خصومة فاطمة عند ابن عثیمین

هوية الکتاب

ISBN 978-933-592-8-7 789933582482 و رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 2835 لسنة 2020 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف LC:

BP80.I82 N33 2020 المؤلف الشخصي: نبيل، نبيل - مؤلف.

العنوان: خصومة فاطمة عليها السلام عند ابن عثيمين المتوفی (1421 ه): قراءة في المرتكزات الفكرية والمفاهمية في ضوء مقاصيدية القرآن والسنة / بيان المسؤولية: دراسة بينية السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2020 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 2 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 804).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 184).

سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات في آل علي (عليه السلام)، الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام)؛ 5).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش. موضوع شخصي: العثيمين، محمد صالح، 1929 - 2001 - شبهات وردود موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 للهجرة - دفع مطاعن.

مصطلح موضوعي: أهل بيت الرسول عليهم السلام (الشيعة الامامية) - دفع مطاعن.

مصطلح موضوعي: الحديث - شرح. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الدراسات في آل علي (علیه السلام) (5) الصديقة الطاهرة فاطمة (علیها السلام) خصومة فاطمة عند ابن عثیمین قراءة في المرتکزات الفكرية والمفاهمية في ضوء مقاصدية القرآن والسنة دراسة بينية الجزء الأول (عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول، أويفعل، أوما هو الصواب فيه، فنسأل الله أن يعفوا عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله صلى الله عليه [واله] وسلم) (ابن عثيمين، المتوفى سنة 1421: شرح صحیح مسلم، کتاب الجهاد والسير) تألیف السيد نبيل الحسني الكربلائي اصدار العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1442 ه / 2020 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com موبایل: 07815016633 - 07728243600

ص: 4

الإهداء

إلی الطفولة المنحورة عند أعتاب الخلاقة... إلى السقط الشهيد المحسن بن علي بن أبي طالب (علیهما السلام)... إلى عبد الله الرضيع بن الحسين بن علي بن أبي طالب المذبوح على صدر أبيه (علیهم السلام)... إلى عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب المنحور بين و يدي عمه الحسين (علیهم السلام)... إلى القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب الشهيد الذي لم يراهق (علیهم السلام)... إلى اطفال آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) الذين استشهدوا وتيتموا وتشردوا بفتاوي الخلافة. أهدي كتابي هذا.

خاومکم نبیل

ص: 5

صورة

ص: 6

صورة

فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهِ عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلّی الله علیه وآله وسلم يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَلِي لأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِیَّةُ لِلْبَيْعَةِ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ صَلَاةَ الظُّهْرِ رَقِي عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِي وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ، وَلَکِنَّا کُنَّا نَرَى لَنَا فِي الأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتُبِدَّ عَلَیْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ. فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ.

۞ قوله: «فَأَبَی أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيِتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلّی الله علیه وآله وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ». نسأل الله أن يعفو عنها، وإلا فأبو بكر رضي الله عنه ما استند إلى رأي، وإنما استند إلى نص، وكان عليها رضي الله عنه أن تقبل قول النبي صلّی الله علیه وآله: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ولكن كما قلت لكم قبل قليل عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يُدْرِك به ما يقول أو ما يفعل، أو ما هو الصواب فيه؛ فنسأل الله أن يعفو عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله صلّی الله علیه وآله.

وما فعله عليٌّ أمر عجيب، ولا يمكن أن نُخَطِّئ الصحابة رضي الله عنه في بيعة أبي بكر، ونُصَوِّب علي بن أبي طالب فيما رآه؛ لأن ما رآه علي رضي الله عنه مخالف لظاهر ما جاءت به السنة؛ يعني: أنه أحق من أبي بكر وغيره؛ لقرابته من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلم، وذلك من وجوه:

أولًا: أن النبي صلّی الله علیه وآله وسلم حين استخلف في مرضه في صلاته، إنما خلَّف أبا بكر رضي الله عنه، وإمامة الصلاة إمامة صغرى؛ ولهذا يجب على المأمومين أن يتابعوا الإمام كما يجب على الرعية أن تطيع الإمام.

ثانيًا: أن النبي صلّی الله علیه وآله وسلم خلَّفه في قيادة الحجيج في السَّنة التاسعة، ولو كان غيره أولى منه في خلافة الرسول علیه الصلاة والسلام لاستخلفه، ولم يستخلف أبا بكر رضي الله عنه.

ثالثًا: أنه صلّی الله علیه وآله وسلم في مرضه قال: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَليَّ في مَالي وَصُحْبَتِي أَبُو بَكْرٍ، وَلَا يَبْقَى بَابٌ في الْمَسْجِدِ إِلا سُدَّ إلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ». وهذا إشارة إلى أن أبا بكر سيكون هو الخليفة الذي يدخل إلى المسجد من باب بيته.

ص: 7

صورة

ص: 8

صورة

رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَی أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ(1)، [1] اللَّهُمَّ اعفُ عنها، وإلَّا فإن أبا بكر رضي الله عنه ما استند إلى رأي، وإنَّما استند إلى نصٍّ، وكان عليها أن تقبل قول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: «لا نُورَث، مَا تَرَکْنَا صَدَقَةٌ»، ولكن عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يُدْرِك به ما يقول أو ما يفعل أو ما يتصرَّف فيه، فنسأل الله أن يعفو عنها عن هِجْرتها خليفةَ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم.

فإذا قال قائل: ما الجمع بين فعل فاطمة رضي الله عنها، وقولِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ»؟.

فالجواب: لعلها تری رضي الله عنها أن الهجر لسبب -ولو طال - لا بأس به، کما هَجَر ابن عمر رضي الله عنهما أحد أبنائه لمَّا حدَّثه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا تمنعوا إِمَاء الله مساجد الله»، قال : والله لنَمْنَعهُنَّ، فأقبل عليه عبد الله بن عمر، وسبَّه سبًّا شديدًا، وقال: لا أكلِّمك ما حَيِيتُ(2)، فكأنهم يَرَوْن أن الهجر

ص: 9


1- أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، رقم (6065)، ومسلم: کتاب البر والصلة، باب تحريم التحاسد والتباغض، رقم (2559 / 23) عن أنس رضي الله عنه. وأخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب الهجرة، رقم (6077)، ومسلم: کتاب البر والصلة، باب تحریم الهجر فوق ثلاث، رقم (2560 / 25) عن أبي أيوب رضي الله عنه. وأخرجه البخاري في الموضع السابق، رقم (6075)، ومسلم في الموضع السابق، رقم (2561 / 26) عن ابن عمر رضي الله عنهما
2- تقدم تخريجه (ص: 27)

ص: 10

مقدّمة الكتاب

«الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاء أسدها، وإحسان منن أولاها»(1).

«وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه وَرَسُولُه، أَرْسَلَه بِالدِّينِ الْمَشَهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ، وَالْکِتَابِ الْمَسْطُورِ وَالنُّورِ السَّاطِعِ، والضِّيَاءِ اللَّامِعِ والأَمْرِ الصَّادِعِ، إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ واحْتِجَاجاً بِالْبَیِّنَاتِ، وَتَحْذِيراً بِالآيَاتِ وَتَخْوِيفاً للْمَثُلَاتِ»(2).

وأن عترته وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا «هُمْ مَوْضِعُ سِرِّه ولَجأُ أَمْرِه، وعَيْبَةُ عِلْمِه ومَوْئِلُ حُكْمِه، وَکُهُوفُ کُتُبِه وجِبَالُ دِینِه، بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِه وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِه»(3).

و «هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ یَفِيءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ، وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ»(4)، فصل اللهم عليه وعليهم صلاة تامة، ونامية، ومتواصلة، ومتصلة، بعدد ما أحاط به علمك، ومنتهی رحمتك وفضلك ولطفك واحسانك وبركاتك، إنّك حميد مجيد.

ص: 11


1- السقيفة وفدك للجوهري (ت 323 ه): ص 140؛ بلاغات النساء لابن طيفور (ت 380 ه): ص 15؛ دلائل الإمامة للطري الإمامي (ت 400 ه): ص 111
2- نهج البلاغة بتحقيق الشيخ قيس العطار: ص 80، ط: العتبة العلوية
3- نفس المصدر
4- نفس المصدر السابق: ص 83، 82

وألعن اللّهم اعدائهم، ومبغضيهم، والشاكين في فضلهم، والمانعين حقهم، والدافعين لهم عن مكانهم الذي وضعتهم فيه؛ وأحلل عليهم غضبك، ونقمتك، وعذابك أبد الأبد، ومنتهى العدد، حتی يرضي حبيبك وخيرتك من خلقك (صلى الله عليه وآله وسلم) ولن يرضى حتى ترضى بضعته، وصفيته، وقرة عينه، وقلبه، وروحه التي بين جنبيه، فاطمة المظلومة الشهيدة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

أما بعد:

فإن النفس البشرية ومنذ أن دخلت عالم الاختبار، وجبلت على الاختيار والاقتدار في الأقوال والأفعال، فقد نشأ فيها التخاصم؛ وذلك لتأصل الخير والشر في النفوس إلا ما رحم ربي.

فبين مخاصم في حق، ومنازع في باطل، ومحاد في عداء، وملاد في أعتداء؛ فكان تاريخ البشرية مليء بالحوادث والمواقف والمشاهد من المخاصمة، والمنازعة، والمحاججة، والمحادة، والملادة؛ ليس بين بني البشر فحسب، بل بين الإنسان والله عز وجل «فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ»(1).

بل الإنسان عدو شرس في خصامه الله وأوليائه منذ أن بعث آدم (عليه السلام) وشرع في بيانه لإحكام الله عز وجل، فكان أول أعدائه ولده قابيل الذي ناصبه العداء وحاده إيما محاده .

ص: 12


1- سورة يس، الآية: 77

ولم يزل الأمر سارياً مع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) ومن آمن بهم ووالاهم، فقتل من قتل، وعُذَب من عذب، وشُرد من شرد.

حتى إذا انتهى بنا التاريخ الى سيرة سيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) وجدنا أن هذه السيرة لم تزل تأن من المحادة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخاصم الله ورسوله آناء الليل وأطراف النهار.

فبين مجاهر بخصامه وبين مضمر، وبين معتذر عن خصم مبين، وملتمس لعدو لعين، ومنمق للباطل، وملمع لوجه القاتل، ظهرت أمم وأفلت أخرى، وهي لا تهتدي إلى حقيقة أن بعض أسيادها وقادتها ورؤسائها قد ضلوا وأضلوها السبيل.

والعلة في ذلك أنهم كانوا يوادون من حاد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يكونوا في حقيقة أمرهم مؤمنين بما جاء من عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ قال تعالى:

«لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ»(1).

فتبعوا آبائهم وأبناءهم وأخوانهم وعشيرتهم، و أطاعوا كبرائهم وساداتهم وهم يعلمون أن كبرائهم وساداتهم يحادون الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويخاصمونهما.

أو يتجاهلون ذلك ركوناً منهم إلى العصبية، وتلبساً في براثن الجاهلية،

ص: 13


1- سورة الحشر، الآية: 22

واستجابة إلى المطامع، واستئناساً بأماني المنافع، فكانوا شراكاً في الأثام، وموازرة اللئام، فخاصموا أولياء الله ألد الخصام.

ولأن طاعة الكبراء والسادات، الذين طغوا في البلاد، وعاثوا فيها الفساد كانت نتائجه الهلاك والخسران المبين؛ فقد كشف القران ما تؤول اليه حال من يطيعهم، فقال عز وجّل: «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا» ولكي لا يقع المسلم في فخهم ويهلك بطاعتهم فقد حذّرَ أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) من هذا الإتباع والطاعة، فقال:

«أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِکُمْ وَ کُبَرَائِکُمْ، الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ، وَأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ وَجَاحَدُوا الله عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ، مُکَابَرَةً لِقَضَائِه ومُغَالَبَةً لِآلَائِه، فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ، وَدَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وَسُیُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّقُوا الله ولَا تَكُونُوا لِنِعَمِه عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً، ولَا لِفَضْلِه عِنْدَکُمْ حُسَّاداً، ولَا تُطِيعُوا الأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِکُمْ کَدَرَهُمْ، وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِکُمْ مَرَضَهُمْ، وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّکُمْ بَاطِلَهُمْ، وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ، وَأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ، اتَّخَذَهُمْ إِبْلِیسُ مَطَايَا ضَلَالٍ، وَجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ، وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، اسْتِرَاقاً لِعُقُولِکُمْ، وَدُخُولًا فِي عُيُونِكُمْ، وَنَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ، فَجَعَلَکُمْ مَرْمَی نَبْلِه، وَمَوْطِئَ قَدَمِه، ومَأْخَذَ یَدِه»(1).

ص: 14


1- نهج البلاغة: ص 456

وما مخاصمة بضعة النبوة فاطمة (عليها الصلاة والسلام) ومعاداتها إلا واحدة من المشاهد التي زخرت بها سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قديماً وحديثاً، منذ أن شرع أبان بن عثمان في نسخ السيرة وتقديمها لسليمان بن عبد الملك بن مروان في عام (82 للهجرة). فلما وجدها تتحدث عن الحقائق التي تتقاطع مع منهج بني أبيه وأسلافة الأمويين أمر بتخريقها وأتلافها، ثم أخبر أبيه بذلك فقال عبد الملك بن مروان:

(وما حاجتك أن تقدم [علينا] بكتاب ليس لنا فيه فضل، تُعرف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها)(1).

ومما أخفاه الامويون عن الناس من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكثير جداً، وما دلَّسوه ووضعوه في السيرة لكثير أيضاً؛ لا سيما فيما يرتبط بالعترة المحمدية (صلوات الله عليهم أجمعين).

وما هذا المنهج عن عصرنا اليوم ببعيد، فقد دأب الخلف على اقتفاء أثر السلف في التدليس، والتحريف، وقلب الحقائق، ونفث الشبهات.

ومنها:

قول ابن عثيمين في خصومة سيدة نساء العالمين (صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) في ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحلتها التي نحلها الله ورسوله المخصصة في أرض فدك، وسهم ذي القربی.

فقد دخل ابن عثيمين فيما شجر بين الصحابة، ونعت بضعة النبوة بقول

ص: 15


1- الموفقيات للزبير بن بكار: ص 322 - 323

بذيئ والعياذ بالله فيقول:

(نسال الله أن يعفوا عنها، وإلا فأبو بكر ما استند إلى رأي، وإنما استند الى نص، (لا نورث ما تركناه صدقة) ولكن كما قلت لكم قبل قليل:

عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول، أو يفعل، أو ما هو الصواب فيه، فنسأل الله أن يعفوا عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله).

وعليه:

استلزم البحث دراسة هذه الشبهة عبر المرتكزات الفكرية والمفاهيمة للخصومة في القرآن والسُنّة ضمن الفصل الثاني من الدراسة، وإرجاع ما تكون في فكر ابن عثيمين من مفهوم ومعنى للخصومة وعرضه على القرآن والسُنّة لبيان ضلال هذا الفكر وتحيزه لأسياده وكبرائه.

أما الفصل الأول فقد خصص لبيان التعريف بفاطمة (عليها السلام) وخصمها في مقاصدية القرآن والسُنّة، وذلك أن هذا التعريف هو الأساس الذي انطلقت منه الدراسة في تبديد هذه الشبهة الفكرية والعقدية والتاريخية وقد اشتملت الدراسة على تمهيد خصص للتعريف بمصطلحات البحث ومفردات العنوان ومقتضياته؛ وأنهيناها بخاتمة أشتملت على جملة من النتائج.

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ».

«إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ».

ص: 16

التمهيد

المسألة الأولى: الغاية من الدراسة

اشتملت الدراسة على جملة من المحاور الأساسية والمصطلحات، فضلاً عن بعض الصعوبات والمعوقات، والتي لا يخلو منها أي جهد يبذل في مجال المعرفة لا سيما الحقل العقدي الذي يرثه الإنسان من أسرته ومجتمعه أو عبر دراسته وتحصيله المعرفي؛ ومن ثم فالدراسة تخوض غمار البحث في الموروث العقدي.

فضلاً عن أننا نخوض غمار البحث فيما شجر بين عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وبالأخص في أمرٍ متجدد منذ وقوعه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) وذلك لما ترکه من أثرٍ بالغ في شق العقيدة الإسلامية إلى نصفين وتكوين منظومتين تسير باتجاهين متضادين، نتج عنهما ما نتج من حوادث فادحة ومصائب عظيمة.

وأي أمرٍ أعظم مصاباً من محاربة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتدفن البضعة النبوية سراً ويُعفى ثراها، ولعل قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) فيما جرى عليها من حرب و ظلم وجور، وهو يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد حول بوجهه الى قبره، فيه الكفاية في بيان أثر هذه الرزية والمصيبة فيما جناه المستولين عليهم، فيقول (عليه السلام):

«السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله عَنِّي، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ، وَزَائِرَتِكَ،

ص: 17

والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَی بِبُقْعَتِكَ، والْمُخْتَارِ الله لهَ سُرْعَةَ اللَّحَاقِ بِكَ، قَلَّ يَا رَسُولَ الله عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِینَ تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَۃِ قَبْرِكَ، وَفَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وصَدْرِي.

بَلَى وفِي كِتَابِ الله لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ - إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْه رَاجِعُونَ، قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وأُخِذَتِ الرَّهِینَةُ، وَأُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ والْغَبْرَاءَ.

یَا رَسُولَ الله، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، وَهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ الله لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ، کَمَدٌ مُقَیِّحٌ، وهَمٌّ مُهَيِّجٌ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا، وإِلَى الله أَشْکُو، وسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّه سَبِيلاً، وَسَتَقُولُ وَيَحْکُمُ الله وهُوَ خَيْرَ الْحَاکِمِينَ، سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ ولَا سَئِمٍ، فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ، وإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ الله الصَّابِرِينَ.

وَاه وَاهاً، والصَّبْرُ أَیْمَنُ وأَجْمَلُ، ولَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ لجَعَلْتُ الْمُقَامَ والَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً، ولأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ، فَبِعَيْنِ الله تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً، وتُهْضَمُ حَقَّهَا، وتُمْنَعُ إِرْثَهَا، ولَمْ يَتَبَاعَدِ الْعَهْدُ، ولَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ، وإِلَى الله یَا رَسُولَ الله الْمُشْتَکَی، وفِيكَ یَا رَسُولَ الله أَحْسَنُ الْعَزَاءِ، صَلَّی الله عَلَيْكَ، وعَلَيْهَا، السَّلَامُ والرِّضْوَانُ»(1).

ولعل قوله - أيضاً - في معركة صفين والتي يلزم أن تقرأ بفتح الصاد، وذلك أنها بينت حقيقة واقع المسلمين وانقسامهم الى صفين، الأول: يسير

ص: 18


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459

تحت لواء الخلافة التي تمخضت من سقيفة بني ساعدة فأنجبت أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، ويزيد، ومروان بن الحكم، وابنائه، وهلم جراً لمن حكم المسلمين تحت عنوان الخلافة.

والثاني: يسير تحت لواء الإمامة المجعولة من الله تعالى، وتعيين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم من بعده: أولهم الإمام علي أمير المؤمنين، وآخرهم الحجة المهدي؛ الذي يملي الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلمات وجوراً (صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آبائه، وجدته المظلومة الشهيدة فاطمة) فهو الذي سيعيد الأمه الى الثقلين، ((کتاب الله و عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(1). بعد أن فرقتها الخلافة إلى فرق عدة.

وحسبك من هذه الفرق وحال قادتها وأئمتها وكبرائها وساداتها، ما رواه نصر بن مزاحم (المتوفي سنة 213 ه) في بيانه لأحداث معركة صفين ومجرياتها، فيقول:

(أن عليا مرَّ على جماعة من أهل الشام بصفين، فيهم الوليد بن عقبة(2)

ص: 19


1- وهو الحديث المتواتر الذي أخرجه العديد من حفاظ المسلمين عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: «إني تارك فیکم الثقلين أحدهما اكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى یردا على الحوض» ينظر: مسند أحمد: ج 3 ص 14؛ سنن الترمذي: ج 5 ص 328؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 15؛ مسند ابن الجعد: ص 397 المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 7 ص 417 منتخب مسند عبد بن حميد: ص 108؛ ما روي في الحوض للقرطبي: ص 88
2- الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو القرشي، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعنه أبو موسى عبد الله الهمداني وعامر الشعبي و حارثة بن مضرب. أسلم يوم الفتح. مات أيام معاوية بن أبي سفيان. «تهذيب التهذيب: 11 / 142». كان الوليد بن عقبة أخا عثمان لأُمّه وكان عامله على الكوفة، فصلَّى بهم الصبح ثلاث رکعات وهو سكران، ثم التفت إليهم فقال: إن شئتم زدتكم. «العقد الفريد: 4 / 307 - 306 طبع دار الكتاب العربي»

وهم يشتمونه ويقصبونه(1) فأخبروه بذلك، فوقف في ناس من أصحابه فقال:

«انهدوا إليهم وعلیکم السكينة وسيما الصالحين ووقار الإسلام، والله الأقرب قوم من الجهل بالله عز وجل قوم قائدهم ومؤدبهم معاوية، وابن النابغة(2)، وأبو الأعور السلمي(3) وابن أبي معيط(4)، شارب الحرام، والمجلود

ص: 20


1- القصب: العيب والشتم، ومثله التقصيب
2- يعني عمرو بن العاص. واسم أمه «النابغة» وهي من بني عنزة
3- أبو الأعور السلمي: اسمه: عمرو بن سفيان من أعيان أصحاب معاوية قال ابن الأثير في «أسد الغابة»: 4، 109 و 5، 138 وعليه كان مدار الحرب بصفين، وكان أشد من معاوية على علي بن أبي طالب [عليه السلام]، وكان علي يدعو عليه في القنوت. وقال: لا تصح له صحبة ولا رواية شهد حنینا کافرا ثم أسلم وحديثه عن النبي (صلى الله عليه [وآله] و سلم) مرسل: إنما أخاف على أمتي شحّا مطاعا، وهوى متبعا، وإماما ضالَّا. وكان من أصحاب معاوية. كذا ذكره ابن أبي حاتم، لم يجعل له صحبة، وهو الصواب، وذكره هناك كثير. روى عنه عمرو البكالي. (الإستیعاب، ابن عبد البر: 3 / 1178)
4- عقبة بن أبي معيط: هو الملعون الذي فرق سلا الجزور أو البعير على ظهر النبي فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) عليه، شهد هو مع عمار بن الوليد وأبي بردة بن موسی وعبد الرحمن بن أشعث عند معاوية على إراقة دم حجر بن عدي. وهو والد الوليد، ومن أتباع معاوية يوم صفين. ذمه أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه شارب الخمر والمجلود جدا في الاسلام. وهو من الذين رفعوا المصاحف. (ينظر: مستدرکات علم رجال الحدیث، الشيخ علي النازي الشاهرودي: 5 / 245)

حدا في الإسلام وهم أولاء يقومون فيقصبونني، ويشتمونني، وقبل اليوم ما قاتلوني وشتموني، وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام.

فالحمد لله ولا إله إلا الله، وقديما ماعاداني الفاسقون. إن هذا هو الخطب الجليل. إن فساقا كانوا عندنا غير مرضيين، وعلى الإسلام وأهله متخوفين، أصبحوا وقد خدعوا شطر هذه الأمة فأشربوا قلوبهم حب الفتنة، فاستمالوا أهواءهم بالإفك والبهتان، وقد نصبوا لنا الحرب، وجدوا في إطفاء نور الله (والله متم نوره ولو كره الكافرون).

اللهم فإنهم قد ردوا الحق فافضض جمعهم، وشتت كلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم، فإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت»(1).

وعليه:

فقد نصبوا الحرب لفاطمة وعلي وولدهما (سلام الله عليهم أجمعين) واشياعهم ومواليهم مذ جمعوا الحطب عند بابها وحرقه، ولم يزالوا في خصامهم کابر عن كابر، وجيل بعد جيل، وما قول ابن عثيمين الا ثمرة من ثمار هذه الشجرة، ونتيجة من نتاج هذه العقيدة والمدرسة.

فكانت الغاية من هذه الدراسة بيان ما يلي:

1 - إنّ المرتكزات المفاهمية لنصوص القرآن والسُنّة عند منظومة الخلافة لا سيما المدرسة التي أنتجت ابن عثيمين وهي الوهابية السلفية تعتمد على اليه

ص: 21


1- وقعة صفين: ص 319؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 8 ص 54 - 55

ألواء عنق النص وتحييده عن مقصده الشرعي؛ کما سیمر في عينة الدراسة، أي خصومة فاطمة (عليها السلام).

2 - إن ما جرى من المخاصمة بين بضعة النبوة (سلام الله عليها) وأبي بكر قضية متجددة بتجدد المناهج البحثية ووالسائل المعرفية، فما زال المسلمون بأمس الحاجة الى معرفة العلّة في تفرقهم الى ثلاث وسبعين فرقة؛ وأن الفرقة الناجية من بين هذه الفرق، هي فرقة واحدة(1).

وهو أمرٌ انقادت له الأعناق لثبوته عند جميع هذه الفرق والمذاهب، ولذا: نجد الجميع ينسب نفسه وفرقته ومذهبه ومدرسته لهذه (الناجية)؛ ومن ثم فمن هي الفرقة الناجية، والقوم ما زالوا يخاصمون بضعة النبوة، وصفوة الرسالة، وسيدة نساء العالمين، وسيدة نساء الامة، وسيدة نساء أهل الجنة(2)! فأي أمة هذه التي تعاهدت على مخاصمة أسيادها!! وأي جنّة هذه التي تضم فاطمة وخصائها، والناصبين لها الحرب الى يومنا هذا؟!!! 3 - إنّ مما لا شك فيه أننا بحاجة إلى البحث العلمي الرصين، والدراسة المتأنية، والسليمة من الضغائن والأهواء فيما وقع بين بضعة النبوة (عليها السلام) وأبي بكر وعمر كي يأمن الإنسان المسلم على نفسه وأهله وذلك امتثالاً لقوله تعالى:

ص: 22


1- المسند للشافعي: ص 316؛ صحیح ابن حبان: ج 14 ص 141؛ مسند أبي يعلي الموصلي: ج 10 ص 317
2- صحيح البخاري، باب: علامات النبوة: ج 4 ص 183؛ مسند أحمد: ج 5 ص 391؛ سنن الترمذي: ج 5 ص 326

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(1).

4 - إن هذا المنع الذي وضعه الحكام وأرباب السلطة، وشدد عليه السلفيون، والوهابيون في دراسة ما شجر بين الصحابة والإمساك عنه، هو مخالف للقرآن والسُنّة وسيرة العلماء، ومنهجهم في البحث والدراسة، فضلاً عن حاکمية العقل والفطرة السليمة.

5 - إن القائلين بدعوى الإمساك عما شجر بين الصحابة قد ابتغوا من ذلك وضع حصانة لأنفسهم، بغية الاستطلال بهذه الحصانة والانتفاع منها. فضلا عن إرضاء السلطان، واتباع الهوى، والانقياد للأنا، وإلاّ فهم أول من خالف هذه الدعوة کا سیمر عبر هذه الدراسة.

6 - إن حديث «لا نورث ما تركناه صدقة» لم يزل الركن الأساس الذي يستند إليه أنصار منظومة الخلافة في المحاججات التي دارت وتدور بينهم وبين أنصار منظومة القرآن والعترة (عليهم السلام)؛ فكانت على النحو الآتي:

أ - فمن المحاججة في قراءة الحديث على الرفع عند اتّباع منظومة الخلافة. فقيل: «صدقةٌ» إلى قراءته على النصب عند اتّباع منظومة القرآن والعترة (عليها السلام) فَقُرِءَ بلفظ: «صدقةً» وقد أفراد الشيخ المفيد (رضوان الله تعالى عليه) رسالة في قراءة حديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» فرد الخبر والاستدلال به على نفي الإرث عن الأنبياء (عليهم السلام) عبر اظهار المغالطة في القراءة على الرفع.

ص: 23


1- سورة التحريم، الآية: 6

ب - تمسك أهل السُنّة والجماعة بالحديث ودفاعهم عنه ومحاولتهم تدعيم آحاده، وترميم ألفاظه، وترقيع إعرابه.

ج - إصرارهم على المغالطة والمكابرة فيما شجر بين بضعة النبوة (عليها السلام) وأبي بكر وذلك عبر تخطأتها أو وسمها بأخذ ما ليس لها أو المغايرة في الدعوى، فضلا عن عينة الدراسة في نعت ابن عثيمين لها بعدم الإدراك والعقل!! والعياذ بالله من غضب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وغضب فاطمة (عليها السلام).

7 - دراسة جذور الخصومة بين أبي بكر وبيت النبوة في حياة رسول الله (صلة الله عليه وآله) وبعد وفاته وابراز مظاهرها وانعكاساتها بعد تسنم ابي بكر خلافة المسلمين فكان من ابرزها منع فاطمة (عليها السلام) من حقوقها.

8 - إن التعرض لبضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها الصلاة والسلام) قديماً وحديثاً هو تعرض لنواة أهل بيت النبوة وتكوينها ومن ثم فإن الدوافع إلى ذلك متعددة منها قصدية محاربة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وقد قال الله تعالى في بيان هذه الفئة: «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ».

ومنها: الجهل بفاطمة وشأنيتها عند رسول الله (صلى الله علیه و آله) فلزم بيان هذه الشأنية في مقاصدية القرآن والسُنّة؛ ومنها: التكبل بقيود الموروث الفكري والعقدي الذي أسس له أرباب منظومة الخلافة وأشياعها إلى يومنا

ص: 24

هذا کا سیمر عبر عينة الدراسة.

9 - إن اعتماد هذه الدراسة على المنهج البيني کشف عن كوامن مقاصدية قول ابن عثيمين عبر المرتكزات الفكرية والمفاهيمية للمدرسة التي ينتمي إليها والتي لم تزل حاملة لواء المخاصمة لبيت النبوة متكئين على كونهم جزء لا يتجزء من أهل السنة والجماعة.

وعليه: ولاهمية الموضوع وسعة البحث والدراسة فيه فقد افردناله کتابا مستقلا والموسوم ب: (ما أنكره أعلام أهل السُنّة والجماعة فيما شجر بين إبي بکر وفاطمة (عليها السلام) قراءة في الانساق الثقافية والعقدية في ضوء مقاصدية القران والسُنّة واللغة والتاريخ).

المسألة الثانية: من هو ابن عثيمين خصم فاطمة (علیها السلام) في عصره ولماذا لم يمسك لسانه فيما شجر بين الصحابة؟!

لعل أبرز المخاصمين لبضعة النبوة (عليها الصلاة والسلام) في عصره - وما اكثرهم في كل زمان ومکان - والداخلين فيما شجر بينها وبين أبي بكر، هو ابن عثيمين؛ فما الذي دعاه لهذا الخصام، ومن هو هذا الرجل؟ هذا ما سنتناوله في النقاط الآتية:

أولا- أسمه ونسبه

ص: 25

محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن العثيمين الوهيبي التميمي، ولد في مدينة عنيزة أحدى مدن القصيم في السعودية عام 1929 م، وعُثيمين تصغير عثمان وهو أسم لاحد أجداده فغلب على العائلة.

ثانياً - نشأته

نشأ ابن عثيمين في أسرة متوسطة الحال، ولم تتيسر له سبل العيش الكريم، وقد وصف حاله بنفسه مبیناً قلة ذات اليد وأنه لا يملك إلا (الروض المربع يقرأ فيه في غرفة من طين تطل على زريبة بقر)(1).

ثالثاً - شيوخه ومراجعة اللذين تأثر بهم

درس ابن عثيمين عند بعض شيوخ السلفية والوهابية إلا أن اكثرهم تأثیراً عليه فكراً ومنهجاً، هما:

1 - ابن سعدي (1889 - 1956 م).

وهو: عبد الرحمن بن ناصر السعدي التميمي، فلزمه ابن عثيمين أحد عشر عاماً، وهو بذاك يكون مرجعه الأول، فأخذ عنه التفسير، والحديث، والفقه وأصوله، والنحو، والعقيدة؛ ولذا: فقد تأثر بمنهجه وفكره وعقيدته وطريقة تدريسه.

2 - ابن باز (1912 - 1999 م).

ص: 26


1- کلمات في رثاء الشيخ محمد بن عثيمين، اعداد: محمد حامد محمد، ص 113 طبع ونشر دار الإيمان - الاسكندرية

وهو: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وشهرته أكثر بكثير من ابن سعدي، وذلك لشغله منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية منذ عام 1992م والى وفاته، فضلا عن ترأسه لهيئة كبار علماء السعودية .

ولذا: يعده الوهابيون والسلفيون إمام عصرهم، وقد تأثر به ابن عثيمين فكرا وعقيدة ومنهجا، وقرأ عليه الصحيحين البخاري ومسلم.

رابعاً - عقيدته

صرّح ابن عثيمين كما صرح مشايخه لا سيما ابن سعدي وابن باز بعقيدته التي سار عليها محمد بن عبد الوهاب، والمعروفة بالوهابية نسبة لهذا الرجل على نحو الأخص، وعلى العقيدة السلفية على نحو الخصوص، وعلى العقيدة التيمية أي: ابن تيمية الحراني. على نحو الأعم، وعلى عقيدة أهل السُنّة والجماعة على نحو العموم، والتي ينتسب إليها اكثر المسلمين على اختلاف فرقهم، ونحلهم، وملهم، و أراءهم، ومذاهبهم، وكلهم يدعي أنه (الفرقة الناجية).

ومن ثم: فلا عجب بخصامه واسلافه لفاطمة (عليها السلام) فهو وهابي، سلفي، تيمي.

خامساً - مذهبه

أعتمد ابن عثيمين منهج شيخه ومرجعه الأول أبن سعدي في تبني أراء ابن تيمية وفتاويه، وتلميذه ابن القيم، وترجيحهما على أراء إمام المذهب الحنبلي الذي يتعبد به السلفيون، وهو بذاك يكون متبعاً سيرة ابن تيمية وفتاويه ومنهجه؛ وإنْ كان هذا الأمر لا يلقى أستحسانا من مشايخ الوهابية

ص: 27

المعاصرين، إذ يحاولون التمظهر بالإنتساب للمذهب الحنبلي، وصرف الأنظار عن كونهم على مذهب ابن تيمية فقها وعقيدة، وذلك لمواقفه المعادية لله ورسوله (صلى الله عليه واله) وأهل بيته، کما سیمر بیانه عبر الدراسة.

سادساً - مؤلفاته

إن المتتبع لما طبع لابن عثيمين ومراجعته يجد أن أغلب هذا المطبوع من العنوانات هو في الأساس مشغول من قبل المؤسسة الوهابية عبر إلية جمع دروس ابن عثيمين وخطبه و محاضراته المسجلة على (أشرطة الكاسيت) أو (الأقراص الصلبة والليزرية) ثم تفريغها على الورق وتعديلها وتصويبها، وإخراجها بهيئة الكتاب وطباعتها؛ ومما يدل على هذه الحقيقة:

1 - إن مبدأ ابن عثيمين في التأليف كان يدفعه إلى عدم الكتابة وقد صرّح بذلك حينما سئل عن التأليف، فأجاب:

«من ألّف فقد أسُتهدف»(1).

ولذا:

كان يتجنب الكتابة والتأليف إلاّ ما ندر، کشرحه للعقيدة الواسطية وعرضها على شيخه ابن سعدي.

ويظهر من وصيته لطلبته واتباعه إن الدافع في كتابته وشرحه للعقيدة الواسطية هو حبه لابن تيمية، وعقيدته، وایمانه بها، فكان يسميه: ب (كثير البركة)(2).

ص: 28


1- الدر الثمين، إعداد عصام المرّي: ص 358
2- کلمات في رثاء الشيخ ابن عثيمين، محمد حامد ص 68

ولا شك أنه كان (كثير البركة) على ابن عثيمين فقد خاصم بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بفعل التأثر بهذه العقيدة.

2 - إنّ خير دليل على إتباعه هذا المبدأ في التأليف والكتابة، أي: كي لا يُسْتَهدَفْ فيما يَكْتُبْ، هو أن قوله في فاطمة (عليها السلام) في شرحه على صحیح مسلم، والتعليق عليه، كان عبر الإلقاء وليس الكتابة، فقد قال:

(ولكن كما قلت لكم قبل قليل: عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول، أو يفعل، أو ما هو الصواب فيه؛ فنسأل الله أن يعفو عنها)!!! وقوله: (ولكن كما قلت لكم قبل قليل) واضح الدلالة على أن شرحه الصحيح مسلم كان إلقاءاً ولم یکن تحریراً، مما يكشف عن إن كثيراً مما ينسب إليه من كتب هي جمع من دروس ومحاضرات من هنا وهناك، وليس تألیفاً وتحريراً بقلمه.

سابعاً - بعض آرائه وفتاويه

إنّ أنتماء ابن عثيمين للمدرسة الوهابية نشاءة ودراسة حتى عدَّ من أهم رموزها المعاصرين، قد أوجب عليه، أي هذا الانتماء، عدم الانحراف عن مسار محمد بن عبد الوهاب، وابن القيم، وابن تيمية، في العقيدة والرأي والفتوى.

ومن ثم فإن آرائه وفتاويه كانت من رحم هذه الفرقة، لا سيما في التجسیم، والتشبيه؛ فهم يقاتلون ويقتلون في أثبات أن الله عز وجل - والعياذ بالله - عينين، ويدين، وهبوط، ونزول، وجلوس، وغيرها مما يرتبط بالتجسيم والتشبيه.

ص: 29

وأما التوسل بالأنبياء والأولياء، وشد الرحال الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتبرك بأثاره، وغيرها؛ فهو مما عرفت به الوهابية وجرت فيما بينهم وبين علماء المسلمين الكثير من الردود والمواجهة ابتداءاً من عصر التأسيس على يد ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والى يومنا هذا.

فقد أنبرى الكثير من علماء المسلمين لمواجهة هذا الركام من الفكر في إبعاد الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و تحریم شد الرحال الزيارته والتشرف بتقبيل أعتاب قبره؛ وحسبك من هذه الردود العلمية ما صنّفه إمام السُنّة والجماعة في وقته تقي الدين السبكي (ت 756 ه) في كتابه الموسوم ب (شفاء السقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم).

ولقد أثنى جملة من العلماء على هذا الكتاب ومنهجه العلمي في الرد على ابن تيمية، منهم:

1 - أبو زرعة العراقي (ت 826 ه).

قال في معرض ردوده على فتاوی ابن تيمية، ومنها فتوى الطلاق، وشد الرحال إلى القبر النبوي، فيكتفي أبو زرعة في ذلك بقوله:

(وما أبشع مسألتي ابن تيمية في الطلاق والزيارة، وقد ردّ عليه فيهما معاً الشيخ تقي الدين السبكي، وأفرد ذلك بالتصنيف، فأجاد وأحسن)(1).

2 - أبو الصلاح الصفدي (ت 764 ه). فقد أنشد في كتاب الوافي، مثنياً ومادحاً ومثمناً، فقال:

ص: 30


1- الأجوبة المرضية من الأسئلة المكية، أبو زرعة العراقي: ص 96 - 98

قول ابن تيمية زخرف *** أتى في زيارة خير الأنام فجاءت نفوس الورى تشتكي *** إلى خير حبر وأزكى إمام فصنّف هذا وداواهم *** فكان يقينا شفاء السقام)(1) 3 - قال ابن حجر الهيثمي المصري (ت 973 ه) في بيان حال ابن تيمية وما صنّفه الحافظ السبكي في الرد عليه، قائلاً:

(ابن تيمية عبد خذله الله، وأضله، وأعماه، وأصمه، وأذله، وبذلك صرّح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله، وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وبلاغه رتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي، وولده التاج، والشيخ بن جماعة، وأهل عصرهم، وغيرهم من الشافعية، والمالكية، والحنفية)(2).

ثم يظهر ابن حجر الهيثمي تقيمه ورأيه وعقيدته في ابن تيمية، فيقول:

(والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن؛ بل يرمي في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه: أنّه مبتدع، ضال، ومضل، جاهل، غال، عامله الله بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله؛ آمين)(3).

ص: 31


1- الوافي بالوفيات للصفدي: ج 21 ص 256
2- الفتاوى الحديثية لابن حجر: ص 114 - 115، ط دار المعرفة - بيروت
3- المصدر السابق نفسه

من هنا:

فإن ابن عثيمين في فتاويه وآراءه، وعقيدته، هو سنخ من ابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب، وابن باز، وغيرهم من أبناء هذه الفرقة.

إلا أن الذي أستوقني من هذه الآراء والفتاوي ما يلي:

ألف: فتوى تحريم إقامة اسبوع المولد النبوي وجواز اسبوع محمد

عبد الوهاب! سئل ابن عثيمين عن الفرق بين ما يسمى باسبوع الشيخ محمد عبد الوهاب، والإحتفال بالمولد النبوي حيث ينكر على فعل الثاني دون الأول؟ أي: إن الوهابية والسلفية ينكرون على أهل السُنّة والجماعة احتفالهم بمولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفرحتهم بهذه المناسبة، وإنشاد المديح في سيد الخلق، والاطعام، وإدخال السرور على قلوب المؤمنين، على الرغم من رفع الوهابية شعارًا بكونهم من أهل السُنّة والجماعة.

في حين أن الوهابية لا ينكرون على أتباعهم، وأبناء فرقتهم، إقامة أسبوع في نشر آراء مؤسس الفرقة محمد بن الوهاب وعقيدته!!! والعلة في هذا الفرق بينهما، أي بين تحريمهم اسبوع المولد النبوي وبين اسبوع محمد عبد الوهاب، كما يقول ابن عثيمين:

(الفرق بينهما من وجهين:

(الأول: إن أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يتخذ تقربا إلى الله عز

ص: 32

وجل، وانما يقصد به إزالة شبهة في نفوس بعض الناس في هذا الرجل ويبين (ما منَّ الله به على المسلمين على يد هذا الرجل).

الثاني: أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يتكرر ويعود کما تعود الأعياد، بل هو أمر بين الناس وكتب فيه ما كتب، وتبين في حق هذا الرجل ما لم يكن معروفاً من قبل الكثير من الناس، ثم انتهى أمره)(1).

ونقول:

1 - إنّ هذه الفتوى لا تحتاج الى مزيد من التدليل على تمسك ابن عثيمين بعقيدة ابن تيمية في محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تحرم أقامة الاحتفال والسرور بميلاد خير خلق الله وسيد أنبيائه ورسله، وتبيح أقامه سبعة أيام لمؤسس الحركة الوهابية ووصفه بانه (منّة الله) على المسلمين وهو يعلم أن المتة التي من الله بها على الخلق هي بعثه لحبيبه المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم)!! وليس إمامه وشيخه محمد بن عبد الوهاب.

قال تعالى:

«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»(2).

ولكن لا غرابة في قول ابن عثيمين فهو مفتون بإمامه ابن عبد الوهاب فعدّه منّة من الله عليه وعلى أبناء هذه الفرقة.

ص: 33


1- مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ج 16 ص 194، برقم (1312)
2- سورة آل عمران، الآية 164

قال تعالى:

«وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ»(1).

2 - ولكن ثمة سؤال: مَنْ هو الأولى بتخصيص أسبوع للكتاب والحديث والتعليم وكشف الشبهات أهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم شیخ الوهابية؟!

باء: تحريم إقامة اسبوع المساجد.

إن من الغرابة إن يُسأل ابن عثيمين عن حكم الشريعة في إقامة أسبوع المساجد، وأسبوع الشجرة وغيرها؟ فيجيب قائلاً:

(هذه الأسابيع لا أعلم لها أصلاً في الشرع، وإذا اتخذت على سبيل التعبد وخصصت بأيام معلومة تصير كالأعياد، فأنها تلتحق بالبدعة...)(2)!!! والسؤال المطروح:

أ - أين الأصل الشرعي في أقامة الوهابية لأسبوع شيخهم محمد بن الوهاب؛ لماذا لم يدّلنا عليه المفتون به ابن عثيمين؟ فإما أن يكون عالماً فدَّلس على الناس وأظلهم فأحل لهم ما حرّم الله، وأما جاهلاً فأظلهم بجهله.

ص: 34


1- سورة الأنعام، الآية 53
2- مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: ج 16 ص 195، رقم الفتوى: (1313)

ب - وما هو حكم من يتخذ هذا الأسبوع، أي: أسبوع الشيخ محمد عبد الوهاب من أتباع الوهابية على سبيل التعبد (لان الله منّ به عليهم) أفيكونوا بهذا الأسبوع مبتدعون؟! ج - ولماذا أعرض عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحها: «الخديعة في النار ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»(1).

أفهل كان أسبوع شیخ الوهابية على أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!!

ثامناً - موقفه مما حصل بين الصحابة ولماذا ناقض نفسه ولم يصدق في الدعوة إلى الإمساك عما شجر بينهم.

يذهب ابن عثيمين الى ما ذهب إليه أشياخه من الوهابية والسلفية في الدعوة إلى الإمساك فيما شجر بين الصحابة، والقول بحرمة الدخول، ووجوب الإمساك.

فيقول في شرح عقيدة إمامه ابن تيمية فيما شجر بين الصحابة:

(فهذا الذي حصل موقفنا نحن منه له جهتان: الجهة الأولى: الحكم على الفاعل؟ والجهة الثانية: موقفنا من الفاعل.

أما الحكم على الفاعل، فقد سبق، وأن ما ندين الله به أن ما جرى بينهم؛ فهو صادر عن اجتهاد، والاجتهاد إذا وقع فيه الخطأ، فصاحبه معذور مغفور له.

ص: 35


1- صحيح البخاري، باب: لم يجوز الخيار: ج 3 ص 24؛ وباب بیان خير الشهود، ج 5 ص 132

وأما موقفنا من الفاعل، فالواجب علينا الإمساك عما شجر بينهم، لماذا نتخذ من فعل هؤلاء مجالاً للسب والشتم، والوقيعة فيهم، والبغضاء بيننا، ونحن في فعلنا هذا إما آثمون، وإما سالمون، ولسنا غانمين ابداً.

فالواجب علينا اتجاه هذه الأمور، أن نسكت عما جرى بين الصحابة، وأن الانطالع الأخبار أو التاريخ في هذه الأمور، إلا المراجعة للضرورة)(1).

ونقول:

1 - أما الجهة الأُولى، أي الحكم على الفاعل، بانه صادر عن اجتهاد، وصاحبه معذور مغفور له.

فهذه هي الطامة الكبرى، وأنه ليضحك الثكلى، إذ جعل ما قام به الصحابي الشجري عبد الرحمن بن عدیس البلوي(2) و الصحابي عمرو بن الحمق(3).

في اقتحامها بيت خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وضربه بشاخص، وقتله (مغفور لها، معذوران فيه) فقد أجتهدا فأخطئا، وأما إذا كانا صائبين فلهما آجران.

ص: 36


1- مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، شرح العقيدة الواسطية، ص 617 - 618، ط 2 / دار الثريا - السعودية - 1996 م
2- ينظر في ترجمته: وانه ممن بايع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الشجرة، وكان قائد الفرسان الذين قدموا من مصر لمحاصرة عثمان وقتله: (الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3 ص 71؛ الإصابة لابن حجر: ج 4 ص 281؛ الاستذكار لابن عبد البر: ج 2 ص 389)
3- ينظر: الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3 ص 1173؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3 ص 71

ولقد روى ابن سعد (ت 230 ه): إن الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي (وثب على عثمان، فجلس على صدره وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال:

أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله، وأماست فإني طعنته إياهن لما كان في صدري عليه)(1).

ومما لا شك فيه - وبناءا على فتوى ابن عثيمين واشياخه واسلافه - أن الصحابي عمرو بن الحمق قد أجتهد هنا، وهو بين أمرين: إما الصواب وأما الخطأ:

فإن كان قد أصاب في هذه الطعنات التي طعن بها عثمان بن عفان الأموي، لا سيما اجتهاده في الطعنات الثلاثة التي قال فيها (أنها لله) فيكون له أجران على اجتهاده، فضلاً عن النساء في النية التي كانت لله، فيضاعف الله فيها أجر العامل بعشرة أمثاله، فإن كل طعنة لعثمان بعشر عند الله.

وإن كان قد أُخطئ في الطعنات الستة (لما كان في صدره على عثمان) فهي مغفورة له، معذور فيها باجتهاده، فضلاً عن أن هذه الطعنات الست قد أذهبتها الطعنات الثلاثة التي كانت خالصة لله تعالى، وذلك لقوله عز وجل:

«إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ».

ولا شك أننا هنا نلزم ابن عثيمين وأئمة الوهابية والسلفية بما ألزموا به أنفسهم في فتوى أثابة اجتهاد الصحابة في الخطأ والصواب، وبيان مخالفتها للقرآن وسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، نعم هي موافقة لسُنّة الخلفاء و ابن تيمية.

ص: 37


1- الطبقات: ج 3 ص 74؛ أنساب الأشراف: ج 5 ص 272

2 - أما الجهة الثانية التي شرَّعها ابن عثيمين فنقول فيها:

لقد حکم ابن عثيمين بنفسه على نفسه، فهو في دخوله فيما شجر بين سيدة نساء العالمين وسيده نساء أهل الجنة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وبين أبي بكر قد أصبح ملزماً بما شرّعه للناس، وان فتاواه ستأخذ بعنقه أولاً، فهو محكوم عليه بما يلي:

أ - قد خالف امراً واجباً، وذلك لقوله: (فالواجب علينا الإمساك عما شجر بينهم).

ب - أتخذ من فعل فاطمة (عليها السلام) بهجرتها لأبي بكر (مجالاً للسب، والشتم، والوقيعة فيهم) وهذا قد فعله ابن عثيمين بعد أن نهى أبناء الفرقة الوهابية والسلفية عنه!!! فقد وقع - والعياذ بالله ما قال - في سب بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشتمها، والوقيعة فيها) بقوله: في مخاصمتها لأبي بكر:

(عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل!! يدرك به مايقول!! أو يفعل!! أو ما هو الصواب فيه!! فنسأل الله أن يعفو عنها!! وعن هجرها خليفة رسول الله!!).

ج - أنه قد أوقع بهذا القول البذيئ البغضاء بين المسلمين، وبث الفتنة، وتأجيج نارها للاقتتال بينهم بهذه الفرية والوقيعة بين الصحابة وبين بيت النبوة (عليهم السلام).

ص: 38

د - إنّ ابن عثيمين بتطاوله وتجاوزه على بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) ونعتها بهذه الكلمات هو آثم وغير غانم ولا سالم من عذاب الله، وانه قد حكم على نفسه بقوله للناس:

(ونحن في فعلنا هذا إما آثمون، وإما سالمون، ولسنا غانمين أبداً).

ه - إنّ ابن عثمين قد بين العلة في موقفه هذا الذي جرّه للوقيعة والمخاصمة لبضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها) فيقول:

(والواجب أن لا نطالع الاخبار أو التاريخ في هذه الأمور) فأبن عثيمين أوجب على نفسه عدم قراءة ما صنّفه علماء أهل السُنّة والجماعة في أخبار الصحابة وسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يقرأ أخبار الجرح والتعديل، وتراجم الرجال، لأنها غير ضرورية، وذلك أنها لم تصنّف على أيدي ابن تيمية، وابن عبد الوهاب، وابن باز، اللذين فُتن بهم.

فأصبح من المخاصمين لبضعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومما لا ريب ولا شك فيه، سيكون هذا حال كل من أفتتن به وبأشياخه وأسلافه.

تاسعاً - مرضه ومعاناته من السرطان بين التسليم والتزكية.

لم تكن السنوات والشهور الأخيرة من حياة ابن عثيمين بالسهلة عليه، فقد عانى أشد المعاناة من مرضه الذي ابتلاه الله تعالى به، (فقد أصيب بالسرطان في بادئ الأمر في الأمعاء وتحديداً في المستقيم قبل أن ينتشر المرض في جميع بدنه.

ص: 39

والسبب في ذلك أنه كان يعتقد في بادئ أمره أنه يتألم من البواسير التي ابتلي بها قبل أكثر من عشرين سنة، فكان يظن أنها من جراء العمل الجراحي الذي أجري له حينها.

ولما أشتد عليه المرض ثقلت عليه الحركة، فكان يأخذ وقتاً طويلاً في الوضوء والأكل والصلاة، وفي آخر الأيام عندما كان في عنيزة ويؤم المصلين كان يحصل معه أثناء الصلاة (السلس)، فكان يقطع الصلاة ويقدم أحداً مکانه)(1).

ومن المواقف التي نقلها عنه معاصروه ومرافقوه أثناء مرضه وابتلائه بالسرطان أمورًا عدة، منها:

1 - إنّه لم يكن يسمي مرض السرطان بالمرض الخبيث، بل يسميه بالمرض الخطير، وكان يقول:

(ليس في أفعال الله خبيثا).

وكان يريد من ذلك دفع الاعتقاد بأن الله تعالى قد سلط عليه الخبيث تنزيهاً لنفسه؛ في حين رد عليه معاصروه: (فيه تأمل لإطلاق وصف الخبيث في القرآن والسُنّة على عدة أصناف من المخلوقات)(2).

2 - تزكيته لنفسه:

إنه لما سمع من الأطباء بانه مصاب بالخبيث، أي: السرطان، قال:

ص: 40


1- الدر الثمين: ص 372 - 373
2- الدر الثمين: ص 372

(إن الإنسان المؤمن إذا قام بطاعة الله، وفعل أوامره، واجتنب نواهيه فإنه لا یرجو بذلك إلا رحمة الله ودخول الجنة، لا يمكن أن يصل الإنسان إلى الجنة إلا بالموت؛ والموت قد كتب على جميع البشرية، فمرحباً بالموت، إذا كان الموت هو الذي بيننا وبين الجنة)(1).

وهنا قد حكم ابن عثيمين على نفسه وزكاها وعدد صفاته من (الإيمان، وطاعة الله، وفعل أوامره، واجتناب نواهيه) ثم يختم قوله: (فمرحبا بالموت، أذا كان الموت هو الذي بيننا وبين الجنة)!! فليس بينه وبين الجنة سوى الموت، فلا حساب، ولا ميزان، ولا جواز على الصراط، ولا عرض على حوض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وغيرها من منازل الآخرة لا سيما البرزخ وسؤال منكر ونكير، مما يطول ذكره؛ فقد غفل ابن عثيمين عن أن قبول الاعمال أو ردها بيد الله وحده؛ ويكفي في ذاك نهياً عن تزكية المرء لنفسه قوله تعالى:

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(2).

وقال سبحانه:

«فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى»(3).

وغيرها من الآيات والأحاديث النبوية الناهية عن تزكية المرء لنفسه.

ص: 41


1- الدر الثمين: ص 372
2- سورة النساء، الآية: 49
3- سورة النجم، الآية: 32

3 - بل أن ابن عثيمين كان يرى في لحيته قدراً؛ ولذا لم يرض أن يتعالج من الخبيث بالجرعات الكيمياوية وذلك لقولهم: أنها تسقط الشعر، فقال:

(لا أحب أن ألقى ربي بلا لحيتي)(1).

دون أن يرجع فتواه ورأيه إلى القرآن أو السنّة النبوية! فمنذ متى كانت اللحى موضع تقرب إلى الله تعالى، أو أنّه سبحانه ينظر الى اللحى دون صحيفة الإنسان، وما ذنب من لم ينبت الله له لحية فكيف سيلقى الله تعالى؟!! وما تصنع اللحى والناس يحشرون حفاة عراة، فعن ابن عباس قال: خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

«إنكم تحشرون الى الله حفاة عراة غرلاً، ثم قرأ: «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ» - إلى أن قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إلا أنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يارب أصحابي، فيقال لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح:

«وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ».

فيقال:

إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم»(2).

ص: 42


1- جريدة الوطن السعودية، العدد، 105؛ الدر الثمين: ص 377
2- رواه البخاري في عدة مواضع من الصحيح، منها: کتاب بدء الخلق، ج 4 ص 110، وكتاب تفسير القرآن: ج 5 ص 191، وكتاب الرقاق: ج 7 ص 195؛ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، أحمد عبد الرزاق الدويش: ج 3 ص 75

والحديث يشير إلى مسألة مهمة، وهي أن البخاري رواه في صحيحه، وقرأه ابن عثيمين على شيخه ابن باز، لكنه لم يسأله عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«فأقول يا رب أصحابي؟! فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك».

ولعل ابن عثيمين سأل شيخه بن باز عن هؤلاء الصحابة الذين أحدثوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يزالوا مرتدین! لكنه لم يدري بماذا يجيبه، والصحابة عنده (كلهم عدول)؟!.

وهكذا هي الأمور عند ابن عثيمين، وابن باز، وابن عبد الوهاب، وابن تيمية، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم في تزكية الأنفس، وتكفير من يخالفهم المعتقد والرأي، وذلك أنهم يحبون أن يلاقوا الله عز وجل باللحى!! وليس بحب فاطمة وعلي وولدهما (عليهم السلام) مع علمهم بوجوب مودتهم وأتباعهم ونصرهم لا مودة وأتباع من أحدثوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يزالوا مرتدین منذ فارقهم رسول الله (صلى الله علیه و آله وسلم) کما صرَّح بذلك النبي المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبر أمته، ويخرجه جل حفاظ المسلمين في كتبهم لا سيما البخاري ومسلم وأحمد.

وعليه:

يتضح أنه ليس بالأمر الغريب بعد هذا الحديث النبوي أن يصف ابن عثيمين بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دفاعها عن حقها بأرض فدك، وسهم ذي القربى، وميراثها المغصوب المنهوب، بأنها - والعياذ بالله مما يقولون - (ليس لها عقل)!!!

ص: 43

عاشراً - وفاته وما شوهد عند احتضاره وعلاقة ذلك بالمولاة لآل البيت (علیهم السلام).

ليس من المستغرب أن ينتهي الحال بابن عثيمين بعد معاناة طويلة مع المرض الخبيث الذي أكل معظم بدنه أن تتدهور حاله، لينقل إلى المستشفيات فيقضي فيها أيامه وساعاته الأخيرة.

إلا أن هناك ثمة أمور شاهدها من حضر عنده في هذه الأيام التي انتقل بعدها إلى الله عزَّ وجل، وهي:

1 - حاله عند الاحتضار والنزع للروح.

فقد قيل: (إنه كان ينازع الموت لأربع ساعات، من الساعة الواحدة وحتى الساعة السادسة الا خمس دقائق، حيث بدا عليه التعب الشديد، وبدأ العرق يخرج منه، وكأنه يشعر بشيء ويحرك أصبعه وشفتيه، وكان الأوكسجين موضوعاً في فمه الى أعلى درجته، ولكن مع ذلك كان لديه هبوطاً في الأوكسجين، مما أستدعى حضور الأطباء الذين أخبروا ذويه بأنه في حالة خروج الروح)(1).

2 - عدم القدرة على أغلاق فمه بعد خروج روحه.

من الشواهد التي نقلت من احتضاره ووفاته: (إن فمه کان مفتوحاً ظاهرة أسنانه، فحاول أبنه عبد الرحمن ومن حضر معه قفل فمه لمدة نصف ساعة، ومع ذلك لم يستطيعوا، فترك فمه مفتوحاً)(2).

ص: 44


1- الدر الثمين لعصام عبد المنعم المري: ص 394
2- المصدر السابق

3 - إن أبنائه لم يقيموا عليه التعزية واكتفوا بقبول التعازي عبر الهاتف، وذلك أن ابن عثيمين كان يرى عدم الجلوس للتعزية فلم يقم العزاء عند موت والديه، فسار أبنائه على نهجه فلم يقيموا العزاء على أبيهم(1).

وقد توفي يوم الأربعاء في الخامس عشر من شوال (لعام 1421 ه) عن عمر مقداره أربعة وسبعين عاماً، ودفن بالقرب من شيخه ابن باز لا يفصل بينها سوى بضع خطوت(2).

وهنا لنا بعض الملاحظات وذلك أننا نخوض غمار البحث في مسألة عقدية في غاية الأهمية، فنقول:

ألف - انکشاف الحقائق للإنسان عند الموت.

وهذه المسألة العقدية دلّ عليها القرآن والسُنّة، وهي كالاتي:

1 - يظهر القرآن هذه الحقيقة في جملة من الآيات، منها:

أ - قال عز وجل: «وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ»(3).

ب - وقال سبحانه: «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ «لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ

ص: 45


1- الدر الثمين: ص 394
2- المصدر السابق
3- سورة الأنعام، الآية: 93

يُبْعَثُونَ»(1).

ج - وقال تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ»(2).

د - قوله تعالى «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»(3).

وقد روى الفقيه المفسر ابن جرير الطبري (ت 310 ه) جملة من الروايات في بيان الآية فكان منها، أنه قال:

(يعني بذلك جل ثناؤه: (وليست التوبة) للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله «حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ» يقول أحدهم إذا حشرج أحدهم بنفسه، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه، قال: وقد غلب على نفسه، وحيل بينه وبين فهمه بشغله بكرب حشر جته وغرغرته «إِنِّي تُبْتُ الْآنَ» فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة)(4).

وروي عن الربيع: أن قوله تعالى:

(ولسيت التوبة للذين يعملون السيئات) نزلت في المنافقين؛ وقد ذهب الثوري إلى إنها في أهل المعاصي وليست في المنافقين للتفريق بينهم وبين

ص: 46


1- سورة المؤمن، الآية: 99
2- سورة المنافقون، الآية: 10
3- سورة النساء، الآية: 18
4- تفسير الطبري: ج 4 ص 401

الكفار بلحاظ ان المنافقين هم كفار ايضاً.

وهذا القول لا يصمد إمام بیان القرآن لحال فرعون الذي أدركه الغرق فقال الان آمنت، قال تعالى: «وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»(1).

وعليه:

يتضح أنها في أهل النفاق فهم لا توبة لهم عند حضور الملائكة لنزع أرواحهم، ويتضح أيضاً حقيقة المشاهدة للملائكة، واختلاف حال الميت بما يراه من الشدة أو التخفيف في نزع روحه من عروق بدنه، بين كونه مؤمناً، فيّهون عليه النزع، وبين كونه منافقاً أو كافراً فيشدد عليه.

2 - ولم يكن القرآن هو الوحيد الذي بينّ للناس هذه الحقيقة، بل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبين لأزواجه ذلك أيضاً، فما أخرجه البخاري وأحمد في ذلك، ما يلي:

أ - أخرج البخاري، عن عبادة بن الصامت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

«من أحب لقاء الله، أحب الله لقائه؛ ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه» قالت عائشة، أو بعض أزواجه:

إنا لنكره الموت؟

ص: 47


1- سورة يونس، الآية: 90 - 91

قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ليس ذلك، ولكن المؤمن أن أحضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه وأن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، کره لقاء الله، وكره الله لقاءه»(1).

ب - وأخرج أحمد بن حنبل عن يونس، عن الحسن، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من أحب لقاء الله، أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله عز وجل، كره الله القاءه».

فقالت عائشة:

یا رسول الله، كراهية لقاء الله أن يكره الموت، فوالله أنا لنكرهه؟ فقال:

«لا، ليس بذلك، ولكن المؤمن إذا قضى الله عز وجل قبضه فرَجَ له عما بين يديه من ثواب الله عز وجل و كرامته، فيموت حين يموت وهو يحب لقاء الله عز وجل، والله يحب لقاءه، وان الكافر والمنافق إذا قضى الله عز وجل قبضه فرج له عما بين يديه من عذاب الله عز وجل وهوانه فيموت حين يموت وهو يكره لقاء الله، والله يكره لقاءه»(2).

ص: 48


1- صحيح البخاری، کتاب الرقاق، ج 7 ص 191
2- مسند أحمد، حديث عائشة : ج 6 ص 218

باء - رؤية المسلم للنبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) ووصيه الإمام علي (علیه السلام) في الاحتضار ونزع الروح.

إن من الحقائق التي نص عليها القرآن والسُنّة في احتضار المسلم، أي حينما تحضره الملائكة لقبض روحه، أنّه يبشر بأحد أمرين، إما أنه يبشر برضوان الله وكرامته فيحب لقاء الله تعالى، وأما يبشر بعذاب الله وعقوبته؛ فيكره لقاء الله، کما مرّبیانه آنفاً فيما رواه البخاري، عن عائشة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

لكن عائشة لم تسأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن الذي يُبشر المحتضر، أهي الملائكة، أم ملك الموت عزرائیل (عليه السلام) أم أعوانه، أم النبي ووصيه علي (صلوات الله وسلامه عليها)؟! أو لعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرها لكنها كرهت ذكر علي (عليه السلام)، وهو أمر عرُف عنها واشتهرت به، لا سيما في أخبارها عن خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الصلاة في أيام مرضه، وقبل وفاته لما سمع بأن أبا بكر يصلي بالناس، فخرج محمولاً يتهادى بين رجلين أحدهما العباس(1).

فهنا لم تكشف عائشة عن أسم الشخص الثاني فذكرت العباس فقط، في حين يظهر عبد الله بن عباس السبب الذي منع عائشة من ذكر الشخص الآخر، الذي أستند إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خروجه إلى المسجد، فيقول: (أ تدرون من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ هو علي!

ص: 49


1- صحيح البخاري، باب: أهل العلم والفضل، ج 1 ص 169

ولكن عائشة لا تطيب له نفساً!!)(1).

إلّا أن ما لا تطيب له عائشة نفسا!! ذكرته الروايات الواردة عن الذين خرج بهم النبي (صلى الله عليه واله) لمباهلة نصاری نجران على صدق دعوته ونبوته.

فضلا عن ذكر بعض أعلام أهل السُنة والجماعة هذه الحقيقة؛ فلقد تضافرت النصوص الواردة عن ثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأصغر، وهم عترته أهل بيته (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه أمير المؤمنين (عليه السلام) يحضرون عند حضور ملائكة الموت لنزع الأرواح من الأبدان.

وهذه الحقيقة وإن كان ابن تيمية ومن أخذ بحجزته، وسار على عقيدته لا يؤمنون بها إلا أنها لا تغير من الحقيقة شيئاً فيما بعد الحق وهدي القرآن و عترة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا الضلال، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(2).

ومن هذه النصوص الشريفة، ما يلي:

أ - أخرج الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) (ت 329 ه) بسنده عن علي بن عقبة، عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام):

ص: 50


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 6 ص 228
2- سورة المائدة، الآية: 105

«یَا عُقْبَةُ لَا يَقْبَلُ الله مِنَ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَذَا الأَمْرَ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْه وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وبَيْنَ أَنْ يَرَى مَا تَقَرُّ بِه عَيْنُه إِلَّا أَنْ تَبْلُغَ نَفْسُه إِلَى هَذِه» ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى الْوَرِيدِ، ثُمَّ اتَّكَأَ وكَانَ مَعِيَ الْمُعَلَّى فَغَمَزَنَي أَنْ أَسْأَلَه فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ الله فَإِذَا بَلَغَتْ نَفْسُه هَذِه أَيَّ شَيْءٍ يَرَی؟ فَقُلْتَ لَه بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً أَيَّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ فِي كُلِّهَا «یَرَی» ولَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَلَسَ فِي آخِرِهَا فَقَالَ:

«یَا عُقْبَةُ»! فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ فَقَالَ: «أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَعْلَمَ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا ابْنَ رَسُولِ الله إِنَّمَا دِینِي مَعَ دِينِكَ فَإِذَا ذَهَبَ دِینِي کَانَ ذَلِكَ؛ كَيْفَ لِي بِكَ يَا ابْنَ رَسُولِ الله كُلَّ سَاعَةٍ، وَبَکَیْتُ فَرَقَّ لِي فَقَالَ:

«يَرَاهُمَا والله» فَقُلْتُ بِأَبِي وأُمِّي مَنْ هُمَا قَالَ:

«ذَلِكَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعَلِيٌّ (عليه السلام) یَا عُقْبَةُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ أَبَداً حَتَّى تَرَاهُمَا»، قُلْتُ: فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمَا الْمُؤْمِنُ أيَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا؟ فَقَالَ:

«لَا، يَمْضِي أَمَامَه إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمَا مَضَى أَمَامَه» فَقُلْتُ لَهُ: يَقُولَانِ شَيْئاً؟ قَالَ:

«نَعَمْ يَدْخُلانِ جَمِيعاً عَلَى الْمُؤْمِنِ، فَيَجْلِسُ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عِنْدَ رَأْسِه وعَلِيٌّ (عليه السلام) عِنْدَ رِجْلَيْه فَيُکِبُّ عَلَيْه رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فَيَقُولُ: يَا وَلِيَّ الله أَبْشِرْ أَنَا رَسُولُ الله، إِنِّي خَيْرٌ لَكَ مِمَّا تَرَکْتُ مِنَ الدُّنْيَا، ثُمَّ یَنْهَضُ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فَيَقُومُ عَلِيٌّ (عليه السلام) حَتَّى يُکِبَّ عَلَيْه، فَيَقُولُ: يَا وَلِيَّ الله أَبْشِرْ، أَنَا عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي کُنْتَ تُحِبُّه، أَمَا لأَنْفَعَنَّكَ».

