الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن (علیه السلام)

هوية الکتاب

الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن (علیه السلام)

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 918 لسنة 2015 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف LC.

BP40 .H3 2016 المؤلف الشخصي: الحسني، نبيل قدوري، 1995 - م. العنوان: الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن (علیه السلام) دراسة مقارنة بين مفاهيم القرآن والعترة ومفاهيم الأمم المتحدة: رؤى نظرية أم وسائل تطبيقیة. بیان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني. بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر:

كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة. 1438 ه - 2016 م. الوصف المادي: 192 صفحة. سلسلة النشر: سلسلة دراسات في آل علي (عليهم السلام) (1).

تبصرة عامة: تبصرة ببيلوغرافية: الكتاب يتضمن هوامش - لائحة المصادر (169 - 182). تبصرة محتويات: موضوع شخصي: الحسن بن علي المجتبى (عليه السلام، الإمام الثاني، 3-50 هجريا - نظريته في الأمن الإنساني. موضوع شخصي: الحسن بن علي المجتبى (عليه السلام، الإمام الثاني، 3-50 هجريا - الصلح مع معاوية. موضوع شخصي: معاوية بن أبي سفيان، معاوية بن صخر بن حرب، 20 قبل الهجرة - 60 هجريا. مصطلح موضوعي: الأمن الإنساني. مصطلح موضوعي: صلح الإمام الحسن (عليه السلام). مصطلح موضوعي: الأمن الإنساني عند أهل البيت (عليهم السلام). مصطلح موضوعي: الأمم المتحدة - الميثاق.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة دراسات في آل علي علیهم السلام: (1) أولاده: الإمام الحسن علیه السلام الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن (علیه السلام) دراسة مقارنة بين مفاهيم القرآن والعترة ومفاهيم الأمم المتحدة رؤى نظرية أم وسائل تطبيقیة تأليف السید نبیل الحسني اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1438 ه - 2016 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633

ص: 4

الإهداء

إلى الأمن المنحور على صفحات وجه الصبا

إلى غصن الورد المكسور يقطر بالدما

إلى الطفولة الصارخة في وجه الوغی

إلى الذاب عن خامس أهل العبا

إلى سيّدي عبد الله بن الإمام الحسن المجتبی ذي الأعوام العشرة، المقطوعة يده، والمنحور في حجر عمه الحسين عليه السلام، إلى من قال له الإمام الحسين عليه السلام وهو على رمضاء کربلاء وقد ضمه إلى صدره:

«يا ابن أخي أصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين؛ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي صلى الله عليهم أجمعين»(1).

خادمكم وولدكم نبيل

ص: 5


1- مقتل الحسين لأبي مخنف: ص 192؛ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: 77؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 181

ص: 6

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها»(1).

والصلاة والسلام على خير الخلق والأنام أبي القاسم محمد وعلى آله الهداة إلى الإسلام ومحل الأمن والأمان في الدنيا والآخرة.

وبعد: فإن أحوج ما يحتاج إليه الإنسان بعد دين الله تعالى هو الأمن، فمن فقد الأمن: يكون عيشه عليلاً، «فلا يتهنأ بحياة مع مخافة»(2).

ولم يزل الأمن حاجة ملحة لبني البشر منذ أن بدأت ملامح الحياة على هذه الأرض، فبين البحث عن المأوى في الكهوف وبناء الأكواخ والالتجاء إلى صناعة

ص: 7


1- هذا ما ابتدأت به فاطمة الزهراء عليها السلام بضعة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم خطبتها الاحتجاجية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجمع من المهاجرين والأنصار بعد حادثة السقيفة، للمزيد ينظر: الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 132
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 27

السلاح واستخدام النار والبحث عن الماء وتأمين الطعام وغيرها من وسائل الحياة كان الإنسان يتحرك نحوها إما طلباً أو دفعاً عن موانعها بكل الوسائل والسبل سواء ما كان منها، أي: من الموانع ظاهراً جلياً كالحيوانات المفترسة أو الظواهر الطبيعية كالبراكين والفيضانات والزلازل؛ أو ما كان منها مستتراً مخفياً كالجن والسحر والشعوذة حتى ارتسمت لدى الإنسان بين الطلب والدفع أفكار وتجارب وآراء وتفسيرات شكلت معتقدات ومذاهب عديدة ملأت الزمان والمكان، ولعل الباحث أينما ولى وجهه وجد ما يأخذ بذهنه إلى عالم رحب من الاحتياجات الانسانية وسبل تحقيقها كي يصل من خلالها إلى الأمن والأمان، ولعل الرجوع إلى الحضارات الإنسانية بكل تفرعاتها من حقائقها وألغازها وأساطيرها لتعطي حقيقة الاحتياج الفطري لدى الإنسان إلى الأمن والأمان والحياة الكريمة.

من هنا:

كانت هذه الحاجة عند جميع الناس في قمة الأوليات وإن لم يثقف الإنسان حقيقة الحالة التي تبعثه للجد في تحصيل الأمن بمفهومه المعاصر ب (الأمن الإنساني).

ولأجل ذلك:

كانت الغاية في بعث الأنبياء والرسل وإنزال الكتب والنوامیس الإلهية هي تحقيق الأمن في الدنيا والآخرة وتنظيم حياة الإنسان وحفظ حقوقه وتقويم سلوكه تجاه نفسه أولاً ثم تجاه الآخرين، وهي حقيقة لا تحتاج إلى شواهد أو تدليل لمن كانت لديه أدنی معرفة في حياة الأنبياء وفلسفة، حكمة الرسالات السماوية.

إلا أن المشكلة تكمن في انفلات كثير من الناس من نمط الاستقامة وسيرهم نحو الرغبات والشهوات الجامحة التي تريد أن تفعل ما يحلو لها دون مانع يمنعها أو رادع

ص: 8

يردعها وهم يسعون في ذاك إلى إحراز العوامل التي تمكنهم من تحقيق هذه الشهوات والرغبات؛ فكان انعدام الأمن هو البيئة الحاضنة والناتجة لظهور الصراعات والنزاعات بين الناس من أجل الوصول إلى تحقيق هذه الرغبات التي كان على رأسها الرغبة في السلطة وكرسي الحكم والإمارة، فبها تتحقق كل الطموحات التي تكونت في أذهان أولئك المنفلتين من النواميس الشرعية والفطرة الإنسانية والقيم الحياتية لبني البشر.

وعليه:

لم يكن مفهوم الأمن الإنساني وليد المتغيرات العالمية وتوازن قوى الرعب بين الشرق والغرب، والاكتفاء بهذا التوازن لحفظ الحدود والسلطات على العباد، وإنما هو مفهوم سار بسير الحياة الإنسانية على الأرض، إلا أن الفارق هو الانتباه لحاجات الإنسان الضرورية بعد شعور أقطاب القوى بحالة من التوازن في قوى الردع من جهة وتحقيق الطموحات السلطوية من جهة أخرى.

في حين أن مصاديق الأمن الإنساني لا يمكن لها أن تتحقق في عالمنا اليوم وذلك أن أرباب السلطة في كل الدول لاسيما الدول الكبرى لم تزل منهمكة في حفظ مكتسباتها السلطوية، بل لم يزل التسابق والتنافس جار بينها في كل آن مع تنوع القدرات والدراسات الأمنية والاستراتيجية وتطبيقاتها المختلفة.

إذ لم يبق السلاح التقليدي هو الحاكم اليوم في حفظ السلطة وبه يسود ساسة البلاد والعباد وإنما أصبح هناك العديد من الأسلحة التي يمكن استخدامها في تحقيق متطلبات السلطة أو محاربتها، فما تم تسخيره من أبحاث علمية لحفظ الأمن هو اليوم نفسه أداة لانعدام الأمن، ونحن نروم من خلال هذه الدراسة بيان جملة من الحقائق، وهي:

أولاً: إنّ أمنَ الإنسان وأمانه وضمان تحقيق متطلباته لا يكون من خلال الرؤى النظرية والمفاهيم التي نضجت في أذهان بعض المهتمين بالشأن الإنساني وهم أنفسهم قد

ص: 9

أدركوا أن تحقيق هذا الأمن ومتطلباته الكفيلة بتحقيق حياة كريمة للإنسان مع ما يشهده العالم من انحدار وتسافل قيمي واقتصادي كالجوع والبطالة وتنامي سوق الاتجار بالسلاح والمخدرات والرذيلة وبيع البشر والنزاعات العرقية والمذهبية والسياسية وغيرها مما لا حصر لها، هو أمر محال ولا يمكن تحويله إلى أمر واقع.

ثانياً: إنّ رصد حركة التاريخ وسننه في الأمم السابقة يثبت أن تردي المجتمعات وتسافلها وظهور التجدد فيها كما حدث في الطوفان والخسف والصيحة والمسخ وغيرها مما عرضه القرآن الكريم في انعدام الأمن الإنساني هو سنّة كونية ترافق سير الإنسان على هذه الأرض.

ثالثاً: إنّ العمود الفقري لانعدام الأمن الإنساني هو التسلط والبغي والظلم؛ وإن سنام جميع هذه العوامل يكمن في السلطة والصراع من أجلها منذ أن أراد قابيل أن يكون في رأس الهرم فيتسلط على أخيه بدون وجه حق أراده الله تعالی؛ ولم يزل هذا الصراع إلى يومنا هذا.

ومن ثم فإنّ المحاولات التي يقوم بها المعنيون بالقانون الدولي أو الشأن الإنساني لغرض الوصول إلى الأمن الإنساني تدور في فلك السلطة للدول الكبرى، فما انسجم مع المصالح السلطوية لهذه الدول أخذ به وما عارضها رمي به عرض الجدار.

رابعاً: إنّ حقيقة الوصول إلى الأمن الإنساني تتجسد في تسخير كل إمكانيات الحاكم في تحقيق الأمن ومتطلبات الحياة الكريمة وإن غاية ما يقدمه الحاكم هو بذل ما توفر لديه من مال ورجال؛ أما أن يقدم السلطة ويتنازل عنها في تحقيق الأمن الإنساني فيما لو توقف تحقق هذا الأمن الإنساني على التنازل عن السلطة كما فعل الإمام الحسن عليه السلام فهو أمر نادر الوقوع، كما سيمر علينا من خلال بنود وثيقة الصلح التي

ص: 10

جرت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان.

خامساً: إنّ هذه المفاهيم التي تناولها المعنيون بالشأن الإنساني والقانون الدولي وتبنتها المنظمات المرتبطة بالأمم المتحدة هي مجموعة رؤى نظرية خلقتها الحالة العامة من التردي الحياتي لبني البشر في معظم الدول، لا يمكن تحقيقها إلا بمقدار ضئيل في بعض الأماكن، ومن ثم فهي حالة متجددة بتجدد انعدام السبل الحياتية الكريمة وبتنامي الصراعات التي لم تزل في تزايد مستمر ومعاناة متفاقمة، مما يتطلب البحث عن مصادیق لهذه المفاهيم والنظر في أسباب انعدام الأمن الإنساني وجذور وجوده.

سادساً: إن المصاديق الحقيقية للأمن الإنساني النابعة من المفاهيم الصحيحة الخالية من الشوائب الذهنية هي ما حددته الآيات القرآنية والنصوص النبوية المتجسدة في عترة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن المنفلتين من الشريعة الإلهية والمنسلخين من الفطرة الإنسانية أرادوا التسلط على الناس فأشاعوا الفساد والإرهاب والفقر والمرض بين الناس ليجلسوا على آلامهم ومعاناتهم واحتياجاتهم.

ومن ثم أصبح مفهوم الأمن الإنساني يصطدم مع مصداقه في الواقع الحياتي المعاصر، مما أدى إلى افتقاد الآليات في تطبيقه لدى المعنيين في الأمن البشري، لاسيما وهم يشاهدون أن الأمن الإنساني أصبح اليوم مع الممارسات التي تستخدم من بعض الدول النافذة في تسييس مصالحها وتنفيذ مشروع هيمنتها لتصبح معاناة الإنسان في النهاية وسيلة لتحقيق مصالح الدول ليس إلا؛ على الرغم من أن المدعى هو الإنسان أولاً وآخراً. في حين إننا لا نجد هذا المدعى إلاّ عند الأنبياء وشرائعهم أي: أن يكون الإنسان أولاً وآخراً كما كان واقعاً عملياً في خلافة الإمام الحسن عليه السلام وهو ما توصلت إليه هذه الدراسة.

السيد نبيل بن السيد قدوري بن السيد حسن بن السيد علوان الحسني الكربلاني

ص: 11

ص: 12

الفصل الأول جذور مفهوم الأمن الإنساني في القرآن والسنة واللغة

ص: 13

إن من البداهة بمكان أن يكون القرآن الكريم مکنزاً لكل العلوم إلاّ أن المشكلة التي تواجه الباحث في الحصول على هذه العلوم هو ابتعاده عن حملة هذا المكنز وأمنائه الذين اصطفاهم الله تعالى لعلمه واجتباهم لحكمته.

ولعل الوقوف عند آيتين من آيات الكتاب العزيز لتقطع البحث والسعي حول الشواهد والثوابت لهذه الحقيقة، والآيتان هما:

1. في بيان هيمنة الكتاب وجمعه لكل العلوم ودقائق الأمور وذرات الوجود وغير ذلك مما يرد على الذهن، ما جاء في قوله تعالی:

«وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(1).

2. إنّ هذه العلوم ودقائق الأمور التي ذكرتها الآية المباركة، والتي كانت في القرآن (الكتاب المبين)، الذي أصبح تبياناً لكل شيء هو مجموع قد أحصي في الإمام

ص: 14


1- سورة الأنعام، الآية: 59

المبين وهي الآية الثانية التي أردنا الاستشهاد بها، في قوله تعالی:

«إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»(1).

فكان مدار هذه العلوم يدور في فلك الكتاب المبين والإمام المبين.

ومن ثم فإن مفهوم الأمن الإنساني ومصاديقه قد تحدث عنها القرآن الكريم في جملة من الآيات المباركة وهو ما سنتوقف عنده في المبحث الثاني من هذا الفصل.

ولذلك: وقبل الولوج في مسائل البحث نعرّج أولاً إلى التعريف بمصطلح الأمن الإنساني و بيان مفهومه كي يكون مقدمة لما جاء به القرآن الكريم من بیان، تجلت مصادیقه في خلافة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

ص: 15


1- سورة يس، الآية: 13

ص: 16

المبحث الأول التعريف بالأمن الإنساني ومفهومه

ص: 17

للوقوف على معنى الأمن الإنساني وبيان مفهومه يلزم الرجوع إلى مفردات تكوين المصطلح، في اللغة والاصطلاح، ومن ثم يتسنى لنا بیان مفهومه؛ وحيث أن لفظ (الإنسان) معلوم و معروف لدى الناس وهو هذا الكائن الذي خلقه الله تعالی و میزه بالنطق والتفكير والاختيار وفضله وأكرمه على كثير مما خلق، قال تعالى:

«وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(1).

وعليه: يحتاج المصطلح هنا إلى بيان المعنى اللغوي لمفردة (الأمن) وارتباطه، أي (الأمن) بالإنسان وما يشكله من قيمة وأثر في دوام حياته وبقاءه وأداء وظائفه، وبالشكل الذي يتوافق مع تكوينه؛ وحينها يبقي علينا في هذا الموضع بیان معنی مفردة الأمن في اللغة والاصطلاح.

المسألة الأولى: الأمن في اللغة والاصطلاح

أولاً: الأمن في اللغة

1. قال الخليل الفراهيدي: (الأمنة من الأمن، والأمان: إعطاء الآمنة، والأمانة ضد الخيانة؛ يقال: آمنت الرجل أمنا وأمنة وأماناً، وأمنني يؤمنني إيماناً؛ والعرب تقول: رجل أمانٌ إذا كان أميناً وعلى هذا، فالأمن في اللغة: هو سكون القلب واطمئنانه بعدم

ص: 18


1- سورة الإسراء، الآية: 70

وجود مکروه وتوقعه)(1).

2. قال ابن فارس: (الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان، أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناه سكون القلب والآخر: التصديق)(2).

3. قال الراغب الإصفهاني: (أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر ويجعل الأمان تارة اسماً للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسماً لما يؤمن عليه الإنسان)(3).

4. قال الجوهري: (أمن، الأمان، والأمانة بمعنى، وقد أمنت فأنا آمن، وآمنت غيري، من الأمن والأمان. والله تعالى المؤمن، لأنه آمن عباده من أن يظلمهم، وأصل آمن أأمن بهمزتين، لينت الثانية؛ واستأمن إليه أي دخل في أمانه، وقوله تعالی:

«وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ»(4).

ثانياً: الأمن في الاصطلاح

يمكننا الوقوف على المعنى الاصطلاحي للأمن من خلال جملة من الأقوال، وهي:

1. قال المناوي: (عدم توقع مكروه في الزمان الآتي)(5).

وهذا التعريف الشمولي يرشد إلى احتياج الإنسان إلى دفع كل مكروه من حوله سواء في زمانه أو في الزمان الآتي، أي في المستقبل، ومن ثم لا ينحصر الأمر في الوطن أو المجتمع أو الأسرة أو النفس.

ص: 19


1- العين للفراهيدي: ج 8، ص 388
2- معجم مقاییس اللغة لابن فارس: ج 1، ص 134
3- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني: ص 25
4- سورة التين، الآية: 3
5- تاج العروس: ج 18، ص 23

أي: أن الخوف هو الأمر الملازم للأمن فلا ينفك عنه، فكل أمر يسبب للإنسان خوفاً احتاج فيه الإنسان إلى الأمن؛ ولذلك نجد أن مفردة الأمن من حيث مصداقها قد دخلت في جملة من الجوانب الحياتية والتي تمخضت عن بعض التعريفات الاصطلاحية للأمن، كانت هي العمود الفقري لتكوين مفهوم الأمن الإنساني بلحاظ وجود عنصر الخوف، كالخوف من الفقر والمرض وانتهاك الكرامة والمعتقد وحرية الرأي، وهي كالآتي:

أ: الأمن النفسي

وقد عرف هذا المصطلح بأنه: (الحالة التي يسود فيها الشعور بالطمأنينة والهدوء والاستقرار والبعد عن القلق والاضطراب)(1).

ب: الأمن الاقتصادي

لعل من بين أهم التعريفات لمصطلح (الأمن الاقتصادي) ما ورد عن الأمم المتحدة فكان هو: (أن يملك المرء الوسائل المادية التي تمكنه من أن يحيا حياةً مستقرة ومشبعة)(2).

ج: الأمن الاجتماعي

ويعرف هذا المصطلح ب (توفير الأمن للمواطن بالقدر الذي يزيد من الشعور أم: المواطنة؟ والانتماء والعدالة الاجتماعية)(3).

د: الأمن الفكري

تعددت التعريفات للأمن الفكري في الدراسات الأمنية، ولم يتم الاتفاق على

ص: 20


1- الأمن الفكري والعقائدي مفاهيمه وخصائصه وكيفية تحقيقه، لأحمد بن علي المجدوب: ص 53، نشر المركز العربي للدراسات الأمنية بالرياض، لسنة 1408 ه
2- دور الإعلام في قضايا الأمن الاقتصادي والاجتماعي، د. سناء الحاج: www.ministryinfo.gov.lb
3- المصدر السابق نفسه

تعریف جامع مانع للأمن الفكري، إلا أن هذه التعريفات ترشد - إجمالاً - إلى قضية واحدة وهي: حفظ كيان الدولة ومؤسساتها وضمان دوام قيامها بما يخدم الاستقرار للمواطنين الذي يعيشون تحت کنف هذه السلطة.

وهذه القضية التي تمحور حولها الأمن الفكري بحسب هذه التعريفات التي وإن قدمت بمفاهيم حاول البعض فيها الجمع بين هيبة الدولة والمنهجية العلمية لصياغة التعريف، إلا أنها لم تخرج عن نطاق الحفاظ على المؤسسة الحاكمة ذلك إن الأسباب التي دعت إلى ظهور هذا المصطلح كانت في الأساس بسبب تعرّض بعض الدول ومؤسساتها إلى الضرر من خلال تنامي الحركات التكفيرية التي لا ترى حرمة لهذه الدول والحكومات قاطبة؛ بل إنها ترى شرعية إسقاطها ومحاربتها وذلك لانحصار - وبحسب هذا الفكر التكفيري - الشرعية فيها فقط.

ولذا: فهي تدعو بفكرها الدعوي إلى قيام الخلافة الإسلامية و (الجهاد) من أجل تحقيقها بكل السبل، ما دفع الدول والحكومات في العالم، وبالأخص العالم الإسلامي إلى التصدي لهذه الحركات والانتفاع منها في الوقت نفسه وذلك لاستخدامها كذراع ضد من اختلف مع هذه الحكومات في المشروع السياسي، بل والوجودي(1).

وعليه: يلزم البحث في تحديد مفهوم الأمن الإنساني أو الفكري أو الاجتماعي الرجوع إلى ضبط وتحديد مفهوم مفردة (الأمن) وذلك لكونها الركيزة التي يرتكز عليها المصطلح، سواء في الجانب النفسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الفكري، أو الإنساني وهو مصب بحثنا هذا، فكان من بين التعريفات الاصطلاحية للأمن - فضلاً عما مرّ آنفاً - هو:

ص: 21


1- الأمن الفكري في نهج البلاغة، للمؤلف

2. (الحال التي يكون فيها الإنسان مطمئناً في نفسه، مستقراً في وطنه سالماً من كل ما ينتقص دينه، أو عقله، أو عرضه، أو ماله).(1)

3. وعرفه آخرون تعریفاً اصطلاحياً، فقالوا:

(ما به يطمئن الناس على دينهم، وأنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم، ويتجه تفكيرهم إلى ما يرفع شأن مجتمعهم، وينهض بأمتهم)(2).

4. عرّف الأمن أيضاً:

(حالة غياب كل خطر وكل تهديد للحياة، وهذا التهديد أو هذا الخطر هو حالة يستشعرها الحيوان بالغريزة، أما الإنسان فيدركها بملكة العقل وخبرة الممارسة عند الإنسان الأول)(3).

في حين أنني أرى: أن هذه المفردة يمكن تعريفها بما يلي:

(كل ما شأنه أن يدفع الخوف ويحقق الاطمئنان في الحياة الدنيوية والأخروية)(4).

ومن ثم يصبح الأمن للإنسان ضرورياً كضرورة الحياة نفسها، وهذا المعنى هو الذي نحاول أن نصل إليه من خلال هذا البحث ومكوناته، ومنها الوقوف عند مفهوم (الأمن الإنساني) وتعريفه، وصحة هذا المفهوم و مصداقه من خلال عرضه على القرآن والعترة النبوية.

المسألة الثانية: التعريف بمصطلح (الأمن الإنساني)

ص: 22


1- الأمن الفكري، د. إبراهيم عبد الله الزهراني، موقع السكينة
2- الموسوعة الفقهية الكويتية: ج 6، ص 270 - 271
3- استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، متعب بن شداد؛ جامعة الملك سعود
4- للمزيد من الاطلاع ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة للمؤلف

تعد اليوم منظمة الأمم المتحدة هي المعنيّ الأول ب (الأمن الإنساني) ولذا نجدها أول الساعين إلى تحديد ملامح مفهوم الأمن الإنساني ووضع تعریف جامع مانع له من خلال دعوتها للمفكرين والباحثين في مختلف الدول الأعضاء في هذه المنظمة، ومن ثم خرجت عن هذه المنظمة والعاملين فيها بعض التعريفات التي تناولتها بعض الدراسات الأكاديمية فذكرت تعريف مصطلح الأمن الإنساني وبيان مفهومه؛ وهنا نورد جملة من هذه التعريفات ونقف عند مضامينها لنصل إلى المعنى الذي ينسجم مع روح هذا المصطلح، وهي كالآتي:

1. قامت المنظمة بتكليف لجنة الأمن الإنساني (CHS) في إعداد تقرير عن الأمن وتحت عنوان (الأمن الإنساني الآن) والذي قدم إلى أمينها العام السابق كوفي عنان وقد خلصت اللجنة آنذاك إلى وضع تعريف للأمن الإنساني، وهو:

(حماية الجوهر الحيوي لحياة جميع البشر بطرائق تعزز حريات الإنسان وتحقيق الإنسان لذاته - تلك الحريات تمثل جوهر الحياة، حماية الناس من التهديدات والأوضاع الحرجة (القاسية) والمتفشية (الواسعة النطاق)(1).

2. قدم (محبوب الحق) من خلال برنامج الأمم المتحدة للتنمية سنة 1994 م تحت عنوان (الأمن لمن) تعريفاً للأمن الإنساني جاء فيه:

(إنه كرامة حياة الإنسان) وأما مفهومه فقد حدده في مخاوف الناس اليومية کمخاوف النساء من التشرد، والأولياء على أبنائهم من المخدرات وغيرها، فهو يرى أن الفرد هو الأساس في سعي الدول إلى تحقيق الأمن له من خلال توفير حياة كريمة(2).

ص: 23


1- دور التنمية في تحقيق الأمن الإنساني، حليمة حقاني: ص 2
2- دور التنمية في تحقيق الأمن الإنساني: ص 3

وفي دراسة أخرى وجد الباحث أن تعريف الأمن الإنساني عند (محبوب الحق) هو: أمن الإنسان بدلاً من أمن الأرض، وأمن الأفراد بدلاً من الأمم، والأمن من خلال التنمية وليس من خلال الأسلحة وهو أمن الأفراد في كل مكان في منازلهم وفي وظائفهم)(1).

3. المفكر الاقتصادي (أمارتیاسن)

لخص المفكر الهندي في الندوة الدولية حول الأمن الإنساني عام 2000 والتي عقدت في طوكيو قضية الأمن الإنساني بعناصر ثلاثة:

أ: (البقاء على قيد الحياة).

ب: (الحياة الطويلة).

ج: (كرامة الإنسان)(2).

دون أن يضع تعريفاً يتضح فيه معنى الأمن الإنساني وما هو مفهومه، ولعل تحديد هذه العناصر الثلاثة كفيل ببيان أهمية الأمن الإنساني وموارد تحقيقه.

في حين جاءت إحدى الدراسات بتعريف ل (امارتیاسن) ربط فيه بين مفهوم الأمن الإنساني وموارد انعدام هذا الأمن فقال:

(الأمن الإنساني يعني: الحد من أوجه انعدام المخاطر التي تبتلى بها حياة البشر، والتخلص منها إن أمكن، وهو ما يتعارض أساساً مع فكرة أمن الدولة التي تركز على

ص: 24


1- الأمن الإنساني المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي، خديجة عرفة: ص 37
2- دور التنمية في تحقيق الأمن الإنساني: ج 3

صون وسلامة الدولة وقوتها، ومن ثم فإن أمن الدولة يرتبط ارتباطاً غير مباشر بأمن البشر الذين يعيشون في الدولة)(1).

ونجد هنا أن المفكر الاقتصادي (امارتیاسن) قد حدد العلاقة بين أمن الدولة وأمن البشر الذين يعيشون في الدولة، أي أن الأمن القومي يرتبط ارتباطاً قوياً بأمن الإنسان، في حين لم يكن سعي الأمم المتحدة في تحقيق الأمن الإنساني هو الأمن القومي للدول وإن كان له مدخلية في توفير جانبٍ من الأمن ولكن السؤال المطروح: من الذي يكون مقدماً على الآخر، هل الدولة أم الإنسان، وأي الأمنين أولى بالاهتمام والمتابعة والتحقيق؟

4. جورج ماكلين.

عرّف (جورج ماكلين) الأمن الإنساني بمعنيين، الأول شامل، والآخر مختصر، فقال: (الأمن الإنساني في معناه الشامل يعني: تحويل الانتباه من الأمن القومي إلى أمن الأفراد، فالأمن الإنساني يقوم على أن حماية الأفراد لن تتحقق من خلال حماية الدولة كوحدة سياسية، ولكن من خلال التركيز على رفاهية الأفراد ونوعية الحياة.

الأمن الإنساني، يعني: الحماية من العنف غير الهيكلي الذي يترافق مع اعتبارات عديدة غير مرتبطة بالتكامل الإقليمي مثل الندرة البيئية أو الهجرة الجماعية، ومن ثم، فإذا كانت المفاهيم التقليدية للأمن تركز على العنف الهيكلي، ممثلاً في الحروب، فإن الأمن الإنساني يرتبط بقضايا العنف غير الهيكلي.

فالأمن الإنساني باختصار هو أمن الأفراد في محيطهم الشخصي، وفي مجتمعاتهم

ص: 25


1- الأمن الإنساني المفهوم والتطبيق: ص 33 - 34

وفي بيئتهم)(1).

5. كوفي عنان.

عرّف الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة (كوفي عنان) الأمن الإنساني بقوله:

(الأمن الإنساني في معناه الشامل يعني ما هو أبعد من غياب العنف المسلح، فهو يشتمل على حقوق الإنسان، والحكم الرشيد، والحق في الحصول على فرص التعليم والرعاية الصحية والتأكد من أن كل فرد لديه الفرصة والقدرة على بلوغ احتياجاته الخاصة.

وكل خطوة في هذا الاتجاه هي أيضاً خطوة نحو تقليل الفقر، وتحقيق النمو الاقتصادي ومنع النزاعات؛ فتحقيق التحرر من الحاجة، والتحرر من الخوف، وحرية الأجيال القادمة في أن ترث بيئة طبيعية وصحية، هذه هي الأركان المترابطة لتحقيق الأمن الإنساني ومن ثم الأمن القومي)(2).

وهذا التعريف سنجده - ومن خلال المبحث القادم - يزحف نحو مفهوم القرآن الكريم والعترة النبوية الشريفة للأمن الإنساني؛ وذلك من خلال تحديده لعنصرين أساسيين، وهما الجانب الاقتصادي والجانب النفسي واللذين تصان بهما كرامة الإنسان.

والذي يستفاد من هذه التعريفات بعض النقاط وهي كالآتي:

1. إن هذا المصطلح (الأمن الإنساني) هو من نتاج مفكري الأمم المتحدة، الذي انحصر في نشأته وتبلور في تكوينه بين الطرح الذي قدمه كلٌّ من (محبوب الحق) والمفكر

ص: 26


1- الأمن الإنساني المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي، خديجة عرفة: ص 35
2- الأمن الإنساني المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي، خديجة عرفة: ص 35

الاقتصادي (أمارتیاسن).

وهذا المصطلح أخذ دوره من خلال قرار لجنة الأمن الإنساني الصادر عام 2003 م، وتحت عنوان (الأمن الإنساني الآن).

2. إن هذه التعريفات قد ركزت على الإنسان في كونه المعني الأول بالأمن ومن ثم يلزم البحث عن السبل التي تحقق له الأمن والعمل على تطبيق هذه السبل والوسائل.

3. من الناحية العملية وفي ظل الواقع الحالي لجميع الشعوب فإن أعظم الدول وأقواها اقتصادياً وعسكرياً لا يمكنها أن تحقق الأمن الإنساني بمفهومه الواسع الذي طرحته بعض التعريفات إذ يلزم ذلك تقديم نظام حياتي جذري وجديد ينشأ عليه الناس صغاراً ويسعون في تحقيقه كباراً.

4. إن التفاوت في الثقافات والمستويات الاقتصادية والاجتماعية بين شعوب العالم تشكل أكبر عائقٍ في سيادة الأمن الإنساني، ومن ثم فإن تحقيقه يكون خاضعاً إلى مجموعة عوامل مهمة كالثقافة والاقتصاد وقوة الدولة أو السلطة الحاكمة لهذا البلد أو ذاك وهو أمر لا يحتاج إلى تدليل؛ فمنظمة الأمن الدولية لا يمكن لها أن تحقق ولو نسبة ضئيلة من الأمن الإنساني في أفغانستان أو العراق أو غيرها من الدول والشعوب المنكوبة في ظل غياب السلطة، بل في ظل غياب (الإنسان) فكل ما نراه هو أشكال بشرية لا تربطها ببني الإنسان سوى الهيئة الكاشفة عن تحديد جنس الكائن الحي.

ولذلك: فإن الأمن الإنساني هو مهمة مقدسة سعت إليها الرسالات السماوية وكانت مدار حرکتها و موضع رعاية الأنبياء جميعاً، إذ إن أمن الإنسان ونجاته في الدنيا والآخرة هو جوهر الشريعة الإلهية.

وإن التردي الإنساني على المستويات كافة وانعدام (الأمن) بمفهومه الذي سعت

ص: 27

إليه اللجان التابعة للدول وللمنظمة الأممية وللمفكرين، إنما هو نتيجة لما قامت به الأمم والشعوب - ومنذ نشأتها ونهوضها وتوسعها - من مخالفات للشريعة الإلهية التي حملها الأنبياء والرسل.

ومن ثم لا يمكن إصلاح ما أفسدته الصراعات على المال والسلطة والحكم وإتباع الأهواء والانجرار خلف طموح الأنفس في الغلبة وبسط النفوذ والاستحواذ على الإنسان؛ فكيف يتحقق الأمن الإنساني بين بني الإنسان والحال هو، هو في كل زمان ومکان؟

وعليه:

فإن هذا المفهوم الذي نشأ تحت ظل المنظمة الأمية هو في الواقع محاولة لتصحيح ما أفسده الإنسان في حق أخيه الإنسان، إلا أن هذا التصحيح مع هذه التراكمات التي تحيط بمعظم شعوب الأرض تحتاج إلى دراسات مضنية في إعادة بناء مفهوم الأمن الإنساني وسبل تحقيقه؛ وإن هذا البناء لا يمكن أن يتم ما لم تتم مراجعة الثوابت التي جاءت بها الشريعة الإلهية وانبرى من أجل تطبيقها الأنبياء عليهم السلام.

