إغتیالُ التوحید

هوية الکتاب

اغتيال التوحيد في ضوء الانثروبولوجيا العقدية والبنائية الوظيفية لخطاب الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء

9789933582494 ISBN رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2032 لسنة 2019 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP230 .H37 A3 2019 :LC المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة، مؤلف. العنوان: اغتيال التوحيد في ضوء الانثروبولوجيا العقدية والبنائية الوظيفية لخطاب الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: دراسة بينية / بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني الكربلائي. بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة. الوصف المادي: 272 صفحة؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 646). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ 171). سلسلة النشر: (دراسات في آل علي عليه السلام، أولاده: الامام الحسين عليه السلام؛ 3). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 245-266). موضوع شخصي: الحسين الشهيد، الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الثالث، 61-4 للهجرة - خطب. مصطلح موضوعي: التاريخ الإسلامي - العصر الراشدي. مصطلح موضوعي: التاريخ الإسلامي - العصر الأموي. مصطلح موضوعي: الانثروبولوجيا الاجتماعية - البلاد العربية. مصطلح موضوعي: الانثروبولوجيا الثقافية - البلاد العربية. مصطلح موضوعي: الثقافة الاسلامية. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة. شعبة الشؤون العلمية. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

سلسلة دراسات في آل علي (عليه السلام) أولاده: الإمام الحسين (علیه السلام) (3) اغتيال التوحيد في ضوء الانثروبولوجيا العقدية والبنائية الوظيفية لخطاب الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: دراسة بينية تألیف السید نبیل الحسني الکربلائي اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1440 ه / 2019 م العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633 - 07728243600

ص: 4

الاهداء

إلى من بالغ في النصيحة لله و رسوله صلی الله علیه و آله وسلم

وأعطى غاية الجهود من جهاد أعدائه ..

إلى الحسين القطيعين المخضَبينِ بالماء الشهادة ..

إلى الظهر الحاني على اللواء في كربلاء ..

إلى العين التي اطفأها سهم توحيد الخلافة ..

إلى قمر سماء التوحيد ..

إلى سيدي وموتي وعمي أبي الفضل علیه السلام ..

أهدي كتابي هذا

-خادمكم وولدکم نبيل -

ص: 5

ص: 6

بسم رائد، الرحمن الرحیم

مقدمة المؤسسة:

الحمد الله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءَهُ العادُّون، ولا يؤدي حقَّه المجتهدون، والصلاة والسلام على خير خلقه، وخاصة أنبيائه، وصفوة رسله، أبي القاسم محمد و آله الأخيار الهداة الأبرار.

وبعد:

إن من الحقول المعرفية التي زخرت بها حياة أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) التي نحتاج إلى دراستها وجني ثمارها هي حياة آل علي (عليهم السلام) المتضمنة تلك الذوات المقدسة، وهم (والداه، وأولاده، وأزواجه) لا سیما سیدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء وابنيها الحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) لتستقر ضمن السلسلة العلمية البحثية الموسومة ب (سلسلة دراسات في آل علي عليهم السلام) التي تسعى المؤسسة بواسطتها إلى بيان ما لهذه الذوات من إسهامات في الحياة الإسلامية ومسار الحركة الفكرية فيها.

ص: 7

وما هذه الدراسة التي بين أيدينا والموسومة ب (اغتيال التوحيد في ضوء الأنثروبولوجيا العقدية والبنائية الوظيفية لخطاب الإمام الحسين علیه السلام يوم عاشوراء) إلا واحدة من هذه الدراسات التي توضع بين يدي القارئ الكريم لبيان الآثار التي أوجدها توحيد الخلافة في جملة من الاجراءات والأنساق الثقافية والاجتماعية والشخصية مكونة بذاك عقيدة جديدة للتوحيد وهو ما عملت عليه الحكومة خلال العشرات من السنين؛ لتحصد في النهاية اغتيال التوحيد فكرًا وعقيدة ورمزًا وهو ما أظهرته العلوم والمعارف الحديثة لاسيما النظرية البنائية الوظيفية ومحدداتها في خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) یوم عاشوراء. فجزى الله الباحث على ما قدمه في بحثه خير الجزاء ونسأله التوفيق لإحياء تراث سيرة أمير المؤمنين الإمام علي وسيرة آله (عليهم السلام).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شعبة الشؤون العلمية مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ الآء أسداها، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الهداة الأخبار الميامين.

أما بعد:

فإن معرفة التوحيد والاعتقاد به هو من أهم الوظائف التي كلف الله بها الأنبياء والمرسلين والأئمة (عليهم السلام).

ولأن الله عز وجل حكيم عزيز فقد جعل للتوحيد رموزًا وشخوصًا ينضبط بهم الفكر ويستقيم الفهم ويكتمل اليقين بوحدانية الله تعالى ونبذ عوالق الوثنية الظاهرية والباطنية، وذلك أن المنظومة المفاهيمية للتوحيد من أوسع المنظومات الفكرية وأكثرها أساتذة إذ يكفي بالباحث والدارس أن ينظر إلى هذه المنظومة ويرصد حركتها التاريخية عبر ما دار في شأن التوحيد بين الله عز وجل والملائكة حينما ظنت أنها تستطيع أن تكون رمزًا للتوحيد في الأرض وتتصدى لخلافة الله في أرضه فینضبط بها الفكر ويستقيم الفهم ويدرك أهل الأرض حقيقة التوحيد ومعرفته.

ص: 9

إلا أن الفارق بين الملائكة وآدم (عليهم السلام) في الاستحقاق لمنصب الخلافة هو الطريق إلى التوحيد بمعنى: أن الملائكة ظنت أن الطريق إلى خلافة التوحيد هو التسبيح فقالوا الله عزّ وجل:

«أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»(1).

فجعلوا العبادة والتسبيح والتقديس هي الطريق إلى منصب خلافة الله عز وجل فضلًا عن الانضباط في الفعل والالتزام بالأمر الإلهي في حرمة الدماء ووقوع الفساد؛ بمعنی رفع المانع وتحقق المقتضي في التنصيب، في حين كان الطريق إلى خلافة الله عند آدم (عليه السلام) معرفة رموز التوحيد وخلفائه.

قال الله عز وجل: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(2).

فأدركوا حينها أن المانع من منصب الخلافة في الأرض هو عدم معرفتهم بأسماء رموز التوحيد وليس الفساد وسفك الدماء.

ومن هنا: فإن الدراسة التي بين أيدينا تتناول عينة اجتماعية في فترة زمنية محددة وهي منذ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام (11 ه) وإلى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) عام (61 ه) وما شهدته من

ص: 10


1- سورة البقرة، الآية: 30
2- سورة البقرة، الآية: 31-33

متغيرات جذرية في مفهوم التوحيد ومصادیقه فقتل من قتل تحت راية التوحيد وسلب من سلب واغتصب من اغتصب؛ والناس يكفر بعضهم بعضًا فيباح لهم ما يباح في غيرهم من أهل الشرك والكفر، والناس حیاری قد أخذت بهم الآراء والمفاهيم والفتاوی کل مأخذ.

ولذا: فقد احتاجت الدارسة في معرفة الأسباب والمتغيرات الجذرية في المنظومة المفاهمية والفكرية للإسلام في نصف قرن بالرجوع إلى حقول معرفية ثلاثة، وهي:

1- الحقل العقدي.

2- الحقل الأنثروبولوجي وتحديدًا الأنثروبولوجيا الثقافية.

3- الحقل الاجتماعي وتحديدًا النظرية البنائية الوظيفية.

وقد أخضعت هذه العينة الاجتماعية لهذه الحقول المعرفية الثلاثة ودراستها بغية معرفة أسباب انحدار المجتمع الإسلامي إلى المستوى الذي وصل إليه في حمل رأس ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسبي بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحفاده وحملهم إلى الخليفة الذي جلس في منصب الخلافة الإسلامية بمعنى: أنه خلف النبي (صلى الله عليه وآله) ليحمل إليه رأس ابن النبي!!! مما يكشف عن إحداث تغيير جذري في المنظومة المفاهيمية والفكرية للتوحيد في جملة من الأنساق الثقافية وإجراءات التثاقف، وأنماطه المتعددة فرضتها سنة العمريان في عملية من المثاقفة المحكمة وتغير ثقافة الإنسان، ونمط تفكيره، و تحویل هويته المعرفية وهو ما التجأت إليه السلطة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 11

وهذا ما يميز هذه الدراسة عن غيرها من الدراسات لهذه الفترة الزمنية والمجتمع الإسلامي فعلى الرغم من تعدد الدراسات حولها لكنها انحصرت إما في المجال التاريخي والسيري، وبيان المناقب والمثالب وبما يفرضه المنهج التاريخي، و أو كانت هذه الدراسات في المجال السياسي والإداري للخلافة وآثار إجراءاتها في بناء الدولة الإسلامية وإظهارها بكونها الفترة الذهبية في بناء الدولة والمجتمع؛ في حين انفردت هذه الدراسة في مجالها البحثي لدراسة المجتمع الإسلامي في هذه الفترة الزمنية وهو مجال الأنثروبولوجيا الثقافية مقرونًا بالمجال العقدي وهو حقل جديد أصلت له هذه الدراسة وهو الأنثروبولوجيا العقدية - کما سیمر - فضلًا عن أن هذه الدراسة تظهر منهجًا جديدًا في حقل الدراسات الاجتماعية، وهي:

توظيف المطابقة النظرية والعملية للنظرية البنائية الوظيفية التي أنشأت في أساس تكوينها لدراسة المجتمعات الحديثة لا سيما دراستها للتحولات التي حدثت في المجتمع الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية وأن ما سعی إليه بارسونز في جولته الأمريكية والأوربية ضمن الحقل الاجتماعي والأنثروبولوجي لم يتضمن دراسة عينات من المجتمعات التي يحكمها الدين والعقيدة بالله وتأثير هذه العقيدة على حركة الإنسان وثقافته وشخصيته وأسرته وتفاعلاته مع الآخر ضمن نسق الأسرة أو المجموعات البشرية التي يتناغم معها ويتفاعل معها لوجود مشترکات فكرية ونفسية تجعله جزءًا ومكونًا من هذه المجموعة أو ما يعرف بالنسق.

ص: 12

في حين إن الإنسان هو الإنسان أسير بما ينقل إليه من معطيات فكرية وثقافية عملت التنشئة الاجتماعية واللغة والأفكار عاملًا أساسيًا في تحديد هويته وشخصيته وآثاره في المجتمع.

ومن هنا:

فأن هذه الدراسة حينما استوظفت النظرية البنائية الوظيفية أو نظرية الأنساق في دراسة المجتمع الإسلامي في نصف قرن فهي بذاك تؤسس لمنهج جديد في العلوم الاجتماعية ممثلًا بمطابقة العينات الاجتماعية ودراسة متغيراتها وسلوكيتها ونتائج هذه السلوكيات سواء كانت في القرن الأول الإسلامي أو في القرن الرابع عشر وسواء كان في الشرق أو الغرب.

ومن ثمَّ فإن توظيف النظريات العلمية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا مع توظيف النصوص الشريفة للقرآن والعترة النبوية يقدم أنموذجًا أوفق وأوعی لمعرفة الإنسان في كونه فردًا أو جماعة، وهو ما يسعى إليه الباحث عبر فرضية الدراسة ومنهجها البحثي، ونوعها، أي: حقل الدراسات البينية، وهي كالآتي:

فرضية الدراسة:

يسعى الباحث عبر هذه الدراسة إلى إثبات فرضية جديدة في الأنثروبولوجيا الثقافية؛ وذلك عبر إمكانية إصلاح مفهوم التثاقف لدى الأنثروبولوجيين في (انحصاره في الاتصال بين ثقافتين متغایرتين لمجموعتين من الأفراد) إلى مفهوم جدید توصلت إليه الدراسة وأصَّلت له، وهو (التثاقف في المجموعة الواحدة وتغير ثقافتها الأصيلة ورصد إجراءاتها الثقافية ضمن أنماط فكرية جديدة ظاهرها الثقافة الأصيلة وباطنها الثقافة المغايرة في مزواجة للثقافتين وتثاقفهما معًا).

ص: 13

ومن ثم تسعى الدراسة في هذا الاتجاه إلى تأصيل منهج جديد في حقل الأنثروبولوجيا الثقافية وهو: (التثاقف من الداخل) وحقل معرفي جديد، (وهو الأنثروبولوجيا العقدية) للكشف عن عملية اغتيال التوحيد الذي جاء به القرآن الكريم والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).

منهج البحث:

اعتمد الباحث في هذه الدراسة على ثلاثة مناهج علمية، وهي:

1- المنهج الاستقرائي: وقد خصص لدراسة المعطيات التاريخية والروائية التي دونت الأحداث والمتغيرات الحياتية للمسلمين لعينة الدراسة وهي المجتمع الإسلامي ما بين عامي 11 - 61 ه.

2- المنهج الوصفي: وقد خصص لدراسة المعطيات الاجتماعية والثقافية العينة الدراسة.

3- المنهج التحليلي: وقد خصص لدراسة المعطيات العقدية والثقافية والاجتماعية والأنثروبولوجيا في استنطاق النصوص والأحداث والمظاهر الإعجازية والثقافية والاجتماعية للوصول إلى نتائج جديدة في بناء الإنسان وإصلاحه.

نوع الدراسة: بينية - interdisciplinary

اعتمد الباحث في هذه الدراسة على أهم الطرق العلمية في بناء النتائج المعرفية والفكرية.

إذ تعد الدراسات البينية من أهم ما توصلت إليه المناهج العلمية في

ص: 14

طرق جمع المعلومة وإعادة بلورتها في نتاج معرفي جديد، يرتكز على الممازجة والمزاوجة بين الحقول المعرفية المتعددة، للوصول إلى نتاج معرفي و فکري جدید، يمكن الباحثين والدارسين من فهم مادة البحث، سواء كان الإنسان وما يصدر عنه أو ما يختلج في مكنون نفسه ضمن العلوم الإنسانية، أو ما ارتبط بالعلوم الأساسية والتطبيقية والاجتماعية.

إذ تهدف الدراسات البينية إلى (تعظيم الاستفادة من التوجهات الفكرية للتخصصات المشاركة، وتحقيق الإبداع في طرق التفكير والتكامل في المعرفة وليس وحدتها)(1).

مما يحقق أيضًا (تكامل المعارف الإنسانية على اختلاف مجالاتها لتظهر علوم وكشوف جديدة نافعة للبشرية)(2).

وهو ما توصلت إليه هذه الدراسة وأصّلت له في علم الإناسة وهو (الأنثروبولوجيا العقدية) وذلك عن طريق إمكانية إصلاح مفهوم التثاقف من الخارج إلى التثاقف من الداخل.

وبیان آثاره في جملة من الإجراءات والأنساق الثقافية والاجتماعية والشخصية مكونة بذاك عقيدة جديدة للتوحيد وهو ما عملت عليه الخلافة الإسلامية عبر العشرات من السنين.

ص: 15


1- تزاوج الاختصاصات: ثراء معرفي ومهني، نجيب عبد الواحد؛ 3 يونيو 2017؛ الدراسات البينية / التعليم العالي
2- ملتقى الدراسات البينية، لمحمد خضر عریف، صحيفة المدينة، يوم الإثنين 28 شوال 1440- 1 يوليو 2019 م

لتحصد في النهاية اغتيال التوحيد فكرًا وعقيدة ورمزًا وهو ما أظهرته العلوم والمعارف الحديثة لاسيما النظرية البنائية الوظيفية ومحدداتها في خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء.

ولذلك:

فقد تكونت الدراسة من فصلين يسبقهما تمهيد وتعقبهما خاتمة تضمنت نتائج الدراسة؛ وقد احتوى كل فصل على مباحث ومسائل خصصت لدراسة المتغيرات المفاهيمية في المجتمع الإسلامي في مرحلتين:

المرحلة الأولى: ضمن الفصل الأول وقد ابتدأنا البحث بتشخيص أدوات اغتيال التوحيد في المعطيات القرآنية والنبوية. ودراسة المتغيرات المفاهيمية لعقيدة التوحيد في (مقدماته ونتائجه). أما المبحث الثاني: فقد اشتمل على دراسة الأنماط والإجراءات التي اتخذتها الحكومة وتحديدًا إجراءات الأول والثاني التي سميت وعرفت (بسنة الشيخين) أو (سنة العمريين) وأنساقها الثقافية والاجتماعية في خلق البيئة الفكرية والاجتماعية لعملية اغتيال التوحيد.

المرحلة الثانية: وهي ضمن الفصل الثاني وقد خصص لدراسة اغتيال التوحيد في المعطيات الأنثروبولوجيا الثقافية ونظرية الأنساق العامة أو كما تعرف ب: (النظرية البنائية الوظيفية) وقد اشتمل الفصل على ثلاثة مباحث تناول المبحث الأول: التثاقف من الداخل وهيمنة الأنساق الثقافية لسنة الشيخين عند اصطدامها مع إجراءات الإمام علي (عليه السلام) في توليه الأمر والبدء بعملية إصلاح الحكومة الإسلامية والرعية.

ص: 16

وتناول المبحث الثاني: الأنساق الفكرية للانقضاض على فكر التوحيد في حقل الأنثروبولوجيا العقدية التي اتخذتها السلطة الأموية من العام (40 ه) إلى العام (61 ه) واكتمال المفهوم الجديد للتوحيد لدى السلطة، والتثقيف عليه بين المسلمين بعد أن انتفعت السلطة الأموية من التأصيل لهذا المفهوم ضمن اجراءات العمريين وسنتهما في الإسلام.

وتناول المبحث الثالث: محددات النظرية الوظيفية وإجراءات الأنساق الاجتماعية لخطاب الإمام الحسين (عليه السلام) في اغتيال التوحيد.

فقد أظهر النص الشريف هذه المحددات للنظرية الوظيفية ضمن أنساقها الثلاثة (نسق الثقافة، ونسق الشخصية، والنظام الاجتماعي أو النسق الاجتماعي).

ففي النسق الثقافي يظهر الإمام الحسين (عليه السلام) الآثار التي أوجدها التثاقف من الداخل الذي عملت به حكومة العمريَّين والأمويَّين في تعاقبهم على السلطة وتمكنهم من تغيير عقيدة التوحيد الذي جاء به القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) واغتياله بسيف توحيد الخلافة.

وفي نسق الشخصية:

جاء خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) ببيان الدوافع الشخصية والأفكار المشتركة فيما بين هؤلاء الذين خرجوا لقتاله وهم بالآلاف مكونين أنساقًا محددة المعالم وضمن معايير ثلاثة (الأمن الشخصي والمجتمعي؛ الأمن الحياتي؛ الأمن الفكري)، وفي النسق الاجتماعي:

ص: 17

يبدأ الإمام الحسين (عليه السلام) في بادئ الأمر ببيان الهدف المشترك الذي جمع هذه النظم والأنساق الاجتماعية؛ وهو (عليه الصلاة والسلام) يكون بذلك قد قدم للباحثين في العلوم الإجتماعية والأنثروبولوجيا العقدية كيفية توظيف المطابقة النظرية والعملية لدراسة المجتمع والإنسان، لاسيما النظرية الوظيفية والأنساق العامة.

وهو بذاك يقدم عبر هذا النص الشريف في توصيفه عينة الدراسة، أي: المجتمع الإسلامي ما بين عامي (11 - 61 للهجرة) بكونه من أعقد المجتمعات الإنسانية في المثاقفة وإجراءاتها النسقية والوظيفية، فما زالت الأمة تسير ضمن نطاقها وتدور في فلكها وإلى يومنا هذا ...

فكم من رأس قطع والقاتل والمقتول یرددان (الله أكبر)!!!

وإلى يومنا هذا..

نبيل بن السيد قدوري بن السيد حسن الحسني الكربلائي

ص: 18

التمهيد

يشتمل التمهيد على بيان مصطلحات الدراسة والحقل المعرفي الذي خاض فيه الباحث، وهو كالآتي:

أولًا - تعريف التوحيد في اللغة والاصطلاح.

أ- التوحيد لغة.

1- قال أبو الحسن الجرجاني (ت: سنة 811 ه) في التعريفات، التوحيد هو: (الحكم بأن الشيء واحد والعلم بأنه واحد)(1).

2- وقال الزبيدي (ت سنة 1205 ه):

(إذا وصف الله عز وجل بالواحد فمعناه هو الذي لا يصح عليه التجزي ولا التكثر)(2).

ب - التوحيد اصطلاحًا.

1- قال الشيخ الصدوق (ت: 381 ه) في معنى التوحيد:

(اسم للعلم الذي يبحث فيه عن الله تعالى وصفاته وأفعاله وأمانفي التشبيه فهو من باب ذکر الخاص بعد العام لأهميته)(3).

ص: 19


1- التعريفات للجرجاني: ص 73 بتحقيق محمد باسل، ط 2 دار الكتب العلمية بيروت 1983 م
2- تاج العروس للزبيدي: ج 1 ص 529؛ ط مكتبة الحياة، بيروت
3- التوحيد للشيخ الصدوق: ص 18 بتحقيق السيد هاشم الطهراني، نشر جماعة المدرسين، قم لسنة 1387 ه

2- وقال الشيخ المفيد (ت: 413 ه) في معنى التوحيد هو أن يعتقد الإنسان بأن (الله تعالى واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء ولا يجوز أن يماثله شيء، وأنه فرد في المعبودية لاثاني له فيها على الوجوه كلها والأسباب)(1).

3- وقال الصدوق في الاعتقادات:

(وإنه تعالى شيء لا کالأشياء، أحد، صمد، لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفء أحد، ولا ند، ولا ضد، ولا شبه، ولا صاحبة، ولا مثل، ولا نظير، ولا شريك)(2).

ثانيًا - الأنثروبولوجيا الثقافية (Cul Thru Anthropology).

لقد استعان الباحث - وکما مرت الإشارة إلى ذلك في المقدمة - بالحقل المعرفي الأنثروبولوجي أو كما يعرف ب (علم الإناسسة).

والأنثروبولوجيا: هي في الأصل كلمة يونانية مكونة من (anthropos) ومعناها الإنسان، ومن (logos) ومعناها: (علم). مكونة بذاك المصطلح، وهو (anthropology)، أي: علم الإنسان.

وقد عرّفها جملة من الباحثين، فكانت منها:

1- تعريف مارغريت ميد (1901 م – 1979 م) وقد خلصت في تعريفها عبر المجال الذي يسلكه الباحث وهو: (وصف الخصائص البيولوجية،

ص: 20


1- أوائل المقالات، للشيخ المفيد: ص 56، طبع سنة (1371 ه)
2- الاعتقادات للصدوق: ص 22 بتحقيق عصام عبد السيد، مطبعة مهر - قم، نشر المؤتمر العلمي للشيخ المفيد ط 1 سنة (1413 ه)

والثقافية للجنس البشري عبر الأزمان، وفي مختلف المناطق، وتحليل الصفات البيولوجية والثقافية والمحلية كأنساق مترابطة ومتغيرة، ووصف النظم الاجتماعية والتكنولوجية وتحليلها، والبحث في الإدراك العقلي للإنسان وابتکاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته)(1).

2- وقال عيسى الشماس في تعريف الأنثروبولوجيا بأنها: (العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم و أنساق اجتماعية في ظل ثقافة معينة، ويقوم بأعمال متعددة، ويسلك سلوکًا محدودًا وهو ايضًا العلم الذي يدرس الحياة البدائية والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبؤ بالمستقبل الإنسان معتمدًا على تطوره عبر التاريخ الإنساني الطويل، ولذا: يعتبر علم دراسة الإنسان علمًا متطورًا، يدرس سلوكه وأعماله)(2).

3- وعرّفه علي عبد الله الجباوي، ب (ذلك العلم الشمولي الذي يدرس الإنسان وأعماله، الذي تتمحور أبحاثة حول طبيعة الإنسان كمخلوق ينتمي إلى العالم الحيواني، وإنه الوحيد الصانع للثقافة، ومبدعها، والقادر على التفكير المجرد، والعيش ضمن جماعة، يرتبط أفرادها بروابط اجتماعية، وثقافية، وروحية غير ثابتة، لارتباطها بظروف متنوعة، ومتحركة، تحيط بهذه الجماعة أو تلك التي تختلف في الزمان والمكان، والتي تنعكس بدورها على تلك الروابط مما يجعلها تتباين شكلًا ومضمونًا)(3).

ص: 21


1- قصة الأنثروبولوجيا فصول في تاريخ علم الإنسان، حسین فهیم: ص 13؛ سلسلة عالم المعرفة، الكويت تسلسل (98)، (1986 م)
2- مدخل إلى علم الإنسان، لعيسى الشماس، ص 13 - 14
3- علم خصائص الشعوب، علي عبد الله الجباوي، ص 7

ومن هذه التعاريف وغيرها:

(يرى علماء الأنثروبولوجيا أن المهمة الأساسية لعلم الأنثروبولوجيا هي تمكيننا من فهم أنفسنا عن طريق فهم الثقافات الأخرى فعلم الأنثروبولوجيا أكثر وعيا بالوحدة الأساسية للإنسان، مما يسمح لنا أن نقدر ونفهم بعضنا البعض)(1).

ولذلك اهتم علماء الأنثروبولوجيا بهذه الثقافات لكونها أحد الطرق التي ترشدنا إلى معرفة الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك وإلى معرفة الروابط المشتركة بين هذه المجتمعات، لأن الغرض هو معرفة هذا الإنسان.

ومن هنا يقول عالم الاجتماع البريطاني ماكس فيبر: (إنه لفهم مجتمع ما يبغي أن نستعمل فهم الأهالي، ويسمى - ماكس فيبر - علم اجتماعه بعلم الاجتماع الفعلي، ويسمى المدروس الفاعل الاجتماعي.

ويقول:

إن الباحث قد لا يستطيع أن يتجرد، ولكن أهم وسائل تجرده و موضوعيته هو أنه يسعى إلى السؤال الملح والدائم:

لماذا يتصرف هؤلاء الناس بهذه الصورة؟.

فهم قد يتصرفون في ظاهرة واحدة، وربما بشروط واحدة، ولها معان ودلالات مختلفة)(2).

ص: 22


1- الإسلام والأنثروبولوجيا لأحمد با قدر: ص 85
2- المصدر نفسه: ص 35

فهم يتصرفون في ظاهرة واحدة، على الرغم من اختلاف قبائلهم؟، بمعنى لم يكن السبب في جمعهم القرابة وصلة الدم، كما لم يكن السبب دینیًّا، بمعنى لم یکن الطرفان من ملتين مختلفتين فكلهم على دين الإسلام ومن تجمعوا لقتله هو ابن بنت نبيهم (صلى الله عليه وآله)، فلماذا يتصرفون بهذه الصورة، (وربما بشروط واحدة)، وهو النزول على حكم یزید بن معاوية، أو الحرب، هذا السؤال يدفعنا إلى الرجوع إلى علم الأنثروبولوجيا لدراسة هذه الظاهرة التي اختص بها الإنسان الكوفي في يوم الطف.

ولقد تطور هذا الحقل المعرفي وبرزت فيه جملة من التخصصات التي أخذت تدرس سلوك الإنسان وأنماط تفكيره والمؤثرات في بناء ثقافته ومفاهيمه فكان من هذه التخصصات: الأنثروبولوجيا الثقافية وتفرعاتها. (Anthroplgy Cultur)

وتعرف الأنثروبولوجيا الثقافية، بأنها: (ذلك العلم الذي يهتم بدراسة الثقافة الإنسانية، ويعني بدراسة أساليب حياة الإنسان، وسلوكاته النابعة من ثقافته، وهي تدرس الشعوب القديمة، كما تدرس الشعوب المعاصرة)(1).

وقد أخضعت هذه الدراسة إلى معطيات هذا العلم ومر کوزه الذي اهتم به العلماء وهو التثاقف والمثاقفة لدراسة المتغيرات في ثقافة المجتمع المسلم في النصف الأول من القرن الهجري، وذلك لفهم هذه السلوكيات التي ظهرت لدى الصحابة والتابعين لتصل إلى ذروتها في مأساة الإسلام في كربلاء.

ص: 23


1- مقدمة في الأنثروبولوجيا العامة، رالف . ل . هو يجر بيلز: ص 21

وتعد الأنثروبولوجيا الثقافية من أهم فروع هذا الحقل المعرفي؛ أي: الأنثروبولوجيا، واكثرها تفرعًا وتوسعًا في دراسة الإنسان، ولذا فقد نشأ منها بعض الاختصاصات والفروع الأخرى، وهي:

أ- الأنثروبولوجيا اللغوية (علم اللغة).

ويهتم هذا العلم باللغة وأصولها ونشأتها وتطورها بين الشعوب وتعددها والعلاقات الناشئة بينها وأثرها في نقل الثقافة وتحديد هوية الإنسان الثقافية والاجتماعية وغير ذلك.

ب- الأركيولوجيا (علم الآثار القديم).

ويهتم هذا التخصص بدراسة الثقافات البائدة التي لم يتناولها المؤرخون بالكتابة ولذلك فقد اهتم الأكيولوجون ببقايا المخلفات التي تركها الإنسان القديم ودراستها بغية الوصول إلى معرفة ثقافة الإنسان القديم.

ج- الأنثولوجيا (علم الثقافات المقارن).

ويعرف اختصارًا بعلم الخصائص الثقافية للشعوب وذلك لاهتمامه بالخصائص الثقافية للشعوب وانجازاتها الثقافية وتأثر هذه الثقافات ببعضها والعلامة بينها بفعل التواصل بينها.

د- الأنثروبولوجيا العقدية.

وهو حقل جديد أصّلت له هذه الدراسة عبر دراسة التثاقف من الداخل وآثار ذلك على ثقافة الإنسان وسلوكياته ضمن نطاق الفردانية والجماعية كما مر بيانه في المقدمة.

ص: 24

ثالثًا - النظرية البنائية الوظيفية (The structure Function).

إن من مقتضيات دراسة المجتمع والتحولات الفكرية فيه هو الرجوع إلى النظريات المعاصرة في علم الاجتماع، ومنها النظرية البنائية الوظيفية، كما تسمى أيضًا ب (نظرية الأنساق العامة) وغيرها من الأسماء.

ولقد حظيت هذه النظرية بمجال واسع من الاهتمام لدى المهتمين بدراسة المجتمع إذ (تعد البنائية الوظيفية من النظريات السويسولوجية التي شغلت حيزًا كبيرًا في أدبيات علماء الاجتماع خاصة في بداية القرن العشرين، واحتلت مكانة مرموقة بين نظرياته؛ ونشير في هذا السياق إلى أن هذه النظرية لم تأت نتيجة جهد عالم بعينه، بل تضافرت جهود العديد منهم في مجالي علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية في أرساء دعائم هذا التيار)(1).

وفي ظهور هذه النظرية من حيث الزمان فقد ظهرت في (أعقاب كل من البنوية الإجتماعية على ايدي كلًا من (کلاوس ليفي ستراوس) و (كلودن ویزبر) عندما نشر العالمان كتابي (أبنية القرابة) والطوطمية) على التوالي.

والوظيفة على ايدي كلًا من ماكس فيبر، و أميل دوركايم، و ولیم کراهام سنمر، في مؤلفاتهم المنشورة (الدين والاقتصاد) و (تقسيم العمل في المجتمع) و (طرق الشعوب) علما بأن ظهورها كان كرد فعل للتراجع والضعف والاخفاق الذي منيت به كل من البنوية والوظيفية، لكون كل منهما أحادية الجانب.

ص: 25


1- البنائية الوظيفية أو دارسة الواقع أو المكانة؛ للأستاذ حمیدشة نبيل؛ مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، جامعة أوت سکیکدة؛ العدد (5)

ذلك أن البنوية تفسر المجتمع والظاهرة الاجتماعية وفقًا للاجزاء والمكونات والعوامل المفردة التي يتكون منها البناء الاجتماعي بعيدًا عن هذه الأجزاء والنتائج المتمخضة عن وجودها.

في حين أن الوظيفة تفسر الظاهرة الإجتماعية تفسيرًا يأخذ بعين الاعتبار نتائج وجودها وفعالياتها بعيدًا عن بنائها والأجزاء التي تتكون منها.

لهذا ظهرت النظرية النبوية الوظيفية لتنظر إلى الظاهرة أو الحادثة الاجتماعية على انها وليدة الأجزاء أو الكيانات البنوية التي تظهر في وسطها وان لظهورها وظيفة اجتماعية لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بوظائف الظواهر الأخرى المشتقة من الأجزاء الأخرى للبناء الاجتماعي)(1).

ويرى الوظيفيون أو رواد النظرية الوظيفية لاسيما (روبرت ميرتون) (سنة 1957م) أن الإطار العام للنظرية البنائية الوظيفية يكمن في جملة من (الافتراضات والتي يمكن حصرها فيما يلي:

1- النظر إلى المجتمع على أنه نظام يتكون من عناصر مترابطة، وتنظيم نشاط هذه العناصر بشكل متكامل.

2- يتجه هذا المجتمع في حركته نحو التوازن، ومجموع عناصره تضمن استمرار ذلك، بحيث أنه عندما يحدث أي خلل في هذا التوازن فإن القوى الاجتماعية سوف تنشط لإستعادة هذا التوازن.

ص: 26


1- النظرية البنائية الوظيفية، ظهورها، روادها مبادئها، وتطبيقاتها العالمية، جامعة ابن طفيل - القنيطرة، بتاریخ 26 مایو 2015 م

3- كل عناصر النظام والانشطة المتكررة فيه تقوم بدورها في المحافظة على استقرار النظام.

4- الأنشطة المتكررة في المجتمع تعتبر ضرورة لاستمرار وجوده، وهذا الاستمرار مرهون بالوظائف التي يحددها المجتمع للأنشطة المتكررة تلبية الحاجته)(1).

ولقد سعى رواد هذه النظرية إلى وضع جملة من المبادئ الأساسية المتكاملة التي (كل مبدأ فيها يكمل المبدأ الآخر، منها:

1- يتكون المجتمع او المجتمع المحلي او المؤسسة او الجماعة مهما یکن غرضها وحجمها من اجزاء ووحدات مختلفة بعضها عن بعض وعلى الرغم من اختلافها الا انها مترابطة ومتساندة ومتجاوبة واحدتها مع الاخرى.

2- المجتمع او الجماعة او المؤسسة يمكن تحليلها تحليلا بنيويا وظيفيا الى اجزاء و عناصر اولية أي ان المؤسسة تتكون من اجزاء او عناصر لكل منها وظائفها الاساسية.

3- ان الاجزاء التي تحلل اليها المؤسسة او المجتمع او الظاهرة الاجتماعية انما هي اجزاء متكاملة فكل جزء يكمل الجزء الاخر وان أي تغيير يطرأ على احد الاجزاء لابد ان ينعكس على بقية الاجزاء وبالتالي يحدث مایسمی بعملية التغير الاجتماعي.

ص: 27


1- نظريات الاعلام واتجاهات التأثير، تأليف: محمد بن عبد الحميد، ص 131 ط 2، عالم الكتب، القاهرة، 2000 م

من هنا: تفسر النظرية البنيوية الوظيفية التغير الاجتماعي بتغير جزئي يطرأ على احد الوحدات او العناصر التركيبية وهذا التغير سرعان ما يؤثر في بقية الاجزاء)(1).

وعرفت النظرية البنائية الوظيفية بتعريفات عديدة منها:

(اتجاه فكري في علم الاجتماع يتألف من عنصرين أساسين ومترابطين و يتمثلان في نموذج تصوري للمجتمع، وإطار منهجي لتحليل هذا المجتمع.

ويعد مفهوم النسق هو الأساس الفكرية للوظيفية، ولقد دخل هذا المفهوم إلى علم الاجتماع من مصدرين، هما الكلاسيكي ويتمثل في الآراء الوظيفية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والمصدر المعاصر في نظرية الأنساق)(2).

ولقد ساهم كلًا من (رادکیلف بروان) و (أميل دوركايم) و (تالکوت بارسونز) بالبناء المفهومي للنظرية البنائية الوظيفية.

وذلك أن ((رادکیلف بروان)) يرى أن المجتمع كلٌ متكاملٌ يسعى إلى الحفاظ على استمراريته، وأكد على الوحدة الوظيفية لكل نسق اجتماعي، وعلى تنظيمها مع بعضها لتسهم في تحقيق هدف معين، وأعتبر بشكل متميز كلا من مفهومي الوظيفية والبنائية أداتي تحليل ضرورتين لفهم كل عنصر اجتماعي أو ثقافي)(3).

ص: 28


1- النظريو البنائية الوظيفية، ظهورها، روادها؛ جامعة ابن الطفيل، القنيطرة؛ بتاريخ 26 مایو، 2015 م
2- النظرية الوظيفية ومفهوم النسق الاجتماعي، جامعة ابن الطفيل، علم الاجتماع، مقال نشر بتاريخ 26 / مايو / 2015 م
3- الاتصال ونظرياته المعاصرة، حسن عماد، ليلى حسين السيد، ص 124، ط الدار المصرية اللبنانية، القاهرة لسنة 2006 م

في حين كان التأثير المتميز في نضوج هذه النظرية في الدراسات الاجتماعية يعود إلى ((أميل دوركايم)) وذلك لكونه (أول من استعمل النظرية الوظيفية بشكل منظم في تفسيره لجوانب اجتماعية متعددة عبر سؤاله عن الأدوار الوظيفية التي قامت بها هذه الحقائق الاجتماعية في المحافظة على النظام الاجتماعي كنظام كلي، فقد وجد أن الذي يمتلك وظيفة إرساء مجموعة من القيم الشائعة التي تعزز الوحدة والتماسك لدى من يؤمنون بتلك المعتقدات هو من يبني المجتمع، والمدارس كذلك لها وظيفة نقل الثقافة من جيل إلى جیل)(1).

في حين يعود تحليل المجتمع ودراسته عبر النسق في النظرية البنائية الوظيفية للعالم الأمريكي ((بارسونز)) فهو يرى أن (المجتمع بمثابة نسق أو نظام أو بناء يشمل مجموعة من العلاقات الثابتة نسبيًّا بين الأفراد).

ولقد اهتم (بارسونز) بشكل كبير بالفعل الاجتماعي بكونه الوحدة الأساسية للحياة الاجتماعية (فما من صلة تقوم بين الأفراد والجماعات، إلا وهي مبنية على الفعل الاجتماعي، وما أوجه التفاعل الاجتماعي إلا أشكال للفعل التي تتباين في اتجاهاتها وأنواعها ومساراتها، ولهذا يعد الفعل عنده الوحدة التي يستطيع الباحث من خلالها رصد الظواهر الاجتماعية وتفسير المشكلات التي يعاني منها الأفراد، وتعاني منها المؤسسات على اختلاف مستويات تطورها)(2).

ص: 29


1- نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها، نیوكولا تيماشيف؛ ترجمة: محمود عودة وأخرون، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية لسنة 1999 م: ص 405
2- علم الاجتماع السوسيولوجي؛ مدونة علم الإجتماع المغربي

وتشهد الدراسة التي بين ايدينا مجموعة من الأفعال الاجتماعية التي سبقت استشهاد الإمام الحسين (عليه الصلاة السلام) وبهذه الطريقة المأساوية والمفجعة أو التي أعقبت الاستشهاد وما ظهر من التأثير في الأفعال الاجتماعية سواء على مستوى الفردانية او الجماعية في المدن الإسلامية وهي (الكوفة والشام وما كان بينهما من قرى ومحطات - کما سیمر بیانه -.

ولذا: شكّل الفعل الاجتماعي لدى بارسونز وتطويره للنظرية البنائية الوظيفية عاملًا أساس في دراسة المجتمعات وتكوينها وذلك أن الفعل الاجتماعي هو (سلوك إرادي لدى الإنسان لتحقيق هدف محدد، وغاية بعينها، وهو يتكون من بنية تضم الفاعل بما يحمله من خصائص وسمات تميزه من غيره من الأشخاص.

وموقف يحيط بالفاعل ويتبادل معه التأثير؛ وموجهات قيمية وأخلاقية تجعل الفاعل يميل إلى ممارسة هذا الفعل أو ذاك، والإقدام على ممارسة هذا السلوك أو غيره)(1).

وهذا ما سعى الباحث اليه في هذه الدراسة، أي دراسة سلوك الإنسان وما الذي جعله يميل الى ممارسة هذا الفعل أو ذاك، والإقدام على ممارسة هذا السلوك أو غيره.

ودراسة أنماط استجابته ضمن النسق الاجتماعي والنسق الثقافي والنسق الشخصي.

ص: 30


1- المصدر نفسه

وسيمر في مباحث الدراسة المزيد من البيان حول هذه النظرية واثرها في دراسة المجتمع الإسلامي وبيان الاثار التي ادت إلى تغيير فكر التوحيد وخلق عقيدة مخالفة للمنظومة الفكرية التي جاء بها القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله).

ص: 31

ص: 32

الفصل الأول اغتیال التوحید في أمة التوحید «مقدمات ونتائجه»

ص: 33

ص: 34

توطئة

منذ أن كلف الله عز وجل نبيه آدم (عليه السلام) بالبلاغ عن التوحيد في الأرض كان الصراع حول التوحيد بين ابني آدم (عليه السلام) وما زال هذا الصراع يجري مجرى الليل والنهار وتعاقبهما على بقاع الأرض، وهما أي الليل والنهار يشهدان هذا الصراع بين ذرية آدم (عليه السلام) إلا أن الأمر الغريب في تاريخ الصراع حول التوحيد منذ نشوئه وإلى يومنا هذا هو وقوعه في خير أمة أخرجت للناس والمسمات بأمة التوحيد والمصطفات من بين الأمم التي سار فيها أهل التوحيد للتوحيد.

والغريب أيضا أن محاربة التوحيد في أمة التوحيد لم تشهدها أمة من الأمم السابقة؛ فقد قتل آل التوحيد باسم التوحيد، وسفكت دماؤهم، ونهبت أموالهم، منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ بل لم يزل شعار التوحيد أداة للقتل والسلب والاغتصاب منذ حادثة قتل مالك بن النويرة بسيف خالد بن الوليد، وسلب ماله واغتصاب زوجته، فضلًا عن التمثيل به وكأنه ليس بمسلم شهد النبي (صلى الله عليه وآله) وآمن به وصحبه.

فيجري عليه ما جرى باسم التوحيد و تحت رايته.

ص: 35

وعليه:

هل نبه القرآن الكريم والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى خطورة توظيف شعار التوحيد لاغتيال التوحيد؛ وهل حدَّدا أدوات الاغتيال وشخَّصا رجالاته؟

هذا ما سنتناوله في مباحث هذا الفصل.

ص: 36

المبحث الأول مشخصات أدوات اغتیال التوحید في المعطی القرآني والنبوي

ص: 37

ص: 38

المسألة الأولى: المعطيات القرآنية في تشخيص أدوات الاغتيال ونشأتها.

يتناول القرآن الكريم بيان الأدوات التي عملت على ضرب الأسس التي جاء بها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهمها التوحيد وتحديدها ضمن حركة النبوة في مكة والمدنية وما بعد وفاة رسول الله رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقد بينت جملة من الآيات المباركة كيفية المواجهة وحجمها بين التوحيد ومناوئيه منذ أن كلف الله عز وجل رسوله المصطفی (صلى الله عليه وآله) بالتبليغ مما استلزم دراسة حركة التبليغ منذ إطلاقها للوصول إلى نتيجة الدراسة، فكانت كالآتي:

أولًا- تشخیص خصوم التوحيد في الفترة المكية.

ترشد المعطيات القرآنية إلى تشخيص خصوم التوحید ورموز المعارضة وقادة الحرب على التوحيد منذ اللحظات الأولى لانطلاق التبليغ النبوي للتوحيد، وذلك ضمن فترات زمنية محددة من عمر الرسالة المحمدية في مكة المكرمة، التي تظهر حملة التوحيد والمدافعين عنه وتظهر أيضًا خصوم التوحيد ومناوئيه وقادة الحرب عليه؛ وهذه الآيات كالآتي:

ص: 39

1- آية الإنذار وتحديد رموز التوحيد ومناوئيه.

