جابر بن عبد الله الأنصاري رفيق الأوصياء

هوية الکتاب

جابر بن عبد الله الأنصاري رفيق الأوصياء

9789933582197 ISBN رقم الايداع في دار الكتب والوثائق العراقية 2869 لسنة 2017 م IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda مصدر الفهرسة: رقم تصنيف LC.

BP32. J32 K4 2017 المؤلف الشخصي: الخفاجي، محمد حمزة الخفاجي. العنوان: الصحابي (جابر بن عبد الله الأنصاري): رفيق الأوصياء / بيان المسؤولية: تأليف محمد حمزة الخفاجي، تقديم السيد نبيل قدوري الحسني. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438 ه = 2017 م.

الوصف المادي: 216 صفحة. سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج اللاغة سلسلة حياة السلف الصالح صحابة الإمام علي (عليه السلام) 2. تبصرة عامة: تبصرة ببيلوغرافية: الكتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 203 - 214). تبصرة محتويات: موضوع شخصي: جابر بن عبد الله الأنصاري، 16 قبل الهجرة - 78 هجري - نقد وتفسير. مصطلح موضوعي شخصي: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، نبي الإسلام، 53 قبل الهجرة - 11 هجري - أصحاب. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجريا أصحاب. مصطلح موضوعي: الصحابة والتابعون - تراجم. مصطلح موضوعي: معركة الجمل. 36 للهجرة.. مؤلف إضافي: الحسني، نبيل قدوري، 19665، مقدم. تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة حیاة السلف الصالح صحابة الأمام علیه السلام البدريون (3) جابر بن عبد الله الأنصاري رفيق الأوصياء تأليف محمد حمزة الخفاجي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر(عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 07815016633 الموقع الالكتروني: www.inahj.org الايميل: Inahj.org@gmail.com

تنويه: إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

مقدمة المؤسسة

أين الخلف من هذا السلف؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

لم يزل الإمام علي عليه السلام الفاروق بين الحق والباطل والمحك الذي يكشف القير من التراب والإيمان من النفاق والفئة العادلة من الباغية والسنّة من البدعة والصالح من الطالح، ولأن الدين هو أثمن ما لدى العاقل فقد احتاج العاقل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام؛ ولأن الدعوة إلى التمسك بالسلف الصالح أصبحت اليوم شعار الخلف كان لا بدّ من الرجوع إلى أولئك السلف لنرى أين كانوا أو تحت أي راية ساروا وإلى أي فئة انتسبوا وأي سنّة أحيوا وأي بدعة أماتوا.

ولأجل هذا وغيره، ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ

ص: 5

الكريم مكنزاً معرفياً يعيد رسم صورة الإسلام ويوضح الطريق لمن تشوق لمعرفة رجال صدقوا في إيمانهم وكانوا دعاة ربانيين للإسلام وعاملين مجدين في بناء الحضارة الإنسانية منذ أن شرّفهم الله بالإسلام وصحبة رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتمسك بأخيه ووصيه وخليفته في أمته وولي من كان المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم نبيه.

فكانواصحابة وموالين وسلفاً صالحاً لمن أراد أن يعلم من هم السلف الصالح ومن أميرهم ومولاهم حتى قال فيهم الحاكم النيسابوري في مستدركه نقلاً عن الحكم: (شهد مع علي - معركة - صفين ثمانون بدرياً و خمسون ومئتان من بايعوا تحت الشجرة)(1) ولأجل معرفة هؤلاء (البدريون والشجريون) الذين كانوا يقاتلون تحت راية علي عليه السلام في حربه للفئة الباغية معاوية وحزبه وأشياعه وممن لم يشتركوا لكنهم عرفوا بموالاتهم لعلي،

الذا:

شرعت المؤسسة بالبحث والدراسة لهذا السلف الصالح، وبيان شخصيتهم وسيرتهم العطرة، ضمن سلسلة تصدر تباعاً والموسومة ب (سلسلة حياة السلف الصالح صحابة الإمام علي عليه السلام) فقدّمنا منهم الصحابة البدريين والسابقين من المهاجرين والأنصار، فإن وفقنا الله لإكمالهم شرعنا بأهل البيعة تحت الشجرة.

وبناءاً عليه:

فإن من أولئك الصحابة الكرام الذين أكرمهم الله وشرفهم بالجهاد بين يدي

ص: 6


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 180

رسول الله (صلى الله علیه و آله)، في معركة بدر الكبرى وأتم عليهم نعمته في موالاة علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فجاهد أعداء الله بين يديه، وبذل نفسه في نصرته، هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله تعالى عليه) الذي ما زال متقلباً في ألطاف الله والأئمة حتى قبضه الله إليه مغفوراً مرحوما بعد أن قضى حياته في رفقة أوصياء رسول رب العالمین (صلى الله عليه وآله)، فقد أدرك الإمام عليّاً وتشرف بموالاته وولده الإمام الحسن ثم الإمام الحسين ثم ولده الإمام زين العابدین ثم ولده الإمام الباقر (عليهم السلام)، فيا لها من كرامة ويا لها من نعمة خصَّه الله تعالى بها.

فمن الجهاد في بدر الكبرى إلى الجهاد في صفين إلى إبلاغ سلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لولده الإمام محمد الباقر (عليه السلام) مسيرة زاخرة بالعطاء والجهاد ومحاربة البدع وإحياء للسنّة المحمدية.

فأين الخلف اليوم من هذا السلف؟!!

السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 7

ص: 8

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين:

وبعد:

ففي هذا البحث سنتحدث عن صحابي جليل عاصر سبع حجج، وهو جابر بن عبد الله الأنصاري، وجابر الأنصاري من حواريّ(1) النبي، ومن الصحابة الذين ذاع صيتهم بين الناس، وكان عالماً فاضلاً نقياً عظيم الشأن، عارفاً بتفسير القرآن، وقيل إنه من أجلّاء المفسرين، فهذا الصحابي عاصر النبي وأمير المؤمنين وفاطمة وقد عُدّ من أصحاب الإمامين الحسن والحسين وله صحبة مع الإمام السجاد وولده الباقر (سلام الله عليهم أجمعين) وكانت له في أواخر عمره حلقة في مسجد النبي يؤخذ منه العلم وكان مفتي المدينة وقد كف بصره في تلك الفترة.

وقد عُدّ جابر الأنصاري من أشهر رواة الحديث الحافظين للسنن، وكان جابر مصدراً للصحابة والتابعين يرجعون إليه في تصحيح الروايات وضبطها وذلك لصدقه ونزاهته، وقد روى عنه الكثير من التابعين کما روى عنه الإمام الباقر (عليه السلام).

ص: 9


1- معنی حواري، (كلُّ مُبالِغٍ في نُصرَةِ آخر حَوارِيٌّ، وخص بعضهم به أَنصار الأَنبياء)، لسان العرب، ج 4، ص 220

ولم يكن جابر حكراً على المذهب الشيعي فقط، بل كان ينبوعاً تستقي منه جميع المذاهب الاسلامية وذلك لكثرة علمه وصدقه وأمانته التي جعلت الجميع يأخذون منه ولم يأخذ هو إلا من محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم.

و جابر مدرسة من مدارس التشيع ورمز من رموزها، فكان الصحابة والتابعون الفضلاء يتعلمون منه دروس التشيع والولاء لآل البيت بوصفه من المقربين إلى النبي وآله (صلى الله عليهم وسلم).

ولهذا الصحابي مناقب و کرامات كثيرة كونه عاصر النبي حتى أدرك الإمام الباقر، فهذه الحقبة الطويلة التي قضاها جابر مع الحجج نال فيها رضا الله لأنه منقطع اليهم لذا أكرمه الله بهذه الكرامات، فلجابر خصائص عجيبة وأمور جرت له على يد النبي والمعصومين سوف نذكرها في أثناء بحثنا هذا.

وجابر رجل شجاع شارك مع رسول الله في أغلب الغزوات وكان بدرياً أحدياً شجرياً، ومن الأوائل الذين بايعوا النبي في بيعة العقبة الثانية، إذ كان مع والده عبد الله بن حرام وهو صحابي طيب كان أحد نقباء بني سلمة، وجابر من الصحابة الثابتين الذين لم يبدلوا دينهم، فبعد رحيل رسول الله (صلى الله علیه و آله) رجع جابر إلى علي وشارك معه في حروبه ومنها معركة صفين، حيث كان جابر تحت لواء أمير المؤمنين (عليه السلام) وما هذا إلا مؤشر على أحقية أمير المؤمنين وبطلان معاوية، فهو رمز من رموز الشيعة لذا اخترناه ليكون حجة على من يقول ويتحدث عن السلف الصالح، فهذا هو أحد ذلك السلف الذي لا اختلاف فيه عند الطرفين، حينما يكون تحت لواء أمير المؤمنين أفلا يكون دليلاً على بطلان من يقف في صف معاوية ويدافع عنه، فالدفاع عن معاوية يعني خذلان الحق ونصرة الباطل.

ص: 10

وكون جابر رضوان الله عليه عاش عمراً طويلاً لذا قسم البحث كالآتي:

الفصل الأول: مواقفه ومآثره في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله):

وهذا الفصل اشتمل على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: (هويته الشخصية).

المبحث الثاني: (مآثره في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

المبحث الثالث: (بيان منزلته من النبي وفاطمة (عليهما أفضل الصلاة والسلام)، وذكر خصائصه وبعض الكرامات التي حدثت له على يد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

الفصل الثاني: مواقفه ومآثره في زمن الأئمة المعصومين (عليهم السلام).

وتناولت فيه حياة جابر بعد استشهاد النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد اشتمل أيضاً على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: (حياته ومواقفه مع الإمام علي (عليه السلام).

المبحث الثاني: (جابر والحسنان (عليهما السلام).

المبحث الثالث: (علاقته بالإمامين السجاد والباقر (عليهما السلام)، وموقفه مع حکام عصره).

الباحث

ص: 11

ص: 12

الفصل الأول ما مواقفه ومآثره في حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)

ص: 13

ص: 14

الفصل الأول: مواقفه ومآثره في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

هنالك من الصحابة من ذاع صيتهم بين الناس وصارت لهم مكانة رفيعة ومنزلة مختلفة، وأحد هؤلاء الصحابة الذين حظوا بهذه المكانة وهذه الدرجة العالية جابر بن عبد الله الأنصاري، وذلك لقربه من النبي، فهذا الصحابي آزر النبي في حروبه وغزواته وكان كثير التردد على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ما لمسناه من خلال الروايات، ويعد جابر من السابقين إلى الاسلام فذلك الموقف البطولي الذي شهده مع أبيه ليلة العقبة ومبايعته للرسول في بدء شبابه يبرهن على ولائه وحبه الصادق لرسول الله (صلى الله علیه و آله)، كذلك هو دليل على وعيه وحسن خلقه وحبه للخير وبغضه للشر فهو ما إن سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو إلى الإسلام استجاب له، فمنذ ذلك الحين لم يترك النبي حتى فارق رسول الله (صلى الله علیه و آله) الحياة.

وفي هذا الفصل سنتناول حياة هذا الصحابي ونذكر مواقفه ومآثره مع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، و كذلك نبين منزلته وعظيم شأنه وأنه أحد الصحابة الثقات الذين نالواثقة النبي وأهل بيته، وقد عُدّ جابر من أكثر الصحابة الذين رووا عن النبي فكان جهاده بلسانه کجهاده بسيفه، ولكثرة ملازمته لرسول الله فقد شهد کرامات ومعجزات للنبي كثيرة ومن هذه الكرامات ما تخصه وللتوسعة أكثر سوف نبين ذلك في المباحث الآتية.

ص: 15

المبحث الأول هويته الشخصية

قبل الخوض في ذكر مواقفه (رضوان الله عليه)، وصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما آثر به في حياته في سبيل الدين ونصرته للإسلام، لا بد من بیان اسمه وکنیته ومعرفة أبويه، وذكر أهم المواقف المشرفة لهذه الأسرة الطيبة وذلك من خلال تتبع الأحداث التي جرت في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) في بادئ الدعوة:

المسألة الأولى: (إسمه، كنيته، حليته، أبناؤه، ووفاته)

إسمه:

جَابِر بن عَبد الله بن عَمرو بن حرام(1) بن عمرو بن سواد بن سلمة، ويقال: جابر ابن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن کعب بن غنم بن سلمة)(2).

ممن شهد العقبة وكان أصغرهم سناً وكان بدرياً أُحدياً شجرياً وممن عمَّر طويلاً حتى شهد الإمام الباقر، وهو أحد المكثرين بالحديث ومن الثقات عند الخاصة والعامة.

قال الذهبي: (الإمام أبو عبد الله الأنصاري الفقيه مفتي المدينة في زمانه كان آخر

ص: 16


1- التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله، ج 2، ص 207؛ الكنى والاسماء، مسلم بن الحجاج النيسابوري، ج 1، ص 466؛ معجم الصحابة، عبد الله البغوي، ج 1، ص 438؛ الجرح والتعدیل، عبد الرحمن الرازي، ج 2، ص 492؛ معجم الصحابة، عبد الباقي البغدادي، ج 1، ص 136؛ الثقات، محمد بن حبان، ج 3، ص 51؛ مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان، 1، ص 3؛ معرفة الصحابة، ابو نعيم أحمد الأصبهاني، ج 2، ص 529
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 219

من شهد [بيعة] العقبة في السبعين من الأنصار و حمل عن النبي (صلى الله عليه و آله) علماً كثيراً نافعاً وله منسك صغير في الحج (أخرجه مسلم)(1).

(قد بلغ مسنده ألفاً وخمسمائة وأربعين حديثاً، اتّفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثاً، وانفرد له البخاري بستَّة وعشرين حديثاً، ومسلم بمائة وستّة وعشرين حديثاً)(2).

وهذه إحدى خصائص هذا الصحابي (رضوان الله عليه)، حيث بلغ مسند جابر ألفاً وخمسمائة وأربعين حديثاً فهذه الأحاديث الشريفة رفعت من مستواه الثقافي والمعرفي.

روي في الاستیعاب، عن عمرو قال: (سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا يوم الحديبيّة ألفا وأربعمائة، فقال لنا رسول الله (صلَّى الله عليه و آله وسلَّم): أنتم اليوم خير أهل الأرض)(3).

وروی سالم بن أبي الجعد قال: (قلت لجابر: كم كنتم يوم الشجرة؟ قال: كنا ألفا وخمسمائة، وذكر عطشا أصابهم قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وآله بماء في تور فوضع يده فيه، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه كأنه العيون، قال: فشربنا ووسعنا وكفانا، قال: قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا ألفا وخمسمائة)(4).

وكان رضوان الله عليه من شرطة الخميس(5)، قال أحمد البرقعي، وأصحاب أمير

ص: 17


1- تذكرة الحفاظ، الذهبي، ج 1، ص 43
2- دراسات فقهية في مسائل خلافية، الشيخ نجم الدين الطبسي، ص 19
3- الاستیعاب، ابن عبد البر، ج 1، ص 6
4- بحار الأنوار، ج 20، ص 346
5- الخميس: الجيش سمي به لأنه ينقسم على خمسة أقسام، المقدمة، والساقة، والميمنة والميسرة، والقلب - والشرط الأقوياء الذين يتقدمون الجيش كأنهم شرطوا على عدم الرجوع حتى يفتحوا أو يقتلوا، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول)، ج 6، ص 75

المؤمنين الذين كانوا شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل، وقال علي بن الحكم [أصحاب] أمير المؤمنين الذين قال لهم: «تشرطوا إنما أشارطکم على الجنة، ولست أشارطکم على ذهب ولا فضة، إن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأصحابه فيما مضى تشرطوا فإني لست أشارطكم إلا على الجنة» وقال أمير المؤمنين عليه السلام لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل أبشر يا بن يحيى فإنك وأباك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم في السماء شرطة الخميس على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلمان والمقداد وأبو ذر وعار وأبو سنان وأبو عمرة وجابر بن عبد الله وسهل وعثمان ابنا حنيف الأنصاريان)(1).

كنيته:

اختلف في كنيته، فقيل: أبو عَبد الرحمن، وأصح ما قيل فيه أبو عَبد الله(2) وفي الإصابة، يكنى أبا عبد الله، وأبا عبد الرحمن ويكنى أيضاً أبا محمد(3).

حليته:

في أسد الغابة: عن الكلبي أنه عمي في آخر عمره، وكان يحفي شاربه وكان يخضب بالصفرة، وفي الإصابة: روى البغوي من طريق عاصم بن عمرو بن قتادة قال: جاءنا

ص: 18


1- الرجال، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ص 3
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 220، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 492
3- ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 546

جابر بن عبد الله وقد أصيب بصره وقد مس رأسه ولحيته بشيء من صفرة)(1).

أبناؤه:

ولجابر بن عبد الله أبناء هم:

1- مُحَمَّد بْن جَابِر بن عَبْد الله بْن عَمْرو بْن حرام الأَنْصَارِيّ السلمي(2).

2- مَحْمُود بْن جَابِر بْن عَبْد الله بْن عَمْرو بْن حرام السلمي(3).

3- عقِيلَ بْن جَابِر بْن عَبْد الله السلمي الْأَنْصَارِيّ(4).

4- عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ السلمي المديني(5).

وقد نقل عن جابر الكثير من الصحابة والتابعين ومنهم ابناؤه، عَنْ مَحْمُودٍ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرٍ سَمِعَا جَابِرًا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ أَخَافَ الأَنْصَارَ أَخَافَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ، وأومأ إلى جنبيه)(6).

وقد وردت روايات عن عقيل وعبد الرحمن عن ابیهما جابر، جاء في أعيان الشيعة، (روى عنه أولاده عبد الرحمن وعقيل و محمد وسعيد بن المسيب و محمود بن لبيد و أبو الزبير وعمرو بن دینار وأبو جعفر الباقر وابن عمه محمد بن عمرو بن الحسن ومحمد بن المنكدر وأبو نضرة العبدي ووهب بن کیسان و سعید بن میناء والحسن بن محمد ابن الحنفية وسعيد بن الحارث وسالم بن أبي الجعد وأيمن الحبشي والحسن البصري

ص: 19


1- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 4، ص 46
2- التاريخ الكبير للبخاري، ج 1، ص 53
3- التاريخ الكبير، ج 7، ص 404
4- المصدر السابق، ج 7، ص 52
5- المصدر السابق، ج 5، ص 266
6- المصدر السابق، ج 7، ص 405

وأبو صالح السمان وسعيد بن أبي هلال و سلیمان بن عتيق وعاصم بن عمر بن قتادة والشعبي وعبد الله وعبد الرحمن ابنا کعب بن مالك وأبو عبد الرحمن الحبلي وعبید الله بن مقسم وعطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير و مجاهد والقعقاع بن حکیم وزید الفقير واسمه سلمة بن عبد الرحمن وخلق كثير)(1).

وفاته:

اختلف في سنة وفاته (رضوان الله عليه) فوردت عدَّة أقوال نذكر منها:

جاء في مروج الذهب، (مات جابر بن عبد الله الأنصاري في أيام عبد الملك بالمدينة، وذلك في سنة ثمان وسبعين، وقد ذهب بصره، وهو ابن نيف وتسعين سنة)(2).

وفي الاصابة، ومن طريق أبي هلال عن قتادة قال: (كان آخر أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)، موتا بالمدينة جابر، قال البغويّ: هو وهم، وآخرهم سهل بن سعد.

قال يحيى بن بكير وغيره: مات جابر سنة ثمان وسبعين، وقال علي بن المدينيّ: مات جابر بعد أن عمَّر فأوصى ألا يصلّي عليه الحجاج.

قال ابن حجر العسقلاني: (وهذا موافق لقول الهيثم بن عدي إنه مات سنة أربع وسبعين، وفي الطبري و تاريخ البخاريّ ما يشهد له، وهو أن الحجاج شهد جنازته، ويقال: مات سنة ثلاث [وسبعين]، ويقال: إنه عاش أربعا وتسعين سنة)(3).

ص: 20


1- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 4، ص 49
2- مروج الذهب و معادن الجوهر، المسعودي، ج 3، ص 115
3- الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 546 - 547

وعن أبان بن تغلب، قال حدثني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: (إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1). وهذا هو الصواب.

ويظهر من ذلك: إنَّ جابراً (رضوان الله عليه) يمكن أن تكون وفاته سنة 73 أو سنة 74 أو سنة 78 في المدينة المنورة، وكان عمره 94 سنة، وقد صلي عليه الإمام السجاد والإمام الباقر (عليهما السلام) کما سنذكر لاحقاً(2)، لأنه رضوان الله عليه أوصى أن لا يصلي عليه الحجاج.

المسألة الثانية: (والداه)

أمه:

نسيبة بنت عقبة بن عدي بن سنان بن نابي بن زید بن حرام بن کعب بن غنم(3) تجتمع هي وأبوه في حرام(4).

أبوهُ:

أما والد جابر فهو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، ممن شهد العقبة الأولى والثانية وهو أحد النقباء الإثني عشر، ففي أسد الغابة كَانَ عَبْد الله

ص: 21


1- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 217، ح 87
2- ينظر: کتاب الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، ص 237
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 220، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 492
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 492

عقبیا بدريًا نقيبًا(1)، کَانَ نقیب بني سَلَمة هُوَ والبراء بْن معرور(2).

وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان عبد الله أبو جابر بن عبد الله من السبعين ومن الإثني عشر، وجابر من السبعين وليس من الاثني عشر)(3).

(والسبعون: هم الذين كانوا بایعوا النبي (صلى الله عليه وآله) في عقبة مني. والاثنا عشر هم الذين بايعوه (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك، وعيّنهم نقباء للأنصار. والعقبة هي التي تضاف إليها (الجمرة) فيقال: (جمرة العقبة). والجمرة عن يسار الطريق للقاصد إلى منی من مكة. وعندها مسجد يقال له: مسجد البيعة وفي (مجمع البحرين للطريحي مادة: عقب): «... وليلة العقبة هي الليلة التي بايع رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) الأنصارُ على الإسلام والنصرة، وذلك أنه (صلى الله علیه و آله) كان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم ليؤمنوا به، فلقي رهطا فأجابوه، فجاء في العام المقبل اثنا عشر إلى الموسم، فبايعوه عند العقبة الأولى، فخرج في العام الاخر سبعون إلى الحج، واجتمعوا عند العقبة، وأخرجوا من كل فرقة نقيبا، فبايعوه، وهي البيعة الثانية»)(4).

فجابر الأنصاري رضوان الله عليه وعلى آبائه تربى في هذا البيت الطيب وهذه الاسرة المجاهدة وقد تعلم من أبيه الكرم والوفاء وحب النبي والإيثار له بكل شيء وقد شهد لهم النبي بذلك.

ص: 22


1- نقیب القوم كالكفيل والضمين: ينقب عن الأسرار ومكنون الأضمار، وإنما قيل نقيب لأنه يعلم دخيلة أمر القوم ويعرف الطريق إلى معرفة أمورهم. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، ج 2، ص 175
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ج 3، ص 343
3- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، ج 1، ص 217
4- الفوائد الرجالية، السيد مهدي بحر العلوم، ج 2، هامش، ص 138

فعن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام قال: (أمر أبي بحريرة فصنعت ثم أمر بي فأتيت بها رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فقال ما هذا يا جابر ألحم ذا؟ قال: فقلت لا یا رسول الله ولكن أبي أمر بحریرة وأمرني أن آتيك بها، فأخذهاثم أتيت أبي فقال: هل رأيت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)؟ قلت نعم، قال: فهل قال شيئا؟ قلت: نعم، قال: ما قال؟ قال: ألحم ذا يا جابر؟ فقلت لا يا رسول الله ولكن أبي أمر بحریرة فصنعت وأمرني فأتيتك بها، فقال أبي: عسى أن يكون رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) اشتهى اللحم فقام إلى داجن له فأمر بها فذبحت ثم أمر بها فحملتها إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فأتيته وهو في مجلسه، فقال لي ما هذا يا جابر؟ فقلت أتيت أبي فقال هل رأيت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)؟ فقلت نعم، فقال: هل قال شيئا؟ قلت نعم، قال، ماهذا يا جابر ألحم ذا فقال أبي عسى أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اشتهى اللحم فقام إلى داجن فأمر بها فذبحت ثم أمر بها فشويت ثم أمرني فأتيتك بها، فقال جزاكم الله معشر الأنصار خيرا ولا سيما آل عمرو بن حرام)(1).

فلا عجباً أن يكون جابر بهذا الطيب والحب والولاء للنبي والعترة وقد عاش مع هذا الوالد الكريم الحنون ولكرمه وجوده وحبه الصادق للنبي فقد أكرمه الله الشهادة فكان رضوان الله عليه أول شهيد في أحد وقد بشره الله بالشهادة قبل ذلك.

قال ابن أبي الحديد، قال الواقدي: وكان جابر يقول: أول قتيل من المسلمين يوم أحد أبي، قتله سفيان بن عبد شمس أبو الأعور السلمي، فصلى عليه رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قبل الهزيمة)(2).

ص: 23


1- تاریخ دمشق، ج 4، ص 237
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید، ج 14، ص 263

وفي رواية، قال عبد الله بن عمرو بن حرام: (رأيت في النوم قبل يوم أحد بأيام وكأني رأيت مبشر بن عبد المنذر يقول: أنت قادمٌ علينا في أيام، فقلت: وأين أنت؟ فقال: في الجنة، نسرح منها حيث نشاء، قلت له: ألم تقتل يوم بدر؟ فقال: بلى ثم أحييت، فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلّم) قال: (هذه الشهادة يا أبا جابر)(1).

فلهذا الصحابي خصائص عظيمة يغبطه عليها جميع المؤمنين حيث رزقه الله الشهادة وقد صلى على جثمانه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد أظهر النبي کرامته للناس، ففي رواية قال جابر بن عبد الله: (لما قتل أبي يوم أحد جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ينهونني والنبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لا ينهاني، قال: وجعلت عمتي فاطمة بنت عمرو تبكي عليه، فقال النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه)(2).

فجابر لا يفعل شيئاً يسخط الرب فهو بذلك الحال ووالده مسجیً على التراب لكنه منتبه في حكم البكاء على الميت فالبعض ينهونه عن البكاء ولكنه لا يكترث لكلامهم كون النبي لم ينهه عن ذلك، فجابر لا يأخذ إلا من النبي وهذا هو الصواب، لأن النبي هو العالم بهذه الاحكام ويعلم بجميع الامور التي تسخط الرب، ففي رواية عن جابر بن عبد الله قال: (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فأتي به النخل فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه وهو يجود بنفسه، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فوضعه في حجره ثم قال (يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله شيئا ثم ذرفت عيناه ثم قال يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله شيئا

ص: 24


1- المغازي الواقدي، ج 1، ص 266
2- الطبقات الکبری، ج3 ، ص 423

ثم ذرفت عيناه ثم قال يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب)(1).

نعود إلى الصحابي عبد الله والد جابر، ففي رواية أخرى توضح لنا مدى اشتیاق هذا الانسان للشهادة، حيث يود هذا الصحابي أن يحيا ثم يقتل من جديد في سبيل الله ونصرة النبي، فعن طلحة بن خراش أنه، سمع جابرا يقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي! سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك ثانيا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: یا رب! فأبلغ من ورائي. فأنزل الله: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(2))(3).

كذلك يتضح لنا من خلال هذه الرواية مقدار سعادة الشهيد وما يلاقي من عطاء جزيل فأي عطاء هذا يجعل كل شهيد يود أن يحيا ويقتل مرة اخرى في سبيل الله حيث يجد الشهيد ملائكة تظلّله، و حور عين تعانقه، ومشاهد لا يسع الخيال إدراكها فذلك هو الفوز العظيم، وتلك هي السعادة الأبدية في جنات تجري من تحتها الأنهار فهذا عطاء الله لأوليائه.

ولشهداء أحد خصوصية، فعن جابر بن عبد الله قال: (أصيب أبي وخالي يوم أحد فجاءت بها أمي قد عرضتهما على ناقة أو قال على جمل فأقبلت بهما إلى المدينة

ص: 25


1- ذخائر العقبی، احمد بن عبد الله الطبري، ص 155
2- آل عمران: 169
3- سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 1، ص 328

فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ادفنوا القتلى في مصارعهم)(1).

وفي سنن الترمذي، عن جابر بن عبد الله قال: (لما كان يوم أحد جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا، فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): ردوا القتلى إلى مضاجعها)(2).

ولهذه العائلة مواقف مشرفة حتى من النساء، قال الواقدي: (كانت عائشة زوج النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلّم) خرجت في نسوة تستروح الحبر ولم يضرب الحجاب يومئذٍ حتى إذا كانت بمنقطع الحرة وهي هابطة من بني حارثة إلى الوادي لقيت هند بنت عمرو بن حرام أخت عبد الله بن عمرو ابن حرام تسوق بعيراً لها عليها زوجها عمرو بن الجموح وابنها خلاد ابن عمرو وأخوها عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر. فقالت عائشة: عندك الخبر فما وراءك؟ فقالت هند: خيراً أما رسول الله فصالحٌ وكل مصيبة بعده جلل... قالت: من هؤلاء؟ قالت: أخي وبني خلاد وزوجي عمرو بن الجموح، قالت: فأين تذهبين بهم؟ قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها ثم قالت حلٌ حل تزجر بعيرها ثم برك بعيرها فقلت: لما عليه! قالت: ما ذاك به لربما حمل ما يحمل البعيران ولكني أراه لغير ذلك فزجرته فقام فلما وجهت به إلى المدينة برك فوجهته راجعةً إلى أحد فأسرع. فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبرته بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: فإن الجمل مأمور، هل قال شيئاً؟ قالت: إن عمراً لما وجه إلى أحد استقبل القبلة وقال: اللهم لا تردني إلى أهلي خزياً وارزقني الشهادة قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): فلذلك الجمل لا يمضي! إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره منهم عمرو بن الجموح. یا هند ما زالت الملائكة مظلةً على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن. ثم مكث

ص: 26


1- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 3، ص 562
2- سنن الترمذي، الترمذي، ج 3، ص 131

رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى قَبَرَهم ثم قال: يا هند قد ترافقوا في الجنة جميعاً عمرو بن الجموح وابنك خلاد وأخوك عبد الله. قالت هند: یا رسول الله ادع الله عسى أن يجعلني معهم)(1).

فهذه كرامةٌ لهم من الله حيث اختار لهم سبحانه هذه البقعة الطيبة التي تشرفت بضمها تلك الدماء وتلك الأجساد الطاهرة، فالشهيد لا يغسل لكرامته عند الله وكرامة تلك الدماء التي سالت على تلك الأرض، وفي المقابل نجد أن معاوية حينما أراد أن يجري عيناً له في أحد، أمر جنده بنبش القبور، قال جابر: (لما أراد معاوية أن يجري عينه التي بأحد كتبوا إليه إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء قال: فکتب انبشوهم قال فرأيتهم يحمل على أعناق الرجال كأنهم قوم نیام وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة بن عبد المطلب فانبعثت دما)(2).

فالله سبحانه أعطى للشهداء حرمة وقدسية وبارك في بقاعهم ومن المؤكد أن ما جرى لعمة جابر كان حجة، فالله سبحانه قد اختار لهم هذه التربة، فمن أجاز لمعاوية أن ينتهك حرمة الشهداء وينبش قبورهم، فهذا الفعل مخالف لأمر الله وأمر رسوله لأن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمر كل من حمل جثمان قتيل من شهداء أحد أن يرده إلى مكانه، والرسول لا يفعل شيئاً الا بأمر من الله (عز وجل)، فمن أجاز لمعاوية أن يتجرأ على هذه القبور وفيها سادات الشهداء كحمزة عم النبي وقد أصابوا طرف رجله بالمسحاة، ففي رواية عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: (فَقَدَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أُحد حمزة رضي الله عنه حين فاء الناس من القتال، قال: فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرة، وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله: اللهم إني أبرأَ إليك مما جاء به هؤلاء - يقصد أبا سفيان وأصحابه

ص: 27


1- المغازي، الواقدي، ج 1، ص 265 - 266
2- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 3، ص 11

-، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء - من إنهزامهم -، فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحوه. فلما رأى جبهته بکی، ولما رأى ما مُثِّلَ به شَهِق، ثم قال: «ألا كفَنٌ؟ » فقام رجل من الأنصار فرمی بثوب. قال جابر رضي الله عنه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء عند الله تعالى يوم القيامة حمزة)(1).

فهذا السيد الطاهر هو عم النبي وسيد الشهداء قتلوه ظلماً وها هم وبقبره يؤذوه.

عن جابر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لما خرج لدفن شهداء أحد، قال: (زملوهم بجراحهم، فأنا شهيد عليهم وكفن أبي في نمرة)(2).

قال ابن سعد: قالوا: وكان عبد الله أول من قتل يوم أحد، وكان أحمر أصلع ليس بالطويل، وكان عمرو بن الجموح طويلا، فدفنا معا عند السيل، فحفر السيل عنهما، وعليهما نمرة، وقد أصاب عبد الله جرح في وجهه فيده على جرحه، فأميطت يده، فانبعث الدم، فردت، فسكن الدم.

قال جابر: فرأيت أبي في حفرته، كأنه نائم، وما تغير من حاله شيء، وبين ذلك ست و أربعون سنة، فحولا إلى مكان آخر، وأخرجوا رطابا يتثنون(3).

وعن جابر قال: صرخ بنا إلى قتلانا، حين أجرى معاوية العين، فأخرجناهم لينة أجسادهم، تتثنی أطرافهم(4).

فلشهداء أحد مكانة عند الله كونهم محصوا في الاختبار بعد انهيار جيش المسلمين،

ص: 28


1- المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 199
2- سیر اعلام النبلاء، الذهبي، ج 1، ص 326
3- المصدر نفسه، ج 1، ص 326
4- المصدر نفسه، ج 1، ص 326

فبعض الصحابة فروا وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبقي أمير المؤمنين يدافع عن النبي حتى اثخن بالجراح ولولا بسالته وذبه عن النبي لكاد رسول الله يقتل.

جاء في تفسير القمي، روي عن أبي واثلة شقيق ابن سلمة قال: (كنت أماشي فلانا إذ سمعت منه همهمة، فقلت له مه، ماذا يافلان؟ قال ويحك أما ترى الهزبر القضم ابن القضم، والضارب بالبهم، الشديد على من طغى وبغي، بالسيفين و الراية، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب، فقلت له يا هذا هو علي بن أبي طالب، فقال ادن مني أحدثك عن شجاعته وبطولته، بايعنا النبي يوم أحد على أن لانفرَّ ومن فر منا فهو ضال ومن قتل منا فهو شهید والنبي زعيمه، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون فأزعجونا عن طحونتنا فرأيت عليا كالليث يتقي الذر [الدر ط] وإذ قد حمل کفا من حصى فرمی به في وجوهنا ثم قال شاهت الوجوه وقطت وبطت ولطت، إلى أين تقرون، إلى النار، فلم ترجع، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت، فقال بایعتم ثم نكثتم، فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن قتل، فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان يتوقدان نارا، أو كالقدحين المملوئين دما، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا، فبادرت انا إليه من بين أصحابي فقلت يا أبا الحسن الله الله، فإن العرب تكر وتفر وان الكرة تنفي الفرة، فكأنه عليه السلام استحيا فولي بوجهه عني، فما زلت أسكن روعة فؤادي، فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة ولم يبق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أبو دجانة الأنصاري، وسماك بن خرشة وأمير المؤمنين (عليه السلام)، فكلما حملت طائفة على رسول الله (صلى الله علیه و آله) استقبلهم أمير المؤمنين فيدفعهم عن رسول الله ويقتلهم حتى انقطع سيفه، وبقيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) نسيبة بنت کعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله في غزواته تداوي الجرحى، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع، فحملت عليه فقالت يا بني إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟ فردته، فحمل

ص: 29

عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بارك الله عليك يا نسيبة وكانت تقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصدرها وثدييها ويديها حتى اصابتها جراحات كثيرة، وحمل ابن قميتة على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أروني محمدا لا نجوت إن نجا محمد، فضربه على على حبل عاتقه، ونادي قتلت محمدا واللات والعزى، ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة، فناداه «یا صاحب الترس ألق ترسك ومر إلى النار «فر می بترسه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) یا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله «لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان «فلما انقطع سيف أمير المؤمنين عليه السلام جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله إن الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي فدفع إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيفه «ذا الفقار»، فقال قاتل بهذا، ولم يكن يحمل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد إلا يستقبله أمير المؤمنين عليه السلام، فإذا رأوه رجعوا فانحاز رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ناحية أحد، فوقف وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم أصحابه فلم يزل أمير المؤمنين (عليه السلام) يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه، وسمعوا مناديا ينادي من السماء «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى الا علي» فنزل جبرئیل علی رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: «هذه والله المواساة يا محمد» فقال رسول الله صلى الله عليه و آله «لأني منه وهو مني» وقال جبرئیل «وانا منکما)(1).

فالله سبحانه وتعالى اختار من أحد شهداء صدقوا ما عاهدوا الله فمنهم من قتل ومنهم من ينتظر أما الشهادة أو النصر، فكان عبد الله والد جابر هو أحد الشهداء الذين نالوا هذه السعادة الأبدية.

ص: 30


1- تفسير القمي، علي بن ابراهيم القمي، ج 1، ص 114 - 116؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 682

المبحث الثاني مآثره في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

من المؤكد أن هذه الفترة التي قضاها جابر مع النبي لا تخلو من المآثر، فهو الصحابي الذي آمن بالنبي في عز شبابه وبعد مقتل أبيه لم يترك الجهاد رغم عسر الحال وكثرة الأهل والعيال، بل شارك جابر مع النبي في العديد من الحروب والغزوات، فهذا الصحابي الجليل (رضوان الله عليه) من السابقين للإسلام، فكما أن لعبد الله والد جابر دور بارز مع النبي كذلك لجابر بن عبد الله مواقف وأدوار كبيرة كونه عاش مع النبي فترة أطول.

ومن تلك المآثر ملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذه عن النبي وحفظه للأحاديث النبوية الشريفة، مما جعله من الفقهاء، وملازمته اللصيقة برسول الله فقد نال مكانة متميزة فجابر يعلم بأمور غيبية لا يستوعبها إلا هو ومن محض قلبه بالإيمان.

ولرسول الله (صلى الله عليه وآله) دور كبير في ترسيخ ایمان جابر ورفع مستواه العلمي والعقائدي، فكان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) المعلم الأول لجابر وهو الذي رسخ تلك العقائد الصادقة في قلب جابر وهو الذي زرع تلك البذرة في حب علي وآل البيت، وهذا ما سنحاول توضیحه تباعاً خلال هذا المبحث.

ص: 31

المسألة الأولى: (مشاركته مع النبي (صلی الله عليه وآله) في غزواته وحروبه):

شارك جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) مع النبي في الكثير من الغزوات والحروب، وهذا دليل على شجاعته وبسالته.

روى أبو الزبير عن جابر قَالَ: (غزا رَسُول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بنفسه إحدى وعشرين غزوة، شهدت منها [معه] تَسع عشرة غزوةً)(1).

وقد اختلفوا كونه من البدريين أم لا؟

قال ابن عبد البر، ذكره بعضهم في البدريين، ولا يصح، لأنه قد روي عنه أنه قَالَ: لم أشهد بدرًا، ولا أحداً، منعني أبي(2)، وجاء في تاريخ البخاري، عَن جَابِرٍ قَالَ: (کُنتُ أَمنَحُ أَصحَابِي المَاءَ يَومَ بَدرٍ)(3).

ويؤيد ابن حجر ما رواه البخاريّ في تاريخه بأن هذا الحديث سنده صحيح، فعن أبي سفيان عن جابر، قال: (كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر)(4).

قال الكلبي: (شهد جابرٌ أحدا، وقيل: شهد مع النَّبِيّ (صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ) ثماني عشرة غزوة، وشهد صفين مع علي بن أَبِي طالب (عليه السلام)، وعمي في آخر عمره، وكان يحفي شاربه، وكان يخضب بالصفرة، وهو آخر من مات بالمدينة ممن شهد العقبة)(5).

ص: 32


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 1، ص 220
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 220
3- التاريخ الكبير، ج 2، ص 207
4- ينظر الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 546، سنن أبي داود، ج 3، ص 75
5- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 492

وفي سير أعلام النبلاء، قد ورد أنه شَهد بدراً، فعن جابر قال: (كنت أمتح لأصحابي يوم بدر)(1).

قال ابن عيينة: لقي عطاء وعمرو جابر بن عبد الله سنة جاور بمكة، وقيل: إنه عاش أربعاً وتسعين سنة، فعلى هذا، كان عمره يوم بدر ثماني عشرة سنة)(2).

ومما يؤكد أنه قد شارك في غزوة بدر وأحد قول الإمام أبو جعفر (عليه السلام): ففي أمالي الطوسي، حدثني عبد الله بن العباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، (و كان بدريا أحديا شجريا، وممن محض من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مودة أمير المؤمنين (عليه السلام)...)(3).

ومن مآثر هذا الصحابي الطيب (رضوان الله عليه) أن أباه ترك له أخوات وعيالاً وترك عليه ديناً فكان جابر رغم هذه الظروف يشارك في حروب النبي وغزواته، ولعل جابر في معركة أحد كان ممن يداوي الجرحى ويسقي المقاتلين الماء بأمر من والده لأن عبد الله والد جابر كان عالماً بمصرعه بعد الرؤية التي راها، لذا جعله في الخطوط الخلفية لكي يبقى منهم من يعين النساء والأطفال ويتكفل بالمعيشة الصعبة، وخصوصاً في زمن النبي حيث كانت الحياة قاسية، ولكن نجد في المقابل رجالاً تحدوا الظروف فجاهدوا في سبيل الله بكل جوانبه، فكان جهاد النفس أصعب، فالإنسان محتاج وله عيال ورغم ذلك لم يتوانَ في نصرة الاسلام و جابر، من الصحابة الذين عانوا هذه المعاناة.

قال جابر: (لقيني رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، فقال: «يا جابر، مالي أراك منکسراً مهتماً «، قلت: يا رسول الله، استشهد أبي، وترك عيالاً وعليه دين.

ص: 33


1- سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 3، ص 191
2- المصدر نفسه: ج 3، ص 191
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 491، ح 46

قال: «أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك «؟ قلت: بلی یا رسول الله، قال: «إن الله أحيا أباك، وكلمه كفاحاً، وما كلم أحداً قط إلا من وراء حجاب، فقال: يا عبدي، تمن أعطك، قال: يا رب، تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيةً. فقال الرب تعالى ذكره: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يارب، فأبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(1))(2).

وهنا يأتي سؤال مهم وهو هل يجوز لمن عليه دين أن يجاهد؟

الجواب:

إن الدَين يبقى في ذمة الإنسان حتى يتنازل له صاحب المال، فبهذا يسقط عنه وإلا وجب عليه تسديد ذلك الدين، فقد روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا يكف عني خطاياي؟ قال: (نعم، إلا الدين، فإن جبرئيل قال لي ذلك)(3).

ولكن يجوز للمطلوب أن يوكل من ينوب عنه في تسديد دينه ولا يحق للطالب أن يمنعه من الجهاد إذا وجد من ينوب عنه مع عدم الانکار، فقصة عبد الله وشهادته دلیل على ما نقول، فهذا رسول الله (صلى الله عليه واله) يترحم عليه وهو يعلم أن عليه ديناً كثيراً فلو كان غير جائز له لذمه النبي على ذلك، بل العكس فقد ترحم عليه وذكره بالخير والروايات السابقة شاهدة على ما نقول عن مديح النبي لهذا الصحابي(4).

ولكن على المدان أن يراعي بعض الأمور كما كان جابر يراعيها وهي أن يتخلف

ص: 34


1- آل عمران: 169
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 955
3- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج 9، ص 28
4- ينظر: المغني عبد الله بن قدامة، ج 1، ص 384

في آخر الصفوف ولا يخرج في مبارزة وانما يساند الجمع ويسقيهم الماء ويداويهم وهذا ما حصل لجابر في بدر، ومن المؤكد أنه (رضوان الله عليه) كان يتّبع توجیات النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الأمر، فلو جعلنا انفسنا بدلا عن جابر لعرفنا صعوبة هذا الموقف أكثر، ولكن نثبت بذلك أن جابراً من الصحابة المجاهدين فكان أجره اجران، لذا عدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من المقربين الذين نجحوا في هذه الاختبارات الصعبة.