مما يلزم الرجوع إلى الكتب السماوية وسنن الأنبياء لاسيما القرآن وعترة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهو مدار هذه الدراسة، وذلك إن الله تعالى هو الخبير البصير بعباده وهو الحكيم الذي سنّ لهم ما يصلحهم ويحقق لهم الأمن والأمان والحياة الكريمة. وهذا ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 28

المبحث الثاني القرآن والعترة عليهم السلام يحددان مفهوم الأمن الإنساني ومصادیقه

ص: 29

ص: 30

إن أهم ما واجه المفكرين في توحيد الرؤية حول الأمن الإنساني والخروج بمفهوم يلبي ويحقق مصادیق هذا المفهوم هو العجز عن الإحاطة بالأسباب والعوامل التي كانت تتحكم في تحقيق الأمن الإنساني أو انهياره.

في حين إننا نجد أن الرؤية القرآنية في تحديد مفهوم الأمن الإنساني ومصادیقه مع سعة الإحاطة والشمولية تلزم الباحثين والمفكرين وصناع القرار بالرجوع إلى دراسة هذه الرؤية والاستعانة بها على تقديم ما يمكن تقديمه في تحقيق الأمن الإنساني ولو بنسبة ضئيلة ومتفاوتة في مكان عن آخر، وهذا ما نحاول أن نعرض له خلال هذه المسائل.

المسألة الأولى: إشكالية المفهوم وتعذر المصداق في الدراسات حول الأمن الإنساني، وتحققهما في القرآن الكريم والعترة النبوية الشريفة

يتناول القرآن الكريم (الأمن الإنساني) أو (أمن الإنسان) في جملة من الآيات الكريمة ويظهر فيها الأسس التي يبنى عليها الأمن الإنساني، كما يبين لنا العوامل التي تؤدي إلى ضرب هذه الأسس وتهديم الأمن وانهياره وحدوث الدمار والخراب؛ فضلاً عن بیان ضرورة الأمن للإنسان في الدنيا والآخرة وإن هذا الأمن هو الغاية المنشودة للفرد والأسرة ليس فقط في الدنيا وإنما في الآخرة، وهو ما ينفرد به القرآن عن غيره من التشريعات.

ص: 31

فالتشريعات الوضعية في عالمنا اليوم تنظر فيما يحقق الأمن الإنساني في الزمان والمكان الآني، ولعلها تنظر في المستقبل، فضلاً عن إنها تنظر في الأسباب التي أدت إلى انهيار الأمن وكيفية تجنبها؛ أما ما يلحق بالإنسان في الحياة الآخرة أو ما بعد الدنيا ؛ فلم تعر له أي أهمية والسبب في ذلك يعود إلى العولمة وهيمنتها على الحياة و تحول الحياة إلى مفهوم السلعة.

في حين أنها بذاك تكون قد غفلت عن أهم الأسس في تحقيق الأمن الحياتي وذلك إن من بين أهم الروادع التي تردع الإنسان عن الفساد والخراب والسلوك المنحرف هو الاعتقاد بوجود حياة ثانية ينتقل إليها الإنسان وإنه بحاجة كذلك إلى الأمن والأمان والحياة الكريمة والمنعمة في الآخرة.

وهذه العقيدة وإن كانت قد تفلتت من أذهان كثير من الناس وتمرد عليها الساسة وصناع القرار إلا أنها ما فتأت محور حركة حضارة وادي النيل ووادي الرافدين وغيرها من الحضارات التي نشأت في الشرق أو في الغرب، والتي تكشف عن وجود عقيدة فطرية في انتقال الإنسان إلى حياة أخرى بعد الحياة الدنيا، ولذا سعت إلى تأمين احتياجات الإنسان في الحياة الثانية، كالحلي والسلاح والنقود، بل تعداه إلى دفن الخدم والمساعدين مع الملوك والسادة كما هو واضح في الأهرامات وغيرها.

وعليه: لم يغفل القرآن الكريم عن السعة في الرؤية الآمانية والأمنية للإنسان في الحياتين الأولى والآخرة وارتباط حاجة الإنسان بالأمن فيهما، فضلاً عن تأثر الحياتين بأسباب تحقيق الأمن الإنساني، أي لم ينحصر الأمر في الفرد وإنما فيما يحيط بهذا الإنسان. كما شملت رؤية القرآن للأمن الإنساني الأسباب التي تؤدي إلى انهيار الأمن والعوامل التي تؤدي إلى تحقيقه؛ هذه الشمولية التي جاء بها القرآن تكشف عن عجز الدول والهيئات والمنظمات في تحقيق هذه الشمولية، مما أدى إلى نقد مفهوم الأمن

ص: 32

الإنساني لعدم القدرة على تحقيقه، بل حتى عدم القدرة على توحيد الرؤى حول مفهوم (الأمن الإنساني).

وفي ذلك يقول أ. د. علي حماد: (ومصطلح (الأمن الإنساني) رغم وضوحه كمصطلح إلا أنه - في تقديري - غير محدد ولا يمكن ضبطه، وإذا أردنا الإحاطة بمعانيه والوقوف على مفاهيمه ومراميه لابد أن نتكلم عن الإنسان وكل ما يحيط به، وعلاقته المتشعبة مع كافة المخلوقات، وهذا يعني أن ندرس كافة العلوم الإنسانية وهذا غیر وارد في زمن أصبح التخصص هو سمة العصر وكأننا نختزل كافة العلوم التي استقرت أصولها، وقُعّدت قواعدها على مدى عمر البشرية تحت اسم واحد (الأمن الإنساني)(1).

وإلى هذا النقد في سعة مفهوم (الأمن الإنساني) وشموليته قالت الباحثة خديجة محمد أمين: (يتضح من تلك التعريفات - للأمن الإنساني - وجود قدر من التباين، وهو ما يعكس طبيعة المفهوم المعقدة، إذ إن تعريف المفهوم على أساس أنه يشمل كل ما يهدد أمن الأفراد يجعل المفهوم شديد الاتساع بما يجعله يفقد معناه، ويضع صعوبات عند محاولة تحويل المفهوم لسياسات إجرائية، أما التركيز على بعد دون غيره کالعنف أو الأمن الاقتصادي فيجعل المفهوم ملائماً في حالات دون غيرها)(2).

ويقول الباحث حبیب معلوف: (مفهوم (الأمن الإنساني) بات متعدد الأبعاد ويعبر عن التصدي لأنواع متعددة من التحديات والتهديدات، بين هذه الأنواع: الأمن الاقتصادي (يتمحور حول تهديدات الفقر والبطالة)، الأمن الغذائي (الجوع والمجاعات)، الأمن الصحي (الأمراض القاتلة المعدية، والأغذية غير الآمنة، وغياب

ص: 33


1- القانون الدولي الإنساني والأمن الإنساني في الإسلام، أ. د. علي حماد: ص 9
2- الأمن الإنساني المفهوم والتطبيق، خديجة محمد أمين عرفة: ص 43

الرعاية الصحية)، الأمن البيئي (التلوث وتدهور واستنزاف الموارد)، الأمن الاجتماعي (التوترات الدينية والمذهبية والعرقية وصراعات الهوية)، الأمن السياسي (غياب الديمقراطية والقمع وانتهاك حقوق الإنسان) والأمن الشخصي (العنف الشخصي والمنزلي وعمالة الأطفال والجريمة والإرهاب).

يرتبط الأمن الإنساني بكل هذه التهديدات، ويحاول أن يضع الاستراتيجيات والسياسات لمعالجتها؛ وإذا نجح مهندسو المفهوم بدمج كل هذه الأبعاد مسفهين ضمنا البحث عن الأولويات بينها، كما كان يحصل عادة، إلا أنهم لم يبذلوا جهداً إضافياً لتمتين المفهوم من الناحية الفلسفية والفكرية.

ويذهب حبيب معلوف في تحديد هذا القصور في تمتين مفهوم (الأمن الإنساني) من الناحية الفلسفية والفكرية إلى مجموعة من الأسباب، وهي (كونه لا يأتي من خلفية فكرية شبه شاملة ومتكاملة، بل من تراكم اجتهاد في العمل على بلورة مفاهيم تعبر عن حالات وتجارب متفرقة ومتفاوتة في أحجامها ومواصفاتها وأمكنة حدوثها.

فالأمن الإنساني نفسه لا يزال متمرکزاً إنسانياً وبشرياً ولا يأخذ بالاعتبار باقي الكائنات التي يشترك معها الإنسان في الحياة والوجود.

فالنزعة الإنسانية المفرطة في إنسانيتها هي نفسها السبب الرئيسي في تفاقم الكثير من المشاكل المذكورة المحددة للحياة، ولذلك كان يفترض أن يتم استخدام مفهوم (الأمن الحياتي) بديلاً عن (الإنساني)، على قاعدة أن لا قيمة أعلى من الحياة نفسها)(1).

ص: 34


1- الأمن الإنساني كمفهوم غير شامل، لحبيب معلوف، مقال نشرته جريدة السفير اللبنانية بعددها الصادر يوم الأربعاء 21 / تشرين الأول سنة 2009 ونشره موقع حركة التجدد الديمقراطي

وأقول:

إن السبب في عدم إيجاد رؤية واحدة لمفهوم (الأمن الإنساني) واصطدامها بسعته وشموليته وعدم القدرة على تحقيقه يعود إلى تردي مستوى الحياة لأغلب شعوب العالم وتعدد الأسباب والعوامل في انهيار الأمن للإنسان، فبين تفشي المخدرات والبطالة والانتحار والتفكك الأسري في الدول الثرية والمتقدمة تكنلوجياً، إلى انتشار المجاعة والأمراض والجهل والصراعات العرقية والعقدية في الدول النامية، ومن التسابق في التسليح ووقوع الحروب في الدول الطامحة لبلوغ حظها في الهيمنة وبسط نفوذها على غيرها من الدول، إلى تنامي الحركات التكفيرية في العالم العربي والإسلامي إلى المستوى الذي لم تشهده الشعوب من ممارسات إجرامية بحق هذا الإنسان.

إذن: الإشكالية لا تقع في سعة مفهوم الأمن الإنساني وإنما تقع في معالجة الأسباب التي أدت إلى انهيار (الأمن الإنساني) واستحالة تحقيقه في مختلف بقاع الأرض.

فهذه المهمة المقدسة كانت ملقاة على عاتق الأنبياء والرسل ومن أجلها قتلوا وشردوا، ومن ثم لا يتحقق (الأمن الإنساني) إلا بتغيير جذري في الحياة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال سلطة الله تعالى هذه السلطة التي اختلفت فيها مسميات الديانات والمعتقدات، فبين خروج (المصلح) و(المنقذ) و (المخلص) للبشرية، وبين موت (أدونيس) ثم بعثه ليقوم بدور إعادة الحياة كما عند الاغريق، أو موت (تموز) وتجدد بعثه في كل عام كما عند البابليين ، أو (أوزریس) وانقاذه للمصريين القدامى، أو (أيتس) عند شعوب وأقوام آسيا الصغرى، أو بين بعث السيد المسيح عليه السلام وقيامه؛ كلها تنضوي تحت مظلة مفهوم (الأمن الإنساني).

هذا الأمن الذي لا يتحقق إلا بسلطة من خالق الخلق يمنحها لخليفته ووليه ويفوض إليه تحقيق الأمن والعدل ضمن حدود حدها الله تعالى، وهو ما يتجسد في

ص: 35

الإسلام بالإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وهو ما نص عليه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال:

«لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جوراً وظلماً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً»(1).

فبه يتحقق الأمن الإنساني لكل البشر وليس بقرارات المنظمة الدولية للأمم المتحدة أو اللجان والوزارات أو الحكومات وإن طال الزمن.

أما ما نشاهده اليوم من رؤى وأفكار وبرامج تحاول الأمم المتحدة أو بعض الدول تطبيق نسبة منها هنا أو هناك تحت عنوان (الأمن الإنساني)، فهو مجرد محاولات لتدارك نار الارهاب والفقر والمرض الذي أوجدته الأطماع والأهواء والجور والظلم والفساد.

ومن ثم: استقامة مفهوم (الأمن الإنساني) تتحقق من خلال رؤية القرآن والعترة النبوية، وأما الوسائل والتطبيقات فتختلف بحسب إدراك هذا المفهوم ووفرة الإمكانيات لدى العامل في تحقيق الأمن الإنساني.

من هنا:

كان رجوعنا إلى القرآن والعترة النبوية في بيان مفهوم الأمن الإنساني وكيفية تحقيقه ونسبة اقتراب بعض المفاهيم التي توصلت إليها منظمة الأمم المتحدة أو بعض المفكرين في مجال الأمن الإنساني أو حقوق الإنسان، من هذا المفهوم القرآني والنبوي.

ص: 36


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 4، ص 557، باب: المهدي هو من ولد فاطمة عليهم السلام

أولاً: مرتكزات الأمن الإنساني في القرآن الكريم وتحديد مفهومه

يعرض لنا القرآن الكريم مفهوم الأمن الإنساني من خلال جملة من الآيات التي حددت مرتكزاته والتي تلزم تحقيقه متى ما تم العمل بها؛ وفي الوقت نفسه يقوم القرآن الكريم أيضاً بعرض مصداق الأمن الإنساني في آيات أخريات کي يقدم بناءاً متكاملاً لمن أراد أن يحقق الأمن الإنساني؛ فكانت هذه الآيات على النحو الآتي:

الآية الأولى

قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم:

«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»(1).

في البدء يقوم القرآن الكريم بعرض احتياجات الإنسان في أربعة عناصر، وهذه العناصر تحدد لنا مفهوم الأمن الإنساني، وهي:

ألف: الأمن.

باء: الاطمئنان.

جيم: الغذاء.

دال: وفرة الموارد الاقتصادية.

وهذه العناصر الأربعة حصرها القرآن الكريم في آية واحدة، قال تعالى:

ص: 37


1- سورة النحل، الآية: 112

«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ».

ولقد مر من خلال تعريفات الأمن الإنساني تحديد مرتكزات تمحورت في الأمن من القهر والعنف والحاجة، أو هو ما عبرت عنه لجنة الأمن الإنساني في المنظمة الدولية (CHS) ب (حماية الجوهر الحيوي لحياة جميع البشر)، أو (البقاء على قيد الحياة وكرامة الإنسان أو كما عبر عنه (كوفي عنان) الأمين العام السابق للأمم المتحدة ب (التحرر من الحاجة، والتحرر من الخوف، وحرية الأجيال القادمة في أن ترث بيئة طبيعية وصحية).

هذه المرتكزات التي شكلت المفهوم لدى منظمة الأمم المتحدة أو المفكرين لم تلتفت إلى العناصر التي يتم من خلالها تحقيق الأمن الإنساني أو عدمه على الرغم من اقترابها من المرتكزات التي حددتها الآية المباركة والتي شكلت المفهوم القرآني للأمن الإنساني.

لكنها في الوقت نفسه حددت أيضاً العنصر الذي من خلاله يتم هدم الأمن الإنساني، ألا وهو (الكفر بأنعم الله) فكانت النتيجة: إن الله تعالی أذاقها أمرين:

ألف: الجوع؛ وهو يشمل كل ما له علاقة بالجانب الغذائي من صلاح البيئة والزراعة والمياه والثروة الحيوانية، ومن ثم انهيار الاقتصاد وتفشي البطالة والأمراض والانزلاق نحو الجريمة لسد الحاجة والبقاء على الحياة.

باء: الخوف، وهو نتيجة حتمية لمقدمات عدة جمعت تحت عنوان (الجوع) ولذا نرى أن الآية المباركة قد قدمت الجوع على الخوف لما يترتب على الجوع من نتائج وخيمة.

وعليه: قدمت الآية المباركة (الأمن) مقيداً ب (الإيمان) وإن انعدام الأمن مقيد

ص: 38

ب (الكفر) وإن كليهما أي الإيمان والكفر مسؤولان عن تحقيق الحياة الكريمة للإنسان فرداً ومجتمعاً أو انهيار هذه الحياة، بل نجد أن الآية المباركة قد ركزت في بيان مفهوم الأمن الإنساني على المجتمع بلحاظ أن الأمن الإنساني يخص البشرية وليس الفرد ككتلة مستقلة.

ولذا: جاءت الآية المباركة بمثال القرية للدلالة على أن الأمن الإنساني هو أمر مجتمعي قبل أن يكون فردياً، فقال عزّ وجل:

«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ...».

فهذا الأمن والاطمئنان ووفرة الرزق ونمو الاقتصاد في كل مكان جميعه مرهون بالإيمان بأنعم الله، وأنعم الله تعالى: هم الأنبياء والرسل والعترة النبوية في أمة محمد صلی الله عليه وآله وسلم، وإن ذهاب هذه المرتكزات في الأمن الإنساني مقرون بالكفر بهذه الأنعم والعياذ بالله، كما هو صريح في خاتمة الآية المباركة:

«...فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ».

الآية الثانية

قال تعالى:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي

ص: 39

شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(1).

إن هذا البيان القرآني في تحديد مفهوم الأمن الإنساني جاء في آيات أخرى، فمنها: قوله تعالی:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...».

هنا: في هذه الآية المباركة تتحدد احتياجات الإنسان للأمن في مجالات عديدة أي: لم يقتصر الأمن على الأمن الإنساني وإنما على الأمن القومي والأمن الفكري، وهذه من آيات القرآن ولطائف علومه.

فالآية المباركة حددت حاجة الإنسان للأمن في:

1- الأمن القومي

وهو قوله تعالی:

«...لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ...».

فهذه الخلافة والسلطة والحكم مرهونة أيضاً ب (الإيمان بالله والعمل الصالح) وإنهما، أي: الإيمان والعمل الصالح مسؤولان كذلك عن تحقيق الأمن في مجال آخر.

2- الأمن الفكري

ص: 40


1- سورة النور، الآية: 55

وقد جاء في قوله تعالی:

«...وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ...».

فهذا التمكين في الدين يحقق الأمن الفكري، فلا شبهات ولا بدع ولا فكر ضال ومنحرف وذلك من خلال تمكين الله تعالى لمن آمن وعمل صالحاً في سيادة دينهم الذي ارتضاه لهم وهذا يعني دين الله.

3- الأمن الإنساني

ويجعل القرآن تحقيقه مرتكزاً على الأمن القومي والأمن الفكري وهي نتيجة جديدة تفاوتت في دراستها الأبحاث حول الأمن الإنساني، فمنها ما خلصت إلى أن الأمن الإنساني لا يمكن أن يتحقق ما لم تكن له بيئة حاضنة ومساندة ألا وهي الأمن القومي.

في حين ذهبت دراسة أخرى إلى أن الأمن الإنساني يكون هو المنتصر لاهتمامات الدولة وأول أولوياتها وذلك أن الإنسان هو الوحدة الأساسية التي يلزم الاهتمام بها وصرف كل الإمكانات في تحقيق حياة كريمة له.

في حين أننا نجد أن القرآن يجعل سلم الترتيب في تحقيق الأمن وعوامل قيامه تكون على قاعدة أساسية وهي (الإيمان والعمل الصالح)، أي: الأمن الفكري ومن ثم تتم ولادة الأمن القومي وتمكن الدولة في مؤسساتها وبسط أمنها، أي من خلال الأمن القومي وبسط نفوذ الدولة أو الحكومة أو السلطة يتم الوصول إلى تمكين دين الله الذي ارتضاه، ومن ثم تكون ثمرة هذا السلم هو الأمن الإنساني.

الآية الثالثة

قال تعالى:

«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ

ص: 41

وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1).

وهذه الآية المباركة كذلك تظهر أساس تحقيق الأمن الإنساني وبيان مفهومه.

بمعنى: إن جميع ما يحتاج إليه الإنسان من وسائل الحياة الكريمة ودوامها وحفظها فيكون آمناً في نفسه وبدنه وأسرته وعيشه ووسائل رزقه ودينه وما يحيط به من إصلاح الأرض والزرع وما يحيا بجانبه من طير أو دابة؛ كل ذلك متحقق بعنصرين هما (الإيمان والتقوى)، فهما يفتحان على الإنسان بركات السماء والأرض وهذا ما لا يمكن أن تحققه أي دولة في الأرض وإن تعددت الأزمنة.

أما ما نشهده من تمكن الوسائل العلمية والتقنية في استصلاح الأرض في بعض مواضعها فحظيت ببعض بركاتها فإنها لن تحظى ببركات السماء، فضلاً عن العجز المطلق في التحكم بالابتلاءات التي تصيب المجتمعات كالفيضانات والزلازل والأوبئة، وغير ذلك مما ركزت عليه الدراسات في مفهوم الأمن الإنساني وطالبت به، وكل هذا زمامه بيد الله تعالى، الذي وضع له سنناً ما إن تمسك بها الإنسان حصل له مراده في تحقيق الأمن الإنساني؛ هذا الأمن الذي كشفت عن مصداقه الآيات المباركة مثلما حددت مفهومه وهو ما سنعرض له في الأمر الآتي.

ثانياً: مصاديق الأمن الإنساني في القرآن الكريم

مثلما حدد القرآن الكريم مفهوم الأمن الإنساني ومدی سعته وعجز الإنسان عن السعي في تحقيقه إلا بنسب محدودة هنا أو هناك؛ فإن القرآن الكريم بيّن أيضاً مصادیق الأمن الإنساني في آيات عديدة؛ والحكمة في ذلك هو قطع الشكوك ونقل الظنون إلى

ص: 42


1- سورة الأعراف، الآية: 96

حالة اليقين بأمور منها:

1- عجز الإنسان عن الإحاطة الشاملة بالوسائل التي تمكنه من تحقيق الأمن وذلك لسعة المساحة في احتياجات الإنسان للأمن؛ أي أن القرآن جاء بحل الإشكالية التي طرحتها كثير من الدراسات حول الأمن الإنساني كما مر بيانه في التعريفات والمفهوم.

2- لا شك إن الإنسان حينما يخضع الأمور لمناطق النظرية العلمية يصبح كثير الجدل، وكثير المغالطة والنكران لاسيما للحقائق التي تأتيه من خلال النصوص التي يكون منشؤها التشريعات الإلهية، فهو يدور بين فرضيات المادة والتحليل، وبين التسليم للسنن والقوانين التي وضعها الله تعالى وبيّنها القرآن الكريم وثقله الأصغر وترجمانه الأوحد محمد المصطفى وآله الطيبين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

ولذا: أراد القرآن الكريم أن يقطع الطريق أمام هذه الظنون والشكوك في إخضاع الأمن الإنساني إلى عنصر أساس وهو الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح، وإن أي خرق لهذه الحدود يؤدي إلى انهيار الأمن وحلول الدمار، فجاء بالتذكير لهذه السنن ونقل صوراً عديدة كانت مسرحاً لمشاهدة مصادیق تحقيق الأمن الإنساني وفي الوقت نفسه كانت مسرحاً لانهياره الأمن الإنساني، وما ذاك إلا لبيان الحجة والسبيل في قيام الأمن الإنساني أو انهياره، فكانت هذه الآيات كالآتي:

الآية الأولى في بيان مصاديق الأمن الإنساني

قال تعالی:

«وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ

ص: 43

الْأَصْنَامَ»(1).

يبدأ نبي الله إبراهيم عليه السلام بضمان الأساس الذي يحقق الأمن الإنساني، فيسأل الله تعالى التوفيق لتحقيقه بمفهومه الذي جمع كل احتياجات الإنسان مع ملاحظة الضروري منها وتقديم الأهم؛ فقال عليه السلام: «...رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا...».

وهذا الجعل الأمني للبلد الذي اختاره الله تعالى لأن يكون محلاً للبيت الحرام مرتكز على أساس التوحيد؛ بمعنى: أراد نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن خلال علمه بالسنن وحال الأمم التي سبقته أن قيام الأمن لا يتحقق إلا من خلال التوحيد واجتناب عبادة الأصنام؛ وهي أي عبادة الأصنام عامة في الاختصاص فكل شيء يسعى الإنسان العبادته هو صنم وإن أقر بالتوحيد.

وإن الوقوع في الشرك الخفي أو الجلي يؤدي قطعاً إلى انهيار الأمن ويحقق مقدمات وقوعه.

ولذا: حرص نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن خلال التوسل بالله تعالى أن يجنبه وبنيه أي دوام اللطف الإلهي والعناية الربانية في الاصطفاء بالعصمة له وبنيه إسماعيل وإسحاق عليهم السلام.

ولذلك: كان البلد آمناً بفضل الله تعالى وتحقق عناصر قیام الأمن الإنساني بشخص إبراهيم وبنيه وهم إسحاق وإسماعيل وذريتهما من الأنبياء، فكان من إسحاق أنبياء بني إسرائيل ويوسف ويعقوب وسليمان وداود وموسى وعيسى عليهم السلام، وكان من إسماعيل سيد ولد آدم أبي القاسم محمد بن عبد الله وعترته من أهل بيته

ص: 44


1- سورة إبراهيم، الآية: 35

صلوات الله عليهم أجمعين.

وإلا فواقع الحال إن أهل مكة كانوا أكثر الناس بعد إبراهيم عبادة الأصنام وانتهاكاً للتوحيد إلاّ أن وجود بعض من آمن بالتوحيد واجتنب عبادة الأصنام كان محققاً لاستمرار الأمن لهذا البلد، وهو ما أظهره إبراهيم عليه السلام كما ورد في آية أخرى جاء بها القرآن الكريم لبيان مصداق تحقيق الأمن الإنساني على الأرض، كما في هذه الآية المباركة.

الآية الثانية في بياني مصاديق الأمن الإنساني

قال تعالى:

«وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(1).

هنا في هذه الآية المباركة ينتقل نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام إلى بيان مصداق تحقق الأمن الإنساني مع بيان شرط تحققه، فبعد دعوته عليه السلام إلى الله تعالى بجعل مكة بلداً آمناً ينتقل إلى بيان مقومات هذا الأمن وبمفهومه الذي يشمل تأمين احتياجات الإنسان، فقال عليه السلام:

«...رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ...».

لكن هذا الرزق من الثمرات لأهل مكة متحقق في مجموعة محددة قد توافرت فيها مقدمات الرزق وتهيأت لها أسس قیام تأمين هذه الثمار ألا وهي (الإيمان بالله واليوم الآخر).

ص: 45


1- سورة البقرة، الآية: 126

وإلا فنحن نعلم أن أرض مكة لا تصلح للزراعة ولا تتوافر فيها العوامل الطبيعية للحصول على الثمار إلا أن هذه العوامل المرهونة بقيام الزرع والثمار يمكن لها أن تتغير، فتقدم الأمن الغذائي للإنساني فيما لو توفر فيه الأساس، وهو الإيمان بالله تعالی.

فضلاً عن إيجاد البدائل والوسائل الأخرى التي يوفق الله تعالى لها فتكون بديلاً عن الزرع عند فساد التربة وعدم إمكانية الزراعة فيها كالتربة الصخرية كما هو حال أهل مكة إلا أن رزق أهلها كان من خلال مورد آخر هيأه الله تعالى لهم بفضل أمور:

1- دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام، والأنبياء لا يرد الله لهم دعاء.

2- وجود مجموعة صالحة بين أهلها توافرت فيهم عناصر الديمومة وإدرار الرزق وهو الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.

3- دوام هذه المجموعة - وإن كانت قليلة - على الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، جيلاً بعد جيل وذلك لحفظ السبب في قيام الأمن الإنساني، فلو توفوا أو قضي عليهم لوقع الخراب وعم الفساد والقحط.

ولذلك لوجود هذه المقدمات والأسباب كان حال أهل مكة محرزاً للأمن الإنساني بحسب ضرورياته لديهم آنذاك وهو ما نص عليه القرآن في موضع آخر كما في الآية الثالثة من مصاديق الأمن الإنساني، والتي لم يغب عنها العنصر الأساس في قيام الأمن الإنساني وهو عبادة الله تعالی.

الآية الثالثة في بيان مصاديق الأمن الإنساني

قال تعالى:

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ

ص: 46

وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»(1).

حينما كانت المقدمات التي مر ذكرها من خلال قول إبراهيم متوفر في تحقق الأمن الإنساني الذي حددته الآية المباركة ب:

1. الأمن من الخوف.

2. الإطعام من الجوع.

فإن الدعوة في الآية المباركة لحفظ هذا الأمن الإنساني كذلك قائمة، فأمرتهم بعبادة الله تعالى الذي بيده تحقيق هذا الأمن الإنساني.

ولذلك: نال البلد الذي حوى عناصر تحقيق الأمن التي مر ذكرها، وهي:

1- دعوة إبراهيم عليه السلام.

2- وجود مجموعة تؤمن بالله واليوم الآخر من أهل مكة.

3- البيت الحرام الذي كان سبباً في تحقيق عبادة الله تعالی.

4- موضع ولادة حبیب الرحمن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنطلق دعوته ومحل بعثه، فبهذه العوامل نال هذا البلد عنواناً خاصاً به فسمي ب (البلد الأمين)، كما نال استحقاق دوام الأمن الإنساني فيه وهو ما نصت عليه الآية الرابعة من مصادیق الأمن الإنساني.

الآية الرابعة في بيان مصاديق الأمن الإنساني

قال تعالى:

ص: 47


1- سورة قريش، الآيات: 1 - 4

«وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»(1).

والآية المباركة تبيّن أمرين:

الأمر الأول: الأمن الإنساني بذكر أسباب تحققه فضلاً عن سعته كما توصلت إليه بعض الدراسات التي مر الحديث عنها، فالأمن هنا لم يكن محصوراً في دفع الحرب وإنما في دفع الخوف من التعرض للاضطهاد بسبب الاعتقاد الديني وإن هذا الخوف يمنعهم من الاعتقاد بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيخاطبهم القرآن بلغة المصداق والواقع الحياتي الذي يعيشونه.

فمكة لا تتوافر فيها أبسط سبل العيش وانعدم فيها الأمن الإنساني بمفهومه الذي ضمن تأمين جميع احتياجات الإنسان الضرورية، لكنهم مع استحالة توفر هذه السبل والوسائل الحياتية لمكة من قساوة التربة والهواء وانعدام الماء، وتكالب الأطماع والصراع من أجل البقاء والنفوذ والاستحواذ على الناس.

إلا أنهم في واقع الحياة في بلد «...يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ...» فمن الأولى الإيمان بمن هيأ هذا الرزق ووفر سبل الحياة والأمن، لا العكس، أي الحروب والخوف من الاعتقاد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فإن ذلك يجر إلى ضياع النعمة والوقوع في فك الخوف والرعب والخسران المبين،

ص: 48


1- سورة القصص، الآية: 57

بل يحقق ما تم الهروب والخوف منه وهو أن «...نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا...» أي التهجير أو القتل بظروف وأسباب عديدة كما حدث لدى الأمم السابقة.

الأمر الثاني الذي تعرضّت له الآية المباركة هو: أن الأمن الفكري مقدمة للأمن الإنساني بجميع مكوناته، ولذلك نجد أن الآية قدمت حقيقة تأثير العقيدة على الرزق وعلى عناصر الأمن الإنساني، وهي حقيقة نص عليها القرآن في موضع آخر كما في الآية الخاصة من مصاديق الأمن الإنساني:

الآية الخامسة في بيان مصاديق الأمن الإنساني

قال تعالى:

«وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ»(1).

هذه الآية المباركة تتعرض لبيان حقيقة في غاية الأهمية، وهي: إن الأمن الفكري أخطر من الأمن الإنساني، فضلاً عن تلازمهما مع بعض، فإذا تحقق الأمن الفكري تحقق الأمن الإنساني، وإذا انعدم الأمن الفكري وتم اختراقه بالبدع أو الشبهات أو زواله من الأساس فإن ذلك يقود لزاماً إلى انهيار الأمن الإنساني، ومن ثم من أراد أن يحقق الأمن الإنساني فعليه أولاً أن يسعى إلى تحقيق الأمن الفكري بكل ما أوتي من إمكانيات لكي يضمن تحقق الأمن الإنساني، أي الحياة الكريمة الآمنة، ليس في الحياة الدنيا وإنما الأمن والأمان في الآخرة، ولعل الرجوع إلى الشواهد القرآنية في بيان هذه

ص: 49


1- سورة المائدة، الآية: 66

الحقيقة يخرج الكتاب عن عنوان الدراسة(1).

وعليه: تتحدث الآية المباركة عن إقامة الأمن الفكري قبل الأمن الإنساني وإن سلم النتائج والوصول إلى الحياة الكريمة للإنسان تبدأ بالعقيدة أو سلامة الفكر وإقامة الدين، قال تعالى:

«وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ...».

فهذا الشرط في الاقناع من تحقيق النتيجة في تحقيق الأمن الإنساني المنصوص عليه في قوله تعالى في الشطر الثاني من الآية في قوله سبحانه:

«...لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ...».

مشروط بإقامة الإنجيل والتوراة أي شريعة الله تعالى ولا يعني حصر الأمر فيهما دون غيرهما من الكتب المقدسة، وإن النسبة في تحقيق الأمن الإنساني مقرونة بالنسبة في تحقيق الأمن الفكري، ولذلك نجد أن الآية المباركة ختمت المعادلة وهذه القاعدة الكونية ببيان النسبة بينهما ، فقال سبحانه:

«...مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ».

فكان الأمن الإنساني في الأرض نسبياً ومتفاوتاً في مكان عن مكان، وفي زمان وآخر، وذلك للملاصقة القائمة بين الأمن الفكري والأمن الإنساني.

