط النجاشي لكي تقضي عليهم قضاء مبرما(1).

وأخيرا اشتعلت نار الحرب، فالتقى أبطال الإسلام بجيش الشرك والكفر، ووقف حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) الذي كان أصغر المقاتلين سنا، وجها لوجه مع صناديد قريش وقتلوا من بارزهم

ص: 82


1- ينظر: بحار الأنوار: 19 / 28، و تخطيط المدن في الإسلام، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، ط 1، 1430 ه - 2009 م: 24

فانهار ما تبقى من معنويات العدو، فأصدر أبو جهل أمرا عاما بالحملة، وكان قد أمر بقتل أصحاب النبي من أهل المدينة - الأنصار - وأن يؤسر المهاجرين من أهل مكة. فقال النبي لأصحابه: «غضوا أبصاركم وعضوا على النواجذ ولا تستلوا سيفا حتى آذن لكم»(1).

ثم مد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يديه إلى الدعاء، ورفع بهما نحو السماء، فقال: «يا رب إن تهلك هذه العصابة لم نعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد..»(2)، فهبت ريح عاصف على العدو، وكان المسلمون يحملون على عدوهم والرياح تهب من خلفهم بوجه العدو، وأثبت المسلمون جدارة فائقة، وكان في مقدم الصحابة مع الإمام علي (عليه السلام) الصحابي سهل بن حنیف (رضوان الله عليه)، الذي قاتل واستبسل دفاعا عن الدين، وتثبيت دعائمه، وصمدوا للقتال حتى قتلوا منهم سبعين (وأبي جهل من القتلى) وأسروا سبعين، وانهزم الجمع وولوا الدبر، ولم يقتل من المسلمين إلا نفر قليل، وكانت هذه المعركة أول مواجهة مسلحة بين المسلمين وعدوهم من قريش، وانتهت بالنصر الساحق، حقق بها سهل بن حنيف منقبة أخرى أضافها إلى مناقبه السابقة(3).

ص: 83


1- بحار الأنوار: 19 / 255
2- بحار الأنوار: 19 / 256
3- ينظر: تفسير الأمثل: 366 - 372

ب - موقفه البطولي في معركة أحد

أجمعت كتب التاريخ على أن سهل بن حنيف من الذين شهدوا أحدا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1)، وثبت فيها وبايع على الموت، وقد تميز بشجاعته وفتكه بالأعداء، ولا يخفى أن الشجاعة عماد الفضائل، ومن فقدها لم تكمل فيه فضيلة. ويعبر عنها بالصبر وقوة النفس. قال الحكماء، وأصل الخير كله في ثبات القلب والشجاعة عند اللقاء على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: إذا التقى الجمعان وتزاحف العسکران، وتكالحت الأحداق بالأحداق، برز من الصف إلى وسط المعترك يحمل ويکر وينادي: هل من مبارز. والثاني: إذا نشب القوم واختطوا ولم يدر أحد منهم من أين يأتيه، يكون رابط الجأش ساكن القلب حاضر اللب لم يخالطه الدهش ولا تأخذه الحيرة، فيتقلب تقلب المالك لأموره القائم على نفسه. ويضرب في وجوه القوم ويحول بينهم وبين عدوهم، ويقوي قلوب أصحابه، ويرجّي الضعيف ويمدهم بالكلام الجميل، ويشجع نفوسهم، فمن وقع أقامه ومن وقف حمله ومن كبابه فرسه حماه، حتی ييأس العدو منهم، وهذا أحمدهم شجاعة. وعن هذا قالوا: إن المقاتل من وراء الفارين كالمستغفر من وراء الغافلين، ومن أكرم الكرم الدفاع عن الحرم(2).

ص: 84


1- ينظر: الموطا، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (المتوفى: 179 ه)، تحقيق: محمد مصطفي الأعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية - أبوظبي - الإمارات، ط 1، 1425 ه - 2004 م: 6 / 56، و صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1422 ه: 5 / 83
2- ينظر: المستطرف في كل فن مستطرف: 1 / 223 - 224

وقد تجسدت هذه الصفات في الصحابي سهل بن حنیف (رضوان الله عليه) فهو من القادة الذين يحملون الراية في المعارك، ولا تخفي الخطورة التي ترافق حامل الراية؛ لأن العدو يتربص به فمتی نکس رايته بثّ الرعب ورجح كفة الغلبة له بتنكيسها، لذلك لا تُسلَّم الراية إلا للفرسان رابطی الجأش، ثابتي القلوب(1)، وقد نُقِل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال للإمام علي (عليه السلام): «لقد صدق معك القتال اليوم سهل بن حنیف»(2) أي في معركة أحد، وحتى وصف بأنه فارس أحد، وجعل ينضح بالنبل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَثَبَتَ سهل بن حنیف مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد، بعد إن انكشف من كان حوله من المسلمين ولازم الإمام عليا (عليه السلام) وبعض الصحابة الذين ثبتوا معهما في الدفاع عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم يقدمون أرواحهم دفاعا عن الإسلام وعن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم) قد ازدانت أجسامهم بالجروح، وتعطرت بعبق الدماء، بل مضي سهل بن حنيف إلى أبعد من ذلك وهو يبايع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الموت، فقال

ص: 85


1- ينظر: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفي: 845 ه)، تحقيق محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1420 ه - 1999 م: 1 / 325 - 326
2- المعجم الكبير: 11 / 200، وينظر: المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفى: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1411 - 1990 م: 3 / 27، وتخجيل من حرف التوراة والإنجيل، صالح بن الحسين الجعفري أبو البقاء الهاشمي (المتوفى: 668 ه)، تحقيق: محمود عبد الرحمن قدح، مكتبة العبيكان، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط 1، 1419 ه - 1998 م: 1 / 444

النبي (صلى الله عليه وآله): «نبلوا سهلا فإنه سهل»(1)، وكان من مشاهير الرماة وأثبتهم(2). وبهذه السيرة اختط في سجل حياته منقبة أخرى سجلها إلى جانب مناقبه السابقة.

ج - مشاركته في الجهاد ضدّ اليهود

عرف اليهود بعدائهم للدعوة الإسلامية ونقضهم العهود، وقد سبق أن عاهدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هجرته، ثم لم يلبثوا أن نقضوا العهد وانضموا إلى المشركين والمنافقين ضد المسلمين، ووقفوا محاربين لهم في غير غزوة(3)، فأنزل الله سبحانه: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(4).

قال أَنس: انصرفْنَا مَعَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من خَيْبَرَ وَهُوَ یُرِیدُ وَادِيَ الْقُرَى فلما انتهى إلى وادي القرى - وقد ضوى إليها ناس من العرب - استقبله اليهود بالرّمي، فعبأ الإمام علي (عليه السلام) أصحابه

ص: 86


1- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفي: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1411 - 1990 م: 11 / 472
2- ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفی عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1412 ه - 1992 م: 5 / 154
3- ينظر: فقه السنة، الشيخ سيد سابق، دار الكتاب العربي بيروت - لبنان، ط 3، 1397 ه - 1977 مك 2 / 616
4- التوبة: 29

وصفّهم للقتال، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عبّاد بن بشر. ثم دعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم، وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله فأبوا ذلك(1)، وبرز رجل منهم، فبرز إليه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقتله ثم برز آخر، فبرز إليه سهل بن حنيف الأنصاري فقتله، وبرز آخر وقتله أبو دجانة الأنصاري، حتى قتل منهم اثني عشر رجلا، کلما قتل رجل منهم دعی من بقي إلى الإسلام.

ولقد كانت الصلاة تحضر يومئذ فيصلي (صلى الله عليه وآله) بأصحابه، ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله، فقاتلهم (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى أمسي، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنم أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا، فأقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بوادى القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها، فلما بلغ بيهود تيماء ما كان من أمر خيبر وفدك و وادى القرى صالحوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الجزية(2).

ص: 87


1- ينظر: إمتاع الأسماع بها للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: 1 / 325 - 326
2- ينظر: المغازي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفى: 207 ه)، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي - بيروت، ط 1409، 3 - 1989: 2 / 710، وينظر: دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه)، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، ط 1، - 1408 ه - 1988 م: 4 / 270، و هاية الأرب في فنون الأدب، أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التيمي البكري، شهاب الدين النويري (المتوفى: 733 ه)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ط 1، 1423 ه: 17 / 269

ومن المعارك التي كان لسهل بن حنیف دور كبير فيها ما عرفت ب(سرية الفلس)(1)، إذ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) الإمام عَلِيّا (عَلَيْهِ

ص: 88


1- الفُلُسُ: بضم أوله، ويجوز أن يكون جمع فلس قياسا مثل سَقف وسُقف إلا أنه لم يسمع: فهو علم مرتجل لاسم صنم، هكذا وجدناه مضبوطا في الجمهرة عن ابن الكلبي فيها رواه السّکّري عن ابن حبيب عنه، ووجدناه في كتاب الأصنام بخط ابن الجواليقي الذي نقله من خط ابن الفرات وأسنده إلى الكلبي فلس، بفتح الفاء وسكون اللام، قال ابن حبیب: الفلس اسم صنم کان بنجد تعبده طيّء وكان قريبا من فيد وكان سدنته بني بولان. وقيل: الفلس أنف أحمر في وسط أجإ وأجا أسود، قال ابن دريد: الفلس صنم كان لطيّء بعث إليه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عليّا(عليه السلام)، ليهدمه سنة تسع ومعه مائة وخمسون من الأنصار فهدمه وأصاب فيه السيوف الثلاثة محذم ورسوب واليماني وسبی بنت حاتم، وقرأت بخط أبي منصور الجوالیقي في كتاب الأصنام قال: كان لطيّء صنم يقال له الفلس، هكذا ضبطه بفتح الفاء وسكون اللام، بلفظ الفلس الذي هو واحد الفلوس الذي يتعامل به، وقد ضبطناه عمن قدّمنا ذكره بالضم، قال عنترة، وكان الفلس أنفا أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له اجا كأنه تمثال إنسان وكانوا يعبدونه ويهدون إليه ويعثرون عنده عتائرهم ولا يأتيه خائف إلا أمن ولا يطرد أحد طريدة فيلجأ بها إليه إلا تركت ولم تخفر حويّته، وكان سدنته بني بولان، وبولان هو الذي بدأ بعبادته، فكان آخر من سدنه منهم رجل يقال له صيفيّ فاطّرد ناقة خليّة لامرأة من كلب من بني عليم كانت جارة لمالك ابن كلثوم الشّمخي وكان شريفا فانطلق بها حتى أوقفها بفناء الفلس وخرجت جارة مالك وأخبرته بذهاب ناقتها فركب فرساعريا وأخذ رمحا وخرج في أثره فأدركه وهو عند الفلس والناقة موقوفة عند الفلس، فقال: خلّ سبيل ناقة جارتي، فقال: إنها لربّك، قال: خلّ سبيلها، قال: أتخفر إلهك؟ فنوّله الرمح وحلّ عقالها وانصرف بها مالك وأقبل السادن إلى الفلس ونظر إلى مالك ورفع يده وهو يشير بيده إليه ويقول: یا ربّ إن يك مالك بن كلثوم أخفرك اليوم بناب علكوم و كنت قبل اليوم غیرمغشوم يحرّضه عليه، وعدي بن حاتم يومئذ قد عثر عنده وجلس هو ونفر یتحدثون بما صنع مالك وفزع من ذلك عدي بن حاتم وقال: انظروا ما يصيبه في يومه، فمضت له أيام لم يصبه شيء فرفض عديّ عبادته وعبادة الأصنام وتنصّر ولم يزل متنصرا حتى جاء الله بالإسلام فأسلم فكان مالك أول من أخفره فكان السادن بعد ذلك إذا طرد طريدة أخذت منه، فلم يزل الفلس يعبد حتى ظهرت دعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، فبعث إليه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فهدمه وأخذ سيفين كان الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان قلده إياهما يقال في اتخذم ورسوب، وهما اللذان ذكرهما علقمة بن عبدة، فقدم بهما إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فتقلد احدهما ثم دفعه إلى علي بن أبي طالب. ينظر: معجم البلدان: 4 / 273 - 274

السَّلَامُ) إلَى الْفَلْسِ لِيَهْدِمَهُ، فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ، لَيْسَ فِيْهَا مُهَاجِرٌ وَاحِدٌ، وَمَعَهُمْ خَمْسُونَ فَرَسًا وَظَهْرًا، فَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَجَنّبُوا الْخَيْلَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَاتِ، فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ، مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ وَلِوَاءٌ أَبْيَضَ، مَعَهُمْ القنا والسّلاح الظّاهِرُ، وَقَدْ دَفَعَ رَايَتَهُ إلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَلِوَاءَهُ إِلَى جَبّارِ بْنِ صَخْرٍ السّلَمِيّ(1).

ويتضح مما تقدم أن سهل بن حنیف قد ضرب صفحا عن الدنيا وملذاتها ومغرياتها، ولم تشغله تجارة ولا بيع، غير تجارة واحدة كرس حياته لها واجتهد بنيل أرباحها وهي التجارة مع الله سبحانه وتعالى، فكان من الذين «يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ»(2)، بصحبة نبيه الكريم ووصيه الأمين فكان لهم خير ناصح، وكاناله خير قرين.

وكان من ترفعه عن الدنيا وانشغاله بجهاد أعداء الله فقير معلوم کسبه وحالته الاجتماعية، الأمر الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يخصص له من الغنائم الخاصة بالمهاجرين، (فلم يُعْط رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) مَنْ أموال بني النَّضير أحدًا من الأَنْصَار، إلّا سهل بْن حُنَیْف،

ص: 89


1- ينظر: المغازي: 3 / 984 - 988
2- فاطر: 29

وأبا دُجَانة، سماك بن خراشة الأنصاري الذي تترّس على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصار النبل يقع على ظهره وهو منحن حتی کثر فيه(1). وكانا فقيرين(2).

د - تقدمه للصلاة بالمسلمين في أواخر حكم عثمان

رأينا في ما مضى قطوف الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري الدانية، وهي نظرةُ المنظر من أشجار قد نبتت في أرض الولاء، وسقيت بمناقب حسن الطاعة والاقتداء بالنبي الأكرم وأهل بيته الأتقياء، فبنى هذا الصحابي نفسه على المكرمات، وهو يغترف من معين العلم، والشجاعة، والإيمان، ولا غرابة أن نرى مناقب سهل تتابع في كل مرحلة، فهو رجل المرحلة، أعطى لكل موقف تعامله الخاص، ففي الميدان نجد سيفه وقوسه ينطق عن بلاغة شجاعته، وثباته، وفي المسجد نجد علمه ومعرفته تكشف عن وقاره، وفي الإدارة تمتزج عنده الحكمة وطاعة ولي أمر المسلمين في تنفيذ أحكام الشريعة والتعامل مع الناس، ومثل هذه الشخصية طبيعي بأن تُقدمَ للصلاة بالمسلمين في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد ذُکِرَ من كان يصلي بالناس وعثمان محصور، فقَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: جَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَذَّنَ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: لا انْزِلْ، اذْهَبْ إِلَى مَنْ يُصَلِّي، فَجَاءَ إِلَى الإمام عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَأَمَرَ سَهَلَ بْنَ حَنِيفٍ فصلي الْيَوْمَ الَّذِي حُصِرَ فِيهِ

ص: 90


1- ينظر: الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري (المتوفى: 1427 ه)، دار الهلال - بيروت (نفس طبعة وترقيم دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزیع)، ط 1، (د. ت): 247
2- ينظر: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3 / 596

الْحَصْرَ الأَخِيرَ، وَهُوَ لَيْلَةَ رَأَی هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ، فصلى بِهِمْ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ صَلَّى الإمام عَلِيٌّ (عليه السلام) الْعِيدَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ حَتَّى قتل(1).

وقال الزهري: صلى سهل بن حنيف، وعثمان محصور، وصلى يوم العيد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقال الحلواني: حدثنا المسيب بن واضح، قال: سمعت ابن المبارك يقول: ما صلى الإمام علیّ (عليه السلام) بالناس حين حوصر عثمان إلا صلاة العيد وحدها، فلما طال الأمر صلى أبو أيوب الأنصاري بالناس مُدَّة؛ لأن الأنصار لم يكن منهم أحد يدعي الخلافة، ثم كفَّ أبو أيوب، وصلى أبو أمامة بن سهل بن حنيف، وصلى بهم صلاة العيد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ لأنه لا يقيم الجمع والأعياد إلا الأئمة ومن يستحق الإمامة، وفعل ذلك الإمام علي (عليه السلام) لئلا تضاع سنة بلد الرسول(2).

وقيل: بل أمر الإمام علي (عليه السلام) سهل بن حنیف فصلّی بالنّاس من أوّل ذي الحجّة إلى يوم العيد، ثم صلّى الإمام عليّ (عليه السلام) بالنّاس العيد، وصلّى بهم حتى قتل عثمان(3).

ص: 91


1- ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والامم: 5 / 57، و التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفي: 463 ه)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، (د. ط)، 1387 ه: 10 / 293
2- ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفی: 449 ه)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد - السعودية، الرياض، ط 2، 1423 ه - 2003 م: 2 / 320
3- ينظر: نهاية الأرب في فنون العرب، أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التيمي البكري، شهاب الدين النويري (المتوفى: 733 ه)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ط 1، 1623 ه: 19 / 499

وهنا لابد من وقفة تأمل في فكر الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري، ونجيب عن سؤال مفاده: هل استوت هذه المناقب له عن محض صدفة، بحيث أصبح بدريّا، عقبيّا، احدیّا، من النقباء الاثني عشر، أم كان يكمن خلف ذلك استعداد نفسي، وصفاء قلبي؟.

إنَّ كل منقبة من مناقبة الخمسة(1)، تكلف صاحبها الكثير الكثير، ولا يخفى على القارئ الكريم كيف شق الإسلام طريقة في ظروف حالكة الظلمة، عصية المواجهة، اجتهد فيها المسلمون الأوائل في توطيد كيان الإسلام ونشر تعاليمه، فعندما نقرأ هذا العطاء ينبغي علينا أن نستجليه عبرة، وأن نعي الجهد والصبر والعمل المتواصل الذي يبذل في سبيل تحصيل هذه المراتب، وادراك عمق البصيرة التي كان يتمتع بها هذا الصحابي - سهل بن حنيف - ومن لفّ لفه وعدم مجانبة طريق الحق، واتباع الهوى، كما فعل غيره من شملهم مصطلح (الصحابة) وكيف غرتهم الحياة الدنيا فسعوا لها، يحدوهم أمل السلطة والسيادة، وضيعوا نصيبهم من الآخرة، وهذه الثنائية هي موضوع الفصل الثاني، الذي سيكشف عن الخط الذي يمثل امتداد النبوة ويسعى إلى تطبيق تعاليم السماء، والخط الآخر الذي يقف من دون تحقيق ذلك.

ص: 92


1- هنا ذكرنا أربع مناقب، لأن الخامسة هي موضوع الفصل الثاني

الفصل الثاني سيرة الصحايي سهل بن حنیف في خلافة الإمام علي (علیه السلام)

ص: 93

ص: 94

قال الإمام علي (عليه السلام) في وصف حب سهل بن حنيف له: «لو أحبني جبل لتهافت».

تروم الدراسة أن تعرض أهم المحطات التي استوقفت الصحابي سهل بن حنيف في مسيرة حياته، وهو يلازم النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعده وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد تكفل الفصل الأول ببيان ملازمته وحسن سيرته للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويتطلع هذا الفصل لبيان شق حياته الثاني وهو يعانق الولاء ويسير بسيرة الصالحين بعد النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الثلة من الصحابة المقربين، هم حواري آل البيت (عليهم السلام)، وبه فهم المخلصون الثابتون في المواقف الشداد أمام تيارات الانحراف الفكري وأهمها العقائدي، وآن للدراسة أن تكشف عن منقبة هذا الصحابي الخامسة وهو يتوجها بحب الإمام علي (عليه السلام) وطاعته التي بها يطيع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ثم تتجلى طاعة الله فيهم، وسيُقدم هذا العرض على مبحثين، يعرض الأول منهما جهاده مع الإمام علي (عليه السلام) بلسانه وهو يقف أمام تخوم الغاصبين يصدح بالحق المبين، على أن يعرض المبحث الثاني مواقفه في الحروب التي خاضها في زمن خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام).