جاء في بحار الأنوار عن جابر بن عبد الله قال: (غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إحدى وعشرين غزوة بنفسه، شاهدت منها تسع عشرة، وغبت عن اثنتين، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحتي بالليل فبرك، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخرنا في آخريات الناس، فیزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم، فانتهى إلي وأنا أقول: يا لهف أمياه، وما زال لنا ناضح سوء، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا جابر بأبي أنت وأمي يارسول الله، قال: ما شأنك؟ قلت: أعياناضحي، فقال: أمعك عصا؟ فقلت: نعم، فضربه، ثم بعثه، ثم أناخه ووطئ على ذراعه، وقال: اركب فركبت فسايرته فجعل جملي يسبقه، فاستغفر لي تلك الليلة خمساً وعشرين مرة، فقال لي: ما ترك عبد الله من الولد؟ يعني أباه، قلت: سبع نسوة، قال: أبوك عليه دين؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدمت المدينة فقاطعهم، فإن أبوا فإذا حضر جذاذ نخلكم فأذني، وقال: هل تزوجت؟ قلت: نعم، قال: بمن؟ قلت: بفلانة بنت فلان بأيم كانت بالمدينة، قال: فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك؟ قلت: يا رسول الله کن عندي نسوة خرق، یعني أخواته: فكرهت أن آتیهن بامرأة خرقاء، فقلت: هذه أجمع الامري، قال: أصبت ورشدت، فقال: بكم اشتريت جملك؟ فقلت: بخمس أواق من ذهب، قال: قد أخذناه، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل فقال: يا بلال أعطه خمس أواق من ذهب يستعين به في دين عبد الله، وزده ثلاثا واردد عليه جمله، قال: هل قاطعت

ص: 35

غرماء عبد الله؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: أترك وفاء؟ قلت: لا، قال: لا عليك إذا حضر جذاذ نخلكم فأذني، فأذنته فجاء فدعالنا فجذذنا واستوفي كل غريم كان يطلب تمرا وفاء، وبقي لنا ما كنا نجد وأكثر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارفعوا ولا تكيلوا فرفعناه وأكلنا منه زمانا)(1).

فهذا الصحابي المجاهد شارك مع النبي في جميع الغزوات إلا غزوتين، ومن المؤكد أن سبب تخلفه عن هاتين الغزوتين لأسباب مهمة، فجابر لا يتوانى عن نصرة الدين، لذا نجد أن الله تعالى يسهل له أموره رغم تعسرها، ولكن على يد أكرم خلق الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذه كرامة من الله لجابر، ولمنزلته عند النبي مبحث خاص.

وحينما نعيش الحدث ونستعرض ذلك الموقف الذي جرى بين النبي وجابر سوف نعرف لماذا اختار الله سبحانه وتعالى محمداً (صلى الله عليه وآله) وجعله سید المرسلين، فهذا القائد الذي لا يغفل عن أصحابه نجده يتطلع إلى أحوالهم وأحوال عيالهم ويسألهم عن معيشتهم وكان سبب تخلفه في آخر الركب كي يتفقدهم ويراهم جميعا، فذا جابر وجمله قد تأخر فشاء الله بهذا الأمر أن يقضي حوائج جابر ویسد دينه على يد النبي وما ذلك إلا لكرامته عند الله، فهذا هو عطاء الله لمن ينصره ويضحي من أجله.

ومن الأمور الأخرى التي لفتت انتباهنا هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لم ينسَ تلك الثلة التي بايعته وناصرته في بادئ الدعوة وجاهدت معه بقلة العدد مع كثرة العدو وضعف الحال، فكل هذا قد وضعه النبي في الحسبان لأن لشهداء بدر وأحد فضلاً على جميع المسلمين كونهم السابقون للإسلام وأول من جاهد مع النبي فكانوا لنا الأسوة في التضحية والذب عن الدين.

ص: 36


1- بحار الأنوار، ج 16، ص 233 - 234

فهذا الخلق العظيم للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي وصفه الله بقوله تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1)، جعل له مكانة بين الناس فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يتعامل معهم كونه سيد الخلق ولكنه يتعامل معهم بوصفه إنساناً سواءً مثلهم ولكن رغم هذا التواضع وهذه الالفة كانوا يعرفون جيداً من هو، ويعلمون أنه خاتم الرسل وسيد الخلق من الأولين والأخرين، لذا كانوا يتسابقون في التضحية والذب عنه بأنفسهم وأموالهم وكان جابر ممن عرف النبي أكثر من غيره وهذا ما لا حظناه من خلال سيرته وصحبته للنبي.

فمن خلال صحبته للنبي عرف جابر ان الدنيا دار زوال وان الانسان الصادق والمؤمن يبذل كل ما عنده في سبيل الله لكي ينال الظفر في الآخرة، فكلما انتقص الانسان شيئاً من هذه الدنيا نال بالآخرة اضعافه، وكلما زاد من دنياه نقص في آخرته، لذا كان هذا الصحابي يؤثر نفسه وماله في سبيل الإسلام، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) (انه أراد الغزو فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار ان من اخوانكم قوما ليس لهم مال ولا عشيرة فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة فما لاحدنا من ظهر جمله إلا عقبة كعقبة أحدهم قال جابر: فضممت اثنين أو ثلاثة إلي ومالي الا عقبة كعقبة أحدهم من جملي)(2).

وكان جابر يعلم الكثير من الأمور التي جرت في تلك الحروب والمواقف کیوم العقبة وغيرها وهذا ايضا دليل على حضوره وتواجده في تلك الاحداث، قال جابر الأنصاري: (تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور: تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن جعشم المدلجي فقال لقريش: «لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منکم، و تصور يوم العقبة في صورة

ص: 37


1- القلم: 4
2- مسند أحمد، الامام أحمد بن حنبل، ج 3، ص 358

منبه بن الحجاج فنادى: أن محمدا والصباة معه عند العقبة فأدركوهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصار: لا تخافوا فإن صوته لن يعدوهم، وتصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد، وأشار عليهم في النبي (صلى الله عليه وآله) بما أشار، فأنزل الله (تعالى): «و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».

وتصور يوم قبض النبي (صلى الله علیه و آله) في صورة المغيرة بن شعبة فقال: أيها الناس، لا تجعلوها كسروانية ولا قیصرانية، وسعوها تتسع، فلا ترد وهافي بني هاشم، فتنتظر بها الحبالى)(1).

وقد شهد جابر ذلك الموقف البطولي لعلي بن ابي طالب (عليه السلام) حينما صرع عمر بن ود العامري، وقد شبه جابر قتل علي (عليه السلام) لعمر کیوم قتل جالوت على يد النبي داود عليه السلام، فقد جاء في كتاب کشف الغمة، حينما عمم رسول الله أمير المؤمنين ودعا له (.. فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبدالله الأنصاري لينظر ما يكون منه ومن عمرو، فلما انتهى إليه قال: يا عمرو انك كنت في الجاهلية تقول: لا يدعوني رجل إلى ثلاث إلا قبلتها أو واحدة منها قال: أجل، قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وان تسلم لرب العالمين، قال يا ابن أخي أخّر هذا عني قال (عليه السلام): أما إنها خير لك لو أخذتها، قال: فهاهنا أخرى، قال: وما هي؟ قال ترجع من حيث جئت، قال لا تحدث عني نساء قریش بهذا أبدا قال: فهنا أخرى قال: ما هي؟ قال: تنزل فتقاتلني، فضحك عمرو وقال: ان هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها إني أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك لي نديما، قال علي (عليه السلام) لكني أحب أن أقتلك فأنزل ان شئت، فأسف عمرو ونزل فضرب وجه فرسه حتى رجع.

ص: 38


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 176

قال جابر رحمه الله: وثارت بينهما قترة فما رأيتهما وسمعت التكبير فعلمت ان عليا (عليه السلام) قتله، وانكشف أصحابه وعبروا الخندق وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ماصنع القوم، فوجدوا نوفل بن عبد الله في جوف الخندق لم ينهض به فرسه فرموه بالحجارة فقال لهم: قتلة أجمل من هذه، ينزل بعضكم أقاتله فنزل إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فضربه حتى قتله، ولحق هبيرة فأعجزه فضرب قربوس سرجه وسقطت درعه وفر عكرمة وهرب ضرار بن الخطاب، قال جابر: فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قصّ الله من قصة داود وجالوت)(1).

فكان جابر يتطلع إلى جميع الأحداث التي تخصّ النبي والعترة فنجده ينزل مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ليترقب ما سيحدث بين علي (عليه السلام) و عمرو بن ود العامري، فكان جهاده مع النبي ليس بسيفه فقط بل كان ينقل مناقب آل البيت (عليهم السلام) إلى الناس.

قال جابر: (استبشرت الملائكة يوم بدر و حنین بکشف علي (عليه السلام) الأحزاب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فمن لم يستبشر برؤية علي (عليه السلام) فعليه لعنة الله)(2).

ويمكن أن يكون قوله هذا شاهداً آخر على أنه شارك ببدر بوصفه هو المتحدث بذلك، كذلك توضح هذه الرواية ولاءه وحبه لعلي (عليه السلام)، فهذا الحب نابع من القلب ذلك من خلال ما سمعه من النبي بحق علي، كذلك مواقف علي التي شهدها جابر من حروب ومعاجز وسيرة ذاتية، فكل شيء بعلي يسر الناظر، ففي رواية عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه)، قال: (كنت عند رسول الله (صلى الله

ص: 39


1- کشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي، ج 1، ص 203 - 204
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 314

علیه و آله)، (في حفر الخندق) وقد حفر الناس، وحفر علي (عليه السلام)، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): بأبي من يحفر، و جبرئیل یکنس التراب [من] بين يديه، ويعينه میکائیل، ولم يكن يعين أحدا «قبله من الخلق، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعثمان بن عفان: احفر، فغضب عثمان وقال: لا يرضى محمد أن أسلمنا على يده حتى يأمرنا بالكد، فأنزل الله تعالى على نبيه (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للایمان إن کنتم صادقين)(1).

فالله سبحانه لا يفرق بين خلقه إلا بالتقوى وبما أن علياً (عليه السلام) سید المتقين جعل الله أفضل الملائكة تعينه، ذلك لإخلاصه في العمل، وحبه للجهاد، ونرى البعض يتثاقل من كلام النبي، أما علي فنظرة من رسول الله تكفيه لذا كان جابر ينظر لعلي ويميزه من بين الصحابة وكل عاقل يميز ذلك لأن علياً كالشمس المشرقة لا تحتاج إلى توضيح.

وفي رواية أخرى، قال جابر: (كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ ورد علينا أعرابي أشعث الحال، عليه أثواب رثة والفقر بين عينيه فلما دخل سلم ووقف بين يدي رسول الله، وقال:

أتيتكَ والعذراءُ تبكي برنةٍ *** وقد ذهلت أمُّ الصبيِ عن الطفلِ

واختٌ وبنتانِ وأمٌّ كبيرةٌ *** وقد كنتُ من فقري أخالطُ في عقلي

وقد مسَّني فقرٌ وذلٌ وفاقةٌ *** وليسَ لنا شيءٌ يمرُّ ولا يحلي

وما المنتهى إلا إليك مفرُّنا *** وأين مفرُ الخلقِ إلا إلى الرسل

قال: فلما سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بكی بكاء شديدا، ثم قال

ص: 40


1- مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص 467، ح 307

لأصحابه: معاشر المسلمين: إن الله ساق إليكم أجرا، والجزاء من الله غرف في الجنة، تضاهي غرف إبراهيم الخليل (عليه السلام) فمن منكم يواسي هذا الفقير؟ فلم يجبه أحد وكان في ناحية المسجد علي (عليه السلام) يصلي ركعتين تطوعا، كانت له دائما.

فأومأ بيده إلى الأعرابي، فدنا منه فدفع إليه الخاتم من يده، وهو في صلاته، فأخذه الأعرابي، وانصرف وهو يقول:

أنت مولى برجی به من الله في الدنيا إقامة الدين

خمسة في الوری کلهم إنهم في الورى ميامين

ثم أن النبي (صلى الله عليه واله) أتاه الوحي عند ذلك جبرائیل (عليه السلام) نزل ونادي: (السلام عليك يا محمد، ربك يقرئك السلام، ويقول: اقرأ: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» فعند ذلك قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما على قدميه، وقال: معاشر المسلمين: أيكم اليوم عمل خيرا، حتى جعله الله ولي كل من آمن؟ قالوا: يا رسول الله، ما فينا من عمل خيرا سوی ابن عمك علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه تصدق بخاتمه للأعرابي وهو في صلاته، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وجبت الغرف لابن عمي، قال: فعند ذلك قرأ عليهم الآية، قال: فتصدق الناس على الأعرابي في ذلك اليوم، وولى، وهو يقول:

أنا مولى لخمسةٍ *** أنزلت فيهم السور

آلُ طه وهل أتی *** فاقرؤوا يعرف الخبرُ

والطواسينُ بعدها *** والحواميمُ والزمر

ص: 41

أنا مولى هؤلاءِ *** وعدوٌ لمن كفر(1)

فالكل يعترف أن علياً (عليه السلام) هو الذي بادر بهذا العمل فكان الأسوة لهم لذا خصّه الله بأن يكون مولى كل مؤمن، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (آمنوا بليلة القدر إنها تكون لعلي بن أبي طالب وولده الأحد عشر بعدي)(2).

المسألة الثانية: ملازمته للنبي (صلی الله علیه وآله)

كان جابر بن عبد الله الأنصاري کثير الملازمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا ما لمسناه من خلال رواياته المستفيضة عن النبي (صلى الله عليه وآله).

كذلك تواجده في غزوات النبي وتلك الأخبار التي رواها جابر عن غدير خم وغيرها من الأحداث التي جرت مع النبي توضح مدى ملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولكثرة ملازمته كان (رضوان الله عليه) لا ينسی ملامح النبي، ففي رواية عن جابر بن عبد الله قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أبيض مشربا بحمرة شثن الأصابع ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالسبط ولا بالجعد إذا مشى هرول الناس وراءه ولا ترى مثله أبدا)(3).

وكان جابر يراقب النبي حتى في صلاته، قَالَ جابر: (كان رسول الله (صلى الله

ص: 42


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، شاذان بن جبرئیل القمي (ابن شاذان)، ص 160 - 161
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 533، وروي مثله عن جابر الأنصاري في كتاب الانستنصار، ص 8
3- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 1، ص 419

عليه [وآله] وسلم) يسجد في أعلى جبهته مع قصاص الشعر)(1).

ولقربه وصحبته للنبي كان للكثير من الناس يسألونه عن صفات النبي (صلى الله علیه و آله) و كيفية وضوئه و كان يجيبهم، فعن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: (جئنا إلى جابر بن عبد الله وهو يتوضأ؟ قال: قلنا: أرنا وضوء رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، قال: فتوضأ، قال فلم أر شيئا أنكره، إلا أنه لما بلغ المرفقين أدار بیده علیهما)(2).

وقد سألوه يوما عن خضاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فعن بشير مولى المازنيين قال: (سألت جابر بن عبد الله هل خضب رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فقال لا ما كان شيبه يحتاج إلى الخضاب كان وضح في عنفقته(3) وناصيته ولو أردنا أن نحصيها أحصيناها)(4).

وقال أيضاً: (كان في رسول الله خصال: لم يكن يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه، ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له)(5).

وقال رضوان الله عليه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب الناس احمرت عيناه ورفع صوته واشتد غضبه كأنه منذؤ جیش صبحتكم أو مستكم، ثم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى ثم يقول أحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها و كل بدعة ضلالة من مات وترك مالا فلأهله ومن

ص: 43


1- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 1، ص 421
2- تاریخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج 3، ص 322
3- العنفقة: الشعر الذي في الشفة السفلى، لسان العرب، ج 5، ص 220
4- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 1، ص 434
5- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، ج 1، ص 55

ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي)(1).

ولملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) آثار كثيرة في شخصية جابر بن عبد الله على كافة مستوياتها ومن تلك المستويات

1- ذيوع صيته:

صار جابر بن عبد الله الأنصاري من مشاهير الصحابة وذلك لملازمته لرسول الله (صلى الله علیه و آله) فما من مسلم إلا وكان يعرف جابراً فذلك الصيت الذي شاع على حب النبي صار في آخر الزمان من الاسماء المشهورة والمباركة لدى عامة الناس، وكان التابعون ممن عاصروا الحجج يتبركون بجابر بوصفه صحابي النبي (صلى الله عليه وآله)، فصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) جعلت له هذا القدر العالي وهذه المكانة الرفيعة.

2- منزلته:

ففي المبحث الثالث سنتناول منزلة هذا الصحابي من النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين).

3- مستواه العلمي:

إن تواجده جنب النبي جعل من جابر أحد العلماء الفضلاء فكان النبي المؤثر الأول في جابر لذا ذكرنا علمه في هذا الفصل وسنكمل هذا الجانب في الفصل الثاني.

فجابر أحد الفقهاء والمفسرین، فلم يقتصر علمه على واحد بل كان موسوعة علمية، تتلمذ على يد خير خلق الله وأعلمهم.

ص: 44


1- الطبقات الکبری، ابن سعد، ج 1، ص 377

فلا عجب أن يكون جابر أحد العلماء وهو صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فمثل جابر لا تفوته فرصة التواجد مع سيد الأنام وخاتم الرسل، فكان رضوان الله عليه يقول: (تعلموا العلم ثم تعلموا الحلم ثم تعلموا العلم ثم تعلموا العمل بالعلم ثم أبشروا)(1).

فكما قلنا لم يختص جابر بعلم بل كان موسوعة من العلم، ومن العلوم التي عرف بها وروى عنها نذكر:

أ- علم التفسير:

لو أخذنا الجانب المعرفي لهذا الصحابي في علم التفسير لوجدناه من أجلاء المفسرين(2) حيث كان جابر يعلم سبب نزول الكثير من الآيات، فمعرفته بسبب النزول يعني أنه امتلك أداة مهمة في تفسيره للآية، ومن الشواهد على ذلك معرفته بسبب نزول آية التطهير وغيرها من الآيات التي تخص علياً والنبي (صلوات الله وسلامه عليهما)، ففي المستدرك روى النيسابوري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: (يا علي الناس من شجر شتی وانا وأنت من شجرة واحدة ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و آله «وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ»(3))(4).

وكان جابر يعرف الكثير من الآيات التي نزلت بحق علي بن ابي طالب (عليه

ص: 45


1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 11، ص 234
2- ينظر، أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 4، ص 46
3- الرعد: 4
4- المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 2، ص 241

السلام) منها، قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ»(1).

ففي رواية عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» قال: نزلت في ولاية علي بن أبي طالب)(2).

كذلك عن جابر الأنصاري أيضاً قال: (كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن هذا وشیعته لهم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيمانا معي، وأوفاکم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية، قال: فنزلت «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»، قال: وكان أصحاب محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي (عليه السلام) قالوا: قد جاء خير البرية)(3).

قال جابر: (إن المشركين كانوا إذا مروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا وغطى رأسه بثوبه لا يراه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنزل الله عز وجل: «أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ»(4))(5).

وكان (صلى الله عليه وآله) يقص لجابر ومن كان معه عن أحوال الصالحين الذين

ص: 46


1- يونس: 2
2- شرح احقاق الحق، السيد المرعشي، ج 3، شرح، ص 423
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 252
4- هود: 5
5- الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 144، ح 115

ذكرهم الله في كتابه الكريم مما يساعدهم ذلك في فهم الآية، قال جابر: (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: إن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عز وجل حجة على عباده فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل: مات أو هلك بأي واد سلك، ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنته، وإن الله (عز وجل) مكن لذي القرنين في الأرض، وجعل له من كل شيء سببا، وبلغ المغرب والمشرق، وإن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقي منهلا ولا موضعا من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، ويظهر الله عز وجل له كنوز الأرض و معادنها، وينصره بالرعب، فيملأ الأرض به عدلا وقسطا کما ملئت جورا و ظلما)(1)، فهذا الايضاح وهذه المعلومات من خاتم الرسل تجعل جابراً أحد المفسرين العظام.

وقد كان مرض جابر سبباً من أسباب نزول آية المواريث، فعن جابر بن عبد الله أنه قال: (مرضت فعادني رسول الله وأبو بكر، وهما يمشيان، فأغمي علي، فدعا بماء، فتوضأثم صبه علي، فأفقت، فقلت: يا رسول الله! كيف أصنع في مالي؟ فسكت رسول الله، فنزلت آية المواريث فيَّ)(2).

وعن جابر ایضاً قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلّمنا الاستخارة کما یعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الامر (وتسميه) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي

ص: 47


1- کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 394
2- تفسير مجمع البيان، الطبرسي، ج 3، ص 29

ويسره وبارك لي فيه، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث ما كان ثم رضّني به)(1).

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمهم ثواب السور، فعن جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من قرأ من الانعام ثلاث آيات من اولها إلى قوله «مَا تَكْسِبُونَ» وکَّل الله تعالى عليه اربعين الف ملك، یکتبون له مثل ثواب عبادتهم إلى يوم القيامة، وينزل عليه من السماء السابعة ملكا معه عمود من حديد، یکون موكلا عليه حتى إذا اراد الشيطان أن يوسوسه، أو يلقي في قلبه شيئا، يضربه بهذا العمود ضربة تطرده عنه، حتى يكون بينه وبين الشيطان سبعون حجابا، ويقول الله تعالى له يوم القيامة: عبدي اذهب إلى ظلي، وكل من جنتي واشرب من الكوثر، واغتسل من السلسبيل، فانك عبدي وانا ربك)(2).

فأخذه من النبي هذه الكنوز وهذه المعارف جعلت من جابر أحد المفسرين الكبار.

ب- مرويات جابر بن عبد الله في علم التشريع:

فكان جابر بن عبد الله من العلماء والفقهاء الذين أخذوا من رسول الله الأحكام ففي رواية عن جابر (بن عبد الله الأنصاري) (رضي الله عنه) قال: (أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال لي: كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة، قال: قلت: الحمد لله رب العالمين، قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين)(3).

فمن خلال ملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، تعلم جابر الكثيراً من

ص: 48


1- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ص 323
2- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، ج 4، ص 298
3- دعائم الاسلام، القاضي النعمان المغربي، ج 1، ص 159

الأحكام، ومن الأحكام التي رواها:

- من احكام القضاء:

عن جابر بن عبد الله: (أن رجلين تداعيا دابة، فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) للذي في يديه، وعليه عمل أكثرهم)(1).

- من احكام المواريث.

عن جابر بن عبد الله قال: (أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خطب الناس، فقال: أيها الناس إن الله أحل لكم الفروج على ثلاثة معان: فرج مورث وهو الثبات، وفرج غير مورث وهي المتعة، وملك أيمانكم)(2).

وعن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (لا وصية لوارث)(3).

وقد أشرنا أن مرض جابر كان سبب نزول آية المواريث، فقد جاء في تفسير الأصفي، إن جابر بن عبد الله كان مريضا، فعاده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله إن لي كلالة فكيف أصنع في مالي؟ فنزلت «، (قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ أهلك ليس له ولد وله أخت)(4).

ص: 49


1- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، العلامة المجلسي، ج 10، ص 73
2- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 21، ص 330
3- الانتصار، الشريف المرتضی، ص 599
4- التفسير الأصفي، الفيض الكاشاني، ج 1، ص 255

- من أحكام الصوم:

فعن جابر بن عبد الله الاَنصاري: (أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، مرّ برجل مجهود في سفر، فقال: ما شأنه؟ فقيل: صائم، فقال: أفطر، فإنّه ليس من البِرّ الصيام في السفر)(1).

- من أحكام الطهارة:

عن جابر أيضاً، قال: (كان رسول الله (صلى الله علیه و آله) اذا اغتسل من الجنابة يغرف على راسه ثلاث مرات)(2).

وعن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: (سال الحسن بن محمد جابر بن عبد الله عن غسل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال جابر کان رسول الله يغرف على رأسه ثلاث مرات غرفات فقال الحسن بن محمد ان شعري کثیر کما ترى فقال جابر یا حر لا تقل ذلك فلشعر رسول الله صلى الله عليه وآله كان أكثر وأطيب)(3).

و منها في حكم التيمم: عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (كنا مع جماعة في سفر فأصاب رجلا منا حجر على رأسه فانكسر، واحتلم في الليل فلما أصبح راجع قومه وقال: هل تجدون لي رخصة؟ قالوا: لا والماء موجود ولا بد لك من الغسل، فاغتسل وصب الماء على رأسه فمات، فلما رجعنا وذكرنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ضاق صدره وقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال، كان يكفيه التيمم أو شد جراحته وغسل جسده، و مسح باليد المبلولة فوق

ص: 50


1- تاریخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج 2، ص 403
2- المصدر السابق، ج 1، ص 470
3- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسی، ج 1، ص 471

الخرقة)(1).

- من أحكام الإماء والعبيد:

عن جابر بن عبد الله قال: (بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر، فلما كان أيام عمر نهانا)(2).

- من أحكام الزواج:

عن جابر بن عبد الله: أن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: (إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها)(3).

ومنها في حكم الزواج المنقطع، قَالَ عطاء: (قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة، فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وأبي بكر وعمر)(4).

وعن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: (خرج علينا منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال : إن رسول الله أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء).

- من أحكام البيع والشراء:

كان رضوان الله عليه ينتبه إلى أحكام النبي وهذه من الفطنة قال جابر: (أبتاع

ص: 51


1- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، ج 2، ص 528
2- الانتصار، الشريف المرتضی، ص 386
3- الخلاف، الشيخ الطوسي، ج 4، ص 248
4- صحیح مسلم، مسلم النيسابوري، ج 4، ص 131

النبي صلى الله عليه وآله مني بعيرا بمكة، فلما نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة، فأجاز النبي صلى الله عليه وآله البيع والشرط)(1).

- من أحكام الزكاة:

منها أحكام زكاة الحيوانات فقد روی جابر عن النبي قال: (إن النبي صلى الله عليه وآله قال: في كل فرس دینارا إذا كانت راعية)(2).

- من أحكام الوضوء:

عن جابر بن عبد الله أنّ النّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، قال: (القهقهة تنقض الصّلاة ولا تنقض الوضوء)(3).

- من أحكام الصلاة:

عن جابر بن عبد الله (عليه السلام): (جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علّة)(4).

ومنها في حكم الصلاة على المدان، روی جابر بن عبد الله: (إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان لا يصلي على رجل عليه دين فأتي بجنازة فقال: هل على صاحبکم دین؟ فقالوا: نعم دیناران قال: فصلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله قال: فصلى عليه فلما فتح الله على رسوله قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن

ص: 52


1- الخلاف، ج 3، ص 31
2- الخلاف، الشيخ الطوسي، ج 2، ص 55
3- منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج 5، ص 292
4- الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، الشيخ السبحاني، ج 1، ص 300

ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فعلَيّ)(1).

ومنها في قضاء ما فات من الصلاة، عن جابر قال: قال رجل: (یا رسول الله إني تركت الصلاة قال: فاقضِ ما تركت، قال كيف أقضي؟ قال صل مع كل صلاة صلاة مثلها قال قبل أو بعد قال لا بل قبل)(2).

ومنها أحكام صلاة الجماعة، روی جابر بن عبد الله قال: (وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي فوقفت عن يمينه، فجاء ابن صخر فوقف على يساره، فأخذنا بيده حتى صيرنا خلفه)(3).

قال جابر: (شهدت الصلاة مع النبي (صلى الله عليه وآله) يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة)(4).

وفي رواية اخرى عن جابر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رجل يصلي في جماعة وليس له صلاة، ورجل يصلي في جماعة فله صلاة واحدة ولاحظ له في الجماعة، ورجل يصلي في جماعة فله سبعون صلاة، ورجل يصلي في جماعة فله مائتا صلاة، ورجل يصلي في جماعة فله خمسمائة صلاة)، فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله، فسر لنا هذا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رجل يرفع رأسه قبل الإمام، ويضع قبل الإمام، فلا صلاة له، ورجل يضع رأسه مع الإمام، ويرفع مع الإمام، فله صلاة واحدة، ولا حظّ له في الجماعة، ورجل يضع رأسه بعد الإمام، ويرفعه بعد الأمام، فله أربع وعشرون صلاة، ورجل دخل المسجد فرأي

ص: 53


1- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج 18، ص 424
2- موضوعات، ابن الجوزي، ج 2، ص 102
3- الخلاف، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 555
4- المصدر السابق، ج 1، ص 658

الصفوف مضيقة، فقام وحده، وخرج رجل من الصف يمشي القهقرى وقام معه، فله مع من معه خمسون صلاة)(1).

فهذا الحواري يطلب من النبي التوضيح أكثر لكي تصل لنا وله هذه المعلومة بشكل مفصل مما يجعله متفضلا علينا، وهذه الأسئلة جعلته عالماً عارفا بكثير من الأحكام، فمن جالس العلماء صار عالما فكيف بالذي يجالس مدينة العلم وهو رسول الرحمة، وجابر يحب العلم ويحب التعلم وهذه الأسئلة التي يوجهها للنبي ما هي إلا دلائل تكشف لنا عن وعيه وحبه للعلم، فكان رضوان الله عليه ينصح الناس بالتعلم ثم يبشرهم بالخير.

ولهذا الأمر كان رسول الله يعلمه الكثير من الأمور، فعن جابر الأنصاري: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كل معروف صدقة، وكلما أنفق المؤمن من نفقة على نفسه وعياله وأهله كتب له بها صدقة، وما وقی به عرضه كتب له صدقة)(2).

روی جابر بن عبد الله أن النبي (صلى الله علیه و آله) نهی عن بيع الثمرة حتى تشقح، قيل: وما تقشح؟ قال: (تحمر وتصفر ويؤكل منها)(3).

فهذه الأحكام التي شهدها جابر في حياة النبي والمعصومين قد جعلت من جابر أحد الفقهاء وكل هذا يعود إلى فضل الملازمة.

ص: 54


1- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، ج 6، ص 492، ح 2
2- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، ج 7، ص 239، ح 2
3- الخلاف، الشيخ الطوسي، ج 3، ص 86

4- مستواه الإيماني:

أما إيمانه رضوان الله عليه فقد شهد لإيمانه أئمة معصومون، وذلك الفضل يعود إلى سيد الخلق فقد كان مؤمناً بما أنزل من عند الله ومؤمناً بكل ما يقول النبي، فهذا الصحابي يستوعب الكثير من الأمور التي تحدث على يد النبي ولا يخالطه شك فيها، لذا كان النبي يصطحبه معه، قال جابر: (كنت يوما مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض حيطان المدينة ويد علي (عليه السلام) في يده، فمررنا بنخل، فصاح النخل: هذا محمد سيد الأنبياء، وهذا علي سيد الأوصياء، وأبو الأئمة الطاهرين. ثم مررنا بنخل فصاح النخل هذا المهدي، وهذا الهادي. ثم مررنا بنخل فصاح النخل: هذا محمد رسول الله، وهذا علي سيف الله. فالتفت النبي إلى علي فقال: يا علي، سمّه الصيحاني، فسمي من ذلك اليوم الصيحاني. ولا يزال إلى اليوم يعرف بهذا الاسم في المدينة)(1).

كذلك نجد أن جابر كان ملازما لأمير المؤمنين في حياة رسول الله وهذا الأمر زاده ایمانا، وكان رضوان الله عليه يشتاق إلى أمير المؤمنين حينما يفقده، ففي رواية عن جابر، قال: (افتقدت أمير المؤمنين عليه السلام لم أره بالمدينة أياما فغلبني الشوق [لأراه] فجئت [شوق محبته] فأتيت أم سلمة المخزومية فوقفت بالباب فخرجت وهي تقول: من بالباب؟ فقلت: أنا جابر بن عبد الله. فقالت: يا جابر ما حاجتك؟ قلت: أني فقدت [افتقدت] سيدي أمير المؤمنين [عليه السلام] لم أره بالمدينة مذ [منذ] أيام فغلبني الشوق إليه أتيتك لأسألك ما فعل أمير المؤمنين. فقالت: يا جابر أمير المؤمنين في السفر. فقلت: في أي سفر؟ فقالت: يا جابر علي في برجات منذ ثلاث! فقلت: في أي برجات؟ فأجافت الباب [بالباب] دوني فقالت: يا جابر ظننتك أعلم مما أنت [فيه] صر إلى مسجد النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] فإنك سترى

ص: 55


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 63، ص 146، ح 70

عليا [صلوات الله عليه] فأتيت المسجد فإذا أنا بساجد من نور وسحاب من نور ولا أرى عليا [صلوات الله عليه] فقلت: يا عجبا غرتني أم سلمة، فتلبثت [فلبثت] قليلا إذ تطامن السحاب وانشقت ونزل منها أمير المؤمنين و في كفه سيف يقطر دما، فقام إليه الساجد فضمه إليه وقبل بين عينيه وقال: الحمد الله يا أمير المؤمنين الذي نصرك على أعدائك وفتح على يديك، لك إلى حاجة؟ قال: حاجتي إليك تقرأ ملائكة السماوات مني السلام وتبشرهم بالنصر. ثم ركب السحاب فطار فقمت إليه وقلت: يا أمير المؤمنين إني لم أرك بالمدينة أياما فغلبني الشوق إليك فأتيت أم سلمة المخزومية لأسألها عنك فوقفت بالباب فخرجت وهي تقول: من بالباب؟ فقلت: أنا جابر [بن عبد الله الأنصاري] فقالت: ما حاجتك يا أخا الأنصار؟ فقلت: إني فقدت أمير المؤمنين ولم أره بالمدينة فأتيتك لأسألك ما فعل أمير المؤمنين؟ فقال: يا جابر اذهب إلى المسجد فإنك ستراه فأتيت المسجد فإذا أنا بساجد من نور وسحاب من نور ولا أراك فلبثت قليلا إذ تطامن السحاب وانشقت ونزلت وفي يدك سيف يقطر دما فأين كنت يا أمير المؤمنين؟ قال: يا جابر کنت في برجات منذ ثلاث. فقلت: وأي شيء! صنعت في برجات؟ فقال لي: يا جابر ما أغفلك أما علمت أن ولايتي عرضت على أهل السماوات و من فيها وأهل الأرضين [الأرض] ومن فيها فأبت طائفة من الجن ولايتي، فبعثني حبيبي محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) بهذا السيف فلما وردت الجن افترقت الجن ثلاث فرق: فرقة طارت بالهواء فاحتجبت مني، وفرقة آمنت بي وهي الفرقة التي نزلت فيها الآية من (قل أوحي) وفرقة جحدتني حقي فجادلتها بهذا السيف سيف حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى قتلتها عن آخرها. فقلت: الحمد لله يا أمير المؤمنين فمن كان الساجد؟ فقال لي: يا جابر كان [إن] الساجد أكرم الملائكة على الله صاحب الحجب وكله الله [تعالى] بي إذا كان أيام الجمعة [ويوم الجمعة!] يأتيني بأخبار السماوات و السلام من الملائكة ويأخذ السلام

ص: 56

من ملائكة السماوات إلي)(1).

فهذه الملازمة للنبي ولأمير المؤمنين وهذا الشوق وهذا الحب أوصل جابر إلى هذا المستوى الإيماني، فمن خلال مصاحبته لآل البيت كان جابر يرى العجائب، وحتى أم سلمة كانت تعطيه الدروس والعبر من خلال كلامها له و عتبها عليه، ذلك لكي يصل جابر إلى المستوى الايماني الذي يليق به کونه صحابي مقرب.

فمن خلال ملازمته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عرف جابر من هو وصي رسول الله، قال جابر: (أتيت رسول الله (صلى الله علیه و آله) فقلت: يا رسول الله، من وصيك؟ قال: فأمسك عني عشرا لا يجيبني، ثم قال: يا جابر، ألا أخبرك عما سألتني؟ فقلت: بأبي أنت وأمي، أما والله لقد سكت عني حتى ظننت أنك وجدتَ عَلَي.

فقال: ما وجدت عليك يا جابر، ولكن كنت انتظر ما يأتيني من السماء، فأتاني جبرئیل (عليه السلام) فقال: يا محمد، ربك يقول: إن علي بن أبي طالب وصيك، وخليفتك على أهلك وأمتك، والذائد عن حوضك، وهو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنة.

فقلت: يا نبي الله، أرأيت من لا يؤمن بهذا أقتله؟ قال: نعم يا جابر، ما وضع هذا الموضع إلا ليتابع عليه، فمن تابعه كان معي غدا، ومن خالفه لم يرد علي الحوض أبدا)(2).

وعن جابر بن عبد الله، قال: (كنت عند النبي (صلى الله علیه و آله) أنا من جانب وعلي أمير المؤمنين (عليه السلام) من جانب، إذ أقبل عمر بن الخطاب ومعه رجل قد تلبب به، فقال: ما باله؟ قال: حکی عنك يا رسول الله، أنك قلت: من قال «لا إله

ص: 57


1- تفسیر فرات الكوفي، فرات بن ابراهيم الكوفي، ص 511
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 190

إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة، وهذا إذا سمعه الناس فرطوا في الأعمال، أفأنت قلت ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، إذا تمسك بمحبة هذا وولايته)(1).

فمن خلال ملازمته للنبي كان يشهد الكثير من هذه الأحاديث الشريفة التي تنص على ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام.

5- مستواه العقائدي:

إن استماعه لأحاديث النبي كان له الدور الفعال في رفع مستواه العقائدي، فروايته عن بدء خلق النبي والعترة، وكذلك روايته عن مولود النبي والأئمة والأنبياء وأنهم من أصلاب طاهرة، واللوح والقلم وغيرها كلها أحاديث عقائدية، فأخذه من النبي هذه العقائد وترسيخها في النفس والعقل والجوارح جعلت جابر من الموالين المقربين للنبي والعترة الطاهرة.

عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنهما) قال: (سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أول شيء خلقه الله - تعالى - قال: هو نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق فيه كل خير، وخلق بعده كل شيء، وحين خلقه أقامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام، فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش و خزنة الكرسي من قسم.

وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام: فخلق القلم من قسم، واللوح من قسم، والجنة من قسم، وأقام الرابع في مقام الخوف

ص: 58


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 282، وعن جابر بن عبد الله، قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وآله بفاكهة من الجنة وفيها أترجة، فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمد ناولها عليا، فناولها، فبينا هو يشمها إذ انفلقت، فخرج من وسطها رق مكتوب فيه: من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب. کتاب الثاقب لابن حمزة الطوسي، ص 61،

اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء: فخلق الملائكة من جزء، والشمس من جزء، والقمر والكواكب من جزء.

وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة اجزاء: فخلق العقل من جزء، والعلم والحلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة، ثم نظر الله تعالى إليه فترشح ذلك النور عرقا قطرت منه مائة ألف وعشرون ألفا وأربعة آلاف قطرة من النور، فخلق الله - سبحانه - من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء، فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين إلى يوم القيامة. فالعرش والكرسي وحملة العرش وخزنة الكرسي من نوري، والقلم واللوح والكروبيون والروحانيون من الملائكة والجنة وما فيها من النعيم من نوري، وملائكة السماوات السبع والشمس والقمر والكواكب من نوري، والعقل والعلم والحلم والعصمة والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، وأرواح الأولياء والشهداء والسعداء والصالحين من نتائج نوري.

ثم خلق الله اثني عشر ألف حجاب، فأقام الله الجزء الرابع من نوري في كل حجاب ألف سنة، وهي: حجاب الكرامة، والسعادة، والهيبة، والرحمة، والرفعة، والعلم، والحلم، والوقار، والسكينة، والصبر، والصدق، واليقين.

فلما أخرجه من هذه الحجب أضاء نوري الأرض من المشرق إلى المغرب كالسراج في الليل المظلم، ثم خلق آدم (عليه السلام) وأودع نوري في صلبه فتلألأ في جبينه وفي اسبابته فسأل الله عن هذا النور، قال: إنه نور محمد ولدك.

ثم انتقل النور منه إلى صلب شیث (عليهما السلام)، وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب، ومن طاهر إلى طاهر، إلى أن أوصله الله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد

ص: 59

المطلب، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ومبعوثا إلى كافة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين، هذا كان بدء خلقة نبيك يا جابر)(1).

وكانت لجابر نضرة مختلفة عن التشيع فقد سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث كثيرة بحق أمير المؤمنين والأئمة من ولده وفضل شيعتهم.

فأخذه من النبي هذه العقائد جعلت من جابر أحد الرموز التي يأخذ منهم فصار جابر مدرسة من مدارس التشيع، ففي الفصل الثاني سوف نوضح ذلك أكثر ونبين ما قاله جابر في وصيته لعطية قبل أن يفترقوا من زيارة الامام الحسين بن علي عليهما السلام.

فعن جابر بن عبد الله قال: (كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده إن هذا و شیعته لهم الفائزون يوم القيامة» فنزل قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(2))(3).

وفي رواية عن جابر الأنصاري تخص الحجج، قال: دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمد، أخبرني عما ليس لله، وعما ليس عند الله، وعما لا يعمله الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أما ما ليس لله، فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله، فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله، فذلك قولكم - يا معشر اليهود -: إن عزيرا ابن الله، والله لا يعلم له

ص: 60


1- ينابيع المودة لذوي القربی، القندوزي، ج 1، ص 56 - 58
2- البينة: 7
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 251

ولدا». فقال جندل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله حقا.

ثم قال: يا رسول الله، إني رأيت البارحة في النوم موسی بن عمران (عليه السلام)، فقال لي: يا جندل، أسلم على يد محمد (صلى الله عليه وآله)، واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت، ورزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك، لأتمسك بهم. فقال: «يا جندل، أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل». فقال: یا رسول الله، إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدناهم في التوراة، قال: «نعم، الأئمة بعدي اثنا عشر».

فقال: يا رسول الله، كلهم في زمن واحد؟ قال: «لا، ولكن خلف بعد خلف، وإنك لن تدرك منهم إلا ثلاثة».

قال: فسمهم لي، یا رسول الله، قال: «نعم، إنك تدرك سيد الأوصياء، ووارث الأنبياء، وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي، ثم ابنه الحسن، ثم الحسين، فاستمسك بهم من بعدي، ولا يغرنك جهل الجاهلين، فإذا كان وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سید العابدين، يقضي الله عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه».

فقال: يا رسول الله، هكذا وجدت في التوراة: إليايقطو شبرا وشبيرا، فلم أعرف أسماءهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء، وما أساميهم؟ فقال: «تسعة من صلب الحسين، والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين، قام بالأمر من بعده علي ابنه، ويلقب بزین العابدین، فإذا انقضت مدة على، قام بالأمر من بعده محمد ابنه، ويدعی بالباقر، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر، يدعى بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر، قام بالأمر من بعده ابنه موسی، ويدعى بالكاظم، ثم إذا انقضت مدة موسی، قام بالأمر من بعده علي ابنه، يدعى بالرضا، فإذا انقضت مدة علي، قام بالأمر بعده محمد ابنه، يدعى بالزكي، فإذا انقضت مدة محمد، قام بالأمر بعده علي

ص: 61

ابنه، يدعى بالنقي، فإذا انقضت مدة علي، قام بالأمر من بعده ابنه الحسن، یدعی بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم».

قال: يا رسول الله، هو الحسن يغيب عنهم؟ قال: «لا، ولكن ابنه الحجة»، قال: یا رسول الله، فما اسمه؟ قال: «لا يسمى حتى يظهر».

فقال: جندل: یا رسول الله، قد وجدنا ذكرهم في التوراة، وقد بشرنا موسی بن عمران بك، وبالأوصياء من ذريتك، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا» فقال جندل: یا رسول الله، فما خوفهم؟ قال: «يا جندل، في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل الله خروج قائمنا، يملأ الأرض قسطا وعدلا، کما ملئت جورا وظلما - ثم قال (عليه السلام) - طوبى للصابرين في غيبته، طوبي للمقيمين على محجتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه، فقال: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)*، وقال: أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1).