قال عز وجل:

«وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1).

تكشف الآية المباركة وعبر النص التاريخي في بيان كيفية قيام النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) بالامتثال لهذا الأمر الإلهي بالإنذار لعشيرته و الاقربين عن تحديد رموز التوحيد ومناوئيه الذين أسسوا لصناعة الحرب على التوحيد لتتجلى بأوضح صورها في أرض کربلاء.

وقد تناولت المصادر التاريخية والحديثية والتفسيرية مجريات الإنذار النبوي لبني عبد المطلب على النحو الآتي:

قال اليعقوبي (ت 284 ه) ومحمد بن سليمان الكوفي (ت 300 ه) والطحاوي (ت 310 ه) والطبري (ت 310 ه) وفرات الكوفي (ت 352 ه) وابن مردویه (ت 410 ه) وغيرهم، وقد تفاوتت روايتهم في الاختصار والاسهاب لنقل مجريات الحدث فأوردنا ما رواه الحافظ ابن مردويه بسنده، عن علي (عليه الصلاة والسلام) قال:

«لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ».

دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:

يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعًا،

ص: 40


1- سورة الشعراء، الآية: 214

وعرفتُ أني مهما أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت عليها حتّى جاءني جبريل فقال: يا محمّد، إنّك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربّك، فاصنع لي صاعًا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عُسًّا من لبن، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلب حتى أُكلّمهم وأُبلغ ما أُمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلًا يزيدون رجلًا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الّذي صنعته لهم فجئت به، فلمّا وضعته تناول النبيّ (صلى الله عليه وآله) جَشبَ حزبة من اللّحم فشقّها بأسنانه ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة، ثمّ قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتّى نهلوا عنه، مانرى إلاّ آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثلَ ما قدمتُ لجميعهم! ثمّ قال: اسق القوم يا عليّ، فجئتهم بذلك العُسِّ، فشربوا منه حتّی رووا جميعاً! وأيمُ الله، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله! فلمّا أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يكلّمهم بَدَره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلّمهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا كان الغد قال: يا عليّ، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلّمهم، فَعُدَّ لنا مثل الّذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثمّ اجمعهم لي، ففعلتُ ثم جمعتهم، ثمّ دعاني بالطعام فقربته، ففعل به كما فعل بالأمسِ، فأكلوا وشربوا حتّى نهلوا، ثمّ تكلّم النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطلب، إنّي واللهِ ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به! إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة! وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم رُعلى أمري هذا؟، فقلتُ

ص: 41

- وأنا أحدَثُهم سنًّا، وأرمَصُهم عينًا، وأعظمهم بطنًا، وأحمشهم ساقًا -: أنا يانبي الله أكون وزیرك عليه! فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ»(1).

و تُرِشد الحادثة إلى جملة أمور، منها:

أ- إنها حددت ومنذ اللحظات الأولى من عمر الرسالة رموز التوحيد وحملته والدعاة إليه وذلك عبر تعيين النبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن عرض الأمر على عشيرته الأقربين لنصرتِه ومؤازرتِه في التبليغ والدعوة إلى التوحيد فكانت النتيجة تحديد رمز التوحيد الثاني بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو: الإمام علي (عليه السلام).

ب- إن هذه الدعوة لم تكن مرغوبًا فيها لدى الخواص وهم (الأقربين) للنبي (صلى الله عليه وآله) على الرغم من أنها قُدمت إليهم بأيسر الطرق واتقنها سلامةً و تحببًا؛ وذلك من حيث دعوتهم إلى مأدبة الإطعام والشراب فتم مواجهتها بتلك الطريقة من الحرب النفسية في السخرية والاستهزاء فكيف سيكون حال هؤلاء الأقربين حينما يتم الانتقال إلى المواجهة الفكرية والبلاغ في الأسواق وبين الناس ودعوتهم عامة إلى التوحيد.

ص: 42


1- مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه: ص 289 - 291 برقم 457، ورواه أيضًا: اليعقوبي: ج 2 ص 27، تاريخ الطبري: ج 2 ص 63-64، مناقب الإمام علي عليه السلام لسليمان الكوفي: ج 1 ص 372، شرح معاني الآثار للطحاوي: ج 4 ص 387 تفسیر فرات: ص 300، تفسير البغوي: ج 3 ص 400، تفسیر ابن کثیر: ج 3 ص 363، تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 5 ص 97

وهو ما سنتناوله في كاشفية هذه الحرب في الآية الآتية:

2- آية الصدع وتحديد رموز التوحيد.

قال تعالى:

«فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ»(1).

ترشد الآية المباركة إلى مرحلة جديدة من المواجهة بين الدعوة إلى التوحید ورموزهِ وبين مناوئيهِ وأعدائهِ في الفترة المكية، وإن هذه الحرب بين هذه الرموز الموحدة لله وأعدائهم انتقلت إلى المدينة وما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأشد مما كانت عليه في مكة.

وذلك أن المواجهة في مكة كانت بين فئتين متباينتين في المبدأ والعقيدة والظهور ومن ثم فالعدو مشخص وأطراف الحرب واضحة؛ لكنها في المدينة وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت - الحرب - مستترة والعدو متغلل بين أهل التوحيد ويقاتل بشعار التوحيد أهل التوحيد.

وعليه:

لم تكن مقتضيات آية الصدع آنية ومحصورة في فترة زمنية من عمر الرسالة المحمدية والدعوة للتوحيد وإنما كانت منهجًا ملزمًا لرموز التوحيد وإن اختلفت العناوين في الآية من الصدع بالتوحيد والإعراض عن المشركين في مكة إلى الإعراض عن المنافقين والأعراب وغيرهم في المدنية وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا سيما وإن النصوص الشريفة في بيان

ص: 43


1- سورة الحجر، الآية: 94

مقتضيات منهج الصدع الذي جاءت به الآية المباركة واضحة الدلالة في الصبر على أذى اعداء التوحيد وجهادهم، ومن هذه النصوص الكاشفة عن هذا المنهج:

1- ما رواه الشيخ الكليني عن الإمام الجواد عن آبائه عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال:

«أبى الله أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للإيمان به کما قضی علی رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلا بأمره فكم من اكتتام قد اكتم به حتى قيل له:

«فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ»

وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا ولكنه إنما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كف»(1).

2- روی الصّفار عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال:

«نحن قوام الله على خلقه و خزانه على دينه، نخزنه ونستره ونکتم به من عدونا، کما کتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى أذن له في الهجرة وجهاد المشركين، فنحن على منهاج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتی يأذن الله لنا في إظهار دينه بالسيف، وندعو الناس إليه فنضربهم عليه عودًا کما ضربهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدءًا)(2).

ص: 44


1- الكافي: ج 1 ص 243
2- بصائر الدرجات للصفار: ص 538؛ البحار: ج 2 ص 118

والحديث الشريف يشخص جهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهده ومناهجه في التبليغ للتوحيد ويشخص رموز التوحيد وأهله من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم قوام الله على خلقه وخزانه على دينه يصدعون بأمره عز وجل ويدعون إلى سبيله.

وعليه:

لم تهدأ حرب التوحيد في أمة التوحيد منذ أن بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يتوانَ أعداء التوحيد في محاولاتهم المستمرة والدؤوبة لاغتيال التوحيد؛ إلا أن الفارق بين الفترة المكية والمدنية هي استتار هذه الأدوات بالإسلام مما تطلب بيانًا جديدًا يظهره الوحي في كتاب الله تعالى لتعريف النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) والأمة بهم؛ وهو ما سنتناوله في ثانيا.

ثانيًا - تشخيص أدوات اغتيال التوحيد في الفترة المدنية.

يعرض القرآن الكريم في جملة من الآيات المباركة أدوات اغتيال التوحيد في الفترة المدينة ويحددهما في فئتين اجتماعيتين بعد أن كانت في الفترة السابقة، أي المكية فئة واحدة وهم المشركون مما يدل على خطورة هذه المرحلة والفترة الزمنية من عمر الرسالة المحمدية؛ فضلًا عن اتساع دائرة الصراع والمواجهة مع خصوم التوحيد وأعدائه؛ وهاتان الفئتان هما المنافقون والأعراب وهما أعداء التوحيد الداخليون الذين يشكلون الخطر الأكبر والتحدي الأعظم - کما سیمر عبر البحث -.

ص: 45

أما أعداء التوحيد الخارجيون فهم المشركون الذين لم يزالوا يتصيدون الفرص للانقضاض على التوحيد، والفتك به إلا أنهم مع خطورتهم لكنهم لم يشكلوا الخطر الأعظم على التوحيد وهو أمرٌ مسالم عليه في قيام الأمم والحضارات وعوامل خرابها واندثارها، فلقد كان العدو الداخلي هو العامل الأهم في خراب الأمم.

وعليه:

فقد بينَّ القرآن هذه الأخطار والأعداء لرسوله (صلى الله عليه وآله) كالآتي:

ألف - المنافقون.

لا يختلف اثنان من الباحثين حول الخطر الذي يمثله المنافقون في المجتمع الإسلامي، لكن الخلاف في تشخيص هؤلاء المنافقين وفي الضوابط التي تحدد اتصاف المسلم بالنفاق؛ فهذه الأمور وغيرها موضع اختلاف بين الباحثين والقرّاء، ولعل بعضهم يستند إلى تقييم هذه المشكلة عبر بیان القرآن في تعذر تشخيصهم بنسبة ما.

وذلك في قوله عز وجل:

«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ»(1).

ص: 46


1- سورة محمد، الآيتان: 29-30

وقوله عز وجل:

«وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(1).

ونلاحظ في وصفهم الذي جاءت به الآيات المباركة، وهو قوله عز وجل:

«فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ».

وقوله: «خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ»(2).

فهذه الصفات قد انيطت بمعرفة النبي (صلى الله عليه وآله) وحده.

أما سائر المؤمنين وغيرهم من الناس فكانت معرفتهم بالمنافقين وتشخيصهم سترتبط بحب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام) وذلك لما ورد في السنة النبوية بأسانيد صحيحة بلغت حد التواتر، وهو قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طلب (عليه الصلاة والسلام):

«لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»(3).

ص: 47


1- سورة المنافقون، الآية 3
2- سورة المنافقون، الآية 3
3- صحیح مسلم: ج 1 ص 61 بلفظ: ((لا يحبني إلا مؤمن ...))؛ سنن الترمذي: ج 5 ص 306

وعليه:

فقد شكل حب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وبغضه هو الحد الفاصل في معرفة حال المسلمين في الإيمان والنفاق وبهذه الصفة أي بحب علي (عليه السلام) و بغضه كان المسلمون يتعرفون على المنافقين في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعرفة خطرهم وحربهم للتوحید ورموزه في الفترة المدنية وما بعدها ولم تزل إلى يومنا هذا.

أما دورهم في تفريق المؤمنين وبث الفتنة في المجتمع فضلًا عن شقاقهم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله). فقد أظهره القرآن في كثير من الآيات.

قال عز وجل في سورة التوبة وهو يظهر جملة من الآثار السيئة والخطيرة التي يحدثها المنافقون:

1- «لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ»(1).

2- «لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ»(2).

3- «وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ»(3).

ص: 48


1- التوبة: 47
2- التوبة: 48
3- التوبة: 54

4- «وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ»(1).

5- «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(2).

6- «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ»(3).

7- «الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(4).

8- «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ»(5).

9- «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(6).

10- «اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(7).

ص: 49


1- التوبة: 56
2- التوبة: 61
3- التوبة: 65
4- التوبة: 67
5- التوبة: 74
6- التوبة: 107
7- المنافقون: 2

وعليه:

فقد أوضح القرآن الكريم أهم الأدوات التي عملت وما زالت تعمل على ضرب التوحيد واغتيال رموزه ونقض أسسه التي جاءت بها الرسالة المحمدية.

باء - الأعراب.

أما الفئة الثانية التي عملت جنبًا إلى جنب مع المنافقين في ضرب أسس التوحيد واغتياله وتصفية رموزه فهم: الأعراب؛ وقد انتهج القرآن معهم نهج البيان مثلما انتهج مع المنافقين فقد بیَّن للنبي (صلى الله عليه وآله) والمفكرين والباحثين أثرهم الهدام في العقيدة والفكر والمجتمع، فكانت الآيات المظهرة لهذه الفئة قد وردت في مواضع عدّة من القرآن الكريم.

وقبل الخوض في إيراد هذه الآيات لا بد من التعريف بهذه الفئة.

1- من هم الأعراب؟

قال الفيروز آبادي (ت 817 ه):

(العرب، بالضم وبالتحرك: خلاف العجم، مؤنث وهم سكان الأمصار أو عام؛ والاعراب منهم: سكان البادية، لا واحد له، ويجمع أعاريب)(1).

2- صفتهم في القرآن.

يعرض القرآن الكريم صفتهم في جملة من الآيات التي تحدد أن خطورتهم تكمن في أمرين أساسين:

ص: 50


1- القاموس المحيط: ج 1 ص 102

الأمر الأول: أنهم جفاة محدودي التأقلم مع الحياة المدنية يغلب على اکثرهم العزوف عن التعلم.

الأمر الثاني: قلبوهم مريضة يغلبها النفاق فكانوا الأشد كفرًا؛ وهذان الأمران المرتكزان على صفتين خلقيتين وهما (الجهل والنفاق) کونت منهم أداة هدامة في دخولهم المجتمعات، فكيف إذا تم توظيفهم من قبل السلطة لغرض ضرب التوحید و حملته؛ وهو ما سيمر بيانه في المباحث القادمة من الدراسة.

وعليه:

فقد نبّه القرآن الكريم إلى خطرهم وضررهم على الاسلام والمسلمين حيثما حلوا سواء كانوا في البادية أو في المدينة مع حفظ الفوارق في نسبة التأثير في المجتمع الاسلامي عما يكونوا عليه في البادية.

قال عز وجل:

1- «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ»(1).

2- «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(2).

3- «وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(3).

ص: 51


1- الحجرات: 14
2- التوبة: 97
3- التوبة: 98

4- «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ»(1).

5- «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»(2).

وتظهر بعض الآيات المباركة التنسيق المشترك بين الأعراب المنافقين الذين يسكنون في البادية مع المنافقين من سكنة المدنية في محاربة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ضمن محاور ثلاثة، وهي كالآتي:

1- ففي اشتراكهم في الصفة الفكرية والعقدية، وهي صفة النفاق قال عز وجل:

«وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ»(3).

2- وفي صفة العداء والتربص بالنبي (صلى الله عليه و آله) والمسلمين وإرادة السوء وإيقاع الضرر بالإسلام، قال الله عز وجل في دور الأعراب في ذلك:

«وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(4).

ص: 52


1- التوبة: 101
2- الفتح: 11
3- التوبة: 11
4- التوبة: 98

وقوله تعالى في المنافقين من سكنة المدينة ودورهم في التربض والعداء:

«لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ»(1).

3- وفي بث الفساد وضرب القيم الأخلاقية في المجتمع.

قال عز وجل:

«الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ»(2).

«وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ»(3).

ولقد كانت هاتان الفئتان تتعاظمان خطرًا كلما انتشر الإسلام واتسعت رقعته کما في عام الفتح ودخولهم الإسلام ليحفظوا دماءهم؛ حتى إذا اختار الله لرسوله (صلى الله عليه وآله) دار مقامه وجواره في الدار الآخرة انقض هؤلاء على التوحيد يضربونه بكل ما أوتوا من قوة وتحزبوا على أهله وحملته.

وهو أمر لم يكن القرآن غافلًا عنه، بل نبه إليه وحذر منه کما سیمر بیانه في ثالثًا.

ص: 53


1- التوبة: 48
2- التوبة: 67
3- التوبة: 107

ثالثًا - تشخيص أدوات اغتيال التوحيد في المعطى القرآني فيما بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله).

لم يترك القرآن الكريم بيان مجريات الأحداث والتحذير من الفتن وأهلها فمثلما بین حال أعداء التوحيد وأهله في الفترة المكية والمدنية نجده يظهر حقيقة الأحداث وحال الأمة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما يؤول إليه حال التوحيد وبأهله على أيدي أعدائهم.

فكان التشخيص لهذه الأدوات في آية الرؤيا التي رآها النبي (صلى الله عليه وآله) والشجرة الملعونة في القرآن قال الله عز وجل:

«وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(1).

والآية المباركة تظهر ثلاث حقائق مرتبطة بالتوحيد وحملته وأعدائه وهي:

1- حقيقة حال النبي (صلى الله عليه وآله) وما كشف الله له عبر الرؤيا التي رآها.

2- حقيقة حال الأمة وأنها ستفتن من بعده.

3- حقيقة الشجرة الملعونة في الرؤيا التي رآها النبي (صلى الله عليه وآله).

1- الحقيقة الأولى: ما كشفه الله لرسوله (صلى الله عليه وآله) وبيان حاله بعد أن رأى هذه الرؤيا.

ص: 54


1- الإسراء: 60

إن مما كان يلازم الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) أن الله تعالى يبين لهم حال أمهم ونتيجة أمرها ومنتهی عاقبتها؛ وأنهم شهدوا حال أممهم ومصيرهم في حياتهم كحال نوح (عليه السلام) فقد شهد في حياته هلاك أمته بالطوفان، وكحال لوط (عليه السلام) فقد شهد هلاك أمته بالخسف، وكحال صالح (عليه السلام) فقد شهد هلاك أمته بالرجفة وهكذا بقية الأنبياء (عليهم السلام) وأممهم بل: إن المتتبع للآيات القرآنية ليجد أن جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) قد أشهدهم الله تعالى هلاك أممهم في حياتهم وكيف كانت عاقبة هذه الأمة ابتداءً من نبي الله نوح (عليه السلام) وانتهاءً بنبي الله شعیب (عليه السلام) أما حال موسى وعيسى فقد شهدوا هلاك أممهم بالضلال والكفر والارتداد في حياتهم أيضًا؛ فکان قوم موسى قد أضلهم السامري وكفروا بعد إيمانهم؛ وأما عیسى (عليه السلام) فقد شهد کفر أمته وعاقبتهم فأنجاه الله منهم ورفعه إليه وتركهم في ضلالهم يهلكون.

قال تعالى: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(1).

وقال سبحانه: «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(2).

ص: 55


1- آل عمران: 52
2- آل عمران: 52

أما حبیب الرحمن أبو القاسم محمد (صلى الله عليه وآله) فحاله في هذا البيان حال جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) فقد كشف الله تعالى حال أمته وما تؤول إليه أمورهم وذلك عبر هذه الرؤيا.

ولذلك:

نجد الآية المباركة تبدأ الخطاب مع النبي (صلى الله عليه وآله) بمقدمة تمهيدية لما قبل وقوع الرؤيا وتعريف النبي (صلى الله عليه وآله) بحال الأمة من بعده، فقال عز وجل له (صلى الله عليه وآله):

«وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ».

فهذه الإحاطة الإلهية بالناس تغني النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن كثير من الأسئلة التي تخطر على قلبه لمعرفة الأسباب والنتائج التي تصل إليها دعوته في أمة التوحيد وما سيجري على حملة التوحید ورموزه؛ ولذا: اتبع الله عز وجل هذه المقدمة في الآية المباركة بقوله:

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ».

أي: كشفنا لك حال أمتك كما كشفنا للأنبياء من قبلك حال أمهم وعاقبتها.

وعليه: فقد كان حاله (صلى الله عليه وآله) بعد هذا البيان لحال أمته مهمومًا (وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات)(1).

ص: 56


1- تفسير ابن حیان: ج 6 ص 52؛ الكشف والبيان للثعلبي : ج 6 ص 111

2- الحقيقة الثانية: بیان حال الأمة من بعده (صلى الله عليه وآله).

مثلما كانت الأمم السابقة قد هلكت لعدائها للتوحيد وأهله فكذاك حال هذه الأمة إلا أن الفارق هنا أن الانقلاب في الأمة سيكون بعد وفاته وعلى أيدي أصحاب الشجرة الملعونة. وإنها ستفتن بهذه الزمرة وسيغتالون التوحيد بشعار التوحيد ويقتلون أهل التوحيد وحملته.

فلا: (يبقى من الإسلام إلّا اسمه ومن القرآن إلّا رسمه))(1).

3- الحقيقة الثالثة: الرؤيا التي رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

أما حقيقة الرؤيا التي تحدثت عنها الآية المباركة فقد ذكر المفسرون كالثعالبي (ت 427 ه)(2)، وابن عطية الأندلسي (ت 546 ه)(3)، والفخر الرازي (ت 606 ه)(4)، والقرطبي (ت 671 ه)(5)، وغيرهم حقيقة ما رآه (صلى الله عليه وآله) أنه رأى (بني أمية بنزون على منبره نزو القردة فاهتم لذلك وما استجمع ضاحکًا من يومئذ حتى مات؛ فنزلت الآية محبرة أن ذلك ملكهم وصعودهم المنابر إنما يجعلها الله فتته للناس)(6)؛ (ورأي ولد الحكم يتداولون منبره کما يتداول الصبيان الكرة)(7).

ص: 57


1- کمال الدين للصدوق: ص 66؛ شعب الإيمان للبيهقي: ج 2 ص 312؛ تاریخ ابن عساکر: ج 2 ص 382: میزان الاعتدال: ج 2 ص 417
2- الكشف والبيان: ج 6 ص 111
3- المحرر الوجيز: ج 3 ص 468
4- تفسير الرازي: ج 20 ص 236
5- الجامع لأحكام القرآن: ج 10 ص 283
6- تفسير ابن حيان: ج 6 ص 52
7- المصدر نفسه: ج 6 ص 52

وروى الآلوسي عن ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب، قال:

(رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني أمية على المنابر فساءه ذلك فأوحى الله تعالى إليه إنما هي دنيا أعطوها).

واخرج ابن أبي حاتم عن يعلي بن مرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء» واهتم (صلى الله عليه وآله) لذلك فانزل الله سبحانه:

«وما جعلنا» الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم أيضًا عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وآله) قال:

«رأيت ولد الحكم بن العاص على المنابر كأنهم القردة».

وأنزل الله تعالى في ذلك «وما جعلنا» والشجرة الملعونة: الحكم وولده؛ وعبارة بعض المفسرين هي - أي الشجرة -: بنو أمية(1).

وأخرج ابن مردويه الأصفهاني عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأبيك وجدك: إنكم الشجرة الملعونة في القرآن)(2).

ص: 58


1- تفسير الآلوسي: ج 15 ص 107
2- مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ص 164

وعليه:

فقد بيّن القرآن الكريم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حال الأمة وشخّص له أدوات اغتيال التوحيد، وهم بنو أمية وبنو الحكم بن العاص وقتل رموزه و حملته وتغير مساره في الأمة.

فما كان منه (صلى الله عليه وآله) إلا أن يبين هو أيضًا للناس ما سيلحقهم من هذه الزمرة ومن ولاهم على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكنهم من الجلوس في مجلس الخلافة فكانت تحذيراته ونصائحه وبيانه لما سيحدث من بعده قد ملأت صحاح المسلمين، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: الأدوات الفكرية والشخصية لاغتيال التوحيد في المعطيات النبوية.

ترشد الأحاديث النبوية في هذه المسألة، أي: في تشخيص الأدوات التي عملت على اغتيال التوحيد إلى بعض الأمور، منها:

1- إن البيان النبوي - وكما أسلفنا - يسير تبعًا لبيان القرآن فمثلما بين القرآن الاتجاه الفكري كأداة لاغتيال التوحيد كذلك كان البيان النبوي، ومثال ذلك في الاتجاه الفكري قوله تعالى:

«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»(1).

ص: 59


1- العنكبوت: الآيتان 2-3

فالآية المباركة ترشد إلى الحكمة في الابتلاءات الفكرية وهي المنضوية تحت لفظ (الفتنة) التي يتجلى فيها التمييز بين الناس فمنهم من صدّق بالله ورسوله (صلى الله عليه و آله و سلم) وصدق في إيمانه فثبت ولم ينجرف في تيار الضلال والكفر؛ ومنهم من كذّب بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذب في ادعائه بأنه مؤمن وانكشف أمره للناس ولنفسه أيضًا فتكون النتيجة أن لا حجة له يوم القيامة بأنه كان كاذبًا فيما يقول في الإيمان بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بل كان أداة للقتل والظلم ومحاربة الله وبرسوله (صلى الله عليه وآله).

أما مثال ذلك في البيان النبوي فقوله (صلى الله عليه وآله):

«أقبلت الفتن».

والذي سيمر بیانه کاملًا وما كشفه من دلائل. وقوله (صلى الله عليه و آله) لأهل البقيع:

«ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح النّاس فيه».

وغيرها من الأحاديث التي ترشد إلى تشخيص الأدوات الفكرية الاغتيال التوحيد.

2- إذ الفارق بين البيان القرآني والبيان النبوي هو التصريح في التوقيتات الوقوع الفتن وتشخيص الأدوات، بمعنى: الانتقال من التلميح القرآني إلى التصريح النبوي ومثاله:

ص: 60

قوله عز وجل في فتنة الشجرة الملعونة والرؤيا التي رآها النبي (صلى الله عليه وآله) فلاحظ:

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ»(1).

فلم يصرح القرآن بهذه الرؤية ولم يكشف عن أصحاب الشجرة الملعونة في القرآن في حين جاءت الأحاديث النبوية صريحة في بيان الرؤيا وأصحاب الشجرة الملعونة - کما مرّ بیانه سابقًا -.

3- إن هذه الأحاديث النبوية ترتكز على صفة الرحمة التي كانت من اهم الصفات النبوية والغايات الإلهية في بعثه (صلى الله عليه وآله)، فقال عز وجل:

«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(2).

ومن مقتضيات الرحمة أن يبين النبي (صلى الله عليه وآله) الأخطار ويحذر الأمة والناس منها.

ولذلك نجده (صلى الله عليه وآله) يصرح حينًا ويلمح حينًا آخر بحسب مقتضيات الرحمة ومواردها و تحقق وجودها.

وعليه:

فقد كانت الأحاديث النبوية في هذا الاتجاه، أي تشخيص الأدوات الفكرية لاغتيال التوحيد هي كالآتي:

ص: 61


1- الإسراء: 59
2- سورة الأنبياء، الآية: 107

أولًا - أثر الفتن والسنن السابقة في اغتيال التوحيد.

لم يختلف منهج النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن منهج القرآن الكريم في التحذير من الانحراف عن الجادة الحقة ووقوع الأمة في الفرقة والاقتتال والتخاصم بفعل الضلال والابتعاد عن رموز التوحيد وأهله.

بل لعل الباحث والدارس للآيات المخصوصة ببيان أسباب الانحراف ونتائجه في الأمم السابقة وهذه الأمة ومقارنتها بالأحاديث النبوية الشريفة في هذا الخصوص ليجد تلازمًا في المفهوم والمعنى والبيان وهو أمر بدیهي لا يحتاج إلى تدليل وإيراد للشواهد.

وعليه:

فقد زخرت كتب الحديث لدى المدارس الفكرية في الإسلام بجملة من الأحاديث النبوية التي تناولت هذه المسألة وحددت الأسباب والمقدمات والنتائج لمحاربة التوحيد وأهله.

ومن هنا:

يمكن تقسيم هذه الأحاديث من حيث تشخيصها لأدوات اغتيال التوحيد على قسمين، القسم الأول: الأدوات الفكرية، والقسم الثاني الأدوات الفردية والشخصية، أي: الفكر المناهض للتوحيد والرموز التي حاربت ونفذته اغتيال التوحيد، ونقصد به هنا: قتل رموز التوحيد الذين يمثلون هذه العقيدة في أمة التوحيد.

فكانت هذه الأحاديث الشريف على النحو الآتي:

ص: 62

ألف - تحديد وقت وقوع الفتن في الأمة.

إن من الأحاديث النبوية التي جاءت في تحذير الأمة من الخطر الفكري المكنون في لفظ (الفتنة) هو حديث أبي مويهبة المروي عنه (صلى الله عليه وآله) الذي يحذر فيه النبي (صلى الله عليه وآله) من قدوم الفتن المتتالية على الأمة بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) والرواية كالآتي:

روی ابن هشام، وابن سعد، والبلاذري، والطبري، والبيهقي، وغيرهم:

عن أبي موهبة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

(نبهني رسول الله (صلى الله علیه و آله)، فقال:

((يا أبا موهبة إني أمرت أن استغفر لأهل هذا البقيع)).

فخرجت معه حتى أتينا البقيع، فرفع يديه فاستغفر لهم طويلاً ثم قال:

((ليهن لکم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل يتبع آخرها أولها، وللآخرة شر من الأولى)).

إلى أن قال:

((والله يا أبا مويهبة لقد أخترت لقاء ربي والجنة)).

ثم انصرف، فلما أصبح ابتدی بوجعه الذي قبضه الله فيه)(1).

ص: 63


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 4 ص 247؛ الطبقات لابن سعد: ج 2 ص 204؛ أنساب الاشراف للبلاذري: ج 1 ص 544؛ تاریخ الطبري: ج 3 ص 188؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 2 ص 716 - 717؛ تاريخ الإسلام للذهبي، المغازي: ص 545؛ نهاية الأرب للنويري: ج 8 ص 262

والحديث الشريف يكشف عن جملة أمور، منها:

إنّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أخبر بقدوم الفتن في الليلة التي ابتدأ في صبيحتها به المرض وهو المرض الذي توفي فيه بعد أيام فإنا لله وإنا إليه راجعون.

إن خطابه لأهل البقيع وقوله لهم:

((ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس))

يكشف عن بيانه (صلى الله عليه وآله) عن غلبة أهل النفاق والأعراب وبروز قادتهم وهو مما أصبح فيه الناس.

إن أول الفتن التي أقبلت على الأمة ومن أخطرها في المستوى العقدي هي رزية يوم الخميس التي وقعت والنبي (صلى الله عليه وآله) على فراش المرض وفي أيامه الأخيرة إن لم تكن الساعات الأخيرة.

فكانت هذه الفتنة كما وصفها النبي (صلى الله عليه وآله) «كقطع الليل».

ولذلك:

نجد عبد الله بن عباس يتحدث عن هذه الرزية ودموعه تتحادر على خديه فيقول: (إن الرزية كل الرزية ما حال بین رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن يكتب ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم)(1).

فما الذي جرى في يوم الخميس فكانت هذه الفتنة وهي الأدوات الأولى في اغتيال التوحيد؟ پص: 64


1- صحيح البخاري: كتاب المرضى، باب: قول المريض: قوموا عني: ج 4 ص 5

وجواب هذا السؤال عند البخاري ومسلم في صحيحيهما، واللفظ للبخاري فيقول:

عن ابن عباس، قال:

(لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي البيت رجال بينهم عمر بن الخطاب، قال النبي (صلى الله عليه وآله):

«هل أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده».

فقال عمر: إن النبي - (صلى الله عليه وآله) - قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا کتاب الله.

فاختلف أهل البيت - أي الحاضرون عنده - فاختصموا، منهم من يقول:

قربوا يكتب لكم النبي - (صلى الله عليه وآله) - کتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول:

ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي - (صلى الله عليه وآله).

قال لهم رسول الله - (صلى الله عليه وآله) -:

«قوموا عني».

فكان ابن عباس يقول:

إن الرزية كل الرزية ما حالَ بین رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - وبين

ص: 65

أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم)(1).

4- ومن الفتن أن نجد البخاري في هذا الحديث يخفف من مصيبة قول عمر بن الخطاب ومنعه الحاضرين من أن يأتوا النبي (صلى الله عليه وآله) بالقرطاس والدواة وهو الذي أوقعهم في هذه الفتنة التي لم تزل الأمة تتحمل وزرها فيشكك في قول النبي (صلى الله عليه وآله) فيقول:

(إن النبي - (صلى الله عليه وآله) - قد غلب عليه الوجع ...)

في حين نجد البخاري في موضع آخر من صحيحه يصرح بالفاجعة التي أحدثها عمر بن الخطاب التي أبكت عبد الله بن عباس وغيره، فيقول:

حدثنا أبو عتيبة عن سلمان الأحول، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال:

يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء!

فقال: اشتد برسول الله - (صلى الله عليه وآله) - وجعه يوم الخميس، فقال:

«ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدًا».

فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا:

هجر رسول الله!!!

ص: 66


1- صحيح البخاري (کتاب المرضى) باب: قول المريض قوموا عني: ج 4 ص 5؛ صحیح مسلم، کتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس عنده شيء: ج 2 ص 16 ط عیسی الحلبي

قال صلى الله عليه وآله:

«دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه»(1).

فكانت هذه الفتنة التي تحدث عنها النبي (صلى الله عليه وآله) وأنها أقبلت على الأمة كقطع الليل هي قول عمر بن الخطاب:

وقوله:

((غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا کتاب الله)).

فكانت الأداة الأولى لاغتيال التوحيد في أمة التوحيد.

باء - اتباع سنن الأمم السابقة في محاربة التوحيد والانحراف عن أهله.

مثلما جرت الفتن في الأمم السابقة جرت في أمة المصطفی (صلی الله عليه وآله)، ومثلما ابتليت الأمم في محاربة التوحيد كذلك ابتليت هذه الأمة.

إلا أن الفارق بين هذه الابتلاءات أنها الأشد في هذا الأمة وذلك - کما أسلفنا - أنها استوظفت شعار التوحيد لقتل التوحيد في حين كانت هذه الفتنة جلية واضحة في أمة موسى الكليم (عليه السلام) وهوما بينه القرآن الكريم.

قال عز وجل:

ص: 67


1- صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب: جوائز الوفد: ج 2 ص 118، صحیح مسلم: کتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس عنده شيء: ج 2 ص 16 ط عیسی الحلبي

«وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1).

فهذه الآيات المباركة تكشف بوضوح في وقوع أمة موسى الكليم (عليه السلام) في الفتنة الفكرية ومحاربة التوحيد والانحراف عن أهله إلا أنها أخف وطئة من فتنة المسلمين وذلك لما يلي:

1- إنها في حياة نبي الله موسى (عليه السلام) مما يؤدي إلى توليه (عليه السلام) محاربة هذه الفتنة بنفسه.

2- وضوح الانحراف الفكري ممثلًا بالدعوة إلى الوثنية حينما شاهدوا بعض الناس يعكفون على عبادة الأصنام.

3- صراحة الدعوة في محاربة التوحيد وذلك لقولهم، كما أخبر الوحي عنهم:

«اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ».

في حين ابتليت هذه الأمة بمحاربة التوحيد بشعار التوحيد وبكلمة لا إله الا الله کما نشاهده اليوم من ارهاب وقتل وتقطيع للرؤوس تحت راية الجماعات (الجهادية) في بلاد المسلمين وغير المسلمين.

وعليه:

ص: 68


1- سورة الأعراف، الآية: 138 - 140

نجد النبي المصطفی (صلى الله عليه وآله) يحذر هذه الأمة من الفتن الفكرية في محاربة التوحيد، وسيمر بيانها في الفصل الثاني فيما نتناول الأثر الإصلاحي الذي أحدثه رأس الإمام الحسين (عليه السلام) في عقيدة التوحيد.

إذن:

مما حذر منه رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو اتباع هذه الأمة سنن الأمم السابقة ومنها محاربة التوحيد، فقال (صلى الله عليه وآله) كما جاء في صحیح مسلم:

1- «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم»

قلنا يا رسول الله، اليهود والنصارى؟

قال: «فمن»(1)

ولقد كان أتباع الصحابة بالدرجة الأساس وهم المعنيون بهذه الحرب سنن اليهود والنصارى، وأنهم قالوا ما قالت اليهود لموسى (عليه السلام) وهو ما جاء جليًبا في الحديث النبوي الذي أخرجه إمام الحنابلة في مسنده عن الصحابي أبي واقد الليثي.

2- قال أبو واقد الليثي.

ص: 69


1- صحیح مسلم، إتباع سنن اليهود والنصارى حديث (2669)

خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل حنين فمررنا بسدرة، فقلت:

یا نبي الله اجعل لنا هذه ذات أنواط کما للكفار ذات أنواط؟ - وكان الكفار ينوطون بسلاحهم بسدرة ويعكفون حولها - فقال النبي (صلى الله عليه وآله):

«الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى «اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ»، انكم تركبون سنن الذين من قبلکم»(1).

وفي حديث آخر يبين فيه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إن هذه الفتن ومحاربة التوحيد تجري على أيدي أشخاص وصفهم بأنهم (شرار هذه الأمة).

3- فقد أخرج أبو داود الطيالسي (204 ه)، وابن الجعد (230 ه) وأحمد بن حنبل (ت 241 ه).

عن شداد بن أوس، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال له:

«ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم، أهل الكتاب حذو القذة بالقذة»(2).

والأحاديث النبوية الشريفة في بيان الأدوات الفكرية في اغتيال التوحيد في

ص: 70


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 218؛ المصنف للصنعاني: ج 11 ص 369 برقم (20763)، سنن النسائي: ج 6 ص 346 برقم (11185)
2- مسند أبي داود: ص 153؛ ابن الجعد: ص 491؛ أحمد بن حنبل: ج 4 ص 125

أمة التوحيد كثيرة؛ وفيما أوردنا كفاية لبيان هذه الحقيقة التي لم يدخر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في بيانها وتحذير الأمة من الوقوع فيها أي جهد فقد حذر وأنذر وصدع بما أمره الله تعالى في نجاة أمته.

ولذا:

لم ينحصر البيان النبوي في التحذير من الفتن الفكرية وانما أتبعه ببيان أصحاب هذه الفتن وتشخيص أدواتها، وهو ما سنعرض لبيانه في ثانیا، وهو فيما يلي:

ثانيًا - تشخيص الأدوات الفردية والشخصية لاغتيال التوحيد.

إن من البداهة بمكان أن تكون الفتنة نابعة من لدن أفراد انحرفوا في مسيرهم وتوجهاتهم الفكرية، فضلوا وأضلوا غيرهم فكانوا أئمة ورعاة للفتنة.

ولذلك:

كان المنهج النبوي في حفظ الأمة ونجاتها يرتكز على ثلاثة مرتكزات، وهي:

1- تشخيص الأدوات الفكرية للفتن.

2- تشخيص الأدوات الفردية للفتن وقادتها.

3- تشخیص أئمة النجاة والهداية والأمن من الضلال.

ص: 71

من هنا:

جاءت الأحاديث الشريفة في تشخيص الأدوات الفردية للفتن التي ادت إلى تبديل التوحید والسنة النبوية كالآتي:

ألف - تحذير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) من ارتداد بعض الصحابة، وإنهم سيبدلون من بعده!!!

إن هذه الحقيقة المُرّة التي تتقاطع مع الموروث الفكري لكثير من المسلمين قد صرّح بها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأخرجها غير واحد من حفاظ المسلمين وعلمائهم، ومنهم محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحيهما، وهي كالآتي:

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه واله) قال:

«بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هَلُمَّ

فقلت: أين؟ قال:

إلى النار والله.

فقلت: وما شأنهم؟ قال:

إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري.

ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم، فقال:

ص: 72

هَلُم، قلت:

إلى أين؟ قال:

إلى النار والله.

قلت: ما شأنهم؟ قال:

إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري؛ فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم»(1).

(أي القليل جدًّا).

أخرج مسلم في صحيحه، عن عائشة، قالت:

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول وهو بين ظهراني أصحابه:

«إني على الحوض انتظر من يردُ عليَّ منكم، فوالله ليقتطعنَّ دوني رجال، فلأقولن: أي ربَّ مني ومن أمتي، فيقول:

إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم»(2).

أخرج ابن حجر والدار قطني، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال:

ص: 73


1- صحيح البخاري: كتاب الرقاق، ج 7 ص 207، فتح الباري، شرح صحيح البخاري: ج 13 ص 296
2- صحیح مسلم، کتاب الفضائل، باب: إثبات الحوض، حدیث 2294؛ ج 4 ص 1794

«يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون من الحوض، فأقول: يا رب اصحابي: فيقول:

إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري»(1).

وأخرج مسلم أيضًا عن النبي (صلى الله عليه وآله):

إنهم مني، فيقال:

إنك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول:

سحقًا سحقًا لمن بدّل بعدي»(2).

وهذه الأحاديث النبوية صريحة في ارتداد نسبة كبيرة من الصحابة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يخلص منهم فيثبت على ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) إلا القليل جدًّا وهو ما مثله النبي ب (همل النعم).

وإن كثيرًا منهم أحدث وبدل في الاسلام والسنن ومنها سنة التوحيد وهو سنام ما دعا إليه النبي المصطفی (صلی الله عليه وآله) والأنبياء من قبله.

باء - تحذير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) من فتنة بعض الصحابة، وأنها اخوف على الأمة من فتنة الدجال!!!

إنّ من الأحاديث النبوية الشريفة التي شخصت الأدوات الفردية لاغتيال التوحيد ما جاء عن الصحابي حذيفة بن اليمان (رضوان الله عليه) في بيان

ص: 74


1- فتح الباري لابن حجر: ج 11 ص 464 وج 13 ص 295 حدیث 6586 ط دار الفكر، الالزامات والتتبع للدار قطني: ص 122 ط دار الكتب العلمية
2- صحیح مسلم، باب اثبات الحوض: ج 4 ص 1793

خطر بعض الفتن التي يحدثها بعض الصحابة في الأمة وإن لها من الآثار على عقيدة التوحيد ما كان أعظم أمرًا من فتنة الدجال.

ولا يخفى على الباحث والقارئ المتتبع أنّ جوهر فتنة الدجال وعمادها الذي قامت عليه: هو ادعاء الربوبية؛ بمعنى أدق: الانقلاب والارتداد عن التوحيد الذي جاء به النبي (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

فإن فتنة بعض الصحابة هي أعظم أثرًا في التوحيد من فتنة الدجال.

ولذا: نجد النبي (صلى الله عليه وآله) يتخوف على الأمة من فتن بعض الصحابة كما يروي أحمد بن حنبل، وابن حبان عن حذيفة، وحسبك أن يكون الراوي لهذا الحديث حذيفة بن اليمان (عليه الرحمة والرضوان).

فقد قال، واللفظ لابن حبان:

(كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فذكر الدجال، فقال: «لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال، إنها ليست فتنة صغيرة وكبيرة إلا تتَّضع لفتنة الدجال، فمن نجا من فتنة ما قبلها نجا منها، وإنه لا يضرَّ مسلمًا مکتوب بين عينيه كافر مهجاة كفر»(1).

ولا شك أن النجاة من فتنة الدجال ترتكز على الثبات في عقيدة التوحيد، ولا يتحقق الثبات إلا عبر التمسك برموز التوحيد وأهله، وهم محمد وعترته (صلى الله عليهم أجمعين).

ص: 75


1- صحيح ابن حبان: ج 15 ص 218، مسند أحمد: ج 5 ص 389؛ مجمع الزوائد اللهيثمي: ج 7 ص 335

وإن التخلف عن سفينتهم وعدم التمسك بحبلهم نتيجته الضلال والهلاك في الدنيا والآخرة.

ولأن فتنة بعض الصحابة كانت في حرف مسار التوحيد وإبعاد المسلمين عن رموزه افترقت الأمة وضاعت و تشتت؛ بل لم ينتهِ الأمر بالفرقة، وإنما بالقتل فقد كفر الصحابة بعضهم بعضًا وقتل بعضهم بعضًا وذلك لما أحدثه بعض الصحابة من فتنة من الأمة، وهو ما سنتناوله في ثالثًا.

ثالثا - اختلاف الأمة بالتوحيد فكر بعضها بعضًا.

إن المقدمات المنحرفة في بناء المفاهيم وتغييرها عن وجهتها التي جاء بها القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) سيؤدي لا محالة إلى الفرقة والتكفير وإباحة الدماء والأموال تحت مسمى التوحيد والإدعاء بحمله، وهو ما حذر منه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) کنتيجة حتمية لوقوع الفتن والمحدثات والبِدع التي شخصت الأحاديث الشريفة أفرادها وقادتها بمعنی:

لم يكتف البيان النبوي من تشخيص الفتن الفكرية وإنما شخص رموزها ودعاتها، فضلًا عن التحذير من النتائج التي ستتمخض عن حمل هذه الفتن الحبلى بالموت والتهجير والضياع.

