ابوقتادة الانصاري الصحابي البدري الرافضي

هوية الکتاب

ابوقتادة الانصاري الصحابي البدري الرافضي

ISBN 98 - 93- 5 Il789933582302 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 3020 لسنة 2017.

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم التصنيف: 2017 BP32.5.A26F3 المؤلف الشخصي: فاضل، علي عباس.

العنوان: أبو قتادة الأنصاري: الصحابي البدري الرافضي / بيان المسؤولية: تأليف علي عباس فاضل؛ تقديم السيد نبيل قدوري الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.

بيانات النشر کربلاء، العراق، العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 - 2017 م الوصف المادي: 136 صفحة.

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة سلسلة حياة السلف الصالح صحابة الإمام علي عليه السلام 4.

تبصرة ببليوغرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر: الصفحات (113 - 134).

موضوع شخصي: أبو قتادة الأنصاري، الحارث بن ربعي بن رافع، توفي حوالي 38 للهجرة - نقد وتفسير.

موضوع شخصی: محمد (صلی الله عليه وآله)، نبي الإسلام، 53 قبل الهجرة - 11 للهجرة - أصحاب.

مصطلح موضوعي: الصحابة والتابعون - تراجم.

مصطلح موضوعي: سقيفة بني ساعدة - شبهات.

مؤلف اضافي: السيد نبيل قدوري الحسني مقدم.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

سلسلة حیاة السلف الصالح صحابة الإمام علي علیه السلام البدريون : 4 تأليف مم. م. علي عباس فاضل

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2017 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email inahj.org@gmail.com موبايل: 07815012933 تنويه:

إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

أين الخلف من هذا السلف!؟ الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والصلاة والسلام على خير الأنمام محمد وآله الطيبين الطاهرني.

أما بعد:

لم يزل الإمام علي (عليه السلام) الفاروق بين الحق والباطل والمحك الذي يكشف الإيمان من النفاق، والفئة العادلة من الباغية، والسنّة من البدعة، والصالح من الطالح، ولأن الدين هو أثمن ما لدى العاقل فقد احتاج العاقل إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ ولأن الدعوة إلى التمسك بالسلف الصالح أصبحت اليوم شعار الخلف كان لا بد من الرجوع إلى أولئك السلف؛ لنرى أين كانوا؟ أو تحت أي راية ساروا؟ وإلى أي فئة

ص: 5

انتسبوا؟ وأي ستة أحيوا؟ وأي بدعة أماتوا؟ ولأجل ذلك ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم مكنزاً معرفياً يعيد رسم صورة من الإسلام، ويوضح الطريق لمن تشوق لمعرفة رجال صدقوا في إيمانهم وكانوا دعاة ربانيين للإسلام وعاملين مجدين في بناء الحضارة الإنسانية منذ أن شرّفهم الله بالإسلام وصحبة رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) والتمسك بأخيه ووصيه وخليفته في أمته، وولي من كان المصطفی (صلی الله علیه و آله) نبيه.

فكانوا صحابة وموالين، وسلفا صالحا، لمن أراد أن يعلم من هم السلف الصالح ومن أميرهم ومولاهم حتى قال فيهم الحاكم النيسابوري في مستدرکه نقلاً عن الحكم: (شهد مع علي معركة - صفين ثمانون بدرياً وخمسون ومئتان ممن بايعوا تحت الشجرة)(1)، ولأجل معرفة هؤلاء (البدريون والشجريون) الذين كانوا يقاتلون تحت راية الإمام علي (عليه السلام) في حربه للفئة الباغية معاوية وحزبه وأشياعه، وممن لم يشتركوا لكنهم عرفوا بموالاتهم لعلي (عليه السلام).

ولذا شرعت المؤسسة بالبحث والدراسة لهذا السلف الصالح وبیان شخصيتهم وسيرتهم العطرة، ضمن سلسلة ستصدر تباعاً والموسومة ب(سلسلة حياة السلف الصالح صحابة الإمام علي عليه السلام) فقدمنا منهم الصحابة البدريين والسابقين من المهاجرين والأنصار فإن وفقنا الله لإكمالهم شرعنا بأهل البيعة تحت الشجرة.

ص: 6


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 180

وكان من هؤلاء الصاحابة الأجلاء الصحابي (أبو قتادة الأنصاري) الذي كان أول الصحابة الذين نالهم ظلم السقيفة ومكامنها، فقد كذبوه عندما قدّم شهادته في مالك بن نويرة، ولم يأخذوا بما قاله بل تجاهلوه وكذبوه، مما جعله بعد أن كان معهم إلى مقاطعتهم واعتزالهم لأنه رأى ما هم فيه من باطل ولم يكن همهم إحياء الدين بل جاءوا لأجل غایات دنیوية، لذا فقد تركهم واغمد سيفه ولم يقف مع أحد منهم إلى أن جاء أمير المؤمنين عليه السلام حتى نراه جندياً مقاتلاً وقائداً شجاعاً وأول حاكم في عهد أمير المؤمنين عليه السلام ومن المقربين لدى الإمام عليه السلام فهذا الصحابي قد حاولوا أهل السير والتاريخ طمس كل موقف منه وخصوصاً ما يتعلق بموقفه من الخلافة، ووضع بعض الأكاذيب عليه، لذا جاء هذا البحث ليكشف عن هذه الشخصية ويبين مواقفها ومناقشتها، لترى النور بين يدي القارئ الكريم.

فجزى الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره والحمد لله رب العالمين..

السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 7

ص: 8

مقدمة

الْحَمْدُ للهِ کُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ، وَالْحَمْدُ للهِ لاَحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ، وَالْحَمْدُ للهِ غَيْرَ مَفْقُودِ الأنْعَام، وَلاَ مُکَافَأ الأفْضَالِ، والصلاة والسلام على خير الخلقَ، رسولنا وآله الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

أما بعد:

فإن البحث في التراث الإسلامي بحث يحتاج إلى تأمل ودربة ووعي ومناقشة القضايا التي لها خصوصية في حياة هذه الأمة، فلا يمكن للباحث الاعتماد على كل ما جاء في هذا التراث من دون تفحصه ومناقشته و بیان حقيقته، ومن ثم الأخذ به أو لا، فقد شاب هذا التراث الكثير من التزوير والتحريف على يد الحكام الذين ساروا به إلى مصالحهم ومآربهم حتى اتخذوه أداة لِشَر عنة ما هم فيه، وخصوصا وهم حکام غير شرعيين جاءوا للحكم عِبر المكر والخداع والظلم، لذا كان من الطبيعي أن يحاولوا طمس كل شيء لا يناسب مع ما فعلوه، وبهذا فقد عمدوا إلى الكتَّاب والرواة لتزوير الحقائق ونسب الفضائل لغير أهلها وانتحالها من أصحابها، وكان ما يخصُّ النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وأهل البيت علیهم السلام أكثر التراث طمسا وسرقة، لأنه يخالف أهواء الحاكم ويبين أهل الحق وما هم فيه، لذا عمد الحكام من الوهلة الأولى إلى التخلص من هذا التراث و کتابته على وفق أهوائهم، فبدأوا بالحديث الشريف

ص: 9

إذ قاموا بجمعة من كل الأمصار وحرقه ووضعوا لهذا الفعل القبيح مبررات لا حقيقة لها.

یدل ما قام به هؤلاء على أنّ هذا التراث كان يحوي ما يخالف أهوائهم حتى عمدوا إلى حرقه ومنع وصوله إلى الناس الذين لو فهموا ما به لم يبق لهؤلاء الحكام حكم، وكذلك يبين الزيف الذي أصاب هذا التراث عبر وضعهم الأباطيل التي كانوا يوردونها للعامة، ولكن رغم كل هذا إلا أن الحقيقة لا يحجبها غربال فالحق أوضح من أن توضحه تلك الثلة، فقد جاءت لنا في التراث الكثير من الحقائق التي تحتاج إلى تمحيص وتوضيح ودراسة لترى النور ويعلم الناس أن تلك الحقائق أُطمست لأجل غايات ومآرب دنيوية، لذا كان من أهم أهداف البحث هو الكشف عن الحقائق من بين هذا الكم من التزوير ودسِّ الأكاذيب في هذا التراث.

وكان من بين ذلك هذه الشخصية التي شابها الغموض في مواقفها التي تباينت الآراء فيها، فقد نُقلت حياته بصورة مختلفة دون الخوض في ما كان منه، فهذا الصحابي رفض الظلم، ووقف بوجهه، وأغمد سيفه حين تبين له الباطل الذي كان فيه أصحاب السقيفة، وأن غايتهم لم تكن إحياء الدين وتطبيق شرائعه، بل كانت لغايات شخصية ودنيوية، وخوفا من أن ينال الأمرَ أصحابُ الحق، فيقام الحق وهنا يذهب كل ما في أيدهم، لذا نرى أن أبا قتادة الأنصاري ثار بوجههم واعتزلهم لِما رأى منهم من التجاوز على حدود الله، وهكذا فِعْل من صحابي كبير كأبي قتادة له أثره، فهو فارس الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وشارك معه في مشاهده كلها حتى قال عنه رسول الله صلی الله علیه وآله: «خیر فرساننا اليوم أبو قتادة»، وكل هذا لم يكن له أي تأثير في هؤلاء

ص: 10

العصابة الفاسدة حتى تجاهلوه وتجاهلوا شهادته، بل وقد أساءوا له، وبذا يكون أصحاب السقيفة أول من أساء الصحابة رسول الله صلی الله علیه وآله عبر تكذيبهم وتجاهلهم.

ومما يلفت النظر في أبي قتادة أنه لم يناصر من جاء بعد أبي بكر الحاكم الأول من أصحاب السقيفة، لأنه عرف أنهم يسيرون على نهجه فتراه يدخل على عثمان وهو محاصر يستأذنه في العمرة! ولا يعرض عليه النصرة، وهذا يشير مدى ابتعاده عنهم وبغضه لهم.

أما مع أمير المؤمنين علیه السلام نجد هذا الصحابي مختلفا عمّا كان سابقا، فقد كان مع أمير المؤمنين علیه السلام قلبا وقالبا، فهو أول والٍ لأمير المؤمنين علیه السلام على مكة، ومن ثم صحبه إلى الكوفة وقاتل معه في مشاهده جميعها، وتراه متلهفا لقتال أعداء أمير المؤمنين علیه السلام، وعليه فهذا الصحابي ومواقفه تبين لنا ما كانت عليه الأمة آنذاك، وكيف كان التعامل مع الصحابة من قبل أصحاب السقيفة، وعلى خلافهم أمير المؤمنين علیه السلام.

وتلخص هذا الكتاب في التعرض لحياة هذا الصحابي والأحداث التي رافقتها وبعض الجوانب التي لها علاقة بمجريات البحث لتوضيح ما حدث وبيان بعض الحقائق الغامضة التي تحتاج إلى دراسة معمقة في الكشف عنها. فتناولت في التمهيد حياة الصحابي ونسبه وحقيقة مشاركته في بدر و بیان مفهوم الرفض والروافض الذي كان يطلق على كل من يخالف أصحاب السقيفة، أما الفصل الأول فكان لحياته مع رسول الله صلی الله علیه وآله وبعدها، فقد تعرضت لبعض القضايا التي حدثت في تلك الفترة، ومن ثم حياته بعد رسول الله صلی الله علیه وآله إلى عهد عثمان، وفي هذا تناولنا بعض القضايا المهمة في مسار

ص: 11

الكتاب لتوضيحها للقارئ منها موقفه مع الحكام الثلاثة وكيف اعتزلهم. وأما الفصل الثاني فقد كان لحياته مع أمير المؤمنين علیه السلام وما كان من مواقف لهذا الصحابي في مواجهة أعداء أمير المؤمنين عليه السلام، ومن ضمنها ما كان المواقفه مع عائشة ومعاوية بعد صفين حين التقى بهما. وبهذا يكون أبو قتادة الأنصاري أحد الصحابة الرافضة لأهل السقيفة ورموزها.

واعتمدت في هذا الكتاب على مجموعة من المصادر المعتبرة من كتب التاريخ وكتب الحديث الشريف ومصادر السيرة والمغازي والتفاسير وغيرها في نقل المعلومة ومناقشتها للوصول إلى الحقيقة وتقديمها للقارئ الكريم.

* * *

ص: 12

التمهيد

أولاً: اسمه وكنيته ولقبه ثانياً: كرمه وحلمه ثالثاً: أولاده رابعاً: مفهوم الرفض والروافض

ص: 13

ص: 14

أولًا: اسمه وكنيته ولقبه

من أوائل صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وكبارهم، أختلف في اسمه والأشهر هو الحارث، ويقال عمرو أو النعمان بن ربعي بن بُلدمة بضم الموحدة والمهملة بينهما ساكنة، السلمي بتشديد السين وفتحها(1)، مدنّي(2) نسبة إلى المدينة المنورة، واسمه کاملا: الحارث بْن ربعي بْن بلدمة بْن خناس بْن سنان بْن عبيد بْن عدي بْن غنم بن کعب بن سلمة بن سعد بن علي بن راشد بْن ساردة بْن زید بْن جشم بْن الخزرج، من بني سلمة(3)، قَالَ ابن إسحاق: وأهله يقولون: اسمه النعمان بن عمرو بن بلدمة بالفتح والضم، وبلذمة

ص: 15


1- سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعدیل، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (ت: 275 ه)، تحقیق: محمد علي قاسم العمري، ط 1، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1403 ه / 1983 م: 1 / 296، وينظر: الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354 ه)، ط 1، دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدكن الهند، 1393 ه - 1973 م: 3 / 74
2- الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (ت: 327 ه)، ط 1، دائرة المعارف العثمانية - حیدر آباد الدكن - الهند، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1271 ه - 1952 م: 3 / 74، ، وينظر: الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن، أبو نصر البخاري الكلاباذي (ت: 398 ه)، تحقيق: عبد الله الليثي، ط 1، دار المعرفة - بیروت، 1907 ه: 1 / 187
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت: 630 ه)، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، ط1، دار الكتب العلمية، 1415 ه - 1994 م: 1 / 605

بالذال المنقوطة، والضم أيضاً(1)، (وقيل اسمه عون وقیل مراوح)(2)، وقد غلبت كنيته على اسمه(3)، وأمه كبشة بنت مطهّر بْن حرام بْن سواد ابن غنم بْن کعب بْن سلمة(4).

فارس شجاع، له شأن مذكور(5)، لقب بفارس رسول الله صلی الله علیه وآله، فقد روي عن النبي صلی الله علیه وآله في إحدى غزواته لقبه بذلك(6). ومن صفاته كثير الشَّعر حسن الوجه فقد روي: (أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وآله: إِنَّ لِي جُمَّةً(7).

ص: 16


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، ط 1، بيروت، 1412 ه - 1992 م: 1 / 289
2- تهذيب التهذيب، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، ط 1، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، 1329 ه: 12 / 204 - 205
3- ينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة: 1 / 605
4- ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4 / 1734، وينظر : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت: 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1420 ه - 1999 م: 9 / 150
5- ينظر: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، تحقيق: الدكتور بشار عوّاد معروف، ط 1، دار الغرب الإسلامي، 2003 م: 2 / 341
6- ينظر: المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلی الله علیه وآله (صحيح مسلم)، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي - بيروت: 3 / 1433، وينظر: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: 9 / 100، وينظر: سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (ت: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، 1927 ه - 2009 م: 6 / 78
7- الجُمَّة: الشّعْر المجموع، وَهُوَ أَكثر من اللمة وَالْجمع جمُم. ينظر: جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت: 321ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، ط 1، دار العلم للملايين - بیروت، 1987 م: 1 / 496، وينظر: معجم الفروق اللغوية، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعید بن يحيى بن مهران العسكري (ت: نحو 395 ه)، تحقيق: الشيخ بیت الله بیات، ومؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 1، قم - ایران، 1612 ه: 167

أَفَأُرَجلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله: «نَعَمْ. وَأَكْرِمْهَا». فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ. لَمِا قَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله: وَأَكْرِمْهَا)(1). أما وفاته فقد ذكروا أنّه توفي سنة (40 ه) و قیل (38 ه) في خلافة أمير المؤمنين علیه السلام(2)، وقد صلَّى عليه الإمام علیه السلام وكبر سبعاً، ويكبر على الميت سبعا إذا كان من ذوي الفضل والمنزلة العظيمة، فقد كان النبي صلی الله علیه وآله، إذا أُتي بامرئ قد شهد بدرا؛ أي غزوة بدر الكبرى التي أعز الله بها الإسلام والشجرة؛ أي والمبايعة التي كانت تحت الشجرة والمراد جاؤوا به ميتا للصلاة عليه، کبر علیه تسعا؛ أي افتتح الصلاة عليه بتسع تكبيرات؛ لأن لمن شهد هاتين القضيتين فضلاً على غيره في كل شيء حتى في تكبيرات الجنائز، وإذا أُتي به قد شهد بدرا ولم يشهد الشجرة أو شهد الشجرة ولم يشهد بدرا کبر عليه سبعا من التكبيرات إشارة إلى شرف الأول وفضله عليه، وإذا أُتي به لم يشهد بدرا ولا الشجرة كبر عليه أربعا من

ص: 17


1- الجامع، معمر بن أبي عمرو راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن (ت: 153 ه)، تحقيق: حبیب الرحمن الأعظمي، ط 2، المجلس العلمي بباكستان، وتوزيع المكتب الإسلامي ببيروت، 1403 ه: 11 / 270، موطأ الإمام مالك، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (ت: 179 ه)، تحقيق: بشار عواد معروف و محمود خليل، مؤسسة الرسالة، 1412 ه: 2 / 126
2- ينظر: الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت: 630 ه)، عمر عبد السلام تدمري، ط 1، دار الكتاب العربي، بیروت، 1617 ه / 1997 م: 3 / 94

التكبيرات إشارة إلى أنه دونهما في الفضل(1)، وهذا ممَّا يدلُّ على أنَّ أبا قتادة قد شَهِد بدراً وشارك فيها؛ لأنَّ أمير المؤمنين علیه السلام تعامل معهكما فعل النبي الأكرم صلی الله علیه وآله في الصلاة على من مات ممَّن شارك في بدر، وهنا تتضح منزلته لدى أمير المؤمنين علیه السلام. وقيل مات في سنة (54 ه)(2)، والأرجح أنه توفي في خلافة أمير المؤمنين علیه السلام؛ لأن المصادر والروايات لم تذكر عنه أيَّ شيء بعد استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام، وهذا يدلُّ على عدم وجوده في تلك الفترة، وبهذا يكون قد مات في عهد أمير المؤمنين علیه السلام، فمن غير المعقول أن صحابيّاً بدرياً بهذه المنزلة الكبيرة والمكانة الرفيعة لم يكن له موقف مع الإمام الحسن علییه السلام، أو من خصومه.

ثانيًا: كرمه وحلمه

اتصف أبو قتادي الأنصاري بكرمه وحلمه، وأثبت ذلك في أكثر من موقف، فقد ظهر ذلك في موقفه مع رسول الله علیه السلام عندما أراد أن يصلي على میت مدیون فقد رووا أنّه: (تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَ حَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا رَسُولَ اللهَّ صلی الله علیه وآله لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَخَطَ خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟» قُلْنَا: نَعَمْ دِینَارَانِ، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِکُمْ» فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: یَا رَسُولَ اللهَّ، دَيْنُهُ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله: «هُمَا عَلَيْكَ حَقَّ الْغَرِيمِ، وَبَرِئَ الْمَيِّتُ» قال: نَعَمْ، فَصَلَّی

ص: 18


1- ينظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زین العابدين المناوي (ت 1031 ه)، تحقیق و تصحیح: أحمد عبد السلام، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1415 ه - 1994 م: 5 / 90 - 91
2- تهذيب التهذيب: 12 / 204 - 205، وينظر: وسيلة الإسلام بالنبي الله، أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب، أبو العباس القسنطيني، ابن قنفذ (ت: 810 ه) تحقیق: سليمان العيد المحامي، ط 1، دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان، 1404 ه - 1989 م: 82

عَلَيْهِ، ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ، وَقَالَ: «مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟» قَالَ: یَا رَسُولَ اللهَّ، إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، ثُمَّ لَقِيَهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: «مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟» فَقَالَ: یَا رَسُولَ اللهَّ، قَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله: «الْآنَ، بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ»)(1)، فهذه الحَادثة وما فعله الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله من هذا الاهتمام بقضاء الدين والإيفاء بالعهد دليل على دورها في تخليص الميت ممّا هو فيه، فقد قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «الآن بردت عليه جِلْده»، أي خَلُص من العذاب، جزاء هذا الدين، لذا قام أبو قتادة الأنصاري وتصدى لهذا الدين ودفعه عنه ليخلصه من عذابه، وقد بارك له ذلك رسول الله صلی الله علیه وآله وتابعه على لحين دفعه له. يدلُّ ذلك على كرم أبي قتادة وسخائه.

ويظهر لنا في موقف آخر کرمه وحلمه وتأثره بكلام رسول الله صلی الله علیه وآله وذلك ما روي: (أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، وَكَانَ يَأْتِيهِ يَتَقَاضَاهُ فَيَخْتَبِئُ مِنْهُ، فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَخَرَجَ صَبِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ. هُوَ فِي الْبَيْتِ یَأْکُلُ خَزِيرَةً فَنَادَاهُ يَا فُلَانُ، اخْرُجْ فَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ هَاهُنَا فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا يُغَيِّبُكَ عَنِّي؟ قَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ وَلَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: آللهَّ إِنَّكَ مُعْسِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَکَی أَبُو قَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رُسُولَ الله صلی الله علیه وآله يُقُولُ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»)(2). في هذا الموقف يتبين لنا حلم هذا

ص: 19


1- مسند أبي داود الطيالسي، أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصری (ت: 204 ه)، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، ط 1، دار هجر - مصر، 1419 ه - 1999 م: 3 / 253، وينظر: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (ت: 235 ه)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1، مكتبة الرشد - الرياض، 1409 ه: 49
2- مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1421 ه - 2001 م: 37 / 307

الصحابي وكرمه وتعامله الحسن مع الناس، وكذلك امتثاله لوصايا رسول الله صلی الله علیه وآله، فسؤاله عن هذا الشخص المعسر وبكاؤه على حالته وتغاضيه عن دينه، كلها أمور تبين لنا حلم هذه الشخصية وكرمها.

ثالثا: أولاده

من رواة الحديث الشريف وثقات نقله، نقلوه عن أبيهم، وباقي الصحابة، وهم:

1 - عبد الله بن أبي قتادة بن ربعي. وأمه سلافة بنت البراء بن معرور بن صخر من بني سلمة. فولد عبد الله بن أبي قتادة قتادة وبسرة وأم البنين وأمهم أم كثير بنت عبد الرحمن بن أبي المنذر بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد من بني سلمة. ويحيى وظبية وأمها أم ولد. وكان عبد الله بن أبي قتادة یکنی بأبي يحيی. وقد روي عن أبيه وتوفي بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك . وكان ثقة قليل الحديث.

2 - عبد الرحمن بن أبي قتادة، وأمه سلافة بنت البراء بن معرور بن صخر من بني سلمة. قتل عبد الرحمن بن أبي قتادة يوم الحرة(1) في ذي الحجة سنة

ص: 20


1- وقعة الحرة: من أبشع الجرائم بعد استشهاد الإمام الحسين السلام، إذ عمد یزید (لعنه الله) إلى توجيه جيشه إلى مدينة الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله بعد أن خلعوا عامله عليها ففعل ما فعل فيها من قتل وحرق وسلب وسبي واغتصاب، وقد نقلت الروايات أنه قتل من القراء سبعمائة ومن الصحابة أربعة: عبد اللهَّ بن يزيد ابن عاصم، ومعقل بن يسار، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد اللهَّ بن حنظلة الغسيل، وأباح المدينة ثلاثا فانتهبت، وقتل فيها خلق كثير، وذلك يوم الأربعاء الثلاث أيام بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ للهجرة، افتضّ فيها ألف عذراء! وقد سلبوا من أهلها كل شيء يملكونه، وأصبحت المدينة شبه خالية حتى أنه لم يرفع فيه أذان ولم تُقمْ بها صلاة. قتل یوم الحرة ستین ألف وخمسائة. ینظر: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: 14 / 153 - 154، وینظر: الخصائص الکبری عبد الرحمن بن أبي بکر، جلال الدین السیوطي (ت: 911 ه) دار الکتاب العلمیة - بیروت: 2 / 240

ثلاث وستين ولم يعقب(1).

3 - ثابت بن أبي قتادة، و أمه أم ولد. فولد ثابت عبد الرحمن ومصعبا وأبا قتادة وكبشة وعبدة وأم البنين وأمهم أم ولد. وكان ثابت بن أبي قتادة یکنی أبا مصعب وقد روي عن أبيه. وتوفي بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك . وكان قليل الحديث(2).

رابعًا: مفهوم الرفض والروافض

الروافض مصطلح قدیم أطلق على الجماعة الذين يرفضون حکما ما ليبينوا أنهم على الحق ومن خالفهم باطل. مفرده رافضي وهو من الرفض، والرفض في اللغة: (تَرْکُكَ الشيءَ والرَّفَضُ: الشيء المُتَحرِّك المُتَفَرِّقَ... والرَّوافِضُ: جُنْدٌ تَرَكوا قائدهم وانصَرَفوا، کُلُّ طائفةٍ منها رافِضة، وهم قوم أيضاً لهم رَأْيٌ وجِدال يُسَمَّوْنَ الرَّوافِضَ، والنِّسبة إليهم رافضِيٌّ)(3)، والرافضة: فرقة من الشيعة(4). يتضح من المعنى اللغوي لهذا اللفظ أنه يدل على الجماعة التي تترك الشيء وترفضه لبيان أنه يخالفهم لذا امتنعوا عنه وانصرفوا.

ص: 21


1- أي لم يحضر يوم العقبة
2- ينظر: الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (ت: 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1410 ه - 1990 م: 5 / 210
3- العين: 7 / 29
4- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 2 / 1078

أما في الاصطلاح فهو اسم أطلقه المبغضون على أتباع أهل البيت علیهم السلام استالار لرفضهم الباطل الذي بنيت عليه حكومات السقيفة وما تلاها من أباطيل وتمسكهم بالحق وهم أهل البيت علیهم السلام النادر لذا سموهم روافض، لم يطلق الاسم على فرقة من الشيعة فحسب، بل على الشيعة بوجه عام فكل شيعي يسمى رافضي، ففي هذا الزمان أصبحت تطلق على مطلق محبي أهل البيت تارة سواء شيعة كانوا أو ليسوا شيعة، وتارةً على شيعتهم جميعاً، أو على طائفة خاصة منهم تارةً أخرى. وعلى كلّ تقدير فهو اصطلاح سياسي أُطلق على هذه الطائفة وهو موضوع لا كلام فيه(1)، وقد ربط أتباع الفكر الضال والعقيدة الباطلة هذا الاسم بزید بن علي بن الحسين رضي الله عنه إذ زعموا أن طائفة من الشيعة رفضوه عندما طلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين - أبي بكر وعمر - فأبى ذلك(2)، وليس هذا صحيحا فقد بينا أن هذا المصطلح أطلق على كل معارض للسلطة أو للحاكم، وعلى هذا يكون أبو قتادة الأنصاري

ص: 22


1- ينظر: بحوث في الملل والنحل، دراسة موضوعية مقارنة للمذاهب الإسلامية، جعفر السبحاني، ط 1، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، قم - إيران، 1427 ه: 165
2- ينظر: المحبر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (ت: 245 ه)، تحقيق: إيلزة ليختن شتیتر، دار الآفاق الجديدة، بیروت: 483، وينظر: تاریخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر (ت: 571 ه)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمر وي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415ه - 1990 م: 19 / 472، البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت: 774 ه)، تحقيق: علي شيري، ط 1، دار إحياء التراث العربي، 1408 ه - 1988 م: 9 / 361، وينظر: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب و البربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر (تاریخ ابن خلدون)، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (ت: 808 ه)، تحقيق: خليل شحادة، ط 2، دار الفكر، بیروت، 1908 ه - 1988 م: 248

من الروافض؛ لأنّه رفض البقاء تحت سلطة الحكم الذي أسسته السقيفة، فتركهم واعتزلهم، ثم التحق بركب أمير المؤمنين علیه السلام فتراه تارة والي وتارة جندي مقاتل.