فكما بشر الله الأمم السابقة بخاتم الرسل فقد بشرهم بالأئمة الاثني عشر (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) فهؤلاء الطيبين هم أهل بيته وخاصته من عرفهم عرف الله ومن لم يعرفهم لم يعرف الله وقد جاء في هذا الخصوص عدة روایات منها ما روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: حدثني جبرائیل عن رب العزّة جلّ جلاله أنّه قال: من علم أن لا إله إلا أنا وحدي، وأنّ محمدا عبدي ورسولي، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي، وأنّ الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي، ونجّيته من النار بعفوي، وأبحت له جواريَّ، وأوجبت له کرامتي، وأتممت

ص: 62


1- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 4، ص 90 - 91

عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي و خالصتي، إن ناداني لبيّته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سکت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرّ مني دعوته، وإن رجع إلىّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته. ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك، ولم يشهد أنّ محمدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك، ولم يشهد أنّ علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك، ولم يشهد أنّ الأئمة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغّر عظمتي، وكفر بآياتي وكتبي ورسلي. إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيّبت رجاءه مني، وما أنا بظلام للعبيد.

فقام جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثم زین العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي ستدرکه یا جابر، فإذا أدركته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسی بن جعفر، ثمّ الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد، ثمّ الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحقّ مهدي أمتي، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني وبهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض وهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها)(1).

فكل هذه الأحاديث تحتاج إلى عقيدة قوية، كونها تتحدث عن اشخاص هم سر الله وحججه على خلقه فهذه الأحاديث صعبة مستصعبة لا يعقلها إلا الراسخون في

ص: 63


1- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 87 - 88

العلم ومن محض قلبه بحب النبي وآله، فكان جابر ثابت العقيدة بل بلغ من معتقده أنه يؤمن بالرجعة ويؤمن بالغيبة لذا كان النبي يخبره عن غيبة المهدي ويوصيه بعدم الشك بها فكان جابر من المتيقنين بذلك.

6- كثير الرواية:

يعد جابر بن عبد الله الأنصاري أحد أكثر الصحابة الذين سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه واله)، فكان يحفظ الأحاديث ويدونها، فأخذه من رسول الله و حفظه للحديث هي إحدى مآثر هذا الصحابي الجليل في زمن النبي، فقد جاء في أسد الغابة، (كان من المكثرين في الحديث، الحافظين للسنن)(1).

ولأهمية الأمر كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يردفه بالأحاديث الخاصة دون غيره، ذلك لأنه من الثقات لديه ويعلم أنه ممن يعمر طويلاً لذا خصه بذلك دون غيره من الصحابة، وكذلك معرفته بصدقه وولائه، وحبه للعترة الطاهرة، فهو أحد المؤمنين عند النبي وقد أودعه النبي أمانة السلام إلى ولده الباقر (عليه السلام) وما هذا إلا لثقته وعلمه بأنه جدير بالثقة و جدير بأن يحمله هذه الأمانة.

وفي رواية عن جابر قال: أردفني رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خلفه فجعلت فمي على خاتم النبوة فجعل ينفخ علي مسکا وقد حفظت منه تلك الليلة سبعين حديثا ماسمعها معي أحد)(2)، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجب عليه حفظ هذه الأحاديث الشريفة.

ويعد جابر من الثقات لدى الخاصة والعامة وممن حمله دینه على قول الحق، عن

ص: 64


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 1، ص 492
2- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 11، ص 230

أَبِي سُفْيَانَ، عن جَابِرِ بْنِ عَبدِ الله، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقِيلَ لِجَابِرٍ: إِنَّ الْبَرَاءَ، يَقُولُ: اهْتَزَّ السَّرِيرُ، فَقَالَ جَابِرُ: کَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَيَّيْنِ: الأَوْسِ والْخَزْرَجِ ضَغَائِنُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ.

قال ابن الأثير: وَجَابِرُ أَيْضًا مِنَ الْخَزْرَجِ، حَمَلَهُ دِينُهُ عَلَى قَوْلِ الْحَقِّ وَالإِنْكَارِ عَلَى مَنْ كَتَمَهُ)(1).

وكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يأمر أهل بيته وأصحابه المقربين بتدوین الحديث و أمير المؤمنين هو أول من دوَّن أحاديث النبي لأن النبي كان يعلم أن الأمة سوف تختلف من بعده وفي ذلك روايات عدة.

ففي مسند أحمد حدثني جار لجابر بن عبد الله قال: قدمت من سفر فجاءني جابر ابن عبد الله يسلم على فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا فجعل جابر يبكي ثم قال: (سمعت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا)(2).

وفي سنن الدرامي عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ان هذه السورة لما أنزلت على رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا»(3)، قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ليخرجن منه أفواجا کما دخلوه أفواجا)(4)، لذا كان النبي يأمر

ص: 65


1- اسد الغابة، ابن الأثير، ج 1، ص 257
2- مسند أحمد، ج 3، ص 343
3- الفتح: 1
4- سنن الدارمي، عبد الله بن الرحمن الدارمي، ج 1، ص 41

الصحابة بتدوين الحديث.

ولجابر بن عبد الله صحيفة معروفة، ففي كتاب العلل لأحمد بن حنبل، حدثني سلمة قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال عرضت على سعيد بن المسيب صحيفة جابر فلم ينكر(1).

وفي التاريخ الكبير، أخبرنا عاصم: عرضنا على الشعبي صحيفة جابر أو صحيفة فيها حديث جابر فقال: ما من شيء فيه إلا سمعته من جابر ولوددت إنکم انقلبتم منه كفافا(2).

وسمعت أحمد بن حنبل يقول كان قتادة احفظ أهل البصرة لا يسمع شيئا إلا حفظه وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها(3).

وجاء في وسائل الشيعة: ذكرها ابن سعد في طبقاته، وعبد الرزاق في مصنفه، والذهبي في تذکرته وروى مسلم في صحيحه إنها كانت في مناسك الحج، ويحتمل أن يكون فيها ذکر حجة الوداع التي ألقي فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطبته الجامعة، وعين علياً (عليه السلام) وصياً و خليفة وإماما للناس بعده. وكان قتادة بن دعامة السدوسی یکبر من قيمة هذه الصحيفة ويقول: لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني السورة البقرة.

ويُعدّ جابر من الصحابة البارزين الذين دعوا إلى عملية التدوين فضلا عن ممارساتها، فلم يقتصر على كتابة الصحيفة بل كان يملي الأحاديث على تلامذته من

ص: 66


1- العلل، الإمام أحمد بن حنبل، ج 3، ص 470
2- التاريخ الكبير، البخاري، ج 6، ص 451، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 25، 365
3- الجرح والتعدیل، ابن أبي حاتم الرازي، ج 7، ص 135، تذكرة الحفاظ، الذهبي، ج 1، ص 123، سیر أعلام النبلاء، الذهبي، ج 5، ص 276

التابعين وكتب عنه جماعة منهم: محمد بن الحنفية، وسليمان بن قيس اليشكري، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وغيرهم.

ولم تحدث كتابة الحديث النبوي بالأسماء التي ذكرنا بل كان لغير هؤلاء من الصحابة عمل مماثل ومصنفات أخرى كأبي ذر الغفاري، ورافع بن خديج الأنصاري وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس.

هذه الصحف وما ورد من إجازته - بل أمره صلى الله عليه و آله - بالكتابة لعبد الله بن عمرو وغيره وأحاديثه المكثرة في ذلك التي منها.

1- اكتبوا ولا حرج.

2- قيدوا العلم بالكتاب.

3- أكتبوا لأبي فلان.

4- استعن بيمنك.

دليل واضح على اجازته لكتابة الحديث)(1).

فالجهاد لا يقتصر على حمل السيف فقط، فقد يأتي زمان يكون الجهاد باللسان، فجابر من الصحابة الذين جاهدوا مع النبي في حروبه وغزواته كذلك كان يتسلح بالأحاديث النبوية، ومن الأسباب الأخرى التي جعلت النبي يردفه بالأحاديث أسئلته رضوان الله عليه، فكان جابر يسأل النبي عن أمور عظيمة وهذا دليل على وعيه، لذا كان النبي يجيبه ويترحم عليه وهذا دليل على رضا النبي عنه وحبه له وكان (صلى الله عليه و آله) يخبره بأمور غيبية وأمور فوق عقل البعض فلا يعقلها إلا من محض قلبه بحب النبي والعترة، ففي رواية سأل جابر النبي عن كيفية مولود الأنبياء والحجج قال: (.... فقلت: يا رسول الله! هذه حالنا فكيف حالك وحال الأوصياء

ص: 67


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 1، ص 8 - 9

بعدك في الولادة؟ فسكت رسول الله (صلى الله عليه واله) مليا ثم قال: يا جابر! لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم، إن الأنبياء والأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه يودع الله أنوارهم أصلا با طيبة وأرحاما طاهرة، يحفظها بملائكته، ويربيها بحكمته، ويغذوها بعلمه، فأمرهم يجل عن أن يوصف، وأحوالهم تدق عن أن تعلم، لأنهم نجوم الله في أرضه، وأعلامه في بريته، وخلفاؤه على عباده، وأنواره في بلاده، وحججه على خلقه، یا جابر! هذا من مكنون العلم و مخزونه، فاکتمه إلا من أهله)(1).

كذلك سأله عن مولد الإمام علي، قال جابر بن عبد الله الأنصاري: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: آه آه لقد سألتني عن خير مولود ولد بعدي على سنة المسيح (عليه السلام)، إن الله تبارك وتعالى خلقني وعليا من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة الف عام فكنا نسبح الله ونقدسه، فلما خلق الله تعالى آدم قذف بنا في صلبه واستقررت انا في جنبه الأيمن، وعلي في الأيسر ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيبة، فلم نزل كذلك حتى أطلعني الله تعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثم أطلع الله تبارك وتعالى عليا من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خیر رحم، وهي فاطمة بنت أسد...)(2).

فهذا الصحابي الجليل ممن يقدِّر کلام النبي ويستوعبه ويأخذ به، لذا كان النبي يخبره بكثير من الأمور والأسرار ولو لم يكن أهلا لهذه الأحاديث لما أخبره النبي بها، ولكنه (صلى الله عليه وآله) يعلم أن مثل جابر يستوعب هذا الكلام.

ص: 68


1- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 4، ص 414
2- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 77

فكان رضوان الله عليه يأخذ من النبي ويتعلم منه وقد بنی عقیدته من تلك الأحاديث الشريفة فكان يعلم الناس مما تعلمه وكان النبي يأمره بذلك، ففي رواية عن جابر قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال يا جابر هؤلاء الأعنز أحد عشر عنزا في الدار أحب إليك أم كلات علمنيهن جبرائيل (عليه السلام) آنفا يحمد لك خير الدنيا والآخرة، قال قلت والله يا رسول الله إني لمحتاج وهؤلاء الكلمات أحب إلي، قال قل اللهم أنت الحلاق العظيم اللهم إنك سميع عليم اللهم إنك غفور رحيم اللهم إنك رب العرش العظيم اللهم إنك أنت الجواد الكريم فاغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واسترني وأجبرني وارفعني واهدني ولا تضلني وأدخلني الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين، قال فطفق يرددهن علي حتى حفظتهن ثم قال لي تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك ثم قال: استقهن معك قال فسقتهن من معي)(1).

فأخذه من النبي الأكرم هذه الكنوز وترسيخها في الذهن جعلت من جابر أحد أشهر الرواة كذلك جعلته مختلفاً في معرفته للنبي والعترة. ففي رواية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في نفر من أصحابه: (ان مقامي بين أظهركم ومفارقتي خير لكم فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري وقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اما مقامك بين أظهرنا فهو خير لنا فكيف يكون مفارقتك إيانا خير لنا؟ قال اما مقامي بين أظهركم ان الله يقول وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعذبهم بالسيف واما مفارقتي إياكم فإنه خير لکم فان أعمالكم تعرض عليّ كل اثنين وكل خميس، فما كان من حسن حمدت الله عليه وما كان من سيئ استغفرت الله لكم)(2).

ص: 69


1- تاريخ مدينة دمشق، ج 11، ص 231
2- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)، ص 464، ح 5

7- مستواه التربوي:

أعطت هذه الملازمة وهذه الصحبة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجابر دروساً تربويةً كثيرة، وفهماً للحياة فكان جابر يتعلم من تلك المدرسة المحمدية والتي هدفها اعزاز المؤمن ورفع مستواه الخلقي ومنزلته من خلال سلوكه في الحياة.

وكان النبي يعلّم أصحابه من خلال المواقف التي تصادفه، فهذه المواقف تبقى في الذاكرة فيتعظ بها العاقل، ففي رواية عن جابر بن عبد الله قال: (كنّا عند رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب، فقال: يا رسول الله، أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ثمَّ أتاه من قبل ركنه الأيمن وقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثمَّ أتاه من قبل ركنه الأيسر، فأعرض رسول الله صلَّى الله عليه وآله، ثمَّ أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله صلَّى الله عليه و آله فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته، أو لعقرته، وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «يأتي أحدكم بما يملك ثمَّ يقول: هذه صدقة، ثمَّ يقعد يستكفّ الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنی»(1).

فالبعض يتصدق وهو محتاج إلى من يتصدق عليه فالنبي يعلم الناس أن لا يحتاجوا إلى الغير إلا للضرورة.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إن أبي أخذ مالي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل: اذهب فأتني بأبيك، فنزل جبرئیل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: إن الله يقرؤك السلام ويقول: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه، ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي (صلى الله عليه و آله)

ص: 70


1- منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج 8، ص 504

ما بال ابنك يشكوك؟! أتريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله یا رسول الله هل هو إلا غرامة، أو أداء أمانة، أو ما أنفقه على نفسي وعيالي هل أنفقته إلا على عماته أو خالاته، أو على نفسي؟! فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أيه، دعنا من هذا، أخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي، فقال: قل وأنا أسمع، قال: قلت:

غذوتك مولودا ومنتك يافعا *** تعلُّ بما أجني عليك وتنهل

إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت *** لسقمك إلا ساهرا أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي *** طرقت به دوني فعيناي تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها *** لتعلم أن الموت وقت مؤجل

فلما بلغت السن والغاية التي *** إليها مدى ما فيك كنت أؤمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة *** كأنك أنت المنعم المتفضل

فليتك إذ لم ترع حق أبوَّتي *** فعلت کما الجار المجاورُ يفعل

تراه معدا للخلاف كأنه *** برد على أهل الصواب موکل

قال فحينئذ أخذ النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بتلابيب ابنه فقال أنت ومالك لأبيك)(1)

فالله سبحانه انما بعث رسوله وانبياءه كي يعلّم الناس مکارم الاخلاق و حب الخير والعمل به، قال جابر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من بلغه من الله

ص: 71


1- مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 4، ص 155

فضيلة فأخذ بها وعمل بما فيها ایمانا بالله ورجاء ثوابه أعطاه الله تعالى ذلك وإن لم يكن كذلك)(1).

وكان جابر من خيار الرجال ذلك لأنه جالس حبیب الله وقد سمع منه الكثير من الأحاديث التي تربي الانسان وتعلمه فعل الخير و تجنبه الباطل، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا أخبركم بخير رجالكم؟ قلنا: بلی یا رسول الله قال: إن من خير رجالكم التقي، النقي، السمح الكفيّن، النقي الطرفين البر بوالديه ولا يلجئ عياله إلى غيره)(2).

وعنه رضوان الله عليه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بشرار رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، فقال: إن من شرار رجالکم البهات الجرئ الفحاش، الآكل وحده، والمانع رفده، والضارب عبده والملجئ عياله إلى غيره)(3)،

وكان صلى الله عليه وآله يخبرهم عن خيار النساء، قال جابر: (كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذل الرجل)(4).

فمن صاحب النبي لا شك أنه سوف يصل إلى مستوى عالي من الخلق، فصحبة هذا السيد الهاشمي وهذه الدروس التربوية المتواصلة ترفع الانسان الملازم له

ص: 72


1- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 1، ص 341
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 57، ح 12
3- المصدر السابق، ص 57، ح 13
4- المصدر السابق، ج 5، ص 324، ح 1، باب خير النساء

والمتأسي به إلى القمة فالتواجد مع النبي لا يخلو من الفائدة، قال جابر: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع فوقف علينا فسلم فرددنا عليه السلام، ثم قال: ما لي أری حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم کتب و كأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب وحتى كأن لم يسمعوا ویروا من خبر الأموات قبلهم، سبيلهم سبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون، بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم، فيظنون أنهم مخلدون بعدهم هيهات هيهات [أ] ما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل واعظ في كتاب الله وآمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة.

طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس.

طوبى لمن منع عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه.

طوبى لمن تواضع لله عز ذکره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي واتبع الأخيار من عترتي من بعدي وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا، المبتدعين خلاف سنتي، العاملين بغير سيرتي.

طوبی لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد به على أهل المسكنة.

طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره.

طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل و أمسك قوله عن الفضول و قبيح الفعل)(1)

ص: 73


1- الكافي، ج 8، ص 168، ح 190

ففي هذه الأحاديث الكثير من النصائح التربوية، ذلك أن من جالس سيد الخلق وصاحب الخلق العظيم صار انساناً بمعنی کلمة الانسانية وجابر من الصحابة المتأسيين بالنبي واهل بيته لذا وصل جابر إلى هذا القدر وهذه المكانة والرفعة بين الناس ذلك لخلقه وحبه لهذه الصفات المحمدية الهاشمية.

ص: 74

المبحث الثالث (بيان منزلته من النبي صلی الله علیه و آله وفاطمة علیها السلام، وذكر خصائصه وبعض الكرامات التي حدثت له على يد النبي صلی الله علیه و آله وسلم).

في هذا المبحث سوف نتكلم عن منزلة جابر بن عبد الله الأنصاري عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن لهذا الصحابي منزلة عظيمة ودرجة رفيعة حيث عده رسول الله من المقربين كأمثال سلمان وغيره من الصحابة المعروفين بالولاء الصادق، فهو ممن محصّوا في الشدائد حتى صار من المقربين فقد بلغ من ایمانه ان أهل البيت شهدوا له بذلك.

ومن خلال تتبعنا لحياته (رضوان الله عليه) وجدنا أن لهذا الصحابي کرامات عديدة وخصائص رفيعة كما كانت لأبيه وسائر الصحابة الطيبين، فهؤلاء قلائل من الصحابة امتحن الله قلبهم بحبه و حب نبيه وأهل بيته فوجدهم مطيعين له، فحباهم الله بمنزلة عالية وأعطاهم من الكرامات ما تجعلنا نفتخر بهم ونجلهم ونحترمهم لطهارتهم وقربهم من النبي وأهل بيته، فحينما نقول جابر هو أحد المقربين للنبي فلا شك في ذلك اطلاقاً فهو من المترددين على رسول الله وكان مرحّبا به وممن حظي بمودة الزهراء وكذلك لَهُ مكانة في قلب الحسن والحسين وأم سلمة وللتوسع أكثر سنبين ذلك في المسائل الاتية:

المسألة الأولى: منزلته عند النبي (صلی الله علیه و آله) و فاطمة (علیها السلام)

إن لجابر بن عبد الله الأنصاري خصوصية مختلفة عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فهو أحد الصحابة المقربين ومن نظراء سلمان وعمار والمقداد وأبي ذر، فجابر من الصفوة الخلص الذين قال عنهم النبي انت منا، ففي رواية عن أبي جعفر محمد بن

ص: 75

علي الباقر (عليهما السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن سلمان الفارسي فقال (صلى الله عليه وآله): سلمان بحر العلم لا يقدر على نزحه، سلمان مخصوص بالعلم الأول والآخر، أبغض الله من أبغض سلمان، وأحب من أحبه، قلت: فما تقول في أبي ذر؟ قال: وذاك منا، أبغض الله من أبغضه و أحب الله من أحبه، قلت: فما تقول في المقداد؟ قال: وذاك منا، أبغض الله من أبغضه وأحب الله من أحبه قلت: فما تقول في عمار؟ قال: وذاك منا، أبغض الله من أبغضه وأحب من أحبه، قال جابر: فخرجت لأبشرهم فلما وليت، قال: إلي إلي يا جابر وأنت منا أبغض الله من أبغضك وأحب من أحبك)(1).

فمن خلال هذه الرواية تتضح لنا منزلة هذا الصحابي إذ كما كان لهؤلاء الصحابة خصوصية مختلفة عند النبي وأهل بيته، كذلك لجابر بن عبد الله خصوصية ومنزلة مقاربةً لهم (رضوان الله عليهم)، كان جابر يتردد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت أم سلمة فيشهد معاجزهم و کراماتهم، ففي رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله) في بيت أم سلمة فأنزل الله هذه الآية: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2) فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين وفاطمة وأجلسهم ودعا عليا فأجلسه خلف ظهره وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا «قالت أم سلمة: فأنا معهم یا رسول الله؟ قال: «أنت على خير «فقلت: يا رسول الله لقد أكرم الله هذه العترة الطاهرة والذرية المباركة بذهاب الرجس عنهم قال: «يا جابر إنهم عترتي من لحمي ودمي فأخي سيد الأوصياء وابني خير الأسباط وابنتي سيدة النسوان ومنا المهدي «قلت: يا رسول الله ومن المهدي؟ قال: «تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار،

ص: 76


1- الاختصاص، الشيخ المفيد، ص 223
2- الأحزاب: 33

والتاسع يملأ الأرض قسطا وعدلا، يقاتل على التأویل کما قاتلت على التنزیل)(1).

ولجابر مواقف اخرى غير جهاده جعلت له مكانة ومنزلة عظيمة عند النبي، فقد روي عن جابر قال: (أقبلت عِيرٌ ونحن نصلَّي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الجمعة فانفضّ الناس إليها فما بقي غير اثناعشر رجلا أنا فيهم فنزلت الآية: «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا»(2)، فجابر من الصحابة الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذکر الله لذا رفع الله منزلته فجعله من المقربين لرسوله الكريم.

ولهذا الصحابي منزلة رفيعة عند سيدة النساء وذلك لمنزلته ومكانته من النبي، وبما أن النبي عَدَّه منهم، كان (رضوان الله عليه) يدخل على بيت فاطمة (عليها السلام) فكانت تخبره بأسرار عظيمة ومن شواهد ذلك حديث الكساء المروي عن جابر عن فاطمة الزهراء، وكذلك حديث اللوح الذي فيه أسماء الأئمة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (دخلت على فاطمة عليها السلام و بين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم (عليه السلام) ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي عليهم السلام)(3).

وعن جابر بن عبد الله الانصاري قال: (دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقدامها لوح یکاد ضوؤه يغشى الابصار، فيه اثنا عشر اسما: ثلاثة في ظاهره وثلاثة في باطنه وثلاثة في آخره وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذ هي اثنا عشر، فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: هذه أسماء الاوصیاء، أولهم ابن عمي وأحد عشر من ولدي آخرهم القائم، قال جابر: فرأيت فيها: محمدا محمدا محمدا - في ثلاثة

ص: 77


1- غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، السيد هاشم البحراني، ص 243
2- الجمعة: 11
3- عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 52، ح 6

مواضع - وعليا عليا عليا عليا - في أربعة مواضع)(1).

وفي رواية أخرى تبين تفصيل هذا اللوح حيث ورد فيه أسماء آباء المعصومين وأمهاتهم الطاهرات، قال جابر: (دخلت على مولاتي فاطمة عليها السلام لأهنئها بمولود الحسن عليه السلام فإذا هي بصحيفة بيدها من درة بيضاء، فقلت: يا سيدة النسوان ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت: يا جابر لولا النهي أفعل لكنه نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي، أو أهل بیت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.

قال جابر: فقرأت فإذا فيها: «أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى، أمه آمنة بنت وهب، أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمد الحسن بن علي البر، أبو عبد الله الحسين بن علي التقي، أمهما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، أبو محمد علي بن الحسين العدل، أمه شهربانویه بنت يزدجرد ابن شاهنشاه، أبو جعفر محمد بن علي الباقر، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، أبو إبراهيم موسی بن جعفر الثقة، أمه جارية اسمها حميدة، أبو الحسن علي بن موسی الرضا، أمه جارية اسمها نجمة، أبو جعفر محمد بن علي الزكي، أمه جارية اسمها خيزران، أبو الحسن علي بن محمد الأمين، أمه جارية اسمها سوسن أبو محمد الحسن بن علي الرفيق، أمه جارية اسمها سمانة وتكنى بأم الحسن، أبو القاسم محمد بن الحسن، هو حجة الله تعالى على خلقه القائم، أمه جارية اسمها نرجس صلوات الله عليهم أجمعين)(2).

ص: 78


1- کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 311، ح 2
2- کمال الدین و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 306 - 307

وفي رواية اخرى أن جابر دخل على فاطمة في مولد الإمام الحسين(1) وليس في مولد الإمام الحسن (عليهم السلام) فرأى هذه الصحيفة، وقد تكون هذه الرواية أصح كون الحجج من ذرية الإمام الحسين فأراد الله أن يبين لفاطمة عدد المعصومين، وقد يكون هذا اللوح عرض على جابر بكلا الموردين.

فثقة السيدة فاطمة بهذا الصحابي يبرهن على أنه من الصحابة الطيبين الذين کشفوا عن صدق نواياهم فصار جابر أحد الصحابة المقربين من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس، وهذه كرامة وخصوصية لجابر.

ولمنزلته وقربه من النبي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) یکشف له أسراراً عظيمة ويبين له منزلة علي بن أبي طالب و فضله و مقامه عند الله وأنه أخوه، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) أنه قال: (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): «یا جابر، أي الإخوة أفضل؟» قال: قلت: البنون من الأب والام، فقال: «إنا معاشر الأنبياء إخوة، وأنا أفضلهم، وأحب الإخوة إلى علي بن أبي طالب، فهو عندي أفضل من الأنبياء، فمن زعم أن الأنبياء أفضل منه، فقد جعلني أقلّهم، ومن جعلني أقلهم فقد کفر، لأني لم أتخذ عليا أخاً إلا لما علمت من فضله)(2).

فيتضح لنا من خلال ما رواه النبي لجابر أن للإمام علي منزلة مختلفة فعلي لا يقارن بأحد حتى الأنبياء ففي تكملة الحديث المروي عن الشيخ المفيد، قال جابر: (فقلت: يا رسول الله فما تقول في علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال: ذاك نفسي، قلت: فما تقول في الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قال: هما روحي وفاطمة أمهما

ص: 79


1- ينظر، الاختصاص الشيخ المفيد، ص 210، الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، ج 2، ص 110
2- البرهان، ج 4، ص 872

ابنتي، يسوؤني ماساءهما ويسرني ما سرها، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم، یا جابر إذا أردت أن تدعو الله فيستجيب لك فادعه بأسمائهم فإنها أحب الأسماء إلى الله عز وجل)(1).

وحينما سأل جابر النبي عن ميلاد أمير المؤمنين روى له الحديث، (.... قال جابر ابن عبد الله: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): شرحت لك ما سألتني ووجب عليك الحفظ لها فإن لعلي عند الله من المنزلة الجليلة والعطايا الجزيلة ما لم يعط أحد من الملائكة المقربين ولا الأنبياء المرسلين و حبه واجب على كل مسلم، فإنه قسیم الجنة والنار، ولا يجوز أحد على الصراط إلا ببراءة من أعداء علي عليه السلام)(2).

فمن كانت له منزلة عند الله وعند رسوله لا بد أن يعرف وصي النبي، ففي رواية قال جابر: (كان لي ولد وقد حصل له علة صعبة، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وآله - أن يدعو له، فقال: سل عليا فهو مني وأنا منه، فتداخلني قلیل ریب و قيل لي: إن أمير المؤمنين بالجبانة: فجئته وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته سلمت عليه وحدثته بما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه و آله -، فقال لي: نعم.

ثم قام ودنا من نخلة كانت هناك، وقال: أيتها النخلة من أنا؟ فسمعت منها أنينا كأنين النساء الحوامل إذا أرادت تضع حملها، ثم سمعتها تقول: (يا أنزع البطين) أنت أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين، أنت الآية الكبرى، وأنت الحجة العظمی، وسكتت، فالتفت - صلوات الله عليه - إلي وقال: يا جابر قد زال الآن الشك من قلبك وصفاذهنك، اكتم ما سمعت ورأيت عن غير أهله)(3).

ص: 80


1- الإختصاص، الشيخ المفيد، ص 223
2- بحار الأنوار، ج 35، ص 106، الأنوار العلوية، الشيخ جعفر النقدي، ص 35
3- مدينة المعاجز، ج 2، ص 51

فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا يرد طلباً لجابر ولا لأي مخلوق، وهذا ما روي عن جابر قال: (ما سئل النبي صلَّى الله عليه وآله شيئا قط فقال: لا.)(1).

ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) حينما علم أن في قلب جابر قليلاً من الشك تجاه علي ومنزلته وفضله، أراد أن يزيل هذا الشك فأرسله إلى علي لتنكشف له الحقائق، فلما وصل إلى الإمام وأخبره بكلام النبي علم الإمام (عليه السلام) أن في قلبه ريباً، فأراه هذه المعجزة ليطمئن قلبه ويزيل شکه لتقضى حاجته، وقد أمر الإمام جابر أن يكتم ما سمعه وما رآه إلا لأهله، فكان جابر أهلاً لأن تحدث له هذه المعجزة، وقد تلتبس على القارئ بعض الأمور وهي أن الروايات السابقة توضح إيمان جابر ومعرفته بعلي فلماذا هذا الشك الذي صدر من جابر إزاء علي؟!.

نقول: إن نقلنا للروايات لم تكن حسب التاريخ وانما يتم ذكرها بحسب عنوان البحث لذا يكون هناك تقديم وتأخير في بعض الروايات.

فمن المؤكد أن هذه الحادثة قد تكون أول معجزة شهدها هذا الصحابي لعلي (عليه السلام) لذا أرسله رسول الله (صلى الله عليه وآله) كي يعرّفه بمنزلة علي (عليه السلام) و فضله عند الله، فهذا الاختبار العقائدي جعل من جابر مؤمنا بل متيقنا بعلي (عليه السلام) بعد تلك المعجزة التي رآها.

وليس كل من رأى أو سمع بمعاجز النبي وأهل بيته يستوعب ذلك، فكثيراً ما يتهمونهم بالسحر لذا كانوا لا يحدثون أمراً إلا للضرورة فكان جابر بأشد الحاجة إلى هذه المعجزة ليعرف جيداً مكانة أمير المؤمنين عند الله، ولعل مرض ابنه كان سببا لكي يصل إلى معرفة الإمام، فقد يسمع الإنسان أقوال النبي التي تبين منزلة أمير المؤمنين ودرجته وقدره عند الله ولكن حينما يرى الانسان بعينه تلك الحقائق يكون قد أيقن بکلام النبي أكثر.

ص: 81


1- سنن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) السيد الطباطبائي، ص 84

ومثلما كان النبي يوصيه بحب علي وولايته كان يوصيه بحب الأئمة من ولده وموالاتهم واتباعهم والایمان بهم وما ذلك الا لمنزلته وقربه من النبي، فعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: معاشر الناس إعلموا أن (الله تعالى جعل لكم) بابا من دخله أمن من النار ومن الفزع الأكبر، فقام إليه أبو سعيد الخدري، فقال: يا رسول الله اهدنا إلى هذا الباب حتى نعرفه. قال: هو علي بن أبي طالب، سيد الوصيين، و أمير المؤمنين، و أخو رسول رب العالمين. [و خليفة الله على الناس أجمعين].

معاشر الناس من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإن ولايته ولايتي، وطاعته طاعتي.

معاشر الناس من أحب أن يعرف الحجة بعدي فليعرف علي بن أبي طالب (عليه السلام). [معاشر الناس (من أراد أن يتولى الله ورسوله) فليقتد بعلي بن أبي طالب بعدي] والأئمة من ذريتي فإنهم خّزان علمي.

فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وماعدة الأئمة؟ فقال: يا جابر سألتني رحمك الله عن الاسلام بأجمعه، عدتهم عدة الشهور وهي عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض.

وعدتهم عدة العيون التي انفجرت موسی بن عمران علیه السلام حين ضرب بعصاه [الحجر] فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.

وعدتهم عدة نقباء بني إسرائيل [قال الله تعالى] «وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا» فالأئمة يا جابر إثناعشر [إماما] أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم القائم المهدي صلوات الله عليهم)(1).

ص: 82


1- مائة منقبة، محمد بن أحمد القمي (ابن شاذان)، ص 72

فصار جابر من الصحابة العارفين بمنزلة علي وفاطمة والحجج الأطهار ذلك بفضل القرب والرفقة مع سيد الخلق، مما زاده ذلك رفعة في الدنيا والاخرة، ففي خبر عن جابر بن عبد الله قال: (انه افتخر علي وفاطمة بفضائلهما، فأخبر جبرئیل النبي انهما قد أطالا الخصومة في محبتك فاحكم بينهما، فدخل وقص عليهما مقالتهما ثم أقبل على فاطمة وقال: لك حلاوة الولد، وله عز الرجال، وهو أحب إلي منك، فقالت فاطمة: والذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك الأمة لا زلت مقرة له ما عشت)(1).

و لمنزلته وقربه من فاطمة كان يعرف الكثير عنها، قال جابر: (ما رأيت فاطمة تمشي إلا ذكرت رسول الله)(2).

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): (سلام عليك يا أبا الريحانتين من الدنيا، فعن قليل يذهب رکناك، والله خليفتي عليك، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قال علي عليه السلام: هذا أحد الركنين الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما ماتت فاطمة عليها السلام قال هذا الركن الآخر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله)(3).

وقد سمع جابر احاديث كثيرة تبين منزلة فاطمة والحجج الأطهار من النبي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (فاطمة مهجتي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمنائي وحبلي

ص: 83


1- مناقب آل ابي طالب، ابن شهر آشوب، ج 3، ص 122
2- مناقب آل ابي طالب، ابن شهر آشوب ج 3، ص 132
3- عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، ابن البطريق، ص 308

الممدود، فمن اعتصم بهم فقد نجی، و من تخلف عنهم فقد هوى)(1).

كذلك لهذا الصحابي منزلة عالية ومنزلته من رسول الله كان يأتمنه في كثير من الأمور ففي رواية سنتطرق لها في الفصل الثاني أن النبي ائتمنه على أن يوصل سلامه الولده الباقر ابن الامام زین العابدين عليها السلام.

المسألة الثانية: (خصائصه مع النبي صلی الله علیه و آله وذكر كراماته)

إن هذا الصحابي الجليل کرامات كثيرة حدثت له في زمن النبي وكذلك في زمن المعصومين، وبما أننا نتناول في هذا الفصل آثاره في زمن النبي سوف نذكر بعض الكرامات والخصائص التي اختص بها هذا الصحابي دون غيره ومنها:

1- قضاء دين أبيه على يد النبي محمد (صلی الله علیه و آله).

قال جابر: (استشهد - عبد الله بن عمرو بن حزام(2)، فاستغثت برسول الله صلى الله عليه وآله على غرمائه أن يضعوا من دينهم شيئا «، فأبوا، فقال صلى الله عليه وآله: «اذهب فصنف تمرك أصنافا «ففعلت، ثم أعلمته فجاء، فقعد على أعلاه - أو في وسطه - ثم قال: «كِل للقوم»، فكِلت لهم حتى وفيتهم، وبقي تمري، كأنه لم ينقص منه شيء)(3).

2- استغفار النبي (صلی الله علیه و آله) لجابر ليلة البعير:

روی ابن عساکر، عن جابر قال: (استغفر لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

ص: 84


1- الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، شاذان بن جبرئیل القمي (ابن شاذان)، ص 156، ح 134
2- في اغلب النسخ، ابن حرام وليس ابن حزام
3- الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي، ص 52

ليلة البعير خمساً وعشرين مرة)(1).

ففي رواية عن جابر بن عبد الله قال: لما انصرفنا راجعين فكنا بالشقرة قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): يا جابر ما فعل دین أبيك فقلت: عليه انتظرت یا رسول الله أن يجذ نخله، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): إذا جذذت فأحضرني، قال قلت: نعم، ثم قال: من صاحب دین أبيك فقلت: أبو الشحم اليهودي له على أبي سقة تمر، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): فمتى تجدها قلت: غداً، قال: يا جابر فإذا جذذتها فاعزل العجوة على حدتها وألوان التمر على حدتها، قال: ففعلت فجعلت الصيحاني على حدة وأمهات الجرادين على حدة والعجوة على حدة ثم عمدت إلى جماع من التمر مثل نخبة وقرن شقحة وغيرها من الأنواع وهو أقل التمر فجعلته حبلاً واحداً ثم جئت رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) فخبرته فانطلق رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) ومعه علية أصحابه فدخلوا الحائط وحضر أبو الشحم، قال: فلما نظر رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) إلى التمر مصنفاً قال: اللهم بارك له! ثم انتهى إلى العجوة فمسها بيده وأصناف التمر ثم جلس وسطها ثم قال: ادع غريمك، فجاء أبو الشحم فقال: اكتل! فاكتال حقه كله من حبلٍ واحدٍ وهو العجوة وبقية التمر کما هو، ثم قال: يا جابر هل بقي على أبيك شيء؟ قال قلت: لا. قالت: وبقي سائر التمر فأكلنا منه دهراً وبعنا منه حتى أدركت الثمرة من قابل ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما كان على أبي من الدين فقضى الله ما كان على أبي من الدين، فلقد رأيتني والنبي (صلى الله عليه وسلّم) ليقول: ما فعل دين أبيك فقلت: قد قضاه الله (عز وجل)، فقال: اللهم اغفر لجابر! فاستغفر لي في ليلةٍ خمساً وعشرين مرة)(2).

ص: 85


1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 11، ص 224
2- المغازي، الواقدي، ج 1، ص 401

وقد لاحظنا في كتب التاريخ أن هذه الحادثة كانت حين رجوع النبي من غزوة ذات الرقاع فتكون الفترة بين هذه الغزوة وبين أحد هي فترة طويلة ولكن نجد بالمقابل أن نبي الرحمة لم ينس دین عبد الله والد جابر رغم المدة الزمنية، فهذه الفترة التي قضاها جابر كان يسد فيها دين ابيه شيئاً فشيئاً(1).

وكانت تلك الفترة من أصعب الايام على جابر فلا شيء أثقل من الدين، فلهذا أكرمه الله وجعل قضاء دينه أن يكون بهذه الكرامة حتى صار ذلك الهم وذلك الدين نعمة من الله إذ ختامه صار على يد سيد الخلق وبطريقة يتمناها كل عاقل فهي كرامة ورفعة.

وهنالك معجزة أخرى يرويها لنا جابر بن عبد الله الأنصاري شهدها للنبي، فعن جابر بن عبد الله قال: لما أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غزوة ذات الرقاع وهي غزوة بني ثعلبة من غطفان حتى إذا كان قريبا من المدينة إذا بعير حل يرقل حتى انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوضع جرانه على الأرض ثم خرخر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل تدرون ما يقول هذا البعير؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنه أخبرني أن صاحبه عمل عليه حتى إذا أكبره وأدبره وأهزله أراد أن ينحره ويبيع لحمه، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): یا جابر اذهب به إلى صاحبه فأتني به فقلت: لا أعرف صاحبه، قال هويدلك، قال: فخرجت معه حتى انتهيت إلى بني واقف، فدخل في زقاق فإذا بمجلس فقالوا: يا جابر كيف تركت رسول الله صلى الله عليه وآله؟ و كيف تركت المسلمين؟ قلت: صالحون، ولكن أيكم صاحب هذا البعير؟ فقال بعضهم: أنا، فقلت: أجب رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: مالي؟ قلت: استعدي عليك بعيرك، قال: فجئت أنا وهو والبعير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: إن بعيرك أخبرني أنك عملت عليه حتى إذا أكبرته وأدبرته

ص: 86


1- ينظر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، السيد جعفر مرتضى العاملي، ج 10، ص 52

وأهزلته أردت نحره وبيع لحمه، قال الرجل: قد كان ذلك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: بعه مني، قال: بل هو لك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: بل بعه مني، فاشتراه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم ضرب على صفحته فترکه يرعى في ضواحي المدينة، فكان الرجل منا إذا أراد الروحة والغدوة منحه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال جابر: رأيته وقد ذهب عنه دبره و صلح)(1).

فالنبي الأكرم يرسل جابراً ويختاره من بين الموجودين وما ذلك إلا لثقته بجابر أنه أول المصدقين به من بين الموجودين كونه شهد الكثير من المعاجز، كذلك بیان امتثال جابر لكلام النبي بلا تردد ولا شك في هذا الأمر، لأن هذا الأمر يحتاج إلى يقين بكلام النبي بأن الناقة تدرك وتفهم، لذا كان النبي يعتمد عليه في كثير من الأمور ويعتبره من الثقات والمعتمد عليهم.

3- نزول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) في بيت جابر وتناول الطعام:

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتي إلى بيت جابر ويتناول في داره الطعام وهذه كرامة لجابر، ففي رواية (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دار جابر رضي الله عنه، فقدم إليه الباذنجان فجعل (صلى الله عليه وآله) يأكل، فقال جابر: إن فيه الحرارة، فقال (صلى الله عليه وآله): (یا جابر مه) إنها أول شجرة آمنت بالله، أقلوه وأنضجوه (وزيتوه ولبنوه) فإنه يزيد في الحكمة)(2).

وفي هذه الرواية نثبت أمرين:

أ- إنه من الصحابة المقربين لدى النبي وممن حظي بمودته.

ب- إن هذا البيت بيت طاهر من حيث المأكل والمشرب.

ص: 87


1- بحار الأنوار، ج 17، ص 401
2- الدعوات (سلوة الحزين)، قطب الدين الراوندي، ص 158، ح 432

4- علاج النبي صلی الله علیه و آله لجابر:

مرض جابر مرضاً شديداً حتى أوصله إلى عدم الإدراك، فعادَهُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصب عليه من برکات وضوئه فصار يدرك، فقد روي عن ابن المنكدر قال: سمعت جابراً يقول: عادني رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فوجدني لا أعقل، فتوضأ وصب علي من وضوئه، فعقلت(1))(2).

وبلا شك أن برکات رسول الله زادته ادراكاً وفهماً حتى صار جابر من العقلاء والعلماء.

وكان الناس يعرفون فضل برکات ماء وضوء النبي، فعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبة آدم ورأيت بلال الحبشي وقد خرج من عنده ومعه فضل وضوء رسول الله، فابتدره الناس فمن أصاب منه شيئا يمسح به وجهه، ومن لم يصب شيئا أخذ من يدي صاحبه فمسح به وجهه، وكذلك فعل بفضل وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام).

5- تحويل بئر جابر من ماء مر إلى ماء عذب:

روي أنه كان لجابر بئر، ماؤها زعاق، فعطش فشكا إلى النبي فدعا بطشت و غسل رجليه فيه وأمر باهراق ذلك الماء فيها، فصار ماؤها عذبا(3).

ص: 88


1- عقل يعقل عقلا فهو عاقل كما قالوا عجز یعجز فهو عاجز، عقلت الشيء أعقله عقلا - فهمته وقلب عقول - فهم، قال أبو علي، و منه عقل المريض، عاقلني فقلته - أي کنت أعقل منه، المخصص ابن سيدة، ج 1، ص 16
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 101
3- عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 74، ح 319. 4- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج 2، ص 507

وفي رواية أخرى عن جابر بن عبد الله قال أصابنا عطش بالحديبية فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه تور فيه ماء فقال بأصابعه هكذا فيه وقال خذوا باسم الله قال فجعل الماء يتخلل من أصابعه كأنها عيون فوسعنا وكفانا وقال حصين في حديثه فشربنا وتوضأنا(1).

6- تلقيه من فاطمة بعض الأحاديث:

ومن أشهر تلك الأحاديث حديث الكساء وحديث اللوح وقد تكلمنا عن ذلك في المسألة السابقة، فهذه الخصوصية لم تكن إلا للمقربين كأمثال سلمان والمقداد وعمار وأبي ذر وهذا جابر هو أحد قرناء هؤلاء الصحابة الذين حظوا بالقرب من هذه السيدة العظيمة فاطمة الزهراء عليها السلام.