ص: 95

ص: 96

المبحث الأول : مواقف الصحابي سهل بن حنيف النبيلة

اشارة

يشتمل هذا المبحث على طائفة من المواقف التي تفصح عن طيب السريرة لهذا الصحابي الجليل، نستهلها من نقطة إعلان الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وبحسب الآتي:

أولاً: روايته لحديث الغدير واللهج به باستمرار

اشارة

لا تقف مناقب سهل بن حنيف الأنصاري عند تقلده السيف ومجاهدة الكفار، بل نرى له مواقفا كان فيها لسانه لا يقل حدة عن سيفه في نصرة الحق ومساندة أهله، ومن تلك المواقف روايته لحديث الغدير في كل محفل يقتضي ذكره، عملا منه على إشاعة الحق والحيلولة من دون اندراسه، فكان جهده مدخورا لكل موقف يتطلب منه نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) جریا على طريق الحق، وعملا بما أوصى به الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وتأكيده على نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لأن في نصرته نصرة الدين، إذ الحق معه يدور أین ما دار، ولنا أن نتمثل في هذا الجانب تتابع وثبات سهل بن حنيف (رضي الله عنه) في رواية حديث الغدير والشهادة الأمير المؤمنين (عليه السلام) به عندما احتج به في تلك المواقف المعروفة وهي في زمن الانقلاب الذي قاده عمر بن الخطاب وأبو بكر، ومن لفّ

ص: 97

لفهم أمثال خالد بن الوليد وأبي عبيدة ومحاصرة مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليأخذوا البيعة ممن فيه من الصحابة، ويوم الشورى، وكذلك يوم الرحبة، وبحسب الآتي:

أ - من رواة حديث الغدير

يعد يوم غدیر خم حدثا مفصليا يمثل مرحلة الانتقال من عهد النبوة إلى عهد الإمامة في إدارة الإسلام، واستمرار حدود الله ونمائها وتطبيقها ورعايتها، ووقاية جسد الأمة الاسلامية من أدران الجاهلية والاستبداد الذي عانته الإنسانية التي من أبسط مظاهره العبودية المباشرة وغير المباشرة، وغيرها من مظاهر التخلف التي كانت سائدة عصرئذ، فحاربها الإسلام وحول شبه الجزيرة العربية من جاهلية عمياء إلى أمة متحضرة تعمل بتعاليم الله، وعليه فعند الحديث عن حدث الغدير وما جرى فيه من مراسم مقصودة أدَّاها الرسول (صلى الله عليه وآله) مع الحجيج، فهو حديث عن المرحلة الانتقالية من مرحلة الوحي والنبوة إلى مرحلة الإمامة، وبمعنى آخر يمكن القول إنها تمثل مرحلة انتقال من عصر التنزيل إلى عصر التأويل، والشخصية المؤهلة لأن تخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمته هو الإمام علي (عليه السلام) لما اشتمل عليه من مناقب وشمائل رفعته لأن يكون صنو الرسول وسنخه، وذكر هذه المؤهلات لا ينفي کون تنصيب الإمام علي (عليه السلام) كان بأمر من الله سبحانه وتعالى فكان مصداقه قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ

ص: 98

وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(1)، وبعد أن امتثل الرسول (صلى الله عليه وآله) وبلغ ما أمر به الناس، نزل قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»(2)، فكمال الدين الذي حرص النبي (صلى الله عليه وآله) على نشره وتوثيقه بين الناس، وتمام النعمة متوقف على تبليغ الرسول بالولي من بعده لتبدأ مرحلة المتابعة والصيانة للدين بعد أن اكتمل بنيانه في عصر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ولو عمل المسلمون آنذاك بهذا العهد، ولم يخالفوا ما أقره لهم الرسول الاكرم في يوم الغدير لكانوا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهی عن المنكر، ولما ابتليت الأمة الإسلامية بالمصائب ولما عانت الآفات الاجتماعية والسياسية التي صدعت جسد الإسلام وأخرت مسيرته الباءة.

وهناك ثلة من الصحابة كان ديدنهم الهتاف بأنغام حديث الغدير والالتزام بتعاليم الرسول وإقراره، فلهجوا باسم الوصي، ودعوا لمبايعة الولي ليلا ونهارا، ولا نقول سرّا بل جهارا على رؤوس الأشهاد وفي المساجد محاولين تطبيق أمر السماء، وارجاع الحق لأهلة بعد أن ضيعه طائفة من المسلمين تحدوهم أطماع السلطة على حساب مصلحة الدين والمسلمين، فقدموا المفضول على الفاضل، وتساقفوا أمرهم بينهم، وتركوا المنصوص عليه بالتنزيل، وتجاهلوا قول من لا ينطق عن الهوى، وكان الصحابي سهل بن حنيف من المخلصين في محبّة أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وذي علم وعقل ورياسة وفضل، إذ كان من رواة حديث الغدير من الصحابة البدريين، وعده الجزري أيضا في أسنی

ص: 99


1- المائدة: 67
2- المائدة: 3

المطالب من رواة حديث الغدير من الصحابة، وليس هذا فحسب بل حدّث عنه ابناه: أبو أمامة، وعبد الله، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ويُسيْر بن عمرو، وعُبَيْد بن السّبّاق، وآخرون(1). وأهمية رواية حديث الغدير تكمن في التذكير الدائم بحق الوصي ليعلم المسلمون تكليفهم الشرعي تجاهه، ومن ثم العمل به، ولا تخفي الآثار التي تبتني على إشاعته ومعرفته ومن أهمها عدم تناسيه واندراسه؛ لأن حديث الغدير هو نقطة انطلاق الإمامة، والإمامة لا يحدها زمان ولا يحصرها مكان إلى يوم الدين، وحديث الثقلين يؤكد ذلك، ففضل رواية هذا الحديث باستمرار جيلا بعد جيل من الحتميات التي لا مناص لمسلم من الوقوف عليها، وتمثلها تمثل حاذق فاهم ليرى أين كانت الأمة الاسلامية، وإلى أين اتجهت؟، وبعدها يحاكم نفسه ويختار لها القرين الذي فيه خلاصه، ولا ينبغي السير مقيودا للمواريث العقدية أو العرفية التي وجد نفسه شابا عليها بل عصر التمحيص والتدقيق في قضايا الدين الأساسية لا تسامح بها لأنها الأساس الذي تصدر عنه أعمال الناس، فرواية حديث الغدير وغيره من الأحاديث التي تخط طريق النجاة من الفضائل المهمة التي تنير الطريق للأجيال ومن ثم نجاتهم في الدنيا والآخرة.

ب - شهادته لأمير المؤمنين في يوم الرحبة

ومن المواقف التي خلدها هذا الصحابي الجليل مع أمير المؤمنين (عليه السلام) شهادته له بحديث الغدير في يوم الرحبة، فكان ممن شهد للإمام علي (عليه السلام) في هذا اليوم(2)، إذ جمع الإمام علي (عليه السلام) (1) ينظر: الغدير: 1 / 45.

(2) ينظر: الغدير: 1 / 45.

ص: 100


1- ينظر: الغدير: 1 / 45
2- ينظر: الغدير: 1 / 45

الناس في الرحبة(1)، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول يوم غدیر خم ماسمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، قال أبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من کنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال أبو الطفيل، فخرجت وكان في نفسي شيئا - أي من عدم عمل جمهور الأمة بهذا الحديث - فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا يقول: كذا وكذا، قال زيد: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول ذلك له(2).

وجاء في مسند أحمد بن حنبل (حدثنا ابن نُمَيْر حدثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكِندي عن زاذان أبي عمر قال: سمعتُ عليا في الرَّحْبة وهو یَنْشُد الناس: من شهد رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - يوم غَدیر خُمّ وهو يقول ما قالِ؟ فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسولَ الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - وهو يقول: من کنتُ مولاه فعلى مولاه)(3).

کما لا يخفى على من تتبع السنن الواردة في مناشدة الرحبة، حكمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في نشر حديث الغدير وإذاعته، فسنة الله عز وجل،

ص: 101


1- رحب: ((الرُّحْبُ، بِالضَّمِّ: السَّعةُ. رَحُبَ الشيءُ رُحْباً ورَحابةً، فَهُوَ رَحْبٌ وَرَحِيبٌ وَرُحابٌ، وأَرْحَبَ: اتَّسَعَ. وَأَرْحَبْتُ الشيءَ: وَسَّعْتُه... يُقَالُ للصَّحْراءِ بَيْنَ أَفْنِيَةِ الْقَوْمِ والمَسْجِد: رَحْبَةٌ ورَحَبَةٌ؛ وَسُمِّیَتِ الرَّحَبَةُ رَحَبَةً، لسَعَتِها بِمَا رَحُبَتْ أَي بِمَا اتَّسَعَتْ. یُقَالُ: مَنْزِلٌ رَحِیبٌ وَرَحْبٌ. ورِحابُ الوادِي: مَسايِلُ الماءِ مِنْ جانِبَيْه فِيهِ، وَاحِدَتُهَا رَحَبةٌ. لسان العرب: 1 / 414 - 415
2- ينظر: الاستیعاب، ابن عبد البر: 2 / 663
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل: 1 / 442

التي لا تبديل لها في خلقه تقتضي تواتره مهما كانت هناك موانع تمنع من نقله على أن لأئمة أهل البيت طرقا تمثل الحكمة في بثه وإشاعته(1).

وأنت تعلم أن تواطؤ الثلاثين صحابيا على الكذب ما يمنعه العقل، فحصول التواتر بمجرد شهادتهم إذن قطعي لا ريب فيه، وقد حمل هذا الحديث، عنهم كل من كان في الرحبة من تلك الجموع، فبثوه بعد تفرقهم في البلاد، فطار كل مطير. ولا يخفى أن يوم الرحبة إنما كان في خلافة أمير المؤمنين، وقد بویع سنة خمس وثلاثين، ويوم الغدير إنما كان في حجة الوداع سنة عشر فبين اليومين - في أقل الصور - خمس وعشرون سنة، كان في خلالها طاعون عمواس، وحروب الفتوحات والغزوات على عهد الخلفاء الثلاثة، وهذه المدة - وهي ربع قرن - بمجرد طولها وبحروبها وغاراتها، وبطاعون عمواسها الجارف(2)، قد أفنت جل من شهد يوم الغدير من شيوخ الصحابة وكهولهم، ومن فتيانهم المتسرعين - في الجهاد - إلى لقاء الله عز وجل، ورسوله (صلى الله عليه وآله)، حتى لم يبق منهم حيا بالنسبة إلى من مات إلا قليل، والأحياء منهم كانوا منتشرين في الأرض إذ لم يشهد منهم الرحبة إلا من كان مع أمير المؤمنين في العراق من الرجال دون النساء، ومع هذا كله فقد قام ثلاثون صحابيا، فيهم اثنا عشر بدريا منهم سهل بن حنيف فشهدوا بحديث الغدير سماعا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وربِّ قوم أقعدهم البغض عن القيام بواجب الشهاد كأنس ابن مالك وغيره، فأصابتهم دعوة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولو تسنى له أن يجمع كل من كان حيا يومئذ

ص: 102


1- الاستیعاب، ابن عبد البر: 2 / 663
2- كان طاعون عمواس في سنة ثمان عشرة، وفيها كان عام الرمادة وطاعون عمواس، فتفاني فيها الناس. ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 96

من الصحابة رجالا ونساء، ثم يناشدهم مناشدة الرحبة، لشهد له أضعاف أضعاف الثلاثين، فما ظنك لو تسنت له المناشدة في الحجاز قبل أن يمضي على عهد الغدير ما مضى من الزمن؟ فتدبر هذه الحقيقة الراهنة تجدها أقوى دليل على تواتر حديث الغدير.

ثانيًا: اعتراضه على أبي بكر

اشارة

من شأن المواقف الحازمة، أن تكشف عن ذوي النفوس الأبية، والمعادن الأصيلة، تلك الشخصيات التي لا يهز ثباتها طمع، ولا يريبهم خوف، ونحن نشير هنا إلى الثلة الطيبة من الصحابة الذين حفظوا وصايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيِّه الإمام علي (عليه السلام) فكانوا للثبات رمزا، وللمعروف أهلا، صابرين على البلاء، وتمحيص الدنيا، رافعين راية الوفاء، متمسكين بسنن الدين، لم يتأخروا عن قول الحق أمام الظالمين، ونصرة الأولياء والصالحين، فقد روي عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنكر على أبي بكر فعله، وجلوسه مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: «نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنی عشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن یاسر، وبريدة الأسلمي، ومن الأنصار أبو الهشيم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري»(1).

ص: 103


1- بحار الانوار: 28 / 189

ولنقف في هذا الموضع عند الصحابي سهل بن حنیف ونتأمل ماجاد به لسانه، وهو يعبر عن عقيدته الصادقة، لبيان الحق لمن، فإن من تجليات الإيمان الرصين هي كلمة حق أمام سلطان ظالم، فقام سهل بن حنيف في ذلك الجمع والمسجد يموج بالمسلمين وقد علا رؤوس المنافقين الضلال، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي (صلى الله عليه وآله) فصلى عليه، ثم قال: (یا معاشر قریش اشهدوا علي أني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رأيته في هذا المكان، وهو يقول: أيها الناس هذا امامكم بعدي ووصيي في حياتي وبعد وفاتي، وقاضي ديني ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي، فطوبى لمن اتبعه ونصره، والويل لمن تخلف عنه وخذله)(1).

ويمكن للقارئ أن يستدل على كثرة الحضور من مفتتح الخطبة، إذ استهلها سهل بن حنيف بقوله: (يا معاشر قریش...) وهذا التعبير لا يطلق إلا على ذلك، ثم أن بوادر التحدي واضحة في هذا المقطع (اشهدوا علي أني أشهد...) الذي أن دلَّ إنما يدل على شجاعة هذا الرجل الذي لم تقف بوادرها عند اعتراضه، بل عمد إلى جعل قريش المتمثل فيهم أكثر الناكثين لعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الإمام علي (عليه السلام)، شهداء على قوله، فكانوا أول الناكثين والمنقلبين على أعقابهم، وهاهو سهل بن حنيف في مقدمتهم يخطب في جموع قريش يندد بهم ويحثهم على اتباع الحق والإذعان له.

وبعد هذا العرض انتقل الى سرد خمس مناقب للإمام علي (عليه السلام) ذکرها عن لسان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهي:

ص: 104


1- كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي (ت: 1098 ه)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مطبعة أمير، نشر المحقق، ط 1، 1418 ه: 241

- إمامكم بعدي.

- وصيي في حياتي، وبعد وفاتي.

- وقاضي ديني.

- ومنجز وعدي.

- وأول من يصافحني على حوضي.

ومن يدقق النظر يجد أن سهل بن حيف كان دقیقا في اختيار هذا القول؛ إذ قدم تسلسل منطقي أو طردي حملته متتاليات ألفاظه، فهو (صلى الله عليه وآله) ابتدأ بأهم ركن وهو (الإمامة) وهذا المصطلح توقيفي من السماء لا مصطلحا عابر يقتصر على من يؤم جماعة من الناس، وثم أردف بمعضد يقوي الخبر ويزيد الحجة فقال: و (وصيي في حياتي) وهذه العبارة على وجازتها تفتح الأفق على قراءة تداولية عميقة، والتاريخ حافل بالمواقف التي خلف فيها النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) وصيَّا يخلفه أو يحمل وصاياه وتبليغه إلى مناطق أخرى ويبلغ عنه ما يناط به من تکلیف، وإذا أردنا أن نورد بعض المواقف التي تؤكد ذلك، فأجدني مفتتحها ب:

1 - المبيت على فراش النبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)

أخذت قریش تكثر من اجتماعاتها بأعضائها الأربعين البالغين من العمر فوق الأربعين، ويتآمرون على المكر برسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتخيرون أيسر السبل وانجحها للفتك به، إلى أن شاركهم في احد اجتماعاتهم

ص: 105

جماعة (فلما صاروا إلى باب دار الندوة نظروا إلى شيخ لا يعرفونه في جماعتهم، فأنكروه وسألوه!، ممن هو؟، فقال: رجل من أهل نجد، بلغني ما اجتمعتم له فأردت أن أكون معكم فيه، وعسى أن لا تعدموني رأيا ونصحا، فقالوا: ادخل، فكان ذلك الشيخ - فيما ذكروا - إبليس اللعين لعنه الله تصور لهم)(1)، وأخذوا يتحاورون ويقترحون طرقا للخلاص من الدين الإسلامي والنبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن أشار عليهم بأن يجتمع من كل بطن من بطون قريش رجل شريف، ويكون معكم من بني هاشم واحد، فيأخذون حديدة أو سيفا ويدخلون عليه فيضربوه كلهم ضربة واحدة، فيتفرق دمه في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فما بقي لهم إلا أن تعطوهم الدية، فأعطوهم ثلاث دیات، قالوا: نعم وعشر دیات(2).

وقالوا بأجمعهم: الرأي رأي الشيخ النجدي - وهي الهيأة التي تمظهر بها إبليس - فاختاروا خمسة عشر رجلا فيهم أبو لهب على أن يدخلوا على رسول الله فيقتلونه، ثم تفرقوا على هذا وأجمعوا أن يدخلوا عليه ليلا وكتموا أمرهم، فقال أبو لهب: بل نحرسه فإذا أصبحنا دخلنا عليه، فباتوا حول حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأنزل الله سبحانه وتعالى على

ص: 106


1- تاريخ الطبري: 2 / 98، وينظر: شرح الاخبار، القاضي النعان المغربي (ت: 363 ه)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المقدسة، مطبعة مؤسسة النشر الاسلامي، ط 2، 1414 ه: 1 / 257، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي (597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1412 -1992 م: 3 / 46
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي (1111 ه)، مؤسسة الوفاء، بیروت - لبنان، ط 1403، 2 ه - 1983 م: 19 / 31

رسوله: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ..»(1). فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): يا علي إن الروح هبط علي هذه الآية آنفا، يخبرني أن قريشا اجتمعت على المكر بي وقتلي، وإنه أوحي إلي عن ربي عز وجل أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي وأنه آمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي - أو قال: مضجعي - لتخفي بمبيتك عليه أثرى، فما أنت قائل وصانع؟ فقال علي (عليه السلام): أو تسلمن بمبيتي هناك یا نبي الله؟ قال: نعم، فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكا، وأهوى إلى الأرض ساجدا، شكرا لما أنبأه به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلامته، فكان علي (عليه السلام) أول من سجد لله شکرا، و أول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما رفع رأسه قال له: امض لما أمرت، فداك سمعي و بصري وسويداء قلبي ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك(2) واقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله، وقال: وأن القي عليك شبه مني، أو قال: شبهي، قال: إن يمنعني نعم، قال: فارقد على فراشي، واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يابن أم وامتحنني

ص: 107


1- الأنفال: 30
2- مسر: قَالَ اللّيث: الْمَسُرْ: فعل الماسرِ، يُقَال: هُوَ یَمْسُرُ النَّاس، أَي: يُغْرِيهم. وَقَالَ غيرُه: مَسَرْتُ بهِ ومَحَلْتُ بِه، أَي: سَعَیْتُ بِهِ. الماسِرُ: السَّاعِي، وهنا لربما أراد الإمام (عليه السلام) اسعى فيما تأمرني به كسعيك لانجازه. تهذيب اللغة؛ محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370 ه)، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1، 2001 م: 12 / 294

فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم (عليه السلام) والذبيح إسماعيل (عليه السلام)، فصبرا صبرا، فإن رحمة الله قريب من المحسنين، ثم ضمه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صدره وبكى إليه وجدا به، وبكى علي (عليه السلام) جشعا لفراق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفرش له(1).

فنام (عليه السلام) على فراش رسول الله والتحف ببردته، وجاء جبرئیل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: اخرج والقوم يشرفون على الحجرة فيرون فراشه وعلي (عليه السلام) نائم عليه، فيتوهمون أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

فقال له جبرئیل (عليه السلام): (يا محمد، خذناحية ثور) وهو جبل على طريق منی له سنام کسنام الثور، فلما انتهى إلى ثور دخل الغار، فلما أصبحت قريش وأضاء الصبح وثبوا في الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي (عليه السلام) إليهم وقام في وجوههم فقال لهم: «مالكم؟».

قالوا: أين ابن عمك محمد؟ قال علي (عليه السلام): «جعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم له: اخرج عنا، فقد خرج عنكم، فما تريدون؟»(3).

ص: 108


1- ينظر: بحار الأنوار: 19 / 60
2- ينظر: إعلام الوری بأعلام الهدی، الشيخ الطوسي (ت: 548 ه)، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، مطبعة ستارة - بقم، ط 1، 1417 ه: 146- 147
3- قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي (ت: 573 ه)، تحقيق: الميرزا غلام رضا عرفانیات اليزدي الخرساني، مؤسسة الهادي للطباعة والنشر، ط 1، 1418 ه: 334

فأقبلوا عليه يضربونه، فمنعهم أبو لهب، وقالوا: أنت كنت تخدعنا منذ الليلة(1).