ص: 51

ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا فِي كِتَابِ الله عَزَّ وجَلَّ»، قُلْتُ: أَيْنُ جَعَلَنِيَ الله فِدَاكَ هَذَا مِنْ کِتَابِ الله؟ قَالَ: «فِي يِونُسَ، قَوْلُ الله عَزَّ وجَلَّ هَاهُنَا:

«الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»)(1).

ب - أخرج الكليني بسنده، عن سعيد بن يسار، أنه حضر أحد أبني سابور وكان لها فضل، وورع وإخبات، فمرض أحدهما وما أحسبه إلا زکریا بن سابور قال: فحضرته عند موته، فبسط يده ثم قال:

(أبيضت يدي يا علي)! قال: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) و عنده محمد بن مسلم، قال: فلما قمت من عنده ظننت أن محمدا يخبره بخبر الرجل، فأتبعني برسول فرجعت إليه فقال:

«أخبرني عن هذا الرجل الذي حضرته عند الموت، أي شيء سمعته يقول»؟ قال: قلت بسط يده ثم قال: أبيضت يدي يا علي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

«والله رآه، والله رآه، والله رآه»(2).

ج - وروى حسين بن سعيد الكوفي (ت 300 ه) وغيره عن عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): حدثني صالح بن میثم عن عباية الأسدي، أنه سمع علياً (عليه السلام) يقول:

ص: 52


1- الكافي للكليني، باب: ما يعاين المؤمن والكافر: ج 3 ص 128 - 129
2- الكافي، باب: ما يعاين المؤمن والكافر عند الموت: ج3 ص 130 - 131

«والله لا يبغضني عبد أبداً فيموت على بغضي إلّا رآني عند موته حيث يكره، ولا يحبني عبد أبدا فيموت على حبي إلّا رآني عند موته حيث يحب»، فقال أبو جعفر (عليه السلام): «نعم، ورسول الله باليمين»(1).

د - أخرج الشيخ المفيد والشيخ الطوسي (عليهما الرحمة والرضوان) في أماليها، قدوم الحارث الهمداني على أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) فكان ما جرى بينهما من الحديث، أنّه (عليه الصلاة والسلام) قال للحارث:

«أبشرك يا حارث لتعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند الحوض، وعند المقاسمة».

قال الحارث:

وما المقاسمة يا مولاي؟ قال: «مقاسمة النار، أقاسمها قسمة صحيحة؛ أقول: هذا وليي فاتركيه، وهذا عدوي فخذيه...»(2).

ولشهرة الحديث بين أتباع آل البيت (عليهم السلام) فقد أنشد السيد الحميري (عليه الرحمة والرضوان) في ذلك فيقول:

ص: 53


1- الزهد، لحسين بن سعيد الكوفي: ص 83؛ الكافي للكليني: ج 3 ص 132؛ الفصول المهمة للحر العاملي: ج 1 ص 305
2- أمالي الشيخ المفيد: ص 7؛ أمالي الشيخ الطوسي: ص 627؛ المختصر لحسن بن سليمان الحلي: ص 64؛ کشف الغمة للآربلي: ج 2 ص 39

قول علي الحارث عجب *** کم ثم أعجوبة له جملا ياحارهمدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا يعرفني طرفه وأعرفه *** بنعته واسمه وما فعلا وأنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة ولا زللا أسقيك من بارد على ظمأ *** تخاله في الحلاوة العسلا أقول للنار حين تعرض للعرض *** دعية لا تقربي الرجلا دعيه لا تقر بيه إن له *** حبلا بحبل الوصي متصلا)(1) ه - ولشهرة الحديث عند أهل السُنّة والجماعة فقد واجهوه بثلاثة أمور، وهي:

الاول: إنكار الحديث على الرغم من صحته وشهرته بين أهل السُنّة لكنهم أبت نفوسوهم إلا الإصرار على محاربة الحديث بشتى الطرق، ومنها أنكار الحديث وهو ما أثار استغراب إمام المذهب الحنبلي، فعن محمد بن منصور، قال:

(کنّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى، أن عليا قال:

(أنا قسيم النار)؟!

ص: 54


1- الأمالي للمفيد: ص 7؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3 ص 34

فقال: وما تنكرون من ذا أليس روينا عن النبي (صلى الله عليه واله) قال لعلي:

(لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)؟!! قلنا: بلى.

قال فاين المؤمن؟ قلنا في الجنة؛ قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار قال: فعلي قسيم النار)(1).

الثاني: تضعيف الحديث فبعد أن سمعوا من إمام المذهب الحنبلي والذي عُرف بتشدده على الرافضة إلا أنه لم يستطع أن ينكر صحة الحديث، ولذا أشار الى نكارة السائل للحديث؛ واستدل عليه بما هو أعظم على نفسه ونفوس الحاضرين بما لا يمكن أنکاره فأثبت لهم صحة أن عليا (عليه الصلاة والسلام): قسیم النار والجنة ولذا: عمدوا إلى تضعيف کلا من موسی بن طريف الأسدي، وعباية بن ربيع الأسدي الذي سمع أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) يقول:

«أنا قسيم النار هذا لي وهذا لك».

الثالث: إعلان الحرب على الأعمش الذي سمع الحديث عن موسی بن طريف الأسدي، عن عباية، عن علي (عليه السلام)، فقد لاقى الأعمش من معاصريه من أهل السُنّة والجماعة حربا ضروسا كادت أن تقضي على حياته!! وذلك أنه أخذ يحدث الناس بقول الإمام علي (عليه السلام): أنا قسيم النار.

ص: 55


1- طبقات الحنابلة لمحمد بن أبي يعلى: ج 1 ص 320

والعلة في هذه الحرب يكشفها عيس بن يونس فيقول:

(مارايت الأعمش غضع إلا مرة واحدة، فانه حدثنا بهذا الحديث، قال علي (أنا قسيم النار) فبلغ ذلك أهل السُنّة فجائوا أليه فقالوا: أتُحدِّث باحادیث تقوي بها الروافضة والزيدية والشيعة؟ فقال: سمعته فحدثت به.

فقالوا: فكل شيء سمعته تحدث به؟!! قال: فرأيته خضع ذلك اليوم)(1).

والحديث لا يحتاج إلى مزيد من البيان في ممارسة التدليس والتعتيم والتضليل والاخفاء والاقصاء لثقل النبي (صلى الله عليه واله) الأصغر في أمته.

هذه الأمة التي تعاهدت على تغيير سُنّته أذا عملت بها شيعة أهل بيته (عليهم السلام) وما قول ابن تيمية عن ذاك ببعيد، أذيقول في حكم السُنّة النبوية في تسطيح القبور والنهي عن تسنيمها:

(ومن هنا أفتى بعض فقهاء أهل السُنّة بترك بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم، أي للشيعة فانه وان لم يكن الترك واجبا لذلك، لكن في أظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميز السني من الرافضي)(2).

وقال الرافعي: (التسنيم أفضل مخالفة لشعار الروافض)(3).

ورد الحافظ النووي على هذا التحامل على الشيعة الرافضة واتخاذه شعارا

ص: 56


1- ضعفاء العقيلي : ج 3 ص 416؛ لسان الميزان لابن حجر: ج 3 ص 247
2- منهاج السُنّة: ج 2 ص 143
3- فتح العزيز: ج 5 ص 224

في ترك الواجبات والسنن النبوية فيقول: (ورد الجمهور على ابن أبي هريرة في دعواه أن التسنيم أفضل لكون التسطيح شعار الرافضة. فلا يضر موافقة الرافضي لنا في ذلك ولو كانت موافقتهم لنا سببا لترك ما وافقوا فيه، لتركنا واجبات و سُننا كثيرة)(1).

والسؤال المطروح:

ماذا شاهد ابن عثيمين عند احتضاره، وماذا شاهد غيره من أسلافه الذين تعاهدوا على مخاصمة بضعة النبوة وصفوة الرسالة، بعد هذه الحقيقة التي دلَّ عليها القرآن والسُنّة، وماذا قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وماذا قال لأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بعد اشتراكه في خصومة فاطمة (عليها الصلاة والسلام)؟! لا شك أن الإجابة على هذه التساؤلات أضمرتها - أن لم تكن قد صرّحت بها - تلك الساعات الأربعة التي قضاها في الاحتضار فتنتهي بفمه المفتوح الذي عجز عن أقفاله الحاضرون.

«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(2).

المسألة الثالثة: مصطلحات الدراسة، ونوعها، ومنهج البحث.

اشتملت الدراسة على بعض المصطلحات التي دارت في فلك بعض الحقول المعرفية، وهي على النحو الآتي:

ص: 57


1- المجموع :ج 5 ص 269
2- سورة الشعراء، الآية: 227

أولًا - الخصومة.

عُرفت الخصومة اصطلاحاً: بالمنازعة، والجدل، وأصل المخاصمة: أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر: أي جانبه، وأن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب(1).

وهذا المعنى الاصطلاحي له نظائر عدة وردت في حقول معر فيه شتی، لا سيما اللغة والقرآن والفقه والاخلاق، وهي كالاتي:

1 - الجدل والجدال والمجادلة.

الجدل: هو شدة الخصومة(2).

والمجادلة: المخاصمة والمدافعة، وقد ورد في الحديث:

«ما أوتي الجدل قوم إلا ضلوا..» والمراد به الجدل على الباطل وطلب مغالبة(3).

قال الراغب: الجدال : المفارضة على سبيل المنازعة والمغالبة(4).

قال الشيخ المفيد (عليه الرحمة والرضوان):

(الجدال على ضربين: أحدهما بالحق، والآخر بالباطل، فالحق منه مأمور به ومرغّب فيه، والباطل منه منهي عنه ومزجور عن استعماله.

ص: 58


1- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية لمحمود عبد الرحمن: ج 2 ص 33
2- الصحاح للجوهري: ج 4 ص 1653
3- المصطلحات: اعداد مركز المعجم الفقهي: ص 877
4- غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، للميرزا القمي: ج 6 ص 252

قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):

«وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(1).

فأمر بجدال المخالفين وهو الحجاج لهم، إذ كان جدال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حقا، وقال تعالى لكافة المسلمين: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(2).

فأطلق لهم جدال أهل الكتاب بالحسن، ونهاهم عن جدالهم بالقبيح.

وحکی سبحانه عن قوم نوح - عليه السلام - ما قالوه في جدالهم فقال سبحانه: «قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا»(3).

فلو كان الجدال کله باطلا لما أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) به، ولا استعمله الأنبياء - عليهم السلام - من قبله، ولا أذن للمسلمين فيه.

فأما الجدال بالباطل فقد بيّن الله تبارك وتعالى عنه في قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ»(4).

فذم المجادلين في [آيات الله] (5) لدفعها أو قدحها (6) وإيقاع الشبهة في حقها.

ص: 59


1- سورة النحل، الآية: 125
2- سورة العنكبوت، الآية: 46
3- سورة هود، الآية: 32
4- سورة غافر، الآية 69

وقد ذكر الله تعالى عن خليله إبراهيم - عليه السلام - أنه حاج کافرا في الله تعالى فقال: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ»(1).

وقال محبرا عن حجاجه قومه: «وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ»(2).

وقال سبحانه آما لنبيه (صلى الله على وآله وسلم) بمحاجة مخالفيه: «قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا»(3).

وقال لنبيه (صلى الله على وآله وسلم): «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ»(4).

وما زالت الأئمة (عليهم السلام)- يناظرون في دين الله سبحانه ويحتجون على أعداء الله تعالى. وكان شيوخ أصحابهم في كل عصر يستعملون النظر، ويعتمدون الحجاج ويجادلون بالحق، ويدمغون الباطل بالحجج والبراهين، وكان الأئمة - (عليهم السلام) - يحمدونهم على ذلك ويمدحونهم ويثنون عليهم بفضل)(5).

2- اللّد، واللدد.

أ - قال الفراهيدي (ت 175 ه) في معنى اللد:

ص: 60


1- سورة البقرة، الآية: 258
2- سورة الأنعام، الآية: 83
3- سورة الأنعام، الآية: 148
4- سورة آل عمران، الآية: 61
5- تصحيح الاعتقادات: ص 68 - 70

(اللدد، مصدر الألد: أي السيّء الخلق الشديد الخصومة، العسر الانقياد، ورجل ألندد ویلندد: كثير الخصومات، شرس المعاملة)(1).

وقال ابن فارس (ت 395 ه):

(لد): اللام والدال، أصلان صحيحان، أحدهما يدل على خصام، والأخر يدل على ناحية وجانب فالأول: اللدد: وهو شدة الخصومة؛ يقال: رجل ألد، وقوم لُد.

قال الله تعالى:

«وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا»(2) (3).

ب - وقال الشيخ الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 460 ه):

في بيان حال أبي بكر في خصومته لبضعة النبوة (عليها السلام)، وذلك عبر قولها للإمام علي (عليه السلام):

«والله لقد أجد في ظلامتي، وألد في خصامي»(4).

ج- وقال الزمخشري (ت 538 ه):

في شكاية أمير المؤمنين (عليه السلام) مما لقاه من المنافقين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:

ص: 61


1- کتاب العين للفراهيدي : ج 8 ص 9
2- سورة مريم، الآية: 97
3- معجم مقايس اللغة لابن فارس: ج 5 ص 203
4- الأمالي للطوسي: ص 683

«سنح لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام، فقلت: «یا رسول الله ما لقيت بعدك من الإدد والأود» وروي (من اللدد)(1).

وأورد الشريف المرتضى (عليه الرحمة والرضوان) في بيان معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال:

(أما الأود: فهو الميل تقول العرب لأقيمن ميلك وحنفك وأودك وذراك وضلعك وصعرك وصدغك وظلعك بالظاء وصعوك وصدعك كل هذا المعنى واحد.. وقال ثعلب: الأود إذا كان من الانسان في كلامه ورأيه فهو عوج، وإذا كان في الشيء المنتصب مثل عصا وما أشبهها فهو عوج؛ وهذا قول الناس كلهم إلا أبا عمرو الشيباني فإنه قال:

العوج بالكسر الاسم والعوج بالفتح المصدر؛ وقال ثعلب: كأنه مصدر عوج يعوج عوجا، ويقال : عصا معوجة، وعود معوج، وليس في كلامهم معوج..

وأما - اللدد - فقيل: هو الخصومات؛ وقال ثعلب، يقال: رجل ألد، وقوم الد: إذا كانوا شديدي الخصومة؛ ومنه قول الله تعالى: (وهو ألد الخصام)..

وقال الأموي: اللدد: الاعوجاج، والالد في الخصومة الذي ليس بمستقیم، أي هو أعوج الخصومة يميل فلا يقوى عليه ولا يتمكن منه؛ ومن ذلك قولهم: لد الصبي، وإنما يلد في شق فيه، وليس يلد مستقیما فهو يرجع إلى معنى الميل والاعوجاج. وقال فسر لنا الحكم بن ظهير، فقال: ألد الخصام أي أعوج الخصام؛ وأنشد أبو السمح لابن مقبل:

ص: 62


1- الفائق في غريب الحديث للزمخشري: ج 1 ص 26

لقد طال عن دهاء لدى وعذرتي *** وكتمانها أكانی بام فلان جعلت لجهال الرجال مخاضة *** ولوشنت قد بينتها بلساني - اللدد - الجدال والخصومة.. وقال أبو عمرو: الألد: الذي لا يقبل الحق ويطلب الظلم، وقوله - محاضة - يقول: إنهم يخوضون في شعري، ويطلبون معانيه فلا يقفون عليها..

وأنشد أبو السمح:

لا تفتر الكذب القبيح فإنه *** للمرء معتبة وباب ملام واصدق بقولك حين تنطق إنه *** اللصدق فضل فوق كل كلام وإذا صدقت على الرجال خصمتهم *** والصدق مقطعة على الظلام وإذا رماك غشوم قوم فارمه *** باللد مشتغر المدى غشام لاتعرضن على العدو وسيلة *** واحذر عدوك عند كل مقام)(1) ويتضح مما ذُكر:

إن بضعة النبوة (عليها السلام) كانت في ظلامة عظيمة؛ فقد نازعها أبو بکر حقها قهر وأغلظ، وشدد، وألد في خصامها؛ فكان مجادلاً، و مخاصماً، وملداً، فلم تقوى عليه أبنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تتمكن من أخذ حقها منه، ولم يبق أمامها سوى الهجر، فهجرته غاضبة، كاظمة

ص: 63


1- الأمالي للشريف المرتضى: ج 4 ص 78 - 79

لآلمها، محتسبة الى رباها، فهو نعم المولى ونعم النصیر.

وثمة سؤال ينبثق من هذا المعنى مفاده: هل كان ابن عثيمين عالماً بمعنی الخصومة فنضجت في فكره أنها تؤثر على الإنسان فلا تبقي له عقل يدرك به مايقول أو يفعل أو ما هو الصواب فيه؟! وعليه:

لا بد من التعريف بالفكر والفهم كي نصل إلى الإجابة.

ثانياً - معنى الفكرفي اللغة والاصطلاح.

الف - الفكر لغةً.

ورد معنی مفردة (الفكر) في المعاجم اللغوية، على النحو الاتي:

1 - قال الجوهري (ت 393 ه) في بيان معنى الفكر: (التفكير، التأمل، والاسم الفكر، والفكرة، والمصدر الفكر بالفتح، ويقال: ليس لي في. (هذا الأمر فكر، أي ليس لي فيه حاجة، ورجل فكير: أي كثير التفكير)(1).

2 - وقال ابن فارس (ت 395 ه): (الفاء والكاف والراء، تردد (القلب في الشيء، يقال: تفكر إذا ردد قلبه معتبراً)(2).

ص: 64


1- الصحاح للجوهري: ج 2، ص 783
2- معجم مقاییس اللغة لابن فارس: ج 4، ص 446

3 - قال ابن سيده (ت 458 ه): (الفكرة: إعمال الخطار في الشيء (والجمع فکّر)(1).

4 - وقال الفيروز آبادي (ت 817 ه): (الفكر بالكسر، وبفتح: إعال (النظر في الشيء كالفكرة والفكري بكسرهما والجمع أفكار)(2).

أقول: ويمكن أن نستخلص من هذه التعاريف، أن الفكر هو أشغال القلب، أي العقل في التأمل عبر النظر في الشيء.

باء - الفكر أصطلاحاً.

أما معنى المفردة في الاصطلاح فقد جاءت:

1 - قال شيخ الطائفة الطوسي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 460 ه):

(والفكر هو التأمل في الشيء المفكر فيه، والتمثيل بينه وبين غيره، وبهذا يتميز من سائر الأعراض من الإرادة والاعتقاد وليس في المتعلقات بأغيارها شيء يتعلق بكون الشيء على صفة أو ليس عليها غير النظر - والنظر هو الفكر -)(3).

2 - وقال الجرجاني (ت 811 ه):

(إعمال النظر والتأمل في مجموعة من المعارف لغرض الوصول إلى معرفة جديدة، وهو بهذا عملية يقول بها العقل أو الذهن بواسطة الربط بين: (المدركات أو المحسوسات واستخراج معانٍ غائبة عن النظر المباشر)(4).

ص: 65


1- المخصص لابن سيدة : السفر الثالث عشر: ص 745
2- القاموس المحيط: ج 2، ص 111
3- الاقتصاد للشيخ الطوسي: ص 94
4- التعريفات للجرجاني: 55

3 - وقيل هو:

(حركة النفس نحو المبادي والرجوع عنها إلى المطالب)(1).

4 - وقيل أيضاً:

(حركة النفس في المعقولات بخلافها في المحسوسات فأنَّها تخييل لا فكري)(2).

5 - وقيل:

(إعمال العقل بالمعلوم للوصول إلى المجهول)(3).

6 - ويقول جميل صلبيا:

(إنَّ الفكر يطلق على الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات أو يطلق على المعقولات نفسها؛ فإذا أطلق على فعل النفس دل على حركتها الذاتية وهي النظر والتأمل، وإذا أطلق على المعقولات دل على: المفهوم الذي تفكر فيه النفس)(4).

أقول: ويمكن أن نستخرج من هذه التعريفات:

إنّ الفكر اصطلاحاً هو التأمل والنظر في أمرٍ ما، بقصد الوصول إلى معلومة جديدة وتكوّن معرفة حول الشيء المفكر فيه.

ص: 66


1- معجم المصطلحات والألفاظ الفقيهة لمحمود عبد الرحمن : ج 3، ص 52
2- المصدر نفسه
3- معجم لغة الفقهاء، لمحمد قلعجی: ص 349
4- المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية، جميل صليبا: ج 2، ص 156، دار الكتاب اللبناني

ثالثاً - معنى الفهم في اللغة والاصطلاح.

مما ورد في الدراسة هو البحث في المرتكزات المفاهمية لابن عثيمين في خصومة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها، والتي انتجت هذه الفتوى والرأي بانها -والعياذ بالله - كانت (لا تعقل...)!! ولذا:

لا بد من الرجوع إلى أهل الاختصاص في اللغة والاصطلاح لمعرفة معنى الفهم ودلالته كي نصل إلى جذور هذه الفتوى التي أطلقها ابن عثيمين.

ألف - الفهم لغةً.

1 - قال الفراهيدي (ت 175 ه):

(فهم: فهمت الشيء، فَهْماً وفِهْماً: عرفته وعقلته، وفهمت فلانا وافهمته: عرفته. ورجل فهم: سريع الفهم)(1).

2 - قال ابن منظور (ت 711 ه):

(الفهم: معرفتك الشيء بالقلب.

فَهِمَه فَهْمَا وفَهَماً وفهامة: عِلمَه؛ وفهمت الشيء: عقلته وعَرفته)(2).

ص: 67


1- کتاب العين للفراهيدي: ج 4 ص 61
2- لسان العرب لابن منظور: ج 12 ص 459

باء - الفهم إصطلاحاً.

جاء معنی مفردة (الفهم) في الاصطلاح، بمعنى:

(تصور المعنى من لفظ المخاطب أو المتكلم أو من عبارة الكتاب).

والتفهيم: إيصال المعنى إلى فهم السامع بواسطة اللفظ)(1).

جيم - الفرق بين الفهم والعلم.

ذکر أبو هلال العسكري (ت 395 ه) فرقا بين أن يكون المرء قد فهم الشيء وبين أن يكون قد علم، فقال:

(أن الفهم، هو: العلم بمعاني الكلام عند سماعه خاصة؛ ولهذا يقال: فلان سيء الفهم، إذا كان بطيء العلم، بمعنی: مايسمع، ولذلك كان الأعجمي لا يفهم كلام العربي، ولا يجوز أن يوصف الله بالفهم لأنه عالم بكل شيء على ما هوبه فيما لم يزل، وقال بعضهم: لا يستعمل الفهم إلا في الكلام ألا ترى أنك تقول: فهمت كلامه؛ ولا تقول: فهمت ذهابه و مجيئه کا تقول علمت ذلك.

وقال أبو أحمد بن أبي سلمة رحمه الله: الفهم يكون في الكلام، وغيره من البيان الإشارة ألا ترى أنك تقول فهمت ما قلت وفهمت ما أشرت به إلي.

قال الشيخ أبو هلال رحمه الله: الأصل هو الذي تقدم وإنا استعمل الفهم في الإشارة لان الإشارة تجري مجرى الكلام في الدلالة على المعنى)(2).

ص: 68


1- معجم المصطلحات والالفاظ الفقهية، محمد عبد الرحمن: ج 1 ص 481؛ معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي: ص 350
2- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص 414

وقيل: الفهم: تصور المعنى من لفظ المخاطب، وقيل: ادراك خفي، دقیق، فهو أخص من العلم، لان العلم نفس الادراك سواء كان خفياً أو جلياً، ولهذا قال سبحانه في قصة داود وسليمان (عليهما السلام):

«فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا».

خص الفهم بسلیمان، وعمم العلم لداود وسلیمان)(1).

وعليه:

يتضح من هذا البيان ثمة اسئلة:

1 - هل علم ابن عثيمين معاني الكلام ليفهم الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره عن عائشة في هجرة فاطمة (عليها السلام) لأبي بکر کي يسأل الله ان يعفوا عنها لهجرتها؟! 2 - أمْ أنَّه فهم النصوص القرآنية في سهم ذي القربى وارض فدك وأقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما ورثه من اشياخه فكونت لديه مقاصدية محددة في قوله الذي نعت به فاطمة (عليها السلام)؟ 3 - وهل ارتكزت هذه المفاهيم مع قصدية القرآن والسُنّة النبوية والتاريخ وسير الخلفاء؟! ومن ثم فلا بد من التعريف بالقصد والمقاصدية، التي اعتمدت عليها الدراسة في الوصول إلى مضمرات القول، وهي کما يلي:

ص: 69


1- الفروق اللغوية: ص 414

رابعاً - معنى المقاصدية ومفهومها.

للوصول إلى معنى القصدية ومفهومهافلا بد من الرجوع إلى تعريفها في اللغة والاصطلاح وما ذكره البلاغيون من استعمالات ودلالات و معنی للقصد في كتبهم.

ومن ثم لنقف عند مقاصدية قول ابن عثيمين في بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وما نتج عنه من شبهات عقدية، وهو كالاتي:

ألف - معنى القصد والمقاصدية في اللغة.

إن المستفاد من معنی مفردة (قصد) في اللغة، هو أصابة المعنى في اللفظ والوصول إليه.

أ - قال الفراهيدي:

(القصد: استقامة الطريق، والقصد في المعيشة أن لا تسرف ولا تقتر؛ وقد جاء في الحديث: ماعال مقتصد، ولا يعيل)(1).

ب - وقال ابن فارس (ت 395 ه):

قصد: القاف، والصاد، والدال؛ أصول ثلاثة يدل أحدهما على إتيان شيء وأمه، والأخر على كسر وانکسار، والأخر على اكتناز في الشيء؛ فالأصل: قصدته قصداً و مقصداً.

ص: 70


1- کتاب العين: ج 5 ص 54

ومن الباب: أقصد السهم إذا أصابه فقتل مكانه وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه)(1).

وهذا يكشف عن دلالة القصد في النص: أي إصابة المعنى الذي عناه منتج النص كما يصيب السهم الهدف ويصل إليه:

(فأقصدها سهمي وقد كان قلبها *** الأمثالها من نسوة الحي قانصاً)(2) وفي الأصل الثالث الذي ذكره ابن فارس يحدد وظيفة القصد في اللفظ، أي أن النص يكون متمثلاً ومكتنزاً للمعاني والدلالات فتكون وضيفة المتلقي اخراج هذه المعاني التي اكتنزها اللفظ.

ولذا قيل:

(الناقة القصيدة: المكتنزة الممتلئة لحماً.

قال الأعشى:

قطعت وصاحبي سرح كناز *** كركن الرعن ذعلبة قصيد ولذا سميت القصدية من الشعر قصيدة لتقصيد أبيهاتها، ولا تكون أبياتها إلا تامة الأبنية)(3).

ص: 71


1- معجم مقاییس اللغة: ج 5 ص 95
2- المصدر السابق
3- معجم مقاییس اللغة: ج 5 ص 96

ج - وأظهر أبو هلال العسكري (ت 395 ه):

(إنَّ المعنى: القصد الذي يقع به القول على وجه، وقد يكون معنى الكلام في اللغة ما تعلق به القصد.

وقيل: إنَّ المعنى هو القصد، ما يقصد إليه من القول، فجعل المعنى: القصد لأنه مصدر)(1).

د - وقد كان لابن جني بیاناً موفقا في تحديد موقع اللفظ وأصله، أي (القصد) في كلام العرب، وهو: الاعتزام، والتوجه، والنهود، والنهوض، نحو الشيء على أعتدال كان ذلك أو جور.

هذا أصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، الاترى وانك تقصد الجور تارة کما تقصد العدل أخرى، فالاعتزام والتوجه شامل لها جميعاً)(2).

وهذا يرشد الى أنَّ القصد يراد به في الأصل في كلام العرب حينما تتم المقارنة مع النظرية التداولية وتحديداً في معيار المقصدية هو التوجه بالمعنی والنهوض به نحو الشيء الذي عناه منتج النص مرتكزاً على الاعتدال في توجيه المعنی بغية احراز التفاعل مع المتلقي.

باء - القصد والمقاصدية في الاصطلاح.

يمكن الوقوف على معنى القصدية في الاصطلاح عبر المفاهيم التي

ص: 72


1- الفروق اللغوية: ص 505
2- لسان العرب لابن منظور: ج 3 ص 355

تناولت اللفظ في بعض العلوم، فالقصدية في الفلسفة هي:

(اتجاه الذهن نحو موضوع معين وادراكه له ويسمى القصد الأول، وتفكيره في هذا الادراك سمي القصد الثاني)(1).

في حين عرَّفها علماء الظاهراتية (الفينومينولوجيا): هي مبدأ كل معرفة وتعني: أنَّ المعنى يتكون من خلال الفهم الذاتي والشعور القصدي الآتي بإزائه)(2).

جيم - مفهوم مقاصدية القرآن والسُنّة.

حينما كان القران والسُنة النبوية المصدران الأساسان للشريعة فان مقاصد الشريعة هي في مفهومها قريبة من مقاصد القران والسُنّة إن لم يكن المفهومان متلازمان في المعنى والدلالة، والغاية.

ولذا: فقد ذهب البعض إلى تعريف مقاصد القران والسُنّة ب(الأمر باکتساب المصالح وأسبابها والزجر عن أكتساب المفاسد وأسبابها؛ والتعريف يلمح للمقصد العام للإسلام بأنه جلب للمصالح ودرء المفاسد)(3).

ص: 73


1- معجم المصطلحات في اللغة والادب، تأليف مجدي وهبة وكامل المهندس: ص 288، ط 2 مكتبة لبنان
2- هي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحسية للظواهر كنقطة بداية (أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبراتنا الواعية) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل هذه الظاهرة وأساس معرفتنا بها. للمزيد ينظر: ويكيبيديا العربية، علم الظواهر
3- مقاصد القران الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتاخرین، د. عیسی بوعكاز، كلية العلوم الاسلامية - جامعة باتنة، مجلة الأحياء، العدد 20 - لسنة 2017

وقد اختلفت الأقوال في تحديد أقسام مقاصد القران، فكانت على النحو الآتي: 1 - السيوطي (ت: 911 ه)، وقد جعلها أربعة مقاصد، فقال:

إن مقاصد القرآن في أربعة علوم قامت بها الأديان، علم الأصول ومداره على معرفة الله وصفاته ومعرفة النبوات ومعرفة المعاد؛ وعلم العبادات؛ وعلم السلوك، وهو حمل النفس على الاداب الشرعية؛ وعلم القصص وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة، وقد نبّه عزّوجل في سورة الفاتحة على جميع مقاصد القرآن(1).

2 - محمد صدر الدين الشيرازي (ت: 1050 ه)، وقد جعلها ستة مقاصد وسماها ايضا بالاصول المهمة، فقال:

وهي: معرفة الله وصفاته وأفعاله، معرفة الصراط المستقيم والصعود الى الله والسلوك عليه وعدم الانحراف؛ معرفة المعاد والمرجع إليه وأحوال الواصلين إلى دار رحمته؛ معرفة المبعوثين من عند الله لدوعة الخلق ونجاة عن حبس الجحيم؛ حكاية أقوال الجاحدين فضائحهم وتسفيه عقولهم: تعلیم عمارة المنازال والمراحل إلى الله تعالى وكيفية أخذ الزاد والمقصود منه كيفية معاملة الانسان مع أعيان هذه الدنيا، وهي علم الأخلاق وعلم السياسة والتدبير وعلم أحكام الشريعة كالقصاص والديات والأقضية والحكومات وغيرها(2).

ص: 74


1- الاتقان في علوم القران: ج 2 ص 284
2- اسرار الايات: ص 21 - 22

3 - الفيض الكاشاني (ت 1091 ه)، وعرّفها قائلًا:

إنّ مقاصد القران الكريم ترجع عند التحقيق إلى ثلاثة معان: معرفة الله ومعرفة السعادة والشقاوة الاخرويتين، والعلم بما يوصل إلى السعادة ويبعد عن الشقاوة(1).

4 - الآلوسي (ت 1650 ه)، وعرّفها قائلًا:

إن مقاصد القرآن العظيم لا تنحصر في الأمر والنهي، بل هو مشتمل على مقاصد أخرى كأحوال المبدأ والمعاد ومن هنا قيل: لعل الأقرب أن يقال إن مقاصد القرآن، التوحيد والأحكام الشرعية وأحوال المعاد، والتوحيد عبارة عن تخصيص الله تعالى بالعبادة وهو الذي دعا إليه الأنبياء عليهم السلام أولاً بالذات والتخصيص إنما يحصل بنفي عبادة غيره تعالى وعبادة الله عز وجل إذ التخصيص له جزآن النفي عن الغير والإثبات للمخصص به فصارت المقاصد بهذا الاعتبار أربعة، وقيل: إن مقاصد القرآن صفاته تعالى والنبوات والأحكام والمواعظ(2).

وعليه:

فثمة سؤال تفرضه الدراسة: هل هناك أصل لما استند اليه ابن عثمين في مقاصدية القرآن والسُنّة في (أن الانسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به ما يقول أو يفعل أو ما هو الصواب فيه)؟!!

ص: 75


1- الوافي: ج 8 ص 669
2- تفسير الألوسي:ج 30 ص 250

دال - المقاصدية في التراث البلاغي.

يتضح اهتمام البلاغيون العرب في تتبع قصد منتج النص عبر اهتمامهم بالمعنى وفهم كلام القائل وقدرته على إفهام السامع وهو ما يعنيه اللسانيون في دراستهم لمعياري القصدية والمقبولية.

فقد أظهر أبو هلال العسكري مفهوم القصدية في بيانه لمفهوم مفردة المعنى ودلالتها فيقول:

(المعنى: هو القصد الذي يقع به القول على وجه دون وجه فيكون معنی الكلام ما تعلق به القصد)(1).

ثم يأتي بمثل في بيان حقيقة القصد ومراده فيقول:

(والكلام لا يترتب في الأخبار والاستخبار وغير ذلك إلا بالقصد، فلو قال قائل: (محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -) ویرید جعفر بن محمد بن جعفر كان ذلك باطلاً)(2).

ثم يأتي الى بيان الغرض الذي أراده منتج النص في خطابه، فيقول:

(والغرض هو المقصود بالقول أو الفعل بإضمار مقدمة)(3).

وبين السبب في تسميته بالغرض (تشبيهاً بالغرض الذي يقصده الرامي بسهمه وهو الهدف)(4).

ص: 76


1- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص 504
2- المصدر السابق
3- الفروق اللغوية: ص 504
4- الفروق اللغوية: ص 504

وتظهر مفاهيم العملية التواصلية في التراث البلاغي عبر تعريفهم للبيان کما جاء عن الجاحظ والقيرواني (ت 453 ه) والظهار أن القيرواني نقل هذا التعريف عن الجاحظ، فيقول:

(والبيان أسم جامع بكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب حتى يفضي السامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائناً ما كان ذلك البيان من أي جنس كان ذلك الدليل لأن مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والأفهام فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى فذاك هو البيان في ذلك الموضع)(1).

ويظهر مدار العملية التواصلية في معياري القصدية والمقبولية في قوله:

(والغاية التي يجري إليها القائل والسامع إنما هو الفهم والأفهام) ومن ثم يكون الخطاب التواصلي بين الناس ثمرة وهي (البيان).

ويتجلى اعتماد البلغاء والشعراء القصدية في بيانهم للمعنى المنظور والموزون في الشعر، قال ابن جني:

(سمي قصيدة لأنه قصد واعتمد)(2).

وقال الجوهري: (سمي قصيداً لأن قائله احتفل له فنقحه باللفظ الجيد والمعنى المختار وأصله من القصيد)(3).

ص: 77


1- البيان والتبيان للجاحظ: ص 55؛ زهر الآداب للقيرواني: ج 1 ص 149
2- لسان العرب: ج 3 ص 356
3- المصدر السابق

وقيل (سمي الشعر التام قصيداً لان قائله جعله من باله فقصد له قصداً ولم يحتسّه على ما خطر بباله وجرى على لسانه، بل روی فیه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتضبه اقتضاباً فهو فعيل من القصد، وهو الأُم)(1).

أن مفهوم القصدية في التراث النقدي والبلاغي كان حاضراً في مظهرين رئيسيين:

أولهما: النية؛ حيث سمي الشعر التام قصيداً لان قائله جعله من باله فقصد اله قصداً؛ إضافة إلى تعريفهم للشعر بأنه بعد النية على أربعة أشياء، وهي:

اللفظ، والوزن، والمعنى، والقافية، فهذا هو حد الشعر لأن من الكلام موزوناً مقفّى وليس بشعر لعدم القصد والنية، بل اشترط بعضهم في الشعر أن يكون أكثر من بيت احترازاً عما يقع في سطر واحد بوزن الشعر دون القصد.

اما المفهوم الثاني للقصد: فيتمثل في المصطلحات التي استعملها القدامی للدلالة على المراد من النص او الكلام، مثل: المعنى، والغرض، والهدف، والحاجة، والغاية التي يريد أن يبلغ اليها المتكلم، بل لعل تعريفهم للبلاغة يتضمن جانباً من القصدية حيث ينشطرون لتحقق بلاغة النص أو الكلام وضوح القصد للسامع)(2).

ص: 78


1- لسان العرب: ج 3 ص 354
2- القصدية والمقبولية في التراث النقدي والدرس اللساني، د. أياد نجيب عبد الله، و أ. ميلود مصطفى عاشور: ص 353، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد السابع عشر - يوليو - 2016 م

وبناءاً عليه:

فقد أقتضت الدراسة البحث في مقاصد النص الوارد عن ابن عثيمين في بضعة النبوة (عليها السلام) وبيان مر کوزه ومدی توافقه مع القرآن والسُنة واللغة والأدب والسيرة.

کما اقتضت الدراسة التأصيل المعرفي المقام قطبي الخصومة، أي بضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر في ضوء مقاصدية القرآن والسُنّة ليتضح عند ذلك حقيقة قول منتج النص. أي ابن عثيمين؟!

خامساً - نوع الدراسة: بينية.

اعتمدنا في هذه الدراسة على أهم الطرق العلمية في بناء النتائج المعرفية والفكرية؛ إذ تعد الدراسات البينية من أهم ما توصلت إليه المناهج العلمية في طرق جمع المعلومة واعادة بلورتها في نتاج معرفي جديد يرتكز على الممازجة بين الحقول المعرفية المتعددة للوصول إلى نتاج معرفي و فکري جديد يمكن الباحثين والدارسين من فهم مادة البحث سواء أكانت هذه المادة البحثية هي الانسان وما يصدر عنه أو ما يختلج في مكنون نفسه ضمن العلوم الانسانية أو ما أرتبط بالعلوم الأساسية أو التطبيقية.

وذلك أن الهدف من الدراسات البينية هو (تعظيم الإستفادة من التوجهات الفكرية للتخصصات المشاركة وتحقيق الإبداع في طرق التفكير والتكامل المعرفة وليس وحدتها)(1).

ص: 79


1- تزاوج الإختصاصات، نجيب عبد الواحد؛ 3 يونيو 2017؛ الدراسات البينية التعليم العالي

مما يحقق أيضًا (تكامل المعارف الانسانية على اختلاف مجالاتها لتظهر علوم وكشوف جديدة نافعة للبشرية)(1).

وهذا ما سعت الى تحقيقه الدراسة عبر المازجة بين الحقول المعرفية المتعددة بغية الوصول إلى نتائج جديدة في قضية بلغت من الأهمية بمكان ما جعلها متجددة في البحث والدراسة ألا وهي ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)؛ وماعينة الدراسة التي بين أيدينا إلا شاهد متجدد في أروقت الفكر وحقوله المعرفية لاسيما الحقل العقدي الذي عليه قيام العلاقة مع الله تعالى ورسوله الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم).

فضلا عن كاشفية افتقاد خصم فاطمة عليها السلام الذي نعتها ونشئها بقوله الى الأصول العلمية والمعرفية التي يلزم بالباحث الاخذ بها وتحكيمها فيما يقول أو يبحث، فضلا عن تعارض قوله وفكره مع مقاصدية القران والسُنّة واللغة والادب والتاريخ؛ لنستنتج أنه أرتكز في فهمه وفكره على المكون العقدي الذي ورثه من أشياخه وأسلافه؛ ومن ثم فمقاصدية النص هي مكونات العقيدة الوهابية والتيمية.

سادسا - منهج البحث.

اعتمدت في هذه الدراسة على ثلاثة مناهج بحثية، وهي: المنهج الاستقرائي، والمنهج الوصفي، والمنهج التحليلي، وذلك لدراسة المعطيات التاريخية،

ص: 80


1- صحيفة المدينة، يوم الاثنين، 28 شوال - 1 يوليو 2019

والروائية، والعقدية، والثقافية، عبر استنطاق النصوص، والاحداث، والمظاهر والبواطن للمواقف بغية الوصول إلى نتائج وكشوفات معرفية جديدة تسهم في أصلاح الإنسان والمجتمع والرجوع به إلى هويته القرآنية والنبوية والتمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم السلام).

فلم ولن يضل من تمسك بهما حتى یردا على الحوض؛ عهد معهود من الله لنبيه المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) ولن يضر الله شيئاً من كفر من الناس وكان في شك مريب.

قال تعالى: «وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ».

«أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ»(1).

وليقف القارئ على حقيقة ما لحق بضعة النبوة وصفوة الرسالة من الظلم والاذى منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والى يومنا هذا.

فما قول بن عثيمين إلا عينية جديدة في طرحها، قديمة في منهجها وعقديتها في ظلم فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

ص: 81


1- سورة إبراهيم، الآية: 9

ص: 82

الفصل الأول: فاطمة (علیها السلام) وخصمها أبي بكر في مقاصدية القرآن والسُنّة

ص: 83

ص: 84

المبحث الأول فاطمة (علیها السلام) في مقاصدية القران والسُنّة.

من هي فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) في مقاصدية القرآن والسُنة النبوية؟ سؤال يطرح لكن أجابته معلومة لدى معظم المسلمين وغيرهم ممن أطلع على الإسلام وحياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

لكن قصدية السؤال لا يراد منها الإجابة المعهودة، بل التعريف بفاطمة بما عرّفها به الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي أمير المؤمنين وابنائها الأئمة (عليهم الصلاة والسلام أجمعين).

وإلاّ بخلاف هذه القصدية يكون التعريف بخصهما أرجح في الوضوح فسرعان مايقال: إن خصهما. أبو بكر خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فينصرف الذهن إلى التفضيل بما يرتكز في ذهن أبناء العامة من المسلمين من موروث تاريخي وعقدي حرص القائمون على تدوينه على تغييب العترة النبوية من روح الإسلام ومكوناته وهيئته.

وما قول ابن عثيمين إلا مصداق لهذا التركيب والتدوين الذي أسست له الخلافة وشيده الخلفاء.

ص: 85

وعليه:

فإن فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) هي في الإجابة العامة في منطوق السؤال أبنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي منطوق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأجابته القولية والعملية لها أثار و ضوابط وحدود و قوانين تفرض على المسلم إلية خاصة للتعامل مع بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتظهر مدار معرفتها، وتقدم الإجابة على السؤال الذي تصدّر عنوان المبحث ليتضح حين ذاك مقاصدية القرآن والسُنّة، ويتضح أيضاً من هو خصمها، ومن هو ابن عثيمين الذي وصفها بما وصف، وهو على النحو الآتي:

المسألة الأولى: إنّ فاطمة (علیها السلام) هي نواة تكوين بيت النبوة في مقاصدية القرآن والسُنّة.

ينطلق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء المجتمع الإسلامي من منهج البناء التقوائي للفرد والأسرة والمجتمع، بمعنى: أنه أنشئ المجتمع على العقيدة وليس على الطبقية القبائلية وركيزة الاحساب والانساب على الرغم من أن القبيلة وجذورها الضاربة في الشخصية العربية كانت من الأسس التي أعاد الإسلام بناء مكونتاها النفسية وذلك عبر محاربته صلى الله عليه وآله وسلم للجاهلية بجميع مكوناتها؛ إذ لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوی.

ولذلك: لم يكن الفعل النبوي أو القول النبوي في التعامل مع شخص فاطمة عليها السلام يرتكز على العنصر الرحمي والوالدي، وإنما يرتكز

ص: 86

على العقيدة الإسلامية المكونة لمجتمع جديد يضم جميع الأعراق والألوان والطبقات، لاسيما وإن هذا الهدي المحمدي كان في المدينة المنورة وبعد أن تكوّن فيها نواة البيت النبوي عند تزويج النور من النور وولادة نورا النبوة والإمامة في الحسن والحسين عليهم السلام فهؤلاء الأنوار الأربعة كانوا المنار الذي ينير للمسلمين بعد (السراج المنير)(1)، طريقهم إلى الله تعالى وهم يأمن المسلمون من الوقوع في الظلال أو الدخول في التيه کا دخله من كان قبلهم من الأمم السابقة.

ولأجل هذا: كان المنهاج النبوي في التعامل مع هذه النواة التي تكوّن منها البيت النبوي المحمدي على النحو الآتي:

أولاً - انحصار (الأهل) بفاطمة وبعلها وولدها (علیهم السلام) في مقاصدية القرآن والسُنّة.

قد لا يخفى على الباحث والمتتبع لشؤون المجتمع العربي الدور الكبير للعشيرة والأهل في تكون التحزبات والتجمعات لدى الإنسان العربي.

فالعشيرة والأهل، هم مصدر القوة، والمال، والعزة، والحسب، والتفاخر، والمنعة، والغلبة، والسلطان، وغيرها من المعان والدلالات الراسخة في العقلية العربية قديماً وحديثا وإن تفاوتت من مجتمع إلى آخر العراق واليمن ومصر فكل مجتمع منها تتفاوت فيه هذه العناصر المكوّنة للمجتمع.

في حين كان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعند بدئه في تكوين

ص: 87


1- هو قوله تعالى: «وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا»؛ سورة الأحزاب، الآية: 46

مجتمع جديد في المدينة المنورة قد اختار من هذه المفاهيم مفهوماً واحداً وهو أن لا قيام للإنسان بدون التقوى فالأهل تجمعهم التقوى وتفرقهم كذلك، کما کان حال نوح وولده .

قال تعالى:

«وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ»(1).

والقرآن في هذه الآية المباركة لم يكن ليغض الطرف عن علاقة الإنسان بالأهل وانجذابه الفطري إلى أهله وارتباطه وتمسكه بهم وإن لهم الحظوة لديه، فهم مبدأ نشأته ونموه وأساس وجوده في الحياة.

لكن هذه الأحاسيس والروابط النفسية والروحية لم تكن حاجزاً وبحسب المفهوم القرآني - عن طاعة الله تعالى؛ إذ إنها تنهار فيما لو كان أحد أفراد الأهل خارجاً عن عنوان التقوی کما هو حال ابن نبي الله نوح (عليه السلام).

بل: يأتي القرآن في مواضع أخرى يظهر للمسلم وفي مجتمعه الجديد الأسس التي يقوم عليها هذا المجتمع الذي انظم إليه فكان أحد مكوناته وأحد عناصر وجوده وديموميته.

فيقول سبحانه:

ص: 88


1- سورة هود، الآية: 46

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...»(1).

أي: الاستفادة من هذه الفطرة، ومن هذه الروابط النفسية والروحية لتكون حافزاً في نجاة هؤلاء (الأهل) من النار.

لكن هؤلاء الأهل إذا كانوا حائلاً بين المسلم وبين طاعة الله عزّ وجل ويدفعون به إلى الخروج عن الطاعة لله فيتلبس فيه معنى آخر وهو الفسق، كما هو واضح في قوله تعالى:

«قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»(2).

وهنا: يقدم القرآن معنی جديداً للحب بكونه أحد المكونات الأسرية وواحداً من أهم الروابط التي تجمع الأهل فيجعله القرآن ضمن ضابطة جديدة ترتكز على حب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

أما في مفهوم الموالاة فكذاك يقدم القرآن ضابطة وقاعدة جديدة يرتكز عليها هذا البناء الأسري في الإسلام، إلا وهو الموالاة لله تعالى.

يقول سبحانه:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ

ص: 89


1- سورة التحريم، الآية: 6
2- سورة التوبة، الآية: 24

عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(1).

فمن هذه المفاهيم القرآنية الجديدة في إعادة بناء الأسرة في المجتمع الإسلامي وبلحاظ إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو العمود الفقري لهذا المجتمع وأن له أهلاً كما للمسلمين، وتربطه بهم مجموعة من الروابط کما تربط كل إنسان بأهله - مع الفارق - في تقنين هذه المفاهيم کما أسلفنا ومن ثمّ فإن هؤلاء الأهل الذين ينتمي إليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وينتمون إليه وتربطه بهم روابط الحب والألفة والدم والقرابة؛ وجب معرفتهم كما يعرف المسلمون کلاً أهله، وأن لهم عليه حقوقاً، وله عليهم حقوقاً كذلك، لذا لزم على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) تعينهم وإظهارهم للناس كي يعلم المسلمون ما يجب عليهم من الحقوق اتجاههم، مع ملاحظة: أن هؤلاء لهم خصوصية الأهلية التقوائية التي جاء بها القرآن كعنصر أساس في قيام الأهل أو فك جميع الأواصر بهم.

وعليه:

كان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من واجبه الشرعي أن يحدد للمسلمين من هم أهله بالمنظور القرآني والتحديد الرباني، إذ - وكما أسلفنا - للمجتمع الإنساني والعربي (تحديداً) مفاهيم أخرى في تكوين الروابط الأسرية والأهل.

لاسيما وأن النبي الهاشمي القرشي له أقارب وأبناء عمومه وعشيرة كبيرة لم يكن لها مثيلاً في الحسب والمفاخر، فضلاً عن تزوجه من نساء عدة فكانت

ص: 90


1- سورة التوبة، الآية: 23

مصاهرته لهذه القبائل عامل آخر في اتساع دائرة القرابة وتداخلها مع هذه البيوتات بحسب ما تفرضه القوانين القبائلية في تكون المجتمع العربي.

من هنا:

كان اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وبحسب هذا المكوّن الاجتماعي - أن يشرع في تحديد الأهل للناس جميعاً كي يدرك المسلم ما لهؤلاء من حقوق وواجبات ينبغي مراعاتها، وذلك بحسب مجموعة من المفاهيم.

1 - إن لهم حرمة الدم التي تأسس عليها المجتمع الإنساني وخصوصاً العربي، فضلاً عن تثبيت القرآن قانون القصاص في مجال الحدود والتعزيرات.

2 - إن لهم حرمة الشأنية إذ أن المجتمع العربي وغيره من المجتمعات بني على تلازم شأنية كل فرد بحسب أسرته وأهله، ومن ثم فلهم من الشأنية الاجتماعية ما لغيرهم من الأسر المحترمة التي بلغت مراتب عالية من المآثر والمفاخر وهو ما يعرف بالحسب.

3 - إن التعدي على أحدهم تعدي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

4 - إن إكرام أحدهم هو إكرام للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فهذه المفاهيم وغيرها من الأسس التي قام عليها المجتمع هي نفسها موجودة لدى (الأهل) الذين اختص بهم النبي المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) واختصوا به.

فكيف إذا ألحقت بها أسس جديدة سَنّها القرآن وأوجبها على الأمة جميعاً والتي كان الملاك فيها والقاعدة التي بني عليها هذا البناء الجديد هي التقوى؛

ص: 91

وإن لهم - فضلاً عما للمسلمين مع أهلهم من الحقوق المذكورة.

ولذلك:

حدد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من هم أهله للمسلمين کي لا يحتج محتج يوم القيامة فيقول لم أعلم من هم؛ فكان ذلك عبر مجموعة من الأقوال والأفعال النبوية كشفت عن هؤلاء الأهل، وما يترتب على هذه الأمة من حقوق اتجاههم ضمن تلك الأسس التي جاء بها القرآن الكريم، فكانت كالآتي:

ألف: التلازم بين نزول الوحي وفعل النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) في تحديد الأهل بفاطمة وبعلها وولدها (علیهم السلام).

لو نظرنا إلى القرآن الكريم وتدبرنا في آياته لاسيما المتعلقة بعترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) لوجدنا تلازماً لا ينفك بين الوحي والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمرة يسبق الوحي الفعل النبوي، وأخرى يسبق النبي الوحي في بيان أمرٍ شرعي لاسيما فيما يختص بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويبدو أن الأمر منحصر في الحكم الشرعي وماله عند الله تعالى من المنزلة والشأنية التي حرص الأنبياء جميعا على إظهارها، ولأجلها كانوا ينطقون في تبليغهم فصدعوا بما أمروا في تعليم الناس: إن لا حرمة فوق حرمة الشريعة، وإن أهل الشريعة اكتسبوا هذه المنزلة لاختصاصهم بالحكم الشرعي المرتبط بالله عزّ وجل فهو صاحب الشريعة.

ص: 92

من هنا:

نجد أن هذا التلازم بين الوحي والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما كان لارتباط أهله بالحكم الشرعي وما يفرضه على المسلم من حدود قد حذّر القرآن أشد التحذير من تعديها أو المساس بها حتى أصبح المبتدعون أي الذين يدخلون أحكاماً إلى الشريعة ما أنزل الله بها من سلطان مصيرهم الحتمي إلى النار لأنهم أهل ضلال.

ومن هنا أيضاً: أصبح آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم تلك الحرمة الشرعية المتلازمة مع حرمة الحكم الشرعي، وإلا لا معنى أن يكون الوحي والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أتى بكل هذا البيان لمجرد أن الهم صفة الرحم والقرابة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وواقع الحال يحكي عن وجود أرحام وأقارب للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فلماذا لم يهتم بهم الوحي والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجم هذا الاهتمام الذي قدمه القرآن والنبي لفاطمة وبعلها وبنيها (عليهم أفصل الصلاة والسلام)؟! وعليه:

كان هذا التلازم ظاهراً لكل قارئ للقرآن مطلع على سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي الوقت الذي ينزل الوحي بقوله تعالى:

«... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(1).

ص: 93


1- سورة آل عمران، الآية: 61

يقوم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بيان من هم أهل بيته فيخرج فاطمة وعلي وولديهما، وذلك عبر هذا الحديث النبوي الذي أخرجه كثير من الحفاظ، لاسيما مسلم النيسابوري في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً (أن يسب علي بن أبي طالب فامتنع) فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يقول له (وقد) خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي:

«یا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟».

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي».

وسمعته يقول يوم خيبر:

«لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله».

قال: فتطاولنا لها، فقال:

«أدعو لي علياً».

فأتی به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه؛ ولما نزلت هذه الآية: «... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ...»، دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسنا وحسيناً، فقال:

ص: 94

«اللهم هؤلاء أهلي»)(1).

باء: استخدام النبي (صلّی الله علیه وآله) للوسائل التعليمية في بيان مراد الوحي في التشديد والمبالغة بحصر الأهل بفاطمة وعلي والحسن والحسين (علیهم السلام).

يلجئ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الوسائل التعليمية في إرشاد المسلمين إلى معرفة الحكم الشرعي کي يرسّخ ذلك في أذهانهم ويذهب عنهم التأويلات والآراء والأباطيل والبدع التي يلجئ إليها المنافقون والظالمون والساسة لغرض مصالحهم الشخصية.

ص: 95


1- حدّثنا الربيع المرادي، حدثنا أسد بن موسی، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا بکیر بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة و حسن و حسیناً (عليهم السلام)، فقال: (اللهم هؤلاء أهلي)؛ أبو داود، إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح، و(أسد بن موسی) المصري احتج به النسائي، وعلق له البخاري في تاريخه الكبير برقم 1645 بقوله: مشهور الحديث، يقال له: أسد السُنّة) ووثقه النسائي، وابن يونس، وابن حبان، والعجلي، وابن نافع، وأبو يعلى، و الخليلي في (الإرشاد) وضعفه ابن حزم ولكن رد عليه الذهبي قائلاً: وما علمت به بأساً؛ رواه مسلم کاملاً في کتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) حدیث (2404) بتسلسل 32، والترمذي في الجامع الصحیح کتاب تفسير القرآن باب 4 حدیث 2999 وأخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 108 / 109 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه هذا السياق وساقه الذهبي في التلخيص على المستدرك ج 3، ص 108؛ لكنهم أخرجوه ضمن آية المباهلة، ورواه النسائي في (الخصائص) رقم 54؛ وابن جرير في تفسيره ج 22، ص 8؛ والطحاوي في مشكل الآثار ج 2، ص 35، حدیث 761؛ والترمذي في صحيحه كتاب المناقب باب فضائل فاطمة حديث 3871 عن شهر بن موسى عن أم سلمة وفي المعجم الصغير للطبراني : ج 2، ص 91 حدیث 170 وجاء فيه (هؤلاء حامتي وأهل بيتي)

واستخدام النبي الأكرم للوسائل التعليمية والإرشادية في بيان دلالة الحكم الشرعي كثيرة لا يسعنا تتبعها في هذه الأسطر، ولكن فيما يخص إرشاد الناس إلى معرفة آل النبي وعترته وأهل بيته استخدم وسيلة القماش في إرشاد الناس إلى حصر أهل بيته بمن يجللهم هذا القماش أو الكساء وجمعه لأطراف هذا الكساء لقطع الطريق على من يعتقد أن أهله غير هؤلاء بلحاظ ما للمجتمع الإنساني والعربي من عرف في معنى الأهل.

ولذلك:

كانت هذه الوسيلة التعلمية للناس - على بساطتها - إلاّ أنها بالغة الدلالة في تحديد أهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و حصرهم بهؤلاء الأربعة وهم (فاطمة وعلي وولديها صلوات الله عليهم أجمعين)؛ وذلك كما دلت عليه الأحاديث الآتية:

1 - أخرج الحاكم النيسابوري عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه قال:

(لما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرحمة هابطة، قال:

«ادعوا لي ادعوا لي».

فقالت صفية: من یا رسول الله؟ قال:

«أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين».

فجيء بهم فألقى عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) کساءه ثم رفع يديه، ثم قال:

ص: 96

«اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد».

وأنزل الله عزّ وجل:

«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1))(2).

2 - روى الحاكم عن عامر بن سعد يقول: قال سعد - بن أبي وقاص - : (نزل على رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) الوحي فأدخل علي وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي»).

ونلاحظ هنا أن الفعل النبوي قد تلازم مع الوحي في بيان أهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و حصرهم عبر هذه الوسائل الإرشادية كي لا يبقى أحد يعتقد أن آل محمد وأهل بيته غير هؤلاء الأربعة.

وهذا المعنى قد التفت إليه الحاكم النيسابوري، أي الحكمة في استخدام النبي للكساء أو الثوب في بيان مراد القرآن والوحي في تحديد الآل والأهل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهؤلاء الأربعة فقط دون غيرهم، فقال: (وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح؛ وإنما خرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعاً هم)(3).

ص: 97


1- سورة الأحزاب، الآية: 33
2- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 147
3- المستدرك على الصحيحين للحاکم: ج 3، ص 147

بمعنى: أن آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته هم واحد، وهم هؤلاء الأربعة الذين جللهم بالكساء، وهم الذين أخرجهم للمباهلة.

والحديث الذي قال عنه الحاكم: (وقد روي هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو هذا: - قال - عبد الرحمن بن أبي ليلى: لقيني كعب بن عجرة فقال: إلا أهدي لك هدية سمعتها من النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)؟ قلت: بلى، قال: فأهدها إليه.

قال: سألنا رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ قال:

«قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد کما بارکت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»)(1).

3 - أخرج أحمد بن حنبل، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلل على علي وحسن وحسين وفاطمة كساء ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

فقالت أم سلمة: یا رسول الله أنا منهم؟

ص: 98


1- صحيح البخارب، کتاب بدء الخلق، ج 4 ص 118

قال:

«إنكِ على خير»)(1).

وتظهر الحكمة بشكل كبير في اعتماد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إرشاد الناس وبالأخص أزواجه إلى تحديد أهل بيته وذلك حينما كان تجلیله لهم بالكساء في دار أم سلمة وفي رواية في دار عائشة كي لا تدّعي إحداهن بأنها من آله وأهل بيته الذين حددهم القرآن وليس الذين يحددهم المجتمع فيكون المعنى مجازي وذلك بالرجوع إلى العِشرة والمودة فقد يصبح إثنان من الناس وبسبب العِشرة الطيبة بأنهم أهل ولعل المودة والأخلاق الحميدة تجعلهم قريبين إلى القلب بأكثر مما يمتاز به أهل البيت الواحد الذين تربطهم رابطة الدم.

ولذلك:

المراد بال النبي وأهل بيته هم أولئك الأربعة وليس أزواجه أو أقرباءه أو أحبابه وخلانه وأصحابه وإن كان لأحدهم مكانة في نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهذا لا يعني أنهم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين حرم عليهم الصدقة.

من هنا:

ندرك حكمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في استخدام الكساء في دار أم سلمة أو عائشة أو غيرها وندرك أيضاً معنى أن يجمع النبي أطراف هذا الكساء ويمنع أم سلمة من الدخول تحته وقوله لها أنك على خير.

ص: 99


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 304

ثانياً - مقاصدية القرآن والسنة بتلازم حب النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) بحب فاطمة وبعلها وولديها.

يمضي النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في إظهار منزلة فاطمة (عليها السلام) لديه وذلك عبر بيانه لقصدية القرآن أن حب فاطمة وبعلها وبنيها هو متلازم مع حبه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن ثمّ فإن هذا الحب يقود إلى غاية شرعية أظهرها القرآن الكريم وهو ضمن العناوين الآتية:

ألف - إنّ المراد من الحب الإتباع.

إن هذا العنوان الشرعي المبين لإحدى دلالات الحب، وهو الإتباع جاء من خلال القرآن الكريم كما هو واضح في قوله تعالى:

«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ»(1).

بمعنى: لا يمكن أن ينزرع حب الله في قلب أي إنسان وينمو ويعطي ثماره ما لم يكن هناك إتباع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ بل لا معنی للحب بدون الإتباع وهو ما عليه الوجدان الإنساني والسيرة العُقلائية، بل يكفي لو تأمل الإنسان أن ذلك سنة كونية جرت في النبات والحيوان وإن اختلف المحرك في الإتباع بين الفطرة والغريزة والحب، فعندها يكون الحب في الموجودات فطري وغرائزي يدفع الإنسان إلى ما يحب حتى وإن اختلفت الأهداف فقد يكون الإنسان محب للشهوات لكنه في طبيعته وفطرته يندفع لهذه الشهوات ويتبع كل ما يحقق له إشباع هذا الحب.

ص: 100


1- سورة آل عمران، الآية: 31

ولذلك: وجود الحب يقتضي الإتباع وبدون الإتباع لا معنى للقائل بأنه يحب وذلك لأنه يكون قد خالف الفطرة التي فطر الله عليها الموجودات، بل كلما كان الحب أكبر كلما كان الإتباع أشد حتى لا يستطيع المحب الانفكاك عن المحب، بل حتى يكون صورة له في أفعاله وأقواله وهديه وسمته وسننه، وهذا الذي يريده القرآن من حب الله وحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي أن يكون المحب - وبحسب - مستوى هذا الحب صورة تحاكي المحب في الهدي والسمت والسُنّة.

من هنا:

حينما نأتي إلى معرفة أولئك الذين كانوا مصداقاً للحب النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك أنهم كانوا يمثلون في فعلهم وقولهم وهديهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنا لا يمكن أن نتعدى أهل بيته (عليهم السلام) وذلك حسبما أكدته النصوص ودلت عليه الروايات.

1 - روى الترمذي عن عائشة قال:

(ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلا وهدياً برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم)(1).

والحديث يكشف عن رتبة فاطمة (عليها السلام) ومنزلتها الاتباعية لهدي

ص: 101


1- سنن الترمذي : ج 5، ص 361؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 78؛ المستدرک للحاکم: ج 4، ص 272؛ فتح الباري لابن حجر: ج 8، ص 103؛ السنن الکبری للنسائي: ج 5، ص 96؛ نصب الراية للزيلعي: ج 6، ص 156، مطالب السؤول لابن طلحة: ص 36؛ سبل الهدى والرشاد للشامي: ج 11، ص 46

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سنته، فلم يكن أحد بعد علي بن أبي طالب (عليه السلام) - کما سیمر - في مثل إتباعها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أصبحت تشابهه في سمته ودله وهديه فكان الناظر إليها يخال نفسه ينظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

2 - وفي سُنّة الإتباع التي فطر الله تعالى عليها الخلق فكان الحب قائد المرء في إتباعه للأشياء هو درجة حبه لها، فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يكشف للناس لاسيما أولئك الذين يدعون أنهم يحبون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم أبعد الخلق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حجم حبه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أصبح المصداق الأول لهذه السُنّة في الإسلام فيقول:

«ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري؛ ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غیر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما أری نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة.

ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان أيس حق عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير»(1).

ص: 102


1- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة: ج 2، ص 157

إذن:

يقتضي حب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإتباع کما دلّ عليه القرآن والسُنّة وسيرة العقلاء، وأن أشد الناس حباً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي وفاطمة وولديهما (عليهم السلام) فقد كان مصداق هذا الحب من خلال الإتباع المطبق لهدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمته وسنته وخلقه.

باء - إنّ المراد من حب رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) الإيمان به.

يطرح القرآن قضية حب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إطار آخر وتحت عنوان شرعي جديد إلاّ وهو الإيمان بالله تعالى إذ يبدأ القرآن في أول الأمر عند تأسيس هذا العنوان الشرعي والبنائي للمجتمع المسلم عبر بيان أن الإيمان هو عين الحب لله تعالى، ومن ثم فالذين أمنوا هم أشد الناس حباً لله تعالی کما دلّ عليه قوله تعالى:

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ...»(1).

ثم يمضي القرآن في التأسيس لهذا العنوان الشرعي في نفوس الناس کي يتم بناء المجتمع الأنموذج الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فيكون مصداقا لقوله تعالى:

ص: 103


1- سورة البقرة، الآية: 165

«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...»(1).

وذلك عبر ترسيخ حب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقديمه على كل شيء تعلق به الإنسان في الحياة وارتبط به.

فيقول سبحانه:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»(2).

وهذا التأسيس والبناء للعقيدة الإسلامية وبهذه الكيفية التي يطرحها القرآن ويريدها الله تبارك اسمه فيكون حب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرتكز على الإيمان به وإن مراتب هذا الإيمان مرتبطة بمراتب هذا الحب کما هو مبين في الآية الكريمة عبر الروابط النفسية والروحية والاجتماعية التي يرتبط بها الإنسان فتعلق بها، بل ويصرف في بقائها ودوامها الكثير من متعلقاته الأخرى وذلك بحسب التفاوت القائم لدى كل إنسان فيما يرتبط به من علاقة أبوية أو أخوية أو والدية أو قرابية أو زوجية أو مالية، كما هو منصوص عليه في الآية المباركة.

ص: 104


1- سورة آل عمران، الآية: 110
2- سورة التوبة، الآية: 24

فهذه العلائق تتفاوت الناس في التعاطي معها والارتباط بها حتى تأتي العلاقة بالله ورسوله متأخرة أو متقدمة بحسب الإيمان الذي يختلج في قلب الإنسان.

وعليه:

يجعل القرآن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله هو المقدم على هذه العلائق التي ارتبط بها الإنسان وأحبها وتفاوتت فيما بينها لديه في الحب والأهمية فقد يكون المال أحب جميع هذه الأشياء وقد یکون الأبناء وقد تكون الزوجة.

إلاّ أن المنهج القرآني في بناء العقيدة الإسلامية للمسلم هو أن يكون حب الله ورسوله هو العنوان الأول والأساس فيها يرتبط بالإنسان من أشياء عديدة.