7- اطعام جميع من في الخندق:

جاء في تفسير البرهان (فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون، إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمه بذلك.

قال جابر: فجئت إلى المسجد، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مستلق على قفاه، ورداؤه تحت رأسه، وقد شد على بطنه حجرا فقلت: يا رسول الله، إنه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه. فقام مسرعا حتى جاءه، ثم دعا باء في إناء، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح على رأسه ورجليه، ثم شرب، ومج من ذلك الماء في فيه، ثم صبه على ذلك الحجر، ثم أخذ معولا فضرب ضربة، فبرقت برقة، فنظرنا فيها إلى قصور الشام، ثم ضرب أخرى، فبرقت أخرى، فنظرنا فيها إلى قصور المدائن، ثم ضرب

ص: 89


1- الطبقات الکبری، ج 1، ص 183

اخرى فبرقت برقة أخرى، فنظرنا فيها إلى قصور اليمن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الله سيفتح عليكم هذه المواطن التي برق فيها البرق». ثم انهال علينا الجبل کما ينهال الرمل.

فقال جابر: فعلمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقو - أي جائع - لما رأيت على بطنه الحجر، فقلت: يا رسول الله، هل لك في الغذاء؟ قال: «ما عندك، یا جابر؟» فقلت: عناق، وصاع من شعير. فقال: «تقدم، وأصلح ما عندك» قال جابر: فجئت إلى أهلي، فأمرتها، فطحنت الشعير، وذبحت العنز، وسلختها، وأمرتها أن تخبز، وتطبخ، و تشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت: بأبي أنت وأمي - يا رسول الله - قد فرغنا، فاحضر مع من أحببت، فقام (صلى الله عليه وآله) إلى شفير الخندق، ثم قال: «يا معاشر المهاجرين والأنصار، أجيبوا جابر» قال جابر: وكان في الخندق سبع مائة رجل، فخرجوا كلهم، ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال: «أجيبوا جابرا». قال جابر: فتقدمت، وقلت لأهلي: قد - والله - أتاك محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما لا قِبلَ لكِ به.

فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قلت: نعم. قالت: فهو أعلم بما أتی.

قال جابر: فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنظر في القدر، ثم قال: «اغرفي، وأبقي». ثم نظر في التنور، ثم قال: «أخرجي، وأبقي»، ثم دعا بصفحة، فشرد فيها، وغرف، فقال: «يا جابر، أدخل علي عشرة». فأدخلت عشرة، فأكلوا حتى تملؤوا، وما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: «يا جابر، عليَّ بالذراع». فأتيته بذراع، فأكلوه، ثم قال: «أدخل عليَّ عشرة». فأدخلتهم، فأكلوا حتى تملؤوا، ولم ير في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: «عليَّ بذراع» فأكلوا، وخرجوا. ثم قال: «أدخل علي عشرة»، فأدخلتهم، فأكلوا حتى تملؤوا، ولم ير في القصعة إلا آثار أصابعهم، ثم قال: «يا جابر علي بالذراع» فأتيته، فقلت: يا رسول الله، كم للشاة من ذراع؟ قال:

ص: 90

«ذراعان».

فقلت: والذي بعثك بالحق نبيا، لقد أتيتك بثلاثة، فقال: «أما لو سكت - یا جابر - لأكل الناس كلهم من الذراع»، قال: «يا جابر، أدخل عشرة». فأقبلت ادخل عشرة عشرة، فيأكلون، حتى أكلوا كلهم، وبقي لنا - والله - من ذلك الطعام ما عشنا به أياما(1).

وقد ينتبه البعض بل الأغلب إلى هذه المعجزة فتشغله، كون هذا العدد الكبير من المسلمين قد أكلوا وشبعوا من عناق وصاع من شعير، وقد لا ينتبه البعض إلى موقف هذه السيدة الجليلة زوجة جابر بن عبد الله حينما قال لها جابر: (أتاك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله) بما لا قِبَل لكِ به.

فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قلت: نعم، قالت: فهو أعلم بما أتي:

وفي رواية أخرى قالت لجابر، (فقالت: أنت دعوتهم أم هو؟ قال: هو، قالت: فهو أعلم بهم)(2).

وفي كتاب الثاقب، قال جابر لزوجته، (.. قد افتضحنا، قالت: ولم؟ فأخبرها، قالت: فأنهيت ما كان عندك إلى النبي (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم، قالت: أسكت، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله لم يكن ليفضحك)(3).

فهذا الكلام يكشف لنا مدى معرفة هذه الإنسانة بالنبي (صلى الله عليه وآله) فهي تعرف جيداً أن النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) محيط بجميع الأمور وليس

ص: 91


1- البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص 421 - 422
2- قرب الاسناد، الحميري القمي، ص 327
3- الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي، ص 51

غافلاً عن حال جابر بل مطلّعاً عليه منذ قتل ابوه وأنه (صلى الله عليه وآله) يعرف جيداً عدد أخواته، ولولا النبي لما قضي دين أبيه، فتلك المعاجز التي حدثت لجابر على يد النبي من المؤكد أن جابراً قد حدّثها بها كونها حليلته، فهذه المعاجز جعلتها متيقنة أن النبي كان متهيئا لهذا الأمر أيضاً، وأن بركة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد تجعل التراب ذهبا وهذا ما حدث حينما بارك النبي في تمر جابر حتى فاضت برکاته.

وفي رواية جابر حينما سأله النبي هل انت متزوج؟ فأجابه نعم، فقال له رسول الله: بكر ام ثيب، فقال له: ثيب وذكر له سبب تزوجه بامرأة ثيب حيث كان لجابر أخوات ولا تقدر على تحملهن إلا إنسانة تتفهم وضع جابر، فهذا يوضح مدى رجاحة عقلها وفهمها وإدراكها للأمور فلهذا الأمر تزوجها جابر فكل ذلك يكشف عن رجاحة عقلها وسلامة فكرها.

فهذه الكرامات التي حدثت لجابر إنما هي لبيان عظيم شأنه وقرب منزلته و منزلة عائلته من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، كذلك لرفع مستوى جابر الإيماني والعقائدي بالنبي والعترة.

وفيها بیان اختلافه رضوان الله عليه عن غيره، عن جابر بن عبد الله قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم إلى جذع نخلة منصوب في المسجد حتى إذا بدا له أن يتخذ المنبر شاور ذوي الرأي من المسلمين فرأوا أن يتخذه فاتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوم الجمعة أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على المنبر فلما فقده الجذع حن حنينا أفزع الناس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه حتى انتهى إليه فقام إليه ومسه فهدأ ثم لم يسمع له حنين بعد ذلك اليوم)(1).

ص: 92


1- الطبقات الکبری، ج 1، ص 251

وفي رواية اخرى عن جابر بن عبد الله قال: (أن يهودية أهدت إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إما شاة مسمومة وإما برقا مسموطا مسموما فلما قربته إليه وبسط القوم أيديهم قال أمسكوا فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة فدعا صاحبتها فقال أسممت هذا؟ قالت نعم، قال ما حملك عليه قالت أحببت إن کنت کاذبا أن أريح الناس منك وإن کنت رسولا أنك ستطلع عليه فلم يعاقبها)(1).

فالكثير من الصحابة شهدوا للنبي معاجز، لكنهم لم يتعلقوا بالنبي کما تعلق به جابر وسائر الصحابة المقربين كسلمان و عمار والمقداد وأبي ذر، فمثل هؤلاء كلما رأوا معجزة زادتهم ایمانا وقرباً حتى وصلوا إلى هذا القرب، فعدهم النبي من أهل بيته (عليهم السلام).

أما الآخرون فمنهم من يصدق لكن بحدود عقله، ومنهم من لا يستوعب ومنهم من يكذب النبي فلوا كانوا مؤمنین کما کان جابر لكان الكثير من الصحابة كأمثال هؤلاء.

ص: 93


1- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين البيهقي، ج 4، ص 260

ص: 94

الفصل الثاني ما مواقفه ومآثره في زمن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)

ص: 95

ص: 96

الفصل الثاني: (مواقفه ومآثره في زمن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)

بيّنا في الفصل الأول موقف هذا الصحابي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في تلك الفترة التي قضاها معه، وفي هذا الفصل سنبين موقفه من أمير المؤمنين والحجج الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

فهذا الصحابي الذي عاش مع النبي فترة طويلة قد سمع من النبي الكثير من الروايات التي نصت على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنه خليفة رسول الله وهو القرآن الناطق والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل.

وأن ذريته من أبناء فاطمة هم الثقل الثاني الذي أوصى به النبي، فعن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر، والثقل الأصغر، إن تمسكتم بهما لن تضلوا ولن تبدلوا، فإني سألت اللطيف الخبير بأن لا يفترقا حتی یردا علي الحوض، فأعطيت ذلك»، فقيل: فما الثقل الأكبر؟ وما الثقل الأصغر؟ فقال: «الثقل الأكبر: كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم، والثقل الأصغر: عترتي أهل بيتي)(1).

وهذا الصحابي الجليل لم يكن صحابياً عادياً بل هو عالم و فقیه تتلمذ على يد

ص: 97


1- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص 21

رسول الله وكان من الملازمين له، فتلك الصحبة الطويلة جعلته واعيا وعارفا بتلك التيارات المختلفة عن الحق، والمتبعة للباطل، فقد سمع من رسول الله هذا الشيء عن افتراق الأمة وما سيحصل لها من بعد خاتم الرسل، لذا كان من أشد الصحابة حبا لعلي والمتمسکین بولايته وسوف نوضح ذلك أكثر من خلال كلامه رضوان الله عليه ونقله للأحاديث الشريفة التي سمعها من رسول الله ودفاعه عن علي بيده ولسانه ورجوعه للأئمة من ولده.

وقد عد جابر الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين الخلّص وقد ذكر من أصحاب الحسن بن علي، والحسين بن علي، كذلك له صحبة مع الإمام السجاد والباقر.

فتلك الحقبة الطويلة التي عاشها جابر عاصر فيها الكثير من الحكام إلا أنه رضوان الله عليه لم يرض الا بعلي والعترة الطاهرة فمن خلال هذا الفصل سنبين موقفه من هؤلاء الحكام الذين عاصرهم.

ص: 98

المبحث الأول حياته ومواقفه مع الإمام علي (عليه السلام)

إن كثيراً من الصحابة الذين جاهدوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) و شهدوا حروبه وغزواته كانوا تحت لواء الحمد، قد شهدوا مواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) و صموده وثباته في الذب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أوصاهم النبي بولايته ومحبته ومن أراد رضاه فليكن مع علي، فهذا جابر بن عبد الله ممن نالوا مكانه عالية عند علي، فكان من المقربين لديه وممن حظي بمودة أمير المؤمنين، فهذا الصحابي له دور كبير في كشف الحقائق فالكل يعرف هذا الصحابي ومنزلته من النبي، نجده أحد أتباع علي بن أبي طالب.

وجابر هو أحد السلف الصالح قد ناصر علياً وصار تحت لوائه أفلا يكون حجة على من يشكك في أحقية علي بالخلافة وأنه سيد الخلق بعد رسول الله وأنه أحق أن يتبع، فمن خلال بحثنا هذا سنوضح الكثير من الحقائق لكي نبين أن الغاية من بحثنا هذا هو بيان مظلومية علي والعترة الطاهرة وأن حقهم مغدور حتى هذا اليوم ولا زالت هنالك زمر تعادي علياً وتبغضه رغم وضوحه.

المسألة الأولى: (ملازمته لأمير المؤمنين علیه السلام)

مثلما كان جابر منقطعاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، كذلك كان منقطعاً إلى أمير المؤمنين فهذا الصحابي قد سمع من النبي الكثير من الأحاديث التي تخص علياً وأنه نفسه ومن أراد التمسك بالنبي فليوالي علياً وغيرها من الروايات المستفيضة مضمونها أنه لا يوجد رجل أشبه برسول الله (صلى الله عليه و آله)، غير علي وعترته،

ص: 99

وإن من تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم هلك وهم أبواب العلم والحكمة، فعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله تبارك وتعالى اصطفاني واختارني وجعلني رسولا، وأنزل علىَّ سيد الكتب، فقلت إلهي وسيدي إنك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا يشد به عضده، ويصدق به قوله وإني أسألك يا إلهي وسيدي أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي، فاجعل لي عليا وزيرا وأخا، واجعل الشجاعة في قلبه، وألبسه الهيبة على عدوه، وهو أول من آمن بي وصدقني، وأول من وحد الله معي، وإني سألت ذلك ربي (عز وجل) فأعطانيه، فهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة، والموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي، وابناه سیدا شباب أهل الجنة ابناي، وهو وهما والأئمة من بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أمتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هدي إلى صراط مستقیم، لم يهب الله محبتهم لعبد إلا أدخله الله الجنة)(1).

فكان جابر عالماً أن علياً هو السبيل إلى الله والى رسوله ويكفي يوم غدیر خم ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من کنت مولاه فعلي مولاه)(2).

لذا كان جابر من المقربين ومن الصحابة الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين، فتلك الحقبة التي عاشها مع النبي كان لها الدور الأكبر بمعرفته بأمير المؤمنين والأئمة المعصومين.

عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (وفد على رسول الله (صلى الله عليه و آله) أهل اليمن، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «جاءكم أهل اليمن يبسّون بسيسا»،

ص: 100


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 73 - 74
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 294

فلما دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: «قوم رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، ومنهم المنصور، يخرج في سبعين ألفا، ينصر خَلَفي وخَلَف وصيي، حمائل سيوفهم المسك».

فقالوا: يا رسول الله، ومن وصيك؟ فقال: «هو الذي أمركم الله بالاعتصام به، فقال عز وجل: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»(1).

فقالوا: يا رسول الله، بيِّن لنا ما هذا الحبل؟ فقال: «هو قول الله: «إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ»(2)، فالحبل من الله كتابه، والحبل من الناس وصيي».

فقالوا: يا رسول الله، ومن وصيك؟ فقال: «هو الذي أنزل الله فيه: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ»(3).

فقالوا: يا رسول الله، وما جنب الله هذا؟ فقال: «هو الذي يقول الله فيه: * «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا»(4)، هو وصيي، والسبيل إلي من بعدي».

فقالوا: يا رسول الله، بالذي بعثك بالحق نبيا أرناه، فقد اشتقنا إليه. فقال: «هو الذي جعله الله آية للمتوسمين، فإن نظرتم إليه نظر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید، عرفتم أنه وصيي، کما عرفتم أني نبيكم، فتخللوا الصفوف، وتصفحوا الوجوه، فمن أهوت إليه قلوبكم فإنه هو، لأن الله عز وجل يقول في كتابه: «فَاجْعَلْ

ص: 101


1- آل عمران: 101
2- آل عمران: 112
3- الزمر: 56
4- الفرقان: 27

أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ»(1)، أي إليه وإلى ذريته (عليهم السلام)».

قال: فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين، وأبو غرة الخولاني في الجولانيين، و ظبيان، وعثمان بن قيس في بني قيس، و عرنة الدوسي في الدوسيين، ولاحق بن علاقة، فتخللوا الصفوف، وتصفحوا الوجوه، وأخذوا بيد الأنزع الأصلع البطين، وقالوا: إلى هذا أهوت أفئدتنا، یا رسول الله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «أنتم نخبة الله حين عرفتم وصی رسول الله من قبل أن تعرفوه، فبم عرفتم أنه هو» فرفعوا أصواتهم يبكون، وقالوا: يا رسول الله، نظرنا إلى القوم فلم تحن لهم قلوبنا، فلما رأيناه رجفت قلوبنا، ثم اطمأنت نفوسنا، فانجاشت أكبادنا، وهملت أعيننا، وتبلجت صدورنا، حتى كأنه لنا أب، ونحن له بنون.

فقال النبي (صلى الله عليه و آله): «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» أنتم منهم بالمنزلة التي سبقت لكم بها الحسنى، وأنتم عن النار مبعدون».

قال: فبقي هؤلاء القوم المسمون، حتى شهدوا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) الجمل وصفين، فقتلوا بصفين رحمهم الله، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) بشرهم بالجنة، وأخبرهم أنهم يستشهدون مع علي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).

وكما كان لجابر أثر كبير في ملازمته لرسول الله برفع مستواه الاجتماعي والمعرفي والعقائدي كذلك وجوده مع علي له نفس الأثر، إذ لا فرق بين النبي وعلي.

فكان لأمير المؤمنين دور كبير في رفع مستواه العلمي، وقد سمع جابر عن النبي أن علياً باب علمه لذا كان من المترددين على أمير المؤمنين، فعن جابر «رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد

ص: 102


1- ابراهیم: 37
2- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 4، ص 125 - 126

العلم فليأت الباب)(1).

وعن جابر ايضاً أنه سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إن الله جعل عليا وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه وهم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقیم)(2).

وقد أشرنا في الفصل الأول إلى علم جابر وبيّنا أنه من كبار المفسرين وبما أنه تتلمذ على يد النبي، فبعد رحيل النبي رجع جابر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكان يأخذ منه العلم وكان الإمام يعلمه تفسير الآيات وخصوصا المتعلقة بالمعصومين والسبب في ذلك أنه رضوان الله عليه سوف يشهد منهم أربعة بعد النبي وعلي وفاطمة ويعاشرهم ويناصرهم لذا كان النبي وفاطمة وأمير المؤمنين يخبرونه عن المعصومين وفضلهم وعلمهم، وكان جابر يعلم ذلك لأن النبي أخبره وقد أشرنا إلى ذلك في الفصل الأول.

عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: (دخلت إلى مسجد الكوفة و أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يكتب باصبعه ويتبسم، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما الذي يضحكك؟!

فقال: عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حق معرفتها.

فقلت له أي آية يا أمير المؤمنين؟

فقال: قوله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ» المشكاة: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). «فِيهَا مِصْبَاحٌ»: أنا.

ص: 103


1- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 1، ص 89
2- شواهد التنزيل القواعد التفضيل، الحاكم الحسكاني، ج 1، ص 76

«الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ» الحسن والحسين (عليهما السلام).

«الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» وهو علي بن الحسين.

«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» محمّد بن علي.

«زَيْتُونَةٍ» جعفر بن محمّد.

«لَا شَرْقِيَّةٍ» موسی بن جعفر.

«وَلَا غَرْبِيَّةٍ» علي بن موسی.

«يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ» محمّد بن علي.

«وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ» علي بن محمّد.

«نُورٌ عَلَى نُورٍ» الحسن بن علي.

«يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» القائم المهدي.

«وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(1).

ومن خلال ملازمته لعلي كان يتعلم الكثير من أمور الدين، قال جابر: (كنت مع مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فرأى رجلا قائما يصلي فقال له: يا هذا أتعرف تأويل الصلاة؟ فقال: يا مولاي وهل للصلاة تأویل غير العبادة؟ فقال: أي والذي بعث محمدا بالنبوة وما بعث الله نبيه بأمر من الأمور إلا وله تشابه وتأویل و تنزیل وكل ذلك يدل على التعبد) فقال له: علمني ما هو يا مولاي؟ فقال (عليه السلام): تأويل تكبيرتك الأولى إلى إحرامك أن تخطر في نفسك إذا قلت: الله أكبر من أن

ص: 104


1- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 4، ص 72

يوصف بقيام أو قعود، وفي الثانية أن يوصف بحركة أو جمود، وفي الثالثة: أن يوصف بجسم أو يشبه بشبه أو يقاس بقياس، وتخطر في الرابعة: أن تحله الاعراض أو تؤلمه الأمراض، وتخطر في الخامسة أن يوصف بجوهر أو بعرض أو يحل شيئا أو يحل فيه شيء، وتخطر في السادسة أن يجوز عليه مايجوز على المحدثين من الزوال والانتقال، والتغير من حال إلى حال، وتخطر في السابعة أن تحله الحواس الخمس.

ثم تأویل مد عنقك في الركوع تخطر في نفسك آمنت بك ولو ضربت عنقي، ثم تأويل رفع رأسك من الركوع إذا قلت: «سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين «تأويله: الذي أخرجني من العدم إلى الوجود، و تأويل السجدة الأولى أن تخطر في نفسك وأنت ساجد: منها خلقتني، ورفع رأسك تأويله: ومنها أخرجتني، والسجدة الثانية: وفيها تعيدني، ورفع رأسك تخطر بقلبك: ومنها تخرجني تارة أخرى. وتأويل قعودك على جانب الأيسر ورفع رجلك اليمنى وطرحك على اليسرى تخطر بقلبك اللهم إني أقمت الحق وأمت الباطل، و تأويل تشهدك تجدید الايمان ومعاودة الاسلام، والاقرار بالبعث بعد الموت، و تأويل قراءة التحیات تمجید الرب سبحانه، وتعظيمه عما قال الظالمون ونعته الملحدون، و تأويل قولك: «السلام علیکم ورحمة الله وبركاته «ترحم عن الله سبحانه فمعناها هذه أمان لكم من عذاب يوم القيامة، ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من لم يعلم تأويل صلاته هكذا، فهي خداج، أي ناقصة)(1).

وللإمام علي أثر كبير في زهد جابر فقد تتلمذ جابر في مدرسة الزهد العلوي، فقد جاء في بحار الأنوار، (أنه (عليه السلام) رأي جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - وقد تنفس الصعداء فقال (عليه السلام): يا جابر علام تنفسك، أَعلى الدنيا؟ فقال جابر: نعم فقال له: يا جابر ملاذ الدنيا سبعة: المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح

ص: 105


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 81، ص 254

والمركوب والمشموم والمسموع، فألذّ المأكولات العسل وهو بصق من ذبابة، وأحلى المشروبات الماء، وكفى بإباحته وسباحته على وجه الأرض، وأعلى الملبوسات الديباج وهو من لعاب دودة، وأعلى المنكوحات النساء وهو مبال في مبال، و مثال لمثال، وإنما يراد أحسن ما في المرأة لأقبح ما فيها، وأعلى المركوبات الخيل وهو قواتل، وأجل المشمومات المسك وهو دم من سرة دابة، وأجل المسموعات الغناء والترنم وهو إثم، فما هذه صفته لم يتنفس عليه عاقل، قال جابر بن عبد الله: فوالله ما خطرت الدنيا بعدها على قلبی)(1).

فهذه الشواهد التي أعطاها الإمام (عليه السلام)، لجابر وذلك الوصف الرائع الذي وضح به عيوب الدنيا ومساوئها، إنما هي شواهد مقنعة لمن تأمّل كلامه (عليه السلام) فالعاقل لا يتكدرّ بسبب دنیا زائلة، فالله سبحانه أبغضها وحقّرها، لذا أخرج الملبوسات من تلك الديدان وجعل النكاح بهذا الشكل كي يعتبر العاقل ويتأمل جيداً سبب ذلك، وجابر من العقلاء؛ لذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينصحه كثيراً.

قال جابر بن عبد الله الأنصاري: (لقيت علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم صباحا، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: (بنعمة من الله، و فضل من رجل لم يزر أخا، ولم يدخل على مؤمن سرورا) قلت: وما ذلك السرور؟ قال: (يفرج عنه کربا، أو يقضي عنه دينا، أو يكشف عنه فاقة)(2).

قال جابر: (ولقيت عليا عليه السلام يوما، فقلت: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ قال: (أصبحنا وبنا من نعم الله وفضله ما لا نحصيه مع كثير ما نحصيه،

ص: 106


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 11
2- خاتمة المستدرك، میرزا حسين النوري الطبرسي، ج 1، ص 199

فما ندري أي نعمة نشكر، أجميل ما ينشر، أم قبيح ما يستر؟)(1).

فتلك الصحبة مع النبي ورجوعه لعلي، جعلت من جابر أحد العلماء، ففي رواية أنه ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت؟ فقال: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»(2))(3).

وعن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: جابر يعلم، وأثنى عليه خيرا قال، فقلت له: وكان من أصحاب علي (عليه السلام)، قال: كان جابر يعلم قول الله (عز وجل)، «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»(4))(5).

وقد نسأل لماذا يركز الإمام علي (عليه السلام) على علم جابر بهذه الآية فقط، وقد يعلم الإمام أن جابراً يعرف الكثير من تفسير الآيات خصوصا التي نزلت بحقه وبحق الأئمة، إذا لماذا التركيز على هذه الآية دون غيرها:

الجواب:

إن تفسير بعض الآيات تحتاج إلى عقل واع يستوعب كلام الله فبعض الآيات فيها غوامض وتحتاج إلى عقل و قلب مؤمن يدرك قدرة الله فهذه الآية تخص الرجعة فالكثير يشكك في هذا الرأي، لذا قال عنه الإمام إنه يعلم تفسير هذه الآية.

ص: 107


1- المصدر نفسه، ج 1، ص 199
2- القصص: 85
3- البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، ص 30
4- القصص: 85
5- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، ج 1، ص 225، ح 90

ونحن الخاصة نؤمن بالرجعة ونؤمن بأن الله قادر على أن يعيد خلقه وهذا الأمر ليس بجديد فقد كان النبي عیسی (عليه السلام) يحيي الموتى و قد طلبوا منه في زمانه أن يحيي لهم سام ابن النبي نوح ففعل، فلماذا يشككون في عقيدتنا والله سبحانه قد أراهم معاجز كثيرة جرت على ايدي الأنبياء وقد ذكرها في كتابه الكريم، أم لأن هذا الأمر من خصائص علي وشیعته.

فقد جاء في تفسير القمي عن قوله تعالى: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) عن حماد عن حريز عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال سئل عن جابر فقال رحم الله جابرا بلغ من فقهه انه كان يعرف تأويل هذه الآية «ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد يعني الرجعة، قال وحدثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيی الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله: «ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد« قال يرجع إليكم نبيكم صلی الله عليه وآله وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة عليهم السلام(1).

وبما أنه (رضوان الله عليه)، متیقن بالرجعة وأن الله سبحانه قادر على أن يبعث النبي والمعصومين، فجابر أحد الصحابة الذين يبعثهم الله ليكونوا مع الإمام المهدي، ففي رواية قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا ظهر القائم (عليه السلام) من ظهر هذا البيت، بعث الله معه سبعة وعشرين رجلا، منهم أربعة عشر رجلا من قوم موسی (عليه السلام)، وهم الذين قال الله تعالى: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون)، وأصحاب الكهف ثمانية، والمقداد و جابر الأنصاري، ومؤمن آل فرعون، ويوشع بن نون وصي موسى (عليهما السلام)(2).

ص: 108


1- تفسير القمي، علي بن ابراهيم القمي، ج 2، ص 147
2- دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، ص 463

وبما أن علياً أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خَلقا و خُلُقا ومنطقا، كان الإمام يذكر جابراً برسول الله فتلك العبر والحكم والمواعظ لم يسمعها منذ رحيل النبي إلا من أمير المؤمنين، فعن جابر بن عبد الله، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأعوده من بعض علله، فلما دخلت عليه وسلمت نظر إليّ وقال: يا جابر بن عبد الله الأنصاري قوام الدنيا بأربع: عالم مستعمل لعلمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني جواد بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه!!! فإذا عطل العالم علمه استنکف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه، وإذا كان ذلك فالويل ثم الويل يا جابر بن عبد الله سبعين مرة.

یا جابر، من کثرت نعم الله عنده كثرة حوائج الناس اليه، فان قام فيها بما أمره الله عرضها للدوام والبقاء، وإن كان لم يعمل فيها بما أمره الله عرضها للزوال والفناء، قال جابر: ثم أنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:

ما أحسنَ الدنيا وإقبالها *** إذا أطاعَ الله من نالها

من لم يواسِ الناسَ من فضلهِ *** عرّضَ للإدبار إقبالُها

فاحذر زوال الفضل يا جابر *** وأعط من دنياك من سألها

فإن ذا العرش جزيلُ العطا *** يضعف بالحبّة أمثالها

قال جابر: ثم هزني اليه هزة خيل إلى أن عضدي خرقت من کاهلي، ثم قال: يا جابر بن عبد الله حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملوا النعم فتحل بكم النقم!!! واعلموا أن خير المال ما أكسب حمداً أو أعقب أجراً، ثم أنشأ (عليه السلام) يقول:

لا تخضعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ *** فإن ذلكَ وهنٌ منك في الدين

ص: 109

وسل إلهكَ مما في خزائِنهِ *** فإنما هي بين الكاف والنونِ

أما ترى كلَّ من ترجو وتأمله *** من البرية مسكين ابن مسكين

ما أحسن الجود في الدنيا وفي الدين *** وأقبح البخل فيمن صيغ من طين

قال جابر بن عبد الله: فهممت أن أقوم فقال: وأنا معك يا جابر، قال: فلبس نعليه وألقى رداءه على منكبيه وطائفة فوق قذاليه، فلما بلغنا جبانة الكوفة، سلّم على أهل القبور، فسمعت ضجة وهدّة، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه الضجة وما هذه المدة؟ فقال: هؤلاء اخواننا كانوا بالأمس معنا واليوم فارقونا!!! اخوان لا يتزاورون، وأودّاء لا يتعاودون!!! قال: ثم خلع نعليه وحسر عن رأسه وذراعيه وقال: يا جابر بن عبد الله أعطوا من دنیاکم الفانية لآخرتكم الباقية، ومن حياتكم لموتكم، ومن صحتكم لسقمكم، ومن غناكم لفقركم، اليوم في الدور وغداً في القبور وإلى الله تصير الاُمور!!!

ثم أنشأ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:

سلامٌ على أهل القبور الدوارسِ *** كأنهم لم يجلسوا في المجالسِ

ولم يشربوا من بارد الماء شربةً *** ولم يأكلوا م ن كل رطبٍ ویابسِ

قال جابر بن عبد الله: فهذا ما سمعت من تحفة (كذا) رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)(1).

فجابر يعترف أن هذه التحف لم يسمعها إلا من النبي والآن قد سمعها من علي، فمن أحبه الله عرفه بهذا الإمام.

ص: 110


1- مسند الإمام علي، السيد حسن القبانجي، ج 9، ص 300 - 302

فكان الإمام علي (عليه السلام) المؤثر الثاني بعد النبي لجابر حتى وصل جابر إلى ایمانه و معتقده بأهل البيت ما لم يصل له الكثير من الصحابة، فقد روی محب الدين الطبري في الذخائر عن جابر بن عبد الله الأَنصاري رضي الله عنه انه كان يقول: (لو صلّيت صلاة لم أُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تقبل)(1).

فهذا الكلام يعبر عن مدى معرفته بالنبي والعترة فصار جابر رمزاً من رموز الشيعة وذلك لأنه من عمل بکلام النبي، فالكثير من اصحاب الرسول سمعوا لرسول الله الأحاديث التي تخص أهل البيت وهم الهداة بعد النبي، قال جابر بن عبد الله قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): (اهتدوا بالشمس فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة، فإذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين، فقيل: یا رسول الله ما الشمس؟ وما القمر؟ وما الزهرة؟ وما الفرقدين [الفرقدان]؟ فقال: الشمس أنا والقمر علي، والزهرة فاطمة، والفرقدين [الفرقدان] الحسن والحسين)(2).

فلو رجعنا إلى التاريخ ورأينا ما صنع بعض الصحابة بعلي وفاطمة والحسن والحسين لأخبرتنا فعالهم أنهم لم يأخذوا بكلام النبي ولم يعملوا بها اوصاهم بل خالفوه وضلوا عن السبيل، أما جابر فهو أحد الصحابة المتمسكين بكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعاملين به، لذا نال تلك المنزلة عند أمير المؤمنين وهذا هو الفوز العظيم.

والملازمته لعلي فقد شهد جابر کرامات لعلي في حياة النبي كذلك شهد لعلي عدة معجزات في زمان أمير المؤمنين، ومنها ما روي عن جابر قال: (رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو خارج من الكوفة فتبعته من ورائه حتى صار

ص: 111


1- ذخائر العقبی، احمد بن عبد الله الطبري، ص 19
2- خلاصة عبقات الأنوار، السيد حامد النقوي، ج 4، ص 320

إلى جبانة اليهود ووقف في وسطها ونادی: یا بیهود، فأجابوه من جوف القبور: لبيك لبيك مطاع يعنون بذلك یا سیدنا، فقال: كيف ترون العذاب؟ فقالوا: بعصياننا لك كهارون، فنحن ومن عصاك في العذاب إلى يوم القيامة، ثم صاح صيحة كادت السماوات ينقلبن، فوقعت مغشيا على وجهي من هول ما رأيت.

فلما أفقت رأيت أمير المؤمنين على سرير من ياقوتة حمراء على رأسه إكليل من الجوهر وعليه حلل خضر وصفر ووجهه كدارة القمر فقلت: يا سيدي هذا مُلك عظیم قال: نعم يا جابر إن ملكنا أعظم من ملك سليمان بن داود وسلطاننا أعظم من سلطانه ثم رجع ودخلنا الكوفة ودخلت خلفه إلى المسجد فجعل يخطو خطوات وهو يقول: لا والله لا فعلت، لا والله لا كان ذلك أبدا.

فقلت: يا مولاي لمن تكلم ولمن تخاطب وليس أری أحدا؟ فقال: يا جابر کشف لي عن برهوت فرأيت شیبویه و حبتر و هما يعذبان في جوف تابوت في برهوت فنادياني: يا أبا الحسن يا أمير المؤمنين ردنا إلى الدنيا نقر بفضلك ونقر بالولاية لك، فقلت: لا والله لا فعلت، لا والله لا كان ذلك أبدا، ثم قرأ هذه الآية: «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ» یا جابر وما من أحد خالف وصي نبي إلا حشر أعمى يتكبكب في عرصات القيامة)(1).

ص: 112


1- مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، ص 98. وفي رواية عن الحسين عليه السلام أن عليا عليه السلام كان ذات يوم بأرض قفر فرأى دراجا فقال: [یا دراج] منذ كم أنت في هذه البرية؟ ومن أين مطعمك ومشربك؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنا في هذه البرية منذ مائة سنة إذا جعت أصلي عليكم فأشبع، وإذا عطشت فأدعو على ظالمیكم، فأروي. فقال جابر بن عبد الله: ما أعطی منطق الطير إلا سلیمان بن داود؟ فقال علي: لولا محمد وآله لما خلق سليمان ولا أبوه آدم. ثم قال: يا طاووس اهبط، یا صقر، یا باري، يا غراب. فهبطت، فأمر بذبحها. ثم قال: طيري بقدرة الله. فطارت الطيور كلها)، الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج 2، ص 561 ومنها: ما روي عن جابر [بن عبد الله]، عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينا علي عليه السلام في مسجد الكوفة إذ جاءت امرأة تستعدي إليه على زوجها. فقضى لزوجها عليها، فقالت: والله ما حکمت بالعدل. فقال: كذبت یا جرية، يا بذية، یا سلفع - وهي التي لا تحبل من حيث تحبل النساء، ولا تحيض من حيث تحيض النساء - فولت المرأة تولول وتقول: يا ويلها وأعولها، لقد هتكت مني ما كان مستورا. فقال لها عمرو بن حریث: استقبلتي عليا بكلام سررتيني فيه، ثم إنه أصابك بكلمة فولیت هاربة عنه! فقالت: أخبرني بما لم يعلمه زوجي ولا أبواي، وكنت أكتمهم إياه. فرجع عمرو إلى علي عليه السلام فأخبره بما قالت، ثم قال: ما علمناك ولا عرفناك بالكهانة! فقال علي عليه السلام: ويلك ياعمرو إنه ليس بكهانة، ولكن الله كتب بين أعينهم: مؤمن أو كافر، وما هم به مبتلون، وما هم عليه من شر أعمالهم وحسناتهم، أنزل بذلك قرآنا عربيا على نبيه فقال: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) فكان رسول الله صلى الله عليه و آله المتوسم، وأنا من بعده، والأئمة من ذريتي المتوسمون من بعدي، وإن هذه المرأة كما حكمت عليها بالحق)، الخرائج والجرائح، ج 2، ص 748

وفي رواية أخرى قال جابر: (کنث أماشي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الفرات، إذ خرجت موجة عظيمة فغطته حتى استتر عني، ثم انحسرت عنه ولا رطوبة عليه، فوجمت لذلك وتعجبت، وسألته عنه، فقال: ورأيت ذلك؟ قال: قلت: نعم. قال: إنما الملك الموكل بالماء خرج فسلم علي واعتنقني)(1).

فجابر رضوان الله عليه من الصحابة الذين كشف الله عنهم الغطاء فكان يرى هذه الحقائق وهذه الكرامات لمولاه أمير المؤمنين، فليس كل من رافق الإمام یری ذلك وهذا يتضح من خلال كلامه عليه السلام: (ورأيت ذلك؟ قال: قلت: نعم)، فالإمام لا يتعجب من المعجزة ولا من أي شيء ولكن يعجب من صحابي يرى هذه الأمور فهذه الرؤية تعبر عن صفاء هذا الانسان، فقد تحدث للإمام الكثير من هذه الأمور كونه حجة الله وإمام الناس والبحر والشجر لكن الناس لا يدركون ذلك، فجابر صحابي عاصر النبي والحجج صار يرى الأشياء فكيف بحجة الله ونوره على بريته .

ص: 113


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 298

وكما كانوا يسألون جابراً عن النبي كذلك كانوا يسألونه عن أمير المؤمنين لعلمهم بقربه ومنزلته من الأمام، فكان رضوان الله عليه يجيبهم، فعن غوث السيسي قال: (مر بنا جابر بن عبد الله الانصاري في بعض اخطاره فاستنزلناه فنزل فبات بنا واصبح فلما علمت انه انس الراحة قلت له: يا جابر هلّا اخبرتنا شيئا من مکارم اخلاق امیر المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)؟ فقال: كنت انا و قنبر وعلي (عليه السلام) فبينا نحن قعود اذ هدف الينا اعرابي فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبرکاته فقال علي (عليه السلام): عليك السلام ورحمة الله وبرکاته یا اخا العرب فقال الأعرابي: يا امير المؤمنين ان لي اليك حاجة قد رفعتها إلى الله قبل ان ارفعها اليك فان أذنت بقضائها حمدنا الله وشكرناك وان لم تقضها شكرنا الله و عذرناك فقال علي (عليه السلام): خط حاجتك على الارض فاني أری أثر الفقر عليك بيّنا فكتب على الأرض: أنا فقير فقال علي (عليه السلام): ياقنبر اعطه حلتي فأحضرها وأفرغها عليه فأنشده:.

کسوتني حُلّةً تبلى محاسنها *** فسوفَ اکسوكَ من حسن الغنا حُلَلا.

إن نلت حسن ثنا نلت مكرمةً *** ولستَ تبغي بما قد نلتهُ بَدَلا.

إن الثنا ليحيي ذكرَ صاحبهِ *** كالغيث يحيي نَداهُ السهلَ والجبلا

قال: فلما سمع كلام الأعرابي قال: يا اخا العرب اما اذا كان معك هذا فادن إلى ههنا فلما دنا منه قال: اعطه یا قنبر من بيت مال المسلمين خمسين دينارا قال جابر: فقلت: ياامير المؤمنين امرته ان يخط بين يديك فكتب انا فقير فامرت له بحلتك فافرغت عليه فانشد ابیاتا فرفعت منزلته اليك وامرت له بخمسين دينارا فقال علي (عليه السلام): نعم يا جابر سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انزلوا

ص: 114

الناس منازلهم)(1).

فكان عليه السلام المؤثر الثاني في رفع مستوى جابر التربوي لأن خلق علي من خلق رسول الله فمن جالسه كأنما يجالس النبي ففي الخطبة المعروفة بالقاصعة قال عليه السلام: (وَلَقَدْ قَرَنَ الله بِهِ (صلی الله علیه و آله) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَماً مِنْ أَخْلاَقِهِ وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ)(2).

وفي رواية، عن الإمام علي (عليه السلام) قال: (... یا کمیل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدبه الله عز وجل وهو أدبني وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الأدب المكرمين)(3).

المسألة الثانية: (نصرته للإمام علي علیه السلام)

إن لهذا الصحابي الجليل مواقف بطولية خالدة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وقد ذكرناها في الفصل الأول، كذلك له مواقف عظيمة حافلة بالبطولات، فقد شارك جابر مع الإمام في حروبه، فهذا الصحابي ناصر أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته وبعد استشهاده، فکما نصر جابر الإمام بيده فقد نصره بلسانه، وسوف نبين ذلك فيما يلي:

ص: 115


1- مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسی، ج 7، ص 176
2- نهج البلاغة، ت صبحي الصالح، ص 300
3- بحار الأنوار، ج 74، ص 267، مستدرك الوسائل، ج17، ص 267، مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) المؤلف: المير جهاني، ج 1، ص 115

1- نصرته بسيفه:

شارك جابر في حروب النبي وغزواته وكذلك شارك مع أمير المؤمنين في تلك الحروب التي خاضها ضد الناكثين والقاسطين.

جاء في الاستيعاب أنه ممن شهد صفين مع علي رضي الله عنه(1).

(وكان جابر من الأصفياء لدى أمير المؤمنين و من شرطة خميسه، وقال الفضل بن شاذان: إنه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام)(2).

وكان (رضوان الله عليه)، يقول: (الشاك في حرب علي كالشاك في حرب رسول الله (صلى الله عليه و آله)(3).

فمعرفته بأحقية الإمام تتضح لنا من خلال كلامه (رضوان الله عليه) فلم يفرق جابر بين النبي وعلي، وأن حربهما واحدة، فإن كان النبي (صلى الله عليه و آله) في هذا الزمان لحارب هذه الزمرة الضالة كما يفعل أمير المؤمنين فكلاهما واحد.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (یا أيها الناس، اتقوا الله واسمعوا، قالوا: لمن السمع والطاعة بعدك يا رسول الله؟ قال: لأخي وابن عمي ووصيي علي بن أبي طالب، قال جابر بن عبد الله: فعصوه والله، وخالفوا أمره، وحملوا عليه السيوف)(4).

وكان جابر يعلم جيداً أن علياً يد الله وسهمه على الأعداء فقد سمع ذلك من

ص: 116


1- ينظر الاستیعاب، ج 1، ص 220
2- ينظر، معجم رجال الحدیث، السيد الخوئي، ج 4، ص 330
3- بحار الأنوار، ج 22، ص 327
4- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 58، ح 52

رسول الله، فعن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما اعتصی عَلَيَّ أهل مملكة من المشركين إلا رميتهم بسهم الله، قيل: وما سهم الله؟ قال علي بن ابي طالب ما بعثته في سرية قط إلا رأيت جبرئيل عن يمينه و میکائیل على يساره وملك امامه وسحابة تظله حتى يعطي الله حبيبي النصر والظفر)(1).

ولا يستغرب جابر من حدوث هذه الفوضى وهذا التمرد ففي حجة الوداع عن جابر، قال: (إني لأدناهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع بمنى، فقال: لأعرفنكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربکم، ثم التفت إلى خلفه فقال: أو علي أو علي، ثلاثا، فرأينا أن جبرئیل (عليه السلام) غمزه وأنزل الله (عز وجل): «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ» بعلی «أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ» ثم نزلت: «قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» ثم نزلت: «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ» من أمر علي بن أبي طالب «إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» وإن عليا لعلم للساعة «لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» عن محبة علي بن أبي طالب زمن النبي)(2).

فكان جابر أقرب الناس حينما خاطبهم النبي فكان يسمع ما يتكلم به النبي بوضوح فجابر متيقن أن جهاده مع علي كجهاده مع النبي لا فرق بينهما إطلاقاً، وما هذه الزمر إلا هي زمر ضالة خرجت عن الدين والاسلام قد ذكرهم رسول الله لعلي ولأصحابه وأهل بيته عليهم السلام..

ففي رواية طويلة نأخذ منها محل الشاهد قال النبي: (... يا أم سلمة، اسمعي

ص: 117


1- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، ج 1، ص 359
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 363، ح 11

واشهدي، هذا علي بن أبي طالب، وصيي وخليفتي من بعدي، وقاضي عداتي، والذائد عن حوضي، يا أم سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب، سید المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

قلت: يا رسول الله، من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بالمدينة، وينكثون بالبصرة. قلت: من القاسطون؟ قال: معاوية وأصحابه من أهل الشام. قلت: من المارقون؟ قال: أصحاب النهروان)(1).