وما هذا الموقف إلا تجسيدا لفداء الرسول (صلى الله عليه وآله) وحماية الدين، فبات على فراش النبي (صلى الله عليه وآله) مع علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أن قريشا أغلظ الناس على رسول الله (صلى الله عليه وآله) و أقساهم قلبا، ولا يخفى على كل عاقل أن الاستسلام للعدو المناصب والمبغض المعاند الذي يريد أن يشفي نفسه ولا يبلغ الغاية في شفائها إلا بنهاية التنكيل وغاية الأذى بضروب الآلام وبذلك ثبت أن الفضيلة التي حصل عليها أمير المؤمنين عليه السلام ترجح على كل فضيلة، وبطل قول من رام المفاضلة بينه وبين أبي بكر من العامة والمعتزلة الناصبة له (عليه السلام). وبعد فإن الحجة إذا قامت على فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) على غيره، ولاح على ذلك البرهان وجب علينا القول به وترك الخلاف فيه ولم يوحشنا منه خلاف العامة الجهال، وليس في تفضيل سيد الوصيين وإمام المتقين وأخي رسول رب العالمین سید المرسلين ونفسه بحكم التنزيل وناصره في الدين وأبي ذريته الأئمة الراشدين الميامين على غيره من المتقدمين من الصحابة أمر يحيله العقل، ولا يمنع منه السنة، ولا يرده القياس ولا يبطله الاجماع، إذا عليه جمهور شیعته، وقد نقلوا ذلك عن الأئمة من ذريته، وإذا لم يكن فيه إلا خلاف الناصبة له أو المستضعفين ممن يتولاه لم يمنع من القول به(2).

ولا نريد الوقوف عند الفضيلة بقدر ما نريد بيان النكتة من هذا الحدث وكأني أرى فيه رسالة مذ فجر الإسلام من الرسول (صلى الله عليه وآله)

ص: 109


1- ينظر: إعلام الوری بأعلام الهدی: 147
2- ينظر: بحار الأنوار: 36 / 49

إلى الأجيال قاطبة أن الذي يحل محلي في حياتي وبعد مماتي هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإذ ذاك فالمسألة لا تحجم بإطار المبيت والاستعداد للتضحية بل علينا تبينها من منظور أوسع هو أن البديل والمكمل لخط النبوة هو خط الإمامة، لنصل إلى مسلمة مفادها: إذ كان محمد (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء، فإن عليا (عليه السلام) خاتم الأوصياء وسيدهم، وهذا ما يعلل قول الرسول الذي استشهد به الصحابي سهل بن حنيف لبيان أفضلية الإمام علي (عليه السلام) وحقه في الخلافة.

2 - وصيته للإمام علي (علیه السلام) بحفظ ذمته وارجاع أماناته (صلی الله علیه وآله وسلم).

ومن المواقف التي خلف فيها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) الإمام عليا (عليه السلام) هو ما عقب هجرته (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، إذ وصَّاه بحفظ ذمته وأداء أمانته، وكانت قريش تدعوا محمدا (صلى الله عليه وآله) في الجاهلية الأمين، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك، فأمر عليا (عليه السلام) أن يقيم صار خايهتف بالأبطح غدوة وعشيا: من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤد إليه أمانته، قال: فقال (صلى الله عليه وآله): إنهم لن يصلوا من الآن إليك ياعلي بأمر تكرهه حتى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما، فأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم(1).

ص: 110


1- ينظر: بحار الأنوار: 19 / 62

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) وهو يوصيه: فإذا أبرمت ما أمرتك من أمر فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم کتابي عليك ولا تلبث، و انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوجه يؤم المدينة. ولما ورد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة وألاصه(1) في ذلك، فقال: فما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي وأخي وابنتي، عليا وفاطمة (عليهما السلام)(2).

ثم كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) كتابا يأمره فيه بالمسير إليه، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي، فلا أتاه کتاب رسول الله صلى الله عليه وآله) تهيأ للخروج والهجرة، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين فأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا - إذا ملا الليل بطن كل واد - إلى ذي طوى، وخرج علي (عليه السلام) بفاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وقد قيل: هي ضباعة، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبو واقد رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم، فقال علي (عليه السلام) ارفق بالنسوة أبا واقد! إنهن من الضعائف، قال: إني

ص: 111


1- ألصتُ الرجلَ عَن كَذَا وَكَذَا، إِذا راودته عَنْهُ، ينظر: جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفى: 321 ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين - بيروت، ط 1، 1987 م: 2 / 898
2- ينظر: حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني، تحقيق: الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم إيران، ط 1، 1911: 1 / 150

أخاف أن يدركنا الطالب - أو قال: الطلب - فقال علي (عليه السلام): أربع عليك، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي: يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه، ثم جعل يعني عليا (عليه السلام) يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يرتجز ويقول(1):

ليس إلا الله فارفع ظنكا يكفيك رب الناس ما أهمك وسار فلما شارف ضجنان(2) أدركه الطلب سبع فوارس من قریش مستلئمين وثامنهم مولى الحارث بن أمية يدعی جناحا، فأقبل علي عليه السلام على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم فقال لهما: أنيخا الإبل وأعقلاها، وتقدم حتى أنزل النسوة، ودنا القوم فاستقبلهم علي (عليه السلام) منتضيا سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت أنك ياغدار ناج بالنسوة، ارجع لا أبا لك، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: لترجعن راغما، أو لنرجعن بأكبر شعرا، وأهون بك من هالك، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها فحال علي (عليه السلام) بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه، فراغ علي (عليه السلام) عن ضربته، وضربه علي (عليه السلام) على عاتقه، فأسرع السيف مضيا فيه حتى

ص: 112


1- ينظر: حلية الأبرار: 1 / 150، و
2- ضَجَنَانُ: بالتحريك، ونونين، قال أبو منصور: لم أسمع فيه شيئا مستعملا غير جبل بناحية تهامة يقال له ضجنان، ولست أدري ممّ أخذ، ورواه ابن دريد بسكون الجيم، وقیل: ضجنان جبيل على بريد من مکّة وهناك الغميم في أسفله مسجد صلّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وله ذكر في المغازي، وقال الواقدي: بين ضجنان ومكّة خمسة وعشرون ميلا، وهي لأسلم وهذيل وغاضرة، ولضجنان حديث في حديث الإسراء حيث قالت له قریش: ما آية صدقك؟ قال: لما أقبلت راجعا حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير فلان فوجدت القوم ولهم إناء فيه ماء فشربت مافيه، وذكر القصة. ينظر: معجم البلدان: 3 / 453

مس کائبة فرسه، فكان علي (عليه السلام) يشد على قدمه شد الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول(1):

خلوا سبيل الجاهد المجاهد آليت لا أعبد غير الواحد فتصدع القوم عنه، فقالوا له: اغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب، قال:

فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيثرب، فمن سره أن افري لحمه وأهرق دمه فليتبعني، أو فليدن مني، ثم أقبل على صاحبيه: أيمن وأبي واقد فقال لهما: أطلقا مطایاکما، ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان، بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله، فصلى ليلته تلك هو والفواطم: أمه فاطمة بنت أسد (رضي الله عنها)، وفاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفاطمة بنت الزبير، يصلون الله ليلتهم و يذكرونه قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر، فصلى علي (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة(2).

وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا

ص: 113


1- ينظر: الصحیح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): 2 / 183
2- ينظر: بحار الأنوار: 19 / 66

مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»(1) إلى قوله: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ»(2)، فالذكر: علي (عليه السلام)، والأنثى فاطمة (عليها السلام)، (بعضكم من بعض) يقول: علي من فاطمة أو قال: الفواطم، وهن من علي وتلا (صلى الله عليه وآله): «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(3)، قال: وقال له: يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتح الله قلبه للايان، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر(4).

وهذه المنقبة حسبك لم يسبقه (عليه السلام) من الصحابة إليها سابق، وهي تمثل الارتباط الروحي بين أنفاس النبوة والإمامة في أداء الواجبات وتعاقب الأدوار لنشر الدين الحنيف، ولسائل يسأل: أين كان أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن نصب له البغض، ومن قعد عن نصرته من هذه

ص: 114


1- آل عمران: 191
2- آل عمران: 195
3- البقرة: 207
4- ينظر: بحار الأنوار: 19 / 65 - 67، و مسند الحميدي، أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عیسی بن = عبيد الله القرشي الأسدي الحميدي المكي (المتوفى: 219 ه) تحقيق: حسن سليم أسد الدَّارَانيّ، دار السقا، دمشق - سوريا، ط 1، 1996 م: 1 / 182. و مسند الإمام أحمد بن حنبل: 2 / 72، والجامع الكبير - سنن الترمذي، محمد بن عیسی بن سَوْرة بن موسی بن الضحاك، الترمذي، أبو عیسی (المتوفى: 279 ه)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي - بيروت، 1998 م: 6 / 93

المواقف هل هم عنها عمون؟، أم طبع على قلوبهم، وغشي أبصارهم زيف نفاقهم؟ والمفارقة تكمن في من كان السبب في هجرة النبي وحال من دون نشر الإسلام بمكة المكرمة بشتى الوسائل والأساليب، وتآمر على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وزهدوا بوجوده وفضَّلوا تصفيته، هم أنفسهم بعد انتشار الإسلام وبعد المعانات التي تكبدها النبي ومن معه يأتون هؤلاء المشركون لينافسوا على الخلافة ويقدموا أنفسهم من المسلمين متناسين حقدهم وبغضهم وعداوتهم وعرقلتهم لظهور الإسلام بل لم يدخلوه على عقيدة صادقة حتی!! واكتفوا بوصف الرسول إيّاهم بأنهم الطلقاء، والعجب كل العجب كيف يتصدى الطلقاء وأبناء الطلقاء لقيادة أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويُنحون حزب الله النجباء، أهل بيت النبوة عن مراتبهم التي رتبها الله لهم.

3 - تبليغه (علیه السلام) سورة براءة

ورد عن الحارث بن مالك: أنه سأل سعد بن أبي وقاص (أوسعد بن مالك): هل سمعت لعلي منقبة؟! قال: قد شهدت له أربعاً، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا، أُعمّر فيها مثل عمر نوح: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة. ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها وبلغها(1).

فَرَدَّ عليٌّ أبا بكر، فرجع يبكي، فقال: يا رسول الله، أنزل فيَّ شيء؟، قال: لا، إلا خيراً، إنه ليس يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني، أو قال: من أهل بيتي(2).

ص: 115


1- ينظر: الغدير: 1 / 40
2- ينظر: تاریخ ابن عساکر: 42 / 117

وفحوى الأمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر أبا بكر أن يسير إلى مكة ليقيم للناس حجهم في سنة تسع، وليبلغ الناس عنه صدر سورة براءة، بالإضافة إلى قرارات أخرى يريد (صلى الله عليه وآله) أن يلزم الناس بمراعاتها، وهي:

1 - أن لا يطوفنَّ بالبيت عريان.

2 - لا يجتمع المسلمون والمشركون.

3 - ومن كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد، فأجله إلى مدته، ومن لم يكن بينه وبينه عهد فأجله إلى أربعة أشهر.

4 - إن الله بريء من المشركين وَرَسُولُهُ.

5 - لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (أو إلا من كان مسلماً).

6 - لا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا.

7 - أن هذه أيام أكل وشرب.

8 - أن يرفع الخمس من قريش، وكنانة وخزاعة إلى عرفات.

والخمس: هي أحكام كانوا قد قرروها لأنفسهم: هي ترك الوقوف بعرفات والإفاضة منها.

فلما كان أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإذا هو علي (عليه السلام)، فأخذ الكتاب من أبي بكر ومضى(1).

ص: 116


1- ينظر: السنن الكبرى: 7 / 436

ويبدو أنها كانت ثلاثة كتب:

أحدها: ما أشير إليه آنفاً.

والثاني: كتاب يشتمل على سنن الحج، کما روي عن عروة.

والكتاب الثالث: كتبه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر وفيه: أنه استبدله بعلي (عليه السلام) لينادي بهذه الكلمات في الموسم، ويقيم للناس حجهم.

وعند المفيد: أنه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: (وخيِّر أبا بكر أن يسير مع ركابك، أو يرجع إليَّ).

فاختار أبو بكر أن يرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما دخل عليه قال: (یا رسول الله، إنك أهلتني لأمر طالت الأعناق فيه إليَّ، فلا توجهت له رددتني عنه؟! مالي؟! أنزل فيَّ قرآن؟! فقال (صلى الله عليه وآله): لا، الخ...(1).

وفي نص آخر: فأخبره النبي (صلى الله عليه وآله) بأن جبرئیل جاءه وقال له: إنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه، وهو علي (عليه السلام). فقرأ علي (عليه السلام) في موقف الحج سورة براءة حتى ختمها کما عن جابر.

وعن عروة: أنه (صلى الله عليه وآله) أمر علياً (عليه السلام) أن يؤذّن بمكة و بمنى، وعرفة، وبالمشاعر كلها: بأن برئت ذمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كل مشرك حج بعد العام، أو طاف بالبيت عريان.. الخ ولهذا الحديث مصادر كثيرة جداً(2).

ص: 117


1- ينظر: الصحیح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): 7 / 12
2- ينظر: مسند أحمد بن حنبل: 13 / 356

هذه المسانخة قد ظهرت بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين علي (عليه السلام) بأجلى صورها.. حتى لقد جهر القرآن بها، فاعتبر علياً (عليه السلام) نفس النبي (صلى الله عليه وآله) في آية المباهلة.. وبين الله تعالى في تبلیغ سورة براءة، أنه من رسول الله (صلى الله عليه وآله).. وغير ذلك من الشواهد والدلالات المشيرة إلى ذلك(1).

ومن ذلك يتضح مكانة الإمام علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بلحاظ القرابة فقط وإنما بلحاظ التعانق الرسالي وتبادل الأدوار في تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى عن طريق الوحي، فنرى الإمام علي (عليه السلام) هو رجل المهمات الصعبة، لم يدخره عن ملمةٍ تهددُ الإسلام، بل يقذف به في لهيبها حتى يخمده، فلله درك يا علي لم تقل: (لا) قط لأوامر السماء، طائعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الوقت الذي ثبط عنه كثير من مّن حول الرسول (صلى الله عليه وآله)، إذ انتدب (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) لإرجاع الحقوق إلى أصحابها، وانتدبه أيضاً لإرجاع الحقوق إلى بني جذيمة.. وانتدبه للميت على فراشه ليلة الهجرة، وانتدبه لتبليغ مشركي مكة سورة براءة، وانتدبه لقتل مرحب، وانتدبه لرد الكتائب يوم أحد، وانتدبه لمبارزة الوليد في بدر(2)، وانتدبه لقتل ابن صیاد وانتدبه.. و.. و.. وقد أدى كل ما انتدبه له على أكمل وجه وأحسنه وهو ممن يشق على غيره بل عجزوا عن تأديته(3).

ص: 118


1- ينظر: الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): 2 / 334
2- ينظر: رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ، السيد لطيف القزويني: 13
3- ينظر: دراسة حول نهج البلاغة، محمد حسين الحسيني الجلالي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1، 1421 - 2001 م: 53

وانتدب غيره - وهو عمر بن الخطاب - لإبلاغ أهل مكة رسالته، فامتنع، بحجة أنه ليس له عشيرة تمنعه(1)، وانتدبهم - أبا بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - لمبارزة عمرو بن عبدود، وضمن لهم على الله الجنة، فلم يستجيبوا(2).

وانتدبهم لإجابة أبي سفيان في حرب أحد بأمور بعينها، فخالفوه فيها، وانتدبهم ليأتوه بكتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فلم يستجيبوا لطلبه، وقد أبدى الثاني شبهة في كلام رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مفادها أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ليس أهلًا للوصية في هذا الحال بكلمة قاسية تشمئز منها القلوب(3)، واتهموه بأنه یهجر.. وانتدبهم ليحلقوا رؤوسهم في الحديبية، فتثاقلوا ولم يجيبوا طلبه إلا بعد لأي.. وانتدبهم لقتل ابن صیاد، فلم يجد عندهم ما يجدي، و.. و.. وقد فشلوا في سائر المهمات الكبرى التي أوكلت إليهم أيما فشل(4).

فهل جاء ذلك كله على سبيل الصدفة.. أم أن الأمور جرت على وفق ما أراد محبوهم إشاعته، والتسويق له، وبعد هذا البون الشاسع بين الإمام علي (عليه السلام) وغيره من الصحابة نجد عمرا وأبا بكر وغيرهم قد نافسوه على حق هو أولى به منهم، ولو أنهم عملوا بسنة الرسول (صلى الله

ص: 119


1- ينظر: الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): 4 / 202
2- ينظر: الصحیح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): 4 / 202.، وجواهر التاريخ، الشيخ علي الكوراني العاملي، دار الهدی، مطبعة ظهور، ط 1، 1435 - 2004 م: 1 / 43
3- ينظر: صراط النجاة (تعليق الميرزا التبريزي)، السيد الخوئي (ت: 1413 ه)، دفتر نشر برکزیده، مطبعة سلمان الفارسي، ط 1، 1416 ه: 6 / 380
4- ينظر: الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام: 2 / 201

عليه وآله) كما أراد لما نزفَ الإسلام هذه الدماء، ولماعانى المجتمع تلك المعانات إلى يومنا هذا؟!

4 - حديث المنزلة في تبوك.

وفي غزوة تبوك خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) على المدينة وحينئذٍ قال لعلي (عليه السلام) «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي»(1) قال: استخلفه بذلك والله على أمته في حياته وبعد وفاته وفرض عليهم طاعته فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين(2). وقال هذه الكلمة أيضاً في موارد أخرى، منها ماحوته النصوص الآتية:

1 - في رواية سعد بن أبي وقاص: خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي (عليه السلام): «یَا رَسُولَ اللهِ، أَتُخَلِّفُنِي فِي الْخَالِفَةِ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟» فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی؟» قَالَ: «بَلَى، یَا رَسُولَ الله»(3).

ص: 120


1- الهداية، الشيخ الصدوق: 157. وينظر: المقنعة، للشيخ المفيد (ت: 413 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 2، 1410 ه: 18، الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام: 6 / 261
2- رسائل الشريف المرتضى، للشريف المرتضى (ت: 436 ه)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، دار القران الكريم - قم، مطبعة الخيام، ط 1، 1410 ه: 4 / 76
3- ينظر: مسند أحمد بن حنبل: 3 / 84. وينظر: المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفی: 261 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت: 4 / 1870

2 - وقالوا: لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك، استخلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المدينة، فهاج المنافقون في المدينة، وفي عسکر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا: کره قربه، وساء فيه رأيه. فاشتد ذلك على علي (عليه السلام)، فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تخلفني مع النساء والصبيان؟! أنا عائذ بالله من سخط الله وسخط رسوله. فقال: رضي الله برضائي عنك، فإن الله عنك راض، إنما منزلك مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي. فقال علي (عليه السلام): رضيت، رضيت(1).

3 - وفي نص آخر: عندما خلف علياً (عليه السلام) في المدينة، قال الناس: ملَّه، وكره صحبته.

فتبع علي (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى لحقه في بعض الطريق، فقال: يا رسول الله، خلفتني في المدينة مع النساء والذراري، حتى قال الناس ملَّه وكره صحبته؟. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي، إني خلَّفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی غیر أنه لا نبي بعدي؟!(2).

ولهذه المواقف الفصل في تقوية حجة سهل بن حنيف عندما ساق اعتراضه على وفق مقصدية إحالية بغية التأثير في متلقيه المباشر - أبي بكر -

ص: 121


1- ينظر: الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام: 6 / 261
2- ينظر: سنن ابن ماجه، ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبيه يزيد (المتوفى: 273 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبيالسنن الکبری للنسائي: 7 / 307

وغير المباشر - الحضور عامة - على أمل الاهتداء إلى طريق الحق.

ثم ذكر (وبعد وفاتي) ليمنح الحكم سمة الاستمرارية، وبه رسالة أن الذي وظف حياته ونذر عمره لإحياء الدين واستتبابه لهو المنصوص عليه توقيفيا أن يكون الوصي عليه؛ لأنه أعلم بخفاياه واحكامه واهدافه.