ومصطلح الرافضة استعمله معاوية في مراسلاته مع عمرو بن العاص أي قبل ولادة زيد بن علي. وهذا يدل على أنّ المصطلح كان يطلق سیاسیًّا على كل جماعة لم تقبل الحكومة القائمة - أي إنه يرادف مصطلح «المعارضة» في الوقت الحالي - فنجد أنَّ معاوية بن أبي سفيان يصف شيعة عثمان الذين لم يخضعوا لحكومة علي بن أبي طالب علیه السلام وسلطته. بالرافضة ويكتب في كتابه إلى عمرو بن العاص وهو في البيع في فلسطين (أمّا بعد: فإنّه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد اللهّ في بيعة علي علیه السلام، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني، أقبل أُذاكرك أمراً)(1). وهنا نرى معاوية قد أطلق لفظ الرافضة على من خرج على أمير المؤمنين علیه السلام من أهل البصرة الذين التحقوا بمعسکر معاوية (لعنه الله).

وقد نقل ابن الجعد هذا المصطلح في مسنده: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدَ بْنُ هَارُونَ، نَا سَعِيدُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْتُ بْنَ أَسْبَاطٍ يَقُولُ: «كَانَ أَبِي قَدَرِیًّا

ص: 23


1- ينظر : وقعة صفّين، نصر بن مزاحم المنقري (ت: 212 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط 2، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة - مصر، منشورات مكتبة آية الله العظمی المرعشي النجفي، قم - إيران، 1403 ه: 34، وينظر : الغدير، الشيخ الأميني (ت: 1392 ه)، ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، 1397 ه - 1977 م: 2 / 140، وينظر : بحوث في الملل والنحل: 167

وَأَخْوَالِي رَوَافِضَ، فَأَنْقَذَنِي اللهُ تَعَالَى بِسُفْیَانَ»)(1).

وهذا المصطلح ليس نقصا أو تعريضا على أحد بل العكس، إذ نقلت الروايات عن الأئمة الأطهار علیهم السلام البلاء تفسيرهم لهذا المصطلح، فقد روي: (عن سليمان الأعمش(2) قال: دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قلت: جعلت فداك إن الناس يسمونا روافض، وما الروافض؟ فقال: والله ما هم سموكموه، ولكن الله سماکم به في التوراة الإنجيل على لسان موسی ولسان عیسی علیهما السلام وذلك أن سبعين رجلا من قوم فرعون رفضوا فرعون ودخلوا في دين موسی فسماهم الله تعالى الرافضة، وأوحي إلى موسى أن أثبت لهم في التوراة حتى يملكوه على لسان محمد صلی الله علیه وآله. ففرقهم الله فرقا كثيرة وتشعبوا شعبا كثيرة، فرفضوا الخير فرفضتم الشر واستقمتم مع أهل بیت نبیکم علیهم السلام فذهبتم حيث ذهب نبيكم، واخترتم من اختار الله ورسوله، فأبشروا ثم أبشروا فأنتم المرحومون، المتقبل من محسنهم والمتجاوز عن مسيئهم، ومن لم يلق الله بمثل ما لقيتم لم تقبل حسناته ولم يتجاوز عن سيئاته، به

ص: 24


1- مسند ابن الجعد، علي بن الجَعْد بن عبيد الجَوْهَري البغدادي (ت: 230 ه)، تحقيق: عامر أحمد حيدر، ط 1، مؤسسة نادر - بیروت، 1410 ه - 1990 م: 272
2- سلیمان الأعمش وهو ابن مهران أبو محمد الكاهلي، تابعي، مشهور. أصله من بلاد الريّ، ومنشأه ووفاته في الكوفة. كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض، يروي نحو 1300 حديث، قال الذهبي: كان رأسا في العلم النافع والعمل الصالح. وقال السخاوي: قيل: لم ير السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدة حاجته وفقره، كان محدث الكوفة في زمانه، وكان يقرئ القرآن وهو رأس فيه، فصیح لا يلحن حرفا، وكان عالما بالفرائض. ينظر: الجرح والتعدیل: 4 / 146، وينظر : أعلام الزركلي: 3 / 135، وينظر: معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ، محمد سالم محيسن (ت: 1422 ه)، ط 1، دار الجيل - بیروت، 1412ه - 1992 م: 1 / 274

یا سلیمان هل سررتك ؟ فقلت: زدني جعلت فداك، فقال: إن الله عز وجل ملائكة يستغفرون لكم، حتى تتساقط ذنوبكم، كما تتساقط ورق الشجر في يوم ريح، وذلك قول الله تعالى: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا»(1)، هم شیعتنا وهي والله لهم یا سلیمان، هل سررتك؟ فقلت: جعلت فداك زدني! قال: ما على ملة إبراهيم علیه السلام إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس منها برئ)(2).

وفي هذا يبين لنا الإمام الصادق علیه السلام معنى الروافض ومن هم، وهم الذين يرفضون الباطل والشر ويتبعون الحق والخير، وهم الذين خصهم الله تعالى برحمته حتى جعل لهم ملائكة يستغفرون لهم، ثم إنهم على ملة إبراهيم علیه السلام وباقي الناس ليس عليها.

ص: 25


1- سورة غافر: 7
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت: 1111 ه)، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، عبد الرحيم الرباني الشيرازي، ط 2، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، 1403 ه - 1983 م: 65 / 97

ص: 26

الفصل الأول حياته مع الرسول الله صلی الله علیه وآله وبعده إلى عهد عثمان المبحث الأول: حياته مع رسول الله صلی الله علیه وآله المبحث الثاني: حياته بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى عهد عثمان

ص: 27

ص: 28

المبحث الأول حياته مع رسول الله صلی الله علیه وآله

كان من الصحابة الذين ذادوا عن رسول الله صلی الله علیه وآله ودافعوا عنه، صاحب المواقف البطولية والغزوات الخاصة، فقد ذكرت الروايات ما فعله أبو قتادة بالمشركين، شهد بدراً(1)، وأُختلف في شهوده بدراً والثابت شهدها، وللمنزلة الكبيرة التي حظيَ بها أصحاب بدر، إذ أصبحت كلمة بدري شرفاً كبيراً لهم، فهي تکيفيهم عن أيِّ منقبة أخرى. وكان هذا المبحث على أقسام: الأول: مشاركته في معارك مع رسول الله صلی الله علیه وآله، والثاني: قيادته للسرايا الخاصة، والثالث: بعض مروياته عن النبي صلی الله علیه وآله.

أولًا: مشاركته في معارك رسول الله صلی الله علیه وآله

ثبتت مشاركته في معركة بدر وكان، ومن ثم في كلِّ المعارك والغزوات بعدها وهي:

ص: 29


1- ينظر: الكامل في التاريخ: 3 / 94، وينظر: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت: 821 ه) تحقیق: إبراهيم الإبياري، ط 2، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1400 ه - 1980 م: 346، وينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، القرطبي: 4 / 1734، وينظر : إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: 9 / 150

1 - معركة أحد وموقفه فيها:

شهد مع الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله جميع مشاهده، ومنها معركة أحد، وكان له مواقف فيها، ومنها: إنّ أبا قتادة أراد أن ينال من قريش لما رأى من غمِّ رسول الله صلی الله علیه وآله في قتل حمزة وما مُثِّل به، كل ذلك يشير إليه النبي صلی الله علیه وآله أن اجلس ثلاثاً وكان قائماً، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: أحتسبك عند الله ثم قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «يا أبا قتادة إنَّ قريشاً أهل أمانةٍ من بغاهم العواثر كبه الله لفيه، وعسى إن طالت بك مدةٌ أن تحقر عملك مع أعمالهم، وفعالك مع فعالهم لولا أن تبطر قریشٌ لأخبرتها بما لها عند الله». قال أبو قتادة: والله يا رسول الله ما غضبت إلا لله ولرسوله حين نالوا منه ما نالوا، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «صدقت بئس القوم كانوا لنبيهم»(1)، وهذا الحديث يدل على عمق الإيمان الذي يكمن في صدره، والحب الذي يحمله لرسول الله صلی الله علیه وآله، وحمیته على الإسلام. وأصيب أبو قتادة الأنصاري فيها وفقعت عينه فردّها إليه رسول الله صلی الله علیه وآله إذ (إنّ أبا قتادة بن ربعي جاءه يوم أحد وقد انقلعت إحدى عينيه وتعلقت على وجهه فقال يا رسول الله صلى الله تعالى عليك إن لي امرأة وأخشى أن يقضي هذا عندها فردها رسول الله صلی الله علیه وآله إلى موضعها فكانت أحسن عينيه)(2)، وهذه من معجزات النبي علیه السلام التي تكررت في أكثر من حادثة. فهذا الصحابي نال هذه

ص: 30


1- مغازي الواقدي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبدالله، الواقدي (ت: 207 ه)، تحقيق: مارسدن جونس، ط 3، دار الأعلمي، بيروت، 1409 ه - 1989 م: 1 / 290، وينظر: السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون)، علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج، نور الدين ابن برهان الدين (المتوفى: 1044 ه)، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1427 ه: 1 / 168
2- أعلام النبوة، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت: 450 ه)، ط 1، دار ومكتبة الهلال، بیروت، 1409 ه: 108

الكرامة من رسول الله صلی الله علیه وآله.

2 - دوره في غزوة بني قريظة:

وفي غزوة بني قريظة كان لأبي قتادة دور كبير فيها حتى أنَّ أمير المؤمنين علیه السلام عندما رجع إلى رسول الله صلی الله علیه وآله يتشاور معه أمر أبا قتادة بأن يلزم اللواء بدلًا عنه، فقد روي: (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: انْتَهَيْنَا إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأَوْنَا أَيْقَنُوا بِالشّرّ، وَغَرَزَ عَلِيّ علیه السلام الرّايَةَ عِنْدَ أَصْلِ الْحِصْنِ، فَاسْتَقْبَلُونَا فِي صَيَاصِيِهِمْ يَشْتُمُونَ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وآله وَأَزْوَاجَهُ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: وَسَكَتْنَا وَقُلْنَا: السّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ! وَطَلَعَ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وآله، فَلَمّا رَآهُ عَلِيّ علیه السلام رجع إلى رسول الله صلی الله علیه وآله، وَأَمَرَنِي أَنْ أَلْزَمَ اللّوَاءَ فَلَزِمْته، وَكَرِهَ أَنْ یَسْمَعَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وآله أَذَاهُمْ وَشَتْمَهُمْ)(1)، وفي هذا الأمر يتبين لنا الدور القيادي لأبي قتادة الأنصاري في المعارك ومكانته من رسول الله صلی الله علیه وآله و أمير المؤمنين علیه السلام.

3 - معركة الخندق وما نقل فيها:

شارك في معركة الخندق ونقل عن رسول الله صلی الله علیه وآله الحديث الذي قاله لعمار بن یاسر رضي الله عنه عن الفئة التي تقتل عمارا؛ إذ نقل أصحاب الحديث قولهم: (حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ يَحْيَى مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وآله قَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه:

ص: 31


1- مغازي الواقدي: 2 / 499، وينظر: تاریخ دمشق: 9 / 92، وينظر: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة و المتاع: 1 / 245

«تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»)(1)، والنبي صلی الله عليه وآله قال هذا لعمار عند رضي الله عنه حفر الخندق حين رأى النبيُّ صلی الله علیه وآله عماراً وقد أقبل عليه، وقد اغبر شعر رأسه وصدره من التراب فمسح صلی الله علیه وآله التراب عن رأسه وقال له الحديث المذكور(2). وهذا النقل للحادثة والحديث الوارد فيها يظهر لنا ملازمة هذا الصحابي الجليل لرسول الله صلی الله علیه وآله في كل مكان.

4 - مشاركته في خيبر ودوره في حنين:

وكذلك شارك في خيبر التي سبقها بغزوة ذي قرد التي أبلى فيها أبو قتادة الأنصاري بلاء حسنًا كما سيأتي تفصليها، لأن أبا قتادة قال: بارزت رجلا يوم خيبر فقتلته. ولم يعلم أنه استأذن النبي صلی الله علیه وآله وهي حكاية حال لا عموم لها. ولاحتمال أن يكون المشرك سأل المبارزة، لا أنَّ أبا قتادة طلبها وقد أجاز أمير المؤمنين عليه السلام ذلك حين سُئل عنه(3).

وفي حنين ذكرت الروايات أنَّ أبا قتادة بعد انتهاء معركة حنين قال: يا رسول الله صلی الله علیه وآله إني ضربت رجلاً على جبل العاتق وعليه درع له قد تحصفت عنه فأعجلت عنه، قال: فانظر من أخذها، فقام رجل فقال: أنا أخذتها

ص: 32


1- مسند أحمد بن حنبل: 37 / 298
2- السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (ت: 303 ه) حققه وخرج أحاديثه: حسن عبد المنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم اله: عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1421 ه - 2001 م: 7 / 467
3- ينظر: تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي (ت: 726 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم - إيران، 1419 ه: 9 / 80

فأرضه عنها، وأعطنيها، وكان رسول الله صلی الله علیه وآله لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سکت، فسكت رسول الله صلی الله علیه وآله، وقد ردَّ على الرجل بعض من كان موجودا، فأرجع الرجل الدرع له(1)، هذه الحادثة بعد عودتهم للقتال؛ لأنهَّم انهزموا ثم عادوا للمعركة، وفي هذه المعركة نزلت الآية الكريمة: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ»(2)، وممن أعجبتهم كثرة المسلمين جماعة من الصحابة منهم أبو بكر فقد (روی محمد بن عمر عن سعيد بن المسيب رحمة الله، أن أبا بكر قال: يا رسول الله صلی الله علیه وآله لن نغلب اليوم من قلة كذا...)(3)، ولكن حدث العكس ففي بداية المعركة نرى أنّ كثيرا من المسلمين قد انهزموا من المعركة بسبب الخيانة ووجود الطلقاء، وكذلك تمركز العدو في أماكن محصنة، إلّا أنّ ما يمكن لنا تفسيره لهذه الحادثة هو ضعف الإيمان وما أصاب المسلمين الهاربين من غرور وإعجابهم بكثرتهم، وكذلك وجود المنافقين في صفوف الجيش الإسلامي كل هذه العوامل أدت إلى انكسار جيش المسلمين، وقد ذكر أبو قتادة وقد كان ممن فرَّ في بداية الأمر لما رأى الناس قد فروا ولم يكن يعلم ماذا يحدث، وأيضاً فرّ منها عمر بن الخطاب فقد روى أهل الحديث ذلك عن أبي قتادة ذلك: (حَدَّثَنَا مَالِكٌ،

ص: 33


1- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 136، وينظر: کنز العمال، المتقي الهندي (ت: 975 ه)، تحقيق: ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني / تصحیح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان 1409 ه - 1989 م: 10 / 553، وينظر: مرویات غزوة حنين وحصار الطائف، إبراهيم بن إبراهيم قريبي، ط 1، عادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1412 ه: 229 - 230
2- التوبة / 25
3- سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد: 5 / 317

عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهَّ صلی الله علیه وآله عَامَ حُنَيْنٍ، قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَيْنَا کَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشرِكِينَ، قَدْ عَلا رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلٍ عَاتِقِهِ ضربة، فقطعت الدرع، قال: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً، وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي فَلَحقِتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ له: مَا بَالُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: أَمْرُ اللهَّ(1)، قال : ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا)(2)، ويحاول بعض الرواة وضع عمر مع الثَابتين؛ إلاّ إن الواضح أنه هرب مع من هرب؛ وذلك بأكثر من دلیل؛ الأول: ما ذكرته

ص: 34


1- كيف يكون أمر الله! فهذا مخالف لما جاء في كتاب الله، إذ لم يأمرهم بالفرار من المعركة وإنما يأمرهم بالثبات والصبر والجهاد، وذلك في وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (الأنفال / 15 - 16)، وكذلك قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا» (الأحزاب / 15)، فهذه الآيات صريحة تشير إلى وجوب الثبات وعدم الفرار، ومن يفر منها فمصيره جهنم وبئس المصير
2- موطأ الإمام مالك: 1 / 369، والمسند، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (ت: 204 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1400 ه: 1 / 223، و الأموال لابن زنجويه، أبو أحمد حمید بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخرساني المعروف بابن زنجويه (ت: 251 ه)، تحقيق: د. شاکر ذيب فياض، ط 1، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، السعودية، 1406 ه - 1986 م: 1172، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلی الله علیه وآله وسننه وأيامه (صحيح البخاري)، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي (ت: 256 ه)، تحقیق: محمد زهير بن ناصر الناصر، ط 1، دار طوق النجاة (ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422 ه: 4 / 92، وصحيح مسلم: 3 / 1370

الروايات من أن الثابتين مع الرسول صلی الله علیه وآله هم تسعة، كلهم من أهل بيته الا واحد وهو أيمن أخو أسامة بن زيد لأمه، وأيمن أُستشهد فيها(1)، والثاني: ما رواه أبو قتادة من أنه عندما فرَّ لحق به، وقوله لحقت به إشارة واضحة لكونه هاربا قبله، وكان سابقا له ثم لحق به. ويذكر الرواة أنّ أبا سفيان (لعنه الله) وبعض مشركي أهل مكة الذين أظهروا الإسلام بعد فتح مكة خوفاً من المسلمين، ولم يدخل إلى قلوبهم، وإنَّما بقوا على شركهم وضلالتهم، قد تشفوا بالنبي صلی الله علیه وآله، وبالمسلمين لما حلَّ بهم يوم حنين، فلَمَّا (انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَعَلَ أَبُو سُفْیَانَ بْنُ حَرْبٍ يَقُولُ: لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ، وَصَرَخَ کَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ مَعَ أَخِيهِ لِأُمِّهِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ: أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمُ)(2)، وهذا يدل على عدم إسلام أبي سفيان، وإنّما بقي مشركاً إلى أن مات (لعنه الله).

أما الثابتون فقد خصَّهم الله سبحانه وتعالیبالسكينة وأنزل معهم جنودا وهذا ما تدلُّ عليه الآية: «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ»(3)، ففي هذه الآية يتبين فضل الثابتين ومكانتهم، لأنهم شملوا بالسكينة التي أُنزلت على الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله، وهم ثلة من أهل بيته، أولهم أمير المؤمنين علیه السلام،

ص: 35


1- ينظر: تاریخ دمشق: 4 / 257، وينظر: السيرة النبوية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، 1395 ه - 1976 م: 4 / 620
2- مغازي الواقدي: 3 / 910، وشرح مشکل الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت: 321 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1415 ه، 1494 م: 6 / 412
3- التوبة / 26

والعباس عم النبي صلی الله علیه وآله والفضل بن العباس، إذ عمد أمير المؤمنين علیه السلام إلى جیش العدو وبدأ بحامل لوائهم وهو رجل ضخم يدعى بأبي جرول على جمل أحمر بيده راية سوداء على رأس رمح طويل کان اذا ادرك الفارين طعن بها واذا تأخر رفعها ليتبعه جيشه(1)، فقتله أمير المؤمنين علیه السلام، مع أبرز قادتهم البالغ عددهم نحواً من أربعين قائدا(2)، مما أدى إلى تشتتهم وبثِّ الرعب فيهم وانكسارهم، وهذا ما دفعهم إلى التراجع والهزيمة، وقلب الكفة إلى جيش المسلمين والثابتين الذين زادت قوتهم وعزمهم فاندفعوا يقاتلون، ومما يجدر بالذكر أن أمير المؤمنين علیه السلام قاتل معه الملائكة، لأن الله سبحانه وتعالى قد أمدهم بجنود من الملائكة كما أمدهم في بدر، ويدلُّ على وجود الملائكة ما أقدم عليه النبي الأكرم صلی الله علیه وآله، فقد رمی رسول اللهَّ صلی الله علیه وآله كفّا من الحصى، لم

ص: 36


1- ينظر: السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (ت: 213 ه)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري و عبد الحفيظ الشلبي، ط 2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1375 ه - 1955 م: 2 / 443، وينظر: دلائل النبوة و معرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت: 458 ه)، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، ط 1، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، 1408 ه - 1988 م: 5 / 126
2- ينظر: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ المفيد الامام أبو عبدالله محمد بن النعمان العُكبري البغدادي (ت: 413 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 1، بیروت، 1995 م - 1416 ه: 1 / 142 – 144، و بحار الأنوار: 21 / 157 و 41 / 94 ، ومناقب آل أبي طالب، أبو جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني، تحقيق وفهرسة: د. يوسف البقاعي، ط 2، دار الأضواء، بیروت، 1412 ه - 1991 م: 2 / 97، و الدر النظيم، يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي (ت: 664 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة: 183 و کشف الغمة في معرفة الأئمة ، علي بن أبي الفتح الإربلي (ت: 693 ه)، ط 2، دار الأضواء - بيروت - لبنان، 1405 ه - 1985 م: 1 / 222

يبقَ أحد من المشركين إلا وهو يشكو القذي في عينه. ويجدون في صدورهم خفقانا کوقع الحصى في الطّساس ما يهدأ ذلك عنهم. ورأوا أنَّ رجالا بيضا على خيل بلّقٍ، عليهم عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم، وهم بين السماء والأرض كتائب، فما كانوا يستطيعون أن يتأمّلوهم من الرعب منهم. وكانت سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمرا قد أرخوها بين أكتافهم، وكان هذا الرعب الذي قذفه الله في قلوب المشركين(1)، وقد ذكر هذا بعض من الذين شاركوا في هذه المعركة من الأعداء.

5 - دوره في الطائف وتبوك:

وفي الطائف وتبوك ونقل عن الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله بعض الوقائع وكيف كان يحرس رسول الله صلی الله علیه وآله وهو على راحلته، (قال أبو قتادة: خطبنا رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: «إنكم تسيرون عشیتکم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله غدا»، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد. قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلی الله علیه وآله يسير حتی ابهارّ الليل وأنا إلى جنبه. قال: فغمس رسول الله صلی الله علیه وآله، فمال عن راحلته، فأتيته فدعمته، من غير أن أوقظه، حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته، قال: فدعمته من غير أن أوقظه،

ص: 37


1- ينظر: مغازي الواقدي: 3 / 905، وينظر: المختصر الكبير في سيرة الرسول صلی الله علیه وآله، عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، ابن جماعة الكناني، الحموي الأصل، الدمشقيّ المولد، ثم المصري، عز الدين (ت: 767 ه)، تحقيق: سامي مكي العاني، ط 1، دار البشير، عمان، 1993 م: 66، وينظر: امتاع الاسماع: 2 / 16، وينظر: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (ت: 1111 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1419 ه - 1998 م: 2 / 276

حتى اعتدل على راحلته، ثم قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين، حتى كاد ينجفل، فأتيته فدعمته، فرفع رأسه فقال: «من هذا؟» قلت: أبو قتادة، قال: «متى كان هذا مسيرك مني؟» قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: «حفظك الله بما حفظت به نبيه»)(1)، وهذا يدلُّ على ملازمته لرسول الله صلی الله علیه وآله في كل الأحداث التي جرت في الدعوة الإسلامية.

ثانيًا: قيادته السرايا ومشاركته فيها

روي عن إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: خَرَجْتُ أَنَا وَرَبَاحٌ غُلَامُ رَسُولِ اللهَّ صلی الله علیه وآله بَعَثَهُ رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله مَعَ الْإِبِلِ، فَلَمَّا کَانَ بِغَلَسٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللهَّ صلی الله علیه وآله فَقَتَلَ رَاعِيَهَا وَخَرَجَ يَطْرُدُ بِهَا هُوَ وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ، فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ، اقْعُد عَلَى هَذَا الْفَرَسِ فَأَلْحِقْهُ بِطَلْحَةِ وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهَّ صلی الله علیه وآله، أَنَّهُ قَدْ أُغِيرَ عَلَى سَرْحِهِ، فبقي يقاتلهم ویشاغلهم ويرتجز:

أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ *** وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَإِذَا كُنْتَ فِي الشَّجَرَةِ أَحْرَقْتُهُمْ بِالنَّبْلِ، وَإِذَا تَضَايَقَتِ الثَّنَايَا عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَدَيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ شَأْنِي وَشَأْنُهُمْ أَتْبَعُهُمْ وَأَرْتَجِزُ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللهَّ شَيْئًا مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَاسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ ووضع العلامات للقادمين في الطريق، حَتَّى أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، قَالَ عُيَيْنَةُ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَی؟ قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ، مَا فَارَقْنَا بِسَحَرٍ حَتَّى الْآنَ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ: لَوْ لَا أَنَّ

ص: 38


1- شرف المصطفی، عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الحركوشي، أبو سعد (ت: 407ه)، ط 1، دار البشائر الإسلامية، مكة، 1434 ه: 3 / 427

هَذَا يَرَى أَنَّ وَرَاءَهُ طَلَبًا لَقَدْ تَرَكَکُمْ، قَالَ: لِيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ، فَقَامَ إِلَيَّ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ، فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمُ الصَّوْتَ قُلْتُ لَهُمْ: أَتَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ، وَالَّذِي کَرَّمَ وَجْهُ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله لَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكُنِي، وَلَا أَطْلُبُهُ فَيَفُوتُنِي، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَظُنُّ، قَالَ: فَمَا بَرِحْتُ مَقْعَدِي ذَاكَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى فَوَارِسِ رَسُولِ اللهَّ صلی الله علیه وآله يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، وَإِذَا أَوَّلُهُمُ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ وَعَلَى أَثَرِهِ أَبُو قَتَادَةَ الأَنصاري فَارِسُ رَسُولِ اللهَّ صلی الله علیه وآله، وَعَلَىِ أَثَرِ أَبِي قَتَادَةَ الأنصاري الْمِقْدَادُ الْکِنْدِيُّ، قَالَ: فَوَلَّوَا الْمُشْرِکِينَ مُدْبَرِينَ، وَأَنْزِلُ مِنَ الْجَبَلِ فَأَعْرِضُ لِلْأَخْرَمِ فَآخُذُ عَنَانَ فِيهِ، فرفض وأقسم عليه أن يجعله ينال الشهادة، فَيَلْحَقُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَ طَعَنَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ، وَتَحَوَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، فَيَلْحَقُ أَبُو قَتَادَةَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاخْتَلَفَا طَعْنَتَيْنِ فَعَقَرَ بِأَبِي قَتَادَةَ، وَقَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ، وَتَحَوَّلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى فَرَسِ الْأَخْرَمِ، ثُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ أَعْدُو فِي أَثَرِ الْقَوْمِ حَتَّى مَا أَرَى مِنْ غُبَارِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله شَيْئًا، وَيَعْرِضُونَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو قَرَدٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَشْرَبُوا مِنْهُ، فَأَبْصَرُونِي أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فَعَطَفُوا عَنْهُ وَشَدُّوا فِي الثَّنِيَّةِ ثَنِیَّةِ ذِي بِئْرٍ، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَأَلْحَقُ بِهَا رَجُلًا فَأَرْمِيهِ، فهربوا وَتَخَلَّفُوا فَرَسَیْنِ، فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولَ اللهَّ صلی الله علیه وآله وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي جَلَّیْتُهُمْ عَنْهُ ذِي قَرَدٍ، فَأَتَیْتُ رَسُولَ اللهَّ صلی الله علیه وآله، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهَّ، خَلِّنِي، فَأَنْتَخِبَ مِنْ أَصْحَابِكَ مِائَةَ رَجُلٍ، فَآخُذَ عَلَى الْکُفَّارِ بِالْعَشْوَۃِ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ، قَالَ: «أَکُنْتَ فَاعِلًا ذَاكَ يَا سَلَمَةُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ وَالَّذِي أَکْرَمَ وَجْهَك، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذُهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ

ص: 39

رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله: «خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ»(1)، يظهر في هذه الغَزوة دور أبي قتادة الكبير في القتال وردّ ما سرق من إبل رسول الله صلی الله علیه وآله وكيف أنه قتل أحد قادة المشركين.