أما مصاديق الأمن الإنساني ومفهومه عند العترة النبوية فيمكن الوقوف عنده

ص: 50


1- لمزيد من الاطلاع على أهمية الأمن الفكري ودوره في ضمان الحياة الكريمة للإنسان في الدنيا والآخرة ينظر کتاب: ((الأمن الفكري في نهج البلاغة للمؤلف))

وبيانه من خلال الأحاديث النبوية وما ورد عن العترة الطاهرة وهو ما يجمع تحت عنوان السنة النبوية، وهو ما نعرض له في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: مفهوم الأمن الإنساني ومصداقه في السنة النبوية الشريفة

قبل الولوج في البحث نعمد أولاً بیان معنى السنة ثم نتناول ما ورد فيها من بیان المفهوم الأمن الإنساني ومصادیقه.

أولاً: معنى السُنة

السنة بضم الأول وفتح الثاني مع تشديد في اصطلاح المتشرعة على معنيين:

المعنى الأول للسنة: (قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره، بل المطلق من طريقته وهديه صلى الله عليه وآله وسلم، وعند الشيعة الامامية يضاف إلى الرسول قول أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام وفعلهم وتقريرهم وهديهم، لأنهم أئمة يهدون إلى الحق وبه یعدلون، وأنهم معصومون، لا يقولون ولا يعملون إلا على التنزيل والتأويل وهم معدن علم الله وعلم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما عند الجمهور وعامة المسلمين المعروفين بأهل السنة، يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سنة الصحابة وسيرتهم ولاسيما الخلفاء منهم، وأن لهم من التشريع حسب المصالح المرسلة كما في مسألة المتعتين والطلاق البدعي، وتبديل حي على خير العمل ب (الصلاة خير من النوم)، وعشرات من نحو هذه التشريعات.

المعنى الثاني للسنة: (العمل المستمر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يواظب على العمل به، ويحض المؤمنين عليه، وهو دون الواجب وفوق الندب،

ص: 51

كالختان، والصلاة بالجماعة، وكتحية المسجد وفعل النوافل المرتبة ولو يأتي بركعتين منها، والمراد من السنة قبال الكتاب هو المعنى الأول)(1).

وبناءاً على المعنى الذي أوردناه للسنة النبوية يكون إيرادنا للأحاديث الشريفة مشتملاً على الأحاديث النبوية وأحاديث العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ التي من خلالها سيتم تحديد المفهوم وستكون بمثابة بوابة الدخول إلى مصداق الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن عليه السلام.

ثانياً: تباين مفهوم الحكم ودوره في تحقيق الأمن الإنساني بين السنة والخلافة

إن مراحل تطبيق الأمن الإنساني خلال حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وولده الإمام الحسن المجتبی علیه السلام - وكما سيمر من خلال الدراسة - قد مرت بمخاض عسير لتحقيق الأمن الإنساني ضمن الحقب الثلاث التي كان فيها للنبي والإمام علي وولده الإمام الحسن عليهم أفضل الصلاة والسلام الإمكانية في تطبيق الأمن الإنساني، وذلك بفعل مسكهم زمام الأمور من خلال الحكم، وإن اختلفت مفاهيم هذا الحكم بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمامين أمير المؤمنين علي وولده الإمام الحسن المجتبى عليهما السلام، وبين أقطاب السقيفة، أي أبي بكر وعمر وعثمان.

بمعنى: إن مفهوم الحكم بفعل مشروع السقيفة السياسي وظهور عنوان الخلافة وتجاذباتها مع مفهوم الملك قد أرسى لثقافة جديدة في المجتمع حتى في زمن تولي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام زمام الحكم المسمى بالخلافة.

مما تطلب منه عليه السلام جهداً كبيراً في إعادة مفهوم الحكم إلى عهده الذي

ص: 52


1- اجماعیات فقه الشيعة للمرجع الديني السيد إسماعيل المرعشي: ج 1، ص 15

أرسى له القرآن الكريم والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؛ أي أن حق الطاعة للحاكم والامتثال لأمره يرتكز على كونه المؤمَّن على الشريعة من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وليس من خلال الشورى أو الانتخاب الجماهيري.

ومن ثم ما يصدر عنه من أقوال وأفعال تكون توقيفية لا يجوز لأحد من الناس الاعتراض عليها أو عدم الامتثال لها.

وعلى هذه القاعدة لم يتوجه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وولده الإمام الحسن عليه السلام إلى معاقبة المخالف لحكمها ولم يحرمانه من العطاء، حتى وإن وصل الأمر إلى السب أو الشتم، بل وحتى محاولة القتل كما حدث للإمام الحسن المجتبی علیه السلام كما سيمر علينا.

كل ذلك وغيره، أراد منه الإمام علي وولده الإمام الحسن عليهما السلام إعادة مفهوم الحكم إلى عهده الذي جاء به القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ثم يكون تطبيق مفهوم الأمن الإنساني وظهور مصادیقه عائداً إلى التوحيد كما بينته الآيات المباركة وليس إلى الحاكم أو أمن الدولة أو المنظمات ذات العلاقة بالجانب الإنساني.

وهذا ما سنعرض له من خلال هذه الدراسة، أي: إن قضية الأمن الإنساني هي قضية شرعية ومناطة بالأنبياء وشرائعهم وليس بالدول والحكام، والسبب في ذلك يعود إلى الاختلاف في الهدف، فالأنبياء هدفهم أولاً وآخراً الإنسان، والحكام والدول هدفها الأول والأخير هو الحكم، وما الأمن الإنساني إلا وسيلة تستخدم لإرساء قواعد الحكومة أو المملكة أو الإمارة.

ثالثاً: مفهوم الأمن الإنساني في الأحاديث النبوية الشريفة

جاء مفهوم الأمن الإنساني في الأحاديث النبوية ضمن أعداد قليلة لا تتجاوز

ص: 53

ثلاثة أحاديث - على مقدار تتبعي واطلاعي بما توفر لدي من مصادر علم الحديث والسيرة وإن ضمت أمات الكتب في ذلك - ولكن يبدو أن الأمر في قلة هذه الأحاديث النبوية يعود إلى بعض الأسباب، منها:

1- إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد انطلق إلى مصاديق الأمن الإنساني بلحاظ أن هذه المهمة هي من أولويات مهام النبوة مما استلزم وقتاً لتثبيت أسس الأمن الإنساني من الناحية العملية.

2- قصر المدة التي كان فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم متصرفاً في إدارة نظام المدينة المنورة، وذلك لما مرت به مرحلة البناء ونشر الإسلام، وما خاضه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حروب مع المشركين مما جعل الأمر يتأخر في الظهور لالتصاقه بقيام الإسلام وبسط نفوذه، وهذا ما لم يتحقق إلا بعد عام الفتح.

بمعنى: إن ممارسة الأمن الإنساني بشكله الذي أرادته الشريعة لم يتم إلا بعد عام الفتح، أما قبل هذه السنة فإن الأمر تم على مراحل كما سیمر.

3- من البداهة بمكان أن يكون الطابع البدوي والصحراوي وخشونة العيش وعوامل أخرى لها من التأثير في انصراف الناس عن مستلزمات الأمن الإنساني وذلك الاعتياد الناس على الحياة القاسية.

4- لا شك إن الركون إلى الراحة أو إظهار التوجع أو التفجع أو الخوف هي من السمات والصفات المنبوذة عند العرب وما يأنفه به المرء ولذا كانوا يجابهونها بالجلادة والقساوة والخشونة وهذه الصفات تكون حائلاً عن طلب تحقيق الأمن الإنساني؛ بل إن العرب لتجعل ذلك من صفات الفحولة والرجولة وموضع افتخار رجالها ولذلك نجد هذه القلة في صدور الأحاديث النبوية الشريفة حول الأمن الإنساني، لكن ذلك لم يمنع من

ص: 54

تأسيس النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمن الإنساني في المجتمع الإسلامي خلال مدة حياته الشريفة، ليأتي من بعده أمير المؤمنين عليه السلام في مواصلة البناء لما أسسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجتمع، وكذا كان دور الإمام الحسن عليه السلام.

إلاّ أننا سنعرّج أولاً على ذكر الأحاديث النبوية حول الأمن الإنساني لنستل منها مفهومه، فكانت هذه الأحاديث كالآتي:

1- روى الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان)، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

«من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافيً في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة، وهو الإسلام»)(1).

ونلاحظ هنا أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع ركائز الأمن الإنساني في هذا الحديث والتي اشتملت على ما يأتي:

أ: الأمن الصحي، وهو يشمل الرعاية والعناية الصحية للفرد، والذي حدده صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:

«معافىً في بدنه».

ب: الأمن المجتمعي والأسري، وهو يشمل الضبط الاجتماعي ونفوذ الأمن في المجتمع، وسريان ذلك إلى الأمن الشخصي والأسري، وذلك أن معنى السرب إذا

ص: 55


1- الكافي للكليني، کتاب الروضة، باب: حديث من أصبح وعنده ثلاث: ج 8، ص 148؛ تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص 36

كان بالكسر فيدل على النفس، وفلان واسع السرب، أي: رضي البال، أما إذا كان بالفتح، فيدل على الطريق والمسلك، فيقال: كل له سربه، أي طريقه، (والمقصود أنه آمن في نفسه وعرضه وماله أو في طريقه يذهب حيث يشاء لا يتعدى عليه أحد ولا يمنعه ولا يظلمه)(1).

ج: الأمن الغذائي: وهو يشمل بالدرجة الأساس النمو الاقتصادي وما ينعكس على حركة العمل والسوق والتجارة والزراعة و تحسين دخل الفرد ومحاربة الفقر فضلاً عن الرعاية الاجتماعية والنهوض بالمستوى المعيشي للفرد.

د: الأمن الفكري: وهو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:

«فإن كانت عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة، وهو الإسلام».

وهذه الركائز الأربعة قد جمعت تحت مفهوم واحد وهو الأمن الإنساني، ومما لا شك فيه إن جميع الدول بما أوتيت من قدرات لا تستطيع تطبيق هذه الركائز في آن واحد وإنما نجدها تسعى بشكل متفاوت فيما بينها أولاً، وثانياً فيما يعد من الأوليات کلا بحسب الوضع العام الذي عليه الدولة أو الحكومة.

والذي يعنينا في الدراسة بيان مفهوم الأمن الإنساني بهذه الركائز الأربعة في السنة النبوية كما جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

2- روى الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) بسنده (عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال:

ص: 56


1- شرح أصول الكافي للمازندراني: ج 12، ص 156

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعمتان مکفورتان الأمن والعافية»)(1).

وفي لفظ آخر أخرجه الطبراني (عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«الأمن والعافية نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس»)(2).

والمكفور هو المغطى ، وقد ورد في اللغة: (رماد مکفور سفت الريح التراب عليه حتى غطته)(3).

ويتضح بهذا أن معنى الحديث الشريف: أن الأمن والعافية نعمتان شغل الإنسان عنهما بأمور حياته ومعيشته فسترا عنه وكأنّ عليهما غطاء؛ فإذا أصيب بالخوف أو المرض انكشفت له هذه النعمة.

أما في الحديث الذي رواه ابن عباس فيكون المعنى محمولاً على أهمية الأمن والعافية البالغة وإن كثيراً من الناس محروم منهما.

والحديثان يكشفان عن ضرورة الأمن والصحة وأهمية توفرهما للإنسان إلى المستوى الذي كان وجودهما نعمة مما يحدد أثر فقدهما وهو النقمة؛ ومن ثم يرشد الحديثان إلى بيان مفهوم الأمن الإنساني المشتمل على دفع الخوف والمرض.

3- روى الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) (عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال له:

ص: 57


1- الخصال للشيخ الصدوق: ص 34؛ بحار الأنوار: ج 78، ص 17
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 11، ص 344؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 1، ص 198؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 10، ص 289
3- معجم مقاییس اللغة لابن فارس: ج 5، ص 191

«يا علي: أوصيك بوصية فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت وصيتي ....».

إلى أن يقول صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا علي: لا خير في القول إلا مع الفعل، ولا في المنظر إلا مع المخبر، ولا في المال إلا مع الجمود، ولا في الصدق إلا مع الوفاء، ولا في الفقه إلا مع الورع، ولا في الصدقة إلاّ مع النية، ولا في الحياة إلا مع الصحة، ولا في الوطن إلا مع الأمن والسرور...» الخ)(1).

والحديث الشريف يعطي ملازمة بين الحياة والصحة، والوطن مع الأمن والسرور وهذا السرور ناتج عن الأمن وعن الانتماء للوطن والمواطنة، ولا شك حينما يفتقد الأمن يصبح الوطن عنواناً للهم والحزن والخوف وهي صفات تدفع بالإنسان إلى ترك الوطن والهجرة عنه إلى بلد آخر يتوفر فيه الأمن والسرور.

والملفت للانتباه أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم استعمل صفة السرور لاشتمالها على مجموعة عناصر هي جوهر الأمن الإنساني، فأي أمرٍ فيه خوف سيؤدي إلى سلب السرور من الإنسان وهذه قاعدة كلية وضابطة أساسية في معنى الأمن الإنساني وتحقيقه؛ ومن ثم فإن ذهاب السرور يعني تصدع الأمن الإنساني وانهياره، وإن الأمن الإنساني هو عنوان وجود الوطن.

المسألة الثالثة: مفهوم الأمن الإنساني في الأحاديث الواردة عن أمير المؤمنين علي والعترة النبوية عليهم السلام

إنّ الناظر إلى أحاديث الإمام علي عليه السلام والعترة النبوية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يلمس التوسع في بيان المفهوم للأمن الإنساني وذلك يعود

ص: 58


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق، باب: النوادر: ج 4، ص 369

لأمور، منها:

1- تطور احتياجات الإنسان وتوسع متطلباته الحياتية.

2- ميل المسلم إلى الحياة المدنية بعد توسع الإسلام وانتشاره وقيام النظام الإداري والمالي الاقتصادي والعسكري خلال الحقب التي أعقبت وفاة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم.

3- تبلور مفهوم الوطن والمواطنة في المدن الإسلامية وتنامي الحاجة إلى الدعة والاستقرار.

4- ممارسة السلطة دورها في عرض الأمن وتوفير الغذاء من خلال بیت المال والجباية للزكاة وإيداعها بيد السلطة.

مما دفع إلى تنامي الحاجة لقيام الدولة وأهمية دورها في تحقيق الأمن والغذاء وحفظ الحدود فضلاً عن دورها في محاربة الحركات الفكرية المخالفة لها.

أي: تطور الشعور بالحاجة إلى العشيرة وقوتها في تحقيق الأمن وحفظ النفس والمال والعرض إلى الحاجة لسلطة الدولة لأنها الأكبر والأعظم والأقدر على توفير الأمن الشخصي واتساع المساحة الجغرافية الآمنة مما يحقق السعة في الحركة والتنقل ونمو التجارة والاقتصاد وغير ذلك.

لكن يبقى الإحساس في تبلور مفهوم الأمن الإنساني يعود إلى الشريعة، أي القرآن الكريم والسنة النبوية التي مر بیان معناها، أما تطور هذا المفهوم فيعود إلى تطور الحاجة لدى الإنسان وتعددها واجتماعها في المحل الذي يعيش فيه وهو الوطن.

وهذا ما كشفت عنه الأحاديث الشريفة الواردة عن الإمام أمير المؤمنين علي وأئمة العترة النبوية عليهم السلام وهي كالآتي:

ص: 59

أولاً: مفهوم الأمن الإنساني عند الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام

أخرج الرواة بعض الأحاديث عن أمير المؤمنين عليه السلام وهي تشتمل على بیان مفهوم الأمن الإنساني الشامل، أي المشتمل على الأمن الفكري والأمن الوطني والأمن الغذائي والصحي وهذا يرشد - كما أسلفنا - إلى مجموعة من المعطيات الفكرية التي واكبت حركة النمو المعرفي لدى الناس، مما تطلب بياناً أوسع من المفاهيم الصادرة عن العترة النبوية وإيصالها إلى الناس، فضلاً عن المتغيرات في الحياة بشكل عام بعد مشروع السقيفة وتولي رموزها الحكم خلال ربع قرن، أي منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى تولي الإمام علي عليه السلام زمام الحكم عام ستة وثلاثين للهجرة النبوية.

ومن ثم قد شهد المجتمع الإسلامي متغيرات في المفاهيم التي جاء بها القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما تطلب جهداً كبيراً من الإمام علي عليه السلام وولده الإمام الحسن في إعادة الناس إلى القرآن والسنة النبوية، وهو أمر لم يعد مخفياً على الباحثين والقراء المتتبعين للأحداث، أما الأحاديث الشريفة الواردة عن أمير المؤمنين علي عليه السلام فكانت كالآتي:

الحديث الأول:

روى الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال:

«من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها، واغتفرت فقد ما سواها، ولا أغتفر فقد عقل ولا دين، لأن مفارقة الدين مفارقة الأمن، فلا يتهنأ بحياة مع مخافة، وفقد العقل فقد الحياة، ولا يقاس إلا بالأموات»(1).

ص: 60


1- الكافي للكليني، کتاب العقل والجهل، ج 1، ص 27؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 75، ص 59

والموضع المعني في حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام بالأمن الإنساني هو قوله:

«مفارقة الدين مفارقة الأمن، فلا يتهنأ بحياة مع مخافة».

والحديث يرجع الباحث إلى المرتكزات التي جاء بها القرآن الكريم حول الأمن الإنساني في جملة من الآيات المباركة التي مرّ بيانها سابقاً والتي أعطت التلازم بين الأمن والتوحيد لله تعالى، وهنا يأتي كلام أمير المؤمنين عليه السلام ليوضح معنى هذا التلازم الذي بيّنه القرآن الكريم؛ وذلك من خلال نقاط، منها:

أ: إن أمير المؤمنين علياً عليه السلام يجعل (الأمن الفكري) هو الأساس الذي يقام عليه بناء الأمن الإنساني وهي خاصية تفرد بها القرآن والعترة النبوية.

ب: إن معظم المفكرين والمعنيين بالأمن الإنساني قد غفلوا عن أهمية الأمن الفكري ودوره الأساس في نظام الحياة وتحقيق الأمن الإنساني بكل شمولیته، بمعنی: أن المعنيين بالأمن الإنساني كانوا ينظرون في الجزئيات والبحث عن الحلول المرتبطة بها، فأخذوا ينظرون إلى النزاعات التي تنشب بين الدول أو الجماعات الحزبية أو العرقية أو العقدية دون النظر إلى الأسباب التي أدت إلى هذه النزاعات وكيفية معالجتها؛ أو النظر إلى ملاحقة الجماعات المتطرفة ومحاسبة تمويلها بالمال أو السلاح أو الإيواء دون النظر إلى الفكر الذي خلق هذه الجماعات؛ أو إلى فتح اللجوء في الدول الأكثر رفاهية دون مديد العون إلى الدول الفقيرة والنامية ومساعدتها على النهوض وتحسين الوضع الاقتصادي والعلمي والتعليمي والصحي لهذه الدول.

في حين نجد أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام يرجع العقلاء إلى الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه الأمن الإنساني ألا وهو الأمن الفكري، فيقول:

«مفارقة الدين مفارقة الأمن».

ص: 61

وهذه القاعدة نجدها متحققة في معظم بلاد العالم أي مفارقة الدين، فكانت النتيجة مفارقة الأمن في العديد من مفاصل الحياة وإن كان المظهر العام لبعض البلدان نفوذ الأمن فيها بشكله المرتبط بهيبة الدولة وتماسكها وقوة أجهزتها الأمنية، في حين لم يكن ذلك يمنع حدوث الجريمة أو العنف أو التطرف ولا حتى المحاولات العديدة للانقلاب على السلطة والمجيء بسلطة جديدة تكون أكثر حرصاً من سابقتها على فرض هيبة الدولة وتماسكها.

في حين لا يحتاج المعنيون بالسلطة والحكم لكل هذا الكم من المؤسسات الأمنية فيما لو تم العمل على الأمن الفكري الذي احتوته مفردة (الدين) في حديث الإمام علي عليه السلام.

إذن: مفهوم الأمن الإنساني هنا في هذا الحديث الشريف يرتكز على تحقيق الهناء في الحياة، وهذا البناء لا يتحقق إلا بزوال الخوف، والخوف لا يزول إلا بالدين.

أما ما نراه اليوم من اعتماد الحكام والولاة على بسط الأمن فهو يعود بالدرجة الأساس بالفائدة على الحكام والولاة وأرباب السلطة أكثر مما يعود على الإنسان الذي هو جوهر قيام مفهوم الأمن الإنساني.

الحديث الثاني:

روى الواسطي (المتوفی سنة 600 ه) عن أمير المؤمنين عليٍ عليه السلام أنه قال:

«رفاهية العيش في الأمن»(1).

والرفاهية، هي: السعة في المعاش والخصب وهذا أصل الرفاهية(2).

ص: 62


1- عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد الليثي الواسطي: ص 271؛ موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام للشيخ هادي النجفي: ج 1، ص 53؛ غرر الحكم؛ الحديث 5438
2- غريب الحديث لابن سلام: ج 4، ص 73

وهذا القول لأمير المؤمنين عليه السلام على قصره إلا أنه يجمع في فلکه مفهوم الأمن الإنساني الذي جمعته تعريفات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن اهتم من المفكرين وأصحاب القرار في الأمن الإنساني كما مر سابقاً.

الحديث الثالث:

أما ما يحتاج إليه الباحث بشكل تفصيلي حول الأمن الإنساني فهو ما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام، في عهده إلى مالك الأشتر النخعي حينما ولاه على مصر، فأردفه بكتاب ضمّنه بما يحتاج إليه الحاكم أو الوالي في إدارة البلد والرعية، فضلاً عن بیان دقيق لما تحتاج إليه الرعية من نظام يحقق لها (الأمن الإنساني) بمفهومه الشامل كي تتحقق الرفاهية في العيش للإنسان وحفظ كرامته، وهذا جوهر ما سعت إليها المنظمة الأممية في قرارها الصادر عام 2003 وتحت الرقم 64 / 291 المتعلق بالأمن البشري؛ وهذا الحديث الذي اقتطعناه من عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتريفي بالغرض في الوقوف على مرتكزات الأمن الإنساني.

وإلا فهذا العهد يحتاج بحد ذاته إلى مجموعة بحوث مستقلة في الدولة والسياسة والمجتمع والقانون وغير ذلك من العلوم العديدة لاسيما (الأمن البشري) الذي هو رديف لمصطلح (الأمن الإنساني) وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لكتابة كتاب مستقل حول هذا الموضوع.

وعليه: كان مما جاء في هذا العهد من بيان لمرتكزات الأمن الإنساني الآتي:

ألف: في أول العهد يُظهر الإمام عليه السلام الأسس لتحقيق الأمن الإنساني المشتمل على ضرورة التلازم بين الدولة والرعية، أو بين الحاكم والمواطن والدولة، فكان بدء قوله عليه السلام هو:

«هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر، جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة

ص: 63

بلادها»(1).

وهذا البدء في وضع نظام قيام الدولة ارتكز على أربعة أسس، وهذه الأسس تحقق الأمن الإنساني لما لها من تلازم وتلاحم ومعاضدة ، فكانت الأسس هي:

1- الجانب الاقتصادي، وهو ما أطلق عليه الإمام عليه السلام ب «جباية خراجها».

2- أمن الدولة وبناء المؤسسة العسكرية والأمنية، وهو المقصود بقوله عليه السلام:

«وجهاد عدوها».

3- نشر العلم والمعرفة والتعليم والصحة وكل ما يحقق استصلاح الناس وهو ما يعرف اليوم ب (التنمية البشرية)، وهو قوله عليه السلام:

«استصلاح أهلها».

4- بناء البنية التحتية وقيام المؤسسات التي تتولى جانب الإعمار، وهو المراد من قوله عليه السلام ب «عمارة بلادها».

باء: في ذكر طبقات المجتمع التي لا ينصلح أمر الرعية إلاّ بصلاح هذه الطبقات التحقيقها مجتمعة (الأمن الإنساني) وهو ما قد قدم أنموذجاً متكاملاً من المنهج العام والدقيق في قيام المجتمع سواء كان خاضعاً للشريعة الإسلامية أم لغيرها من الشرائع الوضعية كما يشهده العالم اليوم.

وعليه: فقد خصص عليه الصلاة والسلام هذه الطبقات وحدد وظائفها وواجباتها في عهده إلى مالك الأشتر، فكان مما جاء فيه في تحديد هذه الطبقات التي

ص: 64


1- نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي: ج 3، ص 82

يرتكز عليها صلاح المجتمع وأمنه دون الدخول في الوظائف والواجبات الآتي:

قال عليه وعلى رسول الله الصلاة والسلام:

«وأعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة؛ وكلا قد سمى الله سهمه، ووضع على حده فريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عهداً منه عندنا محفوظاً...»(1).

ثم يمضي عليه الصلاة والسلام في بيان هذه الطبقات ووظائفها وواجباتها ودورها في تحقيق الأمن الإنساني الذي لا يقوم إلا بهذه الطبقات، مما قدم منهجاً متكاملاً لنظام الدولة وقيامها وتحقيق أمنها وأمن المجتمع وتنميته ضمن نطاق الأمن البشري والفكري والاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم الأخروي.

فغاية الإمام علي كغاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء جميعاً في إصلاح الإنسان والحياة الدنيا بغية الوصول إلى الأمن والسلام في الآخرة، ولا يخفی على أهل الفكر أن المضي في بيان مضامين الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر ودراسة جوانبه العديدة سيحتاج قطعاً إلى بحوث مستقلة.

ولذا: نكتفي بهذا المقدار من البحث فيما يتعلق بخصوص الإشارة إلى بيان مفهوم الأمن الإنساني ومعناه في حديث أمير المؤمنين عليه السلام لننتقل بعده إلى بيان مفهومه في أحاديث الإمام الصادق عليه السلام.

ص: 65


1- المصدر السابق نفسه

ثانياً: مفهوم الأمن الإنساني عند الإمام الصادق عليه السلام

عند النظر إلى الأحاديث الشريفة الواردة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام نجد أن مفهوم (الأمن الإنساني) يرتكز على معنى واحد وهو (الراحة) وهذه المفردة الجامعة المانعة هي خاصية من خصائص علوم آل النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم وعترته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

فغاية أهل الاختصاص والمعنيين في الشأن الإنساني والمفكرين والمهتمين في تحقيق مصطلح (الأمن الإنساني) هي إيجاد السبل للوصول بالإنسان إلى أن يكون مرتاحاً، فهذا غاية ما يراد من الأمن الإنساني، بل هو غاية الرسالات السماوية التي جعلت الشريعة وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وهو الراحة في الدنيا والآخرة.

ولا شك أن الرجوع إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وما ورد في الكتب السماوية من أحاديث حول الجنة يبيّن لنا لأن معظمها ينحصر في تحقيق الراحة للإنسان، هذه الراحة دائمة وأبدية ومتحققة وفي ازدياد وذلك من خلال توفير جميع ما يحتاج إليه الإنسان من إملاءات الغرائز وطلبات الشهوات، وميول القلب وهواه، وهو ما جمعه الحديث الشريف في وصف الجنة:

«فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»(1).

وعليه:

فإنّ مفهوم (الأمن الإنساني) في أحاديث الإمام الصادق عليه السلام متوقف على تحقيق (الراحة) للإنسان وذلك من خلال أمور أربعة وهي التي حددها الإمام الصادق عليه السلام في الحديث الآتي:

ص: 66


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 295؛ صحيح البخاري، كتاب التوحيد: ج 8، ص 197

روى الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) بسنده عن أبيه (رضي الله عنه) بسنده إلى الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

«خمس خصال من فقد واحدة منهن لم يزل ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب: فأولها صحة البدن، والثانية الأمن، والثالثة السعة في الرزق، والرابعة الأنيس الموافق».

قلت وما الأنيس الموافق؟ قال عليه السلام:

«الزوجة الصالحة، والولد الصالح، والخليط الصالح، والخامسة، وهي تجمع هذه الخصال: (الدعة)(1)»(2).

ولا شك إن هذه الخصال تختص بمجموعة أمور منها:

1- الأمن الصحي.

2- الأمن الشخصي والمجتمعي والأمن العام وهو ما جمع تحت لفظ الأمن.

3- الأمن الاقتصادي، وقد كان ضمن قوله عليه السلام: «السعة في الرزق».

4- الأمن الأسري، وقد كان ضمن قوله عليه السلام: «الأنيس الموافق»، أي: الزوجة الصالحة، والولد الصالح، والخليط الصالح.

وهذه الركائز أو الخصال الأربعة مجتمعة في (الدعة) التي هي: الراحة، بمعنی: إن هذه الركائز حينما تكون مجتمعة فإنها تحقق (الأمن الإنساني) مفهوما ومصداقاً، وإن هذا المفهوم المصداق لا يتحقق إلا بقطب الراحة والدعة وهو الأمن الفكري كما يرشدنا

ص: 67


1- الدعة: الخفض في العيش والراحة. (کتاب العين للفراهيدي: ج 2، ص 223؛ لسان العرب لابن منظور: ج 8، ص 381
2- الخصال للشيخ الصدوق: ص 284

الحديث الآخر للإمام الصادق عليه السلام، وهو:

قال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام للمفضل بن عمر:

«متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكناً بانتشار الأمن في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشك من صدورها في عهد واحد من هؤلاء - أي أبو بكر وعمر وعثمان - مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم؟.

ثم تلا عليه السلام قوله تعالی:

«حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ»(1)»(2).

والحديث الشريف يكشف عن أمور، منها:

أولاً: ارتکاز الأمن الإنساني على سلامة الفكر والعقيدة، وإن الأمن الفكري هو القطب الذي تدور من حوله هذه المكونات لتثمر الراحة للإنسان.

ثانياً: إن تحقيق الأمن الفكري في هذه الأمة يكون من خلال الدين الذي ارتضاه الله تعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

ثالثاً: إن مصداق تمكين دين الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يكون بثلاث علامات، هي:

1- انتشار الأمن في الأمة.

2- ذهاب الخوف من قلوبها.

ص: 68


1- سورة يوسف، الآية: 110
2- إكمال الدين للشيخ الصدوق: ص 357

3- ارتفاع الشك من صدورها.

وهذه العلامات لم تتحقق في عهد أبي بكر وعمر وعثمان مما يعني: إن الفتوحات الإسلامية باتجاه الشرق لا علاقة لها بتمكين دين الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما يزعم البعض وذلك لعدم تحقق هذه العلامات في الأمة؛ فضلاً عن کاشفها لانعدام الأمن الفكري من الأساس خلال هذه العهود الثلاثة التي مرت بها الأمة الإسلامية، والدليل عليه:

أ/ ارتداد المسلمين كما ينص التاريخ لاسيما وإن المؤرخين يوكلون حروب الردة إلى عهد أبي بكر وبعثه جيشاً من المسلمين بقيادة خالد بن الوليد لجمع الزكاة كما يروي.

ب/ ثورات الفتن في أيام أبي بكر وعمر وعثمان.

ولعل تتبع الشواهد يخرجنا عن البحث، ولكن يكفي بقتل خالد بن الوليد لمالك بن النويرة واغتصاب زوجته في نفس الليلة بذريعة الاجتهاد الخاطئ، كما حدث في عهد أبي بكر(1)، حتى قيل فيه:

أفي الحق أنّا لم تجف دماؤنا *** وهذا عروسا باليمامة خالد(2)

أو: بصریح قول عمر بن الخطاب بالبدعة الحسنة، ومحو السنة النبوية ومنع تدوينها والنهي عن القول بأحادیث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغير ذلك(3).

أو: فتنة الدار التي وقعت حيث قتل المسلمون بقيادة بعض الصحابة الذين كان

ص: 69


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 2، ص 429؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1، ص 179، وج 17، ص 202؛ المواقف للايجي: ج 3، ص 599؛ کنز العمال للمتقي الهندي: ج 5، ص 619؛ المصنف للصنعاني: ج10، ص 175، برقم (18722)
2- الفايق في غريب الحديث للزمخشري: ج 3، ص 65
3- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة للمؤلف

منهم من قد بايع تحت الشجرة خليفة المسلمين عثمان بن عفان في داره ومنع دفنه في مقبرة المسلمين حتى لم يجد أهله غير مقبرة اليهود المعروفة ب (حش کوکب)(1) ليدفن فيها كما أراد الصحابي طلحة بن أبي عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة.

وعليه:

فإن الحديث الشريف للإمام الصادق عليه الصلاة والسلام يؤسس لمصداق الأمن الإنساني في هذه الأمة بوجود هذه العلامات الثلاث التي ترتكز على تحقيق الأمن الفكري المحصور في دين الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما كان متلازماً مع مجموعة من الأعمال التي سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة والكوفة، وهو ما سنعرض له في (خامساً).

المسألة الرابعة: مصاديق الأمن الإنساني عند النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه الصلاة والسلام

قد مرّ من خلال البحث إن (الأمن الإنساني) هو غاية الأنبياء والرسل وهدف الرسالات والشرائع التي حملوها إلى الناس الذين بعثوا فيهم، ومن ثم يكون جميع ما جاءوا به هو لتحقيق هذا الهدف، أي: (الأمن الإنساني) في الدارين، دار الدنيا والآخرة.

وعليه:

حينما نستعرض حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ستكون جميع جزئیات هذه الحياة الشريفة هي مصاديق للأمن الإنساني؛ إلا أننا هنا نورد بعض النقاط

ص: 70


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 1، ص 79؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 1047؛ شرح نهج البلاغة: ج 2، ص 158

كي يقف الباحث والقارئ على هذه المصاديق التي شملها مفهوم وتعريف مصطلح (الأمن الإنساني) كما يمر علينا خلال الدراسة، وهي كالآتي:

أولاً: تغيير السلوك الإنساني في مجتمع مكة بنحو خاص، وما جاورها من المجتمعات بنحو عام

إن تغيير سلوك الإنسان لاسيما الإنسان العربي سواء في موطن بعث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره من المواطن امتازت بها المجتمعات العربية آنذاك كانت تشكل أردى مستوى من الانحطاط الخلقي والنفسي.