وفي النهج قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فَلَمّا نَهَضتُ بِالأَمرِ نَكَثَت طَائِفَةٌ، وَ مَرَقَت أُخرَي، وَ قَسَطَ آخَرُونَ: كَأَنّهُم لَم يَسمَعُوا اللّهَ سُبحَانَهُ يَقُولُ: «تِلكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأَرضِ وَ لا فَساداً، وَ العاقِبَةُ لِلمُتّقِينَ» بَلَي وَ اللّهِ لَقَد سَمِعُوهَا وَ وَعَوهَا، وَ لَكِنّهُم حَلِيَتِ الدّنيَا فِي أَعيُنِهِم حَلِيَتِ الدّنيَا فِي أَعيُنِهِم، وَ رَاقَهُم زِبرِجُهَا أَمَا وَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ، وَ بَرَأَ النّسَمَةَ، لَو لَا حُضُورُ الحَاضِرِ، وَ قِيَامُ الحُجّةِ بِوُجُودِ النّاصِرِ، وَ مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَي العُلَمَاءِ أَلّا يُقَارّوا عَلَي كِظّةِ ظَالِمٍ، وَ لَا سَغَبِ مَظلُومٍ، لَأَلقَيتُ حَبلَهَا عَلَي غَارِبِهَا، وَ لَسَقَيتُ آخِرَهَا بِكَأسِ أَوّلِهَا، وَ لَأَلفَيتُم دُنيَاكُم هَذِهِ أَزهَدَ عنِديِ مِن عَفطَةِ عَنزٍ)(2).

وفي الخصال، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: (أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين)(3).

فعلي مأمور من الله أن يقاتل هؤلاء الضّالين المظلّين، قال أمير المؤمنين (عليه

ص: 118


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 464
2- نهج البلاغة، الخطبة: 3، ص 49
3- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 145، ح 171

السلام) في بعض خطبه: (أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه عني، فإن الفراق قریب، أنا إمام البرية، ووصي خير الخليقة، وزوج سيدة نساء هذه الأمة، وأبو العترة الطاهرة والأئمة الهادية، أنا أخو رسول الله، ووصيه، ووليه، ووزيره، وصاحبه، وصفيه، وحبيبه، وخليله، أنا أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وسيد الوصيين، حربي حرب الله، وسلمي سلم الله، وطاعتي طاعة الله وولايتي ولاية الله، وشيعتي أولياء الله، وأنصاري أنصار الله. والذي خلقني ولم أكُ شيئا، لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أن الناكثين والقاسطين والمارقين ملعونون على لسان النبي الأمي، وقد خاب من افترى)(1).

فالإمام يؤكد أن أصحاب النبي المقربين ومنهم جابر بن عبد الله كانوا عالمين أن هذه الزمر الثلاث ملعونون على لسان النبي وأن أمير المؤمنين كان سبب الله في کشف هذه الزمر الضالة، فقد جاء في كتاب الفضائل، عن محمد بن علي الباقر (عليه السلام)، أنه قال: (سئل جابر بن عبد الله الأنصاري عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: (ذلك والله أمير المؤمنين ومخزي المنافقين وبوار الكافرين وسبب الله على القاسطين والناكثين والمارقين ولقد سمعت بأذني رسول الله (صلى الله علیه و آله) يقول: عليٌ بعدي خير البشر فمن شك فيه فقد كفر)(2).

فالمستحفظون هم خيرة الصحابة الذين سمعوا من رسول الله تلك الأنباء التي تخبرهم عن علم مسبق بأن علياً سوف يقاتل على التأويل، وأن كل من يقف ضد علي هو كافر منافق وهذا تصريح من نبي الرحمة، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: (كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل علي عليه

ص: 119


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 703، ح 9
2- الفضائل، شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان، ص 162)

السلام فلما نظر إليه [النبي صلى الله عليه وآله وسلم] قال: الحمد لله رب العالمين لا شريك له. قال: قلنا: صدقت يا رسول الله الحمد لله رب العالمين لا شريك له قد ظننا أنك لم تقلها إلا بعجب من شيء رأيته. قال: نعم لما رأيت عليا مقبلا ذكرت حديثا حدثني حبيبي جبرئيل (عليه السلام)، قال: قال: إني سألت الله أن يجمع [ر: يجتمع] الأمة عليه فأبى عليه [علي] إلا أن يبلو بعضهم ببعض حتى يميز الخبيث من الطيب وأنزل علينا بذلك كتابا: «الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» الآية، أما انه قد عوضه مکانها بسبع خصال: يلي ستر عورتك ويقضي دينك وعداتك وهو معك على عقر حوضك، وهو مشكاة لك يوم القيامة، ولن يرجع کافرا بعد إيمان ولا زان بعد إحصان، فكم من ضرس قاطع له في الاسلام مع القدم في الاسلام والعلم بكلام الله والفقه في دين الله مع الصهر والقرابة والنجدة في الحرب وبذل الماعون والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاية لوليي والعداوة لعدوي بشره یا محمد بذلك)(1).

وروى ابن عساکر، عن عبيد بن أبي الجعد، قال: (سُئل جابر بن عبد الله عن قتال علي، فقال (ما يشك في قتال علي إلا كافر)(2).

فالشاك في قتال علي كافر وهذا تصريح من صحابي جليل قد سمع الكثير من الأحاديث الشريفة، كقوله (صلى الله عليه وآله): (علي مع الحق) وغيرها مما روي، عن النبي عن جابر قال: (أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): (أنت تؤدي ذمتي، وتقاتل على سنتي، وإن الحق معك والحق على لسانك

ص: 120


1- تفسير فرات الكوفي - فرات بن ابراهيم الكوفي، ص 317
2- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 2، ص 444

وفي قلبك وبين عينيك وإن الايمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي)(1).

فهذه الأحاديث الشريفة تكشف عن أحقية علي وضلالة أعدائه.

فما تقاتلت طائفتان إلا وكان الحق لواحد منهم، وعلي بلا شك هو الحق وأن حربه حرب رسول الله وسلمه سلم رسول الله، ويشهد بذلك جميع الصحابة.

وإنه (عليه السلام) نفس النبي وهو الصديق والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين)(2).

فمن كان في قلبه مرض لا يستطيع أن يتقبل الحق وعلي هو الحق لذا لا يكون في صف علي إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان.

جاء في تاريخ بغداد، (لما فرغ علي بن أبي طالب من قتال أهل النهروان قفل أبو قتادة الأنصاري ومعه ستون أو سبعون من الأنصار. قال: فبدأ بعائشة، قال أبو قتادة: فلما دخلت عليها قالت: ما وراءك؟ فأخبرتها أنه لما تفرقت المحكمة من عسکر أمير المؤمنين لحقناهم فقتلناهم. فقالت: ما كان معك من الوفد غيرك؟ قلت: بلى ستون أو سبعون. قالت: أفكلهم يقول مثل الذي تقول؟ قلت: نعم....

فقالت عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: تفترق أمتي على فرقتين تمرق بينهما فرقة محلقون رؤوسهم محفون شواربهم، أزرهم إلى أنصاف سوقهم، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم،

ص: 121


1- الطبري، محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، ص 620
2- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 2، ص 267

يقتلهم أحبهم إلي وأحبهم إلى الله تعالى) قال: فقلت: يا أم المؤمنين، أنت تعلمين هذا، فلم كان الذي منك؟ قالت: يا أبا قتادة، وكان أمر الله قدرا «مقدورا)، وللقدر أسباب)(1).

فهذه شهادة أخرى ممن عاصر علياً وعاش معه أنه (عليه السلام) أحب الخلق إلى الله والى رسوله وذلك لأحقيته، فيا عجبا يعترفون بألسنتهم أنه حبيب الله وحبيب رسوله ويحاربونه ولا زالت هنالك زمر في هذا الزمان تتكلم بمناقب علي ولكنهم يبغضونه ويخالفونه، فمثل هؤلاء لا نشبههم إلا بإبليس عليه اللعنة فكان هذا اللعين يعلم أنه يخالف الله ويعترف بذلك ولكنه يصر على عمل الشر، فحب علي لا يسكن في قلوب المرضى والمتكبرين لذا نجدهم يعرفون الحق ويبغضونه فأساس هؤلاء باطل والباطل لا يحب الحق.

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنا بمني مع رسول الله إذ بَصُرنا برجل ساجد و راكع ومتضرع فقلنا يا رسول الله ما أحسن صلاته فقال: (عليه السلام) هو الذي اخرج أباكم من الجنة فمضى إليه علي (عليه السلام) غير مكترث فهزه هزة ادخل أضلاعه اليمني في اليسرى، واليسرى في اليمني، ثم قال: لأقتلنك إن شاء الله فقال: لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربي مالك تريد قتلي فوالله ما أبغضك أحد إلا سبقت نطفتي إلى رحم أمه قبل نطفة أبيه ولقد شاركت مبغضيك في الأموال والأولاد وهو قول الله (عز وجل) في محكم كتابه (وشاركهم في الأموال والأولاد) قال النبي (صلى الله عليه وآله) صدق يا علي لا يبغضك من قريش إلا سفاحي، ولا من الأنصار إلا يهودي، ولا من العرب إلا دعي، ولا من سائر الناس إلا شقي، ولا من النساء إلا سلقلقية - وهي التي تحيض من دبرها - ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: معاشر الأنصار اعرضوا أولادكم على محبة علي فإن أجابوا فهم منکم وان أبوا

ص: 122


1- تاریخ بغداد، ج 1، ص 171 - 172

فليسوا منكم قال جابر بن عبد الله فكنا نعرض حب علي (عليه السلام) على أولادنا فمن أحب عليا علمنا أنه من أولادنا ومن أبغض عليا انتفينا منه)(1).

فلو نأتي للحقيقة هل أن ابليس يحب علياً؟

الجواب لا، ودليل ذلك أنه لم يسجد لآدم تكبراً منه على آدم، فحينما علم أن الله أودع في صلبه تلك الأشباح الخمسة، فكان عداءه الأول لما في صلبه حيث رأى أنوارهم، وإنما كان اعتراضه على آدم ذريعة يحتج بها ومكراً منه لأنه علم ما في تربة آدم من نور، لكنه رغم العداء يعترف أن من ابغضه ليس طاهر الولادة وأنه الحق، لكنه لا يقدر على نفسه ذلك لتكبره فهو إمام المتعصبين.

كذلك شبهنا أعداء علي بهذا اللعين لأنهم يشبهونه بالصفات حيث يتكلمون بمناقب علي ومنزلته ورغم ذلك يخالفونه ويحاربونه.

وكما ذكرنا آن جابراً ممن شهد معركة الجمل فكان الإمام يرشده ويعلمه الكثير من الأمور حتى في تلك الظروف، قال جابر: (كنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة فلما فرغ من قتال من قتله، أشرف علينا من آخر الليل، فقال: ما أنتم فيه؟ فقلنا: في ذم الدنيا، فقال: علام تذم الدنيا يا جابر؟ ثم حمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا؟ انتحلوا الزهد فيها؟ الدنيا منزل صدق لمن صدقها، ومسكن عافية لمن فهم عنها، ودار غني لمن تزود منها، فيها [مسجد] أنبياء الله ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومسكن أحبائه، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة. فمن ذا يذم الدنيا يا جابر وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعت نفسها بالزوال، ومثلت ببلائها البلاء، وشوقت بسرورها إلى

ص: 123


1- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 142، ح 7، (باب 120 - في أن علة محبة أهل البيت «ع» طيب الولادة)

السرور، راحت بفجيعة وابتكرت بنعمة وعافية، ترهیبا و ترغیبا، يذمها قوم عند الندامة، ويحمدها آخرون عند السلامة، خدمتهم جميعا فصدقتهم، وذكرتهم فذكروا، ووعظتهم فاتعظوا وخوفتهم فخافوا، وشوقتهم فاشتاقوا. فأيها الذام للدنيا، المغتر بغرورها، متی استذمت إليك؟ بل متی غرتك بنفسها؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك من الثری، کم مرضت بيديك وعللت بكفيك؟ تستوصف لهم الدواء، وتطلب لهم الاطباء، لم تدرك فيه طلبتك ولم تسعف فيه بحاجتك. بل مثلت الدنيا به نفسك، وبحاله حالك، غداة لا ينفعك أحباؤك، ولا يغني عنك نداؤك، حين يشتد من الموت أعالين المرض وأليم لوعات المضض، حين لا ينفع الاليل، ولا يدفع العويل، يحفز بها الحيزوم(1) ويعض بها الحلقوم، لا يسمعه النداء، ولا يروعه الدعاء، فيا طول الحزن، عند انقطاع الأجل. ثم یراح به على شرجع(2) تقله أكف اربع، فيضجع في قبره، في محل لبث وضيق جدث، فذهبت الجِدة، وانقطعت المدة، ورفضته العطفة، وقطعته اللطفة لا يقاربه الأخلاء، ولا يلم به الزوار، ولا اتسقت به الدار، انقطع دونه الأثر واستعجم دونه الخبر، وبکرت ورثته، فقسمت تركته، ولحقه الحوب، وأحاطت به الذنوب، فان یکن قدم خیرا طاب مکسبه، وإن يكن قدم شرا تب منقلبه، وكيف ينفع نفسا قرارها، والموت قصارها، والقبر مزارها، فكفى بهذا واعظا، کفی یا جابر امض معي. فمضيت معه حتى أتينا القبور، فقال: يا أهل التربة ويا أهل الغربة! أما المنازل فقد سكنت، وأما المواريث فقد قسمت، وأما الازواج فقد نكحن، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟. ثم أمسك عني مليا ثم رفع رأسه فقال: والذي أقل السماء فعلت، وسطح الارض فدّحت، لو أذن للقوم في الكلام القالوا: إنا وجدنا خير الزاد التقوى ثم قال: يا جابر إذا شئت فارجع)(3).

ص: 124


1- الحيزوم: وسط الصدر وما يضم عليه الحزام، لسان العرب، ج 12، ص 132
2- شرجع: السرير يحمل عليه الميت
3- تحف العقول عن آل الرسول (ص) ابن شعبة الحراني، ص 188

فلو سألنا لماذا الكلام يوجه لجابر ولماذا يفرده الإمام دون القوم؟

الجواب ان الإمام يعلم أن هذه المواعظ سوف تبث عن طريق هذا الصحابي فهذا الصحابي من المكثرين في الحديث فهو موال حقيقي ينقل أخبار أهل البيت.

كذلك جابر من الصحابة المأخوذ منهم فالناس تعتبره من الثقات ذلك لصحبته وصدقه وسيرته فهذا جانب آخر.

كذلك التصديق بكل ما يرى ويسمع فجابر لا يشكك بشيء؛ ولا يزيد في الكلام ولا ينقص منه، فكل ذلك يجعل الإمام يخبره بهذه الأخبار، ومن الأمور الاخرى حبه لهذه المواعظ والعبر فجابر ممن يعمل بهذه المواعظ لذا صار جابر من الصحابة المقربين.

2- نصرته بلسانه:

إن لهذا الصحابي الجليل منزلة ومكانة بين الناس فكان كلامه يؤخذ به كونه من الصحابة المقربين لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد عرف بصدق الحديث، فكان الجابر دور كبير في الدفاع عن أمير المؤمنين سواء في حياة الامام وبعد رحيله (عليه السلام)، ذلك من خلال روايته عن النبي، فكان جهاده بلسانه کجهاده بسيفه، فدفاعه عن الإمام بلسانه وذكر مناقب أمير المؤمنين وأحقية جهاده وأن حبه ایمان وبغضه كفر كلها نصرة للدين كون علي هو الدين.

جاء في شرح الاخبار، عن سالم بن أبي الجعد، قال: (تذاكروا فضل علي عند جابر بن عبد الله، فقال: تشكون فيه، فقال بعض القوم: إنه قد أحدث، قال: ولا يشك فيه إلا كافر)(1)

ص: 125


1- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 1، ص 462

وفي رواية عن أبي الزبير المكي، قال سألت جابر بن عبد الله، فقلت أخبرني أي رجل كان علي بن أبي طالب؟ قال: فرفع حاجبيه عن عينيه و قد كان سقط على عينيه، قال: فقال: ذاك خير البشر أما والله إن كنا لنعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببغضهم إياه)(1).

وروي الشيخ الصدوق، عن أبي الزبير المكي قال: (رأيت جابرا متوكيا على عصاه وهو يدور في سكك الأنصار و مجالسهم وهو يقول: علي خير البشر فمن أبى فقد کفر، يا معشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي فمن أبى فانظروا في شأن أمه)(2).

وعن أبي الزبير قال: قلت لجابر كيف كان عليّ فيكم؟ قال: (ذلك من خير البشر، ما كنا نعرف المنافقين إلا بغضهم إياه)(3).

فتلك الأيام التي قضاها مع النبي (صلى الله عليه واله) كان لها الدور الكبير في معرفة مولاه أمير المؤمنين، فالصحابة المقربون کجابر وغيره، كانوا يعرفون أن من يبغض علياً لم يخرج من صلب طاهر ولا رحم طاهر وإنما هو ابن حرام ولا شك في ذلك اطلاقاً.

فطيب الولادة هي أشرف النعم، فمن أحب عليا فليبشر بطيب الولادة لذلك حينما يدعو الله يوم القيامة شيعة أمير المؤمنين يدعوهم بأسماء آبائهم وهذا لطيب ولادتهم.

وعن الاعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال: سئل جابر بن عبد الله الانصاري عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ذاك خير خلق الله من الأولين والآخرين.....،

ص: 126


1- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 210، ح 86
2- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 142، ح 4، (باب 120 - في أن علة محبة أهل البيت «ع» طيب الولادة)
3- (عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، ابن بطريق، ص 216، ح 336)

قلت: فما تقول فيمن يبغضه وينتقضه؟ فقال: لا يبغضه إلا كافر، ولا ينتقضه إلا منافق، قلت: فيما تقول فيمن يتولاه ويتولى الائمة من ولده بعده؟ فقال: إن شيعة علي (عليه السلام) والائمة من ولده هم الفائزون الآمنون يوم القيامة، ثم قال: ما ترون لو أن رجلا خرج يدعو الناس إلى ضلالة من كان أقرب الناس منه؟ قالوا: شیعته وأنصاره، قال: فلو أن رجلا خرج يدعو الناس إلى هدى، من كان أقرب الناس منه؟ قالوا: شیعته وأنصاره، قال: فكذلك علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده لواء الحمد يوم القيامة أقرب الناس منه شيعته وأنصاره)(1).

فهذا الكلام ليس كلام رجل عادي وإنما کلام عالم يعرف حق التشيع ومنزلة الشيعة عند الله، فمن يقتدي بعلي لا بد وأن فيه صفات يحبها الله، فهذا جابر أحد شيعة علي وقد اطلعنا على حياته فلم نجد فيها سوى عمل الخير والحب والولاء الصادق.

عن أبي الزبير، قال: (سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه: هل كان لعلي صلوات الله عليه آیات؟ فقال: إي والله، كانت له سيرة حضرتها الجماعة والجماعات، لا ينكرها إلا معاند، ولا يكتمها إلا كافر، منها: أنا سرنا معه في مسير، فقال لنا: «امضوا لأن نصلي تحت هذه السدرة ركعتين «فمضینا، ونزل تحت السدرة، فجعل يركع ويسجد، فنظرنا إلى السدرة وهي تركع إذا ركع، وتسجد إذا سجد، وتقوم إذا قام، فلما رأينا ذلك عجبنا، ووقفنا حتى فرغ من صلاته، ثم دعا فقال: اللهم صلِ على محمد وآل محمد «فنطقت أغصان الشجرة تقول: آمين آمين. ثم قال: «اللهم صلى على شيعة محمد و آل محمد «فقالت أوراقها وأغصانها وقضبانها: آمين آمين، ثم قال: «اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد، ومبغضي شيعة محمد وآل محمد «فقالت الأوراق والقضبان والأغصان والسدرة: آمين آمين)(2).

ص: 127


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 586
2- الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي، ص 245

وفي الخصال يروي جابر فضائل أمير المؤمنين التي سمعها عن لسان النبي، قال جابر: لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في علي (عليه السلام) خصالا لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا:

قوله (صلى الله عليه وآله): (من کنت مولاه فعلي مولاه).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (علي مني کهارون من موسی).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (علي مني وأنا منه).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (علي مني کنفسي، طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (حرب علي حرب الله وسلم علي سلم الله).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (علي حجة الله، وخليفته على عباده).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (حب علي إيمان وبغضه كفر).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (حزب علي حزب الله وحزب أعدائه حزب الشيطان).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتی یردا علي الحوض).

وقوله (صلى الله علیه و آله): (علي قسيم الجنة والنار).

وقوله (صلى الله عليه وآله): (من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عز وجل)، وقوله (صلى الله عليه وآله): (شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة)(1).

ص: 128


1- (الخصال، الشيخ الصدوق، ص 496، ح 5)، وفي (أنساب الأشراف، ج 2، ص 113)، عن محمد بن عبد الله بن عطية العوفي قال: قلت لجابر بن عبد الله: أي رجل كان فيكم عليّ؟ قال: وكان والله خير البرية بعد رسول الله (صلَّى الله عليه [وآله] وسلم)، (شرح الأخبار، ج 1، ص 433 ، ح 80)، عن سالم بن أبي الجعد، قال: سئل جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد سقط حاجباه على عينيه، فقيل له: أخبرنا عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فرفع حاجبيه بيديه، ثم قال: (ذاك خير البرية لا يبغضه إلا منافق ولا يشك فيه إلا كافر)، قال جابر بن عبد الله: فكنا نعرض حب علي (عليه السلام) على أولادنا فمن أحب عليا علمنا أنه من أولادنا، ومن أبغض عليا انتفينا منه)

وفي رواية اخرى يرويها الإمام محمد الباقر عن جابر، قال أبو جعفر (عليه السلام): وحدثني عبد الله بن العباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وكان بدریا أحديا شجريا، وممن محض من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مودة أمير المؤمنين (عليه السلام)، قالوا: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده في رهط من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن ورجلان من قراء الصحابة من المهاجرين، هما عبد الله بن أم عبد، ومن الأنصار أبي بن كعب وكانا بدريين، فقرأ عبد الله من السورة التي يذكر فيها لقمان، حتى أتى على هذه الآية «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»(1)، وقرأ أبي من السورة التي يذكر فيها إبراهيم (عليه السلام) (وذکِّرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شکور) قالوا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيام الله نعماؤه، و بلاؤه مثلاته سبحانه.

ثم أقبل (صلى الله عليه وآله) على من شهده من أصحابه، فقال: إني لأتخولكم بالموعظة تحولا مخافة السأمة عليكم، وقد أوحي إلي ربي (جل جلاله) أن أذكركم بالنعمة، وأنذركم بما اقتص عليكم من كتابه، وتلا (أسبغ علیکم نعمة) الآية، ثم قال لهم: قولوا الآن قولكم: ما أول نعمة رغبكم الله فيها وبلاکم بها؟ فخاض القوم جميعا فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرية والأزواج إلى سائر ما بلاهم الله (عز وجل) به من أنعمه الظاهرة، فلما أمسك القوم أقبل رسول الله (صلى الله علیه و آله) على علي (عليه السلام)، فقال: يا أبا الحسن، قل فقد قال أصحابك.

ص: 129


1- لقمان: 20

فقال: فكيف لي بالقول - فداك أبي وأمي - وإنما هدانا الله بك، قال: ومع ذلك فهات، قل ما أول نعمة بلاك الله (عز وجل) وأنعم عليك بها؟ قال: أن خلقني جل ثناؤه، ولم أك شيئا مذكورا، قال: صدقت، فما الثانية؟ قال: أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا ميتا، قال: صدقت، فما الثالثة؟ قال: أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل ترکیب، قال: صدقت، فما الرابعة؟ قال: أن جعلني متفکرا راغبا لا بلهة ساهيا. قال: صدقت، في الخامسة؟ قال: أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها، وجعل لي سراجا منيرا، قال: صدقت، فما السادسة؟ قال: أن هداني ولم يضلني عن سبيله. قال: صدقت، فما السابعة؟ قال: أن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها. قال: صدقت، فما الثامنة؟ قال: أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا. قال: صدقت، فما التاسعة؟ قال: أن سخرلي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه. قال: صدقت، فما العاشرة؟ قال: أن جعلنا سبحانه ذکرانا لا إناثا. قال: صدقت، فما بعد هذا؟ قال: کثرت نعم الله يانبي الله فطابت، وتلا (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: لتهنك الحكمة، ليهنك العلم يا أبا الحسن، وأنت وارث علمي، والمبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدي إلى صراط مستقیم، ومن رغب عن هواك وأبغضك لقي الله يوم القيامة لاخلاق له)(1).

فهذا الإنسان كان يروي عن النبي وأهل بيته وكان الإمام الباقر يأخذ منه وما هذا إلا لنزاهته، فتلك الأحاديث الشريفة التي حفظها من رسول الله جاء دورها لتكون الواعظ للناس فمن لم يسمع من رسول الله فهذا جابر يحدثه بها، ومن سمعها وتناسی فهذا جابر يذكره بها، فيكون هذا الكلام حجة عليهم، لكي لا يكون لهم العذر باتباعهم الباطل ومخالفتهم لعلي وأهل بيته وهم يسمعون من الصحابة

ص: 130


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 491 - 492

والمعصومين كلام النبي وما خص الله به وصيه من مناقب و کرامات لا تنكر، حتى أعداء أمير المؤمنين كانوا يتناقلونها ويذكرونها في مجالسهم فكل ذلك حجج کافية على أحقية علي بن أبي طالب (عليه السلام).

قال جابر (کنا ذات يوم عند معاوية بن أبي سفيان وقد جلس على سريره واعتجر بتاجه واشتمل بساجه وأومأ بعينيه يمينا وشمالا وقد تفرشت جماهير قریش وسادات العرب أسفل السرير من قحطان ومعه رجلان على سريره عقيل بن أبي طالب والحسن بن علي وامرأة من وراء الحجاب تشير بكميها يمينا وشمالا فقالت يا أمير المؤمنين فأنت الليلة أرقة، قال لها معاوية أمن ألم؟ قالت لا ولكن من اختلاف رأي الناس فيك وفي علي بن أبي طالب وأبوك أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية وكان أمية من قریش لبابها، فقالت في معاوية فأكثرت وهو مقبل على عقيل والحسن فقال معاوية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعد الظهر حرم على النار أن تأكله أبدا.

ثم قال لها أفي علي تقولين المطعم في الكربات المفرج للكربات مع ماسبق لعلي من العناصير السرية والشيم الرضية والشرف فكان كالأسد الحاذر والربيع النائر والفرات الذاخر والقمر الزاهر، فأما الأسد فأشبه علي منه صرامته ومضاءه وأما الربيع فأشبه علي منه حسنه وبهاءه وأما الفرات فأشبه علي منه طيبه وسخاءه فما تغطمطت عليه قماقم العرب الشادة من أول العرب عبد مناف وهاشم وعباس القماقم والعباس صنو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و أبوه وعمه أكرم به أبا وعما ولنعم ترجمان القرآن ولده يعني عبد الله بن عباس کهل الكهول له لسان سؤول وقلب عقول خيار خلق الله وعترة نبيه خیار ابن خیار.

فقال عقيل بن أبي طالب: يا بنت أبي سفيان لو أن لعلي بيتين بيت من تبر والاخر تبن بدأ بالتبر وهو الذهب، فقال معاوية: يا أبا یزید کیف لا أقول هذا في علي بن أبي

ص: 131

طالب وعلي من هامات قريش وذوائبها وسنام قائم عليها وعلي علامتها في شامخ فقال له عقیل: وصلتك رحم یا أمير المؤمنين)(1).

فالله سبحانه وتعالى إذا أراد أن ينصر وليٌّا من أوليائه يجعل مديحه على لسان عدوه فبهذا تكون الحجة بالغة على كل من سمع كلامهم وأصر على العناد والتغافل، فحينما ينقل جابر الأنصاري هذه الحقائق إنما يريد بذلك نصرة علي (عليه السلام) و بیان مثالب أعدائه، فهذا معاوية وهو ألد أعداء الإمام (عليه السلام) يشهد بکرم علي (عليه السلام) وشجاعته وجماله وحسن سيرته وأنه لا مثيل له بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فإن كان الوصي بهذه الصفات التي ذكرها معاوية لهم ألا يستحق أن يكون أميرهم وسيدهم.

وفي رواية يرويها جابر قال: (صلی بنا علي (عليه السلام) ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة ألف رجل فنزل نصراني من صومعته فقال: أين عمید هذا الجيش؟ فقلنا: هذا فأقبل إليه فسلم عليه ثم قال: يا سيدي أنت نبي؟ قال: لا النبي سيدي قد مات.

قال: فأنت وصي نبي قال: نعم ثم قال: اجلس كيف سألت عن هذا؟ قال: إنما بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا وقرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي وقد جئت أن أسلم فأسلم وخرج معنا إلى الكوفة. فقال له علي (عليه السلام): فمن صلى هاهنا؟ قال: صلی عیسی بن مريم وأمه فقال له (عليه السلام): فأفيدك من صلى هاهنا؟ قال: نعم قال:

الخليل عليه السلام)(2).

ص: 132


1- تاریخ دمشق، ج 2، ص 416
2- مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص 492

فذكر فضائل علي ومناقبه وبثها للناس تعد جهاداً بل من أعظم الجهاد، فالمؤمن الحقيقي يناصر مولاه بكل شيء بيده ولسانه وقلبه وجوارحه وإلا لا يكون من المحبين من عمل غير ذلك، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ثلاث من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: من أبغض عليا، ونصب لأهل بيتي، ومن قال: الایمان کلام)(1).

فجابر أحد أنصار الإمام علي بكل معنى الكلمة، وهو من الصحابة المقربين إليه.

ص: 133


1- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) محمد بن سليمان الكوفي، ج 2، ص 473، کنز العمال، ج 11، ص 623، تاریخ دمشق، ابن عساکر، ج 42، ص 284

المبحث الثاني (جابر والحسنان عليهما السلام)

إن لجابر بن عبد الله علاقة قديمة مع الحسن والحسين (عليهما السلام)، فمنذ ولادتهم كان يزورهم في بيت فاطمة ويحملهم ويلاعبهم، وقد سمع جابر من النبي وفاطمة أحاديث تخصهم وتتحدث عن فضلهم وكرامتهم عند الله، ويكفي حديث الكساء الذي رواه جابر عن فاطمة الزهراء ففيه بيان عظيم شأنهم ومنزلتهم، فهم من كان في ذلك الكساء الذي قال الله في حقهم (... ما خَلَقْتُ سَماَّءً مَبْنِیَّةً وَلا اَرْضاً مَدْحِیَّةً وَلا قَمَراً مُنیراً وَلا شَمْساً مُضِیَّئَةً وَلا فَلَکاً یَدُورُ وَلا بَحْراً یَجْری وَلا فُلْکاً یَسْری اِلاّ فی مَحَبَّةِ هؤُلاَّءِ الْخَمْسَةِ الَّذینَ هُمْ تَحْتَ الْکِساَّءِ)(1)، وحديث الكساء مشهور فالإمام الحسن والحسين من الخمسة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ففضلهم لا يخفى عن جابر وبقية الصحابة بل لا يخفى على أهل السماء والأرض فهم سیدا شباب أهل الجنة، كذلك حديث اللوح الذي ذكرناه في الفصل الأول وغير ذلك من الأحاديث النبوية التي توضح عظیم منزلة الحجج وهؤلاء أبناء فاطمة هم سادات الحجج وهما سبطا الرحمة، بهم أتم الله نوره، ولكن جابراً كان عارفاً بفضلهم أكثر من غيره وذلك لتردده على بيت النبي وفاطمة، ولهذا التردد دور كبير في معرفته بأسياد البشر وسوف نبين ذلك أكثر من خلال المسائل الآتية:

ص: 134


1- مفاتیح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص 869

المسألة الأولى: (معرفته بفضلهما)

لم يختلف موقف جابر إزاء أهل البيت وإن اختلفت الازمنة وإن كبر سنه بل العكس من ذلك، كلما طال به العمر زاد تیقناً، حيث يرى شمائل رسول الله تنتقل من حجة إلى حجة بلا اختلاف، ويرى ذلك العلم ينتقل من عالم إلى عالم وهذا ما یزید جابراً تمسكاً بهم، وكان جابر ينظر إلى الحسن والحسين أنهما آخر من تبقى من أصحاب الكساء الذين لا مثيل لهم على الاطلاق فهم نور الله وبهم تتم كلمة الله لذا كان يعرفهم معرفة مختلفة لا يعرفها الا المقربون وهؤلاء قلائل، فجابر ممن يعشق الحسنين وكان ذلك الحب نابعاً من معرفته برسول الله.

فعن محمد بن علي بن حمزة العلوي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الحسين بن زید بن علي، قال: (سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) عن سن جدنا علي بن الحسين (عليهما السلام)، فقال: أخبرني أبي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال: كنت أمشي خلف عمي الحسن و أبي الحسين (عليهما السلام) في بعض طرقات المدينة في العام الذي قبض فيه عمي الحسن (عليه السلام)، وأنا يومئذ غلام لم أراهق أو كدت، فلقيهما جابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاريان في جماعة من قريش والأنصار، فما تمالك جابر بن عبد الله حتى أكب على أيديهما وأرجلهما يقبلها، فقال رجل من قريش كان نسيبا لمروان: أتصنع هذا يا أبا عبد الله، وأنت في سنك هذا، وموضعك من صحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! وكان جابر قد شهد بدرا، فقال له: إليك عني، فلو علمت یا أخا قریش من فضلهما ومكانهما ما أعلم لقبلت ما تحت أقدامهما من التراب.

ثم أقبل جابر على أنس بن مالك، فقال: يا أبا حمزة، أخبرني رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيهما بأمر ما ظننته أنه يكون في بشر، قال له أنس: وبماذا أخبرك، یا أبا عبد الله؟ قال علي بن الحسين: فانطلق الحسن والحسين (عليهما السلام)، ووقفت

ص: 135

أنا أسمع محاورة القوم، فأنشأ جابر يحدث، قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات يوم في المسجد وقد خف من حوله، إذ قال لي: يا جابر، ادع لي حسنا و حسینا، وكان (صلى الله عليه وآله) شديد الكلف بهما، فانطلقت فدعوتهما، وأقبلت أحمل هذا مرة وهذا أخرى حتى جئته بهما، فقال لي وأنا أعرف السرور في وجهه لما رأى من محبتي لهما وتكريمي إياهما: أتحبهما یا جابر؟ فقلت: وما يمنعني من ذلك فداك أبي وأمي، وأنا أعرف مكانهما منك! قال: أفلا أخبرك عن فضلهما؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي.

قال: إن الله (تعالى) لما أحب أن يخلقني، خلقني نطفة بيضاء طيبة، فأودعها صلب أبي آدم (عليه السلام)، فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى نوح وإبراهيم (عليهما السلام)، ثم كذلك إلى عبد المطلب، فلم يصبني من دنس الجاهلية، ثم افترقت تلك النطفة شطرين: إلى عبد الله و أبي طالب، فولدني أبي فختم الله بي النبوة، وولد علي فختمت به الوصية، ثم اجتمعت النطفتان مني ومن علي فولدنا الجهر والجهير الحسنين، فختم الله بهما أسباط النبوة، وجعل ذريتي منهما، والذي يفتح مدينة - أو قال: مدائن - الكفر، فمن ذرية هذا - وأشار إلى الحسين (عليه السلام) - رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، فهما طاهران مطهران، وهما سیدا شباب أهل الجنة، طوبى لمن أحبهما و أباهما وأمهما، وويل لمن حاربهم وأبغضهم.)(1).

فجابر يعرف أن التراب الذي يخطو عليه هذان السيدان العظيمان يختلف عن سائر التراب الاخر، كونه قد حظي بملامسة نور الله، فإن كان التراب الذي يلامس أقدامهم مختلفاً فكيف بهم وهم نور الله، وكل هذا إلا وصف، وإنما حقيقة معرفتهم لا يصل لها إلا خالقهم ومن كان مثلهم فلا يعرف المعصوم إلا المعصوم، ورغم ذلك

ص: 136


1- الأملي، الشيخ الطوسي، ص 499 - 501

لا مانع من أن نتعرف على بعض صفاتهم وأسرارهم، فمن تقرب منهم وصل إلى الكثير من الحقائق؛ وهذا ما وصل له جابر فقد بلغ من ایمان جابر أنه يعلم الكثير من الأسرار وكلها تعود لفضل الملازمة فتلك الفترة التي عاشها مع النبي كان يرى عظمتهم من خلال تعامل النبي معهما وكيف يشتاق لرؤيتهما، ويقبلهما كذلك استماعه لأحاديث النبي عن عظيم قدرهم.

وكان لتردده على بيت فاطمة أيضاً الدور الكبير في معرفته للحجج فتلك البذرة التي زرعت في قلب جابر على يد النبي وعلي وفاطمة في حب الحجج، أصبحت شجرة مثمرة بالعلم والايمان و المعرفة.

وكان جابر يزور فاطمة حينما يولدها مولود، وفي ولادة أحد الأسباط اتي جابر بیت فاطمة فوجد ذلك اللوح الذي فيه اسماء الحجج من ولده، فعلاقة جابر مع الحسنين كانت علاقة منذ الطفولة حتى شهادتهم (عليهم السلام).

عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسين بن علي (عليهما السلام): يا حسين يخرج من صلبك تسعة من الأئمة منهم مهدي هذه الأمة، فإذا استشهد أبوك فالحسن بعده، فإذا سم الحسن فأنت، فإذا استشهدت فعلي ابنك، فإذا مضى علي محمد ابنه، فإذا مضى محمد فجعفر ابنه، فإذا مضى جعفر فموسی ابنه، فإذا مضی موسی فعلي ابنه، فإذا مضى علي محمد ابنه، فإذا مضى محمد فعلي ابنه، فإذا مضى علي فالحسن ابنه، فإذا مضى الحسن فالحجة بعد الحسن يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما)(1).

وكان جابر يعلم أسماء بعض الأئمة الذين يشهدهم قبل أن يراهم، منهم الامام السجاد والامام الباقر، فهذا الصحابي مختلف في علمه وإيمانه وإلا لما اسروا له ذلك

ص: 137


1- كفاية الأثر، الحزاز القمي، ص 96

لأن مثل هذه الأحاديث صعبة مستصعبة لا يعقلها إلا ذو حظ عظيم، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَ یَحْمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ، اِمْتَحَنَ اَللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِیمَانِ، وَ لاَ یَعِی حَدِیثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِینَةٌ وَ أَحْلاَمٌ رَزِینَةٌ)(1).

وكان رضوان الله عليه يروي للناس ما قاله النبي في حقهما وأنهما أبناء النبي وأن من أذاهم فقد آذى رسول الله، قال جابر: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا في المسجد إذ أقبل علي (عليه السلام) و الحسن عن يمينه والحسين عن شماله فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقبل عليا وألزمه إلى صدره و قبل الحسن وأجلسه إلى فخذه الايمن وقبل الحسين، وأجلسه إلى فخذه الايسر، ثم جعل يقبلهما ويرشف شفتيهما ويقول: بأبي أبوكما وبأبي امکما، ثم قال: أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى باهى بهما وبأبيهما وبأمهما و بالابرار من ولدهما الملائكة جميعا، ثم قال: اللهم إني احبهم وأحب من يحبهم، اللهم من أطاعني فيهم وحفظ وصيتي فارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين فإنهم أهلي والقوامون بديني والمحيون لسنتي والتالون لكتاب ربي، فطاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي)(2).

فأي بيان أوضح وأصرح من هذا الكلام حتى يعرفوا فضل أهل البيت، ففي رواية أخرى تروى عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: خرج يوما ومعه الحسن والحسين فخطب الناس ثم قال في خطبته: أيها الناس إن هؤلاء عترة نبيكم وأهل بيته وذريته وخلفاؤه، شرفهم الله بكرامته، واستودعهم سره، واستحفظهم غيبه واسترعاهم عباده وأطلعهم على مكنون أمره، ولقنهم حكمته وولاهم أمر عباده وأمرهم على حلقه واصطفاهم لتنزيل وحيه وأخدمهم ملائكته وصرفهم في مملكته وارتضاهم لسره واجتباهم لكلماته واختارهم لامره، وجعلهم

ص: 138


1- نهج البلاغة، الخطبة: 189، ص 280
2- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 27، ص 104

أعلاما لدينه، وشهداء على عباده وأمناء في بلاده.

فهم الائمة المهدية والعترة الزكية والذرية النبوية والسادة العلوية والأمة الوسطى والكلمة العليا وسادة أهل الدنيا والرحمة الموصولة، عصمة لمن لجأ إليهم ونجاة لمن تمسك بهم، سعد من والاهم وشقي من عاداهم، من تلاهم أمن من العذاب ومن تخلفهم ضل وخاب، إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون في أبياتهم هبط التنزيل، وإليهم بعث الامين جبرئیل)(1).

وكان النبي يبين للناس علة تسمية علي والحسن والحسين ذلك ليزدادوا معرفةً بهم، فعن جابر الانصاري، قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): (سمي الحسن حسنا لأن بإحسان الله قامت السماوات والأرض، والحسن مشتق من الاحسان، وعلي والحسن إسمان [مشتقان] من أسماء الله تعالى، والحسين تصغير الحسن)(2).

فكم من موقف بين فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضل أبنائه (عليهما السلام)، فكل قول صدر منه في حقهم إنما هي حجة على الناس لذا وجب علينا اتباعهم إذ أنهم نور الله وسر الله وحجج الله على الخلق.

وعنه ايضا قال رضوان الله عليه: (دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول: نعم الجمل جملكها ونعم العدلان أنتما)(3).

وقال أيضاً: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمشي على أربع والحسين بن علي راكب على ظهره)(4).

ص: 139


1- مشارق أنوار اليقين، الحافظ رجب البرسي، ص 71 - 72
2- مائة منقبة، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي (ابن شاذان)، ص 21
3- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، ج 2، ص 247
4- المصدر السابق، ج 2، ص 269

فإن كان النبي يصنع بالحسنين هذا الصنيع وهو سيد البشر أفلا يكون حجة علينا حبهم وطاعتهم واتباعهم، لذا كان جابر متعلقاً بهم وهو يرى ذلك الحب النابع من قلب سيد البشر والذي يظهر من خلال ما يصنع معهم، وكذلك أقواله بحقهم كلها تبرهن عن حبه ومعرفته بفضلهم.

فمن خصائص هذا الصحابي وما وفقه الله له هو نقله لأحاديث أهل البيت حيث ينقل جابر تلك الحقائق للناس ليكون شاهداً عليهم، وما يوجهه لرسول الله من أسئلة مفيدة حيث بفضله يتوضح مراد النبي أكثر، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال (أقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى صعد المنبر واجتمع المهاجرون والأنصار في الصلاة، فقال أيها الناس، من أبغضنا أهل البيت بعثه الله یهودیا. قال جابر فقمت إليه فقلت یا رسول الله، و إن شهد أن لا إله إلا الله، و أنك رسول الله قال نعم و إن شهد، إنما احتجز بذلك من أن يسفك دمه أو يؤدي الجزية عن يد وهو صاغر. ثم قال أيها الناس، من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهوديا، و إن أدرك الدجال آمن به، و إن لم يدركه بعث من قبره حتى يؤمن به، إن ربي (عز وجل) مثل لي أمتي في الطين، وعلمني أسماء أمتي کما علم آدم الأسماء كلها، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي و شيعته)(1).

فمبغض آل البيت (عليهم السلام) ليس بمسلم بل هو يهودي، وهذا تصريح من نبي الرحمة، لذا لم يستغفر لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن رحمة الله لا تشمل هؤلاء الملاعين لبعضهم العترة الطاهرة.

أما استغفاره (صلوات الله وسلامه عليه) لشيعة علي (عليه السلام) إنما هي رحمة منه عليهم، إذ أنهم يستحقون هذه الرحمة لحبهم العترة الطاهرة.