شارك في السرايا الخاصة التي كان يبعثها النبي الكريم صلی الله علیه وآله بمهمات خاصة وكان قائدًا فيها؛ ذلك لشجاعته وتفانيه وفدائه لرسول الله صلی الله عليه وآله، فمن ذلك السرية إلى خضرة من نجد سنة ثمان للهجرة، التي كان قائداً عليها، فقد بَعثه النَّبِي صلی الله علیه وآله فِي شعْبَان وجهز مَعَه خَمْسَة عشر رجلا من أَصْحَابه إِلَى غطفان وَأمره أَن يسير إِلَيْهِم وَعَلَيْهِم يُغير فَمضى ممتثلا الْأَمر مجدا فِي الْمسير حَتَّى هجم بِمن مَعَه على حَاضر لَهُم عَظِيم وَأَحَاطُوا بهم إحاطة الزعماء الغارمين بالغريم، و ظفروا بِالسَّبْيِ الْكثير وَاسْتَاقُوا ألفي شَاة ومائتي بعير، وَقتلُوا من ناوشهم وكلموا من کَلمهمْ أَو ناقشهم، ثمَّ جمعُوا مَا حصل لَهُم من الْغَنَائِم فأخرجوا الْخمس وأدخلوا مَا بَقِي فِي المقاسم ثمَّ انصرفوا بالأنعام وَكَانَت غيبتهم إثْنَا عشر يَوْمًا وَثَلَاثَة أَيَّام. وقيل في مدحه:

سَار الصَّحَابَة نَحْو نجد للعدى *** وَأَبُو قَتَادَة فِي الْمسير أَمِير یَا جَار سل غطفان مَاذَا عاينوا *** من وَقع أسياف لَهُنَّ صریر إِن الَّذين عَن الْهِدَايَة أعرضُوا *** فِي كل وَاقعَة لَهُم تدمير(2)

ص: 40


1- ينظر: الكتاب المصنف، ابن أبي شيبة: 7 / 420، وينظر: مسند أحمد بن حنبل: 27 / 73، وينظر: صحیح مسلم: 3 / 1433
2- ينظر: مغازي الواقدي: 1 / 6، وينظر : المقتفي من سيرة المصطفی صلی الله علیه وآله، الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين الحلبي (ت: 779 ه)، تحقيق: د مصطفی محمد حسين الذهبي، ط 1، دار الحديث، القاهرة، مصر، 1416 ه - 1996 م: 197، وينظر: سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت: 942 ه)، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1414 ه - 1993 م: 6 / 185

ومن بعدها السرية التي بعثها النبي صلی الله علیه وآله إلى بطنِ إضمٍ(1)، لَمَّا هَمَّ رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله بِغَزْوِ أَهْلِ مَكَّةَ، بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ فِي ثَمَانِيَةِ نَفَرٍ سَرِیَّةً إِلَى بَطْنِ إِضَمٍ وَهِيَ فِيمَا بَيْنَ ذِي خُشُبٍ وَذِي الْمَرْوَةِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلاثَةُ بُرُدٍ - لِيَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ رَسُولَ اللهَّ صلی الله علیه وآله توجه إلى تلك الناحية، ولأنتَذْهَبَ بِذَلِكَ الأَخْبَارُ، وَكَانَ فِي السَّرِيَّةِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيُّ(2)، قال الشاعر:

سَار أَبُو قَتَادَة ممتثلا *** أوَامِر الْهَادِي إِلَى بطن إضم فِي فتية فاتوا مُرِید سبقهمْ *** أَصْحَاب خير الْعَرَب طرا والعجم صلى عَلَيْهِ الله مَا دَامَ على *** أنف شمام عاكف من الشمم

ثالثًا: بعض مروياته عن النبي صلی الله علیه وآله

روى أبو قتادة عن النبي صلی الله علیه وآله روايات عدة في مختلف المسائل والموضوعات، ذلك لما كان منه من ملازمة وقرب من رسول الله صلی الله علیه وآله حتى أفرد بعض أهل الحديث مسندا له تحت عنوان مسند أبي قتادة الأنصاري ومن هذه المرويات:

ص: 41


1- ينظر: مغازي الواقدي: 1 / 6، و ينظر: المحبر: 122، وينظر: تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري)، محمد بن جریر بن یزید بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه)، صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، (ت: 369 ه)، ط 2، دار التراث، بیروت، 1387 ه: 3 / 35 - 36
2- ينظر: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين (ت: 734 ه)، تعليق: إبراهيم محمد رمضان، ط 1، دار القلم - بيروت، 1414 ه / 1993 م: 2 / 207

1 - ما روته عنه كبشة(1) بنت کعب بن مالك أنها قالت: دخلت على أبي قتادة فسكبت له وضوءً، فأتت الهر فشربت منه، فأصغي لها الإناء، فنظرت إليه فقال: أتعجبين يا ابنة أخي! سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يقول: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْکُمْ وَالطَّوَّافَاتِ»(2).

2 - عَنْ عَبْدِ اللهَّ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «نَهَی رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله أَنْ یُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ»(3).

3 - عن أبي قتادة أنّ رسول اللهَّ صلی الله علیه وآله كان يقرأ في الرّكعتين الأولتين من الظَّهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطوّل في الأولى ويقصّر في الثّانية وكذا في العصر والصّبح يطوّل في الأولى من كلّ منهما ويقصّر في الثّانية(4). وهذا يؤكد وجوب قراءة سورة كاملة في الصلاة بعد الفاتحة في الركعتين الأولى والثانية.

4 - عن أبي قتادة أنّ النّبيّ ٌۀِ الله علیه وآله قال: «أسوء النّاس سرقة الَّذي يسرق من صلاته» قيل: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: «لا يتمّ ركوعها ولا سجودها».

ص: 42


1- کَبْشَةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيِنْ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَّادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ وَأُمُّهَا صَفِيَّةُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ تَزَوَّجَهَا ثَابِتُ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ. ينظر: الطبقات الکبری: 8 / 348 - 349
2- موطأ الإمام مالك: 1 / 304، ومسند الشافعي: 9، ومسائل الناصريات، الشريف المرتضی(ت: 436 ه)، تحقيق: مركز البحوث والدراسات العلمية، مؤسسة الهدى، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية مديرية الترجمة والنشر، إيران، 1417 ه - 1997 م: 83
3- جامع معمر بن راشد: 10 / 426
4- ينظر: مسند أبي داود الطيالسي: 1 / 509، وينظر: منتهى المطلب، العلامة الحلي (ت: 726ه)، تحقیق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، ط 1، مجمع البحوث الإسلامية، ایران - مشهد، 1419 ه: 5 / 54

وقال: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرّجل ظهره فيها في الرّكوع والسّجود»(1).

5 - روى أبو قتادة عن النبي صلی الله علیه وآله، قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع(2) وليدع الله عقيبهما، وليصل على النبي صلی الله علیه وآله. وان لم يصل جلس مستقبل القبلة، وحمد الله، وصلي على النبي صلی الله علیه وآله، ودعا الله وسأله حاجته»(3).

6 - روی أبو قتادة إنّ صلی الله علیه وآله عنه قال: «إذا أقيمت الصفوف فلا تقدموا حتى تروني»(4).

7 - عَنْ عَبْدِ اللهَّ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللهَّ صلی الله علیه وآله، فَذَکَرَ الْجِهَادَ، فَلَمْ يُفَضِّلْ عَلَيْهِ شَيْئًا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ»(5).

8 - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: کُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهَّ صلی الله علیه وآله يَوْمًا فَمُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ:

ص: 43


1- منتهى المطلب: 5 / 116
2- ينظر: موطأ الإمام مالك: 2 / 225، وينظر: الزهد والرقائق لابن المبارك، أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التركي ثم المرْوزي (ت: 181 ه)، تحقيق: حبیب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية - بيروت: 456، وينظر: مصنف عبد الرزاق الصنعاني: 1 / 428
3- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (ت: 786 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مطبعة ستاره، ط 1، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم، 1419 ه: 3 / 122
4- أمالي المحاملي (رواية ابن يحيى البيع)، أبو عبد الله البغدادي الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبيالمحاملي (ت: 330 ه)، تحقيق: د. إبراهيم القيسي، ط 1، المكتبة الإسلامية، دار ابن القيم - عمان - الأردن، الدمام، 1412 ه: 96، وينظر: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: 4 / 409
5- مسند أبي داود الطيالسي: 1 / 510

«مُسْتَرِیحُ، أَوْ مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالَ: قُلْنَا: یَا رَسُولَ اللهَّ، مَا مُسْتَرِیحُ وَمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «الْعَبْدُ الصَّالِحُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَهَمِّهَا إِلَى رَحْمَةِ الله، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ»(1).

9 - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وآله نَهَى أَنْ يُشْرَ بِالتَّمْرُ وَالزَّبِیبُ جَمِيعاً، وَالزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعاً(2).

ص: 44


1- المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت: 211 ه)، تحقيق: حبیب الرحمن الأعظمي، ط 2، المجلس العلمي - الهند، المكتب الإسلامي - بيروت، 1403 ه: 3 / 443
2- موطأ الإمام مالك: 2 / 48

المبحث الثاني حياته بعد الرسول صلی الله علیه وآله إلى عهد عثمان

مما لا شك كان لفقد الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وقعا في نفوس المسلمين، وفي أهل بيته عليهم السلام خاصة، فقد توالت عليهم بعده المصائب فاغتصب القوم حقّ ابنته فاطمة الزهراء علیها السلام، ومن ثم حقَّ أمير المؤمنين علیه السلام، فبينما كان أهل بيته علیهم السلام قد شغلتهم المصيبة عن كل شيء، إذ قامت تلك العصابة بالتحضير وتنفيذ لما تريد وهو إقصاء أمير المؤمنين علیه السلام عن الخلافة، وتنصيب من هو ليس بأهلها، وذلك لأهداف وغايات، منها محاولة تشويه صورة الإسلام عِبْر بثِّ ما هو منافي لمبادئه والعودة إلى العصبية الجاهلية، وكذلك القضاء على ما حققه النبي الكريم صلی الله علیه وآله على مدى فترة الدعوة الإسلامية، لأن ذلك لا ينسجم وطبيعتهم التي كانوا عليها، لذا فإن سلبهم لحقوق أهل بيت النبوة علیهم السلام، لأنهم امتداد لفكر رسول الله صلی الله علیه وآله ونهجه.

لقد كان الصحابي الجليل أبو قتادة الانصاري في أول أمره غير معترض على أمر الخلافة وما حدث في السقيفة، إلّا أنَّ الحقَّ قد بَانَ له، فتغير موقفه بعد فترة وجيزة؛ ليكون واحداً من خلص الصحابة لأمير المؤمنين علیه السلام، وهذا ما سنذكره في الفصل الثاني.

وتقسم هذا المبحث على قضايا عدة حدثت في تلك الفترة، إذ عرجت

ص: 45

في القضية الأولى على فساد الحاكم المنصب من قبل السقيفة مع بيان بعض الجوانب، وفي القضية الثانية ذكرت موقف أبي قتادة الأنصاري من هذا الحاكم وما فعله عندما تبينت له حقيقة هؤلاء الحكام الثلاثة، وأما القضية الثالثة فكانت لاعتزال أبي قتادة الأنصاري الحكام الثلاثة.

أولًا: فساد الحاكم المنصب في مؤامرة السقيفة

أقلُّ ما يمكن وصفها بالمؤامرة؛ لأنَّها أسستْ أساس الظلم والعداوة والبغي على الحقِّ، ومکَّنَتْ الناسَ من تجاوز حدود الله تعالى وسنة نبيه صلی الله علیه وآله، وعدم الأخذ بها، فعجيب أمر هؤلاء القوم، فبينا رسول الله صلی الله علیه وآله مسجّیً على المغتسل، إذ همّوا إلى أمر الخلافة واغتصابها، أيّ صحبة هذه التي يتكلمون عنها، فكيف لإنسان أنْ يترك صاحبه على المغتسل ليغتنم تركته!؟ وهل هذا من حسن الأدب؟ وسجية الخلق الرفيع التي يتغنون بها، وهذا يقودنا إلى تساؤلات حول إيمان هؤلاء القوم ومدى تصديقهم بالنبي الكريم صلی الله علیه وآله، فهل هم حقاً مسلمين مؤمنين؟! أو إنَّ هذا في الظاهر فقط؟ فالحق إنَّ عملهم هذا قد فضح نواياهم ونفاقهم الذي هم عليه، أليس الأجدر بهم الوقوف على جنازة رسول الله صلی الله علیه وآله وأداء ما يستوجب عليهم؟، ومن ثَمَّ مناقشة هذا الأمر، أم أنهم استغلوا ذلك لتمرير مؤامرتهم؛ لأنَّ الذي سوف يحبطها مشغول بجهاز النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وهو أمير المؤمنين علیه السلام، لذا عمدوا لفعلتهم هذه. هذا من جانب، والثاني : هل إنَّ لهذه المصيبة وقعاً على نفوسهم وهل حقا إنَّهم حزنوا لها أو إنَّهم على العكس فرحوا؟ وللإجابة عن هذا نأخذ ما فعله أحدهم عند سماعه بهذه المصيبة، وهو عمر بن الخطاب الذي عندما سمع

ص: 46

خبر وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله قال: من قال إن محمدا قد مات علوته بسيفي (وقيل: قطعت رأسه) وإنّما رفع إلى السماء کما رفع عیسی بن مریم(1)، وهكذا تصرف من قبل عمر إنّما يدلُّ على أكثر من أمر ليس الحزن والجزع كما يذكر بعضهم، لكن منها: ضعف إيمانه وقلته، أو لأمر أراد تدبيره، أمَّا ضعف الإيمان؛ فلأنه جهل أنَّ النبي صلی الله علیه وآله بشر أوحى الله تعالى إليه، ولم يكتب له الخلود بدليل القرآن الكريم وسنته صلی الله علیه وآله، فمن ذلك قوله تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(2)، والأدهى من ذلك يظهر عندما تتلى عليه هذه الآية من القرآن الكريم يسأل أهي من كتاب الله(3)!؟، ثم أنَّه قبل أيام قلائل كان يقول حسبنا کتاب الله(4)، فإذا كنت لا تعلم أنَّ هذه الآية

ص: 47


1- ينظر: الآثار، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري (ت: 182 ه)، تحقيق: أبو الوفا، دار الكتب العلمية، بيروت: 2146، وينظر: تفسير السمرقندي، أبو الليث السمرقندي (ت: 383 ه)، تحقيق: د. محمود مطرجي، دار الفکر، بیروت: 1 / 423، وينظر: تاریخ ابن الوردي، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد ابن أبي الفوارس، أبو حفص، زین الدين ابن الوردي المعري الكندي (ت: 749 ه)، ط 1، دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت، 1417 ه - 1996 م: 1 / 134
2- آل عمران: 144
3- ينظر: مسند أبي حنيفة، أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي (ت: 150 ه)، رواية أبي محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب ابن الحارث الحارثي، تحقيق: أبو محمد الأسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2008 م: 112 - 113، و ينظر: مسند إسحاق بن راهويه، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي المروزي المعروف ب ابن راهويه (ت: 238 ه)، تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، ط1، مكتبة الإيمان - المدينة المنورة، 1412 ه - 1991 م: 3 / 726
4- كان قوله حسبنا کتاب الله في يوم الخميس الذي سبق وفاة الرسول صلی الله علیه وآله، وسميت تلك الحادثة برزية يوم الخميس، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله

أهي من كتاب الله أم ليست منه، كيف لك أن تجعل كتاب الله هو الحكم!؟ وبعد كل هذا يأتي من يقول أنَّ عمراً كان أفقه الناس!! وليست هذه الآية فقط التي يجهلها عمر ولكن الكثير من الآيات، وهي ما تعارض فعلته مع الرسول صلی الله علیه وآله في رزية يوم الخميس.

أما ما يريد تدبيره من هذا الفعل الذي أقدم عليه، فهو لإشغال الناس وتخويفهم حتى يأتي من معه في هذه المؤامرة ويكتمل عددهم حتى يستطيعوا أنْ يقوموا بها على ما خططوا له، والدليل على ذلك ما فعله بعد أنْ جاء أبو بكرٍ، إذ يستمر على ما هو عليهإلى أنْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فدخل على النبي الأكرم صلی الله علیه وآله فوجده میِّتًا ثُمَّ غَطَّاهُ وَخَرَجَ فَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَّ فَإِنَّ اللهَّ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ثم تلى الآية فَقَالَ عُمَرُ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَفِي كِتَابِ الله هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو بَکْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله فِي الْغَارِ وَهُوَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ، فَبَايَعُوهُ حِینَئِذٍ(1)، فينما هو يهدد ويتوعد كل من قال أن محمدا قد مات بالقتل، نراه بعد حضور أبي بكر تغير موقفه وتقبل ذلك منه عندما قال أبو بكر إنّ النبي صلی الله علیه وآله مات ولم يتكلم إلّا عن الآية التي كان لا يعرف أهي من كتاب الله أم لا!، ومن ثم يتكلم إلى من كان موجودا ويطلب منهم أن يبايعوا أبا بكر! فأين حزنه وأين جزعه على رسول الله صلی الله علیه وآله؟، فهلا انتظر قليلا ليفضح نفسه وما تسوِّل له.

وبعد هذا عاد إلى رشده و کامل وعيه ولم يتكلم عن وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله ولم يكترث له، بل بدأ يعمل على اغتصاب الخلافة، فتركوا الرسول صلی الله علیه وآله میتا، و تجمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة التي حيكت فيها المؤامرة، (فَذَهَبَ

ص: 48


1- ينظر: مسند ابن راهويه: 3 / 726

إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْکَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهَّ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَیَّأْتُ کَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي، خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي کَلامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ: لاَ وَاللهَّ لاَ نَفْعَلُ، يَا أَمِيرٌ، وَمِنْکُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ، وَلَکِنَّا الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ، أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَیِّدُنَا، وَخَیْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله، فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلُ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ الله)(1).

ففي هذا النص تتضح معالم المؤامرة التي خططوا لها مسبقاً فعند قراءتك لهذا النص تشعر بمدى التعاون والتوافق بين المتكلمين، وكذلك اتفاقهم على أنْ يكون أمر الخلافة منوطاً بأحد هاتين الشخصيتين ولا ثالث لهم، ما الغاية ألم يكن غيرهم من الصحابة موجودا! ولِمَ تجاهلوا بني هاشم! وحصورها فيهما دون غيرهما، ألا يبين ذلك أنهما كانا متفقين عليها، وبدلیل وصّى الأول لصاحبه بعده، والأعجب هنا إنَّ أبا بكر خاف على المسلمين الفتنة والتفرق بعده فأوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب! ألم يكن النبي صلی الله علیه وآله أولى بهذا الخوف على أمَّته من أبي بكر؟ وهل يعقل أن أبا بكر كان أحرص على مصلحة المسلمين من النبي صلی الله علیه وآله، وهذا يبين أن النبي صلی الله علیه وآله وصَّى بالخلافة بعده ولكنه

ص: 49


1- صحيح البخاري: 5 / 6، وينظر: الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (ت: 287 ه)، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، ط 1، دار الراية - الرياض، 1411 ه - 1991 م: 3 / 12، وينظر: السنن الكبرى، النسائي: 7 / 295

رأى منهم تعنتهم وعصبيتهم الجاهلية التي جعلتهم يتركون الوصية، لذا أراد أنْ يكتب فمنعوه، كل هذا يظهر لنا حجم المؤامرة التي بنوها وكيف أنهم ضربوا كتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه وآله عرض الحائط، ولم يتخذوها اساسًا الأمرهم، فأين قوله حسبنا کتاب الله!؟.

من هنا تأسَّسَ الظلم والعدوان واغتصاب الحقوق وسلبها من قبل الحاكم الفاسد، وفساد الحاكم يؤدي إلى تجبُّر الرعية، وإلى التطاول على حدود الله، وهذا ما كان بعد هذه المؤامرة حتى أنَّ أكثر الناس وقفوا مع الباطل ضد الحق، ولم يكن بمقدورهم تحمُّل حاكم عادل كأمير المؤمنين علیه السلام، بل وقفوا ضده وحاولوا التخلص من آل محمد صلی الله علیه وآله، لأنّهم الخط الحق الذي يجب أن يُتَّبع، وهذا ما لا يرغب به الحاكم الفاسد، فكل هذه التركات التي خلفتها مؤامرة السقيفة كان لها الأثر في نشوب الفتن والاقتتال وإسالة الدماء التي يبقى وزرها على من أسس هذا الظلم والبغي.

ثانيًا: موقف أبي قتادة من فساد حاكم السقيفة

كان للصحابة في زمن الرسول صلی الله علیه وآله وبعده دورهم ومكانتهم الكبيرة، فقد كان رسول الله صلی الله علیه وآله يأخذ برأيهم ويشاركهم في أمور كثيرة وخصوصًا كبارهم وأوائل الذين أسلموا، فكان للذين شاركوا في معركة بدر منزلة كبيرة حتى ذهب بعض الناس إلى عدم مخالفتهم، بل وحتى نفي أي سوء عنهم، وأبو قتادة صحابي بدريٌّ قاتل مع رسول الله صلی الله علیه وآله في جميع مشاهده وغزواته، فكان ذا منزلة خاصة لما يتميز به من إيمان وتقوى وصدق، وهذا ظهر واضحا في مسيرته.

ص: 50

فكان أوَّلَ من هجر الحاكم الفاسد وقال الحقَّ عند سلطان باغٍ، بعد أن هجره أمير المؤمنين علیه السلام والذين اعترضوا في السقيفة، فلم يكن في أول أمره معارضا للخلافة، ولم يذکر کیف بايع أو أنَّه كان من المتحمسين للبيعة، لكن تذكر الروايات أنه كان في الجيش الذي قاتل الذين ارتدوا، وهنا اتضح له الحقَّ فتغير موقفه إلى صف أمير المؤمنين علیه السلام التي سيأتي تفصيلها. نذكر هنا حادثة التي غيَّرت موقفه من واقف معهم إلى هجرهم وتركهم وغمد سيفه، وهي قضية قتل خالد بن الوليد (لعنه الله) لمالك بن نويرة رحمه الله ثم زنی بزوجة مالك، ليظهر لنا فساد الحاكم وتعطيله لحدود الله، وتركه لسنة نبيه صلی الله علیه وآله وهذا نصُّ الحادثة:

(حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مِنْ عَهْدِهِ إِلَى جُيُوشِهِ: أَنْ إِذَا غَشِیتُمْ دَارًا مِنْ دُورِ النَّاسِ فَسَمِعْتُمْ فِيهَا أَذَانًا لِلصَّلاةِ، فَأَمْسِکُوا عَنْ أَهْلِهَا حَتَّى تَسْأَلُوهُمْ مَا الَّذِي نَقَمُوا! وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا أَذَانًا، فَشِنُّوا الْغَارَةَ، فَاقْتُلُوا، وَحَرِّقُوا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ لِمَالِكٍ (بن نويرة) بِالإِسْلامِ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، وَقَدْ كَانَ عَاهَدَ اللهَّ أَلَّا يَشْهَدَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حَرْبًا أَبَدًا بَعْدَهَا، وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ لَمَّا غَشُوا الْقَوْمَ رَاعُوهُمْ تَحْتَ اللَّيْلِ، فَأَخَذَ الْقَوْمَ السِّلاحَ (قوم مالك) قَالَ: فَقُلْنَا: إِنَّا الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: وَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، قُلْنَا: فَمَا بَالُ السِّلاحُ مَعَكُمْ؟ قَالُوا لَنَا: فَمَا بَالُ السِّلاحُ مَعَكُمْ؟ قُلْنَا: فَإِنْ کُنْتُمْ کَمَا تَقُولُونَ فَضَعُوا السِّلاحَ، قَالَ: فَوَضَعُوهَا، ثُمَّ صَلَّيْنَا وَصَلُوا وَكَانَ خَالِدٌ يَعْتَذِرُ فِي قَتْلِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ (مالك) وَهُوَ يُرَاجِعُهُ: مَا أَخَالُ صَاحِبَكُمْ إِلا وَقَدْ كَانَ يقول كذا وكذا قال: أو ما تَعُدُّهُ لَكَ صَاحِبًا!

ص: 51

ثُمَّ قَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَأَعْنَاقَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ قَتْلَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، تَكَلَّمَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فَأَكْثَرَ، وقال: عدو الله عدا عَلَى امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ نَزَا عَلَى امْرَأَتِهِ! وَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَافِلا حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ لَهُ عَلَيْهِ صَدَأُ الْحَدِيدِ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ لَهُ، قَدْ غَرَزَ فِي عِمَامَتِهِ أَسْهُمًا، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَانْتَزَعَ الأَسْهُمَ مِنْ رَأْسِهِ فَحَطَّمَهَا، ثم قال: ارثاء! قتلت امْرَأً مُسْلِمًا، ثُمَّ نَزَوْتَ عَلَى امْرَأَتِهِ! وَاللهَّ لأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ - وَلا يُكَلِّمُهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَلا يَظُنُّ إِلا أَنَّ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِثْلِ رَأْيِ عُمَرَ فِيهِ - حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَعَذَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُ مَا كَانَ فِي حَرْبِهِ تِلْكَ قَالَ: فَخَرَجَ خَالِدٌ حِينَ رَضِيَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: هَلُمَّ الى يا بن أُمِّ شَمْلَةَ! قَالَ: فَعَرَفُ عُمَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَضِيَ عَنْهُ فَلَمْ يُكَلِّمْهُ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ)(1)، وفي رواية أخرى (وسار خالد بن الوليد حتى أحاط بيوتات مالك بن نويرة وهم مسلمون وكانت لمالك امرأة وسيمة فمال إليها خالد وأمر بقتل مالك فنهاه عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري فأحضر خالدٌ مالکا وقال ألست القائل:

ألا علاني قبل جيش أبي بكر *** لعل المنايا قد دنون وما ندري فقال مالك ما قلت ذاك ولو سمعني صاحبكم أقوله ما قتلني فقال خالد تقول لرسول الله صاحبكم وليس بصاحبك اضربوا عنقه فالتفت مالك إلى امرأته وقال يا خالد هذه قتلتني ولما قدم خالد قال عمر لأبي بكر اقتله فإنه قتل وزنا قال تأول فأخطأ قال اعزله قال ما كنت لأشيم سيفاً سله الله تعالى)(2).