ثم لیأتي النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هذا النص القرآني ليبين للناس وللمسلمين تحديداً وفي إطار العقيدة القرآنية التي أرادت أن یبنی الإسلام عليها أن يكون حب فاطمة وعلي وولديهما (عليهم السلام) هو تبع لحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ بل لا يمكن أن يصدق عنوان الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يكن هناك حب لفاطمة وعلي وولديهما (عليهم السلام) کما نصت عليه الأحاديث النبوية الشريفة فكانت كالآتي:

1 - روی ابن عساکر وغيره عن زيد بن أرقم، قال: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمرت فاطمة (عليها السلام) وهي خارجة من بيتها إلى حجرة نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعها إبناها الحسن

ص: 105

والحسين (عليهم السلام) وعلي في أثرهم فنظر إليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:

«من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغض هؤلاء فقد أبغضني»(1).

2 - روى الشيخ الصدوق والطوسي والترمذي والحاكم والبخاري وغيرهم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أحبوا الله لما يغدو كم به - (يغذوکم) - من نعمة، وأحبوني لحُب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي»(2).

3 - روی ابن تيمية وغيره عنه (صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعمه العباس:

«والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي»(3).

4 - روی ابن أبي شيبة الكوفي، والطبراني وابن عساکر وغيرهم، عن أبي الضحی مسلم بن صبيح قال: قال العباس: یا رسول الله إنا لنرى وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

ص: 106


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 14، ص 154، کنز العمال للهندي: ج 12، ص 103؛ کشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 525؛ سبل الهدى للصالحي الشامي: ج 11، ص 57
2- الأمالي للصدوق ص 446؛ الأمالي للطوسي: ص 933؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 330 - 329؛ المستدرك للحاکم: ج 3، ص 150 التاريخ الكبير للبخاري: ج 1، ص 183؛ تفسیر ابن کثیر: ج 4، ص 123؛ الآداب للبيهقي: ج 2، ص 23؛ الدر المنثور: ج 6، ص 7؛ شعب الایمان للبيهقي: ج 1 ص 366
3- الوصية الكبرى لابن تيمية: ص 297؛ البحر الزخار: ج 6، ص 131، حدیث 2175؛ القول القيم لابن القيم: ص 12

«لن يصيبوا خيراً حتى يحجبوكم لله ولقرابتي، أترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب»(1).

5 - روی أحمد بن حنبل، ومحمد بن سليمان الكوفي، والترمذي، والحاكم النيسابوري، وغيرهم بطرق عدة، منها ما رواه أحمد عن عبد الله بن الحرث عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت يا رسول الله إن قريشا إذا لقی بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن وإذا لقونا، لقونا بوجوه لا نعرفها؟! قال: فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غضباً شديداً، وقال:

«والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله»(2). والملاحظ في الحديث بعض النقاط منها:

أ : تخصيص الإيمان بالله تعالى وأنه مرهون بحب أهل البيت (عليهم السلام)، أي يكون حب كل رجل أو امرأة لأهل البيت (عليهم السلام) خالصاً لله تعالى وإن كانوا يجدون من يقول بخلافهم وإن كانوا أقرب الناس

ص: 107


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 7، ص 518؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 11، ص 343؛ کنز العمال: ج 12، ص 41؛ تاریخ دمشق لابن عساکر: ج 26، 337؛ تاریخ المدينة لابن شبة النميري: ج 2، ص 640؛ رأس الإمام الحسين لابن تيمية: ص 201؛ ينابيع المودة للقندوزي الشافعي: ج 2، ص 112؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 24، ص 235
2- مسند أحمد: ج 1، ص 207؛ وج 4، ص 165؛ المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 2، ص 122؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 318؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 50؛ فضائل الصحابة للنسائي، ص 23؛ المستدرک للحاکم: ج 3، ص 333؛ المعجم الكبير للطبراني: ص 285؛ تهذیب الخصائص للسيوطي: ص 432؛ الشفا للقاضي عياض: ج 2، ص 48؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 1، ص 92

إليهم کآبائهم وأبنائهم كما نصت الآية الكريمة التي مرّ ذكرها.

ب: إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يغضب غضباً شديداً لتغير وجوه قريش في وجه عمه العباس وذلك لما أحدثه الإسلام من تغيرات في المجتمع فكيف يكون حاله عند قتل ابنته فاطمة وولدها (عليهم السلام) على النحو المعروف - نعوذ بالله من سوء المنقلب ومن غضب الله وغضب رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) - .

ج: من البديهي أن أسباب حصول الغضب يضادها أسباب حصول الرضا، بمعنى: كلما زاد إيمان الإنسان كلما زاد حباً لأهل البيت (عليهم السلام) وكلما كان الحرص أشد على خدمتهم وإدخال السرور عليهم فإن بذلك إدخال السرور على قلب سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).

6 - روى أحمد بن حنبل، والترمذي، والدولابي، والطبراني جميعاً عن علي بن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه الإمام محمد بن علي الباقر عن أبيه الإمام علي بن الحسين عن أبيه الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال:

«إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بيد حسن وحسين (عليهما السلام) فقال:

من أحب هذين وأباهما وأمها كان معي في درجتي يوم القيامة»(1).

ص: 108


1- مسائل علي بن جعفر: ص 50؛ کامل الزيارات: ص 117؛ أمالي الصدوق: ص 299؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 78؛ سنن الترمذي : ج 5، ص 305؛ تحفة الأحوذي: ج 1، ص 163؛ الذرية الطاهرة للدولأبي: ص 167؛ المعجم الصغير للطبراني: ج 2، ص 70؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 50؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 210؛ کنز العمال للهندي: ج 12، ص 97؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 13، ص 196؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 6، ص 228؛ تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 10، ص 284؛ ذكر أخبار أصبهان للحافظ الأصبهاني: ج 1، ص 192

والحديث الشريف يجمع ما قدمناه من دلالات في أن معنى الحب هو الإتباع والاقتداء والهدي بهؤلاء إلى المستوى الذي يكون الشخص بسمته وطريقة معيشته وتعامله مع الناس صورة حاكية عن الحسن والحسين وعلي وفاطمة (عليهم السلام) فمن استطاع أن يصل إلى هذا المستوى من الحب فإنه لا شك وبنص الحديث النبوي الشريف سينال من الرضا والقرب الإلهي ما يجعله مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجنة في الدرجة التي أعدها الله تعالى لحبيبه المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم) في جنة عدن أو الفردوس لأنه قد بلغ رتبة من التقوى العملية مكنته من الوصول إلى هذه المنزلة.

ثالثاً - تلازم بغض فاطمة وبعلها وولديها ببغض رسول الله (صلّی الله علیه وآله).

إنّ من السنن الكونية التي أوجدها الله تعالى في الخلق هي سُنّة التضاد، وهذه السُنّة قرن الله تعالى بها نظام الاستقامة في الحياة؛ بمعنى إما أن يعتدل الإنسان بفعل هذه السُنّة في سلوكياته ومسيرته وتعایشه في الحياة.

وإما أنه يميل إلى أحد المتناقضين فيكتسب من أحدهما طاقته ودوامه وعنوانه الحياتي فيكون ملاصقاً له؛ بل يصبح أحد أدواته الفاعلة والمؤثرة في الحياة.

ص: 109

ومثال ذلك الخير والشر، والجهل والعلم والصدق والكذب، والإيمان والكفر، والحب والبغض، فإما أن يكون الإنسان معالجاً للجهل بالعلم، وللكذب بالصدق، وللكفر بالإيمان، وللبغض بالحب، وإما أنه يميل إلى أحد هذين القطبين فيكون متصفاً به، وعنواناً له، فيصبح إما شريراً أو خيراً وإما عالماً أو جاهلاً، أو محباً أو مبغضاً.

وهنا:

في مسألة حب فاطمة وبعلها وولديها (عليهم السلام) لا يمكن أن يكون الإنسان يحمل مثقال ذرة من حبهما، ومثقال ذرة من بغضهما في آن واحد؛ فحالهما أي الحب والبغض حال الإيمان والكفر، فمثقال من الكفر يؤدي إلى الهلاك ومثقال من الخير يؤدي إلى النجاة کما دلّ عليه قوله تعالى:

«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(1).

وفي حب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبغضهم تظهر الخطورة العظمی حيث يندرج الإنسان ضمن قائمة الضالين الذين غضب الله عليهم کا دلت عليه النصوص الشريفة، فمنها:

1 - عن أبي الجارود عن أبي عبد الله الحداي قال: قال لي أمير المؤمنين (عليه السلام):

«يا أبا عبد الله ألا أخبرك بالحسنة التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة، وبالسيئة التي من جاء بها كب على وجهه في جهنم؟».

ص: 110


1- سورة الزلزلة، الآيتان: 7 و 8

قلت: بلى يا أمير المؤمنين، فقال:

«الحسنة حبنا، والسيئة بغضنا أهل البيت»)(1).

2 - روى الشيخ الطوسي عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم (عليه السلام) فرحوا واستبشروا، وإذا ذكر عندهم آل محمّد اشمأزت قلوبهم؟، والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل الله منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي»(2).

3 - عن أبي حمزة الثمالي قال: (كنت مع أبي جعفر (عليه السلام)، فقلت:

جعلت فداك يبن رسول الله: قد يصوم الرجل النهار، ويقوم الليل، ويتصدق، ولا يعرف منه إلا خيراً، إلا أنه لا يعرف الولاية، قال: فتبسم أبو جعفر (عليه السلام) وقال:

«یا ثابت إنا في أفضل بقعة على ظهر الأرض، لو أن عبداً لم يزل ساجداً بين الركن والمقام حتى يفارق الدنيا لم يعرف ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئاً»)(3).

ص: 111


1- المحاسن للبرقي: ج 1، ص 150؛ دعائم الإسلام للقاضي المغربي: ج 1، ص 71؛ الأمالي للطوسي: ص 493؛ تفسير الثعلبي: ج 7، ص 230؛ شواهد التنزيل للحاکم الحسكاني: ج 1، ص 548؛ کشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 328؛ ينابيع المودة اللقندوزي: ج 1، ص 291
2- الأمالي للشيخ الطوسی: ص 140؛ کشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 11
3- الأصول الستة عشر بتحقيق المحمودي: ص 333؛ تفسير أبي حمزة الثمالي: ص 137؛ مستدرك الوسائل : ج 1، ص 151

من هنا:

نجد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قرن هذا الحب - وبلحاظ هذه السُنّة السلوكية- بالبغض فمن أحبهم فقد أبغض أعدائهم، ومن أبغضهم أحب أعدائهم؛ وذلك أن المؤمن ينجذب إلى الخير، سریع الالتحاق بأهله، ويأنس بهم ويستوحش من غيرهم؛ والحال نفسه قائم عند الكافر فهو يستوحش من أهل الخير، سريع الفرار منهم، بل نجده يشمئز من الإيمان والذکر کما دلّ عليه قوله تعالى:

«وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ»(1).

وهذه الحالة النفسية التي يمكن ملاحظتها في جميع الأزمنة نجدها متجسدة في المؤمن والكافر وتنعكس على حاله وأفعاله؛ بل نجدها لتتضاعف معه حتى يصبح المؤمن سلم لمن سالم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وحرب لمن حارب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لتلازم الإيمان بالحب، والبغض بالنفاق فيكون إما من أهل الإيمان، وإما من أهل النفاق، فيسالم أهل سنخه ويعادي أهل نقيضه.

ولعل كثير من النصوص الصريحة والواضحة في هذا الجانب تقطع الطريق على المتأولين في دفع المسلم عن مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تحديد المسار والعلاقة مع أهل البيت (عليهم السلام)، فكان منها:

ص: 112


1- سورة الزمر، الآية: 45

1 - روى الزرندي، وابن حجر، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي، ومن أحب أن ينسأ له في أجله، وأن يتمتع بما خوّله الله، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره، وورد عليّ يوم القيامة مسوداً وجه»(1).

2 - روی أبو يعلى الموصلي (عن بن حوشب الحنفي، قال:

حدثتني أم سلمة قالت: ثم جاءت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) إلى رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) متوركة الحسن والحسين، في يدها برمة للحسن فيها سخين حتى أتت بها النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فلما وضعتها قدامه قال لها:

«أين أبو الحسن».

قالت:

«في البيت».

فدعاه، فجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون.

قالت أم سلمة:

ص: 113


1- نظم درر السمطين للزرندي: ص 231؛ الإصابة لابن حجر: ج 1، ص 406؛ فيض القدير للمناوي: ج 2، ص 220؛ کنز العمال: ج 12، ص 99

وما سامني النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وما أكل طعاماً قط إلا وأنا عنده إلاّ ساميته قبل ذلك اليوم(1).

فلما فرغ التف عليهم بثوبه ثم قال:

«اللهم عادِ من عاداهم ووالِ من والاهم»)(2).

ويمضي النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان تلازم الحب والبغض وارتباطهما الإيراني والنفاقي، فيبين للمسلمين إن حب أهل بيته هو عین حبه (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما أسلفنا - وإن بغضهم هو عين بغضه - والعياذ بالله -.

ولشدت حرص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في إيصال هذا الحكم إلى الناس وحثّهم على العمل به تعدد منه صدور هذا الحكم الشرعي بنحوي المجمل والمفصل؛ فمرة يخص بهذا الحكم الشرعي الحسن والحسين (عليهما السلام) فيقتصر على ذكرهما فيظهر تلازم حبهما بحبه وبغضها ببغضه؛ ومرة أخرى يخص بالذكر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومرة ثالثة بفاطمة، ورابعة بهم جميعاً.

والظاهر - كذلك - من سيل الروايات الكثيرة في هذا الخصوص أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك موقفاً أو مناسبة إلا وقد صرّح للمسلمين بهذا الحكم الشرعي كي يلتفت المسلمون إلى خطورة هذا العنوان، وذلك لما

ص: 114


1- بسامني: دعاني إليه
2- مسند أبي يعلى الموصلي: ج 12، ص 384؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج33، ص 92

يترتب عليه من صلاح هذه الأمة أو فسادها وضلالها.

ولذلك:

نجد أن السبب في تعدد هذه الأحاديث وكثرتها، هو لما ذكرناه، فكان من هذه الأحاديث مايلي:

1 - أخرج أحمد في المسند عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

يعني حسناً و حسيناً)(1).

ولا يخفى على اللبيب إن ما يترتب على الحب من عناوين شرعية وروحية واجتماعية يترتب على البغض كذلك.

2 - وعن عبد الرحمن بن مسعود، عن أبي هريرة، قال: (خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة، ويلثم هذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما؟ فقال:

«من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضها فقد أبغضني»)(2).

وفي حبه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 115


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2، ص 288؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 20
2- مسند أحمد: ج 2، ص 440، سنن ابن ماجة: ج 1، ص 21؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 166

وما يترتب على المسلم من حكم شرعي من التلازم بين حب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحب علي بن أبي طالب (عليهما السلام) فقد بغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليها السلام) فقد بغض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روى الحاكم في المستدرك، عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال:

(قال رجل لسلمان: ما أشد حبّك لعلي؟ - فقال سلمان -: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

«من أحبّ علياً فقد أحبني ومن أبغض علياً فقد أبغضني»)(1).

والحديث واضح الدلالة في أن شدة حب سلمان لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إنما في حقيقته هو حبه الشديد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن هنا:

فإن الذين كانوا يبغضون علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهم يبغضون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك للملازمة بين حبيها وبغضيهما؛ أي: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

فمن يدعي حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لزم منه حب علي (عليه السلام)، فضلاً عن مفاهيم الحب ومصادیقه ک: (الإتباع، والإيمان، والموالاة، والنصرة، والسلم) وغيرها، وفضلاً عن نقائض هذه المصادیق ک(التخلي، والكفر، والبراءة، والخذلان، والحرب) وغيرها، فمن اتبعهم تخلى

ص: 116


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 130

عن غيرهم، ومن آمن بهم كفر بغيرهم، ومن والاهم تبرأ من أعداءهم ومخالفيهم، ومن نصرهم خذل غيرهم، ومن سالمهم حارب غيرهم إن كانوا حرب لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولأجل ذلك:

وما يترتب عليه من تحديد للهوية الإسلامية والأخروية حينما يقف المسلم بين يدي الله تعالى، لقوله سبحانه:

«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ».

عن آل محمد كيف خلفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم، كان كل هذا التشديد والتحذير من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:

1 - روى القندوزي عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، رفعه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال له:

«یا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، یا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والصراط، والحساب، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله تعالى عنه، ومن غضبت ابنتي فاطمة عليه غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه».

«یا سلمان، ويل لمن ظلمها ويظلم بعلها عليا، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها»(1).

ص: 117


1- ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 332؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج 1، ص 20

2 - روى القاضي عياض في الشفا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

«معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب»(1).

3 - روی الحافظ الخركوشي في شرف المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم)، والقندوزي عن علي (عليه السلام)، قال:

«سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

من آذاني في أهل بيتي فقد آذى الله عزّ وجل، ومن أعان على أذاهم ورکن إلى عدوهم فقد أذن بحرب من الله، ولا نصيب له غداً في شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(2).

4 - أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إنّ علياً وصيي وخليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي، من والاهم فقد والاني،

ص: 118


1- الشفا بتعريف المصطفى للقاضي عياض: ج 2، ص 48؛ العجاجة الزرنبية للسيوطي: ص 33؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 1، ص 7؛ وج 2، ص 254
2- شرف المصطفى للحافظ الخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد الوطنية تحت الرقم (1887) ويحمل رقم المصغر الفيلمي (4891) الورقة 180، من جهة اليمين؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 81؛ كتاب الأربعين للقمي الشيرازي: ص 472؛ شرح إحقاق الحق: ج 9، ص 467

ومن عاداهم فقد عاداني، ومن ناواهم فقد ناواني، ومن جفاهم فقد جفاني، ومن برهم فقد برني، وصل الله من وصلهم، وقطع من قطعهم، ونصر من نصرهم، وأعان من أعانهم، وخذل من خذلهم، اللهم من كان له من أنبيائك ورسلك ثقل وأهل بيت، فعلي وفاطمة والحسن والحسين أهل بيتي وثقلي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»)(1).

رابعاً - منهج الوحي والنبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) في تبليغ الرسالة بين تذكير الأمة وانفلات العامة.

مثلما كان هناك تلازماً بين فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وقول الوحي فإن المنهج التبليغي الذي جاء به الوحي وعمل به النبي كان يرتكز على الملازمة أيضاً؛ فبين نهي القرآن وتذكيره کان المنهج النبوي يدور في نفس فلك المنهج القرآني.

ففي التذكير کمنهج نص عليه الوحي في محكم التنزيل ضمن مجموعة من الآيات، منها:

1 - قوله سبحانه لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ»(2).

2 - قال تعالى:

«فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى»(3).

ص: 119


1- الأمالي للصدوق: ص 473
2- سورة ق، الآية: 45
3- سورة الأعلى، الآية: 9

3 - قال عزّ وجل:

«فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ»(1).

فكان هذا المنهج القرآني الذي حدد للمصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) الأسلوب في تبليغ الرسالة تبعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبناءً على ما أمره الله به فقد كان مذكراً للأمة بآل بيته وكيفية التعامل معهم وبیان شأنهم ومنزلتهم في الشريعة ودورهم الرسالي في الأمة.

فقام بتذكيرهم بأهل بيته فحذر وأنذر وأبلغ وأعذر فكان مما ذكر به ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم إنه قال:

(أقام رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعی خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال:

«أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر یوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به».

فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال:

«وأهل بيتي أذکرکم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»)(2).

فهذا النهج الذي سار به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الأمة

ص: 120


1- سورة الغاشية، الآية: 21
2- صحیح مسلم: ج 7، ص 123

تبعه بمقتضيات أخرى تصب في نفس المعين لينجوا المسلمون من الوقوع في الضلال حينهما ينزلقوا خلف انفلات العامة من حدود الله تعالى والعمل بشريعة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقام (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتحذير من التعرض لتلك الحدود التي فرضها الإسلام وأوجب على المسلم الالتزام بها، فكان التحذير واحداً من مصاديق التذكير الذي أمر به القرآن وعمل به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جملة من الأحاديث الكاشفة عن منع وقوع الأمة في الانفلات من هذه الضوابط الشرعية والحدود الإلهية كما وقع فيه الإعراب والعوام.

وفي ذلك روى الشيخ الصدوق، والترمذي، والحاكم النيسابوري، والطبراني، وغيرهم، عن زيد بن أرقم أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي وفاطمة والحسن والحسين:

«أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»)(1).

والتحذير الذي قدمه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) للأمة لم يكن محصوراً بزمن محدد بل تكشف الروايات عن أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حدد لهذه الأمة موضعه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته ومنذ أن تكون بیت علي وفاطمة (عليها السلام).

ص: 121


1- عیون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 59؛ کشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 452 - 453؛ الأمالي للطوسي: ص 336؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 360؛ المستدرك اللحاكم النيسابوري: ج 3، ص 149؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 5، ص 182؛ موارد الضمان للهيثمي: ص 555؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 52، حدیث 145

فعن عطية العوفي (عن أبي سعيد الخدري، قال: لما دخل علي بفاطمة جاء النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أربعين صباحاً إلى بابها فيقول:

«أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»)(1).

ويدل وقوف النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على باب علي وفاطمة هذه المدة الزمنية التي حددتها الرواية بالأربعين صباحاً على حكمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دفع الالتباس أو الجهل عن المسلمين في تحديد موقعه (صلى الله عليه وآله وسلم) الشرعي من أهل بيته، فمن حاربهم إنما يحارب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحاربه؛ ومن سالمهم كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سلماً له.

والظاهر من الرواية أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ابتدأ مع المسلمين في منهاجه التذكيري والتحذيري من موقع الحكم الشرعي، بمعنى: أظهر لهم وذکَّرهم وحذَّرهم في الحرب والسلم لهؤلاء قبل أن يحدد للمسلمين من هم أهل بيته.

بمعنى آخر: إن تحديده لأهل بيته ظهر للمسلمين بعد ولادة فاطمة (عليها السلام) للحسن والحسين (عليهم السلام) أما قبل ولادتها لهما فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدد الموقع الشرعي لهذا البيت الذي تكوّن بعلي وفاطمة (عليها السلام).

ص: 122


1- فضائل سيدة النساء لعمرو بن شاهين: ص 29؛ تفسیر فرات الكوفي: 338؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 44

والهدف في ذلك تحديد الحدود الشرعية الكاشفة عن عظم هذا البيت وأهله ومنزلتهم عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن كان يؤمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي: إن الخطاب موجه للمسلمين وليس للمشركين، بمعنى: (استحق من حاربهم اسم المحارب الله ورسوله وإن لم يكن مشركاً)(1).

وهو حکم قرآني أشار إليه الجصاص (المتوفي سنة 307 ه) و تغافل عنه الكثيرين تسترا على ما قام به بعض الرموز من الصحابة في محاربتهم لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).

المسألة الثانية: مقاصدية الحديث النبوي في اختصاص فاطمة (علیها السلام) برسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم).

يتفاوت الناس في الشرافة حينما يقترنون بالعظماء، والعظماء يختلفون بحسب المعطيات الثقافية لدى الناس، فقد يكون المرء عظيما في الملك أو المال أو العلم أو الحسب أو الأدب أو غير ذلك.

لكنما الأمر الذي تسالم عليه العقلاء - بلحاظ - دوام العظمة هو ما اقترن بالآخرة والشريعة والقداسة؛ فتلك قد كتب لها الدوام وإن اختلفت التوجهات والأفكار عند الناس.

ولذا:

يحرص الكثيرون على الالتصاق بالشرائع السماوية أو الروحية أو الدينية

ص: 123


1- أحكام القرآن للجصاص: ج 2، ص 508

کي يكتسبوا من تلك الشرائع شرفاً أو تشریفاً لينالوا حظهم الأوفر من التعظيم وإظهار منزلتهم وفقاً لمواضعهم وأماكنهم من العظماء.

ولا شك: أن أعظم الناس هم الأنبياء والرسل (عليهم السلام) وذلك لتوفر جميع عناصر العظمة بهم ابتداءً من اختصاصهم بالله تعالى وانتهاءً بما لدیهم في الآخرة حيث الحياة الأبدية من الوجاهة والمنزلة لاسيما وإن القرآن الكريم يرشد العاقل إلى هذه الحقيقة في آيات عدة، منها:

1 - قال تعالى:

«وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ»(1).

2 - وقال تعالى:

«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ»(2).

3 - وقال عزّ وجل:

«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ»(3).

وغيرها من الآيات المباركة الكاشفة عن منازل الأنبياء (عليهم السلام) عند الله تعالى مما يجعل الذين يعاصرون الأنبياء ويؤمنون بهم يتنافسون -

ص: 124


1- سورة الأنبياء، الآيتان: 26 و 27
2- سورة آل عمران، الآية: 45
3- سورة التكوير، الآيات: 19 و 20 و 21

کلا حسب إیمانه - في الالتصاق بالنبي، وإحراز عناوین شرعية يرتقي بها أصحابها بين الناس، فيفاض عليهم من عظمتها وقدسيتها.

وهؤلاء الملتصقون بالأنبياء (عليهم السلام) صنفان، صنف شاء أن يحظى بمكاسب دنیوية بين الناس بما للقرب من الحظرة النبوية من آثار اجتماعية ونفسية وروحية على المؤمنين، فضلاً عن اكتساب الحصانة حيناً والذريعة حيناً آخر في تمشية المصالح الشخصية، كما كان في حال السامري في بني إسرائيل وحال غيره في الأمم السابقة وهذه الأمة.

والصنف الآخر كان التصاقه بالأنبياء (عليهم السلام) التصاق سنخي لتلازم الإيمان والطهر والصدق فيكون شأنهم مدعماً بالآيات والبراهين الإلهية لأنهم نصروا الله فنصرهم.

ومن بين هؤلاء الذين التصقوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي فاطمة وبعلها وولديها (صلوات الله عليهم أجمعين).

وقد أسلفنا أنهم مع ما لهم من صلة الرحم والدم والقرابة القريبة، فهم الأهل والآل والعترة، ومع هذا كله لهم خصوصية الشريعة المرتكزة على التقوى والطاعة لله تعالى فكانوا بعد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حجج الله على العالمين وأئمة على الخلق أجمعين.

من هنا:

كان لفاطمة التصاقاً سنخياً بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجميع ما أحيط بهذه الشخصية من عبودية لله ورسالة ونبوة وإمامة وحرمة

ص: 125

وطاعة وعصمة ومنزلة عند الله تعالى إلا أنه لا نبوة ولا رسالة بعد النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

بمعنی:

لا يمكن أن ينال الإنسان تلك العظمة ما لم يكن مرتبطاَ بالله تعالى؛ وحيث أن الارتباط الإلهي يكشفه القرآن في درجات و مراتب حددها الوحي عن الله تعالى فكانت في قمة الارتقاء هي العبودية المحضة لله، فإن النبوة والرسالة والإمامة تأتي تبعاً لما ينال الإنسان من حظه في سلم العبودية لله عز وجل مما يكشف أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أعبد الخلق للخالق وأن جمعه لجميع ما دون هذه الرتبة هو من ثمار تلك العبودية، وأن فاطمة قد نالت من تلك الدرجات والمراتب - بما للمصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) - ابعاض منها وهو ما دلّ عليه الحديث النبوي الشريف المعروف بحديث البضعة، الذي تناقلته الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها(1).

بمعنى آخر:

حينما ننظر إلى شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن نظرتنا إليه يقومها النص القرآني الذي أعطاه ما لم يعط أحداً من الأنبياء والمرسلين إذ يكفي في ذلك قول تعالى:

«ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»(2).

ص: 126


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين، ج 4، ص 210؛ صحیح مسلم: ج 4، ص 140، مسند أحمد: ج 4، ص 328
2- سورة النجم، الآيتان: 8 و 9

ومن ثم فإن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث البضعة لا يندرج ضمن الحدود المادية التي تنم عن ضيق الفهم وعسر الاستيعاب وعمى البصيرة وذلك أن شخوص الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) يتعامل معهم بما أحرزوا من الشأنية عند الله تعالى لا على أساس الفناء الملاصق للمادة وولادتها من رحم الحياة الدنيا.

بل: تسالم العقلاء في تقييمهم وتعظيمهم للرموز من خلال ما يتصف به أولئك الرموز من عناوین روحية وشرعية ودينية وقدسية.

من هنا:

كان لفاطمة تلك الملاصقة مع شخص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت بعضاً من رتبة العبودية التي نالها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعضاً من الرسالة والنبوة والإمامة والنذارة والبشارة والشهودية وغيرها مما أوتي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

وإلا فإن حديث البضعة بخلاف هذه المفاهيم يصبح مجوفاً من الروح لا حياة فيه لا طريق لديه في قلوب قد ران عليها الكفر وطبع عليها النفاق فهم لا يفقهون.

ومن هنا أيضا:

لم يكتف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان منزلة فاطمة (عليها السلام) ضمن تلك المفاهيم القرآنية بحديث البضعة وإنما أردفه بأحاديث أخرى تسوق الذهن فیستم القلب إلى أنها بلغت من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مبلغاً عظيماً فكانت الأحاديث كالآتي:

ص: 127

أولًا - تعدد ألفاظ الحديث النبوي في قصدية البضعة.

يعد حديث البضعة من الأحاديث المشهورة لورودها في عدد كبير من المصادر الإسلامية إلاّ أن التثقيف عليه وبیان دلالاته يعد قليلاً جداً حتى يكاد المسلم حينما يسمع به في بعض المحافل يحسبه من الأحاديث المندثرة أو الغير صحيحة لعزوف أصحاب المنابر في العالم الإسلامي لاسيما أبناء السُنّة عنه وكأنه لا يعني لهم شيئاً أو هو مما يشكل إرباكاً في منهجهم العقدي کي لا يعد المتكلم به من المتشيعين لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

والحديث الشريف ورد بألفاظ عديدة مما يكشف عن كثرة تکرار صدوره من الحضرة النبوية كي يرسخ في أذهان المسلمين ما لفاطمة من المنزلة الشرعية والروحية في الإسلام فكانت ألفاظ الحديث على النحو الآتي:

1 - أخرجه البخاري في الصحيح عن المسور بن مخرمة: بألفاظ عدة:

أ: إنّ رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال:

«فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني»(1).

ب: وبلفظ: وإن فاطمة بضعة مني وأني أكره أن يسؤها»(2).

ج: ولفظ آخر:

ص: 128


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 4، ص 210
2- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 4، ص 212

«فإنما هي بضعة مني يُريبني ما أرابها»(1).

2 - أخرجه مسلم النيسابوري عن المسور بن مخرمة بألفاظ عدة:

أ: قال: قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها»(2).

ب: وبلفظ آخر:

«فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رآبها ويؤذيني ما آذاها»(3).

3 - أخرجه أحمد بن حنبل بلفظ:

أ: عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«إنها فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها»(4).

ب: وبلفظ آخر:

«إنما فاطمة بضعة مني وإني أكره أن تفتنوها»(5).

4 - أخرجه سلیم بن قیس الهلالي عن فاطمة عليها السلام أنها سألت أبي بکر وعمر فقالت:

ص: 129


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 1، ص 158
2- صحیح مسلم: ج 7، ص 141، باب: فضائل فاطمة عليها السلام
3- المصدر السابق نفسه
4- مسند أحمد: ج 4، ص 5، من حديث عبد الله بن الزبير
5- المصدر السابق نفسه

«نشدتكما بالله هل سمعتها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني؟».

قالا: نعم، فرفعت يدها إلى السماء فقالت:

«اللهم إنّهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك»(1).

وغيرها من الألفاظ التي تناقلتها الرواة(2).

فكان هذا الحديث من الأحاديث الدالة على ارتباطها عليها السلام بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثانياً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام): (شُجْنَة منه (صلّی الله علیه وآله وسلم)).

إن من الملاحظ في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان خصوصية فاطمة (عليها السلام) لديه ومنزلتهاعنده استخدامه لألفاظ

ص: 130


1- کتاب سلیم بن قیس الهلالي: ص 392
2- أنظر في تعدد ألفاظ حديث البضعة: مناقب ابن المغازلي: ص 282، حدیث 327؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 158؛ المناقب للخوارزمي: ص 335؛ سنن البيهقي: ج 7، ص 64؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 20، ص 18؛ الطبقات الكبرى الابن سعد: ج 8، ص 206؛ مسند البزار: ج 6، ص 169، حدیث 1938؛ اتحاف السائل للمناوي: ج 1، ص 7؛ مختصر صفة الصفوة لابن الجوزي: ص 121؛ فضل آل البيت للمقريزي: ص 37؛ الفتح الرباني للساعاتي: ج 22، ص 93؛ المصنف لابن أبي شیبة: ج 12، ص 126؛ الروض الاُنف: ج 1، ص 279؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 327؛ الشفا للقاضي عياض: ج 2، ص 574؛ البحر الزخار: ج 6، ص 150؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 165؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ص 24، حدیث 30؛ مشارق الأنوار للقاضي عياض: ص 128؛ تهذيب الخصائص للسيوطي: ص 433؛ صحیح ابن حبان: ج 5، ص 406؛ خصوصیات النبي للقسطلاني: ص 135

متعددة تشير إلى تلك الحرمة المترتبة على دلالة هذه الألفاظ فكان منها حدیثه (صلى الله عليه وآله وسلم) المعروف بحديث الشجنة.

وقد أخرجه أحمد، والحاكم، والهيثمي، والطبراني، وغيرهم بألفاظ متفاوتة في السعة والاختصار.

1 - فقد رواه أحمد بهذا اللفظ:

(عن جعفر بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور بن مخرمة: أن حسن بن حسن بعث إلى المسور يخطب ابنة له فقال:

قل له يوافيني في وقت قد ذكره فلقيه فحمد الله المسور، وقال: ما من سبب ولانسب ولا صهر أحب إليّ من نسبكم وصهرکم ولکن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قال:

«فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها وإنه يقطع يوم القيامة الأنساب إلا نسبي وسببي».

وتحتك ابنتها ولو زوجتك قبضها ذلك، فذهب عاذراً له)(1).

2 - وأخرجه الحاكم النيسابوري بالسند المذكور، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

«إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها».

ص: 131


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 33؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 20، ص 25، حدیث 30؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 328؛ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج 2، ص 765، حدیث 1347

وأردفه الحاكم بقوله: وهذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)(1).

3 - وأخرجه الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، عن أبيه الإمام الباقر (عليه السلام) قال:

«لما ولي عمر بن عبد العزيز أعطانا عطايا عظيمة».

قال: «فدخل عليه أخوه فقال له: إن بني أمية لا ترضى منك بأن تفضّل بني فاطمة عليها السلام - عليهم».

فقال: أفظلهم، لأني سمعت، لا أبالي أن أسمع أولا أسمع، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول:

«إن فاطمة شجنة مني، يسرني ما أسرها ويسوؤني ما أساءها».

فأنا أتبع سرور رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم)(2).

وللوقوف على دلالة الحديث الشريف نورد ما جاء عند أهل اللغة في بیان معنى الشجنة:

1 - قال ابن فارس في (شجن): الشين والجيم والنون أصل واحد يدل على اتصال الشيء والتفافه من ذلك الشجنة وهي الشجر الملتف.

ويقال: بيني وبينه شجنة رحم پرید اتصالها والتفافها، ويقال: للحاجة الشجن، وإنما سميت بذلك لالتباسها وتعلق القلب بها والجمع شجون.

ص: 132


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : ج 11، ص 2، حدیث 4717؛ نثر الدرّ: ج 1، ص 343، المناقب لابن شهر: ج 3، ص 332
2- قرب الإسناد للحميري: ص 53

قال: والنفس شتی شجونها.

والأشجان جمع شجن(1).

2 - وقال ابن الأثير:

(شجن) فيه - الحديث الشريف -:

«الرحم شجنة من الرحمن».

أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، شبه بذلك مجازاً واتساعاً؛ وأصل الشجنة بالكسر والضم: شعبة في غصن من غصون الشجرة(2).

ومن هذا المعنى نستدل على أن فاطمة (عليها السلام) لها من الترابط مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما للعروق في الشجرة الواحدة وقد تشابکت والتفت مع بعضها البعض إلى الحد الذي أصبحت فيه هذه العروق شيئاً واحداً لا ينفك كل جزء فيه عن الآخر، وذلك للحمة التي بينها فإذا قطع عضو منه مات من الشجرة عضو آخر.

ومما لا يخفى على أهل المعرفة ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الإحاطة التامة الجامعة المانعة بلغة الضاد وأسرارها وبلاغة معانيها وأبعاد ألفاظها ودلالة مفرداتها.

ص: 133


1- معجم مقاییس اللغة لابن فارس: ج 3، ص 248
2- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 2، ص 447؛ غريب الحديث لابن سلام: ج 1، ص 209

ولذلك:

نراه (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما مثل فاطمة بالشجنة منه، وبيان أهل اللغة بأنها الشعبة في غصن من غصون الشجرة، أو الشعبة من كل شيء(1)، لم يكن بأبي قد نطق بها إلا ليعرّف المسلمين بمحل فاطمة من النبوة والرسالة.

فقولهم وفعلها وتقريرها شعبة من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفعله وتقريره؛ وهذا فضلاً عن ورود نصوص عن العترة النبوية بعصمتها وإنها حجة الله تعالى على الأئمة الذين جعلهم حججاً علىهم خلقه وأوجب عليهم لزوم طاعتهم ومودتهم وإتباعهم.

ثالثاً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام): (مهجته (صلّی الله علیه وآله وسلم)).

لم يزل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتقل من بيان إلى آخر ليرشد الناس إلى عظيم منزلة فاطمة عنده وشأنها لديه كي يحذر المسلمون في تعاملهم مع المقدسات ويجتنبون الوقوع في انتهاك الحرمات عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذلك:

ينتقل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا إلى لفظ جديد ومعنى آخر يرسم صورة أخرى لهذه الشخصية الملكوتية التي أودعها الله تعالى في صلبه ليخرجها إلى الناس حجة وشاهداً و موضعاً للابتلاء الحسن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من يحيى عن بينة.

ص: 134


1- المجازات النبوية للشريف الرضي: ص 138

هذه البينة التي جهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيانها ولم يزل يظهرها - کما سیمر - علينا في بقية الأحاديث الشريفة.

وهنا:

أراد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعلم الناس محلها من شخصه بذلك المستوى الذي لا يرقى إليه أحد من الخلق فمن منهم كان بمنزلة الروح من النفس، والدم من القلب، بل: هي الروح والقلب کما سیمر لاحقاً.

لكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا: حينما وضعها هذا الموضع من القلب ليعلم الناس أن لا حياة للقلب بدون الروح ولا حياة للروح بدون الدم وهو ما يذهب إليه أهل اللغة في بيان معنى (المهجة).

إذ قال الخليل الفراهيدي: (المهجة: دم القلب، ولا بقاء للنفس بعدما تراق مهجتها)(1).

وقال الجوهري: هي، دم القلب خاصة، ويقال: إذا خرجت مهجته خرجت روحه)(2).

بمعنى: لا بقاء للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بدون مشكاة النور وأم الأئمة حجج الله على خلقه والأدلاء عليه والقادة إلى سبيله فلولاها لما كانوا ولما كان هناك ذكر للمصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا شریعته.

ص: 135


1- كتاب العين: ج 3، ص 397
2- کتاب الصحاح للجوهري: ج 1، ص 342؛ البحر المحيط : ج 1، ص 208

إذ حياة كل شيء بقلبه ودوامه بروحه ودوام شريعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وروح الإسلام بفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها).

ولذا:

كان حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا اللفظ الكاشف عن منزلتها لدى النبوة والرسالة، فقال:

«فاطمة مهجة قلبي، وإبناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، حبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى»(1).

والحديث أخرجه محمد بن أحمد القمي (المتوفي سنة 412 ه) بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن زیاد، عن جميل بن صالح، عن الإمام جعفر بن محمد (عليها السلام) قال:

«حدثني أبي، عن أبيه عن جده الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فاطمة مهجة قلبي.......».

وساق الحديث، وذكره عنه الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) والزمخشري في مناقبه وغيرهم.

ص: 136


1- مائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي: ص 76؛ الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج 2، ص 32؛ الصوارم المهرقة للتستري: ص 337؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 29، ص 649؛ نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي: ص 227؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 7، ص 472؛ مقتل الحسين للخوارزمي: ص 77؛ المناقب للزمخشري: ص 213 (مخطوط)؛ فرائد السمطين للحمويني: ج 2، ص 66، حدیث 390

رابعاً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام): (شعرة منه (صلّی الله علیه وآله وسلم)).

لاشك إنّ من بين أهم الأولويات لدى الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) حفظ الحرمات، ومن أعظم الحرمات هي الحكم الشرعي ثم مثال الحكم الشرعي وعنوان وجوده في الحياة وهو المعصوم (عليه السلام) سواء كان نبياً أو رسولاً أو إماماً فهؤلاء هم الأمناء على الشريعة ومنهم يخرج الحكم الشرعي - باختيار وتعيين من الله تعالى - إلى الناس.

ولذلك فالراد عليهم راد على الله تعالى والمطيع لهم مطيع الله تعالى ولعل المتتبع للآيات الكريمة يجد الكثير منها ما ينص على الملازمة بين طاعة الله تعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن العاصي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) هو عاص لله تعالى.

من هنا:

كانت الملازمة بين حرمة الحكم الشرعي وبين المشرّع وهو الله ورسوله ووصي رسوله فضلاً عن ذلك فقد تفاوت الأنبياء (عليهم السلام) فيما بينهم من حيث المنزلة بلحاظ الحكم الشرعي كذلك، بمعنى: كان أولوا العزم أعظم منزلة عند الله تعالى لأن رسالاتهم كانت إلى الناس كافة وكانوا أصحاب کتب سماوية.

أي: إنهم كانوا في مسؤولية أعظم ومهمة أكبر وذلك من خلال سعة الشريعة وسعة المساحة التي تنشر فيها هذه الأحكام.

ص: 137

وعليه:

كان الإسلام أتم الأديان وأكملها وخيرها التي أخرجت للناس، فضلاً عن السعة في الشريعة والمساحة التبليغية لتشمل الأسود والأبيض والسيد والعبد والجن والأنس؛ وهذا يتطلب مسؤولية عظيمة وذلك لما يلقي على عاتق خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم).

فكان هو: النبي، والرسول، والشاهد، والمبشر، والنذير، والداعي إلى الله، والسراج المنير، وهو قوله تعالى:

«وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا»(1). وفي موضع آخر يظهر الوحي ما لهذه الرسالة من حرمة ومنزلة وخصوصية خاصة ارتكزت على ما حمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحكام شرعية وما أوتي من كتاب فقال عزّ وجل:

«وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»(2).

ولم يصف الوحي أي كتاب من الكتب المنزلة ب(العظیم) سوى القرآن وذلك لما أنزل الله فيه من العلم حتى أصبح حاضنة للعلوم، فكان هذا القرآن العظيم بحرمته ملازما للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

من هنا: يصبح كل أمرٍ مرتبط برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينظر إليه من حيث الصغر والکبر کنعله وثوبه وعصاه ودابته وما

ص: 138


1- سورة الأحزاب، الآية: 46
2- سورة الحجر، الآية: 87

يلحق به من وسائل الحياة أو ما اختص ببدنه کظفره وشعره وبصاقه وعرقه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو أردنا أن نأتي بشواهد من السيرة والتأريخ على حرمة هذه الأشياء وآثارها التكوينية - بإذن الله تعالى - لخرجنا من الكتاب.

ولذا:

يستخدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مختلف الوسائل الإرشاد المسلمين إلى طاعة الله تعالى والاحتراز من الوقوع في المعصية، فكان من بين ما أرشد به الناس إلى تلك الحرمات وحفظها وصونها هو حديث الشعرة.

فقد روى الأربلي (عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إنّ فاطمة عليها السلام شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملئ السماء وملئ الأرض»)(1).

وروی جمع من المصنفين حديث الشعرة بلفظ آخر (عن عمرو بن خالد، قال حدثني زيد بن علي بن الحسين وهو أخذ بشعره، قال: حدثني أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو آخذ بشعره، قال حدثني الحسين بن علي (عليهم السلام)، وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو آخذ بشعره، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آخذ بشعره، قال:

ص: 139


1- کشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 95

«من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه اللہ ملئ السماء وملئ الأرض»)(1).

والحديث يرشد السامع إلى تلك الدلالة التعظيمية لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جزء لا يتجزأ من تلك الحرمة، حالهم في ذلك حال القرآن فمن أنكر حرفاً منه أنكر القرآن ومن انتهك حرمة آية منه انتهك حرمة القرآن جميعاً.

بل إن التعرض لهم بذلك المقدار الذي حدده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشعرة يوجب ذلك العقاب واللعن ملي السماء وملئ الأرض، فكيف بمن قام وعزم وساعد وأسس لقتلهم وتشريدهم وسلب أموالهم وغيرها من الانتهاكات التي تعرض لها آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فضلاً عن قتل شيعتهم ومن يتولاهم منذ أن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إلى اليوم الذي يأذن الله فيه بالظهور لمهدي آل محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) فيقتص من الظالمين ومن رضا بفعلهم.

خامساً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام): (أحب أهله إليه (صلّی الله علیه وآله وسلم)).

إنّ من المفاهيم التي مرّ ذكرها وبيانها ضمن هذا المبحث هو مفهوم الحب بمدلولاته القرآنية المتلازمة مع الإيمان والإتباع والمولاة والطاعة.

ص: 140


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 209؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق: ج 2، ص 227؛ دلائل الإمامة للطبري: 135؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 105؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 54، ص 308؛ مناقب الإمام علي عليه السلام لابن مردويه: ص 80

من هنا: حينا نأتي إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناطق عن حبه لفاطمة وبعلها وبنيها (عليهم السلام) فهو لا يتعدى عن ذلك المفهوم الذي أدل عليه الوحي ضمن سلسلة من الآيات الكريمة.

بمعنى: أن حب النبي وبغضه، ورضاه وغضبه مرتكز على حب الله ورضاه وغضبه، فإذا أحب كان حبه لله وإذا رضا كان كذلك، أو إذا غضب كان غضبه لله تعالى.

فضلاً عن كاشفيته لرضا الله وغضبه وحبه وبغضه بمعنى: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحب شيئاً إلا إذا كان الله تعالى يحبه ولا يبغض شيئاً إلا إذا كان الله قد بغض هذا الشيء وكذا في رضا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغضبه فهو كاشف عن رضا الله وغضبه.

وعليه: تصبح الأحاديث الشريفة الكاشفة عن حب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي كاشفة في الحقيقة عن حب الله تعالى لهذا الشيء.

بل: إن حبه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبغضه هو عينه حب الله وبغضه، وذلك أن النبي الأعظم مثال الحكم الإلهي على الخلق.

ولذا: یکون حبه لفاطمة وبعلها وولديها (صلوات الله عليهم أجمعين) ملازم لحب الله تعالى لهم، بل هو عين حب الله تعالى لهؤلاء؛ ومن ثمّ لا يتصور أن يكون حب الله تعالى لهم إلا لأنهم مثال أحكامه وعنوان شريعته وحجته على خلقه؛ إذ ليس هناك قرابة بين الله تعالى وبين أحد من خلقه فتعالى الله ربنا المالك لما خلق وهو العزيز الحكيم.

ص: 141

إذن: حينما يروي الرواة عنه، كما في سنن الترمذي، ومستدرك الحاكم، وغيرها، عن عائشة وقد دخل عليها جميع بن عمير التميمي فيسألها قائلاً: (أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟) قالت: فاطمة، فقيل من الرجال؟ قالت: زوجها)(1).

أو ما رواه أسامة بن زيد، فقال: (كنت في المسجد فأتاني العباس وعلي فقالا لي يا أسامة استأذن لنا على رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم).

فدخلت على النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فاستأذنته فقلت: له إن العباس وعلي يستأذنان، قال:

«هل تدري ما حاجتهما؟».

قلت: لا والله ما أدري، قال:

«لكني أدري، أئذن لهما».

فدخلا عليه، فقالا: یا رسول الله جئناك نسألك أي أهلك أحب إليك؟ قال:

«أحب أهلي إلى فاطمة بنت محمد»)(2).

ص: 142


1- سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة: حديث 3874
2- مستدرك الحاكم: ج 2، ص 417؛ الأحاديث المختارة للمقدسي: ج 4، ص 161؛ المعجم الكبير للطبراني : ج 22، ص 403؛ الجامع الصغير: ج 1، ص 37؛ فیض القدير للمناوي: ج 1، ص 217؛ تفسیر ابن کثیر: ج 3، ص 99؛ الدر المنثور: ج 5، ص 201؛ تأريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 8، ص 54

وغيرها من الألفاظ(1) الكاشفة عن حجم حبه (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة (صلوات الله عليها) مما يدل على منزلتها لديه ضمن تلك المفاهيم التي جاء بها القرآن الكريم.

سادساً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام) هي: (قلبه وروحه التي بين جنبيه (صلّی الله علیه وآله وسلم)).

روى الأربلي نقلاً عن كتاب لأبي إسحاق الثعلبي عن مجاهد قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال:

«من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي الذي بين جنبي؛ فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(2).

يمتاز هذا الحديث الشريف عن سابقه في بيان منزلة فاطمة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه يقدم فاطمة (عليها السلام) ضمن صيغة تعريفية للناس من خلال تحديد هذه المعرفة بهذه الألفاظ.

ص: 143


1- أنظر في ذلك: السنن الكبرى للنسائی: ج 5، ص 140، برقم 8498؛ مسند البزار: ج 7، ص 71؛ الاستیعاب: ج 4، ص 1897، ط دار الجيل؛ الآحاد والمثاني: ج 5، ص 360، برقم 2951؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 302
2- کشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 665؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج 1، ص 664؛ البحار: ج 33، ص 54؛ المحتضر للحسن بن سليمان الحلي: ص 234؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 52؛ عوالم العلوم للسيد البحراني: ج 11، ص 148، حدیث 20؛ إحقاق الحق: ج 10، ص 212

بمعنى: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يعرفها ضمن تعريفه هو، فيقدمها ضمن مقامات ثلاثة يبتدأها بكلمة (هي) يسبق بها هذا المقام أو ذاك، كي تكون كل كلمة (هي) منفصلة عن غيرها لكونها تقدم تعریفاً مستقلاً عن فاطمة عليها السلام؛ فكانت على النحو الآتي:

ألف - من عرف هذه، فقد عرفها، ومن لم يعرفها، فهي فاطمة بنت محمد.

هنا وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستثني من بيانه وتعريفه لفاطمة من كان عارفاً لها إلا أنه يرجع فيقدم فاطمة (عليها السلام) ضمن تعریف محدد بتلك المقامات الثلاثة، ولذا قال:

«ومن لم يعرفها فأنا أعرفه بها».

ومن البديهي أن الجميع يعرفون أنها ابنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذاك يتساوى الجميع في هذا المقام التعريفي سواء من كان منهم مؤمنا أو منافقاً إذ أن الصورة التي ينقلها الحديث وعلى لسان الراوي: ممثلاً بخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) إنما كان لهذا القصد، أي: تقديم معرفة جديدة للناس غير تلك المعرفة التي يعرفون بها فاطمة، وقد تسالوا على أنها ابنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وعليه:

يتضح من قوله: (فهي فاطمة بنت محمد) نفي شبهة التبني أو الربيبة عن فاطمة حصراً؛ بمعنى: إذا كانت هناك شبهة في كون (رقية، وأم كلثوم،

ص: 144

وزينب) هن ربائب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة (عليها السلام)(1).

أو تسالم هذه الحقيقة في أذهان الناس في كون الربيبة بنتاً؛ فإن النبي أراد بهذا الخروج مع أخذه بيد فاطمة وتقديمها إلى الناس بهذا الشكل الذي يبتدأ فيه قوله: (من عرف هذه)، أي: يعرفها بأنها البنت الواحدة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (فقد عرفها)؛ (ومن لم يعرفها) بأنها ابنتي وأنا أبوها ومن صلبي وليست بالربية، فأنا أعرفه بها: (هي فاطمة بنت محمد) (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذن:

من كان يظن أنها ربيبة فهو خاطئ، إنما هي فاطمة بنت محمد، وإلاّ لا معنی لقوله هذا صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرفوا أنها بنت النبي مالم يكن هناك من يعتقد بأنها ليست ابنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفع هذه الشبهة وهذه الظنون وإعلامهم جميعاً بأنها بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

باء - (هي بضعة مني).

قد مرّ علينا سابقاً بیان دلالة لفظ (البضعة) إلا إننا هنا نضيف بأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يندرج في بيان منزلة فاطمة (عليها

ص: 145


1- للمزيد من المعرفة، أنظر کتابنا: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، الجزء الأول والذي نستدل فيه كونهن ربائب

السلام) وتعريفها لدى الناس فبعد أن قدمها بكونها (ابنة محمد) (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي ليست بالربيبة ينتقل إلى بيان أعظم وتعريف أدق يكشف عن خصوصيتها منه؛ وحينما نقول منه أي: من النبوة والرسالة وحرمة هذه المقامات في الشريعة.

ولذلك: لم يكتف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونها ابنته، بل لها تلك المنزلة من كونه رسول الله ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ختم الله به النبوة والرسالة.

وإن لها من الحرمة ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عن خصوصية الحكم الشرعي المتمثل بالطاعة والإتباع والعصمة.

جيم - (هي قلبي).

يرتفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تعريف فاطمة (عليها السلام) ضمن هذا السلم المعرفي فينتقل إلى منزلة هي أعظم من سابقتيها، (البنوة، والبضعة) لتكون فاطمة منه منزلة القلب.

وحينما تكون فاطمة عليها السلام في تلك المنزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهنا لابد من بيان بعض النقاط حسبما يكشفه منطوق الآيات والأحاديث حول قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذ من البديهي أن خزانة أسرار الوحي هو قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لقوله تعالى:

ص: 146

1 - «قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»(1).

2 - «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ»(2).

والآيتان واضحتان في الدلالة على ما يحتويه قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خزانة للوحي والذكر الحكيم، ولما كانت فاطمة بهذا الوصف وبهذه المنزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا يعني أنها - ومن لحاظ تكوينها النوراني - خزانة للوحي والذكر الحكيم.

ولذا فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما جاء بها إلى الناس ليعرفها لهم لم يكن ليتخطى تعريف القرآن في بيانه قلبُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس کما في الآيتين - ولو كان المراد القلب المادي لما احتاج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إخراجها إلى الناس ومخاطبتهم ليكشف لهم الشأنية والمنزلة التي لها عند الله تعالى ولاكتفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لها من المعرفة النَّسبية والاجتماعية حالها في ذاك حال رقية وأم كلثوم وزينب، فقد اكتفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بما رسخ في أذهان الناس من معرفة الهن، ولم يحتج إلى كل هذا البيان والتأكيد والتحذير والتعريف الذي انتهجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع فاطمة (عليها السلام) لولا تلك المنزلة والشأنية التي جعلها الله تعالى فيها فاراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 147


1- سورة البقرة، الآية: 97
2- سورة الشعراء، الآيات: 192 - 194

حفظ حرمتها ومعرفة قدرها كي لا يقع أحد من المسلمين في تعديه لهذه الحدود الإلهية.

دال - (وهي روحي).

هذه المنزلة التي أظهرها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمن الحديث الذي أوردناه في مقدمة المبحث والتي جاءت بالعطف على (القلب) فقد أخرجها الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده (عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلما راه بکی، ثم قال:

«إليّ يا بني».

فما زال يدنيه حتی أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليها السلام)، فلما رآه بکی، ثم قال:

«إليّ يا بني».

فما زال يدنيه حتی أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة (عليها السلام)، فلما رآها بکی، ثم قال:

«إليّ يا بنيّة».

فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما رآه بکی، ثم قال:

«إليّ يا أخي».

ص: 148

فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: یا رسول الله ماتري واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إنّي وإياهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.

أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي، وبعد مماتي، محبة محبي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي، وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي...»)(1).

ص: 149


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 175؛ الاعتقادات في دين الإمامية: ص 106؛ الفضائل الابن شاذان: ص 83

لا شك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يريد أن يمتدح ابنته ويرطب مسامعها بكلمات اللطف والحنان والحب فيصفها بأنها قلبه وروحه (صلى الله عليه وآله وسلم) فلو أراد هذا المعنى وقصد هذه الدلالة لكان ذلك ضمن نطاق الأسرة وداخل البيت حاله في ذاك حال بقية الآباء حينما يتناغمون في كلماتهم الرقيقة مع بناتهم وأبنائهم دون الحاجة إلى أسماع الناس؛ بل لعل أسماع الأبناء هذه الكلمات خارج المنزل لا يحقق ما يريده الأب من إظهار الحب لهذا الابن أو البنت.

ولذلك: كان المراد من هذه الكلمات هو الناس وليس فاطمة وهو خلاف ما عليه النظام الأسري والأبوي في مختلف المجتمعات إذ حينما يقدم الأب على المدح والثناء وإظهار حبه لأبنائه وبناته فهو يقبل على الشخص المعني فيسمعه هذه الكلمات لكي يعزز أواصر المحبة والبر ويدفعه إلى التقوى في بر الوالدين.

لكن الحالة هنا مختلفة جذرياً إذ أن المخاطب في هذه الألفاظ الناس وليس فاطمة، أي: أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعرف الناس بمنزلة فاطمة لديه وشأنها عنده وحينما كان يريد فهو لا يقصد المعنى المادي المختزن في لفظ (القلب والروح) فهذه المعرفة تكون سطحية، بل لا يتحقق الهدف من هذا الخطاب والبيان وحيث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حکیماً ومأموراً في كشف الضلال عن الأمة وبيان الحدود الشرعية، كان القصد من هذه الكلمات هو المعنى الشرعي والروحي، والمناقبي، بمعنى: أنها قلب النبوة وروحها؛ وأن التعرض لها هو تعرض لقلب النبوة وروح الرسالة.

ص: 150

وحيث أن روح كل شيء يكون به حياته وقوامه وديمومته كذاك كانت فاطمة فهي روح النبوة ومن خلالها كان دوام الشريعة وذلك من خلال كونها أم الأئمة وأم الأوصياء لرسول رب العالمين أولهم الإمام الحسن وآخرهم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وعليه:

أردف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الكلمات وهذا البيان والتعريف بالغاية المنشودة منه وهي حفظ حرمتها وعدم التعدي لهذا الخط الأحمر الذي يترتب عليه هلاك أقوام ونجاة أخرى.

ولذا: يختم قوله وبیانه (صلى الله عليه و آله وسلم) فيقول:

«فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».

وعليه:

فمن آذى الله، عليه لعنة الله وأنبياءه ورسله وملائكته والناس أجمعين عدد ما خلق الله ومبلغ علمه.

المسألة الثالثة: مقاصدية الفعل النبوي في اختصاص فاطمة (علیها السلام)

برسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم). لم يكتف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بإظهار منزلة فاطمة (عليها السلام) لديه عبرَّ الألفاظ، وهو ما تناولناه آنفاً؛ وإنما بادر المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إظهار منزلة فاطمة وأختصاصها به عبرَّ الفعل

ص: 151

أيضاً كي يرشد الناس إلى بيان شأنية هذه الشخصية وحرمتها في الشريعة؛ والمستفاد من هذا المنهج النبوي جملة من الأمور، منها:

1 - إن الألفاظ تحتاج إلى قرائن تفهم السامع بما ينطوي عليه مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد يتعذر المتعذرون بذلك، أي: افتقادهم إلى القرائن في الوصول إلى المعاني أو المعنى المراد من لفظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

في حين قد لا يحتاج الفعل النبوي إلى تلك القرائن المرادفة للألفاظ في الوصول إلى المعنى المراد في اللفظ.

2 - إن الفعل النبوي هو بحد ذاته قرينة خارجية ترشد السامع إلى المعنى والمقصد الذي أراده المعصوم في قوله، ومن ثم يريد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قطع الطريق على المعتذر في فهم الألفاظ النبوية عند غياب القرينة الخارجية.

3 - إنّ الفعل النبوي لا يحتاج إلى بيان يؤكد المعنى الذي يقصده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فالفعل لغة يفهمها الكبير والصغير فيهرع إلى تقليدها، وإذا رآها تتكرر أمامه فسوف تنطبع في ذهنه وتنمو معه لیشب عليها وعندها يصبح من الصعب بمكان التحرر من هذا التقليد.

4 - إن الفعل وسيلة تعليمة للناس سواء كانوا يدركون هذا الفعل أو لا وذلك إن القصد منه هو إتباع الناس لهذا الفعل النبوي ومن ثمّ نشره بين الناس.

ص: 152

5 - حينما يتلازم القول النبوي والفعل النبوي في الموضوع الواحد فذلك يؤدي إلى ترسيخ هذا الموضوع في أذهان الناس واستنانهم به وحرصهم على تأديته لما يحمل من أهمية عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

6 - إن الفعل النبوي أسرع انتشاراً بين الناس من القول لاشتراك حاسة البصر مع السمع في إدراك الحكم الشرعي إذ يقرن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القول والعمل.

7 - إن قيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الفعل أو ذاك يحرك في أذهان الصحابة الاستفهام مما يدفعهم إلى الاستفسار وفهم المقصد من هذا العمل.

وعليه: هناك جملة من الفوائد تقترن بهذا المنهاج النبوي في التفاعل مع ما يصدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينعكس على بناء المجتمع وتثبيت قواعد نهضته وعوامل إصلاحه، وهو ما نحاول أن نوصله إلى القارئ الكريم.

أولًا- مقاصدية قيام النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لفاطمة (علیها السلام) وتقبيلها وإجلاسها في مجلسه.

فيها روي عن عائشة، أنها قالت:

1 - (ما رأيت أحداً من الناس أشبه کلاماً برسول الله (صلى الله عليه - وآله -وسلم)، ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) إذا رآها قد أقبلت رحب بها، ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه؛ وكانت إذا رأت النبي

ص: 153

(صلى الله عليه وآله وسلم) رحبت به فقامت إليه فقبلته....)(1).

2 - وفي لفظ آخر أخرجه الحاكم، والبيهقي، والنسائي، وغيرهم، عن عائشة، أنها قالت:

(ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثا من فاطمة برسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه)(2).

واللفظان الواردان يكشفان عن جملة من الأمور، وهي على النحو الآتي:

ص: 154


1- صحيح ابن حبان: ج 15، ص 403، برقم 6952؛ الجامع الصغير للسيوطي: ص 188؛ شعب الایمان للبيهقي: ج 6، ص 467، برقم 8927؛ الأدب المفرد: ص 326؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 167؛ برقم 6732؛ وفي ج 3، ص 174، برقم 4753؛ موارد الظمآن: ج 1، ص 549؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 7، ص 101، برقم 13356؛ تحفة الأحوذي: ج 10، ص 253؛ الاستیعاب: ج 4، ص 1896؛ الدراية لابن حجر: ج 2، ص 232؛ سنن أبي داوود: ج 4، ص 87؛ برقم 213؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 392، برقم 9237؛ تلخيص الحبير لابن حجر: ج 4، ص 93؛ نصب الراية للزيلعي: ج 4، ص 258؛ فضائل الصحابة: ج 4، ص 242، برقم 4089؛ المصنفّ لابن أبي شيبة: ج 4، ص 47؛ مسند إسحاق بن راهوية: ج 1، ص 8؛ المعجم الأوسط للنسائي: ص 78؛ مسند الروياني: ص 428، برقم 655؛ مسند الشاميين: ج 1، ص 299، برقم 523؛ مسند الموصلي: ج 4، ص 352، برقم 4266؛ الأحاد والثاني: ج 5، ص 359، برقم 2948؛ المعجم الكبير: ج 22، ص 225، برقم 595
2- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 154؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 7، ص 101؛ تحفة الأحوذي: ج 8، ص 26؛ السنن الکبری للنسائي: ج 5، ص 392؛ کشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 80؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 55؛ السيدة فاطمة لمحمد بيومي: ص 156

1 - لا شك إن هذا الفعل النبوي کاشف عن تعظيم فاطمة (صلوات الله عليها) أمام الحاضرين لاسيما نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) کما هو واضح عبر منطوق الحديث وراويه، أي عائشة.

2 - إن من البديهي أن يكون علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما سيجري على فاطمة من بعده يجعله يقوم باتخاذ السبل لمنع وقوع الفتنة وهلاك المقترف للذنب في حق بضعته فاطمة، وذلك بما لها من الملازمة بحرمة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فالمتعرض لها متعرض لله ورسوله كما مرّ بيانه.

ومن ثم أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قطع الطريق على من تسول له نفسه بالتعدي على حرمته من بعد وفاته فيسيء إلى قلبه وروحه وبضعته، كأن يقول لم أسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يدل على هذا التعظيم والحرمة لاسيما ما كانت تقوم به عائشة أثناء حياة رسول الله من الكيد بها والنيل من أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) وهو أمر تواتر عنها في صحاح المسلمين.

3 - إن هذا التعظيم كان له أكثر من صورة وكل صورة، كانت تنطق عن منزلة خاصة وخصوصية منفردة كترحيبه بها حينما تدخل عليه، وقيامه لها، وأخذه بيدها، وتقبيل يدها، أو تقبيلها كما في الرواية الأولى وإجلاسها في مجلسه) كل هذه الصور لها دلالات محددة ومفاهيم خاصة.

ص: 155

ثانياً - مقاصدية فعله (صلّی اله علیه وآله وسلم) إذا أراد السفرجعل فاطمة (علیها السلام) آخر من يودع وأول من يقصد بعد رجوعه.

روى الطبرسي عن زرارة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:

«كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد السفر سلّم على من أراد التسليم عليه من أهله ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة (عليها السلام) فيكون توجهه إلى سفر من بيتها وإذا رجع بدأ بها»(1).

إن التعامل مع بيت فاطمة في منهج الوحي (عليه السلام) كان منذ أن شاء الله تعالى أن يتكون هذا البيت في زواجها من علي (عليه السلام) حينما زوّج الله سبحانه النور من النور فجمع في بيت أعده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مسبقاً حينما بدء ببناء المسجد النبوي حينما قدم المدينة.

فمنذ هذه اللحظات الأولى لتكوّن هذا البيت بقطبيه ونوريه كان الوحي له منهاجاً خاصاً في التعامل معه، فبين وقوف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند باب فاطمة مردداً.

«أنا سلم لمن سالمکم وحرب لمن حاربکم» إلى مجيئه كل صباح عند صلاة الصبح فيأخذ بعضادتي الباب فيقول:

«الصلاة، الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت فيطهركم تطهيراً».

إلى صلاته وتهجده في الليل خلف بيت فاطمة (عليها السلام) إلى غير

ص: 156


1- مکارم الأخلاق للطبرسي: ص 94؛ ج 19، ص 349

ذلك من الأفعال. وعليه: فهذا المنهج هو الذي جعله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخر مايودع هو فاطمة، وأول مايبتدأ به من السفر هو بيت فاطمة.

كل ذلك وعبر هذا الفعل النبوي المتنوع في هذه الأشهر والسنوات التي قضاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة ومنذ أن بني هذا البيت في الإسلام والى يوم وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم).

كلها تدل على قضية محددة، وهي:

إنَّ هذا البيت له من الحرمة ما يجعله موضعاً لكل هذا الإهتمام النبوي، وانه في محل من التعظيم والتقديس ما يجعل المرء يعد حتى الألف قبل أن يخطو خطوة واحدة قد تكون خالية من اللياقة والتأدب فيقع في محذور عظیم و خطر جسيم.

فضلاً عن أن الداخل إليه لابد له من مقدمات و مؤهلات تسمح له من التشرف لتقبيل اعتابه واحراز الأذن في الجلوس في فنائه.

وكيف لا وجبرائيل واسرافيل والملائكة المقربون، زواره يقبلون أعتابه، ويتشرفون بخدمة أهله والجلوس معهم، والتزود من نورهم وفيضهم.

(فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

ثالثاً - مقاصدية فعله (صلّی الله علیه وآله وسلم) بعدم الدخول على فاطمة () حتى يستأذن.

روى الشيخ الكليني (رحمه الله) عن أبي جعفر - الباقر - (عليه السلام) (عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

ص: 157

خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) پرید فاطمة (عليهما السلام) وأنا معه فلما انتهيت إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال:

«السلام علیکم».