ثم ذكر بقية الخصال وهي: (وقاضي ديني ومنجز وعدي، وأول من يصافحني على حوضي) وماهية (الأول) له علاقة حميمة بالإمام علي (عليه السلام) ألم تلاحظوا أنه أول من أسلم، وأول من صدق الرسول (صلى الله عليه وآله) وأول من هاجر بعد الرسول من المسلمين، وأول من جاهد في سبيل الله، ثم ذكر ثمرة اتباعه بقوله: (فطوبى(1) لمن اتبعه ونصره) ونتيجة التخلف عنه بقوله: (والويل لمن تخلف عنه وخذله)، وهذه المعادلة تكشف عن قانون السعادة الأبدي فيمكن القول بعدها: إذا كان متبعو الإمام علي (عليه السلام) في أقوالهم وافعالهم من الفائزين بالجنة بدلالة (فطوبى لمن

ص: 122


1- والطُّوبی: الطيِّبُ، عَنِ السَّیَرْافِيِّ. وطُوبی: فُعْلى مِنَ الطِّيبِ؛ كأَن أَصله طُیْبَی، فَقَلَبُوا الْيَاءَ وَاوًا لِلهضَّمَّةِ قَبْلَهَا؛ وَيُقَالُ: طُوبى لَك وطُويَاك، بالإِضافة.. التَّهْذِيبُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ طُوبی لك، ولا تقل طُوبَاك. وَهَذَا قَوْلُ أَكثر النَّحْوِیِّينَ إِلا الأَخفش فإِنه قَالَ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُضيفها فَيَقُولُ: طُوباك. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: طُوباكَ إِن فَعَلْتَ كَذَا، قَالَ: هَذَا مِمَّا یَلْحَنُ فِيه ِالْعَوَامُّ، وَالصَّوَابُ طُوبی لَكَ إُن فَعَلْتَ كَذَا وَکَذَا. وطُوبی: شَجَرَةٌ فِي الْجِنَّةُ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: طُوبی لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ. وَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ بِالْآيَةِ مَذْهبَ الدُّعاء، قَالَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ يَدُلُّكَ عَلَى رَفْعِهِ رفعُ: وَحُسْنُ مَآبٍ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَقُرِئَ طُوبی لَهُمْ وحُسْنَ مآبٍ، فَجَعَلَ طُوبی مَصْدَرًا كَقَوْلِكَ: سَقْیاً لَهُ. طُوبی: اسْمُ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: شَجَرَةٌ فِيهَا، وأَصلها فُعْلى مِنَ الطِّيبِ، فَلَمَّا ضُمَّتِ الطَّاءُ، انْقَلَبَتِ الْيَاءُ وَاوًا، ولربما كان معناها الجنة في هذا الموقف بدلالة مقابلتها ب (الويل) الذي هو النار. لسان العرب: 1 / 564 - 565

اتبعه ونصره)، والعذاب بالنار لمن تخلف عنه (عليه السلام) بدلالة (والويل لمن تخلف عنه..) إذن فالإمام علي (عليه السلام) هو قسيم الجنة والنار، فمن نصره وأحبه يفوز بالجنة؛ لأنه إنما نصر الدين، ومن بغضه وحاربه وتخلى عنه يهلك في النار، وإذا انتقلنا من الاستدلال الضمني من هذا القول إلى التصريح المباشر نجد الأحاديث النبوية مستفيضة لبيان هذه المعادلة في فضيلة اتباع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وخسران من تخلف عنه، نذكر منها ما ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أنه قال: لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في علي خصالا، لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا، منها(1):

قوله (صلى الله عليه وآله): «علي قسيم الجنة والنار».

قوله (صلى الله عليه وآله): «من کنت مولاه فعلي مولاه».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «علي مني کهارون من موسی».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «علي مني وأنا منه».

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «علي مني کنفسي، طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «حرب علي حرب الله وسلم علي سلم الله».

ص: 123


1- ينظر: الخصال، الشيخ الصدوق (ت: 381)، تحقيق: علي أكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 1403: 496. والأمالي: 150

وقوله (صلى الله عليه وآله): «ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «علي حجة الله وخليفته على عباده».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «حب على إيران، وبغضه كفره».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى بردا علي الحوض».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عز وجل».

وقوله (صلى الله عليه وآله): «شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة».

وبعد أن افتتح كلامه بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) أدلى بدلوه محاججا أبا بكر بصواعق كلماته التي لا يستطيع أن يردها لا أبو بكر ولا أحد من حاشيته، ففي موقف آخر قال: سهل بن حنيف الأنصاري:

(يا أبا بكر لا تجحد حقا ما جعله الله لك، ولا تكن أول من عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته، وأد الحق إلى أهله يخف ظهرك، ويقل وزرك، وتلقى رسول الله راضيا، ولا تختص به نفسك فعما قليل ينقضي عنك ما أنت فيه، ثم تصير إلى الملك الرحمن فيحاسبك بعملك ويسئلك عما

ص: 124

جئت له، وما الله بظلام للعبيد)(1).

ولبيان الطاقة الحجاجية في هذه الخطبة لابد من تقديم لمحه عن ماهية النظرية باختصار شديد، إذ ذهب دیكرو إلى أنّ نظرية (الحِجَاج في اللغة) فرع من نظرية أفعال الكلام - التي وضع أسسها العالمان الانجليزيان أوستين وتلميذه سيرل-، ولاسيما أفعال التوجه الحِجَاجي فقد عدّها نوعاً من أنواع أفعال الكلام، وهي الأفعال التي تمثل محاولة المتكلم توجيه المتلقي للقيام بعمل ما(2). فالفعل الحِجَاجي التوجيهي نوع من الأفعال التي تتحقق بالكلام، بوصفه قولاً يحقق عملاً، ويغير واقعاً، وله قصدية، ومتصل بسياق.

(ويقوم كلّ فعل كلامي على مفهوم (القصدية) وتقوم (مسلّمة القصدية) على أسس تداولية درسها فلاسفة التحليل ثم توسع في تفريعها وتعميقها التداوليون حتى غدت شبكة من المفاهيم المترابطة... فقد عدّ [سیرل] (الغرض المتضمن في القول) but illocutoire عنصراً ومكوناً أساسياً من (مكونات القوة المتضمنة في القول) Force illocutoire)(3)؛ ولذا عُدّت نظرية أفعال الكلام (مبحثاً أساسياً لدراسة مقاصد المتكلّم ونواياه، فالقصد يحدد الغرض من أي فعل لغوي، كما يحدد هدف المرسل من وراء سلسلة الأفعال اللغوية التي يتلفظ بها، وهذا ما يساعد المتلقي على فهم ما أُرسل إليه)(4)، وتستند القصدية إلى أسس المعرفة المسبقة التي تسهم في الانسجام

ص: 125


1- بحار الانوار: 28 / 199 - 200
2- ينظر: اللغة والحجاج، الدكتور أبو بكر العزاوي، العمدة في الطبع، منتديات سور الأزبكية، ط 1، 1426 ه - 2006م: 8 - 9
3- التداولية عند العلماء العرب دراسة تداولية لظاهرة (الأفعال الكلامية) في التراث اللساني العربي، د. مسعود صحراوي، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى (2005 م): 44
4- المدارس اللسانية المعاصرة، د. نعمان بوقرة، مكتبة الآداب، القاهرة، د. ط (2003 م): 190

والمواءمة مع العالم، وتعد أساساً للكلام الإنساني، فهي تتحدد بحسب ثقافة المجتمع وطقوسه، وتتجلى في عرض الحجة، فعرض الحجة في أثناء إنجاز الفعل الحِجَاجي يكون القصد منه تدعيم النتيجة، إذ لا يمكن فهم الحجة من دون فهم النتيجة، فالحِجَاج لا يتعلق بفقرتين تلعب فيهما الواحدة دور الحجة، والأخرى دور النتيجة فليس هناك استقلال دلالي بين الفقرتين، إنّنا إذا فحصنا جيداً هذه التأليفات نكتشف أنّ معنى الفقرة الأولى (الحجة) يحدده معنى الفقرة الثانية والعكس صحيح، فالحجة عنصر تكويني في معنی النتيجة وكذلك النتيجة بوصفها عنصراً تكوينياً في معنى الحجة(1).

يُفهم من ذلك أنّ الغاية من نظرية (الحِجَاج في اللغة) تمتين العلاقة بين الكلام والفعل الإنجازي، فالمحاجج عندما ينطق قولاً ما يريد من كلامه إنجاز فعل ما يكون له الأثر الفاعل في الإقناع، أو التسليم، أو تغيير الموقف، أو الفكر، أو الاعتقاد، أو نحو ذلك، هذا من جانب.

واهتمت نظرية (الحِجَاج في اللغة) بالقوة الإنجازية: ويُقصد بها ما يتم تحققه بقوة فعل الكلام، وهي على قسمين:

أ - قوة إنجازية حرفية مدلول عليها بصيغة إنشائية (كالأمر، أو النهي ، أو الاستفهام، أو التعجب، أوالتحذير، أوالتنبيه، أو النفي، أو نحو ذلك)، وهي ما تُعرف بفعل الكلام المباشر، و(يستعمل المخاطِب الفعل الكلامي المباشر عندما يولي عنايته لتبليغ قصد، وتحقيق هدفه الخطابي، ورغبته في أن يكّلف المتلّقي بعمل ما، أو يوجهه لمصلحته من جهة، وإبعاده عن الضرر من جهة

ص: 126


1- ينظر: الحجاج مفهومة ومجالاته، الدكتور حافظ إسماعيلي علوي، عالم الكتب الحديث، أربد (2010 م).: 2 / 112

أخرى، أو توجيهه لفعل مستقبلي معين. ويفترض أن يتجه المخاطب بخطابه إلى التكثير من فائدة المتلّقي، فيستعمل هذه الإستراتيجيات في شكلها الأكثر مباشرة للدلالة على قصده، کالأمر، والنهي الصريحين)(1). ويمكن توضيح ذلك بخطبة سهل بن حنيف؛ إذ جاء فيها:

- يا أبا بكر - نداء غايته التنبيه.

- لا تجحد حقا ما جعله الله لك - نهي / فعل كلامي مباشر.

- ولا تكن أول من عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته - نهي / فعل كلامي مباشر.

- وأد الحق إلى أهله يخف ظهرك، ويقل وزرك - امر / فعل كلامي مباشر.

- ولا تختص به نفسك - نهي / فعل كلامي مباشر.

ب - قوة إنجازية لا تعرف من صيغة الجملة الحرفية وإنّما يُستدل عليها من سياق القول وهي ما تُعرف بفعل الكلام غير المباشر(2).

ومثاله ما ورد في ختام خطبة سهل بن حنیف عند قوله:

فعما قليل ينقضي عنك ما أنت فيه، ثم تصير إلى الملك الرحمن فيحاسبك بعملك ويسألك عما جئت له - تحذير / فعل كلامي غير مباشر.

ص: 127


1- دراسة الأفعال الكلامية في القرآن الكريم - مقاربة تداولية -، أ. بوقرومة حكيمة، مجلة الخطاب، جامعة مولود معمري - تيزي وزو - الجزائر، دار الأمل، العدد (3)، لسنة (2008): 11 - 12
2- ینظر: طرق التضمين الدلالي والتداولي في اللغة العربية وآليات الاستدلال، أدریس سرحان، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه الدولة من شعبة اللغة العربية وآدابها، جامعة سید محمد بن عبد الله، كلية الاداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز - فاس، للعام 2000 م: 342

وما الله بظلام للعبيد - فعل كلامي غير مباشر من صنف الاخباريات غرضه التهديد.

وبدءا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن غالبية الأفعال الكلامية التي احتوتها الخطبة هي من نوع الافعال الكلامية المباشرة، ولعل الدافع لذلك صرامة الموقف وخطورته الذي يحتم التصريح لا التلميح إذ إن الفعل الكلامی المباشر هو (الذي يعتمد المتكلم من أجل تحقيقه، والمخاطب من أجل اكتشافه والتعرف عليه، على ما تحتويه البنية اللسانية الشكلية للملفوظ مباشرة)(1)، ويستطيع السامع أن يصل إلى مراد المتكلم بإدراكه لعنصرين مهمين هما: معاني الكلمات التي تتكون منها الجملة (الرصيد المعجمي)، وقواعد التأليف التي تنظم بها الكلمات في الجملة(2). وهذا منوط - من وجهة نظر البحث - بقصد المتكلم وغايته الكامنة خلف إنتاج ملفوظاته، وهو بدوره محکوم بظروف المقام ودواعي الاستعمال، فلربما تكون الأفعال الكلامية المباشرة هي الأنسب والأجدر بالاستعال والتقديم في ظروف ومواقف معينة تتطلب المباشرة والتصريح الصريح من دون استبطان غايات أو سوق الكلام على وفق درجات تحتاج لقرينة حتى يمسك المخاطَب بالقصد.

ولبیان دقائق الأسلوب الذي بنيت عليه الخطبة نجدها قد افتتحت بأسلوب النداء، الذي خرج للتنبيه، فالمتكلم لا ينتظر تلبية المُنَادي بقدر تنبيهه لما سيقول وقد استعمل المتكلم حرف النداء (يا) الذي يصلح لنداء كل المستويات: القريب والبعيد، والمتوسط البعد. وهي إن فتشنا على مقصديته

ص: 128


1- طرق التضمين الدلالي والتداولي في اللغة العربية وآليات التواصل والاستدلال: 342
2- ينظر: آفاق جديدة: 81

نجده ينطبق على المخاطَب فهو وإن كان قريب من المتكلم مكانيا إلا أنه بعيد عنه عقائديا، ولربما قصد استعمال هذا الحرف ليعطي طاقة مقصدية تهتف بالنص وتذكي حركة التأمل فيه.

ثم أعقب هذه الافتتاحية بفعلين كلاميين مباشرين أداهماعلى وفق اسلوب النهي الذي تميز بالقوة الانجازية العالية فقال: (لا تجحد حقاما جعله الله لك، ولا تكن أول من عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته) ففي هذا الموقف لا يحتمل الاضمار وكان الاسلوب الأمثل للخطاب وهو المباشرة الذي يُعرب عن شجاعة المتكلم أولا، وقوة الحجة التي تؤهله لهذا الخطاب ثانيا، ونقصد بقوة الحجة الدلائل التي يمتلكها المتكلم لإثبات مدعاه، فقدم فعلين اشركهما بالرابط الحجاجي وهو حرف العطف (الواو) ليوحد الحجج ومن ثم يَخْدِمْنَ حجة واحده وهي التراجع عن الخلافة التي ما جعلها الله لك.

ثم انتقل إلى أسلوب آخر لا يقل قوة عن النهي وهو الأمر) بقوله: (وأد الحق إلى أهله يخف ظهرك، ويقل وزرك) والمميز هذا الفعل الانجازي المباشر أنه اشتمل معنى الشرط، فهو إذا أدى الحق إلى أهله يخف ظهره ويقل وزره، وإن لم يؤدي لحق فبالمقابل يثقل ظهره بالمعاصي ويكثر وزره. وهنا معادلة دقيقة تحمل المتلقي على التفكير في عاقبة أمره لا سيما أنها معادلة صادقة ومضمونها واضح وصريح لا يقبل التشكيك، وهنا تظهر النفس الأمارة بالسوء التي تتطلع لأن تعصي الرسول (صلى الله عليه وآله) ومعالم آثار قدميه لم تندرس بعد في ساحاتهم.

ص: 129

وكما كان مفتتح الخطبة مميز كذلك كان ختامها مميز، والذي يميزها دقة الفصل والوصل الذي اشتملت عليه الخطبة، فعندما ساق حججه وهي حجج مرتبطة بأبعاد تداولية قد عرفها الناس جميعا ولا سبيل لردها، لذلك نراه - سهل بن حنیف - قدم اشبه بنتائج أو محصلات نهائية: (لا تجحد حقا... / ولا تكن أول من عصى رسول... / وأد الحق إلى أهله... / فعما قليل ينقضي عنك ما أنت فيه... / ثم تصير إلى الملك الرحمن فيحاسبك..).

فالحق متمثل بولاية امير المؤمنين (عليه السلام) المنصوص عليها في مواقف كثيرة، وبمخالفته فأنه يعصي الله سبحانه وتعالى؛ لأن التنصيب توقيفي من الله وعصيان التنفيذ هو عصيان لأمر الله سبحانه وتعالى، وأد الحق إلى أهله بإرجاعه إلى الإمام علي (عليه السلام)، فعما قليل ينقضي هذا الحكم الذي ستحصل عليه بعصيان الله ورسوله، ومرجعك إلى الله الذي عصيته في الدنيا... وهكذا نجده يقدم متعاطفات تحيط بالحدث وتربطه بمواقف خارجيه عاشها المسلمون وقد أشار لها لغويا، وبعد ذلك رأيناه انتقل إلى الأخبار وتخلص من متتالية الأمر وجوابه، فقال: (فعما قليل ينقضي عنك ما أنت فيه، ثم تصير إلى الملك الرحمن فيحاسبك بعملك ويسئلك عما جئت له، وما الله بظلام للعبيد) ليقدم النتيجة النهائية التي تنتظره، وحتى يميزها عن المضمون الحجاجي الذي قامت عليه الخطبة، فصلها بابتداء جديد خرج للتحذير والتهديد لما سيقوم به من عمل.

ص: 130

ثالثًا: خبر الديراني واسلامه على يد أمير المؤمنين (علیه السلام)

من المواقف التي برزت فيها منقبة محبة سهل بن حنیف لولي الله (عليه السلام) عندما التقى هو وخالد بن الوليد بالديراني الذي كان ينتظر وصي النبي الخاتم (عليه السلام) ليعلن اسلامه، فعن سهل بن حنيف الأنصاري قال: أقبلنا مع خالد بن الوليد فانتهينا إلى دير فيما بين الشام والعراق، فأشرف علينا منه ديرانيٌّ وقال: من أنتم؟ قلنا: نحن المسلمون العرب من أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان الديرانيّ شيخاً كبيراً، فنزل إلينا فقال: أين صاحبكم؟ فأتينا به إلى خالد بن الوليد، فسلّم على خالد، فرّد عليه السلام، فقال له خالد: كمْ أتى عليك من السنين؟ فقال: مائتان وثمانون سنة.

قال: مُنْذُ كمْ سكنت في ديرك هذا؟ قال: منذ ستّين سنة.

قآل: هل لَقِيْتَ ممّن لقي عیسی (عليه السلام)؟ قال: نعم، لقيت رجلين.

قال: فما قالا لك؟ قال: قال لي أحدهما: إنّ عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته ألقاها إلى مريم أُمّه، وإنّ عیسی مخلوق ليس بخالق، فقبلت منه وصدّقته، وقال لي الآخر: إنّ عيسى هو ربّه، فكذّبته ولعنته.

قال خالد: إنّ هذا لعجبٌ، كيف اختلفا وقد لقيا عیسی بن مریم جميعاً؟! قال الديرانيّ: اتّبع هذا هواه وزين له الشيطان سوء عمله، واتّبع ذلك الحقّ وهداه الله تعالى.

ص: 131

قال له خالد: هل قرأت الإِنجيل؟ قال: نعم، وآمنتُ بعيسی.

قال: هل قرأتَ التوراة؟ قال: نعم، قال خالد: وآمنتَ بموسى؟ قال: نعم.

قال خالد: فهل لك في الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً رسول اللهّ عبده، وتؤمِن به وبما جاء به؟ قال الديرانيّ: قد آمنت بمحمّد قبل أن تؤمِنَ به وبما جاء به، وإن كنت لم أسمعه ولم أره.

قال: فقال له خالد: فأنت الساعة تؤمن به وبما جاء به؟ قال: كيف لا أُومن وقد قرأت اسمه في التوراة والإنجيل وبشّرني به موسی و عیسی (عليهما السلام).

قال: فما مُقامك في هذا الدير؟ قال: فأين أذهب وأناشيخ كبير وما بقي في نهضة، وبلغني مجيئكم، وكنت أنتظر لُقياكم فأُلقي إليكم إسلامي، وأُخبركم أنّي منكم، وأستعلم مافعل نبیّکم.

قال خالد: توفّي (صلى الله عليه وآله وسلم).

قال: وأنت وصيّه؟ قال: لا، ولكنّي من عشيرته و ممّن صحبه.

قال: فمن بعثك إلى هاهنا؟ [وصيّه؟] قال: الخليفة. [قال: غیر وصيّه؟ قال: نعم. قال: فوصیّه حيّ؟ قال: نعم. قال: فكيف ذلك؟ قال: اجتمع الناس على هذا الرجل، وهو رجل من عشيرته ومن صالح الصحابة(1).

ص: 132


1- ينظر: العقد النضيد والدر الفرید، محمد بن الحسن القمي (من وفيات القرن السابع)، تحقيق: علي أوسط الناطقي، دار الحديث للطباعة والنشر، قم- شارع معلم، ط 1، 1423 ه: 116

وهنا تكمن المفارقة في كلام خالد بن الوليد لأنه استهجن الخلاف بين الرجلين اللذين التقيا بعيسی (عليه السلام) ولم يلتفت إلى واقعهم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد التفت الديراني لهذه النكتة، إذ قال: (فما أراك إلاّ عجبت من الرجلين اللذين التقيا بعیسی بن مریم (عليه السلام)، وقد لقياه وسمعا منه، وأمّا أنتم فقد خالفتم نبيّكم، وفعلتم مثل مافعل ذلك الرجل!؟)(1).