وذلك ليلتفت بعضُ الناس ويَحذر آخرون، لكن هيهات هيهات فالملك والسلطان والدولة بيد أصحاب المحدثات والبدع والفتن، فكانت النتيجة أن الأمة افترقت إلى فرق عديدة، حالها في ذاك حال الأمم السابقة حينما وقعت في الفتن واتبعت أعداء التوحيد ومبدلوه، کما مرّ بيانه أيضًا في اتباع

ص: 76

هذه الأمة سنن الأمم التي سبقتها، ومنها سنة الفرقة والافتراق، فكانت الأحاديث النبوية الكاشفة عن هذه الحقيقة كالآتي:

ألف: اختلاف الأمة وافتراقها إلى ثلاث وسبعين ملة.

1- أخرج أحمد بن حنبل، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة وأبو يعلي وابن حبان، والحاكم، والذهبي، وغيرهم، عن أبي هريرة، أنه قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«تفرقت اليهود إلى أحدى وسبعين فرقة أو اثنين وسبعين فرقة، والنصاری مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة»(1).

ومما لا ريب فيه أن هذا الاخلاف كان في عقيدة التوحيد وليس في عقيدة النبوة ولذا قال (صلى الله عليه وآله) ((أمتي)) فجميع المسلمين ينسبون في عقيدة النبوة إلى نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) كما أنهم جميعًا لم يختلفوا في أصل وجوب الإمامة سواء كان من الله، أم من النبي (صلى الله عليه وآله)، أم من الأمة باجتماع أهل الحل والعقد، بالنص أو الشوری.

وعليه:

فمن بدَّل وغيَّر وأحدث حتى يذاد يوم القيامة عن الحوض ويساق إلى النار فيراهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يساقون زمرًا بسياط من النار إلى جهنم فکانت بئس المصير وهو يقول:

ص: 77


1- مسند أحمد: ج 2 ص 322؛ سنن أبي داود: ج 2 ص 390؛ سنن الترمذي: ج 4 ص 134 برقم (2778)

«سحقًا سحقًا لمن بدل من بعدي»(1).

والله عز وجل قد أخبر عن حالهم فقال:

«وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ»(2).

ولذلك:

كان الهلاك مصير هذه الفتن وأصحابها، إلا أنها مهما اشتدت لم يكن الله عز وجل الذي وسعت رحمته كل شيء ولا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي ارسله الله رحمة للعالمين أن يترك الأمة من دون بيان الفرقة التي تَثُبت على عقيدة التوحيد وتنجو من الفتن.

وهو ما كشف عنه حديثه (صلى الله عليه وآله) في نجاة أحد هذه الفرق ودخولها الجنة. فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«ليأتين على أُمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتی أُمّه علانية، لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإنّ بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين ملة كلّهم في النار، إلّا ملّة واحدة»(3).

ص: 78


1- صحيح مسلم: باب إثبات الحوض، ج 4 ص 1793
2- سورة الزمر، الآية: 70
3- سنن الترمذي، باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة: ج 5 ص 25، حدیث 2640 ط دار إحياء التراث؛ السنن لابن أبي عاصم: ج 1 ص 22 ط المكتبة الاسلامية، صحيح ابن حبان: ج 114 ص 140

ونلاحظ: إن الحديث الشريف قد جاء بلفظ (الملة)(1) ولم يقل (الفرقة) وهو ما يكشف عن الاختلاف في عقيدة التوحيد فلو كانوا على عقيدة واحدة في التوحيد لما اختلفوا إلى ملل واجتهادات وآراء متعددة ومغايرة للملة الناجية.

باء - تكفير الصحابة بعضهم بعضا لاختلافهم في التوحيد ووقوع الاقتتال بينهم.

إن مما لا ريب فيه أن تكون نتيجة الاختلاف في عقيدة التوحيد حينما يرجع بعض الناس إلى قادة الانحراف ويستمسك أناس آخرون بأئمة التوحيد وحملته؛ فضلًا عن ذلك إن أصل الاقتتال هو واقع لا محالة بين أهل الباطل وأعداء التوحيد وبين أهل التوحيد وحملته ورموزه؛ وإن اجتمعوا هنا أو هناك كما حدث في اجتماعهم في كربلاء لمحاربة أهل التوحيد واغتيال رموزه. کما سیمر عبر هذه الدراسة.

ص: 79


1- قال الشريف المرتضى في رسائله: (الملّة) الشرع الذي يأتي به السمع ويعم الأمر به للجميع، وقيل هو الذي ينتحله الإنسان: (ج 2 ص 281)؛ وقال السيد الطباطبائي: (الملة: المراد بها السنة الحيوية المسلوكة بين الناس، وكان فيها معنى الاملال والإملاء، فيكون هي الطريقة المأخوذة من الغير، بمعنى أن الملة كالشريعة هي الطريقة الخاصة: بخلاف الدين، وان كان بينهما فرق من حيث الشريعة، تستعمل فيها بعناية أنها سبيل مهَّده الله تعالى لسلوك الناس إليه، والملة إنما تطلق عليها لكونها مأخوذة عن الغير بالاتباع العملي لذلك لا تضاف إلى الله سبحانه کما يضاف الدين والشريعة، فيقال دين الله، وشريعة الله، فلا يقال: ملة الله، ينظر: ((تفسیر الميزان ج 5 ص 351))

وعليه:

مثلما حذرّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من ارتداد بعض الصحابة وتبديلهم لسنته (صلى الله عليه وآله) وإحداثهم الفتن؛ وإن فتنة أحدهم أخوف عند النبي (صلى الله عليه وآله) من فتنة الدجال وتفرق الأمة بسببهم إلى ثلاث وسبعين فرقة وملة، فقد حذر (صلى الله عليه وآله) كذلك من وقوع الاقتتال فيما بينهم بعد تكفير بعضهم بعضًا.

ولا ريب أن التكفير لا يكون إلا بتقديم رؤى واجتهادات جديدة حول عقيدة التوحيد ليتمكن أصحابها من استباحت الدماء والأموال والأعراض فشرعنوا هذه الأفعال. أي إعطاء هذه الأفعال صفة شرعية تمكنهم من القتل.

ولأن هذا الاقتتال هو من أخطر ما تتعرض له الأمة فقد حذرّ منه النبي (صلى الله عليه وآله) مرات عديدة لا سيما في حجة الوداع التي كانت مناسبة مهمة اشتملت على جمع المسلمين من كل صوب فحضر أغلبهم إن لم یکن معظمهم في هذه المناسبة، فكانت فرصه مهمة لبيان أهم المسائل في الإسلام، ومنها التحذير من وقوع التكفير فيما بين الصحابة والاقتتال، وذلك، لكونها من المسائل المهمة في بقاء الإسلام وعقيدة التوحيد وإصلاح الحياة والنجاة في الآخرة؛ فأرشدَ وبیَّن وبلَّغ في هذه الحجة (حجة الوداع) عن الخليفة من بعده، وبيّن لهم أن من تمسك به نجا، ومن تخلف عنه ضل وهلك.

من هنا:

اشتملت حجة الوداع، أو کما سمیت (بحجة البلاغ) على التبليغ لأهم قضيتين أساسيتين:

ص: 80

الأولى: التحذير من الإرتداد والتكفير والإقتتال:

والأخرى: الاعتصام بكتاب الله والعترة النبوية، والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ فأما الأولى، فقد أوردها علماء المسلمين، وحدَّث بها الرواة، ودونها المصنفين في كتب الحديث والسيرة والرجال والتفسير، وتعددت طرق هذا الحديث، وتحدث به الناس الذين شهدوا حجة الوداع أو (البلاغ) فاشتهر الحديث أيما شهرة بين الناس.

وذلك لأمر النبي (صلى الله عليه وآله) من حضر هذه الحجة وسمع حديثه وشهد مقامه أن يبلغ الغائب، فكان لهذا الحديث شهرة كبيرة.

وهو كالآتي:

1- أخرجه البخاري بخمسة طرق، وفي أبواب مختلفة من الجامع الصحيح، وهي:

أ- عن أبي زرعة، عن جریر.

ب- عن عكرمة، عن ابن عباس.

ج- عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي بكرة.

د- عن عمر بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر.

ه- عن واقد بن محمد، عن أبيه.

2- واخرجه مسلم النيسابوري بثلاثة طرق، وهي:

(عن جرير، وأبو بكرة، وابن عمر)

ص: 81

وأخرجه أحمد بن حنبل بأحد عشر طريقًا، عن أحد عشر صحابیًا؛ وهم:

(ابن عباس، أبو عبد الرحمن، عبد الله بن عمر، کرز بن علقمة الخزامي، ابو الغادية، الضابحي ألأحمسي، جرير بن عبد الله، زيد بن أرقم، عروة الفقيمي، أبو مرة الرقاشي عن عمه).

والحديث الشريف كالآتي وبلفظ ابن عباس، قال:

(إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب الناس يوم النحر فقال:

«يا أيها الناس أي يوم هذا»؟

قالوا: يوم حرام.

قال: «فأي بلد هذا»؟

قالوا: بلد حرام.

قال: «فأي شهر هذا»؟

قالوا: شهر حرام.

قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم علیکم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا».

فأعادها مرارًا ثم رفع رأسه، فقال:

«اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت»

قال ابن عباس:

فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته.

ص: 82

(ثم قال)(1):

«ألا فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»)(2).

فكان كما قال (صلى الله عليه وآله) فسرعان ما كفرّ بعضهم بعضًا وقتل بعضهم مستحلًا لدمه وماله حتى ملأوا التاريخ في حوادث القتل والسلب فيما بينهم؛ والأعجب من ذلك أن من رواة هذا الحديث النبوي الصحابي الانصاري العقبي أبو الغادية الجهني الذي قتل الصحابي المهاجري البدري الأحدي عمار بن یاسر في يوم صفين.

بل الأعجب: أنه كان حينما يقص على الناس كيفية قتله لعمار بن یاسر والسبب الذي دفعه لذلك يردفه بحديث النبي (صلى الله عليه وآله):

«لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».

والرواية أخرجها أحمد بن حنبل، وابن عساکر، والهيثمي، والنووي، واللفظ لأحمد بن حنبل عن كلثوم بن جبر، قال:

(کنا بواسط القصب(3)، عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال:

فإذا عنده رجل يقال له: أبو الغادية، استسقى ماءً فأتي بإناء مفضض(4) فأبی

ص: 83


1- مسند أحمد: ج 1 ص 230
2- صحيح البخاري، باب الذبح قبل الخلق، ج 2 ص 191 وقد افرد البخاري له بابًا بعنوان: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» في كتاب الفتن
3- مدينة تقع في شرق العراق وتعرف اليوم بمدينة (واسط)؛ ينظر: معجم البلدان اللحموي: ج 5 ص 349
4- أي منقوش ومطعم بالفضة، وقد ورد في السنة النبوية حرمة الشراب بآنية الفضة

أن يشرب وذكر النبي (صلى الله عليه وآله) فذكر هذا الحديث (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)؛ فإذا رجل يسب فلانًا، فقلت والله لئن أمكنني الله منك في كتيبة، فلما كان يوم صفين إذا أنا به وعليه درع قال:

ففطنت إلى الفرجة في جريان الدرع فطعنته فقتلته فإذا هو عمار بن یاسر.

قال: وأي يد کفتاه يكره أن يشرب في إناء مفضض وقد قتل عمار بن ياسر)!!!(1)

والحديث يثير الكثير من الأسئلة، منها:

1- ما هي العلة التي دفعت أبا الغادية أن يورد هذا الحديث من دون مقدمات.

2- هل أراد أن يبين انه يمتنع عن الشرب بإناء مفضض خوفًا من الوقوع في الحرام وإنه رجل متقي عارف بالسنة؟

3- أو أنه أراد أن يحذر الناس من الوقوع فيما وقع هو فيه، فأخذ يحدث بهذا الحديث الشريف ليله ونهاره.

4- أو أنه أراد أن يبين أنه استحل دم الصحابي عمار بن یاسر لأنه سب فلانًا، ولا نعلم هل أصرح أبو الغادية باسم فلان أم أخفاه عن الحاضرين؛ أم أن كلثوم بن جبر راوي الحديث قد سکت عن اسم هذا الرجل الذي قتل عمار بن یاسر لأنه قتل بسببه.

ص: 84


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 4 ص 76، مجمع الزوائد للهيثمي: ج 7 ص 244، تاریخ دمشق لابن عساکر: ج 43 ص 472؛ نهاية الأرب للنويري: ج 15 ص 416

5- ومن هذا الرجل الذي له هذه القداسة والحرمة التي فاقت حرمة دم عمار بن یاسر؟ فأباحته؛ وأي فتوی مکنت الصحابة من قتل بعضهم بعضًا؟!!

أسئلة كثيرة، لكن الإجابة الوحيدة لهذه الأسئلة هي أن بعض الصحابة رجعت بعد النبي (صلى الله عليه وآله) عن التوحيد المحمدي إلى توحيد فلان الذي استشهد به أبو الغادية فأستحل بذلك دماء الصحابة الموحدين کعمار بن یاسر وغيره.

إذن: قد اشتملت المعطيات النبوية على جملة من المشخصات الفردية والفكرية التي أسهمت في التأسيس لاغتيال التوحيد وقتلهم لرموزه، وإن هذه المعطيات الشخصية كانت حاضرة بقوة في الخلافة الإسلامية التي تميزت عن غيرها من الفترات التي تعاقب فيها خلفاء المسلمين الجلوس على كرسي الخلافة، فسميت ب (الخلافة الراشدة).

لكن نتائج الدراسة تظهر أنها أشد الفترات أثرًا في اغتيال التوحيد وهو ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 85

ص: 86

المبحث الثاني خلق البیئة الفکریة الاجتماعیة لعمیلة اغتیال التوحید في الخلافة (الراشدة)

ص: 87

ص: 88

توطئة:

قد يستوقف القارئ الكريم عنوان المبحث ويتساءل حول هذا التقاطع بين دلالة مصطلح (الخلافة الراشدة) وبين اغتيال التوحيد في هذه الفترة الزمنية.

في حين أن هذا التساؤل قد يتبدد حينما يستحضر القارئ تلك المقدمات التي تناولها المبحث السابق وما جاء فيه من أدلة قرآنية ونبوية في تشخيص أدوات اغتيال التوحيد؛ سواء الأدوات الفكرية المكنونة تحت لفظ (الفتن) أو الأدوات الشخصية المكنونة تحت لفظ (الأعراب)، و (المنافقون)، وبيان حقيقة ظهور هؤلاء وتغلبهم على حياة المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكانوا أدواة فاعلة في خلق البيئة الفكرية والاجتماعية لعملية اغتيال التوحيد.

ومما لا ريب فيه أن هذه الفاعلية والتمكن في خلق البيئتين الفكرية والاجتماعية لمحاربة التوحيد واغتياله تستلزم وصولهم إلى القيادة لأمور المسلمين والتحكم في القرار، سواء على المستوى التشريعي في الأمة، أو الفكري أو الاجتماعي؛ وهو ما جمع تحت عنوان (الخلافة) وهو ما سیمر بیانه في مسائل هذا المبحث إن شاء الله تعالى.

ص: 89

ص: 90

المسألة الأولى: التثقيف على سنة الخلافة وخلق البيئة الفكرية لها في خلافة أبي بكر.

إنّ التثاقف الحقيقي الذي مرَّ به كثير من المسلمين لا سيما الصحابة هو التثقيف على سنة الخلافة عوضًا من التثقيف على سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته بأيام قليلة وتحديدًا عند الخطبة الأولى للخليفة الأول الموسومة بالخلافة (الراشدة) فكان هذا التثقيف والمنهج هو الحجر الأساس في مشروع اغتيال التوحيد في أمة التوحيد.

فمن المنهج النبوي في عقيدة التوحيد الذي أسس على التصديق بما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي بذل فيه النبي الأعظم جهدًا مضنيًا حتى قال (صلى الله عليه وآله):

«ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت».

إلى منهج الخليفة في عقيدة التوحيد الذي أسس على عدم المطالبة بالعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل معاقبة من يطالب بذلك بعقوبات أقلها الجلد أو قطع الأيدي والأرجل وانتهاءً بقطع الرأس - کما سیمر بیانه - فضلًا عن العمل على محو السنة النبوية عبر حرق الأحاديث ومنع الناس من التحديث بها.

وعليه:

فإن التوحيد الذي جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) يرتكز على العمل بسنته؛ وأما التوحيد الذي جاء به الخليفة فيرتكز على قبول عمل الخليفة وسنته وتشريعاته، وهو كالآتي:

ص: 91

أولًا - إعلان الخليفة إيقاف العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في اليوم الأول من الخلافة.

إنّ وجود الفارق في مصدر السنة بين النبي (صلى الله عليه وآله) والخليفة دعي الخليفة الأول إلى الاعلان عن إيقاف العمل بسنة النبي الأعظم (صلی الله عليه وآله) کما صرح في خطبته الأولى في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد البيعة في سقيفة بني ساعدة، فقد أوكل أبو بكر السبب في هذا الاعلان إلى الاختلاف في مصدر السنة النبوية عنه في الخلافة الراشدة، وتحديدًا فيه شخصيًّا، فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يتكئ على الوحي في القول والعمل، وأما الخليفة فله شیطان يعتريه لا سيما إذا غضب.

ومن ثم فالتباين واضح بين المصدرين، بين مصدر النبوة ومصدر الخلافة، ومن هذا الاختلاف بين المصدرين اختلفت عقيدة التوحيد بين توحید النبوة وتوحيد الخلافة، واختلف بإزائهما الفكر والمنهج والتشريع، وعلى المسلمين تقبل هذا الواقع الجديد وبخلافه تكون العقوبة بين الجلد والقتل، وهو ما صرّحت به النصوص:

1. فقد أخرج الحافظ ابن عساكر الدمشقي، والحافظ الزيلعي بسنده عن الحسن، قال:

(لما أستخلف ابو بکر تكلم بكلام والله ما تکلم به أحد غيره، فقال:

ص: 92

أيها الناس تكلفوني سنة نبيكم محمد - (صلى الله عليه وآله) - وإن الله كان يعصم نبيه بالوحي، إني والله لوددت أنكم كفيتموني، وإن لي شيطانا يعتريني فإذا اعتراني فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم وتعاهدوني بأنفسكم إن استقمت فاتبعوني وإن زغت فقوموني)(1).

2- وبلفظ أخر رواه ابن سعد (ت: 230 ه)، وابن عساکر (ت: 571 ه)، وابن الجوزي (ت: 597 ه)، والزيلعي (ت: 722 ه)، والسيوطي (ت: 911 ه) جميعًا عن وهب بن جرير، قال:

حدثنا أبي، قال: سمعت الحسن، قال: (لما بويع أبو بكر - قال -:

أما بعد، فإني وليت هذا الأمر وأنا له کاره، ووالله لوددت بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - لم أقم به!

كان رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - عبدًا أكرمه الله بالوحي وعصمة به، ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم، فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وأن رأيتموني زغت فقوموني وأعلموا أن لي شيطانًا يعترفي!! فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني!! لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم)(2).

ص: 93


1- تاریخ دمشق: ج 30 ص 303، تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 1 ص 481
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3 ص 212؛ تاریخ دمشق لابن عساکر: ج 30 ص 303؛ المنتظم لابن الجوزي: ج 4 ص 69؛ تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 1 ص 482

3- وبلفظ آخر أخرجه عبد الرزاق الصنعاني (ت: 211 ه) عن الحسن قال:

(إن أبا بكر خطب، فقال:

أما والله ما أنا بخير منكم، ولقد كنت لمقامي هذا کارهًا ولوددت لو أن فيكم من يكفيني، أفتظنون أني أعمل فيکم سنة رسول الله - (صلى الله عليه و وآله) - إذا لا أقوم لها!!!

إن رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإن لي شيطانًا يعتريني!!! فإذا غضبت فاجتنبوني!!! لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم!!! إلا فراعوني، فإن استقمت فأعيوني، وإن زغت فقوموني)(1).

فكانت هذه الخطبة هي الحجر الأول الذي وضع في بناء مشروع عقيدة التوحيد الجديدة بمفهومه الذي أراده أبو بكر والمرتكز على عدم مطالبته العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي جاء بألفاظ، وهي:

1- (ألا وأنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم أقم به).

2- (یا ایها الناس تكلفوني بسنة نبيكم محمد - (صلى الله عليه وآله) - وإن الله كان يعصم نبيه بالوحي).

ص: 94


1- المصنف للصنعاني: ج 1 ص 336 برقم (20701)، تخريج الأحاديث للزيلعي ج 1 ص 482

3- (أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا لا أقوم لها).

ولا شك إن مرکوز هذا المفهوم الجديد هو الفصل بين سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وسنة الخليفة، وخلق البيئة الفكرية المناسبة والحاضنة لها لتنمو وتثمر في الأمة؛ فعقيدة التوحيد في السنة النبوية ترتكز على الملازمة بين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وإن أي فصل بينهما يؤدي إلى انهيار عقيدة التوحيد التي أسس لها القرآن الكريم في العديد من الآيات المباركة، منها:

1- الملازمة بين طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) المقتضية لجميع مفاصل الحياة كما جاءت الآية المباركة بقوله عز وجل:

«تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).

2- وفي الملازمة بين معصية الله عز وجل ورسوله (صلى الله علیه و آله) في جميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) قولا وفعلا وتقريرا، قال تعالى:

«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ»(2).

ص: 95


1- النساء، الآية: 13
2- النساء، الآية: 14

بل قد جاءت الآيات المباركة في هذين الأصلين المرتكزين على عقيدة التوحيد في جزاء الطاعة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعصيتهما في مواضع عدة من القرآن الكريم وذلك لبيان خطورة الإعراض عن طاعته أو عن العمل بسنته (صلى الله عليه وآله) والواقع بمعصيتهما والمشتملة ابتداء على ترك سنة النبي (صلى الله عليه وآله)؛ ومن ثم كيف يكون حجم المعصية في المنع من العمل بها ومن أعلى المناصب القيادية للأمة وهي الخلافة، بحجة أن النبي (صلى الله عليه وآله) کان معصومًا ومسددًا بالوحي، وإن الخليفة له شیطان يعتريه؛ ومن ثم فهو لا يعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل سيعاقب من يطالبه بالعمل بها.

فكانت هذه الفتنة التي أخبر عنها النبي (صلى الله عليه وآله) كأنها قطع من الليل المظلم، وأنها أخوف من فتنة الدجال فقد أصابت المجتمع الإسلامي، وفي ظرف كان في غاية الصعوبة والمحنة، فبالأمس القريب فجع المسلمون بفقد نبيهم (صلى الله عليه وآله)، وانقطع عنهم الوحي، وأغلق باب الرحمة الذي أرسل للعالمين، واليوم يمنعون من المطالبة بالعمل بسنته وهديه، والقرآن يناديهم بقوله:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ»(1).

«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2).

ص: 96


1- الأنفال، الآية: 24
2- الأنفال، الآية: 25

فقد عمت هذه الفتنة جميع المسلمين، وهو ما سنعرض له في ثانيًا.

ثانيًا - حرق الأحاديث النبوية بعد منع العمل بالسنة.

لم يزل الخليفة الأول في سُلّم الخلافة (الراشدة) يؤسس لثقافة جديدة ويسعى جاهدًا لخلق البيئة الفكرية والاجتماعية لها، وضمن مراحل من العمل الدؤوب - کما سیمر بیانه عبر هذا المبحث - لتحقيق ثمرة اغتيال التوحيد في أمة التوحيد، وهو ما كشفته النصوص التاريخية والحديثية.

فبعد المنع من المطالبة بالعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعاقبة المعترض أو من يقوم بمطالبة الخليفة بالرجوع إلى السنة النبوية والعمل بها.

ينتقل الخليفة الأول إلى مرحلة جديدة مستخدمًا فيها وسيلة حرق الأحاديث النبوية المكتوبة على الورق أو الجلود وغيرها من الوسائل التي كانت مستخدمة للكتابة وتدوين الحديث النبوي الشريف آنذاك.

وذلك: لأنه يدرك أن منع المسلمين من مطالبته شخصيًا بالعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو أن يقوم بها - بلحاظ أنه رأس الهرم القيادي للمسلمين وبما يقتضيه عنوان الخلافة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وتصريحه بعدم القيام أو العمل بذلك - لا يجدي نفعًا في خلق البيئة الفكرية لسنة الخلافة التي أريد منها أن تكون بديلًا عن سنة النبي (صلى الله عليه وآله)، وذلك لسببين أساسيين:

ص: 97

السبب الأول: ارتکاز السنة النبوية على عقيدة التوحيد التي تأخذ بأعناق المسلمين إلى العمل بهذه السنة والحذر من مخالفتها، لأن في ذلك هلاك المسلم وضياعه في الدنيا والآخرة، لذا: لا بد من تغيير عقيدة التوحيد عبر تقديم مفاهيم جديدة للتوحيد، منها:

1- إن الخليفة غير ملزم بالعمل بالسنة لكونه غير معصوم وله شیطان يعتريه.

2- إنّ طاعة الخليفة ملزمة أيضًا للمسلمين وذلك عبر البيعة التي له في أعناقهم ومن ثم عليهم طاعته وحمايته والدفاع عنه وعن خلافته.

3- إن للخليفة تشريعاته وأستحساناته و آراءه الخاصة وهي ليست بالضرورة ان تتفق مع السنة النبوية والقرآن، بل قد تأتي هذه التشريعات بمخالفات علنية وصريحة للقران والسنة على قاعدة المصالح المرسلة ودفع المفاسد التي يقررها الخليفة.

وفي كل الأحوال هي ملزمة لمن بايع الخليفة أو حتى لمن لم يبايع فهو ملزم بها ما دام يعيش تحت حكومة الخليفة فهو خاضع هذه التشريعات.

والسبب الثاني - إنّ بقاء الأحاديث النبوية مكتوبة ومدونة سيعمل على بقائها، ومن ثم سيعود المسلمون إلى عقيدة التوحيد التي تلزم المسلم بتقديم السنة النبوية والعمل بها على جميع السنن الأخرى سواء كانت هذه السنن الجديدة تحت عنوان (الخلافة الراشدة) أو (الخلافة الأموية) أو (العباسية) وهكذا.

ص: 98

وعليه:

ستكون نتيجة جهود الخليفة الأول في بناء الثقافة الجديدة لإرساء عقيدة توحيد الخلافة غير مجدية فسرعان ما سيعود الناس إلى عقيدة التوحيد التي جاء بها القرآن والسنة النبوية؛ وهذا يعني أن لا وجود للثقافة الجديدة والعقيدة الجديدة في التوحيد، ولا وجود للخلافة. مما استلزم الإقدام على حرق الأحاديث النبوية ومحو آثارها في المجتمع الإسلامي وهذه المرة يرتكز فعل الخليفة على علة جديدة ليستطيع تمرير عملية الحرق والإتلاف للأحاديث النبوية كما تحدثنا عائشة بنت أبي بكر، فتقول:

(جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكانت خمسمائة حدیث، فبات ليلته يتقلب كثيرًا، قالت: فغمني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو الشيء بلغك؟

فلما أصبح، قال: بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقهّا!!! فقلت:

لم أحرقتها؟!

قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به ولم يكن کما حدثني فأكون قد نقلت ذلك)(1).

ص: 99


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 5؛ الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 1 ص 200؛ کنز العمال: ج 10، ص 286

ولقد حاول الحافظ ابن کثیر، والحافظ السيوطي، إيجاد توجيه هذا الفعل(1)؛ أما الحافظ الذهبي فقد عقّب على الحديث قائلًا: (فهذا لا يصح والله أعلم)(2).

ولا شك أن الأحاديث النبوية أكثر بكثير من هذا العدد الذي ذكرته عائشة أو الذي حاولت أن تقدمه للناس على أن عدد الأحاديث التي جمعها أبو بكر ثم أحرقها هي بهذا العدد أو لعله تصحيف من الرواة فقد تكون خمس مائة ألف مثلًا فمحيت كلمة ألف، أو لعلها كانت کما ذکرت عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أنها كانت مصنفة ضمن موضوع ما، وعنوان محدد، قد يتعلق بالصحابة، أو بحدث السقيفة، أو بعترة النبي (صلى الله عليه وآله)، أو بعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه خاصة، أو به شخصیًّا، أي بأبي بكر، أو بوقوع الفتن كخروج عائشة إلى حرب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو غير ذلك.

ومهما يكن من أمرٍ فإن حرق الأحاديث النبوية هو وسيلة لتحقيق الثقافة الجديدة المرتكزة على سنة الخلافة مقابل السنة النبوية.

ولذا:

لا يزال السؤال قائمًّا وملحًّا لكل باحث وقارئ، وهو:

بأي سُنَّة كان ولا يزال علماء السنة والجماعة يطالبون المسلمين العمل بها: أهي سُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي لم يعمل بها أبو بكر ونهی

ص: 100


1- کنز العمال للمتقي الهندي: ج 10، ص 286
2- تذكرة الحفاظ : ج 1، ص 5

المسلمين عن المطالبة بها والتي حرقها!!؟ أم ستته هو التي جهد على إرسائها في المجتمع لتثمر في كربلاء باغتيال التوحيد؟!

ثالثًا - منع المسلمين من التحديث بأحاديث رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

بعد أن تدرج الخليفة في خلق البيئة الفكرية لإرساء سُنة الخلافة في المجتمع الإسلامي، لكي تحل محل السُنة النبوية فبدأ بمنع العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكونه غير معصوم وإن له شيطانًا يعتريه؛ ثم الانتقال إلى حرق الأحاديث النبوية في المرحلة الثانية، لينتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة، وهي: منع الناس من التحديث بأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فكانت هذه الوسيلة على النحو الآتي:

روی الحافظ الذهبي (ت 748 ه) عن أبي مليكة، قال:

(إن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال:

إنكم تحدثون عن رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدکم أشد اختلافًا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئًا! فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه)(1).

والحديث يرشد إلى جملة من الأمور:

ص: 101


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 32

1- إنّ هذا (الجمع) الذي عبّر عنه الصحابي أبو مليكة هو للصحابة من المهاجرين والأنصار الذين سمعوا النبي (صلى الله عليه وآله) وشهدوا سيرته وحياته، ومن ثم فالمنع كان للصحابة جميعًا.

2- إن هذا الاختلاف في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي ذكره أبو بكر يفرض وجود أمور عدة، منها:

ألف: إنّ فيهم من كان يزيد أو ينقص في الحديث النبوي إما عامدًا أو ساهیًا.

باء: إنّ فيهم المُتقوِّل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاسيما وأن طبقة المنافقين والمؤلفة قلوبهم والطلقاء وغيرهم، تشملهم صفة الصحبة کما حددها علماء السنة والجماعة.

جیم: إن هذا الاختلاف يدعو إلى وجوب أن يكون للأمة إمام منصوص عليه من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) يرجع الناس إليه بعد نبيهم في معرفة شريعة الله تعالى، وحلال محمد (صلى الله عليه وآله) وحرامه.

دال: إن هذا الاختلاف يدل على أن الأمة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يمكن لها أن تنجو ما لم تتمسك بالثقلين كتاب الله وعترة نبيها (صلى الله عليه وآله).

فمن تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم هلك في المحدثات والشبهات والبدع.

3- إن منع الناس من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لغرض منع الاختلاف في الحديث لا يحقق منع الاختلاف؛ بل إنه ليزيدهم

ص: 102

اختلافًا وذلك أن القرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه، والعام والخاص، والمطلق والمقيد وغير ذلك؛ فأنى للناس فهم القرآن وبيان حلاله وحرامه وقد اختلفوا في بيان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لشريعة الإسلام، أي: إذا كان الناس كما يدّعي أبو بكر قد اختلفوا في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بين ظهرانيهم يعلمهم ويزكيهم، صادعًا بالنذارة يدعو إلى بيان شريعة ربه ليلًا ونهارًا سرًا وجهرًا؛ فكيف بهم في فهم مراد الوحي وتطبيق شرع الله تعالى وقد قيده الله تعالى بأهله، وهم أهل الذكر؛ وهم الراسخون في العلم فقال عزّ وجل:

«...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).

«...وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...»(2).

ومن ثم لم يكن الداعي الحقيقي في منع الناس من التحديث بأحادیث رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الاختلاف في هذه الأحاديث وإنما وسيلة أخرى من وسائل سنة الخلافة وعقيدتها الجديدة المقتضية - بحسب هذه النصوص وغيرها. کما سیمر في المسائل القادمة التي سنتناول فيها الإجراءات المتممة لما بدأه الخليفة الأول - والمرتكزة على حجب سنّة النبي (صلى الله عليه وآله) وسيرته والعمل على إرساء سنة الشيخين أو سنة الخلافة.

ص: 103


1- سورة النحل، الآية: 43
2- سورة آل عمران، الآية 7

المسألة الثانية: التثقيف على سنة الخلافة وعقيدتها في خلافة عمر بن الخطاب.

تمتاز هذه الفترة من عمر الخلافة (الراشدة) بأنها الأشد صرامة في إثبات سنة الخلافة وجعلها بديلًا عن سنة النبي (صلى الله عليه وآله) بشتى الوسائل، والتي استطعنا أن نجمع جزءًا يسيرًا منها من بطون الكتب والمصادر الإسلامية؛ لنجد في محصلة هذه الإجراءات التي جاء بها الخليفة الثاني انه استطاع أن يرسخ هذه السنة في المجتمع الإسلامي، وتغليبها على سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المستوى الذي نادى به المسلمون وجعلوه شرطا في استحقاق منصب الخلافة فيما بعد عمر بن الخطاب، کما حدث في اشتراطهم على أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) فرفض ذلك؛ ووافق عليه عثمان بن عفان.

وصارت هذه السنة العمرية شعارًا يحتج به على الإمام علي (عليه السلام) حينما أراد منع صلاة التراويح في مسجد الكوفة فصاحوا (وا سنة عمراه)(1) وغير ذلك من الشواهد الكثيرة والكاشفة عن إرساء سنة الخلافة، وتحديدًا سنة الشيخين وكل ذلك يعود الفضل فيه لإجراءات عمر بن الخطاب في تقديم عقيدة جديدة في التوحيد ترتكز على شرّعنة سنة الخلافة وتقديمها على سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) کما سیمر بيانه في الأمور الآتية، وهي كالآتي:

ص: 104


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 283

أولًا - منع تدوين سنة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).

تُظهر النصوص التي سنوردها في هذه المسألة أن أولى اهتمامات خليفة المسلمين هي حجب جميع المعارف التي بين يدي الناس، وأن أهم هذه المعارف التي لزم منعها وحجبها في عهد عمر بن الخطاب هي سُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) انطلاقًا من اعتقاده بأن المصدر الوحيد الذي يلزم الاعتماد عليه والأخذ منه هو القرآن الكريم.

مما يعني: فتح المجال للاجتهادات والآراء والتأويلات، وإذ إن عمر ابن الخطاب كان على رأس الهرم في قيادة الخلافة الإسلامية آنذاك فهذا يحتم أن يكون له الرأي الأول في بيان ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم.

بمعنى أدق: أن ذلك سيجعل طريقته ورأيه وسنته هي البديل عن السنة النبوية بل وجميع ما يتعلق بالإسلام فكرًا وعقيدة وشريعة، وهو ما سعی إليه عمر بن الخطاب خلال توليه الحكم.

أما هذه النصوص فسنوردها ضمن نقاط ونجعل لكل نص عنوانًا کما صدّرنا هذه الفقرة بعنوان: منع تدوین سُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقد روى الخطيب البغدادي، وابن عبد البر وغيرهما عن الزهري عن عروة بن الزبير:

(إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السُنن، فاستشار فيها أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأشار عليه عامتهم بذلك، فلبث عمر شهرًا يستخير الله في ذلك شاکًا فيه؛ ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له، فقال: إني قد

ص: 105

کنت ذكرت لكم من كتاب السُنن ما قد علمتم، ثم تذكرت، فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبًا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله؛ وإني والله لا ألبس بشيء أبدًا، فترك كتاب السنن)(1).

ويكشف النص عن جملة من الأمور:

1- لقد حاول البعض تبرير هذا الفعل الذي أقدم عليه عمر بن الخطاب وتخريج معنی يدفع حقيقة منع تدوين السنة النبوية ومحوها - کما سیمر - إلا أن كل تبرير مهما كان لا يمكن أن يلزم الباحث الثبت والقارئ الفهم من تلميع هذا الفعل الذي أقدم عليه الخليفة(2).

2- یکشف النص أن الدافع في استشارة عمر بن الخطاب صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو لمعرفة توجهاتهم اتجاه السنة النبوية فلو وجد له أنصارًا في منع تدوينها لاستعان بهم إلا أنه وجد العكس فقد أشار جميع الصحابة عليه بكتابة السنة النبوية مما دفعه إلى التفكير شهرًا كاملًا في إيجاد مخرج معقول يسد فيه هذا الرأي الجامع عند الصحابة؛ فكان المخرج حرصه على القرآن، الذي لم يصمد أمام منهجه في إيجاد السنة البديلة والفكر البديل؛ وإلاّ حتى قراءة القرآن كذاك لم تسلم من وسائل عمر ابن الخطاب في تطبيق التوحيد بمفهومه العمري؛ کما سیمر.

ص: 106


1- تقييد العلم - أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي: ص 501؛ جامع بیان العلم وفضله لابن عبد البر، ص 64؛ ذم الكلام و أهله، الأنصاري الهروي: ج 3، ص 249
2- سنن الدارمي: ج 1، ص 85، تبرير هذا الفعل العمري

3- لا شك أن هناك أحاديث كثيرة يتداولها المسلمون اليوم في وجوب اتباع الجماعة ولزوم الصحابة والتمسك بالسلف الصالح، والسؤال المطروح: أين عمر بن الخطاب من جماعة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهؤلاء السلف الصالح الذين أجمعوا على كتابة سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقدم على مخالفة الجماعة، والصحابة، والسلف الصالح، ويعمل برأيه ويلزمهم به؟!

أليس هذا الفعل خروجًا على الجماعة وتعريضًا بالسلف الصالح؟! أم أن هذه الشعارات لا واقع لها إلا عندما تتقدم المصالح والمناصب والأمراض القلبية.

4- أما مقارنته لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أهل الكتاب وهم حملة القرآن والسنن (وخير أهل القرون) فهذا يحتاج من المسلمين إلى مراجعة رأيهم في صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)؛ إذ لعل تقييم عمر بن الخطاب لهم صحيح وممكن، فيكون تركهم للقرآن حقيقة واقعة أراد ابن الخطاب منع وقوعها ضمن مشروعه في تحقيق عقيدة التوحيد الجديدة.

5- أو أن الدافع لهذا الإجراء الذي أقدم عليه عمر بن الخطاب هو إيجاد الذريعة في منع الصحابة من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وهذا ما نجده في ثانیًا.

ص: 107

ثانيًا: منعه الصحابة من رواية أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله).

إن ما يؤكد حقيقة تحجيم السُنة النبوية وهجرها في جملة من الوسائل التي أقدم عليها عمر بن الخطاب هو تلك الإجراءات المتتابعة التي استعملها ابن الخطاب في منعه صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من التحديث بأحادیث رسول الله (صلى الله عليه وآله) کما دلت عليه النصوص الآتية:

1- أخرج الحاكم النيسابوري عن قرظة بن كعب، قال:

(خرجنا نريد العراق، فمشى معنا عمر بن الخطاب، إلى صرار فتوضّأ، ثم قال:

أتدرون لم مشيت معكم؟

قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مشيت معنا.

قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تبدونهم بالأحاديث فيشغلونکم، جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، وأمضوا وأنا شريككم.

فلما قدم قرظة - العراق - قالوا: حدّثنا؟

قال نهانا الخطاب)(1).

ص: 108


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 1، ص 102

2- وفي لفظ آخر أخرجه ابن ماجة، عن الشعبي، عن قرظة بن كعب، قال:

(بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيعنا، فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار، فقال:

أتدرون لم مشيت معكم؟

قال، قلنا: لحق صحبة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ولحق الأنصار.

قال: لكني مشيت معكم لحديث أردت أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم؛ إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزیز کهزيز المرجل؛ فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم وقالوا: أصحاب محمد؛ فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، ثم أنا شريككم)(1).

قال قرظة بن كعب:

(وأنا كنت لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله) وإني لمن أحفظهم له، فإذا ذكرت وصية عمر سکت)(2)!!!

3- إن الحاكم النيسابوري لم يصرح باسم القرية التي توجه إليها مجموعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أن الدارمي المتوفي (سنة 255 ه) قد صرح عنها كما في الرواية الآتية التي أخرجها عن طريق (أشعث ابن سوار عن الشعبي، عن قرظة بن کعب، قال:

ص: 109


1- سنن ابن ماجة، باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ج 1، ص 12
2- سنن الدرامي: ج 1، ص 85

بعث عمر بن الخطاب رهطًا من الأنصار إلى الكوفة فبعثني معهم فجعل يمشي معنا حتى أتی صرار، وصرار ماء في طريق المدينة، فجعل ينفض الغبار عن رجليه، ثم قال: إنكم تأتون الكوفة، فتأتون قومًا لهم أزيز بالقرآن، فيأتونكم فيقولون قدم أصحاب محمد، قدم أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله -، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فاعلموا أن أسبغ الوضوء ثلاث وثنتان تجزيان، ثم قال: إنكم تأتون الكوفة فتأتون قوما لهم أزيز بالقرآن، فيقولون: قدم أصحاب محمد، قدم أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله - فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، وأنا شريككم فيه.

قال قرظة: وإن كنت لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وإني لمن أحفظهم له، فإذا ذكرت وصية عمر سکت)(1).

4- عن السائب بن يزيد قال:

((سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة لتتركن الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لألحقنك بأرض دوس))، وقال لكعب:

((لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة))(2).

ص: 110


1- سنن الدارمي باب: من هاب الفتيا مخافة السقط، ج 1، ص 85
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : ج 50، ص 172؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 601

والأحاديث تكشف عن أمور:

1- لا شك أن العقول حينما يطبق عليها التعصب فإنها لا تهتدي الفهم، ولذلك فقد فهم البعض هذا الأمر الصريح من عمر بن الخطاب في منع الصحابة من الحديث بأحادیث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن المراد من هذا الفعل العمري ليس السنن والفرائض، فقال بعضهم:

(ومعناه عندي الحديث عن أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس السنن والفرائض)(1).

والسؤال المطروح: وهل السُنة إلا قول النبي (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره؟ فمنذ متى أصبحت حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مقسّمة إلى سنن و فرائض وقصص حياتية؟ سبحان الله عما تصفون!!

2- إن قول عمر بن الخطاب: (فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم) عامة ومطلقة بالمنع عن تحديث الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك أن هذا الحديث يعيد الناس إلى سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ثم لا يتحقق لعمر بن الخطاب تثبیت سنته كفکر ومنهج بديل عن السنة النبوية وهو ما يسعى إليه في هذا المنع.

ولذا:

كان المنع أحد الوسائل التي اعتمدها ابن الخطاب في تحقيق توحید الخلافة ولإرساء السنة العمرية في المجتمع الإسلامي، بعد أن قام بمنع التدوين في المدينة المنورة وحينما وجد أن هذا المنع لا يكفي في المدينة وذلك

ص: 111


1- سنن الدارمي، باب: من هاب الفتيا: ص 85

لانتشار حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) خارج المدينة قام فقدم على أمر جدید کما في (ثالثًا).

ثالثًا: أمره بمحو السُنة النبوية في جميع المدن الإسلامية.