فقالت فاطمة:

«عليك السلام یا رسول الله».

قال - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«أدخل؟».

قالت - عليها السلام -:

«ادخل يا رسول الله».

قال:

«أدخل أنا ومن معي؟».

فقالت:

«یا رسول الله ليس عليّ قناع».

فقال:

«یا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك».

ففعلت ثم قال:

«السلام عليكم».

ص: 158

فقالت فاطمة:

«وعليك السلام یا رسول الله».

قال:

«أدخل؟».

قالت:

«نعم يا رسول الله».

قال:

«أنا ومن معي؟».

قالت:

«ومن معك؟».

قال جابر: فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودخلت، وإذا وجه فاطمة (عليها السلام) أصفر كأنه بطن جرادة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«مالي أرى وجهك أصفر».

قالت:

«یا رسول الله الجوع».

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

ص: 159

«اللهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمد».

قال جابر: فوالله لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم)(1).

وقد أخرج عمر بن شاهين، وابن عبد البر، وابن عساكر الدمشقي، والذهبي وغيرهم (عن عمران بن حصين قال: خرجت يوماً فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) قائم فقال لي:

«یا عمران فاطمة مريضة فهل لك أن تعودها؟».

قال قلت: فداك أبي وأمي وأي شرف أشرف من هذا، فانطلق رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) فانطلقت معه حتى أتى الباب فقال:

«السلام عليكم، أأدخل؟».

قالت:

«وعليكم، أدخل».

فقال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):

«أنا ومن معي؟».

قالت:

«والذي بعثك بالحق ما عليّ إلا هذه العباءة».

ص: 160


1- الكافي للكليني: ج 5، ص 528. وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 30، ص 215 - 216

قال ومع رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ملاءة خلقة فرمى بها إليها، فقال:

«شدی بها على رأسك».

ففعلت ثم قالت:

«ادخل».

فدخل ودخلت معه فقعد عند رأسها وقعدت قريبا منه فقال:

«أي بنية كيف تجدك».

قالت:

«والله يا رسول الله إني لوجعة وإني ليزيدني وجعا إلى وجعي أن ليس عندي ما آكل».

قال فبکی رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) وبكت وبكيت معهما، فقال لها:

«أي بنية اصبري مرتين أو ثلاثة».

ثم قال لها:

«يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين».

قالت:

«يا ليتها ماتت فأين مریم بنت عمران».

ص: 161

قال لها:

«أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والذي بعثني بالحق لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة لا يبغضه إلا كل منافق»)(1).

يظهر الحديثان جملة من الأمور العقدية والتربوية والأسرية وذلك بحسب ما احتوته ألفاظ كل منها مشتركة أو انها اختلفت في إظهار جانب معين من تلك الأمور؛ وهي على النحو الآتي:

ألف. يظهر الحديثان حقيقة عقدية مرتبطة بمنزلة فاطمة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك عبر الفعل النبوي المبارك، إلا وهو «الاستئذان من فاطمة قبل الدخول إلى دارها».

على الرغم من أن الاستئذان مرفوع فيها بين الوالد وابنته عند الدخول إليها في دارها.

ولعل قائلاً يقول: إن السبب في استئذان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على فاطمة (عليها السلام) لكونه كان يصطحب معه شخصاً اجنبياً کما نصت الرواية الأولى والثانية، فالرواية الأولى أوردت اصطحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجابر بن عبد الله، وفي الثانية كان عمران بن

ص: 162


1- فضائل فاطمة لابن شاهين: ج 1، ص 15، ح 12. الاستیعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1895؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 2، ص 134. سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 3، ص 126. الجوهرة في النسب للبري: ص 17. ذخائر العقبى للطبري: ج43. نظم درر السمطين للزرندي: ص 188. المناقب للخوارزمي: ص 340. مشکل الآثار للطحاوي: ج 1، ص 141. حلية الأولياء: ج 2، ص 42. اتحاف السائل للمناوي: ص 76 - 77. ح 42. الدر النظيم لابن أبي حاتم: ص 460

حصين، وكلاهما لا يحق لها الدخول دون استئذان.

وأقول: لا شك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وبلحاظ أنه صاحب الشريعة - لا يخفى عليه وجود شخصين أجنبيين على ابنته، ومن ثم لا يجوز لها الدخول إلى دار فاطمة (عليها السلام) دون استئذان.

ولكن: الحكمة النبوية تكمن في اصطحابه لها؛ وذلك ليحدثان الناس بما سيشاهدان ويسمعان منه ومن ابنته (صلوات الله عليهما) مما يحقق الهدف التبليغي والإرشادي والتربوي الذي قصده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، من هذه الزيارة.

وعليه: فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من شأنه أنه لا يدخل إلى بيت فاطمة عليها السلام حتى يستأذن، ولعل أخذه (صلى الله عليه وآله وسلم) الإذن مجدداً ولمن معه فقال لها: «أنا ومن معي»؛ ليرّسخ في ذهن من اصطحبه إلى بيت فاطمة (عليها السلام) بأنه لا يدخل عليها حتى يستأذن.

باء. لا شك أن دلالة الاستئذان تكشف عن شأنية صاحب الدار، فهذا الفعل دلالته الاجتماعية والعرفية والعقلائية ثابتة لدى الناس.

إلا أن الجديد في هذا الاستئذان هو شخص المستأذن، بمعنى: إنّ هذا الفعل في العادة يدل في وقوعه على شأنية صاحب الدار فكلما عظمت شأنيته الزم إظهار الإذن وتفخیمه؛ لكن هنا الحال يختلف فالقادم هو أعظم شأناً ومنزلة، ومن ثم يلزم خروج صاحب الدار لاستقباله بحفاوة وتكريم، فضلاً عن سقوط الإذن، أي أن عظيم شأنية القادم تستلزم أن لا يستأذن على

ص: 163

أحد كما هو الحال في زيارة الملوك والسلاطين لدى الرعية، فالرعية والناس هم الذين يظهرون الحفاوة والتكريم للسلطان أو الحاكم عند قدومه للزيارة، فضلاً عن أن هذه الزيارة تفضي على صاحب الدار الوجاهة والكرامة.

فكيف إذا كان الزائر والقادم هو سيد الأنبياء والمرسلين وسيد الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يحيط به من صفوف الملائكة والأنوار الربانية، وكيف سيكون أثر هذه الزيارة والتشريف؟! على صاحب الدار؟ ولذلك كل هذه الدلالات ترشد الناظر إلى عظیم منزلتها (صلوات الله عليها).

جيم. إن قول عمران بن حصين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما عرض عليه عيادت فاطمة (صلوات الله عليها): «فداك أبي وأمي، وأي شرف أشرف من هذا؟».

يكشف عن تحقيق الغاية في الاصطحاب، أي: إظهار شرف صاحب الدار، ومصاحبة رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) في هذه الزيارة، وهو ما أراده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن إيصال معرفتها إلى الصحابة وبما لديها من المنزلة عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذلك: كيف سيكون حال الداخل لهذه الدار عنوة ومروعاً لفاطمة ووليدها (عليهما السلام) وما له من العقاب عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أتراه كان يدرك ما فعل، أم انه جاهل بمقامها وحرمتها؟

ص: 164

ولعل قول الناس له حينما جمع الحطب على الباب لحرقه؛ (إن في الدار فاطمة)، قد قطع العذر في الجهل؛ ولعل قوله: «وإن» قد قطع العذر في عدم الإدراك مما فعل، بل كان عارفاً أين سيسدد ضربته، ولمن وجه رميته، وهو على الإصرار والسبق والترصد.

وعليه: كان الهدف في اصطحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لشخصين في عايدت فاطمة (صلوات الله عليها) هو تثقيف المسلمين على هذه العقيدة وبيان الحرمة الشرعية لهذه الدار وأهلها، ولذا قالوا: (إن في الدار فاطمة)(1).

أذن: هذا الفعل النبوي وما سبقه من أقواله (صلى الله عليه وآله وسلم) يظهر بجلاء مقاصدية القرآن والسنّة في ملازمة حرمة فاطمة (عليها السلام) لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشأنها لشأنه، وقدسيتها القدسيته، وحبها لحبه، وبغضها لبغضه، ورضاها لرضاه، وأذاها لأذاه.

ومن آذاه (صلى الله عليه واله) فقد حكمت الشريعة بلعنه في محكم التنزيل.

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»(2).

ص: 165


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1، ص 178. تاريخ أبي الفداء: مج 1، ص 156؛ انساب الأشراف للبلاذري: مج 1، ص 685؛ تاریخ الخميس للديار بكري: ج 1، ص 178؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 100
2- سورة الأحزاب، الآية: 57

ص: 166

المبحث الثاني مظاهر علاقة أبي بكر ببيت النبوة في مقاصدية القرآن والسُنَّه مثلما جرت قصدية السؤال في المبحث الأول تجري هنا إذ أن التعريف بشخص أبي بكر لا يراد به - قطعا - أنه الخليفة، وانما ما شهده تاریخ هذه الشخصية قبل وقوع الخصومة لبيت النبوة فألدَّ في خصام بضعة النبي (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

فقد يكون التخاصم معهوداً منه لبيت النبوة، ومشهوداً لدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد يكون وليد مقتضيات العهد الجديد الذي مكنّهُ من الجلوس في مجلس الحكم وتأسيس الحكومة الجديدة وتثبيتها؟ إنها تساؤلات كثيرة نبحث عن اجاباتها في مصادر التراث الإسلامي، لعلنا نجد فهماً لما سنّهُ أبو بكر من المخاصمة لبضعة النبوة (عليها السلام) منذ الأيام الأولى لتوليه الحكومة والى يومنا هذا الذي أنبرى فيه ابن عثيمين وأسلافه وأتباعه وهلم جراً؛ إذ لم يزل الخلف أوفياء لما سَنّه السلف في مخاصمة فاطمة (عليها السلام).

ص: 167

المسألة الأولى: مظاهر العلاقة مع بيت النبوة قبل وفاة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم).

إنّ الرجوع إلى المصادر التاريخية، وقراءة مجريات البعثة النبوية، ومحطات التبليغ الذي سار به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يرشد الى جملة من المواقف التي بدا فيها التخاصم جلياً في العلاقة بين أبي بكر وبيت النبوة حتى توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) کما سیمر عبر نقاط هذه المسألة.

وعليه:

لم تكن مخاصمة أبي بكر لفاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وليدة مقتضيات السلطة والحكومة التي تسنمها أبو بكر، وإنها منذ الهجرة النبوية وقبل الدخول الى المدينة التي تنورت بأقدام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمنذ ذلك الوقت كان التخاصم والمخاصمة للبيت النبوي. وهي كالاتي:

أولاً - أول مظهر للخصومة مع بيت النبوة كان في قباء قبل دخول المدينة.

وهذه الحقيقة المغيبة من كتب السيرة أظهرها الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) (ت 329 ه) في روايته عن سعيد بن المسيب وهو يتوجه إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدین (عليه السلام) في جملة من الأسئلة، فكان منها، أنه قال:

(جُعِلْتُ فِدَاكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللهَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حِينَ أَقْبَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَيْنَ فَارَقَه؟ فقال:

«إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) إِلَى قُبَا فَنَزَلَ بِهِمْ يَنْتَظِرُ قُدُومَ عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ لَه أَبُو بَكْرٍ:

ص: 168

انْهَضْ بِنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ فَرِحُوا بِقُدُومِكَ وهُمْ يَسْتَرِيثُونَ إِقْبَالَكَ إِلَيْهِمْ فَانْطَلِقْ بِنَا ولَا تَقُمْ هَاهُنَا تَنْتَظِرُ عَلِيّاً فَمَا أَظُنُّه يَقْدَمُ عَلَيْكَ إِلَى شَهْرٍ، فَقَالَ لَه رَسُولُ اللهَّ (صلى الله عليه وآله):

کَلَّا مَا أَسْرَعَه وَلَسْتُ أَرِيمُ حَتَّى يَقْدَمَ ابْنُ عَمِّي وأَخِي فِي اللهَّ عَزَّ وجَلَّ وأَحَبُّ أَهْلِ بَيْتِي إِلَيَّ فَقَدْ وَقَانِي بِنَفْسِه مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ واشْمَأزَّ ودَاخَلَه مِن ذَلِكَ حَسَدٌ لِعَلِيٍّ (عليه السلام) و کَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ عَدَاوَةٍ بَدَتْ مِنْه رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فِي عَلِيٍّ (عليه السلام) وَأَوَّلَ خِلَافٍ عَلَى رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ وتَخَلَّفَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بِقُبَا یَنْتَظِرُ عَلِيّاً (عليه السلام)»)(1).

وقد ترك هذا الأمر اثراً كبيراً في نفس أبي بكر، ومن قبا بدأت مرحلة جديدة في مسيرته وعلاقته مع الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) بنحو خاص ومع بيت النبوة بنحو عام، لا سيما وأن الخصائص التي نالها الإمام علي (عليه السلام) والإنجازات التي حققها في سيره الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تسير بتصاعد مستمر.

فضلاً عن الفضائل والخصائص التي أكرمه الله بها، وخصه دون غيره من المسلمين، على اختلاف مراتبهم وفضلهم ومكانتهم من المهاجرين والأنصار.

ومنها، أي هذه الخصائص الإلهية والمنح المولوية مؤاخاة النبي (صلى

ص: 169


1- الكافي للكليني: ج 8 ص 340؛ الطرائف لابن طاووس: ص 11؛ مختصر بصائر الدرجات لحسين بن سليمان الحلي: ص 130؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 1 ص 159

الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) في مكة والمدينة؛ أي قبل الهجرة وبعدها، وهو ما سنتناوله في ثانياً.

ثانياً - مؤاخاة النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لعلي (علیه السلام) وتركه لأبي بكر وأثرها في الخصومة.

ذكر المؤرخون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد آخى بين الصحابة من المهاجرين والأنصار بعد قدومه المدينة بفترة وجيزة قيل: خمس أشهر أو ثمانية(1)، ولعلها ثاني الأعمال التي قام بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، أي: بعد بنائه للمسجد؛ وكان عددهم فيما يقال: خمسة وأربعين رجلا من المهاجرين ومثلهم من الأنصار(2)، وقيل: مائة وست وثمانين(3).

فقد أخرج ابن سعد في الطبقات، عن ضمرة بن سعيد عن أبيه، قالوا:

(لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة آخی بين المهاجرين بعضهم لبعض، وآخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمواساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام(4) ثم نسخت آية الميراث التوارث بينهم.

أما كيفية المواخاة بينهم، فقد ذكرها المصنفون على النحو الآتي:

1 - أخرج ابن عساكر الدمشقي الأموي (ت 571 ه) عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي (عليه السلام)، قالا، أي عبد الله وأبيه محمد:

ص: 170


1- الطبقات الکبری: ج 1 ص 238؛ أمتاع الاساع للمقريزي: ج 1 ص 69
2- الطبقات الکبری: ج 1 ص 238
3- امتاع الأسماع للمقريزي: ج 1 ص 69
4- الطبقات الکبری: ج 1 ص 238

(آخی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة بين أبي بكر وعمر بن الخطاب، فلما قدم رسول الله المدينة، نقض تلك المؤاخاة إلا اثنين، المؤاخاة التي بينه وبين علي بن أبي طالب، والتي بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة)(1).

وأخرج أيضاً:

عن عمرو بن حزام الأنصاري السلمي: (أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم) حين آخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بين أبي بكر وخارجة بن زيد الخزرجي)(2).

2 - وأخرج ابن عساکر، عن زيد بن أبي أوفي، قال:

دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسجده، فقال:

«أين فلان ابن فلان»؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه - فذكر الحديث في المؤاخاة وفيه - فقال علي (عليه السلام):

«لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى و الكرامة»؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

ص: 171


1- تاريخ مدينة دمشق: ج 30 ص 94
2- الدرر لابن عبد البر: ص 90

«والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسی غير أنه لا نبيَّ بعدي، وأنت أخي، ووارثي»، قال:

«وما أرث منك يا رسول الله؟»، قال: «ما ورثت الأنبياء من قبلي»، قال:

«وما ورثت الأنبياء من قبلك؟» قال:

«کتاب ربهم وسُنّة نبيهم، أنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة أبنتي، وأنت أخي ورفيقي» ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» «المتاحين في الله ينظر بعضهم»(1).

3 - وأخرج البلاذري (المتوفي سنة 279 ه) عن زيد بن أرقم، قال:

(آخی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه، فقال علي (عليه السلام):

«یا رسول الله آخيت بين أصحابك وتركتني»؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أنت أخي أما ترضى أن تدعي إذا دعيت، وتكسي إذا کسیت، وتدخل الجنة إذا دخلت»؟ قال: «بلى يا رسول الله»(2).

ص: 172


1- تاريخ مدينة دمشق : ج 42 ص 53
2- أنساب الاشراف : ج 2 ص 144

والأحاديث في ذلك كثيرة، وقد تعرض لها المصنفون منذ القرن الأول والثاني للهجرة النبوية، ولا مجال هنا لإيراد هذا الكم منها، فالبحث غير مخصص لحديث المؤاخاة.

ورحم الله العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي فقد قال في حديث المؤاخاة:

(وعلى كل حال فإن حديث المؤاخاة متواتر لا يمكن إنكاره ولا التشكيك فيه، ولا سيما مؤاخاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) سواء في المؤاخاة الأولى في مكة، أم الثانية في المدينة، وهو مروي عن عشرات من الصحابة والتابعين كما يتضح للمراجع.

وقد روي: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام):

إذا كان يوم القيامة نوُدِيتُ من بطنان العرش، نعَّم الأب أبوك أبراهيم ونعَّم الاخ أخوك علي)(1).

وعليه: فإن اختيار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) ومؤاخاته ثلاث مرات، الأولى في مكة قبل الهجرة حينما آخی بين المهاجرين؛ والثانية في المدينة حينما آخى بين المهاجرين مرة أخرى، والثالثة بين المهاجرين والأنصار.

ص: 173


1- الصحیح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): ج 5 ص 107؛ وينظر ايضاً: المحاسن للبرقي: ج 1 ص180 الأمالی للصدوق: ص 403، مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) لابن المغازلي: ص 56؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 42 ص 54

وإلا ما معنى أن يعيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤاخاة بين المهاجرين في المدينة، ثم بينهم وبين الأنصار إلّا أن تكون المؤاخاة قد جرت ثلاث مرات وفي جميعها يؤاخي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينه وبين علي (عليه السلام)؛ ومما لا ريب فيه إن ذلك ترك اثراً كبيراً في نفاسة أبي بكر العلي (عليه السلام) و مخاصمته له ولبيت النبوة، لا سيما وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد صحب ابا بکر معه في الطريق الى المدينة، ثم فارقه ابو بكر في قباء ودخلها وحده وبقي النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتظر قدوم الإمام علي (عليه السلام) مع الفواطم إلى المدينة فدخلاها جميعاً.

فعظمة خصومته لعلي (عليه السلام) في ذلك.

ومما زاد في الخصومة لبيت النبوة ولعلي فاطمة (عليها السلام) على نحو الخصوص هو رد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر حينما تقدم لخطبة فاطمة (عليها الصلاة والسلام) ولمرات عدة، وفي كل مرة يرده النبي صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وهو ما سنتناوله في ثالثاً.

ثالثاً - تزويج النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لفاطمة من علي (علیهما السلام) وردّه لأبي بكر وعمر وأثره في الخصومة.

تفيد الروايات التأريخية والحديثية في تزويج فاطمة (صلوات الله علیها) ان النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعرض بوجهه عن جميع من تقدم لخطبتها وردهم؛ حتى كان يظن الرجل منهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ساخط عليه، أو قد نزل على رسول الله (صلى الله عليه

ص: 174

وآله وسلم) فيه وحي من السماء)(1).

وعن ابن عباس أنه قال:

(كانت فاطمة تذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يذكرها أحد إ لاَّ صدّ عنه حتى يئسوا منها)(2).

وكان ممن خطبها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر، وعمر، وقد ظهر عبر الروايات أنهما تقدما أكثر من مرة لخطبتها فردهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل مرة، فكانت على النحو الآتي:

1 - اعراض النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) عن أبي بكر في المرة الأولى.

تفيد الروايات أن أبا بكر تقدم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقعد بين يديه، فقال:

یا رسول الله، علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام، وتقدمي على غيري، وإني، وإني...

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وما ذاك؟!» قال: تزوجني فاطمة! فاعرض عنه، وفي لفظ آخر: فسكت عنه.

ص: 175


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 43 ص 124
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 410، رقم (1022)؛ المصنف لبعد الرزاق برقم 9782؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 333، برقم 95213

فرجع أبو بكر الى عمر بن الخطاب، فقال له: قد هلكت وأهلكت! قال عمر: وما ذاك؟! قال: خطبت فاطمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعرض عني؟!!...)(1).

2 - تقدمه لخطبتها (علیها السلام) بتوسط عائشة ورد النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) له في المرة الثانية.

ومن الروايات التاريخية والحديثية ما يكشف عن إصرار أبي بكر على خطبة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها)، فبعد أن تقدم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه دون وسيط، و رد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له واعراضه عنه، لم يكف عن هذا الطموح، بل: عاد هذه المرة وقد أدخل ابنته عائشة في الأمر، كي تتوسط له عند النبي الاكرم (صلى الله عليه و آله وسلم) لنيل مبتغاه في زواجه من بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها).

فقد أخرج أبو بكر العتكي البزار (ت 293 ه)، والهيثمي (ت 807 ه) عن أنس بن مالك، أنه قال:

(إن عمر بن الخطاب أتی أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

ص: 176


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 22 ص 407 - 409؛ صحیح ابن حبان: ج 15 ص 393؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8 ص 19 أنساب الاشراف للبلاذري: ج 1 ص 487 (مختصرا)؛ أتحاف السائل للمناوي: ص 34 - 35؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 331 برقم (15210)

قال: لا يزوجني:

قال إذا لم يزوجك، فمن يزوج، وأنك من أكرم الناس عليه، وأقدمهم في الإسلام؟ قال أنس بن مالك:

فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة إذا رأيت من رسول الله طيب نفس وإقبالا عليك، فاذكري له أني ذكرت فاطمة، فلعل الله عزّ وجل أن يسيّرها لي.

قال أنس: فجاء رسول الله (صلى الله عليه واله) فرأت منه طيب نفس وإقبالا، فقالت: يا رسول الله، إن أبا بكر ذکر فاطمة، وأمرني أن أذكرها.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«حتى ينزل القضاء».

قال أنس: فرجع إليها أبو بكر فقالت: يا أبتاه وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت !!)(1).

إلا أن أبا بكر لم ينته من معاودة خطبة ابنت رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) بعد أن رده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتين وذلك لحرصه الشديد على أن ينال بضعة النبوة، فقد علم منزلتها عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عن المكاسب التي سيجنيها من مصاهرته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن نصره الله تعالى في الخروج من مكة

ص: 177


1- مجمع الزوائد: ج 9 ص 332، برقم 10211؛ مسند البزار المشهور بالبحر الزخار: حديث رقم (6911)

وبناء الإسلام في المدينة، وقد دان له أكثر أهلها من الأنصار، والأمر لا يحتاج إلى المزيد من البيان، أذ يكفي في ذلك قوله لابنته عائشة: (لعل الله يسيّرها لي)؛ ولذا:

نجده لم يزل ساعياً لنيل هذه الغنيمة العظمى؛ فقد تقدم لخطبتها مرة ثالثة، وهنا رد عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) برد جديد، وهو على النحو الآتي:

3 - رد النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لأبي بكر في خطبته لفاطمة (علیها السلام) للمرة الثالثة.

فقد أخرج الحاكم النيسابوري، والنسائي، وأقره الذهبي في التلخيص، وغيرهم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال:

(أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فقال:

«أنها صغيرة»(1).

فخطبها علي (عليه السلام) فزوجها منه)(2).

فهنا كان رد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يختلف عما سبق فكونها صغيرة يستلزم أن ينتظر، ليكف أبو بكر عن التقدم مرة أخرى لخطبتها (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

ص: 178


1- المستدرك على الصحيحين للحاکم: ج 2 ص 167، أقره الذهبي في التلخيص وهو مطبوع مع المستدرك: ج 2 ص 167 السنن الکبری للنسائي: ج 3 ص 265 برقم (5329)؛ صحیح ابن حبان ج 15 ص 399
2- المصدر السابق

إلا أن الذي كشفته الروايات وأفصحت عنه النصوص أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) رد أبي بكر وعمر وغيرهما من خطب فاطمة (عليها السلام) لسبب آخر غير هذه الأسباب التي بيّنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي: أنه ينتظر بها القضاء؛ «وأنها صغيرة».

فقد دلت مقاصدية قوله الجديد - الذي سيمر - عن السبب الرئيسي الذي منع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تزويج فاطمة لغير علي (عليهما السلام).

نعم: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتظر بها القضاء فقد أمر الله جلَّ شأنه بزواج «النور من النور»(1).

وأنها كانت صغيرة، فهي في العاشرة من عمرها، لكن في الأمر سبب آخر منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تزويجها لأبي بكر أو عمر أو غيرهما؛ وهو مما زاد في خصومة أبي بكر لفاطمة وعلي (عليها السلام) فما هو السبب الأعظم؟ وجوابه فيما يلي:

4 - «هي لك يا علي لست بدجال».

إن تغيير حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لعلمه بعدم صدق الذين تقدموا لخطبة فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)

ص: 179


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 460؛ الأمالي للصدوق: ص 989؛ مناقب الإمام علي (عليه السلام) للموفق الخوازمي

فهو يعلم أنهم لن يصدقوا في رعايتها والحفاظ عليها وصون حرمتها.

ولذا:

فهم غير جديرين بان يودعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بضعته النبوية وسيدة نساء العالمين، ولا يستحقون أن يقلدهم قلبه وروحه التي بين جنبيه.

وقد صرّح النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم بتلك الحقيقة، وأعلن لهم عن أحد أسباب إعراضه عنهم وتزويجه علياً (عليه السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«هي لك يا علي لست بدجال»(1).

وقد حاول ابن سعد توجيه الحديث لغير معناه الواضح ودلالته البينة ومقصوده الجلي، قائلا:

(خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«هي لك يا علي لست بدجال».

يعني: لستُ بكذاب، وذلك أنه قد وعد عليا بها قبل أن يخطب إليه أبو بکر وعمر(2).

ص: 180


1- الطبقات الکبری: ج 8 ص 19 - 20 مسند الفردوس للديلمي: ج 3، ص 373، رقم (5130)؛ وفاة فاطمة للبحراني: ص 10
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص20

وهذا التعليل من ابن سعد الذي جاء بضم التاء أراد به نفي الكذب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس الإمام علي (عليه السلام) بمعنی: نفي العلة عن الأشخاص الذين تقدموا لخطبة فاطمة (عليها السلام)، وهو تعليل خاطئ وتدليس وهذا أولاً.

ثانياً: قد ورد في كثير من الأحاديث: أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان آخر من تقدم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاطبا؛ لأنهم يئسوا منها(1)، وفي أخرى أنه لم يذهب حتی عوتب من قبل جماعة من الأنصار(2)، وفي رواية أخرى أنه كان غير ملتفت أصلا إلى هذا الأمر(3)، وفي غير هذه الروايات: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعث إليه فزوجه(4).

فمتی وعده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفاطمة (عليها السلام)، وكما يقول ابن سعد: قبل أبي بكر وعمر.

ثالثا: لماذا لم يصرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك أمام كل خاطب، فيعتذر منه: بأنه وعد عليا بها ولا يريد أن يخلف بوعده! أليس

ص: 181


1- البحار للعلامة المجلسي ج 43، ص 92؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 410، برقم (1022)؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 223، رقم (15213)
2- رشفة الصادي للحضرمي: ص 9؛ کشف اليقين للحلي: ص 195؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 136 - 137، برقم 34 عن بريدة
3- صحيح ابن حبان: ج 15، ص 393؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 331؛ المناقب لابن المغازلي ص 17
4- دلائل الإمامة للطبري: ص 12؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 345 - 347

هذا أهون بكثير على نفوس المتقدمين إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) من إعراضه وصدّه عنهم حتى كان يظن الرجل منهم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ساخط عليه أو أن وحیانزل فيه؟! وبحسب ما جاء به هذا الحديث: فما زوّج النبي فاطمة لعلي (عليهما السلام) إلا لإنتفاء العلة المانعة عنه، وثبوتها في غيره(1).

مما ترك اثراً كبيراً في تنامي خصومة أبي بكر لعلي وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهما) ولو كان أبو بكر قد ردّ الأمر إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما تنامت هذه الخصومة في نفسه وتعاظمت بمرور الأيام وتكررت مع المناقب والفضائل في سير الإمام علي (عليه السلام) الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فزادت معه مظاهر الخصومة؛ وهو ما سنتناوله في رابعاً.

رابعاً - تراجع أبي بكرفي خيبر وتقدم الإمام علي (علیه السلام) فاتحاً لحصونها وأثره في تنامي الخصومة.

كثيرة هي المظاهر التي نال فيها الإمام علي (عليه السلام) التقدم والإسراع إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونيل رضاهما وحبهما ولو صرفنا الجهد لعدها وذكرها لخرج الكتاب عن عنوانه ومضمونه لا سيما تلك المواطن التي فشل فيها الآخرون ممن صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 182


1- لمزيد من الإطّلاع ينظر: صببُ السجال في حديث: (هيَ لك يا علي لستَ بدجّال)؛ للمؤلف

ولذا:

سنكتف بهذا المظهر والذي سيليه، ففي ذلك الكفاية انشاء الله لمن كان له قلب أو «أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ»(1).

فقد كان فيها أبو بكر على المحك، لا سيما وان كثير من المصنّفين والباحثين من أتباع أهل السُنّة والجماعة قد حاولوا الالتفاف على هذه الحقائق أو التدليس فيها أو لمس العذر لأبي بكر، وهو ما وقع في فتح خيبر أو أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسورة براءة منه وتسليمها الإمام علي (عليه السلام) کما سیمر بیانه في المظهر القادم.

أما كيفية تراجعه عن التقدم لفتح خیبر، فكان على النحو الآتي:

1 - أخرج أحمد بن حنبل في المسند عن أبي بريدة قال:

(حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له، ثم أخذه من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أني دافع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له» فبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غداً، فلا أن أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغداة، ثم قام، قائما فدعا باللواء والناس على مصافهم، فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه، ودفع إليه اللواء، وفتح له)(2).

ص: 183


1- ق، الآية: 37
2- مسند أحمد: ج 5 ص 354

2 - وأخرج البخاري (256 ه) في صحيحه عن سهل بن سعد، قال:

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم خيبر:

«لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله».

فبات الناس ليلتهم أيهم يعطي فغدوا كلهم يرجوه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«این علي»؟ فقيل: يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعي له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال:

«أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا»؟ فقال:

«أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم أدعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لإن يهدي الله بك رجل، خير لك من أن تكون لك حمر النعم»(1).

والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة جداً، وهي نارً على علم، وقد تناقلها الرواة ودونها علماء المسلمين في كتبهم، وقد قدّمنا رواية إمام الحنابلة على رواية البخاري لبيان تقدم أبي بكر مرتين لفتح خيبر وفشله في ذلك حتى أصاب المسلمين الجهد واليأس من عدم فتحها، لا سيما وأن غير واحد من

ص: 184


1- صحيح البخاری، باب: دعاء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)، ج 4 ص 20

الصحابة قد جرّب حظه كعمر بن الخطاب الذي رجع يجّبن الناس ويجبنونه.

وعليه:

قد كان هذا الحدث وفيما شهده الناس لا سيما صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فشل أبي بكر وتراجعه عن التقدم، وعدم مقدرته على انجاز شيء يذكر، ثم إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس في ليلة الفتح والنصر على اليهود وفتح حصنهم الأعظم، بإعطائه الراية غداً لرجل، فيه صفات خاصة لم تكن في أحډغيره وتفرده بها، وإلاّ لكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أشرك علياً (عليه السلام) مع غيره في هذا الأمر. والعلة في ذلك أنه لا يوجد بين الصحابة من يتصف بهذه الصفات، وهي:

1 - يحب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

2 - يحبه الله ورسوله (صلى الله عليه و آله وسلم).

3 - الملازمة التطابقية في كينونة هذا الحب بين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبينه (عليه السلام)، إذ لا ينفك هذا التلازم ولا يختلف في الرتبة والتعظيم والشأنية، فالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عظیم في نفس علي (عليه السلام).

ولذا: فهو عظيم عندهما؛ وإلا فكل الصحابة يدعون ذلك، بل كلّ مسلم يدعي حب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن كيف هي منزلتها في نفس من يدعي حبهما؟ ومما لا ريب فيه أن ذلك يتضح في الأفعال.

ص: 185

من هنا:

كان لحدث فتح خيبر على يديه (عليه الصلاة والسلام) مع تلك الأوسمه التي نطق بها لسان الوحي «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى»(1).

والتي تفاوت المصادر في نقلها بين الايجاز والسعة كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«کرار غير فرار يفتح الله عليه، جبرائیل عن يمينه ومیکائیل عن يساره»(2).

فهذه الاوسمة التي رافقت الحدث وحظي بها أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، ومنع منها أبي بكر بعد فشله وخسرانه، كان لها أثرها البالغ في تعاظم الخصومة في نفسه أتجاه علي (عليه السلام).

وما تمضي الأيام إلا وهي في كل يوم مصحوبة بفضائل للوصي (عليه الصلاة والسلام) حتى إذا قربت من عام الفتح أبلجت عن صبح مشرق في حياة الولي (عليه السلام) وأسفرت عن أعظم الأحاديث أثراً في نفس أبي بكر، ولعلنا لا نبالغ أن قلنا أنها كانت القاضية التي قسمت ظهر ما بقي بينهما من أمر مستور فتجلى في سورة براءة، وهو ما سنتناوله في المظهر الخامس والذي نکتف به في بيان حجم الخصومة للبيت النبوي وبالأخص لفاطمة وعلي (عليهما السلام) قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 186


1- سورة النجم، الآيات (3 - 5)
2- تاریخ مدينة دمشق لابن عساکر: ج 42 ص 219، تاريخ اليعقوبي: ج 3 - ص 56؛ رسائل الشريف الرضي: ج 4 ص 104

خامساً - منع النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) أبي بكر من تبلیغ سورة براءة وحمل علي (علیه السلام) لها وأثره في تعاظم الخصومة.

إن المتتبع لحياة رسول الله (صلى الله عليه واله) يجد أمورا ثلاثة لا تفارق فضائل الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في كتب القوم اللذين لا يدينون الله بحبه (عليه السلام) ألا وهي: التدليس، والتحريف، والتضليل، جاهدين في ذلك ما استطاعوا، لا سيما تلك التي فيها أصول مبنى الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها حديث سورة براءة الذي أجزع أبي بكر وأوجعه(1).

ومن ثم كان له اثاره واستحقاقه من نفس أبي بكر في خصومته لعلي وفاطمة (عليهما السلام) والذي تحول بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى صراع دموي وحربي في هجوم أنصاره على بيت النبوة - کما سیمر بیانه انشاء الله تعالى -.

وعليه: فقد جهد مخالفوا الإمام علي (عليه السلام) في اتّباع أسلافهم في التلاعب في صياغة الحدث ومجرياته سواء بمنطوق الرواية التاريخية أو التفسيرية أو الحديثية أو العقدية.

ص: 187


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 1 ص 319، وجاء فيه: (ولما رجع أبو بكر إلى النبي جزع، وقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنك أهلتني الأمر طالت الأعناق فيه فلما توجهت له رددتني عنه)

ومهما يكن من أمرٍ مضلل وماكرٍ إلّا أن الحقيقة الثابتة إن لا أحد يستطيع - قديما وحاضراً ومستقبلاً - إن يخفي حقيقة إرسال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) خلف أبي بكر ليأخذ منه سورة براءة ويبلغ بها الناس في مكة، وفي هذا الأمر كفاية لبيان هذه الفضيلة وأثرها في نفوس السلف ابتداءاً من صاحب القضية أي: أبي بكر ومن تولاه وسار على طريقته ونهجه في مخاصمة بيت النبوة، لا سيما ابن عثيمين.

أما كيفية وقوع الحدث فهو على النحو الآتي، والذي نقدم فيه روایات علياء مذهب القرآن والعترة النبوية:

1 - إنّ خير ما نبتدأ به بيان الحدث هو ما أخرجه الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) بسنده الى جميع بن عمير، قال:

(صليت في المسجد الجامع، فرأيت ابن عمر جالساً فجلست إليه، فقلت: حدثني عن علي (عليه السلام)، فقال:

بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر ببراءة، فلما أتی ذا الخليفة اتبعه علياً (عليه السلام) فأخذها منه؛ قال أبو بكر:

يا علي مالي أنزل فيَّ شيء؟ قال:

«لا، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي».

قال كثير: قلت لجميع، أتشهد على ابن عمر بهذا؟ قال: نعم، ثلاثاً)(1).

ص: 188


1- علل الشرائع: ج 1 ص 189

2 - أما ما أخرجه محمد بن اسماعيل البخاري في صحيحه عن أبي هريرة والذي أورد الحادثة بالاختصار والابهام والتضليل للقارئ، فقد أوضحها ابن حجر العسقلاني مصرحاً بثبوت أخذ الإمام علي (عليه السلام) سورة براءة من أبي بكر بعد أن خرج بها إلى مكة.

فقد أخرج البخاري في باب: قوله (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر...) عن حميد بن عبد الرحمن:

(أن أبا هريرة، قال:

بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنی، أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان؛ قال حميد بن عبد الرحمن، ثم أردف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي بن أبي طالب، وأمره أن يؤذن ببراءة.

قال أبو هريرة: فإذن معنا علي - (عليه السلام) - يوم النحر في أهل منی ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)(1).

وقد أوضح ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) اللبس في الحديث، وبينّ ما أخفاه أبو هريرة أو البخاري، فقد قال في شرحه للحديث:

(قوله قال حميد) هو ابن عبد الرحمن بن عوف (ثم أردف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي وأمره أن يؤذن ببراءة) هذا القدر من الحديث مرسل، لان حميد لم يدرك ذلك، ولا صرح بساعه له من أبي هريرة لكن ثبت

ص: 189


1- صحيح البخاري: ج 6 ص 202 ط دار الفكر لسنة 1981 م

أرسال علي (عليه السلام) من عدة طرق)(1).

وثبوت ارسال علي (عليه السلام) خلف أبي بكر لأخذ سورة براءة منه وبعدة طرق هو الأساس في بيان هذه الحقيقة التي نقلها غير واحد من علماء المسلمين فكان منهم:

3 - الحافظ ابن مردوية (ت 419 ه) عن الإمام علي (عليه السلام)، قال:

(لما نزلت عشر آيات من براة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي: «أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه».

ورجع أبو بكر، فقال: يا رسول الله، نزل فيَّ شيء؟!! قال:

«لا، ولكن جبرائیل جاءني، فقال: لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك»(2).

4 - أخرج الجوهري (المتوفي سنة 323 ه)، وابن عساكر (المتوفي سنة 571 ه) وغيرهم، عن ابن عباس، قال: (أني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة، يده في يدي، فقال:

يا ابن عباس، ما أظن صاحبك إلا مظلوماً، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين، فأردو عليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثم مرَّ یهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته، فقال لي:

ص: 190


1- فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ج 8 ص 239
2- مناقب علي ابن أبي طالب (عليه السلام) 252

یا ابن عباس: ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم أستصغروه، فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى، فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر)(1).

وفي لفظ أخرجه الزبير بن بکار ونقله عنه ابن أبي الحديد حينما قال عمر بن الخطاب: إلا أنهم استصغروه، فرد عليه ابن عباس فقال:

(والله ما استصغره الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك فاعرض عني وأسرع)(2).

وعليه:

کیف لا يكون لذلك الحدث أثر في تعاظم الخصومة في نفس أبي بكر للإمام علي (عليه الصلاة والسلام) وهو القائل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(أهلتني لإمر طالت الاعناق فيه، فلما توجهت له رددتني عنه)!! وقال أيضاً:

(نزل فيَّ شيء)؟! وغير ذلك من الأقوال الكاشفة عن حجم تأثر أبي بكر بما جری وانعكاسه سلباً على علاقته ببيت النبوة الذي ظهر جلياً وعظيماً بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

ص: 191


1- السقيفة وفدك للجوهري: 72؛ تاریخ دمشق لابن عساکر: ج 7 ص 293، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 6 ص 46
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12 ص 46

المسألة الثانية: مظاهر العلاقة مع بيت النبوة بعد وفاة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) والتجاهر بالخصومة لفاطمة (علیها السلام).

إنَّ القراءة المنصفه - والتي يرجوا فيها القارئ اليوم الآخر - لتتابع الأحداث في الاسلام ليجد أنها تكشف عن تعاظم شخص أمير المؤمنين الامام علي (عليه الصلاة والسلام) منذ أن بعث رسول الله (صلى الله عليه واله) وحتى وفاته، والتي تكاثرت فيها المواقف وتعددت أثارها على الفكر والعقيدة والحياة بمختلف جوانبها، والتي لا يمكن عرضها مفصلاً في هذه الاسطر، فمنها:

1 - ثبات الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في معركة أُحد، وفرار غيره من الصحابة؛ حيث كان (عليه السلام) يذود المشركين بمهجته وسيفه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى اعْوجَّ سيفه مرارا.

2 - مبارزة الإمام علي (عليه السلام) لعمرو بن ود في معركة الأحزاب وقتله وعزوف أبي بكر عن الخروج فلم يتجرأ للمواجهة.

3 - قيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتخليف الإمام علي (عليه السلام) في المدينة في معركة تبوك وقوله له (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي).

4 - اختيار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) في محاربة الوثنية وتكسير الأصنام في عام الفتح وصعوده على كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وترك أبي بكر وعدم تقديمة لهذه المهمة.

ص: 192

5 - أخذ البيعة لعلي (عليه السلام) في حجة الوداع عند غدیر خم وتسليم الصحابة عليه (عليه الصلاة والسلام) بلفظ (السلام عليك يا أمير المؤمنين) وبلفظ الولاية كقول عمر:

(بخ بخ لك يا علي، أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن ومؤمنة)(1).

6 - اخراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر في سرية أسامة بن زید ليكون تحت أمرته، وأسامة شاب لم يكتمل عارضيه فلم يمنعه ذلك من أن يكون أميراً لأبي بكر وقد ناهز الستين من عمره في حين أبقى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي (عليه السلام) إلى جواره في المدينة.

7 - تمريض الإمام علي وفاطمة (عليهما السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ايامه الأخيرة دون أزواجه.

8 - إبطال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لصلاة أبي بكر بعد أن عصى أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الالتحاق بسرية أسامة فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يتهادى بين الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب ورجلاه (صلى الله عليه وآله وسلم) تخطان الأرض من الضعف فأبطل صلاة أبي بكر بالمسلمين(2).

ص: 193


1- رسائل الشريف الرضي (رحمه الله): ج 4 ص 131؛ مناقب الإمام علي (عليه السلام) الابن المغازلي: ص 37؛ عمدة عيون الاخبار لابن البطريق: ص 344
2- لمزيد من الاطلاع والمراجعة ينظر كتابنا الموسوم ب: وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و موضع قبرة وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه)

9 - طرد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر وعمر بن الخطاب وجماعة من الصحابة حينما حضروا عنده وقد عصوه ولم يلتحقوا بسرية أسامة، فلما رأهم من حوله، قال لهم:

«أتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً» فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا:

ما شأنه أهجر؟! أستفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه...»(1).

وغير ذلك من الأحداث التي تجلت فيها خصومتهُ لبيت النبوة ولعلي وفاطمة (عليها السلام) على نحو خاص، كما أخبر الإمام علي بن الحسين زین العابدین (عليهما السلام) في تحديد وقت ظهور هذه الخصومة في قبا حينما أعرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أبي بكر وبقی منتظراً القدوم علي (عليه السلام).

فمنذ ذلك الوقت والخصومة بينه وبين بيت النبوة يتعاظم أمرها لتتجلّى بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحرب مفتوحة على بيت النبوة وثقل الرسالة في الأمة، وهم فاطمة وعلي وولدهما (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وفي مجالات متعددة.

لا سيما في المجال الاقتصادي، وذلك بمصادرة أرض فدك، وحبس میراث

ص: 194


1- صحيح البخاري: ج 5 ص 137، باب: مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمواله، وسهم ذوي القربی من الخمس وغيرها؛ وفي المجال النفسي والاجتماعي بعزل هذا البيت النبوي من الدخول إليه، واعراض الناس بوجههاعن علي (عليه السلام) فكانوا بين حائر لا يدري ماذا يصنع، أو مهادن للسلطة ومنتفع من العهد الجديد، أو خائف هائم على وجهه يحذر الوصول إلى بيت النبوة، بعد أن انتهك أبو بكر وعمر حرمته، وأرعبا بالنار أهله؛ وغير ذلك، وهو على النحو الآتي:

أولاً - محاربته بيت النبوة بالسيف والإحراق بالنار.

إن أولى المهام التي قام بها الحاكم الجديد الذي ولد من رحم السقيفة هي الانقضاض على خصومه الأساسيين، وهم علي وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهما) ومحاربتهم بشتى الوسائل إلا أن كثير من الصحابة لم یکن يخطر على باله أن أبا بكر تصل به الجرئة إن يدفع بعصابة من أتباعه لإقتحام بيت النبوة فيعلنها حرباً عليهم.

فقد ذكرت النصوص: (أنه تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي (عليه السلام) فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم، وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال:

والذي نفس عمر بيده، لتخرجين، أو لأحرقها على من فيها!!! فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة؟!! فقال: وإنْ !!!)(1).

ص: 195


1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ج 1 ص 19؛ مسند فاطمة للسيوطي: حدیث 31؛ البحار للمجلسي: ج 28 ص 356

وفي رواية اليعقوبي (ت 248 ه):

(وبلغ أبا بكر وعمر، أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله - (صلى الله عليه واله) - فاتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر فصارعه عمر، فصرعه و کسر سيفه، ودخلوا الدار، فخرجت فاطمة، فقالت:

«والله لتخرجنَّ أو لأكشفنَّ شعري ولأعجنَّ إلى الله»!!!(1).

إن قراءة متأنية للحديث الذي أوردته كتب الفريقين بألفاظ متعددة، ودراسته وتحليله ترسم لنا صورة واضحة عن مجريات هذه الجريمة العظمی في الإسلام وبيان تفاصيل وقوعها.

لاسيما وكما أسلفنا أن القوم قد حاولوا التضليل والتغيير والتعتيم على هذه الحادثة بشتى الصور؛ ولذا فقد وردت بصورة مختلفة عن الواقع فضلاً عن حذف كثيرٍ من تفاصيل مراحل وقوع جريمة الهجوم على بيت النبوة.

وعليه:

فإننا نجد أن المرحلة الأولى من اقتحام بيت النبوة هي (جمع الحطب عند بیت فاطمة وعلي وولديهما) جرت ضمن اختصارات كثيرة في روايات أهل السُنّة والجماعة يمكن ملاحظتها، أي هذه الاختصارات عبر المقارنة فيما بينها وبين الروايات الواردة في مدرسة العترة النبوية من جهة، ومن جهة أخرى مقارنتها فيما بينها أيضاً، أي: مقارنة هذه الروايات في نفس مصادر أهل

ص: 196


1- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 126؛ ط دار صادر؛ و ج 2 ص 11 ط الأعلمي

السُنّة والجماعة، لا سيما ما أخرجه ابن أبي شيبة الكوفي بسند صحيح، فقد اتضح عبر دراسته وتحليله ومقارنته مع غيره من المصاردر ما يلي:

1 - أورده ابن أبي شيبة الكوفي في مصنفه، وابن أبي الحديد المعتزلي بصورة کاملة، في حين حذف منه التهديد بحرق البيت بمن فيه كلٌّ من ابن عبد البر، والصفدي، والنويري، فبدلوا قول عمر بن الخطاب لفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها):

(وأيم الله ما ذاك بمانعي أن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت)(1).

إلى قول آخر نسبوه لعمر بن الخطاب وهو:

(ولإن بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك، لأفعلن وأفعلن)(2)!! واستبدلوا قول فاطمة (عليها السلام) الذي أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم، والمعتزلي لهؤلاء الصحابة الذين التجؤوا إلى دارها من قولها لهم:

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لإن عدتم ليحرقن علیکم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدین»(3).

ص: 197


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، ص 57، ح 4؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاسم: ص 91؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 45
2- الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 975؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17، ص 167؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19، ص 41
3- المصنف لابن أبي شيبة : ج 8، ص 57؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، ص 45

إلى قول آخر، وهو:

«إن عمر قد جاءني وحلف لان عدتم ليفعلنّ، وأيم الله ليفعلنّ بها، فانظروا في أمركم»(1).

في حين قام الخطيب البغدادي بحذف جميع الحادثة في تهديد عمر لفاطمة (عليها السلام) بحرق بيتها بمن فيه وجوابها له، فقال مختصراً الأمر ومظهراً له بحلة جديدة، فقال: قال عمر بن الخطاب لفاطمة: (يا بنت رسول الله ما كان أحد أحب من الناس إلينا من أبيك، وما أحد بعد أبيك أحب إلينا منك)(2).

ولا ريب أن الهدف من هذا التدليس هو ان القارئ لهذا الحديث يجد صورة جميلة جداً عن إيمان ابن الخطاب!! وذلك لمقدار حبه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وابنته من بعده!!! ومن ثم لا وجود لحادثة حرق بيت فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) بيد عمر بن الخطاب!! وقتلها متأثرة بهذا الهجوم والترويع لها ولولديها.

وبفضل جهود الخطيب البغدادي كان الشيخان أكثر الناس اتباعاً لهذه السُنّة فقد صانا عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده، ومن ثم يخرج القارئ لا يعلم شيئاً عن سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو أنه يجد سُنّة متضاربة ومتناقضة، وذلك بفضل تلك الجهود التي بذلها

ص: 198


1- الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 975؛ الوافي بالوفيات: ج 17، ص 167؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19، ص 41
2- تاریخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 5، ص 168

أولئك المخالفون للشئة النبوية والمتمسكون بشتة الشيخين في إخراج المرويات بحسب المقاسات التي ترتضيها الساسة وعطاياهم.

2 - أن مما لا شك، ولا ريب، ولا شبهة فيه، أن هذا الخطاب الذي توجه به عمر ابن الخطاب لبضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء بالكيفية التي أخرجها ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم من التهديد الصريح بحرق دارها بمن فيها!! وفيه فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) وبعض الصحابة من المهاجرين والأنصار.

أو سواء بالكيفية التي أخرجها ابن عبد البر، أو الصفدي، أوالخطيب البغدادي؛ ففي كلتا الكيفيتين فإن عمر بن الخطاب قد أرعب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وولديها الحسن والحسين، واذاهما أشد الأذى، وأرعب الصحابة من المهاجرين والأنصار، وأدخل عليهم الذّعر والخوف، وأنه آلم بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو بهذا الصنيع يكون قد ارتكب مجموعة من الأفعال التي غيرت عقيدة المسلمين وتفريقهم، وهي كالاتي:

أ - إنّه آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

1 - لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذني ما آذاها»(1).

2 - وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 199


1- صحيح البخاری، کتاب النکاح: ج 6، ص 158

«فمن آذاها فقد آذاني...»(1).

والله تعالى يقول في محكم كتابه الكريم في بيان جريمة من يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ شأنه وعقابه اللعن في الحياة الدنيا وفي الآخرة كذاك تكون عقوبته اللعن والعذاب المهين كما هو واضح وصريح في الآية المباركة:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»(2).

ب - إن عقوبة من يرعب أهل المدينة، أو يحدث فيها حدثاً، أو يخيف أهلها، قد أظهره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس، وقد أخرجه أئمة الحديث عند أهل السُنّة والجماعة في صحاحهم، فمنها:

1 - أخرج البخاري ومسلم، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

«المدينة حرم ما بين عير على ثور؛ فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً»(3).

2 - أخرج أبو داود في السنن، من حديث علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

ص: 200


1- المستدرك على الصحيحين: ج 3، ص 109؛ فتح الباري: ج 9، ص 287
2- سورة الأحزاب، الآية: 57
3- صحیح البخاری، کتاب فضائل المدينة، باب: حرم المدينة برقم (1870)، صحيح مسلم، کتاب الحج، باب فضل المدينة حديث (1366)

«المدينة حرام ما بين عافر إلى ثور؛ فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، لا يختلي خلالها، ولا ينفر صيدها، ولا تلفظ لفظها إلاّ لمن أنشدها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجلاً بعيره»(1).

3 - ذكر إمام المذهب الحنبلي في مسنده، عن ابن صعصعة، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:

«من أخاف أهل المدينة ظلية، أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً»(2) أي لا نفلًا ولا فرضاً»(3).

4. أخرج العباسي والجنيدي عن جابر بن عبد الله، قال: أشهد لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول:

«من أخاف أهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»(4).

وعليه:

لا يمكن تغيير الحقائق أو تحسين الجرائم أو تبرير الآثام لا سيما وأن الأمر متعلق بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف يمكنهم أن يطفئوا نور الله، والله عزّ شانه يقول:

ص: 201


1- سنن أبي داود، باب تحريم المدينة، حدیث (2034) ج 2 ص 529؛ مشير العزم الساكن لابن الجوزي: ص 235 مكتبة الصحابة بجدة
2- مسند أحمد: ج 4 ص 55، حديث (16622)
3- الدرة الثمينة لابن النجار: ص 46 ط دار الأرقم
4- عمدة الأخبار في مدينة المختار للعباسي: ص 90 - 91 ط أسعد الحسيني، فضائل المدینة للجنيدي المكي: ص 30 ط دار الفكر

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(1).

ثانياً - محاربته بيت النبوة بالتجويع والحجر الاقتصادي.

إن الاحداث الفظيعة التي جرت على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) کما مرّ في الحرب التي شنتها السلطة الجديدة في محاربة بيت النبوة بالسيف والإحراق بالنار، أتبعتها بحرب جديدة؛ إذ لم تكتف السلطة بهذه الأضرار الجسدية والنفسية التي أفرزها اقتحام بيت فاطمة (عليها الصلاة والسلام) وإرهاب أطفالها وترويعهم.

وإنما تحولوا من الحرب بالسيف والإحراق بالنار، وحرب العصابات المسلحة، إلى الحرب الاقتصادية ومحاصرة فاطمة وعلي وولديهما (سلام الله عليهم أجمعين) ومنعهم من جميع حقوقهم التي فرضتها الشريعة الإسلامية، وهي على النحو الآتي:

1 - مصادرة السلطة لنحلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة، أي: أرض فدك.

2 - إرثها (عليها السلام) من أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) ممثلاً بال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المعروف بالحوائط السبعة والعوالي.

3 - خمس خیبر، ممثلا بسهم ذوي القربي.

وبذلك تكون فاطمة وبعلها وولدها (عليهم السلام) قد منعوا من جميع

ص: 202


1- سورة التوبة، الآية: 32

المصادر المالية كي لا تقوم لأهل هذا البيت قائمة بعد رحيل سيد هذا البيت وعموده (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذا:

فقد أقدمت السلطة على هذا الحجر والتجويع في حربها الاقتصادية على بيت النبوة والتي أظهرته عائشة وهي تروي ما شجر بين أبي بكر وفاطمة (عليها السلام)، فقالت:

(إن فاطمة - (عليها السلام) - أرسلت إلى أبي بكر تسأله عن ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر.

فقال أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال».

وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تکلمه حتى توفيت)(1).

وقد كشفت الرواية عن جملة من الامور: 1 - إن أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

ص: 203


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 4، ص 210

ألف - أمواله في المدينة.

باء - أرض فدك.

جیم - خمس خیبر.

وهذه الأموال جاءت فاطمة (عليها السلام) تطالب بها أبي بكر وذلك بعد حبسها ومصادرتها وجعلها من ضمن أموال السلطة.

2 - إطلاق اسم جديد على هذه الأموال وعنوان تشريعي يمّكن أبي بكر من مصادرة هذه الأموال لحسابه کي يتصرف فيها مايشاء، فسميت ب(صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أي: نفي الملكية الخاصة عن هذه الأموال إلى الملكية العامة فتنفق بحسب ما تراه السلطة التي وضعت يدها على هذه الأموال.

ولذلك نجد في كتب التاريخ والسيرة وغيرها أن هذه الأموال تسمی بصدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) کي يضيع معها أي حق لفاطمة (عليها السلام) وأن لا يلتفت إليه المسلمون فيما بعد وعلى مرور الزمن.

3 - إن أبا بكر كان يدرك جيداً أن هذه الأموال هي مما يستعين به آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على مؤونتهم وذلك أن الله تعالى كان قد حرم عليهم الصدقة وأباح لهم الخمس وما ورثته فاطمة من أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء الله تعالى عليه - کما سیمر بیانه-.

وعليه:

أصبح آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بين مطرقة حرمة الصدقات فلا يجوز لهم أكل الصدقة وبين حبس الخمس فمن أين يأكلون؟! ولذا:

ص: 204

كان حصاراً بعنوان شرعي حتى يتم القضاء على أهل بيت فاطمة (عليها السلام).

4 - إن هذه الممارسات التي أقدمت عليها السلطة نتج عنها غضب بضعة النبوة (عليها السلام) على أبي بكر، فلم تکلمه حتى انتقلت إلى بارئها، لتشكو إليه ظلامتها، وقد ثبت في الصحيح عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

«فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها»(1).

ثالثاً - قذف بيت النبوة على منبر رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم).

قد لا يخفى أن فضاعة هذا الفعل وقبحه يزداد ويعظم كلما كان المرء ذو شأن وقداسة وحرمة، فضلاً عن مكان الشتم والقذف وحرمته.

ومن ثم: فلا منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له رحمة ولا مسجده، ولا بضعته، ولا شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجميع هذه الأمور والأشياء مرتبطة به ومتلاصقة معه في التعظيم والحرمة.

ولعل ما وقع من أبي بكر بقذفه بضعة النبوة وصفوة الرسالة وعلى منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي مسجده وفي محضر أصحابه من المهاجرين والأنصار ليخجل جبين الأمة، ويعاظم في سخط الله عليها؛

ص: 205


1- صحيح البخاري، کتاب النکاح: ج 6 ص 158؛ صحیح مسلم، باب: فضائل فاطمة (عليها السلام): ج 7 ص 141 سنن الترمذي، ما جاء في فضل فاطمة (عليها السلام): ج 5 ص 359؛ سنن أبي داود، باب في الشغار: ج 1 ص 460 وغيرها

وكيف لا وقد رضت و شایعت الجبت والطاغوت، فكانت شريكة في العمل، حاملة لوزرهما، قديماً وحديثاً ومستقبلاً، متبعة في ذلك سنن الذين ظلموا من الأمم السالفة، كعاقر ناقة نبي الله صالح (عليه السلام) وسامري بني إسرائيل.

فان یکن الجاني نفر واحد في عقر الناقة ألاّ أن العذاب شمل الأمة التي رضيت وسكتت وسالمت مع الطاغوت.

قال تعالى:

«فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا»(1).

وقال سبحانه:

«فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ»(2).

بل: لقد أقدمت هذه الأمة في انتهاكها لحرمة فاطمة (عليها السلام) بما لم تقدم عليه أمة من الأمم، فها هي مريم أبنت عمران (عليهما السلام) حينما عادت الى بيت المقدس تحمل وليدها (عليه السلام) لم يقذفها رهبان اليهود وأحبارهم، بل تأدبوا في محضرها، فقالوا «يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا»(3).

ص: 206


1- سورة الشمس، الآية: 14
2- سورة الشعراء، الآية: 157
3- سورة مريم، الآية: 27

فلم ينادونها باسمها تأدباً وتعظیماً واجلالاً لقدرها، فقالوا: يا أخت هارون؛ على الرغم من انها جاءت تحمل طفلاً من غير أب.

ولذا:

«فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا»(1).

ألا هذه الأمة، وعلماء السوء فيها الذين لم يرعو لفاطمة حرمة، ولا كرامة، ولا قدر، ولا شأن؛ و آنی لمريم ما لفاطمة (عليها السلام) وهي بضعة النبوة، وصفوة الرسالة، وسيده نساء العالمين، ونساء أهل الجنة.

(ما لكم كيف تحكمون) وباي وجه على الله ستقدمون.

إلاّ أن أبا بكر لم يمنعه مانع في قذف بضعة النبوة والرسالة، ومن على منبر أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونعتها بالسيئات - والعياذ بالله -!!! فأي شناعة وبشاعة واستهجان ومجاجة وتوحش وتجرء على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا الفعل!!! ولعل الرجوع الى قول أبي بكر في قذف بيت النبوة الذي أخرجه العديد من علماء أهل السُنّة والجماعة منذ القرن الثالث للهجرة النبوية ليرفع العجب الذي يخالط نفس القارئ، ويكشف له ارهاب السلطة في حربها المفتوحة على بيت النبوة لا سيما الحرب النفسية والاجتماعية.

فقد روى الجوهري (ت 323 ه)، وأبو هلال العسكري (ت 395 ه)، وابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 هت)، وغيرهم:

ص: 207


1- سورة مريم، الآية: 29

(فلما سمع أبو بكر خطبتها(1) شق عليه مقالتها، فصعد المنبر، وقال:

(أيّها الناس ما هذه الترعة إلى كلّ قالة، أين كانت هذه الأمانيّ في عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلَّم، إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه، مربّ لكلّ فتنة، هو الَّذي يقول: كرّوها جذعة بعدما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، «كامّ طحال أحبّ أهلها إليها البغيّ»!!! ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت، ولو قلت لبحت، إنّي ساکت ما تركت).

ثم التفت إلى الأنصار، فقال:

قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائکم، وأحق من لزم عهد رسول الله - (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - أنتم، فقد جاء کم فاويتم ونصرتم، ألا إنّي لست باسطايدا ولا لسانا على من لم يستحقّ ذلك منّا، ثمّ نزل، فانصرفت فاطمة إلى منزلها)(2).

ويكشف النص التاريخي عن حجم المأساة والمصيبة التي نزلت بالأمة.

ص: 208


1- خطبة فاطمة (عليها السلام) التي ألقتها في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جمع من المهاجرين والأنصار، تخاطب أبي بكر وتحاججه بعد أن صادر أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واخرج عاملها على أرض فدك، ومنع عليها سهم خيبر، وميراث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). للاطلاع على الخطبة الشريفة، ينظر : بلاغات النساء لابن طيفور: ص 15 - 19؛ دلائل الامامة للطبري: ص 112 - 116؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 123 - 127
2- السقيفة وفدك للجوهري : ص 104؛ جمهرة الامثال للعسكري: ج 1 ص 554؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16 ص 215، دلائل الامامة للطبري: ص 123، بحار الأنوار: ج 29 ص 326؛ منهاج البراعة لحبيب الله الخوئي: ج 20 ص 100

حتى أصحبت هذه الشنيعة سُنّة لاتباع أبي بكر وعمر، فقد تعاهدوا على ذلك في التجري على أهل بيت النبوة وهجائه وقذفه، وفي ذلك يقول الإمام جعفر ابن محمد الصادق (عليهما السلام):

«إن الكبائر سبع فينا أنزلت، ومنا استحلت، فأولها الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله قتلها، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وإنکار حقنا.

فأما الشرك بالله، فقد أنزل الله فينا مانزل، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال، فكذبوا الله ورسوله وأشركوا بالله.

واما قتل النفس التي حرم الله قتلها فقد قتلوا الحسين بن علي (عليهما السلام) وأصحابه.

وأما أكل مال اليتيم، فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا، واعطوه غيرنا.

وأما عقوق الوالدين، فقد أنزل الله ذلك في كتابه فقال:

«النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ....»(1).

فعقوارسو الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذريته وعقوا أمهم خديجة في ذريتها. وأما قذف المحصنة، فقد قذفوا فاطمة (عليها السلام) على منابرهم.

وأما الفرار من الزحف، فقد أعطوا أمير المؤمنين بيعتهم طائعين غير مكرهين ففروا عنه وخذلوه.

ص: 209


1- سورة الأحزاب، الآية: 6

وأما إنكار حقنا، فهذا ما لا ينازعون فيه»(1).

ولعل الرجوع إلى ما أخرجه أحمد في المسند وغيره(2) من إجراء سُنّة سب الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المنابر، ليغني القارئ والباحث عن التتبع فيما أسسه الأولون من التعرض لأهل بيت النبي (صلى الله عليه واله) وقضفهم على المنابر.

وما قول ابن عثيمين إلا خير شاهد معاصر على إجراء هذه السُنّة في الأمة، فقد أنبرى على اشتراكه في هذه الحرب المفتوحة على بيت النبوة (عليهم السلام) ومن على منبر المسلمين وفي مسجدهم لينعت بنت نبيهم (صلى الله عليه واله) وبضعته فاطمة (عليها السلام) ويقذفها لخصومتها أبي بکر وهجرها له حتى ماتت، بأنها: (ليس لها عقل تدرك به ما تقول أو تفعل أو ما هو الصواب)!!! وعليه:

لزم علينا الرجوع إلى مقاصدية القرآن والسُنّة وعرض ما قاله ابن عثيمين في خصومة فاطمة (عليها السلام) لأبي بكر، واستنطاقهما بغية الوصول إلى معرفة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية والعقدية لمنتج النص؛ أي ابن عثيمين ومقاصدية قوله في بضعة النبوة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها). وهو ما سنتناوله في الفصل القادم.