ص: 140


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 648

وكان استغفاره (صلوات الله وسلامه عليه) لعلي (عليه السلام) ليس لذنوبه وإنما لبيان فضله و فضل شیعته، فالإمام علي (عليه السلام) هو نفس النبي والنبي معصوم، فلولا عصمته (عليه السلام) لما وصفه بنفسه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): [و] إن ممن كتب أجله وعمله ورزقه وسعادة خاتمته علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كتبوا من عمله أنه لا يعمل ذنبا أبدا إلى أن يموت..)(1)

وفي رواية يرويها جابر وفيها بیان عظیم منزلة الإمام الحسن (عليه السلام)، قال جابر بن عبد الله: (كان الحسن (عليه السّلام) قد ثقل لسانه و أبطأ كلامه، فخرج النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) في عيد وخرج معه به، فقال (صلَّى الله عليه وآله): الله أكبر، يفتتح الصّلاة به، وقال (عليه السّلام): الله أكبر، فسُرَّ (صلَّى الله عليه وآله) بذلك، فلم يزل يكبّر والحسن عليه السّلام يكبّر حتّى كبّر سبعا فوقف الحسن عليه السّلام عند السابعة، فوقف صلَّى الله عليه وآله عندها، ثمّ قام (صلَّی الله عليه وآله) إلى الركعة الثّانية، فكبّر الحسن عليه السّلام فكبّر صلَّی الله عليه وآله حتّى بلغ صلَّی الله عليه و آله خمس تكبيرات فوقف الحسن عليه السّلام عند الخامسة، فصار ذلك سنة في تكبير صلاة العيدين)(2).

فهؤلاء الحجج لهم شأنهم عند الله وعند رسوله (صلى الله عليه وآله)، فكل شيء يصدر منهم يصبح حجةً على العالمين؛ ذلك لطاعتهم وقربهم وحبهم لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله).

وفي رواية أخرى يرويها جابر عن الباقر (عليه السلام) قال: دخل قوم على الحسين بن علي (عليه السلام) فقالوا: يا ابن رسول الله نرى في منزلك أشياء مكروهة - وقد رأوا في منزله بساطا ونمارق - فقال: إنما نتزوج النساء فنعطيهن مهورهن فيشترين بها

ص: 141


1- تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، ص 136
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب الا ج 3، ص 179

ما شئن ليس لنا منه شيء)(1).

فجابر من الصحابة الذين وصلوا إلى معرفة الكثير عن فضائل هذين السبطين ولا زال يتعلم منهم الكثير من خلال مرافقتهم.

المسألة الثانية: (نصرته لأبناء فاطمة علیها السلام)

بما أن جابراً كان يعرف الكثير من الأمور والأسرار عن أهل البيت، كان رضوان الله عليه عارفاً بما سوف يجري على أبناء فاطمة من ظلم و جور فقد سمع ذلك من رسول الله، فعن جابر قال: (خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخذا بيد الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال: إن ابنيّ هذين ربيتهما صغيرين، ودعوت لهما كبيرين، وسألت الله لهما ثلاثا فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة: سألت الله لهما أن يجعلهما طاهرين مطهرين زكيين فأجابني إلى ذلك، وسألت الله أن يقيهما وذريتهما وشيعتهما النار فأعطاني ذلك، وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما فقال: يا محمد إني قضيت قضاء وقدرت قدرا وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصاری والمجوس وسيخفرون ذمتك في ولدك، وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك ألا أحله محل کرامتي، ولا أسكنه جنتي، ولا أنظر إليه بعين رحمتي يوم القيامة)).

وبما أن زمن الإمام الحسن كان أكثره تقية فلم يكن للصحابة المقربين سوی السكوت والإصغاء إلى أمامهم وبهذه الطاعة كان دورهم.

فتلك الفترة كانت حرجة وصعبة، فالمؤمن من يتبع مولاه الحسن ولا يعترض عليه لأن في سكوت الإمام حفظ الدين وحفظ دماء شيعة امير المؤمنين، فهذا

ص: 142


1- مکارم الاخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 131

جابر ومنزلته ومكانته وعلمه إلا أنه لم يستوعب هذا الصلح بالكامل، ففي رواية عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فإنه قد كانت فيهم الأعاجيب، ثم أنشأ يحدث صلى الله عليه وآله فقال: «خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة لهم، وقالوا: لو صلينا فدعونا الله تعالى فأخرج لنا رجلا ممن مات نسأله عن الموت، ففعلوا، فبينما هم كذلك، إذ أطلع رجل رأسه من قبر، بين عينيه أثر السجود، فقال: يا هؤلاء، ما أردتم مني، لقد مت منذ عام، ما كان سكنت عني حرارة الموت، حتى كان الآن فادعوا الله أن يعيدني کما کنت).

قال جابر بن عبد الله: وقد رأيت وحق الله و حق رسول الله من الحسن بن علي عليهما السلام أفضل وأعجب منها، ومن الحسين بن علي عليهما السلام أفضل: وأعجب منها، أما الذي رأيته من الحسن عليه السلام فهو: أنه لما وقع عليه من أصحابه ما وقع، وألجأه ذلك إلى مصالحة معاوية، فصالحه، واشتد ذلك على خواص أصحابه، فكنت أحدهم فجئته فعذلته، فقال: «يا جابر، لا تعذلني، وصدق رسول الله في قوله: (إن ابني هذا سيد، وإن الله تعالى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) «.فكأنه لم يشف ذلك صدري فقلت: لعل هذا شيء يكون بعد وليس هذا هو الصلح مع معاوية، فإن هذا هلاك المؤمنين وإذلالهم، فوضع يده على صدري وقال: «شککت وقلت كذا، قال: «أتحب أن أستشهد رسول الله صلى الله عليه و آله الآن حتى تسمع منه؟! «فعجبت من قوله، إذ سمعت هدة، وإذا بالأرض من تحت أرجلنا انشقت، وإذا رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي وجعفر وحمزة عليهم السلام قد خرجوا منها، فوثبت فزعاً مذعورا، فقال الحسن: «یا رسول الله، هذا جابر، وقد عذلني بما قد علمت». فقال صلى الله عليه وآله لي: «يا جابر، إنك لا تكون مؤمنا حتى تكون لأئمتك مسلّما، ولا تكون عليهم برأيك معترضا، سلم لابني الحسن ما فعل، فإن

ص: 143

الحق فيه، إنه دفع عن حياة المسلمين الاصطلام بما فعل، وما كان ما فعله إلا عن أمر الله، وأمري». فقلت: قد سلمت یا رسول الله. ثم ارتفع في الهواء هو وعلي وحمزة وجعفر، فما زلت أنظر إليهم حتى انفتح لهم باب [من السماء] ودخلوها، ثم باب السماء الثانية، إلى سبع سماوات يقدمهم سیدنا و مولانا محمد صلى الله عليه وآله)(1).

فبعد هذه الآية التي رآها جابر من إمامه الحسن بن علي (عليهما السلام) كان يرى أن الإمام الحسن کان رشيداً في صلحه مع معاوية، فحينما أراد الإمام الحسين الخروج إلى العراق أتاه جابر، ففي رواية، قال جابر: (لما عزم الحسين بن علي (عليهما السلام) على الخروج إلى العراق أتيته فقلت له: أنت ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأحد سبطیه، لا أرى إلا أنك تصالح کما صالح أخوك الحسن، فإنه كان موفقا راشدا.

فقال لي: «يا جابر، قد فعل أخي ذلك بأمر الله وأمر رسوله، وإني أيضا أفعل بأمر الله وأمر رسوله، أتريد أن أستشهد لك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا وأخي الحسن بذلك الان؟ «ثم نظرت فإذا السماء قد انفتح بابها، وإذا رسول الله وعلي والحسن وحمزة وجعفر وزید نازلين عنها حتى استقروا على الارض، فوثبت فزعا مذعوراً. فقال لي رسول الله صلى الله عليه و آله: «يا جابر، ألم أقل لك في أمر الحسن قبل الحسين: لا تكون مؤمنا حتى تكون الأئمتك مسلّما، ولا تكن معترضا؟ أتريد أن ترى مقعد معاوية ومقعد الحسين ابني ومقعد یزید قاتله لعنه الله؟ قلت: بلی یا رسول الله. فضرب برجله الأرض فانشقت و ظهر بحر فانفلق، ثم ضرب فانشقت هكذا حتى انشقت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر، فرأيت من تحت ذلك كله النار، فيها سلسلة قرن فيها الولید بن مغيرة وأبو جهل ومعاوية الطاغية ويزيد، وقرن بهم مردة الشياطين، فهم أشد أهل النار عذابا . ثم قال صلى الله عليه وآله: «ارفع

ص: 144


1- الثاقب في المناقب، ص 306

رأسك «فرفعت، فإذا أبواب السماء متفتحة، وإذا الجنة أعلاها، ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معه إلى السماء، فلما صار في الهواء صاح بالحسين: «یا بني الحقني «فلحقه الحسين عليه السلام، وصعدوا حتى رأيتهم دخلوا الجنة من أعلاها، ثم نظر إلى من هناك رسول الله، وقبض على يد الحسين، وقال: «يا جابر، هذا ولدي معي هاهنا، فسلم له أمره، ولا تشك لتكون مؤمنا. قال جابر فعميت عيناي إن لم أكن رأيت ما قلت من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم(1).

فلا زال جابر يأخذ المواعظ والعبر من آل بيت النبي وتنكشف له أمور وأسرار كثيرة من خلال هذه الحجج، فكل حجة وله زمان، و لا يعرف تدبير زمانه الا حجة الله، لذا كان الحسنان يعلمان جيداً أن ما يقومان به هو الصواب، ولكن رغم ذلك حينما يناقشهم صحابي او محب لا يستاءان لأنهما يعلمان أن أغلب الناس وحتى الصحابة المقربون يجهلون الكثير من الأمور وإن سمعوا من رسول الله بعض الروايات عن ذلك.

فبعد ذلك تیقن جابر أن صلح الإمام كان هو القرار الصحيح وبه مرضاة لله، فبهذا الإصغاء قد نصر جابر مولاه الحسن بن علي.

وحينما سار الامام الحسين إلى العراق ووصل إلى كربلاء قطعوا عنه الطريق، فقام الحسين بنصحهم وتذكرتهم بأنه سبط رسول الله وأن قتله يعني قتل النبي وسألهم أن يرجعوا إلى رشدهم وأن يسألوا الصحابة الذين عاصروا النبي فكان أول من سألهم الرجوع اليه هو جابر بن عبد الله الأنصاري.

ففي رواية قال الإمام الحسين: (أما بعد: فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن

ص: 145


1- الثاقب في المناقب، ص 322

بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين المصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه، أوليس حمزة سيد الشهداء عمي، أوليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي، أو لم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سیدا شباب أهل الجنة؟! فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق، والله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم (من لو) سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!(1).

فالإمام الحسين (عليه السلام) جعل جابر شاهداً على ما سمعه من النبي في حقه، وما كان ذلك الا لنزاهته وأنه من الثقات لدى الإمام الحسين كذلك علم الإمام بأن جابراً سوف ينصره کما نصر جده وأباه وأخاه الإمام الحسن (عليه السلام).

وقد ذكر أن جابراً من جملة من لم يرتدوا بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام)(2).

فتلك الثورة العظيمة التي لا زال صداها يرتفع يوما بعد يوم وتلك التضحيات التي قدمها الإمام الحسين وأهل بيته وانصاره، جعلت في قلوب الموالين جمرة لا تطفأ أبداً، فكانت أول شرارة شبت من بين الموالين كانت في قلب جابر بن عبد الله فحينما سمع بمقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه، تجهز جابر لزيارة سيد الشهداء فوصل في أربعينية الإمام الحسين وكانت قافلة السبايا قد رجعت مع الامام زین العابدین فتلاقوا عند قبر الحسين، قال الكفعمي رحمه الله: (إنما سمیت بزيارة الأربعين، لأن وقتها يوم العشرين من صفر، وذلك لأربعين يوما من مقتل الحسين عليه السلام،

ص: 146


1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 97 - 98
2- ينظر، معجم رجال الحدیث، السيد الخوئي، ج 4، ص 331

وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب النبي (صلى الله عليه وآله) من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فكان أول من زاره من الناس، وفي هذا اليوم كان رجوع حرم الحسين (عليه السلام) من الشام إلى المدينة)(1).

وعن عطية العوفي، قال: (خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) زائرا قبر الحسين (عليه السلام) فلما وردنا کربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم أتزر بازار وارتدى بآخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى حتى إذا دنا من القبر قال ألمسنيه فألمسته إياه فخر على القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء فلما أفاق قال يا حسين ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه، ثم قال وأني لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك اشهد انك ابن خير النبيين وابن سيد المؤمنين و ابن حليف التقوى وسليل الهدی و خامس أصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النساء ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سید المرسلين ورُبِّيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان و فطمت بالاسلام فطبت حيا وطبت میتا غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في حياتك فعليك سلام الله ورضوانه واشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحیی بن زکریا، ثم جال ببصره حول القبر وقال السلام علیکم أيتها الأرواح التي حلت بفناء الحسين (عليه السلام) وأناخت برحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف و نهیتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى اتاكم اليقين، والذي بعث محمدا بالحق لقد شاركنا کم فیما دخلتم فيه، قال عطية فقلت لجابر فكيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم وأوتمت أولادهم

ص: 147


1- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، العلامة المجلسي، ج 9، ص 301

وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطية سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالحق إن نیتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليه السلام وأصحابه، قال عطية فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام فقلت يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام، فقال جابر لعبده انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلنا نلجأ إلى ملجأ وإن كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى قال فمضى العبد فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله، هذا زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته، فقام جابر يمشي حافي الاقدام مکشوف الرأس إلى أن دنا من زین العابدین علیه السلام، فقال الامام أنت جابر فقال نعم يا ابن رسول الله فقال: يا جابر ههنا والله قتلت رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا«ثم انفصلوا من کربلاء طالبين المدينة....)(1).

فكان لهذا الصحابي دوراً بارزا في إحياء زيارة الأربعين ورفع شعارها.

وهنا يعلمنا جابر آداب الزيارة فلو تتبعنا خطوات هذا الصحابي الذي شهد النبي والحجج الاطهار، كيف يزور سيده ومولاه أبا عبد الله الحسين، حيث اغتسل جابر وتعطر وبدأ يخطو بتلك الخطوات مع كل خطوة يذكر اسم الله فيها، ثم يذكر ما جرى على الحسين من مصاب، ولقربه من آل البيت كان متيقنا بأنه ممن شارك الحسين بمصابه ولو سمحت لجابر الظروف لفدى نفسه دون الحسين ولكنه شیخ كبير.

فجابر ومن كان معه في ذلك اليوم كانوا ممن يستحق أن يكونوا في ركاب الحسين

ص: 148


1- لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، ص 240 - 242

فذا جابر يقسم بالله ويقول (والذي بعث محمدا بالحق نبيا إن نیتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه)، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لبعض محبي آل البيت أدواراً فكان دور جابر هو إحياء هذه الشعيرة، ولأهمية هذه الزيارة نقف فيها على عدة نقاط:

1- الجانب الإعلامي:

تمثل هذه الزيارة ركيزة اعلامية مهمة في محاربة الباطل والدعوة إلى الاصلاح ولذلك حاربها جميع الطغاة لأنها تعارض منهجهم وقد شعروا بذلك منذ مقتل الحسين.

ورواية عطية توضح أن لعمر بن سعد زمراً يمنعون الناس من زيارة سيد الشهداء وهذا ما يتوضح لنا من كلامه رضوان الله عليه لخادمه (فقال جابر لعبده انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلنا نلجأ إلى ملجأ وإن كان زین العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى)(1).

وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال آخر وهو كيف علم جابر بقدوم الإمام زين العابدين حيث أن زين العابدین والنساء كانوا أُساري عند يزيد لعنه الله.

ص: 149


1- وكما كانوا يمنعون الناس في تلك الأزمنة فقد منع أحفادهم محبي آل البيت من زيارة الامام الحسين اعواما كثيرة، مثلما حارب النظام السابق هذه الشعيرة العظيمة الا أنه فشل بذلك، حيث وصل عدد زوار اربعينية الامام عشرين مليوناً أو أكثر بحسب الاحصائية فهنيئاً لمن اسس هذه الزيارة العظيمة، فالجهاد لا يقتصر على حمل السلاح، بل هنالك من يجاهد بإحيائه هذه الشعيرة واحیاء امر المآتم الحسينية فقد هزمنا ذلك الطاغية بفضل الحسين وتلك المآتم، فكان سلاحنا في ذلك الحين تلك الشعائر، فعلى الرغم من التعذيب إلا أن اصرارنا على احياء تلك الشعائر كان سبب فوزنا واهلاك الطاغية

فهل كان جابر يتطلع اخبارهم؟ أم أن لجابر علم مسبق بأن هذه الزيارة تتطلب حضور معصوم کي تصبح هذه شعيرة من شعائر الله، فكل هذه أسرار، و حتی قدومه للحسين كيف علم جابر موضع قبر الحسين ولم يشهد الواقعة وكان جابر أول زائر للحسين بحسب الروايات، فمن المؤكد أن لجابر علم مسبق بموضع قبر الحسين كما كان له علم بمصرعه، لأن الأنبياء والأئمة كانوا يعلمون موضعه منذ القدم وقد أنبأهم بذلك العلي القدير وبما أن جابراً من المقربين وله معرفة بجميع المعصومين فهو يعرف موضع قبر الحسين ولا شك في ذلك.

ولعل جابر كان يتجهز لهذه الزيارة منذ رحيل الإمام الحسين إلى العراق لأنه أيقن بعد ملاقاته الإمام أن الحسين سوف يقتل لا محالة، كذلك إخبار النبي لأم سلمة عن مقتل الحسين والقارورة التي اعطاها اليها كل هذه دلائل وعلامات واضحة، وبما ان جابراً من المترددين على أم سلمة فلا شك أن ام سلمة أخبرته بمصرع الحسين، لكي يصل جابر إلى الحسين في يوم اربعینیته لأن المسافة تحتاج إلى مسير مايقارب شهر وعدة ايام ليصل إلى كربلاء، فهذه الزيارة مخطط لها من الله لتكون ثورة ضد الظلم والجور ولعل جابراً كان مكلفاً بذلك كونه صحابي مقرباً فلکل صحابي دور، و دور جابر هو إحياء هذه الشعيرة.

نعود إلى هذه النقطة المهمة وهي الجانب الاعلامي فالإمام الحسين أراد بهذه التضحية أن يُري العالم مدى ضلالة هؤلاء الحكام وكيف كانوا يتوارثون هذا الحكم من فاسد إلى فاسد حتى وصل بهم الأمر أنهم يقتلون خيار الخلق ولا يبالون، بل وصلت بهم الدناءة بقتل النساء والأطفال وانتهاك حرمة بيت الله الحرام، فهذه الوقفة الحسينية قد أحيت نفوس الناس وزرعت في قلوبهم القوة و جعلتهم يرفضون الظلم والجور، فالحسين لم يصطحب النساء والاطفال بلا سبب، بل اصطحبهم کي يفضح بهم هذه الحكومة الظالمة، فبهم بانت مظلومية الإمام أكثر، وبهم عظمت

ص: 150

الواقعة فهذا الجانب الاعلامي الذي قام به الامام الحسين في الطف كان سبباً في خلود الدين، فأخذ السبايا وعودتهم في زيارة الاربعين وملاقاة جابر ومن معه، أحدثت ضجة عظيمة بين الناس فهبت الثوار وبدأ حكم بني سفيان بالانهيار فمنذ ذلك الحين ولهذا اليوم تستمر هذه الشعيرة بل تزداد يوما بعد يوم.

2- من علامات المؤمن؛

ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) مجموعة من العلامات التي يتميز بها المؤمن منها ما جاء عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: (علامات المؤمن خمس: صلاة احدى والخمسين وزيارة الأربعين، والتختم باليمين وتعفير الجبين، والجهر بسم الله الرحمن الرحيم)(1).

فعلى المؤمن أن يؤدي هذه الزيارة العظيمة إن استطاع، فعن صفوان بن مهران الجمال قال: (قال لي مولاي الصادق (عليه السلام) في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار وتقول السلام على ولي الله وحبيبه السلام على خليل الله ونجيبه السلام على صفي الله وابن صفیه السلام على الحسين المظلوم الشهيد السلام على أسير الكربات و قتیل العبرات اللهم إني أشهد أنه وليك وابن وليك وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة و حبوته بالسعادة واجتبيته بطيب الولادة وجعلته سيدا من السادة وقائدا من القادة وذائدا من الذادة وأعطيته مواریث الأنبياء وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء فأعذر في الدعاء ومنح النصح وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة، وحيرة الضلالة وقد توازر عليه من غرّته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى وشری آخرته بالثمن الأوكس وتغطرس وتردي في هواه وأسخط نبيك وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين النار

ص: 151


1- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 195

فجاهد فيك صابرا محتسبا حتى سفك دمه و استبيح حرمه اللهم فالعنهم لعنا وبيلا وعذبهم عذابا أليما.

السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن سيد الأوصياء .... الخ)(1).

وكان الإمام الصادق (عليه السلام)، يترحم على تلك الوجوه التي غيرتها حرارة الشمس ويدعو لهم، فعن معاوية بن وهب قال: (استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقيل لي: أدخل فدخلت فوجدته في مصلّاه في بيته فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: «يا من خصنا بالكرامة وخصنا بالوصية ووعدنا الشفاعة وأعطانا علم ما مضى وما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني ولزوار قبر أبي [عبد الله] الحسين (عليه السلام) الذي أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه و آله وإجابة منهم لأمرنا وغيظا أدخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذي خلفوا بأحسن الخلف واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد و كل ضعيف من خلقك أو شديد و شر شياطين الإنس والجن وأعطهم أفضل من أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم، اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا وخلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد الله (عليه السلام) وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتی نوافيهم على الحوض يوم العطش «فما زال وهو ساجد يدعو بهذا الدعاء فلما انصرف قلت: جعلت فداك لو أن

ص: 152


1- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 14، ص 1581

هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله لظنت أن النار لا تطعم منه شيئا والله لقد تمنيت أن کنت زرته ولم أحج، فقال لي: ما أقربك منه فما الذي يمنعك من إتيانه، ثم قال: يا معاوية لم تدع ذلك؟ قلت: جعلت فداك لم أدر أن الأمر يبلغ هذا كله. قال: يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض)(1).

فجابر صحابي يعرف منزلة الحجج ومنزلة الشيعة عند الله، ومن وصايا جابر العطية بعد انصرافه من زيارة سيد الشهداء قال عطية (... فقال لي: يا عطية هل أوصيك وما أظن أنني بعد هذه السفرة ملاقيك أحبب محب آل محمد صلى الله عليه وآله ما أحبهم، و أبغض مبغض آل محمد ما أبغضهم، وإن كان صواما قواما، وأرفق بمحب آل محمد فإنه إن تزل قدم بكثرة ذنوبهم ثبتت لهم أخرى بمحبتهم، فإن محبهم يعود إلى الجنة، ومبغضهم يعود إلى النار)(2).

و جابر لا يتكلم بشيء إلا بكلام قد سمعه من معصوم لذا كان جابر يعلم أن محب آل البيت إذا أخطأ هنالك من يرده إلى الحق فلطالما هنالك في قلب الانسان، حب علي واهل بيته لا بد من وجود نور في قلب الإنسان، فهذا النور يضيء له طريقه وهذه من خصائص الشيعة.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن الله (عز وجل) خلقني و عليا وفاطمة والحسن والحسين من نور، فعصر ذلك النور عصرة فخرج منها شيعتنا، فسبحنا فسبحوا، و قدسنا فقد سوا، وهللنا فهللوا، ومجدنا فمجدوا ووحدنا فوحدوا، ثم خلق السماوات والأرضين وخلق الملائكة، فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا، فسبحنا فسبحت

ص: 153


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 4، ص 582 - 583، ح 11
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 65، ص 131

شیعتنا فسبحت الملائكة)(1).

فمن هذه الرواية نفهم أن شيعة أمير المؤمنين أفضل من الملائكة لأنهم سبقوا الملائكة بالتسبيح فلذا نجد جابر يوصي عطية بحب الشيعي لأنه يعرف منزلته وفضله عند الله.

ص: 154


1- کشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي، ج 2، ص 85

المبحث الثالث (علاقته بالإمامين السجاد والباقر (علیهما السلام)، وموقفه مع حكام عصره)

بعد ذلك الموقف المشرف الذي وقفه جابر مع الامام السجاد ونصرته للإمام الحسين (عليه السلام) في زيارة الأربعين فمنذ ذلك الحين بدأ جابر يتردد على الإمام زین العابدين حيث أن في عاتق هذا الصحابي أمانة لرسول الله يجب أن يوصلها لهذا البيت الطاهر وهي ابلاغه سلام رسول الله للإمام الباقر (عليه السلام)، ففي هذا المبحث سنبين ثلاث مسائل مهمة وهي:

أولاً: علاقته بالإمامين السجاد و الباقر (عليهما السلام).

ثانياً: ایصال سلام رسول الله للإمام الباقر (عليه السلام).

ثالثاً: موقفه من الحكام الذين غصبوا حق آل البيت (عليهم السلام).

المسألة الأولى: (جابر وعلاقته بالإمام السجاد علیه السلام)

بعد مقتل الإمام الحسين وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، لم يبقَ من آل البيت سوى الإمام علي السجاد والإمام الباقر من أبناء فاطمة، ومحمد ابن الحنفية بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)، فكان جابر يتردد على الإمام السجاد (عليه السلام) کما عهدناه في تلك الأزمنة كتردده على النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، فهذا الصحابي - کما قلنا - منقطع لأهل البيت بشهادة الإمام الباقر، فجابر الأنصاري كان الوحيد في المدينة من يعرف قدر الإمام علي السجاد، ففي رواية يرويها جابر توضح لنا ذلك، قال جابر: (كنت بالمدينة وقد

ص: 155

ولاها مروان بن الحكم من قبل یزید بن معاوية، وكان شهر رمضان، فلما كان في آخر ليلة منه أمر مناديه أن ينادي في الناس بالخروج إلى البقيع لصلاة العيد، فغدوت من منزلي اريد إلى سيدي علي بن الحسين (عليه السلام) غلسا فما مررت بسكة من سكك المدينة إلا لقيت أهلها خارجين إلى البقيع فيقولون: إلى أين تريد يا جابر؟ فأقول إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أتيت المسجد فدخلته فما وجدت فيه إلا سيدي علي بن الحسين (عليهما السلام) قائما يصلي صلاة الفجر وحده، فوقفت وصليت بصلاته فلما أن فرغ من صلاته سجد سجدة الشكر، ثم إنه جلس يدعو وجعلت أؤمن على دعائه، فما أتى إلى آخر دعائه حتی بزغت الشمس)(1).

فكان جابر الوحيد من بين الناس يصلي خلف حجته وهذا التوفيق لا يكون إلا لسلامة النية والاخلاص، مع المعرفة بهذه العترة الطاهرة، فكان يستمع لدعائه وينظر لعبادته ويقلده الدعاء ولقربه من هذا البيت كانت فاطمة بنت أمير المؤمنين (عليها السلام)، تحدثه بأن يتكلم مع الإمام السجاد كي يرحم نفسه من كثرة العبادة ففي رواية عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): (أن فاطمة بنت علي بن أبي طالب لما نظرت إلى ما يفعل ابن أخيها علي بن الحسين بنفسه من الدأب في العبادة، أتت جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري، فقالت له: يا صاحب رسول الله، إن لنا علیکم حقوقا، ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين، قد انخرم أنفه، وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه دأبا منه لنفسه في العبادة. فأتی جابر بن عبد الله باب علي بن الحسين (عليهما السلام)، وبالباب أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام) في أغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك، فنظر جابر إليه مقبلا، فقال: هذه مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسجيته، فمن أنت يا غلام؟ قال:

ص: 156


1- الصحيفة السجادية، الامام زین العابدین، ص 309

فقال: أنا محمد بن علي بن الحسين، فبکی جابر بن عبد الله (رضي الله عنه). ثم قال: أنت والله الباقر عن العلم حقا، أدن مني بأبي أنت وأمي، فدنا منه فحل جابر أزراره ووضع يده في صدره فقبله، وجعل عليه خده و وجهه، وقال له: أقرئك عن جدك رسول الله (صلى الله علیه و آله) السلام، وقد أمرني أن أفعل بك ما فعلت، وقال لي: يوشك أن تعيش وتبقى حتى تلقى من ولدي من اسمه محمد يبقر العلم بقرا. وقال لي: إنك تبقى حتی تعمی ثم يكشف لك عن بصرك.

ثم قال لي: ائذن لي على أبيك، فدخل أبو جعفر على أبيه فأخبره الخبر، وقال: إن شیخا بالباب، وقد فعل بي کیت و کیت، فقال: يا بني ذلك جابر بن عبد الله . ثم قال: أمن بين ولدان أهلك قال لك ما قال و فعل بك ما فعل؟ قال: نعم إنا لله، إنه لم يقصدك فيه بسوء، ولقد أشاط بدمك.

ثم أذن لجابر، فدخل عليه فوجده في محرابه، قد أنضته العبادة، فنهض علي (عليه السلام) فسأله عن حاله سؤالا حفيا، ثم أجلسه بجنبه، فأقبل جابر عليه يقول: يا بن رسول الله، أما علمت أن الله (تعالى) إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداکم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ قال له علي بن الحسين (عليهما السلام): یا صاحب رسول الله، أما علمت أن جدي رسول الله (صلى الله علیه و آله) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يدع الاجتهاد له، وتعبد - بأبي هو وأمي - حتى انتفخ الساق وورم القدم، و قيل له: أتفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: أفلا أكون عبدا شكورا.

فلما نظر جابر إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) وليس يغني فيه من قول يستميله من الجهد والتعب إلى القصد، قال له: يا بن رسول الله، البقيا على نفسك، فإنك لمن أسرة بهم يستدفع البلاء، وتستكشف اللأواء، وهم تستمطر السماء. فقال: يا جابر، لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما (صلوات الله عليهما) حتى ألقاهما؟ فأقبل جابر

ص: 157

على من حضر فقال لهم: والله ما أرى في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب (عليهما السلام)، والله لذرية علي بن الحسين (عليهما السلام) أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب، إن منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.)(1).

فهنيئاً لجابر هذه العلاقة الطيبة مع كرام الخلق وهذه الثقة التي نالها من آل البيت فهذا الرجل الغيور كانت مخدرات بني هاشم تناديه ياعم وتحدثه وما ذلك إلا لنزاهته وعظيم شأنه عند الله وأنه منهم كما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنت منا لذا كان بنو هاشم يعتبرون جابراً منهم.

ونجد أن جابراً مطّلعٌ على أحوال الأنبياء والمعصومين ويعرف منازلهم ومقاماتهم عند الله فكان رضوان الله عليه يفضل ذرية حجج الله على ذراري الأنبياء، فهذه العقيدة وهذا الایمان وهذه المعرفة بآل البيت بنيت على اساس طیب طاهر منذ عهد النبي حتى وصوله إلى الإمام الباقر.

وفي هذه الرواية قد ذكر موقف له مع الإمام الباقر ولكن سوف نفرد لهذا الموقف مسألة خاصة وهي لقاؤه مع الإمام الباقر.

وبما أنه من الرواة المشهورين فقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) يذكره بأحاديث النبي وما ورد عنه (صلى الله عليه و آله) عن يوم الغار، فعن عبد الله، عن الحسين بن موسی بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي بن الحسين (صلوات الله عليهم) قال لما لقيه جابر بن عبد الله الانصاري برسالة جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى ابنه محمد الباقر، قال له علي بن الحسين: يا جابر کنت شاهدت جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) يوم الغار؟ قال جابر لا يا ابن بنت رسول الله، قال: اذن احدثك يا جابر، قال جابر:

ص: 158


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 636 - 637

حدثني فداك أبي وأمي، فقد سمعته من جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما هرب إلى الغار من مشركي قريش حين كبسوا داره لقتله قال: اقصدوا فراشه حتى نقتله فيه، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه): يا اخي ان مشركي قريش يكبسوني في داري هذه الليلة في فراشي فما أنت صانع يا علي. قال له امير المؤمنين أنا أضطجع یارسول الله في فراشك وتكون خديجة في موضع من الدار، واخرج واصحب الله حيث تأمن على نفسك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فديتك يا ابا الحسن اخرج لي ناقتي العضباء حتى أركب عليها واخرج إلى الله تعالى هاربا من مشركي قريش و افعل بنفسك ما تشاء، والله خليفتي عليك وعلى خديجة فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راکبا ناقته العضباء وسار وتلقاه جبرئیل (عليه السلام) فقال له: یا رسول الله ان الله أمرني أن أصحبك في مسيرك و في الغار الذي تدخله وارجع معك إلى المدينة إلى أن تنيخ ناقتك بباب أبی ایوب الأنصاري (رضي الله عنه). فتلقاه أبو بكر، فقال له يا رسول الله أصحبك، فقال: ويلك يا ابا بكر أريد أن لا يشعر بي احد، فقال يا رسول الله اخشى أن يستحلفني المشركون على لقائي إياك ولا أجد بدا، من صدقهم، فقال له (عليه السلام): ويحك يا ابا بكر، وكنت فاعلا ذلك؟ فقال له: كنت افعل لئلا اكذب واقتل، فقال له (عليه السلام): فما صحبتك إياي بنافعتك، فقال له أبو بكر ولكنك تستغشني وتخشى أن أنذر بك المشركين، فقال له (عليه السلام) سر إذا شئت فتلقاه الغار فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ناقته و أبرکھا بباب الغار ودخل ومعه جبریل (عليه السلام) وأبو بكر، وقامت خديجة في جانب الدار باكية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واضطجع علي على فراش رسول الله يقيه بنفسه، ووافي المشركون الدار ليلا فتساوروا عليها ودخلوها و قصدوا إلى الفراش فوجدوا أمير المؤمنين (عليه السلام) مضطجعا فيه، فضربوا بأيديهم إليه وقالوا: يا ابن ابي كبشة لم ينفعك سحرك ولا خدمة الجن لك اليوم نسقي اسلحتنا من دمك.

ص: 159

فنهض امير المؤمنين (عليه السلام) ليريهم أنهم لم يصلوا إليه، و جلس في الدار وقال: یا مشركي قريش انا علي بن أبي طالب، قالوا له: وأين محمد یا علي؟ قال: حيث يشاء الله، قالوا: فمن في الدار؟ قال ما فيها الا خديجة، قالوا: الحسيبة النسيبة لولا تبعلها بمحمد یاعلي واللات والعزى لولا حرمة ابيك وعظم محله في قريش لأعملنا اسيافنا فيك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): یا مشركي قريش اعجبتكم كثرتكم، وفالق الحبة وبارئ النسمة ما يكون الا ما يريد الله تعالى، ولو شئت ان افني جمعكم لكنتم أهون عليَّ من فراش السراج فلا شيء اضعف منه. فتضاحك المشركون وقال بعضهم لبعض: خلوا عليا لحرمة ابيه واقصدوا الطلب إلى محمد، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار وهو وجبریل (عليه السلام) و ابو بکر معه فحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على خديجة فقال جبریل (عليه السلام): (لا تحزن ان الله معنا) ثم كشف له (عليه السلام) فرأى عليا وخديجة (عليهما السلام) ورأي سفينة جعفر بن ابي طالب (عليه السلام) ومن معه تعوم في البحر، فانزل الله سكينته على رسوله وهو الأمان مما خشيه على علي وخديجة، فانزل الله (ثاتي اثنين) یرید جبریل (عليه السلام) ورسول الله (إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه) ولو كان الذي حزن أبو بكر لكان أحق بالأمن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يحزن. ثم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأبي بكر: يا أبا بكر اني أرى عليا و خديجة ومشركي قريش وخطابهم له وسفينة جعفر بن ابي طالب ومن معه تعوم في البحر وأرى الرهط من الانصار مجلبين في المدينة، قال أبو بكر: وتراهم یا رسول الله في هذه الليلة، وفي هذه الساعة، وأنت في الغار، وفي هذه الظلمة، وما بيننا وبينهم من بعد المدينة؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني أريك يا ابا بکر ما رأيت حتى تصدقني ومسح يده على بصره فقال له: انظر إلى سفينة جعفر، كيف تعوم في البحر، فنظر أبو بكر إلى الكل من مشركي قريش وعلي على الفراش و خطابه لهم، وخديجة في جانب الدار، ففزع ورعب وقال يا رسول

ص: 160

الله لا طاقة لي بالنظر إلى ما رأيته فرُدَّ علي غطائي فمسح يده على بصره فحجب عما رآه واخذته رهقة شديدة حتى أحدث اثني عشرة حفيرة. وروي أنه كان في الغار صدع و ثلمة يدخل منها ضياء النهار، فوضع أبو بکر کعبه فيه لسده فنهشته افعی في عقبه ولم تسمه ففزع و أحدث في الحفرة، وليس هذا صحيحا بل الاول اصح في الاحداث. وقصد المشركون في الطلب لقفو أثره حتى جاؤوا إلى باب الغار ونظروا إلى مبرك الناقة ولم يروها، وقالوا: هذا أثر ناقة محمد و مبرکها في باب الغار فدخلوا فوجدوا على باب الغار نسج العنكبوت قد أظله، فقالوا: يا ويلكم ما ترون إلى نسج هذا العنكبوت على باب الغار فكيف دخله محمد؟ فصدهم الله عنه ورجعوا و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار وهاجر إلى المدينة وخرج أبو بكر فحدث المشركين بخبره مع رسول الله وقال لهم لا طاقة لكم بسحر محمد وقصص يطول شرحها. قال جابر بن عبد الله الأنصاري هكذا والله يا ابن رسول الله حدثني جدك ما زاد حرفا ولا نقص حرفا)(1).

فهذا الرواية تؤكد على أن أهل البيت (عليهم السلام) هم ورثة النبوة وأنهم أبواب علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن كلامهم الصدق ومنهجهم العدل، وجابر يشهد لهم بذلك بأنهم لا يزيدون على النبي بالقول ولا ينقصون من كلامه شيء.

فهذه العلاقة التي بناها جابر مذ كان عمره الشريف ثمانية عشر عاماً حتى بلغ التسعين من عمره صار جابر من الصحابة المشهور ذكرهم والمرفوع قدرهم بين الناس، قال تعالى: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»(2).

ص: 161


1- الهداية الكبرى، ص 82 - 85
2- المنافقون: 8

فجابر أحد الصحابة المؤمنين الذين أرادوا العزة فأعزه الله فكان جابر ذا منزلة رفيعة عند آل البيت كذلك له مكانة مشرفة بين الناس وتكفي منزلته عند ال بيت الرحمة فهذه وحدها مكرمة من الله.

وكما شهد جابر لرسول الله و أمير المؤمنين والحسنين معاجز كثيرة فقد شهد لعلي بن الحسين معاجز مشابهة كتكليم الحيوانات وغيرها من الآيات الأخرى، فقد روي عنه رضوان الله عليه، قال: (بينا علي بن الحسين مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت حذاه و صوتت فقال بعض القوم یابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما تقول هذه الظبية قال يزعم أن فلان القرشي اخذ خشفها بالأمس وانها لم ترضعه من أمس شيئا فبعث إليه علي بن الحسين (عليه السلام) ارسل إلى بالخشف فلما رأت صوتت وضربت بيديها ثم أرضعته قال فوهبه علي بن الحسين (عليه السلام) لها وكلمها بكلام نحوا من كلامها وانطلقت في الخشف معها فقالوا يا بن رسول الله (صلى عليه و آله) ما الذي قال: قال: دعت الله لكم وجزاكم بخير)(1).

فلا زال جابر يرافق خيار الخلق حتى في هذا العمر لذا عده النبي منهم.

ص: 162


1- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)، ص 370

المسألة الثانية: (جابر ولقاءه بالإمام الباقر علیه السلام)

كان جابر بن عبد الله يتشوق لهذا اللقاء منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث أخبره النبي بهذا اليوم وهي بشارة عظيمة، فهذا هو باقر العلم وخامس الحجج الأطهار سوف يشهده جابر فكان رضوان الله عليه يقف في سكك المدينة وينادي يا باقر العلم یا باقر العلم حتى قالوا أن جابراً يهجر.

واخيراً جاء اليوم الذي يلتقي فيه جابر بالإمام الباقر في بيت الامام السجاد، فعن جابر بن یزید الجعفي قال: (سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله (عز وجل) على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، قلت «يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (عليه السلام): هم خلفائي یا جابر، وأئمة المسلمين (من) بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدرکه یا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسی بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال عليه السلام: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب، یا جابر هذا من مكنون سر الله، ومحزون علمه، فاكتمه إلا عن أهله.

قال جابر بن یزید: فدخل جابر بن عبد الله الأنصاري على على بن الحسين (عليهما السلام) فبينما هو يحدثه إذ خرج محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) من عند نسائه

ص: 163

وعلى رأسه ذؤابة وهو غلام فلما بصر به جابر ارتعدت فرائصه، و قامت كل شعرة على بدنه ونظر إليه مليا، ثم قال له: يا غلام أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ورب الكعبة، ثم قام فدنا منه، فقال له: ما اسمك يا غلام؟ فقال: محمد قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين، قال: يا بني فدتك نفسي فأنت إذا الباقر؟ فقال: نعم، ثم قال: فأبلغني ما حملك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال جابر: يا مولاي إن رسول الله صلى الله عليه و آله بشرني بالبقاء إلى أن ألقاك وقال لي: إذا لقيته فأقرئه (مني السلام)، فرسول الله يا مولاي يقرأ (عليك السلام)، فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا جابر على رسول الله السلام ما قامت السماوات والأرض، و عليك يا جابر کما بلغت السلام، فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلم منه فسأله محمد بن علي (عليهما السلام) عن شيء فقال له جابر: والله ما دخلت في نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أخبرني أنكم أئمة الهداة من أهل بيته من بعده أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا، وقال: «لا تعلموهم فهم أعلم منكم «فقال أبو جعفر عليه السلام: صدق جدي رسول الله صلى الله عليه و آله، إني لأعلم منك بما سألتك عنه ولقد أوتيت الحكم صبيا كل ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت)(1).

فمعرفة جابر بالحجج کانت منذ عهد النبي وتلك الأسئلة التي يوجهها للنبي كان لها الدور الكبير في معرفته بأسرارهم وجميع أمورهم.

فرغم تلك الظروف الصعبة والأيام المؤلمة التي عاشها جابر بعد واقعة كربلاء إلا أن هذا اليوم هو يوم يُسَرُ به جابر لأنه پری نسل الحسين (عليه السلام) و فروع تلك الشجرة المحمدية تتوارث الجمال والكمال والعلم من هاشمي إلى هاشمي، فلا تستطيع الطغاة أن تقلع هذه العروق الأصيلة وهذا الأمر يَسر جابر ويسر كل موالٍ شریف.

ص: 164


1- کمال الدین و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 253 - 254، ح 3

فكانت فرائص جابر ترتعد حينما ينظر للإمام الباقر، فتلك الحقبة الطويلة التي عاشها مع الحجج كان لها الدور الكبير في معرفة فضلهم ومكانتهم، فكل ما سمعه جابر من النبي قد تحقق فكيف لا يكون بهذا المستوى الإيماني، فعن محمد بن مسلم وزرارة، قالا: (سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن أحاديث فرواهاعن جابر، فقلنا: مالنا ولجابر؟ فقال: بلغ من ایمان جابر أنه كان يقرأ هذه الآية «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»(1).

فهذا الإيمان انبني على أساس طيب فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من زرع تلك البذرة الايمانية ومن ثم سقيت بفاطمة وعلي حتى أثمرت بأبنائهم فصار جابر من المؤمنين وبلغ من ایمانه من يشهد بحقه الائمة المعصومون، فحينما يقول باقر العلم أن جابراً مؤمن فهذا الامر يلفت الانتباه کون حجة من حجج الله يتحدث عن ایمان جابر.

وللإمام الباقر كرامة خصها الله بها دون سائر الحجج وهي أن النبي أرسل له سلاماً خاصاً بيد هذا الصحابي فكان هذا السلام تكريماً للإمام الباقر، وكذلك هي کرامة لجابر ايضاً.