ص: 52


1- تاريخ الطبري: 3 / 279 - 280، وينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 212 - 213، وينظر: البداية والنهاية: 6 / 354
2- ينظر: الطبقات الکبری: 535، البدء و التاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي (ت: نحو 355 ه)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد: 5 / 159 - 160

هذه هي الحادثة التي ذكروها في مقتل مالك بن نويرة رحمه الله وما كان لأبي قتادة من دور فيها، ولا بد أن نناقشها من جوانب عدة:

1 - الأمر الذي صدر من الحاكم فيه من مخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ما لا يخفى على أحد، فقوله: «أَنْ إِذَا غَشِيتُمْ دَارًا مِنْ دُورِ النَّاسِ فَسِمِعْتُمْ فِيهَا أَذَانًا فَأَمْسِکُوا عَنْ أَهْلِهَا حَتَّى تَسْأَلُوهُمْ مَا الَّذِي نَقَمُوا! وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا أَذَانًا، فَشِنُّوا الْغَارَةَ، فَاقْتُلُوا، وَ حَرِّقُوا»، فهل هذه هي أخلاق الدين الحنيف، فما ذنب من يسكن هذه الدور، من النساء والأطفال والشيوخ وترويعهم بهذه الطريقة، أما قرأوا قوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(1)، وهل فعل رسول الله صلی الله علیه وآله هذا مع المشركين والمنافقين في حروبه أو في أي غزوة حدثت في زمنه؟ بل كان يوصيهم بهم خيرا فكان يقول: (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبٌ الْوَلِيدُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه وآله كَانَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ: «انْطَلِقُوا بِسْمِ الله وَبِالله، وَفِي سَبِيلِ الله، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِالله، أَبْعَثُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَجْبُنُوا، وَلَا تُمَثِّلوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَلَا تَحْرِقُوا كَنِيسَةً، وَلَا تَعْقِرُوا نَخْلًا»(2)، وروي «انْطَلِقُوا بِسْمِ الله، وَبِالله، وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ الله، فَقَاتِلُوا أَعْدَاءَ الله فِي سَبِيلِ الله، قَتْلَاکُمْ أَحْیَاءٌ مُرْزَقُونَ فِي الْجِنَانِ، ...، لَا تَقْتُلُنَّ شَیْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا صَغِیرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا غَنَائِمَکُمْ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا، إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»)(3)، فهو يأمرهم بعدم حرق الكنيسة فما بال الدار التي فيها

ص: 53


1- سورة البقرة / 190
2- المصنف، عبد الرزاق الصنعاني: 5 / 219
3- معرفة السنن والآثار، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسَرْوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت: 458 ه)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، ط 1، جامعة الدراسات الإسلامية (كراتشي - باکستان)، دار قتيبة (دمشق - بیروت)، دار الوعي (حلب - دمشق)، دار الوفاء (المنصورة - القاهرة)، 1412 ه - 1991 م: 13 / 253

ناس، فهذه هي أخلاق رسول الله صلی الله علیه وآله في القتال ضد أعدائه.

2 - شهادة أبي قتادة الأنصاري المالك بن نويرة بأنَّه مسلم(1)، ولا يحقُّ لخالد أن يؤذيه لا أن يقتله، فهو مسلم قد حرَّم الله دمه وماله وعرضه، وأبو قتادة من كبار الصحابة وبدريٌّ، فلم يأخذ خالد بن الوليد (لعنه الله) بشهادة أبي قتادة بل كره كلامه، فكيف يقوم الحاكم بجعل أمر الجيش بيد هكذا فاسق!؟، فاذا سيقول أمام الله سبحانه وتعالى، هو والحاكم الفاسد، وقد ذكر والقرآن الكريم جزاء من يقتل مؤمنا في قوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»(2)، وقوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا»(3)، فهذه الآيات تبين بوضوح الجزاء الذي سيناله خالد بن الوليد (لعنه الله)، لأنَّه قد أرتكب المعصيتين، وكذلك فإنَّ الحاكم الذي ولَّاه قيادة الجيش مسؤول عن هذه الدماء وهذه المعاصي.

ص: 54


1- كان ممن شهد أيضا مع أبي قتادة عبد الله بن عمر، وكره خالد كلامها وأصر على قتله فقتله وزنی بزوجته
2- سورة النساء / 93 - 94
3- سورة الإسراء / 32 - 33

3 - اعتزال أبي قتادة عن القتال تحت راية فيها خالد ابن الوليد (لعنه الله) يدلُّ على غضبه وعدم رضاه على الباطل، فهذا يبين أنَّ خالدًا كان فاسقًا باغيًا، فقال أبو قتادة كلمة حق عند سلطان جائر، وهذا من المواقف الرائعة لأبي قتادة.

4 - ما قام به مالك بن نويرة رحمه الله من عدم المقاومة والقتال، بل ذهب طائعا؛ فهو أمن منهم لأنَّهم مسلمون، ودم المسلم على المسلم حرام.

5 - ذكرتْ الرواية أنَّ خالدًا بیَّن سبب قتله مالكا بأَنَّهُ قَالَ لَهُ وَهُوَ يُرَاجِعُهُ: مَا أَخَالُ صَاحِبَكُمْ إِلا وَقَدْ كَانَ يقول كذا وكذا قال: أو ما تَعُدُّهُ لَكَ صَاحِبًا! ثُمَّ قَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَأَعْنَاقَ أَصْحَابِهِ، وهذا عين الظلم، لأنَّه تأوَّل هذا النَّص دون بيان الحجة على مالك ولم يفهم قصده في قوله صاحبك، فقتله على الشك في قوله، وما أعظم هذه المصيبة بأن يكون الحكم بيد من لا دين له ولا علم، فمن أين أتی خالد بهذه الحجة وهل هي دلیل کافٍ على القتل؟، ومن ثم إنَّ مالكًا قال له لو أنَّ صاحبكم أي الذي أرسلكم لي، وهذا ما توضحه الرواية الثانية، فهو أنكر قوله هذا، وبعدها قال لو سمعني صاحبكم، أي أراد أبا بكر لا رسول الله صلی الله علیه وآله، أي: حتى وإن كنت قلته وسمعه صاحبك (أبو بكر) لما فعل لي شيئا، فكيف لرسول الله صلی الله علیه وآله وهو ميِّتٌ أن يسمع ويحكم ويقتل، ولا يخفى أنَّ مالكًا كان من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وله منزلة كبيرة لديه حتی بعثه على صدقات قومه(1)، وقول مالك صاحبكم يبين أنّه رافض

ص: 55


1- ينظر: الطبقات الکبری: 533، وينظر: مستخرج أبي عوانة، أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري الإسفراييني (ت: 316 ه)، تحقيق: أيمن بن عارف الدمشقي، ط 1، دار المعرفة - بيروت، 1419 ه - 1998 م: 4 / 365

لحكم السقيفة حتى أنّه لا يعترف بأبي بكر صاحب له، وهذا هو سبب قتله لأنّه رفض حكم السقيفة فقتله خالد بن الوليد (لعنه الله) وهذا ما جعل أبا بكر يعفو عن خالد ولم يحاسبه بإقامة الحد عليه، بل أكرمه لأنّه دافع عن حكم أبي بكر وقتل مالكًا لمعارضته حكم السقيفة، لذا لم يكن قتالهم لمن ارتدَّ عن الدين بل كل من عارض وانتفض على حكم السقيفة، وهذا ما نجده في أتباعهم الذين لحقوهم فهم يقتلون كل من يعارضهم لا على أساس الدين، بل لأنَّه خالفهم في الرأي كما فعل أصحاب الجمل - طلحة والزبير وعائشة - ببعض أهل البصرة حين عارضوهم على قتال أمير المؤمنين علیه السلام.

6 - إذا كان مالك بن نويرة مذنباً فما ذنب من معه حتى يقتلوا جميعا بذنب غيرهم، وما ذنب النساء وباقي القوم حتى يفعل بهم كل هذا؟، والقرآن الكريم يقول: «قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(1)، فالآية صريحة بأن لا يحمل الذنب غير صاحبه.

7 - غضب عمر بن الخطاب من خالد بن الوليد (لعنه الله ) على فعلته هذا يبين حجم الجريمة التي ارتكبها، ووصفه بعدو الله وقال له لأرجمنك وقال لأبي بكر إن في سيف خالد رهقا فأقتله(2)، فلم يفعل له شيئا، والأعجب من هذا إنَّ عمر بن الخطاب لما تولى الحكم لم يفعل لخالد شيئاً، بل حتى عزله من منصبه لم يكن بسبب هذه القضية بل لأسباب أخرى، وإلَّا لكان أقام عليه

ص: 56


1- سورة الأنعام / 164
2- ينظر: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 2 / 24، وينظر : السيرة الحلبية: 3 / 279

الحد الشرعي، فما سبب هذا الاستخفاف بشرع الله وحدوده؟ ومن هو خالد بن الوليد (لعنه الله) حتى لا يطبق عليه الحد.

8 - الحالة التي كان عليها خالد وعدم اهتمامه لما فعل يدلُّ على اطمئنانه من الحاكم في عدم محاسبته، أي أنَّه أمن العقاب فساء الأدب، وليت هذا، فإنه أمن العقاب فارتكب المعصية ووقع بالفاحشة، وخرق حدود الله تعالى ونبيه الكريم صلی الله علیه وآله، واستهزأ بالشرع المقدس، وهذا كلّه بسبب تهاون الحاكم الفاسد وخوفه منه، فقد خاف من البشر، وترك مخافة الله سبحانه، فماذا سيقولون يوم يقفون أمامه، والظاهر أنّه فعل هذا ولم يخف من العقاب من قبل أبي بكر لأنّ بينهما ما هو أكبر من ذلك فإذا حاسبه أخل باتفاق كان بينهم، فقد كان خالد بن الوليد من الذين شاركوا في مؤامرة السقيفة ووقف مع أبي بكر في كل شيء وهذا كان مقابل أن يحصل على قيادة الجيش في زمن أبي بكر، ومن ثم يذهب الحكم إلى عمر ويكون أبو عبيدة قائدا للجيش.

9 - قتل الأسرى(1)، وهذه من شيمة خالد بن الوليد (لعنه الله)، فعل هذا أكثر من مرة حتى في زمن النبي صلی الله علیه وآله، فقد روي أنه: (بَعَثَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله، خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ (لعنه الله) إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا(2)، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ بِهِمْ أَسًرْا

ص: 57


1- هذا ما يقوم به أتباع هؤلاء العصابة من قتل الأسير الذي نراه في واقعنا، فقد استندوا في عملهم هذا إلى ما قام به أسيادهم أمثال المجرم خالد بن الوليد (لعنه الله)، فالدين الإسلامي من براء کما تبرأ الرسول صلی الله علیه وآله من أفعال سادتهم آنذاك
2- هذه رواية البخاري، وفي رواية بعثه داعيا لا مقاتلا فلما انتهى اليهم خالد قال لهم ما أنتم قالوا مسلمون صلينا و صدّقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا، فقاتلهم وقتل أسراهم ورفض بعض الصحابة قتل اسراهم وقدموا النبي صلی الله علیه وآله فدعا بذلك الدعاء. ينظر: تاریخ الخمیس: 2 / 97

وَقَتْلًا، قَالَ: وَدَفَعَ إِلَى کُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِیرًا، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمًا، أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِیرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ: وَالله لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِیرَهُ، قَالَ: فَقَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله فَذَكَرُوا لَهُ صَنِيعَ خَالِدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله وَرَفَعَ يَدَيْهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» مَرَّتَيْنِ)(1)، وكان ممن عارض قتل الأسرى أبو قتادة فقد روي عنه (وَكَانَ فِي الْقَوْمِ، قَالَ: لَمَّا نَادَی خَالِدٌ فِي السّحَرِ «مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْیُذَافّهِ» أَرْسَلْت أَسِیرِي وَقُلْت لِخَالِدٍ: اتَّق اللهَ، فَإِنّك مَيّتٌ! وَإِنّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ! قَالَ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، إِنّهُ لَا عِلْمَ لَك بِهَؤُلَاءِ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَإِنّمَا يكلِّمني خَالِدٌ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ التِّرة عَلَيْهِمْ)(2). وهذا التعصب والفكر الجاهلي كلف الإسلام الكثير من الفتن والدماء واغتصاب الحقوق ومهَّد لها، وفي هذه الحادثة يظهر لنا أبو قتادة الأنصاري في موقف مخالف لخالد بن الوليد رافض له، حتى أنه قال له اتق الله يا خالد وذكره بالموت وهذه دلالة على قبح فعل خالد بن الوليد والظلم الذي فعله بهؤلاء القوم على رغم كونهم مسلمين يصلون وبنوا المساجد. فهذا العمل يتنافي وأخلاق رسول الله صلی الله علیه وآله ومبادئ الدين الإسلامي، فالنبي الكريم صلی الله علیه وآله يتبرأ من عمل خالد ويكرر ذلك التبرؤ، لقبح ما صنعه هذا المجرم خالد بن الوليد (لعنه الله)، فهو يحاول بكل ما لديه أن يسيء للنبي الأكرم صلی الله علیه وآله وللدين الإسلامي لأنَّ خالدة لم يدخل الإسلام إلّا لأجل ذلك، والدليل أفعاله هذه؛ لأنَّ رسولَ الله صلی الله علیه وآله كان يعفو عن الأسير، الخميس: 2/ 97.

ص: 58


1- مسند الإمام أحمد بن حنبل: 10 / 444، صحيح البخاري: 5 / 160، السنن الكبرى: 5 / 411
2- مغازي الواقدي: 3 / 881

وهذا ما حدث في معاركه صلی الله علیه وآله، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(1)، فالآية صريحة في العفو عن الأسرى، وكان عمر بن الخطاب من الذين يؤيدون قتل الأساری ففي كثير من المواقف كان يقول نضرب أعناقهم فقد نُقل عنه أنه قالها في أساری معركة بدر عندما أخذ رأيهم النبي الكريم صلی الله علیه وآله(2).

10 - ردُّ السبي: ومما يؤيد ما ذهبنا له في فساد الحاكم وعدم تطبيقه لشرع الله على المجرم خالد بن الوليد (لعنه الله) وبراءة مالك بن نويرة رضي الله عنه، ما قام به أبو بكر من ردِّه للسِّبي والغنائم ودفع الديات للقتلى، فلو أنَّ مالكا وأصحابه کانوا کما زعموا مرتدين لما يحقُّ له أن يردَّ السبي والغنائم؛ لأنَّها أموال المسلمين، وخمسها لله ولرسوله، فهذا يدلُّ على إسلام مالك وأصحابه، أيضاً قول أبي بكر على خالد تأوَّل أو اجتهد فأخطأ، فأيُّ تأوِّلٍ واجتهاد هذا الذي يتكلم عنه هذا الحاكم الفاسد، أفي كتاب الله هذا أم في سنة نبيه صلی الله علیه وآله، وهل في قتل المسلم البريء تأوُّلٌ؟ أو في التمثيل بالقتلى؟ أو في الزنى بالمحصنة؟ أو في قتل الأسارى الذي نهي عنه من قبل رسول الله صلی الله علیه وآله سابقًا؟ أو ماذا؟

ص: 59


1- سورة الأنفال / 67
2- ينظر: مسند أحمد بن حنبل: 6 / 138، وينظر: مسند عمر بن الخطاب، أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصَّلْت بن عُصْفور السدوسي بالولاء البصري (ت: 262 ه)، تحقيق: کمال يوسف الحوت، ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، 1405 ه: 57، وينظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (ت: 430 ه)، دار السعادة - مصر، 1394 ه - 1974 م، وعنها دار الكتاب العربي - بيروت، ودار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، و دار الكتب العلمية - بیروت، 1409 ه: 1 / 43

إنَّ فساد الحاكم وضعفه وتهاونه في إقامة حدود الله جعل الناس يأمنون العقاب مما أدى إلى انحدار المجتمع الإسلامي إلى أقصى درجات الانحدار، حتى أصبح الناس لا يطيقون الحق، لذا كان من الطبيعي أن يبتعد أكثر الناس عن إمامهم الحق أمير المؤمنين علیه السلام ويقفوا مع أعدائه؛ لأنَّهم قد اعادوا للناس الحياة الجاهلية التي لا رادع فيها سوى ما تعارف عليه الناس، فعمَّ الفساد في المجتمع الإسلامي، ثم توالت أحقاب الحكام الفاسدين ؛ ليظهر لنا حجم المؤامرة التي حاكها هؤلاء على الدين الإسلامي لوأده في مهده، إلَّا أنَّ الله سبحانه أبى إلّا أن يُتمَّ نوره بأهل بیت رسول الله صلی الله علیه وآله فكانوا حملة الدين والمدافعين عنه في وجه هؤلاء، حتى أحبطوا مؤامرتهم باذلين لأجل الدين كل غالٍ ونفيس، حتى سالت دماؤهم الزكية دفاعًا عن دين الله وإصلاحًا لما أفسدته مؤامرة السقيفة وعصابتها الباغية، الجاحدة للحقِّ، فكان ما كان من فتن وظلم وقتل بسبب ما بثَّتْه تلك العصابة من سموم وتزوير للحقائق من أجل حبِّ الدنيا الفانية التي خسروها مع الآخرة، وبقي لهم الخزي في الدنيا والآخرة، فكيف سيواجهون الله سبحانه ورسوله صلی الله علیه وآله بكل هذه الأعمال وهذه الفتن والدماء. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ثالثًا: اعتزال أبي قتادة القتال مع الحاكم الفاسد

كان لواقعة مالك بن نويرة وقتله بهذه الطريقة - ممَّا يخالف كلِّ أخلاق وينافيها - أثره الواضح في نفس الصحابي الجليل أبي قتادة الأنصاري، فقد تغيَّر موقفه من كل شيء تغييرا كبيرا، من الخلافة ومن يتولاها، فلم تذكر الروايات أنه وقف مع أحد من الحكام الذين تلوا أبا بكر عمر بن الخطاب

ص: 60

وعثمان بن عفان بل كان منعزلا عنهم کما اعتزل أبا بكر، إلى أن جاء أمير المؤمنين علیه السلام لتولي أمر الخلافة نراه قد ظهر ووقف مع الإمام علیه السلام ولم يتركه وشارك معه في كل معارکه کما سنبين ذلك لاحقاً، وهذا ممَّا لا شكَّ فيه لم يأتِ من فراغٍ أو عدم علم، فقد أدرك أبو قتادة المؤامرة التي حاكتها عصابة السقيفة وأهدافهم المشؤومة، وبانَ له زيف شعاراتهم من حبِّهم لرسول الله صلی الله علیه وآله وهم أوَّل القوم خيانة له، فمِثْله لا يسكت عن الحق ولا يتهاون في الدفاع عنه، فقد نقلت الروايات أن أبا بكر قد كذّبه ولم يأخذ بشهادته، وإنَّما صدّق بخالد مع علمه بما حدث منه من معصية وقد شهد الكثير عليها، فالحاكم الفاسد لم يفرق بين المؤمن والفاسق الذي جهر بفسقه، وليس هذا فحسب، بل كذَب المؤمن وهو الصحابي البدريُّ، وصدّق الفاسق، وبدل أن يقيم الحد على الفاسق عفی عنه وتركه في منصبه لقيادة جيش المسلمين!، لم يكن لمثل إبي قتادة من سبيل مع هكذا عصابة إلا أنْ يعتزلهم، حتى يرى الحق رجع إلى أهله فيقف معه، ولم تذكر الروايات أن أبا قتادة وقف مع أحد من هؤلاء الحكام أو قاتل معه طول فترة حكمهم، وذكرته رواية واحدة في زمن عثمان عندما كان محاصرا، أي قبل مقتله بقليل، دخل عليه أبو قتادة وشخص آخر طلبا منه الإذن بالحج(1)، وهذا يشير إلى أنَّه لم يقاتل إلى جانبه، فهو يريد

ص: 61


1- ينظر: تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (ت: 262 ه)، تحقيق: فهیم محمد شلتوت، طبعه: السيد حبيب محمود أحمد - جدة، 1399 ه: 4 / 1217، وينظر: الرياض النضرة في مناقب العشرة، أبو العباس، أحمد بن عبد الله بن محمد، محب الدين الطبري (ت: 694 ه)، ط 2، دار الكتب العلمية: 3 / 69، وينظر: فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، محمد بن عبد الله بن عبد القادر غبان الصبحي، ط 2، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1424 ه / 2003 م: 1 / 549

أنْ يحجَّ وعثمان محاصرٌ في داره، حتى أنَّه لم يعرض عليه أن يدافعَ عنه، لذا يتبين أنَّه لم يكن مؤيدا له ولا ناصرا، لم يقم بأيِّ فعل رغم ما رآه، فلو أنَّه كان يعترف بخلافته لدافع عنه ووقف إلى جانبه، فالأولى أن يدافع عن الخليفة بدل الحجِّ، إذاً فأبو قتادة لم يكن من أتباعه او حتی راضيا به خليفة، وكذا كان موقفه من عمر بن الخطاب فلم تذكر الروايات له موقفا معه أو أنَّه قاتل إلى جانبه، وهذا يدلُّ على عدم اعترافه بخلافتهم.

ص: 62

الفصل الثاني حياته مع أمير المؤمنين علیه السلام المبحث الأول: دوره في معارك أمير المؤمنين علیه الاسلام المبحث الثاني: مواقفه مع عائشة ومعاوية

ص: 63

ص: 64

الفصل الثاني حياته مع أمير المؤمنين علیه السلام لم تكن حياته مع أمير المؤمنين علیه السلام کما کانت مع الحكام الثلاثة السابقين، بل على النقيض منهم، إذ كان مع أمير المؤمنين علیه السلام مثل ما كان مع رسول الله صلی الله علیه وآله، فتراه مقاتلا بين يديه لم يتخلف عن أي معركة مع أمير المؤمنين علیه السلام، فهو من ثقات أمير المؤمنين علیه السلام وولاته، وقادة جيشه. وهو من الصحابة التي ولاها أمير المؤمنين علیه السلام بعض الأمصار(1).

بعد أن بويع أمير المؤمنين صلی الله علیه وآله بالخلافة التي هي حقه المغتصب، لأنَّه لا يحتاج إلى بيعة فهو منصوص عليه من قبل النبي الأكرم صلی الله علیه وآله، لكن هذه البيعة القطع حجة القوم المخالفين، إذ لما قُتل عثمان بن عفان اجتمع الناس على أمير المؤمنين علیه السلام، لبايعوه لكنَّه لم يأبه لأمرها، فقد ذكرت الروايات: عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ جَاءَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلَى عَلِيٍّ علیه السلام يُهْرَعُونَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ وَغَیْرُهُمْ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ علیه السلام، حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ دَارَهُ فَقَالُوا: نُبَايِعُكَ فَمُدَّ يَدَكَ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ علیه السلام: «لَيْسَ ذَاكَ إِلَيُكْم،

ص: 65


1- ينظر: منهج أمير المؤمنين علیه السلام في معالجة الفساد المالي، أ. د. حسين علي الشرهاني (بحث)، جامعة ذي قار، كلية التربية للعلوم الإنسانية، مجلة المبين، العدد الأول، السنة الأولى، 1437 ه - 2016 م: 81

وَإِنَّمَا ذَاكَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَمَنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُ بَدْرٍ فَهُوَ خَلِيفَةٌ»، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلا أَتَى عَلِيًّا علیه السلام، فَقَالُوا: مَا نَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ، فَمُدَّ يَدَكَ نُبَايِعْكَ، فَقَالَ: «أَیْنَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ؟» فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ طَلْحَةُ بِلِسَانِهِ، وَسَعْدٌ بِيَدِهِ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ علیه السلام ذَلِكَ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ إلَیْهِ، فَبَايَعَهُ طَلْحَةُ، وَبَايَعَهُ الزُّبَيْر(1)، ويظهر أنَّ الإمام علیه السلام بويع بالإجماع، وبعد هذا بدأ بتنصيب ولاته على الأمصار، فقد عهِد إلى أبي قتادة الأنصاري ولاية مكة، فكان أوّل والٍ لأمير المؤمنين علیه السلام على مكة(2)، وولاية مكة لها مكانة خاصة؛ لأنّها ترتبط ارتباطًا روحيًّا ودينيًّا بنفوس المسلمين، ففيها بيت الله الذي جعله للناس قبلة، وإليها يحجُّ الناس من كلِّ حدب وصوب، فهي مرکز دینیٌّو اقتصاديٌّ و سیاسيٌّ، فلا يمكن التفريط فيه أو التهاون في أمر ولايتها، ولا تناط هكذا مهمة كبيرة إلّا لشخصٍ أمين ثقة شجاع قادر على أدائها بصورة تامة، فكان اختيار أمير المؤمنين علیه السلام لأبي قتادة الأنصاري الإدارة شؤونها، فيتضح لنا من هذا منزلة هذا الصحابي الجليل لدى أمير المؤمنين علیه السلام، ومدى قربه منه، هذا قبل أن ينقل أمير المؤمنين علیه السلام مقرَّ الخلافة

ص: 66


1- ينظر: جمل من أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلاَذُري، (ت: 279 ه)، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، ط 1، دار الفكر - بيروت، 1417 ه - 1996 م: 5 / 560، وينظر: الثقات، ابن حبان: 2 / 268، وينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة: 4 / 102
2- تاریخ دمشق: 67 / 151، وينظر: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، محمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبو الطيب المكي الحسني الفاسي (ت: 832 ه)، ط 1، دار الكتب العلمية، 1421 ه - 2000 م: 2 / 193، وينظر: الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية، سعید حوّی (ت: 1409 ه)، ط 3، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1416 ه - 1995 م: 4 / 1852

إلى الكوفة، فلما نقلها إلى الكوفة ولَّى عليها قثم(1)ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 582(2) بن العباس. وأخذ معه أبا قتادة الأنصاري إلى الكوفة. واشتمل هذا الفصل على مبحثين الأول: لدور أبي قتادة الأنصاري في معارك أمير المؤمنين علیه السلام، والثاني: لمواقفه من عائشة ومعاوية عندما التقى بهما.

ص: 67


1- قثم بْنُ الْعَبَّاسِ
2- . بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بن عبد مناف. وأمه أم الفضل وهي لبابة الكبرى بِنْت الحارث الهلالية. وكان قثم يشبه برسول الله صلی الله عليه وآله، ينظر: الطبقات الكبرى: 7 / 260

ص: 68

المبحث الأول: دوره في معارك أمير المؤمنين علیه السلام

أولًا: في معركة الجمل وموقفه فيها

أول معركة لأمير المؤمنين علیه السلام بعد توليه الخلافة، فقد خرج عليه الناكثون للبيعة الخارجون عن أمر رسول الله صلی الله علیه وآله، لا لشيء إنَّما حسدا وبغضا بأمير المؤمنين علیه السلام، وخوفا من إحقاق الحقِّ على يده، وطمعا بهوى الدنيا.

ولا بد من بيان أسباب هذه المعركة ومناقشتها، وبيان موقف أمير المؤمنين علیه السلام وأصحابه منها، وما ذكرته المصادر، ذاکرین حكم الخروج على الإمام في الشريعة، التي كان يتبعها الخارجون، وماذا فعل من كان قبل أمير المؤمنين علیه السلام بأمثالهم.