هذا المستوى من السلوكيات تعرض له القرآن الكريم في كثير من الآيات وتناولته السنة النبوية بالبيان والتغيير إلى المستوى الذي كان فيه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بتغيير أسمائهم التي تكشف عن خلق الإنسان وفكره وتأثره بيئته.

ولعل ممارستهم للغزو والسلب وأود البنات والزنا بالمحارم وغيرها مما كان سائداً آنذاك يكتشف عن المعطيات الفكرية وآلية التعايش مع البيئة التي تحيط بالإنسان العربي مما يرسم لنا صورة في بيان دور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في وضع مصادیق الأمن الإنساني.

ولعل الرجوع إلى خطبة بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الصديقة عليها السلام التي ألقتها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جمع من المهاجرين والأنصار لخير شاهد على طبيعة المجتمع العربي وما يسوده من سلوكيات كان فقدان الأمن هو السمة الأبرز فيه، ولذا:

نجدها عليها السلام تذكرهم بما قدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهد وجهاد في سبيل إنقاذهم وتحقيق الأمن الإنساني لهم في الدنيا والآخرة، فقالت عليها السلام:

«وكنتم على شفا حفرة من النار».

ص: 71

فضلاً عن ذلك فقد بين القرآن الكريم دور النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في تحقيق الأمن الإنساني، فقال عزّ وجل:

«لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(1).

وقال سبحانه وتعالى:

«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(2).

وهذا يضع الباحث في رتبة القطع بما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بناء الأمن الإنساني وتطبيقاته في المجتمع.

ثانيا: قيامه صلى الله عليه وآله وسلم بتذويب الشعور القومي والفئوي والعرقي

تذويب الشعور القومي والفئوي والعرقي إلى عنصر التقوى واعتماد المساواة المميز بين المسلمين لأنها تحقق السلم الإلهي والمجتمعي، إذ لا فرق بين أسود وأبيض، وبين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

ثالثا: اعتماده صلى الله عليه وآله وسلم على صفة الصلاح المرتكزة على طاعة الله

اعتماد صفة الصلاح المرتكز على طاعة الله تعالى والمسارعة إليه والامتثال لأوامر

ص: 72


1- سورة التوبة، الآية: 128
2- سورة الجمعة، الآية: 2

النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرع الله هو المحفز والمميز بين الناس مما دعاه صلى الله عليه وآله وسلم إلى تقسيم المجتمع على صنفين قائمين على الخدمة لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فكانوا المهاجرين والأنصار.

رابعا: بناء الأخوة بين المسلمين ودوره في تحقيق الأمن الإنساني

اعتماد صفة الأخوة فيما بين المسلمين وما له من تأثير نفسي وسلوكي على الناس في جمعهم ووحدتهم وذلك للألفة التي بينهم وهذا أهم ما تسعى إليه المجتمعات والدول العظمى في وقتنا المعاصر.

إذ إن الغالب الذي تمتاز به المجتمعات اليوم هو عنصر الكراهية والتباغض وما لهما من تأثيرات خطيرة على تفكك المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي.

خامسا: التأسيس لحوار الأديان

التأسيس لحوار الأديان بغية تحقيق السلم الأهلي والتعايش المشترك لاسيما وإن المدينة كانت تحتضن الديانة اليهودي والنصرانية وهم أهل الكتاب، قال تعالى:

«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(1).

سادسا: كسب المعارضين للإسلام واجتذابهم إليه

اجتذاب المعارضين إلى الإسلام من خلال بذل المال إليهم لغرض تألیف قلوبهم

ص: 73


1- سورة آل عمران، الآية: 64

وضمان تحقيق الأمن والسلم في المجتمع وهم الذين صنفهم القرآن الكريم ضمن «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ»، ولعل الرجوع إلى النظام الدولي الحديث ليغني عن الاستدلال بأهمية هذا المنهج القرآني في حفظ السلام في المجتمعات والدول التي تكثر فيها الخصومات للدول الكبرى.

سابعاً: نشره صلى الله عليه وآله مفهوم الأمن والدعوة إليه وتثبيت مركزية الدولة

نشر الأمن والدعوة إليه وبذله للأسرى وهذه سابقة وخاصية انفرد بها الإسلام بشخص رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كما هو صريح من دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة في عام الفتح، فقد امتاز هذا الدخول بالدعوة إلى أمن الناس وطمأنتهم وصيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ما لم يخرج أحدهم عازماً على القتال والحرب.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«من دخل داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن»(1).

وفي لفظ رواه الشيخ الكليني عن الإمام الباقر عليه السلام:

«من أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن»(2).

وهذا المنحى والمنهج اعتمده كذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حينما وقعت معركة الجمل التي قادتها عائشة وطلحة والزبير لحربه عليه الصلاة والسلام، فنراه قد حرص كما حرص من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 74


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 1، ص 163؛ سنن أبي داود: ج 2، ص 38؛ مسند ابن راهنویه: ج 1، ص 300
2- الكافي للشيخ الكليني: ج 5، ص 12؛ تحف العقول: ص 290

على نشر الأمن وحفظ دم الإنسان وإن كان عدوه وهو عازم على قتاله وحربه؛ لكنه مع ذلك نراه نادي في الجيش يوم الجمل:

«لا تسبوا لهم ذرية، ولا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبراً، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن»(1).

وهذا هو عينه مفهوم الأمن الإنساني ومصداقه عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعند وصيه وخليفته في أمته علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وهو الذي سار عليه ولده الإمام الحسن عليه السلام حينما بويع بالخلافة بعد استشهاد أبيه في محراب مسجد الكوفة وهذا ما سنتناوله من خلال مباحث الفصل القادم.

ص: 75


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 5، ص 12؛ تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص 290؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 15، ص 27

الفصل الثاني الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن المجتبی علیه السلام وتطبيقاته بين بنود وثيقة الصلح وبنود قرار الأمم المتحدة

ص: 76

ص: 77

المبحث الأول الخلافة المغصوبة وصراع الإنسان في الوصول إلى الأمن الحياتي

ص: 78

إن من البداهة بمكان أن يكون تردي الأمن الإنساني أو (الأمن الحياتي) عائداً بالدرجة الأساس إلى تردي الفكر وانحراف الإنسان عن جادة الصواب الذي رسمته وحددته الشرائع السماوية التي بيّنها الأنبياء والرسل عليهم السلام؛ أما ما عداها فقد اختلفت فيها الآراء والتوجهات في تحديد مفهوم الصواب أو الصحيح في الأعمال والأقوال.

إذ مما لا شك فيه أن يندفع القاتل إلى بيان (الصواب) في فعله وكذا السارق وغيره ممن يقدمون على أفعال تروق لهم سواء كانوا أفراداً أو مجاميع وانتهاءً بالدول، فكم من دولة ودولة على مر الزمان قد حددت لنفسها مفهوم الصواب في التعامل مع الأشياء بشراً كانوا أم حجر بناءً على مجموعة من المعطيات الفكرية.

ولعل ما نشهده اليوم من أفعال تبدأ بها الدول الكبرى وتنتهي بالأفراد ضمن المجتمعات وقد سلکت مسلكاً تعده صائباً في التعامل مع الإنسان وبقية مفاصل الحياة، وهي قد استباحت دمه وماله ودمرت حياته لأجيال عديدة تحت مسمى: (المصالح، أو دفع الضرر، أو السياسة، أو أمن الدولة) إلى آخر ذلك من المسميات التي تخضع لمفهوم ((الصواب)) ليفي بالغرض الحقيقي الذي دفعها لمثل هذه الأفعال.

في حين لو عرضت هذه الأفعال على أعراف أخرى وثقافات ومفاهيم ثانية لوجدنا حالة الرفض والاستنكار الشديد لما وقع من هذه الدولة أو تلك الجماعة أو هذا الفرد.

ص: 79

وعليه: لابد من مفهوم ((للصواب)) ومعنی ودلالة ومصداقٍ واحدٍ يكون هو المنهج والمسار للإنسان في حفظ شخصه وماله ومكونات حياته؛ وهذا مما لا شك فيه ولا ريب لا يكون إلا بالرجوع للمفاهيم والأسس التي جاءت بها الشرائع السماوية في حفظ الإنسان وتحقيق أمنه وسلامته، فكل الشرائع تجمع على حرمة دم الإنسان وماله وعرضه ودوام بقاءه، ولأجله بعث الله الأنبياء والمرسلين فكانوا خلفاءه في أرضه.

أما أصل وقوع الاختلاف في مفهوم ((الصواب)) في الأفعال والأقوال فيعود إلى اغتصاب موقع الخلافة الإلهية في الأرض وضياع أمن الإنسان واندفاعه نحو الصراع مع ما يهدد تحقيق أمنه الحياتي. وهي حقيقة بدأت مع خلق الإنسان في السماء وقبل نزوله إلى الأرض، وما نزوله إلى الأرض إلا لمحاولة اغتصاب منصب الخلافة كما يعرضه القرآن الكريم في خلق آدم عليه السلام وقيام إبليس بعد أن وجد نفسه أهلاً لهذا المنصب بل وإنه الأفضل والأعلى رتبة والأحق بأن يكون الخليفة.

فوقع الصراع؛ صراع الإنسان في تحقيق الأمن الحياتي، وصراع إبليس في اغتصاب موقع الخلافة التي خص الله بها الإنسان.

ولعل الرجوع إلى بعض الآيات المباركة ينقل لنا صورة أدق في إيصال حقيقة الصراع في الوصول إلى الأمن الحياتي أو الأمن الإنساني وإنه بدأ في محاولة اغتصاب الخلافة.

1. قال سبحانه وتعالی:

«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ

ص: 80

لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(1).

2. قال عزّ وجل:

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ»(2).

3. قال سبحانه وتعالى:

«قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ»(3).

4. قال عزّ وجل:

«فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى»(4).

ونلاحظ في هذه الآيات عناصر ومكونات الأمن الحياتي في الجنة وهي:

1. الأمن الغذائي وهو (ألا تجوع).

ص: 81


1- سورة البقرة، الآية: 30
2- سورة البقرة، الآية: 34
3- سورة الأعراف، الآيتان: 12 - 13
4- سورة طه، الآيات: 17 - 19

2. الأمن الشخصي في السكن والملبس وحفظ الجسد والنفس، وهو (ولا تعری).

3. الأمن البيئي ويدخل فيه مكونات الحياة من الشجر والحيوان والطير وهذا كله متعلق بالماء وهو مجموع في لفظ (ألاّ تظمأ).

أما ما يتعلق بدوام الصراع وسعي إبليس في دفع الإنسان عن الأمن الحياتي أو الأمن الإنساني من خلال اغتصاب منصب الخلافة الإلهية فيمكن ملاحظته في قوله تعالی:

«قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى»(1).

وحقيقة الحال تغني عن المقال، فها هو الإنسان في صراع من أجل الوصول إلى الأمن الحياتي وها هي الخلافة تتعرض للاغتصاب منذ ذلك الوقت ليتجلى انهيار الأمن الإنساني في يوم سقيفة بني ساعدة حينما اغتصبت الخلافة الإلهية. وهو ما بيّنه الإمام الحسن عليه السلام في خطبته التي ألقاها حينما دخل معاوية العراق وقد زعم أن السبب في موادعة الحسن إياه ومصالحته له: بأنه قد رآه أهلاً للخلافة بدلاً عنه(2).

وهذا ما سنعرض له في المسأل القادمة التي نبين فيها أن مفهوم الأمن الإنساني الذي أقرته الأمم المتحدة ومكوناته و عوامل تحقيقه تكمن في تصحيح المعطيات الفكرية وإرجاع الإنسان إلى جادة الصواب التي أقرتها الشرائع الإلهية لاسيما شريعة النبي المصطفى محمد صلی الله عليه وآله وسلم. فإن انهيار الأمن الإنساني في هذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس كان يوم السقيفة حينما اجتمع ثلة من الأنصار والمهاجرين للانقلاب على

ص: 82


1- سورة طه، الآيتان: 23 - 24
2- سیمر بيان ذلك بمزيد من البحث في المسألة الثانية

الخلافة الإلهية واغتصاب موقعها فضاعت معها الأمة الإسلامية، وضاع معها الأمن الإنساني.

المسألة الأولى: الخليفة الذي تجاهله المسلمون

تمتاز فترة حياة الإمام الحسن عليه السلام بأنها من أصعب الفترات تحدياً للفكر المنحرف في تاريخ المسلمين، وللوقوف على هذه الحقيقة يلزم المرور بنقاط وهي:

أولاً: من هو الإمام الحسن عليه السلام

هو الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

الف: ولادته عليه السلام

ولد في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثالثة من الهجرة النبوية الشريفة(1).

وقد جيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملفوفاً بقماش أصفر فنهی عن ذلك وغيّره بقماش أبيض فكانت سُنَّة(2)، ثمّ أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى(3).

وقد أسماه (حسناً) بعد أن هبط جبرائیل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاملا اسمه في خرقة من الجنة(4).

ص: 83


1- الإصابة لابن حجر: ج 1، ص 328؛ الاستیعاب لابن عبد البر: ج 1، ص 318؛ تاریخ الخلفاء للسيوطي: ص 73
2- تاریخ الخميس: ج 1، ص 470؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 177 - 178؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 240 - 241
3- مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 391؛ صحيح الترمذي: ج 1، ص 286
4- تاریخ الخميس: ج 1، ص 470؛ مناقب ابن شهر آشوب: ج 4، ص 33، ط دار الأضواء

وفي اليوم السابع من مولده المبارك حلق رأسه وتصدق بزنته فضة على المساكين(1) وطلى رأسه بالخلوق(2)، وعق عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين وأعطى القابلة(3) منه الفخذ وصار هذا سنّة أيضاً.

والمتأمل في هذه الأحاديث الشريفة يجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تولى أمر مراسيم المولود كلها بنفسه وهذه المكرمة لم يحظ بها غير الحسن وأخيه الحسين وأختهما زينب عليهم السلام، إذ لم ينقل التاريخ أو السيرة النبوية أن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم قد فعل هذا مع أحد من الناس.

باء: والداه عليهما السلام

وأما والداه عليهما السلام، فأبوه هو الإمام علي بن أبي طالب ، أمير المؤمنين(4) وإمام المتقين(5) وسيد الوصيين(6) والمسلمين(7) عليه السلام، ابن عم النبي صلى الله

ص: 84


1- صحيح الترمذي: ج 1، ص 286؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 107؛ تاریخ الخميس: ج 1، ص 470
2- الخلوق: طيب مركب من زعفران وغيره. بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 10، ص 68؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 21، ص 410، باب: تحنيك المولود
3- تاریخ الخميس: ج 1، ص 470؛ مشکل الآثار للطحاوي: ج 1، ص 356؛ حلية الأولياء: ج 7، ص 116؛ صحيح الترمذي: ج 1، ص 286؛ أعيان الشيعة: ج 4، ص 108
4- أمالي الصدوق: ص 116
5- أخرجه الحاكم في أول صفحة 138 من الجزء 3 من المستدرك، ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي كنز العمال: ج 6، ص 157، ح 2628
6- أمالي الصدوق: ص 266
7- کنز العمال: ج 6، ص 157، ح 2630؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 70؛ الرياض النضرة للطبري: ج 2، ص 234، ط 2

عليه وآله وسلم وأخوه(1)، ووصيّه(2)، وخليفته من بعده(3)، وزوج ابنته فاطمة عليها السلام، ووارثه(4)، ووزيره(5)، وأبو ولده(6)، والمؤدي عنه(7)، ومجهّز النبي

ص: 85


1- صحيح الترمذي: ج 5، ص 300، ح 3804؛ وفي الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 21؛ تاریخ الخلفاء للسيوطي: ص 170؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 2، ص 221، وج 3، ص 137
2- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 57 ، وص 81، وص 82، وص 114، وص 122، وص 123، ط اسلامبول؛ مناقب الإمام علي عليه السلام لابن المغازلي الشافعي ص 89، ح 132، وص 144، وص 280، وص 309، ص 322؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 172؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 136
3- حديث الدار الذي أعلن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بداية الدعوة الإسلامية عن وصيه وخليفته وقد أورد هذا الحديث علماء المسلمين من الفريقين منهم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل: ج 1، ص 372، ح 514، وص 420، ح 580، ط 1، بیروت؛ والطبري في تفسيره: ج 19، ص 74، ط بولاق، وج 19، ص 68، ط الميمنية، وج 19، ص 121، ط 2، مصر؛ وأحمد بن حنبل في مسنده: ج 1، ص 111، ط الميمنية بمصر؛ والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ص 204 - 206، ط الحيدرية؛ وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ص 38، ط الحيدرية؛ والسيوطي في الدر المنثور: ج 5، ص 97
4- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: ج 1، ص 89، ح 141، وح 148، ط بيروت؛ الرياض النضرة للطبري الشافعي: ج 2، ص 234، ط 2؛ فرائد السمطين: ج 1، ص 1315
5- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عمر وذكره سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ص 43؛ والخوارزمي الحنفي في المناقب: ص 62، وص 250
6- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وأما أنت يا علي فأخي وأبو ولدي ومني وإليّ...»، وقد أخرجه الحاكم في مستدرکه: ج 3، ص 217، بسند صحيح على شرط مسلم، واعترف الذهبي في تلخيصه بصحته على هذا الشرط؛ وأورده النسائي الشافعي في الخصائص: ص 36، ط التقدم بمصر
7- الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد عهد على الإمام علي يوماً فقال: «أنت أخي ووزيري، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبرئ ذمتي...»؛ ذكره ابن المغازلي الشافعي في مناقب الإمام علي عليه السلام: ص 101، ح 142؛ وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 3، ص 261، ط 1، مصر؛ وفي فرائد السمطين: ج 1، ص 60

ومغسّله(1)، وولي الأمة من بعده(2).

وأمهُ: هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سيدة نساء العالمين(3) التي يرضي الله لرضاها ويغضب لغضبها(4).

وقد عرّفها النبي الأمين صلى الله عليه وآله للناس أجمعين فقال:

«من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي، وهي روحي التي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(5).

وأمّها هي أمّ المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد عليها السلام بنت أسد القرشية أول

ص: 86


1- أخرج الحديث ابن سعد في الطبقات الكبرى: ق 2، ج 2، ص 61، عن علي عليه السلام؛ والحاكم في المستدرك: ج 1، ص 362؛ وابن هشام في السيرة النبوية: ج 4، ص 229. وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنت ولي كل مؤمن بعدي»، وقد أخرجه أبو داود في سننه عن أبي عوانه الوضاح بن عبد الله اليشكري عن عمرو بن میمون الأودي عن ابن عباس مرفوعاً
2- أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: ج 5، ص 356، من طريق عبد الله بن بريدة عن أبيه، وفي ج 5، ص 347 من المسند من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة؛ وفي خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص 24، ط التقدم بمصر؛ وفي مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 127
3- المستدرك على الصحيحين: ج 3، ص 156؛ فتح الباري لابن حجر العسقلاني: ج 7، ص 82
4- أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج 3، ص 154، والطبراني في المعجم الكبير: ج 1، ص 109؛ والدولابي في الذريعة الطاهرة: ص 168؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 39؛ شرح الأخبار: ج 3، ص 29، ط منشورات دار الثقلين، بيروت
5- نور الأبصار للشبلنجي: 41؛ شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 3، ص 30، ط منشورات دار الثقلين، بيروت

من آمن بالنبي وصدقه وناصره ولقد بذلت كل ما تملك في سبيل الإسلام وكانت تعرف في الجاهلية بالطاهرة، وبسيدة قريش(1)، وفي الإسلام إحدى خير نساء العالمين(2)، وقد بشّرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب(3).

جیم: كنيته وألقابه وصفته عليه السلام

کنیته عليه السلام

كنّاه النبي صلى الله عليه وآله أبا محمد بعد ولادته عليه السلام(4).

ألقابه عليه السلام

السبط، الزكي، المجتبی، السيد، التقي، والأمير، والأثير، والحجة، والبر،

ص: 87


1- ذكر الحلبي في سيرته في وصف خديجة فقال: خديجة بنت خويلد: امرأة حازمة، ضابطة جلدة، قوية شريفة، مع ما أراد الله تعالى لها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط نساء قریش نسباً، وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً، وأحسنهم جمالاً وكانت تعرف في الجاهلية بالطاهرة. (السيرة الحلبية: ج 1، ص 223، ط دار المعرفة، بیروت)
2- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خير نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة ابنة خويلد، وفاطمة بنت محمد». وجاء في شرح الأخبار: ج 3، ص 20: «كفى بك من نساء العالمين أربع ....»، ط بيروت؛ وفي بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 37، ص 68: «حسبك من نساء العالمين أربع.....»
3- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 226، ط مؤسسة المعارف، بيروت. وجاء فيه: (عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أين أمنّا خديجة؟ قال: في بيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب بين مريم وأسية. قالت: من هذا القصب؟ قال: لا بل من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت. رواه الطبراني في الأوسط من طريق مهاجر بن میمون عنها
4- أسد الغابة: ج 2، ص 9

والزاهد(1).

صفته عليه السلام: كان الإمام الحسن بن علي عليهما السلام عليه سيماء الأنبياء عليهم السلام وبهاء الملوك(2). وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فكانت ملامحه تحاكي ملامح جده المصطفی صلی الله عليه وآله وسلم(3)، جميل الوجه، حسن الصورة أبيضاً مشربا بحمرة، أدعج العينين(4)، سهل الخدين ذا وفرة(5)، عظيم الكراديس(6)، بعيد المنكبين(7)، جعد الشعر(8)، كث اللحية(9)، كأن عنقه ابريق فضة، رقيق المسربة(10)، ربع القامة لا بالطويل ولا بالقصير مليحاً من أحسن الناس وجهاً(11)، وكان يغضب بالسواد.

ص: 88


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 4، ص 33، ط دار الأضواء
2- وهذا القول لواصل بن عطاء الغزال، أو حذيفة (ت 131 ه) من أئمة البلغاء، والمتكلمين من تصانيفه (أصناف المرجئة) و (معاني القرآن)، و (التوبة) وغيرها. (الأعلام للزركلي: ج 9، ص 121 - 122)
3- أخرجه ابن حجر في الإصابة عن البهي قال: تذاكرنا من أشبه النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم من أهله فدخل علينا عبد الله بن الزبير، فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله به، وأحبهم إليه الحسن بن علي ، رواه الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 9، ص 175
4- الأدعج: شدة في سواد العين مع سعتها
5- الوفرة: الشعر السائل على الأذنين
6- الكراديس: جمع مفردة الكردوسة، وهي كل عظمين التقيا في مفصل، أو العظم الذي يجتمع عليه اللحم، والمراد ضخم الأعضاء
7- المنكبين: تثنية منكب وهو مجتمع رأس الكتف والعضو
8- الجعد: الشعر الذي فيه التواء، وتقبض، وهو خلاف المسترسل
9- كث اللحية: قصرها مع كثرة شعرها
10- رقیق المسریة: أي سهل الخد غير مرتفع الوجنتين
11- تاریخ الخميس: ج 1، ص 171

وعن محمد بن إسحاق أنه قال: (ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الحسن عليه السلام، كان يبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما مر أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم عليه السلام قام ودخل بيته فمر الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما خلق الله أحداً رآه إلا نزل ومشى حتى رأيت سعد بن أبي وقاص يمشي)(1).

وأنشد ابن هانئ المغربي(2):

هو علّة الدنيا ومن خُلِقَت له *** ولعلّة ما كانت الأشياءُ

من صفوِ ماءِ الوحي وهو مجاجةً *** من حوضِهِ الينبوعُ وهو شفاءُ

من أيكة الفردوس حيث تفتقت *** ثمراتها وتفياً الأفياءُ

من شُعلة القبسِ التي عُرِضَت على *** موسى وقد حارَت به الظلماءُ

من معدن التقديس وهو سلالة *** من جوهر الملكوت وهو ضياءُ

هذا الذي عطفت عليه مكة *** وشعابها والركن والبطحاءُ

فعليه من سيما النبي دلالة *** وعليه من نور الإلهِ بهاءُ

ص: 89


1- مناقب آل أبي طالب للمازندراني: ج 4، ص 10 - 11، ط دار الأضواء
2- ابن هانئ المغربي: هو محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي أبو القاسم أشعر المغاربة على الاطلاق اتصل بالمعز العبيدي وأقام عنده في المنصورية ثم رحل المعز إلى مصر فعاد ابن هانئ إلى اشبيلية واخذ عاليه و قصد مصر لاحقاً بالمعنى لكنه قتل في برقة غيلة توفي سنة 362 ه. (الأعلام للزركلي: ج 7، ص 354

ثانياً: الخلافة الراشدة وإشكالية قتل الخليفة عثمان بن عفان في داره واستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام في محرابه وضياع الرشد

إن هذه الأسطر لتضع القارئ - ممن لم يجد في ثقافته وتراثه الأسري بياناً عن الإمام الحسن ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - على المحك مع الموروث الثقافي والفكري لديه بين ما وجده في قراءته عن الإسلام الذي جعل مؤرخوه ورواة أحداثه خلافة الإمام الحسن عليه السلام خارج نطاق (الخلافة الراشدة)، فما عَدَّه أولئك من الخلفاء الراشدين على الرغم من أن الخلافة الشرعية (الراشدة) متحققة فيه وفي أبيه عليهما السلام وليس العكس كما روج له أرباب السلطة وأهل المصالح؛ وبين إشكالية قتل الصحابة لخليفتهم عثمان بن عفان!! واستشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في محراب بیت الله في مسجد الكوفة.

وإلاّ أي رشد هذا وقد قتل الصحابة والمسلمون خليفتهم في داره وبين نساءه وولده بقيادة بعض الذين بايعوا تحت الشجرة فرضي الله عنهم(1)؟!

وأي رشد هذا والمسلمون يقودهم بعض الصحابة المبشرين بالجنة فيحاربون علياً عليه السلام بسيوفهم ورماحهم، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن «حبه إيمان وبغضه نفاق»(2)، وأن حرب علي حربه، وسلم علي

ص: 90


1- أنظر ترجمة الصحابي (عبد الرحمن بن عديس البلوي) أحد الصحابة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله تحت الشجرة، وهو من كان على رأس قتلة عثمان بن عفان ومحاصرته في داره. (مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص 258؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 7، ص 492؛ الإصابة لابن حجر: ج 5، ص 181؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 5، ص 486؛ السنة لابن أبي عاصم: ص 581
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 95؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 306؛ سنن النسائي: ج 8، ص 116؛ مسند الحميدي: ج 1، ص 31

سلمه صلى الله عليه وآله وسلم(1)؟

ثالثا: تحديات الأمن الفكري في خلافة الإمام الحسن عليه السلام

تتحدد هذه التحديات للأمن الفكري(2)، في خلافة الإمام الحسن عليه السلام في جملة من الأمور، منها:

1- لا شك إن تداعيات يوم السقيفة على الفكر الإسلامي ودورها في انهيار الأمن الإنساني - كما سیمر بیانه - قد شكلت التحدي الأكبر في إرجاع منصب الخلافة إلى مساره الذي حدده القرآن الكريم والسنة النبوية.

2- إن التراكمات التي خلفها خلفاء المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي الأعمال التي قام بها أبو بكر وعمر وعثمان، كان لها الأثر الكبير في تغيير مسار الإسلام الفكري(3)، مما شكل تحدياً كبيراً للأمن الفكري الذي سعى لتحقيقه الإمام الحسن عليه السلام.

3- إن قتل الخليفة عثمان بن عفان في داره وخروج عائشة وطلحة والزبير الحرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شکل واقعاً عملياً لنجاح مشروع السقيفة.

4- إن وصول معاوية للحكم وتوليه الإمرة على المسلمين وتحكمه في الأمة وانصراف الناس لعطاياه كان هو التحدي الأعظم للحفاظ على الأمن الفكري وصولاً إلى الأمن الإنساني.

ص: 91


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2، ص 442؛ المستدرك للنيسابوري: ج 3، ص 149؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 169؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 7، ص 512
2- مر سابقاً تعريف الأمن الفكري في المبحث الأول من الفصل الأول من الكتاب
3- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة للمؤلف

فما بين بذل الأموال وترغيب الناس ونشر الخوف والموت وترهيبهم كان الأمن الفكري هو الضحية الأولى في الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا: لزم بذل كل الإمكانات منه عليه السلام لتحقيق الأمن الإنساني وهو ما سنعرض له لاحقاً.

المسألة الثانية: الإمام الحسن عليه السلام يحدد العوامل التي تسببت في انهيار الأمن الإنساني في الإسلام

يرشدنا النص التاريخي عند قدوم معاوية إلى العراق بعد الوصول إلى اتفاق حول الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام، إنه ارتقى المنبر ليخطب بالناس فيبين لهم سبب هذا الصلح فقال: (إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً ولم ير نفسه أهلاً)(1).

وقد تكرر من معاوية هذا القول مرة أخرى حينما بلغه أن عائشة زوج النبي صلی الله عليه وآله وسلم كان تراه ليس للخلافة أهلاً، فقال للإمام الحسن عليه السلام: (یا أبا محمد ألا أعجبك من عائشة تزعم أني لست للخلافة أهلاً)(2).

وهذا المدعي الذي ادعاه معاوية يشتمل على أمور تتعلق بالأمن الفكري والأمن الإنساني في آن واحد وهي كالآتي:

1- إن معاوية أثر استخدام لفظ (الخلافة) ليثبت للناس أن توليه هذا المنصب سيكون تحت عنوان الخليفة، ومن ثم يترتب على الناس التسليم له بما ناله الخلفاء من قبله من شأنية وحقوق وطاعة.

2- إن هذه الخلافة هي الخلافة الإلهية التي خص الله تعالى بها علي بن أبي

ص: 92


1- الأمالي للطوسي: ص 559؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2، ص 8؛ حلية الأبرار البحراني: ج 2، ص 76؛ بحار الأنوار المجلسي: ج 44، ص 22؛ الدر النظيم ليوسف بن حاتم المشغري: ص 500
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 187؛ المستطرف للأبشيهي: ج 1، ص 273

طالب وولده الإمام الحسن عليهما السلام ومن ثم يعد اكتسابه لهذا المنصب اکتساباً شرعياً له ما لعلي والإمام الحسن عليه السلام.

3- ضربه للمرتكزات التي قامت عليها خلافة الإمام الحسن عليه السلام في أذهان الناس وهي التعيين بالنص الإلهي والنبوي وإنه غير مؤهل لهذا المنصب ومن ثم لا صحة لما وقع في بيعة الغدير.

4- إسقاط الموالاة بالإمامة للإمام الحسن عليه السلام وإشراكها مع منصب الحكم والخلافة حينما تنازل منها المعاوية.

وهذا في خصوص انهيار الأمن الفكري للمسلمين، أما ما يتعلق بالأمن الإنساني فيكمن فيما يلي:

1- لا شك إن هذا الجهد الذي بذله النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي أشرنا إليه في مصاديق الأمن الإنساني في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما قام به أمير المؤمنين عليه السلام من جهد خلال هذه السنوات في دفع الضرر عن الإسلام ومحاربة الفساد أصبح اليوم منهاراً، فقد انتقل المسلمون إلى حياة مختلفة وذلك إن الإمام الحسن عليه السلام كان يمثل هذا الصرح القرآني والنبوي وقد وجد معاوية أهلاً لحياة جديدة وعلى الناس نسيان الماضي والاستعداد لحياة أخرى يقودها معاوية.

2- إن كل الذي قام به معاوية خلال توليه الحكم في زمن عمر بن الخطاب فكان واليه على الشام وما نتج منه من متغيرات في الحياة وسفك الدماء في صفين والتحريض في وقوع الجمل وما نتج عن التحكيم بين أهل الشام وأهل الكوفة وافرازاته في ظهور الخوارج وقتالهم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد اكتسب صفة الصواب، ومن ثم ما سيترتب عليه من متغيرات حياتية ينهار فيها الأمن الإنساني سيكون الملوم فيها هو الإمام الحسن عليه السلام - والعياذ بالله - لأنه كما يدعي

ص: 93

معاوية قد وجده (للخلافة أهلاً). ولذلك: هذا الكم من الشبهات العقدية والانحرافات الفكرية والحياتية يقتضي من الإمام الحسن عليه السلام أن يبددها من أذهان الناس ويعيد الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح.

ولذا: يفيد النص التاريخي الذي أخرجه الشيخ الطوسي (رحمه الله) أن الإمام الحسن عليه السلام انتظر أن ينتهي معاوية من كلامه، وقد كان جالساً عنه بمرقاة من المنبر فلما نزل صعد الإمام الحسن عليه السلام المنبر فخطب بالناس رداً على هذه الافتراءات والشبهات، فقال عليه السلام بعد أن حمد الله تعالى بما هو أهله فابتدأ بذكر آية المباهلة، فقال:

«فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النساء بأمي وكنا أهله، ونحن له، وهو منا ونحن منه.

ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في کساء لأم سلمة رضي الله عنها خيبري، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»، فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وأمي، ولم يكن أحد يجنب في المسجد ويولد له فيه إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي، تكرمة من الله تعالى لنا، وتفضيلا منه لنا.

وقد رأيتم مکان منزلنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر بسد الأبواب فسدها، وترك بابنا، فقيل له في ذلك، فقال: «أما إني لم أسدها وأفتح بابه، ولكن الله عز وجل أمرني أن أسدها وأفتح بابه».

وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، وتوثب على رقابنا، وحمل الناس علينا،

ص: 94

ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع أمنا ما جعل لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأقسم بالله لو أن الناس بایعوا أبي حين فارقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها یا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا». وقد ترکت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى عليه السلام فيهم واتبعوا السامري، وقد ترکت هذه الأمة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة»، وقد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصب أبي يوم غدیر خم، وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب، وقد كف أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يغث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا، وكذلك أبي، وأنا في سعة من الله حين خذلتنا الأمة وبايعوك يا معاوية، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا. أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوه، وإني قد بايعت هذا «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(1)»(2).

ص: 95


1- سورة الأنبياء، الآية: 111
2- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 560 حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 2، ص 80؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 44، ص 63

ويُظهر الإمام الحسن عليه السلام للناس وللتاريخ أن انهيار الأمن الإنساني وقع في يوم سقيفة بني ساعدة حينما اجتمع ثلة من الأنصار والمهاجرين وتسابقوا في الوصول إلى السلطة والإمارة وهما اللفظتان اللتان استخدمهما عمر بن الخطاب مخاطباً الأنصار ورادعاً ومهددًا لهم في محاولتهم الوصول إلى الخلافة فقال: (من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته)(1).

هذه الحقيقة المرة التي غيرت الإسلام وحرفته عن وجهته التي أرادها الله تعالی ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كانت وراء كل هذه الانهيار للأمن الإنساني في الإسلام وعلى مر التاريخ.

ولذا: نجد الإمام الحسن عليه السلام يعيد تركيبة المعطيات الفكرية للأمة بعد أن عبثت بها تلك الأفعال والأفكار والبدع والشبهات، فكان جوابه لمعاوية مشتملاً على المرتكزات التي حدد فيها العوامل التي تسببت في انهيار الأمن الإنساني أو الأمن الحياتي، فكانت كالآتي:

أولاً: بيان المنهج الذي اعتمده معاوية وأسلافه في التعامل مع الناس

يبدأ الإمام الحسن عليه السلام في رده على مُدّعَی معاوية بإرجاع الناس إلى أن منزلتهم الشرعية التي خصهم الله تعالى بها ثابتة لا تتغير بالمتغيرات الحياتية، فضلاً عن مجريات السلطة والحكم بالمعنى السياسي لا الإلهي والشرعي.

ولذا: بدأ بذكر بعض الآيات التي نصت على تحديد هذه المكانة الإلهية في الأمة والتي يلزم مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينقاد لها، لا التجاذبات الدنيوية والأهواء النفسية.

ص: 96


1- تاريخ الطبري: ج 2، ص 458؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19، ص 34

فضلاً عن بيانها عن إفلاس غيرهم من الناس لاسيما معاوية وأهل بيته الذين نص القرآن الكريم على أنهم في «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ»(1). فكيف يكون من هو ملعون من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أهلاً لتولي منصبٍ دنيويٍ فضلاً عن أن يكون في منصب الخلافة الإلهية.

وعليه: فقد بيّن الإمام الحسن عليه السلام أن المنهج الذي اعتمده معاوية هو الكذب وليس بجديد عليه ولا على أسلافه هذا المنهج.

ثانياً: إن العترة النبوية هم أولى الناس بالناس ولا تسقط ولايتهم سواء كانوا في سدة الحكم أم لا

ينتقل الإمام الحسن عليه السلام بعد بيان أن معاوية كاذب في ادعائِهِ بأن الإمام الحسن عليه السلام قد رآه أهلاً للخلافة وإنه لا يرى نفسه لها أهلاً إلى بيان أن هذا الصلح والموادعة مع العدو ومهادنته لا تعني التنازل عن الولاية التي فرضها الله تعالی لهم على الناس جميعاً.

فهذا الأمر منصوص عليه من الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم وليس ادعاء لا يستند إلى دليل وحجة شرعية كما يفعل معاوية وأسلافه الذين جلسوا مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتون الناس بشرع الله ويسوسونهم في دنياهم بأهوائهم ومحدثاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان تحت

ص: 97


1- سورة الإسراء، الآية: 60. وقد ورد اختصاص بني أمية بهذه الآية في مصادر الفريقين. (تفسير السمعاني: ج 3، ص 256؛ تفسير السمرقندي: ج 2، ص 318؛ فتح الباري لابن حجر: ج 8، ص 302؛ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج 2، ص 318؛ مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن مردویه: ص 164؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 9، ص 220، وج 15، ص 265؛ السيرة الحلبية: ج 1، ص 510

ذريعة الاجتهاد، والمصالح، ولذا قال عليه السلام:

«نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وآله».

ثالثاً: سبب انهيار الأمن الإنساني بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

يبين الإمام الحسن عليه السلام أن السبب في انهيار الأمن الإنساني - الذي سنمر على بيانه في الفقرة اللاحقة - هو قادة السقيفة الذين ظلموا أهل البيت عليهم السلام ولم يزل ظلمهم جارياً في الأمة حتى ظهور المهدي ابن فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين ومن ثم فالحكم هو الله تعالى وهو الذي يقتص من أولئك الظلمة الذين لم يكتفوا بإبعاد عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حقهم الإلهي والشرعي في قيادة الأمة وتولي خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما قاموا بجملة من الأفعال الظالمة، وهي كما ذكرها الإمام الحسن عليه السلام للناس وللتاريخ:

1- دوام هذا الظلم فقال:

«ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم».

2- إبعادهم عن حقهم في خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته.

3- وصول هذه الرموز التي اجتمعت في السقيفة إلى الخلافة والتحكم بمصير الناس.

فقاموا باستغلال هذه الجهود العظيمة التي بذلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في محاربة صناديد المشركين والكفار والمنافقين حتى إذا مكن الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في نشر الإسلام وجمع كلمة المسلمين جاءَ هؤلاء فتوثبوا على رقاب المسلمين ليجلسوا مجلس الحكم والسلطة ويتحكموا بمصائر الناس.

ص: 98

4- لم يكتف هؤلاء باستغلال جهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جمع كلمة الناس على الإسلام وإنما قلبوا الأمور رأساً على عقب بعد إدخالهم المحدثات والبدع وإعلانهم الحرب على آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فحملوا الناس على التجرؤ على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فهجموا على بيت فاطمة عليها السلام وأسقطوا جنينها حتى ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر ولم تزل هاجرة لهما حتى توفيت سلام الله عليها(1).

5- قيام الخلفاء الثلاثة بمنع سهم أهل البيت عليهم السلام من الفيء الذي خصهم الله تعالی به في مقابل تحريم الصدقة عليهم؛ وبذلك يكون أهل البيت عليهم السلام بلا مورد مالي كباقي المسلمين وهذا هو الحصار الاقتصادي والحياتي عليهم.

6- منعهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فدك وهي التي جعلها الله لها نحلة فنحلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، ولقد كانت بيدها وتجبى إليها أموالها زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن أبا بكر منعها من فاطمة عليها السلام بحجة قوله المكذوب فيه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»(2).

فهذه الأفعال الظالمة التي قام بها أقطاب السقيفة ورموزها كانت السبب في انهيار الأمن الإنساني وحرمان المسلمين من حقهم في الحياة الكريمة التي أعدها الله لهم كما يبيّنه لنا الإمام الحسن عليه السلام في النقطة اللاحقة.

ص: 99


1- صحيح البخاري: ج 4، ص 42؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 6. (وقد اقتصرت عائشة في ذكر وجد فاطمة عليها السلام على أبي بكر ومهاجرتها له فقط في الرواية التي أخرجه البخاري وغيره)
2- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ج 4، ص 42

رابعاً: تحقق الأمن الإنساني في ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وحرمان الناس منه باغتصاب الخلافة يوم السقيفة

ينتقل الإمام الحسن عليه السلام بعد بيان أسباب انهيار الأمن الإنساني في الأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة إلى بيان عناصر الأمن الإنساني ومكوناته في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فيما لو كان الناس قد أمضوا عهدهم الذي عاهدوا الله ورسوله به في بيعتهم له يوم غدیر خم فيقول عليه السلام:

وأقسم بالله لو أن الناس بایعوا أبي حين فارقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها یا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا». وقد ترکت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى عليه السلام فيهم واتبعوا السامري، وقد تركت هذه الأمة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة»، وقد رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصب أبي يوم غدیر خم، وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه وهو يدعوهم إلى الله تعالى حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب، وقد كف أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يغث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا، وكذلك أبي، وأنا في سعة من الله حين خذلتنا الأمة وبايعوك يا معاوية، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا. أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوه، وإني قد بايعت هذا «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ

ص: 100

وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(1)»(2).

وهذه الخطبة تشتمل على تحديد مكونات الأمن الإنساني وانحصارها في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فضلاً عن بيانها للعلة التي دفعت الإمام الحسن عليه السلام للمهادنة مع معاوية ويمكن بيان تحديد هذه المكونات للأمن الإنساني في قوله عليه السلام:

«وأقسم بالله لو أن الناس بایعوا أبي حين فارقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها وما طمعت فيها یا معاوية».

وقد حدد الإمام الحسن عليه السلام هذه المكونات للأمن الإنساني بما يلي:

1- وفرة المطر مما يعني نمو الحياة بشكلها العام لما يشكله الماء من عنصر أساس لقيام الحياة على الأرض من خلال نمو النباتات بما في ذلك الزراعة واستصلاح الأرض فضلاً عن تلازم هذا النمو بالقطاع الحيواني وبمختلف أجناسها وأصنافها، ولا يخفى على أهل الاختصاص ما يشكله المطر في تكون الأنهار التي كانت المصدر الأساس في تكون المجتمعات.

2- يعكس نزول المطر كذلك سلامة البيئة من الأمراض والأوبئة مما يحقق لنا الأمن البيئي.

3- ويشمل قوله عليه الصلاة والسلام «والأرض بركاتها» على جملة من الأمور:

أ: النمو الاقتصادي.

ص: 101


1- سورة الأنبياء، الآية: 111
2- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 560، حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 2، ص 80؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 44، ص 63؛ الخصائص الفاطمية للشيخ الكجوري: ج 2، ص 58

ب: النمو الزراعي.

ج: المعادن التي تحتويها الأرض واستخراجها ووفرتها.

د: الأمن الصحي ويتحقق بوفرة الأمطار وصلاح الأرض مما يحقق سلامة الهواء والغذاء وجودته.

ه: لا شك أن وفرة العطاء والنمو الحياتي يعد عاملاً أساسياً في منع حدوث النزاعات وتولد الأطماع الذي سببه البطالة والعوز وهذا مدفوع لو تحقق النمو الحياتي.

وهذا وغيره يتحقق في العناصر التي حددها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في التخلص من الفقر والعوز والحاجة والمرض بغية الوصول إلى العيش بأمن وكرامة.

أما قوله عليه السلام: «وما طمعت فيها یا معاوية».

فهو يحقق الأمن الفكري في الأمة الذي انهار باجتماع السقيفة وخروج الإسلام عن مساره الذي أراده الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن هذا الخروج هو الذي مكن معاوية من تحقيق أطماعه وتجييشه الناس لحرب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بنشر المحدثات والشبهات والبدع في الدين.

خامساً: قيام فاطمة عليها السلام بتحديد عناصر الأمن الإنساني وبيانها لموضع تحققه في الإسلام

إنّ حقيقة الأمن الإنساني في خلافة الإمام علي عليه السلام فيما لو قدّر لها أن تتحقق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما كان الإسلام نقياً لم تصبه عدوى المحدثات والبدع والشبهات واستفحال النفاق وقادته وتوليهم المدن والأمصار الإسلامية والتلاعب بمقدرات الإنسان.

وهذه الحقيقة قد تناولتها بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام حينما بلغها مصادرة أبي بكر لأرضها التي اكنت قد

ص: 102

نحلت لها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنعها وولديها الحسن والحسين عليهما السلام سهمهم من الفيء.

مما دعاها للخروج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومخاطبتها لأبي بكر وعمر في جمع من المهاجرين والأنصار، فكان مما اشتملت عليه هذه الخطبة هو بيانها لسبب انهيار الأمن الإنساني عند منعهم علياً عليه السلام من حقه في الجلوس في مجلس خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقالت عليها السلام وهي تتساءل عن سبب تخليهم عن علي عليه السلام بعد بيعتهم له في غدیر خم وانقلابهم على أعقابهم ومبايعتهم أبي بكر:

«ويحهم أنّي زحزحوها(1) عن رواسي(2) الرسالة، وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين بالوحي المبين، والطِّبين بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين!

ما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا - والله - منه شدَّة وطأته ونكال وقعته، ونکير سيفه وتبحره في كتاب الله وتنمُّره(3) في ذات الله. وأيم الله لو تكافوا(4) عن زمام نبذهُ إليه رسول الله لاعتلقهُ(5) ثمّ لسار بهم سيراً سُجحاً(6)، لا يكلمُ(7) خشاشهُ(8)، ولا يُتعتع(9) راكبُه، ولأوردهُم منهلا(10) رويّاً صافياً فضفاضاً(11) تطفحُ

ص: 103


1- زحزحوها: نحّوها
2- الرواسي: الأُصول الثابتة، وكذلك القواعد
3- تنمره: أي تغضّبه، يقال: تنمّر الرجل إذا غضب وتشبّه بالنمر
4- تكافّوا: أي كفّوا أيديهم عنه
5- لاعتلقه: لأخذه بيده
6- السُجُح: السير السهل
7- لا يكلم: لا يجرح ولا يدمي
8- الحشاش: ما يكون في أنف البعير من الخشب
9- لا يتعتع: أي لا يكره ولا يقلق
10- المنهل: مورد الماء
11- فضفاضاً: كثيراً

ضفّتاه، ثمّ أصدرهم بطاناً(1) قد تخيّرَ لهم الريَّ غير مُتَحَلٍّ منه بطائل إلاّ بغمر الماء وردعه سورة السَّاغب ولانفتحت عليهم بركاتٍ من السماء والأرض، ولكنهم بغوا فسيأخُذهم الله بما كانوا يكسبون.

ألا فاسمعن، ومن عاش أراهُ الدهرُ العجب، وإن تعجبنٍّ فانظرن إلى أيِّ نحو اتجهوا؟ وعلى أي سند استندوا؟ وبأيِّ عروة تمسِّكوا؟ ولمن اختاروا؟ ولمن تركوا؟ لبئس المولى، ولبئس العشير.

استبدلوا والله الذُّنابي(2) بالقوادم(3)، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس(4) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا أنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، [أفمن يهدي إلى الحقّ أحقُّ أن يتَّبع أمَّن لا يَهِدِّي إلاّ أن يُهدي فمالكم كيف تحكمون](5)»(6).

وتحديدها لمكونات الأمن الإنساني في خلافة علي عليه السلام فيما لو سلموا له الأمر، كان في قولها:

ص: 104


1- لبطان: جمع بطين، وهو الريان
2- الذّنابی: ما يلي الذَنَب من الجناح
3- القوادم: ما تقدم منه
4- المعاطس: الأنوف
5- سورة يونس، الآية: 35
6- دلائل الإمامة للطبري الإمامي: ص 126؛ معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص 355؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 148؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 158؛ الأمالي للطوسي: ص 375؛ بلاغات النساء لابن طيفور: ص 20؛ فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي: ص 62؛ الدر النظيم لابن هاشم العاملي: ص 482؛ موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام للنجفي: ج 8، ص 499

«وأيم الله لو تكافّوا عن زمام نبذهُ إليه رسول الله لاعتلقهُ ثمّ لسار بهم سيراً سُجحاً، لا يكلمُ خشاشهُ، ولا يكل سائره، ولا يُتعتع راكبُه، ولأوردهُم منهلا رويّاً صافياً فضفاضاً تطفحُ ضفّتاه، ثمّ لأصدرهم بطاناً قد تخيّرَ لهم الريَّ غير مُتَحَلٍّ منه بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل غير ري الناهل، وشعبة الكافل، إلاّ بغمر الماء وردعه سورة السَّاغب ولانفتحت عليهم بركاتٌ من السماء والأرض، ولكنهم بغوا فسيأخُذهم الله بما كانوا يكسبون»(1).

أما أركان الأمن الإنساني في هذا المقطع فهي:

1- سهولة العيش في ظل هذه الخلافة كما في قولها: «ولسار بهم سيرا سجحاً، لا يكلم خشاشه، ولا يكل سائره»، أي تحقيق الشعور بالأمن والراحة من السلطة وهي حالة نادرة لا تتحقق في الحكومات والسلطات في مختلف بقاع الأرض، أن يشعر المواطن بالأمن من السلطة نفسها بأن تجور عليه.

2- وفرة الخير ونمو الحياة ودوام أمنها وهو ما شبهته عليها السلام بالنهر وعين الماء الغزير.

3- تحقق الشبع مما يعني الأمن الاقتصادي والأمن البيئي لأن دوام هذا العطاء يقتضي تحقق الأمن البيئي وهو ما عبّرت عنه بقولها: «ولأصدرهم بطاناً» لأي لتحقق بسبب هذا الخير الوفير البطان وهو الشبع كناية عن البطن فلا جوع ولا عوز ولا مرض.

4- تحقيق العدالة الاجتماعية وانعدام الطبقية وهذا يقتضي عدل السلطة في العطاء وهو ما عبرت عنه عليها السلام بقولها: «قد تخير لهم الري، غير منتحلٍّ منه بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غیر ريّ الناهل وشبعة الكافل».

ص: 105


1- وقد وردت هذه الآية في هذا الموضع من خطبتها كما في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمه الله): ج 1، ص 148، والآية (96) من سورة الأعراف

فالتركيز في دولته عليه السلام يكون على إشباع الرعية، إشباع المواطنين مع تقديم اليتيم في هذه الرعية والأرامل، وهو ما عبرت عنه بلفظ (وشبعة الكافل) أي كافل اليتيم وكذلك المتكفل برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

5- لا شك أن وفرة الخير والعطاء تدفع إلى البطر أو الطمع وهذا مرفوع بظل خلافة علي عليه السلام، فهؤلاء محاربون مما يعني تحقيق الأمن الشخصي والأمن العام وهو ما عبرت عنه بقولها: «وردعه سورة الساغب».

وهذا العدل في الرعية لا شك يقود إلى أن الله يفتح عليهم بركات السماء والأرض وهو ما يعني تحقيق الأمن الإنساني أو الأمن الحياتي وهو الأصح لما يقتضيه تحقق بركات السماء والأرض من الحياة لجميع أجناس وأصناف الحيوانات والنباتات.

ولذا:

ختمت قولها في مكونات الأمن الحياتي والإنساني المقرونة في خلافة علي عليه السلام والتي أضاعها وحرم الناس منها أصحاب السقيفة ومن شایعهم وأعانهم فكانت النتيجة هي قوله تعالی:

«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1).

فضلاً عن ذلك فإن حديثها عليها السلام يكشف عن نسقية المسار لمفهوم الأمن الإنساني في القرآن والسنة النبوية وخلافة الإمام علي وولده الإمام الحسن عليهما السلام وهو ما سنعرض له في المسألة الثانية.

ص: 106


1- سورة الأعراف، الآية: 96

المسألة الثالثة: نسقية المسار لمفهوم الأمن الإنساني في القرآن والسنة وخلافة الإمام علي وولده الإمام الحسن عليهما السلام

إن قراءة المرحلة التاريخية للإسلام منذ عام (36 ه) إلى عام (51) للهجرة النبوية والمتضمنة تولي أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام الخلافة والحكم ومن بعده تولي الإمام الحسن عليه السلام الخلافة ترشد إلى وجود نسق واحد في تحقيق الأمن الإنساني ضمن الأطر والحدود والمفاهيم التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

إلاّ أن الفارق بين هذه المرحلة التاريخية وبين مرحلة البعثة النبوية ولاسيما مرحلة بناء الحكومة الإسلامية في المدينة المنورة، أي منذ الهجرة إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي الوسائل التي اتبعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحقيق الأمن الإنساني وتباينها عن الوسائل التي اتبعها أمير المؤمنين علي وولده الإمام الحسن المجتبی (سلام الله عليهما)، ويمكن أن نجمل هذه الوسائل ضمن مجموعة من النقاط، منها:

1- إنّ النظرة إلى الفعل النبوي ترتكز على التصاقه وتلازمه بالوحي والرسالة، ومن ثم فالمرتكز في أذهان الناس هو النبوة والدين الإسلامي، وليس تحقيق الأمن للإنسان في الدنيا والآخرة والذي ينساق مع مفهوم (الأمن الإنساني) في عالمنا اليوم.

2- إن وسيلة الحرب في فترة النبوة كانت تستخدم في تحقيق الأمن الإنساني في حين كان الصلح هو الوسيلة لتحقيق الأمن الإنساني كما في خلافة الإمام الحسن عليه السلام.

3- انتقال مفهوم الأمن من خصوصيات الرسالة والنبوة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مفهوم الخلافة والسلطة في عهد الخلفاء الثلاثة، بمعنى بدء النظر إلى الأمن عموماً على أنه من ضرورات السلطة والخلافة وإن هذا المفهوم أخذ بالتطور ومن ثم يلزم إعادة تقديمه بمفهومه الشرعي وأنه من رحم الرسالة المحمدية وهو

ص: 107

ما عمل عليه الإمام علي وولده الإمام الحسن عليهما السلام.

بمعنى: إن الوسائل التي استخدمها الإمام علي عليه السلام كانت تسير باتجاهين معاً، الأول إعادة أذهان الناس إلى أن الخلافة هي امتداد للنص التشريعي من قبل الله تعالی ومن ثم فإن مسؤوليتها كمسؤولية النبوة في تحقيق الأمن الإنساني؛ وذلك أن همّهما هو إصلاح الإنسان، فالإنسان أولاً وآخراً.

والثاني: هو إن السلطة هي الوسيلة لتحقيق الأمن الإنساني وليس الإنسان هو الوسيلة الأمن السلطة كما حدث لدى أبي بكر وعمر وعثمان وما قاموا به من وسائل البلوغ السلطة حالة الأمن(1).

وهذا الفارق في المفهوم والمصداق تبلور في خلافة الإمام الحسن عليه السلام، الذي جمع فيه نتاج جده النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك من خلال جملة من المصاديق التي أفصحت عن هذا النتاج الرسالي في تحقيق الأمن للإنسان في الدنيا والآخرة أو كما يعرف اليوم اصطلاحاً ب (الأمن الإنساني).

فقد عمل الإمام الحسن عليه السلام على تثبيت مفهوم أن الخلافة مرتبطة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم فهي ليست خاضعة للشورى أو الانتخاب أو التصويت (وصناديق الاقتراع) كما نشهده اليوم.

أو كما حرص على تغيير هذا المفهوم أقطاب السقيفة التي عقدت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فالإمام الحسن عليه السلام قد تم تنصيبه من قبل أبيه في منصب الخلافة بحدودها

ص: 108


1- المزيد من الاطلاع، ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة للمؤلف

التي عينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الغدير حينما نصب علي بن أبي طالب عليه السلام.

أما دور البيعة التي كانت بينه وبين المسلمين فهي على لزوم الطاعة والامتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولمن نصبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي ملزمة كما أن الشهادة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ملزمة بالطاعة والامتثال وكذاك حال الشهادة لله بالوحدانية. ومن ثم فهذا الدور لا يسقط عن عاتق الأنبياء أو عاتق أوصيائهم وخلفائهم، ولو اعترض أهل الأرض أجمعهم.

وهذا الذي أثبته الإمام الحسن عليه السلام فقد فرق عملياً بين الخلافة التي حددها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأنها امتداد للنبوة كما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المنزلة المتواتر والمشهور. وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام:

«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي من بعدي»(1).

وبين الخلافة بمفهومها السلطوي الذي تمخض عن مشروع السقيفة وأثبتته الوسائل والتطبيقات التي مارسها أبو بكر وعمر وعثمان خلال توليهم الحكم على المسلمين.

فقد قدم هؤلاء السلطة على الإنسان فأصبح الإنسان وسيلة لتحقيق أمن السلطة والحكومة؛ في حين كان الإمام الحسن عليه السلام يقدم الإنسان على السلطة فقام

ص: 109


1- الكافي للكليني (رحمه الله)، باب: إذا بلغ المؤمن اربعين: ج 8، ص 107؛ الأمالي للصدوق: ص 101؛ كفاية الأثر للخزاز: ص 135؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 17؛ صحيح البخاري، باب: غزوة تبوك: ج 5، ص 129؛ صحیح مسلم، باب: من فضائل علي عليه السلام: ج 7، ص 120، سنن الترمذي: ج 5، ص 302؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 13؛ مستدرك الحاكم: ج 2، ص 337؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 9، ص 40

بترکها والتنازل عنها لمعاوية لغرض حفظ الإنسان وتحقيق أمنه وسلامته وهو جوهر مفهوم الأمن الإنساني الذي نصت عليها المواثيق الدولية.

وهذا الذي جاهد من أجله الإمام علي عليه السلام وولده الإمام الحسن عليه السلام وسعيا فيه جاهدين لغرض إيصال الإنسان إلى الأمن في الحياة الدنيا والآخرة.

إذن: عملية تحقيق (الأمن الإنساني) تبدأ من خلال تصحيح المفاهيم والمعطيات الفكرية لتبدأ معها حركة التصحيح في الواقع الحياتي المشترك بين السلطة والإنسان، بين الراعي والرعية، وهو ما سنقف عنده خلال هذه الدراسة لنصل إلى حقيقة مفادها: (إن الأمن الإنساني يكون بتصحيح المفاهيم والأفكار والسلوك).

وهو ما حرص على تثبيته الإمام الحسن عليه السلام خلال فترة خلافته قولاً وعملاً وليتوج ذلك في إقدامه على الصلح مع معاوية، والذي أثبت فيه القيم والحريات الأساسية لقيام الأمن الإنساني ومن ثم فقد حدد المسار لمفهوم الأمن الإنساني وآلية تطبيقه وهو ما سنعرض له خلال المبحث القادم الذي تناول فيه دراسة بنود وثيقة الصلح ومقدماته مع ما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأمن الإنساني ضمن دراسة مقارنة بين الوثيقتين.

ص: 110

المبحث الثاني تحديد المفهوم والسبيل الأمثل لصون الأمن الإنساني بین قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ووثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام

ص: 111

ص: 112

إنّ الرجوع إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم (64 / 291) المتعلق بالأمن البشري ودراسة ما تضمنه هذا القرار من بنود وفقرات ومقارنتها مع ما ورد في وثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام تخلص إلى نتيجة مفادها:

1- إنّ مفهوم الأمن الإنساني المثبت في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هو نفسه الذي دونه الإمام الحسن عليه السلام قبل ألف وأربعمائة سنة في وثيقة الصلح التي كتبها مع معاوية بن أبي سفيان.

2- إن القيم الأساسية للأمن الإنساني هي واحدة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وبين وثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام.

3- إن السبيل الأمثل لصون الأمن الإنساني الذي ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هو نفسه ما ورد في وثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام.

وهذه النتيجة التي تكونت من هذه النقاط هي ما سنعرض لها في هذا المبحث ضمن مسائل ثلاث، وهي كالآتي:

ص: 113

المسألة الأولى: مفهوم الأمن الإنساني بين قرار الجمعية العامة ووثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام

اشتمل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة على بيان فهم مشترك للدول الأعضاء حول الأمن الإنساني، وقد ورد في قرار أم بند و تحت عنوان: (نطاق مفهوم الأمن البشري) الفقرة (23) ما يلي:

(يتميز مفهوم الأمن البشري عن مسؤولية الحماية وتطبيقها، ففي حين أن الأمن البشري يأتي استجابة لأوجه انعدام الأمن متعددة الأبعاد التي يواجهها البشر، تركز مسؤولية الحماية على حماية السكان من حالات معينة من الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية.

وهكذا فإن تطبيق الأمن البشري أوسع نطاقاً، وهو واحداً من الدعائم الثلاث(1) لمنظومة الأمم المتحدة، في حين أن مسؤولية الحماية تركز على الحالات السابق ذكرها).

وجاء في الفقرة (24): (وعلى وجه التحديد يركز مفهوم الأمن البشري على التهديدات الواسعة الانتشار والشاملة لعدة مجالات والتي تستهدف بقاء الناس، وبخاصة أضعف الفئات وسبل عيشهم وكرامتهم؛ ولذلك يستدعي الأمن البشري الانتباه إلى الأسباب الجذرية لتلك التهديدات (الداخلية منها أو الخارجية) ويأخذ في الاعتبار تأثير تلك التهديدات على الحريات الأساسية للحياة البشرية (التحرر من الخوف، والتحرر من العوز، وحرية العيش بكرامة) ويبرز الاحتياجات الفعلية، وأوجه الضعف وقدرات الحكومات والشعوب).

وهذه المرتكزات في مفهوم الأمن البشري يمكن تحديدها مع مرتكزات مفهوم الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن عليه السلام والمرتبطة بدوافع صلحه الذي أبرمه مع معاوية بن أبي سفيان، وهي كالآتي:

ص: 114


1- وهي: (الأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان)

أولاً: إن الأمن البشري يأتي استجابة لأوجه انعدام الأمن متعددة الأبعاد التي يواجهها البشر

إن هذه الركيزة في مفهوم الأمن الإنساني التي خرجت ضمن وثيقة القرار لجمعية الأمم المتحدة حول الأمن البشري كانت الركيزة الأولى التي تحدث عنها الإمام الحسن عليه السلام إلى الناس والتاريخ حينما أقدم معاوية على ترويج اغتيال الإمام الحسن عليه السلام وبث العيون والجواسيس في البصرة والكوفة لغرض تنفيذ هذا الاغتيال الذي تعددت فيه المحاولات كما تكشف لنا النصوص التاريخية، مما دعى الإمام الحسن عليه السلام إلى اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية؛ فضلاً عن بيان إن الخطر الحقيقي والتهديد الرئيسي ليس شخص الإمام الحسن عليه السلام وإنما هو الإنسان نفسه، والمجتمع بمختلف مشاربه وأعراقه، بل المهدد هو الأمة الإسلامية برمّتها؛ بل الأجيال القادمة وما ستشهده من مخاوف ومخاطر ومهانة وذل وفقر.

فكانت هذه الإجراءات التي اتخذها الإمام الحسن عليه السلام إنما هي (استجابة لأوجه انعدام الأمن متعددة الأبعاد التي يواجهها البشر) كما نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأمن البشري.

وهذه الإجراءات كانت كالآتي:

يفيد النص التاريخي الذي رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) أنّ بعض أهل العراق عزموا على قتل الإمام الحسن عليه السلام أو أسره وإرساله إلى معاوية لغرض الحصول على المال والجاه والسلطة كما كان معاوية يبث ذلك بين الناس.

(فقد دس معاوية إلى عمرو بن حريث، والأشعث بن قیس، وإلى حجر بن الحجر، وشبث بن ربعي، دسیساً أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه: إنك إن قتلت الإمام الحسن بن علي فلك مائتا ألف درهم، وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتي.

ص: 115

فبلغ الحسن عليه السلام ذلك فاستلام(1) ولبس درعا وكفرها، وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك.

فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة فلما صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر، فأمر عليه السلام أن يعدل به إلى بطن جريحي وعليها عم المختار بن أبي عبيد مسعود بن قيلة.

فقال المختار لعمه تعالی حتی نأخذ الحسن ونسلمه إلى معاوية فيجعل لنا العراق، فبدر بذلك الشيعة من قول المختار لعمه فهموا بقتل المختار فتلطف عمه المسألة الشيعة بالعفو عن المختار ففعلوا.

فقال الحسن عليه السلام:

«ویلکم والله إن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي وإني أظن أني وإن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين يدين جدي صلى الله عليه وآله وسلم وإني أقدر أن أعبد الله وحدي ولكن كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون فبعدا وسحقا لما كسبته أيديكم:

«...وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(2)»)(3).

ويكشف هذا النص عن أوجه انعدام الأمن المتعددة الأبعاد التي يواجهها البشر، وهي كالآتي:

ص: 116


1- استلام، على وزن استفال، أي: طلب لبس لامته، وهي درع يتقي به الإنسان الطعن والضرب
2- سورة الشعراء، الآية: 227
3- علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج 1، ص 221

الف: انعدام الأمن الفكري وهو البعد الأول الذي كان مهددا

إن أول هذه الأبعاد المتعددة التي يواجهها البشر في انعدام الأمن والأمن الفكري والذي حرص معاوية على هتكه أشد الحرص كما أثبتته الوقائع التاريخية خلال تولي معاوية الحكم والذي سنمر على بيان بعض شواهده لاحقاً.

ولذلك: يبين الإمام الحسن عليه السلام للناس وللبشر جميعاً أن المقصود هو قتل الفكر الجديد الذي جاء به القرآن والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وليس شخص الإمام الحسن عليه السلام. ولذا، خاطبهم قائلاً:

«ویلکم والله إن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإني أظن أني إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين بدين جدي».

إذن: الأمر متعلق بدين النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدين به الإمام الحسن عليه السلام، فهذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع معاوية لقتل الإمام الحسن عليه السلام وليس عين السلطة والحكم، فهو قادر على التمرد والبقاء في إمارة الشام وقد جمع من حوله أهلها خلال فترة ولايته عليهم منذ أن ولاه عمر بن الخطاب وأثبته عثمان بن عفان، وهو خلال هذه السنين كان حريصاً على تغيير أفكار الناس من خلال معطيات ثقافية جديدة استطاع من خلالها تسيير الناس وضبطهم من حوله فصاروا لا يعرفون فضلاً في الإسلام لأحد إلا له ولآل أمية، حتى بدا هذا الفكر وإلى اليوم وكأنّه هو الوجه الغالب على الإسلام ومنهجه وصورته في العالم.