إن هذا الهدف المرجو في منع الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي يسعى إليه خليفة المسلمين عبر مجموعة من الوسائل، في تحقيق السنة الجديدة وإرسائها في المجتمع الإسلامي لم يقتصر على ما مرّ ذكره من منع التدوين، ومنع تحديث الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والرواية عنه؛ بل تعداه كذاك إلى وسيلة أخرى وهي أخطر من الوسيلتين السابقتين، وهي: تعميم أمره على الأمصار الإسلامية بمحو السنة النبوية، كما يدل النص الآتي:

(عن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار من كان عنده شيء فليمحه)(1).

والرواية ترشد إلى ما يلي:

1- إنها تقطع الشك بأن ابن الخطاب لم يفرق بين السنن والفرائض أو القصص الحياتية من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسنته کما ادعى الدارمي وانما محو جميع سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاسيما وقد استشار الصحابة في ذلك فأشاروا عليه جميعًا بتدوينها - کما مر سابقًا - مما يعني أنه اكتشف أنهم أي الصحابة على رأي واحد في حفظ سنة نبيهم صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 112


1- تقييد العلم، أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي: ص 53

ومن ثم يلزم تحقيق هدفه في إيجاد السنة العمرية كبديل عن السنة النبوية بعد هذا الإصرار والاتفاق لدى الصحابة في جمعها؛ ووجد أيضًا أن لا بديل لتحقيق هذا الهدف سوى العمل على محو السنة النبوية في جميع المدن الإسلامية، أي القضاء التام على هذه السنة سواء كانت بين يدي الصحابة في المدينة أو في غيرها من المدن التي دخلها الإسلام.

2- إنّ البحث يفرض سؤالًا في غاية الأهمية، وهو: إن هذا الأمر الصادر من الخليفة كيف خالفه أصحاب السنن والصحاح وهم يعتقدون بأن مخالفة الشيخين من المهلكات، فمن جهة تمسكوا ببدعه (الحسنة) كصلاة التراويح، وتحريم زواج المتعة، وحذف كلمة (حي على خير العمل) من الأذان وغير ذلك من الأحكام والشرائع، ومن جهة أخرى خالفوا أمره فيما يلي:

أ: محو السنة النبوية.

ب: الاكتفاء بالقرآن (حسبنا کتاب الله).

ج: (أقلُّوا الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - وأنا شريككم).

إنه سؤال سنعرف إجابته يوم القيامة حينما يقف الخليفة وأصحاب الصحاح والسنن بين يدي الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) لا سيما وأن القرآن قد صرّح بذلك فقال عز وجل:

«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»(1).

ص: 113


1- الصافات، الآية 24

رابعًا: حبسه لصحابة النبي (صلى الله عليه وآله) بجرم إفشائهم الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

لا شك أن عمر بن الخطاب كان كثير البحث عن الوسائل التي تحقق مفهوم التوحيد الجديد في المجتمع، والمرتكز على إزالة كل ماله علاقة برسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ ولأجل تحقيق هذا الأمر فقد واجه محاولات عديدة من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) المغايرة لهذا الهدف، مما تطلب أن يجد الوسائل الأخرى التي تبدو أنها لم تنتِه عند حد؛ وذلك إن إصرار بعض الصحابة على الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهة، ومن جهة أخرى أن الأمر لم ينحصر في اثنين أو ثلاثة من الصحابة، فَجُلُّ الصحابة كان يروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذلك كانت وسائله في تحقيق هدفه بين كر وفر فيما بينه وبين صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مما دفعه إلى استعمال وسيلة جديدة هذه المرة بعد أن منعهم من الحديث فلم يفلح الأمر، وأمرهم بمحو السنّة فلم ينجح الأمر، فقدم هذه المرة على حبس بعض صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين خالفوا أمر ابن الخطاب وتمردوا على طاعته فكانوا يفشون أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الناس ويتذاكرون فيما بينهم.

وهو ما كشفته الرواية الآتية:

فعن محمد بن إسحاق قال: أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال:

ص: 114

(والله ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجمعهم من الآفاق، عبد الله بن حذافة، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعقبة بن عامر، فقال:

ماهذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) في الآفاق؟

قالوا: أتنهانا؟!

قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم نأخذ ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات)(1).

وفي لفظ آخر، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، أنه قال:

قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن مسعود، ولأبي الدرداء، ولأبي ذر:

ما هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه - و آله - وسلم)؟ ولم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات)(2).

والأحاديث ترشد إلى أمور منها:

1- إن هذه الوسيلة التي استعملها عمر بن الخطاب وهي الحجر على النخب وفرض الإقامة الجبرية عليهم هي من الوسائل التي تعتمدها كثير

ص: 115


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 4، ص 501؛ کنز العمال للمتقي الهندي: ج 10، ص 293
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، ص 326؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 10، ص 297؛ الأحكام لابن حزم الأندلسي: ج 2، ص 249؛ کنز العمال: ج 13، ص 250

من الحكومات السابقة واللاحقة كمحاولة منها لفرض طوق على الأفكار التي تحملها هذه النخب ولا شك أن هذه الوسيلة لها تأثيرها على هذه النخب ولكن لا يمكن فرض الإقامة الجبرية على الأفكار فكثير منها ينتقل بين الناس ويستقر عند أهل العقول.

2- لا يخفى أن هذه النخبة من الصحابة الذين فرض عليهم عمر بن الخطاب الإقامة الجبرية ومنعهم من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لسبب آخر لم يصرح به الرواة وأضمره ابن الخطاب في صدره کما أضمر العلة في مرافقته للصحابة الذين بعثهم إلى الكوفة ثم سألهم: (أتدرون لم مشيت معكم) ثم صرّح لهم عن السبب؛ وكذاك حاله في استدعاء هذه النخبة من الصحابة ومنعهم من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن السبب هو: بيانهم لما يتعلق بأمر أحقية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة بقرينة وجود أبي ذر الغفاري (عليه الرحمة والرضوان) الذي عرف بتمسكه ومناصرته لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ومواجهة الخلفاء الثلاثة وتصديه لوسائلهم العديدة في الأمن الفكري بمنع الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعريف الناس بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وسنته.

3- کما تكشف الرواية عن وجود عيون لعمر بن الخطاب ترقب الصحابة وما يفعلون، ولذا قال لهم لما أحضرهم، (ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الآفاق).

ص: 116

خامسًا: حرقه الكتب التي عند صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

إن ما يستفاد من الروايات أن الخليفة في كر وفر مع صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في استعمال وسائله المتعددة في تطبيق التوحيد الجديد المقتضي إزالة سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستحداث سنته بدلًا عنها تحت ذريعة الحفاظ على القرآن.

إلا أن هذه المحاولات كانت تواجه بمحاولات معاكسة من الصحابة؛ فمثلًا حينما أمرهم بترك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله واجهها الصحابة بالكتابة سرًا حتی کثرت هذه الكتب بين أيدي الصحابة حينها وجد ابن الخطاب أن إبقاء هذه الكتب مع منع الصحابة من الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو الأمر بمحوها لا يجدي نفعًا مع بقاء هذه الكتب.

وكذلك: وجد أن الوسيلة الأنجح في تحقيق هدفه المقتضي إعدام السنة النبوية وإحياء السنة العمريّة هو حرق الكتب التي دون فيها الصحابة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ما كشفته الروايتان الآتيتان:

1- لما بلغه - أي عمر بن الخطاب - أنه قد ظهرت في أيدي الصحابة كتب استنكرها وكرهها وقال:

(أيها الناس إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أیدیکم کتب، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتابًا إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي. فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار، ثم قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب)(1).

ص: 117


1- تقيد العلم للخطيب البغدادي: ص 52

2- عن ابن سعد قال: أخبرنا زید بن يحيى بن عبيد الدمشقي، قال: أخبرنا عبد الله بن العلاء، قال: سألت القاسم يملي علي أحاديث فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحریقها، ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب)(1)

والروايتان ترشدان إلى أمور، منها:

1- التأكيد على أن عمر بن الخطاب كان لديه عيون على الصحابة يأتون إليه بأخبارهم وماذا يتحدثون ويفعلون، ولذا قال لهم: (إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أیدیکم کتب).

2- إن الصحابة لو علموا بأن عمر بن الخطاب كان سيقدم على حرق كتبهم لما أتوه بها، وإن عمر كان يدرك ذلك ولذا: لم يخبرهم بنيته المبيتة، فاستعاض عنها بقوله: (فأرى فيه رأيي) أي في هذه الكتب فكان رأيه الذي أظهره فعله هو الحرق لهذه الكتب.

3- أما قوله: (أمنية كأمنية أهل الكتاب) فهو تعریض وانتقاص من شأن الصحابة الذين نالوا منزلة في الفكر الإسلامي غير التي وضعهم فيها عمر بن الخطاب.

4- من أين اطلع عمر بن الخطاب على قلوب جميع الصحابة فعرف أن أمانيهم كأماني أهل الكتاب؟! ص: 118


1- الطبقات لابن سعد: ج 5، ص 188؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 7، ص 321؛ سیر أعلام النبلاء: ج 5، ص 60

ولذلك: كان المراد مع كيل الاتهامات للصحابة هو تحقيق الأمن الفكري في إزالة الفكر الذي ارتكز في أذهان الصحابة وهو سنة رسول الله (صلى الله عليه) وسيرته وهديه.

والدليل: إن عمر بن الخطاب لم يثبت على عذر فبين اتهام الصحابة بالانقلاب على الإسلام واتباع اليهود والنصارى في تحريف دينهم وأن هذه الأماني لا تتحقق، وبين ادعائه في هذه الوسائل وتطبيقها الحفاظ على القرآن إلا أن هذه الادعاءات سرعان ما تكشفت للصحابة وللمسلمين وذلك أنه منعهم من قراءة القرآن وبيانه، ومن ثم يبقى الأمر الجلي في تحقيق توحید الخلافة بمفهومه العمري هو إزالة السنة النبوية من الذاكرة الإسلامية؛ وهو ما دلت عليه الرواية الآتية في منع عمر الصحابة من بيانهم للقرآن عند قراءته.

سادسًا: منعه الصحابة من قراءة القرآن حينما يترافق مع بيان أحكامه؟!

روی ابن شبة النمري (المتوفي سنة 262 ه)، عن السائب بن یزید ابن أخت النمر: (إن عمر بن الخطاب قال: ألا لا أعلمن ماقال أحدكم: إن عمر بن الخطاب منعنا أن نقرأ كتاب الله، إني ليس لذلك أمنعكم، ولكن أحدكم يقوم لكتاب الله والناس يستمعون إليه، ثم يأتي بالحديث من قبل نفسه، إن حديثكم شر الحديث، وإن كلامكم هو شر الكلام، من قام منكم فليقم بكتاب الله، وإلا فليجلس، فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل: قال: فلان وقال فلان وترك كتاب الله)(1).

ص: 119


1- تاريخ المدينة لابن شبة النمري: ج 3، ص 800

والحديث يكشف عن أمور؛ منها:

1- لا شك أن عمر يدرك الحالة التي عليها الصحابة في نفرتهم لهذا القرار الذي سيصدره بحقهم، وذلك لالتصاقه بالقرآن الكريم؛ بل كان يدرك أن هذا الفعل ليس له تفسير آخر، أي: إن المقصود في منعهم من بیان مسائل القرآن وتفسيره هو القرآن نفسه.

إذ ما فائدة القراءة من دون تدبر في الكتاب وما جاء فيه من لطائف وأحكام وعلوم، فضلًا عن أنهم لم يكونوا متأولين في القرآن، إذ لو كانوا من المتأولين فيه لأنالهم ابن الخطاب العقاب الشديد وذلك أنه سيستند إلى القرآن نفسه في منعه الناس من التأويل.

وعليه:

كان ابن الخطاب يدرك كما كان الصحابة يدركون أن المستهدف هو القرآن نفسه، بمعنى: يصبح هذا الكتاب الذي فيه دستور المسلمين ومنهل شريعتهم صامتًا غير ناطق لا يدرك معانيه القارئون ولا السامعون.

2- إن كثيرًا منهم حينما كان يقرأ القرآن وما جاء فيه من السنة في بيان مقاصد الآيات في كشفها لحال الأمة والصحابة وأزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ومنزلة آل البيت وحقهم وشأنهم كان يحدث الناس بما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أسباب النزول ومقاصد الآيات المباركة وهذا ما لا يرغب فيه عمر بن الخطاب.

ص: 120

سابعًا: معاقبته من يسأل عن أمور دينه أشد العقوبة ونفيه من بلده!!

إنّ خوف الصحابة من التعرض للتعذيب وغيرهم من المسلمين کما حدث مع عبد الله ضبيع الذي قدم من البصرة جنوب العراق إلى المدينة في خلافة ابن الخطاب ومباشرة عمر بتعذيبه لجريمة سؤاله عن الآيات المتشابهة في القرآن ليكفي في جعل الصحابة شديدي الحذر من نشر العلم وبيان مقاصد الشريعة سواء ما تعلق بالقرآن أو السنة النبوية.

وهو ما كشفته النصوص الآتية:

1- عن عطاء بن السائب قال: (سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذا سئل أحدهم عن المسألة أحب أن يكفيه غيره)(1).

2- وذكر الدارمي عن داود، أنه قال: (سألت الشعبي کيف کنتم تصنعون إذا سئلتم؟ قال: على الخبير وقعت کان إذا سئل الرجل قال لصاحبه أفتِهِم فلا يزال حتی یرجع إلى الأول)(2).

فهذا هو حال الصحابة والتابعين في تعليم الناس وإرشادهم إلى أمور دينهم؛ أما من يقدم للمدينة من المسلمين لكي يتعلم ويسأل عن أمور

ص: 121


1- سنن الدارمي: ج 1، ص 53؛ الطبقات لابن سعد: ج 6، ص 110
2- سنن الدارمي: ج 1، ص 53؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 5، ص 366

دينهم فإن حاله يرثى لها، بل إنه ليحرم على نفسه ألا يعود إلى المدينة حتى يلقي ملك الموت!!

فأخرج الدارمي في سننه عن سليمان بن يسار: (أن رجلا قدم المدينة يقال له ضبيع - وهو من أهل البصرة - فجعل يسأل عن تشابه القرآن، فأرسل إليه عمر - بن الخطاب - فأعدله عراجين النخل، فقال: من أنت؟

قال: أنا عبد الله، ضبيع. قال : وأنا عبد الله، عمر.

فضربه حتى دمی رأسه، فقال - ضبيع -: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة)(1).

وعن سعيد بن المسيب: (فأمر به عمر فضرب مائة سوط، فلما برئ دعاه فضربه مائة أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى: حرّم على الناس مجالسته)(2).

وذكر السائب بن یزید: (وكتب - عمر - إلى أبي موسى، يأمره أن يحرم على الناس مجالسته، وإن يقوم في الناس خطيبا، ثم يقول: إن ضبيعًا قد ابتغى العلم فأخطأه.

فلم يزل - الرجل - وضيعا في قومه حتى هلك)(3).

ص: 122


1- سنن الدارمي: ج 1، ص 54، نصب الراية للزيلعي: ج 3، ص 118. الدراية لابن حجر: ج 2، ص 98. الدر المنثور للسيوطي: ج 2، ص 7. فتح القدير للشوكاني: ج 1، ص 319 تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 23، ص 411
2- الإصابة لابن حجر: ج 3، ص 371
3- کنز العمال للمتقي الهندي: ج 2، ص 334. الغدير للأميني: ج 6، ص 292

وعليه:

فقد ترك هذا الفعل الذي قام به عمر بن الخطاب مع عبد الله ضبيع آثاره النفسية والاجتماعية ليس فقط في المدينة المنورة وإنما سرى ذلك إلى المدن الأخرى مما منع تداول الحديث أو العلم والسعي في طلبه؛ ومن ثم كانت هذه الوسيلة لها خصوصيتها الردعية على المجتمع الإسلامي.

ولقد أشاد كثير من الباحثين في الوقت الراهن بهذه الوسيلة التي استعملها عمر بن الخطاب في ردع من يسأل عن القرآن و معرفة آياته وأحكامه کالمتشابه أو المحكم وغير ذلك مما يدخل تحت عنوان طلب العلوم الشرعية، بل ودعوا إلى اعتماد هذه الوسيلة مع طالب العلم ومعرفة الشريعة؛ لأنهم يرون أن سنته هي الأنسب للمجتمع کما سیمر؛ مما يجر إلى حالة القطع في أن الدافع في هذه الوسائل التي استعملها عمر بن الخطاب هي إيجاد سُنة وشريعة جديدتين في المجتمع الذي لم يبق فيه سوى المسميات فإن كان الصحابة يلتجئون إلى الحديث النبوي منعوا بحجة الاكتفاء بالقرآن وحده؛ وإن جاؤوا إلى القرآن وما فيه منعوا بحجة اقرانه بآرائهم وفهمهم لآياته وبيانهم لمقاصده؛ وهم کما عرف القارئ الكريم حملة العلم وخير أهل القرون وغير ذلك مما ورد في حقهم.

فماذا بقي بعد ذلك من عقيدة التوحيد التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) وكيف لا تتهيأ البيئة الفكرية والاجتماعية لاغتيال رموز التوحيد وحملته؟

وجوابه في المسائل القادمة.

ص: 123

المسالة الثالثة: تذكية سنة الخلافة وارتداداتها في المجتمع الإسلامي في خلافة عثمان.

تمتاز الفترة الزمنية من عمر الخلافة (الراشدة) في تولي عثمان بن عفان الخلافة بعد عمر بن الخطاب ليكون الخليفة الثالث للمسلمين، بانها الفترة التي تجلت فيها ارتدادات سنة الخلافة العمرية المجتمع الإسلامي وفي مجالات متعددة لا سيما في عقيدة التوحيد وانعكاساتها على الصحابة والتابعيين، فكانت كالآتي:

أولًا - تجلي عقيدة التكفير بعد التأصيل لها في خلافة الشيخين.

إن من أهم الارتدادات التي شهدتها الخلافة بفعل سنة الشيخين هو تجلي عقيدة التكفير في المجتمع الإسلامي و تحقق الحديث النبوي الذي حذرهم من الوقوع فيه في حجة الوداع قائلًا: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».

إلا أن هذه العقيدة اتسمت بظهورها الواسع والراسخ في المجتمع الإسلامي في خلافة عثمان بن عفان وذلك لكونه أول من انكوى بنار هذه العقيدة من الخلفاء الذين تعاقبوا على الجلوس في مجلس الخلافة وإدارة أمور المسلمين وقيادتهم، فقد قتل بأيدي الصحابة، کما سیمر.

ثم سرى ذلك التكفير والقتل للخلفاء تباعًا لتصل الأمور إلى وقوع المجازر في بيوت الحلفاء فيقتل الابن أباه أو أخاه ويعذب ويسجن أرحامه وخاصته کما وقع في الخلافة العباسية.

ص: 124

ولعل المجيء بهذه الشواهد منذ قتل عثمان بن عفان وإلى نهاية الخلافة العثمانية ليحتاج إلى كتاب مستقلٍ ومن أجزاء عدة لبيان آثار هذا العقيدة التي أسسها الشيخان في أمة التوحيد فكانت بعضًا من ثار سنة الخلافة.

وعليه:

كان التأصيل لمسألة التكفير في خلافة أبي بكر في بادئ الأمر، بل ومن الأيام الأولى من عمر الخلافة (الراشدة) ليتبعها عمر بن الخطاب في ترسيخها وتثبيتها بعد الاشتغال على تكوين الأحوال الفكرية لها عبر أيجاد مفهوم بديل للتوحيد الذي جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية المرتكز على (حرمة دم المسلم وماله وعرضه کحرمة بيت الله وشهر الله ويوم النحر) کما مرَّ بيانه في الحديث النبوي الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. فكان المسلم يجلد لمجرد السؤال عن دينه ويحجر على الصحابة لكي لا يحدثوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ (ولم يدعهم يخرجون من المدينة حتى مات)(1).

ومن ثم:

فإن هذه الارتدادات كانت ثمره التأصيل لعقيدة التكفير التي بدأت في خلافة أبي بكر، ومن بين الشواهد على ذلك، ما يلي:

ألف - تكفير المسلم لممانعته الخليفة.

يكشف النص الذي سنورده عن نشوء عقيدة التكفير وتأصيلها وبیان مرکوزها في سنة الخلافة التي جاءت بتشريعات جديدة وإن كانت مخالفة لسنة

ص: 125


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2 ص 326

رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخالفة صريحة، بل كانت مخالفة لشريعة القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) وهما اللذان بمنزلة واحدة، کما مرَّ بيانه.

ومن ثم:

فقد أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة، قال:

(لما توفي رسول الله (صلى الله عليه و آله) وكان أبو بكر، وكفر من كفر و من العرب فقال عمر:

كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله - (صلى الله عليه وآله) -:

«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم في ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله».

فقال أبو بكر:

والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - لقاتلتهم على منعها)(1).

والحديث يثير جملة من الاستفهامات ويرشد إلى حقيقة إرساء التكفير وتحت راية التوحيد، وهي:

1- ينطلق عمر بن الخطاب في سؤاله لأبي بكر في الاعتراض عليه في مخالفته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما حدده من جواز قتل الناس (ما

ص: 126


1- صحيح البخاري، باب: وجوب الزكاة، ج 2 ص 110

لم يقولوا بالتوحید)؛ فإذا قالوها حرمت دمائهم وعصموا من القتل، ومن ثم كيف يكفّرهم أبو بكر ليحل له قتالهم؟.

2- إن جواب أبي بكر على اعتراض عمر واستفهامه كان تأسيسًا لعقيدة جديدة وهي عقيدة التكفير لمخالفة الخليفة وتحت راية التوحيد الذي أوجب الزكاة مثلما أوجب طاعة الخليفة، ومن ثم لترتفع بذلك حرمة دماء المسلمين.

وعليه:

لو كان هؤلاء الناس لم يصلوا أو لم يصوموا ويحجوا فهل سيقاتلهم الخليفة على ذلك، ويبيح دماءهم؟ وأعراضهم؟!!

والجواب: لم يجرِ في خلافة الشيخين أن أحدًا من الناس قتل لأنه لم يصلِ أو يحج أو يصوم.

ولكن: لكونهم منعوا الخليفة أموالهم كفّرهم الخلفية وأحل قتلهم واستباح لجنوده أخذ أموالهم وأعراضهم - کما سیمر -.

إذن:

1- أصبح قتل المسلم مباحًا باجتهادات الخليفة الذي أتخذ من الممانعة عنوانًا للتكفير؛ بل يقسم على قتلهم لو مانعوه.

2- إن تكفير المسلمين أهون ما يكون في الخلافة (الراشدة) فيمكن أن يكون العناق(1) سببًا لإباحة دمه وماله وعرضه؛ والعلة في ذلك: أنه كافر بنظر الخليفة.

ص: 127


1- العناق: وهي الأنثى من أولاد المعز

فكيف إذا تم معارضة الخليفة أو التظاهر ضده ولو بالقول فقط أو مواجهته باليد؟ لا شك أن عملية قتله لا تساوي هذه الجرائم بحق الخليفة بل يلزم أن يحرق داره ويقتل نساؤه وأولاده کما جرى مع الإمام علي (عليه السلام) حينما امتنع عن البيعة فقد حرق داره وضربت فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وأجهضت جنينها.

ولعل إيرادنا لما أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي في دخول عمر بن الخطاب بيت النبوة وتهديده بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحرق دارها ومن فيها لو دخله المانعون للخليفة والخلافة لخير دليل في اتضاح الرؤية في تأصيل التكفير في خلافة الشيخين في الممانعة واستباحة دماء المسلمين وأموالهم التي انعكست بصورة جليلة على استباحة دم الخليفة نفسه في خلافة عثمان بن عفان ومن قبله سُفك دم عمر بن الخطاب وبقرَبطنه وتحت نفس المنبر العقدي في التكفير فكانت الخلافة (الراشدة) هي أول من جني ثمار عقيدة التكفير طعنًا في البطون وقتلًا في الدور.

وعليه:

فقد روى ابن أبي شيبة الكوفي عن زيد بن أسلم:

(أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فیشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال:

ص: 128

يا بنت رسول الله، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحدٍ أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت!!!

قال:

و فلما خرج عمر جاء وها، فقالت:

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لأن عدتم ليحرقن علیکم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدین، فروا رأيكم ولا ترجعوا إلي».

فانصرفوا عنها، فلم يرجعوا إليها حتى بایعوا لأبي بكر)(1).

فإذا كان هذا حال بیت النبوة في عصر الخلافة (الراشدة) فكيف يكون حال الناس، ولذا: فليس بالغريب ولا المستهجن أن يستباح دم المسلم وماله وعرضه ويكفّر لمنعه عناقًا من ماله حينما يطالب به الخليفة.

باء - سبي المرأة المسلمة بجريرة زوجها وبيعها لممانعته الخليفة.

إن من الثمار التي انتجتها مسألة التكفير التي أرساها الخليفة الأول هو سبي المرأة المسلمة، فقد كفرت هذه النساء المسلمات لأن أزواجهن منعوا الخليفة أموالهم تحت ذريعة فريضة الزكاة التي أوجبها التوحيد، لكنه، أي التوحيد الذي جاء به المصطفی (صلى الله عليه وآله) لم يكفر

ص: 129


1- المصنف لابن أبي شيبة: ج 8، ص 572

ذوي مانع الزكاة ويحل دمه وجميع أمواله واستباحة عرضه وهو ما جرى على يد دُعاة التكفير بأمر الخليفة حينما بعث خالد بن الوليد في قتال المسلمين الذين منعوا الخليفة أموالهم.

ولذا:

ليس من الغريب على المسلمين أن يشاهدوا المسلمات وهن سبایا بعد أن شاهدوا خالد بن الوليد يقتل المسلمين ويغتصب نساءهم في الليلة نفسها مثلما حدث لمالك بن النويرة وزوجته، ولعل اعتراض عمر بن الخطاب على هذه الجريمة وموقفه من خالد بن الوليد يعطي صورة واضحة عن تلك الجريمة والانتهاكات التي حدثت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وكما يروي الطبري قائلًا:

(وأقبل خالد بن الوليد قافلًا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرًا بعمامة له قدغرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال: (أرئاء؟! قتلت امرأً مسلما ثم نزوت على امرأته. والله لأرجمنك بأحجارك).

ولا يكلمه خالد بن الوليد ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه حتى دخل على أبي بكر فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك.

قال: فخرج خالد حین رضاعنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد فقال: هلم إلي يا ابن أم شملة قال: فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه

ص: 130

ودخل بيته)(1).

وفي قول آخر أن عمر بن الخطاب حينما سمع الخبر قبل مجيء خالد إلى المدينة، قال: (عدو الله، عدا على امرئ مسلم فقتله، ثم نزا على امرأته)(2).

ولقد تحدثت بعض المصادر الأخرى عن صورة جديدة لهذه الحادثة التي لم تشأ كثير من المصادر إظهارها كي لا يلحقهم العار بمن يتولون ويأتمون.

فقد روى الراوندي (المتوفي سنة 573 ه) قائلا: (لما قعد أبو بكر بالأمر بعث خالد بن الوليد إلى بني حنيفة ليأخذ زكاة أموالهم فقالوا لخالد: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبعث كل سنة من يأخذ صدقات الأموال من الأغنياء من جملتنا، ويفرقها في فقرائنا، فافعل أنت كذلك.

فانصرف خالد إلى المدينة وقال لأبي بكر: إنهم منعوا (من) الزكاة، فأعطاه عسكرا (فرجع خالد) وأتى بني حنيفة وقتل رئيسهم، وأخذ زوجته ووطئها في الحال وسبي نسوانهم ورجع بهن إلى المدينة، وكان ذلك الرئيس صديقا لعمر (في الجاهلية)، فقال عمر لأبي بكر: اقتل خالدا به بعد أن تجلده الحد بما فعل بامرأته.

فقال له أبو بكر: إن خالدا ناصرنا، تغافل، وأدخل السبايا في المسجد وفيهن خولة، فجاءت إلى قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) والتجأت به

ص: 131


1- تاريخ الطبري: ج 2، ص 504؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 6، ص 355؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 17، ص 207؛ أسد الغابة: ج 4، ص 296؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج 14، ص 240؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 2، ص 359
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 504؛ خزانة الأدب للبغدادي: ج 2، ص 26؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 36

وبكت وقالت: يا رسول الله نشكو إليك أفعال هؤلاء القوم، سبونا من غير ذنب ونحن مسلمون.

ثم قالت: أيها الناس لم سبيتمونا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

فقال أبو بكر: منعتم الزكاة، قالت: ليس الأمر على ما زعمت، إنما كان كذا وكذا، وهب الرجال منعوكم الزكاة بزعمكم، فما بال النسوان المسلمات سبين)(1).

وفي رواية أخرى تفصح هذه المرأة عن حقيقة هذه الحرب التي سُنّت ضدهم والتي كان ظاهرها إمضاء رأي أبي بكر في جمع الزكاة و تحويله إلى يديه ينفقه حسب ضروریاته خلافًا لما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إنفاقه في الفقراء من بني حنيفة ليكون المال منهم وإليهم فتقول خولة الحنفية وقد توجهت إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) تخاطبه: (السلام عليك هؤلاء أُمتك سبتنا سبي الترك والديلم، والله ما كان لهم من ذنب إلا الميل على أهل بيتك فحولت الحسنة سيئة والسيئة حسنة، فسبينا...)(2).

ولقد اخرج الصنعاني عن الزهري: (إن أبا قتادة الأنصاري قال لخالد لما أمر بضرب اعناق قوم مالك بن النويرة:

ص: 132


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 563 - 564؛ بحار الأنوار: ج 41، ص 302 - 303
2- مسند الإمام الرضا عليه السلام للشيخ عزیز الله عطاردي: ج 1، ص 117

اتق الله يا خالد فإن هذا لا يحل لك؛ فقاله: اجلس، فإن هذا ليس منك في شيء، قال الزهري: فكان أبو قتادة يحلف لا يغزوا مع خالد أبداً)(1).

ثانيًا - إرتداد سنة الخلافة على تكفير الخليفة وقتله.

إنّ من أبرز الارتدادات التي شهدتها الحياة الإسلامية هي ارتدادها على الخلافة نفسها، فقد كُفِّرَ الخليفة الثالث واستباح المسلمون دمه وتحت شعار:

(أقتلوا نعثلًا فقد كفر).

الذي أطلقته زوج النبي (صلى الله عليه وآله) عائشة وحمله المسلمون وتذرعوا به للانقضاض على الخليفة وقتله.

والسؤال المطروح:

ما الذي جعل هذا الشعار الذي أصدرته عائشة فعّالًا ومؤثرًا ومكتسبًا صفته الشرعية بتكفير خليفة المسلمين؟

ومما لا ريب فيه:

إنها سنة الشيخين؛ فلقد كان الشيخان ولاسيما عمر بن الخطاب يجلها ويفضلها على باقي أزواج النبي (صلى الله عليه وآله).

بل: لقد مكنها من الإفتاء في أمور الدنيا والدين ودرب الناس بالرجوع إليها فانتشر حديثها عن النبي (صلى الله عليه وآله) تفتي الناس في أمور دينهم، وكأنها هي الوحيدة التي تزوجها النبي (صلى الله عليه وآله) ولم یکن

ص: 133


1- المصنف: ج 10، ص 175، برقم (18722)

لها شرکاء ثمان شهدن من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثلما شهدت هي فلها ليلة من تسع ليال وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) توفي عن تسع نساء وإن كن لم يجتمعن كلهن في بيت النبوة في عام واحد، إلا أن ذلك لا يعني أنها كانت تحفظ من الحديث والأحكام في الحلال والحرام ما يتناسب مع هذه الأيام القلائل التي كانت تشترك فيها مع غيرها من نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار، ما يلي:

1- إن الأحكام كانت تنزل بالتدريج ولم تنزل دفعة واحدة مما يتطلب وجود ملازمة دائمة مثلما كان للإمام علي (عليه السلام) وهو القائل عليه السلام: «وَ لَقَدْ کُنْتُ أَتْبَعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِیلِ أَثَرَ أُمِّهِ، یَرْفَعُ لِی فِی کُلِّ یَوْمٍ عِلْماً، مِنْ أَخْلاَقِهِ وَ یَأْمُرُنِی بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ»(1).

2- وجود المحكم والمتشابه في القرآن ما يتعذر معه معرفة الأحكام والسنن.

3- انشغال المرأة بشؤونها الحياتية وهو ما ذکّرها به أبو هريرة حينما قالت له: (يا أبا هريرة ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي - (صلى الله عليه وآله) -!

هل سمعت إلا ما سمعنا، وهل رأیت إلا ما رأينا؟ قال: يا أماه إنه كان يشغلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) - المرأة والمكحلة، والتصنع لرسول الله - (صلى الله عليه وآله) - وأنا والله ما كان يشغلني عنه شيء)(2)

ص: 134


1- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة
2- مستدرك الحاكم، ج 3، ص 509

4- انشغالها بالتناحر والتنازع والتخاصم مع أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المستوى الذي كانت تتسابب هي وزينب بنت جحش أمام رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقد أخرج البخاري عن عروة، عن عائشة أنها قالت: (إن نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) کن حزبين، حزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله)(1).

وعليه:

كل هذه المشاغل والموانع تجعل من أمر فتياها في أمور الدين والدنيا من فعل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب؛ وذلك ليس لكونها من أهل هذا العلم، ولكنها ابنة أبي بكر، وفي الوقت نفسة ما عرف عنها من مواقف العداء لعلي وفاطمة وخديجة (عليهما السلام) لا سيما وأنها كانت تصرّح بذلك حتى أغضبت النبي (صلى الله عليه وآله) حينما قالت له: (ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر أبدلك الله خير منها)(2) (فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى اهتز شعره من الغضب ثم قال:

«لا والله ما ابدلني الله خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولادًا،

ص: 135


1- صحيح البخاری، کتاب الهبة: ج 3، ص 132
2- صحيح البخاري، ج 4، ص 231

إذ حرمني أولاد النساء»)(1).

وعلى الرغم من كل هذه الموانع كانت النتيجة أنها محل الفتيا في سنة الشيخين، وإن فتواها في تكفير عثمان بن عفان كان أسرع من النار في الهشيم، فسار بها الناس في كل صوب؛ والفضل في ذلك يعود للشيخين، فهما اللذان مکّناها من الفتيا، ومما جاء في ذلك، ما أخرجه ابن سعد، وغيره:

1- فعن القاسم، قال:

(كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت)(2).

2- وعن محمد بن لبيد، قال:

(وكانت عائشة تفتي في عهد عمر وعثمان إلى أن ماتت، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعمر وعثمان بعده یرسلان إليها فيسألانها عن السنن)(3).

لذلك:

كان عمر بن الخطاب یزید لها في العطاء ويفضلها في ذلك على بقية أزواح النبي (صلى الله عليه وآله).

3- فقد أخرج ابن سعد، عن مصعب، قال:

ص: 136


1- الاستيعاب لابن عبد البر، ج 4 ص 1824
2- الطبقات الكبرى: ج 2، ص 375؛ مسند ابن راهويه: ج 2، ص 27
3- المصدر السابق

(فرض عمر بن الخطاب لأمهات المؤمنين عشرة ألاف وزاد عائشة ألفين)(1).

4- وأخرج عن ذكوان، فقال:

(قدم درج من العراق فيه جوهر إلى عمر، فقال لأصحابه أتدرون ما ثمنه؟

فقالوا: لا، ولم يدروا كيف يقسمونه.

فقال: اتأذنون أن أرسل به إلى عائشة لحب رسول الله إياها؟

قالوا: نعم.

فبعث به إليها، فقالت ماذا فتح الله على ابن الخطاب، اللهم لا تبقيني لعطية القابل)(2).

من هنا:

كان لفتياها في تكفير عثمان بن عفان الأثر الفعال في قتله واستباحة دمه، وما ذاك إلا بفعل سنة الخلافة التي زرعها أبو بكر وعمر في أمه التوحيد، فما جاءت به النصوص في فتوى عائشة في تكفير الخليفة، على ثلاثة مراحل:

المرحلة الأولى - اسقاط حصانته.

وقد استغلت ما جرى بين عثمان وعمار بن یاسر فحرضت الناس على الخليفة واسقطت حصانته لمخالفته السنة.

ص: 137


1- الطبقات الكبرى: ج 8، ص 67؛ مستدرك الحاكم: ج 4، ص 8؛ أمالي المحاملي
2- مسند بن راهويه: ج 2، ص 19

1- لما بلغها ما فعله الخليفة بعمار بن یاسر (رضوان الله تعالى عليه) - سیمر بیانه لاحقًا - غضبت وأخرجت شعرًا من شعر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وثوبًا من ثيابه، ونعلًا من نعاله، ثم قالت:

وما أسرع ما تركتم سنة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد)

فغضب عثمان غضبًا شديدًا حتی ما دری ما یقول، فإلتج المسجد وقال الناس: سبحان الله سبحان الله)(1).

2- وذكر اليعقوبي قائلًا:

(كان عثمان يخطب إذ أدلت عائشة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونادت: يا معشر المسلمين: هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلی عثمان سنته، فقال عثمان:

(ربِّ أصرف عني کيدهن إنّ كيدهنّ عظيم)(2).

المرحلة الثانية - تكفيره وتشبيهه برجل من اليهود، المسمى (نعثل).

وقد جاءت هذه المرحلة بعد إسقاط حصانة الخليفة في نفوس الناس وأنه غیّر سُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما يستلزم إصدار فتوى تبيح لهم قتله، فكانت الفتوى التي أصدرتها عائشة كالآتي:

1- ((أقتلوا نعثلا فقد كفر))(3).

ص: 138


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 5 ص 538
2- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 175
3- تاریخ الطبري: ج 3 ص 477؛ الكامل لابن الأثير: ج 3 ص 206

2- ((أشهد أن عثان جيفة على الصراط))(1).

ولقد انتشرت فتواها في البلاد لا سيما في المدينة وأخذ بعض الصحابة يواجهون بها عثمان بن عفان، ومنهم:

1- جبلة بن عمرو الساعدي.

فقد روى الطبري: أن عثمان مرّ على جبلة بن عمرو الساعدي وهو على باب داره ومعه جامعة(2)، فقال:

(یا نعثل: والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار...)(3).

2- الجهجاه الغفاري.

فقد روى البلاذري عن حاطب، انه قال:

(أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كان يخطب عليها أبو بكر وعمر، فقال له جهجاه:

قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر)(4).

وفي رواية أخرى أخرجها الطبري عن أبي جيبة، أنه قال له:

ص: 139


1- الإيضاح للفضل بن شاذان: ص 517
2- الجامعة: سلسلة طويلة من الحديد
3- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 5 ص 536
4- تاريخ الطبري: ج 3 ص 400؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 7 ص 196

(یا عثمان، ألا إن هذه شارِفٌ قد جئنا بها، عليها عباءة وجامعة، فانزل فلنُدرِعكَ العباءة، ولنطرحك في الجامعة، ولنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان).

فقال عثمان:

(قبحك الله وقبح ما جئت به).

قال أبو حبيبة:

ولم يكن ذلك منه إلا عن ملإٍ من الناس، وقام إلى عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه وأدخلوه الدار؛ فكان آخر ما رأيته فيه)(1).

المرحلة الثالثة - إمضاء عملية القتل وتنفيذه.

بعد رواج ثمرة تكفير الخليفة حان الوقت لإمضاء قتله وسفك دمه، ولأجل تحقيق هذه العملية لا بد من إثباتها في نفوس الناس وشحذ هممهم في ذلك، فضلًا عن إحباط محاولات التوسط والاسترحام والاستشفاع من صاحبة الفتوى في تكفيره و قتله وذلك لعمل الصحابة بتأثير عائشة وشأنيتها ومكانتها في المجتمع الإسلامي فكانت - كما أسلفنا - موضع الفتيا في أمور الدين والدنيا.

ولذلك:

جاءها مروان بن الحكم، وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وهي تريد الحج، فقالا لها:

ص: 140


1- تاريخ الطبري: ج 3 ص 400

(لو أقمت، فلعل الله يدفع بك من هذا الرجل، وقال مروان:

ويدفع لك بكل درهم انفقته در همین.

فقالت: قد قرنت ركائبي وأوجبت الحج على نفسي ووالله لا أفعل؛ فنهض مروان وصاحبه، ومروان يقول:

وحرَّقَ قيس عليَّ البلاد *** فلما اضطرمت أحجما

فقالت عائشة:

(لعلك ترى أني في شك من صاحبك؟

أما والله لوددت أنه مقطع في غرارة من غرائري، وأني أطيق حمله، فاطرحه في البحر)(1).

وروى البلاذري، أن عبد الله بن عباس مرّ بعائشة وقد ولاه عثمان الموسم - أي الحج - وهي بمنزل من منازل طريقها، فقالت: يا ابن عباس إن الله قد آتاك عقلًا وفهمًا وبيانًا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية)(2).

وبعد خروجها من المدينة وهي تموج بالناس وقد عزموا على قتله؛ فحاصروا الخليفة في داره، ورموه بالحجارة وهم يحاولون دخول الدار لقتله، فنادی زید بن ثابت الأنصاري، فقال:

ص: 141


1- تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 175
2- انساب الأشراف: ج 5، ص 565

(يا معشر الأنصار إنكم نصرتم الله ونبيه (صلى الله عليه وآله) فانصروا خليفته، فأجابه قوم منهم، فقال سهل بن حنيف يا زيد أشبعك عثمان من عضدان المدينة)(1).

فقال زيد بن ثابت:

لا تقتلوا الشيخ ودعوه يموت فما أقرب أجله.

فقال الحجاج بن غزية الأنصاري، أحد بني النجار:

(والله لو لم يبق من عمره إلا ما بين الظهر والعصر لتقربنا إلى الله بدمه)(2)!!

وقتل الخليفة في داره بفتوى عائشة وسنة الشيخين التي مكنتها من الفتيا في تكفير خليفة المسلمين، الذي يعد ثالث الخلفاء الراشدين.

فأين الرشد، وأين الدين، وأين توحيد الموحدين، وسنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)؟!!

وكيف استطاعت سنة الشيخين أن تفرض نفسها وحضورها على عقول الصحابة من الأنصار والمهاجرين والتابعيين؟!

وكيف ينظر علماء الأنثروبولوجيا الثقافية إلى هذا التغيير في السلوكيات البشرية، والبني الفكرية، وكأن القوم قد سيروا فيها لا يدركون، ووجهوا فيما لا يشعرون؟!!

أسئلة كثيرة نعرضها على علماء الأنثروبولوجيا الثقافية لنفهم سر هذا التحول في المجتمع الإسلامي، وهو ما سنتناوله في الفصل القادم.

ص: 142


1- العضيدة: نخلة قصيرة نيال حملها
2- أنساب الأشراف: ج 5، ص 569

الفصل الثاني اغتیال التوحید في معطیات الأنثروبولوجیا الثقافیة ونظریة الأنساق (البنائیة الوظیفیة)

ص: 143

ص: 144

توطئة

إن التحولات الثقافية في المجتمع الإسلامي في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان والارتدادات التي شهدها هذا المجتمع وهو يضم المهاجرين والأنصار وأبناءهم کما مرّ بيانه في المبحثين السابقين، ليدعوا الباحث والقارئ إلى دراسة هذا التغيير الثقافي والأنماط الفكرية التي دفعته إلى ان يسير ضمن أنساق ثقافية واجتماعية جديدة تختلف جذريًّا عن تلك الأنماط والمعطيات الفكرية والثقافية التي جاء بها القرآن الكريم والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حتى أصبح الدارس والباحث حينما ينظر إلى هذا المجتمع وكأنه ينظر إلى مجتمع ذي ثقافة جديدة مغايرة لثقافة القرآن والسنة النبوية.