ص: 210


1- علل الشرایع للصدوق: ج 2، ص 474
2- مسند أحمد بن حنبل، من مسند عبد الله بن عباس : ج 1، ص 331؛ المستدرك على الصحيحين: ج 3، ص 132؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 113

فهرس المحتويات

مقدّمة الكتاب...11

التمهيد...17

المسألة الأولى: الغاية من الدراسة...17

المسألة الثانية: من هو ابن عُثيمين خصم فاطمة علیها السلام في عصره ولماذا لم يمسك لسانه فيما شجر بین الصحابة؟!...25

أولا - أسمه ونسبه...25

ثانياً - نشأته...26

ثالثاً - شيوخه ومراجعة اللذين تأثر بهم...26

رابعاً - عقيدته...27

خامساً - مذهبه...27

سادساً - مؤلفاته...28

سابعاً - بعض آرائه وفتاويه...29

ألف: فتوى تحريم إقامة اسبوع المولد النبوي وجواز اسبوع محمد عبد الوهاب!...32

باء: تحريم إقامة اسبوع المساجد...34

ثامناً - موقفه مما حصل بين الصحابة ولماذا ناقض نفسه ولم يصدق في الدعوة إلى الإمساك عما شجر بينهم...35

تاسعاً - مرضه ومعاناته من السرطان بين التسليم والتزكية...39

عاشراً - وفاته وما شوهد عند احتضاره وعلاقة ذلك بالمولاة لآل البيت (علیهم السلام)...44

ص: 211

ألف - انکشاف الحقائق للإنسان عند الموت...45

باء - رؤية المسلم للنبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) و وصية الإمام علي (علیه السلام) في الاحتضار ونزع الروح...49

المسألة الثالثة: مصطلحات الدراسة، ونوعها، ومنهج البحث...57

أولاً - الخصومة...58

1 - الجدل والجدال والمجادلة...58

2 - اللّد، واللدد...60

ثانياً - معنى الفكر في اللغة والاصطلاح...64

الف - الفكر لغةً...64

باء - الفكر أصطلاحاَ...65

ثالثاً - معنى الفهم في اللغة والاصطلاح...67

ألف - الفهم لغةً...67

باء - الفهم إصطلاحاَ...68

جيم - الفرق بين الفهم والعلم...68

رابعاً - معنى المقاصدية ومفهومها...70 ألف - معنى القصد والمقاصدية في اللغة...70

باء - القصد والمقاصدية في الاصطلاح...72

جیم - مفهوم مقاصدية القرآن والسُنّة...73

دال - المقاصدية في التراث البلاغي...76

خامساً - نوع الدراسة: بينية...79

سادسا - منهج البحث...80

الفصل الأول: فاطمة (علیها السلام) وخصمها أبي بكر في مقاصدية القرآن والسُنّة...83

ص: 212

المبحث الأول فاطمة (علیها السلام) في مقاصدية القران والسُنّة

المسألة الأولى: إن فاطمة (علیها السلام) هي نواة تكوين بيت النبوة في مقاصدية القرآن والسُنّة...86

أولاً - انحصار (الأهل) بفاطمة وبعلها وولدها (علیهم السلام) في مقاصدية القرآن والسُنّة...87

ألف: التلازم بين نزول الوحي وفعل النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) في تحديد الأهل بفاطمة وبعلها وولدها (علیهم السلام)...92

باء: استخدام النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) للوسائل التعليمية في بيان مراد الوحي في التشديد والمبالغة بحصر الأهل بفاطمة وعلي والحسن والحسين (علیهم السلام)...95

ثانياً - مقاصدية القرآن والسُنّة بتلازم حب النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) بحب فاطمة وبعلها وولديها...100

ألف - إنّ المراد من الحب الإتباع...100

باء - إنّ المراد من حب رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) الإيمان به...103

ثالثاً - تلازم بغض فاطمة وبعلها وولديها بغض رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم)...109

رابعاً - منهج الوحي والنبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) في تبليغ الرسالة بين تذكير الأمة وانفلات العامة...119

المسألة الثانية: مقاصدية الحديث النبوي في اختصاص فاطمة (علیها السلام) برسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم)...123

أولاً - تعدد ألفاظ الحديث النبوي في قصدية البضعة...128

ثانياً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام): (شجنة منه (صلّی الله علیه وآله وسلم))...130

ثالثاً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام): (مهجته (صلّی الله علیه وآله وسلم))...134

رابعاً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام): (شعرة منه (صلّی الله علیه وآله وسلم))...137

خامساً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة (علیها السلام) : (أحب أهله إليه (صلّی الله علیه وآله وسلم))...140

سادساً - قصدية الحديث النبوي في أن فاطمة علیها السلام هي: (قلبه وروحه التي بين جنبيه صلّی الله علیه وآله)...143

ألف - من عرف هذه، فقد عرفها، ومن لم يعرفها، فهي فاطمة بنت محمد...144

ص: 213

باء - (هي بضعة مني)...145

جیم - (هي قلبي)...146

دال - (وهي روحي)...148

المسألة الثالثة: مقاصدية الفعل النبوي في اختصاص فاطمة (علیها السلام) برسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم)...151

أولاً - مقاصدية قيام النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لفاطمة (علیها السلام) وتقبيلها وإجلاسها في مجلسه...153

ثانياً - مقاصدية فعله (صلّی الله علیه وآله) إذا أراد السفر جعل فاطمة (علیها السلام) آخر من يودع وأول من يقصد بعد رجوعه...156

ثالثاً - مقاصدية فعله (صلّی الله علیه وآله وسلم) بعدم الدخول على فاطمة (علیها السلام) حتى يستأذن...157

المبحث الثاني مظاهر علاقة أبي بكر ببيت النبوة في مقاصدية القرآن والسُنّه المسألة الأولى: مظاهر العلاقة مع بيت النبوة قبل وفاة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم)...168 أولاً - أول مظهر للخصومة مع بيت النبوة كان في قباء قبل دخول المدينة...168

ثانياً - مؤاخاة النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لعلي (علیه السلام) وتركه لأبي بكر وأثرها في الخصومة...170

ثالثاً - تزويج النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لفاطمة من علي (علیهما السلام) وردّه لأبي بكر وعمر وأثره في الخصومة...174

1 - اعراض النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) عن أبي بكر في المرة الأولى... 175

2 - تقدمه لخطبتها (علیهما السلام) بتوسط عائشة ورد النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) له في المرة الثانية...176

3 - رد النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) لأبي بكر في خطبته لفاطمة (علیها السلام) للمرة الثالثة...178

4 - هي لك يا علي لست بدجال»...179

رابعاً - تراجع أبي بكر في خيبر وتقدم الإمام علي (علیه السلام) فاتحاً لحصونها وأثره في تنامي الخصومة...182

ص: 214

خامساً - منع النبي (صلّی الله علیه وآله وسلم) أبي بكر من تبلیغ سورة براءة وحمل علي (علیه السلام) لها وأثره في تعاظم الخصومة...187

المسألة الثانية: مظاهر العلاقة مع بيت النبوة بعد وفاة رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم) والتجاهر بالخصومة الفاطمة (علیها السلام)...192

أولاً - محاربته بيت النبوة بالسيف والإحراق بالنار...195

ثانياً - محاربته بيت النبوة بالتجويع والحجر الاقتصادي...202

ثالثاً - قذف بيت النبوة على منبر رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم)...205

فهرس المحتويات...211

ص: 215

ص: 216

المجلد 2

هوية الکتاب

9789933582487 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3456 لسنة 2020 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP80.I82 N33 2020 LC المؤلف الشخصي: نبيل، نبيل - مؤلف. العنوان: خصومة فاطمة عليها السلام عند ابن عثيمين المتوفی (1421 ه): قراءة في المرتكزات الفكرية والمفاهمية في ضوء مقاصيدية القرآن والسنة / بيان المسؤولية: دراسة بينية السيد نبيل الحسني. بيانات الطبع: الطبعة الاولى. بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 1442/2020 للهجرة. الوصف المادي: 2 مجلد؛ 24 سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 804). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 184). سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات في آل علي (عليه السلام)، الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام)؛ ه).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش. موضوع شخصي: العثيمين، محمد صالح، 1929-2001 - شبهات وردود. موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 للهجرة - دفع مطاعن.

مصطلح موضوعي: أهل بيت الرسول عليهم السلام (الشيعة الامامية) - دفع مطاعن. مصطلح موضوعي: الحديث - شرح. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الدراسات في آل على (علیه السلام) الصديقة الطاهرة فاطمة (علیها السلام) (5) خصومة فاطمة عليها السلام عند ابن عثيمين قراءة في المرتكزات الفكرية والمفاهمية في ضوء مقاصيدية القرآن والسنة دراسة بينية الجزء الثانی (عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول، أويفعل، أوماهو الصواب فيه، فنسأل الله أن يعفوا عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله صلى الله عليه [واله]وسلم) (ابن عثيمين، المتوفى سنة 1421: شرح صحیح مسلم، کتاب الجهاد والسير) تألیف السيد نبیل الحسني الكبلائي

اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الاولى 1442 ه / 2020 م العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة www.inahj.org Email: inahj.org@gmail.com موبایل : 07815016633 - 07728243600

ص: 4

الفصل الثاني المرتكزات الفكرية والمفاهيمية لخصومة فاطمة (علیها السلام) عند ابن عثيمين في ضوء مقاصيدية النص القرآني والنبوي والتاريخي

ص: 5

ص: 6

توطئة

إنّ من البداهة أن يكون ابن عثيمين قد قصد في خطابه للناس فيما شجر بين فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر بيان جملة من الأفكار العقدية والمسائل الذهنية التي تكونت لديه عبر مرتكزات فكرية ومفاهيمية خاصة بالفرقة الوهابية والسلفية.

لاسيما وأنه تتلمذ على يدي ابن باز، ونمت عروقه على عقيدة ابن عبد الوهاب، وابن القيم، وابن تيمية؛ ومن ثم:

فقد اكتنز النص الوارد عن ابن عثيمين تاريخ هذه الفرقة وعقيدتها في بيت النبوة، ومشايعة من حاربهم وعاداهم، متذرعين بذرائع الصحبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووجوب الإمساك عما شجر بينهم، وذلك لإجتهادهم فيما يفعلون فهم مأجورون وإن سفكوا الدماء، وقتلوا النفس المحترمة التي حرم الله قتلها، واغتصاب المرأة المسلمة، وشرب الخمور، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتم، وغيرها، وهم يعلمون أنّها دعوة باطلة يكذبون بها على أنفسهم وعلى الناس وعلى الله ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) وعلى الصحابة.

فقد أقام عمر بن الخطاب الحد على بعض الصحابة لشربهم الخمر(1) وأبطل دعوى الاجتهاد التي أسسها المتزلفون لأرباب السلطة، واللاهثون خلف عطاياها، وفتات موائدها؛ ويكذبون في دعوى الإمساك عما شجر بين

ص: 7


1- المصنف لعبد الرزاق الضعاني: ج 9 ص 244

الصحابة؛ فهاهو ابن عثيمين يقذف بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها) - والعياذ بالله - ب (ذهاب العقل)!!!

بل: وأعظم من ذلك محاربة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتغيير عقيدة التوحيد واغتياله، وتفريق المسلمين، وإحداث المحدثات في شرع الله تعالى، وتشريع البدع بانها بدع حسنة، وسد الذرائع وفتحها، وارسال المستحسنات العقلية وقبحها.

ولذان فليس بالمستغرب من شيوخ هذه الفرقة الدخول فيما شجر بين الصحابة والاشتراك في الحرب المفتوحة على بيت النبوة منذ أن هاجر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة مستخلفا أخاه الإمام علي (عليه السلام) في مكة ليرد الأمانات الى أهلها، ويخرج الصحابة الذين سبقوا الى الاسلام والفواطم، فسيتخلصهم من مخالب المشركين، ويوردهم الى نبيهم أمنين بعد أن عرّض نفسه للموت، وقدم مهجته لفداء سید الانبیاء (صلی الله عليه واله) فنام في فراشه ونجی بذاك رسول الله (صلى الله عليه واله).

فمن هذه اللحظات التي نجی فيها النبي (صلى الله عليه واله) بفداء علي (عليه السلام) والحرب مستعرة على أمير المؤمنين الإمام علي وفاطمة وولدهما (عليهم الصلاة والسلام) والى يومنا هذا، وهلم جرا.

ولعل القارئ يستغرب من طريقة العرض في هذا النص الوارد عن ابن عثيمين وهو الممازجة بين التمظهر بالمحبة لفاطمة (عليها السلام) والتصريح

ص: 8

بالعدواة!! فبين الدعاء لها بقوله: (فنسال الله أن يعفو عنها) وبين نعتها في مخاصمتها لأبي بكر ب (لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول أو يفعل أو ماهو الصواب فيه).

وهو طرح ليس بالجديد فقد سار به مشايخ الوهابية على نهج ابن تيمية، من التمظهر في حب أهل البيت (عليهم السلام) كما في كتابه العقيدة الواسطية، وبين التجري على الله ورسوله (صلى الله عليه واله) في منهاج السُنّة وفتاوية فلم يخش من التجاهر في عداوته لبيت النبوة لا سيما للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأمر لا يحتاج الى ذكر الشواهد فقد كفانا ابن حجر العسقلاني (المتوفی 852 ه) المؤنة في ايراد الأدلة على هذه العداوة والحرب لبيت النبوة، في كتابه الدرر الكامنة فمما جاء فيه قول ابن تيمة في امير المؤمنين الامام علي (عليه الصلاة والسلام):

(أنّه كان مخذولا حيث ما توجه، وأنّه حاول الخلافة مرارا فلم ينلها، وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، وأنّه كان يحب الرياسة)(1)!!!

فنعوذ بالله مما يقولون ومن الجرأة على الله ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم).

ومن ثم: فقد كانت مقاصدية النص لدى ابن عثيمين انتزاع المقبولية من المتلقي وإرساله لهذه المفاهيم إرسال المسلمات في عقله وتمريرها عليه وتأثره بها ليسير عليها ويعتقد بها.

ص: 9


1- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: ج 1 ص 182، تحقيق محمد عبد المعید ضان، ط الثانية 1392 ه - 1972 م نشر مجلس دائرة المعارف العثمانية - صیدر آباد، الهند

فابن عثيمين لم يبتدأ حديثه بالمجاهرة بعدائه لفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) فهو يدرك تبعات هذا التجاهر، وهو بخلاف هدفه وقصده الذي يتركز على اقناع المتلقي بان فاطمة (عليها السلام) كان عليها أن تأخذ بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

(لا نورث ما ترکنا صدقة).

فأبو بكر لم يستند الى رأي وإنما استند الى هذا النص لكنها بخصومتها لأبي بکر و بکینونيتها الإنسانية فهي من البشر لم يبق لها عقل تدرك به ما تقول أو تفعل أو ما هو الصواب.

فيسأل الله أن يعفوا عنها مرة أخرى لعلة جديدة، وهي: هجرانها (خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)!!!

وعليه:

احتاج هذا النص إلى عرضه على القرآن والسُنّة والتاريخ لاستنطاق قصدية ابن عثيمين في خصومة فاطمة (عليها السلام) وهجرها لأبي بكر فلم تکلمه حتى ماتت، ولماذا لم تأخذ بقول أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أستند إليه أبو بكر؟ ولماذا لم يمسك ابن عثيمين لسانه فخالف الواجب، وأباح لنفسه حرمة الدخول فيما شجر بين الصحابة.

هذا ما سنتناوله في هذا الفصل ومباحثه، وهي على النحو الاتي:

ص: 10

المبحث الأول معنى الخصومة في مقاصدية القرآن والسُنّة

قبل الخوض في دراسة المرتكزات الفكرية والمفاهيمية للخصومة عند ابن عثيمين واستنطاق قصدية خطابه ومدی مرجعيته القرآنية والنبوية والتاريخية فلا بد من الرجوع الى القرآن والسُنّة النبوية لبيان قصديتهما في معنى الخصومة ودلالتها.

ومن ثم استكشاف أن منتج النص لم يستند الى قرآن أو سُنّة في قوله وحكمه لما شجر بين بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وبين خصمها الذي ألّدَ في خصامه لها حتى قضت صابرة محتسبة شهيدة.

وهي كالاتي:

المسألة الأولى: معنى الخصومة ودلالتها في مقاصدية القرآن.

وردت مفردة الخصومة ومشتقاتها في القرآن الكريم في سبعة عشر آية نوردها بغية الوقوف على معناها ودلالتها المخالفة لما قصده ابن عثيمين وهي كالاتي:

قال تعالى في محكم التنزيل: بسم الله الرحمن الرحيم:

1. «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ

ص: 11

نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ»(1).

2. «قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ»(2).

3. «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»(3).

4. «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ»(4).

5. «قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ»(5).

6. «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ»(6).

7. «مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ»(7).

8. «إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ»(8).

9. «مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ»(9).

ص: 12


1- سورة الحج، الآية: 19
2- سورة ق، الآية: 28
3- سورة الزمر، الآية: 31
4- سورة آل عمران، الآية: 44
5- سورة الشعراء، الآية: 96
6- سورة النمل، الآية: 45
7- سورة ص، الآية: 69
8- سورة ص، الآية: 64
9- سورة يس، الآية: 49

10. «وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ»(1).

11. «إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ»(2).

12.«وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ»(3).

13. «أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ»(4).

14. «خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ»(5).

15. «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا»(6).

16. «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»(7).

17. «أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ»(8).

ص: 13


1- سورة ص، الآية: 21
2- سورة ص، الآية: 22
3- سورة الزخرف، الآية: 58
4- سورة يس، الآية: 77
5- سورة يس، الآية: 4
6- سورة النساء، الآية: 105
7- سورة البقرة، الآية: 204
8- سورة الزخرف، الآية: 18

فهذه الآيات المباركة تناولت قصديات الخصومة، والتخاصم، والخصم، والخصيم، والخصام؛ ولم يرد فيها أي دلالة على أن الإنسان في الخصومة (لا يبقى له عقل يدرك به مايقول أو يفعل او ما هو الصواب فيه)!!.

بل: إنّ القرآن الكريم أشار الى قصديات الخصومة فكانت كالاتي:

1. إنّ أصل الخصومة بين الناس هي في الله عز وجل لا سيما بين الأنبياء والكفار والمنافقين وذلك بقصد بيان أهل الحق وأهل الباطل، كقوله عز وجل: «هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ» وقوله سبحانه: «فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ».

2. إنّ الخصومة غير محصورة في عالم الدنيا، بل ينص القرآن الكريم على أن يوم القيامة هو يوم التخاصم، وذلك بقصد الاحتكام الى الله تعالى، وهو قوله سبحانه: «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ».

3. إنّ التخاصم سجية نفسانية تلازم الإنسان الى قيام الساعة كقوله تعالى: «مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ».

4. إنّ القصد في وقوع التخاصم هو التحاكم الى القرآن ورسول الله (صلى الله عليه وآله)، كقوله تعالى: «لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ...».

5. إنّ وجود التخاصم بين الناس سببه وقوع البغي من أحدهم على الآخر؛ كما في قوله تعالى: «لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا...»

6. إنّ اللد: هو شدة التخاصم وتعاظمه، وهو صفة من صفات المنافقين

ص: 14

الذين يظهرون الكلام الحسن الجميل المخالف على ما انطوت عليه قلوبهم؛ كقوله تعالى:

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ».

وعليه:

فالخصومة في مقاصدية القرآن ترشد الى قضيتين أساسيتين.

الأولى - إنّ شريعة الله تعالى، هي المحور والأساس الأول في كل تخاصم، فهي الحق والعدل والاستقامة.

والثانية - إن البغي والظلم والباطل، هي المحور والأساس الثاني في نشوء التخاصم بين شخصين أو فريقين سواء كثروا أو قلوا.

فمنهم من ألتجئ الى التقاتل حينما يقدر عليه وتتهيئ له السبل، ومنهم من لم يجد ناصراً أو عوناً لرفع الظلم عنه ورد البغي عليه فيلتجئ حينها الى هجر الباغي والظالم والمتجري على الله وشريعته.

أذن:

لا أصل قرآني لما افتی به ابن عثيمين في أن الإنسان في الخصومة لا يبقى له عقل يدرك به ما يقول، أو يفعل، أو ما هو الصواب فيه.

بل: إنّ الأصل في مقاصدية القرآن في الخصومة هو المخالفة لشريعة الله تعالى بغياً وظلماً وانتهاكا للحق؛ ومن ثم:

ص: 15

فالسؤال المطروح في البحث:

من هو الباغي والظالم والمنتهك لشرع الله تعالى فيما شجر من التخاصم بين فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر، ففاطمة (عليها السلام) جاءت تطالب السلطة بنحلتها وميراثها وسهم ذوي القربی؛ وأبو بكر (ما أستند الى رأي، ولكن الى نص) کما يقول ابن عثيمين؟!.

وعليه:

«هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ».

المسألة الثانية: معنى الخصومة ودلالتها في مقاصدية السُنّة.

يتحدد معنى الخصومة ودلالتها في مقاصدية السُنّة في التنازع بين الناس والاحتياج الى القضاء لرفع الخصومة وفض الخلاف بين المتخاصمين.

وعليه:

فلا وجود للمعنى والاصل الذي استند إليه ابن عثيمين في أن الإنسان في الخصومة لا يبقى له عقل يدرك به ما يفعل أو يقول أو ما هو الصواب فيه.

فها هي جملة من الأحاديث النبوية الشريفة والحوادث التي برزت فيها المخاصمة أو الخصومة فالتجئ فيها الصحابة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لغرض تحكيمه في فض الخصومة، وهي كالاتي:

1. أخرج البخاري عن زيد بن ثابت، قال: كان الناس في عهد رسول الله

ص: 16

(صلى الله عليه وآله وسلم) يبتاعون الثمار، فإذا جد الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتاع:

أنه أصاب الثمر الدمان، أصابه مراض، أصابه قشام، عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

لما كثرت عنده الخصومة في ذلك:

«فأما لا، فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر»

کالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم)(1).

وقد استند إليه الفقهاء في المذاهب الإسلامية في باب: الزرع والثمار قبل بدو صلاحها.

2. وأخرج البخاري، عن عائشة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

«أبغض الرجال الى الله الألد الخصم»(2).

3. وأخرج أبو داود في باب: ولي العمد يرضي بالدية عن عروة بن الزبير، عن أبيه قال:

(أن محلم بن جثامة الليثي قتلا رجلاً من أشجع في الإسلام، وذلك أول عير قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتكلم عيينة في

ص: 17


1- صحيح البخاري: ج 3 ص 33، باب لم يجوز الخيار
2- صحيح البخاري كتاب الأحكام، باب: الألد الخصم: ج 8 ص 117

قتل الأشجعي لأنه غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم، لأنه من خندف، فارتفعت الأصوات، وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«يا عيينة ألا تقبل العير»؟ - یرید الدية -

فقال عيينة: لا، والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، قال ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة، واللغط، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«يا عيينة ألا تقبل العير»؟

فقال عيينة مثل ذلك أيضاً، الى أن قام رجل من بني ليث يقال له مکیتل عليه شكة وفي يده درقة، فقال:

یا رسول الله إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الاسلام مثلا إلا غنما وردت فرمی أولها فنفّر آخرها، أسنن اليوم وغير غدا، فقال رسول الله (صلى الله عليه آله وسلم):

«خمسون في فورنا هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة»...)(1).

4. وأخرج الترمذي في سُننه، باب: تفسير سورة الزمر، بحديث حسن صحيح، عن عبد الله بن الزبير عن أبيه، قال:

(لما نزلت: «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»، قال الزبير:

ص: 18


1- سنن أبي داود: ج 2 ص 367

یا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أَتُكرر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «نعم».

فقال: إن الأمر إذن لشديد)(1).

في لفظ آخر أخرجه الحاكم النيسابوري، قال الزبير:

(یا رسول الله - (صلى الله عليه وآله وسلم) - أَيُكرر علينا ما كان بينا في الدنيا مع خواص الذنوب؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«نعم، يكرر عليهم ذلك حتى يؤدوا الى كل ذي حق حقه».

فقال الزبير: والله إن الأمر لشدید)(2).

5. وقد أخرج الحاكم النيسابوري في تفسير قوله عز وجل: «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ» عن عبد الله بن عمر، أنه قال:

(لقد عشنا برهة من دهر وما نرى هذه الآية نزلت إلا فينا، وفي أهل الكتاب:

«إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»(3).

ص: 19


1- سنن الترمذي: ج 5 ص 48
2- المستدرك على الصحيحين: ج 2 ص 249
3- سورة الزمر، الآية: 31

فقلت: تختصم، أما نحن فلا نعبد إلا الله، وأما ديننا الإسلام، وأما كتابنا القرآن فلا يغير ولا يحرف أبداً، وأما قبلتنا فالكعبة، وأما حرامنا [فحرام] وأما نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف نختصم؟! حتی کفح بعضنا وجه بعض بالسيوف، فعرفت أنها نزلت فينا)(1).

أذن:

يتضح من هذه الشواهد إن مقاصدية الخصومة في السُنّة تنفي جملة وتفصيلاً ما تكون في ذهن ابن عثيمين من مفهوم حول الخصومة؛ فهي بمقاصدية القرآن والسُنّة دليل على بناء الحياة والسلم المجتمعي، وحفظ الحقوق الذي هو أصل الشرائع السماوية وسنام عمل الانبياء (عليهم السلام).

قال تعالى:

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(2).

فالآية صريحة في احتياج الصحابة وكل من نطق الشهادتين الى حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قضائه في الخصومات بينهم.

بل: أن الله ليقسم لنبيه المصطفی (صلى الله عليه وآله وسلم) بقسم عظیم فيقول: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ» فيجعل لإيمانهم مانع يحول بينهم وبين الله عز وجل والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 20


1- المستدرك على الصحيحين: ج 4 ص 573
2- سورة النساء، الآية: 65

بمعنی: مقتضي تحقق الإيمان متوقف على رفع المانع وهو تحكيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتسليم المطلق لقضائه.

وعليه:

فالقرآن والسُنّة يكشفان عن مقاصدية الخصومة وأن هذه المقاصدية تتعارض مع مقاصدية ابن عثيمين في الخصومة التي حددها بإنها لا تبقي للإنسان عقل يدرك به ما يفعل أو ما يقول أو ما هو الصواب فيه؛ والسؤال المطروح.

على أي مرتكزات فكرية ومفاهيمية أعتمد ابن عثيمين في خصومة بضعة النبوة (عليها السلام) لينعتها - والعياذ بالله - بذهاب العقل، وعدم الادراك فيما تقول، أو تفعل، أو ما هو الصواب فيه؛ وما هي قصديته في ذلك؟! هذا ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 21

ص: 22

المبحث الثاني المرتكزات الفكرية والمفاهمية للخصومة عند ابن عثيمين وأثرها في بيان قصدية النص

تناول ابن عثيمين موضوع خصومة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) في موضعين؛ وذلك بحسب ما نشر له:

الأول - فيما نشرته مكتبة الرشد والموسوم ب: (التعليق على صحيح مسلم) ضمن كتاب الجهاد والسير فيما روته عائشة:

(إن فاطمة (عليها السلام) أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مما أفاء عليه بالمدينة، وفدك، وما تبقى من خمس خیبر؟

فقال أبو بكر إن رسول الله، قال: لا نورث ماترکنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال، واني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله، فأبی أبو بكر أن يدفع الى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك؛ قال: فهجرته فلم تکلمه حتى توفيت ...)(1).

ص: 23


1- صحیح مسلم، باب: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا نورث ج 5 ص 154؛ واخرجه البخاري في باب: غزوة خيبر: ج 5 ص 82

فعلق ابن عثيمين هنا قائلاً:

(اللهم أعفُ عنها، وإلا فإن أبو بكر ما أستند الى رأي، وإنما أستند الى نص، وكان عليها أن تقبل قول النبي عليه الصلاة و السلام: «لا نورث ما ترکنا صدقة».

ولكن عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول، أو يفعل، أو ما يتصرف فيه، فنسأل الله أن يعفو عنها عن هجرتها خليفة رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم).

الثاني: فيما نشرته المكتبة الإسلامية والموسوم ب (شرح صحیح مسلم) في نفس الموضوع وعند الموضع المخصوص بهجرتها (عليها السلام) لأبي بكر، فقال:

(نسأل الله أن يعفو عنها، وإلا فأبو بكر ما استند الى رأي وأنما استند الى نص، وكان عليها أن تقبل قول النبي: «لا نورث ماترکنا صدقة».

ولكن كما قلت لكم قبل قليل: عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل يدرك به ما يقول، أو ما يفعل، أو ما هو الصواب فيه، فنسأل الله أن يعفو عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم).

وعند المقابلة بين القولين وجدنا الفوارق الاتية:

1. (ولكن كما قلت لكم قبل قليل)

2. (أو ما يتصرف فيه) و (أو ما هو الصواب فيه)

ص: 24

3. (فنسأل الله أن يعفو عنها، عن هجرها خليفة رسول الله) و (فنسأل الله أن يعفو عنها وعن هجرها خليفة رسول الله).

ويتضح من هذا التفاوت بعض الأمور التي سنعرض لها عبر هذه الدراسة، ولكن الأمر الأساس الذي يتضح هنا، هو أن خطابه تكرر مرتين وفي مجلسين مختلفين؛ إما اثناء تدرسيه لبعض طلابه لصحيح مسلم، وأما أثناء خطابه في تدريس عقيدة الوهابية وبيان ما شجر بين فاطمة (عليها السلام) وأبي بكر، ومما يدل عليه:

قوله لمن حضر عنده: (كما قلت لكم قبل قليل) فضلاً عن كاشفية هذا القول عن أن ابن عثيمين كان قد مهد لهذا النعت الذي نعت به بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كي لا يستنكر عليه أحد، فقد تناول الخصومة في خطابه للناس ثم انتقل هذا القول.

ويكشف هذا القول أيضاً أن ابن عثيمين لم يكن قد كتب هذا التعليق أو صنف هذا الشرح کما مرّ بيانه في التمهيد، وانما هو خطاب عام للناس؛ إلا أن هذا النص المتكرر مرتين في خطابه وحديثه مع الناس قد تم تسجيله، ثم نسخه على الورق وطباعته.

وعليه: فقد اكتنز هذا النص المتكرر مرتين في خطابه وحديثه مع الناس جملة من القصديات التي تكونت عبر المرتكزات الفكرية والمفاهمية له، والتي سنتناولها عبر هذا المبحث، وهي على النحو الآتي:

ص: 25

المسألة الأولى: مقاصدية قوله (اللهم أعف عنها) أو (نسأل الله أن يعفو عنها) وعلّة تقديمه في أول حديثه.

يعد أول الحديث أو مقدمة الكلام عنصراً اساساً في دراسة مقاصدية النص وذلك انها تكشف عن ثلاثة مرتكزات فكرية للمتكلم أو ما يعرف بفلسفة اللغة واللسانیات به (منتج النص) وهذه المرتكزات الفكرية التي كشفها أول حديث ابن عثيمين ومقدمة خطابه مع المتلقين، هي:

1- استحضار معنى العفو في ذهن السامع أو (المتلقي) سواء كان المتلقي الأول المباشر أو المتلقي الثاني عبر وسائل النقل کالمسموع والمرئي والمقروء.

2- استجماع مشاعر الحاضرين حول قضية المتكلم، أي (منتج النص) بغية بلوغ الهدف.

3- استمالة القلوب قبل الهجوم على الخصم، أي بضعة النبوة (عليها السلام).

4- اسقاط الحصانة عن فاطمة (عليها السلام).

وهذه المرتكزات الفكرية قد حددت مقاصدية ابن عثيمين في ابتدائه الكلام بقوله: (اللهم أعف عنها) أو (نسأل الله أن يعفو عنها) ولبيان أثر هذه المرتكزات الفكرية على المتلقي فلا بد من بحثها، وهي على النحو الاتي:

القصدية الأولى: أستحضار معنى العفو في ذهن المتلقي.

إنّ أُولى الأهداف والغايات التي قصدها منتج النص في تقديمه طلب العفو عن فاطمة (عليها السلام) في أول حديثه وكلامه مع المتلقين هو

ص: 26

استحضار معنى العفو في ذهن المتلقي، أي استحقاقها للعقوبة - والعياذ بالله - وهو ما أورده علماء اللغة في بيان معنى العفو ودلالته:

1. قال ابن فارس (ت 395 ه).

(عفو): العين والفاء والحرف المعتل، أصلان يدل أحدهما على ترك الشيء والآخر على طلبه، ثم يرجع إليه فروع كثيرة لا تتفاوت في المعنى.

فالأول: العفو، عفو الله تعالى عن خلقه وذلك تركه أياهم فلا يعاقبهم فضلاً منه.

قال الخليل: وكل من استحق عقوبة فتركته فقد عفوت عنه، يقال: عفا يعفو عفوا(1) وهذا الذي قاله الخليل صحيح وقد یکون أن يعفو الإنسان عن الشيء بمعنى الترك ولا يكون ذلك استحقاق ألا ترى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«عفوت عنكم عن صدقة الخيل».

فليس العفو هاهنا من استحقاق ويكون معناه تركت أن أوجب علیکم الصدقة في الخيل)(2).

اذن: معنى العفو: هو ترك معاقبة من استحق العقوبة.

2. قال ابن الأثير (ت 606 ه):

ص: 27


1- معجم مقاییس اللغة: ج 4 ص 56
2- المصدر نفسه: ج 4 ص 57

(عفا: في أسماء الله تعالى «العفو» هو فعول، من العفو، وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المحو والطمس، وهو من أبنية المبالغة، يقال: عفا، يعفوا عفواً، فهو عاف وعفو)(1).

ويتضح من قول ابن الأثير: أن العفو هو: التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه.

3. أما الفرق بين العفو والغفران فقد قال فيه أبو هلال العسكري (ت 395 ه) فقال:

(إن الغفران يقتضي إسقاط العقاب، واسقاط العقاب هو ايجاب الثواب فلا يستحق الغفران إلا المؤمن المستحق للثواب؛ وهذا لا يستعمل إلا في الله، فيقال: غفر الله لكن ولا يقال غفر زيد لك إلا شاذا قليلاً، والشاهد على شذوذه أنه لا يتصرف في صفات العبد کما يتصرف في صفات الله تعالى، إلا ترى أنه يقال: استغفرت الله تعالى، ولا يقال استغفرت زیداً.

والعفو يقتضي إسقاط اللوم والذم ولا يقتضي ايجاب الثواب، ولهذا يستعمل في العبد، فيقال: عفا زید عن عمرو، وإذا عفا عنه لم يجب عليه اثابته، إلا أن العفو والغفران لما تقارب معناهما تداخلا واستعملا في صفات الله جل أسمه على وجه واحد، فيقال عفا الله عنه، وغفر له بمعنى واحد، وما تعدی به اللفظان يدل على ما قلنا وذلك انك تقول: عفا عنه فيقتضي ذلك إزالة شيء عنه، وتقول غفر له فيقتضي ذك إثبات شيء له)(2).

ص: 28


1- النهاية في غريب الحديث والأثر: ج 3 ص 265
2- الفروق اللغوية: ص 388

إذن: معنى العفو وفرقه عن الغفران: هو أن العفو يقتضي اسقاط اللوم والذم على الإنسان واقدامه على امرٍ يستحق اللوم والذم أو إزالة شيء، وهذا الشيء بینه علماء اللغة كابن منظور، وابن الأثير، والفراهيدي، وهو: العقاب، والعقاب لا يكون إلا مقابل الذنب والأثم.

وعليه:

أراد ابن عثيمين استحضار هذا المعنى في ذهن المتلقي ليكون الخطوة الأولى في تحقيق مقاصدية طلب العفو لفاطمة (صلوات الله علیها) في أول خطابه وحديثه مع الناس.

القصدية الثانية: استجماع مشاعر الحاضرين حول قضية المتكلم الأساس.

إن الأمر الثاني الذي حدد مقاصدية ابن عثيمين بتقديمة طلب العفو عن فاطمة (عليها السلام) قبل الشروع في التعليق على حديث عائشة، هو استجماع مشاعر الحاضرين، وهم المتلقي الأول حول قضيته الأساس التي سيصرح بها لاحقاً، ألا وهي النيل من بضعة النبوة (عليها السلام) في مخاصمتها لأبي بكر لقراره بحبس میراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسهم ذي القربی، و نحلتها من أرض فدك، ولكي يصل ابن عثيمين الى تحقيق هدفه فلا بد له من الخطوة الثالثة وهي استمالة القلوب قبل الهجوم على الخصم، وهي على النحو الآتي:

القصدية الثالثة: استمالة القلوب قبل الهجوم على بضعة النبوة (علیها السلام).

وتتحقق هذه القصدية، أي استحالة القلوب قبل الهجوم على بضعة النبوة (عليها الصلاة والسلام) عبر جملة من الأمور، وهي:

ص: 29

1. نفي التهمة عنه بانه يبغض فاطمة (عليها السلام) فهو لم يصرّح في كلامه الذي سيتلقاه الحضور، وذلك أنه يدرك أن الحديث عن بضعة النبوة (عليها السلام) له تبعات و آثار خطيرة.

ولذا: قدم طلب العفو عنها وجعله في أول الكلام كي يدفع عنه التهمة ببغضها ونصب العداء لها (عليها السلام) وهذا سيحقق غايته ويؤثر على قلوب المتلقين.

2. إنّ طلب العفو عن فاطمة (عليها السلام) لا سيما بلفظ: (اللهم أعف عنها) يستميل القلوب إلى أنها قد أذنبت وأقدمت على أمرٍ تستحق الملامة والذم عليه - والعياذ بالله - وهي مسألة في غاية الأهمية وذلك أنها تحقق اكتمال المقاصدية في تقديم صيغة الدعاء بالعفو عنها، ومن ثم الوصول الى الهدف الأساس وهو اسقاط الحصانة عن البضعة، وهي الخطوة الأخيرة في تحقيق الغاية وبها تنكشف مقاصدية تقديم العفو، وهي كالاتي.

القصدية الرابعة: أسقاط الحصانة عن بضعة النبوة (علیها السلام).

لما كان معنى العفو هو استحقاق العقاب واللوم والذم في امرٍ فعله الإنسان، يصبح عندها أن الطرف الاخر هو الضحية وهو المظلوم؛ وأن المتكلم حول ما جرى بين المستحق للعقاب وبين المظلوم؛ أي أن ابن عثمين لم يكن متحيزاً ولم يكن طرفاً فهاهو يدعوا الله بطلب العفو فإن النتيجة النهاية التي تأخذ بذهن المتلقي وتستجمع قلبه هو اسقاط الحصانة عن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها).

ص: 30

وهو أمر ليس بالجديد فقد روى البخاري وغيره في الصحيح أعتماد بعض السلف هذا المنهج في اسقاط الحصانة في حضورهم عند رسول الله (صلى الله عليه واله) وفيهم عمر بن الخطاب بقولهم في رسول الله (صلى الله عليه واله):

(هجر رسول الله)!!!

واعتمده أبو بكر حينما أرسل عمر بن الخطاب مع بعض اشیاعه الى بيت النبوة - کما مرَّ بيانه في الفصل السابق - في جمع الحطب عند باب فاطمة (عليها السلام) والتهديد بحرقه بمن فيه!!! لتحقيق مقاصدية اسقاط الحصانة والخرمة لبيت النبوة في قلوب المسلمين؛ والذي ورثه ابن عثيمين واشياخه، ومن سار على نهجه وعقيدته.

ولذلك:

قيل له: إن في الدار فاطمة.

فقال: وإن!!!

وهنا: في خطاب ابن عثيمين كانت المقاصدية نفسها والنتيجة نفسها.

فجمع الحطب على باب فاطمة (عليها السلام) يدل على أنّ أهل هذا البيت يستحقون العقاب؛ وطلب العفو عن فاطمة (عليها السلام) يدل على معنى انها تستحق العقاب واللوم و الذم - والعياذ بالله - وهو ما صرّح به علماء اللغة في معنى العفو ودلالته، وقد مرّ آنفاً.

ص: 31

المسألة الثانية: مقاصدية قوله (والا فأبو بكرما أستند الى رأي، إنما أستند الى نص).

ينتقل منتج النص، أي ابن عثيمين من مرحلة تقديم الدعاء بطلب العفو عن فاطمة (عليها السلام) والتي سعى عبرها الى تحقيق مقاصدية هذا الطلب في ذهن المتلقي وتفاعله معه بهذا الدعاء وتثبيت أنها تستحق العقاب وهي غير محصنة من ذلك فتلام وتذم على ما فعلت - والعياذ بالله - لينتقل بالمتلقي الى مقاصدية جديدة وهي:

إن أبا بكر لم يستند الى رأي وإنا الى نص، وهذا القول يكشف عن أمور سعی ابن عثيمين الى تحقيقها، فكانت الكاشف عن مقاصدية قوله، وهي على النحو الاتي:

القصدية الأولى: محاولة اقناع المتلقي بأن أبا بكر كان عالماً بقواعد الاجتهاد وإغفاله للنصوص المعارضة لهذه القصدية.

لا شك أن ابن عثيمين يسير خلف هدف محدد عبر هذه الكلمات التي تكشف عن المقاصدية التي اكتنزتها هذه المفردات.

فالهدف هو: الانتصار لأبي بكر واثبات أن فاطمة (عليها السلام) قد أقدمت على فعل تستحق عليه اللوم والذم، بعلة أن أبا بكر ما استند الى رأي وإنما استند إلى نص.

وهذا المعنى لا يتحقق في ذهن المتلقي ويحقق القوة الانجازية لدية فيتفاعل معه إلا عبر منح أبي بكر صفة العلم بقواعد الاجتهاد والفتيا.

ص: 32

وذلك أن الفقيه حتی یکون مصيباً في فتواه فيلزمه الأخذ بالنصوص الشرعية من قرآن أو سنّة نبوية ويجتنب الأخذ بآرائه التي تميل الى هواه ورغباته النفسية.

وهنا: أراد ابن عثيمين تحقيق قصدية مفادها:

1- إن أبا بكر كان ملماً بقواعد الاجتهاد والفتيا، أي: أنه فقيه.

2- تصویب فعله وتخطئة خصمه وهي فاطمة (عليها السلام).

3- تبرئته من تبعات مالحق فاطمة وولديها الإماميين الحسن والحسين (عليهما السلام) من الأذى.

لكن هذه القصدية هي حصيلة ما تكون لابن عثيمين من مرتكزات فكرية عبر مشايخه وأئمته الوهابية كأبن باز، وابن عبد الوهاب، وابن تيمية.

ولو أنصف نفسه والحاضرين بين يديه بمراجعة مصادر الحديث والتفسير والفقه والتاريخ والسيرة النبوية لوجد أن أبا بكر لم يكن يعمل بقواعد الاجتهاد التي نسبها إليه ابن عثيمين، والدليل على ذلك من عدة أوجه، منها:

ألف - إنه لم يكن يعلم معنى الكلالة وحكمها.

وهو ما تسالمت على حقيقته النصوص والتي أخرجها أئمة الحديث والتفسير منذ القرن الثاني للهجرة النبوية، أما ما ذهب إليه ابن تيمية في حکم الكلالة بتصویب قول أبي بكر فهو أمر مختلق ومحدث يكشف عن جهله بالمدارس الفقهية وآراء أئمة المذاهب سواء التي انتشرت في المجتمع

ص: 33

الإسلامي ويتعبد بها المسلمون اليوم أو سواء أئمة المذاهب التي لم يكتب لها الدوام والبقاء، كمذهب الأوزاعي (ت 157 ه) فقيه أهل الشام، وسفيان الثوري الكوفي (ت 161 ه)، وأبو الحارث الليث بن سعد فقيه الديار المصرية (ت 175 ه)، وغيرهم ممن يعرفون ب (الفقهاء المستقلون)، وب (إئمة المذاهب المنقرضة)(1).

وعليه:

فأبو بكر لم یکن ملماً بقواعد الاجتهاد، ولم يكن من الفقهاء وتصديهم للفتيا؛ وذلك أن الأمر لا ينحصر في معنى الكلالة وحكمها - وهو ما سنعرض له لاحقاد - وانما تعداه الى عدم المعرفة بغيره من الاحكام الشرعية؛ وأنه كان يصرّح للصحابة بأنه ربما يقول الرأي والحكم في المسألة وهو من الشيطان!! مثلا صرّح لهم من قبل في بيعتهم له، وحذرهم ب (أن له شيطان يعتريه) فإذا غضب فليجتنبوه، فحينها لا يؤثر في أشعارهم وأبشارهم!!!

ومن ثم: فقد أخرج أئمة الحديث والتفسير عدم معرفته في الكلالة، وهم كالاتي:

1. أخرج عبد الله بن عبد الرحمن الدرامي (ت 255 ه)، عن الشعبي، قال سئل أبوبكر عن الكلالة؟ فقال:

(إني سأقول فيها برأي!! فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان!!!، وأراه ما خلا الوالد والولد؛ فلما استخلف عمر، قال:

ص: 34


1- لمزيد من الاطلاع، ينظر: فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة للمؤلف: المقدمة العلمية، الجزء الثاني: نشوء المذاهب الفقية وتطورها، ص 255 - 263

(إني لأستحي الله أن أرد شيئاً قاله أبو بكر)(1).

والحديث يكشف عن أمور:

أ. إن أبا بكر يلتجئ الى رأيه في الأحكام؛ وليس كما قال ابن عثيمين مدلسا على الناس بانه (لم يستند الى رأي) ومن ثم فهو لا يعلم بقواعد الاجتهاد بل: لايدري أكان رأيه صواباً أو خطاً؛ أمن الله أم من الشيطان؟!!

ب. يظهر أن الحكم في الكلالة كان معضلة لدى الصحابة إذ لم يجدوا له جواباً لسنوات مضت من حکم عمر بن الخطاب.

ج. إن عمر بن الخطاب هو الآخر كان لا يعلم حكم الكلالة فعلقها بعنق أبي بكر متحججاً بالاستحياء من الله إن يرد شيئاً قاله أبو بكر وإلّا فأبو بكر هو نفسه لا يدري ما الحكم، ولا الى أي شيء يستند الى ما اقرته شريعة الله أم الشيطان.

بدليل: أن عمر كان في بادئ أمره يخالف أبي بكر، لكنه لما طعن قال ما قال، وهو ما أخرجه الصنعاني فيما يلي:

2. أخرج الصنعاني (ت 211 ه) عن الشعبي، قال:

(كان أبو بكر يقول: الكلالة من لا ولد له ولا والد؛ قال: وكان عمر يقول: الكلالة من لا ولد له، فلما طعن عمر قال: إني لأستحي الله أن أخالف أبا بكر، أرى الكلالة: ماعدا الولد والوالد)(2).

ص: 35


1- سنن الدارمي، باب: في ميراث ذوي الأرحام: ج 2 ص 366
2- المصنّف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 10 ص 303، باب الكلالة

وقد نقل أئمة التفسير هذا الموقف من أبي بكر أيضاً، منهم:

3. محمد بن جرير الطبري (310 ه)(1) في تفسيره.

4- الثعلبي (ت 427 ه)(2) في تفسيره.

5. البغوي (ت 510 ه) في تفسيره(3).

6. السيوطي (ت 911 ه) في تفسيره(4).

وغيرها من التفاسير والتي تظهر عدم معرفة أبي بكر بمعنى الكلالة وحكمها، بل عدم معرفته بكثير من الاحکام فكان يستفتي الصحابة فيها، ومن هذه المسائل التي خالف فيها الشريعة مايلي:

باء - إنّه أمتنع من إقامة الحد على صحابي قتل وزني ومثل بالقتيل!!!

من الحوادث التي نقلها الحفاظ من أهل السُنّة والجماعة أن أبا بكر امتنع من إقامة الحد على الصحابي خالد بن الوليد، ولم يقتص منه لقتله الصحابي مالك بن النويرة واغتصاب أمرأته في ليلة قتله لزوجها على الرغم من مطالبة عمر بن الخطاب بعزله والقصاص منه، وتذكيره بالنصوص النبوية فقال لعمر: (لا أغمد سيفاً شهره الله على الكفار)(5).

ص: 36


1- جامع البيان في تأويل القرآن: ج 4 ص 376
2- الكشف والبيان: ج 3 ص 269
3- معالم التنزيل: ج 1 ص 403
4- الدر المنثور: ج 4 ص 250
5- الإصابة لابن حجر: ج 5 ص 561؛ أُسد الغابة لابن الأثير: ج 4 ص 295

فكفّر الخليفة المسلمين وأباح دمائهم وأموالهم وسبي نسائهم، متذرعا بمنعهم الزكاة، ومبطنا أمتناعهم من الإقرار له بالخلافة، فضلاً عن أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أجاز للصحابي مالك بن النويرة قبض الزكاة وتفريقها بين قومه لزعامته فيهم، فعمل با فوضه به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

لكنه حكم عليهم بالردة عن الإسلام في محاولة للقضاء على من انكر الحكم الجديد وتصفية المعارضة بالسيف والنار، وما أمر الهجوم على بيت النبوة إلا شاهد حي على مدى الدهر على مخالفة حكم الخليفة وأشياعه لما جاء به القرآن والسُنّة النبوية.

جيم - إنّه عذّب الفجائة بالنار وقتله حرقا موثوق اليدين، ثم ندم على قتله، وأباح حرق المسلمين وهم يصلون وكانوا أُساری!!!

لم تكن هذه الفعلة لخالد بن الوليد ومساندة أبي بكر له واعتراض عمر بن الخطاب عليهما هي الوحيدة، ولم تكن هي المرة الأخيرة التي يعارض فيها أبو بكر النص النبوي الذي يتذرع به ابن عثيمين بقوله:

(وألا فأبو بكر ما استند الى رأي وإنما استند الى نص).

فأين ابن عثيمين من معارضة أبي بكر للنص النبوي الذي حرّم أن يعذب بعذاب الله، (وأن النار لا يعذب بها الا الله)؟!! والذي أخرجه البخاري، وأحمد وغيرهم(1).

ص: 37


1- صحيح البخاري، باب دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام: ج 4 ص 21؛ مسند أحمد: ج 2 ص 307؛ سنن الترمذي: ج 3 ص 67

وأين هو من تعاهد أئمة الحديث والسيرة والتاريخ في نقل حادثة حرق خالد بن الوليد المسلمين بالنار وهم أسرى، والتي رواها هشام بن عروة عن أبيه، قال:

(كان في بني سليم ردة فبعث إليهم أبو بكر خالد بن الوليد فجمع رجالا منهم في الحظائر، ثم أحرقها عليهم بالنار، فبلغ ذلك عمر فأتی أبا بكر، فقال:

تدع رجلا يعذب بعذاب الله عز وجل؟!! فقال أبو بكر: والله لا أشيم سیفاسله الله على عدوه حتی یکون هذا الذي يشيمه؛ ثم أمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة).

ألم يقرأ ابن عثيمين هذه الحادثة في مصنّف الصنعاني(1)، ومصنف ابن أبي شيبة الكوفي (ت 235 ه)(2)، وطبقات ابن سعد (ت 230 ه)(3)، وتاريخ ابن عساکر (ت 571 ه)(4)، وفايق الزمخشري (ت 538 ه)(5)، وسيرّ الذهبي (ت 748 ه) وغيرها من المصادر التي تناقلت هذه الحادثة الصريحة في ضرب أبي بكر للنص النبوي (إنّ النار لا يعذب بها إلا الله) بعرض الجدار، فيحرق خلق الله وهم أسري باسم الله!!!

ص: 38


1- المصنّف: ج 5 ص 212
2- المصنّف: ج 8 ص 5
3- الطبقات الكبرى: ج 7 ص 396
4- تاریخ دمشق: ج 16 ص 240
5- الفايق في غريب الحديث: ج 2 ص 226

«أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»(1).

وعليه:

فلماذا في ظلمه وحربه لبضعة النبوة وصفوة الرسالة وولديها وبعلها (عليهم السلام) كان مستنداً الى نص؟!!

وفي تكفير المسلمين واتهامهم بالردة كما في قوم مالك بن النويرة وقد حبسهم خالد بن الوليد وهم يصلون(2)!! ثم قتلهم؛ فاعذره أبو بكر بالتأويل، ولم يبال بالنص النبوي، لا سيما وأن عائشة روته عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال:

«لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله الله وأن محمد رسول الله الا بإحدى ثلاث: زنا بعد أحصان فإنه يرجم، ورجل يخرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل، أو يصلب، أو ينفي من الأرض، أو يقتل نفساً فيقتل بها»(3).

فلماذا لم يستند أبو بكر الى هذه النصوص النبوية في قتل المسلمين وهم يصلون ويحرقهم بالنار؟!

(وأنما استند الى نص) في منع فاطمة (عليها السلام) من حقوقها، وهل حقاً ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا نورث»؟

ص: 39


1- سورة المؤمنون، الآية: 116، 115
2- الإصابة لابن حجر: ج 5 ص 561؛ وأُسد الغابة لابن الاثير ج 4 ص 295
3- سنن أبي داوود: ج 4 ص 108، نصب الراية للزيلعي: ج 4 ص 108

وهل استند أبو بكر في قتله الفجائة (أياس بن عبد الله بن عبد یالیل) حرقا بالنار وهو مكتوف اليدين، فيحرق أمام الصحابة!!

فأمر به، فأوقدله ناراً في مصلى المدينة على حطب كثير، فقذف فيها مقموطاً مشدود اليدين(1)؟!! وهو يقول: (والله ما كفرت وأني لمسلم)(2).

أم تراه أستند الى نص بقطعه يد السارق بعد حيرته بين قطع رجله أو يده فقال له عمر: أن السُنّة اليد(3)؟!!.

وغيرها لكثير جداً فأين ابن عثيمين عن مخالفة أبي بكر هذه النصوص، ولماذا لم يستند فيها أبوبكر الا على رأيه على الرغم من تذکیر عمر بن الخطاب له ونهيه عن الاستناد الى رأيه ومخالفة السُنّة، فلم يستجب؛ بل مضى على ما يراه هو؛ ومن ثم ندم على مافعل لما حضره الموت، کما سیمر.

ولذا: فإن مقاصدية ابن عثيمين منح أبي بكر صفة العلم بقواعد الاجتهاد والفتيا في قوله:

(وإلا فأبو بكر لم يستند الى رأي وإنما استند الى نص) هو تدليس على الناس ومخالفة واضحة لما صنّفه أهل السُنة والجماعة لسيرة الصحابة وما جرى فيها من الوقائع والأحداث.

ص: 40


1- تاریخ الطبري: ج 2 ص 492؛ تجارب الأمم لابن مسکویه الرازي: ج 1 ص 284؛ الكامل لابن الأثير: ج 2 ص 351؛ تاریخ ابن خلدون: ج 2 ص 72
2- الاكتفاء للكلاعي: ج 2 ص 145
3- المصنف لابن أبي شيبة: ج 6 ص 484؛ سنن الدار قطني: ج 3 ص 148؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 8 ص 273

بل: لم يكتف بهذه القصدية وانما أراد اقناع المتلقي عبر هذا القول الى مقاصدية ثانية، وهي كالاتي:

القصدية الثانية: محاولة اقناع المتلقي باجتماع عناصر الخلافة في أبي بكر واغفاله للنصوص المعارضة.

لقد سعى ابن عثيمين الى محاولة اقناع المتلقي بان أبي بكر بفعله هذا، أي أنه (ما أستند الى رأي وانما أستند الى نص) بانه قد اجتمعت فيه عناصر الخلافة، وذلك عبر التمسك بسُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته، وانه شديد التمسك بها الى درجة انه يمنع بضعته النبوية (صلوات الله وسلامه عليها) مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!!.

ومن ثم فهو بذاك يكون قد جمع عناصر الخلافة الأساس.

في حين إن الوقائع التاريخية والسرية التي دونت سيرة أبي بكر وتعامله وافعاله مع الصحابة والناس التنفي ما حاول ابن عثيمين ان يقنع المتلقي به، أي مقاصدية منح أبي بكر عناصر الخلافة، وهي كالاتي:

ألف - منعه الصحابة من مطالبته العمل بسُنّة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

تفيد النصوص التي أخرجها أعلام أهل السنّة أن أبا بكر كان أول المعارضين للعمل بسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل: قد حذّر الصحابة من مطالبته العمل بسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى درجة التهديد لهم بالقتل والجلد إن طالبوه بالسير بهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي على النحو الاتي:

ص: 41

1- أخرج الزيلعي (المتوفي 762 ه) بسنده، عن الحسن، قال:

(لما استخلف أبو بكر تكلم بكلام والله ما تكلم به أحد غيره، فقال: يا أيها الناس تكلفوني سُنّة نبيكم محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، وإن الله كان يعصم نبيه بالوحي، إني والله لوددت أنكم كفيتموني، وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا اعتراني فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم، وأبشاركم، وتعاهدوني بأنفسكم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني)(1).

2- وأخرج هذه الخطبة ابن سعد (المتوفي 230 ه) بلفظ آخر، قال أبو بكر:

(أما بعد: فإني وليت هذا الأمر وأنا له کاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) لم أقم به! كان رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) عبداً أكرمه الله بالوحي وعصمه به.

ألا وإنما أنا بشر، ولست بخير من أحد منكم فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإن رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم و أبشاركم)(2).

3- وأخرجها الصنعاني (المتوفی 211 ه) عن الحسن، فقال: إن أبا بكر خطب، فقال:

(أما والله ما أنا بخير منكم، ولقد کنت لمقامي هذا کارهاً، ولوددت لو أن فيكم من يكفيني، أفتظنون أني أعمل فيكم سُنّة رسول الله (صلى الله عليه

ص: 42


1- تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 1، ص 481
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص

[وآله] وسلم) إذا لا أقوم لها، إن رسول الله كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشار کم، ألا فراعوني فإن استقمت فاعینوني؛ إن زغت فقوموني)(1).

وهذه الخطبة التي أخرجها الحفاظ بألفاظ متقاربة نصت على تطبيق سُنّة جديدة وبالمفهوم الذي أراده أبو بكر، والمرتكز على عدم مطالبته العمل بسُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والتي جائت بألفاظ محددة، وهي:

1- (ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، لم أقم به).

2- (يا أيها الناس تكلفوني سُنّة نبيكم محمد (صلى الله عليه [واله] وسلم) وإن الله كان يعصم نبيه بالوحي).

3- (أفتظنون أني أعمل فيكم سُنّة رسول الله (صلى الله عليه [واله] وسلم) إذا لا أقوم لها).

ولا شك أن هذا النهي في المطالبة في أن يعمل أبو بكر بسُنّة رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) هو بداية عهد جديد له أصوله الفكرية ومنهجه القيادي للأمة وهو ما يعبر عنه اليوم (بالإيدلوجية).

وإن هذه الأيدلوجية تقتضي أن يبدأ بسُنّة جديدة غير التي كان يعمل بها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 43


1- المصتف للصنعاني: ج 1، ص 336 برقم (20701)؛ تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 1، ص 482

وإن هذه السُنّة المخالفة للسُنّة النبوية ترتكز على عمل الخليفة الشخصي ورأيه واستحساناته، وذلك لسببين:

1- إنه غير معصوم.

2- إن له شيطاناً يعتريه.

في حين أن السبب الأول، أي عدم العصمة، يشترك فيه جميع المسلمين ومن ثم هل يلزم ذلك أن يترك المسلمون العمل بسُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلة عدم عصمتهم کما ادّعى أبو بكر؟!

وأما السبب الثاني، فلم يقل به أحد وبهذه الصورة والكيفية غير أبي بكر!!

وعليه:

يبقى السؤال المطروح حينها: بأي سُنّة يطالب المخالفون لثقل رسول الله (صلى الله عليه واله)، وهم يسمون أنفسهم أهل السُنّة والجماعة العمل بها: سُنّنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي لم يستطع أبو بكر العمل بها، ومنع المسلمين من المطالبة بها، أم سُنّته هو؟!.

باء - معاقبته المعترض على سُنّته بالقتل أو الجلد.

إن الوسيلة الثانية التي كشفتها الخطبة، هي: معاقبة من يعترض على أبي بكر ويثير غضبه معاقبة شديدة لا يُؤثر فيها أبو بكر قطع الرؤوس أو الأيدي والأرجل أو الجلد.

ولا شك أن الذي يثير غضب أبي بكر هو الاعتراضات على تركه لسُنة

ص: 44

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعمل بسُنته ورأيه هو، وهو الأمر الذي دفعه إلى ترك مطالبتهم له بالعمل بسُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع التهديد لهم في إثارة غضبه، فهذا الغضب سيدفعه إلى: قطع رؤوسهم وهو ما عبر عنه بلفظ (أشعارکم) بلحاظ أن الرأس هو مجمع الشعر، وإلى الجلد وهو ما عبّر عنه بلفظ (أبشارکم). فكان هذا الإنذار والوعيد هو أول الوسائل لتطبيق السُنّة الجديدة في عهد أبي بكر ثم عهد عمر: فعرفت فيما بعد بسُنة الشيخين لتكون بازاء سُنة رسوله الله (صلى الله عليه واله) والقران.

جيم - جمعه الأحاديث النبوية وحرقها.

يعدّ الكتاب أو الورق المكتوب أو أي وسيلة تستخدم للتدوين والكتابة هي خزيناً فكريّاً لأي أمة من الأمم، وعنوان حضارتها، ومن ثم تشكل المادة المكتوبة أهم ما تمتلكه الأمم من فكر وحضارة وقيمة؛ بل ووجود، فكم من أمة ضاعت بضياع مادتها الفكرية المكتوبة.

من هنا:

أدركت الشعوب والأمم أن المكتبات ومحل جمع الكتب وخزنها أو الوثائق أو أي أثر من آثارها بشكل دلالة على حياة هذه الشعوب أو الأمم، وأن الحفاظ عليها حفاظ على حياة الأمة وعنوان بقائها وهويتها؛ ولذلك:

سعت الدول المستبدة والمستعمرة على إتلاف وحرق هذه الآثار عند غزوها للبلاد والأمم الأخرى لغرض إنهاء وجودها من الحياة، ومن ثم

ص: 45

قتل أو إعدام أي مظهر من مظاهر هذه الأمة، وإنهاء وجودها الذي يشكل منافساً لوجود السلطة أو الدولة المستبدة.

ولعل التاريخ العربي والإسلامي غني بما تعرض له من غزوات فكرية كان الكتاب والوثيقة والأثر هم أول المقتولين أو المستهدفين.

أما التراث الشيعي فحدّث ولا حرج فيما تعرض له من الحرق والإتلاف وإلى يومنا هذا والأمر لا يحتاج إلى تدليل؛ إذ يكفي الباحث والقارئ أن ينظر إلى سعي الحكام في طمس سيرة علي بن أبي طالب وفضائله (عليه السلام) كمحاولة لتحقيق هدف القضاء على التشيع وفرض العقيدة والفكر المخالف لنهج أمير المؤمنين، وذلك بحسب مفاهيم أعداء علي بن أبي طالب (عليه السلام).

من هنا:

لا شك أن أبا بكر كان له دوره المميز في تحقيق سُنّة الشيخين بمفهومها الذي سار عليه السلف، هذا المفهوم الذي تحددت ملامحه عبر خطبته الأولى في المسلمين بعد بيعة السقيفة. فكان من وسائله في تحقيق هذا المفهوم هو: جمع الحديث النبوي وحرقه، وهي حقيقة صرّحت بها عائشة زوج النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي التي شهدت هذه الحادثة، وكانت الراوي لها، فتقول:

(جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه [واله] وسلم) وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيراً، قالت: فغمني، فقلت: أتتقلب الشكوى أو لشيء بلغك؟!

ص: 46

فلما أصبح، قال: بنية، هلمي الأحاديث التي عندك؛ فجئته بها، فدعا بنار فحرقها!!! فقلت:

لم أحرقتها؟!

قال: خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به ولم یکن کما حدثني فأكون قد نقلت ذلك)(1).

ولقد حاول الحافظ ابن كثير، والحافظ السيوطي إيجاد توجيه هذا الفعل(2)؛ أما الحافظ الذهبي فقد عقّب على الحديث قائلًا: (فهذا لا يصح والله أعلم)(3).

ولا شك أن الأحاديث النبوية أكثر بكثير من هذا العدد الذي ذكرته عائشة أو الذي حاولت أن تقدمه للناس على أن عدد الأحاديث التي جمعها أبو بكر ثم أحرقها هي بهذا العدد أو لعله تصحيف من الرواة فقد تكون خمس مائة ألف مثلاً فمحيت كلمة ألف، أو لعلها كانت کما ذکرت عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنها كانت مصنّفة ضمن موضوع ما، وعنوان محدد، قد يتعلق بالصحابة، أو بحدث السقيفة، أو بعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو بعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) خاصة، لاسيما وانه قد صرّح بان: (فيها أحاديث عن رجل)!! فمن هذا

ص: 47


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 5؛ الرياض النضرة للمحب الطبري: ج، ص 200؛ کنر العمال: ج 10، ص 286
2- کنر العمال للمتقي الهندي: ج 10، ص 286؛ جامع الاحادیث للسيوطي: ج 25 ص 121
3- تذكرة الحفاظ : ج 1، ص 5

الرجل الذي جعله مهموما مغموما يتقلب على فراشه يخشاه الى حد لا يجد فيه مخرجا غير حرق الاحاديث النبوية؛ هذا مرتبط أما باهمية هذا الرجل وخطورته على أبي بكر؛ أو بوقوع الفتن كخروج عائشة إلى حرب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو غير ذلك.

ومهما يكن من أمرٍ فإن حرق الأحاديث النبوية هو وسيلة لتحقيق سُنّة الشيخين وإنهاء سُنّة رسول الله (صلى الله عليه واله) التي منع الصحابة من مطالبته العمل بها أو أن يسير بهم عليها؛ ومما يدل عليه أيضا، ما يلي:

دال - منعه الناس من التحديث بأحاديث رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

لم ينته الأمر في تحقيق السُنّة الجديدة عند أبي بكر بحرق الأحاديث النبوية، وإنکا جمع الناس وأمرهم بترك الحديث عن العهد السابق، أي: منعهم من التحديث بأحادیث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!! فكانت هذه الوسيلة الجديدة على النحو الآتي:

عن ابن أبي مليكة قال: إن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: (إنكم تحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحاديث تختلفون فيها والناس بعد كم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً! فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه)(1).

والحديث يرشد إلى جملة من الامور، منها:

ص: 48


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 32

1. هذا الجمع الذي عبّر عنه ابن أبي مليكة هو للصحابة من المهاجرين والأنصار الذين سمعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و شهدوا سيرته وحياته، ومن ثم فالمنع كان للصحابة جميعاً.

2- إن هذا الاختلاف في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو إلى أمور، منها:

أ-: إن فيهم من كان يزيد أو ينقص في الحديث النبوي إما عامداً أو ساهياً.

ب-: إن فيهم المتقول على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسيما وأن طبقة المنافقين و المؤلفة قلوبهم والطلقاء وغيرهم، وجميع هؤلاء تشملهم صفة الصحية كما حددها علماء السُنّة والجماعة.

ج-: إن هذا الاختلاف يدعو إلى وجوب أن يكون للأمة إمام منصوص عليه من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرجع الناس إليه بعد نبيهم في معرفة شريعة الله تعالى وحلال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرامه.

د-: إن هذا الاختلاف يدل على أن الأمة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمكن لها أن تنجو مالم تتمسك بالثقلين كتاب الله وعترة نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم.)

فمن تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم هلك في المحدثات والشبهات والبدع.

3- إن منع الناس من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغرض منع الاختلاف في الحديث لا يحقق منع الاختلاف.

ص: 49

بل إنه ليزيدهم اختلافاً وذلك أن القرآن الكريم فيه المحكم والمتشابه، والعام والخاص، والمطلق والمقيد؛ وغير ذلك فأنى للناس فهم القرآن وبيان حلاله وحرامه، وقد اختلفوا في بيان حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لشريعة الإسلام، أي: إذا كان الناس كما يدعي أبو بكر قد اختلفوا في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بين ظهرانيهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، صادعاً بالنذارة، يدعو إلى بيان شريعة ربه ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً؛ فكيف بهم في فهم مراد الوحي وتطبيق شرع الله تعالى وقد قيده الله تعالى بأهله، وهم أهل الذكر؛ وهم الراسخون في العلم فقال عزّ وجل:

«...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).

وقال سبحانه وتعالى:

«...وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(2).

ومن ثم لم يكن الداعي الحقيقي في منع الناس من التحديث بأحادیث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الاختلاف في هذه الأحاديث، وإنما وسيلة أخرى من وسائل الانقضاض على سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته والعمل بهما، إلا بما يخدم الحاكم، وتشيد مشروع الحكومة.

ص: 50


1- سورة النحل، الآية: 43
2- سورة آل عمران، الآية: 7

أذن:

لم يكن ابو بكر يستند الى نص نبوي في أحكامه وتعامله مع المسلمين كما يدعي ابن عثيمين، بل: الى أرائه واجتهاداته الخاصة والمقابلة للنص الشرعي؛ بل: قد سعى جاهدا الى منع العمل بالنصوص النبوية أو التحديث بها ومعاقبة من يطالبه بها فعمد الى حرقها.

ولذا: لم تاخذ البضعة النبوية (عليها السلام) برأيه واجتهاده، وهو ماسنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: مقاصدية قوله: (وكان عليها أن تقبل قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)).

ينطلق ابن عثيمين من وحي العقيدة الوهابية التيمية في التعامل مع بيت النبوة لا سيما مع علي وفاطمة (عليهما السلام)، ومن ثم فقد زج بهذا الموروث العقدي في مقاصدية قوله:

(كان عليها أن تقبل قول النبي) (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرتكزات فكرية ثلاثة، وهي:

1. صرف ذهن المتلقي إلى كونها مذنبة - نعوذ بالله من ذلك - تستحق العقاب لتركها قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقابل استناد أبي بکر الى نص نبوي.

2. تحميلها ما يلحق العاصي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تفرضه کينونة الأخذ بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سيما وأن القرآن الكريم قد حذّر أشد التحذير من ذلك.

ص: 51

3. ترسيخ دلالة دعوته لها بالعفو، فهي لم تقبل بالسُنّة.

فهذه القصديات الثلاثة - والتي كانت تترجم العقيدة الوهابية التيمية - حاول ابن عثيمين عبرها استمالت ذهن المتلقي وإقناعه بها.

إلّا أنها قصديات بائسة وواهية، تذهب جفاءاً ولا تنفع الناس، حتی أولئك الذين ينتحلون العقيدة الوهابية؛ قال تعالى:

«فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ».

«لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ»(1).

وعليه: فإن هذه المرتكزات الفكرية التي حاول ابن عثيمين تسويقها للناس مردودة بنصوص القرآن والسُنّة النبوية والسيرة، وهي على النحو الآتي:

أولاً - لماذا يفرض على بضعة النبوة (صلوات الله عليها أن تقبل قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ويباح للصحابة الإجتهاد مقابل النص؟!

ترتكز العقيدة الوهابية التيمية على المتناقضات والمتعارضات العجيبة فابن عثيمين الذي نمت عروقه وترعرع في هذه العقيدة حينما يسأل عن الحكم فيما شجر بين الصحابة؟ فيقول: (إن ما ندين الله به أن ما جرى بينهم

ص: 52


1- سورة الرعد، الآية: 17 و 18

فهو صادر عن اجتهاد، والإجتهاد إذا وقع فيه الخطأ فصاحبه معذور مغفور له)(1).