فقد ذكرت الروايات أن النبي صلی الله علیه وآله قد ذكر أحداثا تقع قبل هذه المعركة وفيها، أي إنه نقل لهم ما سيحدث فيها، وقال هذا لبعض زوجاته فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله: «أَیَّتُکُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ

ص: 69

الْأَدْبَبِ(1)، يُقْتَلُ حَوْلَها قَتْلیَ كَثِيرَةٌ تَنْجُو بَعْدَمَا كَادَتْ»(2)، والتقدير: بعدما كادت ألّا تنجو. فهذا الحديث يدل على تحذيرهن من هذه الواقعة وأنها ستكون في ضلال، وعليها ألّا تذهب، لكن كان منها ما هو عكس ذلك، إذ ذهبت على جملها الأدبب، ونبحتها كلاب الحوأب، لكنها لم تنته ممّا عمدت إليه، فقتل بسببها مقتلة عظيمة حتى كادت أن تهلك، لكن أمير المؤمنين علیه السلام ردَّها إلى بيتها بأخلاق المقاتل المسلم المؤمن المحبِّ لرسول الله صلی الله علیه وآله، وقد أوصاه رسول الله صلی الله علیه وآله بها، فقد روي أن رسول الله صلی الله علیه وآله قال لعلي علیه السلام: «سيكون بينك وبين عائشة أمر» قال: «أنا يا رسول الله؟!» قال: «نعم». قال: «أنا؟!» قال: «نعم». قال: «فأنا أشقاهم یا رسول الله؟!» قال: «لا». ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها(3). وقد فعل بما أوصاه وكيف لا يكون ذلك من خير الخلق بعد نبيه صلی الله علیه وآله، وكلاهما بعضه من بعض، ولم يكن التحذير هذا محصورا بعائشة فقد حذر رسول الله صلی الله علیه وآله الزبير، ذلك أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله لَقِيَهُمَا (علي والزبير) فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ: «أَتُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ؟» فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله: «فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ؟»(4)، ويدل على أن الله

ص: 70


1- وذكر أهل الحديث تكملة الحديث: «أَیَّتُکُنَّ صاحبةُ الجملِ الأدْبَبِ، یَنْبَحُها كلاب الحوْأب». ينظر: مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله العتكي المعروف بالبزار (ت: 292 ه)، تحقيق: محفوظ الرحمن زین الله، وعادل بن سعد، وصبري عبد الخالق الشافعي، ط 1، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، 2009 م: 11 / 73، وينظر: شرح مشکل الآثار: 14 / 265
2- الكتاب المصنف ابن أبي شيبة: 7 / 538، ومسند البزار المنشور باسم البحر الزخار: 11/ 73، وينظر : شرح مشکل الآثار: 14 / 265
3- ينظر: مسند أحمد بن حنبل: 45 / 175، وينظر: الغدير: 3 / 195
4- ينظر: جامع معمر بن راشد: 11 / 241، وينظر: الكتاب المصنف ابن ابي شيبة: 7 / 545، وينظر: المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبيالطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1411 ه - 1990 م: 3 / 412

سبحانه أوحى للنبي صلی الله علیه وآله بهذه الحوادث التي تجري على أمير المؤمنين علیه السلام وقد حذرهم من الوقوف ضده فهو مع الحق حيثما دار.

أما أحداث المعركة فكانت بعد أن بايع الناس أمير المؤمنين علیه السلام وبايعه طلحة والزبير طمعا بنيل إمارة منه، ولكنه لم يوليهم أيَّ منصبٍ، بعدها طلبا منه أن يسمح لهما بالعمرة، ولم يكن قصدهما العمرة كما ذكر لهما الإمام علیه السلام، فأذن لهما فانطلقا إلى مكة التي كانت فيها عائشة تحرض الناس على أمير المؤمنين علیه السلام، بدعوى المطالبة بدم عثمان، ولا أدري ما العلاقة التي تربطها بعثمان حتى تكون هي ولي دمه!، فالتحق بها طلحة والزبير اللذان نكثا بيعة أمير المؤمنين علیه السلام وانضما إلى المطالبين بدم عثان وكأنّهم ولي الدم!، ولم يكن دم عثمان إلّا ذريعة لهم بالخروج على طاعة أمير المؤمنين علیه السلام؛ لأنهم أصبحوا مجردین عمّا كانوا عليه من السلطة والأموال التي تدفع لهم من الذين تولوا الحكم قبل أمير المؤمنين علیه السلام، ولهذا فهم من قتل عثمان؛ لأنّهم اختلفوا معه، فها هي عائشة تحرض على قتل عثمان عندما طالبته بإرث رسول الله صلی الله علیه وآله لكنه رفض طلبها، فقالت أقتلوا نعثلاً فقد کفر وهذا ما تبينه الرواية التي تقول: انتهت عائشة إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب - وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه - فقالت له: مهیم؟ - أي: ما عندك من خبر - قال: قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن

ص: 71

أبي طالب علیه السلام فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه(1) أن تمَّ الأمر لصاحبك! ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قُتِل واللهِ عثمان مظلومًا والله لأطلبنَّ بدمه فقال لها ابن أم كلاب: ولم؟ فوالله إنَّ أوَّل من أمال حرفه لأنتِ ولقد کنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا: وقولي الأخير خير من قولي الأوّل فقال لها ابن أم کلاب:

فمنك البداء ومنك الغير *** ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الإمام *** وقلت لنا إنه قد كفر فهبنا أطعناك في قتله *** وقاتله عندنا من أمر ولم يسقط السيف من فوقنا *** ولم تنکسف شمسنا والقمر وقد بايع الناس ذا تدرإٍيزيل *** الشبا ويقيم الصعر ويلبس للحرب أثوابها وما *** من وفي مثل من قد غدر فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت الحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت: يا أيها الناس إنّ عثمان قُتل مظلوما والله لأطلبنَّ بدمه(2). وهكذا لم يكن خروجها للإصلاح، ولكنّها علمت بأنَّ أمير

ص: 72


1- أرض لهول ما حدث من أمر، وهو تنصیب أمير المؤمنين علیه الاسلام خليفة، وهذا يدلُّ على كرهها وبغضها له، فقد ساءها خبر وصوله للخلافة لأنّه لن يعطيها ما تريد، أو ما أرادته من عثمان ورفضه فحرَّضت على قتله، لذا كانت تحرّض على كلِّ من يعارضها ولا يحقق لها ما تريد مستغلة بذلك مكانتها بين الناس على أنَّها زوج النبي صلی الله علیه وآله
2- ينظر: الفتنة ووقعة الجمل، سيف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (ت: 200 ه)، تحقيق: أحمد راتب عرموش، ط 7، دار النفائس، 1413 ه / 1993 م: 115 - 116، وينظر: تأريخ الطبري: 4 / 458 - 459، وينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 570

المؤمنين علیه السلام أصبح هو الخليفة، لذا ثارت ضدَّه بغضًا به وحسدًا، ولأنَّه لن يتعامل معها كما كان يعامل الذين سبقوه، الذين كانوا يغدقون عليها الأموال وغيرها.

ويدلُّ على ما ذهبنا إليه في أنَّها هي من تسبب بمقتل عثمان لأنّه منع عنها ما كان يعطى لها، أنّها عندما قال لها هذا الشخص قُتِل عثمان لم تقل كلمة واحدة حتى لم تسترجع أو تترحم عليه، فهذا يبين أنها راضية بمقتله، فسألت وما حصل بعد، أي من تولى الحكم، وقيل: إنَّها قالت: أرى الناس يبايعون طلحة(1)، وهذا يشير إلى أنهَّا جزء من عملية قتل عثمان والسيطرة على الحكم من قبل شخص يدين بالولاء لها، فلمّا علمت بأنّ الأمور غدتْ لأمير المؤمنين علیه السلام هنا قالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه أن تم الأمر لصاحبك - أي لعلي علیه السلام - لأنها تعلم أنّ علي علیه السلام لن يعطيها أيَّ شيءٍ أكثر من حقِّها، فعدالته عدالة رسول الله صلی الله علیه وآله، وهو الذي رفض أن يكونَ حكمه على طريقة الشيخين في قضية الستة الذين وضعهم عمر، لأنَّ الشيخين كانا يعملان خلاف القرآن الكريم والسنة ويعطون المال والهبات، فلمّا قبل عثمان بطريقة الشيخين سلموا الأمر له؛ لأنَّه سيعطيهم ما كان الشيخان يعطيانه لهم فعندما منعه عنهم قتلوه، وبهذا انتهى ما تريده وما كانت تخطط له بتولي علي علیه السلام الأمر، وهذا الحال الذي كان عليه طلحة والزبير فقد كان يريدان أن يكون لهما أمرة على بعض الأمصار، فلما لم يحصلا على إمارة ذهبا إلى مكة(2)،

ص: 73


1- ينظر: تاریخ مختصر الدول، غريغوريوس (واسمه في الولادة يوحنا) ابن أهرون (أو هارون) بن توما الملطي، أبو الفرج المعروف بابن العبري (ت: 685 ه)، تحقيق: أنطون صالحاني اليسوعي، ط 3، دار الشرق، بیروت، 1992 م: 105
2- ينظر: تاریخ مختصر الدول: 105

والتحقا بعائشة وخرجوا معها تحت ذريعة المطالبة بدم عثمان الذي هم من قتله، فيقول فيهم أمير المؤمنين علیه السلام: «فَخَرَجُوا یَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وآله کَمَا تُجَرُّ الأمَةُ عِنْدَ شَرَائِهَا، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَبْرَزَا حَبِیِس رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وآله لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا، فِي جَيْش مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ، وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ، طَائِعاً غَيْرِهِمْ مُكْرَه، فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً، وَطَائِفَةً غَدْراً»(1).

وهذا النص يظهر ما قام به هؤلاء الناكثون بالبيعة حتى أخذوا يجرون حرم رسول الله صلی الله علیه وآله وتركوا نساءهم معززة مكرمة في بيوتهن، وكلُّ من معهم قد بايعَ أمير المؤمنين علیه السلام طوعًا دون إكراه، ثم توجهوا إلى البصرة فلقيهم أهلها فقاتلوهم، ومن ثم اتفقوا مع عثمان بن حنيف على إنهاء القتال وأن يبقى هو الوالي على البصرة والمتصرف في بيت المال، ثم نكثوا به وسيطروا عليها وعزلوه وسجنوه وعذبوه حتى نتفوا شعر رأسه ولحيته، ونهبوا بیت المال، وقتلوا ما قتلوا(2)، وبعد كل هذا يأتي من يقول إنهم ذهبوا للإصلاح ومحاربة الفساد والقضاء على قتلة عثمان.

فلَمَّا ساروا إلى البصرة بَلَغَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مَنْزِلَ عَلِيٍّ علیه السلام بِذِي قَارٍ انْصَرَفُوا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَأَخَذُوا عَلَى الْمُنْكَدِرِ، فَسَمِعَتْ عَائِشَةُ نُبَاحَ الْكِلابِ، فَقَالَتْ:

ص: 74


1- نهج البلاغة، المختار من كلام امير المؤمنين علیه السلام، لجامعة الشريف الرضي (ت: 406 ه)، مع ضبط الأديب الأريب: علي بن محمد ابن السكون (ت: 600 ه تقریبا)، تحقيق: الشيخ قيس بهجت العطار، شعبة إحياء التراث والتحقيق، العتبة العلوية المقدسة، ط 1، العراق - النجف الأشرف، 1437 ه: 381 - 382
2- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 468 - 469

أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: الحَوْأَبُ، فَقَالَتْ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! إِنِّي لهيه، قد سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله يَقُولُ وَعِنْدَهُ نِسَاؤُهُ: لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُکُنَّ تَنْبَحُهَا کِلابُ الْحَوْأَبِ! فَأَرَادَتِ الرُّجُوعَ، فَأَتَاهَا(1) عَبْدُ الله بْنُ الزُّبَیِرْ فَزُعِمَ أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ إِنَّ هَذَا الْحَوْأَبُ وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَضَتْ، فَقَدِمُوا الْبَصْرَةَ وَعَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ، فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ: مَا نَقِمْتُمْ عَلَى صَاحِبِكُمْ؟ فَقَالُوا: لَمْ نَرَهُ أَوْلَی بِهَا مِنَّا(2)، وَقَدْ صَنَعَ مَا صَنَعَ، قَالَ: فَإِنَّ الرَّجُلَ أَمَرَنيِ فَأَكْتُبُ إِلَيْهِ فَأُعْلِمُهُ مَا جِئْتُمْ لَهُ، عَلَى أَنْ أُصَلِّيَ بِالنَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَنَا کِتَابُهُ، فَوَقَفُوا عَلَيْهِ وَكَتَبَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا يَوْمَيْنِ حَتَّى وَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَاتَلُوهُ بِالزَّابُوقَةِ عِنْدَ مَدِينَةِ الرِّزْقِ، فَظَهَرُوا، وَأَخَذُوا عُثْمَانَ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، ثُمَّ خَشُوا غَضَبَ الأَنْصَارِ، فَنَالُوهُ فِي شَعْرِهِ وَجَسَدِهِ فَقَامَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ خَطِيبَيْنِ فَقَالا: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ، تَوْبَةٌ بِحَوْبَةٍ، إِنَّما أَرَدْنَا أَنْ يَسْتَعْتِبَ عُثْمَانَ وَلَمْ نُرِدْ قَتْلَهُ، فَغَلَبَ سُفَهَاءُ النَّاسِ الْحُلَمَاءَ حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ النَّاسُ لِطَلْحَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَدْ كَانَتْ كُتُبُكَ تَأْتِينَا بِغَيْرِ هَذَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَهَلْ جَاءَکُمْ مِنِّي كِتَابٌ فِي شَأْنِهِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ عُثْمَانَ

ص: 75


1- و أول من شهد طلحة والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب، وخمسون رجلاً إليها، وكانت أول شهادة زور دارت في الإسلام. ينظر: العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلی الله علیه وآله، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (ت: 543 ه)، قدم له وعلق عليه: محب الدين الخطيب، ط 1، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، 1419 ه: 148، وينظر : الروض المعطار في خبر الأقطار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِمیری (ت: 900 ه)، تحقيق: إحسان عباس، ط 2، مؤسسة ناصر للثقافة، بیروت، 1980 م: 206
2- وهنا تتضح مآربهم وهو طمعهم بالحكم، فهم يرون أنهم أولى من أمير المؤمنين علیه السلام بالخلافة، لذا فخروجهم لم يكن لغير ذلك، فلأنهم لم ينالوا أي منصب أو فضل في هذه الخلافة كما كان فيمن سبقه خرجوا عليه

وَمَا أَتَى إِلَيْهِ، وَأَظْهَرَ عَيْبَ عَلِيٍّ علیه السلام فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، أَنْصِتْ حَتَّى نَتَكَلَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ الزُّبَيْرِ:

وَمَا لَكَ وَلِلْكَلامِ! فَقَالَ الْعَبْدِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينُ، أَنْتُمْ أول من أجاب رسول الله صلی الله علیه وآله، فَكَانَ لَكُمْ بِذَلِكَ فَضْلٌ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ کَمَا دَخَلْتُمْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله بَایَعْتُمْ رَجُلا مِنْكُمْ، وَالله مَا اسْتَأْمَرْتُمُونَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَرَضِينَا وَاتَّبَعْنَاکُمْ، ...، ثُمَّ مَاتَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَیْکُمْ رَجُلا مِنْکُمْ، فَلَمْ تُشَاوِرُونَا فِي ذَلِكَ، فَرَضِينَا وَسَلَّمْنَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ الأَمْرُ إِلَى سِتَّةِ نَفَرٍ، فَاخْتَرْتُمْ عُثْمَانَ وَبَایَعْتُمُوهُ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، ثُمَّ أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَيْئًا، فَقَتَلْتُمُوهُ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، ثُمَّ بَایَعْتُمْ عَلِيًّا علیه السلام عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، فَمَا الَّذِي نَقِمْتُمْ عَلَيْهِ فَنُقَاتِلُهُ؟ هَلِ اسْتَأثَرَ بِفَيْءٍ، أَوْ عَمِلَ بِغَيْرِ الْحَقِّ؟ أَوْ عَمِلَ شَيْئًا تُنْكِرُونَهُ فَنَکُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ! وَإِلا فَمَا هَذَا! فَهَمُّوا بِقَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَامَ مِنْ دُونِهِ عَشِيرَتُهُ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَقَتَلُوا سَبْعِينَ رَجُلا(1)، وهذا الرجل كان يريد منهم أن يعطوه دليلا على قتال أمير المؤمنين علیه السلام فهو لم يفعل كما فعل الذين سبقوه، فقد استأثروا بالفيء وعملوا بغير الحق، أو أنيعطوا حجة واضحة ليقف الناس معکم فأنتم بایعتموه، ثم أنظر ماذا فعلوا بهذا الرجل ومن كان معه؟ وبعد هذا يأتي من يقول إنّهم جاؤوا لطلب الإصلاح والطلب بدم عثمان، فهم يقتلون كل من يقف بوجههم حتى وإن كان في الرأي، فكان قتل هذا الرجل القيسي وغيره من أتباع أمير المؤمنين عليه السلام مسوغا آخر لقتال هذه الفئة الضالة، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«فَوَاللهِ لَوْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ لِقَتْلِهِ، بِلاَ جُرْم

ص: 76


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 469 - 470

جَرَّهُ، لَحلَّ لي قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ کُلِّهِ، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا، وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَان وَلاَ يَد. دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِینَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَیْهِمْ»(1)، إضافة إلى نكثهم بيعة إمامهم وخرجوهم عليه، والخارج على الإمام في جميع المذاهب کافر يقاتل(2)، وأمير المؤمنين علیه السلام إمام بالإجماع، ومن ثم من هم قتلة عثمان الذين يطالبون بهم، فلم يذكروا منهم أحدا أو يشهدوا عليه حتى يُقتصَّ منه، فهم أرادوا بقتلة عثمان كل من خرج عليه، وهذا هو الاصلاح الذي يزعمون، ومن ثم إنّ عائشة اتهمت أمير المؤمنين علیه السلام بقتل عثمان(3) فهل كانت تريد القصاص منه؟، فجاء أمير المؤمنين علیه السلام إلى البصرة على جيش من أنصاره ومحبيه جلّهم من الصحابة والصالحين، ومنهم عمار بن یاسر ومالك الأشتر وأبو قتادة الأنصاري وغيرهم.

1 - موقف أبي قتادة في معركة الجمل:

قَالَ أَبُو قَتَادَةَ لأمير المؤمنين علیه السلام: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رسولَ الله صلی الله علیه وآله قَلَّدَنِي هَذَا السَّيْفَ وَقَدْ أغمدته زمانا(4)، وَقَدْ حانَ تَجْرِيدُهُ عَلىَ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ

ص: 77


1- نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ قيس بهجت العطار: 382
2- على اختلاف المذاهب الا ان الخارج على الإمام هو كافر فاسق مرتد كما كان يطلق على من خرج على من سبق أمير المؤمنين علیه السلام، بالرغم من وجود الخلاف حول الخلافة الا أن المعاندين عندما يصل الأمر على من خرج على أمير المؤمنين علیه السلام يقول أنهم مسلمون اجتهدوا وكان اجتهادهم خطأ، وأي اجتهاد هذا الذي قتل فيه آلاف المسلمين؟ ولمَ هذا الكيل بمكيالين؟ أما عندنا فالإمام علي علیه السلام هو الخليفة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وكل من خرج عليه فهو مرتد انقلب على عقبيه
3- ينظر: جمل من أنساب الأشراف: 5 / 584
4- وهذا يكذب الرواية التي تقول بأن عمر أرسله إلى ملك فارس فقتله، أو أن يكون غيره، لأن أبا قتادة اعتزل القتال بسبب الحادثة التي جرت له مع خالد بن الوليد (لعنه الله) ولم يقاتل بعدها إلا مع أمير المؤمنين. ينظر: الأموال لابن زنجويه،: 2 / 687، وينظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه (، تحقیق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، 1387 ه: 23 / 248

الظَّالِمينَ الذين لم يألوا الأُمَّةَ غِشًّا، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُقَدِّمَنِي، فَقَدِّمْنِي(1)، وهذا الكلام يدلّ على أمرين؛ أولهما: صدق إيمان هذا الصحابي ومدى حبه لأمير المؤمنين علیه السلام، فهو أشبه بموقف المقداد(2) مع رسول الله صلی الله علیه وآله في معركة بدر، فهي أول معركة في خلافة أمير المؤمنين علیه السلام كما أن بدر أول معركة لرسول الله صلی الله علیه وآله، والآخر: أن أبا قتادة قد اعتزل القتال بعد رسول الله صلی الله علیه وآله ويدلّ قوله: قد أعمدته زمانا على ذلك، وهذا السيف الذي قلَّده إياه الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله،

ص: 78


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 451، وينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 582، وينظر: إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: 13 / 236
2- المقداد بن عمرو بن أبي الأسود، فارس شجاع، بدري، روي إنّه لما مضى رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله حَتّى إذَا کَانَ دُوَیْنَ بَدْرٍ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِمَسِيرِ قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُم رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله بِمَسِیرِهِمْ، وَاسْتَشَارَ رسول الله صلی الله علیه وآله الناس، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ فَأَحْسَنَ، (لم يثني رسول الله صلی الله علیه وآله على كلامه ولم يدعُ له بخير) ثُمّ قَامَ عُمَرُ قَالَ فَأَحْسَنَ، ثُمِّ قَالَ: يَا رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله، إنّهَا وَاَلله قُرَیْشٌ وَ عِزّهَا، وَاَلله مَا ذَلّتْ مُنْذُ عَزّتْ، وَاَلله مَا آمَنَتْ مُنْذُ كَفَرَتْ، وَاَلله لَا تُسْلِمُ عِزّها أَبَدًا، وَلَتُقَاتِلَنك، فَاتّهِبْ لِذَلكَ أُهْبَتَهُ وَأَعِدّ لِذَلِكَ عُدَّتَهُ (وهذا الكلام فيه تخويف وترهيب و تحذير للمسلمين من قريش فكأنّه لا يريد قتالهم، وليس هذا بل يريد أن يجبِّن المسلمين، و أيضا لم يكلمه الرسول صلی الله علیه وآله ولم يدعُ له بخير). ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، امْضِ لِأَمْرِ الله فَنَحْنُ مَعَك، وَاَلله لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِنَبِيّهَا: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاَهُنا قاعِدُون، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَکُمَا مُقَاتِلُونَ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إِلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَسِرْنَا مَعَك - وَبِرْكُ الْغِمَادِ مِنْ وَرَاءِ مَكّةَ بِخَمْسِ لَيَالٍ مِنْ وَرَاءِ السّاحِلِ مِمّا يَلِي الْبَحْرَ، وَهُوَ عَلَى ثَمَانِ لَيَالٍ مِنْ مَكّةَ إِلَى الْيَمَنِ. فَقَالَ لَهُ رسول الله صلی الله علیه وآله خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، وقد استبشر وجه الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله. ينظر: مغازي الواقدي: 1 / 48، وينظر: الكتاب المصنف ابن أبي شيبة: 1 / 228، وينظر: مسند أحمد بن حنبل: 6 / 227 - 228

لا يقاتل إلّا مع الحقِّ، وقد اعتزل القتال لما حدث له مع خالد بن الوليد (لعنه الله) وتواطؤ أصحاب السقيفة مع خالد کما بینا سابقا.

ومن المواقف المهمة في هذه المعركة موقف أم سلمة - زوجة رسول الله صلی الله علیه وآله - مع أمير المؤمنين عليه السلام الذي يبين بطلان خروج عائشة المزعوم للإصلاح، فهي مأمورة بأن تبقى في بيتها، إذ قالت أم سلمة: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْلا أَنْ أَعْصِيَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّكَ لا تَقْبَلُهُ مِنِّي لَخَرَجْتُ مَعَكَ، وَهَذَا ابْن عمي - وَاللهَّ لَهُوَ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي - یَخْرُجُ مَعَكَ فَيَشْهَدُ مَشَاهِدَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ یَزَلْ مَعَهُ(1). وهذا يدلُّ على أنَّ زوجات الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله لا يحق لهن الخروج، فما بالك في الخروج على إمامها ومحاربته بدعوى باطلة لا حقَّ لها تطلبه منها.

وبعد أنْ التقى الجيشان في معركة كبيرة قتل فيها خلق كثير غالبيتهم من الناكثين، قُتل فيها طلحة والزبير، وعُقر جمل عائشة وسقط هودجها وحمله أخوها محمد بن أبي بكر(2) وهو من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام وعمار بن یاسر،

ص: 79


1- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 451 - 452، وينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 582
2- هو مُحَمَّد بْن أبي بكر بن أبي قحافة ولد بِالشَّجَرَةِ وَهِي الْبَيْداء مَعَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله سنة عشر للهجرة، أمه أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية، وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع، وهو من خَلص شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فقد تربى في حجره كأحد أولاده بعد أن تزوج أمير المؤمنين علیه السلام أمه وكان محمد صغيرا، أولاه أمير المؤمنين علیه الاسلام مصر، ثم أرسل معاويةُ عَمْرو بْن الْعَاصِ في جيش كبير إلى مصر، فَاقْتَتلُوا فأسر عَمْرو بْن الْعَاصِ محمدا فَأحرقه فِي جَوف حمار سنة ثمان وثلاثين للهجرة، كنيته أَبُو الْقَاسِم. ينظر: الثقات، ابن حبان: 3 / 368، مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354 ه)، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهیم، ط 1، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة، 1411 ه - 1991 م: 40، کتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي، أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي المصري (ت: بعد 355 ه)، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، وأحمد فريد المزيدي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1424 ه - 2003 م: 23. قال عنه أمير المؤمنين علیه السلام: «فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً، وَكَانَ لي رَبِيباً». نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ قيس بهجت العطار: 166، وقال عنه أيضًا: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رحمه الله قَدِ اسْتُشْهِدَ، فَعِنْدَ الله نَحْتَسِبُهُ، وَلَداً نَاصِحاً، وَعَامِلاً کَادِحاً، وَسَيْفاً قَاطِعاً، وَرُكْناً دَافِعاً. ينظر: نهج البلاغة، الشيخ قيس بهجت العطار: 617

ثم وضعوها في بيت بالبصرة حتى جهز لها أمير المؤمنين علیه السلام جيشا من النساء سار معها إلى المدينة حتى بيتها معززة مكرمة احتراما لرسول الله صلی الله علیه وآله؛ لأنّه قد أوصاه بها. فقد جاء عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قالت: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله خُرُوجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضَحِکَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ: انْظُرِي يَا حُمَيْرَاءُ، أَنْ لَا تَكُونِي أَنْتِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ علیه السلام فَقَالَ: «إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِهَا شَیْئًا فَارْفُقْ بِهَا»(1). وهكذا كان أمير المؤمنين علیه السلام ملتزما بوصايا رسول الله صلی الله علیه وآله ولم يخالفها كما فعل بعضهم ومنهم عائشة التي حذرها من هذه المعركة وقال لها أن لا تكوني أنت ومع تحقق كل ما قاله رسول الله صلی الله علیه وآله لها، إلّا أنّها أصرّت على الخروج مخالفة بذلك أمر الله سبحانه وتعالى(2) وأمر رسوله صلی الله علیه وآله.

ص: 80


1- المستدرك على الصحيحين: 3 / 129، وينظر: شرف المصطفى: 4 م 65، وينظر: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: 6 / 411
2- إنَّ الله سبحانه وتعالى أمرها وباقي نساء النبي صلی الله علیه وآله أن يبقين في بيوتهن وذلك في قوله تعالى: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» سورة الأحزاب: 32 - 33. فالأمر صريح في هذه الآية فهي قد خالفتها بكل تفاصيلها، فلم تقر في بيتها ولم تطع أمر الرسول صلی الله علیه وآله

2 - ذكر أصحاب الجمل في نهج البلاغة:

وقد ذكر أمير المؤمنين علیه السلام أصحاب الجمل ووصفهم، إذ ورد في نهج البلاغة (إنّ الحارث بن حَوْط أتاه علیه السلام فقال: أتُراني أظن أصحابَ الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال علیه السلام: «یَا حَارِ(1)، إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَلْمَ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ! إِنَّكَ لَمْتَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَبَاهُ، وَلَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ». فقال الحارث: فإنّي أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر . فقال علیه لسلام: «إِنَّ سَعِيداً وَعَبْدَ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَمْ یَنْصُرَا الْحَقَّ، وَلَمْ یَخْذُلاَ الْبَاطِلَ»)(2). ويبين الإمام علیه السلام هنا أنَّ أصحاب الجمل هم من أتى الباطل على علمهم به أنّه باطل، وهذا الإصرار منهم أدى بهم إلى خسران الدنيا والآخرة، ثم أنت يا حارث عرفت الحق والباطل ولكنك أبيت أن تنصر الحق، ولم تقف مع الباطل فضيعت أجر الجهاد مع الحقِّ وهو واضح لك، وتجنبت ذنب الوقوف مع الباطل.