فعن فليح بن أبي بكر الشيباني، قال: (والله إني لجالس عند علي بن الحسين وعنده ولده إذ جاءه جابر بن عبد الله الأنصاري فسلم عليه، ثم أخذ بيد أبي جعفر عليه السلام فخلا به، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أني سأدرك رجلا من أهل بيته يقال له: محمد بن علي يكنى أبا جعفر، فإذا أدركته فأقِرأه مني السلام، قال: ومضى جابر ورجع أبو جعفر (عليه السلام) فجلس مع أبيه علي بن الحسين عليهما السلام وإخوته فلما صلى المغرب قال علي بن الحسين لأبي جعفر (عليه السلام): أي

ص: 165


1- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 234، ح 91

شيء قال لك جابر بن عبد الله الأنصاري؟ فقال: قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: إنك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه محمد بن علي يكنى أبا جعفر فأقرأه مني السلام، فقال له أبوه: هنيئا لك يا بني ما خصك الله به من رسوله من بين أهل بيتك...)(1).

وعن هشام بن سالم قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (إن لأبي مناقب ليست لأحد من آبائي إن رسول الله (صلى الله علیه و آله) قال لجابر بن عبد الله: إنك تدرك محمدا ابني فأقرأه مني السلام فأتی جابر علي بن الحسين عليه السلام فطلبه منه، فقال: نرسل إليه فندعوه لك من الكتاب، فقال: أذهب إليه فأتاه فأقرأه السلام من رسول الله وقبّل رأسه والتزمه فقال: وعلى جدي السلام، و عليك يا جابر، قال: فسأله جابر أن يضمن له الشفاعة يوم القيامة، فقال له: أفعل ذلك يا جابر)(2).

وهذه ايضا من الخصائص التي اختص بها جابر، فهذا الصحابي شهد في حياته الكثير من الكرامات كونه عاصر خيار الخلق وهنا يضمن جابر شفاعة الإمام، فهذه مکرمة عظيمة لمن يعرف معنى الشفاعة، وجابر من المؤمنين بأن النبي وأهل البيت يشفعون وهذه العقيدة قد بنيت منذ عهد النبي، فعن طلق بن حبيب قال: (كنت من أشد الناس تكذيبا بالشفاعة حتى لقيت جابر بن عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار فقال: یا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله مني؟ إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوبا فعذبوا ثم أخرجوا منها ثم أهوى بيديه إلى أذنيه فقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «يخرجون من النار بعد ما دخلوا«ونحن

ص: 166


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 304
2- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 4، ص 228

نقرأ كما قرأت)(1)، فجابر من قراء القرآن ومن أخذ من النبي هذه السنن.

ولهذا البيت الطاهر منزلة عظيمة أيضا من نساء ورجال فهم أهل بيت النبوة ومختلف الوحي، ففي رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام انه تزوج أبو محمد علي بن الحسين بأم عبد الله بنت الحسن بن علي عمه (عليه السلام) وهي أم أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) فكان يسميها الصديقة ويقول لم يدرك في الحسن امرأة مثلها)(2).

وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (كانت أمي أم عبد الله بنت الحسن (عليه السلام) جالسة عند جدار فتصدع الجدار فقالت: بیدها لا وحق المصطفی ما اذن لك الله في السقوط حتى أقوم فبقي معلقا حتى قامت وبعدت ثم سقط فتصدق علي بن الحسين (عليهما السلام) بمائة دينار.

وفي رواية سأل الإمام الباقر جابر بن عبد الله عن ذلك اللوح الذي رآه بيد أمه فاطمة، فعن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبي محمد جابر بن عبد الله الأنصاري: إن لي إليك حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ قال له جابر: في أي وقت شئت يا سيدي فخلا به أبي في بعض الأيام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي أمي فاطمة صلوات الله عليها وما أخبرتك أمي أنه مكتوب في اللوح؟ فقال جابر: اشهد بالله أني دخلت على فاطمة أمك صلوات الله عليها في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فهنيتها بولادة الحسين عليه السلام، فرأيت في يدها لوحا «أخضر، فظننت أنه من زمرد، ورأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأبي أنت وأمي ما هذا اللوح؟ قالت: هذا لوح أهداه الله تبارك و تعالى إلى رسول الله صلى الله علیه و آله فيه اسم أبي

ص: 167


1- تفسير القرآن العظيم، (تفسیر ابن کثیر)، ج 2، ص 57
2- الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، ص 240

واسمي واسم بعلي واسم ابنيَّ وأسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليسرني به، قال جابر: فأعطتنيه أمك فقرأته واستحسنته فقال أبي عليه السلام: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال: نعم، فمشى معه أبي حتى أتی منزل جابر فأخرج أبي من كمه صحيفة من رق فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك فنظر في نسخته فقرأه عليه فما خالف حرف حرفا، فقال جابر اشهد بالله أني كذا رأيته في اللوح مکتوبا»:

[بسم الله الرحمن الرحيم]

هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نبیه وسفيره وحجابه و دلیله نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظِّم یا محمد صلى الله عليه و آله أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لا إله إلا أنا، قاصم الجبارين و مديل المظلومين ودیان يوم الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذابا «لا أعذب به أحدا من العالمين، فإياي فاعبد وعليّ فتوكل، إني لم أبعث نبيا «قط فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا وجعلت له وصيا» وقد فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيك الحسن والحسين، فجعلت حسنا «معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه»، وجعلت حسينا «خازن وحيي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء عندي درجة، جعلت كلمتي التامة معه و حجتي البالغة عنده، بعترته أثيب وأعاقب، أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الراد علیه کالراد علي، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبت بعده موسى وأتيحت فتنة عمياء صماء حندس لأن خيط فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وإن أوليائي يسقون بالكأس الأوفي، ألا ومن جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي وويل للمكذبين الجاحدين بعد انقضاء

ص: 168

مدة موسی عبدي وحبيبي وخيرتي، فإن المكذب لأحدهم المكذب لكل أوليائي، وعلي وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمتحنه بالاضطلاع بها يقتله عفریت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شر خلقي لأقرَّن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده و وارث علمه فهو معدن علمي و موضع سري و حجتي على خلقي، جعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين ألفا من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار، وختمت بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين عليه کمال موسی و بهاء عیسی و صبر أيوب، سيذل أوليائي في زمانه و تتهادى رؤوسهم کما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون و يحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنة في نسائهم، هؤلاء أوليائي حقا، بهم أدفع كل بلية وفتنة عمياء حندس، وهم أكشف الزلازل وأدفع الآصار والأغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة وأولئك هم المهتدون. قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك، فصنه إلا عن أهله)(1).

فهذا التفصيل الكامل عن الأئمة أعطى لجابر مفهوماً كبيراً عن الحجج فجابر مؤمن بهم جميعاً وإن لم يدركهم جميعهم لكنه يعلم جيداً هم أبواب علم الله وهم اثنا عشر حجة بهم تقوم السماء وتخضر الارض وهم استمرارية الحياة فلولاهم لساخت الارض.

وفي الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله وهو معتجر بعمامة سوداء وكان ينادي يا

ص: 169


1- الاختصاص، الشيخ المفيد، ص 210 - 212

باقر العلم، یا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقرا، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول، قال: فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كتاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله والذي نفسي بيده، یا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين، فأقبل عليه يقبل رأسه ويقول: بأبي أنت وأمي أبوك رسول الله صلى الله عليه وآله يقرئك السلام ويقول ذلك....)(1).

فالإمام الصادق (عليه السلام) يؤكد لنا أن جابر الانصاري (رضوان الله عليه) كان أخر صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) لذا أودعه النبي هذه الأمانة وهي ايصال سلامه إلى الامام الباقر (عليه السلام) وهذه أحدى معاجزه (صلوات الله وسلامه عليه) في أخباره بالغيبيات.

ومن خلال مجالسته للإمامين السجاد و الباقر (عليهما السلام) زاد علمه حتی صار جابر في اخر الزمان مفتي المدينة فكانوا يسألونه عن الكثير من الأمور فيجيبهم ففي رواية عن أبي عبيدة أنه قال: سألت جابر بن عبد الله عن المسح على العمامة، فقال: (أمس الشعر الماء). وفي لفظ آخر: (لا، حتى تمس الشعر بالماء)(2).

وكانت له رضوان الله عليه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ منه العلم، فقد عُدَّ جابر من العلماء الفضلاء ونحن لا نستغرب من ذلك فقد شهد في حياته سبعة معصومین وجابر منقطع إليهم، فهذا الانقطاع جعله من العلماء، فالكثير من الصحابة شهدوا

ص: 170


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 469 - 470
2- المسح في وضوء الرسول (ص)، محمد الحسن الأمدي، ص 48

النبي وعاصروه لكنهم لم يصبحوا مثل جابر انما انقطاعه وحبه للعلم اوصله إلى هذا المستوى.

قال هشام بن عروة: رأيت لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد يؤخذ عنه(1).

وجاء في الفوائد الرجالية، هو من علماء الصحابة وفضلائهم، ومن كان يؤخذ عنه في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان - رضي الله عنه - شدید الانقطاع إلى أهل البيت، صريح الولاء لهم، معروفا بذلك لدى الخاصة والعامة)(2).

فهذا الصحابي ممن ناصر أهل البيت و كان رجلاً متواضعا لهم رغم مكانته وهذا التواضع قد رفع شأنه بين الناس، فلا زال جابر يذكر في المجالس والمأتم وتتناقل ذكره كتب السيرة والتاريخ وكتب الحديث فهذا الانسان قد تردد اسمه بين الناس وما ذلك الا لولائه لآهل البيت.

وفي ختام عمره كان رضوان الله عليه يروي عن النبي ويخبر التابعين أن يبلغوا شيعة أمير المؤمنين ما سمعوه من احادیث بحق الحجج الأطهار، ففي رواية عن المفضل بن عمر عن جابر الأنصاري قال جابر: (بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سلمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي وأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن یاسر وحذيفة بن اليمان و خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبو الهيثم مالك بن التيهان الأشهلي وأبي الطفيل عامر بن واثلة وسويد بن غفلة وسهل و عثمان ابني حنيف ويزيد السلمي فحضرنا يوم جمعة ضحى فلما اجتمعنا بين يديه وأمير المؤمنين (عليه السلام) عن يمينه أمر (صلوات الله عليه) بأن لا يدخل أحد وكان أنس في

ص: 171


1- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساکر، ج 11، ص 233
2- الفوائد الرجالية، السيد مهدي بحر العلوم، ج 2، ص 138، إنباه الرواة على أنباء النحاة، علي بن يوسف القفطي، ج 2، ص 25

ذلك الوقت خادمه فأمره بالانصراف إلى منزله ثم اقبل علينا بوجهه الكريم على الله وقال لنا أبشروا فان الله من علينا بفضله وعلم ما في أنفسنا من الخلاص له والإيمان به والاقرار بوحدانيته وبملائكته وكتبه ورسله وعلم وفاكم الجنة بغير حساب أنتم ومن كان كما أنتم عليه من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة.

قال جابر فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبشرنا ويحدثنا ودموعه تجري ودموعنا تهطل لبكائه ولفضل الله علينا ورحمته لنا ورأفته بنا فسجدنا شكرا لله و أردنا الكلام فقطعتنا عنه الرقة والبكاء، فقال لنا فإن بكيتم قليلا لنضحككم كثيرا وإني أبشركم بما أعلمه منكم إنكم تحبون مسألتي عنه ولو فقدتموني وسألتم أخي عليا لأخبركم به فجهرنا بالبكاء والشكر والدعاء، فقال لنا (عليه السلام) تحاولون مسألتي عن بدو كوني واعلموا رحمكم الله ان الله تقدست أسماؤه وجل ثناؤه كان ولا مكان ولا کون معه ولا سواه أحد في فردانيته، صمد في أزليته، مشيء لا شيء معه، فلما شاء ان يخلق خلقني بمشيئته وأردته لي نورا وقال لي كن فكنت نورا شعشعانیا اسمع وابصر وانطق بلا جسم ولا كيفية، ثم خلق مني أخي عليا، ثم خلق منّا فاطمة، ثم خلق مني ومن علي وفاطمة الحسن وخلق منا الحسين ومنه ابنه علي وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه جعفرا وخلق منه ابنه موسی وخلق منه ابنه عليا وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه عليا و خلق منه ابنه الحسن و خلق منه ابنه سميي و کنيي و مهدي أمتي ومحي سنتي و معدن ملتي و من وعدني ان يظهرني به على الدين كله ويحق به الحق ويزهق به الباطل ان الباطل کان زهوقا ویکون الدين كله واصبا، فكنا أنوارا بأرواح واسماع وابصار ونطق وحس و عقل، و كان الله الخالق ونحن المخلوقون والله المكون ونحن المكونون والله البارئ ونحن البرية.. موصولون لا مفصولون فهلل نفسه فهللناه وكبر نفسه فكبرناه وسبح نفسه فسبحناه و قدس نفسه فقدناه، وحمد نفسه فحمدناه، ولم يغيبنا و أنوارنا تناجی وتتعارف مسمينة متناسين أزليين لا موجودين، منه بدأنا وإليه نعود، نور من نور بمشيئته وقدرته لا ننسی تسبیحاً ولا نستكبر عن

ص: 172

عبادته ثم شاء فمد الأظلة وخلق خلقا أطوارا ملائكة وخلق الماء والجان وعرّش عرشه على الأظلة وأخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربکم؟ قالوا بلی: كان يعلم ما في أنفسهم والخلق أرواح وأشباح في الأظلة يبصرون ويسمعون ويعقلون فأخذ عليهم العهد والميثاق ليؤمنن به وبملائكته وكتبه ورسله، ثم تجلى لهم وجلي عليا وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الأئمة من الحسين الذين سميتهم لكم فأخذلي العهد والميثاق على جميع النبيين وهو قوله الذي أكرمني به جل من قائل «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» وقد علمتم ان الميثاق أخذلي على جميع النبيين واني انا الرسول الذي ختم الله بي الرسل وهو قوله تعالى: «رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ» فکنت والله قبلهم وبعثت بعدهم وأعطيت ما أعطوا وزادني ربي من فضله ما لم يعطه لأحد من خلقه غيري فمن ذلك أنه اخذ لي الميثاق على سائر النبيين ولم يأخذ ميثاقي لاحد ومن ذلك ما نبّأ نبيا ولا أرسل رسولا إلا أمره بالإقرار بي وان يبشر أمته بمبعثي ورسالتي والشاهد لي بهذا قوله جل ذكره في التوراة لموسى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ولا يعلمون نبيا ولا رسولا غيري وفي الإنجيل قوله عز اسمه الذي حكاه فيما أنزله علي من خطابه لأخي عیسی بن مریم (عليه السلام) «وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» ويعلم انه ما يرسل رسولا اسمه احمد غيري وان الله منحني اللوح يوم القيامة الذي يحمله أخي علي وآدم فمن دونه تحته يوم القيامة، وأعطاني الشفاعة والحوض تفضلا منه علي وأعطاني مفاتيح الدنيا وكنوزها ونعيمها فلم اقبله زهدا فيه فعوضني بمفاتیح الجنة والنار فجعلت كل ما أعطانيه ربي لأخي علي والأئمة منهم

ص: 173

فطوبى لكم وطوبى لمن والاكم حسن مآب فقمنا على اقدامنا و قلنا یا رسول الله انا قد أنعم الله بك علينا وبأخيك علي وذريتك فنسأل الله يقبضنا إليه الساعة لئلا يأتي أحد منا ببائقة تخرجه عن هذا الخطر العظيم فقال لنا (عليه السلام): کلا لا تخافوا فإنكم من الذين قال الله فيهم: «فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ».

قال جابر الجعفي: فقلت لجابر الأنصاري لقد أسعدني الله بلقائك في هذا اليوم هذا ببركة الله وبركة سيدي الباقر (عليه السلام) ولقائك إياه بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال جابر بن عبد الله الأنصاري يا جابر خبِّر من لقيك من شيعة آل محمد بما سمعته مني فبهذا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(1).

فلأهمية الأمر كان جابر يوصي التابعين والموالين لآل البيت (عليهم السلام) أن يخبروا شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه النخب والبشارات التي بشر بها نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) وما أعد الله لرسوله ولعترته (صلوات الله وسلامه عليهم) وللمؤمنين من عطاء جزيل؛ كي يزهدوا في دنياهم كما زهد نبيهم وأهل بیتهم.

ولو أحصينا الأسماء التي بعث إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و خصهم دون غيرهم، الذي هم سلمان، والمقداد، و أبو ذر، وعمار، وحذيفة، وخزيمة، ومالك بن التيهان، وعامر بن واثلة، وسويد، وسهل بن حنیف، و عثمان ابن حنيف، ویزید السلمي (رضوان الله تعالى عليهم) نجد أن هؤلاء الأطهار کانوا من خلص الشيعة ومن لم يبدلوا ولم يغيروا دينهم، وهذه أيضاً من مكنون علمه، لذا أودعهم رسول

ص: 174


1- الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصیبی، ص 378 - 381

الله (صلى الله عليه وآله) هذه البشارات وهذه الأسرار وخصهم دون غيرهم لمعرفته بايمانهم وولائهم له ولعترته (صلوات الله عليهم أجمعين).

وكان جابر محن وفق في بث هذه الرواية التي لو تأملنا ما فيها من كنوز و جواهر لأيقنا أن الفوز لمحبي علي والأئمة من ذريته (صلوات الله عليهم أجمعين).

وكان رضوان الله عليه يعلم أنه أشرف على الرحيل بعد لقائه بالإمام الباقر لذا كان يستغل هذه الفترة بالتواجد جنب هذا المعصوم الطاهر.

فقد ادی جابر هذه الرسالة وأوصل سلامه للباقر وبدأ جابر بالضعف بسبب الكبر، فحينما مرض جابر كان الإمام الباقر يعاوده، فقد جاء في كتاب جامع السعادات، أن الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري - وقد اكتنفته علل وأسقام، و غلبه ضعف الهرم -: (كيف تجد حالك؟) قال: أنا في حال الفقر أحب إلي من الغنى، والمرض أحب إلي من الصحة، والموت أحب إلي من الحياة، فقال الإمام (عليه السلام): (أما نحن أهل البيت فما يرد علينا من الله من الفقر والغنى والمرض والصحة والموت والحياة، فهو أحب إلينا)، فقام جابر، وقبل بين عينيه، وقال: صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال لي: (یا جابر! ستدرك واحدا من أولادي إسمه إسمي، يبقر العلوم بقرا)(1).

فلا زال جابر يتعلم من هذه المدرسة المحمدية، العلوية، الهاشمية، حتى في اواخر عمره وهويقر بأفضليتهم فهنيئاً له تلك الصحبة مع النبي والحجج الأطهار.

وكذلك تؤكد هذه الرواية أن جابراً آخر من بقي من الصحابة، وكان الناس يعرفون ذلك ويستغربون منه کونه صحابي جليل عاش مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يأتي الباقر وهو غلام صغير، ومن المؤكد أن جابراً أراد أن يريهم فضل أهل

ص: 175


1- جامع السعادات، ملا محمد مهدي النراقي، ج 3، ص 229

البيت من صغيرهم إلى كبيرهم، فهم روح واحدة و نفس واحدة وعلمهم نابع من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو كان الناس يعرفون منزلة الباقر لما ذهلوا من هذا الامر لكن جابراً قد استقى هذا العلم من سيد الخلق فكان يجلهم ويقدمهم على نفسه وعلى جميع الخلق.

ولم يتغير جابر عن عادته فلا زال رضوان الله عليه يسأل ويتعلم من الحجج، قال جابر: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن تفسير هذه الآية في قول الله: (يريد الله أن يحق الحق بكلاته ويقطع دابر الكافرين) قال أبو جعفر عليه السلام: تفسيرها في الباطن يريد الله، فإنه شيء يريده ولم يفعله بعد، واما قوله (يحق الحق بكلماته) فإنه يعني يحق حق آل محمد، واما قوله: (بكلماته) قال: كلماته في الباطن علي هو كلمة الله في الباطن، واما قوله: (ويقطع دابر الكافرين) فهم بنو أمية، هم الكافرون يقطع الله دابرهم، واما قوله: (ليحق الحق) فإنه يعني ليحق حق آل محمد حين يقوم القائم عليه السلام، واما قوله: (ويبطل الباطل) يعني القائم فإذا قام يبطل باطل بني أمية، وذلك قوله: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)(1).

وقد اختلفت الروايات حول لقاء الامام الباقر بجابر، ففي رواية اخرى عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي قال: (دخلت على جابر بن عبد الله بعد ما كف بصره [ف] قال لي: من أنت؟ فقلت له محمد بن علي بن الحسين، قال: تأتيني أنت

ص: 176


1- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، ج 2، ص 50، ح 24، وعن جابر عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: سألته عن هذه الآية في البطن (وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به ويذهب عنکم رجز الشيطان و ليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) قال: السماء في الباطن رسول الله، والماء علي عليه السلام جعل الله عليا من رسول الله صلى الله عليه وآله فذلك قوله: (ماءا ليطهركم به فذلك علي يطهر الله به قلب من والاه، وأما قوله: (ويذهب عنکم رجز الشيطان) من والى عليا يذهب الرجز عنه، ويقوى قلبه و (یربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) فإنه يعني عليا، من والى عليا يربط الله على قلبه بعلي فثبت على ولايته)، تفسير العیاشی، ج 2، ص 50، ح 25

فأخذ بيدي فقبلها ثم أهوى إلى رجلي فجذبنيها؟ فقال لي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرئك السلام.

فقلت له: وعلى رسول الله السلام و عليك يا جابر وكيف ذلك؟ فقال لي: كنت معه ذات يوم فقال لي: يا جابر لعلك أن تبقى حتى تلقى رجلا من ولدي يقال له: محمد بن علي بن الحسين بيهب الله له النور والحكمة فإذا لقيته فاقرأه مني السلام)(1).

فهذه مكرمة من الله لجابر وهي مجيء الحجج إلى منزله ومعاودته فكان يشكر الله على ذلك، فهذه خصوصية ومنزلة لا يدركها الا العالمون.

وجاء في الهداية الكبرى أن الإمام الساجد و الباقر (عليهما السلام) هم من صلى على هذا الصحابي الجليل فقد روي (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري انك لن تموت حتى تلقی سيد العابدين علي بن الحسين وابني منه محمد بن علي (عليهما السلام) فإذا ولد محمد بن علي بن الحسين فصر إليه عند أوان ترعرعه تقرئ أباه السلام وتقول له اني أمرتك أن تلحق ابنه محمد في بيت و تقرئه مني السلام وتقبل بين عينيه وتسأله ان يلصق بطنه ببطنك فان لك في ذلك أمانا من النار وتقول له جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك يا باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين بوركت كثيرا حيا وميتاثم إذا فعلت ذلك يا جابر فأوص وصيتك فإنك راحل إلى ربك، فلم يزل جابر بن عبد الله باقيا بحياته حتى قيل له قد ولد محمد بن علي وترعرع ثم صار إلى علي بن الحسين والى محمد بن علي (عليهما السلام) فأدّى رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) و فعل ما أمره رسول الله، فقال محمد بن علي (عليهما السلام) یا جابر أثبت وصاتك فإنك راحل إلى ربك فبکی جابر وقال له يا سيدي وما أعلمك بذلك وبهذا عهد إلى جدك رسول

ص: 177


1- مناقب الامام علي (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، ج 2، ص 275

الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا جابر لقد أعطاني الله علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة فأوصى جابر وصاته وأدركته الوفاة وصلى عليه علي بن الحسين ومحمد بن علي عليهما السلام) فلأجل ذلك سمي الباقر)(1).

وفضلاً عن ذلك كانت لجابر كرامة أخرى يغبطه عليها جميع الناس وهي أنه صلى على جثمانه إمامین معصومين وهما الإمام السجاد والإمام الباقر (عليهما السلام)، فجابر من الصحابة الذين أكرمهم الله بمرافقة الحجج وبما أن النبي عده منهم فلا بد من ان يصلي عليه حجة الله، وهذا يذكرنا بسلمان الفارسي حينما أدركته الوفاة فكان الإمام بالكوفة وسلمان في المدائن ولكن لمنزلته وقربه من النبي والعترة فقد حضره الإمام بمعجزة طي الأرض ثم صلى عليه ودفنه، فهؤلاء ثلة من الصحابة لهم خصوصية من الله ذلك لصحبتهم لآل البيت ودفاعهم عن العترة الطاهرة؛ لذا وجب علينا ولايتهم وطاعتهم إذ أنهم لم يبدلوا ولم يغيروا دينهم، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (.. والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واجبة مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي، وعمار بن یاسر، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله ابن الصامت، وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، و من نحا نحوهم، وفعل مثل فعلهم، والولاية لاتباعهم والمقتدين بهم و بهداهم واجبة)(2).

فهنيئا لجابر هذه الرفقة لكرام الخلق وهنيئاً له على ضمانه شفاعة الإمام الباقر وهذه الخصائص التي اختص بها من کرامات و قرب منزلته عند النبي وعترته.

ص: 178


1- الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، ص 237 - 238
2- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 607

المسألة الثالثة: (موقفه مع حكام عصره)

إن من سمع كلام هذا الصحابي عن أمر الخلافة سيعرف جيداً موقفه رضوان الله عليه إزاء كل من غصب حق علي والحجج من ذريته (سلام الله عليهم)، ففي رواية عن أبي هارون العبدي قال: سألت جابر بن عبد الله الانصاري، عن معنی قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «أنت منی بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» قال: استخلفه بذلك والله على امته في حياته وبعد وفاته، وفرض عليهم طاعته، فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين)(1).

فهذا الكلام يؤكد عدم رضا هذا الصحابي على كل من غصب أمر الخلافة وَرضي أن يوليها لمن لا يستحقها، فموقف هذا الصحابي واضح من كلامه رضوان الله عليه بضلالتهم.

فهذه شهادة من صحابي عاش مع النبي فترة من الزمن وكان من المقربين لديه، و جابر کما اشرنا في السابق كان كثير السؤال لرسول الله، ولجابر فضل علينا فمن خلال اسئلته رضوان الله عليه للنبي أبرز لنا أحقية علي والمعصومين، فجابر رجل عالم بشهادة المعصومين فلم يتكلم اطلاقا من هوى نفسه وخصوصا بقضية تخص الخلافة لأن الخليفة ينصب من الله وليس من الناس، وقد نصب الله علياً أميراً على المؤمنين بلسان نبيه وقد سمع جابر ذلك من رسول الله بمواطن عدة ومنها، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (نزل جبرئیل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن الله يأمرك أن تقوم بتفضيل علي بن أبي طالب (عليه السلام) خطيبا على أصحابك ليبلغوا من بعدهم ذلك عنك، وقد أمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره، والله يوحي إليك يا محمد إن من خالفك في أمره فله النار، ومن أطاعك فله الجنة، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) مناديا فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرج

ص: 179


1- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص 74

حتى علا المنبر، وكان أول ما تكلم به : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، «ثم قال: أيها الناس! أنا البشير، وأنا النذير، وأنا النبي الأمي، إني مبلغكم عن الله تعالى في أمر رجل لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة العلم، وهو الذي انتجبه الله من هذه الأمة واصطفاه و تولاه وهداه، وخلقني وإياه من طينة واحدة، ففضلني بالرسالة، وفضله بالتبليغ عني، وجعلني مدينة العلم وجعله الباب، وجعله خازن العلم، والمقتبس منه الأحكام، وخصّه بالوصية، وأبان أمره، وخوّف من عداوته، وأوجب موالاته، وأمر جميع الناس بطاعته، وإنه (عز وجل) يقول: من عاداه عاداني، ومن والاه والاني، ومن ناصبه ناصبني، ومن خالفه خالفني، ومن عصاه عصاني، ومن آذاه [فقد] آذاني، ومن أبغضه [فقد] أبغضني، ومن أحبه [فقد] أحبني، ومن أطاعه [فقد] أطاعني، ومن أرضاه [فقد] أرضاني، ومن حفظه حفظني، ومن حاربه حاربني، ومن أعانه أعانني، ومن أراده أرادني، ومن کاده [فقد] کادني.

أيها الناس! اسمعوا لما آمركم به وأطيعوه، فإني أخوفكم عقاب الله عز وجل «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه. «ثم أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام فقال: معاشر الناس هذا مولى المؤمنين، وقاتل الكافرين، وحجة الله على العالمين، اللهم إني قد بلغت، وهم عبادك، وأنت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا أرحم الراحمين ثم نزل على المنبر، فأتاه جبرئیل علیه السلام فقال: يا محمد [إن] الله يقرئك السلام ويقول لك: جزاك الله عن تبلیغك خيرا، فقد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وأرضيت المؤمنين، وأرغمت الكافرين، يا محمد إن ابن عمك مبتلى و مبتلى به: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(1))(2).

ص: 180


1- الشعراء: 227
2- الأمالي، الشيخ المفيد، ص 77 - 78

وكان رضوان الله عليه واعياً للأحداث منذ زمن النبي وكان يعلم أن الكثير من الصحابة لم يؤمنوا برسول الله في عهده وكانوا يغتاظون منه حينما يخلو بأمير المؤمنين، وكان بعض الصحابة يرفعون اصواتهم على النبي ويكلمونه كشخص عادي، فعن جابر بن عبد الله الانصاري قال: (إن رسول الله صلى الله عليه واله لما خلى بعلي عليه السلام يوم الطائف أتاه عمر بن الخطاب فقال: أتناجيه دوننا؟ وتخلو به دوننا؟ فقال: يا عمر ما أنا انتجيته، بل الله انتجاه، قال: فأعرض عمر وهو يقول: هذا کما قلت لنا قبل الحديبية لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فلم ندخله. وصددنا عنه، فناداه النبي صلى الله عليه واله: لم أقل لكم: إنكم تدخلونه في ذلك العام، ثم خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف، فلقيه أمير المؤمنين عليه السلام ببطن وج فقتله، وانهزم المشركون ولحق القوم الرعب، فنزل منهم جماعة إلى النبي صلى الله عليه واله فأسلموا، وكان حصار النبي صلى الله عليه واله للطائف بضعة عشر يوما)(1).

وقال (رضوان الله علیه): (لما كان يوم الطايف ناجی رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا عليه السلام فقال أبو بكر وعمر: انتجيته دوننا فقال: ما انتجته بل الله ناجاه)(2).

أما علي فلم يرفع صوته يوما بحضرة النبي ولم يتكلم بكلام لا يرضي النبي وهذا ما شهده جابر، ولم يعترض على أي شيء، وكيف ذلك وهو الذي تربى بحجره وتغذى من يده وتعلم علومه، لذا كان جابر ملازما لأمير المؤمنين.

فعن جابر بن عبد الله قال: (سمعت علي بن أبي طالب ينشد و رسول الله (صلى

ص: 181


1- الارشاد، الشيخ المفيد، ج 1، ص 153
2- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)، ص 431

الله عليه وآله)، يسمع:

أنا أخو المصطفى لا شكَّ في نسبي *** معه ربيتَ وسبطاهُ هما ولدي

جدي وجدُّ رسول الله متحدٌ *** وفاطمٌ زوجتي لاقولَ ذي فنِد

صدَّقتهُ وجميعُ الناس في ظُلَم *** من الظلالة والإشراكِ والنكدِ

فالحمدُ لله شكراً لا تعادلُه *** البر بالعبد والباقي بلا أمَدِ

فتبسم رسول الله، وقال: صدقت يا علي(1).

فكل الصحابة تعرف قرب علي و منزلته من النبي، حتى عمر يشهد بذلك، قال جابر: (أن کعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر...: ما كان آخر ما تكلم به رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فقال عمر: سل عليا قال أين هو قال: هو هنا فسأله فقال علي: أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال: الصلاة الصلاة! فقال كعب كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون قال: فمن غسله يا أمير المؤمنين قال سل عليا: قال: فسأله فقال: كنت أغسله وكان العباس جالسا و كان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء)(2).

فرسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يترك أي حجة على الناس وخصوصا الصحابة الذين عاشوا معه فقد بيّن لهم منزلة علي في حياته وتشهد بذلك كل الصحابة المقربين والروايات المستفيضة التي ذكرها النبي حول فضائل علي ومناقبه وأنه الخليفة من بعده، وقد نصبه يوم غدیر خم والكلام واضح حيث لم يترك النبي يوم غدير خم حجة على الناس.

وكان النبي يخص بعض الصحابة ليريهم منزلة أمير المؤمنين و في ذلك تنبیه و حجة

ص: 182


1- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 1، ص 428
2- الطبقات الکبری، ج 2، ص 201

لبعضهم عسى ان تكون هذه الكرامات وهذه الحجج تذكرة لهم ليغيروا ما بداخلهم.

فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما ونحن في مسجده فقال: من ههنا؟ فقلت: أنا یا رسول الله وسلمان الفارسي، فقال: ياسلمان اذهب فادع لي مولاك علي بن أبي طالب، قال جابر: فذهب سلمان يبتدر به، حتى أخرج عليا من منزله، فلما دنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قام فخلا به وأطال مناجاته، ورسول الله يقطر عرقا کهيئة اللؤلؤ ويتهلل حسنا، ثم انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مناجاته وجلس، فقال له: أسمعت يا علي ووعيت؟ قال: نعم يا رسول الله، قال جابر: ثم التفت إلي وقال: يا جابر ادع لي أبا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف الزهري، قال جابر: فذهبت مسرعا فدعوتهم، فلما حضروا قال: يا سلمان اذهب إلى منزل أمك أم سلمة فأتني ببساط الشعر الخيبري، قال جابر: فذهب سلمان فلم يلبث أن جاء بالبساط، فأمر رسول الله صلى الله عليه و آله سلمان فبسطه، ثم قال: لأبي بكر وعمر وعبد الرحمن: اجلسوا على البساط، فجلسوا کما أمرهم، ثم خلا رسول الله سلمان، فلما جاءه أسر إليه شيئا، ثم قال له: اجلس في الزاوية الرابعة، فجلس سلمان، ثم أمر عليا عليه السلام أن يجلس في وسطه، ثم قال له: قل ما أمرتك فوالذي بعثني بالحق نبيا لو شئت قلت على الجبل لسار، فحرك علي (عليه السلام) شفتيه قال جابر: فاختلج البساط فمر بهم.

قال جابر: فسألت سلمان فقلت: أين مر بكم البساط؟ قال: والله ما شعرنا بشيء حتى انقض بنا البساط في ذروة جبل شاهق، وصرنا إلى باب کهف، قال سلمان: فقمت وقلت لأبي بكر: يا أبا بكر أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نصرخ في هذا الكهف بالفتية الذين ذكرهم الله في محكم كتابه، فقام أبو بكر فصرخ بهم بأعلى صوته فلم يجبه أحد، ثم قلت لعمر: قم فاصرخ في هذا الكهف کما صرخ أبو بكر، فصرخ عمر فلم يجبه أحد، ثم قلت لعبد الرحمن: قم فاصرخ فيه کما صرخ أبو

ص: 183

بکر وعمر، فقام وصرخ فلم يجبه أحد، ثم قمت أنا وصرخت بهم بأعلى صوتي فلم يجبني أحد، ثم قلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام: قم يا أبا الحسن واصرخ في هذا الكهف فإنه أمرني رسول الله أن آمرك كما أمرتهم، فقام علي عليه السلام فصاح بهم بصوت خفي، فانفتح باب الكهف، ونظرنا إلى داخله يتوقد نورا ويأتلق إشراقا، وسمعنا ضجة ووجبة شديدة، فملئنا رعبا وولى القوم هاربين، فناداهم: مهلا يا قوم وارجعوا، فرجعوا وقالوا: ما هذا يا سلمان؟ قلت: هذا الكهف الذي وصفه الله عز وجل في كتابه، والذين نراهم هم الفتية الذين ذكرهم عز وجل هم الفتية المؤمنون، وعلي (عليه السلام) واقف يكلمهم، فعادوا إلى موضعهم، قال سلمان: وأعاد علي عليهم السلام فقالوا كلهم: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعلى محمد رسول الله (صلى الله عليه و آله) خاتم النبوة منا السلام، أبلغه منا السلام وقل له: قد شهدوا لك بالنبوة التي أمرنا قبل وقت مبعثك بأعوام كثيرة، ولك يا علي بالوصية، فأعاد علي (عليه السلام) سلامه عليهم فقالوا كلهم: وعليك وعلى محمد منا السلام، نشهد بأنك مولانا ومولى كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وآله.

قال سلمان: فلما سمع القوم أخذوا بالبكاء وفزعوا واعتذروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقاموا كلهم إليه يقبلون رأسه ويقولون: قد علمنا ما أراد رسول الله ومدوا أيديهم وبايعوه بإمرة المؤمنين، وشهدوا له بالولاية بعد محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم جلس كل واحد مكانه من البساط و جلس علي (عليه السلام) في وسطه، ثم حرك شفتيه فاختلج البساط فلم ندر کیف مر بنا في البر أم في البحر حتى انقض بنا على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: كيف رأيتم أبا بكر؟ قالوا: نشهد یا رسول الله کما شهد أهل الكهف ونؤمن کما آمنوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر لا تقولوا: «سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» ولا تقولوا يوم القيامة: «إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا

ص: 184

غَافِلِينَ» والله لئن فعلتم لتهتدون: «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» وإن لم تفعلوا تختلفوا، ومن وفي وفي الله له، ومن يكتم ما سمعه فعلى عقبيه ينقلب ولن يضر الله شيئا، أفبعد الحجة والمعرفة والبينة خلف؟! والذي بعثني بالحق نبيا لقد أمرت أن آمركم ببيعته وطاعته فبايعوه و أطيعوه بعدي، ثم تلا هذه الآية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» يعني علي بن أبي طالب، قالوا: يا رسول الله قد بايعناه وشهد علينا أهل الكهف، فقال النبي صلى الله عليه و آله: إن صدقتم فقد اسقيتم ماء غدقا وأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، أو يلبسكم شیعا وتسلكون طریق بني إسرائيل، فمن تمسك بولاية علي لقيني يوم القيامة وأنا عنه راض.

قال سلمان: والقوم ينظر بعضهم إلى بعض، فأنزل الله هذه الآية في ذلك اليوم «ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم و نجواهم وأن الله علام الغيوب «قال سلمان فاصفرت وجوههم ينظر كل واحد إلى صاحبه، فأنزل الله هذه الآية «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ» فكان ذهابهم إلى الكهف ومجيئهم من زوال الشمس إلى وقت العصر)(1).

ص: 185


1- سعد السعود، السيد ابن طاووس، ص 116، وفي رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن سلمان الفارسي (عليهما السلام) قال: دخل أبو بكر وعمر وعثمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا رسول الله مالك تفضل عليا علينا في كل الأفعال والأشياء ولا يرى لنا معه فضلا قال لهم: ما أنا فضلته بل الله فضله، فقالوا: وما الدليل على ذلك؟ فقال (عليه السلام): إذا لم تقبلوا مني فليس شيء عندكم أصدق من أهل الكهف حتى تسلموا عليهم وانا أحملكم وعليا وأجعل سلمانا شاهدا عليكم فمن أحيا الله أصحاب الكهف له وأجابوه كان الأفضل. قالوا رضينا يا رسول الله، فأمر رسول الله أن يبسط بساط له، ودعا بعلي فأجلسه في البساط وأجلس كل واحد منهم قرن قال سلمان: وأجلسني القرنة الرابعة وقال: یا ریح احمليهم إلى الصحاب الكهف ورديهم إلي فدخلت الريح وسارت بنا فإذا نحن في كهف عظیم فحطت عليه. قال أمير المؤمنين يا سلمان هذا الكهف والرقيم فقل للقوم: يتقدمون أو أتقدم؟ فقالوا: نحن نتقدم فقام كل واحد منهم صلى ودعا وقال: السلام علیکم یا أصحاب الكهف فلم يجبهم أحد، فقام بعدهم أمير المؤمنين صلى ركعتين ودعا بدعوات خفيات فصاح الكهف وصاح القوم من داخله بالتلبية فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): السلام عليكم أيها الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدی. فقالوا: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، لقد اخذ الله العهد علينا بعد ايماننا بالله وبرسوله محمد، ولك يا أمير المؤمنين بالولاية إلى يوم الدين، قال فسقط القوم لوجوههم وقالوا يا أبا عبد الله ردنا، فقلت: وما ذلك إلى، فقالوا: يا أبا الحسن ردنا فقال (عليه السلام): يا ريح رديهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحملتنا فإذا نحن بين يديه، فقص عليهم رسول الله القصة كما جرت فقال: حبيبي جبریل اخبرني أن عليا فضله الله علیکم)، الهداية الكبرى، ص 111، مدينة المعاجز، ج 3، ص 160 - 162

فكان جابر يراقب الحدث ويعد الوقت الذي رحلوا به حتى عودتهم، فلما عادوا سأل سلمان بما حدث فهذه الفطنة يحبها الله ورسوله، فمثل جابر لا يبايع ولا يساوم مع علي أحد وقد شهد من رسول الله الكثير من الحقائق التي تنص على أحقية علي في الخلافة، وجابر من شيعة أمير المؤمنين الخاص الذين رجعوا إلى الحجج ولم يبايعوا غیر هم.

فكل هذه الحجج والبراهين و كل تلك العهود والمواثيق لكنهم لم يلتزموا بعهودهم ومواثيقهم التي اخذت منهم.

ولم يزل أمير المؤمنين (عليه السلام) يلقي على بعض الصحابة وممن غصب حق الخلافة حججاً اخرى فضلاً عن تلك الحجج التي جرت في عهد رسول الله، ففي رواية اخرى يرويها جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله علیه و آله) إذ دخل عمر بن الخطاب فلما جلس قال لجماعة ان لنا سترا فيما بيننا، تخففوا رحمكم الله، فشمرت وجوهنا وقلنا ما كذا كان يفعل بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد كان يأتمننا على سره فالك لما رأيت فتيان المسلمين تسريت بفتيان رسول الله؟ فقال: للناس اسرار

ص: 186

لا يمكن اعلانها فقمنا مغضبين، وخلا بأمير المؤمنين مليا، ثم قاما من مجلسهما حتى رقيا منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جميعا فقلنا: الله أكبر ترى ابن حنتمة رجع عن غيه وطغيانه ورقي المنبر مع أمير المؤمنين، وقد مسح يده على وجهه، ورأينا عمر يرتعد ويقول: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم صاح ملء صوته یا سارية ألجأ الجبل، ثم لم يلبث ان قبل صدر أمير المؤمنين ونزلا وهو ضاحك، وأمير المؤمنين يقول له: إفعل ما زعمت یا عمر انك فاعله وأن لا عهد لك ولا وفاء، فقال له امهلني يا أبا الحسن حتى انظر مايرد إلي من خبر سارية وهل ما رأيته صحيح أم لا، قال له أمير المؤمنين: ويحك يا عمر فإذا صح ووردت الاخبار عليك بتصديق ما رأيت وما عاينت، وإنهم قد سمعوا صوتك ولجأوا إلى الجبل کما رأيت هل أنت مسلم ما ضمنت؟ قال: لا يا أبا الحسن، ولكني أضيف هذا إلى ما رأيت منك ومن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله يفعل ما يشاء.

فقال له أمير المؤمنين: ويلك يا عمر ان الذي تقول أنت وحزبك الضالون انه سحر وکهانة ليس فيك شك، فقال: ذلك قول قد مضى والامر لنا في هذا الوقت، ونحن أولى بتصديقكم في أفعالكم وما نراه من عجائبکم الا ان هذا الملك عقيم.

فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ولقيناه فقلنا: يا أمير المؤمنين ما هذه الآية العظيمة؟ وهذا الخطاب الذي سمعناه؟ فقال: هل علمتم أوله؟ فقلنا ما علمناه یا أمير المؤمنين ولا نعلمه إلا منك، قال: ان هذا ابن الخطاب قال لي انه حزين القلب با كي العين على جيوشه التي في فتوح الجبل في نواحي نهاوند، وأنه يجب أن يعلم صحة اخبارهم وكيف مع كثرة جيوش الجبل وان عمر بن معدی کرب قتل ودفن بنهاوند، وقد ضعف جيشه واتصل الخبر بقتل عمر، فقلت له: ويحك يا عمر کیف تزعم أنك الخليفة في الأرض، والقائم مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت لا تعلم ما وراء اذنك و تحت قدمك والإمام يرى الأرض ومن عليها، ولا يخفى عليه

ص: 187

من اعمالهم شيء؟ فقال لي: يا أبا الحسن أنت بهذه الصورة فأت خبر سارية و أين هو؟ ومن معهم؟ وكيف صورهم؟ فقلت له: يا ابن الخطاب، فإن قلت لك لا تصدقني ولكني أريك جيشك و أصحابك وسارية قد کمن بهم جيش الجبل في وادٍ قعيد بعيد الأقطار كثير الأشجار، فإن سار به جيشك يسيرا خلصوا بها، وإلا قتل أول جيشك وآخره، فقال: يا أبا الحسن ما لهم ملجأ منهم، ولا يخرجون من ذلك الوادي، فقلت: بلی لو لحقوا الجبل الذي يلي الوادي سلموا وتملكوا جيش الجبل فقلق وأخذ بيدي، وقال: الله الله يا أبا الحسن في جيوش المسلمين فأرينهم كما ذكرت أو حذرهم إن قدرت ولك ما تشاء من خلع نفسي من هذا الأمر ورده إليك فأخذت عليه عهد الله ومیثاقه إن رقیت به المنبر وكشفت عن بصره وأريته جيوشه في الوادي وانه يصيح إليهم فيسمعون منه ويلجأون إلى الجبل ويظفرون بجيش الجبل يخلع نفسه ويسلم إلى حقي، فقلت له: قم يا شقي، والله لا وفيت بهذا العهد والميثاق كما لم تف لله ولرسوله ولي بما اخذناه عليك من العهد والميثاق والبيعة في جميع المواطن، فقال لي: بلى والله فقلت له: ستعلم أنك من الكافرين، ورقيت المنبر فدعوت بدعوات وسألت الله ان يريه ما قلت ومسحت على عينيه وكشفت عنه غطاءه فنظر إلى سارية وسائر الجيش وجيش الجبل وما بقي إلا الهزيمة لجيشه، فقلت له: صح یا عمر ان شئت، قال: يسمع؟ قلت: نعم، يسمع ويبلغ صوتك إليهم، فصاح الصيحة التي سمعتموها: يا سارية إلجأ الجبل، فسمعوا صوته ولجأوا إلى الجبل فسلموا و ظفروا بجيش الجبل فنزل ضاحکا کما رأيتموه وخاطبته وخاطبني بما سمعتموه.

قال جابر: آمنا و صدقنا وشك آخرون إلى ورود البريد بحكاية ما حكاه أمير المؤمنين وأراه عمراً ونادي بصوته فكاد أكثر العوام المرتدين أن يعبدوا ابن الخطاب

ص: 188

وجعلوا هذا منقباله والله ما كان الا منقلبا(1))(2).

فكيف لا يكون جابر تحت ذلك اللواء العظيم وقد شهد لأمير المؤمنين هذه الكرامات فعلي هو الخليفة الذي نصب من قِبَل الله ومن قبل رسوله وحتى الصحابة الذين نقضوا عهد رسول الله يعلمون علم اليقين أن هذه الخلافة لا تصح إلا لعلي ولا تليق لغيره.

قال جابر: (شهدت عمر عند موته يقول: أتوب إلى الله من ثلاث: من ردي رقيق اليمن، ومن رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمره رسول الله (صلى الله عليه و آله) علينا، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض الله رسوله لانولي منهم أحدا)(3).

فجابر من الصحابة الذين دافعوا عن الحق وحتى الأئمة من ذرية الإمام الحسين (عليهم السلام) كانوا يجعلون جابراً شاهداً في أحقية علي بالخلافة، فعن دعبل الخزاعي قال: حدثني الرضا، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: (كنت عند أبي، الباقر (عليه السلام) إذ دخل عليه جماعة من الشيعة و فيهم جابر بن یزید، فقالوا: هل رضي أبوك علي [بن أبي طالب] عليه السلام بإمامة الأول والثاني؟ فقال: اللهم لا. قالوا: فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم؟ فقال الباقر عليه السلام: امض يا جابر بن يزيد إلى [منزل] جابر بن عبد الله الأنصاري فقل له: إن محمد بن علي يدعوك.

قال جابر بن یزید: فأتيت منزله وطرقت عليه الباب، فناداني جابر بن عبد الله الأنصاري من داخل الدار: اصبر يا جابر بن یزید، قال جابر بن یزید: فقلت في

ص: 189


1- في مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، ج 2، ص 18، ما كان إلا مثلبا
2- الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، ص 170 - 172
3- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 171

نفسي: من أين علم جابر الأنصاري أني جابر بن یزید ولم يعرف الدلائل إلا الأئمة من آل محمد عليهم السلام؟ والله لأسألنه إذا خرج إلي، فلما خرج قلت له: من أين علمت أني جابر، وأنا على الباب وأنت داخل الدار؟ قال: [قد] خبرني مولاي الباقر (عليه السلام) البارحة أنك تسأله عن الحنفية في هذا اليوم، وأنا أبعثه إليك یا جابر بكرة غد أدعوك، فقلت: صدقت، قال: سر بنا، فسرنا جميعا حتى أتينا المسجد، فلما بصر مولاي الباقر (عليه السلام) بنا ونظر إلينا، قال للجماعة: قوموا إلى الشيخ فاسألوه حتى ينبئكم بما سمع ورأي وحدث، فقالوا: يا جابر هل رضي إمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بإمامة من تقدم؟ قال: اللهم لا، قالوا: فلم نکح من سبيهم [خولة الحنفية] إذا لم يرض بإمامتهم؟ قال جابر: آه آه آه لقد ظننت أني أموت ولا أسأل عن هذا [والآن] إذ سألتموني فاسمعوا، وعوا: حضرت السبي وقد أدخلت الحنفية فيمن ادخل فلما نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرنت رنة وزفرت زفرة، وأعلنت بالبكاء والنحيب، ثم نادت: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك، وعلى أهل بيتك من بعدك، هؤلاء أمتك سبتنا سبي النوب والديلم، و [الله] ما كان لنا إليهم من ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك، فجعلت الحسنة سيئة، والسيئة حسنة فسبتنا، ثم انعطفت إلى الناس، وقالت: لم سبيتمونا وقد أقررنا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالوا: منعتمونا الزكاة.

قالت: هبوا الرجال منعوكم، فما بال النسوان؟ فسكت المتكلم كأنما ألقم حجرا، ثم ذهب إليها طلحة وخالد بن عنان في التزوج بها و طرحا إليها ثوبين فقالت: لست بعريانة فتكسوني. قيل لها: إنها یریدان أن يتزايدا عليك، فأيهما زاد على صاحبه أخذك من السبي.

قالت: هیهات والله لا يكون ذلك أبدا، ولا يملكني ولا يكون لي بعل إلا من

ص: 190

يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن أمي، فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، وورد عليهم من ذلك الكلام ما أمر عقولهم وأخرس ألسنتهم، وبقي القوم في دهشة من أمرها.

[فقال أبو بكر: ما لكم ينظر بعضكم إلى بعض؟ قال الزبير: لقولها الذي سمعت]. فقال أبو بكر: ما هذا الأمر الذي أحصر أفهامكم، إنها جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت ورأت، فلا شك أنها داخلها الفزع، وتقول ما لا تحصيل له.

فقالت: لقد رميت بكلامك غير مرمی - والله - ماداخلني فزع ولا جزع و - والله - ما قلت إلا حقا، ولا نطقت إلا فصلا، ولا بد أن يكون كذلك وحق صاحب هذه البنية ماكَذَبت ولاکُذِّبت.

ثم سكتت وأخذ طلحة وخالد ثوبيهما، وهي قد جلست ناحية من القوم.

فدخل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فذكروا له حالها، فقال (عليه السلام): هي صادقة فيما قالت، وكان من حالها وقصتها کیت و کیت في حال ولادتها، وقال: إن كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن أمها هو كذا وكذا، وكل ذلك مكتوب على لوح [نحاس] معها، فرمت باللوح إليهم لما سمعت كلامه (عليه السلام) فقرؤوه فكان على ما حكي علي بن أبي طالب عليه السلام، لا يزيد حرفا ولا ينقص، فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها، فوثب سلمان فقال: - والله - ما لاحد هاهنا منة على أمير المؤمنين، بل لله المنة ولرسوله ولأمير المؤمنين، - والله - ما أخذها إلا لمعجزه الباهر، وعلمه القاهر، وفضله الذي يعجز عنه كل ذي فضل، ثم قام المقداد فقال: ما بال أقوام قد أوضح الله لهم طريق الهداية فتركوه، وأخذوا طريق العمى؟ وما من يوم إلا وتبين لهم فيه دلائل أمير المؤمنين.

وقال أبو ذر: واعجبا لمن يعاند الحق، وما من وقت إلا وينظر إلى بيانه، أيها الناس

ص: 191

إن الله قد بين لكم فضل أهل الفضل، ثم قال: يا فلان أتمنُّ على أهل الحق بحقهم وهم بما في يديك أحق وأولى؟ وقال عمار: أناشدكم الله أما سلمنا على أمير المؤمنين هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله علیه و آله) بإمرة المؤمنين؟ فوثب عمر وزجره عن الكلام، وقام أبو بكر، فبعث علي عليه السلام خولة إلى دار أسماء بنت عميس، وقال لها: خذي هذه المرأة، أكرمي مثواها، فلم تزل خولة عند أسماء إلى أن قدم أخوها وزوجها من علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكان الدليل على علم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفساد ما يورده القوم من سبيهم وأنه (عليه السلام) تزوج بها نکاحا، فقالت الجماعة: یا جابر بن عبد الله أنقذك الله من حر النار كما أنقذتنا من حرارة الشك)(1).

فمن خلال كلام هذا الصحابي والروايات التي وردت عنه في أحقية علي في الخلافة توضح لنا رأيه بجميع الحكام الذين غصبوا حق علي، فكان جابر يخالف عمر بالرأي ولولا التقية لعارضه ولكن الإمام علياً كان يأمر أصحابه بالتقية في الكثير من الأمور.

ففي رواية عن جابر قال: (تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وقال: ما زلنا نتمتع حتى نهی عنها عمر)(2).

وعن أبي نضرة قال: (قلت (لجابر) إن ابن الزبير ينهي عن المتعة وإن ابن عباس يأمر بها قال (جابر): على يدي جرى الحديث؛ تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و مع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الرسول وإن هذا القرآن هذا القرآن وإنهما كانتا متعتان على عهد

ص: 192


1- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج 2، ص 589 - 593
2- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج 21، ص 12، ح 31

رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهی عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة والأخرى متعة الحج افصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمر تكم)(1).

فجابر الانصاري كان يرى أن مبايعته للخلفاء باطلة لأن الخلافة لا تكون إلا لعلي وأبنائه، وإن بايع بعضهم فذلك للتقية، لأنه رضوان الله عليه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (من أرضى سلطانا بسخط الله خرج من دين الله)(2).

وعن عوانة قَالَ: (أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أرطأة في جيش، فساروا من الشام حتى قدموا المدينة، وعامل المدينة يومئذ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففر أبو أيوب ولحق بعليّ رضي الله عنه، ودخل بسر المدينة، فصعد منبرها، فقال: أين شيخي الَّذي عهدته هنا بالأمس؟ يعني عثمان رضي الله عنه - ثم قال: يا أهل المدينة، والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت فيها محتلما إلا قتلته. ثم أمر أهل المدينة بالبيعة لمعاوية وأرسل إلى بني سلمة، فقال: ما لكم عندي أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله. فأخبر جابر، فانطلق حتى جاء إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ماذا ترين؟ فإنّي خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلالة. فقالت: أرى أن تبایع، وقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع. فأتی جابر بسرا فبايعه لمعاوية، وهدم بسر دوراً بالمدينة، ثم انطلق حتى أتی مكة، وبها أبو موسى الأشعري، فخافه أبو موسى على نفسه أن يقتله فهرب، فقيل ذلك لبسر فقال: ما كنت لأقتله، وقد خلع عليا ولم يطلبه).(3)

ص: 193


1- الغدير، الشيخ الأميني، ج 6، ص 210
2- الكافي، ج 2، ص 373
3- الاستیعاب، ج 1، ص 162

فجابر عمل بالتقية وقد تكون التقية واجبة في بعض الأحيان لكي لا يقع الإنسان بالتهلكة ويوقع الاخرين، عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه)، قال: (لا جناح علي في طاعة الظالم اذا اكرهني عليها اي: التقية)(1).

وعلى الرغم من علمه إلا أنه كان يرجع إلى أم سلمة كونها حليلة رسول الله وسيدة عظيمة فيسألها، فهذه المواقف تبرهن على سلامة فكره ونقاء قلبه وأنه لا يبدل دينه، وذلك لرجوعه إلى الثقات في هذه المواقف الصعبة والحاسمة.

فكان جابر يعلم بضلالة معاوية، وجميع الحكّام الذين غصبوا حق علي (عليه السلام)، إلا أن الظروف تحكم بالتقيّة، وكان (رضوان الله عليه) وبعض الصحابة المقربين والمعروفين بالولاء لأمير المؤمنين (عليه السلام) يترددون على معاوية ويجالسونه، والغاية من هذه الزيارات كشف معاوية وبيان حقيقته للناس.

قال جابر: (كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام فبينا نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق فقال معاوية: عرجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل وإلى أين يريد وكان مع معاوية أبو الأعور السلمي وولدا معاوية خالد ويزيد وعمرو بن العاص قال: فعرجنا إليه فقال له معاوية: من أين أقبلت ياشيخ وإلى أين تريد؟ فلم يجبه الشيخ فقال [له] عمرو بن العاص: لمالا تجيب أمير المؤمنين! فقال الشيخ: إن الله جعل التحية غير هذه! فقال معاوية: صدقت یا شیخ [أصبت] وأخطأنا وأحسنت و أسأنا السلام عليك يا شيخ. فقال [الشيخ] وعليك السلام. فقال معاوية: ما اسمك يا شيخ؟ فقال: اسمي جبل وكان ذلك الشيخ طاعنا في السن بيده شيء من الحديد ووسطه مشدود بشريط من ليف المقل وفي رجليه نعلان من ليف المقل وعليه کساء قد سقط لحامه وبقي سدانه وقد بانت

ص: 194


1- المبسوط، السرخسی، ج 24، ص 47

شراسيف خديه وقد غطت حواجبه على عينيه. فقال معاوية: يا شيخ من أين أقبلت وإلى أين تريد؟ قال: أتيت من العراق أرید بیت المقدس قال معاوية: كيف ترکت العراق؟ قال: على الخير والبركة والنفاق. قال: لعلك أتيت من الكوفة من الغري؟ قال الشيخ: وما الغري؟ قال معاوية: الذي فيه أبو تراب. قال الشيخ: من تعني بذلك ومن أبو تراب؟ قال ابن أبي طالب. قال له الشيخ: أرغم الله أنفك ورض الله فاك ولعن الله أمك وأباك ولم لا تقول: الإمام العادل والغيث الهاطل يعسوب الدين وقاتل المشركين والقاسطين والمارقين وسيف الله المسلول ابن عم الرسول وزوج البتول تاج الفقهاء وكنز الفقراء وخامس أهل العباء والليث الغالب أبو الحسنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام. فعندها قال معاوية: يا شيخ إني أرى لحمك ودمك قد خالط لحم علي بن أبي طالب عليه السلام ودمه حتى لو مات علي ما أنت فاعل؟ قال: لا أتهم في فقده ربي وأجلل في بعده حزني وأعلم أن الله لا يميت سيدي وإمامي حتى يجعل من ولده حجة قائمة إلى يوم القيامة. فقال: يا شيخ هل ترکت من بعدك امرا تفتخر به؟ قال: تركت الفرس الاشقر والحجر والمدر والمنهاج لمن أراد المعراج قال عمرو بن العاص: لعله لا يعرفك يا أمير المؤمنين. فسأله معاوية فقال: يا شيخ أتعرفني قال الشيخ: ومن أنت؟ قال: أنا معاوية بن أبي سفيان أنا الشجرة الزكية والفروع العلية سيد بني أمية. فقال له الشيخ: بل أنت اللعين على لسان نبيه وفي كتابه المبين إن الله قال: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» والشجرة الخبيثة والعروق المجتثة الخسيسة الذي ظلم نفسه وربه وقال فيه نبيه الخلافة محرمة على أبي سفيان، الزنيم ابن الزنيم ابن آكلة الأكباد الفاشي ظلمه في العباد. فعندها اغتاظ معاوية وحنق عليه فرد يده إلى قائم سيفه وهمَّ بقتل الشيخ ثم قال: لولا أن العفو حسن لأخذت رأسك، ثم قال: أرأيت لو كنت فاعلا ذلك قال الشيخ إذا والله أفوز بالسعادة وتفوز أنت بالشقاوة وقد قتل من هو أشر منك من هو خير مني وعثمان شر منك. قال معاوية: يا شيخ هل كنت حاضرا يوم الدار قال: ومايوم الدار؟

ص: 195

قال معاوية: يوم قتل علي عثمان فقال الشيخ: تالله ما قتله ولو فعل ذلك، لعلاه بأسياف حداد وسواعد شداد وكان يكون في ذلك مطيعا لله ولرسوله. قال: معاوية: يا شيخ هل حضرت يوم صفين قال: وما غبت عنها قال: كيف كنت فيها؟ قال الشيخ: أيتمت منك أطفالا وأرملت منك إخوانا و كنتُ كالليث أضرب بالسيف تارة وبالرمح أخرى.

قال معاوية هل ضربتني بشيء قط؟ قال الشيخ: ضربتك بثلاثة وسبعين سهما، فأنا صاحب السهمين اللذين وقعا في بردتك وصاحب السهمين اللذين وقعا في مسجدك وصاحب السهمين اللذين وقعا في عضدك ولو كشفت الآن لأريتك مكانهما. فقال معاوية: ياشيخ هل حضرت يوم الجمل؟ قال: وما يوم الجمل؟ قال معاوية: يوم قاتلت عائشة عليا. قال: وما غبت عنها.

قال معاوية: یاشیخ الحق [كان] مع علي أم مع عائشة قال الشيخ: بل مع علي. قال معاوية: ألم يقل الله «وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» وقال النبي صلى الله عليه وآله [لها] أم المؤمنين! قال الشيخ: ألم يقل الله تعالى: يا نساء النبي: «و قرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى «وقال النبي صلى الله عليه و آله: أنت يا علي خليفتي على نسواني وأهلي وطلاقهن بيدك، أفترى في ذلك معها حق حتى سفكت دماء المسلمين وأذهبت أموالهم فلعنة الله على القوم الظالمين وكامرأة نوح في النار ولبئس مثوى الكافرين. قال معاوية يا شيخ ما جعلت لنا شيئا نحتج به عليك فمتی ظلمت الأمة وطفيت عنهم قناديل الرحمة قال لما صرت أميرها وعمرو بن العاص وزيرها. قال فاستلقي معاوية على قفاه من الضحك وهو على ظهر فرسه فقال: يا شيخ هل من شيء نقطع به لسانك؟ قال: وماذا قال عشرون ناقة حمراء محملة عسلا وبرا وسمنا وعشرة آلاف درهم تنفقها على عيالك و تستعين بها على زمانك قال الشيخ: لست أقبلها. قال: ولم ذلك. قال الشيخ: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: درهم حلال خير من ألف درهم حرام. قال معاوية: لئن أقمت في دمشق لأضربن عنقك قال: ما

ص: 196

أنا مقيم معك فيها.

قال معاوية: ولم ذلك؟ قال الشيخ: لأن الله تعالى يقول: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ» [113 / هود: 11]. وأنت أول ظالم وآخر ظالم. ثم توجه الشيخ إلى بيت المقدس)(1).

ولجابر موقف بطولي كهذا، ففي مروج الذهب، وقد كان قدم إلى معاوية بدمشق، فلم يأذن له أياماً، فلما أذن له قال: يا معاوية، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حجب ذا فاقة وحاجة حجبه الله يوم القيامة، يوم فاقته وحاجته» فغضب معاوية، وقال له لقد سمعته يقول: «إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتی تردوا على الحوض» أفلا صبرت؟ قال: ذكرتني ما نسيت، وخرج فاستوى على راحلته ومضى، فوجه إليه معاوية بستمائة دينار، فردها وكتب إليه:

وإني لأختارُ القنوعَ على الغنى

إذا اجتمعا والماءُ بالباردِ المحضِ

وأقضي على نفسي إذا الأمر نابني

وفي الناس من يقضي عليه ولا يقضي

وألبسُ أثوابَ الحياءِ، وقد أری

مكان الغنى أن لا أهينُ به عرضي

وقال لرسوله: قل له والله يا ابن آكلة الأكباد لا وجدتَ في صحيفتك حسنة أنا سببها أبداً)(2).

فأي موقف أوضح من هذا حتى يتبين للبعض ضلالة هؤلاء الحكام، وكان جابر

ص: 197


1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 33، ص 247 - 250
2- مروج الذهب و معادن الجواهر، المسعودي، ج 3، ص 115

قد سمع من النبي أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (يموت معاوية على غير ملتي)(1).

وعن البراء بن عازب قال: (أقبل أبو سفيان ومعه معاوية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم): «اللهم العن التابع والمتبوع، اللهم عليك بالأقيعس» فقال ابن البراء لأبيه: من الأقيعس؟ قال معاوية)(2).

عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: (إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «شر خلق الله خمسة: إبليس، وإبن آدم الذي قتل أخاه، و فرعون ذو الأوتاد، ورجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم، ورجل من هذه الأمة يبايع على كفره عند باب لد».

قال الرجل: إني لما رأيت معاوية بايع عند باب لد ذكرت قول رسول الله، فلحقت بعلي فكنت معه)(3).

فهذه شواهد اخرى من أُناسٍ سمعوا من النبي عن ضلالة معاوية وأنه ملعون کما لعن ابيه.

ومن خلال قراءتنا عن هذا الصحابي لم نجده بايع الحكام الذين عاصرهم سوى بسر وتلك البيعة واضحة انها بيعة جبر وأنه كان مكرهاً على ذلك، وإن كان قد بايع غيره فهو أيضاً مكره لأنه يعلم جيداً أن الحكم لا یکون ولا يليق الا لعلي وأبنائه.

وكان جابر يحدث الناس عن مناقب آل البيت و فضلهم ويعترض على الكثير من الأحكام الخاطئة لذا كان الحكام الضالون يغتاظون منه ولكن موقعه بين الناس يجعلهم لا يتكلمون معه ورغم ذلك قام الحجاج بالختم على يده لكي يقلل من شأنه

ص: 198


1- وقعة صفين، ج 1، ص 217
2- المصدر السابق، ص 217
3- المصدر السابق، ص 217

بين الناس، ففي اسد الغابة (أرسل الحجاج سنة أربع وسبعين إِلَى سهل بن سعد رضي الله عنه، وقال له: ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟ قال: قد فعلته، قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه، وختم أيضاً في عنق أنس بن مالك رضي الله عنه، حتى ورد عليه کتاب عَبد المَلِكِ بن مروان فيه، وختم في يد جابر بن عَبد اللهِ، يريد إذلالهم بذلك، وأن يجتنبهم الناس، ولا يسمعوا منه)(1).

فموقف هذا الصحابي واضح إزاء بني أمية وحكامهم الفاسدين فقد كان جابر من انصار سيد الشهداء وقد اشرنا إلى ذلك في المبحث الثاني، فقد كانت ثورة جابر لها الدور الكبير في فضح بني امية بقتلهم الحسين، فكان جابر قائد تلك الجموع فهو الصحابي الأول الذي بادر بذلك العمل.

ص: 199


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 575

ص: 200

الخاتمة

من خلال بحثنا هذا حول هذه الشخصية العريقة توصلنا إلى نتائج عدة منها:

أولاً: كان جابر بن عبد الله الأنصاري بدرياً أحدياً شجرياً، شارك مع النبي (صلى الله عليه وآله) أغلب الغزوات وكان تحت لوائه، ومن ثم شارك في حروب الإمام علي (عليه السلام) وكان تحت لوائه أيضاً، وهذا الأمر يكشف عن أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الحق، کون هذا الصحابي الجليل من الثقات ومن الذين سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكثير من الأحاديث التي تشير على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) و صي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو نفسه.

ثانياً: من أكثر الصحابة الذين رووا عن النبي والعترة (صلوات الله وسلامه عليهم)، وهذه الروايات تبرهن على مدى ملازمته للنبي والعترة لذا وجب طاعته واتباعه والأخذ منه كونه صحابياً مقرباً.

ثالثا: كان جابر من الثقات لدى أهل البيت (عليه السلام) لذا كلف بنشر هذه الأخبار وهذه الروايات وبثها بين الناس، كي يبين مظلومية النبي والعترة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

رابعاً: يعد جابر الأنصاري من قرناء سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وهذا ما أشارت إليه روايات أهل البيت (عليهم السلام).

خامساً: کشف البحث عن جملة من الخصائص التي تميز بها جابر الأنصاري

ص: 201

منها:

أ- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحقه: (انت منا، أحب الله من أحبك وأبغض الله من أبغضك).

ب- ضمانه شفاعة الإمام محمد الباقر (عليه السلام).

ج- قال عنه الإمام الصادق والإمام الرِّضا (عليهما السلام): (من تجب ولايته)، فجابر من الثابتين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا دينهم لذا وجب علينا ولايته.

سادساً: إن الكرامات التي حدثت لهذا الصحابي دليل على أن إيمانه مختلف لذا حضي بمكانة عند النَّبي والعترة (عليهم السلام).

سابعاً: موقفه تجاه من غصب حق علي والعترة في أمر الخلافة وهذا يدل على أن المغتصبين كانوا على ضلال.

ثامناً: كان جابر حلقة وصل بين الناس وأهل البيت (عليهم السلام).

ص: 202

المصادر

- القرآن الكريم

1. تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1404 - 1363 ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

2. أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر، المتوفي: (571) ه، المحقق: عمرو بن غرامة العمروي، الناشر: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع عام النشر: 1415 ه - 1995 م عدد الأجزاء: 80 (74 و 6 مجلدات فهارس).

3. الاحتجاج، الشيخ الطبرسی، الوفاة: (548)، تحقيق: تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، سنة الطبع: 1386 - 1966 م، الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر.

4. الاختصاص، الشيخ المفيد، الوفاة: (413)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

5. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، الوفاة: (460)، تحقيق: تصحیح و تعليق: میر داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، سنة الطبع: 1404، المطبعة: بعثت - قم الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء الترا.

6. الإرشاد، الشيخ المفيد، الوفاة: (413)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لتحقيق التراث، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، المطبعة: الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

7. الإستنصار، أبي الفتح الكراجكي، الوفاة: (449)، تحقيق: الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1405، المطبعة: الناشر: دار الأضواء - بيروت - لبنان.

ص: 203

الاستیعاب، ابن عبد البر، الوفاة: 463، تحقيق: علي محمد البجاوي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1412 - 1992 الناشر: دار الجيل - بيروت - لبنان.

9. أسد الغابة، ابن الأثير، الوفاة: (630)، دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان.

10. الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المتوفي: 852 ه، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلی محمد معوض الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى - 1415 ه عدد الأجزاء: 8. 11. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، الوفاة: (1371)، تحقيق: تحقیق و تخریج: حسن الأمين، الطبعة: الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان.

12. الأمالي الشيخ الصدوق الوفاة: (381)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417 الناشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

13. الأمالي الشيخ الطوسي، الوفاة: (460)، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1414، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم.

14. الانتصار العاملي، الوفاة: معاصر، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1422، الناشر: دار السيرة - بيروت - لبنان.

15. الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف المؤلف: الشيخ السبحاني، الوفاة: معاصر، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1423 - 1381 ش، المطبعة: اعتماد - قم، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام). 16.

16. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، الوفاة: (1111)، الطبعة: الثانية المصححة، سنة الطبع: 1403 - 1983 م، المطبعة: الناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان.

17. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، الوفاة: (1107)، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية، مؤسسة البعثة - قم

ص: 204

18. بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)، الوفاة: (290)، تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج میرزا حسن کوچه باغي، الطبعة: سنة الطبع: 1404 - 1362 ش، المطبعة: مطبعة الأحمدي - طهران، الناشر: منشورات الأعلمي - طهران.

19. البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، الوفاة: (1413)، تحقيق: الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1395 - 1975 م، الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

20. التاريخ الكبير، البخاري، الوفاة: 256، الناشر: المكتبة الإسلامية.

21. تاریخ بغداد، الخطيب البغدادي، الوفاة: (463)، تحقيق: دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417 - 1997 م.

22. تذكرة الحفاظ، الذهبي، الوفاة: (748)، تحقيق: المطبعة: الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

23. تذكرة الفقهاء: العلامة الحلي، الوفاة: (726)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: محرم 1414، المطبعة: مهر - قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - قم.

24. التفسير الأصفى، الفيض الكاشاني، الوفاة: (1091)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418 - 1376 ش، المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

25. تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، الوفاة: (320)، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة: الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

26. تفسير القرآن العظيم (تفسیر ابن کثیر)، ابن کثیر، الوفاة: (774)، تحقيق: تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الطبعة: سنة الطبع: 1412 - 1992 م، المطبعة: الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

27. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، الوفاة: نحو (329)، تحقيق: تصحيح

ص: 205

وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: صفر 1404، الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - ایران.

28. الثاقب في المناقب، ابن حمزة الطوسي، الوفاة: (560)، تحقيق: نبيل رضا علوان، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1412، المطبعة: الصدر - قم، الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر - قم المقدسة.

29. الخصال، الشيخ الصدوق، الوفاة: (381)، حقیق: تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة: سنة الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش، المطبعة: الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

30. جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، الوفاة: (1383)، سنة الطبع: 1399، المطبعة: المطبعة العلمية - قم.

31. جامع السعادات، ملا محمد مهدي النراقي، الوفاة: (1209)، المجموعة: الأخلاق، تحقيق: تحقیق وتعليق: السيد محمد کلانتر، تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر، الطبعة: سنة الطبع: المطبعة: مطبعة النعمان - النجف الأشرف.

32. الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، الوفاة: (327)، تحقيق: الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1371 - 1952 م، المطبعة: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدين - الهند، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.

33. خاتمة المستدرك، ميرزا حسين النوري الطبرسي، الوفاة: (1320)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: رجب 1415، المطبعة: ستارة - قم، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم - ایران.

34. الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، الوفاة: (573)، المجموعة: مصادر الحديث الشيعية - القسم العام، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، الطبعة: الأولى، كاملة محققة، سنة الطبع: ذي الحجة 1409، المطبعة: العلمية - قم، الناشر: مؤسسة الإمام المهدي - قم المقدسة.

ص: 206

35. خلاصة عبقات الأنوار، السید حامد النقوي، الوفاة: (1306)، سنة الطبع: 1405، المطبعة: خیام، مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية - طهران - ایران.

36. الخلاف الشيخ الطوسي، الوفاة: 460، تحقيق: جماعة من المحققين، الطبعة: سنة الطبع: جمادي الآخرة 1407، المطبعة: الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

37. دراسات فقهية في مسائل خلافية، الشيخ نجم الدین الطبسي، تحقيق: الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1429 - 1387 ش، المطبعة: مطبعة مؤسسة بوستان کتاب، الناشر: مؤسسة بوستان کتاب (مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي).

38. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، الوفاة: (363)، تحقيق: آصف بن على أصغر فيضي، الطبعة: سنة الطبع: 1383 - 1963 م، دار المعارف - القاهرة.

39. الدعوات (سلوة الحزين)، قطب الدين الراوندي، الوفاة: (573)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1407، المطبعة: أمير - قم، الناشر: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم.

40. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين البيهقي، الوفاة: (458)، تحقيق: وثق أصوله وخرج حديثه وعلق عليه: الدكتور عبد المعطي قلعجي الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1405 - 1985 م، المطبعة: الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

41.

ذخائر العقبی، احمد بن عبد الله الطبري، الوفاة: (694)، تحقيق: سنة الطبع: 1356، الناشر: مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي - القاهرة.

43. الرجال أحمد بن محمد بن خالد البرقي، الوفاة: (274)، تحقيق، المطبعة: چاپخانه دانشگاه تهران، الناشر: انتشارات دانشگاه تهران شماره 857.

43. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول) الوفاة: (1070)، المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن، تحقيق: نمقه وعلّق عليه وأشرف

ص: 207

على طبعه «السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي.

44. روضة الواعظين الفتال النيسابوري، الوفاة: (508)، تحقيق: تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الطبعة: سنة الطبع: المطبعة: الناشر: منشورات الشريف الرضي - قم.

45. الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان)، الوفاة: نحو (660)، تحقيق: علي الشكر چي، الطبعة: الأولى، 1423.

46. سعد السعود، السید ابن طاووس، الوفاة: (664)، تحقيق: الطبعة: سنة الطبع: 1363، المطبعة: أمير - قم، الناشر: منشورات الرضي - قم.

47. سنن الترمذي، الترمذي، الوفاة: (279) تحقيق: تحقیق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1403 - 1983 م، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

48. سنن الدارمي، عبد الله بن الرحمن الدارمي، الوفاة: (255)، سنة الطبع: 1349، المطبعة: مطبعة الاعتدال - دمشق.

49. سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، السيد الطباطبائي، الوفاة: (1402)، الطبعة: الخامسة، 1370 ش، المطبعة: چاپ اسلامية، الناشر: کتابفروشي اسلامية.

50.

سير أعلام النبلاء، الذهبي، الوفاة: (748)، تحقيق: إشراف وتخریج: شعیب الأرنؤوط، تحقيق: حسين الأسد الطبعة: التاسعة، سنة الطبع: 1413 - 1993 م، المطبعة: الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان.

51.

شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، الوفاة: (1411)، تحقيق: تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، الطبعة: سنة الطبع: الطبعة: الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمی المرعشي النجفي - قم - ایران.

52. شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، الوفاة: (363)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414، المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر

ص: 208

الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

53. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، الوفاة: (656)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1378 - 1959 م، المطبعة: الناشر: دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه.

54. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، الحاكم الحسكاني، الوفاة: ق 5، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1411 - 1990 م: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

55. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، الوفاة: 261، دار الفكر - بيروت - لبنان.

56. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلی الله علیه و آله)، السيد جعفر مرتضى العاملي، الوفاة: معاصر، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1426 - 1385 ش المطبعة: دار الحديث، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر - قم - ایران.

57. الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدین (عليه السلام)، الوفاة: (94)، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418، المطبعة: الناشر: دفتر نشر الهادي.

58. الطبقات الکبری، ابن سعد، الوفاة: 230،: الطبعة: سنة الطبع: المطبعة: دار صادر - بيروت، الناشر: دار صادر - بيروت.

59. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، الوفاة: (381)، تحقيق: تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، سنة الطبع: 138 - 1966 م، المطبعة: الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.

60. عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، ابن البطريق، الوفاة: (600)، تحقيق: الطبعة: سنة الطبع: جمادي الأولى 1407، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

61. عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، الوفاة: (381)، تحقيق: تصحیح و تعلیق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة: سنة الطبع: 1404 - 1984

ص: 209

م، المطبعة: مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.

62. غاية المرام و حجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، السيد هاشم البحراني، الوفاة: 1107، تحقيق: السيد علي عاشور.

63. الغدير، الشيخ الأميني، الوفاة: (1392)، تحقيق: الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1397 - 1977 م، المطبعة: الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان.

64. تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، الوفاة: 4)، تحقيق: تحقیق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1415 - 1995 م، المطبعة: الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت - لبنان.

65. الفوائد الرجالية، السید مهدی بحر العلوم، الوفاة: (1212)، تحقيق: تحقیق وتعليق: محمد صادق بحر العلوم، حسین بحر العلوم الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1363 ش، الناشر: مكتبة الصادق - طهران.

66. قرب الاسناد، الحميري القمي، الوفاة: (304)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1413، المطبعة: مهر - قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - قم.

67.

الكافي، الشيخ الكليني، الوفاة: (329)، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1363 ش المطبعة: حيدري الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

68.

کشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي، الوفاة: (693)، الطبعة: الثانية سنة الطبع: 1405 - 1985 م الناشر: دار الأضواء - بيروت - لبنان.

69. كفاية الأثر، الخزاز القمي، الوفاة: (400)، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، الطبعة: سنة الطبع: 1401، المطبعة: الخيام - قم الناشر: انتشارات بیدار.

ص: 210

70. کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، الوفاة: (381)، سنة الطبع: محرم الحرام 1405 - 1363 ش: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

71. لسان العرب، ابن منظور، الوفاة: (711)، سنة الطبع: محرم 1405، الناشر: نشر أدب الحوزة.

72. العلل، الإمام أحمد بن حنبل، الوفاة: 241، تحقيق: الدكتور وصي الله بن محمود عباس، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1408، المطبعة: المكتب الإسلامي - بيروت، الناشر: دار الخاني - الرياض.

73. لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، الوفاة: (1371)، سنة الطبع: 1331، المطبعة: مطبعة العرفان - صيدا، الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم.

74. مائة منقبة، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي (ابن شاذان) الوفاة:ح 412، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)، إشراف: السيد محمد باقر بن المرتضى الموحد الأبطحي الطبعة: الأولى المحققة المسندة سنة الطبع: ذي الحجة 1407، المطبعة: أمير - قم، الناشر: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) بالحوزة العلمية - قم المقدسة.

75. المبسوط، السرخسي، الجزء: 24، الوفاة: 483، مخطوط: لا تحقيق: الطبعة: الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

76. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، الوفاة: (1085)، تحقيق: الطبعة: الثانية، سنة الطبع: شهریور ماه 1362 ش، المطبعة: چاپخانهء طراوت، الناشر: مرتضوي.

77. مجمع الزوائد، الهيثمي، الوفاة: (807)، سنة الطبع: 1408 - 1988 م، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

78. محمد بن جریر الطبري (الشيعي)، الوفاة: ق 4، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1413، الناشر: مرکز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

79. محمد يوسف بن محمد إلياس بن محمد إسماعيل الكاندهلوي، المتوفي:

ص: 211

(1384 ه)، حققه، وضبط نصه، وعلق عليه: الدكتور بشار عوّاد معروف، الطبعة: الأولى، 1420 ه - 1999 م.، الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان،

80. مدينة المعاجز السيد هاشم البحراني، الوفاة: (1107)، مخطوط: لا، تحقیق: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1413 المطبعة: بهمن، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - ایران.

81. مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، الوفاة: (346)، تحقيق: الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1404 - 1363 ش - 1984 الناشر: منشورات دار الهجرة ایران - قم.

82. مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، الوفاة: (1320)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى المحققة، سنة الطبع: 1408 - 1987 م، المطبعة: الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - بيروت - لبنان.

83. المسح في وضوء الرسول (صلی الله علیه و آله)، محمد الحسن الآمدي، الوفاة: معاصر، تحقيق: الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1420.

84. مسند أحمد، الإمام أحمد بن حنبل، الوفاة: (241)، المجموعة: مصادر الحديث السنية - قسم الفقه الناشر: دار صادر - بيروت - لبنان.

85. مسند الإمام علي (عليه السلام)، السيد حسن القبانجي، الوفاة: معاصر، تحقيق: التحقيق: الشيخ طاهر السلامي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1421 - 2000 م، المطبعة: الأعلمي، الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات بيروت - لبنان.

86. مشارق أنوار اليقين المؤلف: الحافظ رجب البرسي، الوفاة: ح 813، تحقيق: السيد علي عاشور، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1419 - 1999 م، المطبعة: الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت - لبنان.

87. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، الوفاة: (381)، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي

ص: 212

أكبر الغفاري سنة الطبع: 1379 - 1338 ش المطبعة: الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

88. المغازي، الواقدي، الوفاة: (207)، تحقيق: الدكتور مارسدن جونس، الطبعة: سنة الطبع: رمضان 1405، المطبعة: الناشر: نشر دانش اسلامي.

89. مفاتیح الجنان (عربي)، الشيخ عباس القمي (مترجم: نجفي)، الوفاة: (1359)، تحقيق: تعريب: السيد محمد رضا النوري النجفي، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: 1385 ش - 2006 م، المطبعة: البعثة - قم، الناشر: مكتبة العزيزي - قم.

90. مکارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، الوفاة: (548)، الطبعة: السادسة، سنة الطبع: 1392 - 1972 م، المطبعة: الناشر: منشورات الشريف الرضي.

91. ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، العلامة المجلسي، الوفاة: 1111، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، سنة الطبع: 1406، المطبعة: مطبعة الخيام - قم، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي - قم.

92. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، الوفاة: (588)، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الطبعة: سنة الطبع: 1376 - 1956 م، المطبعة: الحيدرية - النجف الأشرف الناشر: المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف.

93. مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، الوفاة: ح (300)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: محرم الحرام 1412، المطبعة: النهضة، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة.

94. منتهى المطلب (ط.ج) المؤلف: العلامة الحلي، الوفاة: (726)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1412، المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة.

95. نهج البلاغه، خطب الإمام علي (عليه السلام) (تحقيق صالح)، الوفاة: (40)، تحقيق: ما أختاره و جمعه الشريف الرضي، ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: الدكتور

ص: 213

صبحي صالح، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1387 - 1967 م.

96. الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، الوفاة: (334)، تحقيق: الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1411 - 1991 م، المطبعة: مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

97. الوافي: الفيض الكاشاني، (ت: 1091)، تحقيق: مركز التحقيقات الدينية والعلمية في مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ط 1، محرم الحرام 1415 ه. ق، تير 1373 ه. ش، المطبعة: طباعة أفست نشاط أصفهان، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامة - أصفهان.

98. وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، الوفاة: (212)، تحقيق: تحقیق وشرح: عبد السلام محمد هارون، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1382، المطبعة: المدني - مصر الناشر: المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع - القاهرة.

99. ينابيع المودة لذوي القربی، القندوزي، الوفاة: (1294)، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1416، المطبعة: أسوه.

ص: 214

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

المقدمة...9

الفصل الأول مواقفه ومآثره من رسول الله (صلی الله علیه و آله)

المبحث الأول هويته الشخصية...16

المسألة الأولى: اسمه، کنیته، حليته، ابناءه، ووفاته...16

المسألة الثانية: والداه...21

المبحث الثاني: مآثره في حياة النبي (صلی الله علیه و آله)...31

المسألة الأولى: مشاركته مع النبي (صلی الله علیه و آله) في غزواته وحروبه...32

المسألة الثانية: ملازمته للنبي (صلی الله علیه و آله) و آثارها...42

1. ذيوع صيته...44

2. منزلته...44

3. مستواه العلمي...44

4. مستواه الإيماني...55

5. مستواه العقائدي...58

6. كثير الرواية...64

7. مستواه التربوي...70

ص: 215

المبحث الثالث: بیان منزلته من النبي (صلی الله علیه و آله) و فاطمة (علیها السلام)...75

المسألة الأولى: منزلته من النبي (صلی الله علیه و آله) و فاطمة (علیها السلام)...75

المسألة الثانية: خصائصه مع النبي (صلی الله علیه و آله) وذکر کراماته...84

الفصل الثاني مواقفه ومآثره في زمن الأئمة المعصومين (علیهم السلام)

المبحث الأول: حياته ومواقفه مع الإمام علي (علیه السلام)...99

المسألة الأولى: ملازمته لأمير المؤمنين (علیه السلام)...99

المسألة الثانية: نصرته للإمام علي (علیه السلام)...115

1. نصرته بسيفه...116

2. نصرته بلسانه...125

المبحث الثالث: جابر والحسنان (علیهما السلام)...134

المسألة الأولى: معرفته بفضلهما (علیهما السلام)...135

المسألة الثانية: معرفته لأبناء فاطمة (علیها السلام)...142

المبحث الثالث: علاقته بالإمامين السجاد والباقر (علیهما السلام) وموقفه من حكام عصره...155

المسألة الأولى: جابر وعلاقته بالإمام السجاد (علیه السلام)...155

المسألة الثانية: جابر ولقاءه بالإمام الباقر (علیه السلام)...163

المسألة الثالثة: موقفه مع حكام عصره...179

الخاتمة...201

المصادر...203

ص: 216

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.