وعليه:

كان لزامًا علينا أن نلتجئ في دراسة هذه المتغيرات في الثقافة القرآنية والنبوية إلى الدراسات والأبحاث التي اهتمت بدراسة الإنسان؛ أي الأنثروبولوجيا وما يطرأ على الإنسان من تحولات سلوكية ومتغيرات حياتيه لتحوله إلى بنية جديدة في الفكر والسلوكيات وبهذه الدرجة من العمق في التغيير فيصبح المقدس مُدنِّسًا والمدنس مقدّسًا، والموحِد کافرًا فيستباح دمه وماله، والكافر موحِّدًا يحرم دمه وماله لتكون نتيجة هذا التغيير بفعل هذه الأنماط الثقافية في الخلافة (الراشدة) إلى نهاية ثقافة التوحيد واغتياله. على أرض کربلاء.

وهو ما سنتناوله في المباحث والمسائل القادمة.

ص: 145

ص: 146

المبحث الأول آثار التثاقف بین سنة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) وسنة الشیخین

ص: 147

ص: 148

المسألة الأولى: التثاقف من الداخل.

يعود التثاقف في جذره المفهومي والتأصيلي إلى مفردة الثقافة ومنها أي الثقافة اتخذ الأنثروبولوجيون مفهوم التثاقف وتعريفه وتطوره عبر الدراسات الأنثروبولوجية وبالأخص تلك التي تعنى بالثقافة لتنفرد عن أبناء جنسها وتؤسس لحقل دراسي في علم الإنسان فكان الأنثروبولوجيا الثقافية التي سترافقنا في دراستنا هذه المعرفة تلك المتغيرات التي أثرت في ثقافة القرآن والسنة النبوية وإلى حد التفكيك والانصهار في سنة الشيخين وهو ما سنتناوله في هذا المبحث.

ثم لنعود إليها، أي إلى الأنثروبولوجيا الثقافية والبنائية الوظيفية في دراسة جديدة وكتاب جديد إن شاء الله تعالى لدراسة ردة الفعل الذي يعقب المثاقفة والتثاقف لإرجاع الناس إلى ثقافة القرآن والسنة النبوية وتوحيد الفكر حول توحيد النبوة واصلاح أمة التوحيد.

ص: 149

وعليه:

لابد أولًا من الرجوع إلى المناهل المعرفية للتعرف على معنى الثقافة ومفهومها وخصائصها ووسائلها وكيف عمل الأناسيون (الأنثروبولوجيون) على دارسة الإنسان من حيث الأنماط الثقافية وأثرها في تحديد هويته وحضارته وعقيدته لتكون بذلك سمته السلوكية.

أولًا - معنى الثقافة في اللغة والأنثروبولوجيا.

ألف - مفهوم الثقافة في اللغة ومعناها:

عند الرجوع إلى المعاجم اللغوية نجد أن المفهوم لهذه المفردة ومعناها في اللغة يعود إلى الفعل (ثقف).

قال ابن منظور: ثقف: ثقف الشيء ثَقفًا وثِقافًا ثُقُوفة: حذقة ورجل ثقف: حاذق فهم، وأتبعوه فقالوا: ثقف لقف، وهو بيّنُ الثقافة واللقافة.

وقال ابن السكيت:

رجل ثقف لقف: إذا كان ضابطًا لما يحويه قائمًا به.

ويقال: ثقف الشيء وهو سرعة التعلم.

وثقف الرجل ثقافة: اي صار حاذقًا خفيفًا مثل ضخم ومنه المثاقفة)(1).

وهي مورد الدراسة کما سیمر في بيان آثارها، أي المثاقفة والتثاقف.

ص: 150


1- لسان العرب لابن منظور: ج 9، ص 19

وبذلك يصبح (الثقف مصدر الثقافة)(1).

وقال الزمخشري:

(ثاقفه مثاقفة لاعبه بالسلاح وهي محاولة إصابة الغرة في المسايفة ونحوها، وفلان من أهل الثقافة وهو مثاقف حسن الثقافة بالسيف بالكسر، ولقد تثاقفوا فكان فلان أثقفهم)(2).

ومن هنا:

يمكن استخراج مفهوم المثاقفة فيما جاءت به المعاجم اللغوية بأنها: (عملية إدخال أفکار شخص ورُآه إلى شخص آخر بغية إصابته بها والتأثير عليه) کملاعبته بالسلاح بغية إصابته غرته ولا شك أن هذا الفن في ملاعبة السلاح يحتاج إلى أفكار ورؤي يحملها الملاعب ويستعملها لتحقيق هدفه في إصابة الآخر.

ومن ثم فالمثاقفة أو التثاقف يتم بالتواصل والاحتكاك وبالقوة في تحقيق التغيير بالآخر.

باء - الثقافة في الأنثروبولوجيا.

لا يخفى على الباحث في الدراسات الأنثروبولوجيا أن العالم الانجليزي (إدوارد تایلور)(3). هو صاحب التعريف الأكثر انتشارًا واعتمادًا لمفهوم

ص: 151


1- كتاب العين للفراهيدي: ج 5، ص 38
2- أساس البلاغة للزمخشري: ص 95
3- عالم أجناس بشرية (1832 - 1917 م) أستاذ علم الإنسان في جامعة أكسفورد منذ عام (1896 - 1909 م) أسهم في دراسة الثقافة وكان أحد رواد الاتجاه التطوري، وقال بالنظرية البيولوجية، وأسهم في تطوري الدراسات المقارنة للأديان، ينظر: الموسوعة العربية العالمية

الثقافة، فقد عرّفها قائلًا:

(الثقافة هي ذلك الكل المركب المشتمل على المعارف، والمعتقدات والفن، والقانون، والأخلاق، والتقاليد، وكل القابليات والعادات الأخرى التي يكسبها الإنسان كعضو في مجتمع)(1).

ثم يلي هذا التعريف تعريف آخر جاء به الباحثان (کروبیر) و (کلوکهون) فبعد تحليلها لأكثر من مائة وستين تعريفًا للثقافة التي قدمها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، وعلم النفس وغيرهم توصّلا إلى تعريف للثقافة بأنها:

((نسق تأریخي مستمد من الأساليب الظاهرة والكامنة للحياة التي يشارك فيها كل أعضاء الجماعة أو بعضهم))(2).

وأما ما يشهده عالمنا اليوم من متغيرات سريعة تفد على الإنسان جعلت (قضية الثقافة - كما يقول مارك أوجيه -(3)، أو بالأحرى قضية الثقافات تشهد انبعاثًا راهنًا سواء على الصعيد الفكري، نظرًا لحيوية النزعة الثقافية الأمريكية، أو على الصعيد السياسي. ولم تشهد فرنسا حديثًا عن الثقافة كما تشهده اليوم (حول وسائل الإعلام والشباب والمهاجرين إلخ) وهذا

ص: 152


1- سيسيولوجيا الثقافة المفاهيم والإشكاليات، لعبد الغني عماد: ص 31
2- قاموس علم الاجتماع، للدكتور محمد عاطف وصفي: (ص 97)
3- مدیر دراسات في EHSS. (حماية البيئة والصحة والسلامة البشرية والأمن) عمل في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، ونشر عدة أعمال منها: أنثروبولوجيا خاصة بالعوالم المعاصرة - 1994 م)

الاستعمال الفوضوي لكلمة ((ثقافة)) يشكل وحده معطى انثرولوجیًّا)(1).

ثانيًا: التثاقف و (المثاقفة) Acculturation

يحتل مصطلح التثاقف مكانته النشوئية والمفهومية والتطويرية في علم الأنثروبولوجيا الثقافية (الأناسة الثقافية) وهو مازال يشغل حيزًا واسعًا في الدراسات الأنثروبولوجيا لا سيما شهود الثقافة العالمية مرحلة الاتصال المباشر والسريع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن ثم: نجده، أي التثاقف حاضرًا في الأبحاث الأناسية المعاصرة وذلك عبر إعادة دراسة التثاقف من حيث المفهوم والأثر والخصائص والإجراءات، وللوقوف على معرفة التثاقف فلا بد من المرور بالأمور الآتية:

ألف - تعريف التثاقف.

إن زيادة الاهتمام بمصطلح التثاقف في الدراسات الأنثروبولوجية وذلك بفعل المتغيرات الثقافية وأنماطها والتسارع والتقارب والاحتكاك بين الثقافات الإنسانية مما جعل زيادة في ظهور التعريفات الخاصة به، فكان منها:

1- تأثر الثقافات بعضها ببعض نتيجة الاتصال بين الشعوب والمجتمعات مهما كانت طبيعة هذا الاتصال(2).

ص: 153


1- مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية؛ دوني کوش؛ ترجمة قاسم مقداد: ما يقدمه، طبع اتحاد الناشرين العرب - دمشق 2002 م
2- مدخل إلى علم الإنسان، لعيسى الشاس: 146 طبع اتحاد الكتاب العرب / دمشق

2- التأثير الثقافي المتبادل فيما بين ثقافتين مختلفتين بعد حدوث احتكاك مطول بينهما بحيث تتعدل المسالك الثقافية والاجتماعية عند أحد الفرقاء أو عند الاثنين(1).

3- وعرّفه العالم الأمريكي الأنثروبولوجي مايرز هيرسكوفيتش ( 1895م - 196 م):

(الظواهر التي تنتج عن الاتصال المستمر والمباشر بين المجموعات من الأفراد ذوي الثقافات المختلفة فضلًا عن التغييرات في الثقافات الأصلية)(2).

4- وعرّفه دوني کوش: (مجموع الظواهر الناتجة من تماس موصول ومباشر بين مجموعات أفراد ذوي ثقافات مختلفة تؤدي إلى تغيرات في النماذج الثقافية الأولى الخاصة بإحدى المجموعتين أو كليهما)(3).

5- تغير ثقافي يحصل في ظروف معينة بموجب اتصال بين ثقافتين أو أكثر متناقضتين تناقضا ظاهریًّا، ويتضمن التثاقف عددًا كبيرًا من المتغيرات(4).

باء - التثاقف من الخارج.

إن قراءة التعريفات السابقة للتثاقف من حيث البنية النشوئية للمصطلح يتضح أنها مرت بمراحل من التطور المفهومي والبنائي الذي لا يكاد ينفك عن جوهر مفهوم التثاقف ذاته.

ص: 154


1- معجم العلوم الاجتماعية، لفريدريك معتوق: ص 20 ط أكاديميا - بيروت
2- من التثاقف إلى عمليات المثاقفة، تقديم وترجمة أحمد رباص anfasse.okg
3- مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، دوني كوش، ترجمة منير السعداني ص 93 ط / مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت 2007)
4- المعجم التربوي لسعدية الجهوية: ص 3، ط / المركز الوطني للوثائق التربوية - الجزائر 2009 م

بمعنى لم تأتِ هذه التعريفات وعملية بناء المصطلح لدى الأنثروبولوجيين بفارق مفاهيمي عن (التثاقف من الخارج) فالمفهوم هو ذاته في (التثاقف) ولم يقدم الباحثون في الأنثروبولوجيا الثقافية بناءً مستقلا لكلا المصطلحين، (ابتداءً من العالم الأنثروبولوجي الأمريكي (باول - Powell) (1880 م) والذي أشار إلى كونه (استعارة ثقافية).

ثم تبعه في استعمال المصطلح زميلاه (هولمز - Holmes) و (مالك جي - Mc Gee) في ثمانينيات وتسعينات القرن الماضي.

ولقد قام الأنثروبولوجي الألماني (ابرنزایش - Eheenreieh) بنقل المصطلح على ما يبدو إلى أوربا (عام 1905م) عبر كتاباته عن مناطق التثاقف من الخارج، ويظهر المصطلح فيما بعد في كتابات (کریک برج - Krickeberg) و (جرينر - Greebner)؛ ولقد استمر هذا التقليد في أعمال (أورنفالد - Thurnwald) و (شمیدث - Schrmidt).

أما في الإمبراطورية البريطانية فيفضل استعمال مصطلح:

(الاتصال الثقافي)؛ ولقد كانت دراسات التثاقف من الخارج ذات أهمية بارزة في البلاد الناطقة بالإنجليزية على وجه الخصوص.

فكانت في بريطانيا ذات أهمية خاصة للأغراض الإدارية، وفي الولايات المتحدة بسب الاهتمام بديناميات الثقافة.

ولقد بدأت الدراسات الحديثة للتثاقف من الخارج في عشرينيات القرن الحالي.

ص: 155

ویری (هيرسكوفيتش - 1937 م) أن الخلفية التاريخية لظهور هذه الدراسات هي:

1- رد الفعل ضد البطوري.

2- رد الفعل ضد التعميمات المفرطة في أوربا ومهذب إعادة بناء الصورة التاريخية في الولايات المتحدة، اللذين تجاهلا العلاقات القائمة بين الثقافة وحاملها.

3- رد الفعل ضد المذهب التاريخي)(1).

ثالثا - التثاقف من الداخل والتأصيل لحقل الأنثروبولوجيا العقدية.

يرتكز مفهوم التثاقف بحسب التعريفات على تأثير الاتصال والاحتكاك والتفاعل بين الثقافات، وإن محاولات (مایرز هيرسكوفيتش)(2) في إعطاء مفهوم جديد يسمح بوجود ثقافة متغيرة لها ظواهرها الناتجة عن الاتصال المستمر والمباشر بين مجموعات من الأفراد ذوي الثقافات المختلفة فضلا عن التغيرات في الثقافات الأصيلة للمجموعتين أو لواحدة منهما محاولة غير موفقة؛ وذلك إن مفهوم التثاقف حينما يدرس التحولات الثقافية في المادة التاريخية في المجتمع الواحد کما حدث في عينة الدراسة هذه، أي التغيرات الثقافية في المجتمع الإسلامي ما بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) عام 61 ه لوجد الأنثروبولوجيون

ص: 156


1- أرنترو بوس، مبروك بو طقوقه، مصطلح التثاقف من الخارج
2- (Herskovich - 1963) هو عالم أنثروبولوجيا وفلكلور، أمریکی، ولد في 1895 وتوفي 1963، اشتهر بدارسته عن الزنوج في أفريقيا، والعالم الجديد، والفلكلور، والاقتصاد البدائي

أن هذه العينة تؤسس لمفهوم جديد للتثاقف، وهو: تفكيك الثقافة الأصيلة بالثقافة الحاكمة وتذويبها وقولبتها بمظهر جديد يكون مغايرًا في أصوله وفي فروعه للثقافة الأصيلة وإكساء مظاهرها الخارجية بالتوحيد لتغرير حملة الثقافة الأصيلة بأنهم على هويتهم التي اتسموا بها.

ومن ثم التشهد المثاقفة أو التثاقف نمطًا اجرائيًا فريدًا في تاريخ الثقافة والبناء الفكري للإنسان وهو (التثاقف من الداخل) ولعل تخوف النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) من فتنة أحد الصحابة على الأمة أكثر من تخوفه من فتنة الدجال التي ترتكز في مفهومها وإجراءاتها الثقافية والأنثروبولوجية بتغليب الثقافة الوافدة وهيمنتها على الثقافة الأصيلة هو من أجلى المصادیق التي كشفها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن حال الأمة من بعده.

وعليه:

فقد توصل الباحث عبر دراسته لهذه العينة الاجتماعية إلى (نمط جديد من أنماط المثاقفة واجراءاتها الفكرية والاجتماعية في عالم الأنثروبولوجيا الثقافية يؤسس لحقل معرفي جديد في علم الإنسان) ألا وهو: ((الأنثروبولوجيا العقدية)).

يتبنى دراسة نمط جديد من التثاقف، وهو (التثاقف من الداخل).

ويعرفه الباحث ب: (الممازجة والمزواجة بين ثقافتين متغایرتين ومختلفتين في مجموعة واحدة؛ ومن ثم لا يشترط فيها الاحتكاك والتواصل کما يشترط في مفهوم التثاقف الواقع بين مجموعتين مختلفين في الثقافة وعلى مر التاريخ الأنثروبولوجي).

ص: 157

فهنا لا وجود للاستعمار، ولا لمجتمع الحضر والبداوة، ولا لمجتمع التمدن والأرياف، ولا للهجرة أو التبشير أو العولمة، إنها: (مثاقفة في مجتمع واحد وجماعة واحدة استطاع بعض أفرادها بتغير ثقافة المجموعة وإفقادها ثقافتها الأصيلة وإنهائها في البنية المفهومية لعقيدة التوحيد وثقافته).

فيوحَّدُ غير الله عز وجل ويكفَّرُ الموحد لله ويقتل وينهب ماله وينتهك عرضه باسم الله.

إنه تثاقف مغاير في بنيته المفهومية المختلفة عما جاءت به الدراسات الأنثروبولوجية، إنه باختصار شديد وفي المنظومة المفاهيمية التي جاء بها القرآن الكريم، إنه: (النفاق).

فالنفاق حينما يوضع تحت مجهر الإناسة الثقافية ينكشف لنا التثاقف والمثاقفة في الإنسان الواحد وهو يحمل في داخله ثقافتين، ثقافة الإيمان وثقافة الكفر وأنه استطاع أن يزاوج بينهما ويتعايش معهما ويتواصل معها ويحتك بهما في ليله ونهاره، وفي سفره وحضره.

فتراه يصلي ويصوم ويحج ویزکي ويجتهد في قراءة القرآن لكنه في معايشته الحياتية وسلوكياته اليومية كافر جاحد لله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولعل الرجوع إلى القرآن والتاريخ في الاستدلال على المثاقفة بين الإيمان والكفر في الإنسان وغلبة ثقافة الكفر في المظاهر المعاملاتية والإجراءات والسلوكيات التي تصحب المنافق لخير دليل على حقيقة مفهوم المثاقفة في الإنسان الواحد:

1- يكفي بالقارئ والباحث في معرفة صفة المثاقفة في المنافقين هي سورة

ص: 158

التوبة وسورة المنافقين، وفي سورة النساء قال تعالى:

«إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا»(1).

2- وفي الشواهد التاريخية الكاشفة عن هذه الحقيقة ما رواه الديلمي (رحمة الله) المتوفي في (القرن الثامن الهجري) قال:

خرج علي (عليه السلام) ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجها إلى داره وقد مضى ربع من الليل ومعه کمیل بن زیاد، و كان من خيار شيعته ومحبيه فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت ويقرأ قوله تعالى «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ» بصوت شجي حزين فاستحسن ذلك كميل في باطنه وأعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئا فالتفت إليه (عليه السلام) وقال: ((یا کمیل لا تعجبك طنطنة الرجل إنه من أهل النار وسأنبئك فيما بعد))؛ فتحیر کمیل لمشافهته له على ما في باطنه، وشهادته للرجل بالنار مع كونه في هذا الأمر وفي تلك الحالة الحسنة ظاهرا في ذلك الوقت؛ فسکت کمیل متعجبا متفكرا في ذلك الأمر ومضى مدة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل وقاتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) و كانوا يحفظون القرآن كما أنزل وألتفت أمير المؤمنين إلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه والسيف في يده يقطر دما ورؤوس

ص: 159


1- سورة النساء، الآية: 143

أولئك الكفرة الفجرة محلقة على الأرض فوضع رأس السيف من رأس تلك الرؤوس وقال یا کمیل «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا» أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ في تلك الليلة فأعجبك حاله فقبل کمیل مقدم قدميه واستغفر الله)(1).

3- وروى ابن كرامة (رحمة الله) (ت 494 ه) عن الأصبغ بن نباتة، قال:

(خرج أمير المؤمنين ذات ليلة وأنا خلفه وقنبر بين يديه، إذ سمع قنبر رجلًا يقرأ بصوت حزين:

«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا ...»

فوقف قنبر فقال:

أراك والله منهم! قال فضرب أمير المؤمنين بين كتفه وقال:

«امضي؛ يوم على يقين خير من صلاة، إنَّا آلُ محمدٍ نجاةُ كل مؤمن».

فلما كان يوم النهروان، وجدنا القارئ في القتلى مع الخوارج.

قال قنبر:

صدق أمير المؤمنين كان أعلم بك مني)(2).

إذن:

تأتي هذه الدراسة في تطوير لمصطلح التثاقف وبنيته المفهومية المركوزة في (مجموع الظواهر الناتجة عن الاتصال المباشر والمستمر بين ثقافتين لمجموعتين

ص: 160


1- ارشاد القلوب: ج 2، ص 622؛ البخاري: ج 32، ص 399
2- تنبيه الغافلين: ص 147

مختلفتين) إلى (الظواهر الناتجة عن الممازجة بين ثقافتين متغایرتين في المجموعة الواحدة، بل في الإنسان نفسه). وأثر ذلك على عقيدته وأنساقه الثقافية.

من هنا: فإن الدراسة تؤسس لمفهوم جديد ومصطلح جديد وهو (التثاقف من الداخل) وبيان إجراءاته وإنساقه الثقافية والاجتماعية في الأمة فكانت كالآتي في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: الأنساق الثقافية السنة الشيخين في خلافة الإمام علي (عليه السلام) وتجليات التثاقف من الداخل.

للوقوف على معرفة الأنساق الثقافية لسنة الشيخين في خلافة الإمام علي (عليه السلام) و دراسة آثارها في المجتمع الإسلامي في هذه السنوات الأربعة من تولي الإمام علي (عليه السلام) قيادة الأمة وتحقق التثاقف من الداخل فلا بد من التعريف بمعنى النسق ومفهومه وتنوعه في العلوم الاجتماعية لا سيما في الحقل الأنثروبولوجي؛ ومن ثم دراسة تلك الأنساق الثقافية وبيان فعالیتها ومساهمتها في اغتيال التوحيد على أرض کربلاء؛ وهو كما يلي:

أولاً - معنى النسق في اللغة والاصطلاح.

قال ابن منظور:

(النسقُ من كل شيء: ما كان على طريقة نظامٍ واحد، عام في الأشياء وقد نسقتهُ تنسيقًا.

ص: 161

وقال ابن سيده: نسق الشيء ينسقه نسقًا؛ ونسقه نظمه على السواء، وتنسق هو تناسق، والاسم النسق، وقد انتسقت هذه الأشياء بعضها إلى بعض أي تنسقت.

والنحويون يسمون حروف العطف حروف النسق لأن الشيء عطفت عليه شيئًا بعده جرى مجرى واحدًا.

ويقال: ناسق بين الأمرين، أي تابع بينهما)(1).

ويفاد من هذا المعنى: تتابع الأمور والأشياء سواء كانت مادية أو فكریه أو ثقافية على نظام واحد متصل بعضها ببعض ويتلوى بعضها الآخر.

وهو ما شهده المجتمع الإسلامي في خلافة الإمام علي (عليه السلام) وما تلاه من حكومة بني أمية وبني العباس من تتابع سنة الشيخين واجتهاداتهما في الأمة جيلًا بعد جيل ولم يحدث على هذا الاجتهاد أي تغيير، ومنها صلاة التراويح وغيرها من حذف وإضافة في الأذان والطلاق الثلاثي في مجلس واحد وغيرها من الاجتهادات.

أما لو جئنا إلى النسق الثقافي فقد تجلى بشكل جلي وفي مظاهر متعددة - کما سیمر لاحقًا - وذلك بعد بيان معنى النسق الثقافي والاجتماعي، وكما يلي:

ثانيًا - معنى النسق الثقافي ومفهومه.

تناول المختصون في علوم اللغة والعلوم الاجتماعية النسق الثقافي بجملة من التعريفات التي يتضح عبرها أثر النسق في تكوين نظام تفاعلي

ص: 162


1- لسان العرب: ج 10 ص 353؛ مادة نَسَقَ

فيما بين أفراد المجموعة الواحدة تربطهم علاقات مرتكزة على مجموعة من القيم والمعايير التي يؤمن بها أفراد هذه المجموعة لتنتظم معها سلوكياتهم وتوجهاتهم الفكرية والحياتية:

ومن هذه التعريفات:

1- عرّفه تالکوت بارسونز، بأنه: (نظام يتطور على أفراد مفتعلين تتحدد علاقتهم بعواطفهم وأدوارهم التي تنبع من الرموز المشتركة والمقررة ثقافيًا في إطار هذا النسق وعلى نحو يغدو معه مفهوم النسق أوسع من مفهوم البناء الاجتماعي).

وأشار بارسونز في كتابه (بنية الفعل الاجتماعي) إلى أن: (النسق يرتكز على معايير وقيم تتشكل مع الفاعلين الآخرين جزءًا من بنية الفاعلين).

2- وقال الدكتور جمال مجناح:

(يمكننا أن نعد النسق الثقافي باعتباره أحد أنواع الأنساق الاجتماعية بأنه: مجموعة من العلاقات المترابطة، لما لها من مرونة ومرجعية دلالية خاصة)(1).

3- وعرّف النسق في أبسط معانيه العلائقية أو الارتباط أو التساند، (حينما تؤثر مجموعة وحدات وظيفية بعضها في بعض فإنه يمكن القول إنها تؤلف نسقًا)(2).

ص: 163


1- الأنساق الثقافية المضمرة، لجبال مجناح: ص 1
2- النسق الثقافي في الكتابة لعبد الرحمن عبد الدايم: ص 15 جامعة مولودي - الجزائر

4- ويعد (ليفي شتراوس) من أوائل الذين نقلوا مصطلح (النسق) إلى الحقل الثقافي في دراسته (الأنثروبولوجيا البنيوية عام 1957) مؤكدًا على وجود كلي أو شامل وعالمي سابق عن الأنساق أو الأنظمة الفردية للنصوص؛ فظاهرة اللغة والثقافة ذات طبيعة واحدة الثقافة(1).

5- ويتكون النسق من مجموعة من العناصر أو من الأجزاء التي يرتبط بعضها ببعض مع وجود متميز أو مميزات بين كل عنصر وآخر وأعتمادًا على هذا التحديد يمكن استخلاص خصائص عدة للنسق:

أ- إن كل شيء مكون من عناصر مشتركة ومختلفة فهو نسق.

ب- له بنية ظاهرية وداخلية.

ج- له حدود مستقرة بعض الاستقرار يتعرف عليها الباحثون.

د- قبوله من المجتمع لأنه يؤدي وظيفة لا يؤديها نسق آخر.

فيستطيع مفهوم النسق الوفاء بكثير من متطلبات التحليل الوظيفي، ولعل أهمهما أنه يمكننا على مستوى التجريد من التعرف على النشاطات المختلفة والخصائص المتميزة للمجتمع ككل(2).

ومن ثم فالنسق الثقافي هو: مجموعة آليات معرفية وفكرية لفئة اجتماعية ما أو لإيدولوجيا مترابطة ومتمايزة ومتفاعلة تخص المعارف والفنون

ص: 164


1- الأنساق الثقافية المضمرة، جمال مجناح: ص 2
2- النسق الثقافي في الكتابة، عبد الرحمن عبد الدايم، ص 40 جامعة مولودي كلية الآداب؛ الجزائر

والأخلاق والمعتقدات واللغة وغيرها من أنساق المجتمع وتتصف بالمرونة في الانتقال بين الأفراد والجماعات والأجيال، كما أنه سريع التأثير في الخطابات الاجتماعية)(1).

وقد شكلت الايدولوجيا علاقة وثيقة بالنسق الثقافي لما يتبلور فيهما من معرفة فكرية تحدد السلوك الاجتماعي والسياسي لجماعة ما على جماعة أخرى في المجتمع.

وهو ما شهدناه في الممارسات المتعددة لسنّة الشيخين في المجتمع الإسلامي لا سيما في حكومة الإمام علي (عليه السلام) والعلة في اختصاصها هذا الظهور المتميز في هذه الفترة الزمنية لاصطدامها بسنة القرآن والنبوة المتمثلة في حكومة علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تجسدت فيه روح القرآن و منطقه و محتواه، فضلًا عن روح النبوة ومنطقها ومحتواها؛ وهو ما يتعارض ويتقاطع مع سنة الشيخين وأنساقها الثقافية وايديولوجيتها المهيمنة على مفاصل متعددة في الحياة الإسلامية سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية - کما سیمر بیانه - عبر الشواهد التي سنتناولها في ثالثًا.

ثالثا - تجليات التثاقف من الداخل وهيمنة الأنساق الثقافية لسنة الشيخين في خلافة الإمام علي (عليه السلام).

لقد تعددت مظاهر الأنساق الثقافية لسنة الشيخين في خلافة الإمام علي (عليه السلام) وذلك – كما أسلفنا - لتصادمها مع الأنساق الثقافية للقرآن

ص: 165


1- الأنساق الثقافية المضمرة، جمال مجناح، ص: 2

والسنة النبوية إلا أننا سنقتصر ببعض الشواهد لبيان أثر هذه الأنساق في تكوين التثاقف من الداخل، وهي كالآتي:

الف - تجلي النسق الثقافي لسنة الشيخين في التشبث ببدعة صلاة التراويح في مسجد الكوفة.

إن أول ما واجههُ الإمام علي (عليه السلام) حين نقل عاصمة الخلافة إلى الكوفة من الأنساق الثقافية لسنة الشيخين هو بدعة صلاة التراويح التي أظهر الناس عبرها عمق تغلغل هذا النسق الثقافي الديني في أذهان الناس وانتشاره في البلاد الإسلامية على الرغم من صریح قول عمر بن الخطاب بأنها: بدعة.

فقد روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال:

(خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط.

فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر:

نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون یرید آخر الليل،، وكان الناس يقومون أوله)(1).

وبقي الناس على هذا النسق في ليالي شهر رمضان في مختلف المدن الإسلامية لم يجرؤ أحد على التصدي لهذه البدعة حتى عام (37 للهجرة)

ص: 166


1- صحيح البخاری، کتاب التراويح: ج 2 ص 252، کتاب التراويح

حين جاء الإمام علي (عليه السلام) إلى الكوفة وقد حل شهر رمضان فقام الناس في أول لياليه بصلاة التراويح كعادتهم في التمسك بهذا النسق العبادي فقام الإمام علي (عليه السلام) وبعث إليهم ولده الإمام الحسن (عليه السلام) لكي ينهاهم عن هذه البدعة فما كان جوابهم؟

يقول الإمام الصادق (عليه السلام):

«لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين.

فلما سمع الناس مقالة الحسن (عليه السلام) صاحوا: وا عمراه: وا عمراه! فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له:

ما هذا الصوت؟

قال: يا أمير المؤمنين الناس يصيحون: وا عمراه وا عمراه.

فقال أمير المؤمنين: قل لهم صلّوا»(1).

وهذه الحادثة يتجلى فيها أثر هذا النسق الثقافي التعبدي في نفوس المسلمين وفيهم الصحابة وأبنائهم والتابعين ومثاقفتها لسنة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي تجلى فيها منعه (صلى الله عليه وآله) لصلاة الجماعة في النوافل الرمضانية وذلك لما يلي:

ص: 167


1- التهذيب للطوسي: ج 3 ص 70 حديث 227

1. إن الدافع الذي دفع عمر بن الخطاب لجمعهم في صلاة واحدة هو أنه رآهم يصلون فرادی متفرقون کما نص عليه قوله لعبد الرحمن بن عبد القارئ الذي خرج مع عمر بن الخطاب إلى المسجد.

2۔ صریح قول عمر بن الخطاب: (نعم البدعة هذه) فلو كانت هذه الكيفية من الصلاة، أي الجماعة في النوافل لما قال إنها بدعة، وكل بدعة محدثة وهي في النار، أي بمعنى: إنها لم تكن من سنة النبي (صلى الله عليه وآله) ولو كان النبي (صلى الله عليه و آله) قد جمعهم على صلاة واحدة لما كان عمر ليبتدع هذه الصلاة ويحدثها في الإسلام.

ولكن مع هذا التصريح، ومع هذا العلم عند الصحابة بأنها مخالفة لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّها أمر محدث مبتدع ويتشبث به المسلمون؛ فكان هذا الحدث صورة واضحة لبيان أثر الأنساق الثقافية لسنة الشيخين في المجتمع الإسلامي لا سيما محدثات الخليفة الثاني واجتهاداته المتعددة.

3. إننا نجد أن بعض شراح صحيح البخاري ليجاهرون أيضًا ببدعة عمر لهذه الصلاة في المجتمع الإسلامي وفي ذلك يقول الحافظ العيني:

(وإنما دعاها بدعة، لأن رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - لم يسنها لهم، ولا كانت في زمن أبي بكر، ولا رغَّب رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - فيها)(1).

وقال الحافظ القسطلاني:

ص: 168


1- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج 6 ص 126

(سماها (عمر): بدعة، لأنه (صلى الله عليه وآله) لم يسنَّ لهم الاجتماع لها، ولا كانت في زمن أبي بكر، ولا أول الليل، ولا كل ليلة، ولا هذا العدد)(1).

4- وقد ناقش هذ الفعل ومقتضیات شرعيته من بدعيته العلامة ابن المطهر الحلي (عليه الرحمة والرضوان) وغيره من فقهاء المذهب الإمامي(2) (أعلى الله شأنهم) فيقول في ذلك: (قال علماؤنا: الجماعة في نافلة رمضان بدعة. وقال مالك(3)، والشّافعيّ: الأفضل فيها الانفراد(4). وقال أبو حنيفة(5)، وأحمد: الأفضل الاجتماع(6)؛ ولنا - في الاستدلال على بدعتها -: ما رواه الجمهور عن زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) حجيرة(7) بخصفة أو حصير، فخرج إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلَّي فيها، قال:

ص: 169


1- ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري للقسطلاني: ج 3 ص 426
2- ذكرى الشيعة للشهيد الأول : ج 4 ص 281؛ روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان للشهيد الثاني: ج 2 ص 965؛ مستند الشيعة للمحقق النراقي: ج 8 ص 17؛ جواهر الكلام للجواهري: ج 13 ص 141
3- المغني 1: 835، المجموع 4: 35، فتح العزيز بهامش المجموع 4: 226، نيل الأوطار 3: 60
4- لأمّ، الشافعي (مختصر المزنّي) 8: 21، المجموع 4: 5، المغني 1: 835، نيل الأوطار 3: 60
5- الهداية للمرغينانّي 1: 70، المغني 1: 835، بدائع الصنائع 1: 288، شرح فتح القدير 1: 407
6- المغني 1: 835، الكافي لابن قدامة 1: 198، الإنصاف 2: 181، نیل الأوطار 3: 60
7- حجرة، وقيل: حجيرة

فتبع إليه رجال وجاءوا يصلَّون بصلاته، ثمَّ جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب!!، فخرج إليهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) مغضبا، فقال لهم: (ما زال بکم صنیعکم حتّى ظننت أنّه سيكتب عليكم، فعليكم بالصّلاة في بيوتكم، فإنّ خير صلاة المرء في بيته، إلَّا المكتوبة)(1).

وما رووه عن عليّ (عليه السّلام) أنّه لم يجمع فيها(2)، ولو كانت الجماعة مشروعة لسارع إليها، ولما زهد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) فيها.

ومن طريق الخاصّة: رواية الفضل البقباق وعبيد بن زرارة، وقد تقدّمت(3).

ورواية زرارة، ومحمّد بن مسلم، والفضيل عنهما (عليهما السلام)(4).

احتجّ المخالف بما رووه عن عليّ (عليه السّلام)، وجابر ، وعبد الله أنّهم كانوا يصلُّونها جماعة(5).

و بما رووه عن عمر أنّه خرج ليلة في رمضان فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إنّي

ص: 170


1- صحيح مسلم 1: 539 الحديث 781، وبتفاوت ينظر: صحيح البخاريّ 1: 186، سنن أبي داود 2: 69 الحديث 1447، سنن النسائيّ 3: 198، مسند أحمد 5: 187
2- المغنی 1: 836
3- تقدّمت في ص 133
4- التهذيب 3: 69 الحديث 226، الاستبصار 1: 467 الحديث 1807، الوسائل 5: 191 الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 1
5- المغني 1: 835، الشرح الكبير بهامش المغني 1: 785

أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثمَّ عزم فجمعهم على أبيّ بن کعب قال: ثمَّ خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلُّون بصلاة قارئهم، فقال: نعمت البدعة هذه(1).

والجواب: أمّا فعل عليّ (عليه السّلام) فقد ثبت بالنقل عن أبنائه (عليهم السلام) أنّه وقع منفردا، وهم أعرف بصنيع أبيهم ومعالم الشريعة.

وأمّا حديث عمر فلا احتجاج به، إذ قد ثبت أنّ الرّسول (صلَّى الله عليه وآله) لم يجمع، وفعله هو الحجّة لا فعل غيره.

وأيضًا، فإن عمر قد أعترف بأنها بدعة في قوله: نعمت البدعة، ولو كان الاجتماع مشروعًا عنده لما كان بدعة)(2).

5. أما لماذا أمضاها الإمام (عليه السلام) ولم يقف بوجهها وهو الخليفة وله السلطة عليهم؟ فجوابه فيما يلي:

يكشف الإمام علي (عليه السلام) فيما بعد عن سبب تركهم يصلون هذه الصلاة أي التراويح في شهر رمضان سواء كان ذلك في مسجد الكوفة أو في مساجد المدن الأخرى، فيقول متألمًا وشاكيًا ومظهرًا لآثار هذا التثاقف العقدي وكما مر بیانه ب (التثاقف من الداخل) و آثار هذه الأنساق لسنة الشيخين أو أحدهما في المجتمع الإسلامي التي تظهر أن تغلغلها في نفوس المسلمين وأذهانهم سيؤدي في النهاية إلى اغتيال التوحيد على أرض کربلاء فيما لو لم يلتفت هؤلاء الناس إلى هذه التحذيرات والشكوى والبيان وإظهار

ص: 171


1- صحيح البخاريّ 3: 58، سنن البيهقي 2: 493، المغني 1: 834
2- منتهی المطلب للعلامة الحلي: ج 6 ص 143

الحجة تلو الأخرى عليهم، ولكن آن هم بالانتباه من هذه الغفلة التي إحاطة بعقولهم وقد شربت قلوبهم أنساق سنة الشيخين.

وعليه:

نجده (عليه الصلاة والسلام) يخاطبهم متألمًا ومحتجًّا ومظهرًا للحقائق فيقول: (وقد أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشیعته، فقال:

«قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم (عليه السلام)(1) فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صلی الله عليه وآله)، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة (عليها السلام)(2) و رددت صاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما كان(3)، وأمضيت قطائع

ص: 172


1- إشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى موضع كان فيه في الجاهلية رواه الخاصة والعامة. راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة الجليل سماحة السيد شرف الدين العاملي - مد ظله -
2- قصة فدك مشهورة لا تحتاج إلى البيان
3- الصاع في النهاية هو مكيال يسع أربعة أمداد والمد عند الشافعي وفقهاء الحجاز رطل وثلث بالعراقي وعند أبي حنيفة المد رطلان وبه أخذ فقهاء العراق فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا أو ثمانية أرطال وعند الشيعة على ما في كتاب الخلاف في حدیث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال يعني رطل المدينة ا ه-. وهو تسعة بالعراقي

أقطعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ(1)، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد(2) ورددت قضایا من الجور قضي بها(3)، ونزعت نساءً تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن(4) واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأرحام، وسبيت ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطایا وأعطيت كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)(5) يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة، وسويت بين المناکح(6) وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه(7) ورددت مسجد

ص: 173


1- القطيعة: طائفة من أرض الخراج «أقطعها» أي عيَّنها وعزلها
2- كأنهم غصبوها وأدخلوها في المسجد
3- ذلك كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الإرث وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافا لما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) من ترك الكف والعقب وانفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة ومنعه من بيع أمهات الأولاد وإن مات الولد وقال: هذا رأي رأيته فأمضاه على الناس إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الآخرين
4- كمن طلقت بغير شهود وعلى غير طهر كما أبدعوه ونفذوه وغير ذلك
5- إشارة بما ابتدع الثلاثة في حكومتهم من الخراجات وغيرها مما لم يكن في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
6- بأن يزوج الشريف والوضيع کما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوج بنت عمه مقداداً. أو إشارة إلى ما ابتدعه عمر من منعه غير قريش أن يتزوج في قريش ومنعه العجم من التزویج في العرب
7- إشارة إلى منع عمر أهل البيت خمسهم کما يأتي بيانه في آخر هذه الخطبة

رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ما كان عليه(1)، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ماسد منه، وحرمت المسح على الخفين، وحددت على النبيذ(2) وأمرت بإحلال المتعتين(3) وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات(4) وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(5) وأخرجت من أدخل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجده ممن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرجه، وأدخلت من اخرج بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممن كان رسول الله

ص: 174


1- يعني أخرجت منه ما زادوه فيه. «وسددت ما فتح فيه من الأبواب» إشارة إلى ما نزل به جبرئیل (عليه السلام) من الله سبحانه من أمره النبي (صلى الله عليه وآله) بسد الأبواب من مسجده إلا باب علي وكأنهم قد عکسوا الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
2- إشارة إلى ما ابتدعه عمر من إجازته المسح على الخفين في الوضوء ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم وقد روت عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره». «وحددت على النبيذ» وذلك أنهم استحلوه
3- یعني متعة النساء ومتعة الحج، قال عمر: «متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج»
4- وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) کان یکبر على الجنائز خمسا، لكن الخليفة الثاني راقه أن يكون التكبير في الصلاة عليها أربعا فجمع الناس على الأربع، نص على ذلك جماعة من أعلام الأمة كالسيوطي (نقلا عن العسكري) حيث ذكر أوليات عمر من كتابه (تاریخ الخلفاء) وابن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر سنة 23 من كتابه (روضة الناظر) المطبوع في هامش تاریخ ابن الأثير وغيرهما من أثبات المتتبعين. (نقل عن كتاب النص والاجتهاد ص 152)
5- وذلك انهم يتخافتون بها أو يسقطونها في الصلاة

(صلى الله عليه وآله) أدخله(1) وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة(2)، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها(3)، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم(4)، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادي بعض أهل عسکري ممن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر

ص: 175


1- لعل المراد إخراجهما حيث دفنا والمراد بإخراج الرسول إياهما سد بابهما عن المسجد. «وأدخلت من اخرج» لعل المراد به نفسه وفاطمة (عليه السلام) وبإخراجه سد بابه وبإدخاله فتحه
2- وذلك انهم خالفوا القرآن في كثير من الأحكام منها وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وجوبه على النكاح فإنهم عكسوا الأمر في ذلك وأبطلواعدة من أحكام الطلاق وأبدعوا فيه بآرائهم
3- أي اخذتها من أجناسها التسعة وهي الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والغنم والبقر فإنهم أوجبوها في غير ذلك وتفصيل الكلام توجد في كتب القوم. وقوله (عليه السلام): «وحدودها» أي نصابها
4- نجران - بالفتح ثم السكون وآخره نون - وهو في مواضع عدة: منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها کان خبر الأخدود واليها تنسب کعبة نجران وكانت لربيعة بها أساقفة مقيمون منهم السيد والعاقب اللذين جاءا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في أصحابهما ودعاهم إلى المباهلة وبقوا بها حتى أجلاهم عمر ونجران أيضا موضع على يومين من الكوفة - إلى آخر ما قاله الحموي في مراصد الاطلاع ج 3 ص 1359 - وفي كيفية إجلاء عمر إياهم وسببه. راجع فتوح البلدان للبلاذري ص 70 إلى ص 75

رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسکري ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار...»(1).

وعليه: كيف سيتمكن الإمام علي (عليه السلام) من منع صلاة التراويح أو غيرها والحال الذي عليه الناس بهذه الكيفية، بل وأكثر من ذلك كما سيمر فيما يلي:

باء - تجلي النسق الثقافي لسنة الشيخين في مواجهة أهل الكوفة للإمام و علي (عليه السلام) ومنعه من عزل شريح القاضي.

إنّ من التجليات الواضحة لتغلغل سنة الشيخين في أذهان الناس وظهورهم بنسق ثقافي واحدٍ هو مواجهة أهل الكوفة للإمام علي (عليه السلام) حينما أراد عزل شريح القاضي من القضاء في الكوفة فمنعه الناس السبب واحد وهو أن شريحًا كان منصّبًا على القضاء في الكوفة من قبل عمر بن الخطاب وإن عثمان بن عفان لم يجرؤ على عزله للعلة نفسها كما أن السبب نفسه جعله يمضي تولي معاوية بن أبي سفيان الشام فضلًا عن كونه ابن عم الخليفة، فكلاهما أمویان.