فتحیر خالد من كلام الديراني فلم يجد بدا غير الاعتراف بالحقيقة وابداء ما انطوت عليه السريرة فقال له: صدقت أيّها الشيخ. ثمّ التفت خالد إلى من يليه فقال: هو والله ذلك؛ اتّبعنا أهْواءنا، ولا سواهم کفروا باللهّ، ونحن جعلنا رجلا مكان رجل، ولولا ما كان بيني وبين عليّ بن أبي طالب من الخشونة على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ملأت عليه أحداً. فقال له الأشتر النخعي: ولِمَ كان بينك وبينه خشونة؟.

قال خالد: المنافسة في الشجاعة، وكان له من السوابق والقرابة ما لم يكن لي، فداخلني حميّة قريش فكان ذلك، ولقد عاتبتني في ذلك أُمّ سلمة - وكانت هي ناصحة - فلن أقبل منها!(2).

يظهر من هذا المقطع غياب الالتزام الديني عند خالد ومن سعی مسعاه من الصحابة الذين خالفوا وصايا الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وهذا خالد يكشف عن التزمت القبلي الذي حاربه الإسلام منذ نشوئه، فعملوا بما انطوت عليه سريرتهم وسعوا خلف مغريات الدنيا وزينتها.

ص: 133


1- العقد النضيد والدر الفريد: 117
2- ينظر: العقد النضيد والدر الفرید: 117 - 123

ثمّ عطف على الديراني فقال له: هلمّ حديثك وما نحن فيه. فقال: أُخبرك؛ إنّي كنْتُ من أهل دين كان جديداً فخلق حتّى لم يبقَ منهم من أهل الحقّ إلاّ رجلان أو ثلاثة، ويخلق دینکم حتّى لا يبقى منه إلاّ الرجلان أو الثلاثة، وأنتم بموت نبيّكم قد نزلتم من الإسلام درجة، وستنزلون بموت وصيّه درجة أُخرى، ثمّ ستنزلون من الإسلام درجة أُخرى، حتّى إذا لم يبقَ من رأی نبیّکم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو صحبه، وسيخلق دینکم حتّی تفقد صلاتكم وصومكم وحجّكم وغزوكم، وترتفع الأمانة والزكاة منكم، ولم يزل فيكم بقيّة ما بقي كتاب ربّكم عزّ وجلّ فيكم وما بقي فيكم أحد من أهل بيت نبيّكم، فإذا رفع ذلك منكم لم يبقَ من دینکم إلاّ الشهادتان: شهادة التوحيد وشهادة أنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول اللهّ، فعند ذلك تقوم قیامتكم وقيامة غيركم ويأتيكم ما توعدون . ولن تقوم الساعة إلاّ عليكم؛ لأنّكم آخر الأُمم، بِكمْ تختم الدنيا، وعليكم تقوم الساعة(1).

وكأني بهذا الديراني هو أحد مصاديق الآية الكريمة: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(2) فالاستكبار واضح في كلام خالد بن الوليد الذي يمثل دفة المخالفين، أما الدرجات التي ذكرها الديراني فلربما تكشف عن الترابط بين الخط الرسالي الممثل بالنبي محمد (صلى الله

ص: 134


1- ينظر: العقد النضيد والدر الفرید: 120، و وبحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت: 1111 ه)، تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني، عبد الرحيم الرباني الشيرازي، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، ط 2، 1932 ه - 1983 م: 10 / 62 - 69
2- الأحقاف: 10

عليه وآله) والأئمة الأطهار، وبغياب كل رمز منهم ينزل المسلمون درجة، ولو تأملنا مثالا على ذلك لوجدنا الدرجة التي نزلوها بعد رحيل النبي الأكرم هي انحرافهم عن النهج الذي خطه لهم (صلى الله عليه وآله) في أكثر من موقف وموقف، وتستمر الانتكاسات كلما ابتعد المسلمون عن حبل الله في الأرض تباعا من عهد الإمام علي (عليه السلام) فالإمام الحسن (عليه السلام) فالحسين (عليه السلام) وهكذا، والذي يؤكد ذلك تأمل ما لاقي كل إمام في عهد إمامته تجد مصائبهم في تفاقم وازدياد ولعل هذا سر النزول الدرجي الذي عبر عنه الديراني.

وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك أيضا لذا نرى خالد قال له: أخبَرَنا بذلك نیُّنا (صلى الله عليه وآله)، فأَخبرِنا بأعجب شيء رأيته منذ سكنتَ ديرك هذا وقبل أن تَسْکنه . قال: لقد رأيت ما لا أحصي من العجب، وأفنيت ما لا أُحصي من الأُمم.

قال سهل بن حنيف: فلمّا رجعنا إلى المدينة أَتَیْتُ علي (عليه السلام) وأخبرته خبر الديرانيّ وما جرى لنا معه وخبر خالد، وما حملنا الديرانيّ إليه منه وعن صاحبه. قال: فَقَالَ: وَعَلَيْهِمَا السلام، وعَلَيْك يا سَهْلُ السّلامُ، وما رَأَيْته أكثَرْتَ بما أَخْبَرته مِنْ خالِدِ بنِ الوَلِيدِ وما قَالَ، ومَا رَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئاً، إلاّ أنّه قَالَ: يا سَهْلُ، إِن اللهِّ تَبارَك وتَعالى بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ شَيْءٌ إِلّا عَلِمَ أَنّهُ رَسُولُ اللهِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أَشْقَى الثَّقَلَيْن وَعُماتهما، وَلَمْ يَبْقُ فَوْق الأرض شيءٌ إلاّ عَلِمَ أنّي

ص: 135

وَصِيُّ رسول الله وأخوه إلاّ أشقى الثقلين وعُصاتها. قال سهل: فعبرنا زماناً ونسيت ذلك، فلمّا كان من أمر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وما كان من معاوية ورجعنا من صفّين نزلنا أرضاً قفراً ليس بها ماء، فشكونا ذلك إلى أمير المؤمنين، فانطلق يمشي على قدميه فانتهى إلى موضع كأنّه يعرفه، فقال: احفروا هاهنا، فحفرناه فإذا صخرة [صمّاء] عظيمة، قال: «اقْلعُوهَا» قال: فجهدنا على قلعها فلم نقدر. قال: فتبسّم من عجزنا عنها، ثمّ أهوی بیدیه جميعاً فكأنما كانت في يده كرة، فإذا تحتها عين بيضاء كأنّهَا من شدّة بياضها اللّجين الناب. قال: دونكم فاشربوا واسقوا وتزوّدوا ثمّ آذنوني بها(1). قال: ففعلنا ذلك ثمّ زدناه، فأقبل يمشي إليها بغير رداء ولا حذاء، فتناول الصخرة بيمينه، ثمّ دحاها الهوى فوقعت على العين فكأنّها ما زالت عنها، ثمّ حثنا عليها التراب. وكان ذلك بعين الديراني وكان بالقرب منّا بحيث یرانا. ويسمع كلامنا. قال: فلمّا عاين ذلك نزل إلينا وقال: أين صاحبكم؟ فانطلقنابه إلى عليٍّ (عليه السلام) فقال: أشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك وصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولقد كنت أرسلت إليك بالسلام عنِّي وعن صاحب لي مات - کان أوْصاني بذلك - مع جيش لكم منذ كذا وكذا أمرني في سنة من السنين. قال سهل بن حنيف: فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا الديرانيُّ الذي قلتُ لك عنه وحدّثتُك حديثه وأبلغتُك سلامَه وسلامَ صاحبه. فقال له عليٌّ (عليه السلام): وكيْفَ عَلمْت أَنِّي وَصِيُّ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله)؟. قال: حدّثني

ص: 136


1- العقد النضيد والدر الفريد: 122

أبي - وقد أتى عليه من العمر ما أتى عليَّ - عن أبيه عن جدّه، عمّن قاتَلَ مَعَ يُوشَع بن نون - وصيّ موسى (عليه السلام) - حين قاتل الجبّارين بعد موسی بأربعين سنة، أنّهم مرّوا بهذا المكان وأنّ أصحابه عطشوا، فشكوا إليه العطش، فقال: أما إنّ بقربكم عيناً أنزلها الله تعالى من جنّة عدن، استخرجها آدم (عليه السلام)، فقام إليها یوشع بن نون فنزع الصخرة عنها فشرب أصحابه وسقوا وتزوّدوا، ثمّ أقلب الصخرة عليها وقال لأصحابه: ما يَقْلَعُها إلاّ نبيّ أو وَصِيّ نبيٍّ. قال: فتخلّف من بعده جماعة من أصحابه اجتهدوا أن يجدوا الموضع فما وجدوه. وإنّما بني هذا الدير على هذه العين وبركتها، فعلمت حين استخرجتَها أنّك وصيّ النبيّ أحمد نبيّ الرحمة (صلى الله عليه وآله)، الذي كنت أطلب، وقد أحبت الجهاد معك. قال: فحمله عليٌّ (عليه السلام) معه، وأعْطاهُ سلاحاً وسار به، وكان ممّن استشهد يوم النهروان(1).

ص: 137


1- ينظر: العقد النضيد والدر الفرید، محمد بن الحسن القمي (من وفيات القرن السابع)، تحقيق: علي أوسط الناطقي، دار الحديث للطباعة والنشر، قم - شارع معلم، ط 1، 1423 ه: 116 - 123، وبحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت: 1111 ه)، تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني، عبد الرحيم الرباني الشيرازي، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، ط 2، 1432 ه - 1983 م: 10 / 62 - 69

ص: 138

المبحث الثاني : طائفة من مكاتيب سهل بن حنيف مع الإمام علي علیه السلام، ومعاركه

أولاً: مكاتبات الإمام علي (علیه السلام) مع سهل بن حنيف

اشارة

نروم في هذا الموضع من الدراسة أن نقدم طائفة من المكاتيب التي دارت بين الإمام علي (عليه السلام) وسهل بن حنيف الأنصاري، التي تكشف عن الأواصر المتينة بينهما، وقرب الصحابي سهل بن حنيف من الإمام (عليه السلام) منذ إسلامه إلى مماته ثانيا، ونشرع في ذكر كتابه (عليه السلام) له عندما كان عامله على المدينة، وبحسب الآتي:

أ - كتابه في بيان من تخلف عن الحق ولحق الباطل

من كتاب له (عليه السّلام) إلى سهل بن حنيف الأنصاري، وهو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية:

«أَمَّا بَعْدُ - فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ - فَلَا تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ - وَيَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِم - فَکَفَی لَهُمْ غَیّاً - ولَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى والْحَقِّ - وإِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى والْجَهْلِ - فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْیَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَمُهْطِعُونَ إِلَيْهَا - وقَدْ ص: 139

الْعَدْلَ ورَأَوْهُ وسَمِعُوهُ ووَعَوْهُ - وَعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ - فَهَرَبُوا إِلَى الأَثَرَةِ - فَبُعْداً لَهُمْ وسُحْقاً - إِنَّهُمْ واللهِ لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ - ولَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ - وإِنَّا لنَطْمَعُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللهُ لَنَا صَعْبَهُ - وَیُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ - والسَّلَامُ»(1).

التسلَّل: من سلل وانْسَلَّ وتَسَلَّلَ: (انْطَلَق في استخفاء. الجوهري: وانْسَلَّ مِنْ بَيْنِهِمْ أَي خَرَجَ. وَفِي الْمَثَلِ: رَمَتْني بِدائها وانْسَلَّتْ)(2)، والتسلل: الذهاب واحدا بعد واحد.

والإيضاع: (السَّیْرُ بَيْنَ الْقَوْمِ، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِيضاعُ سَيْرٌ مِثْلُ الخَبَبِ، قَالَ الأَزهري: الإِيضاعُ أَن يُعْدِيَ بعيرَه ويَحْمِلَه عَلَى العَدْوِ الحَثِيثِ، أي الإسراع. وكذلك الإهطاع. والأثرة: الاستبداد)(3).

ولو تأملنا المقاطع التركيبية التي كونت كتابه المبارك لوجدناها تبين علم الإمام بما يجري في المجتمع بكل دقائقه، و فيها تطمين لواليه سهل بن حنيف وعدم الأسى عليهم، وفيها أيضا دراسة لنفسية هؤلاء المتسربين، وما انطوت عليه أنفسهم من خبث ولؤم، حملهم على اتباع الباطل والتخلي عن الحق، وبه خسران الآخرة، ولن يضروا الله شيئا، وإليكم جانب من تحليل كل مقطع من الكتاب لنستشف حكمة الإمام (عليه السلام) ودقة اختيار المفردات للتعبير عن افكاره، فقوله: (أَمَّا بَعْدُ - فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِمَّنْ

ص: 140


1- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، جمع الشريف الرضي، تحقيق وضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية الدكتور صبحي الصالح، ط 1، 1387 ه - 1997 م: 461
2- لسان العرب: 11 / 338
3- المصدر نفسه: 8 / 398 - 399

قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ). فيه إشارة إلى علم الإمام (عليه السلام) بحالهم، بالرغم من جهود سهل بن حنيف المبذولة في معالجة تسربهم والحد منه، وعدم اخبار الإمام بتفاصيلهم. وهذا يكشف عن دقة سياسة الدولة ممثلة بالإمام علي (عليه السلام) إذ لا يخفى عليها من شؤون الرعية شيئا، وبلحاظ سمة العصمة التي يتحلى بها الحاكم - الإمام علي (عليه السلام) - يكون هذا الأسلوب في الحكم هو الحل الأنجع لقيادة الدولة والفصل في شؤونها، وعليه يقدم الإمام علي (عليه السلام) المعالجات الأنموذجية لهكذا حالات.

وقوله: (فَلَا تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ - وَيَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ). تسلية لسهل بن حنيف عمّا فاته من عددهم ومددهم. والمتأمل في هذا المقطع يجده يعرب عن نظرة أمير المؤمنين للمعارضة، واحترامه لرأي الآخر بالرغم من توهم صاحبه وخطئه؛ لأنه (عليه السلام) قد فصّل الأسباب التي دعتهم إلى التسلل والانخزال من ركب الحق والطريق القويم، فالمسألة هي مسألة مبادئ وتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، فمن أراد الآخرة فطريقها واضح مع ولي الله (عليه السلام)، ونتيجته حتمية لا ريب فيها ما دامه على نهج الإمام (عليه السلام) سائرا، ومن أراد الدنيا فطريقها مع معاوية ونتيجة نيل هذه المطامع غير مؤكد لكن الأمر الأكيد في اتباع معاوية هو خسران رحمة الله، وخلودهم في النار ولا شك في هذا المصير.

وقوله: (فَکَفَی لَهُمْ غَیّاً - ولَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ - وإِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى والْجَهْلِ - فَإِنَّمَ هُمْ أَهْلُ دُنْیَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَمُهْطِعُونَ إِلَيْهَا - وقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ ورَأَوْهُ وسَمِعُوهُ ووَعَوْهُ - وعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ - فَهَرَبُوا إِلَى الأَثَرَةِ - فَبُعْداً لَهُمْ وَسُحْقاً).

ص: 141

استدراج له عن الأسف على فرارهم بذكر معايبهم، وكلّ من كان كذلك فلا يجوز الأسف عليه. وفرار فاعل کفی، وغيّا وشافيا تمیز. و قوله: وإنّما هم أهل الدنيا: أي لمّا كان شأنهم ذلك وعرفوا العدل عندنا وعلموا تساوى الناس عندنا في الحقّ هربوا إلى الاستثمار والاستبداد عند معاوية. وكلّ من كان بهذه الحال فلا يجوز الأسف عليه، ولذلك دعا عليهم بالبعد والسحق وهما مصدران وضعا للدعاء. ثمّ أقسم أنّهم لم يفرّوا من جور منه ولم يلحقوا بعدل من معاوية ليتأكَّد حصره لأحوالهم الَّتي هربوا لأجلها. ثمّ وعده بما يطمع من الله تعالى من تذلیل ماصعب من أمر الخلافة لهم، وتسهيل حزنه بمشيئته سبحانه(1).

ب - كتابه (علیه السلام) له في بيان زهده وحثهم على الطاعة

وفيما كتب عليه السلام إلى سهل بن حنيف: «أما علمت إلى أن إمامكم قد اكتفي من دنيا بطمريه ويسد فاقة جوعه بقرصيه ولا يأكل الفلذة في حوليه إلا في سنة أضحية يستشرق الأفطار على أدميه ولقد آثر اليتيمة على سبطيه ولم تقدروا على ذلك فأعينوني بورع واجتهاد والله ما كنزت من دنیاکم تبرا ولا ادخرت من غنائمها وفرا ولا أعدد لبالي ثوبي طمرا ولا ادخرت من أقطارها شبرا وما أقتات منها كقوت أتان دبره وهي في عيني أهون من عصفة ولقد رفعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها فقال قائل القها، فذو الأتن لا ترضي لبراذعها فقلت أعزب عني فعند الصباح محمد القوم السري»(2).

ص: 142


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني (679 ه)، تحقيق: عنى بتصحيحه عدة من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها، مركز النشر الاعلامي الاسلاميت الحوزة العلمية - قم - ایران، ط 1، 1362 ه: 5 / 226
2- ينظر: جامع احادیث الشيعة: 23 / 273

طمريه من طمر: (طَمَرَ البئرَ طَمْراً: دفَنها. وطَمرَ نَفْسه وطَمَرَ الشَّيْءَ: خَبَأَه حَيْثُ لَا يُدْري. الأَزهري: سَمِعْتُ عُقَيلِيّاً يَقُولُ لَفَحل ضَرَبَ نَاقَةً: قَدْ طَمَرَها،: والمطَامِيرُ حُفَرٌ تُحْفر فِي الأَرض تُوسّع أَسافِلُها تُخْبأُ فِيهَا الحبوبُ)(1).

الفلذة: من ((فلذ: فَلَذَ لَهُ مِنَ الْمَالِ یَفْلِذُ فَلْذاً: أَعطاه مِنْهُ دَفْعَةً، وَقِيلَ: قَطَعَ لَهُ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَطَاءُ بِلَا تأْخير وَلَا عِدَةٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُکْثِرَ لَهُ مِنَ الْعَطَاءِ. وافْتَلَذْتُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ الْمَالِ افْتِلَاذًا إِذا اقْتَطَعْتَهُ.

والفِلْذُ: كَبِدُ الْبَعِيرِ، والجمعُ أَفْلاذٌ. والفِلذَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْكَبِدِ وَاللَّحْمِ وَالْمَالِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْجَمْعُ أَفلاذ عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، وَعَسَى أَن يَكُونَ الفِلْذُ لُغَةً فِي هَذَا فَيَکُونُ الْجَمْعُ عَلَى وَجْهِهِ.

قَالَ الأَصمعي: الأَفلاذ جَمْعُ الفِلْذَة وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ تُقْطَعُ طُولًا. وضَرَبَ أَفلاذَ الْكَبِدِ مَثَلًا لِلْكُنُوزِ أَي تُخْرِجُ الأَرض کُنُوزَهَا المدفونةَ تَحْتَ الأَرض، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها؛ وَسُمِّي مَا فِي الأَرض قِطَعًا تَشْبِيهًا وَتَمْثِيلًا وَخَصَّ الْكَبِدَ لأَنها مِنْ أَطايب))(2)، ولربما أراد هذه الرؤية في الزهد وكيفية التعامل مع مغريات الدنيا أن تشيع عن طريق الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري، كما لا يخفي الحث على الطاعة واقتفاء سمت الإمام (عليه السلام) في تحصيل الآخرة، والملاحظ أن الإمام (عليه السلام) اتخذ من جشوبة العيش وخشونته ما لا يستطيع غيره أن يعيشه، والعل الحكمة في ذلك حتى يكون في مصاف الفقراء وطبقتهم بل نستطيع

ص: 143


1- لسان العرب: 8 / 398
2- المصدر نفسه: 3 / 502

القول إنه لا يستطيع حتى الفقراء أن يعيشوا کعیشته (عليه السلام) فهو القائل: (ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من واقعها فقال قائل القها، فذو الأتن لا ترضى لبراذعها فقلت أعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السري) ولنا أن نتأمل في فلسفة أمير المؤمنين (عليه السلام) ورؤيته هذه الدنيا، وعلينا بعد التأمل أن نوظف ما نقف عليه من عبر ومواعظ أرادها أن توصل إلى الأجيال سواء أكانت عن طريق سهل بن حنيف أم غيره من الصحابة، وألّا نمر عليها مرّ الكرام لاسيما من يحسبون أنهم من شیعته (عليه السلام).

ج - كتابه (علیه السلام) له يبين فيه اتصاله بالله ورسوله ورباطة قلبه

ومن ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته إلى سهل بن حنيف (رحمه الله): «والله ما قلعت باب خيبر ورمیت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة جسدية ولا حركة غذائية لكني أيدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربّها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت ولو أمكنتني الفرصة من رقابهالما بقيت ومن لم يبال متی حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات رابط»(1).