فالكل ناقم على التطرف والإرهاب والشذوذ والتسافل عن الفطرة والقيم الإنسانية التي تسالمت عليها الطبيعة البشرية.

ولذلك: فالبعد الأول الذي يهدد البشر هو انعدام الأمن الفكري الذي بيّنه الإمام الحسن عليه السلام ممثلاً في دين جده المصطفی صلی الله عليه وآله وسلم الذي منع معاوية الناس من أن يدينوا لله به.

ص: 117

باء: انعدام الأمن الغذائي وهو البعد الثاني الذي كان يهدد الأجيال والبشر

ينتقل الإمام الحسن عليه السلام بعد بيانه إلى التهديد الأول الذي يواجه أمن البشر، وهو الأمن الفكري إلى تهديد جديد وهو الأمن الغذائي.

وهذا الخطر سارٍ في الأجيال اللاحقة مما يعني اتساع رقعة الخطر والتهديد الأمني للبشر، لاسيما وإن الإمام يتحدث مع أهل الكوفة ويكشف عن المساحة الجغرافية التي يشملها انعدام الأمن الغذائي.

ولذا: يحذرهم عليه السلام من هذا الخطر والتهديد للأمن الغذائي الذي سيصيب الأجيال اللاحقة، فيقول عليه السلام:

«وإني أقدر أن أعبد الله عزّ وجل وحدي، ولكني كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون».

وهذا النص الشريف يكشف عن جملة من الأمور:

1- انتقال هذا الفكر الذي انتهجه معاوية بين الناس وإرساؤه في أذهانهم سيكون عاملاً أساسياً في انتقال الملك إلى أبناء حملت هذا الفكر وهم الذين سيتولون التحكم في رقاب المسلمين ، ولذا قال:

«كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم».

2- استمرار حالة التخلف والتردي في المجتمع لأجيال عديدة وفي بلاد متعددة كما يفيد لفظ الأبناء.

3- ضياع الحق العام وأموال الناس.

4- تكوّن الطبقية في المجتمع بين الاستئثار بالسلطة والمال وبين الفقر المدقع.

ص: 118

جیم: انعدام الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي

لم يغب عن ناظر الإمام الحسن عليه السلام وهو يخاطب الناس بقوله: «وكأني أنظر إلى أبنائكم» البعد الاقتصادي والاجتماعي الذي سينهار أمنهما في المستقبل فيما لو رضخ الناس واستسلموا لهذا النهج الأموي الذي يقوده معاوية بن أبي سفيان في الأمة.

فهؤلاء أبناء المسلمين في العراق وغيره من البلاد سيقفون على أبواب أبناء أمية وقد انهار اقتصادهم وخربت بلادهم(1) فلا من ماء وهم سكان أو أهل بلاد الرافدين ولا من زراعة أو تجارة أو اقتصاد، وهي ما جمعه لفظ الإمام الحسن عليه السلام في السقي والطعام فقال:

«يستسقونهم ويستطعمونهم»، ومصادرها على وزن (استفعال) أي يطلبون منهم أن يسقونهم ويطعمونهم فلا يحصلون على الماء ولا على الطعام، وهو كناية عن تردي الاقتصاد والزراعة والتجارة وتفشي الفقر والبطالة والعوز والحاجة، مما يؤدي إلى انهيار الأمن الاجتماعي وعيش الإنسان بمذلة ومهانة حينما يصل به الفقر والحاجة إلى الوقوف ذليلاً مهاناً وهو يلتمس حقه الذي جعله الله له من أيدي هؤلاء الظلمة.

وهو ما نص عليه قوله عليه السلام: «واقفين على أبواب أبنائهم» وقوله: «ما جعله الله لهم».

وهذا ما ركز عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأمن البشري وتحديد مفهومه، فمما جاء في القرار في الفقرة (24) من رابعاً:

(وعلى وجه التحديد، يركز مفهوم الأمن البشري على التهديدات الواسعة

ص: 119


1- لمزيد من الاطلاع حول انهيار الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي في بلاد الرافدين خلال تولي حکام بني أمية السلطة، ينظر کتاب: الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية لمجتمع الكوفة عند الإمام الحسين عليه السلام، للمؤلف

الانتشار والشاملة لعدة مجالات والتي تستهدف بقاء الناس وبخاصة أضعف الفئات وسبل عيشهم وكرامتهم.

ولذلك: يستدعي الأمن البشري الانتباه إلى الأسباب الجذرية لتلك التهديدات (الداخلية أو الخارجية) ويأخذ بالحسبان تأثير تلك التهديدات على الحريات الأساسية للحياة البشرية: (التحرر من الخوف، والتحرر من العوز، وحرية العيش بكرامة).

وهذا المفهوم في الأمن الإنساني أو الأمن البشري قد حدد ركائزه الإمام الحسن عليه السلام وبيّن التهديدات للحريات الأساسية للحياة البشرية (التحرر من الخوف، والتحرر من العوز، وحرية العيش بكرامة).

ثانياً: حماية السكان من حالات معينة كالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية

إنّ هذه الاستجابة التي ظهرت في خلافة الإمام الحسن عليه السلام في سعيه من أجل تحقيق الأمن الإنساني وحماية السكان من حالات معينة كالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية والتي تحددت من خلال ظهور عدد من التهديدات وانعدام الأمن الذي شمل جميع مفاصل الحياة وأبرز الشخصيات الفكرية والدينية والسياسية بالقتل؛ فضلاً عن الطبقة الأضعف من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة ولا قدرة في مواجهة هذه التهديدات والإمكانيات المسخرة في فرض الهيمنة الأموية والسلطة الطاغوتية التي اكتسبت شخصية معاوية بن أبي سفيان وهو يسعی من أجل الوصول إلى بسط سلطته بالقوة والرعب، هذه القوة التي بدأها من خلال تجهيزه أهل الشام لحرب الإمام علي عليه السلام وقتاله في معركة صفين وما جرى فيها وما نتج عنها من إفرازات التحكيم بين المعسكرین وظهور الخوارج ووقوع معركة النهروان.

فضلاً عن مجريات التهيؤ لقتال المسلمين الذين بايعوا الإمام الحسن عليه السلام

ص: 120

بالخلافة في العراق واليمن والحجاز.

ولذلك:

كان سعي الإمام الحسن عليه السلام وحرصه على حفظ ما هو أعظم من وقوع الحرب التي ستطال المسلمين والتي لن تنتهي إلا بتحقيق معاوية هدفه في الحكم على جميع الناس، أو قتلهم دون التفريق بين أسودهم وأبيضهم، إلا لمن دان له بالولاء والاستسلام.

فما كان من الإمام الحسن عليه السلام إلا الحفاظ على الإسلام وحقن هذه الدماء والوقوف بوجه هذا الجموح والجنون وراء السلطة.

هذه السلطة التي بذل من أجلها معاوية كل الإمكانات والسبل، التي ظهرت جلياً بعد المعاهدة التي جرت بينه وبين الإمام الحسن عليه السلام والتي لولاها لوقع ما لم يكن بالحسبان وهو ضياع الناس واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، والتي بدت للناس بنسب متفاوتة وفي أماكن محددة بعد جلوس معاوية على كرسي الحكم.

بمعنى: إنّ حماية السكان من حالات معيّنة من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية كانت الدافع في قيام الإمام الحسن عليه السلام بالصلح والتنازل عن السلطة؛ أي: تحقيق السلامة والأمن للنسبة الأكبر من الناس وإن كان ذلك لن يمنع معاوية من ممارسته هذه الانتهاكات بعد تسلمه السلطة، إلا أن الفارق بين الحالتين، أي: حالة بقاء الإمام الحسن عليه السلام على منصب الخلافة وبين تنازله عن السلطة لمعاوية هو: أن الإمام الحسن عليه السلام في هذا الصلح حفظ عامة الناس وحقق أمنهم حيث ما كانوا في أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم ويمنهم وحجازهم وتهامهم، أسودهم وأبیضهم - كما سیمر بیانه في بنود وثيقة الصلح -.

أما الخاصة من الناس وهم الذين عرفوا بموالاتهم و تشیّعهم لعلي عليه السلام،

ص: 121

فقد مارس معاوية ضدهم جرائم عديدة ولولا الصلح لكان الناس جميعاً في دائرة الاتهام والقصاص، ومن أبرز هذه الانتهاكات:

الف: جرائم الحرب

وذلك من خلال سلسلة من الاغتيالات لمعارضيه وتتبعهم وعيالهم وتحميلهم (جناية) ذويهم وسجن النساء وقطع الرؤوس والتعذيب حتى الموت كما حدث لحجر بن عدي الذي قتل ابنه وأصحابه قبله وقطع رأسه وحملت هذه الرؤوس إلى معاوية(1).

أو كعمرو بن الحمق الذي قطع رأسه وحمل إلى الشام وهو أول رأس حمل في الإسلام وسجنت زوجته وألقي إليها برأس زوجها وهي في السجن(2).

أو كمحمد بن أبي بكر الذي اغتيل بالسم وأحرق بدنه مع جيفة حمار(3)؛ وغيرها مما زخرت به صحيفة معاوية بن أبي سفيان ومن تبعه على الجلوس في كرسي الملك والخلافة (الإسلامية).

باء: التطهير العرقي

وقد ظهر ذلك من خلال التهجير الذي انتهجه معاوية بن أبي سفيان في التنكيل إخراج الفرس من الكوفة ونقلهم إلى خراسان؛ وقتل عشرات الآلاف منهم أثناء الطريق كما يفيد النص التاريخي الذي رواه الطبري والبلاذري في موردين.

المورد الأول تحدث عن نقل المقاتلة الأعاجم من الكوفة إلى الشام والبصرة، أي

ص: 122


1- اختیار معرفة الرجال للطوسي: ج 1، ص 252؛ المستدرك للنيسابوري: ج 3، ص 469
2- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 1173؛ عمدة القاري للعيني: ج 17، ص 134؛ كتاب الأوائل للطبراني: ص 107
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 49، ص 427؛ تاريخ الطبري: ج 4، ص 79؛ الغارات للثقفي: ج 2، ص 756

لم ينقلهم إلى بلادهم الأم إيران أو بلاد فارس كما كانت تعرف مما يدل على رفع مستوى معاناتهم، بعد أن كانت لهم منازل في الكوفة وألفة مع أهلها.

قال البلاذري: (إن زياداً سيّر بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية، فهم بها يدعون الفرس، وسيّر قوماً إلى البصرة فدخلوا في الأساورة الذين بها)(1).

أما السبب الذي جعل ابن زیاد يبدأ بهم فيعود إلى أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قد ساوى بينهم وبين المقاتلة العرب في العطاء فاستمالوا إليه.

وأما سبب توجيههم إلى الشام والبصرة فلكونهما عثمانیتي الولاء أو الانتماء أو الهوى آنذاك، فلا يمكنهم التحرك فيهما، بعكس نقلهم إلى بلاد فارس فإنهم سيدعون إلى علي عليه السلام.

أما المورد الثاني: فقد رواه البلاذري قائلاً: (إن زیاداً، نقل (خمسين ألفاً) من مقاتلة أهل البصرة والكوفة مع عيالاتهم إلى خراسان)، ولم تحدد الرواية كم كان عدد الكوفيين من الخمسين ألفاً.

إلا أن المدائني أشار إلى: (أن نصفهم كان من أهل الكوفة)(2).

وأيّاً كانت نسبتهم فإن إخراجهم من الكوفة والبصرة مع عيالاتهم وتهجيرهم إلى تلك البلاد البعيدة خارج العراق هو غاية الاضطهاد العقائدي والتطرف الفكري.

أما الطبري فقد نص على تهجير معاوية للناس بسبب أفكارهم ومعتقداتهم في بلاد العراق والشام والحجاز ومصادرة ممتلكاتهم، فقال: (وكان معاوية يُخرج من الكوفة المستغرب أمر علي - عليه السلام - وينزل داره المستغرب في أمر نفسه من أهل الشام، وأهل البصرة وأهل الجزيرة، وهم الذين يقال لهم النوافل في الأمصار -

ص: 123


1- فتوح البلدان للبلاذري: ج 2، ص 243
2- فتوح البلدان للبلاذري: ج 2، ص 109

أي المدن -)(1).

جيم: الجرائم ضد الإنسانية

لا شك أن أوج هذه الجرائم هي تغيير مسار الإنسانية وتحويل المجتمع إلى مجتمع متوحش ومتخلف من خلال تغيير ثقافته وأنماط تفكيره ونشر معطيات فكرية جديدة ومغايرة للطبيعة الإنسانية وللثوابت التي جاء بها الإسلام والشرائع السماوية في مختلف الديانات التي جاء بها الأنبياء.

فقد غير معاوية بن أبي سفيان جميع ثوابت الفكر الإسلامي وأحدث في الدين وسنَّ سنن الجاهلية وقتل رجال الفكر والعقيدة وبث الأحاديث المكذوبة وقام بشراء الذمم وغير ذلك، وهذه المخاطر والتهديدات التي أقدم عليها معاوية خلال خلافته هي الأقل خطراً فيما لو كان مجيئه إلى السلطة من خلال الحرب العسكرية وبسط نفوذه وسلطانه بالحديد والنار.

وقد أظهرت الروايات الشريفة هذه الحقيقة حينما كان بعض الناس يسألون عن الحكمة أو العلة في إقدام الإمام الحسن عليه السلام على الصلح، فكانت هذه الروايات كالآتي:

1- روى الشيخ الطبرسي (رحمه الله (المتوفى سنة 458 ه) (عن أبي سعيد عقيصي قال: لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيته فقال عليه السلام:

«ويحكم ما تدرون ما عملت، والله الذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت...»)(2).

ص: 124


1- تاريخ الطبري: ج 2، ص 500
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 2، ص 9

2- روى الشيخ الصدوق (المتوفى سنة 381 ه) (رحمه الله) (عن أبي سعيد عقیصا قال، قلت للإمام الحسن عليه السلام: يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه، وإن معاوية ضال باغ؟

فقال - عليه السلام -: «يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه إماماً عليهم بعد أبي؟»، قلت : بلى، قال - عليه السلام -:

«ألست الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟».

قلت: بلى، قال - عليه السلام -: «فأنا إذن إمام لو قمت، وأنا إمام إذا لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البني ضمرة، وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية».

إلى أن يقول عليه السلام: «ولولا ما أتيت لما ترك من شیعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل»)(1).

3- وروى ابن اعثم الكوفي (المتوفی سنة 314 ه) في الفتوح مجريات نقض معاوية لمعاهدات الصلح وإعلانه عن ذلك أمام الناس في الكوفة.

قال: (فغضب الناس من كلام معاوية وضجوا وتكلموا ثم شتموا معاوية وهموا به في وقتهم ذلك، وكادت الفتنة تقع، وخشي معاوية على نفسه فندم على ما تكلم به أشد الندم.

وقام المسيب بن نجبة الفزاري إلى الحسن بن علي فقال: لا والله جعلني الله فداك، ما ينقضي تعجبي منك، كيف بایعت معاوية ومعك أربعون ألف سيف، ثم لم

ص: 125


1- علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج 1، ص 211

تأخذ لنفسك ولا لأهل بيتك ولا لشيعتك منه عهدا ومیثاقا في عقد طاهر، لكنه أعطاك أمرا بينك وبينه ثم إنه تكلم بما قد سمعت، والله ما أراد بهذا الكلام أحدا سواك، فقال له الحسن - عليه السلام -: «صدقت یا مسيب! قد كان ذلك فما ترى الآن؟».

فقال: أرى والله أن ترجع إلى ما كنت عليه وتنقض هذه البيعة، فقد نقض ما كان بينك وبينه! قال: ونظر الحسن بن علي إلى معاوية وإلى ما قد نزل به من الخوف والجزع، فجعل يسكن الناس حتى سكنوا، ثم قال للمسيب:

«یا مسيب! إن الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه، ولو أني أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر مني على اللقاء، ولا أثبت عند الوغاء، ولا أقوى على المحاربة إذا استقرت الهيجاء، ولكني أردت بذلك صلاحكم وكف بعضكم عن بعض، فارضوا بقضاء الله وسلموا الأمر الله حتى يستريح بر ویستراح من فاجر»)(1).

4- وروى ابن اعثم أيضاً اعتراض الصحابي حجر بن عدي (رضوان الله عليه) على صلح الإمام الحسن عليه السلام الصلاة والسلام فأجابه قائلاً:

«یا حجر! إني قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كل إنسان يحب ما تحب ولا رأيه رأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم، والله تعالی كل يوم في شأن»(2).

5- وروى ابن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة 276 ه) (عن علي بن محمد بن بشير الهمداني، قال: خرجت أنا وسفيان بن أبي ليلی حتی قدمنا على الحسن المدينة، فدخلنا عليه، وعنده المسيب بن نجبة، وعبد الله بن الوداك التميمي، وسراج بن مالك الخثعمي.

ص: 126


1- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 294 - 295
2- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 295

فقلت: (السلام عليك يا مذل المؤمنين!!).

قال - عليه السلام -:

«وعليك السلام، أجلس، لست مذل المؤمنين، ولكني معزّهم، ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب، ونکولهم عن القتال، والله لأن سرنا إليه بالجبال والشجر ما كان بد من إفضاء هذا الأمر إليه»(1).

وهذه النصوص الشريفة تكشف عن حجم الخطر والتهديدات في وقوع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وهو ما يعم البشر جميعاً.

المسألة الثانية: السبيل الأمثل لصون الأمن الإنساني بين قرار الجمعية العامة وصلح الإمام الحسن عليه السلام

من البنود التي نص عليها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأمن البشري، هو البند الخامس الذي حمل عنوان: (نهج الأمن البشري) وقد تضمن عدة فقرات فكان مما جاء في الفقرة (28) ما يلي:

(الأمن البشري - أي الإنسان - هو إطار سياساتي حيوي وعملي للتصدي للتهديدات الواسعة الانتشار الشاملة لعدة مجالات التي تواجهها الحكومات والشعوب.

ومع الاعتراف بأن التهديدات للأمن البشري تتفاوت تفاوتاً كبيراً من بلد إلى آخر ومن مجتمع محلي إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، يقتضي تطبيق مفهوم الأمن البشري تقييم أوجه انعدام الأمن البشري تقييما شاملاً وملائماً لكل سياق؛ وهذا النهج يساعد على تركيز الاهتمام على التهديدات القائمة والناشئة الأمن ورفاه الأفراد والمجتمعات.

ص: 127


1- الأخبار الطوال لابن قتيبة الدينوري: ص 221

وجاء في الفقرة (32) من خامساً، ما يلي: (إن السبيل الأمثل لصون الأمن البشري هو اتخاذ إجراءات إستباقية ووقائية إزاء التهديدات القائمة والناشئة، فمن خلال فهم الكيفية التي تتحول بها مجموعة معينة من العوامل التي تهدد الأفراد والمجتمعات إلى حالات انعدام أمن أوسع نطاقاً، يشجع مفهوم الأمن البشري على استحداث آليات للإنذار المبكر تساعد على التخفيف من حدة أثر التهديدات الحالية، وحيثما أمكن، تلافي نشوء تهدیدات أخرى في المستقبل)(1).

ولا ريب وبعد هذا البيان في المسألة الأولى أنه أصبح من البداهة بمكان أن يقوم الإمام الحسن عليه السلام بالتصدي للتهديدات الواسعة الانتشار الشاملة لعدة مجالات التي تواجهها حكومته والشعوب في العراق والشام والحجاز وفارس وغيرها.

مما دعاه عليه السلام إلى تقييم هذه التهديدات تقييماً شاملاً وملائماً لكل سياق وهو نهج ساعده على تركيز الاهتمام بهذه التهديدات الناشئة والقائمة للأمن ورفاه الأفراد والمجتمعات في الكوفة والبصرة والشام والحجاز ومصر واليمن وبلاد فارس، حيث كان ولاته عليه السلام عليها باستثناء الشام التي تمرد فيها معاوية فكانت سبباً لهذه التهديدات والمخاطر.

ولذلك وكما ورد في قرار الجمعية العامة حول الأمن البشري في تحديد السبيل الأمثل لصون الأمن البشري هو اتخاذ إجراءات استباقية ووقائية إزاء التهديدات القائمة والناشئة.

فكانت هذه الإجراءات الاستباقية والوقائية لحفظ الإنسان وتحقيق أمنه في نفسه وماله وأولاده و عرضه التي اتخذها الإمام الحسن عليه السلام ممثلة في عرض الصلح على معاوية، بل التنازل عن الحكم ومبايعته على شرط واحد وهو أن يكون الناس كلهم آمنون وهو ما كشف عنه النص التاريخي الذي أخرجه ابن اعثم الكوفي.

ص: 128


1- القرار (64 / 291) حول الأمن البشري ضمن الدورة السادسة والستين؛ (66/6763/A)

فقال: (ثم دعا الحسن بن علي - عليهما السلام - بعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن أخت معاوية.

فقال له:

«سر إلى معاوية فقل له عني: إنك إن أمنت الناس على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، ونسائهم، بايعتك، وإن لم تؤمنهم لم أبايعك»)(1).

وقد نجح الإمام الحسن المجتبی علیه السلام في هذا الإجراء الوقائي وحقق دفع أعظم الأخطار التي كانت تهدد حياة الإنسان وماله وأولاده وعرضه؛ فقد انجذب معاوية إلى هذا العرض ورغب فيه وحرص على تحقيقه غاية الحرص كما يكشف النص التاريخي عن هذه الحقيقة.

قال ابن اعثم الكوفي: (فقدم عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب على معاوية، فخبره بمقالة الحسن - عليه السلام - فقال معاوية: سل ما أحببت.

فقال له: أمرني أن أشرط عليك شروطا.

فقال معاوية: وما هذه الشروط؟

فقال: إنه مسلم إليك هذا الأمر على أن له ولاية الأمر من بعدك، وله في كل سنة خمسة آلاف ألف درهم من بيت المال، وله خراج دار ابجرد من أرض فارس، والناس كلهم آمنون بعضهم من بعض.

فقال معاوية: قد فعلت ذلك، فدعا بصحيفة بيضاء، فوضع عليها طينة وختمها بخاتمه، ثم قال: خذ هذه الصحيفة فانطلق بها إلى الحسن، وقل له: فليكتب فيها ما شاء وأحب ويشهد أصحابه على ذلك، وهذا خاتمي بإقراري.

ص: 129


1- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 290

قال: فأخذ عبد الله بن نوفل الصحيفة وأقبل إلى الحسن ومعه نفر من أصحابه من أشراف قريش منهم عبد الله بن عامر بن کريز، وعبد الرحمن بن سمرة، ومن أشبههما من أهل الشام.

قال: فدخلوا فسلموا على الحسن، ثم قالوا: أبا محمد! إن معاوية قد أجابك إلى جميع ما أحببت، فاكتب الذي تحب، فقال الحسن - عليه السلام -:

«أما ولاية الأمر من بعده، فما أنا بالراغب في ذلك، ولو أردت هذا الأمر لم أسمه إليه، وأما المال، فليس لمعاوية أن يشرط لي في المسلمين، ولكن أكتب غير هذا وهذا»)(1).

وهذا النص يكشف عن إن ولاية الأمر، أي الحكم من بعد معاوية وكذا مقدار المال لم يكونا مما اشترطهُ الإمام الحسن عليه السلام، وإنما قد أدخلهما عبد الله بن نوفل ولذا: ردهما الإمام الحسن عليه السلام واكتفى بشرط واحد وهو أن يكون الناس كلهم آمنون في أنفسهم وأموالهم وأولادهم ونسائهم.

وهذا هو جوهر الأمن الإنساني وأساسه.

ص: 130


1- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 290

المبحث الثالث القيم الأساسية للأمن الإنساني بين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ووثيقة صلح الإمام الحسن عليه السلام

ص: 131

ص: 132

تناول قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (64 / 291) حول الأمن البشري القيم الأساسية لهذا الأمن وقد أفرد لها بنداً ضمن ثالثاً وخصص لها عنواناً فكان:

(القيم الأساسية للأمن البشري وأسباب أهميتها) وكان مما جاء في هذا البند وتحت الفقرة (16) ما يلي:

(عند التصدي لأوجه انعدام الأمن المعقدة والمتعددة الأبعاد التي يواجهها البشر اليوم في هذا العالم المترابط، أقر رؤساء الدول والحكومات في الفقرة (143) من الوثيقة الختامية لمؤتمر القمة العالمي لعام (2005 م) ب (حق الشعوب في العيش في حرية وكرامة، بمنأى عن الفقر واليأس، وأن تتاح لهم الفرصة متساوية للتمتع بجميع حقوقهم وتنمية إمكاناتهم البشرية على أكمل وجه).

وعند الفقرة (17) أيضاً فمما جاء فيها ما يلي:

(يرمي الأمن البشري إلى كفالة الأشخاص وسبل عيشهم وكرامتهم تصدياً للتهديدات القائمة والناشئة وهي تهديدات واسعة الانتشار وشاملة لعدة مجالات).

وعند الفقرة (18) جاء فيها ما يلي:

ص: 133

(يشدد الأمن البشري على الطابع العالمي المترابط لمجموعة من الحريات الأساسية الحياة البشر، وهي التحرر من الخوف، والتحرر من العوز، وحرية العيش بكرامة.

ونتيجة لذلك يُبرِز مفهوم الأمن البشري الترابط بين الأمن والتنمية وحقوق الإنسان، ويعتبر هذه العناصر لَبِنات الأمن البشري، ومن ثم الأمن الوطني).

ويمكن أن نستخلص القيم الأساسية والحريات ولبنات الأمن الإنساني التي وردت في هذه الفقرات بما يلي:

1. القيم الأساسية الواردة في قرار الأمم المتحدة حول الأمن الإنساني

وهي:

أ: حق الشعوب في العيش بحرية وكرامة بمنأى عن الفقر واليأس.

ب: أن تتاح لهم الفرصة متساوية للتمتع بجميع حقوقهم.

ج: تنمية إمكاناتهم البشرية على أكمل وجه.

د: التصدي للتهديدات القائمة والناشئة.

2. الحريات الأساسية الواردة في القرار

وهي:

أ: التحرر من الخوف.

ب: التحرر من العوز.

ج: حرية العيش بكرامة.

3. لبنات الأمن الإنساني

وهي:

أ: الأمن.

ص: 134

ب: التنمية.

ج: حقوق الإنسان.

وهذه القيم والحريات الأساسية ولبنات الأمن الإنساني (البشري) قد تضمنتها وثيقة الصلح التي دوّنها الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام مع معاوية بن أبي سفيان، هذه الوثيقة التي أخرجها غير واحد من المؤرخين فكانت كالآتي:

«هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، صالحه على: أولاً: أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلی الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الصالحين. ثانياً: ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شوری بين المسلمين. ثالثاً: على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم. رابعاً: على أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله ومیثاقه، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى الله من نفسه.

خامساً: على أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا أحد من أهل بيت النبي صلی الله عليه وآله وسلم عائلة، سرا وعلانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق».

شهد على ذلك عبد الله بن نوفل بن الحارث، وعمر بن أبي سلمة، وفلان وفلان). وقد أخرج هذه الصورة - كما أسلفنا - مجموعة من الحفاظ، وهم:

1- ابن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة 276 ه)(1).

2- البلاذري (المتوفى سنة 279)(2).

ص: 135


1- الأخبار الطوال: ص 218
2- أنساب الأشراف: ج 3، ص 42

3- ابن اعثم الكوفي (المتوفى سنة 314 ه)(1).

4- ابن طلحة الشافعي (المتوفى سنة 652 ه)(2).

5- الأربلي (المتوفى سنة 693 ه)(3).

6- ابن الصباغ المالكي (المتوفى سنة 855 ه)(4).

7- ابن حجر الهيثمي (المتوفى سنة 974 ه)(5).

8- المجلسي (المتوفى سنة 1111 ه)(6).

9- القندوزي الشافعي (المتوفى سنة 1294 ه)(7).

وقد اشتملت وثيقة الصلح على القيم الأساسية للأمن الإنساني؛ فضلاً عن الحريات الأساسية، ولبنات قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي (الأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان).

ويمكن لنا الوقوف عند هذه القيم والحريات من خلال مقارنتها مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأمن البشري المرقم (64 / 291)؛ وهي كالآتي:

ص: 136


1- الفتوح: ج 4، ص 291
2- مطالب السؤال: ص 357
3- کشف الغمة: ج 2، ص 193
4- الفصول المهمة: ج 2، ص 729
5- الصواعق المحرقة: ص 136
6- بحار الأنوار: ج 44، ص 65
7- ينابيع المودة: ج 2، ص 425

المسألة الأولى: مقارنة القيم الأساسية للأمن الإنساني بين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ووثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام

أولا: القيمة الأساسية الأولى في القرار: (حق الشعوب في العيش بحرية وكرامة) وما يقابله في وثيقة صلح الإمام الحسن عليه السلام

تكونت وثيقة الصلح التي كتبها الإمام الحسن عليه السلام من بنود خمسة، جاءت بمجمل القيم والحريات الأساسية التي توصلت إليها الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال اجتماعها لمناقشة ومباحثة مفهوم وسبل تحقيق الأمن الإنساني كما مرّ مفصلاً خلال هذه الدراسة.

وهنا: أفردنا هذه البنود التي جاءت بها وثيقة الصلح مع تلك البنود التي حملت المفاهيم والقيم الأساسية للأمن الإنساني في قرار الجمعية العامة، فكان منها هذا البند: (حق الشعوب في العيش بحرية وكرامة، بمنأى عن الفقر واليأس).

وهذه القيمة الأساسية يقابلها قيمة أساسية في وثيقة الصلح التي دوّنها الإمام الحسن عليه السلام لأجل تحقيق الأمن الإنساني، فكانت متحققة ضمن البند الأول من بنود هذه الوثيقة، وهو: ((العمل فيهم - أي في المسلمين - بكتاب الله وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم)).

وهذا الشرط الأول الذي اشترطه الإمام الحسن عليه السلام في تسليم ولاية أمر المسلمين لمعاوية هو الضامن الوحيد والمنهج الكفيل في تحقيق العيش بحرية وكرامة لكافة الشعوب باختلاف دياناتها وأعراقها.

ومما لا يخفى ما للأمن الفكري من دور أساس في ضمان حرية العيش بأمن وسلام للمواطنين جميعاً، وهذا (الأمن الفكري) الذي يكون قاعدة لبناء المواطنة وتكامل النسيج الاجتماعي والتعايش السلمي متحقق فيه مما يدفع لثبوت الأمن الإنساني بنحو عام.

ص: 137

أما الاجتهادات والآراء الشخصية وإتباع الأهواء والأطماع فكلها تقود إلى التطرف والإرهاب وتمزق النسيج الاجتماعي وانهيار التعايش السلمي وفقدان المواطنة ومن ثم ضياع الأمن الوطني مما يتسبب في نشوب الحروب والدمار.

ثانياً: القيمة الأساسية الثانية في القرار: (أن تتاح لهم الفرصة متساوية للتمتع بجميع حقوقهم)، وما يقابلها في وثيقة صلح الإمام الحسن عليه السلام

وهذه القيمة الأساسية التي وردت في القرار متجسدة في البند الثاني من بنود وثيقة صلح الإمام الحسن عليه السلام حيث قال:

«وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحدٍ من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شوری بین المسلمين».

وذلك إن الاستئثار بالسلطة وحرمان الناس من التمتع بحقوقهم في بناء المجتمع، ولاسيما حقهم في إبداء رأيهم وحرية التعبير وانتخاب من يرونه مناسباً في تولي شؤون الحكم والدولة هو من أكبر الانتهاكات لحقوق الإنسان.

ولذلك نجد المنظمة الأممية قد أخذت على عاتقها تقديم كل السبل المتاحة لمنح الشعوب حقها في الانتخاب و ممارسة الديمقراطية للحكم والتمثيل الشعبي.

فهذا النضوج في الفكر السياسي والديمقراطي إن كان جديداً على الشعوب الغربية حتى كاد يعد من أكثر منجزاتها الحقوقية للإنسان هو في الحقيقة كان أصلاً من أصول الفكر الإسلامي عند أئمة أهل البيت عليهم السلام.

فضلاً عن ذلك فإن أئمة العترة عليهم السلام لطالما كانوا يرشدون الناس ويبينون لهم أن فرض الإمامة التي خصها الله تعالى لهم تختلف من حيث المرتكزات والمفهوم والمصداق مع الحكم والحكومة، فهنا تدخل الشوری وحق الانتخاب والتمثيل، أما في الإمامة فالأمر توقيفي وتعييني من الله تعالی؛ وإذا اجتمع العنوانان معاً في آن واحد،

ص: 138

أي: الحكم والإمامة، كما حدث للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولده الإمام الحسن عليهم السلام، فللمرء حق البيعة على عنوان الحاكم، وفي المقابل لم يلزم الإمام علي عليه السلام أحداً في بيعته بهذا العنوان أي: (الخليفة) أو (الحاكم) وهو الذي كان كثيراً ما يفرق للناس وللصحابة بين خلافة المسلمين التي يصفها بأنها عنده عليه الصلاة والسلام «أزهد من عفطة عنز»(1) إلا أن يقيم حقاً ويدحض باطلاً، وكذا حال ولده الإمام الحسن عليه السلام.