وعليه:

فقد منعوا الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) من عزل شريح القاضي قال له أهل الكوفة معترضين:

(لا تعزله، لأنه منصوب من قبل عمر)(2) والأغرب من هذا القول، هو تصريحهم لما انطوت عليه أنفسهم وكشفهم للأمر الذي دفعهم لبيعته،

ص: 176


1- الكافي للكليني: ج 8 ص 62-63؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 392
2- تنقیح المقال للامقاني: ج 2 ص 83؛ قاموس الرجال للتستري: ج 5 ص 67

وهو اعتقادهم بأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) سيسير بهم على سنة الشيخين وكان السبب في نقمتهم على عثمان بن عفان أنه خالف فيهم العمل بسنة الشيخين وليس لكونه خالف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولذا:

فقد أوضحوا بكل صراحة ودون وجل أو خجلِ:

(قد بايعناك على أن لا تغير شيئًا قرره أبو بكر وعمر)(1).

في حين لو أنهم قد صرحوا عن هذا المكنون الذي انطوت عليه نفوسهم وشربته قلوبهم لما قبل بيعتهم وهو الذي رفض البيعة بعد مقتل عمر بن الخطاب حينما عرض عليه أهل الشوري بلسان عبد الرحمن بن عوف ونيابة عنهم بأن يقبل شرطهم في البيعة وهو (أن يعمل بهم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين) فرفض ذلك قائلًا:

«بل على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) واجتهاد رأي»(2).

فعدل حينها عبد الرحمن بن عوف إلى عثمان بن عفان فقال له:

(أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه و سيرة الشيخين؟

قال: نعم، فبايعه.

فقال عبد الرحمن: السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فرد عليه الإمام علي (عليه السلام) حينما سمع منهما ذلك الحوار:

ص: 177


1- تنقیح المقال للامقاني: ج 2 ص 83؛ قاموس الرجال للتستري: ج 5 ص 67
2- الرياض النضرة للطبري: ج 3 ص 54

«حبوته حبو دهر، أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن»(1).

جيم - تجلي النسق الثقافي في البيعة لعلي (علیه السلام) على سنة الشيخين وتقديمها على كتاب الله وسنة رسوله (صلی الله علیه و آله وسلم).

إن من الأنساق الكاشفة عن سريان هذه الثقافة بين المسلمين وتجذرها في نفوسهم حتى وصل بهم الحال أنهم يقدمون البيعة على سنة الشيخين ويؤخرون البيعة على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) کما حدث مع ربيعة بن أبي شداد الخثعمي لما خرجت الخوارج من الكوفة وذلك حين: (أتى عليًّا أصحابه وشیعته فبايعوه وقالوا له: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت فشرط هم فيه سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم، فقال له: بايع على كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟

فقال ربيعة: على سنة أبي بكر وعمر.

قال له علي (عليه السلام):

«ويلك، لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكونا على شيء من الحق».

فبايعه، فنظر إليه علي (عليه السلام) وقال:

ص: 178


1- تاريخ المدينة لابن شيبة النميري: ج 3 ص 390؛ تاریخ الطبري: ج 3 ص 297

«أما والله، لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت، وكأني بك وقد وطئتك الخيل بحوافرها»(1).

فقتل يوم النهروان مع خوارج البصرة).

قال قبيصة:

(فرأيته يوم النهروان قتيلًا، وقد وطأة الخيل وجهه، وشدخت رأسه، ومثلت به، فذكرت قول علي: وقلت لله در أبي الحسن ما حرك شفتيه قط بشيء إلا كان كذلك)(2).

وقد أظهر کلام الإمام علي (عليه السلام) مع ربيعة بن أبي شداد الخثعمي آثار هذه الأنساق الثقافية لسنة الشيخين في المجتمع الإسلامي وأن الناس ينظرون إليها على أنها الأقدس والأصلح لهم من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله).

إلى الحد الذي جعل الإمام علي (عليه السلام) يوقظ عقل هذا الخثعمي من رقدته للحظات قليلة وذلك عبر إرجاعه إلى نفس هذه الثقافة التي آمن بها وتقيد بفكرها وهي لو كان أبو بكر وعمر قد عملا بغير الكتاب والسنة النبوية - والتي ينبغي أن يكونا هما أي القرآن والسنة النبوية المقياس في الصلاح والدليل على أهل الحق والدين - لكان أبو بكر وعمر على باطل.

ص: 179


1- تاريخ الطبري: ج 4 ص 56
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج 1 ص 126 بتحقيق الزيني

بمعنى: إن تقدیسك لأبي بكر وعمر وتعظيمك لهما يفترض أن يكون ناتجًا عن عملهما بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) فإذا كان قد عملا بذلك فلماذا تعترض حينما طلب منك أن تبايع على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله).

وإن كان أبو بكر وعمر لم يعملا بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) فلماذا تطالب أن تكون بيعتك على سنة أبي بكر وعمر وهما على باطل ولم يعملا بكتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

فقد ألزمه الإمام علي (عليه السلام) بهذه الثقافة وأرجعه إلى هذا الفكر والعقيدة فما كان من ربيعة بن أبي شداد إلا أن يبايع عليًّا (عليه الصلاة والسلام) على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) ولو امتنع من ذلك لافتضح أمره في الحال، وبان كذبه فإما أن يقول لم يعمل أبو بكر وعمر بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) وهذا مناقض لأمره ودعواه؛ أو أن يقول إنهما عملا بها ولأجل هذا العمل قد عظم مكانهما في الإسلام؛ ومن ثم لا يوجد مانع من رفضه شرط الإمام علي (عليه السلام) في البيعة على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله).

ولأنه كاذب فقد كشف الإمام علي (عليه السلام) عاقبة أمره إلى الناس وبين لهم انه لا يؤمن بكتاب الله ولا سنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ولا بأبي بكر وعمر وإنما هو ممن تلبس بهم التثاقف من الداخل وعاش حالة الصراع الفكري بين ثقافة القرآن والسنة وبين ثقافة الشيخين وسنتهما لينتهي به

ص: 180

المطاف قتيلًا مع الخوارج وبهذه الكيفية التي لم تحفظ له هذه العقيدة جسده بعد الموت ووجهه الذي مزقته حوافر الخيل.

من هنا:

نجد أن هذه الأنساق الثقافية السنة الشيخين وهذه الأنثروبولوجيا العقدية بفعل التثاقف من الداخل التي اكتسحت المجتمع الإسلامي قد تم توظيفها من قبل معاوية بن أبي سفيان حينما تولى الخلافة ليضرب بها جميع المعالم التوحيدية في الأمة حتى باتت إجراءاته و أيديولوجيته المستعملة في فترة حكمه من أكثر العوامل وأشدها أثرًا في تغيير الإسلام فكرًا و منهاجًا وعقيدة ولتجني أمة التوحيد ما زرعه التثاقف من الداخل في فترة الخلافة (الراشدة) وهو قتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أرض کربلاء.

فما الذي أجراه معاوية من الأنساق الثقافية والإجراءات الأنثروبولوجية لا سيما في المثاقفة أو التثاقف من الداخل حتى بات المسلمون يتقربون إلى الله بدم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!

هذا ما سنعرض له في المبحث القادم.

ص: 181

ص: 182

المبحث الثاني الأنسان الفکریة والثقافیة للانقضاض علی التوحید في ضوء الأنثروبولوجیا العقدیة والبنائیة الوظیفیة

ص: 183

ص: 184

تناولنا في المسألة الأولى من المبحث السابق، الفقرة ثالثًا: (التثاقف من الداخل) وبيّنا أن مفهوم التثاقف حينما يدرس التحولات الثقافية في المادة التاريخية في المجتمع الواحد كما حدث في عينة الدراسة هذه؛ أي التغيرات الثقافية في المجتمع الإسلامي ما بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) عام 61 للهجرة لوجد الانثروبولوجيون أن هذه العينة تؤسس لمفهوم جديد للتثاقف، وهو:

تفكيك الثقافة الأصلية بالثقافة الحاكمة السلطوية وتذويبها وصهرها ومن ثم قولبتها بمظهر جدید یکون مغايرًا في أصوله وفروعه للثقافة الأصلية وإكساء مظاهرها الخارجية بالتوحيد اللفظي بغية التغرير بحملة الثقافة الأصيلة والإيحاء لهم بأنهم على هويتهم التي اتسموا بها.

وعليه:

فنحن أمام نمط جديد من أنماط المثاقفة وإجراءاتها الثقافية وأنساقها الفكرية والاجتماعية في حقل الأنثروبولوجيا يؤسس لمجال جديد في علم الأناسة وهو (علم الأنثروبولوجيا العقدية) الذي يدرس التحولات الفكرية والعقدية للإنسان بفعل الإجراءات والأنساق الثقافية والاجتماعية التي تفرضها ثقافة السلطة الحاكمة على الرعية.

ص: 185

ومن ثم ليشهد علم الأناسة انقلاب الإنسان على ثقافته التي نشأ عليها أو التي انقاد لها عقله وترسخت في نفسه فآمن بها ودافع عنها وضحى من أجلها لأنها كانت تمثل له قيمة وجوده وهويته الإيمانية وهو ما يختزنه لفظ (العقيدة) فبتغيير العقيدة يتم تغيير الإنسان من كائن ذو هوية محددة إلى كائن آخر ذي هوية مغايرة ومناقضة، بل ومعادية ومخاصمة لنفسه إلى مستوى الذي يقود الإنسان إلى الانتحار وإعدام وجوده في الحياة.

ولعل عالم الاجتماع الفرنسي (أميل دور کایم) في تحليله لظاهرة الانتحار لم يرد على ذهنه أن أحد أسبابها وشرعنتها هي العقيدة ومتغيراتها الفكرية وأنماطها الثقافية.

وعليه:

سنتناول في هذا المبحث الأنساق الفكرية والثقافية والاجتماعية التي كانت أداة للانقضاض على فكر التوحيد المحمدي في خلافة معاوية بن أبي سفيان حتى أصبح المسلمون على عقيدة مظاهرها توحيديه وممارساتها تكفيرية ليصبح فيها الإنسان بتركيبة جديدة في منظومته المفاهمية والقيمية مما تطلب أن يشهد هذا الإنسان تغيرًا عنيفًا في تركيبته الجديدة ومنظومته المفاهيمة والقيمية بعد أن أقدم على قتل ابن بنت نبيه (صلى الله عليه وآله).

وهو ما أحدثه رأس الإمام الحسين (عليه السلام) الذي سيمر بيانه في دراسة جديدة إن شاء الله والموسومة ب: (أثر رأس الإمام الحسين علیه السلام في إحياء عقيدة التوحيد وتوحيد الفكر).

ص: 186

إلا أننا هنا نتناول دراسة هذه الأنساق والأنماط الفكرية والثقافية والاجتماعية من المنظور الانثروبولوجي ضمن حقل جديدٍ سعت الدراسة إلى إيجاده وإضافته إلى تخصصات علم الأناسة وهو (الأناسة العقدية) أو الأنثروبولوجيا العقدية وبيان آثار التثاقف من الداخل على الإنسان والمجتمع الإسلامي.

وهي كالآتي:

المسألة الأولى: الأنساق الفكرية والثقافية المناهضة لعقيدة التوحيد ما بين العام 41 - 61 للهجرة.

تُعد الإجراءات التي اتخذتها السلطة الأموية بإزاء فكر التوحيد حتی عام (61 للهجرة) وتغيير عقيدة المسلم وذلك عبر جملة من الأنساق الفكرية والثقافية والاجتماعية من أكثر المراحل الزمنية عسرة و إرهابًا فكريًّا وجسديًّا واجتماعيًّا - کما سیمر بیانه لاحقًا -

مما شكل متحولًا جذريًّا في سير الإسلام وعقيدة التوحيد منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى يومنا هذا.

بل ستدوم هذه العقيدة ما دام هناك مناهج وكتب ومدارس وجامعات تدرس هذه العقيدة التي شيدها معاوية ومن جاء بعده من حكام بني أمية وبني العباس بعد أن أسس لها العمریان کما مرّ بيانه عبر المباحث السابقة.

ص: 187

ومن ثم فقد وجد معاوية بن ابي سفيان بعد أن أستقر له الأمران - أمر العراق والشام - الأرضية الخصبة والقواعد المتينية لهذه العقيدة المغايرة في منظومتها المفاهمية والفكرية لتوحيد القرآن والنبوة ليشيدها على هذه الأسس والقواعد ويبذل من أجلها جميع الطاقات والإمكانات التي نالها عبر جلوسه على كرسي الخلافة الإسلامية.

فكانت هذه الإجراءات تنقسم إلى إجراءات فكرية وثقافية ضمن أنساق متعددة وهو ما سنتناوله في هذه المسألة وإلى إجراءات مادية وجسدية واجتماعية ضمن أنساق متعددة وهو ما سنتناوله في المسألة الثانية.

أولًا - تحديد الخلافة لمسارها الفكري والعقدي في عام الجماعة.

إن المادة التاريخية التي رصدت حياة رموز الخلافة الإسلامية قد دونت مجريات الإعلانات الأولى لهذه الرموز الذين جلسوا على كرسي الخلافة وبينوا عبر خطابهم الأول تحديد ملامح هذه السلطة وعقيدتها ومسارها القادم؛ ولقد سجل التاريخ الخطاب الأول للخليفة الجديد وهو يتلوه على منبر النخيلة حيث جمع فيها أهل العراق وأهل الشام ليتوجه إلى خصومه الذين حاربوه في معركة صفين قائلًا: (إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك؛ وإنما قاتلتكم لأتأمر عليکم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون)(1).

1- إن أهم الأنساق الفكرية التي أعلن عنها خليفة المسلمين هو نسق التسلط على الناس، وإن حق الطاعة هنا لا يرتكز كما في السابق على عقيدة

ص: 188


1- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: ص 45

التوحيد لمن سبقه من خلفاء المسلمين المقتضية احراز رضا الله تعالى في اتباع الإمام المنصوص عليه كما جاء في القرآن والسنة وهو الطريق الأول.

أو بمقتضى الطريق الثاني وهو البيعة الشرعية بكونه خليفة للمسلمين الذي يرتكز على عقيدة التوحيد التي جاء بها القرآن الكريم والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من حرمة نقض البيعة والوفاء بالعهد.

وهي مفاهيم عقدية تكونت لدى المسلم عبر إيمانه بالله وبما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وبخلاف هذه المفاهيم وهذه العقيدة لا يستحق معاوية أن يطاع في شيء أو يُلزم الإيفاء له بالبيعة لا سيما وأنها في مركوزها العقدي هو التوحيد والخوف من العقاب في الآخرة.

إلا أننا هنا نشهد نسقًا فكريًّا جديدًا وبالإعلان الصريح غير المبطن والمدعم ببعض الأدبيات القرآنية والنبوية وما جاء فيها من أسس ومفاهيم.

كأن يستعمل الخليفة بعض الآيات أو المفردات القرآنية كي يجذب الناس إليه لاسيما تلك الطبقة المحافظة على عقيدتها الأصيلة أو رموز الجيل المعاصر للنبي (صلى الله عليه وآله) أو وجهاء القوم، وغيرها من الحسابات التي يضعها الحاكم الجديد في الاعتبار بغية إرساء حكمه لا سيما وهو في أيامه الأولى.

إلا أننا هنا نشهد نسقًا فكريًّا جديدًا كان واضحًا وصريحًا و متحدیًّا ومتجریًّا على هذه النخبة المتمسكة بالتوحيد المحمدي.

2- إن الخليفة الجديد للمسلمين قد أفاد من أسلافه الذين سبقوه وهما العمریان وعض على أنساقهما الفكرية والثقافية بالنواجذ.

ص: 189

فقد عمل منذ اللحظة الأولى التي ارتقى فيها المنبر ليصرح بالبيان الأول للخلافة الجديدة بالنسق الفكري الذي اتخذه أبو بكر حينما خطب الصحابة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مبينًا لهم محددات خلافته وحكومته الجديدة والمغايرة للعهد السابق، أي عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مسددًا بالوحي وبهذا المقتضي أي وجود الوحي كان العهد سابق مخالفًا لما سيشهده الصحابة في العهد و الجديد لوجود عدد من الموانع التي تمنعه من العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها:

1- إنه ليس نبي ولا يوحى إليه کما کان يوحی لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فكيف يعمل بما كان يعمل النبي (صلى الله عليه وآله).

2- إن له شيطانًا يعتريه.

3- إنه إذا اعتراه شيطانه فسيغضب، وإذا غضب فلن يؤثر في (أشعارهم وأبشارهم) وهو کما مرّ بيانه في المبحث الأول كان كناية عن قطع الرؤوس والأيدي والأرجل والتعذيب بالجلد أو الحرق وهو ما ينطوي تحت مفردة (أبشاركم) أي: البشرة وهي جلد الإنسان.

وهنا:

نجد معاوية بن أبي سفيان قد تمسك بهذا النسق الفكري للخليفة الأول فحذا حذوه بدقة متناهية، ويعلن بصراحة تامة:

ص: 190

إنه لم يقاتل الصحابة من البدريين وأهل بيعة الشجرة الذين كانوا يقاتلون تحت راية علي بن أبي طالب (عليها السلام) في صفین کما یروي لنا الحاكم النيسابوري في المستدرك حيث يقول:

(شهد مع علي في صفّين ثمانون بدریًّا ومائتان وخمسون ممن بايع تحت الشجرة)(1)

وعليه:

فقتال الخليفة الجديد للمسلمين ما كان لغرض إرساء عقيدة التوحيد المقتضية إقامة الصلاة والصوم والزكاة والحج؛ فهم يفعلون ذلك وهم موحدون ويسيرون ضمن هذه العقيدة في قتالهم في صفين والجمل والنهروان، ولولا عقيدة التوحيد لما شهروا سيوفهم في وجهه، ووجه أشياعه وأتباعه وجنده.

ولذا:

لزم أن يتم تغيير عقيدتهم في التوحيد وأن تصبح العقيدة الجديدة هي البيعة للخليفة والمرتكزة على لزوم الطاعة للحاكم وليصلّوا كيف شاءوا وباي طريقة أرادوا وكذا صومهم وحجهم فبإمكانهم أن يحجوا بالذهاب إلى بیت المقدس في فلسطين كما أمرهم عبد الملك بن مروان حينما قام عبد الله بن الزبير بالثورة على الخليفة وتحصن بالبيت الحرام والتف حوله أهل مكة فغير الخليفة فريضة الحج من السفر إلى مكة لتكون إلى بيت القدس.

ص: 191


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 2 ص 122، حدیث 4559 ط الأولى - دار الكتب العالمية

وعليه:

فإن الأنساق الفكرية والثقافية التي اتخذها معاوية بن أبي سفيان كانت ترتكز على الانقضاض على عقيدة التوحيد فكان منها: بث الأحاديث النبوية الموضوعة والمغايرة لثقافة القرآن وعقيدة التوحيد، وهي کما يلي في ثانيًا.

ثانيًا - النسق الثقافي للحديث الموضوع في المجتمع الإسلامي.

إنّ السلطة الجديدة للخلافة الإسلامية في الشام عبر مؤسسها الثاني معاوية وذلك بعد أن رسم لها عثمان بن عفان ملامحها وقيامها في الإسلام فكان عثمان بن عفان هو المخطط والمبرمج لهذه السلطة وليكون معاوية هو المؤسس الثاني والباني لهذه الحكومة والسلطة والخلافة الإسلامية الجديدة في أيديولوجيتها وأنساقها الثقافية والاجتماعية والعقدية، وقد اعتمدت نسقًا ثقافيًّا لم يعهده المسلمون في الحكومات السابقة، أي في الخلافة (الراشدة).

على الرغم من أن الخلافة الإسلامية منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى نهاية خلافة عثمان بن عفان. قد اتخذت أنساقا ثقافية مغايرة لأنساق الخلافة الأموية بقيادة معاوية إلا أنها منسجمة، وذلك إن الفترة السابقة قد اتسمت بالعمل على حجر ثقافة القرآن والسنّة عبر منع الحديث النبوي، وحرقه، ومحوه في المدن ومعاقبة من يسأل عن معارف القرآن أو بيانه، ومنع صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) من السفر والخروج من مكة والمدنية، ومنع القراءة وحرق الكتب وغيرها من الأنساق الثقافية التي مرَّ بيانها في المباحث السابقة، فهذه الأنساق الثقافية لم تعمل الخلافة الأموية على تجديدها والأمر بها وذلك أن غالبية المسلمين

ص: 192

قد عملوا بها واعتقدوا بصحتها وصلاحها ومن ثم وجد معاوية أن لا حاجة للتأكيد عليها إلا بما يتناسب مع أيديولوجيته هو وما أعده من أنساق ثقافية جديدة، ومنها:

- وضع الأحاديث المكذوبة في آل البيت (عليهم السلام).

إن أول هذه الأنساق الثقافية الجديدة التي أعتمدها (خليفة المسلمين) معاوية بن أبي سفيان هو أمره بترويج الأحاديث المكذوبة ووضعها في الثقافة المسموعة والمكتوبة في معظم المدن الإسلامية، وذلك بغية تنفير الناس عن آل البيت (عليهم السلام) وإسقاط مكانتهم التقوائية والعلمية في المجتمع لتحقيق الهدف الأول وهو إيجاد عقيدة جديدة للتوحيد المرتكز على طاعة الخليفة وحصر دخول الجنة بهذا القيد العقدي.

ولقد بيَّن هذا النسق الثقافي الذي اتخذته السلطة الأموية الإمام محمد بن علي الباقر (عليه وعلى آبائه وأبنائه الصلاة والسلام)، فقال:

«ثم لم نزل أهل البيت نَستذل ونَستضام، ونُقصي ونمتهن، ونُحرم ونُقتل ونخاف ولا تأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم، وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله ليُبغضونا إلى الناس، وكان عَظّمُ ذلك و كُبره زمينَ معاوية، بعد موت الحسن (عليه السلام»(1).

ص: 193


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 11 ص 43

والحديث الشريف يحدد أهداف هذا النسق الثقافي الذي اتبعه أشياع السلطة الأموية في هذه الفترة الزمنية ويظهر أيضاً قضية مهمة:

1- وهي أثر التثاقف من الداخل في مرحلته الجديدة فقد كشف الإمام الباقر (عليه السلام) بقوله:

«ووجد الكاذبون الجاحدون، لكذبهم وجحودهم موضعًا يتقربون به إلى و أوليائهم، وقضاة السوء، وعمال السوء في كل بلدة».

إن التثاقف الذي عمل عليه العمريان قد آتی ثماره في هذه المرحلة وذلك أن هذه الفئة من المسلمين الذين اتسموا بالكذب والجحود، ونكران الحق بعد معرفته قد عملوا على نشر الأحاديث المكذوبة.

بمعنى تهيأة هذه الفئة في المجتمع ونضوجها لتولى ما أسسه العمریان وسعوا لأجله في المغايرة في العقيدة و تحويل الناس إلى سنة الشيخين التي تقتضي أيضًا بعض الناس لآل محمد (صلى الله عليه وآله) وهو الأمر الذي تناغم، بل وكان ملاصقًا للأيديولوجية التي جاء بها معاوية بن أبي سفيان وولاته وعماله وأشياعه.

ولذا: تسارع الكاذبون الجاحدون للتقرب إلى السلطة الجديدة وتقديم خدماتهم وإمكاناتهم في تفعيل هذا النسق الثقافي في المجتمع الإسلامي.

2- إن هؤلاء الذين عملوا على وضع الأحاديث المكذوبة لم يصرح الإمام بأسمائهم ولم يكشف عن هويتهم، وهذا يظهر قضية أخرى لا تقل أهمية عن الحقيقة السابقة، وهي:

ص: 194

أ- إن هؤلاء هم فئة نخبوية في المتجمع الإسلامي في المجال العلمي لا سیما في رواية الحديث ونشره مما مكنهم من التقرب إلى السلطة الأموية.

ب- لو كانت هذه الفئة من عامة الناس لما اهتمت بهم السلطة وذلك لفقدان تأثيرهم في العامة بفعل جهالة الناس بهم ومن ثم لا يتحقق الغرض في تحقيق المثاقفة من الداخل وتغيير فكر التوحيد وعقيدة المسلمين به.

ج- إنهم ليسوا بالفئة القليلة العدد التي يمكن إدراج أسمائهم وتعدادهم ډ وهو ما دّل عليه قوله (عليه السلام):

«في كل بلدة».

بمعنى: إن الأمر لم يكن محصورًا بمجتمع المدينة أو مكة وهما الحاضنتان الأساسيتان للإسلام فكرًا وعقيدة، وإنما في جميع المدن والبلدات ومن ظهر فيها بأنه من حملة الحديث وروايته ليتم ما يبتغيه الخليفة الأموي من تغيير للثقافة القرآنية والنبوية والانقضاض على عقيدة التوحيد.

د- إن الحديث كشف عن ظاهرة ثقافية واجتماعية عامة في المجتمع الإسلامي وهي فساد حملة العلم فكيف بعامة الناس؟

من هنا: ليس مستغربًا أن يخرجوا، أي العامة من المسلمين ومن مدينة الكوفة حاضنة التشيع والموالاة لآل البيت (عليهم السلام) لقتال الإمام الحسين (عليه السلام) بعد مرور عشرين سنة من تطبيق الأنساق الثقافية وأنماط التثاقف من الداخل وتكوين العقيدة الجديدة المرتكزة على عنصرين أساسيين صرح بهما جيش المسلمين في يوم عاشوراء، وهما:

ص: 195

1- (نقاتلك بغضًا منا لأبيك)(1).

2- (طاعة للأمير عبيد الله بن زیاد).

فكانت النتيجة هي النجاح الساحق للإيديولوجية العمرية والأموية في أنساقها الثقافية وأنماطها التثاقفية من الداخل، وخلق عقيدة جديدة للتوحید تحفظ الخلافة، وتقدس الخليفة، وتُدخل الجنة.

وإن هذه القيم الثلاث تنهار أمامها كل القيم الأخرى، ومنها:

1- قتل ابن النبي (صلى الله عليه وآله) والتمثيل به وحمل رأسه ليطاف به في البلاد الإسلامية في مراسيم من الفرح والسرور.

2- تهدیم بیت الله الحرام وحرقه واستباحته وقتل الناس فيه.

3- استباحة المدينة المنورة لثلاثة أيام فيقتل فيها أبناء المهاجرين والأنصار من الرجال والنساء وسلب الأموال واغتصاب النساء من دون أن يهتز جفن لعامة المسلمين، وذلك أنهم موحدون لكن توحيدهم يرتكز على تلك القيم الثلاثة التي مرَّ ذكرها ولعل البعض يتساءل: أوَ يكون الحديث المكذوب في آل البيت (عليهم السلام) قد حقق هذه النتيجة؟

ونقول:

بالطبع لا، بل هناك جملة من الأنساق الثقافية الأخرى، سنتها السلطة الأموية فضلًا عن الإجراءات الاجتماعية والسياسية التي سيمر بیانها

ص: 196


1- شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 11 ص 647

في المسألة الثانية من هذا المبحث؛ أما بقية الأنساق الثقافية والتثاقف من الداخل فكان منها:

ثالثًا - النسق الثقافي والإعلامي لخطباء المساجد بلعنهم الإمام علي (علیه السلام).

لا شك أن نجاح هذه الأيديولوجية للسلطة الأموية لم تقتصر على نسق ثقافي واحد أو نمط ثقافي واحد بل مجموعة من الأنساق والأناط المجتمعية في حين والمتفرقة في حين آخر بل قد دلت النصوص التاريخية وقراءتها ودراستها إلى أن معاوية بن أبي سفيان - وكما أسلفنا - قد اتبع منهاج العمريين في تقديم الأنساق الثقافية ومراحل العمل بها في المجتمع وتهيأة جرعات فكرية ثقافية تبين عبرها العقيدة الجديدة.

ولذلك:

بعد أن تلقى المجتمع الإسلامي الجرعة الفكرية الثقافية الأولى في وضع الأحاديث المكذوبة في آل البيت (عليهم السلام) وتنفير الناس عنهم وتقديمها على الجرعة الثانية على الرغم من أن الجرعة الثانية هي أحب للسلطة وذلك لعدم وجود الأرضية المهيأة للجرعة الثانية حينها، وهي النسق الثقافي في فرض اللعن والبراءة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهو أمر ممتنع إيجاده في المجتمع الإسلامي وقد شهد معاوية جل الصحابة من البدريين والشجريين يقاتلون تحت راية علي بن أبي طالب (عليه السلام) في صفين ومن قبلها معركة الجمل.

ص: 197

وعليه:

که كان التمهيد في البدء يرتكز على وضع الأحاديث المكذوبة کما بينَّ الإمام الباقر (عليه السلام) لتليها في الجرعة الثانية نسق اللعن على لسان الخطباء في المساجد الإسلامية، التي لازمها قانون براءة الذمة ممن يروي حديثًا في فضائل علي وأهل بيته (عليهم السلام)؛ وهو ما رواه لنا المدائني قائلًا:

(کتب معاوية إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روی شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته)(1).

(فقامت الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون عليا - والعياذ بالله - ویرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام)(2).

ولنا وقفة مع هذه الرواية في المسألة الثانية في الأنساق القمعية؛ لكنها هنا تكشف عن جملة من الحقائق في بناء التثاقف من الداخل وأثر هذا النسق الثقافي في تغير عقيده التوحيد، فمنها:

1. إن الأمر السلطوي الذي صدر من عاصمة الخلافة الإسلامية في الشام كان عامًا إلى جميع الولاة والمدن الإسلامية التي وصلتها ذراع السلطة وحدودها الجغرافية آنذاك ثم يظهر أن هذا النسق الثقافي تم تفعيله في المجتمع الإسلامي كافة ولعقود عدة من الزمن، أي شب عليه الصغير وهرم عليه الكبير، إلى أن أوقف العمل به في حكومة عمر بن عبد العزيز الأموي.

ص: 198


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 11 ص 44؛ مختصر البصائر للحسن بن سليمان الحلي: ص 13، بحار الأنوار: ج 33 ص 191 ص 75
2- مناقب أهل البيت للشيرواني: ص 27؛ الغدير للأميني: ج 11 ص 28

2- إن اللفظ يظهر أيضا نسقية ثقافية جديدة وهي تجريد المسلم من عقيدة أنهم آل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فقد جاء القانون الأموي بلفظ:

(أن برئت الذمة من روی شيئًا من فضل أبي تراب وأهل بيته).

فعلي من آل البيت النبوي، وأهل بيت علي هم أهل البيت النبوي.

إلا أن السلطة الأموية تعمل على النسق الثقافي المقتضي بفصل النبي (صلى الله عليه وآله) عن علي وأبنائه وزوجه.

بمعنی:

الا ينظر إلى الحسن والحسين بكونهما أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن دمهم ولحمهم من دمه ولحمه (صلى الله عليه وآله) ولا ينظر إلى فاطمة بأنها بنت نبيهم وبضعته وإنما هي حليلة علي وأم عياله.

ليُحرق باب فاطمة، ويُكسَر ضلعها، ويُسقَط جنينها، ويُقتل ولداها الحسن والحسين (عليهما السلام) وفقًا للأنساق الثقافية لسنة العمریان وللأنساق الثقافية لبني أمية.

وعليه:

لا غرابة لدى كثير من المسلمين في القرن الأول للهجرة النبوية وما تلاه من قرون وليومنا هذا فيما جرى في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هجوم عمر بن الخطاب وعصابته على بيت آل علي (بيت النبوة المحمدية ومهبط الوحي) أو في قتل الحسين وأبنائه وإخوانه وسبي أخواته وبناته فهم أيضًا آل علي (عليهم الصلاة والسلام):

ص: 199

فمقتضى هذه الأنساق الثقافية هو هذه النتيجة، بل وبهذه الأفعال المركوزة على عقيدة التوحيد العمرية والأموية بل لتكون سببًا يحرز به الفاعل دخول الجنة.

رابعًا - النسق الثقافي في وضع المناقبية لعثمان ومعاوية.

إن الجرعة الثقافوية والعقدية الجديدة التي اعتمدتها السلطة الأموية هي: حث أرباب العلم ورواة الحديث النبوي الشريف في وضع الأحاديث في حقل المناقبية في الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الصحابة بنحو عام ليكون هذا النسق الثقافي من بين أهم الأنساق الثقافية المؤثرة في البنية الفكرية والعقدية للمسلم وذلك لجملة من الأمور التي أختزنها النص التاريخي الآتي والتي سنقف عندها بعد إيراده، لاسيما وقد رواه ابن أبي الحديد عن المدائني (ت: 656 ه) ورواه الطبرسي (ت: 548 ه) عن سليم بن قيس فقالا:

(کتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الأمصار: أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وانظروا قبلکم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبي أهل بيته وأهل ولايته، والذين يروون فضله ومناقبه فادنوا مجالسهم، و قربوهم، واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته، ففعلوا، حتى كثرت الرواية عن عثمان، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصَّلات والخلع والقطائع، من العرب والموالي، وكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في الأموال والدنيا؛ فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب اسمه، وأجيز فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ص: 200

ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه، فإن ذلك أحب إلينا، وأقر لأعيننا، وأدحض لحجة أهل هذا البيت، وأشد عليهم.

وفي لفظ المدائني الذي رواه ابن أبي الحديد المعتزلي:

(فإذا جاءکم کتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبرًا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب علي وأقر لعيني وأدحض الحجة أبي تراب وشيعته وأشر عليهم من مناقب عثمان وفضله)(1).

فقرأ كل أمير وقاض كتابه على الناس، فأخذ الرواة في فضائل معاوية على المنبر في كل كورة وكل مسجد زورًا.

وألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلّموا ذلك صبيانهم كما يعلمونهم القرآن، حتى علموه بناتهم ونساءهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله)(2).

فهذا النص التاريخي قد أظهر جملة من الآثار التي حققها النسق الثقافي في نشر الأحاديث المكذوبة والموضوعة في الخلفاء الثلاثة. فكانت هذه الآثار الثقافية والعقدية والاجتماعية كالآتي:

ص: 201


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 11 ص 45
2- کتاب سلیم بن قیس الهلالي : ص318؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 318؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي:ج 11 ص 44؛ الدرر الخطية للمحقق البحراني: ج 3 ص 389

ألف - المرحلة الأولى من وضع الأحاديث النبوية.

إن النسق الثقافي في وضع الأحاديث المكذوبة في الخلفاء الثلاثة كانت على مرحلتين، الأولى في مناقبية عثمان بن عفان فقد قدمه معاوية على العمريين (ابي بكر وعمر) والسبب في ذلك يعود إلى:

أ- إن الناس قد ثقفوا مناقبية الشيخين عبر التثاقف الذي عمل به و العمريان، وبالأخص عمر بن الخطاب الذي بذل جهدًا كبيرًا في التثاقف من الداخل واستعمل جملة من الأنساق الثقافية التي مرّ بيانها لا سيما وقد سلطنا الضوء على المبحث السابق في دراسة هذا التثاقف في معارضة الإمام علي (عليه السلام) في كثير من إجراءاته وأفعاله لصلاة التراويح وعزل شريح القاضي وغيرها.

ب- إن اعتماد معاوية لهذا التقديم يقود إلى أثبات دعواه في المطالبة بدم عثمان وانه فضلًا عن كونه خليفة المسلمين فهو صاحب مناقبية كبيرة ومنزلة مرموقة مما يعزز صورة بني أمية بشكل عام وصورة معاوية بشكل خاص فهو ابن عمه في هذا البيت الذي أنجب هذا الخليفة في أذهان الناس من أفعال عثمان التي كانت سببًا في قيام الصحابة وعائشة والمسلمين في مصر والمدينة والكوفة عليه وقتله في داره أي: خلق صورة بديلة ومغايرة لتلك الصورة التي رسمها عثمان بن عفان بنفسه.

د- لتعزيز الاعتقاد بمظلومیته ومن ثم تحريك الوجدان الجماهيري حوله وحول بني أمية وزعيمهم الجديد معاوية.

ص: 202

وعليه:

حينما وجد معاوية أن هذه الأسباب قد جاءت بثمارها أمر الولاة والقضاة والخطباء والرواة بالكف عن الرواية في عثمان فقد تحقق الهدف وتمكن من تغيير ثقافة الناس وعقيدتهم في عثمان وابن عمه الجالس على كرسي الخلافة في الشام وهو كما يلي:

باء - المرحلة الثانية من وضع الأحاديث النبوية.

يظهر النص أيضاً أن المرحلة الثانية من نسق وضع الحديث النبوي کانت مختصة في وضع بعض المناقب في معاوية بن أبي سفيان وقد صرّح الخليفة الأموي بذلك صريحًا، فقال:

(إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، فادعوا الناس إلى الرواية في معاوية وفضله وسوابقه؛ فإن ذلك أحب إلينا وأقر لأعيننا، وأدحض لحجة أهل هذا البيت وأشدهُ عليهم).

ولا شك أن الناس قد تسارعوا في تلبية هذا الطلب السلطوي وحرصوا على القيام به وتنفيذه وبشكل كبير، وبأعظم مما كانوا يضعونه في عثمان أو في الشيخين، وذلك:

1- إن معاوية قد صرّح بذلك فقال حول وضع رواة الحديث في معاوية: (فإن ذلك أحب إلينا وأقر لأعيننا).

2- بغضا لأهل البيت (عليهم السلام) وهو أمر عمل على ترسيخ التثاقف من الداخل وتنامي الحرب ضدهم ومن ثم فإن ذلك سيدفع بالرواة إلى منحه مناقب و فضائل ترتقي إلى مناقب الأنبياء ومنها:

ص: 203

1- عن واثلة بن الأسقع يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله)

((کاد معاوية أن يبعث نبيًّا من حلمه وائتمانه على كلام ربي))(1).

2- عن عثمان بن عفان يرفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله):

((هنيئًا لك يا معاوية، لقد أصبحت أمينا على خبر السماء))(2).

3- عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله):

((هبط جبرائيل بقلم من ذهب فقال: يا محمد إن العلي الأعلى يقول: قد أهديت القلم من فوق عرشي إلى معاوية، فمره أن يكتب آية الكرسي به ويشكله ويعجمه....)(3).

4- عن أبي هريرة مرفوعًا: للنبي (صلى الله عليه وآله)

((الأمناء ثلاثة أنا وجبرائيل ومعاوية))(4).

5. عن بعضهم مرفوعًا: ((جاء جبرائیل بورقة آس عليها: لا إله الّا الله حب معاوية فرض على عبادي))(5).

وغيرها من الأحاديث التي أقر علماء السنة والحديث بوضعها وكذبها على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 204


1- سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 3 ص 129
2- المصدر نفسه
3- تاریخ مدينة دمشق، لابن عساکر: ج 59 ص 71
4- الكامل في الضعفاء لابن عدي الجرجاني: ج 2 ص 345
5- تاریخ دمشق لابن عساکر: ج 59 ص 90

وأغرب ما أرتبط بهذا النسق الثقافي هو تبرير كثير من علماء المسلمين والدفاع عن هؤلاء الوضاعين والكذابين بقولهم: إن ذلك كان سببه الحب المفرط الذي كان يحمله بعض الناس لمعاوية فرووا فيه هذه الأحاديث كقول الحافظ الذهبي (ت 756 ه) (وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه، ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك)(1).

ونقول:

سواء كان سبب هذه الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حب معاوية أو کرمه أو عطائه أو كان سببها المغالاة أو غيرها کما مرّ بیانه؛ فالأمر واحد في المقياس الشرعي وهو (تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)).

وقد جاء في الصحاح لا سيما صحيح البخاري عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

((إنّ كذبًا عليّ ليس ككذب على أحدٍ؛ من کذب علي متعمدًا فلیتبوأ مقعده في النار))(2).

وقد ذهب الجويني وابن تيمية إلى تكفير من تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).

ص: 205


1- سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 59 ص 128
2- صحيح البخاري، کتاب العیدین، باب الجنائز: ج 2 ص 81
3- فتح الباري لابن حجر: ج 1 ص 244؛ الصارم المسلول علی شاتم الرسول لابن تمية: ج 2 ص 328 - 339

وعليه:

فإن هذه الأنساق الثقافية في رواية الحديث الموضوع والمكذوب على رسول الله (صلى الله عليه و آله) الذي فشی وانتشر في جميع المدن الإسلامية قد عمل على تغيير ثقافة القرآن والسنة وكان أداة قوية في خلق عقيدة جديدة في المجتمع الإسلامي ترى في معاوية أنه كاد أن یکون نبيًا؛ فكيف إذا أقترن هذا النسق الثقافي والنمط الفكري بمجموعة من الأنساق القمعية في قمع أتباع أهل البيت وشيعتهم وبنفس المستوى من الزخم السلطوي الذي منحته السلطة الأموية للأنساق الثقافية التي مرّ ذكرها كي تسير جنب إلى جنب في أحداث التثاقف من الداخل وتكوين عقيدة توحيد ترتكز على الامتثال المطبق لما يقوله الخليفة ويأمر به وهو ما شهدناه كحقيقة تفصيله عن هذه العقيدة والفكر والثقافة في يوم عاشوراء وعلى أرض کربلاء عام 61 ه لكن السؤال الذي يفرضه البحث، ما هي هذه الأنساق القمعية التي استطاعت إحداث هذا التغير السريع في عقدين من الزمن من عام أربعين للهجرة إلى عام ستين للهجرة؟

هذا ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: الأنساق القمعية التي اتخذتها الخلافة في إعمال التثاقف من الداخل.

لم تكتف السلطة الأموية في الشام بإجراءاتها المتتابعة في إرساء الثقافة الجديدة المرتكزة على جملة من الأنساق الثقافية التي مرَّ بيانها في المسألة السابقة وإنما اتبعتها بجملة من الأنساق القمعية لشيعة أهل البيت (عليهم

ص: 206

السلام) وأتباعهم في جميع البلدان الإسلامية لا سيما مدينة الكوفة التي كانت تحتضن النسبة الأكبر من شيعة علي (عليه السلام) ومواليه.

والملاحظة في إجراءات السلطة أنها لم تجعل مرحلة زمنية فاصلة بين إرساء ثقافة تعظيم سنة الشيخين وإرساءها في جميع المفاصل الحياتية فضلًا عن رواية الأحاديث المكذوبة في تعظيم الصحابة بنحو عام وفي عثمان ومعاوية ومن سبقه في الخلفاء، أي: في أبي بكر وعمر بنحو خاص وذلك ابتغاء تحقيق عدم ظهور منزلة أهل البيت (عليهم السلام) في المجتمع الإسلامي وإماتتها في نفوس المسلمين؛ وبين أنساقها القمعية في القضاء على شيعة أهل البيت وأتباعهم مما حقق تسارعًا كبيرًا في خلق التثاقف من الداخل وإيجاد عقيدة جديدة في التوحيد في المجتمع الإسلامي؛ فبين الترغيب وبذل جميع الإمكانات المادية من بذل الأموال والأراضي والمناصب؛ والإمكانات المعنوية في الحفاوة والوجاهة؛ وبين الإمكانات الثقافية والفكرية، كانت الأنساق القمعية متلازمة في هذه الإجراءات والأنساق الفكرية والثقافية لنصل في النهاية إلى تمايز المجتمع الإسلامي وتكون الأنساق الاجتماعية التي ترابطت فيما بينها بجملة من الوظائف والأدوار البنائية من جهة وبينها وبين السلطة الحاكمة من جهة ثانية، وهو ماسنتناوله في المسألة الثالثة التي سنتناول فيها النظرية الوظيفية وإجراءات الأنساق الاجتماعية في خلق عقيدة جديدة في التوحيد لكن الذي نحن بصدده هنا: هو بيان هذه الأنساق القمعية التي اتخذتها السلطة لتحويل هذا المجتمع إلى مجتمع جدید یکاد يخلو في نهاية المطاف من أناس تعتقد بالتوحيد القرآني والنبوي ليتسارع في قتل ابن نبيه ويتقرب إلى الله تعالى بدمه بفعل هذه العقيدة التي نجحت السلطة في

ص: 207

ترسيخها في المتجمع الإسلامي بعد أن أرسى قواعدها وأصولها العمریان کما مرَّ في المباحث السابقة.