فبين أن التعانق والاتصال والذوبان في الذات الإلهية يضفي على العبد الصالح الثقة والقوة الإيمانية التي لا تقهرها قوة هذا بصورة عامة، أما أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو الإمام المبين الذي خُصّ بمعرفته اثنان

ص: 144


1- موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، الشيخ هادي النجفي، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتويع، ط 1، 1433 - 2002 : 8 / 388

الله سبحانه وتعالى، ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله)، وما اشتمل عليه من کرامات ومعاجز تفوق طاقة البشر على تحملها وما ندَّ منها أرعد ألبابهم فكان الموالي الصادق، والحاسد والمعاند والمعادي.

ثم اعطي لمحة عن شجاعته التي يجليها قوله: (والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت ولو أمكنتني الفرصة من رقابها لما بقيت) وقد بين علِة ذلك إذ نجده منوطا بعقيدة المؤمن وتسليمه لله، فالآجال مكتوبه والموت قد خطه الله سبحانه وتعالى وهو نهاية كل حيِ، وهذا المعامل النفسي كفيل برباط جأش المؤمن في النوائب، فهو لا يبالي متى وأين، ما دام الأجل بيد الله ولا مشيئة غير مشيئة الله وحده سبحانه وتعالى.

ثانيًا: المعارك التي شهدها مع الإمام علي (علیه السلام)

اشارة

«لا يكن هؤلاء في الجدّ في ضلالهم أجدّ منكم في الجدّ في حقّكم».

الإمام علي علیه السلام انقسم جهاد سهل بن حنيف على مرحلتين، الأولى: بدأت منذ اسلامه حتی انتقال النبي الأكرم إلى الرفيق الأعلى، وهو في هذه المرحلة قد شهد كل المشاهد الجهادية مع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقد بينا ذلك في ما سبق ، أما المرحلة الثانية فتمثلها ملازمته للإمام علي (عليه السلام) وجهاده معه وهذا ما نروم بيانه في هذه المرحلة من الدراسة، وفيها اتحد جهاد القلب واللسان مع جهاد السيف عند سهل بن حنيف، وبحسب الآتي:

ص: 145

أ - مناصرته للإمام علي (عليه السلام) في المعارك

ومن خطبة له (عليه السلام) خطبها لما استشار المهاجرين والأنصار في المسير إلى الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار فحمد الله وأثنى عليه وقال: «أما بعد فإنکم میامين الرأي، مراجيح الحلم مقاويل بالحق، مبارکو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم»(1).

فقال بعضهم لبعض: ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين (عليه السلام) عن جماعتكم فقالوا: قم يا سهل بن حنیف فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك، ونحن كفّ يمينك. وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة فتأمرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل فانّهم هم أهل البلد وهم الناس فان استقاموالك استقام لك الَّذي تريد وتطلب وأمّا نحن فليس عليك منّا خلاف منی دعوتنا أجبناك، ومتی أمرتنا أطعناك(2).

ص: 146


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 171
2- ينظر: الفتوح، أحمد بن اعثم الكوفي (314 ه)، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء للطباعة والنشر، ط 1، 1411 ه: 2 / 540، وينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 18 / 30، و جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيروت - لبنان: 1 / 214،، و شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد(656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيس البابي الحلبي وشركاه، مؤسسة مطبوعات اسماعیلیان: 3 / 173، و الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني الشيرازي (ت: 1120 ه)، تقديم السيد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، 1397 ه: 390

فقولهم: قم يا سهل بن حنیف... من دون غيره يستلزم ريادته وحنكته وبلاغته في الخطاب واخلاصه في الولاء، ويستلزم أيضا أنه من أهل الرأي والمشورة على قومه، إذ يدل قولهم هذا على التسليم لما یری مطلقا.

أما خطبته فتنب عن ولاء مطلق وتسليم لأمر الإمام علي (عليه السلام) وقد أوجز ذلك بمقولة رصينة رسمت عقيدة الأنصار بأبهى صورة، وهي قوله: (يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت)، فأعداء أمير المؤمنين هم أعداؤهم وبالتالي هم أعداء الحق الذي يمثله إمامهم وقائدهم الإمام علي (عليه السلام). وهذه من المواقف المشرفة التي سجلها التاريخ هذا الصحابي الجليل الذي ما برح بناصر ويدافع عن الإمام علي (عليه السلام) في السر والعلن، فنال شرف المنزلة والمكانة الرفيعة في الدنيا والآخرة.

ب - استنكاره لفعل عائشة

اشارة

لا نغلو إن قلنا إن كل من حارب الإمام علي (عليه السلام) و نصب له العداء لم يكن هذا العداء و تلك الحرب إلا بدافع الحقد والضغينة والأطماع المادية التي عشعشت في نفوس هؤلاء ممن حاربوا الإمام (عليه السلام)، إذ كانوا يرونه السبّاق في كل فضيلة الذي يفوقهم بل يفوق العالمين جميعا بعد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حلما، وعلما، وفضل، وسابقة، وقربی، ونصرة للإسلام، فأي طريق سلكوه للمكر به يجدونه (عليه السلام) على رأس القارعة يتفجر مناقب، فلم يجدوا بدّ من اظهار هذه العداوة والبغضاء

ص: 147

بالرغم من تحذير الرسول (صلى الله عليه وآله) من حرب الإمام علي (عليه السلام) وبغضه؛ لأن حرب الإمام علي هي حرب الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ولنا أن نذكر ما احتفظ به التاريخ من المواقف التي بانت فيها العداوة والبغضاء للإمام علي (عليه السلام) صراحة، ومنها:

لما نزل الإمام علي (عليه السلام) ذي قار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أما بعد فإني أخبرك أن عليا (عليه السلام) قد نزل ذي قار، وأقام بها مرعوبا خائفا، لما بلغه من عدتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر، إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر.

فدعت حفصة جواري لها يتغنين ويضربن بالدفوف، فأمرتهن أن يقلن في غنائهن: ما الخبر ما الخبر، علي في السفر، كالفرس الأشقر، إن تقدم عقر وإن تأخر نحر. وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء. فبلغ ذلك أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب (عليها السلام)، فلبست جلابيبها ودخلت عليهن في نسوة متنكرات، ثم أسفرت عن وجهها، فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت، فقالت أم كلثوم: لئن تظاهرتما عليه هذا اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل، فأنزل الله فيكما ما أنزل!.

فقالت حفصة: كفي رحمك الله، وأمرت بالكتاب فمزق، واستغفرت الله. قال أبو مخنف: روی هذا جریر بن یزید عن الحكم ورواه الحسن بن دینار عن الحسن البصري. وذكر الواقدي مثل ذلك، وذكر المدائني أيضا مثله قال: فقال سهل بن حنيف في ذلك:

ص: 148

عذرنا الرجال بجرب الرجال *** فما للنساء وما للسباب أما حسبنا ما أتينا به! *** لك الخير من هتك ذاك الحجاب ومخرجها اليوم من بيتها *** يعرفها الذنب نبح الكلاب إلى أن أتانا كتاب لها *** مشوم فیا قبح ذاك الكتاب(1) ومن تلك المواقف أيضا حديث وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) إذ روي عن عائشة أنها قالت: لما اشتد بالرسول وجعه دعانساءه فاستأذنهن ان يمرض في بيتي، فأذنّ له، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وسلم)، بين رجلين من اهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر خط قدماء الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيتي، قال راوي الحديث: فحدثت بهذا الحديث عبد الله بن عباس فقال هل تدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: علي بن ابي طالب، ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع(2).

وفي تاريخ الطبري، بعد تسلسل السند عن عائشة قالت: لما ثقل النبي (صلى الله عليه وآله) فاشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج بين رجلين تحط رجلاه الأرض، وكان بين العباس وبين رجل آخر(3).

ص: 149


1- ينظر: مناقب أهل البيت (ع)، المولى حيدر الشيرواني (من وفيات القران العشرين)، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، مطبعة منشورات الإسلامية، (د. ط)، 1414 ه: 472
2- ينظر: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخروجردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 468 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1405 ه: 7 / 171
3- ينظر: تاريخ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه). صلة تاريخ الطبري لعريبه بن سعد القرطبي، المتوفي: 399 ه)، دار التراث - بيروت، ط 2، - 1387 ه: 3 / 189

قال عبيد الله: فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة فقال: وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا، هو علي بن أبي طالب. وهو صريح في أنها تركت ذكره لبغض عظیم وحنق جسيم شديد، فترك آخر الخبر كذکره لمن كان له قلب أو بصر(1).

وذكر ابن الأثير هذا الخبر في كتاب الموت من کتاب جامع الأصول عن عائشة بهذا اللفظ والعبارة: فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض: عباس بن عبد المطلب، ورجل آخر . قال ابن عباس: هو علي (عليه السلام).

ثم روی مثله فقال: قال عبيد الله: دخلت على عبد الله بن عباس فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي صلى الله عليه وآله؟ قال: هات، فعرضت حديثها عليه فما أنكر منه شيئا غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو علي (عليه السلام)(2).

ويكفيني تعليقا على سلوكها ذكر قوله تعالى: «إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ»(3).

ومن مواقف سهل بن حنيف التي نصر فيها الإمام عليا (عليه السلام) شهادته للإمام (عليه السلام) على طلحة والزبير بانهم أول من بايع الإمام

ص: 150


1- ينظر: السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفی: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، 1395 ه - 1976 م: 4 / 445
2- ينظر: مناقب أهل البيت (ع): 472
3- التحريم: 4

علي (عليه السلام) ثم ما لبث أن نكثا بيعته عندما رأوه يساوي بين المسلمين، ولم يخصهما بتولي مصر من الأمصار، فخرجوا على إمام زمانهم وحشدوا الحشود وجهزوا الجيوش مع عائشة وقصدوا البصرة، حتى عُدَّ هذا الفعل (من العثرات البشرية التي صدرت عن عائشة حضورها حرب الجمل)(1)، وكان واليها آنذاك عثمان بن حنيف الأنصاري أخو سهل بن حنیف، فمنعهم من الدخول إلى المدينة وحصل ما حصل من المشادات الكلامية والمناوشات العسكرية ثم ركنوا للمفاوضات مع عثمان بن حنیف وتداعوا وكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسأل أهلها، فإن كان طلحة والزّبير أكرها على مبايعة الإمام علي (عليه السلام) خرج ابن حنيف عن البصرة وأخلاها لهم، وإن كانالم يكرها على البيعة خرج طلحة والزّبير.

فسار کعب بن سور حتّى أتى المدينة، فقدمها يوم جمعة فسأل أهلها هل أكره طلحة والزّبير على بيعة على أم أتياها طائعين؟.

فلم يجبه أحد إلا أسامة ابن زید فإنه قال: اللهمّ إنها لم يبايعا إلّا وهما مکرهان. فوائبه سهل بن حنیف والناس منتفضا على شهادة الزور هذه، ثم لا نعلم كيف يسمع لرجل واحد ويتغافل عن عامة المسلمين لاسيما أنه ليس من متقدمي الفضل والرياسة، وهذا الذي جعل سهل بن حنيف ينتفض عليه ويذكره بالكيفية التي بُويِعَ بها الإمام علي (عليه السلام) وأنها كانت البيعة الصحيحة والحقة التي جرت في المسجد بإصرار المسلمين، وطلب من

ص: 151


1- رحمة للعالمين، محمد سليمان المنصورفوري (المتوفی: 1348 ه)، ترجمه من الأردية إلى العربية: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، دار السلام للنشر والتوزيع - الرياض، ط 1: 1 / 409

الصحابة البدريين. وبلغ الإمام عليّا (عليه السلام) الخبر، فكتب إلى عثمان بن حنيف أنّهما لم يكرها على البيعة(1).

1 - سهل بن حنيف في معركة الجمل

تكاد تجمع المصادر التاريخية وكتب التراجم والسِّيَر أن الصحابي سهل بن حنيف الأنصاري من الذين شهدوا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الجمل وصفين، وهو بدري شهد الجمل وصفين، وكذلك أخوه عثمان ابن حنيف(2)، وكان عثمان والي البصرة لما قدمها طلحة والزبير وعائشة(3). وكان سهل بن حنیف وقتها والي المدينة وهو ممن عرف بالشجاعة وحسن الإدارة، وقد كان له أثر كبير في موازنة الأمور بما يمتلكه من ثقل عسكري بأن حال دون قتل والي البصرة ومجموعة من الأسرى الذين أخذهم غدرا طلحة والزبير في المسجد بعد أن اعطوا العهود وكتبوا المواثيق ليقعدنَّ عن الشر حتى يصل الإمام علي (عليه السلام) ولكنهما أيقنوا بأنهم

ص: 152


1- نهاية الأرب في فنون الأدب: 20 / 37 - 38
2- عثمان بن حنيف بن وهب الأنصاري الأومي: وال من الصحابة، شهد بدرا واحدا وما بعدهما، وولاه عمر السواد ثم ولاه عليّ البصرة، ولما نشبت فتنة الجمل، دعاه أنصار عائشة إلى الخروج معهم على الإمام عليّ (عليه السلام)، فامتنع فتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه، فاستأذنوا به عائشة فأمرتهم بإطلاقه، فلحق بالإمام علي (عليه السلام)، وحضر معه الوقعة، ثم سكن الكوفة، وتوفي سنة 41 ه، وقد أفردناله ترجمة خاصة تحت عنوان(عثمان بن حنيف الثابت في بدر وصفين). ينظر: المجموع اللفيف، أمين الدولة محمد بن محمد بن هبة الله العلوي الحسيني أبو جعفر الأفطسي الطرابلسي (المتوفى: بعد 515 ه)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1425 ه: 1 / 495
3- المجموع اللفيف: 1 / 494 - 495

بوصوله (عليه السلام) ينجلي الظلام وتظهر أباطيلهم، وتسفه حججهم الواهية التي خرجوا من اجلها على الإمام ونكثوا بيعته، فبعد أن كتبوا معاهدة الصلح واستقر الوضع، رجع عثمان إلى دار الإمارة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم، ويضعوا سلاحهم، وافترق الناس... فمكث عثمان بن حنيف في الدار أيّاماً، وقد جنح كلُّ من طلحة والزبير إلى الغدر، فقال طلحة لأصحابه في السر والله لئن قدم علي بن أبي طالب (عليه السلام) البصرة لنؤخذنَّ بأعناقنا، ثمّ إنّ طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتَوه نصف الليل في جماعة معهم قد ألبسوهم الدروع تحت الثياب، - في ليلة مظلمة سوداء مطيرة - وعثمان نائم، فقتلوا أربعين رجلاً من الحرس، فخرج عثمان بن حنيف، فشدّ عليه مروان فأسرَه، وقتل أصحابه ونتفوا شعره وحلقوا رأسه وحبسوه(1)، فأرادوا قتله والباقين معه من أصحابه، وانطلقوا بهم السيابجة - وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لأبان بن عثمان اخرج إليه فاضرب عنقه - عثمان بن حنيف - فانّ الأنصار قتلت أباك وأعان على قتله، وكانت عندها امرأة من أهل البصرة، فقالت لها: يا أُمّاه! أين يُذهَب بكِ؟! أ تأمرين بقتل عثمان بن حنيف، وأخوه سهل خليفة على المدينة، ومكانه من الأوس والخزرج ماقد علمتِ! والله، لئن فعلتِ ذلك لتكوننّ له صولة بالمدينة يقتل فيها ذراري قريش. فناب إلى عائشة رأيها وقالت: رُدُّوا أَبَانًا، فَرَدُّوهُ، فَقَالَتِ: الحْبِسُوهُ وَلا تَقْتُلُوهُ، قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تَدْعِينَنِي لِهَذَا لَمْ

ص: 153


1- ینظر: مناقب آل ابي طالب ابن شهر آشوب (588 ه)، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1376 ه - 1956 م: 2 / 338

أَرْجِعْ، فَقَالَ لَهُمْ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ: اضْرُبُوهُ وَانْتِفُوا شَعْرَ لِحَيْتِهِ، فَضَرَبُوهُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَتَتَفُوا شَعْرَ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَأَشْفَارِ عَيْنَيْهِ وَحَبَسُوهُ(1).

أما عثمان فنادى وهو في السجن: يا عائشة، ويا طلحة، ويا زبير، إنّ أخي سهل بن حنيف خليفة عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) على المدينة، وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعنّ السيف في بني أبيكم وأهليكم ورهطكم، فلا يبقى منكم أحدا. فكفّوا عنه وخافوا أن يوقع سهل بن حنیف بعيالاتهم، وأهلهم بالمدينة، فتركوه(2). وأرسل الإمام علي (عليه السلام) إلى سهل بن حنیف بأن يلتحق به إلى البصرة بعد أن يعين مكانه ممن ينوب عنه على المدينة، وقد لبي الأوامر وسرعان ما امتثل وحضر الواقعة مع الإمام علي (عليه السلام) وقد اثبت جدارة في القتال وقيادة خيالة أهل المدينة وقيل أهل الكوفة، فكان من الذين شهدوا مع الوصي قتال الناكثين(3).

ص: 154


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 469
2- حکَمت عائشة بقتل السيابجة لأنهم عملوا بواجبهم الشرعي، ومدار القصة: عندما نرى أصحاب الجمل الغدر قصد طلحة والزبير وجماعة من جندهم إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، وأقيمت الصلاة، فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره اصحاب طلحة والزبير، وقدموا الزبير، فجاءت السيابجة وهم حرس بیت المال فاخرجوا الزبير وقدموا عثمان فغلبهم أصحاب الزبير فقدموا الزبير وأخروا عثمان، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس أن تطلع. وصاح بهم أهل المسجد: ألا تتقون أصحاب محمد وقد طلعت الشمس. وغلب الزبير فصلی بالناس فلما انصرف من صلاته، صاح بأصحابه أن يأخذوا عثمان بن حنيف، فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحاكم بسيفيهما، ودافع السيابجة عن بيت المال ودار الإمارة، فكان هذا الجرم الذي أمرت عائشة الزبير أن يذبحهم عليه. ينظر: أعيان الشيعة: 8 / 141
3- ينظر: منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، مؤسسة الطبع والنشر في الأستانة الرضوية المقدسة، ط 1، 1414 ه: 3 / 185، هامش رقم 1
2 - قيادتهُ في معركة صفين

ولما انسلخ شهر الله المحرّم وانقضت مدّة الموادعة أمر الإمام عليّ (عليه السلام) مناديا فنادى: (يا أهل الشام، يقول لكم أمير المؤمنين: قد استدمتكم التراجعوا الحقّ وتنيبوا إليه، فلم تنتهوا عن الطّغيان، ولم تجيبوا إلى الحقّ، وإني قد نبذت إليكم على سواء، إنّ الله لا يحبّ الخائنين)(1).

قيل: واجتمع أهل الشام إلى أمرائهم ورؤسائهم، وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتّبان الكتائب ويعبئان الناس، وكذلك فعل الإمام علىّ علیه السلام(2).

وقال الإمام عليّ (عليه السلام) للناس: («لا تقاتلوهم حتّى يقاتلوكم، فأنتم بحمد الله على حجّة، وترككم قتالهم حتّى يبدؤوكم حجّة أخرى فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتکواسترا، ولا تدخلوا دارا إلّا بإذن، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى، وإن شتمن أعراضكم، وسيبن أمراءكم وصلحاء کم، فإنّهنّ ضعاف القوى، والأنفس»)(3).

ص: 155


1- تاريخ الطبري: 4 / 6، وينظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير (630 ه)، دار صادر للطباعة والنشر، 1386 ه - 1996 م: 3 / 293
2- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي: 15 / 337
3- تاريخ الطبري: 4 / 6، وينظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير (630 ه)، دار صادر للطباعة والنشر، 1389 ه - 1966 م: 3 / 293، وتجارب الأمم، أحمد بن محمد بن مسکويه الرازي (ت: 630 ه)، تحقيق: الدكتور أبو القاسم امامي، دار سروش للطباعة والنشر، مطابع دار سروش للناشر، ط 2، 1422 ه - 2001 م: 518

وهذا النص على وجازته إلا أنه يقدم فلسفة متكاملة عن اخلاقیات الحرب في الثقافة الإسلامية، وهذا الإجراء من الإمام علي (عليه السلام) نابع من سمو الهدف، ونضج الفكر الإسلامي لديه، فهو يمثل فکر الإسلام وفحوى القرآن الكريم، إذ يعطي (عليه السلام) لكل مرحلة حقها، وجهوده واضحة في منع الحرب والتحلي بأخلاق الاسلام ورحمته، ولكن عندما استعصى الطرف الآخر وركب مطية الباطل، رأى أن جهاد اعداء الدين، ومفرقي صف المسلمين واجبة، فأعد لهذه المرحلة - الحرب - عدتها ولكن ضمن اطارها الإسلامي، ونهجها المحمدي، فالشجرة مازال موصی بها ألا تقطع، وللدار هیبتها، وللأعراض حرمتها وصيانتها وإن اعتدین؛ لأن المطلوب تقويم العوج واشاعة روح الاسلام و قوانينه، لا الهدف القتل والتمثيل والسبي الذي هو غاية الطرف المعادي للإمام علي (عليه السلام) بدءا من الجمل الى النهروان(1).