وقال علیه في وصف أصحاب الجمل: «کُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ، وَأَتْبَاعَ البَهِيمَةِ(3)،

ص: 81


1- یا حار: أي يا حارث وهذا ما يسمى بالترخيم في النحو العربي، ويكون في النداء بحذف الحرف الأخير من المنادى المفرد وذلك للتخفيف. ينظر: الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سیبویه (ت: 180 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط 3، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1408 ه - 1988 م: 2 / 184، وينظر: فقه اللغة وسر العربية، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت: 429 ه)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، ط 1، إحياء التراث العربي، 1422 ه - 2002 م: 236
2- نهج البلاغة: 765 - 766
3- جند المرأة: يعني عائشة، وأتباع البهيمة: يعني الجمل، وكان جمل عائشة راية عسکر البصرة. ينظر: شرح نهج البلاغة، لأبي حامد عز الدين بن هبة الله بن محمد بن محمد ابن أبي الحديد المدائني (ت: 655 ه)، ضبطه وحققه: محمد عبد الكريم النمري، ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 2009 م: 1 / 154

رَغَا فَأَجَبْتُم، وَعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ. أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ، وَعَهْدُکُمْ شِقَاقٌ، وَدِیْنُکُمْ نِفَاقٌ، وَمَاؤُکُمْ زُعَاقٌ. المُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ، وَالشَّاخِصُ عَنْکُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمة مِنْ رَبِّهِ. كَأَّنِّي بِمَسْجِد کُمْ کَجُؤْجُؤِ(1) سَفِينَة، قَدْ بَعَثَ اللهُ عَلَيْها العَذَابَ مِنْ فَوْقِها وَمِنْ تَحتِها، وَغَرِقَ مَنْ في ضِمْنِها»(2).

يصفهم أمير المؤمنين علیه السلام بأنهم جند المرأة التي هي عائشة، واتباع البهيمة أي: جملها، ثم يبين بعدها لؤمهم وغدرهم في قوله: «أخلاقكم وقاق، وعهد کم شِقاق»، ويذم المدينة في قوله: «ماؤكم زعاق» أي ملح، ويطلق هذا اللفظ على ذم البلاد، وكذلك الذي بين أظهركم فهو إمّا أن يشارككم في الذنوب أو يراها فلا ينكرها(3). وهذا يدل على الحالة التي كان عليها جيش الناكثين الذي يحوي على كل الصفات السيئة. (وبعد رجوع عائشة إلى المدينة مدحورة عاتبتها أم المؤمنين السيدة أم سلمة على عصيانها أمرها وخروجها إلى البصرة بأبيات مطلعها:

ص: 82


1- الجؤجؤ: عظم الصدر، وجؤجؤ السفينة صدرها. ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحدید: 1 / 154
2- ينظر: عيون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1618 ه: 1 / 315 - 316، وينظر: الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت: 282 ه)، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، ط 1 و دار إحياء الكتب العربي، القاهرة، 1960 م: 151، نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ قيس بهجت العطار: 96، وينظر: نثر الدر في المحاضرات، منصور بن الحسين الرازي، أبو سعد الآبي (ت: 421 ه)، تحقيق: خالد عبد الغني محفوط، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، 1424 ه - 2004 م: 1 / 214
3- ينظر: شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1 / 154

لو كان معتصما من زلة أحد *** كانت لعائشة الرتبي على الناس من زوجة لرسول الله فاضلة *** وذكر آي من القرآن مدراس وحكمة لم يكن إلا لحاجها *** في الصدر تذهب عنها كل وسواس وینزع الله من قوم عقولهم *** حتى يمر الذي يقضي على الرأس ويرحم الله أم المؤمنين لقد *** تبدلت بي انحاشا بایناس لما سمعت عائشة أبيات أم سلمة قالت لها: شتمتيني يا أخت، فقالت أم سلمة: ولكن الفتنة إذا أقبلت غطت على البصيرة، وإذا أدبرت أبصرها العاقل والجاهل.لمصلحة من قتل هذا العدد من المسلمين وأهريقت دماؤهم ويتمت أطفالهم ورملت نساؤهم وثكلت أمهاتهم وإخوانهم؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون) (حدأحدا و تجه(1)). وهذا يبين أن خروجها لم يكن بموافقة أزواج النبي الأكرم علیه السلام زعم بعضهم(2)، بل نصحتها بعدم الخروج.

وهكذا انتهت معركة الجمل وانهزم الناكثون وقتل منهم من قتل، وقتل بسببهم آلاف من المسلمين، فهم يتحملون كل هذه الدماء التي سالت وما حصل من فتن بعدها، وقد كان موقف أبي قتادة الأنصاري في هذه المعركة مشرفا وقد قاتل مع أمير المؤمنين علیه لسلام هذه الفئة الضالة.

ص: 83


1- ثم عقر الجمل، الحاج حسين الشاكري، ط 1، مطبعة ستارة، 1418 ه - 1997 م: 86
2- ينظر: تاريخ الطبري: 4 / 451، وينظر: السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354 ه)، صحّحه، وعلق عليه الحافظ السيد عزيز بك وجماعة من العلماء، ط 3، الكتب الثقافية - بیروت، 1917 ه: 2 / 533، وينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 571

ثانيًا: دوره في معركة صفين

أحداث صفين

بعد انتهاء معركة الجمل وانتصار أمير المؤمنين علیه السلام على الناكثين وجيوشهم والقضاء على فتنتهم، ودحض دعواهم الباطلة، توجه أمير المؤمنين علیه السلام إلى الكوفة ومن ثم توجه إلى قتال المارقين في الشام الذين أراد قتالهم أولاً، ودعواهم في خروجهم على أمير المؤمنين علیه السلام هي نفس ما خرج به أصحاب الجمل وهي ذريعة الطلب بدم عثمان، ولكن السبب هو الطمع في الحكم وخوفهم من أمير المؤمنين علیه السلام في إحقاق الحق.

حدثت معركة صفين سنة (37 ه) بعد الجمل، لمّا انصرف أمير المؤمنين علیه السلام من البصرة، أرسل جریر بْن عَبْد الله البَجليّ إِلَى مُعَاوِيَةِ، فكلَّم مُعَاوِيَة، وعظَّم أمرَ عليٍّ ومُبَايعته، واجتماع النّاس عليه، فأبي معاوية أنْ يبايعه، وجرى بينه وبين جریر کلامٌ كثير(1)، حتى أبطأ جرير عند معاوية فاتهمة الناس وقال علي علیه السلام: «وقّتُّلرسولیو قتالايقيمبعدهإلا مخدوعا أوعاصيا!» فكتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى جرير بعد ذلك: «أما بعد فإذا أتاك - كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، وخذه بالأمر الجزم، ثم خيّره بين حرب مجلية، أو سلم محظية فإن اختارالحرب فانبذ له، وإن اختار السلم فخذ بيعته»(2). فانصرف جريرُ إِلَى عليّ علیه السلام فَأَخْبَرَه، فأجمع على المسير إِلَى الشام، وبعث معاويةُ أَبَا مسلم الخَوْلاني إِلَى عليّ علیه السلام بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قَتَلة عثمان، فأبی

ص: 84


1- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3 / 537
2- وقعة صفين: 55

أمير المؤمنين علیه السلام، وجرت بينهما رسائل(1)، حدأحدا و تجه وفي رسالة طلب معاوية (لعنه الله) من أمير المؤمنين علیه السلام أن يسلمه قتلة عثمان، وكيف يكون هذا وهو ليس ولي الدم، وإنَّما من أقارب عثمان فليس له حقٌّ بذلك، لذا فهذه القضية أراد منها معاوية (لعنه الله تعالى) كسب الناس وتعاطفهم حتى يصل إلى ما يريد، فليس دم عثان إلا ذريعة. ثم مَنْ قتله؟ فهل يُقتل بدم عثمان جيوش كاملة؟ ومن قتله على أكثر ما ورد هم شخصان لا ثالث لهما، وهما مجهولان حتى زوجة عثمان التي رأتهم لم تعرفهم، أما من حاصره لا يدخل ضمن من قتله؛ لأنَّ الذين حاصروه أرادوا منه اعتزال الخلافة والإقالة منها وإرجاعها إلى المسلمين، ولهذا لم يكن هدفهم قتله ولو كان كذلك لقتلوه من أول يوم حاصروه، هذا أول ما أراده معاوية وهو أن يسلم إليه كل من شارك في الثورة على عثمان حتى يقتلهم وهم آلاف فقد فعلها قبلة طلحة والزبير في البصرة حين استولوا عليها فقتلوا ستمائة أسير من الذين شاركوا في الثورة(2)، أما طلبه الثاني فهو إرجاع أمر الخلافة إلى الشورى، وأي شوری وقد بايع الناسُ في كل الأمصار أمير المؤمنين علیه السلام، إلا معاوية (لعنه الله تعالى)، وأمير المؤمنين علیه السلام لا يحتاج إلى بيعة فهو منصوص عليه من الله سبحانه وتعالى ورسوله كما بينا سابقا، لذا فإجماع المسلمين على أمير المؤمنين علیه السلام حاصل، وبطلبه هذا أعلن الحرب على أمير المؤمنين علیه السلام، وأيضا فهو كمن سبقه من أصحاب الجمل قد اتهم أمير المؤمنين علیه السلام بقتل عثمان(3)، فهدف معاوية وأصحاب الجمل هو واحد وهو قتل أمير المؤمنين علیه السلام والحيازة على

ص: 85


1- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام: 3 / 537
2- ينظر: الفتنة ووقعة الجمل: 131 - 132. وينظر: إمتاع الاسماع: 13 / 236
3- ينظر: وقعة صفين: 56

الخلافة ليبقى لهم الأمر.

وبعدها كتب أمير المؤمنين علیه السلام إلى معاوية يرد عليه ما زعم ويبين فيه موقفه من قتل عثمان، وما جرى فيه، ويقول له: «ليس لك حق في الطلب فأنت رجل من بني أمية، وبنو عثمان أولى منك بذلك، وإن كنت أقوى منهم في الطلب بدمه فأدخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلى أحملكم وإياهم على المحجَّة»(1).

رفض معاوية كل ما أمره به أمير المؤمنين علیه السلام، ولم تبق له حجة؛ لأنّ أمير المؤمنين علیه السلام قد ألقى عليه الحجة وأبطل كل ما يريد وكشف عن نية معاوية الدنيئة التي يريد عبرها أن يشتِّتَ الأمة كما فعل أسلافه ويعود بالخلافة إلى ما كانت عليه في مؤامرة السقيفة وأكثر من ذلك، فهو يرى أن أصحاب السقيفة قد فرطوا بالحكم، لأنّه وصل إلى أمير المؤمنين علیه السلام وكانوا هم السبب في ذلك، فكان هذا تقصیر منهم حسب رؤيته، على الرغم من أنَّ أمير المؤمنين علیه السلام منصوص عليه قرآنا وحديثا.

بعد كل هذه الأمور لم يبقَ خيار لأمير المؤمنين علیه السلام سوى السير إلى الشام وخلع معاوية عنها؛ فأعد الجيش وسار إلى الشام، وفي مسيره إلى الشام نزل أمير المؤمنين علیه السلام بأرض كربلاء وصلَّى بها ثم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: «وَاهًا لك أيَّتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب»، وقيل إنَّه كان يشير بيده ويقول: «هاهنا»؛ فقال رجل: وما ذلك يا أمير المؤمنين علیه السلام؟ قال: «ثقل لآل محمد صلی الله علیه وآله فويل لهم منکم وويل لكم منهم»؛ فقال الرجل: ما معنى هذا يا أمير المؤمنين علیه السلام؟ قال: «ويل لهم منكم

ص: 86


1- ينظر: وقعة صفين: 58

تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله النار»(1).

وسار كل منهما إلى الآخر حتى سبق مُعَاوِيَة إلى صفين فَنزل عَلَى الْفُرَات وقد سيطروا على ضفاف النهر فلماَ جَاء أمير المؤمنين علیه السلام وَأَصْحَابه منع معاوية وأصحابه المَاء(2) على أمير المؤمنين علیه السلام فَبعث أمير المؤمنين علیه السلام الَأْشْعَث بْن قیس(3) فِي أَلفَيِنْ وعَلى المَاء لمعاوية أَبُو الَأْعْوَر السّلمِيّ فِي خْمَسَة آلاَف فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا وَغلب الْأَشْعَث عَلَى المَاء(4)، ولم يبتدئ أمير المؤمنين علیه السلام القتال وكان يأمر جيشه بذلك فيقول: «لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَأُوکُمْ، فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللهِ عَلَى حُجَّة، وَتَرْکُکُمْ إِیَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَأُوکُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإذَا

ص: 87


1- ينظر: الأخبار الطوال: 203، وينظر: حرب الجمل وحرب صفين، السيد محسن الأمين الحسيني العاملي، ط 1، دار الراية البيضاء، العراق - بغداد، دار البيضاء، لبنان، 1434 ه - 2013 م: 117 - 118
2- هي سنتهم التي نشأوا عليها، فقد صارت من شيمهم أن يمنعوا الماء، لذا تراهم في كل معركة يفعلون هذا، فليس غريبا وهذا ما فعله ويفعله أتباعهم في كل عصر وحين
3- من الخوارج: هو الأشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن ثور بن عفير، طبقات خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (ت: 260 ه)، رواية: أبي عمران موسی بن زکریا بن يحيى التستري (ت ق 3 ه)، محمد بن أحمد بن محمد الأزدي (ت ق 3 ه)، تحقيق: د سهیل زکار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414ه - 1993 م: 131. والد جعدة (لعنهما الله) التي سقت الإمام الحسن السه، ينظر: الطبقات الکبری: 5 / 241. و أبنه محمد بن الأشعث الذي أخبر عبيد الله بن زياد بمكان مسلم بن عقيل في بيت طوعة وكان في جيش عمر بن سعد في كربلاء، ينظر: الطبقات الکبری: 1 / 461
4- تاریخ خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (ت: 240 ه)، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، ط 2، دار القلم، مؤسسة الرسالة - دمشق، بیروت، 1397 ه: 1 / 193

کَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإذْنِ اللهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً، وَلاَ تُصيبوا مُعْوِراً(1)، وَلَا جُتْهِزُوا عَلَى جَرِيح، لاَ تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَکُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى وَالأنْفُسِ»(2). فأمير المؤمنين علیه السلام يأمرهم بما كان يأمر به رسول الله صلی الله علیه وآله جيوشه في حروبه، وكذلك مع الأساری کما كان يفعل رسول الله صلی الله علیه وآله مع الأسارى، فقد أسر أمير المؤمنين علیه السلام كثيرا من الأساری في صفين فخلى سبيلهم، بينما كان عمرو بن العاص ومعاوية (لعنهما الله) پریدان قتل الأسارى الذين أسروا(3).

استمر القتال في هذه المعركة ثلاثة شهور وعشرة أيام كان فيها تسعون وقعة قتل فيها نحوا من سبعين ألف من الطرفين، خمسة وأربعون ألفا من الشاميين، وخمسة وعشرون ألفا من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام(4) من بينهم صحابه کرام شاركوا في بدر وفيهم عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله صلی الله علیه وآله: «تقتلك الفئة الباغية»(5)، وهذا الحديث رواه أبو قتادة الأنصاري عن النبي الأكرم صلی الله علیه وآله، وشهد معه الإمامان السبطان الحسنان علیهما السلام وممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة مائتان وخمسون كما ذكر الحاكم ويقال: ثمانمائة نفس فقتل منهم ثلاثمائة وستون نفسا وكان معه ثمانون بدريا، وجاء في خطبة

ص: 88


1- معور: أصله من أعْوَرَ: أي الذي أبدى عورته، ينظر: شرح نهج البلاغة: 15 / 62
2- نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ قيس بهجت العطار: 567
3- ينظر: تأريخ الطبري: 5 / 56
4- ينظر: وقعة صفين: 558، تاریخ خليفة بن خياط: 196
5- راجع صفحة 26 من هذا الكتاب

سعید بن قیس(1): سبعون بدريا(2).

ودارت المعركة التي ذكرنا عدد قتلاها ومدتها وشارفت على الانتهاء بنصر أمير المؤمنين عليه السلام، حتى إنّ أمير المؤمنين علیه السلام دعا بفرسه التي كانت لرسول الله صلی الله علیه وآله، ثم دعا ببغلة رسول الله صلی الله علیه وآله الشهباء، ثم تعصب بعامة رسول الله صلی الله علیه وآله، ثم نادى: «من يَبعْ نفسه اليوم يَربحْ غدًا، يوم له ما بعده، وإنَّ عدوَّكم قد قدح کا قدحتم». فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى إثني عشر ألفًا واضعي سيوفهم على عواتقهم وتقدموا، فحمل علي علیه السلام والناس حملة واحدة، فلم يبقَ لأهل الشام صفٌّ إلا أحمد، حتى أفضى الأمر إلى معاوية، وعلي علیه السلام يضرب بسيفه، ولا يستقبل أحدا إلا ولّى عنه. فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب نظر إلى عمرو بن العاص، فقال له: یا بن العاص، اليوم صبر، وغدا فخر، قال: صدقت، فترك الركوب، وصبر وصبر القوم معه إلى الليل، فبات الناس يتحارسون، وكرهوا القتال، وهو اليوم الذي فيه البلاء العظيم، يوم قتل عمار رضي الله عنه، وأسرف الفريقان(3) في القتل، ولم يكن في الإسلام بلاء ولا قتل أعظم منه في تلك الثلاثة الأيام، وإنَّ أمير المؤمنين علیه السلام نادي بالرحيل في جوف الليل، فلما سمع معاوية (لعنه الله) رغاء

ص: 89


1- سعید بْن قَيْس الْهَمْدَانّيِ من جيش أمير المؤمنين علیه السلام، قَالَ لأمير المؤمنين عليه السلام: يَا أَمِيرَ المؤمنين أمرنا بأمرك، والله مَا يكبر جزعنا عَلَى عشائرنا إن هلكت، وَلا عَلَى أموالنا إن نفدت فِي طاعتك ومؤازرتك. ينظر: أنساب الأشراف، البلاذري: 2 / 478
2- ينظر: المستدرك على الصحيحين: 3 / 112، وينظر: البداية والنهاية: 7 / 283، ينظر: الغدير: 9 / 362
3- هذا ما ذكره المؤلف، والإسراف في قتل أهل الباطل محمود وهو ما قام به أمير المؤمنين عليه السلام، وإما معاوية وأصحابه البغاة فهم أصحاب الباطل وكل قطرة دم أريقت فهي في أعناقهم، وكل من قتل من جيش أمير المؤمنين علیه السلام في قتالهم فهو شهيد أجره محتسب عند الله

الإبل، دعا عمرو بن العاص (لعنه الله)، فقال: ما ترى هاهنا؟ قال عمرو: أظن الرجل هاربا، فلما أصبحوا إذا أمير المؤمنين علیه السلام وأصحابه إلى جانبهم قد خالطوهم، فقال معاوية: كلا، زعمت یا عمرو أنّه هارب، فضحك وقال: من فعلاته والله، فعندها أيقن معاوية بالهلكة(1)، وهذا يدلُّ على مدى التقدم الذي حصل حتى أراد معاوية الحرب على فرسه لينجو بنفسه، لكن عمرو بن العاص دبَّر له حيلة التحكيم، وقضية التحكيم توضح مدى الطمع الذي جاء من أجله معاوية وأصحابه في السيطرة على الحكم وليس غيره، وما دم عثمان إلا لتحقيق مآربهم التي خرجوا لأجلها، فهذا عمرو بن العاص يبين ذلك حين اشتد الأمر عليهم وكاد النصر يتم لأمير المؤمنين علیه السلام لولا أن عمد معاوية إلى خدعة التحكيم، فقال لعمرو بن العاص: ألم تزعم أنَّك لم تقع في أمر فظيع فأردت الخروج منه إلا خرجت؟ قال: بلى، قال: فما المخرج؟ قال له عمرو بن العاص : فلي عًليك ألا تخرج مصر من يدي ما بقيت؟ قال: لك ذلك، ولك به عهد الله وميثاقه(2)، وهذا يظهر لنا ما جاء لأجله هؤلاء فهو لا يعطي رأيه الا أن يحصل على مقابل فما بالك بمن جاء يقاتل، هل جاء بكل هذا الجيش والعدة والعدد ليطالب بدم مقتول؟، وبعد أن حصلت الموافقة على ما يريد وتدانی منهم القتال حتى كاد هلاكهم، وقد (رَأَى عَمْرو بن الْعَاصِ أن أمر أهل العراق قَدِ اشتد، وخاف فِي ذَلِكَ الهلاك، قَالَ لمعاوية:

ص: 90


1- ينظر: الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري (ت: 276 ه)، تحقيق: علي الشيري، ط 1، انتشارات شريف الرضي، قم - إيران، 1413 ه: 147، وينظر: تاریخ دمشق: 74 / 73 - 74، وينظر: البداية والنهاية: 7 / 294
2- ينظر: تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة)، محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (ت: 333 ه)، تحقيق: د. مجدي باسلوم، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، 1426 ه - 2005 م: 1 / 102

هل لك فِي أمر اعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا، وَلا يزيدهم إلا فرقة؟ قَالَ: نعم، قَالَ: نرفع المصاحف ثُمَّ نقول: مَا فِيهَا حكم بيننا وبينكم، فإن أبي بعضهم أن يقبلها وجدت فِيهِمْ من يقول: بلى، ينبغي أن نقبل، فتكون فرقة تقع بينهم، وإن قَالُوا: بلى، نقبل مَا فِيهَا، رفعنا هَذَا القتال عنا وهذه الحرب إِلَى أجل أو إِلَى حين فرفعوا المصاحف بالرماح وَقَالُوا: هَذَا كتاب اللهَّ عَزَّ وَجَلَّ بيننا وبينكم، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام! ومن لثغور العراق بعد أهل العراق! فلما رَأَى الناس المصاحف قَدْ رفعت، قَالُوا: نجیب إِلَى كتاب اللهَّ عَزَّ وَجَلَّ وننیب إِلَيْهِ)(1)، وهذا الأمر تحقق فعلا في معسكر أمير المؤمنين علیه السلام، فنشبت الفرقة بين صفوفه؛ وذلك لوجود بعض من الذين طالتهم يد معاوية، ومن ثم اتفقوا على التحكيم على كراهية من أمير المؤمنين علیه السلام، فاختار الطرفان ممثلا عنه فأراد أمير المؤمنين علیه السلام أن يضع ابن عباس ممثلا عنه في هذه المفاوضات فأبی مجموعة من جيش أمير المؤمنين علیه السلام - وهم الخوارج الذين خرجوا عليه بسبب التحكيم في ما بعد - أن يكون هذا الشخص من قريش، وأصرُّوا على أبي موسى الأشعري الذي لم يرتضيه أمير المؤمنين عليه السلام لما كان له من موقف سلبي في خذلان أمير المؤمنين علیه السلام في معركة الجمل وحثِّه الناس على عدم الخروج مع أمير المؤمنين علیه السلام(2).

فلما أصرَّ هؤلاء على أن يكون أبو موسى الأشعري هو ممثل أهل العراق في التحكيم، ونصب أهل الشام عمرو ابن العاص ممثلا عنهم وهو شخص مکّار خداع، وكان الأمر أن يحكم الفريقان بكتاب الله وسنة نبيه وفي أمر

ص: 91


1- تاريخ الطبري: 5 / 48، والكامل في التأريخ: 2 / 667
2- ينظر: حرب الجمل وحرب صفين: 236 - 237

عثمان ولا يحق لهم تنصيب أو عزل أي شخص، وبعد أن اجتمع الحكان فإذا بهما يخرجان على غير ما كُلِّفا به واتفقوا على خلع الطرفين - أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية (لعنه الله)، ولا أدري بأي حق يكون لأبي موسى الأشعري أن يخلع أمير المؤمنين علیه السلام وهو خليفة المسلمين، مقابل خلع معاوية وهو والي الشام المخالف لأمر المسلمين، وقد خلعه أمير المؤمنين علیه السلام من الشام ولم يطع ولي أمره، ثم إنّ هذا الأمر غير موجود في وثيقة الإتفاق فكيف وضعوه، كل هذه الأمور توضح إنَّ أبا موسى الأشعري تواطأ مع معاوية وعمرو بن العاص ومعه الذين أصروا على أبي موسى أيضا، ذلك لشق صفِّ أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وإضعاف جيشه الذي كان قريبا من حسم المعركة لصالحه، وما قام به بعد ذلك لا يعد سوی مسرحية اتفق عليها مع ابن العاص.

کَانَ عَمْرٌو قَدْ عَوَّدَ أَبَا مُوسَى أَنْ يُقَدِّمَهُ فِي الْكَلَامٍ، يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وَأَسَنُّ مِنِّي فَتَكَلَّمْ، وَتَعَوَّدَ ذَلِكَ أَبُو مُوسَى، وَأَرَادَ عَمْرٌو بِذَلِكَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهُ فِي خَلْعِ عَلِيٍّ علیه السلام، وهنا يظهر المكر جليّاً في تصرف عمرو بن العاص، فَلَمَّا أَرَادَهُ عَمْرٌو عَلَى ابْنِهِ وَعَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَبَى، وَأَرَادَ أَبُو مُوسَى ابْنَ عُمَرَ فَأبَی عَمْرٌو، قَالَ لَهُ عَمْرٌو: خَبِّرْنِي مَا رَأْيُكَ؟ قَالَ: أَرَی أَنْ نَخْلَعَ هَذَيْنِ الرَّجُلَیْنِ وَنَجْعَلَ الْأَمْرَ شُورَی، فَيَخْتَارَ الْمُسْلِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَنْ أَحَبُّوا. فَقَالَ عَمْرٌو: الرَّأْيُ مَا رَأَیْتَ. وهذا التواضع وتقبل رأي أبي موسى ما هو إلا ليطمئن له فيفعل ما يريد عمرو، فَأَقْبَلَا إِلَى النَّاسِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ، فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا مُوسَى أَعْلِمْهُمْ أَنَّ رَأَيْنَا قَدِ اتَّفَقَ، وهنا أيضا قدمه لتخلو له الساحة ويكون الأمر بيده يختار ما یرید. فَتَكَلَّمَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: إِنَّ رَأَيْنَا قَدِ اتَّفَقَ عَلَى أَمْرٍ نَرْجُو أَنْ يُصْلِحَ الله بِهِ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَقَالَ عَمْرٌو: صَدَقَ

ص: 92

وَبَرَّ، لا يعترض عليه في أي حال؛ لأنَّه يسير على وفق ما مخطط له، فقال له: تَقَدَّمْ يَا أَبَا مُوسَى فَتَكَلَّمْ. فَتَقَدَّمَ أَبُو مُوسَى، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْحَكَ! والله إِنِّي لَأَظُنُّهُ قَدْ خَدَعَكَ، إِنْ کُنْتَمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى أَمْرٍ فَقَدِّمْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ بِهِ قَبْلَكَ، ثُمَّ تَكَلَّمْ بِهِ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَادِرٌ وَلَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَعْطَاكَ الرِّضَا بَیْنَکُمَا، فَإِذَا قُمْتَ فِي النَّاسِ خَالَفَكَ، وهذا يبين مدى معرفة ابن عباس بعمرو بن العاص، والكياسة التي عليها ابن عباس الذي أراده أمير المؤمنين علیه السلام أن يكون هو الممثل عن أهل العراق، فأبي ذلك المنافقين الخوارج الذين كان المعاوية يد عليهم.