وعليه:

فإن الأنساق القمعية التي اتبعتها السلطة كانت على النحو الذي ذكره جملة من علماء المسلمين، وهي كالآتي:

أولًا - إصدار قانون الإعدام فيمن يروي حديثًا في فضل علي (علیه السلام).

روی سلیم بن قیس الهلالي وعنه الطبرسي في المدرسة الإمامية؛ وروی محمد بن أبي سيف المدائني، وعنه ابن أبي الحديد المعتزلي؛ قولهم: (كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روی شيئًا من فضل ابي تراب وأهل بيته)(1).

والرواية أعلاه قد مرَّ بيان بعض آثارها في الأنساق الثقافية من المسألة السابقة لكنها هنا تكشف عن أحد الأساليب القمعية التي اعتمدتها السلطة الأموية في الشام وبعد تولي معاوية خلافة المسلمين بعد عام الجماعة فكان من أول أساليبه وقراراته إصدار قانون الإعدام بحق من يروي شيئًا في فضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويكشف النص هنا جملة من الأمور، فضلًا عمّا مرَّ ذكره وبيانه في المسألة السابقة، فكان منها ها هنا:

1- إن معاوية لا يطيق سماع اسم علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) ولا حتى تلفظه، ولذا لم يرد القانون بلفظ: (أن برئت الذمة ممن

ص: 208


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 18؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 11 ص 45

روی شیئًا في فضل علي بن أبي طالب وأهل بيته) وإنما جاء القرار القمعي بلفظ (أبي تراب وأهل بيته).

وهذا يكشف عن مستوى البغض والنصب والعداء الذي كان في نفس معاوية لعلي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام).

2- إن معاوية يسعى في ذلك إلى محو ذكر الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) على ألسنة الناس جاهلهم أو عالمهم، شاميهم أو حجازيهم أو عراقيهم فلا يقال حينها (عليّ) وإنما يشار له بالكنية.

3- إن كثيرا من الناس لا سيما الذين يعيشون في مدن أخرى لا يعلمون لمن هذه الكنية فيقومون بالبراء واللعن - والعياذ بالله - من صاحبها وأهل بيته.

4- یکشف النص عن جور السلطة وطاغوتيتها في إعدام المسلم بجريرة روايته أو ذكره لشيء من فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فكيف بمن تشيع له أو قاتل بين يديه وشهر سيفه بوجه معاوية وشيعته وأنصاره في صفيّن؟!

ثانيا - التنكيل النفسي والاجتماعي لأتباع أهل البيت (علیهم السلام).

إن من الأساليب القمعية التي اتخذتها السلطة الأموية إسقاط شهادة شيعة علي (عليه الصلاة والسلام) ومواليه في إجراء جديد ونسق قمعي آخر يراد منه التنكيل النفسي والاجتماعي بهم؛ فقد أصدر معاوية كتابًا إلى جميع الولاة على المدن الإسلامية جاء فيه:

ص: 209

(لا تجيزوا لاحدٍ من شيعة علي وأهل بيته الشهادة)(1).

ولان الكتاب موجه للولاة فقد جاء بلفظ شيعة علي وأهل بيته (عليهم السلام) فهو لم يكن موجهًا لعامة الناس، والا لما ورد فيه لفظ اسم (علي) (عليه السلام).

وهو يكشف عن أحد الأنساق القمعية التي اتخذتها الخلافة الأموية في و محاولة محو وإماتة ذكر أهل البيت (عليهم السلام) واذكاء عقيدة التوحيد الجديدة المرتكزة على طاعة الخليفة التي تدخل الجنة.

ثالثا - تقطيع الأيدي والأرجل والقتل على الظنة في المولاة لأهل البيت (عليهم السلام).

إن النظر إلى تاريخ هذه المرحلة الزمنية نجد أن الأنساق القمعية التي اتخذتها السلطة تكشف عن جملة من الأمور:

1- إنها كانت تتزايد في حدتها وقسوتها وجورها على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في جميع المدن الإسلامية لا سيما أهل الكوفة فكان من يتهم منهم في حب آل البيت (عليهم السلام) تهدم داره ويسجن.

وقد أصدر معاوية أمره إلى جميع الولاة فقال لهم:

(من أتهمتموه بموالاة القوم فنكلوا به، واهدموا داره)(2).

فهدمت دور شيعة الإمام علي (عليه السلام) في الكوفة وغيرها.

ص: 210


1- کتاب سلیم بن قیس: ص 317 بتحقيق محمد باقر الأنصاري؛ الاحتجاج: ج 2 ص 17
2- بحار الأنوار للمجلسي: ج 33 ص 191

2- لا شك أن السبب في هذا التصعيد في الأنساق القمعية هو وجود مقاومة لها من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) مما يجعل السلطة الأموية تبحث عن أنساقٍ أكثر قسوة وجورًا ضد أولئك الذين كانوا متشبثين بعقيدتهم في علي وأهل بيته (عليهم السلام) وهي حقيقة واقعية شهدها التاريخ الإنساني بشكل عام والتاريخ الإسلامي بشكل خاص وذلك لتولي الطواغيت منصب الخلافة الإسلامية.

ومن ثم سنشهد إجراءات و أنساقًا قمعية متعددة في عينة هذه الدراسة، ومنها:

قتل الإنسان على مجرد الظن بأنه يعتقد بعلي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام). وقد دّل على هذه الحقيقة شاهدان.

الأول - النص الشريف المروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) الذي أوردنا جزءًا منه في المسألة السابقة، ونورد هنا ما تعلق بهذا النسق القمعي، فقال (عليه الصلاة والسلام):

«ثم لم نزل أهل البيت نُستذل، ونُستضام، ونُقص ونُمتهن، ونُحرم ونُقتل ونَخاف ولا نَأمن على دمائنا ودماء أولياءنا».

إلى أن يقول (عليه السلام):

«وكان عُظمُ ذلك و کُبرُه زَمن معاوية، بعد موت الحسن (عليهم السلام) فقتلت شیعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكان من ذُکر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره»(1).

ص: 211


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 11 ص 45

أما الشاهد الثاني:

فقد ذكره ابن أبي الحديد نقلًا عن المدائني، فقال:

(ثم قام معاوية فولى الكوفة زياد بن سمية، وضم إليه البصرة وقد كان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، ولذا: فقد قتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم، وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم).

وقد بذل زیاد بن أبيه جهدًا كبيرًا في إخراج شيعة الإمام علي (عليه السلام) من الكوفة وتهجيرهم كي يتم إفراعها من أهل عقيدة التوحيد القرآني والنبوي وهو آخر الأنساق القمعية التي قام به والي معاوية بن ابي سفيان على الكوفة وهو ما سنتناوله في رابعًا.

رابعًا - التهجير القسري والتغيير الديموغرافي للكوفة.

بعد أن يأس زياد بن أبيه من إسكات أصوات شيعة علي (عليه الصلاة والسلام) وعجز عن تغيير عقيدتهم وجد أن لا سبيل من التهجير القسري لهم وإخراجهم من الكوفة وتضيعهم في المدن الأخرى ونقل من عرفوا بطاعتهم وولاتهم إلى بني أمية إلى الكوفة كي يتم تغيير سكان أهل الكوفة ومجتمعها الموحد الموالي لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، فكانت هذه الحملة

ص: 212

على الشكل الآتي:

ألف - بدأ زياد بنقل المقاتلة الأعاجم من الكوفة ونقلهم إلى الشام والبصرة.

أي لم ينقلهم إلى بلادهم الأم إيران أو بلاد فارس کما كانت تعرف، مما يدل على رفع مستوى معاناتهم، بعد أن كانت لهم منازل في الكوفة وألفة مع أهلها.

قال البلاذري:

(إن زیادا سيّر بعضهم إلى الشام بأمر معاوية، فهم يدعون بها الفرس، وسيّر قوما منهم إلى البصرة فدخلوا في الأساورة الذين بها)(1).

أما السبب الذي جعل ابن زیاد يبدأ بهم، فلأن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد ساوى بينهم وبين المقاتلة العرب في العطاء فاستمالوا إليه.

وأما سبب توجيههم إلى الشام والبصرة فلكونهما عثمانیتي المعتقد، فلا يمكنهما التحرك فيهما، بعكس نقلهم إلى بلاد فارس فإنهم سيدعون إلى علي (عليه السلام).

باء - توسيع رقعة الإفراغ العقدي لتشمل مدينة الكوفة والبصرة.

أي إفراغ المدينتين من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) قال البلاذري: (إن زیادا نقل (خمسين ألفا) من مقاتلة أهل البصرة والكوفة مع عيالاتهم إلى خراسان)(2)، ولم تحدد الرواية كم كان عدد الكوفيين من الخمسين ألفا.

ص: 213


1- فتوح البلدان للبلاذري: ص 280
2- المصدر نفسه ص 109

إلا أن المدائني أشار إلى: (أن نصفهم كان من أهل الكوفة)، وأيا كانت نسبتهم فإن إخراجهم من الكوفة والبصرة مع عيالاتهم وتهجيرهم إلى تلك البلاد البعيدة خارج العراق هو غاية الاضطهاد العقدي والتطرف الفكري.

فكانت آثار هذا الإفراغ الفكري على ثقافة مجتمع الكوفة، ولا سيما المقاتلة منهم وهم السواد الأعظم من أهل الكوفة - وهم الذين خرجوا لقتال الحسين عليه السلام - آثارًا وخيمة ترجمتها أرض کربلاء في يوم عاشوراء.

ص: 214

المبحث الثالث محددات النظریة الوظیفیة وإجراءات الأنساق الاجتماعیة لخطاب الإمام الحسین (علیه السلام) في اغتیال التوحید

ص: 215

ص: 216

إن من الحقائق المهمة التي توصلنا إليها في دراسة المجتمع الإسلامي في هذه المدة الزمنية المنحصرة في نصف قرن من عمر الرسالة، أي منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى يوم عاشوراء من عام 61 للهجرة، هي تشكل المجتمع الإسلامي من مجموعة من الأنساق الثقافية التي أسهمت في خلق الأنساق الاجتماعية التي اتصف كل نسق فيها بمواصفات وسمات مشتركة تربطها أهداف محددة وهم يسعون بكل إمكاناتهم لتحقيق هذه الأهداف مما خلق مطابقة للنظرية الوظيفية والأنساق العامة ومما لا شك فيه أنّ السلطة الحاكمة ممثلة بالخلافة (الراشدة) وخلافة معاوية قد حققت أهدافها في تغيير عقيدة التوحيد القرآني والنبوي عبر الأنماط التثاقفية وإيجاد حالة جديدة في الأنثروبولوجيا الثقافية مرتكزة على التثاقف من الداخل وبناء الأنثروبولوجيا العقدية التي أسهمت في بنائها الأنساق الثقافية والاجتماعية.

المسألة الأولى: تعريف النظرية الوظيفية. The Ttructure Function

إن من مقتضيات دراسة المجتمع والتحولات الفكرية والعقدية فيه هو الرجوع إلى النظريات المعاصرة في علم الاجتماع ومنها النظرية الوظيفية أو الأنساق العامة فقد أسهمت هذه النظرية في فهم هذه التحولات الجذرية في الاتجاه الفكري والعقدي للمجتمع.

ص: 217

وقد عرفها بعض المختصين في العلوم الاجتماعية، فقالوا:

(اتجاه فكري في علم الاجتماع يتألف من عنصرين أساسيين ومترابطين يتمثلان في نموذج تصوري للمجتمع، وإطار منهجي لتحليل هذا المجتمع.

ويعد مفهوم النسق هو الأساس الفكري للوظيفية، ولقد دخل هذا المفهوم إلى علم الاجتماع من مصدرين، هما:

المصدر الكلاسيكي ويتمثل في الآراء الوظيفية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين، والمصدر المعاصر ويتمثل في نظرية الأنساق)(1).

وقد مرّ بیان مفهوم النسق ومعناه في المبحث السابق فكان من التعريفات ما جاء على لسان مؤسس النظرية الوظيفية تالکوت بارسونز، قائلا:

(إنّ النسق هو: نظام ينطوي على أفراد مفتعلين تتحد علاقتهم بعواطفهم وأدوارهم التي تتبع من الرموز المشتركة والمقررة ثقافيًّا في إطار هذا النسق وعلى نحو يغدو معه مفهوم النسق أوسع من مفهوم البناء الاجتماعي)(2).

كما أشار بارسونز إلى أنه أي: النسق (يرتكز على معايير وقيم تشكل مع الفاعلين الآخرين جزءًا من بنية الفاعلين)(3).

ص: 218


1- النظرية الوظيفية ومفهوم النسق الاجتماعي، مقال نشر في 26 / مايو / 2015 م؛ جامعة ابن الطفيل - علم الاجتماع - المغرب العربي
2- عصر البنيوية أبدیت کویزیل، ترجمة جابر عصفور: ص 411 طبع دار سعاد الصباح، ط الأولى لسنة 1993، الكويت
3- المصدر نفسه

وقد فرضت هذه المعايير والقيم التي أصبحت جزءًا من النسق في ظهور معنی عام وخاص عند الفلاسفة فقد ذهب (لا لاند) في موسوعته الفلسفية إلى (أن مصطلح النسق يقال بمعنيين عام وخاص، والنسق بالمعنى العام هو: جملة عناصر مادية أو غير مادية يتعلق بتبادل بعضها ببعض بحيث تشكل کلا عضویًّا مثل النظام المدرسي، والجهاز العصبي.

والنسق بمعناه الخاص هو: مجموعة من أفكار علمية أو فلسفية مترابطة منطقيًّا من حيث تماسكها لا من حيث حقيقتها)(1).

فهذا التماسك بين الأفكار كان هو الأساس في ظهور (جملة من الأفعال والتفاعلات المعينة بين الأشخاص الذين توجد بينهم صِلات متبادلة).

وهو ما يسمى بالنظرية الوظيفية.

وتدرس النظرية الوظيفية أو نظرية الأنساق محددات ثلاثة وهي الثقافة، والشخصية، والنظام الاجتماعي.

(فنسق الثقافة: يتكون من مجموعة من العلاقات المتداخلة للقيم والمعتقدات والرموز المشتركة التي توجد في أي مجتمع.

ونسق الشخصية: ويضم مجموعة الدوافع والمؤثرات، والأفكار وكل ما يتصل بالفرد ككائن عضوي.

ص: 219


1- موسوعة لا لاند الفلسفية، ترجمة خليل أحمد خليل، ج 3 ص 1417 ط منشورات عويدات، لسنة 1996 بيروت

والنسق الاجتماعي: وهو مجموعة الأدوار ذات العلاقة المتداخلة، تلك الأدوار التي تشكل مجموعة متآلفة يطلق عليها اسم النظم؛ والنسق الاجتماعي يشير إلى مجموعة من الأفراد الذين يتفاعلون بعضهم مع بعض الآخر، وإن هدف التفاعل هو الميل إلى الإشباع الأمثل لاحتياجاتهم)(1).

فهذه المحددات الثلاثة للنظرية الوظيفية، أي: نسق الثقافية، ونسق الشخصية، والنسق الاجتماعي قد تجلت في المتجمع الإسلامي في هذه المدة الزمنية المحصورة بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) و استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في عام 61 ه في يوم العاشر من المحرم.

فقد شهدت الأنساق الثقافية لسنة الشيخين وسنة الخلافة الأموية التي ابتدأت بشكلها التأسيسي في عهد عثمان بن عفان مجموعة من العلاقات المتداخلة للقيم والمعتقدات والرموز المشتركة حتی رسخت هذه القيم الجديدة وبفعل التثاقف من الداخل توحيدًا جديدًا ظاهره الإيمان وباطنه الكفر والخراب المفاهيمي والقيمي لما جاء به القرآن والنبي المصطفی (صلی الله علیه و آله) فيصبح الخضوع والخنوع والطاعة العمياء للخليفة هو مرکوز التوحيد الذي يقود المسلم إلى الجنة.

ومما لا شك فيه فقد كان نسق الشخصية هو الأبرز في هذه المتغيرات الجديدة التي نشأ عليها الإنسان في نصف قرن من الزمن فقد أوغلت سنة العمريين والأمويين في ميولات وانفعالات وأفكار الإنسان المسلم وكما مرَّ بیانه مفصلًا في هذه المباحث.

ص: 220


1- النظرية الاجتماعية الحديثة، ككوهن بيرسي، ترجمة د. عادل مختار الهواري، ص 147 ط دار فينوس للطباعة والنشر القاهرة لسنة 1975 م

وأما الأنساق الاجتماعية وتكامل النظرية الوظيفة فبما جمعه المجتمع من الأنساق الثقافية، والتثاقف من الداخل جملة من الأنساق الاجتماعية الذي برزت فيه بعض المجموعات من الأفراد الذين تربطهم أهداف مشتركة وتجمعهم ميولات وانفعالات محددة، وإن الهدف الأوحد الذي يجمعهم مع بعضهم سواء ضمن حدود النسق الواحد أو فيما بينهم مجتمعة، هو الإشباع الأمثل لاحتياجاتهم النفسية والغريزية، وهو ما كشف عنه الإمام الحسين (عليه السلام) في خطابه لأهل الكوفة في يوم عاشوراء.

وهو ما سنتناوله فيما يلي:

المسألة الثانية: محددات النظرية البنائية الوظيفية في خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء

اشتمل خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء على أرض کربلاء حينما زحف جيش الخلافة الإسلامية إليه وأحاطوا به وأهل بيته وأصحابه من كل مكان حتی سدوا الأفق وقد تجاوزت أعدادهم عشرات الآلاف فكان أقل ما ذكر في عددهم ثلاثين ألفًا(1) أما اکثر ما ذكر فقد اختلفت فيه أقوال المؤرخين.

ومن ثم فقد أظهر هذا العدد هوية المتجمع الإسلامي وعقيدته التي يحملها وبها يقاتل رجلًا هو ابن بنت نبيه فضلًا عن قتالهم وقتلهم للأطفال الرضع، وأظهر لنا أيضًا تغييرًا للقيم العربية التي نشأ عليها الإنسان العربي.

ص: 221


1- الأمالي للصدوق: ص 177

ومن ثم قدمت هذه الآلاف من الرجال صورة جديدة من العقيدة الدينية ومرتكزاتها الفكرية فضلًا عن التغيير القيمي للمجتمع العربي المتمثل في حفظ حرائر النساء وغيرها من القيم.

وعليه:

فقد لزم بيان هذه التحولات العقدية والقيمية في المجتمع الإسلامي و للتاريخ وللأجيال التي ستقف أمام هذه الحادثة التي أفجعت الإنسانية بنحو عام والمسلمين بنحو خاص؛ فكان هذا البيان صادرًا من صاحب المصيبة العظمى وهو الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد تضمن خطابه إلى هؤلاء الرجال العديد من الحقائق والمعارف في مختلف الحقول العلمية والمعرفية لاسيما علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) وعلم الاجتماع والسلوك والنفس والشخصية وغيرها مما لا مجال لإحصائه وذكره وعده.

ولذلك:

كان للنظرية الوظيفية حضور مميز في هذا الخطاب مثلما كان للأنثروبولوجيا العقدية والثقافية حضور مميز لاسيما في هذا الجزء من خطابه (عليه الصلاة والسلام) لجيش الخلافة الإسلامية قائلا لهم:

«تبًّا لكم أيتها الجماعة وترحًا وبؤسًا لكم وتعسًا! حين استصرختمونا ولهين، فأصرخناکم موجفين، فشحذتم علينا سيفًا كان في أيدينا، وحششتم علينا نارًا أضر مناها على عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتم إلبًا(1) على أوليائكم،

ص: 222


1- الإلب - بالفتح والكسر -: القوم يجتمعون على عداوة إنسان

ويدًا لأعدائكم، من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منّا إليكم، فهلّا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف، ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدّبا(1)، وتهافتّم إليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها سفهًا وضلّة، فبعدًا وسحقًا لطواغيت هذه الأمة! وبقية الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومطفئي السُّنن، ومؤاخي المستهزئين، الذين جعلوا ((القرآن)) عضين، وعصاة الإمام وملحقي العهرة(2) بالنسب، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون.

أفهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون؟ أجل والله، خذل فیکم معروف، نبتت عليه أصولكم، وتأزرت(3) عليه عروقكم، فكنتم أخبث ثمر شجر للناظر، وأكلة للغاصب»(4).

والنص الشريف يظهر محددات النظرية البنائية الوظيفية وهي كالآتي:

أولًا - النسق الثقافي في البنائية الوظيفية.

في النسق الثقافي يتجلى عدد من المعايير والقيم التي أخذها الإنسان المسلم فشكلت لديه عقيدة جديدة، هذه العقيدة ظهرت عبر حملهم السلاح لقتل الإمام الحسين (عليه السلام).

ص: 223


1- الدّبا - مقصورًا -: الجراد قبل أن يطير، ينظر لسان العرب لابن منظور: ج 4، ص 248
2- العهرة: الزاني
3- الأزر: القوة والشدة
4- الاحتجاج للطوسي: ج 2، ص 24

وهذه المعايير هي: تغيير مفهوم الخلافة الشرعي.

بسلب حق أهل البيت (عليهم السلام) الذي اختصهم الله به وهي الخلافة للنبي (صلى الله عليه وآله) بمفهومها الشرعي، أي أن الخليفة يمثل امتدادًا للشريعة التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله)؛ وبمفهومها السلطوي بمقتضيات الحكومة.

وهو ما اكتنزه اللفظ الشريف بقوله:

«فشحذتم سيفا كان في أيدينا».

فقد استعاض عن معنى السلطة بلفظ السيف، ولذا قال (عليه السلام): «كان في أيدينا».

وهو بيان لحق أهل البيت (عليهم السلام) في غدیر خم فيما أمر الله تعالى نبيه المصطفی (صلى الله عليه وآله) بأخذ البيعة من المسلمين لأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) فقال:

«من کنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(1).

لكن هذه السلطة وبفعل التثاقف من الداخل الذي أوجده العمریان والأمويان في تعاقبهم على الخلافة الإسلامية كما مرّ بيانه قد غيرَّ القيم التي جاء بها القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله) ومن ثم استطاع الخلفاء بفرض عقيدة جديدة تمثلت في شحذ السيوف، أي: حدها وشهرها في وجوه أهل البيت (عليهم السلام) وقتلهم.

ص: 224


1- مسند أحمد: ج 1 ص 118؛ المصنف لابن شيبه الكوفي: ج 7 ص 499

فكانت النتيجة هذا التحول الجذري في العقيدة، فأصبحوا كما قال الإمام الحسين (عليه السلام) (أعداءً) وهي النتيجة لهذا التثاقف والمعايير الثقافية فقال:

«فأصبحتم إلبًا على أوليائكم ويدًا لأعدائكم».

أي: يدًا لإعدائكم في قتل أوليائكم.

2- إنّ الطاعة للخليفة مرتكزة على تغير عقيدة التوحيد.

يحدد الإمام الحسين (عليه السلام) إن حق الطاعة الذي يتعلق بذمة المسلم من العنوان الشرعي يرتكز على عقيدة التوحيد وذلك عبر البيعة، هذا فيما إذا كان الطريق لاكتساب طاعة المسلم للحاكم عبر هذا المعيار.

أما في السياق العام للسلطة وحق الراعي والحاكم على الرعية فيحدد الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاثة معايير ينساق عبرها الناس لطاعة الحاكم والامتثال لإمره، وهي:

1- معیار العدل.

2- معیار الأمل في تحسين أداء الحكومة.

3- معيار إساءة الرموز للرعية.

فهذه المعايير الثلاثة تستلزم حق الراعي على الرعية بمعنى: أن هذه المجاميع المؤلفة من مختلف العشائر العربية من اليمن والحجاز والعراق والشام جاءت إلى كربلاء إمتثالًا لأمر الحكومة أو الحاكم بما لديه عليهم من حق لأنهم وجدوا فيه واحدة من هذه المعايير الثلاثة.

ص: 225

لكن واقع الحال أن هذه المعايير الثلاثة غير متحققة ولا بنسبة ضئيلة، بل إن الواقع الحياتي والتاريخي أثبت انعدام هذه المعايير واستحالة وجود واحدة منها.

فلا معيار العدل موجود فيهم، ولا أمل للناس في تحسين أداء الحكومة، ولا ذنب للرموز صدر نحو الرعية كي يحق للحاكم على الرعية الطاعة في محاربة هؤلاء الرموز وهو ما يعرف اليوم بالحراك السلمي لتصحيح أداء الحكومة والقيام بواجباتها اتجاه الناس.

وعليه:

فإن هذه المعايير الثلاثة التي يترتب عليها حق طاعة الحاكم في المنظور القيمي للسلطة وإدارة الحكم هي غير متحققة ومن ثم علی آیه قيمة أو معیار اجتمع هؤلاء لقتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

ولذا:

خاطبهم قائلًا:

«فأصبحتم ألبًا على أوليائكم، ويدًا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منا إليكم»(1).

إذن:

كان حقيقة هذا المجتمع هو التغيير في عقيدة التوحيد وذلك بفعل التثاقف من الداخل الذي جهد على تغلغله العمريان في المجتمع الإسلامي وذكاه الأمويان في جملة من الأنساق الثقافية والقمعية حتى تم تغيير عقيدة

ص: 226


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 24

هذا المجتمع، بل وتغيير طبائع الإنسان وتظهره بمظهر آخر لا يحمل من الإنسانية إلا هيأتها وذلك ضمن أنساق شخصية؛ وهي كما يلي:

ثانيًا - النسق الشخصي في البنائية الوظيفية.

يتكون النسق الشخصي في النظرية الوظيفية من مجموعة الدوافع والمؤثرات والأفكار التي تتصل بالشخص ككائن عضوي في حركة المجتمع؛ وقد جاء خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) ببيان هذه الدوافع الشخصية والأفكار المشتركة فيما بين هؤلاء وهم يسعون لتحقيق هدف الوصول إلى السلطة، إما عبر الزيادة في العطاء، أو نیل منصب من المناصب وإن صغر، أو لنيل الرضا من السلطة عن هذه الجماعة أو تلك وأسوأ ما في الأمر إحراز طاعة الخليفة، وهو المرتكز على عقيدة التوحيد الذي جاء بها العمریان لغرض الدخول إلى الجنة.

وهذه الدوافع والمؤثرات والأفكار بيّنها الإمام الحسين (عليه السلام) في خطابه معهم يوم عاشوراء فيقول:

«فهلا - لكم الويلات - کرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها سفها وضلة».

فهذا الجزء من خطابه (عليه السلام) يضع أمام الباحثين في علم الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماع والسلوك وغيرها أن الإنسان المسلم تغير في طباعه وشخصيته وأفكاره ودوافعه عما كان عليه المسلمون في حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله).

ص: 227

فيبدأ أولًا بإزاحة الشكوك عن حقيقة هذا التغيير في الشخصية، أي النسق الشخصي وتحديدًا في العامل النفسي للفرد أو للمجتمع في إعراضه عن أهل البيت (عليهم السلام)، بل ومحاربتهم وقتلهم فهو لم يكن بفعل التغيير في أسلوب أهل البيت (عليهم السلام) مع الناس. إذ قد يتبادر إلى ذهن بعض الناس من جلس يبحث في هذه المتغيرات في المجتمع الإسلامي من التقديس والإجلال والتوقير لآل البيت (عليهم السلام) إلى محاربتهم وقتلهم فيرجع السبب إلى التغير في تعامل آل البيت (عليهم السلام) مع الناس، وليس السبب عائداً إلى التثاقف من الداخل الذي جهد في تفعليه العمریان والأمويان ليتجسد في يوم العاشر على أرض کربلاء وبهذه الصورة المأساوية.

ولذلك:

نجد الإمام الحسين (عليه السلام) يقطع الطريق على هذه التساؤلات أو المحاولات المريضة لبعض الأشخاص من الذين يحاولون بائسين في تغيير حقيقة ما فعله التثاقف من الداخل والأنساق الثقافية والقمعية في خلق عقيدة جديدة في التوحيد امتد تأثيرها على الطبائع الشخصية والنفسية والأنماط الفكرية لدى المسلم وهو ما بينه (عليه السلام) بقوله:

«كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف».

وهذه المعايير الثلاثة هي من أهم المعايير التي تؤثر في تغيير السلوكيات الشخصية والمجتمعية وبها يستطيع المرء تسيير الناس سلبًا أو إيجابًا نحوه سواء كان رمرًا اجتماعيًا أو دينيًا أو سياسيًا وهي:

ص: 228

1- الأمن الشخصي والمجتمعي.

2- الأمن الحياتي.

3- الأمن الفكري والعقدي، وهي كما يلي:

1- معيار الأمن الشخصي والمجتمعي.

فقوله (عليه الصلاة والسلام):

«والسيف مشيم».

كناية عن بيان معيار الأمن الشخصي والمجتمعي، بمعنى: أننا لم نشهر سيوفنا علیکم، وذلك أن معنی: (المشيم) هو وضع السيف في غمده، ومن ثم فإن المعيار الأول الذي يتسبب في ابتعاد الناس عن الرمز هو انتهاكه للأمن الشخصي للفرد أو للمجتمع، وهذا المعيار لم يقع من آل البيت (عليهم السلام) فهم لم يشهروا سيفًا في وجه أمرئٍ مسالمٍ غير محاربٍ لهم عازمٍ على قتلهم، بل ثبت في النصوص الحديثية والتاريخية أنهم كانوا يلتمسون الأعذار ويبالغون في الحجة قبل الدخول في أي قتال مع إصرار أعدائهم ومجاهرتهم بقتل أهل البيت (عليهم السلام) کما حدث في الجمل وصفين والنهروان في حياة أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وكما حدث في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) في مهادنته معاوية ومواثقته على شروط حقن دماء المسلمين وأمن الإنسان في أي مكان وبأي لون أو عقيدة؛ وكما نشهده من المبالغة في البيان والاحتجاج على هذه الآلاف من الناس التي تجمعت لقتل الإمام الحسين (عليه السلام) بل يكفي من الأدلة في مسالمة أهل البيت (عليهم السلام) ومسالمة الإمام الحسين

ص: 229

(عليه السلام) هو خروجه مع أطفاله وإخوانه وبناته وأمهات أولاده وأولاد إخوته وبني عمومته معه في خروجه إلى العراق.

فمن أراد الحرب والقتال لا يخرج معه هذا العدد من الأطفال والنساء.

إذن:

يبينُ الإمام الحسين (عليه السلام) أن السبب الأول الذي يكون دافعًا لابتعاد الإنسان فردًا أو جماعة عن الرمز سواء كان دينیًّا أو سياسيًّا هو انتهاکه لأمنهم الشخصي والمجتمعي وهذا لم يحدث، بمعنى: أن هناك سببًا آخر جعلهم يحملون السلاح لقتاله في كربلاء.

أما المعيار الثاني لابتعاد الناس عن الرمز وبالأخص هنا أهل البيت (عليهم السلام) هو: (الأمن الحياتي) وهو كما يلي:

2- معيار الأمن الحياتي.

وقد حدده الإمام الحسين (عليه السلام) عبر بيان اطمئنان قلب الإنسان من المخاوف التي تحيط به وتهدد بقاءه وعناصر دوام هذه الحياة وهي الغذاء والسلع وإنتاجها وحركتها، إذ يشكل الأمن الغذائي من أهم المخاطر والمخاوف التي تحيط بالإنسان فردًا وجماعة وهو جمع في الأمن الحياتي.

ولذا:

جمعها الإمام الحسين (عليه السلام) في قوله:

«والجأش طامن».

ص: 230

أي: لم تتعرضوا عبرنا لأي أمرٍ يفقد قلوبكم الإحساس بالأمن، ومن ثم لم يكن لكم الحق في محاربتنا أو قتلنا أو في أقل الأمور هو الابتعاد عنا وعدم الوقوف بجانبنا.

لكن الأمر الحقيقي في محاربتكم لنا هو عقیدتكم الجديدة التي أصبحت مخالفة لرأينا وعقيدتنا نحن آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهو ما ذكره (عليه السلام) في الأمن الفكري، کما یلي:

3- معيار الأمن الفكري.

وهذا معیار ورد في دلالة وقصدية قوله (عليه السلام) «والرأي لما يستحصف». وهو من أهم المعايير في تغيير توجهات الإنسان، بل وفي تغيير هويته الثقافية والعقدية، وفضلًا عن أن هذا المعيار هو من أكثر المعايير تسببًا في وقوع الحروب بين الناس منذ أن نشأ الصراع بين ابني نبي الله آدم (عليه السلام) کما يبين لنا الوحي (عليه السلام) هذه الحقيقة في إظهار المخالفة العقدية بينهما وذلك عبر وسيلة القربان الذي قدماه لله تعالى فقد انطلق كل منهما من عقيدته في التوحيد و قدّم كل منهما لله جل شأنه قربانًا لكن النتيجة أن الله تعالى تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر فكان الفاصل الحقيقي فيما بينهما الاختلاف في عقيدة التوحيد هو هذا القبول.

وهنا:

يظهر الإمام الحسين (عليه السلام) أن الاختلاف فيما بينه - وهو رمز التوحيد القرآني والنبوي - وبينهم وهم رمز التوحيد العمري والأموي ولذا: حملوا السلاح لقتله مع أبناءه وإخوته وأصحابه وسبي بناته وأخواته.

ص: 231

ليتجسد على أرض کربلاء مشهد ابني آدم اللّذَينِ تقدما بقربانين، وكان الأول هو قربان النبوة والرسالة المرتكز على عقيدة التوحيد المحمدي؛ والقربان الآخر كان على عقيدة التوحيد العمري الأموي فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر.

قال عز وجل:

«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(1).

فهذه حقيقة النسق الشخصي الذي تكوَّن لدى هؤلاء الآلاف من المسلمين لقتل ابن بنت نبيهم (صلى الله عليه وآله) وهذه دوافعهم والمؤثرات التي تأثروا بها على مدى نصف قرن ليتكون بذلك مجتمع جديد ظاهرة التوحيد وباطنه العداء الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) مما عمل على تكوين أنساق اجتماعية متآلفة ضمن نظم محددة تربطهم أهداف مشتركة تسير بهم نحو اتباع غرائزهم واحتياجاتهم الشخصية مهما كان الثمن وهو ما كشفه الإمام الحسين (عليه السلام) في خطابه لهم بعد أن أظهر أن السبب الحقيقي هو ليس تلك المعايير الثلاثة التي تكون منها النسق الشخصي وإنما هي العقيدة الجديدة في التوحيد وتغيير طباعهم وهويتهم الاجتماعية وهو ما سنتناوله في مطابقة النظرية الوظيفية في النسق الاجتماعي.

ص: 232


1- المائدة: 27

ثالثًا - النسق الاجتماعي في البنائية الوظيفية.

في النسق الاجتماعي يبدأ الإمام الحسين (عليه السلام) في بادئ الأمر بیان الهدف المشترك الذي جمع هذه النظم والأنساق الاجتماعية وهو بذلك يقدم للباحثين في العلوم الاجتماعية أهم النظريات التي توصل إليها علماء الاجتماع لا سيما أصحاب البنائية الوظيفية. فضلًا عن أن هذه الدراسة تظهر منهجًا جديدًا في حقل الدراسات الاجتماعية، وهي:

توظيف المطابقة النظرية والعملية للنظرية الوظيفية التي أنشأت في أساس تكوينها في دراسة المجتمعات الحديثة لا سيما دراستها للتحولات التي حدثت في المجتمع الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، وإن ما سعى إليه بارسونز في جولته الأمريكية والأوربية ضمن الحقل الاجتماعي والأنثروبولوجي لم يتضمن دراسة عينات من المجتمعات التي يحكمها الدين والعقيدة بالله، وتأثير هذه العقيدة على حركة الإنسان وثقافته وشخصيته وأسرته وتفاعلاته مع الآخر ضمن نسق الأسرة أو المجموعات البشرية التي يتناغم معها ويتفاعل معها لوجود مشترکات فكرية ونفسية تجعله جزءًا و مكونًا من هذه المجموعة أو ما يعرف بالنسق.

في حين إن الإنسان هو الإنسان أسير بما ينقل إليه من معطيات فكرية وثقافية عملت التنشأة الاجتماعية واللغة والأفكار كعاملٍ أساسيٍ في تحديد هويته وشخصيته وآثاره في المجتمع.

ومن هنا:

فإن هذه الدراسة حينما استوظفت النظرية البنائية الوظيفية أو نظرية الأنساق في دراسة المجتمع الإسلامي خلال نصف قرن فهي بذاك تؤسس

ص: 233

لمنهج جديد في العلوم الاجتماعية ممثلًا بمطابقة العينات الاجتماعية ودراسة متغيراتها وسلوكيتها ونتائج هذه السلوكيات سواء كانت في القرن الأول الإسلامي أو في القرن الرابع عشر وسواء كان في الشرق أو في الغرب.

ومن ثم فإن توظيف النظريات العلمية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا مع توظيف النصوص الشريفة للقرآن والعترة النبوية يقدم أنموذجًا أوفق وأوعى لمعرفة الإنسان في كونه فردًا أو جماعة.

وعليه:

يظهر الإمام الحسين (عليه السلام) الدوافع والميولات والمؤثرات التي انتظم من حولها هؤلاء الناس فيقول بعد نفي ما يحقق الابتعاد عن أهل البيت (عليهم السلام):

«كرهتمونا - (تركتمونا) - والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف؛ ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها تهافت الفراش، ثم نقضتموها سفهًا وضلة....».

وهنا:

يظهر الإمام الحسين (عليه السلام) الأنساق الشخصية بعد إزالته للموانع والشبهات الذهنية في صرف حقيقة ما حدث في نصف قرن فيستدرك بقوله:

«ولكن، أسرعتم إلى بيعتنا».

ص: 234

بكيفية دقيقة لتعريف الباحث والدراس والعالم بنسقية الدوافع والميولات الشخصية التي جمعت هؤلاء ونظمتهم في سعيهم وحركتهم نحو البيعة للإمام الحسين (عليه السلام) فيقدم صورة في غاية الدقة والبيان فيقول:

«أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا».

وهذه البيان للحالة السلوكية للمجتمع في التوجه إلى البيعة بغية الوصول لهدف وهو السلطة كان في غاية الجمال الوصفي والبياني وذلك عبر هذا التشبيه بين الدوافع الشخصية والغريزية لهؤلاء وبين الجراد، وهو (الدبا)(1).

فيحدد الدوافع الغريزية بين الإنسان والجراد والفراش وهم كما يلي:

1- الإسراع إلى الملذات.

وهو الجامع المشترك في بيان هذه الغريزة بين الجراد وهؤلاء فهم يسرعون في مشيهم وفعلهم لغرض الحصول على ما يمكن من الملذات فيقضمون منها ما استطاعوا، والجراد يسرع في مشيه لقضم ما يراه من فتات الورق.

والجامع المشترك في هذا المشي هو النفاق والاختلاس؛ بمعنى لو أسرعوا وتطايروا لانتبه الناس إليهم ولشخصوا هدفهم ولربما مع افتضاحهم وجدوا منافسا لهم فيجري إلى مقصدهم ومبتغاهم آخرون، فينحصر ما یریدون ويقل ما يطلبون.

ص: 235


1- الدبا: مقصور: الجراد قبل أن يطير، وقيل هو نوع يشبه الجراد ينظر لسان العرب الابن منظور: ج 14 ص 248

وهو من جانب آخر يكشف عن احتفاظهم بمقدار من التحسب والحذر من الوقوع من أعين الناس بمعنی توفر مقدار من الحصانة السلوكية في الجهر بالآثام، أي ما زال في النفوس مقدار ولو ضئيل من الحياء، وهو المانع من التجاهر بالآثام.

أما في الحالة الثانية، أي العامل الثاني فيدل الوصف البياني لسيد الشهداء (عليه السلام) على انعدام الحياء من هذه النفوس فأدى إلى المغايرة في السلوك، وهو كما يلي.

2- التهافت على السلطة.

في بيانه (عليه الصلاة والسلام) للدافع الغريزي الثاني للبيعة هو: التهافت على السلطة، فيقول:

«وتهافتم إليها كتهافت الفراش».

وهنا يظهر (عليه السلام) مستوى متطور في الحالة النفسية والسلوكية لهؤلاء؛ إلا أنه (عليه السلام) لم يخرج من الأسلوب البياني والوصفي في التماثل فيما بين الحشرات وهؤلاء.

فحينما يفقد الإنسان الإحساس بإنسانيته، ويخضع لشهواته وغرائزه الحيوانية، يتحول في السلوكيات إلى تلك الأنواع المختلفة من الدواب، فهو بين تماثل في الثدييات أو التسافل إلى الحشرات فيصل إلى أخسها طبعا وأرذلها مزاجا.

ص: 236

وهنا:

يماثل (عليه السلام) في أسلوبه الوصفي للدوافع السلوكية بين الفراش؛ وهو كناية عن الحشرات الطائرة ولا سيما الجراد في تهافتها بأعداد كبيرة على الزرع؛ وبين أولئك الذين أصبحوا حالة سلوكية واحدة، أي تحول المجتمع في المرحلة الثانية في التدني إلى مستوى ثقافي واحد.

ولذا قال (عليه السلام) «فتداعيتم» أي أصبحوا من حيث البنية العقلية والأسس الأنثربولوجية على ثقافة واحدة وهي أن يدعو بعضهم بعضا بالطبائع لا بالقول أو الإشارة؛ أي: أصبحوا على طبيعة واحدة كطبيعة الفراش حينما يتهافت على شجرة مخضرة، فكل هذه المجاميع من الفراش لم تناد أحداها الأخرى وإنما طبيعتها الواحدة هي الكفيلة في هذا التهافت؛ وكذلك أصبح هؤلاء.

ولذلك:

هم في هذه المرحلة النفسية والسلوكية لم يراعوا الانتباه لهم كما في الحالة الأولى؛ لأنهم فقدوا الإحساس بالحياة فتحولوا إلى دواب؛ بل تجرؤوا على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) بأفعالهم وسلوكياتهم.

ثم يظهر (عليه الصلاة والسلام) بعد بيانه للدوافع والميولات الغريزية والمؤثرات النفسية التي اتّحدت فيها طبائعهم مكونة بذلك نسقًا شخصيًا، السبب في نقضهم للبيعة.

ص: 237

وهو بذاك يبين أن هذا المجتمع أصبح من الناحية الثقافية، بل وفي نمط التفكير والفهم بأسوأ من الدواب فإن كان غاية الفراش ومن قبل ذلك الجراد الحصول على الطعام فإن هؤلاء أكثر سفاهة وضلالة من الدواب.

بمعنى أدق:

لو كانوا قد تمسكوا بيعتهم لآل البيت (عليهم السلام) فهم سيحصلون و على الأمن الشخصي والغذائي والفكري ويعيشون بحرية وكرامة هو غاية مايحرص عليه الإنسان في الحياة الدنيا.

ولكنهم نقضوا هذه النعم والعيش بحرية وكرامة وذلك سفاهة في تفكيرهم فضلًا عن ضلالتهم في عقيدتهم للتوحید فنقضوا البيعة بعد أن أسرعوا إليها وتهافتوا عليها ولذا، قال (عليه السلام):

«ثم نقضتموها سفها وضلة».

كانت نتيجة هذه السفاهة والضلال أن تحولوا إلى أنساق اجتماعية حددها الإمام الحسين (عليه السلام) وهي كما يلي:

قال (عليه الصلاة والسلام):

«فبعدًا وسحقًا لطواغيت هذه الأمة، وبقية الأحزاب، ونَبَذة الكتاب، ومطفئي السنن، ومؤاخي المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين، وعصاة الإمام، و ملحقي العهرة بالنسب، ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون».