وخطب الإمام (عليه السلام) في أصحابه، فقال: «عباد الله، اتقّوا الله، وغضّوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، وأقلّوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمزاولة والمناضلة والمعانقة والمكادمة والملازمة، فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ کَثِیراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُکُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ اللهمّ ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم الأجر». وأصبح الإمام علي (عليه السلام) فعیَّن المواقع والقادة وجعل على خيل البصرة سهل بن حنيف(2).

ص: 156


1- وترى هذه الثنائية قد استمرت حتى بعد استشهاد الامام علي (عليه السلام) بين ابنائه (عليهم السلام) والتيار المعادي لحم فالنهج ثابت عند الطرفين مع الفارق قربا وابتعادا عن نهج النبوة
2- ينظر: نهاية الأرب في فنون الأدب: 20 / 111 - 118

فجاهد سهل بن حنيف جهاد الابطال كلما تراجع جانب من عسکر الإمام أمر صاحبه سهل بن حنیف ليعزز المنطقة ويتقدم مع من فيها على الأعداء حتى كان أحد سهام الغضب على العدو، ومن مواقفه لما حَمَلَ أهل الشّام عند قتل ابن بديل على أهل العراق يومئذ وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة واجفلوا اجفالا شديدا فأمر علي (عليه السّلام) سهل بن حنیف فاستقدم ممن كان معه ليرفد الميمنة ويعضده ويعززها، وهكذا نجد الصحابي سهل بن حنیف مستبسلا في المعارك مدخورا للصعاب(1).

وتذكر كتب التاريخ حيث أُعلِنَ وقف الحرب بين جند الإمام علي (عليه السلام) وجیش معاوية، فقام بعض جند الإمام مخالفا، فقام سهل بن حنیف - وسط جند الإمام - فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم - ولا تدعوا أنكم تعلمون كل شي - فإنا كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) یوم الحديبية، ولونری قتالا لقاتلنا. فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال (صلى الله عليه وآله): بلى. فقال عمر: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال (صلى الله عليه وآله): بلى. قال عمر: فعلى ما نعطي الدنية في ديننا، أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال (صلى الله عليه وآله): یابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا.

فرجع عمر متغيظا فلم يصبر - أي إنه لم يقنع بكلام النبي (صلى الله عليه وآله) - حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: یابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا، فنزلت

ص: 157


1- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 5 / 46

سورة الفتح فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يارسول الله أو فتح هو؟ قال: نعم.

فيتضح من هذا الموضوع وما يليه مدى جرأة عمر على النبي (صلى الله عليه وآله) وتجاسره عليه (صلى الله عليه وآله)، ومن هذين الموضوعين يمكننا أن نعلم مدى درجة إيمان عمر واعتقاده بالنبوة، واعتماده على أقوال وكلام الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ومخالفته الأوامر النبي (صلى الله عليه وآله) واعتراضه عليه(1).

ويطالعنا سهل بن حنيف بدوره القيادي واستبساله في تقلد راية القيادة والذود عن الدين في ليالي صفين، فسيفه منتضٍ ودرعه بارز، ولسانه يلهج بتأييد الحق بأسلوب حجاجي قويم، والنص أعلاه يكشف عن أحد مواقفه التي ناب اللسان فيها عن السيف برهة(2).

فهو يدعوهم إلى طاعة إمامهم وعدم مجادلته بغير علم، مصرحا باتهام رأيهم بالزيغ على رأيه، إذ قال بعضهم: قوله: اتهموا رأيكم على دينكم أي: لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى دليل(3).

ص: 158


1- أضواء على الصحيحين، الشيخ محمد صادق النجمي، تحقيق: الشيخ يحيى کالي البحراني، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم، ط 1، 1419 ه: 386
2- مسند الحميدي، أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله القرشي الأسدي الحميدي المكي (المتوفى: 219 ه)، حقق نصوصه وخرج أحاديثه: حسن سليم أسد الدَّارَانيّ، دار السقا، دمشق - سوريا، ط 1، 1996 م: 1 / 385
3- عمدة القاري، العيني (ت: 855 ه)، دار احياء التراث، بیروت: 25 / 44

وبمعركة الجمل وصفين ومن بعدهما النهروان التي خاضها أمير المؤمنين (عليه السّلام) يتحقق إخبار الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لعلي (عليه السّلام) بقتالهم، فعن علي بن ربيعة، قال: سمعت علياً على منبرکم هذا يقول: عهد إلىّ رسول الله أن أقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين(1).

وقد كان سهل بن حنيف من تشکیلات شرطة الخميس الذين واكبوا مسيرة أمير المؤمنين الجهادية وهم من خيرة أنصاره (عليه السلام) إذ اصطُلِح عليهم بشرطة الخميس، وقد سُئل الأصبغ: كيف سميتم شرطة الخميس يا أصبغ؟ قال: إنا ضمناله الذبح وضمن لنا الفتح، يعني أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)(2)، وهم (أَوّل طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ تَشْهَدُ الوَقْعة، وَقِيلَ: بَلْ صَاحِبُ الشُّرْطةِ فِي حَرْبٍ بِعَيْنِهَا)(3)، بوصفهم شجعان الجيش، وكان لهم علامة يعرفون بها، وتسميتهم مأخوذة من تقسيم الجيش إذ هو خمس فرق: المقدمة، والقلب، والميمنة، والميسرة، والساق، وهم الأقوياء الذين يتقدمون الجيش، إذ شرطوا على عدم الرجوع حتى يفتحوا أو يقتلوا، والشرطة: بالسكون والحركة أول كتيبة تحضر الحرب وخيار جند السلطان، ونخبة أصحابه الذين يقدّمهم على غيرهم من جنده وهم الأمراء، والجمع شرط مثل غرفة وغرف، والشرطي بالسكون والحركة منسوب إلى الشرطة لا إلى الشرط لأنه جمع(4)، واستمر هذا التشكيل - شرطة الخميس - إلى عهد الإمام الحسن (عليه السلام) مخلصين

ص: 159


1- ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (ع)، إشراف: جعفر السبحاني، اعتیاد - قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، ط 1، 1418 ه: 13
2- ملاذ الأخبار في فهم تهذيب الأخبار: 10 / 240
3- لسان العرب: 7 / 330
4- شرح أصول الكافي: 6: 286

لخط النبوة ومتأهبين للدفاع عن الإسلام، وكان سهل بن حنيف الأنصاري من البارزين فيه حتى توفي في الكوفة في سنة (38) هجرية(1).

وهكذا خُتمت حياة هذا الصحابي الجليل الذي نصح لله ورسوله والأمير المؤمنين (عليهم السلام) فكان سباقا في مواطن الجهاد، راعيا لما عهد له من مهام، وأثبت اخلاصه لأمامه ودافع عنه في الغيب والعلن، وصبر حتى نال الفوز والفلاح ولكن كان ثمنه غاليا، إذ كلفه الكثير الكثير، وبذلك خط اسمه مع اسماء الموالين والمخلصين للرسول (صلى الله عليه وآله) ولآله من بعده (عليهم السلام).

ثالثًا: محبة الإمام علي (علیه السلام) علامة المؤمن

كان سهل بن حنيف الأنصاري من أحب الناس للإمام (عليه السلام)، ولذلك نجده معه في كل محنه يشاركه المصيبة ويصبر لنصرته لما يرى في نصرته نصرة للدين، ولطالما أشاد الإمام (عليه السلام) بمواقفه النبيلة التي خدم الاسلام فيها رغم ما يكتنف مآزرة الحق من ثمن فنجد الإمام (عليه السلام) يقول: «لَو أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَت»(2).

ومعنی تهافت: سقط قطعة قطعة، وذلك مبالغة في كثرة ما يلحقه ومحبّيه من المصائب والابتلاء، ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار(3).

ص: 160


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 3 / 147
2- نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 488
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني: 5 / 298

وقال ابن أبي الحديد في شرحه: (فد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا المنافق، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن البلوي أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدور، هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة هي أنه عليه السلام مقياس المسلمين فمن أحبه وتأثر بأقواله وأفعاله فهو مؤمن، ومن بغضه ونصب له العداء فهو كافر(1).

ومن الأقوال التي توضح (شدة ابتلاء المؤمن) عن الحسين بن سعيد الأهوازي رفعه إلى زرارة أنه قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في قضاء الله عز وجل كل خير للمؤمن، وذُكر سهل بن حنیف، فقال: كان من النقباء، فقلت له: من نقباء نبيّ الله الاثني عشر؟ فقال: نعم، كان من الذين اختيروا من السبعين، فقلت له: کُفَلاءُ على قومهم؟ فقال: نعم، إنّهم رجعوا وفيهم دم، فاستنظروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قابل، فرجعوا ففرغوا من دمهم واصطلحوا، وأقبل النبيّ (صلى الله عليه وآله) معهم، وذكر سهل بن حنيف ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما سبقه أحد من قريش، ولا من الناس بمنقبة، وأثنى عليه، وقال: لمّا مات جزع أمير المؤمنين (عليه السلام) جزعاً شديداً، وصلّى عليه خمس صلوات، وقال: لو كان معي جبل، لأَرْفَضَّ(2))(3).

ص: 161


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 18 / 275
2- أرْفَضَّ: رُفَاضُ الشْيَّءِ، بالضَّمِّ: مَا تَحْطَّمَ مِنْهُ فتَفَرَّقَ. ينظر: لسان العرب: 7 / 156، و تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، ابو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205 ه)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية: 18 / 350
3- ينظر: الاصول الستة عشر، ضياء الدين المحمودي، تحقيق ضياء الدين المحمودي بمساعدة نعمة الله الجليلي، دار الحديث للطباعة والنشر، ط 1، 1423 ه: 258، و موسوعة الإمام علي هليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، دار الحديث للطباعة والنشر، ط 2، 1425 ه: 12 / 155

فسهل بن حنيف من الأنصار المخلصين للنبيّ والوصيّ ومن السابقين الأوّلين الَّذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار(1)، فكان حبُّ سهل بن حنيف للإمام (عليه السلام) من الصنف المندوب الذي يتخذ بين السبيلين طريقا، لا إفراط ولا تفريط، وقد وضح ذلك الإمام علي (عليه السلام) في خطبة له نذكر منها موضع الشاهد إذ قال (عليه السلام): «وَسَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وخَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ»(2).

وقال في هذا الصدد: (لو ضربت خیشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمّاتها (أي بجلیلها وحقيرها) على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني. وذلك أنّه قضي فانقضى على لسان النّبيّ الأمّيّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - أنّه قال «عَلِيُّ، لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ ولَا یُحْبُّكَ مُنَافِقٌ»)(3).

رابعًا: وفاته

تعد سنة ثمان وثلاثين نقطة الفراق بين الأحبة؛ إذ توفي فيها سهل بن حنيف الأوسي الأنصاري، وقد حظي بتشييع مُشرف شارك فيه عدد كبير من المسلمين يقدمهم الإمام علي (عليه السلام) ومن معه من الصحابة البدريين وهم يهللون بأنفاس النبي (صلى الله عليه وآله) وبركات الوصي

ص: 162


1- ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: 21 / 169
2- نهج البلاغه، خطب الإمام علي (عليه السلام)، تحقيق: صبحي الصالح: 816
3- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، تحقيق: صبحي الصالح: 477

دعاءً واستغفارا للمجاهد الذي أفنى عمره ذائدا عن الإسلام، مقاتلاتحت لواء سدنة الدين محمد رسول الرحمة ووصیه یعسوب الدين (عليهما السلام)، هكذا أغمض عينه وعيون الوصي تذرف عليه الدمع وهو يصلي عليه خمس مرات، ليكبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة، فكل ما يدركه جماعة من المسلمين لم يشهدوا الصلاة على جثمان سهل يقوم (عليه السلام) فيهم مصليا(1).

وقد دُفِنَ سهل في الكوفة وصلى عليه الإمام علي (عليه السلام) خمس تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسا أخرى فصنع ذلك حتى کبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة، وعن عمرو بن شمر، قال قلت لجعفر بن محمد (عليه السلام) جعلت فداك انا نتحدث بالعراق ان عليا (عليه السلام) صلى على سهل بن حنیف فكبر عليه ستا ثم التفت إلى من كان خلفه، فقال: إنه كان بدريا قال فقال جعفر (عليه السلام) انه لم يكن كذا ولكنه صلى عليه خمسا ثم رفعه ومشی به ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسا ففعل ذلك خمس مرات حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة، وروى هذا المعنى عقبة عن جعفر (عليه السلام) وفيه ثم قال لأنه بدري عقبي أحدي وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الاثني عشر فكانت له خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة(2).

ص: 163


1- ينظر: من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق (381 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 2، (د. ت): 1 / 164، والمحاضرات والمحاورات، جلال الدين السيوطي (911 ه)، تحقيق: الدكتور يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1424 - 2003 م: 75
2- ينظر: التدوين في أخبار قزوین، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني (المتوفى: 623 ه)، تحقيق: عزیز الله العطاردي، دار الكتب العلمية، 1408 ه - 1987 م: 2 / 346. وذخيرة المعاد، المحقق السبزواری (1090 ه)، مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، (د. ط)، (د. ت): 1 / 334، و العبر في خبر من غبر: 1 / 32

وفي خبر عقبة أنّ الصادق (عليه السّلام) قال: أما بلغكم أنّ رجلا صلَّی عليه عليّ (عليه السلام) فكبّر عليه خمسا حتّی صلَّى عليه خمس صلوات وقال إنّه بدريّ عقبيّ احديّ من النقباء الاثني عشر وله خمس مناقب فصلَّی عليه لكلّ منقبة صلاة، وكفى في فضله أنّه مات على حبّ علي فرثاه (عليه السّلام) بهذا الكلام المعجب العميق، ويعجبني أن أنقل عن الشارح المعتزلي ما نقله في شرح الحديث قال: قد ثبت أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قال له: لا يحبّك إلَّا مؤمن، ولا يبغضك إلَّا منافق(1).

وقيل إن عليا (عليه السلام) كرر الصلاة على سهل بن حنیف، وليس حجة لأنه (عليه السلام) كررها لتعظيمه وإظهار شرفه(2)، وهذا السلوك مخصوص بمن لهم المنزلة والكرامة في الدين إظهارا لفضله کما خصص النبي (صلى الله عليه وآله) عمه حمزة (عليه السلام) بسبعين تكبيرة(3).

ص: 164


1- ينظر: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (ت: 786 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ستارة - قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، 1419 ه: 1 / 412، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، لحبيب الله الهاشمي الخوئي: 21 / 170، و اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي (460 ه)، تصحیح و تعليق: میردامار الاسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1404 ه: 1 / 166
2- ينظر: تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ط 1، 1414 ه: 2 / 79
3- مختلف الشيعة، العلامة الحلي (731 ه) تحقیق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 1، 1412 ه: 2 / 302

الخاتمة

«الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنام أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين» أما بعد:

فنرجو أن قد وفقنا في تقديم صورة وافية لحياة هذا الصحابي الجليل (سهل بن حنيف)، إذ كان همُّنا أن نقدم تسلسل منطقي متماسك لأهم الأحداث والمحطات التي توقف عندها، بدءا من حياته مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهاده معه في جميع حروبه من بدر وما بعدها، إلى جهاده مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى وفاته رضوان الله عليه، وفي هذه المواقف كان ناصحا لله ورسوله ولأهل بيته (عليهم السلام أجمعين) لم يتخاذل أو يقصر في واجب عهد له، بل كان سباقا متطلعا لخدمة الإسلام.

وقد كشفت الدراسة عن المكانة السامية التي يتمتع بها الصحابي (سهل بن حنيف) عند الصحابة الكبار، من المهاجرين الأوائل والأنصار، وكانوا من المتقدمين في الرأي والمشورة والاحترام، فكان من رواة الحديث، والثقاة الذين يُؤخذ عنهم حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسار في ركاب البدريين الذين يُشار لهم بالبنان، ولا يختلف في نزاهتهم اثنان، وقد

ص: 165

رجعوا - البدريون - إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعهم أكثر الصحابة المخلصين، فيا عجبا كيف يَحارَبون من كانت هذه سيرتهم، متناسين العهود والمواثيق الغليظة التي عهدها إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فسفكوا الدماء ظلما، وقتلوا الكثير من الصحابة لالجرم سوى أنّهم ثبتوا على نهج الرسول ولم يتخبطوا في باطل ولم يتبعوا الشهوات وحب الدنيا، إذ عرفوا الحق فتمسكوا به، ومن هنا نرى أن أتباع الإمام علي (عليه السلام)، وانصاره الذين خاضوا معه الحروب، كانوا من الصحابة البدريين السابقين في الإسلام، وهذه سمة مميزة لجيش الإمام علي (عليه السلام)؛ إذ هو جيش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ما خلا الذين سقطوا في التمحيص واستسلموا لغدر الشيطان.

وقد اتضح من خلال تتبع الدراسة لسيرة الصحابي سهل بن حنیف جملة حقائق نوجزها بالآتي:

1 - يعد سهل بن حنيف الأنصاري من الأنصار الأوائل الذين كان لهم أثر بارز في نشر الإسلام في المدينة المنورة أولا، وخارجها ثانيا.

2 - كان لنشأته في المدينة المنورة واحتكاكه باليهود الذين يقطنون فيها، أثر بارز في تكوين استعداده الفطري لتقبل الدعوة الاسلامية والإيمان بها؛ لما كان يشيعه اليهود من ظهور نبي خاتم، فلما ظهر من العرب كفروا به لأنهم كانوا يتصورونه من ملتهم وليس من العرب، ولعل هذا من اسباب تلقي أهل المدينة الدعوة الإسلامية بسهوله فضلا عن ما وجدوه في الإسلام من روائع المدنية والأمن والعدالة.

ص: 166

3 - تميز سهل بن حنيف الانصاري بالمنزلة الرفيعة بين قومه، وكذا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان من المقربين للإمام علي (عليه السلام).

4 - جاهد مع الرسول (صلى الله عليه وآله) في جميع حروبه وكان من الثابتين يوم أحد وقد ذاد عن الرسول بنفسه.

5 - اشتهر بحبه للإمام علي (عليه السلام) ونصرته له في السر والعلن.

6 - تميز بهجائه اللاذع واستنكاره لفعل أعداء الإمام علي (عليه السلام) لما لمسه عندهم من تناقض فاضح مع أسس الدين وثوابته، وقد فصلت الدراسة ذلك في فصلها الثاني.

7 - شهد تشييع ودفن الصحابي سهل بن حنیف طقوس فريدة من نوعها أداها الإمام علي (عليه السلام) واصحابه ليبينوا مكانة وعظمة هذا الصحابي الذي نصر الإسلام بسيفه وقلبه ولسانه، فأدرك المناقب الخمسة التي ذكرها الإمام الصادق (عليه السلام) فكان من الفائزين.

وبذلك نضع أمام القارئ الكريم طريقا يلتمس فيه الحقيقة، عبر بيان أهم الشخصيات التي ثبتت مع الإمام علي (عليه السلام) ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، فاستمدوا نور الحق من ولي الله لنجلي مظلومية الإمام (عليه السلام) وبيان الحقيقة التي حاول كثير من القدماء والمعاصرين تمويهها وتعتيمهابل محاربتها، وأقصد حق الإمام (عليه السلام) المغصوب في الخلافة، وظلم الرعية له. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

ص: 167

ص: 168

المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

- الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى: 287 ه)، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، دار الراية - الرياض، ط 1، 1411 - 1991.

- اختیار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي (460 ه)، تصحيح وتعليق: میردامار الاسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1404 ه.

- الآداب للبيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه)، اعتنى به وعلق عليه: أبو عبد الله السعيد المندوه، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت - لبنان، ط 1، 1408 ه - 1988 م.

- الاستذکار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفي: 463 ه)، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 - 2000 م.

ص: 169

- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بیروت، ط 1، 1412 ه - 1992 م.

- أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفي: 630 ه)، دار الفكر - بيروت، (د. ط)، 1409 ه - 1989 م.

- أسس النظام السياسي عند الإمامية، الشيخ محمود السند، تحقيق: محمد حسن الرضوي ومصطفى الاسكندري، مطبعة سرور، الناشر باقیات، ط 1، 1426.

- الأصول الستة عشر، ضياء الدين المحمودي، تحقيق ضیاء الدین المحمودي بمساعدة نعمة الله الجليلي، دار الحديث للطباعة والنشر، ط 1، 1423 ه.

- أضواء على الصحيحين، الشيخ محمد صادق النجمي، تحقيق: الشيخ يحيى کمالي البحراني، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم، ط 1، 1419 ه.