والسؤال المطورح:

لماذا لم تُعذر بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)، بناءا على هذه القاعدة التي يتعبد الوهابية بها، فيقال: أن فاطمة ( صلوات الله وسلامه عليها) قد أجتهدت في مجيئها الى أبي بكر تطالبه بمیراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!!.

إذ مما لا شك فيه أنها (عليها السلام) عند ابن عثيمين، وابن باز، وابن عبد الوهاب، وابن القيم، وابن تيمية، كانت مخطئة.

فلماذا: يفرض ابن عثيمين عليها أن تقبل قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ويباح لغيرها من الصحابة أن يجتهدوا مقابل النص، ولا يقبلوا بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!!

کما فعل أبو بكر، وخالد بن الوليد - وهو ما مرّ بيانه في المسالة السابقة - أو ما فعلته عائشة وطلحة والزبير في خروجهم من المدينة الى البصرة، وتسببهم في سفك دماء المسلمين وفيهم الصحابة والتابعين، وقد أمرها الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بان تجر الذيول، وتقر في بيتها(2)؛ أو تحريضها على قتل عثمان بن عفان، بقولها:

ص: 53


1- شرح العقيدة الواسطية: ج 2 ص 286
2- لقوله تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ...»

(أقتلوا نعثلاً فقد كفر)(1).

وأخراجها لقميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشعره وقولها تشنيعة بعثان وتحريضاً عليه:

(هذا قميص رسول الله لم يبل، وقد أبلى عثمان سُنّته)(2) والسبب في كل هذا التحريض على قتل عثمان وتكفيره وتشبيهه برجل من اليهود، هو لمنعه بعض عطائها الشهري من بيت المال!!!

أو كعذر ابن عثيمين لمعاوية في حربه للإمام علي (عليه السلام) وقتله لعمار بن یاسر (رضوان الله تعالى عليه) وغيره من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول:

(فما جری بین معاوية وعلي صادر عن إجتهاد وتأويل، لكن لا شك أن علياً أقرب الى الصواب فيه من معاوية، بل قد نكاد نجزم بصوابه، إلا أن معاوية كان مجتهداً)(3).

وقوله في خروج عائشة والزبير لقتال علي (عليه الصلاة والسلام):

(ولا يمكن أن نقول: إن عائشة والزبير قاتلا عليا وهم يعتقدون أنهم على باطل، وأن علياً على حق).

فهذا لا يمكن أن يقوله ابن عثيمين، ولكن يمكن أن يقول في سيدة نساء

ص: 54


1- تاريخ الطبري: ج 3 ص 477؛ الكامل لابن الأثير: ج 3 ص 206
2- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 175؛ الفتوح لابن أعثم: ج 2 ص 421
3- شرح العقيدة الواسطية: ج 2 ص 285

المؤمنين وسيدة نساء أهل الجنة وسيدة نساء العالمين وبضعة النبوة، وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) في مخاصمتها لأبي بكر:

(عند المخاصمة لا يبقى للانسان عقل يدرك به مايقول أو يفعل أو ما هو الصواب فيه فنسال الله ان يعفو عنها)!!!!!.

فهنا الامكانية عند ابن عثيمين متحققة باعلى مستوياتها!! فلا مانع ولا رادع يردعه عن التجاهر بشتم بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنّ السؤال المطروح:

من أين انتفت هذه الإمكانية عند عائشة وطلحة والزبير في قتالهم للامام علي (عليه السلام) بعدم الاعتقاد بأنه على حق وأنهم على باطل؟!

نعم: هي منتفيت عند ابن عثيمين وأسلافه وأتباعهم، فهؤلاء ومن اتخذهم أئمة يعتقدون بعدم إمكانية أن تكون عائشة وطلحة والزبير في خروجهم على إمام زمانهم بانهم على باطل، وانه (صلوات الله عليه) على حق؛ وكيف لا وقد نمت عروقهم على بغض علي (عليه السلام) و فاطمة وبنيها (عليهم السلام).

أما الحقيقة التاريخية فانها تثبت بان عائشة والزبير بن العوام کانا یعلمان، بل ويعتقدان أنهما بخروجهما لقتال الإمام علي (عليه السلام) أنهم على باطل ويدركون ذلك جيداً والدليل عليه:

1. إنّ عائشة قد ندمت على خروجها وقتالها لأمير المؤمنين (عليه السلام) ولذا: فقد اعتذر عنها كثير من أعلام أهل السُنّة والجماعة بأنها ندمت، بل

ص: 55

يكفي في ذلك قولها بان تدفن في البقيع وليس الى جنب قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: (أني قد أحدثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فادفنوني مع أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

2. وأما الزبير فقد ندم هو الأخر على خروجه فانسحب من المعركة قبل بدوها وذلك حينما قال له الإمام علي (عليه السلام) ناصحاً ومذكراً بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أما انك ستقاتل علياً، وأنت له ظالم» فذكر الزبير ذلك فانصرف عن القتال(2).

وكيف لا يعتقدان بأن الحق مع علي (عليه السلام)، وقد سمعی بأذنيهما وإلا صمتا وبأعينهما وإلا عميتا ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض»(3).

وعليه:

فقول ابن عثيمين: (وكان عليها أن تقبل قول النبي) المرتكز على قصدية اظهار انها مذنبة لعدم تمسكها بالنص واعراضها عن سنة النبي (صلى الله

ص: 56


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8 ص 74؛ مسند ابن راهوية: ج 2 ص 43 المستدرك اللحاکم: ج 4 ص 6؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2 ص 193
2- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 2 ص 515، المستدرک للحاکم ج 3 ص 366
3- أخرجه جملة من علماء أهل السُنّة و الجماعة: الخطيب البغدادي: في تاريخ بغداد عن أم سلمة (رضي الله عنها): ج 14 ص 322؛ ابن عساكر الدمشقي في تاريخ دمشق: ج 42 ص 449، الحافظ ابن مردوية في مناقب الامام علي (عليه السلام): ص 311؛ الزمخشري في ربيع الابرار: ج 2 ص 173، ابن قتيبة في الامامة والسياسة: ج 1 ص 73 ابو القاسم الكوفي في الاستغاثة: ج 1 ص 9؛ القندوزي في ينابيع المودة: ج 1 ص 175

عليه وآله وسلم) مردودة وباطلة؛ وذلك انها متناقضة مع عقيدته ودينه الذي يحمل أفعال الصحابة على الاجتهاد والتأويل وهم بذلك معذورون.

فإما أنهم مجتهدون يجري عليهم جميعاً هذا الحكم، واما أنهم أثمون لا يصلح لهم أن يجتهدوا وسيقفون بين يدي الله عز وجل ليجزي كل نفس بما كسبت قال تعالى:

«الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ»(1).

ثانياً - هل كان على فاطمة (علیها السلام) إن تقبل قول أبي بكر أم قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)؟!!.

إن المضمر من القول الذي كون مقاصدية ابن عثيمين هو الأخذ بقول أبي بکر وحكمه والتسليم لسلطانه، وذلك أن معارضة أحكامه وقرارته أقل ما يقال فيها بناء على سُنة الشيخين وعقيدة ابن تيمية وغيره:

أنها ردة عن الإسلام، کما جرى لمالك بن النويرة وغيره؛ وإلا فقول النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، وفعله، وتقريره هو آخر ما يهتم به الوهابية و التيمية.

بدليل نظرية الاجتهاد والتأويل مقابل النصوص القرآنية والنبوية التي امتلأت منها صفحات حياة الصحابة، والتي مرَّ بيانها آنفاً، ومن ثم فلا داعي للمزيد منها هنا.

ص: 57


1- سورة غافر، الآية: 17 - 18

وعليه:

فإن ابن عثيمين كان ناقماً على بضعة النبوة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) لكونها لم تقبل قول أبي بكر وفعله في منعه حقها في الموارد الثلاثة، أي مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحلتها من أرض فدك، وسهم ذي القربي من الخمس؛ وليس قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وإلا فابن عثيمين يعلم کما علم غيره من أسلافه، أن حديث (لا نورث) فيه ما فيه من المتناقضات والمعاراضات للشريعة، لكنهم يجحدون وینکرون(1).

أما بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أعلنت موقفها من الحديث المزعوم، وذلك أن التقول على أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) أهون من الإقدام على تروّيعها وحرق دارها، وقتلها فمضت الى ربها صابرة محتسبة شهيدة.

ثالثاً - إن من أمر بترويع بنت النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) وحرق دارها هين عليه القول بانه (لا يورث).

لم تكن بضعة النبوة، وصفوة الرسالة، وقرة عين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بغافلة عما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل عالمة، وعاملة بسنة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم).

وعالمة أيضاً: أن ما قاله خصمها أبي بكر في منعها حقوقها التي فرضها الله تعالى، متذرعا بقوله: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة) هو

ص: 58


1- وهو ما سيمر بيان بعضا منه في المسألة القادمة، اما تفصيل البحث والدراسة للحديث فسنتناوله في كتابنا الموسوم: (ما أنكره أعلام أهل السُنّة والجماعة فيما شجر بين أبي بكر وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)

حديث لم ينطق به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وذلك أن من تجرأ على الله وسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) باقتحام بيت النبوة، وحرقه بالنار كما أمر خالد بن الوليد بحرق المسلیمن وهم يصلون، وحرق الفجائة وهو يشهد انه مسلم ولم يكفر، وترويع اهل بیت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وترهيب أولاده وريحانتيه من الدنيا، هين عليه القول: (بان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يورث).

بل يكفي في ذلك من البيان على تعاظم ظلم فاطمة وبعلها وولديها (عليهم السلام) قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بعد استشهاد بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) ودفنها، وهو يخاطب رسول الله وقد حول بوجهه الى قبره فيقول:

(... ولو لا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً، والتلبث عنده معوكفاً، ولأعولت اعوال الثكلى على جلیل الرزية، فبعين الله تدفن أبنتك سراً، ويهتضم حقها قهراً، ويمنع إرثها جهراً، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فالى الله يا رسول الله المشتکی، وفيك أجمل العزاء ...)(1).

وعليه:

فإن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) كانت تدرك أن ما قاله أبو بكر لا أصل له وذلك لصريح مخالفته القرآن والسُنّة، هذه السُنّة التي أشركوا فيها أفعال الحكام منذ أن توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والى

ص: 59


1- الأمالي للطوسي: ص 110

يومنا هذا؛ حتی تعارضت الاحكام والاجتهادات فيما بينهم، ومنها أرث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتركته، وسهم ذوي القربی، کما سیمر بيانه في المسألة القادمة.

رابعاً - لماذا تمنع فاطمة (علیها السلام) من الأرث! ويفرض عليها أن تقبل قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)!! بينما تبيع عائشة وغيرها بيوت النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) لمعاوية بألاف الدراهم؟!!

هذه المسألة أنقسم فيها أعلام أهل السُنّة والجماعة الى ثلاثة أقسام، منهم من سكت عنها، ومنهم من تأول، ومنهم من اضطرب فزادها تعقيداً في إيجاد مخرج شرعي لبقاء أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيوته بعد وفاته، وسكناهن فيها، بل وباعت بعضهنَّ بيتها كما فعلت عائشة، مما طرح جملة من الأسئلة التي لم تزل تبحث عن إجابات علمية ترتقي الى حجية القطع في أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يورث؛ فضلاً عن ادراج ما فعلته بعض نساء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في بيع بيوته ضمن عنوان شرعي، وقد صرّح القرآن بإن هذه البيوت هي توقيفية قال تعالى «لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ»(1).

وعليه:

1. فقد أوقفها القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف بقينّ في هذه البيوت النبوية ولم يخرجنّ منها؟

2. کیف ورثنها!! فباع أولياء صفية بنت حيي بيتها لمعاوية، والنبي (صلى

ص: 60


1- سورة الأحزاب، الآية: 53

الله عليه وآله وسلم): «لا يورث ما تركه صدقة» كما أخبر أبو بكر؟

3. كيف أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أوصى لهن بالسكن فيها، وتروي عائشة أنه (لم يوص)؟!!

4. كيف باعت عائشة دارها والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مدفون فيها؟!!!

5. كيف أُدخل أبو بكر وعمر إلى بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودفنا فيه، والقرآن يمنع الدخول الى بيته دون أذنه؟!

وبناءا عليه:

فقد تناول ابن سعد (ت 230 ه) وابن عساكر الدمشقي (ت 571 ه) والسمهودي (ت 911 ه) و غيرهم هذه الحوادث، وكيف تصرفت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه البيوت، وهي على النحو الاتي:

ألف - من باع من أزواج النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) بيوته ومن اشترى منهنّ؟

1. روی ابن سعد: (أن سودة بنت زمعة أوصت بيتها لعائشة؛ وأن أولياء صفية بنت حيي باعوا بيتها لمعاوية بن أبي سفيان بائة وثمانين ألف درهم).

2. قال بن أبي سبرة، فأخبرني بعض أهل الشام أن معاوية أرسل الى عائشة: أنت أحق بالشفعة؛ وبعث إليها بالشراء، واشترى من عائشة منزلها، يقولون بمائة وثمانين ألف درهم، ويقال: بمائتي ألف درهم وشرط لها سكناها حياتها، وحمل الى عائشة المال، فيما رامت من مجلسها حتی قسمته.

ص: 61

ويقال: اشتراه بن الزبير من عائشة، بعث إليها خمسة أجمال بخت، تحمل المال، فشرط لها سكناها حياتها فما برحت حتی قسمت ذلك؛ فقيل لها: لو خبأت لنا منه درهما؟

فقالت عائشة: لو ذكرتموني لفعلت)(1).

3. وروي ايضاً: أن حفصة تركت بيتها فورثه أخيها عبد الله بن عمر فلم يأخذ له ثمناً، وهدم وأدخل في المسجد)(2).

4. وعن عكرمة:

(أن ورثة أم سلمة باعوا بيتها بمال)(3).

5. أسند ابن زبالة عن هشام بن عروة، قال: إن ابن الزبير ليعتد بمكرمتين ما يعتد أحد بمثلها: إنّ عائشة أوصته ببيتها وحجرتها، وإنه اشترى حجرة سودة(4).

باء - الخلاف في نسبة هذه البيوت للنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أم لأزواجه مع صريح القرآن وبيانه بانها توقيفية.

1. قال الحافظ ابن عساكر الدمشقي:

(إن بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أضيفت إليه (صلى الله

ص: 62


1- الطبقات الکبری، ج 8 ص 165
2- المصدر السابق
3- الطبقات الکبری، ج 8 ص 165
4- وفاء الوفاء للسمهودي: ح 2 ص 56

عليه وآله وسلم) فهي أضافة ملك، قال سبحانه وتعالى:

«لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ»(1).

أو على تقدير حذفٍ واضمار؛ وإذا أضيفت الى أزواجه، فليست بإضافة ملك، لأن ما كان ملكاً له (صلى الله عليه وآله وسلم) فليس بمورث، إلا أن تقدم تمليك، وهو الظاهر، والله أعلم)(2).

2. قال الطبري:

قيل: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ملّك كلاً من أزواجه البيت التي هي فيه، فسكنَّ بعده فيهن بذلك التمليك؛ وقيل:

(إنما لم ينازعن في مساكنهنَّ، لإن ذلك من جملة مؤنتهن التي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استثناه لهنّ مما كان بيده أيام حياته حيث قال:

«ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة».

قال الطبري: (وهذا أرجح، ويؤيده أن ورثتهنَّ لم يرثوا عنّهنّ منازلهن، ولو كانت البيوت ملكاً لهنّ لانتقلت الى ورثتهن، وفي ترك ورثتهن حقوقهن منها، دلالة على ذلك؛ ولهذا زيدت بعدهنّ في المسجد لعموم نفعه للمسلمين)(3).

3. وقد أشكل الشريف السمهودي على الطبري في قوله:

(إن عدم مطالبة ورثة نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه البيوت

ص: 63


1- سورة الأحزاب، الآية: 53
2- إتحاف الزائر لابن عساکر: ص 178 ط دار الارقم
3- وفاء الوفاء للسمهودي: ج 1 ص 57

دليل على امتلاكهن لهذه البيوت؛ فيقول: وقد يناقش فيما ذكره الطبري من عدم إرث ورثتهنَّ لمنازلهنّ، إذ لا يلزم من عدم نقله، أي: الإرث، انتفاؤه)(1).

4. وخالف البخاري صریح القرآن في نسبة هذه البيوت وحبسها على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما دعى الى قيام بعض أعلام أهل السُنة والجماعة بتبرير فعله، فقد روى السمهودي عن الزبير بن المنير، أنه قال:

(إن غرض البخاري حيث ترجم بقوله: «باب ما جاء في بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما نسب من البيوت إليهن، وقول الله عز وجل «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ»(2) «لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ»(3).

أن يبين أن هذه النسبة تحقيق دوام استحقاقهنّ البيوت ما بقين؛ لأن نفقتهنّ وسكناهنّ من خصائص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ والسر فيه حبسهنّ عليه)(4).

أقول:

لايمكن لأي إنسان مهما أوتي من قوة أن يحجب الشمس بغربال، وهذا ما صنعه البخاري والزبير بن المنير وذلك لما يلي:

أ- إن القرآن لصريح في حبسه وتوقيفه لهذه البيوت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي ملك له يفعل فيها مايشاء، ولا حق لإزواجه في

ص: 64


1- وفاء الوفاء للسمهودي: ج 1 ص 57
2- سورة الأحزاب، الآية: 33
3- سورة الأحزاب، الآية: 53
4- وفاء الوفاء: ج 1 ص 56

هذه البيوت في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعد مماته بدليل أنّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لما ماتت زوجه زینب بنت خزيمة، أدخل أم سلمة بيتها؛ ولو كان هناك تمليك لهن في حياته، لما أدخل (صلى الله عليه واله وسلم) أم سلمة في بيت زينب.

ب- أما قوله: أن يبين بهذه النسبة، أي: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» تحقيق دوام استحقاقهن البيوت ما بقين، لان نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلماذا قام بعضهن ببيع هذه البيوت!! وباي عنوان شرعي؛ والاصل في قول الزبير (أن نفقتهن وسكناهن من خصائصه) وهذا يعني بقاء الملكية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتفاء نقلها للورثة، ولهن السكن فيها، أفهل هذا يبيح لهن بيعها؟!!.

ج- وكيف للورثة أن يطالبوا بالمال كتعويض عن هدم هذه الحجر وادخالها بالمسجد، کما فعل آل عمر بن الخطاب!! وأن ورثة أم سلمة باعوا بيتها بمال!! وأنّ أولياء صفية بنت حيي باعوا بيتها لمعاوية بمائة وثمانين الف درهم!! واشتري عبد الله بن الزبير حجرة سودة من عائشة بعد أن وهبتها لها!!، وأن عائشة باعت حجرتها لمعاوية بمائتي الف درهم واشترطت سکناها في الحجرة!! وانها فرقت المال ولم تبق درهما واحداً؟!!!.

أفهل عنوان السكن والمؤونة أصبح أرثاً وتمليكاً لبيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!! «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»(1).

ص: 65


1- سورة الصافات، الآية: 154 - 155

د- أما قوله: (والسر فيه حبسهنَّ عليه)، أفهل يبيح (الحبس عليه) تغيير عنوان البيوت إلى الارث، وهو لا يورث كما يزعمون، أم هل الحبس يبيح البيع، أم أنه حبس بعنوان الوقف أم الهبة؟!!

بل: إن السر فيه هو منع فاطمة (عليها السلام) ودفعها عن حقوقها وأرثها فتسلب بضعة النبوة ويباح لغيرها أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بغير وجه حق.

ف«مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا»(1).

المسألة الرابعة: مقاصدية احتجاج ابن عثيمين بحديث (لا نورث) يعارضها القرآن والسُنّة وسيرة الخلفاء.

لقد نال حديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» حيزاً كبيراً من البحث والدراسة والجدال منذ صدوره لأول مرة على لسان أبي بكر والى يومنا هذا لا سيما موضوع هذه الدراسة، إذ يكفي في سعة هذا الكلام حول الحديث ما ردت به سيدة نساء العالمين في ردودها القرآنية والعقلية على خصمها، ولیلیها في ذلك ما ردَّ به أبنائها وشيعتها في كل زمان ومكان حتى أصبح عنواناً للدفاع عن الحقوق المسلوبة التي تعاهد عليها الحكام ومن والاهم وأنتم بهم.

هذه الحقوق التي لم تنحصر عند ميراث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما في سهم ذوي القربي من الخمس، وأرض فدك، والتي جمعها خصوم محدوده

ص: 66


1- سورة نوح، الآية: 13

فاطمة (عليها السلام) بعنوان واحد، وهو (صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الصدقات التي تصرّف فيها الحكام منذ أبي بكر والی زوال عنوان الخلافة بحسب اجتهاداتهم؛ مما يكشف عن أنها سُنّة سَنّها أبي بكر، فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة، أي: لم تكن هذه الاجتهادات ترجع الى قرآن أو نبوة، وإنما الى فعل أبي بكر وسُنته.

ولذا: لم تكن فاطمة (عليها السلام) وهي بضعة النبوة وصفوه الرسالة، وقد أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا؛ - بغافلة والعياذ بالله - ما أحدثه خصمها في أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحلتها أي: أرض فدك، وسهم ذوي القربی؛ وإنما عالمة وعاملة بشريعة الله في الإرث، وسهم ذوي القربی، و نحلة الله لها ولولدیها (عليهم السلام) فكان عدم قبولها لحديث (لا نورث) عائد إلى علل عدة، وهي على النحو الآتي:

أولاً - إنّ علة عدم أخذ فاطمة (علیها السلام) بحديث: (لا نورث) عائد الى تعدد العناوين الشرعية فيما تطالب.

يستند ابن عثيمين في تمرير قصديته في تخطئت بضعة النبوة وإلقاء اللائمة عليها بعدم أخذها وقبولها حديث (لا نورث) الى أمور، منها:

1. حصر الخصومة في المطالبة بإرث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يورث لكونه نبياً؛ ومن ثم فهذا المال هو في الصدقات.

2- تشویش ذهن المتلقي وحصر تفكيره في قضية واحدة وهي مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون انتباهه الى أن فاطمة (صلوات الله وسلامه

ص: 67

عليها) تدافع عن ثلاثة حقوق شرعية، وهي:

أ. حقها في مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتركته في المدينة ممثلة في الحوائط السبعة والعوالي.

ب. حقها فيما أفاء الله على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أموال بني النضير، ومنها أرض فدك التي نحلها لها.

ج. سهم ذي القربي من خمس خیبر وما افتتح فيها عنوة، أي بالقتال.

فهذه الحقوق الشرعية الثلاثة جاءت فاطمة (عليها السلام) تطالب بها جميعاً، ولم يكن الأمر محصوراً في حق واحد، وهو مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) کما حاول ابن عثيمين، وغيره في اقناع المتلقي لحديث أبي بكر: (لا نورث ما تركناه صدقة)؛ موهمين السامع والقارئ: إن الأمر محصور بالمال فقط.

في حين: إنّ حقها (عليها السلام) فيما أفاء الله تعالى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدون قتال، هو نحلة من الله عزّ وجل لفاطمة وبنيها (عليهم السلام)، في قوله تعالى:

«فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(1) وقوله سبحانه:

«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(2).

وهذا الحق خارج عن موضوع الحديث الذي زعم أبو بكر أنّه سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمحصور فيما كان للنبي (صلى

ص: 68


1- سورة الروم، الآية: 38
2- سورة الاسراء، الآية: 26

الله عليه وآله وسلم) من أموال؛ والتي سيمر بیانها؛ والتي أسماها أبو بكر بالصدقات.

فهذه الصدقات التي لم يبينّ حكمها أبو بكر ومواضع صرفها، فهل هي من الصدقات الواجبة، أم المندوبة كي يتمكن الحكام الذين يجلسون مجلس الخلافة من صرفها في مصارفها الشرعية. ولا يخالفون فيها سُنة أبي بكر؟!

وكذلك: حقها الشرعي في سهم ذوي القربی من سهم خيبر وما افاء الله به على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنوة، وهذا الأمر مستقل بذاته وعنوانه الشرعي ومصرفه إلا أن أبو بكر حجبه أيضاً عن بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

مما أحدث جدلاً واختلافاً بين الخلفاء والفقهاء وأئمة المذاهب الإسلامية سواء المتعبد بها اليوم أو التي أنقرضت وانتهت بموت أصحابها.

وعليه: فإن علة عدم أخذ فاطمة (صلوات الله عليها) بحديث أبي بكر: «لا نورث ما تركناه صدقة» هو لكونه خارج تخصصاً وموضوعاً في جمع سهم ذوي القربی، وارض فدك مع الإرث؛ وهذا بحد ذاته يكشف عن جهل المحتج به بالشريعة، وعلى هذا الجهل سار المخاصمون لفاطمة (سلام الله عليها) لأنهم:

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(1).

ص: 69


1- سورة التوبة، الآية: 32

فهذه الحقوق الشرعية الثلاثة أبی أبو بكر أن يدفع شيئاً منها لفاطمة (عليها السلام).

لكن ثمة سؤال في حديث عائشة لأبي بكر، وهو قوله:

(إنما يأكل آل محمد من هذا المال)(1) فأي مال هذا! والله عز وجل قد حرّم عليهم أكل الصدقة؟

وسؤال آخر:

لماذا أرسلت فاطمة (عليها السلام) الى أبي بكر تطلب ما كان الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر، ومقتضى الحال إن الإنسان إذا مات لا يذهب ابنائه الى أصحابه يسألونهم مال أبيهم؛ إلا إذا كان اصحابه قد استولوا على هذه الأموال؟!! هذا ما سنتناوله فيما يلي.

ثانياً - أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر التي وردت في حديث عائشة، كيف انتقلت إلى أبي بكر لتطالب بها فاطمة (علیها السلام)؟!

إن مقتضى حال فاطمة (عليها السلام) أن تكون عارفة بما لأبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) من مال منقول أوغير منقول لا سيما ونحن نتحدث عن سيد الأنبياء والمرسلين، والذي يلزم أن يكون حاله وأحواله بمرأى ومسمع من الناس وذلك لعلتين:

ص: 70


1- صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين، ج 4 ص 210

الأولى - لكي يُأخذ عنه الأحكام وما شرع الله لهم، فهم مأمورون باتباعه والتأسي به وذلك لقول عز وجل: «لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(1).

وقوله سبحانه: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(2).

فيأخذ عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كيفية العيش في الحياة والتعامل مع المال لا سيما فيما جناه لنفسه أو لأهله وعياله أو لأمته بحكم إمامته ونبوته.

الثانية - أن المنافقين الذين عاهدوا أنفسهم بتقليب الأمور عليه، وفتن من أمن به وصدقه، لا سيما وأن الله قد أخبر عنهم، فقال:

«لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ»(3).

وجاوروه في المدينة؛ حتى أصبحوا مردة في النفاق وتازوا مع الأعراب على حربه وأهل بيته (عليهم السلام)؛ وهي حقيقة بينها القران أيضا، فقال سبحانه:

«وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ»(4).

ص: 71


1- سورة الأحزاب، الآية: 21
2- سورة الحشر، الآية: 7
3- سورة التوبة، الآية: 48
4- سورة التوبة، الآية: 101

كانوا يعلمون ما يملكه، فلم يكن يخفي شيئاً أو يكتنز ذهباً أو فضه أو عقارات وأراضي، وإلا لما أستطاع الرواة بيان أمواله (صلى الله عليه واله وسلم) من الحوائط السبعة أو ما أوصى به محريق اليهودي أو مما أفاء الله عليه أو من الخيل والابل والماعز وما أُهدي إليه من البغلتين والحمار يعفور أو سلاحه ومتاعه من فرش ولباس واثاث ومقتنياته الشخصية كالمرآة والمغضب والمقراض وغيرها.

وعليه:

فمتقضي الحال إن أقرب الخلق إليه وهم أهل بيته (عليهم السلام) هم الأعلم والأعرف بما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أموال؛ فضلاً عن معرفتهم بحقوقهم الشرعية كأي مسلم من هذه الأمة أن يرث المرء أباه، فما يجري من التكاليف الشرعية على الأمة تجري على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته.

لكن الأمر الذي يدفع العقل إلى التدبر ملیاً مستفسراً ومتسائلاً: كيف لأبي بكر أن يضع يديه على أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليدفع هذا الفعل بفاطمة (عليها السلام) وكما تروي عائشة من أنها: (أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي يومئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خیبر)(1)

ص: 72


1- صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج 4 ص 210

وهذا يكشف عن أمور:

1. إن فاطمة (عليها السلام) كانت تعلم بما خلّف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مال، وإلا لأنتفت العلة في خروجها من الأساس.

2. إن عائشة جعلت أرض فدك وخمس خیبر تحت عنوان (الارث) وهي بذاك تحاول أن تمنح أبيها صفة شرعية ومصداقية لقوله المزعوم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

(لا نورث).

3. إن ابا بكر وعائشة، بل وجميع الصحابة يعلمون هذه الفوارق الشرعية في مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمواله الخاصة العائدة له، أو مما أفاء الله عليه من غير قتال في عوالي المدينة وأرض فدك، أو خمس خیبر وغيره مما يفيء الله عليه من الغنائم عبر قتال المسلمين، وهي أموال كثيرة، أو مما يهدى أليه.

وعليه:

فهم يعلمون كيف وصلت الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولماذا وضع أبو بكر يده عليها مستعيناً بسلطانه الذي ناله من بيعة السقيفة، کما کانت بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) تعلم أيضا هذه الأموال ومصادرها وأحكامها في الشريعة.

فما هي هذه الاموال التي صادرها أبو بكر، وما هو حجمها، وأثرها الاقتصادي؟

ص: 73

ثالثاً - حجم أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المدينة والتي أرسلت فاطمة (علیها السلام) إلى أبي بكرتطالب بها.

إن أول استفهام قد يرد على ذهن القارئ، هو: من أين حصل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على هذه الأموال؟ وجوابه: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جاءته من موارد ثلاثة خصه الله تعالى بها في اثنين؛ وأما المورد الثالث فجائه هبة من وصية مخريق اليهودي، وهي على النحو الآتي:

المورد الأول: حقه الشرعي الذي منحه الله عزّ وجل له من الفيء والغنائم في الخمس.

المورد الثاني: حقه الشرعي من الفيء الذي لم يقاتل عليه المسلمون ولم يوجفوا عليه بخيلهم ولا ركابهم؛ فللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منه أربعة أخماس.

المورد الثالث: - وكما أسلفنا - هبة من وصية خيريق وهي ما تعرف بالحوائط السبعة.

وقد خلفت هذه الموارد الثلاثة من الأموال ما يلي:

1- الحوائط السبعة.

2- أرضه من أموال بني النضير.

3. حصن الكتيبة، وهو من حصون خيبر، أخذها (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس الغنيمة.

4. حصن الوطيح، وهو من حصون خيبر، وهي مما أفاء الله عليه، فقد أخذها صلحاً.

ص: 74

5. حصن السلالم، وهو من حصون خيبر، وهي مما أفاء الله عليه.

6- أرض فدك، وهي مما أفاء الله عليه وقد أتته صلحاً، فأمره الله أن ينحلها فاطمة (عليها السلام) فقبضتها في حياته في السنة السابعة فقام أبو بكر بمصادرتها وأخرج وکیل فاطمة منها وصير إيرادتها المالية إليه ليصرفها كيفما شاء.

7. الثلث من أرض وادي القرى.

8- موضع سوق بالمدينة يقال له مهزور.

وجميع هذه الأموال صادرها أبو بكر بقوة السلطة التي منحتها له سقيفة بني ساعدة، وما أفرزته من نتائج كان على رأسها جلوسه في مجلس خلافة المسلمين فسنّ فيها سُنّة جديدة وعنواناً شرعه فيها، وهو (صدقات رسول الله) مخالفاً في ذلك شرع الله عزّ وجل من كونها عناوين مستقلة، وهي: (مال الفيء، والخمس، وما صالح عليه).

وبناءا عليه: فقد تعددت العناوين الشرعية في هذه الأموال الى الإرث، والنحلة لفاطمة (عليه السلام)، وسهم ذي القربی؛ وهو ما لا يمكن جمعه وصيرورته تحت عنوان صدقات رسول الله (صلى الله عليه واله).

ولذا: لم تاخذ به بضعة النبوة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وألقت بوزره على قائله، ليلقى الله به یوم حشره، فقالت له:

(فدونكها مخطومة مر حولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون من ياتيه عذاب بيخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم).

ص: 75

المسألة الخامسة: مقاصدية قوله: (ولكن كما قلت لكم قبل قليل عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل؟!!

أشتمل هذا الموضع من قول ابن عثيمين على عدد من القصديات التي أضمر فيها تحقيق هدفه المنشود، وهو احراز المقبولية لدى المتلقي ودفعه نحو القوة الانجازية لمعاني قوله في مواجهة بضعة النبوة (عليها السلام) وتخطئتها، بل: ونعتها بنعوت فاحشة والعياذ بالله بعدم العقل والادراك فيما تقول أو تفعل أو ما هو الصواب في الأمر!!!

وعليه:

فقد كانت مقاصدية القول، على النحو الآتي:

أولاً - مقاصدية قوله: (ولكن كما قلت لكم قبل قليل).

يدرك ابن عثيمين أنه أدخل نفسه في مواجهة مع بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) ومن ثم فهو أمام خصم يحمل ثقلاً شرعياً وحظوة لدى المسلمين؛ أما الذين أعمى البغض بصيرتهم «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1). فعموا وصموا عن الحق فضلوا السبيل، «أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ»(2).

ولذا:

ص: 76


1- سورة المطففين، الآية: 14
2- سورة الأعراف، الآية 179

أحتاج ابن عثيمين الى تهيئة المتلقي قبل شن الهجوم على البضعة النبوية واحراز مقبولیته، فقدم مقدمة مهد فيها الطريق وهيئ الأنفس لما سيقوله، وذلك ما دلّ عليه قوله:

(ولكن كما قلت لكم قبل قليل).

1. أي: أنه تكلم حول الخصومة وأثارها، وذلك لكونها محور الموضوع الذي قدم له.

2. يظهر أن الطبقة المتلقية لابن عثيمين هم طلبته وتلاميذه، وذلك أنه اختار في الخطاب شرح صحيح مسلم والتعليق على احاديثه، وهذا الأمر يجري في الغالب في حلقات التدريس للطلبة، وتهيئتهم على العقيدة التي ينتمي إليها ابن عثيمين، أي: الوهابية وإلّا لا يمكن له باي حال أن يتجرأ على بضعة النبوة في محفل عامٍ لأبناء السُنّة والجماعة من المذاهب الأخرى، وذلك لاختلاف الثوابت العقدية بين الفرقة الوهابية وابناء المذاهب الإسلامية الأخرى بما فيها المذهب الحنبلي الذي يدعي الوهابية أنهم ينتمون إليه؛ وذلك أن إمام المذهب قد أورد في مسنده من فضائل الإمام علي (عليه السلام) وأهل بيت النبوة (عليهم السلام) الكثير، ولعله أورد مالم يورده غيره.

ولذا:

نجد أن ابن عثيمين - وكما أسلفنا في التمهيد - كان يتبع ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في الفتيا وقد خالف مذهب الحنابلة، بل مذهب كثير من السلفية في الرجوع الى فقهاء الحنابلة.

ص: 77

أذن:

كان حديثه مع صنف من أتباع الفرقة الوهابية الذين توغل فكر ابن عبد الوهاب في عقولهم فسلموا لما يمليه عليهم ابن عثيمين في النيل من بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

3. يكشف قوله - وكما أسلفنا - أنه لم يكن قد شرح صحيح مسلم أو علّق عليه تألیف وكتابة؛ وإنما قد جمع أتباع الفرقة الوهابية هذه الأقوال، وطبعت له هذا الشرح، کما جمعت له فتاويه وطبعتها، وغيرها مما نسب إليه تحت صفة التأليف والكتابة.

4. إن المقاصدية لدى منتج النص، وبحسب ما قرره علماء اللسانيات لا سيما في التداولية ومعايرها(1).

أن يتبعها أي، المقاصدية: أحراز المقبولية لدي المتلقي فهو غاية أي متكلم وخطابه، بل: أن احراز القوة الإنجازية لمعاني المفردات ليندفع معها المتلقي سواء كان عبر السماع أو القراءة الى الانقياد لما يريده المتكلم.

وهذه الآلية التي أرشد إليها علماء اللغة وفلسفتها، قد تناولها علماء الأخلاق أيضاً ضمن قاعدة: التخلية و التحلية.

فقد أخلى ابن عثيمين ذهن المتلقي من المكونات العقدية في حرمة البضعة النبوية وشأنيتها عند الله ورسوله (صلى الله عليه و آله وسلم) ليتبعها بعد ذلك

ص: 78


1- لمزيد من الاطلاع، ينظر: فاطمة (عليها السلام) في نهج البلاغة مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته، للمؤلف، الجزء فصل التمهيد

بإدخال عقيدته وفكره في أذهانهم عبر تقديم مقدمة تناول فيها ما شجر بين البضعة النبوية وأبي بكر مرکزاً على الخصومة ضمن مراوغة جديدة وتلاعب في الأفكار وبث الشبهات في حصر ما جرى تحت عنوان المخاصمة ومن ثم تمرير: أن لا يبقى للإنسان عقل يدرك به مايقول أو يفعل أو ما هو الصواب فيه!!!

لكن ثمت سؤال لم يسأل ابن عثمين به نفسه: هل من دليل يثبت ذهاب العقل عند المخاصمة؟!

هذا ما سنتناوله في ثانياً.

ثانيا - ذهاب العقل عند المخاصمة مخالف للقرآن والسُنّة واللغة وسيرة الفقهاء.

لم يذكر ابن عثيمين من أين أستنتج: (أن الإنسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به مايقول أو يفعل، أو ما هو الصواب فيه) لينعت بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) بذلك!! هل هو القرآن أم السُنّة النبوية، أم سُنة الشيخين، أم حكام بني أمية وبني العباس، أم علماء اللغة، أم أئمة المذاهب وفقهائها، أم الفلاسفة والمناطقة؟!!

ومن ثم: لا يعلم أحد سوى ابن عثيمين من أين جاءت هذه المقولة، وهل هي فرضية أم نظرية أم فتوى أم حكمة؟!! ولذا فقد عرضناها على القرآن والسُنّة النبوية واللغة والفقه، فكانت النتيجة على النحو الاتي:

ص: 79

ألف - لا دليل في القرآن على أن الإنسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به ما يقول أو يفعل.

لقد تناولنا في المبحث الأول من هذا الفصل معنی الخصومة في القرآن وذكرنا الآيات التي وردت فيها مفردة (الخصومة) ومشتقاتها فلم يرد فيها أي معنی يؤيد ما ذهب إليه ابن عثيمين في ذهاب العقل والادراك عند المخاصمة.

بل: قد دلّت الآيات المباركة على نقيض ما ذهب إليه ابن عثيمين فجميع المتخاصمين هم عقلاء ويدركون لما يفعلون أو ما يقولون أو ما هو الصواب في الخصومة.

لا سيما وان قطبي الخصومة اللذان تحدث عنهما ابن عثيمين كان الأصل في خصومتهما هو شرع الله تعالى.

وعليه:

«هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ»

«يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ» «وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ» «كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ»

«إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ»(1).

ص: 80


1- سورة الحج، الآيات: 19 - 23

والآيات المباركة تسير ضمن نسق واحير وهدف محدد في بيان طرفي الخصومات التي نشأت في شرع الله تعالى، وتظهر أن أحد الخصمين صادق والآخر کاذب، فإما الكاذب والمكذب لشرع الله تعالى تقطع له ولمن استن بسنته واتبع منهجه ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم الى غيرها من أصناف العذاب الذي ذكرته الآيات المباركة.

والتي ابتدأت بالبيان لقضية مهمة، وهي أن الخصومة تبتدأ بفردین فقالت:

«هَذَانِ خَصْمَانِ» لكن العذاب شمل الجماعة، فقالت: (اختصموا) و (الذين) وذلك للتركيز على أن الاصل في الخصومة هو شرع الله تعالى، أي: «فِي رَبِّهِمْ» فمن أستسن سُنّة مخالفة لشرع الله فأحدث فيها وأبدع يكون مصيره ومن أتبع سُنته ما بينته الآيات المباركة.

أما الذين أمنوا بالله وبما أنزل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعملوا الصالحات فإن عاقبتهم ما بينته الآية المباركة التي جمعت أصناف عدة من النعيم والكرامة في خلق موازنة بين الاستحقاقات لطرفي الخصومة.

أما لماذا ذكرت الآية البطون والجلود، فقالت:

«يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ» وذلك لكونهم أكلوا بمال الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما شاءوا من الأطعمة ولبسوا بها ما شاءوا من الالبسة ومست أبدانهم بهذه الأموال ما شاءوا من النساء، وافترشوا لجوانبهم وظهورهم ما شاءوا من الفراش.

ص: 81

فجاع بذلك المستحقون لهذه الأموال وأهلها، وعري من عري منهم، وأعزب من أعزب، وافترش الأرض من افترش، ومن ثم فقد توعد الله المستحلون لأموال الله ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) ألوان العذاب الذي يتلازم مع شأنية هذه الحرمات، ومواضع الالتذاذ بها.

باء - لا دليل في السُنّة النبوية على أن الإنسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به ما يقول أو يفعل.

مثلما جرى البحث في القرآن كذا جرى في السُنّة النبوية فلا دلیل نبوي قولاً أو فعلا أو تقريراً على أن الإنسان لا يبقى له عقل عند المخاصمة لاسيما وأنا قد تناولنا دلالة المفردة في السُنة فكانت النتيجة مخالفة ومعارضة ونافية لما ذهب إليه ابن عثيمين.

بل: لقد دلت النصوص على أن الخصومة حالة ملازمة للإنسان في جميع الأزمنة والأمكنة وهي ناشئة بين الأنبياء (عليهم السلام) وأقوامهم، فضلاً عن نشوئها بين أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وذلك لاحتياجهم الى من يُبيّن لهم قضاء الله وشرعه، قال تعالى:

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)»

ومن ثم: فهل كان الصحابة فيما شجر بينهم وعند المخاصمة لايبقى لهم عقل يدركون به ما يقولون أو يفعلون أو ما هو الصواب فيه؟!!

ص: 82

جيم - لا دليل في اللغة على أن الإنسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به مايقول أو يفعل.

تناولنا في التمهيد معنی الخصومة في اللغة والاصطلاح، وكذلك معنی: المجادلة، والملادة، والمناظرة فلم يرد في المعاجم اللغوية والاصطلاحية معنی يرشد الى ما ذهب إليه ابن عثيمين في المخاصمة؛ أو المجادلة أو الملادة.

بل: على النقيض مما قاله ابن عثيمين، فقد دلّت أقوال علماء اللغة الى أن المخاصمة قد شغلت حيزاً مهماً في مسيرة الإنسان، وذلك لاحتياجه الى القضاء وحل النزاعات، ولو كان الإنسان يذهب عقله عند المخاصمة والتخاصم، فلأي مسوغ شرعي أو عقلائي - على طول تاريخ البشرية - كان إنشاء المحاكم وتعيين القضاة، والناس (لا عقل لهم يدركون به ما يقولون أو يفعلون أو ما هو الصواب) كما يزعم ابن عثيمين؟ وهو ما سنتناوله في ثالثاً.

ثالثاً - إذا كان العقل يذهب عند المخاصمة في أمر شرّع الله القضاء وأفرد له الفقهاء باباً في الفقه.

هذا السؤال لم يسأل بن عثیمین به نفسه، ولا أبناء الفرقة الوهابية، سواء اللذين تلقوا منه النص مباشرة فكانوا ضمن معيار المقبولية: المتلقي الأول، ولا المتلقي الثاني الذي طبع شرح صحیح مسلم أو التعليق عليه، ولا المتلقي الثالث: وهم القرّاء الذين تلاقفوانتاج شيخهم تلقف الكرة، فلعلهم أستسنوا بقول الصحابي (أبو سفيان بن حرب حينما بيوع لعثمان بالخلافة وهو يخاطب بني عمومته، قائلا:

ص: 83

(تلقفوها یا بني أمية تلقف الكرة فما الأمر على ما تقولون)(1).

أو لقوله يوم قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(تلقفوها الآن تلقف الكرة فما من جنة ولا نار)(2).

فتلقف أبناء الفرقة الوهابية تهجم ابن عثيمين على بضعة النبوة وصفوة الرسالة تلقف الكرة، فتقولوا قوله مرتين، الأولى: بعنوان شرح صحيح مسلم، والأخرى: بالتعليق على صحيح مسلم، فضلاً عن تداوله في محافل تدریس الفكر الوهابي.

وعليه:

لم يتعرض أحد منهم لمراجعة كتب الفقهاء وأقوالهم وتعريفهم للقضاء وعلته وغايته وذلك لكونهم لايقرؤن الفقهاء المذاهب من أهل السُنّة والجماعة، فقد اقتصروا على إمامهم ابن تيمية وشيخهم محمد بن عبد الوهاب وذلك لكونهما (منّة مَنَّ اللهُ بها عليهم) کما افتی به بن عثيمين، ومرّ بيانه في التمهيد؛ ولو أنهم قرئوا لفقهاء أهل السُنّة والجماعة لعلموا أن ما ذهب إليه شيخهم بن عثيمين في المخاصمة لم ير له موضعاً في كتب الفقهاء، ولا يعلم أحد بأصله ودليله؛ فضلاً عن تعارضه لأصل تشریع مدد

ص: 84


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 5 ص 12؛ تاریخ الطبري: ج 8 ص 185؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 343؛ الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: ج 6 ص 529؛ التذكرة الحمدونية: ج 9 ص 171؛ تاريخ أبي الفداء: ج 2 ص 57؛ جمهرة الامثال اللعسكري: ج 2 ص 57
2- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 5 ص 13

القضاء في الخصومات والمنازعات بين المسلمين أو فيما بينهم وأهل الكتاب أو فيما بينهم والكفار والمشركين. أو فيما بين الناس على اختلاف مذاهبهم واعتقاداتهم.

من هنا:

فقد بحثنا في كتب الفقهاء، لبيان معنى القضاء ودلالته وغايته، فكان على النحو الآتي:

الف - القضاء لغة.

يُرجع علماء اللغة معنى القضاء الى (الحُكم، وأُصله قَضایٌ لأَنه من قَضَيت، إِلا أَنَّ الياء لما جاءت بعد الأَلف همزت؛ قال ابن بري: صوابه بعد الأَلف الزائدة طرفاً همزت، والجمع الأَقضِيةُ، والقَضِيَّةُ مثله، والجمع القَضايا على فَعالَى وأصله فَعائل.

وقَضَى عليه يَقضي قَضاء وقَضِيَّةً، الأَخيرة مصدر کالأُولى، والاسم القَضِيَّة فقط؛ قال أَبو بكر: قال أَهل الحجاز القاضي معناه في اللغة القاطِع للأُمور المُحِكم لها.

واستُقضِي فلان أَي جُعِل قاضِياً يحكم بين الناس.

وقَضَّى الأَميرُ قاضِياً: كما تقول أَمرَ أَميراً.

وتقول: قَضى بينهم قَضِيَّة وقَضايا.

والقَضايا: الأَحكام، واحدتها قَضِيَّةٌ.

ص: 85

وفي صلح الحُدَيبِيةِ: هذا ما قاضى عليه محمد، هو فاعَلَ من القَضاء الفَضلِ والحُكم لأَنه كان بينه وبين أَهل مكة، وقد تكرر في الحديث ذکر القَضاء، وأَصله القَطع والفصل.

يقال: قَضَي يَقضِي قَضاء فهو قاضي إِذا حَکَم وفَصَلَ.

وقَضاء الشيء: إِحكامُه وإِمضاؤُه والفراغ منه فيكون بمعنى الخَلق.

وقال الزهري: القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إِلى انقطاع الشيء وتمامه.

وكلُّ ما أُحکِم عمله أَو أُتِمَّ أَو خُتِمَ أَو أُدِّيَ أَداء أَو أُوجِبَ أَو أُعلِمَ أَو أُنفِذَ أَو أُمضِيَ فقد قُضِيَ)(1).

باء - معنى القضاء في اصطلاح المتشرعة.

مثلما ارتکز مفهوم القضاء ومعناه في اللغة على (الحكم) كذلك هو في اصطلاح المتشرعة فمرکوز معنى الكلمة ومفهومها هو الحكم، وإن اختلف في مجالاته عن فتوى الفقيه کما سیمر - وهذا الحكم يدار مداره في الخصومة بين أثنين أو أكثر.

1. المذهب الامامي.

قال السيد الخوئي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 1413 ه) في تعريف القضاء: (هو فصل الخصومة بين المتخاصمين، والحكم بثبوت دعوى المدّعي أو بعدم حق له على المدّعى عليه.

ص: 86


1- لسان العرب لابن منظور: ج 15 ص 186

والفرق بينه وبين الفتوى أنَّ الفتوی عبارة عن بيان الأحكام الكلية من دون نظر إلى تطبيقها على مواردها، وهي - أي الفتوى - لا تكون حجة إلّا على من يجب عليه تقليد المفتي بها، والعبرة في التطبيق إنّما هي بنظره دون نظر المفتي.

وأما القضاء: فهو الحكم بالقضايا الشخصيّة التي هي مورد الترافع والتشاجر، فيحكم القاضي بان المال الفلاني لزيد، أو أن المرأة الفلانية زوجة فلان، وما شاكل ذلك، وهو نافذ على كل أحد حتى إذا كان أحد المتخاصمين أو كلاهما مجتهداً.

نعم، قد يكون منشأ الترافع الاختلاف في الفتوى، كما إذا تنازع الورثة في الأرض، فادعت الزوجة ذات الولد الإرث منها، وادّعى الباقي حرمانها فتحاكما لدى القاضي، فإن حكمه يكون نافذاً عليهما وإن كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه)(1).

2- المذهب الشافعي:

عرفه الشرواني ب (فصل الخصومة بين خصمين فاكثر بحكم الله تعالى، قال ابن عبد السلام: الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية هو إظهار حکم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه فيه بخلاف المفتي فإنه لا يجب عليه إمضاؤه)(2).

ص: 87


1- القضاء والشهادات؛ تقریر بحث السيد الخوئي للشيخ الجواهري: ج 1 ص 11 - 14
2- حواشي الشرواني و العبادي: ج 10 ص 101

3. المذهب المالكي:

عرفة ابن رشد وتبعة ابن فرحون: ب (حقيقة القضاء: الأخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام؛ وقال ابن عرفة: صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين، فینحرج التحكيم وولاية الشرطة واخواتها والإمامة)(1).

4. وعرّفه فقهاء المذهب الحنفي:

ب (الالزام، وهو ما جاء في فتح القدير؛ وفي المحيط: بفصل الخصومات وقطع المنازعات، وفي البدائع: حكم بين الناس بالحق وهو الثابت عند الله تعالى من حكم الحادثة أما قطعاً بان كان عليه دليل قطعي وهو النصر المفسر من الكتاب أو السُنّة المتواترة أو المشهورة أو الاجماع؛ وأما ظاهر بان أقام عليه دلیلا يوجب علم غالب الرأي وأكثر الظن وهو ظاهر الكتاب والسُنّة ولو خبر واحد والقياس، وذلك في المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الفقهاء أو التي لا رواية فيها عن السلف)(2).

5. وعرّفه فقهاء الأباظية:

ب (بانه صفة حكمية توجب لموصوفها، هو القاضي، نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح، لا في عموم مصالح المسلمين، زاده بعض ولا حاجة إليه، لأنه يغني عنه لفظ الشرعي مثل بناء السور في موضع كذا)(3).

ص: 88


1- مواهب الجليل للحطاب الرعيني: ج 8 ص 64
2- البحر الرائق لابن نجم المصري: ج 6 ص 427 - 428
3- شرح كتاب النيل وشفاء الغليل لأطفيش: ج 13 ص 12

أذن: قد ذهب علماء اللغة والفقهاء في المذاهب الإسلامية الى أن القضاء ومفهومه وقصده وغايته هو: (فصل الخصومة بين المتخاصمين) فاذا كان هؤلاء المتخاصمون قد ذهبت عقولهم فلا يدركون ما يفعلون أو يقولون أو ما هو الصواب فلأي أمر شرّع الله القضاء؟! ولأي أمر قام الولاة والحكام بتنصيب القضاة في البلاد الإسلامية، والمتخاصمون ليس لهم عقل؟! أنه سؤال لا يعلم اجابته إلا بن عثيمين ولذا: نعت به بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

المسألة السادسة: مقاصدية قوله: في عدم إدراك البضعة النبوية (علیها السلام) «لما تقول أو تفعل أو ما هو الصواب فيه»!!!.

لقد سعی بن عثيمين الى تحقيق هدفه عبر إدعائه في اثار الخصومة، ليتبعه في طلب العفو عن بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها) مرتين، مرتكزا على سنام حجته في أن أبا بكر لم يستند الى راي وانما الى نص، ظانا أنه بذلك يستطيع أن يلزمها (عليها السلام) الحجة بقول: «لا نورث» بعلة صدوره كما يدعي أبو بكر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ليقترب من تسديد رميته وهجومه على البضعة النبوية في كونها - والعياذ بالله - وبعلة مخاصمتها (لخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله) لم يبق لها عقل تدرك به ما تقول أو ما تفعل أو ما هو الصواب فيه.

ومن ثم: ابتغى الوصول الى هدفه الأساس، وهو: أفراغ قول البضعة النبوية (عليها السلام) وفعلها من آثاره الدنيوية والأخروية، وهو غاية ما يخشاه ابن عثيمين، أي: أن تصل هذه الآثار الى الناس فيدركون ما لحق أبي بكر منها، بل

ص: 89

ويلحق ذلك كل من ظلمها وأسس لظلمها الى ظهور ولدها الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ فيرد المظالم ويقيم العدل ويقتص من الذين أسسوا أساس الظلم والجور على آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم).

وعليه:

فثمة آثار خطيرة أرتبطت بقول البضعة النبوية (عليها السلام) وفعلها، قد لحقت بأبي بكر والذين استنوا بسنته وهو غاية ما يخشاه ابن عثيمين، فسعى من أجله جاهداً معتمداً على نعتها - والعياذ بالله - بعدم الادراك فيما تقول أو تفعل، كي يسقط أقوالها وأفعالها في من ظلمها.

ومن ثم:

فما هي الاثار المرتبطة بقول البضعة (عليها السلام) وفعلها والذي أراد ابن عثيمين أسقاطها من أذهان الناس فلا يلتفتون أليه؟!! هذا ما سنتناوله فيما يلي:

أولا - الآثار المرتبطة بقول البضعة النبوية والتي يخشاها بن عثيمين أن تلحق بأبي بكر وبمن أستن بسنته.

لقد كشفت السنّة النبوية عن الآثار التي أرتبطت بقول بضعة النبوة فاطمة (عليه السلام) کي يتجنب المسلمون المساس بالحدود الشرعية التي تلازمت مع سيدة نساء الأمه وأم السادة الأئمة (عليهم السلام)، فينتهكون الحرمات ويتعدون على المقدسات ولكن قبل بيان هذه الاثار نورد بعض أقوالها الى أبي بكر في احتجاجها عليه، فما قالت له:

ص: 90

1. «یا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...»(1).

وقال: فيما اقتص من خبر یحیی بن زکریا إذ قال:

«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...»(2).

وقال:

«...وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ...»(3).

وقال:

«يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ...»(4).

وقال:

«...إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ...»(5).

ص: 91


1- سورة النمل، الآية: 16
2- سورة مريم، الآية: 6
3- سورة الأنفال، الآية: 75
4- سورة النساء، الآية: 11
5- سورة البقرة، الآية: 180

وزعمتم : أن لا حظوة(1) لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ او لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة(2)، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم».

2- وردت عليه لما ذكر لها أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

«نحن معاشر الانبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً وانما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه».

فقالت (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها):

«سبحان الله ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتاب الله صادفاً، ولإحكامه مخالفاً! بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون الى العذر أعتلالاً عليه بالزور وهذا بعد وفاته شبیه بما بغى من الغوائل في حياته هذا كتاب الله حكماً عدلاً، وناطقاً فصلا يقول:

«يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...»(3).

ص: 92


1- الحظوة: المكانة
2- مخطومة: من الخطام بالكسر، وهو: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به، والرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس
3- سورة مريم، الآية: 6

ويقول:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...»(1).

وبيّن عزّ وجل فيها وزع من الاقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون»(2).

وقد أثبتت عبر خطبتها واحتجاجها إن أبا بكر قد سنّ ظلمها وظلم شريعة الله وظلم رسوله الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن هذه الملازمة في الظلم قد أحاطت بها آثار عظيمة بيّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي على النحو الآتي:

ألف - إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وملازمته لأثار قولها.

يُعد هذا الحديث من الأحاديث النبوية الشريفة التي تناولها أئمة الحديث لدى الفريقين، أي الشيعة وأهل الجماعة في كتبهم، وهي على النحو الآتي:

أ- روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسنده المتصل الى الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

«یا فاطمة إن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك».

ص: 93


1- سورة النمل، الآية: 16
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 142؛ بحار الانوار للمجلسي: ج 29 ص 232

قال:

(فجاء صندل، فقال لجعفر بن محمد (عليهما السلام):

يا أبا عبد الله، إن هؤلاء الشباب يجيئونا عنك بأحاديث منكرة!

فقال له جعفر (عليه السلام):

«وما ذاك یا صندل»؟ قال:

جاءنا عنك، أنك حدثتهم: أن الله يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها؟

قال: فقال جعفر (عليه السلام):

«یا صندل، ألستم رویتم فيما تروون أن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب عبده المؤمن، ويرضى لرضاه»؟ قال: بلى. قال:

«فما تنكرون أن تكون فاطمة (عليها السلام) مؤمنة، يغضب الله لغضبها، ويرضى لرضاها!»، قال: فقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته)(1).

ب- روى الضحاك (ت 287 ه)، والدولابي (ت 103 ه)، والطبراني (ت 360 ه)، والدارقطني (ت 385 ه)، والحاكم النيسابوري (ت 405 ه) وغيرهم، واللفظ للضحاك، وقد أخرج الحديث بسندين، فقال في السند الأول:

ص: 94


1- الأمالي: ص 4467؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 51؛ معاني الأخبار للصدوق: ص 303؛ شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 3 ص 29؛ الأمالي للشيخ المفيد: ص 95؛ التعجب من أغلاط العامة لأبي الفتح الكراجكي: ص 134؛ الأمالي للطوسي: ص 427

(حدثنا عبد الله بن سالم المفلوج، وكان من خيار الناس، حدثنا حسين بن زید بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

وفي السند الثاني:

(عن عمر بن علي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم)، أنه قال لفاطمة رضي الله تعالى عنها:

«إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»(1).

ولقد حاول البعض صرف الحديث عن آثاره الشرعية والعقدية عبر تضعيف الحسين بن زید بن علي (عليهم السلام)، وهو على النحو الآتي:

1- جاء في كامل الجرجاني(2)، فعده من الضعفاء.

2- أما ابن عدي فقال: لا بأس به إلا أني وجدت في حديثه بعض النكرة(3)!!!

ص: 95


1- الآحاد والمثاني: ج 5 ص 363؛ الذرية الطاهرة للدولأبي: ص 168، المعجم الكبير للطبراني: ج 1 ص 108؛ و ج 22 ص 401 المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 153؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 203؛ علل الدار قطني: ج 3 ص 103، الإصابة الابن حجر: ج 8 ص 265 تهذيب الكمال للمزي: ج 35 ص 250؛ نظم درر السمطين للزرندي: ج 177؛ کنز العمال: ج 12 ص 111؛ اسد الغابة لابن الاثير: ج 5 ص 522
2- الكامل للجرجاني: ج 2 ص 351
3- میزان الاعتدال للذهبي: ج 1 ص 535

3- وقال ابن المديني: فيه ضعف(1).

4- وقال ابن معين: لقيته ولم أسمع منه، وليس بشيء(2).

5- وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: ما تقول فيه؟ فحرك يده وقلبها، يعني: يعني يعرف وينكر.

أقول:

1. فإما تضعیف المديني والجرجاني فلا يعوّل على قولهما ولا يعتد به وذلك التوثيق الدارقطني له(3)، فضلا عن ذلك فقد أخرج له في سُنّنه(4) وحسنّهُ الهيثمي(5).

بل: وأخرج له ابن ماجة في سننه في باب: ما جاء في غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(6)؛ والحاكم النيسابوري في أدعية صلاة الجنازة(7).

2. أما قول ابن معين: لعتبة ولم اسمع منه، وليس بشيء.

فعدم سماع ابن معين لا يَّدل على عدم وثاقة الحسين بن علي (عليهما السلام).

وان كان عنده ليس بشيء، فهو عند غيره بشيء كبير، إذ يكفي أنه صدوق

ص: 96


1- سؤالات محمد بن عثمان للمداینی: ص 113
2- التحفة اللطيفة للسخاوي: ج 1 ص 291
3- تهذيب التهذيب: ج 1 ص 215
4- نصب الراية للزيلعي: ج 2 ص 208
5- مجمع الزوائد: ج 9 ص 203
6- سنن ابن ماجة: ج 1 ص 471
7- المستدرك: ج 1 ص 359

عند غيره من أعلام أهل السُنّة والجماعة، وهو ما قاله ابن حجر العسقلاني(1).

3. أما قول عبد الرحمن عن أبيه أبي حاتم: فهو لم يجرحه، وسكت عنه، واكتفى بتحريك يديه، هذه الحركة فسرها عبد الرحمن بحسب فهمه ورأيه أنه يعرف حال الحسين بن زید (عليه السلام) وینکر معرفته.

بمعنی:

أن أبا حاتم أستنكر على ولده السؤال، وقد صرّح بهذه النكارة والاستغراب من أبيه عبر تحريك يده وتقليبها، بمعنى: أنك تعرف وتنكر.

وعليه:

يتضح إن عبد الرحمن أراد أن ينتزع من أبيه شيئاً يسوء به الحسين بن زید فلم يفلح في ذلك وإلا ما الداعي إلى استغراب أبي حاتم من سؤال ولده ونكرانه عليه؟!

4. إنّ استغراب أبي حاتم من سؤال ولده عبد الرحمن له تفسير آخر، وهو:

إن الشريف العلوي الحسين بن زید بن علي (عليهما السلام) كان ممن تتبعهم المنصور العباسي بعد خروج أخويه محمد وابراهيم (عليهما السلام)(2).

فقام بإخفاء نفسه والموارة عن الناس بين الجلوس في دار الإمام الصادق (عليه السلام) الذي تبناه منذ كان صغيراً بعد استشهاد أبيه

ص: 97


1- تقريب التهذيب: ج 1 ص 215
2- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني: ص 257

زید بن علي (عليه السلام) فتكفل به وزوجه بنت الارقط، فأخذ عن الإمام الصادق علماً جماً، وكان من الفقهاء، وله كتاب ورواية(1)، وكان كثير العبادة والبكاء على مصائب أهل بيت النبوة (عليهما السلام) حتى لقب بذي الدمعة(2).

وعليه:

لم يكن الحسين بن زيد يلتقي بالناس إلاّ حين أمن الطلب من السلطان وطاغوت بني العباس أبو جعفر الدوانیقي، فظهر بالمدينة ولم يكن يجالس أحداً، ولا يُدخل عليه إلآ من يثق به(3).

ولذا: لم يسمع منه ابن معين لما لقاه، بل ضعفه المديني بجريرة أخويه محمد وابراهيم في خروجهما على المنصور الدوانيقي.

وإلا فالمديني، والجرجاني، وابن معين، وعبد الرحمان ابن أبي حاتم، يعلمون أن الحسين بن زید (عليهما السلام) من حملة العلم والرواية، صدوق، ثقة، وری عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الكثير.

ومن ثم: فهذا دیدن المخالفين لعترة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) ودينهم القائم على نقد و تضعيف من خالف السلطان، وينكرون عليه ما يرويه في فضائل بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

ص: 98


1- فهرست أسماء مصنفي الشيعة للنجاشي: ص 52
2- مقاتل الطالبين للأصفهاني: ص 257
3- المصدر السابق

5. أما قول ابن عدي: (أرجو أنه لا بأس به، إلا أني وجدت في حديثه بعض النكرة)!!!

فلم يفصح ابن عدي أين النكارة في حديثه؟! لا سيما وأن أئمة الحديث أخرجوا له القليل من الأحاديث، فأخرج له ابن ماجة حديث واحد، والدارقطني حديث واحد، والضحاك ثلاثة أحاديث، والدولأبي ثلاثة أحاديث، والحاكم النيسابوري حديثان، والطبراني ستة أحاديث.

إلاّ أنّ الظاهر: إنَّ الشيء الذي أنكره ابن عدي، هو روايته لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها)، موضع البحث.

إذ كيف لا ينكر ابن عدي هذا الحديث وفيه من الاثار الشرعية والعقدية التي ترتعد منها فرائصه، ويوجل لها قلبه، وتفزع منها نفسه.

وليس هو الوحيد في هذا الشعور والنكارة فقد أنكره صندل حينما دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) فقال له:

(يا أبا عبد الله إن هؤلاء الشباب يحيؤنا عنك بأحاديث منكرة...) کما مرَّ ذكره آنفاً.

6. إنّ هذا الحديث الشريف يعاضده ويسانده بعض الأحاديث النبوية في بيان الملازمة بين غضب فاطمة وغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومما لا شك فيه أن الله يغضب لغضب رسوله، وهو ما سنتناوله في الفقرة الاتية:

ص: 99

باء - إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يغضب لغضب فاطمة (صلی الله علیه و آله وسلم) وملازمته لأثار قولها.

تناولنا في الفصل السابق في بيان التعريف بفاطمة (عليها السلام) في مقاصدية القرآن والسُنّة النبوية ضمن المسألة الثانية: مقاصدية الحديث النبوي في اختصاص فاطمة (عليها السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذكرنا في الفقرة أولاً: تعدد ألفاظ الحديث النبوي في قصدية (البضعة) لاسيما ما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل؛ فقد أخرجه البخاري بثلاثة ألفاظ، وأخرجه مسلم بلفظين؛ وأخرجه أحمد بن حنبل بلفظين، فضلاً عن بقية أئمة الحديث لا سيما أصحاب السُنن ومن ثم فلا حاجة لإعادة ذكر هذه الألفاظ للحديث الشريف، إلا أننا نورد منها لفظين، وهما:

1- أخرج البخاري، عن المسوّر بن مخرمة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

«فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني»(1).

2- أخرج مسلم النيسابوري، عن المسوّر بن مخرمة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها»(2).

فهذان الحديثان الشریفان قد أشتملا على جملة من العناوين الشرعية،

ص: 100


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم، ج 4 ص 210
2- صحیح مسلم: فضائل فاطمة (عليها السلام): ج 7 ص 141

والعقدية، وهو ما كان يخشاه ابن عثيمين لا سيما وهو في معترك شرحه لصحيح مسلم والتعليق عليه؛ ولذا: لم يتعرض لشرح کتاب المناقب في صحيح مسلم والتعليق عليه ربما لتجنبه الالزام الشرعي في حديث البضعة النبوية؛ ومن ثم ماذا يقول في غضبها على أبي بكر وعمر، وتلازم غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لغضبها، وغضب الله عز وجل لغضب رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

أفتراه يحاجج في الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والله تعالى يقول في محكم كتابه:

«وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ»(1).

فاحتجَّ ابن عثيمين بذهاب عقل الإنسان عند المخاصمة فلا يبقى له عقل يدرك به مايقول أو يفعل؛ وهي حجة داحضة عند الله عز وجل، وعند رسوله الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد بلغ صادعًا بالنذارة:

«أنّ فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني».

فضلا عن ذلك: -

فان نعتها - والعياذ بالله - بعدم العقل فلا تدرك ما تقول أو تفعل؛ لا يدفع ظلم أبي بكر لها، وإيذائه إياها أشد الأذى؛ بل كان ابن عثيمين شريكاً في إيذائها وظلمها، ولو أنّه قال ما قال في أحد نساء المسلمين لأذاها وذويها

ص: 101


1- سورة الشورى، الآية: 16

ذلك القول الفاحش؛ فكيف بسيدة نساء الأمة(1)، بل سيدة نساء الجنة(2)، بل سيدة نساء العالمين(3)، بل الأعظم من هذا وذاك أنها بضعة سيد المرسلين (صلى الله عليه واله وسلم) وقلبه وروحه التي بين جنبيه يؤذيه ما يؤذيها!!