ص: 238

فهذه الأنساق الاجتماعية هي حقيقة هذا المجتمع الإسلامي بعد مرور خمسين عامًا على وفاة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)، وهم:

1- نسق الطاغوتية.

2- نسق بقية الأحزاب.

3- نسق نبذة الكتاب.

4- نسق مطفئي السنن.

5- نسق مؤاخي المستهزئين.

6- نسق عصاة الإمام.

7- نسق ملحقي العهرة بالنسب.

فهذه الأنساق الاجتماعية هي المحدد الثالث من محددات النظرية الوظيفة والمكون الأساس من مكوناتها فقد كشف الإمام الحسين (عليه السلام) أن هذه الجموع التي كانت بعشرات الآلاف التي زحفت بالخيل والسلاح لقتله إنما هي مكونة من مجموعة من الأنساق الاجتماعية التي جمعتها مجموعة من النظم الفكرية والثقافية والعقدية والميولات والدوافع الشخصية فهم مكونون من ثلاثة أنساق رئيسية، وهي:

ألف - نسق (الطواغيت، والأحزاب).

وهم الذين خرجوا لقتال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وقعة الأحزاب حينما جهز أبو سفيان واليهود والمشركون عشرات الآلاف من الرجال للقضاء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن آمن به فأخزاه

ص: 239

الله تعالى ورد كيده إلى نحره وانهزم الأحزاب في تلك الوقعة، فبقي من هذا النسق الاجتماعي وفكره وثقافته من بقي ليخرج إلى ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعيد الحدث من جديد.

باء - نسق (نبذة الكتاب، ومطفئي السنن ومؤاخي المستهزئين، وعصاة الإمام).

وهؤلاء حملة سنة الشيخين وأشياعهما فقد نبذوا الكتاب الذي فرض المودة لآل البيت (عليهم السلام) واطفؤوا السنن التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) کما مرّ بیانه مفصّلًا في الفصل الأول.

وهم الذين تآخوا مع المستهزئين الذي جعلوا القرآن العظيم تتلی آیاته ولا يُعمل بها بل غُیرت فرائضه بغير مرادها وغاياتها وأحكامها ويكفي في ذاك ما ذهب إليه أئمة المذاهب الإسلامية في تشريعاتهم الفقهية والاجتهادية.

أما عصاة الإمام فيكفي نقضهم لبيعة الغدير ومعصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) في ذلك دليلًا على هذا النسق.

جیم - نسق (ملحقي العهرة بالنسب).

وهذا النسق الذي شرّعه معاوية بن أبي سفيان في إلحاقه زیاد بن مرجانة بأبيه أبي سفيان ويكسبه الصفة الشرعية في مخالفة صريحة لشرع الله تعالى وشرع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

حيث قال:

«الولد للفراش وللعاهر الحجر»(1).

ص: 240


1- الكافي للكليني، باب الرجل يكون له الجارية: 5/ 491؛ صحيح البخاری، کتاب البيوع: 3 / 5

ومن ثم فسح المجال أمام الرذيلة كي تنتشر في المجتمع مكونة بذلك نسقًا من أبناء الزنا الذين يجدون مشتركات وميولات متناغمة ومنسجمة وهو منحهم الصفة الشرعية في إلحاقهم بمن يدعيهم؛ ومن ثم ليتحول المجتمع إلى التفكك الأسري والقيمي والمالي في الميراث وغيرها من الآثار السلبية التي تقضي على النسيج الاجتماعي والأخلاقي، فكيف بالديني والعقدي؛ وأي توحيد هذا الذي يدعيه هذا المجتمع وحاله وصفاته و أنساقه الاجتماعية بهذه الكيفية.

وعليه:

كان لا بد من علاج قوي وفعال ومؤثر وموازي لقوة هذا الدمار والخراب كي يستطيع أن يعيد المجتمع إلى سابق عهده برسول الله (صلى الله عليه وآله) ويصلح ما فسد من عقيدة التوحيد والأخلاق في أمة التوحيد.

وهو ماسنتناوله بإذن الله تعالى وسابق لطفه وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله) في دراسة جديدة موسومة ب:

(أثر رأس الإمام الحسين علیه السلام في إحياء التوحيد وتوحيد الفكر في ضوء النظرية الوظيفية والضمير الجمعي)

«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(1).

«سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(2).

ص: 241


1- سورة البقرة: الآية 127
2- سورة الصافات: الآية 180 - 182

ص: 242

نتائج الدراسة

خلصت الدارسة إلى بعض النتائج التي يمكن إجمالها بما يلي:

1- إن عينة الدراسة وهي الفترة الزمنية الواقعة بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام (11) للهجرة النبوية وإلى عام (61) للهجرة قد شهدت متغيرات جذرية في المنظومة المفاهيمية والفكرية للإسلام لا سيما مفهوم التوحيد ومصاديقه التي لم تزل الأمة إلى الآن تسير عليها؛ وما تشهده الأمة اليوم من ظهور للجماعات التكفيرية في مختلف أرجاء بلاد المسلمين وغيرهم، وما يحدث من القتل والسلب والاغتصاب وسبي النساء والذراري فما هو إلا أنموذجًا من تلك المنظومة المفاهيمية والفكرية التي سنها وأصل لها العمريان وبني عليها الأمويان في جملة من الأنساق الفكرية والثقافية والاجتماعية لتستمر في الأزمنة اللاحقة بتلك الحركات التي تعلن عن تطبيق هذه المفاهيم في الأمة.

2- إن عملية (التثاقف من الداخل) الذي أصلت له الدراسة هو إضافة معرفية جديدة تظهر أن دارسة السلوك الإنساني في البيئة الواحدة لذات الإنسان هي الأولى في معرفة الإنسان وفهم أفعاله و تفسیر سلوكياته من النظر في المتغيرات الثقافية في البيئة الخارجية التي اهتم بها علماء الإناسة الثقافية ضمن نطاق (التثاقف من الخارج) ودراسة الثقافات للمجتمعات التي كانت تهدف إلى السيطرة على الشعوب واخضاعها للثقافة الحاكمة والمستعمرة وإن كانت الوسيلة لتحقيق هذه الهيمنة هو دراسة السلوك الإنساني ومعرفة الإنسان.

ص: 243

ومن ثم فالدراسة تهدف إلى معرفة المتغيرات المفاهيمية والثقافية في ذات الإنسان كما في حالة النفاق بغية إعانته على التخلص من هذه المزاوجة الثقافية والوصول به إلى الاستقرار في الثبات على ثقافة واحدة.

3- إن الدراسة أثبتت منهجًا جديدًا في الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجيا في اختيار العينات الاجتماعية التاريخية؛ بمعنى: إن صحة النتائج في دراسة المجتمعات ضمن حقل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا تقتضي مراقبة الباحث وحضوره الميداني لعينة الدراسة ضمن مشاهداته الحية والتواصلية مع الناس في حين أن هذه الدراسة أثبتت أن العينة الاجتماعية التاريخية ودراسة السلوكيات وإن كانت عسيرة لغياب المشاهدة الحسية للناس إلّا أن استنطاق النصوص وطريقة الانفعالات النفسية في الخطاب النصي والروائي ضمن دلالة المفردات ومقاصدية منتج النص تقدم صورة أدق في تشخيص سلوكيات الإنسان والمجتمع، وهو ما جاء ضمن محددات النظرية الوظيفية والأنساق الاجتماعية والشخصية الثقافية في خطاب الإمام الحسين (علیه السلام) یوم عاشوراء.

فضلًا عن أن النتائج هنا تكون قطعية وذلك لكونها واقعية ومثبتة لدى الرواة والمصنفين في حين نجد أن الدراسات الميدانية وإن كانت تستلزم حضور الباحث وتواصله ومراقبته إلا أن النتائج والاستدلالات تبقي ظنية ما لم يتم رصد النهايات في الأحداث وتدوينها عينًا وهذا ما لم يحدث في الدراسات الميدانية وذلك لاختلاف المقادير الإلهية ومفاجئات الأحداث وتقلبات الأزمنة الإنسانية وآثار الصدمات الثقافية وغيرها.

ص: 244

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1. الاتصال ونظرياته المعاصرة، حسن عماد، ليلى حسين السيد، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2006 م.

2. الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ، (ت: 911 ه)، تحقيق: سعيد المندوب، ط 1، دار الفكر، 1416 - 1996 م.

3. الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، (ت: 548 ه)، تحقيق: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان - النجف الأشراف، 1386 - 1966 م.

4. الأحکام، ابن حزم، (ت: 456 ه)، المطبعة: مطبعة العاصمة - القاهرة، زکریا علي يوسف.

5. أخبار القضاة، محمد بن خلف بن حیان (وکیع)، (ت: 306 ه)، بيروت - عالم الكتب.

6. إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري، للقسطلاني، (ت: 923 ه)، المطبعة الكبرى الأميرية، ط 7، مصر، 1323 ه.

7. إرشاد القلوب، الحسن بن محمد الديلمي، انتشارات الشريف الرضي، طهران - إيران، 1415 ه، 1994 م.

8. أساس البلاغة، الزمخشري (ت 538 ه)، دار ومطابع الشعب، القاهرة - مصر، 1380 ه، 1960 م.

ص: 245

9. الإستبصار، الشيخ الطوسي، (ت: 460 ه)، تحقيق: السيد حسن الموسوي الخرسان، ط 4، دار الكتب الإسلامية - طهران، 1363 س.

10. الإستیعاب، ابن عبد البر، (ت: 463 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط 1، دار الجيل، 1412 ه.

11. أُسد الغابة، ابن الأثير ، (ت: 630)، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان.

12. الإسلام والأنثروبولوجيا، أحمد باقادر، مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد، دار الهادي، 2004.

13. الإصابة، ابن حجر، (ت: 852 ه)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1415.

14. الأصول من الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي رحمه الله، (ت: 328 - 329 ه)، صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، نهض بمشروعه: الشيخ محمد الآخوندي، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط 3 (1388).

15. الإعتقادات، الصدوق، تحقيق: عصام عبد السيد، مطبعة مهر - قم، نشر المؤتمر العلمي للشيخ المفيد، ط 1، 1413 ه.

16. إعلام الوری بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي، (ت: 548 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، نشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة، ط 1، 1417 ه.

17. الإقتصاد، الشيخ الطوسي، الناشر: دار الاضواء للطباعة والنشر والتوزيع.

ص: 246

18. الإلزامات والتتبع للدار قطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينر البغدادي الدارقطني (ت: 385 ه)، دراسة وتحقيق: الشيخ أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوداعي ، دار الكتب العلمية ط 2، بيروت - لبنان، 1405 ه، 1985 م.

19. أمالي المحاملي، تحقیق و تخريج الدكتور إبراهيم القيسي، دار ابن القيم، المكتبة الاسلامية، ط 1، عمان، 1412 ه - 1991 م.

20. الأمالي، الشيخ الصدوق، (ت: 381 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، ط 1، قم، 1417 ه.

21. الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري، (ت: 276 ه)، تحقيق: الدكتور طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع.

22. إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1420 ه - 1999 م، ط 1.

23. الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية المجتمع الكوفة عند الإمام الحسين عليه السلام، السيد نبيل قدوري الحسني، طبع: قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة لسنة 1430 ه، 2010 م، ط الأولى ، كربلاء المقدسة - العراق.

24. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى المعروف بالبلاذري، تحقيق الدكتور محمد حمید الله، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالاشتراك مع دار المعارف بمصر.

25. الأنساق الثقافية المضمرة، أ. د جمال مجناح.

ص: 247

26. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي، 817 - 885 ه، صححه و حققه محمد حامد الفقي، ط الثانية، أعاد طبعة دار احیاء التراث العربي، 1406 ه 1986 م.

27. أوائل المقالات، الشيخ المفيد، طبع سنة (1371 ه).

28. الإيضاح، الفضل بن شاذان الأزدي (ت 260 ه)، تحقيق: المحدث السيد جلال الدين الحسيني الأرموي، طبع: مؤسسة النشر في جامعة طهران لسنة 1404 ه، 1984 م، طهران - إيران.

29. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي، و طبع: مؤسسة الوفاء لسنة 1403 ه، 1983 م، ط الثانية، بيروت - لبنان.

30. البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حیان أثير الدين الأندلسي الغرناطي (ت 754 ه)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه 2001 م ، ط الأولى، بيروت - لبنان.

31. بدائع الصنائع، أبي بكر الكاشاني (ت 587 ه)، طبع: المكتبة الحبيبية لسنة 1409 ه، 1989 م، ط الأولى، باکستان.

32. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد صلى الله عليه وآله، الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، ترجمة السيد محمد السيد حسين المعلم، طبع: المكتبة الحيدرية لسنة 1426 ه، 2006 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

33. البنائية الوظيفية أو دارسة الواقع أو المكانة، للأستاذ حمیدشة نبيل، مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، جامعة أوت سکیکدة؛ العدد 5.

ص: 248

34. البيان في تفسير القرآن، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط الرابعة، 1395 - 1975 م.

35. تاج العروس، الزبيدي، ط مکتبة الحياة، بيروت.

36. تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، ط الأولى، القاهرة، 1376 ه - 1956 م، ط الرابعة، 1407 ه - 1987 م.

37. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الحافظ المؤرخ، شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1407 ه، 1987 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

38. تاريخ الأمم والملوك، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقیق و تصحیح و ضبط: نخبة من العلماء، طبع : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات لسنة 1403ه، 1983 م، ط الرابعة، بيروت - لبنان.

39. تاریخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه)، تحقيق: لجنة من الأدباء، طبع: مطابع معتوق أخوان، بيروت - لبنان.

40. تاريخ المدينة (أخبار المدينة المنورة)، ابن شبه أبو زيد عمر بن شيبه النميري البصري (ت 262 ه)، طبع: مطبعة قدس لسنة 1410 ه، 1980 م، ط الثانية ، قم المقدسة - إيران.

41. تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكتاب العباسي المعروفة بالعقوبي (ت 292 ه)، تحقيق: محمد یوسف نجم، طبع: دار صادر لسنة 1415 ه، 1995 م، بيروت - لبنان.

ص: 249

42. تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، ت: 284 ه، الناشر: دار صادر - بيروت - لبنان.

43. تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر (ت: 571 ه)، تحقيق: علي شيري، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع السنة 1415 ه، 1995 م، بيروت - لبنان.

44. التبيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، طبع: مكتب الإعلام الإسلامي لسنة 1409 ه، 1989 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

45. تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (ت 762 ه)، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، طبع: دار ابن خزيمة لسنة 1414 ه، 1994 م، الرياض - المملكة العربية السعودية.

46. تذكرة الحفاظ، تصنيف: أبو عبد الله، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایناز الذهبي، (ت 748 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

47. التعريفات، الجرجاني، تحقيق محمد باسل، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت 1983 م.

48. تفسیر ابن کثیر، الحافظ أبو الفداء ابن كثير الدمشقي، تحقيق وتقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، طبع: دار المعرفة لسنة 1412 ه، 1992 م، بیروت - لبنان.

49. تفسير البغوي، أبو محمد الحسين البغوي الشافعي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1423 ه، 2002 م، ط الثانية، بيروت - لبنان.

ص: 250

50. تفسير الرازي، ابو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي، طبع: دار الفكر لسنة 1401 ه، 1981 م، بیروت - لبنان.

51. تفسیر فرات الكوفي، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من علماء عهد الغيبة الصغرى (ت 352 ه)، تحقيق: محمد الكاظم، طبع: مؤسسة النشر والطبع بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي لسنة لسنة 1410 ه، 1990 م، ط الأولى ، طهران - إيران.

52. تفسير مجمع البيان، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت: 548 ه)، طبع: دار إحياء الترث العربي لسنة 1412 ه، 1992 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

53. تقريب القرآن إلى الأذهان، للسيد محمد الشيرازي، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

54. تقييد العلم، أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، أبو بكر، تحقيق: يوسف العش، طبع: دار إحياء السنة النبوية لسنة 1394 ه، 1974 م، القاهرة - مصر.

55. تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين، الحاكم المحسن بن محمد بن أحمد بن الحسن بن کرامة بن إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (ت 494 ه)، تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي، طبع: مركز الغدير للدراسات الإسلامية لسنة 1420 ه، 2000 م، قم المقدسة - إيران.

56. تنقیح المقال في علم الرجال، الشيخ عبد الله المامقاني، تحقيق: الشيخ محي الدين المامقاني، طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1423 ه، 2002 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

ص: 251

57. تهذیب الأحکام، شیخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه)، تحقیق: محمد جعفر شمس الدين، طبع: دار التعارف للمطبوعات لسنة 1412 ه، 1991 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

58. التوحيد، الشيخ الصدوق بتحقيق السيد هاشم الطهراني، نشر جماعة المدرسين، قم لسنة 1387 ه.

59. جامع بیان العلم وفضله، ابن عبد البر،: 1398، المطبعة : بيروت - دار الكتب العلمية.

60. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري شمس الدين القرطبي (ت 671 ه)، تحقيق ومراجعة: صدقي جميل وعرفات العشا، طبع : دار الفكر لسنة 1415 ه، 1995 م، بيروت - لبنان.

61. جواهر الكلام، العلامة الشيخ الجواهري (ت 1266 ه)، تحقیق وتعليق: الشيخ عباس القوجاني، طبع: دار الكتب الإسلامية لسنة 1405 ه، 1985 م، ط الثانية، طهران - إيران.

62. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام، محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي (ت 871 ه)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، طبع: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية لسنة 1415 ه، 1995 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

63. الخرائج والجرائح، سعید بن عبد الله بن حسين بن هبة الله بن حسن الراوندي الكاشاني المعروف ب (قطب الدین) (ت 573 ه)، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، طبع: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام لسنة 1409 ه، 1988 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

ص: 252

64. خزانة الأدب وغاية الأرب، أبو بكر تقي الدين، علي بن عبد الله المعروف بابن حجة الحموي الأزراري (ت 837 ه)، طبع: دار أو مكتبة الهلال لسنة 1411 ه، 1991 م، ط الثانية، بيروت - لبنان.

65. الدر المنثور في التأويل بالمأثور، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه)، طبع : دار الفكر لسنة 1423 ه، 2003 م، بيروت - لبنان.

66. الدر المنثور في التأويل بالمأثور، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه)، طبع: دار المعرفة لسنة 1423 ه، 2002 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

67. الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، يوسف بن أبي حاتم الشامي المشغري العاملي من أعلام القرن السابع، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة - إيران.

68. الدراية في تخريج أحاديث الهداية، ابن حجر (ت 852 ه)، تصحیح و تعليق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، طبع: دار المعرفة، بيروت - لبنان.

69. الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، المحقق البحراني (ت 1186 ه)، تحقيق: شركة دار المصطفى صلى الله عليه وآله لإحياء التراث، طبع: شركة دار المصطفى صلى الله عليه و آله لإحياء التراث لسنة 1423 ه.، 2002 م، ط الأولى، بیروت - لبنان.

70. دلائل الامامة، محمد بن جرير الطبري (الإمامي) (ت أوائل القرن الرابع ه)، طبع: المطبعة الحيدرية لسنة 1383 ه، 1963 م، ط الثانية، النجف الأشرف - العراق.

71 دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق: د. عبد لامعطي قلعجي، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1408 ه، 1988 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

ص: 253

72. ذكرى الشيعة، تأليف الشهيد الأول محمد بن جمال 8 ذ 9 ش الدين مكي العاملي الجزيني، تحقیق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث. - قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1418 ق 1376.

73. ذم الكلام وأهله، الأنصاري الهروي، تحقيق: عبد الرحمن عبد العزيز الشبل، ط: الأولى، 1418 - 1998 م، المطبعة: المدينة المنورة - مكتبة العلوم والحكم، الناشر: مكتبة العلوم والحكم.

74. رسائل الشريف المرتضى، الشيخ المرتضى (ت 436 ه)، تقديم: السيد أحمد الحسيني، إعداد: السيد مهدي الرجائي، طبع: دار القرآن الكريم - مطبعة سید الشهداء عليه السلام لسنة 1405 ه، 1985 م، قم المقدسة - إيران.

75. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي)، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي (ت 1270 ه)، تحقيق: محمد حسين العرب، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1994 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

76. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشهيد الثاني، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، طبع: دار بوستان کتاب لسنة 1422 ه، 2001 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

77. الرياض النضرة في مناقب العشرة، الإمام شيخ المشايخ الفقيه الحديث أبو جعفر أحمد الشهير بالمحب الطبري (ت 694 ه)، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

78. السنة، ابن أبي عاصم عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني (ت 287 ه)، تحقيق: محمد ناصر الألباني، طبع: المكتبة الإسلامي لسنة 1400 ه، 1980 م، الطبعلة

ص: 254

الأولى ، بيروت - لبنان.

79. سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني (ت 275 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، طبع: دار الفكر، بيروت - لبنان.

80. سنن أبي داود، الحافظ سلیمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275 ه)، تحقیق وتعليق: سعد محمد اللحام، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة الطبع: 1410 ه، 1990 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

81. سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي أسلمي (ت 279 ه)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، طبع: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

82. سنن الدرامي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن المفضل بن بهرام الدارمي (ت 255 ه)، تحقيق: الدكتور مصطفى ديب البغا، طبع: دار القلم لسنة 1417 ه، 1997 م، ط الثالثة، دمشق - سوريا.

83. السنن الكبرى، البيهقي الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 ه)، طبع: دار الفكر.

84. سنن النسائيّ، المجتبى أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303 ه)، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1348 ه، 1930 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

85. سير أعلام النبلاء، الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه)، طبع: دار الفكر ، بيروت - لبنان.

86. السيرة الحلبية، علي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044 ه)، طبع: دار المعرفة السنة 1400 ه، 1980 م، بیروت - لبنان.

ص: 255

87. السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، 1383 - 1963 م، المطبعة: المدني - القاهرة، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح وأولاده - بمصر.

88. سيسيولوجيا الثقافة، المفاهيم والاشكاليات، لعبد الغني عماد، مركز دراسات الوحدة العربي، 2006.

89. شرح معاني الاثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة و الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 ه)، تحقيق: محمد زهري النجار، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1399 ه، 1978 م، بیروت - لبنان.

90. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655 ه)، تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم، طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1378 ه، 1959 م، ط الأولى، بغداد - العراق.

91. شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق: محمد سعید بسيوني، طبع: دار الكتب العلمية، ط الأولى، بيروت - لبنان.

92. الصارم المسلول علی شاتم الرسول، المؤلف: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني أبو العباس تقي الدين، المحقق: محمد محي الدين عبد الحميد، 1403 - 1983.

93. صحيح ابن حبان بترتیب ابن بلبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، طبع: مؤسسة الرسالة، سنة الطبع: 1414 ه، 1993 م، ط الثانية، بيروت - لبنان.

94. صحيح مسلم بشرح النووي، محي الدين النووي الشافعي، طبع: عيسى الحلبي.

ص: 256

95. طبع و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 7، المنقحة، 1417 ه. ق، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

96. الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه، 1990 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

97. عصر النبوية أبدیت کویزیل، ترجمة جابر عصفور: طبع دار سعاد الصباح، ط الاولى لسنة 1993، الكويت.

98. علل الشرائع، أبو جعفر حمد بن علي الصدوق رحمه الله، تحقيق: السيد محمد الصادق بحر العلوم، طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1408 ه، 1987 م، ط الاولى، بيروت - لبنان.

99. علم خصائص الشعوب، علي عبد الله الجباوي، الناشر: دار التكوين دمشق 2009.

100. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسی بن أحمد بدر الدين العيني الحنفي (ت 855 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي السنة 1424 ه، 2004 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

101. الغدير، الشيخ العلامة الأميني، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1397 ه، 1977 م، ط الرابعة ، بيروت - لبنان.

102. فتح الباري شرح صحيح البخاري، الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، طبع: دار الفكر لسنة 1416 ه، 1996 م، بيروت - لبنان.

103. فتح العزيز، عبد الكريم الرافعي، الناشر: دار الفكر.

ص: 257

104. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت 1250 ه)، طبع: دار ابن حزم لسنة 1421 ه، 2000 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

105. فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري)، تحقيق: نشر وإلحاق وفهرسة: الدكتور صلاح الدين المنجد، 1956 م، المطبعة: مطبعة لجنة البيان العربي، الناشر: مكتبة النهضة المصرية - القاهرة.

106. فيض القدير، الشوكاني، طبع: دار الکتب العلمية 1415 ه، 1994 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

107. قاموس الرجال، الشيخ محمّد تقي بن الشيخ محمّد کاظم بن الشيخ محمّد علي التستري (ت 1415 ه)، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين لسنة 1419 ه، 1998 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

108. القاموس المحيط، الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ط الأولى، طبع: مؤسسة النوري لسنة 1408 ه، 1987 م، دمشق - سوريا.

109. قاموس علم الاجتماع، للدكتور محمد عاطف وصفي، دار المعرفة الجامعية.

110. قصة الأنثروبولوجيا فصول في تاريخ علم الإنسان، حسين فهيم، سلسلة عالم المعرفة، الكويت تسلسل (98)، (1986 م).

111. الكافي، ابن قدامة المقدسي (ت: 620 ه) الناشر: دار الكتب العلمية، ط: الأولى، 1414 ه - 1994 م.

112. الكامل في التاريخ لابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630 ه)، طبع: دار

ص: 258

صادر لسنة 1386 ه، 1966 م، بیروت - لبنان.

113. الكامل في الضعفاء، ابن عدي الجرجاني، (ت: 365 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد معوض، شارك في تحقيقه: عبد الفتاح أبو سنة، الناشر: الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط: الأولى، 1418 ه 1997 م.

114. كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، طبع: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات لسنة 1408 ه، 1987 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

115. کتاب سلیم بن قیس، سلیم بن قیس الهلالي، تحقيق: الشيخ محمد باقر الأنصاري الزنجاني، طبع: مؤسسة البعثة، قم المقدسة - إيران.

116. کشف المراد في شرح تجرید الاعتقاد، العلامة الحلي قدس سره، تحقیق وتعليق: الأستاذ آية الله الشيخ حسن حسن زادة الآملي.

117. الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت 427 ه)، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1422 ه، 2002 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

118. كفاية الطالب للبيب في خصائص الحبیب (صلى الله عليه وآله)، جلال الدين السيوطي، طبع في حیدر آباد الدكن - الهند، الناشر: دار الكتاب العربي، سنة الطبع: 1320.

119. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت 975 ه)، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، نشر: مؤسسة الرسالة، سنة الطبع: 1409 ه، 1989 م، بیروت - لبنان.

ص: 259

120. لسان العرب، جمال الدين محمد بن مکرم بن منظور الانصاري المصري، (ت 711 ه)، محرم 1405، الناشر: نشر أدب - قم.

121. المبسوط، للشيخ الطوسي، (ت 460 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد محمد تقي الكشفي سنة الطبع: 1387، المطبعة: المطبعة الحيدرية - طهران، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

122. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه)، تحقیق عبد الله محمد الدرويش، نشر: دار الفكر، 1425 ه، 2005 م، بيروت - لبنان.

123. المجموع: الشيرازي، محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 ه)، طبع: مكتبة الإرشاد، 1405 ه، 1985 م، ط الأولى، جدة - المملكة العربية السعودية.

124. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (ت 546 ه)، طبع: مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لسنة 1411 ه، 1991 م، قطر.

125. مختصر المزني، أسماعيل المزني، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.

126. مختصر بصائر الدرجات، حسن بن سليمان الحلي، طبع: منشورات المطبعة الحيدرية، 1370 ه، 1950 م، ط الأولى، النجف الأشرف، العراق.

127. المخصص، ابن سيده، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

ص: 260

128. مدخل إلى علم الإنسان، لعيسى الشماس، أتحاد الكتاب العرب، دمشق.

129. مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني، تحقيق: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية، 1413 ه، 1992 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

130. مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة البقاع، عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي صفي الدين، المحقق: علي محمد البجاوي، الناشر: الحلبي - تصویر دار المعرفة، 1373 - 1954.

131. مرویات الصحابة في الحوض والكوثر، جمعها عبد القادر بن عطا صوفي، طبع مكتبة العلوم والحكيم، المدينة المنورة، ط الأولى 1413 ه.

132. مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، تحقیق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408 ه، 1987 م، ط الأولى المحققة، بيروت - لبنان.

133. المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه)، طبع: دار المعرفة، بيروت - لبنان.

134. مستند الشيعة، للمحقق النراقي: (ت 1244)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - مشهد المقدسة، ط الأولى، ربيع الأول 1415، المطبعة: ستارة - قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - قم.

135. مسند ابن الجعد، ابن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري البغدادي (ت 230 ه)، تحقيق: عامر أحمد حیدر، طبع: مؤسسة نادر لسنة 1410 ه، 1990 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

ص: 261

136. مسند ابن راهوية، إسحاق بن راهويه الحنظلي المروزي (ت 238 ه)، تحقيق: د.

عبد الغفور عبد الحسن البلوشي، طبع: مكتبة الإيمان، 1415 ه، 1995 م، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

137. مسند أبي داود، أبو داود الطيالسي للحافظ الكبير سلیمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي، (ت 204 ه)، طبعة مزيدة بفهارس للأحاديث النبوية الشريفة، دار المعرفة، بیروت - لبنان.

138. مسند أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه)، طبع: دار صادر، 1400 ه، 1980 م ، بيروت - لبنان.

139. مسند الإمام الرضا عليه السلام، الشيخ عزیز الله عطاردي، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، الطبع: مؤسسة طبع و نشر آستان قدس الرضوي، ربيع الاخر 1406 ه.

140. مصطلح التثاقف من الخارج، مبروك بو طقوقه، موقع أرنترو بوس.

141. المصنف في الأحاديث والآثار، الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان أبي بكر الكوفي العبسي (ت 335 ه)، تحقیق وتعلیق: سعيد اللحام، طبع: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، 1409 ه، 1989 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

142. المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه)، تحقيق: الشيخ حبیب الرحمن الأعظمي، طبع: المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع، 1403 ه، 1983 م، ط الثانية، بيروت - لبنان.

143. المعجم التربوي، سعدية الجهوية، ط المركز الوطني للوثائق التربوية الجزائر 2009 م.

ص: 262

144. معجم العلوم الاجتماعية، لفريدريك معتوق، ط أكادیمیا - بيروت.

145. المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية، جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني.

146. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت 360 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي ، القاهرة - مصر.

147. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، محمود عبد الرحمن، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى: 1405 ه - 1985 م، الطبعة الثانية: 1408 ه - 1988 م.

148. معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي - حامد صادق قنيبي، الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1408 ه - 1988 م.

149. معجم مقاییس اللغة، ابن فارس، الناشر: مركز النشر - مكتب الاعلام الإسلامي، طباعة وتصحيف: مطبعة مكتب الاعلام الإسلامي، تاريخ النشر: جمادي الآخرة 1404.

150. معضلة الحداثة من منظور مقارن، الأستاذ الدكتور جهاد عودة، الناشر: المكتب العربي للمعارف.

151. المغازي، محمد بن عمر بن واقد، تحقيق: الدكتور مارسدن جونس، الناشر: نشر دانش إسلامي، رمضان 1405.

152. المغني، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي (ت 620 ه)، الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

ص: 263

153. مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، دوني کوش، ترجمة منير السعداني ط مرکز دراسات الوحدة العربية- بیروت 2007).

154. مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية؛ دوني کوش؛ ترجمة قاسم مقداد، طبع اتحاد الناشرين العرب - دمشق 2002 م.

155. مقدمة في الأنثروبولوجيا العامة، رالف. ل هويجر بیلز، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.

156. الملل والنحل، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني (ت 548 ه)، تحقیق: محمد سيد كيلاني، طبع: دار المعرفة، بيروت - لبنان.

157. من التثاقف إلى عمليات المثاقفة من الأنثروبولوجيا إلى التاريخ؛ تقدیم وترجمة أحمد ریاض، موقع أنفاس.

158. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب المازندراني، تحقيق: د. يوسف البقاعي، ط الأولى، نشر: مركز الأبحاث العقائدية، 1421 ه، 2000 م، قم المقدسة - إيران.

159. مناقب الإمام علي عليه السلام، محمد بن سليمان الكوفي، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، طبع: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1412 ه، 1991 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

160. مناقب أهل البيت عليهم السلام، مولى حيدر علي بن محمد الشرواني، تحقيق، الشيخ محمد الحسون، المطبعة: مطبعة المنشورات الإسلامية، شوال المکرم 1414.

161. مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام، أبو بكر، أحمد بن موسی بن مردوية بن فورك بن موسی بن جعفر الأصبهاني (ت 410 ه)، تجميع: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، طبع: دار الحديث لسنة 1419 ه، 1999 م، ط الأولى، قم

ص: 264

المقدسة - إيران.

162. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد السبط ابن الجوزي (ت 597 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفی عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية، 1412 ه، 1992 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

163. منتهى المطلب، للعلامة الحلي، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، طبع: مؤسسة الطبع والنشر في العتبة الرضوية المقدسة، 1412 ه، 1991 م، ط الأولى، مشهد المقدسة - إيران.

164. موسوعة لا لاند الفلسفية، ترجمة خليل احمد خلیل، ج 3 ص 47 ط منشورات عويدات، لسنة 996 بيروت.

165. میزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر، 1382 ه، 1993 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

166. الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1417 ه، 1996 م، ط الأولى، بيروت - لبنان.

167. النسق الثقافي في الكتابة، عبد الرحمن عبد الدايم، جامعة مولدي كلية الآداب، الجزائر.

168. النص والاجتهاد، السيد عبد الحسین شرف الدين (ت: 1377 ه)، تحقیق وتعلیق: أبو مجتبی، نشر: دار أبو مجتبی، طبع: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، 1404 ه، 1984 م، ط الأولى، قم المقدسة - إيران.

ص: 265

169. نصب الراية، الزيلعي، ت: 762 ه، تحقيق: أيمن صالح شعبان، ط 1، 1415 - 1995 م، الناشر: دار الحديث - القاهرة.

170. النظرية الاجتماعية الحديثة، ککوهن بيرسي، ترجمة د. عادل مختار الهواري، ط دار فينوس للطباعة والنشر القاهرة لسنة 975 م.

171. النظرية الوظيفية ومفهوم النسق الاجتماعي، جامعة ابن الطفيل، علم الاجتماع، مقال نشر بتاريخ 26، مایو، 2015 م.

172. النظرية الوظيفية ومفهوم النسق الاجتماعي؛ جامعة ابن الطفيل - علم الاجتماع - المغرب العربي.

173. نظرية علم الاجتماع طبيعتها وتطورها، نیوکولا تیماشیف، ترجمة: محمود عودة وأخرون، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1999 م.

174. نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين، أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت: 733ه)، طبع: مطبعة دار الكتب المصرية لسنة 1374 ه، 1955 م، القاهرة - مصر.

175. نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام) ، ت 40 ه، تحقیق: شرح: الشيخ محمد عبده، ط الأولی، 1412 - 1370 ش، المطبعة: النهضة - قم، الناشر: دار الذخائر.

176. نيل الأوطار، محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250 ه)، دار الجيل لسنة 1393 ه، 1973 م، بيروت - لبنان.

177. الهداية في شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (ت: 593 ه)، المحقق: طلال يوسف الناشر: دار احياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

ص: 266

المحتويات

الإهداء...5

مقدمة الكتاب...9

فرضية الدراسة:...13

منهج البحث:...14

نوع الدراسة: بينية - interdisciplinary)...14

التمهيد...19

أولاً - تعريف التوحيد في اللغة والاصطلاح...19

أ - التوحيد لغة...19

ب - التوحید اصطلاحاً...19

ثانياً - الأنثروبولوجيا الثقافية (Cul Thru Anthropology)...20

أ - الأنثروبولوجيا اللغوية (علم اللغة)...24

ب - الأركيولوجيا (علم الآثار القديم)...24

ج - الأنثولوجیا (علم الثقافات المقارن)...24

ثالثاً - النظرية البنائية الوظيفية (The structure Function)...25

الفصل الأول: اغتيال التوحيد في أمة التوحيد «مقدماته ونتائجه»...33

توطئة...35

ص: 267

المبحث الأول مشخصات أدوات اغتيال التوحيد في المعطى القرآني والنبوي

المسألة الأولى: المعطيات القرآنية في تشخيص أدوات الاغتيال ونشأتها...39

أولاً - تشخیص خصوم التوحيد في الفترة المكية...39

ثانياً - تشخيص أدوات اغتيال التوحيد في الفترة المدنية...45

ألف - المنافقون...46

باء - الأعراب...50

ثالثاً - تشخیص أدوات اغتيال التوحيد في المعطى القرآني فيما بعد وفاة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)...54

المسألة الثانية: الأدوات الفكرية والشخصية لاغتيال التوحيد في المعطيات النبوية...59

أولاً- أثر الفتن والسنن السابقة في اغتيال التوحيد...62

ألفً- تحديد وقت وقوع الفتن في الأمة...63

باء - اتباع سنن الأمم السابقة في محاربة التوحيد والانحراف عن أهله...67

ثانیاً - تشخيص الأدوات الفردية والشخصية لاغتيال التوحيد...71

ألف - تحذير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) من ارتداد بعض الصحابة، وإنهم سيبدلون من بعده!!!...72

باء - تحذير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) من فتنة بعض الصحابة، وأنها اخوف على الأمة من فتنة الدجال...74

ثالثاً - اختلاف الأمة بالتوحيد فكفّر بعضها بعضًا...76

ألف: اختلاف الأمة وافتراقها إلى ثلاث وسبعين ملة...77

باء - تكفير الصحابة بعضهم بعضاً لاختلافهم في التوحيد ووقوع الاقتتال بينهم...79

ص: 268

المبحث الثاني خلق البيئة الفكرية والاجتماعية لعميلة اغتيال التوحيد في الخلافة (الراشدة) توطئة:...89

المسألة الأولى: التثقيف على سنة الخلافة وخلق البيئة الفكرية لها في خلافة أبي بكر...91

أولاً - إعلان الخليفة إيقاف العمل بسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في اليوم الأول من الخلافة...92

ثانياً - حرق الأحاديث النبوية بعد منع العمل بالسنة...97

ثالثاً - منع المسلمين من التحديث بأحاديث رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)...101

المسألة الثانية: التثقيف على سنة الخلافة وعقيدتها في خلافة عمر بن الخطاب...104

أولاً - منع تدوین سنة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)...105

ثانياً - منعه الصحابة من رواية أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)...108

ثالثاً - أمره بمحو السُنة النبوية في جميع المدن الإسلامية...112

رابعاً - حبسه لصحابة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) بجرم إفشائهم الرواية عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)...114

خامساً- حرقه الكتب التي عند صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)...117

سادساً - منعه الصحابة من قراءة القرآن حينما يترافق مع بيان أحكامه؟!...119

سابعاً - معاقبته مَن يسأل عن أمور دينه أشد العقوبة ونفيه من بلده!!...121

المسالة الثالثة: تذكية سنة الخلافة وارتداداتها في المجتمع الإسلامي في خلافة عثمان...124

أولاً - تجلي عقيدة التكفير بعد التأصيل لها في خلافة الشيخين...124

ألف - تكفير المسلم لممانعته الخليفة...125

باء - سبي المرأة المسلمة بجريرة زوجها وبيعها لممانعته الخليفة...129

ص: 269

ثانياً - ارتداد سنة الخلافة على تكفير الخليفة وقتله...133

المرحلة الأولى - إسقاط حصانته...137

المرحلة الثانية - تكفيره وتشبيهه برجل من اليهود، المسمى (نعثل)...138

المرحلة الثالثة - إمضاء عملية القتل وتنفيذه...140

الفصل الثاني: اغتيال التوحيد في معطيات الأنثروبولوجيا الثقافية ونظرية الأنساق (البنائية الوظيفية)...143

توطئة...145

المبحث الأول أثار التثاقف بين سنة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) وسنة الشيخين

المسألة الأولى: التثاقف من الداخل...149

أولاً - معنى الثقافة في اللغة والأنثروبولوجيا...150

ألف - مفهوم الثقافة في اللغة ومعناها...150

باء - الثقافة في الأنثروبولوجيا...151

ثانياً - التثاقف و (المثاقفة) Acculturation...153

ألف - تعريف التثاقف...153

باء - التثاقف من الخارج...154

ثالثا - التثاقف من الداخل والتأصيل لحقل الأنثروبولوجيا العقدية...156

المسألة الثانية: الأنساق الثقافية لسنة الشيخين في خلافة الإمام علي (علیه السلام)...161

أولاً - معنى النسق في اللغة والاصطلاح...161

ص: 270

ثانياً - معنی النسق الثقافی ومفهومه...162

ثالثاً - تجليات التثاقف من الداخل وهيمنة الأنساق الثقافية لسنة الشيخين...165

ألف - تجلي النسق الثقافي لسنة الشيخين في التشبث ببدعة صلاة التراويح...166

باء - تجلي النسق الثقافي السنة الشيخين في مواجهة أهل الكوفة للإمام علي (علیه السلام)...176

جیم - تجلي النسق الثقافي في البيعة لعلي (علیه السلام) على سنة الشيخين...178

المبحث الثاني الأنساق الفكرية والثقافية للانقضاض على التوحيد في ضوء الأنثروبولوجيا العقدية والبنائية الوظيفية

المسألة الأولى: الأنساق الفكرية والثقافية المناهضة لعقيدة التوحيد...187

أولاً- تحديد الخلافة لمسارها الفكري والعقدي في عام الجماعة...188

ثانياً - النسق الثقافي للحديث الموضوع في المجتمع الإسلامي...192

ثالثاً - النسق الثقافي والإعلامي لخطباء المساجد بلعنهم الإمام علي (علیه السلام)...197

رابعاً - النسق الثقافي في وضع المناقبية لعثمان ومعاوية...200

ألف - المرحلة الأولى من وضع الأحاديث النبوية...202

باء - المرحلة الثانية من وضع الأحاديث النبوية...203

المسألة الثانية: الأنساق القمعية التي اتخذتها الخلافة في إعمال التثاقف من الداخل...206

أولاً - إصدار قانون الإعدام فيمن يروي حديثاً في فضل علي (علیه السلام)...208

ثانياً - التنكيل النفسي والاجتماعي لأتباع أهل البيت (علیهم السلام)...209

ثالثا - تقطيع الأيدي والأرجل والقتل على الظنة في المولاة لأهل البيت (عليهم السلام)...210

رابعاً - التهجير القسري والتغيير الديموغرافي للكوفة...212

ص: 271

ألف - بدأ زیاد بنقل المقاتلة الأعاجم من الكوفة ونقلهم إلى الشام والبصرة...213

باء - توسيع رقعة الإفراغ العقدي لتشمل مدينة الكوفة والبصرة...213

المبحث الثالث محددات النظرية الوظيفية وإجراءات الأنساق الاجتماعية الخطاب الإمام الحسين (علیه السلام) في اغتيال التوحيد

المسألة الأولى: تعريف النظرية الوظيفية . The Ttructure Function...217

المسألة الثانية: محددات النظرية البنائية الوظيفية في خطاب الإمام الحسين (علیه السلام)...221

أولاً - النسق الثقافي في البنائية الوظيفية...223

ثانياً - النسق الشخصي في البنائية الوظيفية...227

1- معيار الأمن الشخصي والمجتمعي...229

3- معيار الأمن الحياتي...230

3- معيار الأمن الفكري...231

ثالثاً - النسق الاجتماعي في البنائية الوظيفية...233

ألف - نسق (الطواغيت، والأحزاب)...239

باء - نسق (نبذة الكتاب، ومطفئي السنن ومؤاخي المستهزئين، وعصاة الإمام)...240

جیم - نسق (ملحقي العهرة بالنسب)...240

نتائج الدراسة...243

المصادر والمراجع...245

المحتويات...269

ص: 272

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.