- إعلام الوری بأعلام الهدی، الشيخ الطوسي (ت: 548 ه)، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، مطبعة ستارة - بقم، ط 1، 1417 ه.

- الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفي: 1396 ه)، دار العلم للملايين، ط 15، 2002 م.

- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين (1371 ه)، تحقيق: حسن الأمين،، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، (د. ط)، (د. ت).

ص: 170

- إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفي: 845 ه)، تحقيق محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1420 ه - 1999 م.

- الإيمان والإسلام.. وما ينجي من النار.. وبعض النصوص في الردة والمرتدین، مركز المصطفی (صلى الله عليه وآله).

- بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت: 1111 ه)، تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني، عبد الرحيم الرباني الشيرازي، مؤسسة الوفاء، بیروت - لبنان، ط 2، 1432ه - 1983 م.

- بغية الطلب في تاريخ حلب، عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، کمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660 ه)، تحقيق: د. سهیل زکار، دار الفكر.

- تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205 ه)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية.

- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایاز الذهبي (المتوفي: 748 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2، 1413 ه - 1993 م.

- تاريخ الطبري - تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه) (صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، المتوفى: 369 ه)، دار التراث - بيروت، طلا، - 1387 ه.

ص: 171

- تاریخ خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (المتوفى: 240 ه)، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، دار القلم ، مؤسسة الرسالة - دمشق ، بیروت، ط 2، 1397.

- تجارب الأمم، أحمد بن محمد بن مسکویه الرازي (ت: 421 ه)، تحقيق: الدكتور أبو القاسم امامي، دار سروش للطباعة والنشر، مطابع دار سروش للناشر، ط 2، 1422 ه - 2001 م.

- تخجيل من حرف التوراة والإنجيل، صالح بن الحسين الجعفري أبو البقاء الهاشمي (المتوفى: 668 ه)، تحقيق: محمود عبد الرحمن قدح، مكتبة العبيكان الرياض، المملكة العربية السعودية، ط 1، 1419 ه - 1998 م.

- تخطيط المدن في الإسلام، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، ط 1، 1430 ه - 2009 م.

- التداولية عند العلماء العرب دراسة تداولية لظاهرة (الأفعال الكلامية) في التراث اللساني العربي، د. مسعود صحراوي، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى (2005 م).

- التدوين في أخبار قزوین، عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني (المتوفى: 623 ه)، تحقيق: عزیز الله العطاردي، دار الكتب العلمية، 1408 ه - 1987 م.

- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، ط 1، 1414 ه.

ص: 172

- تفسير الأمثل، الشيخ ناصر مکارم الشيرازي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت - لبنان، ط 1، 1434 ه - 2013 م.

- تفسير الطبري - جامع البيان عن تأویل آي القرآن، محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310 ه)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن یمامة دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط 1، 1422 ه - 2001 م.

- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي (ت: 548)، تحقيق: تحقیق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان: 1415 - 1995 م.

- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (508 ه - 597 ه) شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم - بيروت، ط 1، 1997.

- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفي: 463 ه)، تحقيق: مصطفی بن أحمد العلوي ، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، (د. ط)، 1387 ه.

- تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفي: 370 ه)، تحقيق: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1، 2001 م.

ص: 173

- الجامع الكبير - سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسی بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279 ه)، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي - بيروت، 1998 م.

- الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه - صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1422 ه.

- الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671 ه)، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 1، 1384 ه - 1964 م.

- جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفى: 321 ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبکي، دار العلم للملايين - بيروت، ط 1، 1987 م.

- جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت المكتبة العلمية بيروت - لبنان.

- جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار المعارف - مصر، ط 1900، 1 م.

ص: 174

- جواهر التاريخ، الشيخ علي الكوراني العاملي، دار الهدی، مطبعة ظهور، ط 1، 1435 ه - 2004 م.

- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تألیف شیخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي (المتوفى: 1266 ه)، حققه وعلق عليه: الشيخ حيدر الدباغ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 2، 1433 ه.

- الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة، محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (المتوفى: بعد 645 ه)، نقحها وعلق عليها: د محمد التونجي، الأستاذ بجامعة حلب، دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع - الرياض، ط 1، 1403 ه - 1983 م.

- الحجاج مفهومة ومجالاته، الدكتور حافظ إسماعيلي علوي، عالم الكتب الحديث، أربد (2010 م).

- الحديث النبوي الشريف بين الرواية والدراية، الشيخ السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، اعتماد - قم، ط 1، 1419 ه.

- حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني، تحقيق: الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم إيران، ط 1، 1411.

- الخصال، الشيخ الصدوق (381 ه)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (د. ط)، 1403 ه.

ص: 175

- خلاصة عبقات الأنوار، السید حامد النقوي (ت: 1306 ه)، مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية - طهران - ایران، (د. ط)، 1405.

- دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة، الشيخ المنتظري، مركز العالمي للدراسات الإسلامية، مكتبة الاعلام الاسلامي، ط 2، 1409.

- دراسة الأفعال الكلامية في القرآن الكريم - مقاربة تداولية-، أ. بو فرومة حكيمة، مجلة الخطاب، جامعة مولود معمري تيزي وزو - الجزائر، دار الأمل، العدد (3)، لسنة (2008): 11 - 12.

- دراسة حول نهج البلاغة، محمد حسين الحسيني الجلالي ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1، 1421 - 2001 م.

- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني الشيرازي (ت: 1120 ه)، تقديم السيد صادق بحر العلوم، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، 1397 ه.

- الدرر في اختصار المغازي والسير، النمري، الحافظ يوسف بن البر، تحقيق:

الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف - القاهرة، ط 2، 1403 ه.

- دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458 ه)، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، ط 1، - 1408 ه - 1988 م.

- ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري (1090 ه)، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، (د. ط)، (د. ت).

ص: 176

- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (ت: 786 ه)، تحقيق:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ستارة - قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، 1419 ه.

- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخشري (538 ه)، تحقيق: عبد الأمير مهنا، مؤسسة الأعلمي، بيروت لبنان، ط 1، 1412 - 1992 م.

- رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ، السيد لطيف القزويني، (د. ط)، (د. ت).

- رحمة للعالمين، محمد سليمان المنصورفوري (المتوفی: 1348 ه)، ترجمه من الأردية إلى العربية: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، دار السلام للنشر والتوزيع - الرياض، ط 1، (د، ت).

- الرحیق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري (المتوفى: 1427 ه)، دار الهلال بیروت (نفس طبعة وترقيم دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزیع)، ط 1، (د. ت).

- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي، (المتوفي: 1070 ه)، تحقيق: نمقه وعلق عليه وأشرف على طبعه: السيد حسين الموسوي الكرماني، (د. ط)، (د. ت).

- سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفي: 942ه)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط 1، 1414 ه - 1993 م.

ص: 177

- سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى: 1111 ه) تحقيق، عادل أحمد عبد الموجود علي محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، ط: 1، 1419 ه - 1998 م.

- سنن ابن ماجه، ابن ماجة - وماجة اسم أبيه يزيد - أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (المتوفى: 273 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد - محمَّد کامل قره بللي - عَبد اللّطيف حرز الله، دار الرسالة العالمية، ط 1، 1430 ه - 2009 م.

- سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، 1427 ه - 2006 م.

- سيرة ابن إسحاق (السير والمغازي)، محمد بن إسحاق المطلبي ابن اسحاق (المتوفى: 151)، تحقيق: محمد حمید الله، معهد الدراسات والأبحاث للتعريف، (د. ت).

- السِّيرةُ النّبوية - عرضُ وقائع وَتحليل أحدَاث، عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي - السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213 ه)، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، (د. ط)، (د. ت).

- شرح الاخبار، القاضي النعان المغربي (ت: 363 ه)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المقدسة، مطبعة مؤسسة النشر الاسلامي، ط 2، 1414 ه.

ص: 178

- شرح العقيدة الطحاوية، صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز الحنفي، الأذرعي الصالحي الدمشقي (المتوفى: 792 ه)، مطبعة بیروت، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، ط 4، 1391.

- شرح صحيح البخاري لابن بطال، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (المتوفى: 449 ه)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، ط 2، 1423 ه - 2003 م.

- شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة، أبو الأشبال حسن الزهيري آل مندوه المنصوري المصري، (د. ط)، (د. ت).

- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيس البابي الحلبي وشركاه، مؤسسة مطبوعات اسماعیلیان.

- شرح نهج البلاغة، ابن میثم البحراني (679 ه)، تحقيق: عنى بتصحيحه عدة من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها، مركز النشر الاعلامي الاسلامیت الحوزة العلمية - قم - ایران، ط 1، 1362 ه.

- شمائل الرسول (صلى الله عليه وآله)، أحمد بن عبد الفتاح زواوی، دار القمة - الإسكندرية.

- صحيح ابن حبان بترتیب ابن بلبان، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، 1414 - 1993.

ص: 179

- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط 1، 1422 ه.

- الصحیح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، السيد جعفر مرتضى العاملي، ولاء المنتظر (عج)، دفتر تبلیغات اسلامي، ط 1، 1930 ه.

- صراط النجاة (تعليق الميرزا التبريزي)، السيد الخوئي (ت: 1413 ه)، دفتر نشر برگزیده، مطبعة سلمان الفارسي، ط 1، 1416 ه.

- الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1410 ه - 1990 م.

- طرق التضمين الدلالي والتداولي في اللغة العربية وآليات الاستدلال، ادریس سرحان، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه الدولة من شعبة اللغة العربية وآدابها، جامعة سيد محمد بن عبد الله، كلية الاداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز - فاس، للعام 2000 م.

- العبر في خبر من غبر، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه) المحقق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

- العقد النضيد والدر الفريد، محمد بن الحسن القمي (من وفيات القرن السابع)، تحقيق: علي أوسط الناطقي، دار الحديث للطباعة والنشر، قم - شارع معلم، ط 1، 1423 ه.

ص: 180

- علل الشرائع، الشيخ الصدوق (381 ه)، تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها- النجف الأشرف، (د. ط)، 1386 ه - 1966 م.

- علي والحاكمون، الدكتور محمد الصادقي، مكتبة المكتبة، بيروت - لبنان، ط 1، 1433 ه - 2012 م.

- عمدة القاري، العيني (ت: 855 ه)، دار احیاء التراث، بیروت، (د. ط)، (د. ت).

- غاية الأماني في الرد على النبهاني، أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (المتوفي: 1342 ه)، أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي، مكتبة الرشد، الرياض - المملكة العربية السعودية، ط1 ، 1422 ه - 2001 م.

- الغدير، الشيخ الأميني (المتوفي: 1392 ه)، دار الكتاب العربي، بیروت - لبنان، ط 4، 1337 ه - 1977 م.

- الفتوح، أحمد بن اعثم الكوفي (314 ه)، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء للطباعة والنشر، ط 1، 1411 ه.

- الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور (المتوفي: 429 ه)، دار الآفاق الجديدة - بيروت، ط: 2، 1977 م.

- الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفي: 456 ه)، مكتبة الخانجي - القاهرة، (د. ط)، (د. ت).

ص: 181

- فقه السنة، الشیخ سید سابق، دار الكتاب العربي بيروت - لبنان، ط 3، 1397 ه - 1977 م.

- قصص الأنبياء، قطب الدين الراوندي (ت: 573 ه)، تحقيق: الميرزا غلام رضا عرفانیات اليزدي الخرساني، مؤسسة الهادي للطباعة والنشر، ط 1، 1418 ه.

- الكامل في التاريخ، ابن الأثير (630 ه)، دار صادر للطباعة والنشر، 1386 ه - 1966 م.

- الكامل في التاريخ، ابو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط 1، 1417 ه - 1997 م.

- كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي (ت: 1098 ه)، تحقيق: السيد مهدي الرجائی، مطبعة أمير، نشر المحقق، ط 1، 1418 ه.

- کشف المشكل من حديث الصحيحين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597ه)، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن - الرياض، د. ط)، (د. ت).

- کوثَر المَعَاني الدَّرَاري في كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري، محمَّد الخَضِر بن سید عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354 ه)، مؤسسة الرسالة، بیروت، ط 1، 1415 ه - 1995 م.

ص: 182

- لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفي: 711 ه)، دار صادر - بيروت، ط 3، 1414 ه.

- اللغة والحجاج، الدكتور أبو بكر العزاوي، العمدة في الطبع، منتديات سور الأزبكية، ط 1، 1426 ه - 2006 م.

- ما أدراك ماعلي: د. صلاح مهدي الفرطوسي، العتبة العلوية المقدسة - قسم الشؤون الفكرية والثقافية، طبعة مصححة ومنقحة، 2432 - 2011 م.

- المجموع اللفيف، أمين الدولة محمد بن محمد بن هبة الله العلوي الحسيني أبو جعفر الأفطسي الطرابلسي (المتوفي: بعد 515 ه)، دار الغرب الإسلامي، بیروت، ط 1، 1425 ه.

- المحاضرات والمحاورات، جلال الدين السيوطي (911 ه)، تحقيق: الدكتور يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 1424 - 2003 م.

- المحبر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (المتوفى: 245 ه)، تحقيق: إيلزة ليختن شتیتر، دار الآفاق الجديدة، بیروت، (د. ط)، (د. ت).

- مختصر زاد المعاد، محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي المتوفي: 1206 ه)، دار الريان للتراث - القاهرة، ط 2، 1407 ه - 1987 م.

- مختلف الشيعة، العلامة الحلي (731 ه) تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ط 1، 1412 ه.

ص: 183

- المدارس اللسانية المعاصرة، د. نعان بوقرة، مكتبة الآداب، القاهرة، د. ط (2003 م).

- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014 ه)، دار الفکر، بیروت - لبنان، ط 1، 1422 ه - 2002 م.

- مروج الذهب ومعادن الجوهر، أبو الحسن علی بن الحسين بن على المسعودي (المتوفى: 346 ه)، تحقيق: أسعد داغر، دار الهجرة - قم، 1409 ه.

- المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة، عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق، ابن مندة العبدي الأصبهاني، أبو القاسم (المتوفي: 470 ه)، تحقيق: أ. د. عامر حسن صبري التَّميميُّ، وزارة العدل والشئون الإسلامية البحرين إدارة الشئون الدينية.

- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع المتوفي: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1411 - 1990.

- المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفي: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1411 - 1990 م.

ص: 184

- المستطرف في كل فن مستطرف، شهاب الدین محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي أبو الفتح (المتوفي: 852 ه)، عالم الكتب - بيروت، ط 1، 1419 ه.

- مسند أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1421 ه - 2001 م.

- مسند الحميدي، أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله القرشي الأسدي الحميدي المكي (المتوفى: 219 ه) تحقيق: حسن سليم أسد الدَّارَانيّ، دار السقا، دمشق - سوريا، ط 1، 1996 م.

- المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

- معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول، حافظ بن أحمد بن علي الحكمي (المتوفى: 1377 ه)، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم - الدمام، ط 1، 1410 ه - 1990 م.

- المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276 ه)، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط 2، 1992 م.

- معالم السنن، وهو شرح سنن أبي داود، أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفي: 388 ه)، المطبعة العلمية - حلب، ط 1، 1351 ه - 1932 م.

ص: 185

- المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (المتوفى: 360 ه)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، دار، مكتبة ابن تيمية - القاهرة، ط 2، (د. ت).

- معجم رجال الحدیث و تفصیل طبقات الرواة، للإمام الأكبر السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره الشريف، ط 5، 1413 ه - 1992 م.

- المعرفة والتاريخ، يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي، أبو يوسف (المتوفى: 277 ه)، تحقيق: أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بیروت، ط 2، 1401 ه- 1981 م.

- المغازي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفى: 207 ه)، تحقيق: مارسدن جونس، دار الأعلمي - بيروت، ط 3، 1409 - 1989.

- المفيد من معجم رجال الحدیث، محمد الجواهري، مكتبة المحلاتي - قم - ایران ، ط 2، 1424 ه.

- مناقب آل ابي طالب ابن شهرآشوب (588 ه)، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، (د. ط)، 1376 - 1412 م.

- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي (المتوفي: 300 ه)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع أحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة، مطبعة النهضة، ط 1، 1412 ه.

ص: 186

- مناقب أهل البيت (ع)، المولى حيدر الشيرواني (من وفيات القران العشرين)، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، مطبعة منشورات الإسلامية، (د. ط)، 1414 ه.

- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطاء دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1412 ه - 1992 م.

- منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، مؤسسة الطبع والنشر في الاستانة الرضوية المقدسة، ط 1، 1414 ه.

- موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، الشيخ هادي النجفي، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتويع، ط 1، 1433 - 2002.

- موسوعة الإمام علي (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، دار الحديث للطباعة والنشر، ط 2، 1425 ه.

- موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)، إشراف: جعفر السبحاني، اعتیاد- قم، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)، ط 1، 1418 ه.

- موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية، أبو سهل محمد بن عبد الرحمن المغراوي، المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، القاهرة - مصر، النبلاء للكتاب، مراكش - المغرب، ط 4، (د. ت).

ص: 187

- الموطأ، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (المتوفى: 179 ه)، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية - أبو ظبي - الإمارات، ط 1، 1425 ه - 2004 م.

- أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (المتوفى: 279)، تحقيق: الأستاذ الدكتور سهيل زكار - الدكتور رياض زركلي، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، (د. ت).

- نهاية الأرب في فنون الأدب، أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التيمي البكري، شهاب الدين النويري (المتوفى: 733 ه)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ط 1، 1423 ه.

- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، جمع الشريف الرضي، تحقيق وضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية الدكتور صبحي الصالح، ط 1، 1387 ه - 1967م.

- نيل الأوطار، الشوكاني (المتوفى: 125 ه)، دار الجيل، بیروت لبنان، (د.

ط)، 1973 م.

- الوافي، الفيض الكاشاني (ت: 1091 ه)، تحقيق: ضياء الدين الحسيني، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (ع) العامة - أصفهان، طباعة أفست نشاط اصفهان، ط1 ، 1406 ه.

ص: 188

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

المقدَّمة...9

التمهيد...13

الفصل الأول سيرة سهل بن حنيف مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى خللغة الإمام علي علیه السلام المبحث الأول: أثره في الحياة الإسلامية بصورة عامة...27

أولاً: نسبه...27

ثانياً: هيأته...31

ثالثاً: إسلامه ومنزلته...32

المبحث الثاني: جهوده في نشر الإسلام...53

أولاً: المؤاخاة...54

ثانیاً: رواية الحديث...63

ثالثاً: جهاده...76

ص: 189

أ - موقفه البطولي في معركة بدر الكبرى...79

ب - موقفه البطولي في معركة أحد...84

ج - مشاركته في الجهاد ضدّ اليهود...86

د - تقدمه للصلاة بالمسلمين في أواخر حکم عثمان...90

الفصل الثاني سيرة الصحابي سهل بن حنيف في خلافة الإمام علي (علیه السلام) المبحث الأول: مواقف الصحابي سهل بن حنيف النبيلة...97

أولاً: روايته لحديث الغدير واللهج به باستمرار...97

أ - من رواة حديث الغدير...98

ب - شهادته لأمير المؤمنين في يوم الرحبة...100

ثانياً: اعتراضه على أبي بكر...103

1 - المبيت على فراش النبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)...105

2 - وصيته للإمام علي (علیه السلام) بحفظ ذمته وارجاع أماناته (صلی الله علیه وآله وسلم)...110

3 - تبليغه (علیه السلام) سورة براءة...115

4 - حديث المنزلة في تبوك...120

ثالثاً: خبر الديراني واسلامه على يد أمير المؤمنين (علیه السلام)...130

ص: 190

المبحث الثاني: طائفة من مکاتیب سهل بن حنيف مع الإمام علي علیه السلام، ومعارکه...139

أولاً: مكاتبات الإمام علي (علیه السلام) مع سهل بن حنيف...139

أ - كتابه في بيان من تخلف عن الحق ولحق الباطل...139

ب - كتابه (علیه السلام) له في بيان زهده وحثهم على الطاعة...142

ج - كتابه (علیه السلام) له يبين فيه اتصاله بالله ورسوله ورباطة قلبه...144

ثانياً: المعارك التي شهدها مع الإمام علي (علیه السلام)...145

أ - مناصرته للإمام علي (عليه السلام) في المعارك...146

ب - استنكاره لفعل عائشة...147

1 - سهل بن حنيف في معركة الجمل...152

2 - قيادته في معركة صفين...155

ثالثاً: محبة الإمام علي (علیه السلام) علامة المؤمن...160

رابعاً: وفاته...162

الخاتمة...165

المصادر والمراجع...169

المحتويات...189

ص: 191

ص: 192

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.