أما حقهما على المسلمين في عنوان الإمامة فهو ملزم ولا يخضع للشورى أو الانتخاب أو غير ذلك مما يحق للمرء فيه تولي منصب قيادي للناس.

وعليه: كان البند الثاني من بنود وثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام ينص على القيم الأساسية للأمن الإنساني والخاصة بإتاحة الفرصة للناس بشكل متساوٍ للتمتع بجميع حقوقهم.

ثالثاً: القيمة الأساسية الثالثة في القرار: (تنمية إمكاناتهم البشرية على أكمل وجه) وما يقابلها في وثيقة الصلح

إن تحقيق الشرط الأول في وثيقة الصلح المقتضي عمل الوالي في الرعية بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحقق الشرط الثاني في تمتع الناس بحقوقهم من خلال إتاحة الفرصة لهم بشكل متساوٍ لا يفرق بين عربي وأعجمي وأبيض وأسود سيقود إلى تنمية الإمكانات البشرية على أكمل وجه لاسيما حينما نقرنها بالبند الثالث الذي نص عليه الإمام الحسن عليه السلام في وثيقة الصلح وهو:

«إن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالی».

فتحقيق الأمن كفيل بدفع الناس إلى تنمية إمكاناتهم البشرية على أكمل وجه

ص: 139


1- نهج البلاغة: ج 1، ص 37؛ علل الشرایع للصدوق: ج 1، ص 151

وهذا من الأمور التي أثبتتها الوقائع الحياتية في مختلف شعوب الأرض.

رابعاً: القيمة الأساسية الرابعة في القرار: (التصدي للتهديدات القائمة والناشئة)، وما يقابلها في وثيقة صلح الإمام الحسن عليه السلام

إن من البداهة بمكان لاسيما بعد هذه الشواهد والاستدلالات والتحليل الذي توصلت إليه هذه الدراسة لتكفي بالوقوف على صحة ما ورد في تطابق وتمازج هذه الوثيقة التي دوّنها الإمام الحسن عليه السلام وبين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأمن البشري، إذ الدافع الأول والأساس الذي دفع الجمعية الأمية للاجتماع والتباحث والتداول والمناقشة هو: (التصدي للتهديدات الناشئة والقائمة) التي تمس حياة البشر جميعاً وكلاً حسب ظروفه الحياتية والمكانية التي تعيشها هذه الشعوب؛ إذ أن الأساس في ذلك كله هو التصدي للتهديدات القائمة والناشئة التي تواجه حياة الناس وهو الهدف الذي سعى إليه الإمام الحسن عليه السلام من خلال وثيقة الصلح التي دوّن فيها شروطه للتنازل عن الحكم وخلافة المسلمين؛ بعد استبيان حجم هذه التهديدات القائمة والتي ستنشأ فيما بعد، وقد عزم معاوية بن أبي سفيان على الوصول إلى كرسي الحكم والخلافة مهما يكن الثمن ولو قتل الناس جميعاً لأجل ذلك.

وهي حقيقة زخرت بها كتب التاريخ والسيرة والتراجم؛ فضلاً عن بيان الإمام الحسن عليه السلام ومن قبله كان هذا البيان من جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبيه علي بن أبي طالب عليهما السلام.

فأما النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال:

«إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله نحلاً، وكتاب الله دغلاً»(1).

ص: 140


1- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 4، ص 479، عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالی عنه؛ مسند الشاميين للطبراني: ج 2، ص 338

وأما أمير المؤمنين علي عليه السلام فقد أخبر ولده الإمام الحسن عليه السلام بما يؤول إليه حال الأمة، فيروي عن أبيه عليه السلام، حديثاً أخبر به أحد مواليه وهو سيسأله متأسفاً عن الصلح فيقول: (تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لهم راع؟ فيجيبه الإمام الحسن عليه السلام قائلاً:

«إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لي ذات يوم، وقد رآني فرحاً: يا حسن أتفرح؟ كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟ أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية وأميرها الرحب البلعوم الواسع الأعفاج، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر، ولا في الأرض عاذر، ثم يستولي على غربها وشرقها، تدين له العباد ويطول ملکه، يستن بسنن البدع والضلال، ويميت الحق وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

يقسم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحق به، ويذل في ملكه المؤمن ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولا ويتخذ عباد الله خولا ويدرس في سلطانه الحق، ويظهر الباطل، ويلعن الصالحون، ويقتل من ناواه على الحق، ویدین من والاه على الباطل»)(1).

وهذه الأحاديث وغيرها تكشف عن حقيقة حال الأمة آنذاك وما آلت إليه حياة الناس جميعاً وقد عزم معاوية على الوصول إلى مراده وهدفه بكل السبل الممكنة التي لا تتوقف عند حد أخلاقي أو إنساني.

ولذا: كان سعي الإمام الحسن عليه السلام في هذا الصلح هو تحقيق أمن الناس وعيشهم بكرامة، بل حفظ أرواحهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم.

ص: 141


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 44، ص 20

المسألة الثانية: مقارنة الحريات الأساسية لحياة البشر الواردة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ووثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام

اشتمل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأمن الإنساني على تحديد الحريات الأساسية لحياة البشر فكانت:

1. التحرر من الخوف.

2. التحرر من العوز.

3. حرية العيش بكرامة.

وهذه الحريات الأساسية كانت من أهم العناصر والشروط التي اشتملت عليها وثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام، لاسيما الشرطان الثالث والرابع، وهما:

1. (إنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم، وعراقهم، وتهامهم، وحجازهم)(1).

2. (إنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم وأولادهم)(2).

وفي لفظ آخر فيما يتعلق بهذين الشرطين روی ابن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة 276 ه)، فقال: (ألاّ يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة، وأن يؤمن الأسود والأحمر، ويحتمل ما يكون من هفواتهم)(3).

وفي لفظ البلاذري (المتوفى سنة 279 ه): (والناس آمنون حيث كانوا على

ص: 142


1- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 290؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 3، ص 42
2- المصدر السابق نفسه
3- الأخبار الطوال: ص 218

أنفسهم وأموالهم وذراريهم)(1).

وهذه النصوص التاريخية تنص على الحريات الأساسية لحياة البشر دون التفريق بين أهل العراق أو أهل الشام وأهل الحجاز أو أهل اليمن أو أهل تهامة.

فهؤلاء البشر سواء كانوا عرباً أم موالين يجب أن يكونوا آمنين في بلادهم؛ ومتحررين من الخوف ومن العوز، ويعيشون بكرامة.

بل: أكدت النصوص على عدم التفريق بين البشر على أسس عرقية أو عقدية سواء كانوا من الجنوب أو الشرق أو الغرب وهو ما انطوى تحت لفظ (الأسود والأحمر) في وثيقة الصلح، وهما صفتان كانتا تضربان للزنوج والأعاجم سواء كانوا من الشرق كبلاد إيران وما حولها والتي تعرف ببلاد خراسان وصولاً إلى روسيا وأذربيجان؛ أو من جهة الغرب ومالف بهم من الجنسيات الأوربية التي كانت تنطوي تحت صفة الروم؛ أو من الجنوب کالزنوج؛ أو الشمال، وهم الترك.

فجميع هذه الأعراق يجب أن تكون آمنة، ومتحررة من الخوف، ومتحررة من العوز (فلا يأخذ أحداً منهم بإحنة).

وقد كان أهل هذه الأعراق يشكلون النسبة الأكثر في العراق من بين الموالين الذين يعيشون في حدود الحكومة الإسلامية وقد عرفوا بولائهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام لما رأوا من إنصافه وعدله فيهم خلال توليه الخلافة الإسلامية(2).

ولذا: فقد اشترط الإمام الحسن عليه السلام على معاوية في الصلح وتسليم الإمرة إليه: بأن يكون هؤلاء الموالون - الذين لم يرتبطوا بالقبائل العربية كونهم من

ص: 143


1- أنساب الأشراف: ج 3، ص 42
2- لمزيد من الاطلاع على أثر وجود الأقليات والموالين في الكوفة ينظر: الانثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية لمجتمع الكوفة عند الإمام الحسين عليه السلام للمؤلف

أعراق أخرى، (أي أعاجم) - آمنين ومتحمدين من الخوف، ومن العوز، وأن يعيشوا بكرامة.

وهذه الحالة العامة من الحريات الأساسية سارية على جميع من كان تحت ظل هذه الحكومة أو الخلافة الإسلامية، فالشرط هو:

أن يكون الناس جميعاً آمنين حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وأولادهم ونسائهم وذراريهم، فلا يؤخذ أحد منهم بمهانة وباحنة، أي بحقد بسبب عرقه أو لون بشرته أو عقيدته، بل يعيش بحرية وكرامة متحررة من الخوف والعوز.

المسألة الثالثة: المقارنة بين البنات قيام الأمن البشري (الأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان) ووثيقة الصلح للإمام الحسن عليه السلام الف: (الأمن)

إن العنصر الأساس الذي ركزت عليه وثيقة صلح الإمام الحسن عليه السلام هو (الأمن) ويمكن ملاحظة ذلك من خلال بنود الوثيقة التي كانت مفردة (الأمن) قد تخللتها على النحو الآتي:

1. على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله.

2. على أن أصحاب علي عليه السلام وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم وأولادهم.

3. أن يؤمّن الأسود والأحمر.

4. على أن لا يبقى للحسن بن علي ولا لأحد من أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام غائلة سراً وعلانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.

فضلاً عن ذلك: فقد كشفت الرواية التاريخية في مقدمات الصلح عن الألفاظ الآتية:

ص: 144

1. قال ابن اعثم الكوفي (المتوفى سنة 314 ه): (ثم دعا الحسن بن علي بن عبد المطلب وهو ابن أخت معاوية، فقال له: سر إلى معاوية فقل له عني:

«إنك إن أمنت الناس على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، ونسائهم، بايعتك، وإن لم تؤمنهم لم أبايعك»)(1).

2. وخاطب عليه السلام الناس في المدائن فقال لهم:

«والله لقد أصبحت وما أنا محتمل على أحد من هذه الأمة ضغنة في شرق ولا غرب ولما تكرهون في الجاهلية، والألفة، والأمن، وصلاح ذات البين خير مما تحبون من الفرقة، والخوف، والتباغض والعداوة»(2).

3. وروى ابن اعثم أيضاً فقال: (وسار معاوية وجيشه حتى وافى الكوفة، فنزل بها في قصر الإمارة، ثم أرسل إلى الحسن بن علي فدعاه، وقال: هلم أبا محمد إلى البيعة؛ فأرسل إليه الحسن - عليه السلام -:

«أبايعك على أن الناس كلهم آمنون».

فقال معاوية: الناس كلهم آمنون إلا قیس بن سعد - بن عبادة الأنصاري - فإنه لا أمان له عندي؛ فأرسل الحسن إليه:

«إني لست مبایعاً أو تؤمّن الناس جميعاً، وإلاّ لم أبايعك، فأجابه معاوية إلى ذلك»)(3).

وهذه النصوص قد تكررت فيها مفردة الأمن في مواضع مختلفة انقسمت إلى ثلاثة أقسام.

ص: 145


1- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 290
2- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 287؛ الأخبار الطوال لابن قتيبة الدينوري: ص 217
3- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 292

القسم الأول: ارتبط بمقدمات الصلح، والقسم الثاني: كان في وثيقة الصلح وبنودها، والقسم الثالث: كان بعد الاتفاق على الوثيقة وطلب إجراء البيعة في الكوفة كما مر بيانه. وهذه الألفاظ تجمع على خلق العنصر الأساس في حياة البشر وهو (الأمن)، فبه يستطع الإنسان أن يرتقي إلى المرتبة الثانية في بناء الحياة البشرية وهي: (التنمية).

ولذا: كان مصب اهتمام الإمام الحسن عليه السلام في غايته في الصلح وهدفه المرجو: (أن يكون الناس جميعاً حيث كانوا في أرض الله آمنون).

وهذا الأمن هو اللبنة الأولى من اللبنات التي أسست من أجلها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العصر الحديث ومن أجله تكافح؛ بل أصبح السمة الأبرز، إن لم تكن الغالبة التي اتسمت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فأينما ذكر اسمها انصرف ذهن السامع إلى (الأمن) والسلام؛ وهما العنصران اللذان كانا الهدف الأساس للإمام الحسن عليه السلام في خلافته قبل نشوء الأمم المتحدة بأربعة عشر قرناً.

باء: (التنمية)

لا يمكن للجمعية العامة أن تتقدم قيد أنملة في برنامج التنمية على الصعد كافة: البشرية والاقتصادية وغير ذلك ما لم يتحقق الأمن وهو أمر أصبح بديهيا لدى الجمعية العامة ولدى الأعضاء، بل هو أمر بديهي لكل عاقل.

وعليه: نجد إن الإمام الحسن عليه السلام كان حريصاً أشد الحرص - كما أسلفنا - على تحقيق الأمن للناس جميعاً كي يتمكنوا من السير في البرنامج التنموي، هذا البرنامج الذي شمل:

1. التنمية البشرية في شرطه في الوثيقة: (الناس جميعاً آمنون حيث كانوا).

2. التنمية المالية، وهي المتمثلة في: (أموالهم).

ص: 146

3. التنمية اأسرية، وهي المتمثلة في: (أولادهم).

4. حفظ المرأة، وهي المتمثلة في: (نسائهم).

5. حفظ الأجنة، وهذا ما جاء ضمن وثيقة الصلح؛ وهذه خصوصية خاصة في البرنامج التنموي للإمام الحسن عليه السلام وقد دوّنها في لفظ (الذراري).

6. التنمية الفكرية والثقافية من خلال العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وحفظ رموز أهل البيت عليهم السلام الذي يعد صمام الأمان ومصدر النمو وحفظ المجتمع من التفكك وذلك بمنع وقوع النزاعات والحروب الطائفية والعقدية عند التعرض لهم.

وهذا البرنامج التنموي كان الهدف والغاية من الصلح.

جيم: حقوق الإنسان

يكفي الباحث الوصول إلى هذه اللبنة الثالثة التي أقيمت من أجلها الجمعية العامة للأمم المتحدة في وثيقة الصلح من خلال المفردات الآتية:

1. (أن يكون الناس جميعاً آمنين) دون تفريق بينهم، فحق كل إنسان أن يكون آمناً.

2. (أن يؤمن الأسود والأحمر)؛ فحق الإنسان أن يعيش دون تمييز عنصري أو عرقي بحرية وكرامة.

3. (أن يحتمل هفواتهم)؛ أن يسود العفو في الناس ولا يعاقبون على أفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم.

4. (أن يكون الأمر شوری بين المسلمين)، حق الإنسان في التعبير عن رأيه ومن يمثله في الحكم والقيادة.

5. (كأني أنظر إلى أبناءكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم

ص: 147

بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون)؛ وهو حفظ حقوق المجتمع والأجيال القادمة في العيش بكرامة وحرية من الفقر والحاجة.

فهذه الألفاظ کافية في بيان سعي الإمام الحسن عليه السلام في إثبات حقوق الإنسان والعيش بكرامة مما يعني: ترسيخ أو تثبیت ركائز الأمن الإنساني ولبناته ومفهومه في صلح الإمام الحسن عليه السلام أثناء خلافته.

وأنه سبق بهذا المفهوم والمصداق والبرنامج العملي الذي لم تتوصل إليه الدراسات المعاصرة التي (تتمثل في تركيز غالبية المراجع على معالجة موضوع الأمن الإنساني في سياقاته النظرية، أي الاهتمام بالأطروحات النظرية النقدية التي تستهدف توسيع مفاهيم الأمن التقليدي وبالتالي نقص الدراسات حول الجوانب الممارسية، أي الاهتمام بمساعي تفعيل الأمن الإنساني باعتباره أجندة عملية مقابلة للتطبيق)(1).

هذه الأجندة العملية التي افتقرت إليها الدول والدراسات كانت حاضرة وبقوة في خلافة الإمام الحسن عليه السلام حينما أقدم على الصلح والتنازل عن الحكم مقابل تحقيق الأمن الإنساني.

ص: 148


1- دور المنظمات الدولية غير الحكومية في تفعيل مضامين الأمن الإنساني، للباحثة: أدري صفية جامعة الحاج لخضر باتنة

المبحث الرابع الأمن الإنساني في مقتضيات الخلافة الإلهية

ص: 149

ص: 150

المسألة الأولى: مفهوم الخلافة الإلهية والخلافة السلطوية

أولا: مفهوم الخلافة الإلهية

لقد مرّ من خلال مباحث الدراسة بعض الإشارات إلى بيان الفرق بين مفهوم الخلافة الإلهية التي هي تعيين إلهي رباني للإنسان الذي اجتباه الله تعالى من بين خلقه واصطفاه عليهم كما هو حال الأنبياء والمرسلين والأئمة المنصوص عليهم من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم (عليهم السلام جميعاً)، وبين مفهوم الخلافة السلطوية التي تمثلت بالحكام والسلاطين والملوك والرؤساء وغيرهم.

وإن أصحاب الخلافة الإلهية إذا توفرت لديهم وسائل الحكم والدولة فحينها تجتمع لديهم الخلافتين الإلهية التعيينية بالنص الإلهي والخلافة بمفهوم الحكم وقيام الدولة الذي يستلزم جميع مكوناتها من إنشاء جيش وشرطة وخزينة؛ وهو ما يعرف اليوم بالوزارات السيادية الأساسية كالدفاع والداخلية والمالية وغير ذلك مما يرتبط بعنوان الحكومة، وحينها ينعم الإنسان بالأمن الحياتي أو الأمن الإنساني؛ وهي حقيقة نراها قد تجسدت في حياة بعض الأنبياء عليهم السلام؛ أي: قد جمع بعض الأنبياء عليهم السلام هاتين الخلافتين؛ الإلهية والسلطوية، واتساع حكومة هذه السلطة على غير البشر وهو ما لم يحدث لحاكم من الحكام مهما أوتي من قوة، ومن مقومات السلطة أو الحكومة، كما كان لنبي الله سليمان عليه السلام الذي جمع بين الخلافة الإلهية

ص: 151

بعنوان النبوة وبين السلطة بعنوان الملك والحكم والدولة، فسرى حكمه وسلطانه وملکه على المكونات الدنيوية المرئية منها والغيبية كالحكم على الجن والرياح والمياه والدواب والطير والجماد كما حدث عند نقل عرش بلقيس وغير ذلك.

ومنهم أيضاً نبي الله يوسف عليه السلام الذي جمع بين النبوة وحكم مصر اقتصادياً، أو كنبي الله داود عليه السلام الذي قاد جيشاً لإعلاء كلمة التوحيد وإدخال الناس تحت قوانين هذه الخلافة الإلهية.

ومن الأنبياء كذلك الحبيب المصطفى محمد صلی الله عليه وآله وسلم الذي جمع بين الخلافة الإلهية التي عنون لها القرآن الكريم بقوله سبحانه: «...إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...»(1).

ثانيا: مفهوم الخلافة السلطوية

إن الخلافة بمفهوم السلطة والدولة والتي اتخذت بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم عنوان (الخلافة الإسلامية) والتي قاتل من أجلها بعض رموز الصحابة وصرحوا بذلك كقول عمر بن الخطاب في سجاله ومحاججته لسعد بن عبادة في جمع من الأنصار في سقيفة بني ساعدة، قائلاً: (من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته)(2).

إنّ هذه الخلافة السلطوية (الإسلامية) والتي تصدى لها أربابها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن يتقمصوا معها المنصب الأول؛ أي: الخلافة الإلهية؛ وذلك من خلال التصدي للأحكام الشرعية وإفتاء الناس في أمور دينهم ودنياهم، فكانت معضلة كبيرة فضلاً عن ترسيخها لهوة عظيمة في الإسلام هلك فيها من هلك

ص: 152


1- سورة البقرة، الآية: 30
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 458؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19، ص 34

وضلّ فيها من ضلّ.

مما أدى إلى انحراف الإسلام عن مساره الذي حدده الله تعالى ورسوله المصطفی صلى الله عليه وآله وسلم في قيادة الناس إلى الحياة الكريمة الآمنة في الدنيا والآخرة.

ولذلك:

كان هدف الخلافة الإلهية هو تحقيق الأمن والتنمية وحفظ الحقوق ليس فقط للإنسان؛ بل للحيوان والشجر والجماد، ولعل ما تشهده الحياة اليوم من تدهور في البيئة كالاحتباس الحراري، وندرة المياه، وانتشار الأوبئة، والكوارث الطبيعية كالفيضانات، والزلازل، وغيرها، كله مرتبط بضياع الحق الأول حينما تم سلب الخلافة الإلهية وفصلها عن الخلافة السلطوية في الإسلام؛ والتي جمعت بعد النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم في علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقد نص عليه الله تعالى، وبلّغ عنه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في آية البلاغ في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة في حجة الوداع في غدیر خم.

فضلاً عن جملة من النصوص التي رافقت حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ حديث الدار حينما نزل قوله تعالی:

«وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1).

وانتهاءاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا»(2).

ص: 153


1- سورة الشعراء، الآية: 214
2- صحیح مسلم، باب: الأمر بقضاء النذر: ج 5، ص 76، السنن الكبرى للنسائي، باب: كتابة العلم في الألواح: ج 5، ص 76؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 355

فردّ عليه عمر بن الخطاب مخاطباً بعض من حضر من الصحابة في حجرة النبي صلی الله عليه وآله وسلم: (دعوه إنه ليهجر)(1)؛ وقيل أن الصحابة هم من قال ذلك(2).

دام ومن ثم:

نحن أمام مفهومين وخلافتين، الخلافة الأولى: هي الخلافة الإلهية التي تقوم بالنص عن الله تعالی وتبليغ النبي الذي سبق عن النبي الذي سيخلفه، وهذا الاعلان هو منهج رباني کشفه القرآن في بيانه سبحانه تعالى وإعلانه وإخباره الملائكة بهذا الخليفة فقال لهم عزّ شأنه:

«...إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...»(3).

ثم تتولّى الآيات القرآنية بيان هذا الاعلان والتعريف بالخليفة الذي كانت فيه صفات ومؤهلات خاصة تعجز عنها الملائكة، وإلا مقتضى الحال أن تكون الملائكة خلفاء الله تعالى في أرضه. إلاّ أن الله تعالى بيّن لهم أن هذا الخليفة فيه من الصفات والمؤهلات ما لم تتوافر في أحد منكم، وذلك حينما خاطبهم سبحانه:

«...أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(4).

أي: إن كنتم صادقين فيما تدعون بأنكم أهلٌ لهذا المنصب وهو الخلافة حينما قالوا لله تعالی: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ

ص: 154


1- صحيح البخاري: ج 1، ص 37
2- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ج 4، ص 66
3- سورة البقرة، الآية: 30
4- سورة البقرة، الآية: 23

بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»(1)، وأجاب عزّ شأنه: «...قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، ولذا: حينما أخبرهم آدم عليه السلام بأسماء هؤلاء ثبت لدى الملائكة أن هذا الخليفة هو المؤهل لنيل هذا العنوان والمنصب الإلهي في كونه خليفة الله في الأرض.

وهذا الإعلان كان منهجاً إلهياً ملزماً للأنبياء واحداً بعد الآخر في بيان الخليفة الذي يليه كما كان بادئ الأمر عند آدم والملائكة عليهم السلام.

وهو ما كان في الإسلام حينما بلّغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمة في أن علياً عليه السلام هو الخليفة بعنوانها ومفهومها القرآني والإلهي؛ وإنه منه كمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعده(2).

وهو المؤهل للخلافة السلطوية حاله في ذاك حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قيادة الأمة والحكومة والخلافة السلطوية، أو كما عرفت بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم بالخلافة الإسلامية.

وهو ما كان عملياً عند بيعة المسلمين له بعد مقتل عثمان بن عفان، فقد بايعه المسلمون على الخلافة السلطوية على كونه حاكما وخليفة إسلامياً، وهذه غير ملزمة للجميع أن يبايعوا على ذاك، فمن شاء فهو ملزم بالطاعة له عليه السلام؛ وأما من لم يبايع فهو غير ملزم بالطاعة تحت عنوان الحكم والخلافة.

أما طاعته الإلزامية في عنوان الإمامة والخلافة الإلهية فهي فريضة وتوقيفية، غير اختيارية لمن شاء النجاة في الآخرة؛ أما من أراد الإعراض فلن يضر الله تعالى في شيء، ولو أعرض جميع من في الأرض، فالله سبحانه لغني عن العالمين.

ص: 155


1- سورة البقرة، الآية: 30
2- مسند أحمد: ج 1، ص 184، وج 3، ص 32؛ صحیح مسلم، باب: فضائل علي: ج 7، ص 120

إذن :

كان الإمام الحسن عليه السلام قد جمع بين الخلافة الإلهية بالنص والتعيين من الله تعالى على لسان جده النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبيه الإمام المعصوم علي بن أبي طالب عليهما السلام وبين الخلافة السلطوية التي بايعه فيها المسلمون؛ وإنه حينما سعى في الصلح مع معاوية وتنازل له عن الخلافة، فهذه الخلافة التي تنازل عنها هي الخلافة السلطوية وليست الخلافة الإلهية، مع ملاحظة أن هذه الخلافة، أي: الخلافة الإسلامية هي حقه المسلوب؛ وإن معاوية قد استولى عليها بقوة السلاح والمال والمكر وهي محرمة عليه.

بمعنی:

أن الإمام الحسن عليه السلام لم يكن متهاوناً أو مساوماً في حقه وإنما وجد أن الضرورة الشرعية في حفظ الناس جميعاً من هذا البلاء الذي سيؤتي عليهم وعلى أولادهم ونسائهم وأموالهم ويؤدي إلى ضياع الإسلام تلزم أن يتقدم بالموادعة والمصالحة لدرء الخطر الأعظم عن الناس جميعاً وتحقيق الأمن الإنساني وهذا يساق مع حدود الخلافة الإلهية التي كانت هي المحرك الأول والأخير في هذه الخطوة؛ فالنظرة كانت دائرتها واسعة كما كانت لنبي الله سليمان عليه السلام وغيره في تقرير وتقنين ما يحتاج إليه هذا الخلق بإذن الله تعالی.

ولذا: خاطبه سبحانه بعد أن أعطاه هذا الملك الواسع والتحكم في الخلق والجماد فقال له عزّ وجل: «هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1)

ومن هنا:

ص: 156


1- سورة ص، الآية: 39

كان فعل الإمام الحسن عليه السلام في تحقيق الأمن الإنساني نابعاً من مقتضيات الخلافة الإلهية التي خصّه الله تعالى بها.

المسألة الثانية: تفرد الإمام الحسن عليه السلام بمشروعه في تحقيق الأمن الإنساني على جميع الحكام بتنازله عن الحكم وتقديم رؤية جديدة عن الأمن القومي

لم تزل تلك الرؤى والمناقشات التي تدور في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة أو المؤسسات والمؤتمرات التي ارتبطت بها إلى المبادرة العملية في تحقيق الأمن الإنساني بمفهومه الذي خلصت إليه في قرارها حول الأمن البشري.

ومن ثم لم يزل الناس جميعاً تحت وطأة فقدان الأمن وحرية العيش بكرامة وفي عوز مستمر وحاجة ملحة تؤرق مضجعهم وتؤلم أبناءهم ونساءهم وإن كان التفاوت في الأمن وحرية العيش بكرامة والتحرر من الخوف والعوز والحاجة متفاوتاً بنسب ما في بقاع الأرض.

والسبب يعود إلى:

1. عدم جدية الحكومات جميعاً في تقديم الإنسان على السلطة والدولة وكرسي الحكم، بل يبقى شأن الدولة ورأس الهرم فيها على مقدمة اهتماماتها.

2. عدم توفر النية الصادقة في تحقيق الأمن الإنساني لدى أكبر الدول ومن بيدها صنع القرار ومنابع الاقتصاد و موارد الطاقة وسوق المال والتجارة.

3. تقديم الأمن القومي على الأمن الإنساني وتغليب مشروع الهيمنة على الشعوب النامية والفقيرة أي: إن تحصيل رفع العوز والحاجة وتحقيق الأمن والتنمية يمنع من تحقيق مشروع الهيمنة لدى رجالات هذه الدول وفرض هيبتها على الناس.

ص: 157

ومن ثم يكون الأمن الإنساني حاجزاً لها عن فرض هيمنتها واحتياج الشعوب والحكومات إليها مما يشكل تراجعاً في نفوذها وبقائها؛ فيتعارض حينها الأمن الإنساني مع الأمن القومي؛ في حين نجد أن هذا الواقع مختلف تماماً في خلافة الإمام الحسن عليه السلام، فقد قدم رؤية جديدة للأمن القومي غير التي يقدمها المعنيون بالقانون الدولي وشؤون الحكم والسياسة.

فجميع الدول تذهب إلى أن حفظ الأمن القومي مقدم على حفظ الأمن الإنسان بل به يتحقق أمن الإنسان؛ في حين نجد أن الإمام الحسن عليه السلام يجعل أمن الإنسان محقق لأمن الدولة والحكومة وهي حقيقة أثبتتها الحياة في بقاع مختلفة من الأرض.

فكم من حكومة انقلب عليها مواطنوها حينما وجدوا منها الذل والعيش بمهانة وترد في الأوضاع وحرمان حتى من حق النقد والتعبير عن الرأي، وكل ذلك كان يجابه من هذه الحكومات بعنوان المساس ب (الأمن القومي)، فبات مصداق (الأمن القومي) هو أمن رأي رئيس الدولة وأعضاء دولته وخاصته. فضلاً عن إبراز عنوان حق الحاكم في البقاء في منصبه حتى لو لزم الأمر أن يتوشح راية الحرب على جسده ويقاتل الناس بیده.

وعليه:

يقدم لنا الإمام الحسن عليه السلام درساً عملياً في تصحيح بناء الأمن الإنساني؛ كما يقدم لنا رؤية جديدة في الأمن القومي مرتكزة على تقديم أمن الإنسان ولو تطلب ذلك التنازل عن منصب الحكم أو السلطة أو الخلافة كما فعل هو ذلك، حينما وجد أن التهديدات الواقعة والناشئة ستؤدي إلى هلاك الناس ويعم خطرها الأخضر واليابس، فعزم على التخلي عن الحكم والخلافة ما دام هذا الأمر يحقق الأمن للناس جميعاً حيث كانوا من أرض الله تعالى، على الرغم من حقه الشرعي والعرفي والقانوني بالحكم

ص: 158

والخلافة، وهو ما صرح عنه في جملة من النصوص التي تكشف عن العلة والحكمة في إقدامه على الصلح؛ فضلاً عن تصريحه عن حقه في الخلافة الذي قدمه تحقيقاً للأمن الإنساني، فكانت هذه النصوص كالآتي:

1. روى أحمد بن عبد الله الطبري (المتوفى سنة 694 ه) عن الإمام الحسن عليه السلام، أنه قال: «ما أحببت منذ علمت ما ينفعني ويضرني أن ألِيَ أمر أمة محمد صلی الله عليه وآله على أن يهراق في ذلك محجمة دم»(1).

2. وروى أيضاً عن أبي العريف قال: (كنا في مقدمة الحسن بن علي إثني عشر ألفا مستميتين حرصاً على قتال أهل الشام، فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شیخ منا یکنی أبا عمر وسفيان بن أبي ليلى، فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين!!

فقال عليه السلام:

«لا تقل يا أبا عمرو، فإني لم أذل المؤمنين ولكن كرهت أن أقتلهم في طلب الملك»)(2).

3. وأخرج الحاكم النيسابوري عن عبد الرحمن بن جبیر بن نفير عن أبيه قال: (قلت للحسن بن علي، إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة(3)؟ فقال عليه السلام:

«قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت تركتها

ص: 159


1- ذخائر العقبی: ص 139
2- المصدر السابق نفسه
3- وهذا كان بعد الصلح ورجوع معاوية إلى الشام فبعث من يسأل الإمام الحسن عليه السلام عن حقه في الخلافة خوفاً أن يعاود الإمام المطالبة بهذا الحق، لاسيما وإن معاوية قد نقض الصلح ومزق الوثيقة ووضعها تحت قدميه أمام الناس، للمزيد ينظر: (مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: ص 45؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 16، ص 46)

ابتغاء وجه الله تعالى، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ابتزها بأتياس(1) أهل الحجاز»)(2)، وفي لفظ أخرجه الصدوق (ثم أثيرها بأكياس أهل الحجاز)(3).

4. وأخرج الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي (المتوفى سنة 235 ه)، وغيره بألفاظ متقاربة، عن الشعبي، قال: خطب الإمام الحسن عليه السلام وقد طلب منه معاوية أن يخطب الناس. فقال - عليه السلام -:

«الحمد لله الذي هدى بنا أولكم، وحقن بنا دماءكم، ألا إن أكيس الكيس التقى، وأعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق كان لي فتركته لمعاوية، أو حق كان لامرئ أحق به مني، وإنما فعلت هذا لحقن دمائكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع»(4).

وفي لفظ:

«أو حق لي تركته لإرادة صلاح المسلمين وحقن دمائهم، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين»(5).

وفي لفظ آخر:

«حق كان لي فتركته له، وإنما فعلت ذلك لحقن دمائكم، وتحصين أموالكم، وإن

ص: 160


1- جمع تیس، وهو الذكر من الماعز
2- المستدرك على الصحيحين: ج 3، ص 170؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج 12، ص 206؛ تاریخ الخلفاء للسيوطي: ص 210
3- علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 220
4- المصنف لابن أبي شيبة: ج 7، ص 277، برقم (65) من كتاب الأمراء
5- فتح الباري لابن حجر: ج 13، ص 56؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 8، ص 173؛ مستدرك الحاكم للنيسابوري: ج 3، ص 175؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 26

أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين»(1).