إلاّ أن ابن عثيمين لم يكن غافلاً بعد هذا العمر من القراءة للصحيحين وما ورد فيهما من الحجج البالغة في بيان الاثار الشرعية والعقدية في آل البيت (عليهم السلام)، ونواة تكوينه البضعة النبوية الصديقة الكبرى فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها). ولذا:

قام بذرّ الرماد في العيون ليحجب على الناظر رؤية الحقيقية فيما تقول البضعة النبوية أو ما تفعل وبيانها للحجج البالغة في حقها؛ فضلاً عن تظلّمها لما جناه أبو بكر ومن أستن بسنّته.

لكن فاطمة لم تكتف بما قالت، بل اتبعت قولها بأفعال أشد أثراً وأمضَ بیاناً في ظلامتها وتظلمها لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأفزعت خصومها وأرهبت أعدائها وعلى كرور الليالي والأيام حتى ظهور ولدها الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه وشفا به صدور قوم مؤمنين)(4).

ص: 102


1- مسند أحمد: ج 6 ص 282؛ صحيح البخاري: ج 7 ص 142؛ صحیح مسلم: ج 7 ص 143
2- صحيح البخاري، باب: علامات النبوة: ج 4 ص 183؛ سنن الترمذي: ج 5 ص 326، فضائل الصحابة للنسائي: ص 76
3- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 122، المستدرك للحاکم: ج 3 ص 156؛ مسند أبي داوود: ص 197؛ المصنف لابن أبي شيبة ج 7 ص 257 السنن الكبرى للنسائي: ج 4 ص 252، کتاب الوفاة للنسائي: ص 23؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 23 ص 133
4- مسند أحمد: ج 3 ص 26؛ وأخرجه أبو داود في سننه بلفظ آخر، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتی يبعث فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» ج 2 ص 310 والملاحظ في هذا الحديث أن لفظ (واسم أبيه اسم أبي) هو دخيل من لسان الراوي بدليل التردد بين الرواة على الصياغة التامة للحديث النبوي فقد أورد أبو داود تردد الرواة قبل إيراده للحديث فوضع التردد بين معقوفتين فنبّه الى ذلك بقوله: (المعنى واحد كلهم عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إذن الحديث بالمعنى لا سيما لفظ (واسم أبيه اسم أبي)

ليأخذ بحقها ممن ظلمها عهد معهود من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو القائل:

«لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الارض ظلما وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً»(1).

وعليه:

كيف لا يملئها (عليه الصلاة والسلام) قسطاً وعدلاً وحق أمه وجده (صلى الله عليه وآله وسلم) منهوب مغصوب يتنعم به المترفون ويأكله الظالمون.

ولذا:

كان فعل فاطمة (عليها السلام) أشد اثراً في بيان العناوين الشرعية والعقدية التي لحقت بأبي بكر وعمر ومن أستن بسنتهما ونهج نهجهما في ظلمها وأذاها؛ فما الذي فعلته بضعة النبوة وصفوة الرسالة ففزع منه أبو بكر وعمر فحاولا إسترضائها؟!

ص: 103


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 3 ص 36

ثانياً - الآثار المرتبطة بفعل البضعة النبوية (علیها السلام) والتي يخشاها ابن عثيمين أن تحلق بأبي بكر وبمن أستن بسنّته.

لما وجدت البضعة النبوية (صلوات الله وسلامه عليها وأبيها وبعلها وبنيها) إن أبا بكر لم يزل عازماً على منعها من أرثها، ونحلتها، وسهم ذي القربی بعد أن كلمته بصفة مباشرة وغير مباشرة حينما ارسلت إليه تطالب بحقها، كما اخبرت عائشة عن ذلك؛ وبعد أن ألقت خطبتها الاحتجاجية في مسجد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فبعد هذه المحاولات من المطالبة بحقها بالتي هي أحسن وإصرار خصمها وأشياعه على ذلك التجأت الى القيام بما يلي:

الف - آثار فعلها (علیها السلام) في هجرها لأبي بكر وعمر دفعهما لاسترضائها فردتهما وهو ما يخشاه ابن عثيمين أن يصل الى الناس.

تناولت المصادر الإسلامية لدى الفريقين من أهل السُنّة والجماعة، وأهل الخاصة والمولاة لعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر دخول الشيخين أبي بكر وعمر على بضعة النبوة وصوفة الرسالة لغرض استرضائها عمّا بدر منهما بحرق دارها وتفتيشه، واسقاط جنينها المحسن، وما تبع ذلك من الظلم في منع أرثها، وحبس سهم ذي القربى، ومصادرة نحلتها وأرضها فدك.

وتفيد الروايات أنهما حاوَلا مراراً الدخول عليها بعد أن اشتدَّ بها المرض ووصول حديثها مع نساء المهاجرين والأنصار إليهما وشياعه في المدينة.

إلاّ أن الفارق بين روايات أبناء العامة وبين روايات أهل البيت (عليهم

ص: 104

السلام)، أن أهل الجماعة قالوا: بدخولها وحصولهما على رضا فاطمة (عليها السلام) !! وهو كذب صراح؛ کما سیمر.

وإن أهل البيت (عليهم السلام) يقولون إنها لم تأذن لهما إلاّ بعد أن ضمن لهما الإمام علي (عليه السلام) استحصال الإذن منها في الدخول، فلما دخلا عليها لم يخرجا من عندها (عليها السلام) إلا ببيانها لسخطها ودعائها عليهما.

وعليه: فالفارق كبير بين الروايتين، واثارهما الشرعية، وهو على النحو الاتي:

أولاً: ما روته أهل السُنّة والجماعة في دخول أبي بكر وعمرعلى فاطمة (علیها السلام) للحصول على رضاها.

1- روى البيهقي، والذهبي، وابن كثير، وغيرهم عن الشعبي قال:

(ثم لما مرضت فاطمة - عليها السلام - أتاها أبو بكر فاستأذن عليها، فقال علي عليه السلام -:

«یا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك».

فقالت:

«أتحب أن آذن له؟».

قال:

«نعم».

فأذنت له، فدخل عليها يترضاها، وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلاّ ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل

ص: 105

البيت ثم ترضاها حتى رضيت).

وأردفه الذهبي بقوله: هذا مرسل حسن، بإسناد صحيح(1).

2- وروى المحب الطبري عن عامر قال: (جاء أبو بكر إلى فاطمة عليها السلام وقد اشتدَّ مرضها فاستأذن عليها، فقال لها علي:

«هذا أبو بكر على الباب يستأذن فإن شئت أن تأذني له».

قالت:

«أو ذاك أحب إليك؟».

قال:

«نعم».

فدخل فاعتذر إليها وكلمها فرضيت عنه)(2).

3- وروي أيضا عن الأوزاعي، قال: (بلغني أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غضبت على أبي بكر فخرج أبو بكر حتى قام على بابها في يوم حار ثم قال: لا أبرح مكاني حتى ترضى عني بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل عليها علي فأقسم عليها أن ترضى،

ص: 106


1- السنن الكبرى للبيهقي: ج 6، ص 301، برقم 12515؛ فتح الباري لابن حجر: ج 6، ص 202، ط دار المعرفة، دلائل النبوة للبيهقي: ج 7، ص 281؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 121؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 47؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 5، ص 310؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 4، ص 575
2- الرياض النضرة للمحب الطبري: ص 176

فرضیت؛ أخرجه ابن السان في الموافقة)(1).

4- وروى البيهقي في الاعتقاد وابن حجر في فتح الباري فقال:

(وقد دخل أبو بكر على فاطمة في مرض موتها، وترضاها حتى رضيت عنه، فلا طائل لسخط غيرها ممن يدعي موالاة أهل البيت (عليهم السلام) ثم يطعن على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويهجن من يواليه ويرميه بالعجز والضعف واختلاف السر والعلانية في القول والفعل)(2).

أقول:

إنّ هذه المحاولات اليائسة والبائسة لا تستطيع أن تغير من الواقع الذي كان عليه حال أبي بكر وعمر بن الخطاب وعصابتهما من المسلمين أي شيء بل: إنها تزيد القارئ والباحث قناعة بفظاعة وشناعة ما أقدم عليه أبو بكر وعمر ومن آزرهما في ظلم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

كما أن هذه المحاولات لا تغني عن أبي بكر وعمر وغيرهما شيئاً إن كانت مخالفة للواقع فلن تدفع عنهما ما اقترفته أيديهما في حق بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

إما ما جاء في كلام البيهقي، فمردود جملة وتفصيلاً، فضلاً عن هشاشة الحجة، وبئس الدليل الذي استدل به على خلاف الشيعة لنهج أهل البيت (عليهم السلام) وكأنهم على جادة ثانية وطريق أخرى غير طريقهم وهديهم ص: 107


1- الغدير: ج 7، ص 228، الرياض النضرة للمحب الطبري: ص 176
2- الاعتقاد للبيهقي: ص 353، ط دار الآفاق الجديدة بيروت؛ فتح الباري لابن حجر: ج 6، ص 202، ط دار المعرفة؛ تاريخ أبي الفداء: ج 1، ص 80

فيحبون غير من أحب أهل البيت ويعادون من أحب أهل البيت (عليهم السلام)، وكأن البيهقي في كوكب آخر لا يرى غير اتِّهام شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) وإقصائهم.

ولكن:

1- أما قوله: (وقد دخل أبو بكر على فاطمة عليها السلام في مرض موتها وترضاها حتى رضيت عنه) فأول الكلام صدق وآخره كذب صراح، فدخول أبي بكر وعمر على فاطمة في مرضها الذي توفيت فيه ثابت، لا خلاف فيه عند أهل الجماعة وأهل الموالاة لعترة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وشيعتهم، وأما رضاها عنهما فكذب بإتفاق أعلام أهل السُنّة والجماعة إلا من شذ منهم وکابر ودلّس وأصر على الكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

بل: الثابت أنها غضبت على أبي بكر ولم تکلمه حتى توفيت؛ وهو ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما في صحيحها، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت:

(.... فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تکلمه حتی توفيت....)(1).

فمتى رضيت عنه وهي لم تکلمه حتى توفيت؟!!

وفي لفظ آخر للبخاري يصرح: بأنها غضبت عليه، فهجرته ولم تکلمه

ص: 108


1- صحيح البخاري، باب: غزوة خيبر: ج 5، ص 82؛ صحیح مسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا نورث: ج 5، ص 154؛ سنن الترمذي: ج 4، ص 157، برقم 1609

حتى توفيت؛ فعن عائشة: (إن فاطمة - عليها السلام - ابنة رسول الله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم؟ فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال:

«لا نورث ما تركناه صدقة».

فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت)(1).

وقال المعتزلي: (والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر وأنها أوصت ألا يصليا عليها)(2).

إذن:

الثابت أنهما دخلا عليها، لكنهما خرجا منها وهي غاضبة عليهما ولم تكلمهما حتى ماتت.

2- إن سخط من يتولى أهل البيت (عليهم السلام) الذي لا يبالي به البيهقي وابن حجر وغيرهما؛ نابع من سخط أهل البيت (عليهم السلام) على من ظلمهم؛ فسخط الشيعة يتلازم مع سخط أوليائهم وأئمتهم وساداتهم؛ وهم الله ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) وعترته.

ومن ثم: فالشيعة لاتبالي بمن سخط عليهم، وتنکّر لهم، ونصب لهم

ص: 109


1- صحيح البخاري، باب دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ج 4، ص 42؛ مسند أحمد: ج 1، ص 6، من مسند أبي بكر، الطبقات لابن سعد، ج 8، ص 28
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 6، ص 50، وج 16، ص 253

العداء؛ لاسيما وهم قد أحرزوا رضا الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) وعترته (عليهم السلام).

وقد ثبت في مصادر الفريقين أن فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر ومن ساندهما وأعانها وناصرهما على ظلم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقتلت ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحرق دارها وسرق مالها وأرضها وسهما من الخمس، وغير ذلك.

3- هناك فرق بين من يتولى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته أهل بيته (عليهم السلام) وسار بهديهم وتمسك بهم حتى یردوا مع القران على الحوض؛ وبين من يتولى مطلق الصحابة؛ الذين لم يخلص منهم يوم القيامة «إلا مثل همل النعم» کما ورد في الصحيح المتواتر عنه (صلى الله عليه واله وسلم).

4- إن من لا يفرق بين المؤمن والمنافق من الصحابة فهو راد علی کتاب الله الذي أنزل في المنافقين من الصحابة سورة کاملة، وعليه لابد من التمييز بين هؤلاء، بين المؤمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين المنافق الذي لم يؤمن بالله ورسوله (صلى الله عليه و آله وسلم)، وابتغى الفتنة وقلّب الأمور عليه وتربص به وبمن أمن الدوائر.

وبما أن عملية التمييز من أهم ما يحتاج اليه المسلم للنجاة من الضلال والهلاك في الدنيا والآخرة فلا بد له من الرجوع إلى القانون الذي وضعه رسول الله في التمييز بين الصحابة وهو حب الامام علي (عليه السلام) فمن

ص: 110

أحبه كان مؤمناً ومن أبغضه كان منافقاً(1).

5- إن الحديث الذي احتج به البيهقي في ترضي فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر وعمر، هو حديث مرسل، والمرسل لا يحتج به أمام الصحيح الذي أخرجه الشيخان وغيرهما.

أما حقيقة ما كان من دخول أبي بكر وعمر على فاطمة (عليها السلام) في مرضها، وما جرى بينهم من حديث؟ فمعرفته تكون من رواية أهل البيت (عليهم السلام) فهم أدرى بما جرى في دارهم من الغريب والبعيد عنهم!! وهو على النحو الآتي.

ثانياً: دخول أبي بكر وعمرعلى فاطمة (علیها السلام) وغضبها وسخطها عليهما أثناء اللقاء.

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، أنه قال:

«.. فلما مرضت فاطمة مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين واستأذنا عليها فأبت أن تاذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهدا أن لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويتراضاها.

فبات ليلة في البقيع ما يظله شيء ثم إن عمر أتى عليا عليه السلام فقال له: إن أبا بكر شیخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار فله صحبة وقد أتيناها غير هذه المرة مرارا نريد الإذن عليها وهي تأبي

ص: 111


1- مسند أحمد: ج 1، ص 84

أن تأذن لنا حتى ندخل عليها فتراضي فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل.

قال: نعم، فدخل علي على فاطمة (عليها السلام) فقال: يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد ترددا مرارا كثيرة ورددتها ولم تأذني لهما وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك.

فقالت: والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقي أبي، فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني.

فقال علي (عليه السلام): فإني ضمنت لهما ذلك، قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال، لا أخالف عليك بشيء فأذن لمن أحببت، فخرج علي (عليه السلام) فأذن لها فلما وقع بصرهما على فاطمة (عليها السلام) سلما عليها فلم ترد عليهما وحولت وجهها وعنهما فتحولا واستقبلا وجهها حتی فعلت مرارا وقالت: ياعلي جاف الثوب، وقالت لنسوة حولها: حوّلن وجهي.

فلما حولن وجهها حولا إليها فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عما كان منا إليك.

قالت: لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبداً حتى ألقي أبي وأشکو کما إليه وأشكو صنیعکما وفعالكما وما ارتكبتما مني.

قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذنا بما كان منا.

ص: 112

فالتفتت على علي (عليه السلام) وقالت: إني لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله فإن صدقاني رأيت رأيي.

قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلا حقا ولا نشهد إلا صدقا.

فقالت: أنشدكما الله أتذكران أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر علي؟

فقالا: اللهم نعم.

فقالت: أنشد کما بالله هل سمعتها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟

قالا: اللهم نعم.

قالت: الحمد لله.

ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يامن حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكو كما بما صنعتما بي وارتكبتما مني.

فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني، فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة وقاما وخرجا»)(1).

ص: 113


1- علل الشرایع: ج 1، ص 187 - 188

ثالثا: ما روي من أهل السُنّة والجماعة بما يقارب رواية الشيخ الصدوق (رحمه الله) في غضب فاطمة (علیها السلام) على أبي بكر وعمر حينما دخلا عليها يترضيانها.

أخرج ابن قتيبة الدينوري (المتوفي سنة 276 ه)، فقال:

(قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».

فقالت:

«أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم تعرفانه وتفعلان به؟».

قالا: نعم، فقالت:

«نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟».

ص: 114

قالا: نعم سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، قالت:

«فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه».

فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول:

«والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها».

ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منکم معانقا حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي، قالوا: يا خليفة رسول الله، إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم لله دین، فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة مابت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

قال: فلم يبايع علي - عليه السلام - حتى ماتت فاطمة - عليها السلام، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة)(1).

والحديث الذي دار بين أبي بكر والناس لا يغني ولا يسمن من جوع، فقد مضت فاطمة (صلوات الله علیها) إلى ربها مظلومة، مسلوبة، مقتولة، وهي التي:

1- يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.

ص: 115


1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج 1، ص 20

2- يؤلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يؤلمها ويبسطه ما يبسطها.

3- بضعة منه يرضيه ما يرضيها ويغضبه ما يغضبها.

وقد آذى أبو بكر وعمر وعصابتها من المسلمين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والله سبحانه يقول في محكم كتابه الكريم:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»(1).

لاسيما وأن أبا بكر قد اعترف بجريمة حرق بيت فاطمة (عليها السلام) وأقتحامه وما لحقها من هجوم عمر وأصحابه؛ وذلك حينما حضرته الوفاة، فهل في هذا الاعتراف حجة لمن أراد أن يلتمس العذر لأبي بكر وعمر فيما جنته يديهما؟!

«مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(2).

باء - أثار وصيتها بأن تدفن ليلاً وأن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها، دفع أبو بكر إلى الاعتراف بظلمها وندمه على ذلك.

إنّ مما فعلته بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) بعد هجرها لأبي بكر وعمر وانتزاعها بهذا الفعل الإقرار بما سمعاه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كونها بضعته يغضبه ما يغضبها، ويؤذيه ما يؤذيها، ودعائهما عليهما بعد كل صلاة تصليها.

ص: 116


1- سورة الأحزاب، الآية: 57
2- سورة الصافات، الآية: 154

هو إنها انتقلت الى عمل آخر وفعل جديد أشد أثراً من الأول وذلك أنه أصبح علامة فارقة في تاريخ المسلمين ومكونهم الفكري والعقدي الا وهو وصيتها (صلوات الله وسلامه عليها) بان تدفن ليلاً كي لا يشهد جنازتها ابو بکر وعمر، بل وكل من ظلمها أو التدليس فيها أو تأويلها وذلك أن اختفاء قبرها عن المسلمين وخليفتهم دليل قاطع على ظلامتها وأذاها.

ومن ثم:

لم يجد ابن عثيمين غير أن يُلجئ المتلقي في شرحه لصحيح مسلم والتعليق عليه إلى إفراغ فعلها (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعها وبنيها) من آثاره الشرعية والعقدية فنعتها - والعياذ بالله - عند مخاصمتها لأبي بكر بقوله «لا يبقى للإنسان عقل يدرك به ما يقول او يفعل...»

وذلك لعلمه بما لفعلها من أثار شرعية في غاية الخطورة إلا أنه لم يتعلم من أبي بكر الدرس على الرغم من تشیعه له؛ مما يكشف عن أن ابن عثيمين لا إمام له غير ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز؛ وإلا فأبي بکر اعترف بظلمه للبضعة النبوية (عليها السلام) وندم على ذلك بعد أن دفنت ليلاً ولم يشهد جنازتها والصلاة عليها، وما لهذا الفعل من آثار وخيمة وخطيرة يوم القيامة؛ في حين نجد ابن عثيمين وأشياخه لم يتعلموا من أبي بکر، فكذبوا في ادعائهم أنهم على السُنّة والجماعة. بل إنهم أبعد الناس عن السُنّة والجماعة.

وعليه:

ص: 117

فقد أخرج عبد الرزاق الصنعاني (ت 211 ه) ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه) و مسلم النيسابوري (ت 261 ه) وغيرهم، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، إنها قالت:

«فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي...»(1).

فهلا من سائل يسأل لم دفنها الامام علي (عليهما السلام) ليلا ولم يؤذن بها أبو بكر ولم يصلي عليها وهو (خليفة أبيها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)؟!!

وعليه: كان فعلها (عليها الصلاة والسلام) قد أدى إلى انتزاع الإقرار من أبي بكر بظلمها وندمه على ما فعل، لا سيما في أمر الهجوم على بيت النبوة، وحرقه، وضربها على يدها ووجهها، وكسر ضلعها، وإجهاض ولدها المحسن؛ فضلاً عن منع إرثها، ومصادرة أرضها، وحبس سهم ذي القربی عنها وعن ولديها الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

وم وعليه:

فقد حفظ التاريخ لنا هذه اللحظات التي كشف فيها أبو بكر حقيقة ما جرى، وقد قيل في علم القانون والقضاء: (إن الاعتراف سيد الادلة) أو (الإقرار سید الأدلة)؛ إذ يُعد الاعتراف: من أهم أدلة الإثبات الجنائي، وذلك لإقرار الفاعل

ص: 118


1- مصنف الصنعاني: ج 3 ص 251؛ صحيح البخاري، باب: غزوة خيبر: ج 5 ص 572؛ صحیح مسلم، باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نورث: ج 5 ص 154

على نفسه بما فعل لا سيما إذا كان الفاعل بعيداً عن الضغط والتهديد، بل: كان أقراره في حالة الندم والتأسف على ما اقترفته يداه.

ومن ثم:

فقد روى الطبراني، وابن جرير الطبري، والذهبي، وابن عساکر، والمسعودي، وغيرهم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه قال:

(إن عبد الرحمن بن عوف، دخل على أبي بكر في مرضه الذي قبض فيه، فرآه مفيقاً، فقال عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئا(1).

فقال له أبو بكر: أتراه؟(2)، قال عبد الرحمن: نعم، قال: إني على ذلك الشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي، لأني وليت(3) أمركم خيركم في نفسي، وکلکم ورم من ذلك أنفه، پرید أن يكون الأمر دونه، ثم رأيتم الدنيا مقبلة، ولما تقبل وهي مقبلة، حتی تتخذوا ستور الحرير ونصائد الديباج(4)، وتأملون الاضطجاع على الصوف الأذربي کما يألم أحدكم اليوم أن ينام على شوك السعدان(5).

والله لأن يقدم أحدكم، فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض(6) غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس غدا، تصفونهم عن الطريق يمينا

ص: 119


1- بارئا: سليما معافي
2- أي: انك ترى أنني شفيت من المرض
3- الولاية: المسؤولية والنصرة والقيام بالأمر
4- الديباج: هو الثّياب المتّخذة من الإبريسم أي الحرير الرقيق
5- السعدان: نبت ذو شوك، وهو من جيّد مراعي الإبل تسمن عليه
6- خاض الشيء: دخله ومشى فيه

وشمالا، یا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.

قال عبد الرحمن: فقلت له: خفض عليك رحمك فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك بين رجلين، إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك، فهو يشير عليك برأيه، وصاحب کما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، وإن كنت لصالحا مصلحا، فسكت.

ثم قال: مع أنك، والحمد لله ما تأسى على شيء من الدنيا، فقال: أجل إني لا آسی(1) من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم).

أما اللاتي وددت أني تركتهن، فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، وإن كانوا قد أغلقوا على الحرب وودت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي، ليتني قتلته سريحا، أو خليته نجيحا، ولم أحرقه بالنار، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة، كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، عمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح، فكان أحدهما أميراً، وكنت أنا وزیراً.

وأما اللاتي تركتهن، فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس الكندي أسيراً، كنت ضربت عنقه، فإنه يخيل إلىّ أنه لن يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون، ظفروا، وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد،

ص: 120


1- آسی: أحزن

ووددت أني إذ وجهت خالداً إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله.

وأما اللاتي وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم)، فوددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لمن هذا الأمر، فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته: هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيئاً)(1).

ولكن مع كل هذا الأسى والندم، والإقرار، والاعتراف الصريح بجريمة كشف بيت فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) وأقتحامه وحرقه وهو بيت سيد الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه واله

ص: 121


1- الأموال لابن زنجويه: ج 1، ص 387، حدیث 364؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 1، ص 62؛ الاكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي: ص 174؛ الخصال للصدوق: ص 172؛ تاریخ الطبري: ج 2، ص 353، ط دار الكتب العلمية؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 118؛ تاریخ ابن عساکر: ج 30، ص 418؛ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 2، ص 78؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 1، ص 290، ط دار القلم؛ اعجاز القرآن للباقلاني: ج 1، ص 138 - 139، ولم يورد کشف بيت فاطمة عليها السلام؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 47؛ سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 1، ص 443، ط المطبعة السلفية بالقاهرة: البحار للمجلسي: ج 30، ص 123؛ ضعفاء العقيلي: ج 3، ص43؛ میزان الاعتدال للذهبي: ج 5، ص 13؛ لسان الميزان لابن حجر: ج 4، ص 189؛ الأحاديث المختارة للمقدسي: ج 1، ص 89؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 5، ص 203؛ نهج الحق: ص 265

وسلم) بید اولئك المسلمين الذين قادهم خليفتهم عمر بن الخطاب!!! وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة الكوفي(1)، وابن أبي عاصم(2) وغيرهم(3) سواء من نقل تهدید عمر بن الخطاب بحرق بيت النبوة بمن فيه، أو الذين حذفوا التهديد(4).

يبقى البعض كابن عثيمين ينعت البضعة النبوية بهذه النعوت والعياذ بالله ظاناً أنه يستطيع أن يمرر على المتلقين لقوله إخفاء هذا الظلم الذي الحق بالبضعة النبوية أو افراغ ما لقولها وفعلها من الآثار الشرعية والعقدية أو أنه ينتصر لعقيدته الوهابية أو أنه لا يقصد الإساءة والتجاوز على بضعة النبوة وصفوة الرسالة عبر طلب العفو عنها، فيكرره في خطابه مرتين الأولى في مقدمة الحديث والثانية في خاتمة الحديث في قصدية جديدة ابتغاها ابن عثيمين، وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة السابعة: قصدية ابن عثيمين في اختتام حديثه بطلب العفو عن بضعة النبوة تختلف عن مقاصدية الابتداء به.

يختتم ابن عثيمين خطابه مع طلبته ومن حضر شرحه لصحيح مسلم

ص: 122


1- المصنّف: ج 8 ص 572 بتحقيق سعيد اللحام
2- المذكر والتذكير: ص 91، ط المنار دار الرياض
3- السقيفة وفدك للجوهري: ص 40؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 2 ص 45؛ کنز العمال للمتقي الهندي: ج 5 ص 651؛ جامع الاحادیث للسيوطي: ج 26 ص 395؛ مجلة البحوث الإسلامية، تصدر عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: ج 82 ص 317، السعودية
4- الاستیعاب لابن عبد البر: ج 3 ص 975؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17 ص 167؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19 ص 40؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 1 ص 364

والتعليق عليه فيما شجر بين أبي بكر وبضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) بقوله:

(فنسأل الله أن يعفو عنها وعن هجرها خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

ساعياً الى تحقيق مقاصدیات ثلاثة، وهي:

1. حصر ذهن المتلقي في أن البضعة النبوية هي المذنبة والعياذ بالله فيما شجر بينهما، ولذا: نراه يكرر طلب العفو عنها.

2. حصر الحرمة والشأنية في عنوان الخلافة وليس في البضعة والعترة النبوية (عليهم الصلاة والسلام).

3. منح أبي بكر صفة الجعل والتعين في عنوان خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذا: نجده اتبع كلامه في البضعة بقوله: (وما فعله علي أمر عجيب ولا يمكن أن نخطى الصحابة في بيعة أبي بكر وتصويب علي فيما رآه، لأن ما رآه علي مخالف لظاهر السُنّة) ثم يورد ابن عثيمين بعض الأوجه البائسة والهزيلة من الدليل العلمي والمعارضة لصريح القرآن والسنة النبوية في الجعل الإلهي لأبي بكر في منصب خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وعليه:

ص: 123


1- لمزيد من الإطلاع، ينظر بحثنا الموسوم ب (وفاة رسول الله (ص) و موضع قبره وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه)

فقد ركزّ ابن عثيمين في خطابه على هذه القصديات الثلاثة، بل هي غايته التي أراد تلقينها لطلبته وأحراز مقبوليتهم وتصديقهم بقوله، وهو ما سنعرض له على النحو الآتي:

أولاً - مقاصدية قوله (فنسأل الله أن يعفو عنها وعن هجرها خليفة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)؛ ترتكز على العقيدة التيمية في ولي الأمر.

يسعى ابن عثيمين عبر حديثه مع طلبته ومستمعيه فيما شجر بين البضعة النبوية (عليها السلام) و أبي بكر مبتدأ الكلام بطلب العفو عنها - والعياذ بالله - لیستجمع ذهن المتلقي على قضية محددة بعد استحضار معنى العفو ودلالاته کما مرَّ بیانه سابقاً لينتقل بالمتلقي إلى قضيته الاساس وهي زرع العقيدة التيمية في ولي الأمر.

أي: أنها (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعليها وبنيها) أذنبت في مخاصمتها للخليفة وفي أصل مطالبتها (صلوات الله وسلامه عليها) لميراثها، وسهم ذي القربی، وأرض فدك، وذلك للأصل الذي يؤمن به ابن عثيمين والذي أصَّل له ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وسار عليه السلفيون والوهابيون ألا وهو الانقياد للحاکم والتسليم لأمره ولو كان في مقابل كتاب الله وسُنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنشأ في مقابل کتاب الله وسُنة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) سُنة الشيخين؛ وهو أمر تسالمت عليه معتقدات القوم فضربت عليه أعناق الصحابة وجلودهم وسُلبت أموالهم وانتُهِکَت أعراضهم ضمن عنوان طاعة ولي الامر في حوادث مفجعة ملئت بطون أمات الكتب الاسلامية، والمقام لا

ص: 124

يسمع الى تعدادها وبيانها لاسيما وقد مرَّ بيان بعض هذه الحوادث عبر هذه الدراسة ويكفي في ذلك:

1. قتل الصحابي سعد بن عبادة شيخ الأنصار، وألقاء التهمة في أقوام الجن، ولا نعلم لماذا اكتفى الجن بقتل شيخ الأنصار من بين صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لعل الجن استجاب لقول عمر بن الخطاب في مجريات الصراع السياسي على الخلافة في سقيفة بني ساعدة حيث كان شيخ الانصار حاضراً وقد أخذه المرض فأسندت له وسادة فلما أندفع الأوس البيعة أبي بكر نادي عمر (أقتلوه، قتله الله)(1) (أنه صاحب فتنة)(2)، فأستجاب (الجن)!! لإمر عمر بن الخطاب لما تولى الخلافة بعد أبي بكر فقتلوا شیخ الانصار(3)!!!

2. حرق الفجاءة السلمي الذي ندم أبو بكر على قتله حرقاً بالنار کما مرَّ بیانه.

3. کسر أضلاع الصحابي البدري الشَجري عبد الله بن مسعود وحبسه في المدينة فمات من علته، وقد أوصى أن لا يصلي عليه عثمان(4).

4- نفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه) الى الربذة

ص: 125


1- المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8 ص 572 تاريخ الطبري: ج 2 ص 459
2- العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 4 ص 257 ط دار الكتاب العربي
3- أسد الغابة لابن الأثير: ج 2 ص 285، تاریخ ابن خلدون: ج 2 ص 64؛ عمدة القاري للعيني: ج 24 ص 12
4- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 3 ص 43 الشافي في الامامة للمرتضی ج 4 ص 282

ليموت فيها وحيدة، ويدفن فيها وحيداً(1).

5. ضرب الصحابي الجليل عمار بن یاسر رکلاً برجل خليفة المسلمين عثمان بن عفان وسحق بطنه فأصابه الفتق، فضلاً من إنتقاص الخليفة من أمه سمية(2)؛ وذلك لكونها من الزنج ومملوكة.!!

6. قتل الصحابي مالك بن النويرة وقومه حرقا بالنار وهم يصلون، والزنا بامرأته في ليلة قتله، کما مرّ بيانه.

7. الهجوم على بيت النبوة ومهبط الوحي والتنزيل وموضع اختلاف الملائكة والروضة التي هي من رياض الجنة.

8. ضرب البضعة النبوية، وحرق دارها، وإسقاط جنينها، وسلب مالها، ومصادرة ارضها، ومنع حقها في سهم ذي القربی.

9. قتل ریاحانة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) و سيد شباب أهل الجنة مع ابنائه وأخوته وبني عمومته وسبي بناته ونسائه وهن بنات النبوة والطواف برأسه ورؤس أهل بيته من الكوفة الى الشام، وغير ذلك لكثير جدا.

وعليه:

ينطلق ابن عثيمين من رحم هذه المعتقدات فيبتدأ بطلب العفو عن البضعة النبوية لأصل خروجها ومطالبتها أبي بكر؛ فيستجمع ذهن المتلقي حول هذه

ص: 126


1- المستدرك للحاکم: ج 3 ص 51
2- انساب الاشراف للبلاذري: ج 5 ص 539

المسألة ليبني عليها هجومه وينهيه بطلب العفو عنها، ليس لتثبيت الأصل في كونها مذنبة - والعياذ بالله - لمطالبتها أبي بكر بحقوقها فقط، وإنما لهجرتها أيام، وهو ما كان يخشاه ابن عثيمين من أن يصل الى ذهن المتلقي أو لإدراكه مسبقاً أن المتلقي لديه من النصوص والثوابت مايرد به دعوة ابن عثيمين في طلب العفو عن البضعة النبوية (عليها السلام).

ومن ثم فإن لهجرتها من الاثار الشرعية ما ينسف حديث ابن عثيمين ويبطل دعوته، بل ويبطل دوی تصویب فعل أبي بكر وهو الذي أصبح بهذا الحجر الفاطمي موضعاً لأذى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد تلبست فيه أحاديثه الشريفة في أن الله تعالى يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، وأنه يؤذيه ما يؤذيها، وقد بين القرآن الكريم مصير من يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا».

ولذا: استعان ابن عثيمين في تمرير هذه الدعوة على ذهن المتلقين واحراز تفاعله ومقبوليته فألصقها بمنصب (خليفة رسول الله)؛ فأين كان عن فعل عائشة مع عثمان؟ ولماذا لم يسأل ابن عثيمين العفو عن عائشة في مطالبتها عثمان بزيادة نفقتها الشهرية وتأليبها المسلمين عليه؟! لقد أثبتت الدراسة أنفاً ولم تزل في أن الثوابت التي أسسها ابن تيمية، وابن عبد الوهاب، وسار عليها السلفيون والوهابيون هي العداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته (عليهم السلام).

ص: 127

فمن التحريم في شد الرحال لزيارة قبره وروضته الفردوسية، الى نقض فضائل أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) والبضعة النبوية، الى نعتها بذهاب العقل - والعياذ بالله - فلا تدرك ما تقول أو تفعل أو ما هو الصواب فيه، الى حجب الآثار الشرعية في رضاها وغضبها وإيذائها، والتدليس على المسلمين في كونها قد عارضت قرار ولي الأمر وهجرته والذي ينبغي على الرعية أن تنقاد لأمره وطاعته فأذنبت - والعياذ بالله - بذلك.

وعليه:

فقد جمع ابن عثيمين في دعائه للبضعة النبوية بالعفو بين التدليس على الحاضرين بانه لا يبغض البضعة النبوية وبين تمريره لعقيدة الوهابية في وجوب الطاعة لولي الأمر؛ ومن ثم فالأمر يدور حول أحقيته على الرعية؛ لكن ابن عثيمين لم يطلب العفو عن عائشة في مطالبتها ولي أمرها عثمان بن عفان!! الذي كان له اجتهاده في المساوات بينها وبين أمهات المؤمنين في العطاء الشهري، ولم يسأل الله العفو عنها لما ألبت المسلمين عليه ليلاً ونهاراً لينتهي هذا التأليب على ولي الأمر وخليفة المسلمين بالقتل في داره.

في حين أن بضعة النبوة وصفوة الرسالة وقرة عين المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تألب المسلمين على قتل أبي بكر، ولم تخرج قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنادي في الناس؛ بل غاية ما كان من فعلها بأبي وامي ونفسي وولدي بعد أن أجد أبو بكر في ظلامتها وألد في خصامها، أن لزمت دارها فلم تخرج منه إلا لزيارة قبر أبيها تبث له أحزانها وتشكوا له ما أنزل بها وبولديها (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

ص: 128

فأين حينئذ حقوق ولي الأمر واین اجتهاداته ولماذا سكت ابن عثيمين واشياخه واسلافه عما شجر بين زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخليفة المسلمين؟!

ولماذا لم يتبع ابن عثيمين فتوى إمامه ابن تيمية في العقيدة الواسطية بقوله:

(ثم أن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم)(1).

أفلم يكن للبضعة النبوية من الفضائل والمحاسن ما يسد النزر من هجرها أبي بكر، أم أن بغضها هو الغالب على العقيدة فطفح على قول ابن عثيمين، وان حبه لعائشة أعماه عن فعلها مع عثمان على بضعة دراهم لتناديه غاضبة:

(یا عثمان أكلت أمانتك وضیعت رعيتك وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك، لا سقاك الله الماء من فوقك وحرمك البركة من تحتك! أما والله لولا الصلوات الخمس لمشي إليك قوم ذو ثياب وبصائر يذبحوك من تحتك کا يذبح الجمل، فقال لها عثمان:

«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ»(2)(3).

أذن:

ص: 129


1- شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين: ج 2 ص 292
2- سورة التحريم، الآية 10
3- الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 2 ص 421؛ المحصول للفخر الرازي: ج 4 ص 343 - 344

كانت المقاصدية في قوله الذي كرر فيه طلب العفو مرتين، الأولى: لأصل خروجها للمطالبة بحقها من أبي بكر، والثاني: هجرها أياه وهو (ولي الامر) الذي منحه منع البضعة النبوية حقوقها، وهو غاية العقيدة التيمية؛ ولولا ذاك لما استطاع أن ينعتها والعياذ بالله بذهاب العقل والادراك؛ وهو ما سنتناوله فيما يلي:

ثانياً - مقاصدية حصر الحرمة والشأنية في عنوان الخلافة وليس في البضعة النبوية وعترة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلمأهل بيته (علیهم السلام).

يحاول ابن عثيمين جاهداً على تثبيت العقيدة التيمية السلفية الوهابية في أذهان طلبته ومستمعيه أو كما يعرف في لسانیات النص المتلقي الأول، لا سيما في أهم الأصول التي نشأة عليها عقيدة ابن تيمية وأشياعه؛ ألا وهي حصر الحرمة في عنوان الخلافة والصحبة، وأن اضطروا للقول بفضل أهل البيت (عليهم السلام) وذلك لما ألزمتهم به النصوص النبوية والقرآنية فوجدوا أن الا مهرب من الادعاء بحبهم.

ولكنهم مع هذه المدعيات في اتخاذ منهج الوسطية في فضل أهل البيت (عليهم السلام) و محبتهم أشركوهم مع غيرهم في أمرين أساسين، وفيهما يقول ابن عثيمين في شرحه لعقيدة ابن تيمية الموسومة بالواسطية:

(ومن أصول أهل السُنّة والجماعة أنهم يحبون آل بیت رسول الله، يحبونهم الأمرين، للإيمان والقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يكرهونهم أبداً.

ص: 130

ولكن لا يقولون كما قال الرافضة: كل من أحب أبا بكر وعمر، فقد أبغض علياً!! وعلى هذا، فلا يمكن أن نحب علياً حتى نبغض أبا بكر وعمر)(1).

ونلاحظ هنا في:

الأمر الأول - محبة أهل البيت (علیهم السلام) للإيمان بالله.

أن ابن عثيمين فاق شيخه ابن تيمية في طريقة التضليل على المتلقي ففي الوقت الذي وجد نفسه ملزماً بشرح قول ابن تيمية في محبة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنه يحدد هذه المحبة، بل ويتراجع عنها، بل ويصرح بعدم أمكانية محبة الإمام علي (عليه السلام) على قاعدة أبتدعها؛ متجنيًا بها على الرافضة، وذلك بوضع هذه الملازمة بين حب الإمام علي (عليه السلام) وبغض الشيخين دون أن يحيل القارئ الى مصدر واحد لهذا المدعي!!.

في حين أن حب علي بن طالب (عليه السلام) و مولاته فرض من الله أنزله في محكم كتابه فقال عز شأنه «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2) ومن ثم لا وجود لهذه الملازمة التي أوهم بها المتلقين لحديثه فكان اللازم عليه أن يتبع القرآن والسُنة النبوية في وجوب حب علي (عليه السلام) وموالاته، لا أن يتقوّل على الرافضة بذلك، وهذه علمائهم ومصادرهم مفتوحة للقاصي والداني.

ص: 131


1- شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين: ج 2 ص 273
2- سورة الشورى، الآية: 23

نعم: من أصول الرافضة التولي والتبري، أي التولي لأولياء الله والبراءة من أعداء الله متبعين في ذلك كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

أما الملازمة بين الحب والبغض فقد سنّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و حصرها في الإمام علي (عليه السلام) فقط دون غيره من الصحابة فقال له:

«لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق»(1).

ومن ثم: لا علاقة لأبي بكر أو أي أحد من الصحابة في هذه الملازمة والضابطة في تحديد ایمان المسلم ونفاقه، فمن أحب علياً كان مؤمناً، ومن أبغضه كان منافقاً.

فضلاً عن تشكيك الناس في حب علي (عليه السلام) وتخويفهم من أن يحبو علياً كي يبغضوا أبا بكر وعمر فيقعوا في هذه الملازمة التي صرّح بها ابن عثيمين، فهو أمر محدث، وكل محدث بدعة، وكل بدعة في النار.

الأمر الثاني - محبة أهل البيت لقرابتهم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم).

أما الأمر الثاني الذي ألزم ابن عثيمين نفسه به فأقر بوجوب محبة أهل البيت (عليه السلام) هو لقرابتهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه كعادته سرعان ما يضلل المتلقي ويشتت فكره وعقيدته؛ وذلك في أدخال أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته، وادخال عمومة النبي

ص: 132


1- صحیح مسلم، باب بیان اطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة: ج 1 ص 61

(صلى الله عليه وآله وسلم) في قرابته في محاولة بائسة لألواء عنق النصوص القرآنية والنبوية في حصر الأمر الشرعي بعنوان أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرابته ب: (فاطمة وعلي والحسن والحسين).

وذلك كي يبعد الناس لا سيما المتلقي الأول والثاني وغيرهم عن البضعة النبوية وبعلها وولديها (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) فيقول:

(إننا نشهد الله على محبة آل بیت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و قرابته، نحبهم لمحبة الله ورسوله. ومن أهل بيته أزواجه بنص القرآن، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).

فأهل البيت هنا يدخل فيها أزواج الرسول (عليه الصلاة والسلام) بلا ريب.

وكذلك يدخل فيه قرابته؛ فاطمة وعلي والحسن والحسين وغيرهم

ص: 133


1- سورة الأحزاب، الآيات: 28 - 33

کالعباس بن عبد المطلب وإبنائه)(1).

ونقول:

1. إن ابن عثيمين يعلم علم اليقين أنّ أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسنّ من أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سيما وقد تضافرت النصوص النبوية في ذلك كي لا يحتج محتج على الله يوم القيامة بعدم بيانه (صلى الله عليه وآله وسلم) - والعياذ بالله - لأحكام الله وشرعه.

فما ورد في السُنة النبوية بحصر أهل بيته ب (فاطمة وعلي و الحسن والحسين) (عليهم السلام) الكثير من النصوص لا سيما ما أوردناه في الفصل الأول في التعريف بفاطمة (عليها السلام) في مقاصدية القرآن والسُنّة؛ وحسبك منها ما صرّح به زيد بن أرقم في خروج أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته وثقله وعترته والذي سنورده لاحقاً بتمامة.

2. لقد روى أحمد بن حنبل في المسند، والترمذي في سننه ما ينص على حصر آية التطهير بفاطمة وبعلها وولدیهما (عليهم السلام) وخروج أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الآية المباركة، وهي على النحو الآتي:

أ. روى أحمد عن شهر بن حوشب عن أم سلمة (رضوان الله تعالى عليها):

(إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة:

«أتيني بزوجك وابنيك» فجاءت بهم، فألقى کساء فدكياً، قال:

ص: 134


1- شرح العقيدة الواسطية: ج 2 ص 274

ثم وضع يده عليهم، ثم قال:

«اللهم أن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبرکات على محمد وعلى آل محمد، أنك حميد مجيد».

قالت ام سلمة:

فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي، وقال:

«إنك على خير»(1).

والحديث الشريف واضح الدلالة، بيّنُ الحجة، قاطع لها في انحصار الآية المباركة في تحديد أهل البيت بهؤلاء الاربعة (عليهم السلام)، ولقد أدى فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بجذب الكساء من يد أم سلمة (رضوان الله تعالى عليها) ومنعها من الدخول معهم تحت الكساء الى قطع الطريق لكل من تسوول له نفسه بالكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ضم أزواجه إلى أهل بيته (عليهم السلام).

وأن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأم سلمة: «إنك على خير» لا يبخس أزواج النبي حقهنَّ لا سيما من عملت منهن بتكاليفها الشرعية التي نصت عليها الآيات المباركة في سورة الأحزاب وغيرها.

ب- روى الترمذي في صحيحه، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة:

ص: 135


1- منسد أحمد، حديث بعض أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ج 6 ص 323

(إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم) جلّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي، وحامتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

فقالت أم سلمة:

وأنا معهم یا رسول الله؟ قال:

«إنك على خير».

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روى في هذا الباب(1).

3. أخرج مسلم النيسابوري في صحيحه، عن زید ابن أرقم حدیث الثقلين واللذان حدهما النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بكتاب الله وأهل بيته (عليهم السلام) وليس كما يدعي ابن عثيمين واشياخه وأئمته بان الثقلين كتاب الله وسنته؛ فضلاً عن ذلك فقد سئل الحصین زیدبن أرقم (رحمه الله) عن التعريف بأهل البيت (عليهم السلام) وذلك لخطورة حديث الثقلين وما يأخذه باعناق المسلمين في الدنيا والآخرة، فعرفهم زید بن أرقم ونفي أن تكون أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته المخصصون بثقل النبي الواجب على الأمة اتّباعهم، قال زيد بن أرقم:

(قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعی خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ و ذکر، ثم قال:

ص: 136


1- سنن الترمذي: ما جاء في فضل فاطمة (عليها السلام): ج 5 ص 361

«أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن ياتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين كتاب الله، أولهما كتال الله فيه الهدى والنور فخذوا كتاب الله واستمسكوا به [قال زيد بن أرقم]: فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال:

«وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي».

فقال له حصين:

من أهل بيته یا زید؛ أليس نساءه من أهل بيته؟!

قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

قال: ومن هم؟

قال: هم، آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدّقة، قال: نعم)(1).

وهنا: وبعد نفي زيد ابن أرقم لدخول أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته بعلة تحريم الصدقة، فهنّ يأكلن الصدقات الواجبة کما هو حال مستحقي الزكاة، فانه يلجئ السائل الى أن تحديد من تحرم عليهم الزكاة، هم بنو هاشم؛ وهو عنوان خاص في أحكام مستحقي الزكاة وليس في عنوان حصر أهل بيته (عليهم السلام) في آية التطهير وأنهم ثقل هذه الأمة بعد كتاب الله تعالى، الواجب على الأمة أتباعهم.

ص: 137


1- صحيح مسلم، باب: فضائل علي (عليه السلام): ج 7 ص 123

ومن ثم: فإن قول ابن عثيمين:

(فاهل البيت هنا، يدخل فيها أزواج الرسول بلا ریب) هو من المحدثات والبدع المخالفة لصريح القرآن والسُنّة النبوية.

بل: إن هذا القول كله ریب وتقوّل على القرآن والسُنة النبوية، بل وتقوّل على شيخه ابن تيمية، بل وتقوّل على نفسه هو!! وذلك أمر في غاية الغرابة والتناقض في الأقوال والأحكام التي يطلقها ابن عثيمين مراراً وهي على النحو الآتي:

1. قال ابن عثيمين في حاکمية السُنة الصحيحة على القرآن، وأنها أي السُنة تنسخ القرآن، فيقول:

(فإذا صحت السُنة عن رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] كانت بمنزلة القرآن تماماً في تصديق الخير والعمل بالحكم؛ قال النبي [صلى الله عليه وآله وسلم]:

«لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، يقول: لاندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ألا واني أوتيت الكتاب ومثله معه».

ولهذا كان القول الصحيح أن القرآن ينسخ بالسُنّة إذا صحت عن النبي [صلى الله عليه وآله وسلم]، وأن ذلك جائز عقلاً و شرعاً، ولكن ليس له مثال مستقیم)(1).

ص: 138


1- شرح العقيدة الواسطية: ج 2 ص 5

والسؤال المطروح:

أ- لماذا لم يصدّق ابن عثيمين بأن أزواج النبي لسنّ من أهل بيته (عليهم السلام) الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وقد جاءت السُنة الصحيحة بذلك، ولماذا لم يعمل بحكمها؟!!

ب- لماذا يجعل نفسه مثالاً للحديث النبوي الشريف متكئاً على أريكته قد أتاه أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله، وقد أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع الثقلين كتاب الله وأهل بيته (عليهم السلام).

ج- إذا كان القرآن ينسخ بالسُنة الصحيحة؛ فكيف يدعي أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخلن في الآية بلا ریب والسُنة الصحيحة أخرجتهنّ من أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم).

2. إن من المتناقضات والغرائب في أقوال ابن عثيمين لا سيما مدعاه في قوله:

(ومن أصل أهل السُنة والجماعة انهم يحبون آل بیت رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] يحبونهم لأمرين، للإيمان وللقرابة من رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم]).

والتي لم تثبته أقوال ابن عثيمين، بل خالفته جملة وتفصيلاً، بل دعت الى نقضه والعمل بخلافه، وهو تقديم حب الصحابة على أهل البيت (عليهم السلام) وتفضيلهم جميعا عليهم (عليهم السلام) لاسيما على الإمام علي

ص: 139

(عليه السلام) وهو عمود أهل البيت النبوي وسنامه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنوان ثقل رسول الله الاصغر الذي تركه في أمته.

فيقول ابن عثيمين في بيان عقيدته الوهابية وأسلافه:

(فهم يحبون أصحاب النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] ويفضلونهم على جميع الخلق، لان محبتهم من محبة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم] و محبة رسول الله من محبة الله)(1).

ونقول:

1. مما لا شك فيه أن محبة من أحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي متلازمة مع محبة الله عز وجل، وأن من أبغضه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أبغضه الله عز وجل.

وعليه:

لابد من وجود نص في التخصيص بهذه المحبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للصحابي؛ أما الاطلاق فمخالف للقرآن والسُنة النبوية الصحيحة؛ بل يدعوا إلى هدم العقيدة.

فمثلاً كيف يتساوى عند المسلم حب عثمان بن عفان مع حب الصحابي

ص: 140


1- شرح العقيدة الواسطية ج 2 ص 348 ط دار ابن الجوزي

عبد الرحمن بن عديس البلوي الذي بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الشجرة فيقدم من مصر الى المدينة ليشارك في الهجوم على عثمان فيقتله في داره.

كيف يتساوی حب القاتل والمقتول، أن يحب المسلم عمار بن یاسر مع معاوية بن أبي سفيان زعيم الفئة الباغية بنص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ ومن ثم لا بد شرعاً وعقلاً من وجود التخصيص في محبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاحدٍ من الناس.

كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإمام علي (عليه السلام) في غزوة خيبر:

أ- «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»(1).

ب- في حبه للحسن والحسين (عليهم السلام)، فكان يقول:

«هذان ابناي، وابنا ابنتي، اللهم أني أحبهما، فأحبهما وأحب من يحبهما)(2) وغيرها من الأحاديث النبوية.

2. بل أن من الصحابة من آذى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتبرأ إلى الله تعالى من فعله، وهو خالد بن الوليد الذي قتل المسلمين في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم أسرى، وهو ما أخرجه البخاري مختصراً(3)، وأحمد في مسنده، عن عبد الله بن عمر، قال:

ص: 141


1- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى الإسلام، ج 4 ص 12
2- سنن الترمذي:ج 5 ص 322؛ مسند أحمد: ج 5 ص 369
3- صحيح البخاري، باب: إذا قالوا صبأنا: ج 4 ص 67

(بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد الى بني جذيمة فدعاهم الى الإسلام فلم يحسوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا، صبأنا.

وجعل خالد بهم أسراً وقتلاً، قال: ودفع الى كل رجل منا أسيراً حتى إذا أصبح يوماً أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره.

قال ابن عمر: والله، لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره؛ قال: فقدموا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكروا له صنع خالد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفع يديه:

«اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد» مرتين.)(1)

3. لقد صرحت السُنة النبوية الصحيحة ببيان حال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته، أنهم «لم يزالوا مرتدين على أعاقبهم منذ فارقتهم»(2).

ومن ثم: فإن القول بارتداد بعض الصحابة ليس من أقوال الرافضة كما يتهمهم ابن عثيمين وأشياخه؛ بل هو ما أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وغيرهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فهو من كشف عن حقيقة أصحابه، قائلاً:

ص: 142


1- مسند أحمد، مسند عبد الله بن عمر: ج 2 ص 150
2- صحيح البخاری، کتاب بدء الخلق: ج 4 ص 110

«فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم»(1).

فتبرأ منهم، ومما فعلوا واحدثوا من بعده، فيقول فيهم:

«كما قال البعد الصالح:

«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»(2))(3).

وعليه:

فإن قول ابن عثيمين في محبة الصحابة جميعاً وتفضيلهم على جميع الخلق هو مخالفة شرعية وعقدية وعقلية؛ لكنه أراد من تقديم الشأنية والحرمة للصحابة وللخليفة لغرض النيل من بضعة النبوة وصفوة الرسالة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعليها وبنيها).

وذلك أنه يعلم أن هناك ما يعارض هذه الغاية والقصدية لا سيما بما يرتبط بفاطمة (عليها السلام)؛ فالتجئ الى عنوان خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً:

(فنسأل الله أن يعفو عنها، وعن هجرها خليفة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]).

ص: 143


1- صحيح البخاری، کتاب الرقاق: ج 7 ص 309
2- سورة المائدة، الآية: 117 - 118
3- صحيح البخاری، کتاب الرقاق: ج 7 ص 195

فكرر العفو مرتين، الاولى عن مطالبتها بما فرض الله لها. والثانية عن هجرها أبي بكر؛ لكن ابن عثيمين غفل عن إنها (عليها السلام) قد اسقطت بقولها وفعلها مشروع الخلافة فمن نصّبه خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعله جعلاً شرعياً وتعیینياً:

*- هل هو الله عز وجل

*- أم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

*- أم اجماع المسلمين.

*- أم نفسه؟!!

فلو كان الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكانت بضعة النبوة وصفوة الرسالة أول من أطاع، بل وناصر ودعی، ولو كان المسلمون فلاي الأمور يكشف بيتها؟!

لكنّها هجرته فلم تکلمه غاضبة وساخطة وداعية الله عليه وعلى من ناصره وشایعه حتى ذهبت إلى ربّها صابرة محتسبة كاظمة فلم يؤذن بها ولم يشهد جنازتها ولم يعلم أين قبرها.

وصوتها يقرع أذان أبي بكر حتى موته ووقوفه بين يدي ربّه مردداً:

«فدونکها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون»(1)؛ «ولا ينفعكم إذ

ص: 144


1- مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه الأصفهاني: ص 203؛ شرح الاخبار المغربي: ج 3 ص 37

تندمون، ولكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم»(1).

المسألة الثامنة: لوقلت ما قاله ابن عثيمين في أبي بكر لقيل لي: إنّك تسب الصحابة!!

إن مما توصلت إليه الدراسة: إن لا ثوابت لدى الفرقة التي ينتمي إليها ابن عثيمين فهو لم ينحرف عن منهج أشياخه وأسلافه وصولاً الى إمام هذه الفرقة ومشيدها ابن تيمية.

ولعل: مسألة السب لدى هذه الفرقة هي من المسائل التي تتغير فيها ثوابت القرآن والسُنة النبوية بحسب الميولات النفسية والذهنية والعقدية التي توارثها مشایخ هذه الفرقة وأتباعها؛ وحسبك منها مسألة اللعن وأقحامها قهراً في السب على الرغم من التباين في المعنى والمفهوم والدلالة والسياق القرآني والنبوي في النهي عن سب المسلم والاثابة على لعن أعداء الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه الأصل في البراءة منهم وهو أمر تضافرت فيه الآيات المباركة، منها:

1. قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ»(2).

ص: 145


1- السقيفة وفدك للجوهري: ص 101؛ دلائل الامامة للطبري: ص 117؛ بلاغات النساء لابن طيفور ص 14؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16 ص 212؛ التذكرة الحمدونية: ج 6 ص 257
2- سورة القرة، الآية: 159

2. وقال عزّ وجل:

«كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(1).

3. وقال سبحانه:

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ»(2).

بل إننا لنجد القرآن الكريم لیورد للعن في باب الشهادات؛ بل في أدق الأمور الاخلاقية والاسرية؛ قال تعالى:

«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ»(3).

وغيرها من الموارد التي تنص على الاختلاف التام في معنى السب واللعن إلا أن ابن عثيمين في توليه واتباعه لابن تيمية يغاير في المعاني والدلالات والسياقات القرآنية والنبوية فينعت بضعة النبوة (عليه الصلاة والسلام) بعدم العقل والادراك فيما تقول أو تفعل - والعياذ بالله - دون مبالاة بهذا السباب والقول المشين في بضعة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 146


1- سورة آل عمران، الآية: 86 و 87
2- سورة هود، الآية: 18
3- سورة النور، الآية: 6 و 7

وفي المقابل نجد ابن تيمية واتباعه يمنعون لعن یزید بن معاوية ولا يجيزون ذکر جرائمه؛ بل: ایراد ما يقربه في نفوس الناس ظلماً وتدليساً وكذباً على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) متهمين بهذا الكذب والتدليس أتفاق أهل السُنّة والجماعة زوراً وبهتاناً عليهم؛ ولا يخفى على المتتبع ان المراد من أهل السُنة لدى هذه الفرقة هو ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وما افرزته هذه الفرقة وصولاً الى ابن عثيمين.

ولعل الرجوع الى قول ابن تيمية في اتهام الرافضة في سب الصحابة والتدليس على القارئ عبر جعل اللعن من السب ليصل الى غايته في منع اللعن عن یزید بن معاوية والاحسان إليه؛ لفيه الكافية في بيان نهج هذه الفرقة في ألواء عنق النصوص الشرعية بحسب ما تشتهيه أنفسهم وتقوده أهوائهم، فقال في فتاويه:

(فالرافضة لما كانت تسبُّ الصحابة صار العلماء يأمرون بعقوبة من يسب الصحابة، ثم كفَّرت الصحابة، وقالت عنهم أشياء قد ذكرنا حكمهم فيها في غير هذا الموضع، ولم يكن أحد إذ ذاك يتكلم في يزيد بن معاوية ولا كان الكلام فيه من الدين ثم حدثت بعد ذلك أشياء فصار قوم يظهرون لعنة یزید بن معاوية.

وربما كان غرضهم بذلك التطرق الى لعنة غيره، فكره أكثر أهل السُنّة لعنة أحد بعينه)(1).

فنلاحظ هنا:

ص: 147


1- مجموع الفتاوی لابن تيمية: ج 3 ص 309

أن ابن تيمية يستدرج القارئ عبر اتهام الرافضة بسب الصحابة ليتسلل الى مقصده وغايته في أمور، منها:

1. إن اللعن من السب، ومن ثم فمن لعن یزید يكون قد سبه.

2. أن يمنع اللعن عن يزيد بقوله: (فكره أكثر أهل السُنّة لعنة أحدٍ بعينه) سواء كان يزيد أو شمر بن ذي الجوشن، أو عمر بن سعد، أو عبيد الله بن زیاد، أو الحجاج، أو مسرف بن عقبة، أو غيرهم ممن سبقهم أو لحق بهم؛ فمن قام من المسلمين باتباع سُنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن الكريم في لعن الظالمين يكون في حكم ابن تیمیه وبدعته قد سب الصحابة ومن الرافضة.

ولذلك:

نجده يقوم بعد هذه المراوغة والتدليس على المتلقي بالثناء على يزيد بن معاوية وتبرئته من جرائمه وتحبيبه الى الناس، فيقول:

(فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان، ولم يدرك النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء، ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، وكان من شبان المسلمين؛ ولا كان كافراً ولا زندیقاً، وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين ورضا من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهراً للفواحش کما يحكي عنه خصومه)(1).

وفي تبرئته من جريمته في قتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبي بنات النبوة ونكت شفتي ريحانة رسول الله (صلى الله عليه

ص: 148


1- المصدر السابق

وآله وسلم) بالقضيب، وحمل رأسه (عليه السلام) إليه بعد أن طاف في المدن فيقول ابن تيمية:

(وجرت في أمارته أمور عظيمة: أحدها مقتل الحسين [عليه الصلاة والسلام] وهو لم يأمر بقتل الحسين، ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه، ولا حمل رأس الحسين إلى الشام)(1).

وعليه:

فابن عثيمين هو أحد ثمار هذه الفتاوى والأراء والفكر والعقيدة، ومن الذين يجعلون التعظيم للظلمة ويتهمون من يقوم بلعن الظالمين والذين يؤذون الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيتهمونه بسب الصحابة ويحكمون بعقوبته، ولكنهم يبيحون لأنفسهم النيل من عباد الله الصالحين وأهل بيت خير المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) کما فعل ابن عثيمين وغيره من اسلافه واشياخه واتباعه واشياعه.

لكننا هنا نورد ما جاءت به الشريعة المحمدية الغراء في بيان حكم من اذي فاطمة (صلوات الله عليها) وسبها ونعتها بالقول المشين، وهي على النحو الاتي:

أولاً - حكم الشريعة فيمن آذى عترة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم).

إن المتتبع لأحادیث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجد هناك كمّا كبيراً منها قد خصص لبيان حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحرمة

ص: 149


1- مجموع الفتاوی: ج 3 ص 310 - 311

عترته (عليهم السلام) وبيان مكانتهم منه لا سيما وأننا قد أوردنا بعضاً منها في الفصل الاول من هذه الدراسة وقد بينا أن التعرض لهم هو تعرض لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان فقهاء المذاهب الاسلامية قد أستندوا الى هذه الاحاديث في بيان حكم الشريعة الإسلامية لمن تعرض لهم جميعاً، فمنها:

1- أخرج أحمد في المسند، عن عبد المطلب بن ربيعة، قال: دخل العباس ابن عبدالمطلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:

یا رسول الله، إنا لنخرج فنری قریشاً تحدث فاذا رأونا سكتوا.

فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و در عرق بين عينيه، ثم قال:

«والله لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي»(1).

2- أخرج ابن أبي شيبة في المصنّف عن أبي الضحی مسلم بن صبيح قال: قال العباس: یا رسول الله، إنا لنرى وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم؟ فقال (صلى الله عليه - وآله - وسلم):

«لن يصيبوا خيراً حتى يحبوکم لله ولقرابتي، ترجو سلهف شفاعتي ولا يرجوها بنوعبد المطلب(2).

3- روی ابن عساکر والخطيب الخوارزمي، والحاكم الحسكاني وغيرهم عن زيد بن علي، وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن

ص: 150


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 208؛ المصنّف لابن أبي شيبة: ج 7، ص 518
2- المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 7، ص 518

أبي طالب وهو آخذ بشعره، قال: حدثني رسول الله (صلى الله عليه - و آله - وسلم) وهو آخذ بشعره، قال:

«من آذى شعرة منكم فقد آذى الله، ومن آذى الله فعليه لعنة الله»(1).

4- روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) وقريباً منه الزيلعي، والثعلبي، والزمخشري، وغيرهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال:

«حرمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي، وقاتلهم، وسبهم، والمعين عليهم، أولائك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»(2).

5- روی ابن المغازلي، والسيوطي، عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه، قال:

«اشتد غضب الله تعالى وغضبي على من اهراق دمي أو آذاني في عترتي»(3).

6- أخرج ابن أبي عاصم، وابن حبان، والحاكم النيسابوري عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله - عليه وآله - وسلم):

ص: 151


1- الأمالي للصدوق: ص 409؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 143؛ تاریخ دمشق لابن عساکر : ج 54، ص 308؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 105؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 547؛ المناقب للخوارزمي: ص 329؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 102
2- عیون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 37؛ تخريج الأحاديث للزيلعي ج 3، ص 237؛ تفسير الثعلبي: ج 8، ص 312؛ تفسير الكشاف للزمخشري: ج 3، ص 467
3- المناقب لابن المغازي: ص 331؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 1، ص 159؛ شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 1، ص 161

«ستة لعنتهم ولعنهم الله، وكل نبي مجاب: المكذب بقدر الله، والزائد في كتاب الله، والمتسلط بالجبروت ليذل ما أعز الله ويعز ما أذل الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسُنتي»(1).

7- وروى الهيثمي والطبراني وغيرهما عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه - وآله - وسلم):

«ثلاث من حفظهن حفظ الله له دينه ودنياه، ومن ضيعهنِّ لم يحفظ الله له أمر دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً: حرمة الإسلام، وحرمتي وحرمة رحمي»(2).

وهذه الأحاديث وغيرها تشدد على حرمة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرمة عترته (عليهم السلام) وأن هذه الحرمات متلازمة مع بعضها وأن التعرض لإحدهم يعد تعرضا لهم جميعاً؛ وأن المنتهك لهذه الحرمات عليه

ص: 152


1- المستدرك على الصحيحين:ج 16، ص 333، حدیث 711؛ السُنّة لابن أبي عاصم: ص 149؛ صحیح ابن حبان: ج 13، ص 62؛ الدعاء للطبراني: ص 578؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 2، ص 186؛ شعب الإيمان للبيهقي: ج 3، ص 443؛ الترهيب والترغيب للمنذري: ج 1، ص 84؛ موارد الظمآن للهيثمي: ج 1، ص 154؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 44؛ سنن الترمذي، باب الغدر: حدیث 2154، ج 4، ص 57؛ مشكاة المصابيح للتبريزي: حديث 109؛ إحياء الأموات للسيوطي: ص 69، ح 57 و 58؛ المعتصر للقاضي أبو المحاسن: ج 2، ص 329؛ المعجم الوجيز للميرغني: ص 143، ح 290
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 126؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 1، ص 72؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 168؛ کنز العمال للمتقي الهندي: ج 1، ص 77؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 22، ص 349؛ طبقات الشافعية للسبكي: ج 1، ص 191؛ سبل الهدى للشامي: ج 11، ص 9؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 326

اللعنة وسوء العذاب وأن من يتولاه ويحبه ويشایعه يحشر معه يوم القيامة ويحمل وزره؛ وهو من أخطر الأمور لأن فيه ضياع الدنيا والآخرة.

من هنا:

كان علماء المسلمين ينطلقون في حكمهم على من تعرض لآل محمد (صلی الله عليه وآله) باللعن ويضرب، ويسجن، وغير ذلك، وهي كالآتي:

1- قال القاضي عياض:

(إن من انتقصهم أو سبهم فهو ملعون)(1).

2- وقال مالك إمام المالكية، فيمن سب آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

(يضرب ضرباً وجيعاً ويشهّر، ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته لأنه استخفاف بحق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم)(2).

وهذا فيما يختص بهم جميعاً، فمن سبهم أو انتقصهم فهو ملعون، ويضرب ضربا وجيعاً، ويشهر ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته، فإن لم تظهر توبته يبقى مسجوناً.

وعليه:

فحكم من تعرض لفاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) عند

ص: 153


1- الشفا: ج 2، ص 307
2- الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي: ص 208

مالك والقاضي عياض ما مرّ؛ أما ما ورد في الأحاديث الشريفة فهو لأعظم بكثير مما مرّ آنفاً.