وَكَانَ أَبُو مُوسَی مُغَفَّلًا فَقَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّفَقْنَا، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ نَظَرْنَا فِي أَمْرٍ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَلَمْ نَرَ أَصْلَحَ لِأَمْرِهَا وَلَا أَلَمَّ لِشَعَثِهَا مَنْ أَمْرٍ قَدْ أَجْمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عَمْرٍو عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ نَخْلَعَ عَلِيًّا علیه السلام وَمُعَاوِيَةَ، وَيَوُلِّي النَّاسُ أَمْرَهُمْ مَنْ أَحَبُّوا، وَإِنِّي قَدْ خَلَعْتُ عَلِیًّا علیه السلام وَمُعَاوِيَةَ، فَاسْتَقْبِلُوا أَمْرَکُمْ، وَوَلُّوا عَلَيْكُمْ مَنْ رَأَيْتُمُوهُ أَهْلًا. ثُمَّ تَنَحَّی، وهنا بدأ تنفيذ المؤامرة التي حاكها عمرو بن العاص مع معاوية وأطرافهما في جيش أمير المؤمنين علیه السلام، فلم يكن من بين ما اتفق عليه في التحكيم أمر الخلافة ولا علاقة له بها.

وَأَقْبَلَ عَمْرٌو فَقَامَ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا سَمِعْتُمُوهُ وَخَلْعَ صَاحِبَهُ، وَأَنَا أَخْلَعُ صَاحِبَهُ کَمَا خَلَعَهُ، وَأُثْبِتُ صَاحِبِي مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ وَلِيُّ ابْنُ عَفَّانَ، وَالطَّالِبُ بِدَمِهِ، وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمَقَامِهِ، وهذا الأمر الذي توقعه ابن عباس ألا وهو الغدر والمكر من عمرو بن العاص، ثم ما علاقة الخلافة بدم عثمان، فاذا كان الأقرب من الخليفة أحق بها، فهي لأمير المؤمنين علیه السلام بعد النبي صلی الله علیه وآله فلمَ عندما احتج بقرابته من الرسول لله صلی الله علیه وآله لم يأخذوا بها، وكذلك فالإمام

ص: 93

الحسن علیه السلام هو أقرب إلى أمير المؤمنين علیه السلام بعده وهو ولي دمه، فلمَ خرجوا عليه ونازعوه عليها حتى حدث ما حدث(1)، وبعدها انتهت المعركة وخرج الخوارج على أمير المؤمنين علیه السلام بسبب ما آلت إليه أمور التحكيم الذي هم من أصرَّ عليه فلما صار المكر والغدر انقلبوا على أمير المؤمنين علیه السلام.

لقد كان أبو قتادة الأنصاري مع أمير المؤمنين علیه السلام في ما يرى، ولم يقف مع من وقفوا بوجهه في قضية التحكيم، وإنما كان جنديا يقاتل في صفوفه ويأتمر بأمره مهما كان. وهذا الثبات الذي كان عليه قلما كان موجودا لدى الكثير ممّن كان مع أمير المؤمنين علیه السلام فهو وهب نفسه وروحه دفاعا عن الحق مع أمير المؤمنين علیه السلام.

ثالثًا: دوره في معركة النهروان

لما انتهت معركة صفين بقضية التحكيم التي رفضها أمير المؤمنين علیه السلام ورفض نتائجها، إلا أنّه أعطى العهود والمواثيق، ورفضها أيضا جماعة كثيرة من أتباعه، إلّا أن الذين أصروا على التحكيم في أوّل الأمر وعلى أبي موسى الأشعري ممثلا عن أهل العراق، رفضوا النتائج وطلبوا من أمير المؤمنين علیه السلام نقض العهود والاستمرار بالقتال، فرفض ذلك وعاد إلى الكوفة.

وفي طريقهم إلى الكوفة انشق هؤلاء عن العسكر، فقد (فارقوه وَرَجَعُوا إِلَى حروراء وَكَانُوا أثنی عشر ألف رجل من الْمُقَاتلَة وَمن هُنَا سميت الْخَوَارِج

ص: 94


1- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 683

حرورية وَكَانَ زعيمهم يَوْمئِذٍ عبد الله بن الْكواء(1)، وشبث بن ربعي(2)، وَخرج إِلَيْهِم عَليّ علیه السلام وناظرهم فَظهر بِالْحجَّةِ عَلَيْهِم فاستأمن إِلَيْهِ ابْن الْكواء فِي ألف مقَاتل وأستمر الْبَاقُونَ على ضلالهم وخَرجُوا إِلَى النهروان وأمَّروا عَلَيْهِم رجلَيْنِ مِنْهُم أَحدهمَا عبد الله بن وهب الراسي(3) وَالثَّانيِ حرقوص بن زُهَيْر البَجلِیّوَکَانَ يلقب بِذِي الثدية(4))(5)، وبعد هذا توجهوا إلى النهروان

ص: 95


1- عبد الله بن الكواء اليشكري من الذين رجعوا من الخوارج وعدلوا عن رأيهم وعادوا إلى صفوف أمير المؤمنين عليه السلام. ينظر: لسان الميزان، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط 1، دار البشائر الإسلامية، 2002 م: 4 / 549
2- شبث بن ربعي: يكنى أبا عبد القدوس بن حصين بن عثيم بن ربيعة بن زید ابن ریاح بن یربوع بن حنظلة من بني تميم، كان من رجع إلى عسكر أمير المؤمنين علیه السلام. ينظر: الطبقات الكبرى: 6 / 241
3- عبد الله بن وهب الراسبي، من الأزد: من أئمة الإباضية. أمير الخوارج والمنافقين كان ذا علم ورأي وفصاحة وشجاعة وكان عجبا في العبادة. أدرك النبي صلی الله علیه وآله وشهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص. ثم كان مع الإمام علي عليه السلام في حروبه. ولما وقع التحكيم أنكره جماعة، فيهم الراسبي، فاجتمعوا بالنهروان وأمروه عليهم، فقاتلوا عليا علیه السلام، وقتل الراسبي في هذه الوقعة. ينظر: الإصابة تمييز الصحابة: 5 / 78، وينظر: إعلام الساجد بأحكام المساجد، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزرکشي الشافعي (ت: 794 ه)، تحقيق: أبو الوفا مصطفى المراغي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ط 4، 1416 ه - 1996 م: 4 / 143
4- حرقوص بن زُهَیْرْ البجلي السعدي، الملقب بذي الخويصرة: خارجي، من بني تميم. كان من صحابة النبي صلی الله علیه وآله، خاصم الزبير فأمر النبي صلی الله علیه وآله باستیفاء حقه منه. وأمره عمر بن الخطاب بقتال (الهرمزان) فاستولى على سوق الأهواز ونزل بها. ثم شهد صفين مع عليّ علیه السلام. وبعد الحكمين صار من أشد الخوارج على علي عليه السلام، فقتل فيمن قتل بالنهروان. ينظر: إعلام الساجد، الزرکشي: 2 / 173
5- التبصير في الدين و تمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الأسفر اییني، أبو المظفر (ت: 471 ه)، تحقيق: كال يوسف الحوت، ط 1، عالم الكتب - لبنان، 1403 ه - 1983 م: 46

وقتلوا عبد الله بن خبات بن الأرت ببشاعة وبقروا بطن زوجته وقتلوها وجنينها، وقتلوا ثلاث نساء من طيء فبلغ ذلك أمير المؤمنين علیه الله علیه وآله حتى أتاهم أمير المؤمنين علیه السلام(1) (فوقف عَلَيْهِم فَقَالَ: «أيتها العصابة الَّتِي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة، وصدَّها عن الحقِّ الهوى، وطمح بِهَا النزق، وأصبحت فِي اللبس والخطب العظيم، إني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة غدا صرعی بأثناء هذا النهر، وبأهضام هَذَا الغائط، بغير بينة من ربكم، وَلا برهان بين ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة، وأخبرتكم أن طلب القوم إياها مِنْکُمْ دهن ومکيدة لكم! ونبأتكم أن القوم ليسوا بأَصْحَاب دين وَلا قرآن، وأني أعرف بهم مِنْکُمْ، عرفتهم أطفالًا ورجالًا، فهم أهل المكر والغدر، وأنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم! فعصيتموني، حَتَّى أقررت بأن حكمت، فلما فعلت شرطت واستوثقت، فأخذت عَلَى الحكمين أن يحييا مَا أحيا القرآن، وأن يميتا مَا أمات القرآن، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنة، فنبذنا أمرهما، ونحن عَلَى أمرنا الأول، فما الَّذِي بكم؟ ومن أين أتيتم!» قَالُوا: إنا حکمنا، فلما حكمنا أثمنا، وكنا بِذَلِكَ كافرين، وَقَدْ تبنا فإن تبت کما تبنا فنحن مِنْكَ ومعك، وإن أبيت فاعتزلنا فإنا منا بذوك عَلَى سواء إن اللهَّ لا يحب الخائنين فَقَالَ علي علیه السلام: «أصابكم حاصب، وَلا بقي مِنْكُمْ وابر»)(2).

ويوضح هذا النص لأمير المؤمنين علیه السلام ما فعله هؤلاء القوم في صفين وكيف أمرهم ولم يأتمروا بأمره بل عصوه وخالفوه حتى أجبروه على التحكيم فلما آلت إليه الأمور إلى ما حدث، انقلبوا على الحكم وكفروا الجميع وطلبوا

ص: 96


1- ينظر: تاريخ الطبري: 5 / 82، وينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 691
2- تاريخ الطبري: 5 / 84

التوبة حتى من أمير المؤمنين عليه السلام، وفي هذه المحاججة التي أراد منها أمير المؤمنين عليه السلام أن يثنيهم عمَّا هم فيه، لحفظ الدماء والأرواح ولكي لا يبوؤا بغضب الله.

وبعد كل هذه المحاولات في إقناعهم خطب أمير المؤمنين علیه السلام بهم («وأغلظ عليهم فيما فعلوه من الاستعراض والقتل فتنادوا لا تكلموهم وتأهّبوا للقاء الله». ثم قصدوا جسر الخوارج ولحقهم عليّ علیه السلام دونه، وقد عبّى أصحابه: وعلى ميمنته حجر بن عديّ وعلى میسرته شبث بن ربعي أو معقل بن قيس وعلى الخيل أبو أيوب وعلى الرجالة أبو قتادة وعلى أهل المدينة سبعمائة أو ثمانمائة قيس بن سعد. وعبأت نحوه الخوارج... ودفع عليّ علیه السلام إلى أبي أيوب راية أمانا لهم لمن جاءها ممن لم يقتل ولم يستعرض فناداهم إليها وقال: «من انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن». فاعتزل عنهم فروة بن نوفل الأشجعيّ(1) في خمسمائة وقال أعتزلُ حتى يتضح لي أمرٌ في قتال علّي علیه السلام فنزل الدسكرة، وخرج آخرون إلى الكوفة، ورجع آخرون إلى عليّ علیه السلام وكانوا أربعة آلاف، وبقي منهم ألف وثمانمائة فحمل عليهم عليّ علیه السلام والناس حتى فرّقهم على الميمنة والميسرة. ثم استقبلتهم الرماة وعطفت عليهم الخيل من المجنبتين ونهض إليهم الرجال بالسلاح فهلكوا كلهم في ساعة واحدة كأنّما

ص: 97


1- فروة بن نوفل بن شريك الأشجعي: ثائر، من زعماء المحكّمة في صدر الإسلام. كان رئيس الشّراة. اعتزل عليا بعد التحكيم، في خمسمائة، وكره أن يقاتله، فأقام في شهر زور إلى أن نزل الحسن عن الأمر لمعاوية، فزخف فروة بمن معه وأراد الهجوم على الكوفة، فانتدب معاوية الناس لصدّه واستعان عليه بمن أطاعه من بني أشجع، فأمسكوا فروة عندهم، ففارقهم، وعاد إلى الثورة فقتل في شهر زور سنة (41 ه). وكان شاعرا. ينظر: جمل من أنساب الأشراف: 5 / 166، وينظر: الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (ت: 1396 ه)، ط 15، دار العلم للملايين، 2002 م: 5 / 143

قيل لهم موتوا... وأمر عليّ علیه السلام أن يلتمس المخدج في قتلاهم وهو الّذي ذكره رسول الله صلی الله علیه وآله(1) في علاماتهم فوجد في القتلى فاعتبر علّي علیه السلام وكبر واستنصر الناس، وأخذ ما في عسكرهم من السلاح والدواب فقسمه بين المسلمين وردّ عليهم المتاع والإماء والعبيد. ودفن عدي بن حاتم ابنه طرفة ورجالا من المسلمين فنهى علي علیه السلام عن ذلك، وارتحل ولم يفقد من أصحابه إلّا سبعة أو نحوهم)(2)، وكان أبو قتادة الأنصاري على الرجالة في جيش أمير المؤمنين علیه السلام کما سبق، أي مقابل حرقوص بن زهير وهو صاحب الثدي(3). لأنّه حامل لواء الرجالة عند الخوارج، وهكذا قضى أمير المؤمنين علیه السلام على فتنتهم.

ص: 98


1- کما سيأتي تفصيله لاحقا. لمراجعة الحادثة، ينظر: مسند ابن أبي شيبه: 7 / 562، وينظر: فضائل الصحابة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241 ه)، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، ط 1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1403 ه - 1983 م: 2 / 714، وينظر: مسند أحمد بن حنبل: 2 / 95، وينظر: صحيح البخاري: 4 /
2- ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر (تاریخ ابن خلدون): 2 / 604
3- روي عَنْ أَبيِ الْوَضيِءِ قَالَ: شَهِدْتُ عَلَیًّا علیه السلام، حَيْثُ قَتَلَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ، قَالَ: «الْتَمِسُوا لِيَ الْمُخْدَجَ» فَطَلَبُوهُ فِي الْقَتْلَى، فَقَالُوا: لَيْسَ نَجِدُهُ، فَقَالَ: «ارْجِعُوا فَالْتَمِسُوا، فَوَالله مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ» فَرَجَعُوا فَطَلَبُوهُ، فَرَدَّد ذَلِكَ مِرَارًا، كُلُّ ذَلِكَ يَحْلِفُ بِالله: «مَا كَذَبْتُ وَلا کُذِبْتُ» فَانْطَلَقُوا فَوَجَدُوهُ تَحْتَ الْقَتْلَى فِي طِينٍ، فَاسْتَخْرَجُوهُ فَجِيءَ بِهِ فَقَالَ أَبُو الْوَضِيءِ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشِيٌّ عَلَيْهِ ثَدْيٌ، قَدْ طَبَقَ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ مِثْلُ شَعَرَاتِ تَکُونُ عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ. ينظر: مسند أحمد بن حنبل: 2 / 370

المبحث الثاني مواقفه مع عائشة ومعاوية

أولًا: موقفه مع عائشة وحجته عليها

بعد معركة النهروان ذهب أبو قتادة الأنصاري إلى المدينة وَمَعَهُ سِتُّونَ أَوْ سَبْعُونَ مِنَ الأَنْصَارِ الذين شاركوا في صفين والنهروان مع أمير المؤمنين علیه السلام فزار عَائِشَةَ، (قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: مَا وراءك؟ وأخبرتها أَنَّهُ لَمَّا تَفَرَّقَتِ الْمُحَكَّمَةُ مِنْ عَسْکَرِ الْمُؤْمِنِينَ لَحِقْنَاهُمْ قَتَلْنَاهُمْ، فَقَالَ: ما كان معك من الوفد غَيْرَكَ؟ قُلْتُ: بَلَى سِتِّونَ أَوْ سبعون، قالت: أو كلهم يقول مِثْلَ الَّذِي تَقُولُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: قُصَّ عَلَىَّ الْقِصَّةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْفِرْقَةُ وَهُمْ نَحْوٌ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، يُنَادُونَ لا حُکْمَ إِلا لله فَقَالَ عَلِيٌّ علیه السلام: «کَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ»، فَقَاتَلْنَاهُمْ بَعْدَ إِذْ نَاشَدْنَاهُمُ الله وَكِتَابَهُ، فَقَالُوا: كَفَرَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَمُعَاوِيَةُ فَلَمْ نَزَلْ نُحَارِبُهُمْ وَهُمْ یَتْلُونَ الْقُرْآنَ، فَقَتَلْنُاهُمْ وَقَتَلُونَا، وَوَلَّى مِنْهُمْ مَنْ وَلَّى، فَقَالَ: لا تَتَّبِعُوا مُوَلِّیًا فَأَقَمْنَا نَدُورُ عَلَى الْقَتْلَى حَتَّى وَقَفَتْ بَغْلَةُ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله، وَعَلِيٌّ علیه السلام رَاکِبُهَا، فَقَالَ: «اقْلِبُوا الْقَتْلَى»، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ عَلَى نَهْرٍ فِيهِ الْقَتْلَى، فَقَلَبْنَاهُمْ حَتَّى خَرَجَ فِي آخِرِهِمْ رجل أسود على كتفيه مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، فَقَالَ عَلِيٌّ علیه السلام: «اللهُّ أَكْبَرُ وَالله

ص: 99

مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، کُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله، وَقَدْ قَسَّمَ فَيْئًا فَجَاءَ هَذَا»، فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَوَالله مَا عَدَلْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله: «ثَکِلَتْكَ أُمُّكَ وَمَنْ يَعْدِلُ عَلَيْكَ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله أَلا اقْتُلُهُ؟ قَالَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله : «لا دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ مَنْ يقتله» فقال: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا يَمْنَعُنِي مَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَلِيٍّ علیه السلام أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وآله، يَقُولُ: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى فِرْقَتَيْنِ تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا فِرْقَةٌ مُحَلِّقُونَ رُؤُوسَهُمْ يَحِفُّونَ شَوَارِبَهُمْ، أُزُرُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ سُوقِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَقْتُلُهُمْ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى الله».

قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتِ تَعْلَمِينَ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله، فَلِمَ كَانَ الذي كان مِنْكِ؟ فَقَالَتْ: يَا أَبَا قَتَادَةَ وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَقْدُورًا، وللقدر سبب، إِنَّ النَّاسَ قَالُوا فِي قِصَّةِ الإفك ما قالوا، فكان أكثر الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ يَقُولُونَ: أَمْسِكَ عَلَيْكَ زَوْجَكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرُ رَبِّكَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام لِمَا يَرَى مِنْ قَلَقِ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وَحُزْنِهِ، يَقُولُ: «لَكَ يَا رَسُولَ الله فِي نِسَاءِ قُرَیْشٍ مَنْ هِيَ أَبْهَى مِنْهَا وَأَجَلُّ نَسَبًا». فَوَجَدْتُ لِذَلِكَ وَكُنْتُ امْرَأَةً لِي مِنْ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله حَظٌّ وَمَنْزِلَةٌ، فَوَجَدْتُ ذَلِكَ کَمَا يَجِدُ النَّاسُ، فَكَانَتْ أَشْيَاءُ أستغفر الله من اعتقادها)(1).

ص: 100


1- نسخة نبيط بن شريط الأشجعي (نبيط بن شريط: له صحبة)، أَحَمْدُ بنُ القَاسِمِ بنِ کَثِیْرِ بنِ صدقَةَ بنِ الرَّيَّانِ الْمِصْرِيُّ اللُّکِّيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ (ت: 356 ه)، تحقيق: خلاف محمود عبد السميع، ط 1، دار الكتب العلمية، 2002 م: 129، تاریخ بغداد وذيوله، تاریخ بغداد، للخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت: 463 ه)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1417 ه: 1 / 171

ويظهر عند مناقشة هذا النص وما فيه، قضايا عدة يمكن استخلاصها وبيان تفاصيلها وما ترتب عليها في الآتي:

1 - أراد أبو قتادة من نقله لها ما جرى أن يبين لها أن أمير المؤمنين علیه السلام هو الذي يقاتل من أجل إعلاء كلمة الحق کما کان رسول الله صلی الله علیه وآله وقاتل بنفس ما كان يقاتل به، ويؤكد هنا أن ما كان منها من خروج عليه ما هو إلا بغي منها على إمام زمانها.

2 - سؤالها عن من كان معه تريد أن تعلم هل من كان معه هم من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وما هو رأيهم؟ عسى أن يكون أحدهم يرى غير رأيهم، أي أن يتكلم عن أمير المؤمنين علیه السلام بما لم يكن منه، أو أن يتكلم عليه بغير الحقِّ، لتستغل ذلك في بيان موقفها من أمير المؤمنين علیه السلام، فكان جوابه كلهم يرون نفس رأيي، بعد هذا قالت له: قل ما عندك.

3 - يخبرها عن الرجل ذي الثدي الذي ذكره الرسول الأكرم عليه السلام، ثم يذكر الحادثة التي وقعت لهذا الرجل مع رسول الله صلی الله علیه وآله، وما قاله عن قاتله.

4 - بعد أن ذكر هذا الحديث لم يبقَ لها إلا أن تقول له ما يؤكد الحادثة التي سمعتها هي أيضا، فلا مجال للنكران أو محاولة تكذيب الخبر؛ لأنَّ ذلك سيجعلها كاذبة أمام الجميع، لذا أصبحت أمام الأمر الواقع لتؤكد ذلك الخبر.

5 - تأكيدها للخبر هو مثلبة عليها فهي تعلم هذه المنزلة للإمام علي علیه السلام وقاتلته في الجمل، مع وجود علامات قالها النبي الأكرم صلی الله علیه وآله في قتالها هذا وحذرها من ذلك، ولكنها أصرت على القتال وجرى ما جرى.

ص: 101

6 - استخفافها بما نُهيتْ عنه مهَّد الطريف لمعاوية وأمثاله من أصحاب المآرب للتطاول على أحكام أمير المؤمنين علیه السلام ومن ثم خروجهم لقتاله، الذي استندوا فيه إلى ما قامت به وساروا على نهجها وطالبوا بها طالبت به.

7 - يسألها أبو قتادة متعجبا إن كنت تعلمين كل هذا من رسول الله صلی الله علیه وآله عن علي علیه السلام لم كان ما كان منك؟ أي يريد أن يقول لها: أنتِ كنت تعلمين أن الحق مع علي علیه السلام ومع هذا قاتلتيه، فيا سبب ذلك التعنت والإصرار منك على قتاله، فحساب العالم با يعلم أشدُّ من حساب الجاهل بما يجهل.

8 - جوابها «أمر الله» أي أمرٍ أمرها الله به، ثم أن أمر الله في كتابه واضح في قوله تعالى: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»(1)، وأمر رسول الله صلی الله علیه وآله في تحذيره واضح کما مر في قوله: «إيتكن صاحبة الجمل الأدبب»(2)، وهي تعلم أنَّ عليًّا علیه السلام مع الحق والحق معه. فأيُّ أمرٍ الله يجعلها تقاتل إمام زمانها، ثم ما قضية (أمر الله) الذي تُلصق به كل هزيمة وهروب، فسابقاً قالها عمر لأبي قتادة في حنين - کما مرَّ - عندما هرب الناس، والله لا يأمر أن يولوا الأدبار کما وضحنا.

9 - سبب خروجها كما تقول هو قصة الإفك، لأن أمير المؤمنين علیه السلام طلب من النبي الأكرم صلی الله علیه وآله أن يتزوج امرأة من قريش تكون أفضل منها، لذا كان خروجها وقتالها لأسباب دنيوية وليس للإصلاح كما زعم بعض

ص: 102


1- سورة الأحزاب: 32 - 33
2- أنظر صفحة 81 من هذا الكتاب

الجاهلين، ثم إن كانت حقاً مؤمنة فالمؤمن لا يكره ولا يحقد، وهي عملت ذلك وأدی کرهها وحقدها على أمير المؤمنين علیه السلام إلى القتال ضده.

10 - قول الإمام علیه السلام: «لك يا رسول الله في نساء قریش من هي أبهى منها وأجل نسبا» يشير إلى أنها لم تكن بذلك البهاء العالي كما يصفونها، و(أجل نسبا) أي هناك من هي أفضل منها نسبا وحسبا في قريش، فهي لم تكن من أولي الحسب وهذا يشير إلى أنّ أبا بكر لم يكن من أشراف قریش وساداتها بل من عامتها.

ثانيًا: موقفه مع معاوية في المدينة

روي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ، لَمَّا قَدِمَ الْمَدِینَةَ لَقِيَهُ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: تَلَقَّانِي النَّاسُ کُلُّهُمْ غَيْرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، فَمَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَلْقَوْنِي؟ قَالَ: لَمْ تَكُنْ لَنَا دَوَابُّ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَأَيْنَ النَّوَاضِحُ؟ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: عَقَرْنَاهَا فِي طَلَبِكَ، وَطَلَبِ أَبِيكَ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله قَالَ لَنَا: «إِنَّا لَنَرَى بَعْدَهُ أَثَرَةً»، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا أَمَرَكُمْ؟ قَالَ: أَمَرَنَا أَنْ نَصْبِرَ حَتَّى نَلْقَاهُ، قَالَ: فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْهُ(1).

ص: 103


1- جامع معمر بن راشد: 11 / 60، المسند، أبو سعيد الهيثم بن کلیب بن سريج بن معقل الشاشي البِنْكَثي (ت: 335 ه)، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زین الله، ط 1، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، 1410 ه: 3 / 129، معجم ابن الأعرابي، أبو سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري الصوفي (ت: 340 ه)، تحقیق و تخریج: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، ط 1، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، 1418 ه - 1997 م: 2 / 555، الاستیعاب في معرفة الأصحاب: 3 / 1421، تاریخ دمشق: 34 / 296، سير أعلام النبلاء: 4 / 80 - 81، الإصابة في تمييز الصحابة: 7 / 274

في هذا الموقف تتضح لنا جوانب عدة من حياة هذا الصحابي وعلاقته بمعاوية وأمثاله من المخالفين لأمير المؤمنين علیه السلام ومنها:

1 - إنّ معاوية بادره في الكلام لعله يهابه أو يخافه فيكون له رأي يستند إليه معاوية لتقوية موقفة مع الناس، وهو يعلم أنّ أبا قتادة قاتل في صفين إلى جانب أمير المؤمنين علیه السلام، فأراد معاوية بهذا احراجه أمام الناس والحصول منه على موقف إيجابي.

2 - جواب أبي قتادة «لم تكن لنا دواب» متقن أراد منه أمرين؛ الأول: معرفة ردّ فعل معاوية من هذا الكلام، وهو بمثابة استهزاء بمعاوية وسخرية به وبمن معه؛ لأن الذي يريد أن يلتقي بأحد لا يمنعه عدم وجود مرکب بل يقصده بكل وسيلة لو كان راغبا له. والآخر: التمهيد لما سيأتي فيكون الردُّ أقسى وأقوى بلاغة ووقعًا في نفس معاوية ومن كان حاضرًا، فجوابه هنا كأنَّه سؤال لمعاوية حتى يجيب.

3 - سؤال معاوية «فأين النواضح» أراد منه أن يفند حجج أبي قتادة وهو سؤال استفزازي لعله يردُّ بردٍّ يجعله حجة عليه، فقد قطع أمامه كل عذر تخيله معاوية أنه يتعذر بها، والكلام ههنا مشحون بالتوتر والحدة بينهما.