وفي لفظ آخر، أنه عليه السلام قال:

«أيها الناس إن أكيس الكيس التقى، وإن أحمق الحمق الفجور، وإنكم لو طلبتم ما بين جابلق وجابرص، رجلا جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين؛ وقد علمتم أن الله هداكم بجدي محمد، وأنقذكم به من الضلالة، ورفعكم به من الجهالة، وأعزكم به بعد الذلة، وكثركم به بعد القلة، وإن معاوية نازعني على حق هو لي دونه، فنظرت صلاح الأمة، وقد كنتم بایعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، وإن معاوية واضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته ورأيت أن ما حقن الدماء خير مما سفكها، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم:

«وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ»(2)»(3).

5. وروى ابن اعثم الكوفي (المتوفى سنة 314 ه) أن معاوية تكلم بعد هذه الخطبة التي ألقاها الإمام الحسن عليه السلام، فقال:

«أيها الناس! إنه لم تتنازع أمة كانت قط من قبلنا في شيء من أمرها بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا هذه الأمة، فإن الله تعالى أظهر خيارها على أشرارها، وأظهر أهل الحق على أهل الباطل ليتم لها بذلك ما أسداها من نعمة عليها، فقد استقر الحق قراره، وقد كنت شرطت لكم شروطا أردت بذلك الألفة واجتماع الكلمة وصلاح الأمة وإطفاء النائرة، والآن فقد جمع الله لنا كلمتنا وأعز دعوتنا، فكل شرط شرطته لكم فهو مردود، وكل وعد وعدته أحدا منكم فهو تحت قدمي».

ص: 161


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 105
2- سورة الأنبياء، الآية: 111
3- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 4، ص 293

قال: فغضب الناس من كلام معاوية وضجوا وتكلموا، ثم شتموا معاوية وهموا به في وقتهم ذلك، وكادت الفتنة تقع، وخشي معاوية على نفسه فندم على ما تكلم به أشد الندم.

وقام المسيب بن نجبة الفزاري إلى الحسن بن علي فقال: لا والله جعلني الله فداك، ما ينقضي تعجبي منك، كيف بایعت معاوية ومعك أربعون ألف سيف، ثم لم تأخذ لنفسك ولا لأهل بيتك ولا لشيعتك منه عهدا وميثاقا في عقد طاهر، لكنه أعطاك أمرا بينك وبينه ثم إنه تكلم بما قد سمعت، والله ما أراد بهذا الكلام أحدا سواك، فقال له الحسن - عليه السلام -:

«صدقت یا مسیب! قد كان ذلك فما ترى الآن؟»، فقال: أرى والله أن ترجع إلى ما كنت عليه وتنقض هذه البيعة، فقد نقض ما كان بينك وبينه! قال: ونظر الحسن بن علي إلى معاوية وإلى ما قد نزل به من الخوف والجزع، فجعل يسكن الناس حتى سكنوا، ثم قال للمسيب:

«یا مسيب! إن الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه، ولو أني أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر مني على اللقاء، ولا أثبت عند الوغاء، ولا أقوى على المحاربة إذا استقرت الهيجاء، ولكني أردت بذلك صلاحكم وكف بعضكم عن بعض، فارضوا بقضاء الله وسلموا الأمر لله حتى يستريح بر ویستراح من فاجر»)(1).

6. وأخرج الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى (المتوفى سنة 460 ه) عن أبي عمر زاذان عن الإمام الحسن عليه السلام وقد سمع معاوية يخطب الناس فيقول لهم: (إنّ الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً ولم ير نفسه لها أهلاً، وكان الإمام الحسن أسفل منه بمرقاة فلما فرغ من كلامه، قام عليه السلام، فحمد الله تعالى ما هو أهله، ثم ذكر المباهلة وغيرها مما يخص أهل البيت عليهم السلام إلى أن قال:

ص: 162


1- المصدر السابق نفسه

«إن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله، على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...»)(1).

7. وأخرج شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى في حديث طويل عنه عليه السلام، إنه قال:

«أيها الناس إنه لا يعاب أحد يترك حقه، وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له»(2).

وهذه النصوص تكشف عن جملة أمور، منها:

أ: إثبات حقه في الخلافة الإسلامية التي بايعه المسلمون عليها بعد أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام.

ب: إنه لم يساوم على حقه في الخلافة وإنما قام بهذا الصلح لأجل صلاح الأمة وحقن دمائها وتعايش أهلها من الموالين مع أهل الديانات الأخرى وهو ما يحقق الأمن الإنساني.

ج: فضح معاوية وبيان اغتصابه للخلافة التي هي محرمة عليه لكونه من الطلقاء الذين أسرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة فقال:

«أذهبوا فأنتم الطلقاء»، فكيف بمن كان طليقاً لا يعرف الإسلام يكون خليفة للمسلمين ويتحكم في أمور دينهم ودنياهم.

د: قطع الطريق على من يريد أن يجمع بين الخلافة السلطوية، وبين الخلافة الإلهية التي هي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذين جعلهم الله ورسوله عدل القرآن والثقل الأصغر، كما هو متواتر من الأحاديث الشريفة عنه صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث الثقلين القرآن والعترة النبوية، وهم أهل بيته.

ص: 163


1- الأمالي للطوسي: ص 560
2- الأمالي للطوسي: ص 566

ه: ورد في الحديث الخامس في اللفظ الذي أخرجه ابن اعثم الكوفي بيانه عليه السلام للخلافة الإلهية والخلافة السلطوية في خطابه للناس بعد الصلح، وبيّن عليه السلام أن هذه الانجازات التي حققها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتي باتت تعرف اليوم بالأمن الإنساني فضلاً عن التنمية وحقوق الإنسان وحرية العيش بكرامة والتخلص من الفقر والحاجة والعوز وغير ذلك، إنما هي من مقتضيات الخلافة الإلهية - كما أسلفنا في المسألة السابقة -.

نتائج الدراسة

يتضح من خلال هذه الدراسة ما يلي:

أولاً: إن الأمن الإنساني هو من مقتضيات الخلافة الإلهية وهو مشروع الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام أجمعين.

ثانياً: إن الخلافة السلطوية إنما هي وسيلة يستعان بها على إمضاء حقوق الناس ومنع وقوع الظلم وتثبيت العدل وإقامة الحق.

ثالثاً: إن الإمام الحسن المجتبی علیه السلام قد تفرد من بين الحكام جميعاً في تقديم الإنسان وأمنه على أمن الدولة والحكم، فكان بحق مثالاً صادقاً وعملياً للأمن الإنساني الذي يقوم مفهومه على تقديم الإنسان وجعله أولاً في سلم الأولويات لدى الحكومات.

رابعاً: أسبقية الإمام الحسن عليه السلام في بيان مفهوم الأمن الإنساني ومصداقه والعمل على تحقيقه بكل ما أوتي من إمكانيات قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بألف وأربعمئة عام.

خامساً: دعوة المنظمات والمؤسسات والدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة والمفكرين والمعنيين في الأمن الإنساني، بل في الأمن، والتنمية، وحقوق

ص: 164

الإنسان، إلى قراءة حياة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ودراستها، فضلاً عن حياة عترته أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين للوصول إلى المفاهيم والآليات الصحيحة في تحقيق الأمن الإنساني والأمن الفكري والأمن الاقتصادي وما تحتاج إليه الحياة أجمع.

«وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(1).

«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(2).

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»(3).

ليلة الجمعة 19 / محرم الحرام / 1436 ه

الموافق 13 / 11 / 2014 م

كربلاء المقدسة

ص: 165


1- سورة الصافات، الآية: 182
2- سورة البقرة، الآية: 127
3- سورة هود، الآية: 88

ص: 166

المصادر والمراجع

ص: 167

ص: 168

- القرآن الكريم.

1. الاحتجاج / تأليف: الشيخ أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي / تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري / طبع: دار الأسروة للطباعة والنشر لسنة 1425 ه، 2004 م / الطبعة السادسة / قم المقدسة - إيران.

2. الأخبار الموفقيات / تأليف: أبو عبد الله الزبير بن بكار بن الزبير القرشي الأسدي / تحقيق: د. سامي مكي العاني / الطبعة الأولى / نشر: عالم الكتب / سنة الطبع: 1229 ه / بيروت.

3. استراتيجية تعزيز الأمن الفكري (بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري - المفاهيم والتحديات / إعداد: متعب بن شديد بن محمد الهماش / جامعة الملك سعود / الرياض - المملكة العربية السعودية.

4. الاستيعاب في معرفة الأصحاب / تأليف: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبر البر القرطبي / تحقيق: علي محمد البجاوي / الطبعة الأولى / نشر: دار الجيل / سنة الطبع: 1412 ه، 1991 م/ بيروت - لبنان.

5. أسد الغابة في معرفة الصحابة / تأليف: عز الدين ابن الأثير ابي الحسن علي بن محمد الجزري / تحقيق: مجموعة من المحققين / الطبعة الثانية / نشر: دار الکتب العلمية / سنة الطبع: 1424 ه، 2003 م / بيروت - لبنان.

6. الإصابة في تميز الصحابة / تأليف: الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) / دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض / الطبعة الأولى / نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1415 ه، 1994 م / بيروت - لبنان.

7. أصول الكافي / تالیف: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني / طبع: دار الأسوة للطباعة والنشر لسنة 1435 ه، 2004 م / الطبعة الخامسة / قم المقدسة - إيران.

ص: 169

8. الأعلام / تأليف: خير الدين الزركلي / الطبعة الخامسة / نشر: دار العلم للملايين / سنة الطبع: 1400، 1980م / بيروت - لبنان.

9. أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين / نشر: دار التعارف للمطبوعات / سنة الطبع: 1413 ه، 1992 م/ بيروت - لبنان.

10. إكمال الدين وتمام نعمة / تأليف: الشيخ أبو جعفر محمد بن علي الصدوق / تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي / الطبعة الثانية / نشر: مؤسسة الأعلمي / سنة الطبع: 1424 ه / بيروت.

11. الأمالي / تأليف: الشيخ أبو جعفر بن محمد بن الحسن الطوسي / تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية / الطبعة الأولى / نشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة / سنة الطبع: 1414 ه، 1993 م / قم المقدسة - إيران.

12. الأمالي / تأليف: الشيخ أبو جعفر محمد بن علي الصدوق / تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية / طبع: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة لسنة 1417 ه، 1996 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

13. إمتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأحوال والأموال والمفدة والمتاع / تأليف: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، المقريزي / تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي / طبع و نشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

14. الأمن الإنساني المفهوم والتطبيق في الواقع العربي والدولي / تأليف: خديجة عرفة محمد أمين / جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية / الطبعة الأولى لسنة 1430 ه، 2009 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

15. الأمن الإنساني كمفهوم غير شامل / بقلم: حبیب معلوف / مقال نشرته جريدة السفير اللبنانية بعددها الصادر يوم الأربعاء 21 / تشرين الأول سنة 2009 ونشره موقع

ص: 170

حركة التجدد الديمقراطي.

16. الأمن الفكري / بقلم: د. إبراهيم عبد الله الزهراني / موقع السكينة.

17. الأمن الفكري في نهج البلاغة / تأليف: السيد نبيل الحسني / نشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة / طبع: دار الكفيل لسنة 1436 ه، 2015 م / الطبعة الأولى / كربلاء المقدسة - العراق.

18. الأمن الفكري والعقائدي مفاهيمه وخصائصه وكيفية تحقيقه / بقلم: أحد بن علي المجدوب / نشر: المركز العربي للدراسات الأمنية بالرياض / طبع: سنة 1408 ه / المملكة العربية السعودية.

19. الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية للمجتمع الكوفة عند الإمام الحسين عليه السلام / تأليف: السيد نبيل الحسني / الطبعة الأولى / نشر: شعبة الدراسات والبحوث الاسلامية في العتبة الحسينية المقدسة / سنة الطبع: 1430 ه / بيروت.

20. أنساب الأشراف / تأليف: البلاذري / تحقيق: محمود الفردوس العظم / طبع ونشر: دار اليقظة العربية لسنة 1997 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

21. الأوائل / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني / تحقيق: محمد شکور بن محمود الحاجي أمرير / نشر: مؤسسة الرسالة، طبع: دار الفرقان لسنة 1403 ه / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

22. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار / تأليف: العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1111) / طبع و نشر: مؤسسة الوفاء لسنة 1403 ه، 1983 م/ الطبعة الثانية المصححة / بيروت - لبنان.

23. بلاغات النساء أبو الفضل أحمد بن ابي طاهر طيفور / تحقيق : بركات يوسف هبود / الطبعة الأولى / نشر: المكتبة العصرية / سنة الطبع: 1426 ه / صيدا.

24. تاج العروس / تأليف: الزبيدي / تحقيق: علي شيري / طبع: دار الفكر لسنة 1414 ه، 1994 م/ بيروت - لبنان.

ص: 171

25. تاریخ الخلفاء / تأليف: جلال الدين السيوطي / تحقيق: لجنة من الأدباء / نشر: مطابع معتوق أخوان / بيروت - لبنان.

26. تاریخ الخميس في أحوال أنفس نفیس / تأليف: الشيخ حسين بن محمد الديابكري / نشر: دار صادر / بيروت - لبنان.

27. تاريخ الطبري - تاريخ الأمم والملوك / تأليف: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري / تحقیق وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء / طبع و نشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1403 ه، 1983 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

28. تاريخ مدينة دمشق الكبير / تأليف: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر (ت 571 ه) / تحقيق: أبي عبد الله علي عاشور الجنوبي / الطبعة الأولى / طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي لسنة 1421 ه 2001 م / بيروت - لبنان.

29. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم/ تأليف: ابن شعبة الحراني / تصحیح و تحقیق: علي أكبر الغفاري / الطبعة الثانية / نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسين / سنة الطبع: 1404 ه، 1983 م / قم المقدسة - إيران.

30. تذكرة الخواص / تأليف: العلامة سبط ابن الجوزي / الطبعة الأولى / نشر: دار العلوم / سنة النشر: 1425، 2005 م / بيروت - لبنان.

31. تفسير السمرقندي / تأليف: نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي / تحقيق: د. محمود مطرجي / الطبعة الأولى / نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1427 ه، 2007 م / بيروت - لبنان.

32. تفسير السمعاني / تأليف : أبو المظفر، منصور بن عبد الجبار بن أحمد المروزي السمعاني التميمي الحنفي / تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم / الطبعة الأولى / نشر: دار الوطن / سنة الطبع: 1418 ه، 1997 م / الرياض.

33. جامع البيان عن تأويل آي القرآن / تأليف: ابو جعفر بن جرير الطبري / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

ص: 172

34. حكم الامام علي عليه السلام او غرر الحکم و درر الكلم / إعداد: عبد الواحد الامدي التميمي / ترتیب و تصحیح: العلامة الشيخ حسين الاعلمي / طبع و نشر: مؤسسة الاعلمي للمطبوعات / الطبعة الأولى لسنة 2002 م / بيروت - لبنان.

35. حلية الأبرار في فضائل محمد وآله الأطهار / تأليف: السيد هاشم البحراني / الطبعة الثانية / نشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / سنة الطبع: 1413 ه، 1992 م / بيروت - لبنان.

36. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / تأليف: أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني الشافعي / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / الطبعة الثانية / نشر: دار الكتب العالمية / سنة الطبع: 1423 ه، 2002 م / بيروت - لبنان.

37. الخرائج والجرائح / تأليف: قطب الدين الراوندي / الطبعة الثانية / نشر: مؤسسة النور / سنة الطبع: 1411 ه / بيروت.

38. الخصال / تالیف: الشيخ الصدوق رحمه الله / تحقیق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / نشر: منشورات جامعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة / سنة الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 ه / قم المقدسة.

39. الخصائص الفاطمية / تأليف: الشيخ الواعظ محمد باقر الكجوري / ترجمة: سید علي جمال أشرف / الطبعة الأولى / نشر: إنتشارات الشريف الرضي / سنة الطبع: 1421 ه، 2001 م.

40. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - / تأليف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي (ت 303 ه) / طبع و نشر: دار التقدم / القاهرة - مصر.

41. الدر المنثور في التأويل بالمأثور / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه) / طبع دار الفكر لسنة 1403 ه، 1983 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

ص: 173

42. الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم / تأليف: يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي من أعلام القرن السابع / نشر: مؤسسة النشر الإسلامي / التابعة لجماعة المدرسين / قم المقدسة.

43. دلائل الإمامة / تأليف: محمد بن جرير الطبري (الشيعي) / الطبعة الثانية / نشر: المطبعة الحيدرية / سنة الطبع: 1383 ه، 1963 م / النجف الأشرف - العراق.

44. دور الإعلام في قضايا الأمن الاقتصادي والاجتماعي / بقلم: د. سناء الحاج / موقع: www.ministryinfo.gov.lb.

45. دور التنمية في تحقيق الأمن الإنساني / إعداد / حليمة حقاني / نشر: جامعة الجزائر / طبع: سنة 2011 - 2012 م / الجزائر.

46. دور المنظمات الدولية غير الحكومية في تفعيل مضامين الأمن الإنساني / إعداد / أدري صفية / جامعة الحاج لخضر باتنة / نشر: سنة 2011 - 2012 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

47. ذخائر العقبي في مناقب ذوي القبری / تأليف: الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري / طبع: دار المعرفة لسنة 1393 ه، 1974 م / بيروت - لبنان.

48. رجال الكشي / تأليف: أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي / تحقيق: أحمد الحشيني / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة الأعلمي لسنة 1430 ه، 2009 م / بيروت - لبنان.

49. الرياض النضرة في مناقب العشرة / تأليف: أحمد بن عبد الله الطبري / طبع و نشر: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه، 2003 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

50. السنة / ابن أبي عاصم، عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني (ت 287 ه) / تحقيق: محمد ناصر الألباني / طبع: المكتبة الإسلامي لسنة 1400 ه، 1980 م / الطبعلة الأولى / بيروت - لبنان.

51. سنن أبي داوود / تأليف: أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني / تحقيق

ص: 174

وتعليق: سعد محمد اللحام / الطبعة الأولى / نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: 1410 ه، 1990 م / بيروت - لبنان.

52. سنن الترمذي / تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي أسلمي / تحقیق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف / طبع : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: 1403 ه، 1983 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

53. السنن الكبرى / تأليف: الحافظ الجليل أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي للبيهقي / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / الطبعة الثالثة / نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1424 ه / بيروت.

54. السيرة الحلبية / تأليف: أبو الفرج نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي الشافعي / تحقيق: عبد الله محمد الخليلي / الطبعة الأولى / نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1422 ه / بيروت.

55. السيرة النبوية / تأليف: ابن هشام / تحقيق: مصطفى السقا / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة علوم القرآن / بيروت.

56. شرح أصول الكافي / تأليف: مولي محمد صالح المازندراني / تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني / ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور / طبع و نشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1421 ه، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

57. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار / أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي / تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسين / سنة الطبع: 1409 ه، 1988 م/ قم المقدسة - إيران.

58. شرح نهج البلاغة / تأليف: ابن أبي الحديد المعتزلي / تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم / طبع ونشر: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1378 ه، 1959 م / الطبعة الأولى / بغداد - العراق.

ص: 175

59. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام / تأليف: الحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي / تحقيق: السيد محمد باقر المحمودي / طبع ونشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي لسنة 1411 ه، 1990 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

60. صحيح البخاري / تأليف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن البخاري / طبع و نشر: عالم الكتب لسنة 1405 ه، 1985 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

61. صحيح مسلم / تأليف: محي الدين النووي الشافعي / تحقیق: د. محمد عبد الرحمن المرعشلي / طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي لسنة 1420 ه، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

62. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة / تأليف: أحمد بن حجر الهيتمي المكي / خرج أحاديثه وعلق حواشيه وقدم له: عبد الوهاب عبد اللطيف / نشر: مكتبة القاهرة لصاحبها علي يوسف سليمان لسنة 1385 ه، 1965 م / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

63. الطبقات الکبری / تأليف: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه، 1990 م/ الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

64. علل الشرائع / تأليف: أبو جعفر حمد بن علي الصدوق رحمه الله / تحقيق: السيد محمد الصادق بحر العلوم / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة الأعلمي / سنة الطبع: 1408 ه، 1987 م / بيروت - لبنان.

65. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري / تأليف: بدر الدين العيني / تحقيق: محمد أحمد الحلاق / الطبعة الأولى / نشر: دار إحياء التراث العربي / سنة الطبع: 1424 ه / بيروت.

66. عيون المواعظ والحكم / تأليف: الشيخ كافي الدين أبي الحسن علي بن محمد الواسطي

ص: 176

الليثي (المتوفي في القرن السادس) / تحقیق : الشيخ حسين الحسني البيرجندي / طبع و نشر: دار الحديث لسنة 1376 ه. ش / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

67. الغارات / تأليف: إبراهيم بن محمد الثقفي / تحقيق: عبد الزهرة الحسينية / الطبعة الأولى / نشر: دار الأضواء / سنة الطبع: 1407 ه / بيروت - لبنان.

68. غريب الحديث / تأليف: أبو سليمان الخطابي / تحقيق: د. عبد الكريم مصطفی مدلج / الطبعة الأولى / نشر: عالم الكتب الحديث / سنة الطبع: 2008 م / أريد.

69. الفائق في غريب الحديث / تأليف: محمود بن عمر الزمخشري جار الله أبو القاسم / تحقيق: علي محمد البجاوي - محمد أبو الفضل إبراهيم / طبع و نشر: عيسى البابلي الحلبي لسنة 1971 م.

70. فتح الباري في شرح صحيح البخاري / تأليف: الحافظ ابن حجر العسقلاني / تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

71. الفتوح / تأليف: أبي محمد أحمد بن اعثم الكوفي / تحقيق: علي شيري / الطبعة الأولى / نشر: دار الأضواء / سنة الطبع: 1411 ه / بيروت.

72. فتوح البلدان / تأليف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البغدادي البلاذري المولود أواخر القرن الثاني الهجري / طبع: دار ابن خلدون لسنة 1418 ه، 1998 م / بيروت . لبنان.

73. فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام / تأليف: إبراهيم بن محمد ابن المؤيد بن عبد الله بن علي بن بن محمد الجويني الخراساني / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة المحمودي / سنة الطبع: 1398 ه، 1978 م / بيروت - لبنان.

74. الفصول المهمة في معرفة الأئمة / تأليف: علي بن محمد بن احمد المالكي (ابن الصاغ) / تحقیق: سامي الغربري / الطبعة الأولى / نشر: دار الحديث للطباعة والنشر / سنة الطبع: 1422 ه / قم المقدسة.

ص: 177

75. فضائل الصحابة / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني / تحقيق: وصي الله محمد عباس / طبع و نشر: مؤسسة الرسالة لسنة 1402 ه، 1982 م.

76. فضائل أمير المؤمنين عليه السلام / تأليف: ابن أبي العباس أحمد بن عقدة الكوفي / الطبعة الأولى / نشر: منشورات دليل ما/ سنة الطبع: 1424 ، 2004 م / قم المقدسة - إيران.

77. القانون الدولي الإنساني والأمن الإنساني في الإسلام / إعداد: أ. د. علي حماد / ورقة علمية مقدمة ضمن الملتقى العلمي حول (القانون الدولي الإنساني والأمن الإنساني) بالرياض / نشر وطبع: بیروت لسنة 1431 ه، 2010 م / لبنان.

78. كتاب العين / تأليف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي / تحقيق: د. مهدي المخزومي / طبع : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات لسنة 1408 ه، 1987 م/ الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

79. کشف الغمة في معرفة الأئمة / تأليف: علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي / الطبعة الأولى / نشر : دار الأضواء / سنة الطبع: 1421 ه، 2001 م / بيروت - لبنان.

80. كفاية الأثر / تأليف: القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي / تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي / نشر: انتشارات بیدار / سنة الطبع: 1401 ه، 1980 م / قم المقدسة - إيران.

81. كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام ويليه البيان في أخبار صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشريف / تأليف: أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي / تحقیق: د. محمد هادي الأميني / طبع: شركة الكتبي لسنة 1413 ه، 1992 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

82. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال / تأليف: علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي / تحقيق: محمود عمر الدمياطي / طبع و نشر: دار الکتب العلمية لسنة 1419 ه / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

ص: 178

83. لسان العرب / تأليف: جمال الدين محمد بن مکرم بن منظور الانصاري المصري / تحقيق: عامر أحمد حیدر / طبع و نشر: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه، 2004 م/ الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

84. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / تأليف: أبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه) / تحقيق عبد الله محمد الدرويش / نشر: دار الفكر لسنة 1425 ه، 2004 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

85. مراة العقول في شرح اخبار ال الرسول عليهم السلام / تأليف: العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه) / المقدمة بقلم: السيد جعفر مرتضى العسكري / طبع و نشر: دار الكتب الإسلامية / قم المقدسة - إيران.

86. المستدرك على الصحيحين / تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / طبع ونشر: دار الكتب العلمية لسنة 1422، 2001 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

87. المستطرف في كل فن مستطرف / تأليف: شهاب الدين محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي أبو الفتح / طبع و نشر: عالم الكتب لسنة 1419 ه / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

88. المسند / تأليف: أبو بكرة عبد الله بن الزبير الحميدي / تحقیق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي / الطبعة الأولى / نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1409 ه / بيروت.

89. مسند ابن عباس / تأليف: أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي المروزي المعروف ب (ابن راهويه) / تحقيق: محمد مختار ضرار المفتي / نشر: دار الكتاب العربي / الطبعة الأولى لسنة 1423 ه، 2002 م.

90. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني / طبع: مؤسسة الرسالة / بيروت - لبنان.

91. مسند الشاميين / تأليف: الطبراني / تحقیق: حمدي عبد المجيد السلفي / طبع و نشر: مؤسسة

ص: 179

الرسالة / سنة الطبع: 1417 ه، 1996 م/ الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

92. مشکل الآثار / تأليف: أبو جعفر الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي / تحقيق: شعيب الأرناؤوط / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1415 ه، 1995 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

93. المصنف / تأليف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه) / تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي / طبع ونشر: المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع لسنة 1403 ه، 1983 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

94. المصنف / تأليف: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي / تحقيق وتعليق: سعيد اللحام / الطبعة الأولى / نشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: جماد الآخرة 1409 ه، 1989 م/ بيروت - لبنان.

95. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول / تأليف: محمد بن طلحة القرشي الشافعي / تحقيق ماجد ابن احمد العطية / الطبعة الأولى / نشر: مؤسسة البلاغ / سنة الطبع: 1419 ه / بيروت.

96. معاني الأخبار / تأليف: أبو جعفر محمد بن علي الصدوق / تحقیق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / سنة الطبع: 1379 ه / قم المقدسة.

97. المعجم الأوسط / تأليف: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت 360 ه) / تحقیق: قسم التحقيق بدار الحرمين / نشر: دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: 1415 ه، 1995 م.

98. المعجم الكبير / تأليف: أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني / تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي / الطبعة الأولى / نشر: الدار العربية للطباعة / سنة الطبع: 1319 ه، 1901 م / بيروت - لبنان.

99. معجم مقاييس اللغة / تأليف: أحمد بن فارس بن زکریا (ابن فارس) / تحقيق: عبد

ص: 180

السلام محمد هارون / طبع و نشر: مكتبة الإعلام الإسلامي / سنة الطبع: 1404 ه، 1938 م.

100. مفردات في غريب القرآن / تأليف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف ب (الراغب الاصفهاني) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1438 ه، 2008 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

101. مقاتل الطالبيين / تأليف: أبي الفرج الأصفهاني / الطبعة الأولى / نشر: دار التربية / بغداد.

102. مقتل الإمام الحسين بن علي عليهما السلام / أبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد العامري الأزدي الكوفي / تحقيق: کامل سلمان الجبوري / الطبعة الأولى / نشر: دار المحجة البيضاء / سنة الطبع: 1402 ه / بيروت.

103. مقدمة فتح الباري / تأليف: ابن حجر / الطبعة الأولى / نشر: دار إحياء التراث العربي / سنة الطبع: 1408 ه، 1988 م / بيروت.

104. من لا يحضره الفقيه / تأليف: أبو جعفر الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي رحمه الله / تحقیق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / طبع و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

105. المناقب / تأليف: الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي / تحقيق: فضيلة الشيخ مالك المحمودي.

106. المناقب / تأليف: الموفق بن محمد المكي الخوارزمي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي لسنة 1425 ه، 2004 م / الطبعة الخامسة / قم المقدسة - إيران.

107. مناقب آل أبي طالب عليهم السلام / تأليف: أبو جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني / تحقيق: د. يوسف البقاعي / نشر: مركز الأبحاث العقائدية السنة 1421 ه، 2000 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

108. مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام / تأليف: الحافظ، ابن المغازلي

ص: 181

الشافعي / الطبعة الأولى / نشر: إنتشاءات سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم / سنة الطبع: 1426 ه، 2005 م.

109. مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه السلام / تأليف: أبي بكر أحمد بن موسی ابن مردويه الأصفهاني / تحقيق وتجميع و ترتیب: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين / الطبعة الثانية / نشر: دار الحديث / سنة الطبع: 1424 ه / قم المقدسة.

110. موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام / تأليف: الشيخ هادي النجفي / طبع: سنة 1423 ه، 2002 م / الطبعة الأولى.

111. الموسوعة الفقهية الكويتية / نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت / الطبعة الأولى دار الصفوة بمصر / الطبعة الثانية دار السلاسل بدولة الكويت / الكويت.

112. نهاية الأرب في فنون الأدب / تأليف: شهاب الدين، أحمد بن عبد الوهاب النويري / طبع و نشر: دار الهيئة المصرية للكتاب لسنة 1410 ه، 1990 م / القاهرة - مصر.

113. نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين ومولی الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام / تجميع: الشريف الرضي، السيد محمود المرعشي / نشر: مكتبة السيد المرعشي/ سنة الطبع: 1406 ه، 1986 م / قم المقدسة - إيران.

114. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسين مؤمن الشبلنجي الشافعي / الطبعة الأولى / نشر: دار ذوي القربی / سنة الطبع: 1426 ه، 2005 م / قم المقدسة - إيران.

115. وسائل الشيعة (الإسلامية) / تأليف: الحر العاملي / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث السنة 1414 ه، 1993 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

116. ينابيع المودة لذوي القربي / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / طبع: دار اسطامبول / تركيا.

ص: 182

المحتويات

الإهداء...5

مقدمة الكتاب...7

الفصل الأول: جذور مفهوم الأمن الإنساني في القرآن والسنة واللغة

جذور مفهوم الأمن الإنساني في القرآن والسنة واللغة...13

المبحث الأول: التعريف بالأمن الإنساني ومفهومه...17

المسألة الأولى: الأمن في اللغة والاصطلاح...18

المسألة الثانية: التعريف بمصطلح (الأمن الإنساني)...22

المبحث الثاني: القرآن والعترة عليهم السلام يحددنا مفهوم الأمن الإنساني...29

المسألة الأولى: إشكالية المفهوم وتعذر المصداق في الدراسات حول الأمن الإنساني...31

المسألة الثانية: مفهوم الأمن الإنساني ومصداقه في السنة النبوية الشريفة...51

المسألة الثالثة: مفهوم الأمن الإنساني في الأحاديث الواردة عن أميرالمؤمنين...58

المسألة الرابعة: مصاديق الأمن الإنساني عند النبي الأكرم...70

الفصل الثاني: الأمن الإنساني في خلافة الإمام الحسن عليه السلام وتطبيقاته بين بنود وثيقة الصلح وبنود قرار الأمم المتحدة

المبحث الأول: الخلافة المغصوبة وصراع الإنسان في الوصول إلى الأمن الحياتي...78

ص: 183

المسألة الأولى: الخليفة الذي تجاهله المسلمون...83

المسألة الثانية: الإمام الحسن عليه السلام يحدد العوامل التي تسببت في انهيار الأمن...92

المسألة الثالثة: نسقية المسار المفهوم الأمن في القرآن والسنة وخلافة الإمام علي...107

المبحث الثاني: تحديد المفهوم والسبيل الأمثل لصون الأمن الإنساني...111

المسألة الأولى: مفهوم الأمن الإنساني بين قرار الجمعية العامة...114

المسألة الثانية: السبيل الأمثل لصون الأمن الإنساني بين قرار الجمعية العامة...127

المبحث الثالث: القيم الأساسية للأمن الإنساني بين قرار الأمم المتحدة ووثيقة صلح الإمام...131

المسألة الأولى: مقارنة القيم الأساسية للأمن الإنساني بين قرار الأمم المتحدة ووثيقة الصلح...137

المسألة الثانية: مقارنة الحريات الأساسية لحياة البشر الواردة في الأمم المتحدة ووثيقة الصلح...142

المسألة الثالثة: المقارنة بين البنات قیام الأمن البشري ووثيقة الصلح للإمام...144

المبحث الرابع: الأمن الإنساني في مقتضيات الخلافة الإلهية...147

المسألة الأولى: مفهوم الخلافة الإلهية والخلافة السلطوية...151

أولاً: مفهوم الخلافة الإلهية...152

ثانياً: مفهوم الخلافة السلطوية...152

المسألة الثانية: تفرد الإمام الحسن عليه السلام بمشروعه في تحقيق الأمن...157

نتائج الدراسة...164

المصادر والمراجع...167

ص: 184

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.