4 - ردُّ أبي قتادة كان صفعة قوية في وجه معاوية حين قال: «عقرناها في طلبك وطلب أبيك في بدر»، أي عقرنا النواضح في قتالك وقتال أبيك يوم بدر وفي هذا أمران؛ الأول: إنّه يعيِّره بكفره وكفر أبيه وإنَّك يا معاوية كنت کافرّا ولا زلت على ما كنت عليه. والآخر: يؤكد لنا إنَّ أبا قتادة ممّن شهد بدراً وقاتل فيها، فلو أنّه لم يكن فيها لكذبَّه معاوية ومن معه، وصار موضع

ص: 104

استهزاء، لذا قوله هذا مستند إلى حقيقة وهي إنّهم جميعا يعلمون أنَّه قاتل في بدر مع رسول الله صلی الله علیه وآله، وبه دحضٌ لرأي من قال إنَّه لم يشهدها. وفي هذا الردِّ سکت معاوية؛ لأنَّه علم أنَّ ردَّ أبي قتادة سيكون أعنف وسيفضحه بدل أن يأخذ منه ما ينفعه.

5 - بعدها كل هذا يسترسل أبو قتادة في كلامه وينقل ما سمعه من رسول الله صلی الله علیه وآله إذ قال: «إنا نرى بعده اثرة» والأثرة: «مَنْ يَسْتَأْثِرُونَ بِالْفَيْءِ»(1)، وهي (الإِسْمُ مِنْ آثَرَ يُوثِرُ إِيثَاراً إِذَا أعْطى، أَرَادَ أنّه يُسْتَأْثَرُ عَلَيْكُمْ فيُفضَّل غيرُكم فِي نَصيبه مِنَ الفَيْء. والاسْتِئْثَار: الانْفِرَادُ بِالشَّيْءِ)(2). وهي إشارة إلى معاوية، يقول له وهذا الذي أنت فيه إنما خبرنا به رسول الله صلی الله علیه وآله، ثم قال معاوية وما قال لكم؟ قال أبو قتادة أمرنا أن نصبر، أي قال لنا اصبروا على ما ترونه من هذه الأثرة؛ لأنَّهم أصحاب ظلم وضلال وصبركم عليه لكم به أجر.

ويظهر من هذا الموقف لأبي قتادة قوة إيمانه وشجاعته وحبِّه لأمير المؤمنين علیه السلام وبغضه لأعدائه، وكذلك رصانة لغته ودقة أسلوبه في التعامل مع المواقف الحرجة. لذا كان جديرا بأن يكون واليا على مكة لما له من مؤهلات تؤهله إلى ذلك.

ص: 105


1- معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت: 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399 ه - 1979 م: 1 / 55
2- النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (ت: 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية - بيروت، 1399 ه - 1979م: 1 / 22

ص: 106

خاتمة

ص: 107

ص: 108

خاتمة

الحمد لله والحمد حقُّه، على ما أنعم وأيَّد، ووفق وسدد، والصلاة والسلام على النبي المؤيد، والرسول المسدد أمن وحي الله محمد، وآله الركع السجد وبعد.

تناولنا في هذا الكتاب سيرة أحد الصحابة الأجلاء الذين وقفوا مع رسول الله صلی الله علیه وآله في جميع مواقفه وثبتوا على ما عاهدوا الله عليه، وكذلك كانت مواقفه مع أمير المؤمنين علیه السلام فقد ثبت معه رغم كل ما جرى بعد الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله ومن أبرز نتائج هذا البحث:

1 - إن أبا قتادة من أوائل الصحابة الذين دافعوا مع رسول الله صلی الله علیه وآله عن بيضة الإسلام، فقد وقف وقاتل مع رسول الله صلی الله علیه وآله في جميع مشاهده.

ص: 109

2 - مشاركته في بدر: اختلفوا فيها إلا أننا بينا في هذا الكتاب أنَّه بدريٌّ شارك فيها مقاتلا مدافعا عن الإسلام، بما ورد من روايات عنه وعن غيره.

3 - كان من الصحابة الذين يُكلَّفون بمهمات خاصة في عهد رسول الله صلی الله علیه وآله فقاد أكثر من سرية ونحج في ما كُلِّف به.

4 - لم يذكر له موقف من أصحاب السقيفة في أحداثها هل بايعهم أو لا، لكنه كشف ظلمهم وفسادهم عبر ما رأى منهم، فهجرهم ولم يقف مع أحد منهم وأغمد سیفه ما دامت هذه العصابة وذيولها في الحكم.

5 - قال كلمة حق عند سلطان جائر في أكثر من موضع قالها لخالد بن الوليد (لعنه الله) ولأبي بكر حين قتل خالدٌ مالكا.

6 - لم يأخذ أصحاب السقيفة بشهادته، فكذبوه وأساءوا له، وهو أوّل صحابي يكون في هكذا موقف، لذا فأصحاب السقيفة أوّل من أساء إلى صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله عبر تكذيبهم وإبعادهم.

7 - كان في خلافة أمير المؤمنين علیه السلام قريبا من أمير المؤمنين علیه السلام حتى ولّاه مكة عندما نصَّب ولاته، وهي من أهم ولايات الحكم لمنزلتها في نفوس المسلمين، لذا لا تناط هكذا ولاية إلا لشخص موثوق به.

8 - شارك في جميع مشاهد أمير المؤمنين علیه السلام ولم يخالف أو يقف مع من وقفوا بوجه الإمام علیه السلام، بل كان مقدما في مواقف كثيرة، فقد طلب من أمير المؤمنين عليه السلام تقديمه لقتال الناكثين في الجمل.

9 - ثبت على موقفه ولم يتغير، فقد حاجج عائشة في خروجها على أمير

ص: 110

المؤمنين علیه السلام وقتالها له على ما كانت تعلم من منزلته. وهو أول من فعل هذا.

10 - لم يخضع لمعاوية ومحاولته في استمالته إلى جانبه، بل عنف معاوية وعيّره بكفره وكفر أبيه. ثم استهزأ به بين الناس حتى لم يبقَ لمعاوية ما يقوله. لأنّه سيرده برد قوي ويفضحه بين الموجودين.

وختاما أجملنا حياة هذا الصحابي الجليل ومواقفه في هذا الكتاب آملين أن تكون في ميزان حسناتنا في نصرة أنصار أمير المؤمنين علیه السلام.

ص: 111

ص: 112

المصادر والمراجع

القرآن الكريم:

1 - الآثار، أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري (ت: 182 ه)، تحقيق: أبو الوفا، دار الكتب العلمية، بيروت.

2 - الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (ت: 287 ه)، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، ط 1، دار الراية - الرياض، 1411 ه - 1991 م.

3 - الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت: 282 ه)، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، ط 1 و دار إحياء الكتب العربي، القاهرة، 1960 م.

4 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ المفيد الامام أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي (ت: 413 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیه السلام لاحياء التراث، ط1 ، بیروت، 1995 م - 1416 ه.

ص: 113

5 - الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية، سعيد حوّى (ت: 1409 ه)، ط 3، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1416 ه - 1995 م.

6 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، ط 1، بیروت، 1412 ه - 1992 م.

7 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت: 630 ه)، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، ط 1، دار الكتب العلمية، 1415 ه - 1994 م.

8 - إعلام الساجد بأحكام المساجد، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (ت: 794 ه)، تحقيق: أبو الوفا مصطفی المراغي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ط 4، 1416 ه - 1996 م.

9 - أعلام النبوة، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (ت: 450 ه)، ط 1، دار ومكتبة الهلال، بیروت، 1409 ه.

10 - الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (ت: 1396 ه)، ط 15، دار العلم للملايين، 2002 م.

ص: 114

11 - الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري (ت: 276 ه)، تحقيق: علي الشيري، ط 1، انتشارات شریف الرضي، قم - إيران، 1413 ه.

12 - إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت: 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1420 ه - 1999 م.

13 - الأموال لابن زنجويه، أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخرساني المعروف بابن زنجويه (ت: 251 ه)، تحقيق: د. شاکر ذیب فياض، ط 1، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، السعودية، 1406 ه - 1986 م.

14 - بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت: 1111 ه)، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، عبد الرحيم الرباني الشيرازي، ط 2، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، 1403 ه - 1983 م.

15 - بحوث في الملل والنحل، دراسة موضوعية مقارنة للمذاهب الإسلامية، جعفر السبحاني، ط 1، مؤسسة الإمام الصادق علیه السلام، قم - إيران، 1427 ه.

16 - البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي (ت: نحو 355 ه)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد.

ص: 115

17 - البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت: 774 ه)، تحقيق: علي شيري، ط 1، دار إحياء التراث العربي، 1408 ه - 1988 م.

18 - تاریخ ابن الوردي، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد ابن أبي الفوارس، أبو حفص، زين الدين ابن الوردي المعري الكندي (ت: 749 ه)، ط 1، دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت، 1417 ه - 1996 م.

19 - تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (المتوفى: 748 ه)، تحقيق: الدكتور بشار عوّاد معروف، ط 1، دار الغرب الإسلامي، 2003 م.

20 - تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري)، محمد بن جریر بن یزید بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310 ه)، صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، (ت: 369 ه)، ط 2، دار التراث، بیروت، 1387 ه.

21 - تاريخ المدينة لابن شبة، عمر بن شبة (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (ت: 262 ه)، تحقيق: فهیم محمد شلتوت، طبعه: السيد حبيب محمود أحمد - جدة، 1399 ه.

22 - تاریخ بغداد وذيوله، تاریخ بغداد للخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت: 463 ه)،

ص: 116

دراسة وتحقیق: مصطفی عبد القادر عطا، ط 1، دار الکتب العلمیة - بیروت، 1417 ه.

23 - تاریخ خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (ت: 240 ه)، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري، ط 2، دار القلم، مؤسسة الرسالة - دمشق، بیروت، 1397 ه.

24 - تاریخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت: 571 ه)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 ه - 1995 م.

25 - تاریخ مختصر الدول، غريغوريوس (واسمه في الولادة يوحنا) ابن أهرون (أو هارون) بن توما الملطي، أبو الفرج المعروف بابن العبري (ت: 685 ه)، تحقيق: أنطون صالحاني اليسوعي، ط 3، دار الشرق، بیروت، 1992 م.

26 - التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، طاهر بن محمد الأسفر اییني، أبو المظفر (ت: 471 ه)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1، عالم الكتب - لبنان، 1403 ه - 1983 م.

27 - تفسير السمرقندي، أبو الليث السمرقندي (ت: 383 ه)، تحقيق: د. محمود مطرجي، دار الفكر، بيروت.

ص: 117

28 - تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة)، محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي (ت: 333 ه)، تحقيق: د. مجدي باسلوم، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان، 1426 ه - 2005 م.

29 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 ه)، تحقيق: مصطفی بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، 1387 ه.

30 - تهذيب التهذيب، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، ط 1، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، 1326 ه.

31 - الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354 ه)، ط 1، دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدكن الهند، 1393 ه - 1973 م.

32 - ثم عقر الجمل، الحاج حسين الشاكري، ط 1، مطبعة ستارة، 1418 ه - 1997 م.

33 - الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلی الله علیه وآله وسننه وأيامه (صحيح البخاري)، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي (ت: 256 ه)، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، ط 1، دار طوق النجاة

ص: 118

(ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422 ه.

34 - الجامع، معمر بن أبي عمرو راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن (ت: 153 ه)، تحقيق: حبیب الرحمن الأعظمي، ط 2، المجلس العلمي بباكستان، وتوزيع المكتب الإسلامي ببيروت، 1403 ه.

35 - الجرح والتعديل، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (ت: 327 ه)، ط 1، دائرة المعارف العثمانية - حیدر آباد الدكن - الهند، دار إحياء التراث العربي - بیروت، 1271 ه - 1952 م.

36 - جمل من أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري، (ت: 279 ه)، تحقيق: سهیل زکار ورياض الزركلي، ط 1، دار الفكر - بيروت، 1417 ه - 1996 م.

37 - جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت: 321 ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، ط 1، دار العلم للملايين - بيروت، 1987 م.

38 - حرب الجمل وحرب صفين، السيد محسن الأمين الحسيني العاملي، ط 1، دار الراية البيضاء، العراق - بغداد، دار البيضاء، لبنان، 1434 ه - 2013 م: 117 - 118.

ص: 119

39 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسی بن مهران الأصبهاني (ت: 430 ه)، دار السعادة - مصر، 1394 ه - 1974 م، وعنها دار الكتاب العربي - بيروت، ودار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، و دار الكتب العلمية - بيروت، 1409 ه.

40 - الخصائص الکبری عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت: 911 ه) دار الكتب العلمية - بيروت.

41 - الدر النظيم، يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي (ت: 664 ه)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

42 - دلائل النبوة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت: 458 ه)، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي ط 1، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، 1408 ه - 1988 م.

43 - ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (ت: 808 ه)، تحقيق: خليل شحادة، ط 2، دار الفكر، بیروت، 1908 ه - 1988 م.

44 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول (ت: 786 ه)، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مطبعة ستاره، ط 1، مؤسسة

ص: 120

آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث - قم، 1419 ه.

45 - الروض المعطار في خبر الأقطار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِمیری (ت: 900 ه)، تحقيق: إحسان عباس، ط 2، مؤسسة ناصر للثقافة، بيروت، 1980 م.

46 - الرياض النضرة في مناقب العشرة، أبو العباس، أحمد بن عبد الله بن محمد، محب الدين الطبري (ت: 694 ه)، ط 2، دار الكتب العلمية.

47 - الزهد والرقائق لابن المبارك (يليه، مَا رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي نُسْخَتِهِ زَائِدًا عَلَى مَا رَوَاهُ الْمَرْوَزِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ)، أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التركي ثم المرْوزي (ت: 181 ه)، تحقيق: حبیب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية - بيروت.

48 - سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت: 942 ه)، تحقیق وتعليق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1414 ه - 1993 م.

49 - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (ت: 1111 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت،

ص: 121

1419 ه - 1998 م.

50 - السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعیب بن علي الخراساني، النسائي (ت: 303 ه)، تحقيق واخراج: حسن عبد المنعم شلبي، أشرف: شعيب الأرناؤوط، تقديم : عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط 1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1421 ه - 2001 م.

51 - سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (ت: 275 ه)، تحقيق: محمد علي قاسم العمري، ط 1، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1403 ه / 1983 م.

52 - سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَایْماز الذهبي (ت: 748 ه)، دار الحديث - القاهرة، 1427 ه - 2006 م.

53 - السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون)، علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي، أبو الفرج، نور الدين ابن برهان الدين (ت: 1044 ه)، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1427 ه.

54 - السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير)، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، 1395 ه -

ص: 122

1976 م.

55 - السيرة النبوية لابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (ت: 213 ه)، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري و عبد الحفيظ الشلبي، ط 2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفی البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1375 ه - 1955 م: 2 / 443.

56 - السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354 ه)، صحّحه، وعلق عليه الحافظ السيد عزيز بك وجماعة من العلماء، ط 3، الكتب الثقافية - بيروت، 1417 ه.

57 - شرح مشکل الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت: 321 ه)، تحقیق: شعيب الأرنؤوط، ط 1، مؤسسة الرسالة، 1415 ه - 1494 م.

58 - شرح نهج البلاغة، لأبي حامد عز الدين بن هبة الله بن محمد بن محمد ابن أبي الحديد المدائني (ت: 655 ه)، ضبطه وحققه: محمد عبد الكريم النمري، ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 2009 م.

59 - شرف المصطفی، عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الخرکوشي، أبو سعد (ت: 407 ه)، ط 1، دار البشائر الإسلامية - مكة، 1424 ه.

ص: 123

60- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، محمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبو الطيب المكي الحسني الفاسي (ت: 832 ه)، ط 1، دار الكتب العلمية، 1421 ه - 2000 م 61 - الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (ت: 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1410 ه - 1990 م.

62 - طبقات خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة بن خیاط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (ت: 240 ه)، رواية: أبي عمران موسی بن زکریا بن يحيى التستري (ت ق 3 ه)، محمد بن أحمد بن محمد الأزدي (ت ق 3 ه)، تحقيق: د سهیل زکار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414 ه - 1993 م.

63 - العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي عليه السلام، القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (ت: 543 ه)، قدم له وعلق عليه: محب الدين الخطيب، ط 1، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، 1419 ه.

64 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، ابن سيد الناس، اليعمري الربعي، أبو الفتح، فتح الدين

ص: 124

(ت: 734 ه)، تعليق: إبراهيم محمد رمضان، ط 1، دار القلم - بیروت، 1414 ه / 1993 م.

65 - عيون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 ه.

66 - الغدير، الشيخ الأميني (ت: 1392 ه)، ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، 1397 ه - 1977 م.

67 - فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، محمد بن عبد الله بن عبد القادر غبان الصبحي، ط 2، عادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1434 ه / 2003 م.

68 - فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، محمد بن عبد الله بن عبد القادر غبان الصبحي، ط 2، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1424 ه / 2003 م.

69 - الفتنة ووقعة الجمل، سیف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (ت: 200 ه)، تحقيق: أحمد راتب عرموش، ط 7، دار النفائس، 1913 ه / 1993 م.

70 - فضائل الصحابة، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241 ه)، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، ط 1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1403 ه.

ص: 125

71 - فقه اللغة وسر العربية، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت: 429 ه)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، ط 1، إحياء التراث العربي، 1422 ه - 2002 م.

72 - فيض القدیر شرح الجامع الصغير، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زین العابدين المناوي (ت 1031 ه)، تحقیق و تصحیح: أحمد عبد السلام، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1415 ه - 1996 م.

73 - الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت: 630 ه)، عمر عبد السلام تدمري، ط 1، دار الكتاب العربي، بیروت، 1417 ه / 1997 م.

74 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي (ت: 235 ه)، تحقيق: کمال يوسف الحوت، ط 1، مكتبة الرشد - الرياض، 1609 ه.

75 - کتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي، أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي المصري (ت: بعد 355 ه)، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، وأحمد فريد المزيدي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1424 ه - 2003 م.

ص: 126

76 - الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سیبویه (ت: 180 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط 3، مکتبة الخانجي، القاهرة، 1408 ه - 1988 م.

77 - کشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي (ت: 693 ه)، ط 2، دار الأضواء - بيروت - لبنان، 1405 ه - 1985 م.

78 - کنز العمال، المتقي الهندي (ت: 975 ه)، تحقيق: ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني / تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان 1409 ه - 1989 م.

79 - لسان الميزان، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852 ه)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط 1، دار البشائر الإسلامية، 2002 م.

80 - المحبر، محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (ت: 245 ه)، تحقيق: إيلزة ليختن شتیتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت.

81 - المختصر الكبير في سيرة الرسول صلی الله علیه وآله، عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، ابن جماعة الكناني، الحموي الأصل، الدمشقيّ المولد، ثم المصري، عز الدين (ت: 726 ه)، تحقيق: سامي مكي العاني، ط 1، دار البشير، عمان، 1993 م.

ص: 127

82 - مرویات غزوة حنين وحصار الطائف، إبراهيم بن إبراهيم قريبي، ط 1، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1412 ه.

83 - مستخرج أبي عوانة، أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري الإسفراييني (ت: 316 ه)، تحقيق: أيمن بن عارف الدمشقي، ط1، دار المعرفة - بيروت، 1419 ه - 1998 م.

84 - المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبيالطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1411 ه - 1990 م.

85 - مسند ابن الجعد، علي بن الجَعْد بن عبيد الجَوْهَري البغدادي (ت: 230 ه)، تحقيق: عامر أحمد حیدر، ط 1، مؤسسة نادر - بيروت، 1410 ه - 1990 م.

86 - مسند أبي حنيفة، أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي الكوفي (ت: 150 ه)، رواية أبي محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب ابن الحارث الحارثي، تحقيق: أبو محمد الأسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2008 م.

87 - مسند أبي داود الطيالسي، أبو داود سلیمان بن داود بن الجارود الطيالسي البصري (ت: 204 ه)، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المحسن

ص: 128

التركي، ط 1، دار هجر - مصر، 1419 ه - 1999 م.

88 - مسند إسحاق بن راهويه، أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي المروزي المعروف به ابن راهويه (ت: 238 ه)، تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، ط 1، مكتبة الإيمان - المدينة المنورة، 1412 ه - 1991 م.

89 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (ت: 241 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط1، مؤسسة الرسالة، 1421 ه - 2001 م.

90 - مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله العتكي المعروف بالبزار (ت: 292 ه)، تحقيق: محفوظ الرحمن زین الله، وعادل بن سعد، وصبري عبد الخالق الشافعي، ط 1، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، 2009 م.

91 - المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلی الله علیه وآله (صحيح مسلم)، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفي: 261ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي - بيروت: 3 / 1433.

92 - مسند عمر بن الخطاب، أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصَّلْت

ص: 129

بن عُصْفور السدوسي بالولاء البصري (ت: 262 ه)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، 1405 ه.

93 - المسند، أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي الشافعي (ت: 204 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1400 ه.

94 - المسند، أبو سعيد الهيثم بن کلیب بن سريج بن معقل الشاشي البِنْكَثي (ت: 335 ه)، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زین الله، ط 1، مکتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، 1410 ه.

95 - مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354 ه)، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم، ط 1، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة، 1411 ه - 1991 م.

96 - المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني (ت: 211 ه)، تحقيق: حبیب الرحمن الأعظمي، ط 2، المجلس العلمي - الهند، المكتب الإسلامي - بيروت، 1403 ه.

97 - معجم ابن الأعرابي، أبو سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زیاد بن بشر بن درهم البصري الصوفي (ت: 340 ه)، تحقیق وتخریج: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، ط 1، دار ابن الجوزي، المملكة العربية

ص: 130

السعودية، 1418 ه - 1997 م.

98 - معجم الفروق اللغوية، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (ت: نحو 395 ه)، تحقيق: الشيخ بیت الله بیات، ومؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 1، قم - ایران، 1412 ه.

99 - معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ، محمد سالم محيسن (ت: 1422 ه)، ط 1، دار الجيل - بیروت، 1412 ه - 1992 م.

100 - معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت: 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399 ه - 1979 م.

101 - معرفة السنن والآثار، أحمد بن الحسين بن علي بن موسی الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت: 458 ه)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، ط 1، جامعة الدراسات الإسلامية (كراتشي - باكستان)، دار قتيبة (دمشق - بيروت)، دار الوعي (حلب - دمشق)، دار الوفاء (المنصورة - القاهرة)، 1412 ه - 1991 م.

102 - المغازي، محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (ت: 207 ه)، تحقيق: مارسدن جونس، ط 3، دار الأعلمي - بيروت، 1409 ه / 1989 م.

ص: 131

103 - المقتفي من سيرة المصطفی صلی الله علیه وآله، الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين الحلبي (ت: 779 ه)، تحقيق: د مصطفی محمد حسين الذهبي، ط 1، دار الحديث، القاهرة، مصر، 1416 ه - 1999 م.

104 - مناقب آل أبي طالب، أبو جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني، تحقيق و فهرسة: د. يوسف البقاعي، ط 2، دار الأضواء، بیروت، 1412 - 1991 م.

105 - منتهى المطلب، العلامة الحلي (ت: 726 ه)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، ط 1، مجمع البحوث الإسلامية، ایران - مشهد، 1419 ه.

106 - موطأ الإمام مالك، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (ت: 179 ه)، تحقيق: بشار عواد معروف و محمود خليل، مؤسسة الرسالة، 1412 ه.

107 - نثر الدر في المحاضرات، منصور بن الحسين الرازي، أبو سعد الآبي (ت: 421 ه)، تحقيق: خالد عبد الغني محفوط، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، 1424 ه - 2004 م.

108 - نسخة نبيط بن شريط الأشجعي (نبيط بن شريط: له صحبة)، أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ بنِ كَثِيْرِ بنِ صدقَةَ بنِ الرَّیَّانِ المِصْرِيُّ اللُّکِّيُّ، نَزِيْلُ البَصْرَةِ (ت: 356 ه)، تحقيق: خلاف محمود عبد السميع، ط 1، دار الكتب العلمية،

ص: 132

2002 م.

109 - نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت: 821 ه) تحقیق: إبراهيم الإبياري، ط 2، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1400 ه - 1980 م.

110 - النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (ت: 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية - بیروت، 1399 ه - 1979 م.

111 - نهج البلاغة، المختار من كلام امير المؤمنين علیه السلام، لجامعه الشريف الرضي (ت: 406 ه)، مع ضبط الأديب الأريب: علي بن محمد ابن السكون (ت: 600 ه تقریبا)، تحقيق: الشيخ قيس بهجت العطار، شعبة إحياء التراث والتحقيق، العتبة العلوية المقدسة، ط 1، العراق - النجف الأشرف، 1437 ه.

112 - الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن، أبو نصر البخاري الكلاباذي (ت: 398 ه)، تحقيق: عبد الله الليثي، ط 1، دار المعرفة - بیروت، 1407 ه.

113 - وسيلة الإسلام بالنبي صلی الله علیه وآله، أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب، أبو العباس القسنطيني، ابن قنفذ (ت: 810 ه) تحقیق: سليمان العيد المحامي،

ص: 133

ط1، دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان، 1404 ه - 1989 م.

114 - وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، (ت: 212 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط 2، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة - مصر، منشوراتمكتبة آية اللهالعظميا لمرعشیالنجفي، قم - إيران، 1403 ه.

الدوريات

115 - مجلة المبين، مجلة فصلية محكمة، تصدر عن مؤسسة علوم نهج البلاغة، العدد الأول، السنة الأولى، 1437 ه - 2016 م.

ص: 134

المحتويات مقدمة المؤسسة 5

مقدمة 9

التمهيد 13

أولاً: اسمه وكنيته ولقبه 15

ثانيًا: کرمه وحلمه 18

ثالثا: أولاده 20

رابعًا: مفهوم الرفض والروافض 21

الفصل الأول حياته مع الرسول صلی الله علیه وآله وبعده إلى عهد عثمان المبحث الأول: حياته مع رسول الله صلی الله علیه وآله 29

أولاً: مشاركته في معارك رسول الله صلی الله علیه وآله 29

1 - معركة أحد وموقفه فيها 30

2 - دوره في غزوة بني قريظة 31

3 - معركة الخندق وما نقل فيها 31

4 - مشاركته في خيبر ودوره في حنين 32

5 - دوره في الطائف وتبوك 37

ثانيًا: قيادته السرايا ومشاركته فيها 38

ثالثًا: بعض مروياته عن النبي صلی الله علیه وآله 41

ص: 135

المبحث الثاني: حياته بعد الرسول صلی الله علیه وآله إلى عهد عثمان 45

أولًا: فساد الحاكم المنصب في مؤامرة السقيفة 46

ثانيًا: موقف أبي قتادة من فساد حاكم السقيفة 50

ثالثًا: اعتزال أبي قتادة القتال مع الحاكم الفاسد 60

الفصل الثاني: حياته مع أمير المؤمنين علیه السلام

المبحث الأول: دوره في معارك أمير المؤمنين علیه السلام 69

أولًا: في معركة الجمل وموقفه فيها 69

1 - موقف أبي قتادة في معركة الجمل 77

2 - ذكر أصحاب الجمل في نهج البلاغة 81

ثانيًا: دوره في معركة صفين 84 أحداث صفين 84

ثالثًا: دوره في معركة النهروان 94

المبحث الثاني: مواقفه مع عائشة ومعاوية 99

أولًا: موقفه مع عائشة وحجته عليها 99

ثانيًا: موقفه مع معاوية في المدينة 103

خاتمة 109

المصادر والمراجع 113

الدوريات 134

ص: 136

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.