ثانيا - حكم الشريعة فيمن سب فاطمة (علیها السلام) أو شتمها.

ذهب بعض علماء أهل السُنّة والجماعة في بيان حكمهم بمن سب فاطمة (عليها السلام) بالكفر، وقد استندوا في الحكم إلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«فاطمة بضعة مني».

فما لحق بها لحق به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه جملة من أقوالهم:

1- قال السُهيلي: (إنّ من سبها فقد كفر، وإنّ من صلى عليها فقد صلی على أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

2- قال ابن حجر العسقلاني: (قوله: (فمن أغضبها أغضبني) أستدل به السُهيلي على أن من سبها فإنه يكفر، وتوجيهه إنها تغضب ممن سبها وقد سوى بين غضبها وغضبه ومن أغضبه (صلى الله عليه وآله وسلم) يكفر، وفي هذا التوجيه نظر لا يخفی)(2)!

وأقول:

بل إن هذا النظر يخفی، فأي نظر هذا مقابل غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع تضافر الآيات والأحاديث الشريفة التي قرنت طاعة

ص: 154


1- الروض الأنف للسهيلي: ج 3، ص 282؛ امتاع الأسماع للمقريزي: ج 10، ص 273
2- فتح الباري لابن حجر العسقلاني: ج 7، ص 82

الله بطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعصيتهما واحدة، وهل هناك إنسان على وجه الأرض لا يؤذيه الغضب ولا يؤلمه، فضلاً عن تصريحه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن غضبه غضب الله تعالى؛ وإذا كان القرآن يكفّر المنافقين لأنهم يهزأون بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف بحال من يسب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علماً أن الآثار التي يخلفها السب والشتم على الإنسان إن لم تكن أعظم غضباً لدى الإنسان من الاهتهزاء، فهي لا تكون دونه، قال تعالى:

«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ»(1).

وعليه: فلا عذر لمن اعتذر في سب فاطمة وحرق دارها وضربها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها ونهب مالها؛ وهل هناك عاقل يقول: بأن كل هذا لم يؤذِ الله ورسوله ويغضبها ويوجب لعن الفاعل وكفره مع صریح القرآن بذلك.

3- قال الحافظ النووي في شرحه على صحيح مسلم:

(قوله: (فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله).

قال القاضي عياض حكم الشرع أن من سب النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) کفر وقتل، ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل، قال المازري: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في

ص: 155


1- سورة التوبة، الآية: 65

القسمة، والمعاصي ضربان: كبائر وصغائر، فهو (صلى الله عليه - وآله - وسلم) معصوم من الكبائر بالإجماع، واختلفوا في إمکان وقوع الصغائر، ومن جوّزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص، وحينئذ فلعله (صلى الله عليه - وآله - وسلم) لم يعاقب هذا القائل؛ لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا يراق الدم.

قال القاضي: هذا التأويل باطل يدفعه قوله: اعدل یا محمد، واتقِ الله يا محمد، وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر وخالد النبي (صلى الله عليه - و آله - وسلم) في قتله، فقال:

«معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه».

فهذه هي العلة، وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه، وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفا لغيرهم، لئلا يتحدث الناس أنّه يقتل أصحابه فينفروا، وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم وعدوّه من جملتهم)(1).

أقول: إن ما ذهب إليه القاضي عياض في امتناعه (صلى الله عليه وآله وسلم) من قتل من تطاول أو قل أدبه بمحضره (صلى الله عليه وآله وسلم) أو استهزأ كي لا يقول الناس إن محمداً قتل أصحابه هو ما منعه من قتل كثير من المنافقين وغيرهم مما آذوه في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد اکتفى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببيان القرآن لمنزلة هؤلاء وموقعهم في الشريعة.

ص: 156


1- شرح النووي على صحيح مسلم: ج 4، ص 18

ولكن:

قوله: (المعاصي ضربان كبائر وصغائر فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم من الكبائر بالإجماع واختلفوا في إمکان وقوع الصغائر، ومن جوزها منع من اضافتها إلى الأنبياء على طريق التشخيص، کلام لا معنی له ولا يستقيم مع القرآن الكريم وذلك أن المنافقين يتربصون به (صلى الله عليه وآله وسلم) الدوائر ومن ثم أي صغيرة والعياذ بالله هي كبيرة لديهم يشهرونها ضده (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ثم كيف للوحي أن يحكم عليهم بالكفر لاستهزائهم به (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ثم يمكن أن تقع منه (صلى الله عليه وآله وسلم) والعياذ بالله وبحسب مذهب أهل السُنة والجماعة معصية.

«تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى»(1)، وهذا أولاً.

وثانيًا: كيف للمسلم أن يستن بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو تقع منه - والعياذ بالله - الذنوب الصغار؟!! وكيف يحاسبه الله يوم القيامة وقد اتبع سُنة النبي (صلى الله عليه وآله) فأذنب کما أذنب النبي (صلى الله عليه وآله)؟! وماذا نصنع بقوله عزّ وجل:

«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»؟!

إنها أسئلة تكشف عن البؤس في منهجية التفكير والبحث.

ص: 157


1- سورة النجم، الآية: 22

وعليه:

يبقى الحكم الشرعي قائماً على ضابطة أن ما يصيب الجزء يصيب الكل فمن أصاب عضواً من أعضاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أصاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أصاب بعضاً منه فقد أصابه؛ ومن سب فاطمة بضعته فقد سبه، ومن سبه (کفر وقتل).

فكيف بمن طعنه في قلبه وروحه التي بين جنبيه؟!!

4- قال التهناوي في إعلاء السُنّن: عن عمر بن عبد العزيز:

(لا يحل قتل امرئ مسلم يسب أحداً من الناس، إلاّ رجل سب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وذهب أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأصحاب الحديث وأصحابهم إلى أنه بذلك کافر مرتد).

وقال أحمد: (لا تقبل توبته)(1).

5- روى الشيخ الطوسي عن ابن خشيش: إن المنتصر العباسي سمع أباه المتوكل العباسي يشتم فاطمة (عليها السلام) فسأل رجلاً من الناس عن ذلك؟

فقال له: (قد وجب عليه القتل، إلاّ أنه من قتل أباه لم يطل عمره).

قال ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر)(2).

ص: 158


1- إعلاء السنن للتهناوي: ج 8، ص 253، ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية
2- الأمالي للطوسي: ص 328؛ المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 221

ثالثاً - حكم الشريعة فيمن آذى فاطمة (علیها السلام).

يستند علماء أهل السُنة والجماعة في إصدار حكمهم الشرعي في حق من آذي فاطمة (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) إلى حادثة خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من ابنة أبي جهل التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما ورد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه الخطبة وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إن فاطمة مني... وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً....»(1).

وفي لفظ آخر أخرجه مسلم:

«وإن فاطمة بنت محمد بضعة مني»(2).

فقالوا في حكمهم على من آذى فاطمة (صلوات الله عليها) ما يأتي:

1- قال ابن القيم:

(وفيه تحريم أذى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل وجه من الوجوه، وإن كان بفعل مباح، فإذا تأذي به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجز فعله لقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ

ص: 159


1- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي صلى الله علیه - وآله - وسلم: ج 4، ص 47
2- صحیح مسلم، باب: فضائل فاطمة: ج 7، ص 141؛ مسند أحمد: ج 4، ص 426

وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً»(1).

(إن أذى أهل بيته وإرابتهم(2) إذي له)(3).

2- قال الزرقاني:

(فجعل حكم ابنته فاطمة حكمه في أنه لا يجوز أن تؤذى بمباح واحتج على ذلك بقوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا»(4)(5).

3- قال العظيم آبادي (المتوفي سنة 1329 ه):

(نهی عن الجمع بينها وبين بنته فاطمة - صلوات الله عليها - لأن ذلك يؤذيها وأذاها يؤذيه صلى الله عليه - وآله - وسلم)(6).

4- قال ابن حجر العسقلاني، والمباركفوري، والعظیم آبادي، والمناوي،

ص: 160


1- سورة الأحزاب، الآية: 53
2- لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل فاطمة عليها السلام: «يريبني ما يريبها»
3- حاشية ابن القيم: ج 6، ص 56، ط دار الكتب العلمية
4- سورة الأحزاب، الآيتان: 57 - 58
5- شرح الزرقاني على الموطأ: ج 4، ص 316، ط دار الكتب العلمية
6- عون المعبود للعظیم آبادي: ج 6، ص 55، ط دار الكتب العلمية

واللفظ لابن حجر:

(وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بتأذيه لأن أذى النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) حرام اتفاقاً، قليله وكثيره، وقد جزم بأنه يؤذيه مايؤذي فاطمة - عليها الصلاة والسلام -.

فكل من وقع منه في حق فاطمة [عليها السلام] شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها؛ ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد)(1).

5- قال العيني في شرح صحيح البخاري:

(وفيه تحريم أدنى أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم بتأذيه)(2)، أي: فاطمة وولدها وذريتهافهم ذريته (صلى الله عليه وآله وسلم).

6- قال النووي في شرح صحيح مسلم:

(نهی عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين أحدهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم فيهلك من أذاه، فنهی عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة - صلوات الله علیها -(3).

ص: 161


1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر: ج 9، ص 287؛ تحفة الأحوذي: ج 10، ص 251؛ عون المعبود: ج 6، ص 57؛ فيض القدير للمناوي: ج 4، ص 554
2- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج 20، ص 212
3- شرح صحیح مسلم للنووي: ج 16، ص 3، ط دار إحياء التراث العربي

7- قال السيوطي نقلاً عن البابجي في شرح الموطأ:

(قال بعض أهل العلم أنه لا يجوز أن يؤذى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بفعل مباح ولا غيره)(1).

فجعل حكمها في ذلك أنه لا يجوز أن يؤذى بمباح واحتج على ذلك بقوله:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»(2).

8- قال القاضي عياض في الشفا بحقوق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

(وأما غيره فيجوز بفعل مباح ما لا يجوز للإنسان فعله وإن تأذى به غيره واحتج بعموم قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ...».

وبقوله صلى الله عليه - وآله - وسلم في حديث فاطمة:

«أنها بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ألا وإني لا أحرم ما أحل الله ولكن لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل أبدا».

ويكون هذا ما آذاه به کافر، وجاء بعد ذلك إسلامه كعفوه عن اليهودي الذي سحره، وعن الأعرابي الذي أراد قتله وعن اليهودية، التي سمته وقد قيل: قتلها)(3).

ص: 162


1- الحاوي للفتاوي: ج 2، ص 402
2- سورة الأحزاب، الآية: 57
3- الشفا في حقوق المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم: ج 2، ص 196

9- قال الشيخ أبو علي السنجي(1) في (شرح التلخیص):

(أنه يحرم التزویج على بنات النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) ويحتمل أن يكون ذلك خاصة بفاطمة - عليها السلام - وقد علّل (عليه الصلاة والسلام) بأن ذلك يؤذيه، وأذيته (عليه الصلاة والسلام) حرام بالاتفاق، وفي هذا تحريم أذى من يتأذى النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) بإيذائه، لأن إيذاء النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) حرام اتفاقاً قليله وكثيره، وقد جزم (عليه الصلاة والسلام) بأنه يؤذيه ما آذی فاطمة، فكل ما وقع منه في حق فاطمة - عليها السلام - شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي - (صلى الله عليه وآله وسلم) - بشهادة هذا الخبر الصحيح.

وقد استشكل اختصاص فاطمة بذلك مع أن الغيرة على النبي (صلى الله عليه - وآله - وسلم) أقرب إلى خشية الافتتان في الدين، ومع ذلك فكان - (صلى الله عليه وآله وسلم) - يستكثر من الزوجات، وتوجد منهن الغيرة، ومع ذلك ما راعی - (صلى الله عليه وآله وسلم) - ذلك في حقهن کما راعاه في حق فاطمة.

10. وقال الحافظ القسطلاني رداً على ما استشكله الشيخ السنجي في اختصاص فاطمة - (عليها السلام) - بهذا الأمر ورعاية النبي - (صلى الله عليه وآله وسلم) - حقها فيه:

ص: 163


1- هو الحسين بن شعيب من أجل أصحاب القفل، كان إمام زمانه في الفقه، وهو أول من جمع بين طريقي العراق وخراسان، توفي سنة 427 ه، راجع: التهذيب للأسماء

بأن فاطمة كانت إذ ذاك فاقدة من تركن إليه ممن يؤنّسها، ویزیل وحشتها من أم، أو أخت، بخلاف أمهات المؤمنين، فإن كل واحدة منهن كانت ترجع إلى من يحصل لها مع ذلك، وزيادة عليه وهو زوجهن - (صلى الله عليه وآله وسلم) - لما كان عنده من الملاطفة وتطييب القلوب، وجبر الخواطر، بحيث أن كل واحدة منهن ترضى منه لحسن خلقه، وجميل خلقه، جميع ما يصدر منه بحيث لو وجد ما يخشی وجوده من الغيرة لزال عن قرب)(1).

أقول:

1- أما إنها فاقدة عمن تركن إليه فهذا غير صحيح لأن ركنها الموثوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما هو معروف أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يوليها عناية خاصة، فإذا دخلت عليه كان يقوم إجلالاً لها، ويأخذ بيدها ويقبلها وهو صلى الله عليه وآله وسلم ما قبل يد أحد من الناس قط وإذا سافر كان آخر من يراه، وإذا أقدم كانت أول من يقصده فكيف يمكن أن تكون فاقدة عمن تركن إليه.

2- أما فقدان الأم فقد عوضها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الدنيا وما فيها، وأما فقدان الأخت فهذه حقيقة لا يمكن نكرانها لأنها وحيدة أبيها ويبدو أن هذا هو الذي اعتمده القسطلاني لأن فاطمة (عليها السلام) لم تفقد اللواتي رباهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سريعاً وبخاصةً أم کلثوم فإنها توفيت سنة (9) من الهجرة وأما زينب فقد توفيت سنة (8) من الهجرة، فهي إذ ذاك لديها من ترجع إليه وإن لم يكن شقيقاتها.

ص: 164


1- الزهور الندية للقسطلاني: 213، ط وتعليق أحمد بن محمد طاحون

3- أما ما كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر ما هو مسلّم فيه عند كل من عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو سمع منه لكن هذه الأمور كانت ابنته فاطمة أحق بها؟ لأنها قلبه وروحه التي بين جنبيه لكن على الرغم من وجود الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر إلاّ أن الغيرة التي كانت تحدث عند عائشة لم يوجد لها مثيل بين نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى قالت: ماغرت على أحد مثل ماغرت على خديجة لكثرة ما كان يذكرها.

فإن هذه الغيرة ما كانت تنتهي بالملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر بل على العكس كانت تنتهي بألم الرسول وغضبه وتأديبه لها بشد صدغها وتحذيره (صلى الله عليه وآله وسلم) لها من العودة لهذه الغيرة علما أن التي تغار منها قد توفيت ولم تجتمع معها في مكان واحد؛ وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عدالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفظ الحقوق ويدل أيضاً على مكانة السيدة خديجة أم المؤمنين عليها السلام، إذ إنه لم يتزوج عليها طيل مدّة حياتها معه والبالغة خمساً وعشرين سنة وهي مدّة شبابه ولو كان احتياجه إلى المرأة غريزيا لكان حرياً أن يتزوج من غيرها في هذه المدّة لكننا نرى أنه تزوج إحدى عشرة امرأة بعد الهجرة.

ولذلك لم يكن منعه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي من زواج ابنة أبي جهل خوفا من وقوع الغيرة في بيت فاطمة فتفتن في دينها، فقد وقعت بين نسائه هذه الغيرة ولم یکن له مثل هذا الموقف.

ص: 165

أما السبب في منع الزواج على فاطمة هو:

أولا: لعظم مكانتها ومنزلتها عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فلقد أخرج الديلمي عن النبي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لولا علي لما كان لها كفؤ».

ثانيا: إن من حكمة الله على العباد أن جعل الأمور تجري بأسبابها، ومن هذا المنطلق فإن الحكمة الإلهية كانت تقتضي أحياناً أن يسبق نزول الوحي حادثة من الحوادث فينزل الوحي مبیناً و مفصلا لهذه الحادثة وهذا له فائدة عظيمة وهي أن الحادثة إذا ترافقت مع الوحي فإن ذلك له تأثير على النفوس في أن الله شاهد عليهم ومحيط بهم ومطلعٌ نبيه على أسرارهم هذا من جهة؛ أما الجهة الأخرى التي فيها فائدة فهي أن الناس إذا رأت هناك حادثة ترافق معها نزول الوحي فإن ذلك يؤدي إلى حفظ هذه الحادثة ومانزل فيها من القرآن فيكون ذلك أشهد وأحفظ، ومن هنا فإن حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«فاطمة بضعة مني».

كانت الحكمة فيه:هي أن يترافق هذا الحديث مع الفعل لكي يتناقله الناس ويبقی راسخاً في أذهانهم.

فضلاً عن أن الإمام علي عليه السلام لم يقدم على خطبة هذه المرأة ولكن أهل النفاق أشاعوا ذلك لغرض تقليب الأمور وإنزال الأذى بفاطمة (عليها السلام) کما يظنون انها ستغار من ابنت أبي جهل، وما ذاك إلا لجهلهم بأهل

ص: 166

البيت (عليهم السلام) ولكن نسوا أن الله أشد مکرا بهم وأعظم.

ثالثا: إن الجواب على ذلك ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس كي يعلموا جميعاً: أن من آذاها فقد آذاه؛ ومن آذاه فقد آذى الله تعالى.

ومن آذى الله فقد بيَّن الله حاله ومصيره وعاقبته، فقال عزّ وجل:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»(1).

ص: 167


1- سورة الأحزاب، الآية: 57

ص: 168

نتائج الدراسة

بعد هذه الجولة من البحث في عينة الدراسة وحقولها المعرفية المتعددة في نطاق المنهج البيني للمعارف الإسلامية، فقد خلصت الدراسة بفضل الله عزّ وجل وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله) إلى جملة من النتائج، وهي على النحو الآتي:

1- إن الاهتمام بالمناهج البحثية والعلمية لاسيما التأصيلية منها في العلوم الإنسانية على نحو العموم والدينية على نحو الخصوص يعد من مسؤلية المؤسسات العلمية والأكاديمية، فضلاً عن أصحاب الأقلام من المحققين والباحثين والمفكرين؛ وذلك لما توفره هذه النتائج من اثراء معرفي وعمق في البحث واستخلاصٍ للنتائج، ومن ثم الإسهام في الحركة الفكرية.

2- إن الدراسة ركزت في بحثها على القصديات التي اكتنزها النص الوارد عن ابن عثيمين وليس شخصه وذلك ان منتج النص يتكئ على جملة من المرتكزات الفكرية والمفاهيمية، وقد ناقشت الدراسة هذه المرتكزات في ضوء مقاصدية القرآن والسُنة وأثرهما في الخطاب الديني المنتج النص، أي: ابن عثيمين.

3- توصلت الدراسة إلى أن المرتكزات الفكرية والمفاهيمية لابن عثيمين هي عين ذاتها التي كونت الفكر التيمي والسلفي والوهابي، ومن ثم فإن كل من انتهل من هذا الفكر وبنى عليه رؤيته وعقيدته ودینه یکون خطابه في سياق هذا الفكر والعقيدة في الخصومة لآل البيت (عليهم السلام).

ص: 169

4- إن قضية بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام) هي قضية إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون شرعية وعقدية تمثل دفاع المرأة عن حقها في مواجهة السلطة التي استعانت بسلطانها في سلب حقوقها وحقوق أولادها، ومن ثم فهي متجددة في كل زمان ومكان حيث ما وجد هناك ظلم وسلب للحقوق واضطهاد للمرأة، هذه المرأة التي كافحت وناضلت واحتجت ووقفت بوجه السلطان فكانت أنموذجا للصراع بين من لا يجد له ناصرًا على الظالم إلا الله تعالى وبين الظالم المستعين بسلطانه على سلب الحقوق.

5- إن الحرب على بضعة النبوة لم تزل مستعرة منذ أن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولن تنتهي، وذلك لكونها عنواناً للتولي والتبري تفترق عند أعتاب حضرتها الأفكار وتتماز الرؤى والمتبينات وتنكشف الحقائق وأن تظهر البعض بمودتها وتزلف بالترضي عليها، فسرعان ما ينكفئ على وجهه وتظهر سوءته. کما نرّ في عينة الدراسة من تقديم الدعاء لها ب (العفو عنها) ثم الانكفاء على سبّها - والعياذ بالله - ونعتها بعدم الإدراك فيما تقول أو تفعل أو ماهو الصواب فيه.

6- إن عينة الدراسة كشفت عن جملة من المرتكزات الفكرية والمفاهيمية للعديد من سلك طريق المخالفة والندية للعترة النبوية (عليهم السلام) في إلواء عنق النصوص الشرعية والتاريخية في محاولات بائسة وهزيلة كهزالة فكر أصحابها وأدلتهم التي تذهب جفاءً بعرضها على القرآن والسنة النبوية والعقل والفطرة الإنسانية التي تأنف أن تجمد عقلها وتكبله بالموروثات الثقافية والنشأوية التي توغلت في نفوسها عبر الواقعة الاجتماعية والقهر فشكلت بذاك عبئا فكریًا على الحضارة الإنسانية والإسلامية.

ص: 170

تم الكتاب بحمد الله وسابق لطفه وفضله وفضل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)

«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(1).

وخير ما نختم به القول، قوله تعالى:

«وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ»(2).

«وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ»(3).

«أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ»(4).

«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»(5).

ليلة الثامن من شوال عام 1441 ه.

وهي ليلة فاجعة هدم قبور أئمة العترة النبوية (عليهم السلام) في روضة البقيع.

ص: 171


1- سورة البقرة، الآية: 127
2- سورة التوبة، الآية: 124
3- سورة التوبة، الآية: 125
4- سورة التوبة، الآية: 126
5- سورة التوبة، الآية: 129

ص: 172

المصادر والمراجع

القران الكريم

1. إتحاف الزائر وإطراف المقيم للسائر، أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساکر (ت: 686 ه)، شركة دار الارقم بن الارقم، بیروت - لبنان.

2. اتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زین العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (ت: 1031 ه)، دراسة وتحقيق وتعليق: عبد اللطيف عاشور، الناشر: مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، (د. ط)، (د. ت).

3. الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، (ت: 911 ه)، تحقيق ومراجعة: سعيد المندوب، الناشر: دار الفكر، لبنان، ط 1، 1416 ه 1996 م.

4. الأجوبة المرضية عن الأسئلة الملكية، أبو زرعة العراقي أحمد بن الحافظ أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي، (ت: 826 ه)، دراسة وتحقيق محمد تامر، طبع في مكتبة التوعية الاسلامية مصر.

5. الآحاد والمثاني، أبو بكر بن أبي عاصم أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (ت: 287 ه)، تحقيق: د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، الناشر: دار الراية - الرياض، ط 1، 1411 - 1991.

6. الأحاديث المختارة، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي

ص: 173

المقدسي، (ت: 643 ه)، تحقيق ومراجعة: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش الأجزاء، الناشر: مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط 1، 1410.

7. الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، (ت: 548 ه)، تحقيق: تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، 1386 - 19669 م، الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف.

8. احقاق الحق، الشهيد نور الله التستري، (ت: 1019 ه)، (د. ط) (د. ت).

9. أحكام القرآن، أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، (ت: 370 ه)، ضبط نصه وخرج آیاته: عبد السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1415 - 1994 م.

10. الآداب، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1406 ه، 1986 م.

11. الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه، 1990 م، بیروت - لبنان.

12. الاستذکار، ابن عبد البر، تحقيق: سالم محمد عطا محمد علي معوض، ط 1، 2000 م، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.

13. الاستغاثة، أبو القاسم الكوفي (ت: 352 ه)، (د. ط) (د. ت).

14. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر؛ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، تحقيق: محمد علي البجاوي،

ص: 174

الناشر: دار الجيل، 1412 - 1992.

15. أشد الغابة، ابن الأثير، (ت: 630 ه)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان.

16. الاصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي، ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، دراسة وتحقيق و تعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، طبع: دار الکتب العلمية، ط 1، بيروت - لبنان، 1415 ه، 1994 م.

17. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، طبع: دار العلم للملايين لسنة 1410 ه، 1990 م، ط 4، بيروت - لبنان.

18. الأصول الستة عشر، عدة محدثين، تحقيق المحمودي، طبع: دار الشبستري للمطبوعات، 1405 ه، 1985 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

19. الاعتقاد، البيهقي، ط دار الآفاق الجديدة بيروت.

20. الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ الصدوق، تحقيق: عصام عبد السيد، طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 141 ه، 1994 م، ط 2، بیروت - لبنان.

21. اعجاز القرآن، أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، تحقيق: أحمد صقر، طبع: دار المعارف، 1382 ه، 1963 م ط 1، القاهرة - مصر.

22. إعلاء السنن، التهناوي، ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية.

23. الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين القرشي الأصبهاني (ت 356 ه)،

ص: 175

تحقيق: علي مهنا، سمير جابر، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر لسنة 1418 ه، 1998 م، ط 2، بیروت - لبنان.

24. الاقتصاد، الشيخ الطوسي (ت: 460 ه)، 1400، مطبعة الخيام - قم، الناشر: منشورات مكتبة جامع چهلستون - طهران.

25. الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والثلاثة الخلفاء، سليمان بن موسى الكلاعي (ت 634 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه، 2000 م، ط 1، بیروت - لبنان.

29. الاكمال في أسماء الرجال، الخطيب التبريزي (ت 741 ه)، تعليق: أبي أسد الله بن الحافظ محمد عبد الله الأنصاري، طبع : مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، قم المقدسة - إيران.

27. الامالي، الشريف المرتضى، تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، ط 1، 1325 - 1907 م، الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

28. الأمالي، أبو جعفر محمد بن علي الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، طبع: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، 1417 ه، 1996 م، قم المقدسة - إيران.

29. الأمالي، محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه) تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، طبع: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة لسنة 1414 ه، 1993 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

ص: 176

30. الامالي، الشيخ المفيد (413 ه)، تحقيق: حسين الأستاد ولي به علي أكبر الغفاري، طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1993 م، ط 2، بيروت - لبنان.

31. الإمامة والسياسة، أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

32. امتاع الاسراع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت 845 ه)، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، طبع و نشر: منشورات محمد علي بیضون، دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه، 1999 م، بیروت - لبنان.

33. انساب الاشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت 279 ه)، تحقيق: محمود الفردوس العظم، صبحي المارديني، طبع: دار اليقظة العربية، 1417 ه، 1997 م، دمشق - سوريا.

34. بحار الأنوار، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، ط 2 المصححة، 1403 ه - 1983 م، مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - صرب.

35. البحر الرائق، ابن نجم المصري، (ت: 970 ه)، تح: ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشیخ زکریا عميرات، ط 1، 14918 - 1997 م، الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

36. البحر الزخار المعروف بمسند البزار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق السبكي البزاز (ت 292 ه)، طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1413 ه، 1993 م، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

ص: 177

37. البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي الغرناطي (ت 754 ه)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، طبع: دار الکتب العلمية لسنة 1422 ه، 2001 م، ط 1، بيروت - لبنان.

38. البداية والنهاية، أبو الفداء ابن کثیر الدمشقي (ت 774 ه)، تحقیق و تدقیق وتعليق: عليّ شيري، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1408 ه، 1988 م، ط 1، بيروت - لبنان.

39. بلاغات النساء، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المعروف ب (ابن طيفور) (ت 280 ه)، طبع: مكتبة بصيرتي لسنة 1402 ه، 1982 م، قم المقدسة - إيران.

40. البيان والتبيان، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

41. تاریخ ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808 ه)، طبع: دار الفکر، بیروت - لبنان.

42. تاريخ أبي الفداء المعروف ب (المختصر في أخبار البشر)، إسماعيل بن أبي الفداء (ت 732 ه)، طبع: دار الكتاب اللبناني، بيروت - لبنان.

43. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1407 ه، 1987 م، بيروت - لبنان.

44. تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، الشيخ حسين بن محمد

ص: 178

الدياربكري (ت 911 ه)، طبع: مؤسسة شعبان، بیروت - لبنان.

45. تاريخ الطبري، الطبري، (ت: 310 ه)، ط 4، 1403 - 1983 م، الناشر: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بيروت - لبنان.

46. التاريخ الكبير، البخاري، (ت: 256 ه)، الناشر: المكتبة الإسلامية - تركيا.

47. تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، (ت: 284 ه)، الناشر: دار صادر، بیروت - لبنان.

48. تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساکر (ت 571 ه)، تحقيق: عمر بن غرامة العمروي، طبع: دار الفکر للطباعة والنشر التوزيع لسنة 1415 ه، 1995 م، بيروت - لبنان.

49. تاريخ المدينة المنورة (أخبار المدينة المنورة)، ابن شبه أبو زيد عمر بن شيبه النميري البصري (ت 262 ه)، طبع : مطبعة قدس لسنة 1410 ه، 1980 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

50. تاریخ بغداد وذيوله، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت 463 ه)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه، 1997 م، ط 1، بیروت - لبنان.

51. تجارب الأمم، أحمد بن محمد مسکويه الرازي (ت 421 ه)، تحقيق: الدكتور أبو القاسم إمامي، طبع: دار سروش للطباعة والنشر لسنة 1422 ه، 2001 م، ط1، طهران - إيران.

52. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، محمد بن عبد الرحمان المباركفوري

ص: 179

(ت 1353 ه)، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

53. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، شمس الدين السخاوي (ت 902 ه)، تحقيق: أسعد طرابزوني الحسني، طبع: المكتبة العلمية لسنة 1399 ه، 1979 م، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

54. تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (ت 762 ه)، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، طبع: دار ابن خزيمة لسنة 1414 ه، 1994 م، الرياض - المملكة العربية السعودية.

55. تذكرة الحفاظ، أبو عبد الله، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبي (ت 748 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي، بیروت - لبنان.

56. التذكرة الحمدونية، أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون (ت 562 ه)، طبع: دار صادر لسنة 1416 ه، 1996 م، بیروت - لبنان.

57. الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله، أبو محمد المنذري (ت 656 ه)، تحقيق: محي الدين مستو، سمير أحمد العطار، يوسف علي بديوي، طبع: دار ابن کثیر، سوريا.

58. تزاوج الاختصاصات، نجيب عبد الواحد؛ 3يونيو 2017؛ الدراسات البينية التعليم العالي.

59. تصحيح الاعتقادات، الشيخ المفيد تحقيق: حسين درگاهي، ط 2، 1414 -

ص: 180

1993 م.

60. التعريفات، علي بن محمد السيد الشريف الجرحاني، المحقق: محمد صديق المنشاوي، الناشر: دار الفضيلة.

61. تفسیر ابن کثیر، الحافظ ابو الفداء ابن کثیر الدمشقي، تحقيق وتقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، طبع: دار المعرفة لسنة 1412 ه، 1992 م، بیروت - لبنان.

62. تفسير القرآن الكريم، أبو حمزة ثابت بن دینار الثمالي، تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، طبع: دفتر نشر الهادي لسنة 1420 ه، 1999 م، ط 1، طهران - إيران.

63. تفسير الألوسي، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي (ت 1270 ه)، تحقيق: محمد حسين العرب، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه، 1994 م، ط 1، بیروت - لبنان.

64. تفسير الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، طبع : دار ابن حزم - دار الإعلام لسنة 1433 ه، 2003 م، بیروت - لبنان.

65. تفسير الكشاف، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد الزمخشري (ت 538 ه)، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1427 ه، 2006 م، ط 4، بیروت - لبنان.

66. تفسیر فرات الكوفي، أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من علماء عهد الغيبة الصغرى (ت 352 ه)، تحقيق: محمد الكاظم، طبع: مؤسسة

ص: 181

النشر والطبع بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي لسنة لسنة 1410 ه، 1990 م، طا، طهران - إيران.

67. تقريب التهذیب، ابن حجر العسقلاني؛ أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين، ابن حجر، المحقق: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، الناشر: دار العاصمة، 1421.

68. تلخيص الحبير، ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني، طبع: المدينة المنورة لسنة 1384 ه، 1964 م.

69. تهذيب التهذيب، شهاب الدين أحمد بن علي الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه، 1995 م، ط 1، بیروت - لبنان.

70. تهذيب الخصائص النبوية الکبری، جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه)، تعلیق و تخریج: عبد الله التليدي، طبع: دار البشائر الإسلامية لسنة 1410 ه، 1990 م، بيروت - لبنان.

71. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المتقن جمال أبو الحجاج يوسف المزي (ت 742 ه)، تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1425 ه، 2004 م، ط 1، بیروت - لبنان.

72. الثغور الباسمة في فضائل السيدة فاطمة، جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه)، طبع: دار الصحابة للتراث، 1411 ه، 1991 م، طنطا - مصر.

ص: 182

73. جامع الأحاديث (الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير والجامع الأزهر)، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه)، تحقيق: عباس أحمد صقر - أحمد عبد الجواد، إشراف: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر، طبع: دار الفكر، بيروت - لبنان.

74. الجامع الصغير من حديث البشير النذير، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي (ت 911 ه)، طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401 ه، 1981 م، ط 1، بيروت - لبنان.

75. جمهرة الامثال، الحسن بن عبد الله بن سهل، أبو هلال العسكري (ت 394 ه)، طبع: دار الجيل لسنة 1408 ه، 1988 م، بيروت - لبنان.

76. الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة، محمد بن أبي بكر الشهير بالبري (ت 645 ه)، طبع: دار الرفاعي للنشر لسنة 1403 ه، 1983 م، ط 1، الرياض - المملكة العربية السعودية.

77. حاشية ابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي (ت 751 ه)، طبع : دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه، 1995 م، ط 2، بيروت - لبنان.

78. الحاوي للفتاوي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه)، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1402 ه، 1982 م، بیروت - لبنان.

79. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نیعم أحمد بن عبد الله الإصبهاني الشافعي (ت 430 ه)، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1405 ه، 1985 م، ط 4، بيروت - لبنان.

ص: 183

80. حواشي الشرواني والعبادي، (ت: 1118 ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

81. خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، دراسة وتحقيق: السيد نبيل الحسني، اصدرات قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، ط 1، 1432 - 2011، طبع: مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان.

82. الخصائل، الشيخ الصدوق، (ت: 381 ه)، تحقيق: تصحیح و تعليق: علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

83. خصوصیات النبي، أحمد بن محمد القسطلاني، طبع: الدار المصرية لسنة 1415 ه، 1995 م، ط 1، القاهرة - مصر.

84. الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه - وآله - وسلم، محمد غالي محمد الأمين الشنقيطي (ت 1245 ه)، طبع: دار القبلة للثقافة الإسلامية، 1411 ه، 1991 م، جدة - المملكة العربية السعودية.

85. الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، الأديبة زينب بنت فواز العاملي، طبع: دار المعرفة، ط 2، بیروت - لبنان.

86. الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، يوسف بن أبي حاتم الشامي المشغري العاملي من أعلام القرن السابع، طبع : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة - إيران.

ص: 184

87. دراسة ترجيحات الشيخ محمد بن عثيمين من باب الجمعة إلى نهاية كتاب الزكاة، إعداد الطالب فؤاد عبد القادر، كلية الشريعة - جامعة أم القرى.

88. الدراية في تخريج أحادیث الهداية، ابن حجر (ت 852 ه)، تصحیح وتعليق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، طبع: دار المعرفة، بیروت - لبنان.

89. الدرة الثمينة في أخبار المدينة، محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن المعروف بابن النجار (ت 643 ه)، تحقيق: حسين محمد علي شكري، طبع: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم لسنة 1420 ه، 2000 م، بیروت - لبنان.

90. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق محمد عبد المعيدضان، ط الثانية 1392 ه - 1972 م نشر مجلس دائرة المعارف العثمانية - صیدر آباد، الهند.

91. الدعاء، الطبرانی، (ت 360 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1413 ه، 1993 م، ط 1، بيروت - لبنان.

92. دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي (ت 363 ه)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، طبع: دار المعارف لسنة 1383 ه، 1963 م، القاهرة - مصر.

93. دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (الإمامي) (ت أوائل القرن الرابع ه)، طبع: المطبعة الحيدرية لسنة 1383 ه، 1963 م، ط 2، النجف الأشرف - العراق.

94. دلائل ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق: د. عبد لا معطي قلعجي، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1408 ه، 1988 م، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 185

95. ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربی، الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت 911 ه)، طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر لسنة 1393 ه، 1974 م، بيروت - لبنان.

96. الذرية الطاهرة، الحافظ أبو بشر، محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي الرازي الوراق (ت 310 ه)، تحقيق: السيد محمد جواد الحسيني الجلالي، طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1408 ه، 1988 م، ط 2، بیروت - لبنان.

97. ذكر أخبار اصبهان، الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهاني، طبع:

مطبعة بريل لسنة 1352 ه، 1934 م، لیدن.

98. رأس الإمام الحسين، ابن تيمية (ت 728 ه)، تحقيق: ألدكتور السيد الجميلي، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1406 ه، 1985 م، ط 1، بیروت - لبنان.

99. ربيع الابرار ونصوص الأخبار، أبو القسام محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه)، تحقيق: عبد الأمير مهنا، طبع: منشورات الأعلمي لسنة 1412 هن 1992 م، ط 1، بیروت - لبنان.

100. رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي عليهم السلام، أبو بكر شهاب الدين الحضرمي (ت 1341 ه)، طبع: دار الکتب العلمية للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1418 ه، 1998 م، بيروت - لبنان.

101. الروض الأنف الفقيه المحدث أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (ت 581 ه)، طبع دار الفكر لسنة 1409 ه، 1989 م، بيروت - لبنان.

ص: 186

102. الرياض النضرة، الطبري أحمد بن عبد الله (ت 694 ه)، طبع: دار المغرب الإسلامي، بيروت - لبنان.

103. الزهد، ابو محمد الحسين بن سعيد الكوفي، الناشر: المطبعة العلمية، ط 1، 1399 ه.

104. زهر الآداب وثمر الألباب، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني (ت 452 ه)، طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1372 ه، 1953 م، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

105. الزهور الندية في خصائص وأخلاق خير البرية، القسطلاني، تحقيق وتعليق: الشيخ أحمد بن محمد طاحون، طبع: مكتبة التراث الإسلامي لسنة 1418 ه، 1998 م، بيروت - لبنان.

106. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942 ه)، تحقيق و تعليق: الشيخ عادل احمد عبد الموجود، طبع : دار الکتب العلمية لسنة 1414 ه، 1993 م، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

107. السقيفة وفدك، الجوهري (ت 323 ه)، تقديم وجمع وتحقيق: الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني، طبع: شركة الكتبي للطباعة والنشر لسنة 1413 ه، 1993 م، الطبعة الثانية، بيروت - لبنان.

108. سمط النجوم العوالي، العاصمي، ط المطبعة السلفية بالقاهرة؛

109. السنة، ابن أبي عاصم عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني (ت 287 ه)،

ص: 187

تحقيق: محمد ناصر الألباني، طبع: المكتبة الإسلامي لسنة 1400 ه، 1980 م، الطبعلة الأولى، بيروت - لبنان.

110. سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني (ت 275 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، طبع: دار الفكر، بيروت - لبنان.

111. سنن أبي داوود، الحافظ سلیمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275 ه)، تحقيق: محمد مي الدين عبد الحميد، طبع: دار الفكر، بيروت - لبنان.

112. سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي أسلمي (ت 279 ه)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، طبع: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

113. سنن الدار قطني، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دینار البغدادي الدارقطني (ت 385 ه)، طبع دار الكتب العلمية السنة 1416 ه، 1996 م، بيروت - لبنان.

114. السنن الكبرى، النسائي أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن (ت 303 ه)، تحقيق: د. عبد الغفور سليمان بنداري، سید کسروی حسن، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1411 ه، 1991 م، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

115. السنن الكبرى، البيهقي الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 ه)، طبع: دار المعرفة لسنة 1413 ه، 1993 م، بيروت - لبنان.

116. سؤالات محمد بن عثمان للمدايني، مطبعة المعارف، 1984.

117. السيدة فاطمة (عليها السلام)، محمد بيومي، طبع: دار النهضة العربية السنة 1410 ه، 1990 م، بيروت - لبنان.

ص: 188

118. سير أعلام النبلاء، الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه)، طبع : دار الفکر، بیروت - لبنان.

119. السيرة النبوية، ابن كثير (ت 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1396 ه، 1976 م، بيروت - لبنان.

120. الشافي في الامامة، الشريف المرتضى (ت 436 ه)، طبع: مؤسسة إسماعیلیان السنة 1410 ه، 1990 م، الطبعة الثانية، قم المقدسة - إيران.

121. شرح إحقاق الحق، السيّد شهاب الدين بن السيّد شمس الدين المرعشي النجفي (ت 14011 ه)، تحقيق و تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، طبع: منشورات مكتبة آية الله العظمی المرعشي النجفي، قم المقدسة - إيران.

122. شرح الاخبار في فضائل الأئمة الأطهار، ابو حنيفة، نعمان بن محمد بن منصور بن احمد بن حيون التميمي المغربي المشهور ب (القاضي نعمان المغربي) (ت 363 ه)، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1409 ه، 1988 م، الطبعة الأولى، قم المقدسة - إيران.

123. شرح الزرقاني على الموطأ، محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري المالكي (ت 1122 ه)، طبع : دار الكتب العلمية لسنة 1411 ه، 1991 م، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

124. شرح العقيدة الواسطية، محمد صالح العثيمين، ط دار ابن الجوزي.

125. شرح العقيدة الواسطية، محمد صالح العثيمين، دار الثريا - السعودية - 1996 م.

ص: 189

126. شرح صحیح مسلم، النووي، ط دار إحياء التراث العربي.

127. شرح كتاب النيل وشفاء الغليل، احمد أطفيش، نشر مكتبة الارشاد. جدة ودار الفتح بيروت، الطبعة الثانية لسنة 1973 م.

128. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655 ه)، تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم، طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1378 ه، 1959 م، الطبعة الأولى، بغداد - العراق.

129. شرف المصطفى، للحافظ الحركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد الوطنية تحت الرقم (1887) ويحمل رقم المصغر الفيلمي (4891) الورقة 180، من جهة اليمين.

130. شعب الإيمان، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه)، تحقيق: محمد سعيد بسيوني، طبع: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

131. الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم، تأليف: أبو الفضل عياض بن موسی بن عیاض اليحصبي (ت 544 ه)، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1404 ه، 1984 م، بیروت - لبنان.

132. شواهد التنزيل لقواعد التنفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام، تأليف: الحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي، طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1393 ه، 1973 م، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

133. صحيح ابن حبان بترتیب ابن بلبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739 ه)، طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1413 ه، 1993 م، بيروت - لبنان

ص: 190

134. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 852 ه)، طبع: دار العلوم الإنسانية لسنة 1413 ه، 1993 م، دمشق - سوريا.

135. الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، السيد جعفر مرتضى العاملي، طبع: دار الحديث للطباعة والنشر لسنة 1426 ه، 2005 م، الطبعة الأولى، قم المقدسة - إيران.

136. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، تصحیح و تعليق: محمد الباقر البهبودي، طبع: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية لسنة 1384 ه، 1964 م، الطبعة الأولى، قم المقدسة - إيران.

137. الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، الشهيد نور الله التستري (ت 1019 ه)، تحقيق: السيد جلال الدين المحدث، طبع: مطبعة النهضة لسنة 1418 ه، 1998 م، قم المقدسة - إيران.

138. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيتمي الملكي، التعليق والتقديم و تخريج الأحاديث: عبد الوهاب عبد اللطيف، طبع: متكبة القاهرة لصاحبها علي يوسف سليمان لسنة 1385 ه، 1995 م، الطبعة الثانية، القاهرة - مصر.

139. ضعفاء العقيلي، العقيلي (ت 322 ه)، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1418 ه، 1998 م، الطبعة الثانية، بيروت - لبنان.

140. طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى الفراء البغدادي الحنبلي أبو الحسين،

ص: 191

المحقق: محمد حامد الفقي الناشر: دار المعرفة - بيروت.

141. طبقات الشافعية الكبرى، أبو نصر عبد الوهاب بن علي الكافي السبكي (ت 771 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر أحمد عطا، طبع: دار الكتب العلمية السنة 1420 ه، 2000 م، ط 1، بیروت - لبنان.

142. الطبقات الکبری، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت 230 ه)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه، 1990 م، ط 1، بیروت - لبنان.

143. العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية، الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه)، شرح و تحقیق: سعيد محمد اللحام، طبع: عالم الكتب لسنة 1417 ه، 1996 م، بیروت - لبنان.

144. المعجم الكبير للطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت 360 ه)، تحقيق: حمدي السلفي، طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1404 ه، 1983 م، الموصل - العراق.

145. العقد الفريد، أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه)، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1403 ه، 1983 م، بيروت - لبنان.

146. العلل، الدار قطني علي بن عمر بن أحمد (ت 385 ه)، تحقيق: محفوظ السلفي، طبع: دار طيبة لسنة 1405 ه، 1985 م، الرياض - المملكة العربية السعودية.

147. علل الشرائع، أبو جعفر حمد بن علي الصدوق رحمه الله، تحقيق: السيد

ص: 192

محمد الصادق بحر العلوم، طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1408 ه، 1987 م، ط 1، بيروت - لبنان.

148. عمدة الأخبار في مدينة المختار، أحمد بن عبد الحميد العباسي (ت القرن العاشر الهجري)، تصحیح و تحرير: الشيخ محمد الطيب الأنصاري، طبع و نشر: على نفقة أسعد ورايزوني الحسيني لسنة 1359 ه، 1940 م، ط 3، دمشق - سوريا.

149. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسي بن أحمد بدر الدين العيني الحنفي (ت 855 ه)، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1424 ه، 2004 م، الطبعة الأولى، بيروت - لبنان.

150. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، الحافظ ابن البطريق شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الربعي الحلي (ت 600 ه)، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1407 ه، 1986 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

151. عوالم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال، الشيخ عبد الله البحراني الأصفهاني، طبع: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف السنة 1415 ه، 1995 م، ط 3، قم المقدسة - إيران.

152. عون المعبود، العظيم آبادي، ط دار الكتب العلمية .

153. العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، طبع: مؤسسة الأعلمی للمطبوعات لسنة 1408 ه، 1987 م، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 193

154. عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الأكبر أبي جعفر الصدوق، طبع : المكتبة الحيدرية لسنة 1425 ه، 2005 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

155. غريب الحديث، أبو عبيد، القاسم بن سلام الهروي (224 ه)، طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1396 ه، 1976 م، ط 1، بيروت - لبنان.

156. فاطمة في نهج البلاغة، مقاربة تداولية في مقصدية النص و مقبولیته واستكناه دلالاته وتحليله، السيد نبيل الحسني، ط 1، 1439 - 2018، دار الكفيل للطباعة والنشر، کربلاء - العراق.

157. الفائق في غريب الحديث والاثر، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري (ت 538 ه)، طبع: دار إحياء الكتب العلمية لسنة 1366 ه، 1947 م، القاهرة - مصر.

158. الفتاوى الحديثية، ابن حجر، ط دار المعرفة بيروت.

159. فتح الباري في شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي، ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 ه)، تحقيق: محب الدين الخطيب، طبع: دار المعرفة لسنة 1379 ه، 1959 م، بيروت - لبنان.

160. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني، أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الشهير بالساعاتي (ت 1378 ه)، طبع بالأفسیت: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

161. الفتوح، أحمد بن اعثم الكوفي (ت 314 ه)، تحقيق: الدكتور سهیل زکار، طبع: دار الفكر لسنة 1412 ، 1992، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 194

162. فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام، إبراهيم بن محمد ابن المؤيد بن عبد الله بن علي بن بن محمد الجويني الخراساني (ت 722 ه)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، طبع: مؤسسة المحمودي لسنة 1398 ه، 1978 م، ط 1، بیروت - لبنان.

163. الفروق اللغوية، لأبو هلال العسكري، (ت: 395 ه)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، شوال المکرم 1412، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة

164. الفصول المهمة في معرفة الأئمة، علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ (ت 855 ه)، تحقيق: سامي الغريري، طبع: دار الحديث للطباعة والنشر لسنة 1422 ه، 2001 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

165. الفصول المهمة، الحر العاملي، (ت 1104 ه)، تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين القائيني، طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية للإمام علي بن موسی الرضا عليه السلام لسنة 1418 ه، 1998 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

166. فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه)، تحقيق: وصي الله محمد عباس، طبع: مؤسسة الرسالة لسنة: 1402 ه، 1982 م.

167. فضائل الصحابة، أحمد بن شعيب النسائي، طبع: دار الکتب العلمية لسنة 1405 ه، 1984 م، ط 1، بیروت - لبنان.

168. فضائل المدينة، للجنيدي المكي، ط دار الفكر.

169. فضائل سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، الحافظ عمر بن شاهين

ص: 195

(ت 385 ه)، تقدیم و تحقیق: الدكتور محمد هادي الأميني، طبع: مؤسسة الغدير للمطبوعات دار الكتاب الإسلامي لسنة 1412 ه، 1992 م، بيروت - لبنان.

170. فضل آل البيت، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845 ه)، تحقيق وتعليق: محمد أحمد عاشور، طبع: دار الاعتصام لسنة 1400 ه، 1980 م، القاهرة - مصر.

171. فقه نهج البلاغة على المذاهب السبعة، الإمامي، الزيدي، الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي، الأباظي، وبيان القواعد الفقهية، والمعارف الأخلاقية، وشروح الحديث، دراسة بينية، السيد نبيل الحسني، ط 1، 1441 - 2020، دار الوارث للطباعة والنشر، الناشر، مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة، کربلاء المقدسة - العراق.

172. فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، النجاشي، (ت: 450)، ط 5، 1416، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

173. فيض القدير شرح الجامع الصغیر، محمد بن عبد الرؤوف بن تاج الدين بن علي بن زین العابدين المناوي، تصحیح: أحمد عبد السلام، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه، 1994 م، بيروت - لبنان.

174. القاموس المحيط، الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ط 1، طبع: مؤسسة النوري لسنة 1408 ه، 1987 م، دمشق - سوريا.

175. قرب الإسناد، الشيخ الحميري القمي، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث السنة 1413 ه، 1993 م، ط 1، قم المقدسة - إيران

ص: 196

176. القصدية والمقبولية في التراث النقدي والدرس اللساني، د. اياد نجيب عبد الله، و أ. ميلود مصطفى عاشور، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد السابع عشر - يوليو - 2016 م.

177. القول القيم مما يرويه ابن تيمية وابن القيم يرقد (في مكتبة الأسد برقم 67642)، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، طبع: دار مكتبة الحياة لسنة 1403 ه، 1983 م، بیروت - لبنان.

178. الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، طبع: دار الأسوة للطباعة والنشر لسنة 1425، 2004 م، ط 5، قم المقدسة - إيران.

179. کامل الزیارات، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد القمي، تحقيق: الشيخ جواد القيوم الأصفهاني، طبع: دار الفقاهة للنشر لسنة 1424 ه، 2004 م، ط 3، قم المقدسة - إيران.

180. الكامل في التاريخ، ابن الاثیر، دار صادر للطباعة والنشر، دار بیروت للطباعة والنشر، 1385 ه - 1965 م.

181. الكامل في ضعفاء الرجال، أبو أحمد بن عدي الجرجاني (ت: 365 ه)، تح: عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد معوض، شارك في تحقيقه: عبد الفتاح أبو سنة، الناشر: الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 1، 1418 ه 1997 م.

182. کتاب الوفاة، النسائي أحمد بن شعيب، تحقيق: محمد السعيد زغلول، طبع: مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة - مصر.

ص: 197

183. کتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق: الشيخ محمد باقر الأنصاري الزنجاني، طبع: دار دلیل مالسنة 1423 ه، 2003 م، ط 3، قم المقدسة - إيران.

184. کشف الغمة في معرفة الأئمة، الشيخ أبو الحسن علي بن عیسی بن أبي الفتح الأربلي (ت 693 ه)، طبع: دار الأضواء لسنة 1421 ه، 2001 م، ط 1، بيروت - لبنان.

185. کشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (ت 726 ه)، تحقيق: حسين الدركاهي أبا محمد حسن حسين آبادي، طبع: الناشر لسنة 1411 ه، 1991 م، طهران - إيران.

186. الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت 727 ه)، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي، طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1422 ه، 2002 م، بيروت - لبنان.

187. کلمات في رثاء الشيخ محمد بن عثيمين، اعداد: محمد حامد محمد، ص 113 طبع ونشر دار الإيمان - الاسكندرية.

188. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت 975 ه)، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، نشر: مؤسسة الرسالة، 1409 ه، 1989 م، بيروت - لبنان. 189. لسان العرب، جمال الدين محمد بن مکرم بن منظور الانصاري المصري، تحقيق: عامر أحمد حيدر، طبع: دار الكتب العلمية، 1424 ه، 2004 م، ط 1، بيروت - لبنان.

ص: 198

190. لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب الدين، تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة، طبع: مكتبة المطبوعات الإسلامية لسنة 1423 ه، 2002م، ط 1، الاسكندرية - مصر.

191. لمحات من حياة الشيخ ابن عثيمين، تأليف متعب بن عبد الرحمن القبيسي: الدر الثمين في ترجمة فقيه الأمة العلامة ابن عثيمين عصام عبد المنعم المري ط دار البصيرة - الاسكندرية.

192. مائة منقبة، محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي (ابن شاذان) (ت 412 ه)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إشراف: السيد محمد باقر بن المرتضى الموحد الأبطحي، طبع: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحوزة العلمية، 1407 ه، 1987 م، ط 1 المحققة المسندة، قم المقدسة - إيران.

193. المجازات النبوية، الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي العلوي (ت 406 ه)، تحقيق وشرح: الدكتور طه محمد الزيني (الأستاذ بالأزهر)، طبع: منشورات مكتبة بصيرتي، قم المقدسة - إيران.

194. مجلة البحوث الإسلامية، تصدر عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، السعودية.

195. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه)، طبع: دار الفكر لسنة 1412 ه، 1992 م، بیروت - لبنان.

196. مجموع الفتاوی، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية

ص: 199

الحراني (المتوفي: 728 ه)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 ه / 1995 م.

197. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، المحقق: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، الناشر: دار الوطن، 1413.

198. المجموع شرح المهذب، الشيرازي، محي الدين أبي زکریا یحیی بن شرف النووي (ت 676 ه)، طبع: مكتبة الإرشاد لسنة 1405 ه، 1985 م، ط 1، جدة - المملكة العربية السعودية.

199. المحاسن، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تصحیح و تعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، طبع: دار الكتب الإسلامية، 1370 ه، 1950 م، طهران - إيران.

200. مختصر صفة الصفوة، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت 597 ه)، إعداد: أبو أحمد معتز أحمد عبد الفتاح، تحقيق: عصام الدين الصبابتي، طبع: دار الحديث، القاهرة - مصر.

201. المخصص، أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده (ت 458 ه)، طبع: دار الفكر لسنة 1398 ه، 1978 م، بیروت - لبنان.

202. المذكر والتذكير والذكر، أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفي: 287 ه)، تحقيق: یاسر خالد بن قاسم الردادي، الناشر: دار المنار - الرياض، 1413 ه.

ص: 200

203. مروج الذهب و معادن الجوهر، علي بن الحسين المسعودي (ت 346 ه)، طبع: دار القلم، بيروت - لبنان.

204. مسائل علي بن جعفر، علي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، طبع: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام لسنة 1409 ه، 1989 م، ط 1، مشهد المقدسة - إيران.

205. مستدرك الوسائل، میرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث السنة 1408 ه، 1987 م، ط 1 المحققة، بيروت - لبنان.

206. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (ت: 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، 1411 - 1990، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

207. مستدرکات علم رجال الحدیث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، طبع: ابن المؤلف، مطبعة شفق، 1412 ه، 1991 م، ط 1، طهران - إيران.

208. مسند ابن راهوية، إسحاق بن راهويه الحنظلي المروزي (ت 238 ه)، تحقيق: د. عبد الغفور عبد الحسن البلوشي، طبع: مكتبة الإيمان لسنة 1415 ه، 1995 م، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

ص: 201

209. مسند الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى التميمي (ت 307 ه)، تحقيق: حسين سليم أسد، طبع: دار المأمون للتراث السنة 1408 ه، 1988 م، دمشق - سوريا.

210. مسند أحمد، وبهامشه منتخب کنز العمال في سنن الأقوال والافعال، احمد بن حنبل، (ت: 241 ه)، دار صادر - بيروت.

211. مسند البزار، صديق بن حسن القنوجي (ت 1307 ه)، تحقيق: عبد الجبار زکار، طبع: دار الکتب العلمية لسنة 1398 ه، 1978 م، بیروت - لبنان.

212. مسند الروياني، محمد بن هارونا لروياني أبو بكر (ت 307 ه)، تحقيق: أيمن علي، طبع: مؤسسة قرطبة لسنة 1416 ه، 1996 م، ط 1، القاهرة - مصر.

213. مسند الشاميين، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (360 ه)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1405 هن 1985 م، ط 1، بیروت - لبنان.

214. مسند الفردوس، وهو الفردوس بماثور الخطاب، أبو شجاع سيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1432 ه، 2010 م، ط 1، بيروت - لبنان.

215. مسند فاطمة عليها السلام، الحافظ، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه)، طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1413 ه، 1993 م، بیروت - لبنان.

216. مسند الشافعي، محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي (ت 204 ه)، طبع: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

ص: 202

217. مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاضي أبي الفضل عياض بن موسی اليحصبي المالكي (ت 544 ه)، طبع: دار الفكر لسنة 1417 ه، 1997 م، بیروت - لبنان.

218. مشكاة المصابیح، محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين التبريزي (ت 741 ه)، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، طبع: المكتب الإسلامي لسنة 1405 ه، 1985 م، ط 3، بیروت - لبنان.

219. مشکل الاثار، أبو جعفر الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1415 ه، 1995 م، ط 1، بيروت - لبنان.

220. مشير العزم الساكن، ابن الجوزي، مكتبة الصحابة بجدة.

221. المصطلحات، اعداد مركز المعجم الفقهی، (د. ط)، (د. ت).

222. المصنف في الأحاديث والآثار، الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان أبي بكر الكوفي العبسي (ت 335 ه)، تحقيق و تعليق: سعید اللحام، طبع: دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1409 ه، 1989 م، ط 1، بيروت - لبنان.

223. المصنف، أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه)، تحقيق: الشيخ حبیب الرحمن الأعظمي، طبع: المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع لسنة 1403 ه، 1983 م، ط 1، بيروت - لبنان.

224. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، محمد

ص: 203

بن طلحة ابن الحسن القرشي، طبع: دار البلاغ للصحافة والطباعة والنشر لسنة 1419 ه، 1999 م، بیروت - لبنان.

225. معالم التنزيل في تفسير القرآن، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي (ت 516 ه)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، طبع: دار المعرفة لسنة 1412 ه، 1992 م، بيروت - لبنان.

226. معاني الأخبار، أبو جعفر محمد بن علي الصدوق، تحقیق و تصحیح وتعليق: علي أكبر الغفاري، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين السنة 1379 ه، 1959 م، قم المقدسة - إيران.

227. المعتصر من المختصر من مشکل الآثار، خصّة القاضي أبو المحاسن يوسف بن موسی بن محمد، جمال الدين الحنفي (ت 803 ه)، طبع: عالم الكتب، بيروت - لبنان.

228. المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت 360 ه)، طبع: مكتبة المعارف لسنة 1405 ه، 1985 م، ط 1، الرياض - المملكة العربية السعودية.

229. المعجم الصغير، سلیمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم (ت 360 ه)، تحقيق: محمد مشکور، طبع: المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان.

230. المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والانجليزية واللاتينية، جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني.

231. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت

ص: 204

360 ه)، تحقيق: حمدي السلفي، طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1404 ه، 1983 م، الموصل - العراق.

232. معجم المصطلحات في اللغة والادب، مجدي وهبة وكامل المهندس، ط 2، مكتبة لبنان.

233. معجم المصطلحات والالفاظ الفقهية، الدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم (مدرس أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر)، طبع: دار الفضيلة، القاهرة - مصر.

234. المعجم الوجيز من أحاديث الرسول العزيز، السيد عبد الله ميرغني الحنفي نزيل الطائف (ت 1207 ه)، طبع: عالم الكتب، 1408 ه،1988 م.

235. معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي، محمد قلعجي، طبع: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه، 1988 م، ط 2، بیروت - لبنان.

236. معجم مقايس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زکریا (ت 395 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، طبع: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404 ه، 1938 م.

237. مقاتل الطالبيين، علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي، أبو الفرج الأصبهاني (ت 356 ه)، تحقيق: السيد أحمد صقر، طبع: دار المعرفة لسنة 1399 ه، 1979 م، بیروت - لبنان.

238. مقاصد القران الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين، د. عیسی بوعكاز، كلية العلوم الاسلامية - جامعة باتنة، مجلة الأحياء، العدد 20 - لسنة

ص: 205

2017.

239. مقتل الحسين عليه السلام، أبو مؤيد الموفق أخطب خوارزم المشهور ب (الخوارزمي)، تحقيق: الشيخ محمد الساوي (ت 568 ه)، طبع: دار أنوار الهدى السنة 1423 ه، 2003 م، ط 2، قم المقدسة - إيران.

240. مکارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، طبع: منشورات الشريف الرضي لسنة 1392 ه، 1972 م، ط 6، قم المقدسة - إيران.

241. مناقب آل ابي طالب، ابن شهر آشوب، مطبعة المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف - العراق لسنة 1376 ه.

242. مناقب الإمام علي (عليه السلام)، أبو الحسن علي بن محمد الواسطي الجلاني الشافعي الشهير بابن المغازلي (ت 483 ه)، طبع: انتشارات سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسنة 1426 ه، 2005 م.

243. مناقب الإمام علي (عليه السلام)، الموفق بن محمد المكي الخوارزمي، طبع: مؤسسة النشر الإسلامي، طه، قم المقدسة . إيران، 1425 ه، 2004 م.

244. مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام ومانزل من القرآن في علي عليه السلام، أحمد بن مردويه الاصفهاني، تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، طبع: دار الحديث لسنة 1422 ه، 2002 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

245. المناقب، محمد بن سليمان الكوفي، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، طبع: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية لشهر محرم الحرام من سنة 1412 ه، 1991 م، ط 1، قم المقدسة - إيران.

ص: 206

246. منتخب مسند عبد بن حميد، عبد بن حميد بن نصر الكسي، تحقيق وضبط وتخريج أحاديث: السيد صبحي البدري السامرائي، محمود محمد خليل الصعيدي، طبع: مكتبة النهضة العربية، ط 1، 1408 ه، 1988 م.

247. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، سعید بن هبة الله الراوندي، تح: السيد عبد اللطيف الكوكهمري، نشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة - قم، طبع: مطبعة الخيام - قم، 1406 ه.

248. منهاج السنة، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (ت: 728 ه)، تح: محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط 1، 1406 ه - 1986 م.

249. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، نور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حسین سلیم أسد الدارني - عبده علي الكوشك، طبع: دار الثقافة العربية السنة 1411 ه، 1990 م، ط 1، القاهرة - مصر.

250. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالخطاب الرعيني، (ت: 954 ه)، ضبطه وخرج آیاته وأحاديثه الشيخ زکریا عمیرات، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1416 ه - 1995 م.

251. المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، القسطلاني (ت 923 ه)، طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه، 1996 م، ط 1، بيروت - لبنان.

252. الموفقيات، أبو عبد الله الزبير بن بكار القرشي (ت 256 ه)، تحقيق:

ص: 207

الدكتور سامي مكي العاني، طبع: عالم الكتب لسنة 1416 ه، 1996 م، ط 2، بيروت - لبنان.

253. میزان الاعتدال في نقد الرجال، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان، (ت: 748 ه)، تح: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.

254. نثر الدرّ، أبو سعد منصور بن الحسين الآبي (ت 420 ه)، تحقيق: محمد علي قرنة، مراجعة: علي محمد الجاوي طبع: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1400 ه، 1980 م، القاهرة - مصر.

255. نصب الراية لأحاديث الهداية، عبد الله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي (ت: 762 ه) تحقیق و مراجعة: محمد یوسف البنوري، الناشر: دار الحديث، مصر، 1357.

256. نظم درر السمطين، جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي المدني الحنفي شمس الدين (ت 750 ه)، ترجمة وتحقيق: علي عاشور، نشر: دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1377 ه.، 1958 م، بیروت - لبنان.

257. نهاية الأرب، شهاب الدين، أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733 ه)، طبع: مطبعة دار الكتب المصرية لسنة 1374 ه، 1955 م، القاهرة، مصر.

258. النهاية في غريب الحديث، مجد الدين ابن الأثير، (ت: 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، ط 4، 1394 ش، الناشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم - إيران.

259. نهج البلاغة، بتحقيق الشيخ قيس العطار، ط العتبة العلوية.

ص: 208

260. نهج الحق وكشف الصدق، الحسن بن يوسف المطهر الحالي، علق عليه: الشيخ عين الله الحسني الارموي، دار الهجرة، إيران - قم.

261. نور الابصار في مناقب النبي المختار، الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي، منشورات الشريف المرتضى.

262. الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت: 794 ه)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث - بیروت، 1420 هظت - 2000 م.

263. وسائل الشيعة (آل البيت عليهم السلام)، الحر العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 2، 1414 ه، 1993 م، قم المقدسة - إيران.

264. الوصية الكبرى، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية، تحقيق: محمد عبد الله النمر - جمعة عثمان ضميرية، الناشر: مكتبة الصديق - الطائف، 1408 - 1987.

265. وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفی، علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي، نور الدين أبو الحسن السمهودي (ت: 911 ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1419.

266. وفاة الرسول و موضع قبره وروضته بين اختلاف الصحابة واستملاك ازواجه (دراسة في التاريخ ورواية الحديث والأثر تكشف النقاب عن حقائق مهمة، دراسة وتحليل و تحقیق: السيد نبيل الحسني، اصدرات قسم الشؤون الفكرية

ص: 209

والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، ط 1، 1435 - 2014، طبع: مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان.

267. وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام، الشيخ علي حسين البحراني، طبع: مؤسسة البلاغ لسنة 1407 ه، 1987 م، ط 1، بیروت - لبنان.

268. وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري (ت 212 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، مط: المدني، ط 2، القاهرة - مصر: المؤسسة العربية الحديثة ومكتبة الخانجي، منشورات مكتبة آية الله العظمی المرعشي النجفي - قم - إيران 1403.

269. ينابيع المودة لذوي القربی، سلیمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، (1220 - 1294 ه)، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر، المطبعة: أسوة، ط 1، 1416 ه. ق.

ص: 210

فهرس المحتويات

الفصل الثاني: المرتكزات الفكرية والمفاهيمية لخصومة فاطمة (علیها السلام) عند ابن عثيمين في ضوء مقاصيدية النص القرآني والنبوي والتاريخي...5

توطئة...7

المبحث الأول معنى الخصومة في مقاصدية القرآن والسُنّة

المسألة الأولى: معنى الخصومة ودلالتها في مقاصدية القرآن...11

المسألة الثانية: معنى الخصومة ودلالتها في مقاصدية السُنّة...16

المبحث الثاني المرتكزات الفكرية والمفاهمية للخصومة عند ابن عثيمين وأثرها في بيان قصدية النص

المسألة الأولى: مقاصدية قوله (اللهم أعف عنها) أو (نسأل الله أن يعفو عنها) وعلّة تقديمه في أول حدیثه...26

القصدية الأولى: أستحضار معنى العفو في ذهن المتلقي...26

القصدية الثانية: استجماع مشاعر الحاضرين حول قضية المتكلم الأساس...29

ص: 211

القصدية الثالثة: استمالة القلوب قبل الهجوم على بضعة النبوة (علیها السلام)...29

القصدية الرابعة: أسقاط الحصانة عن بضعة النبوة (علیه السلام)...30

المسألة الثانية: مقاصدية قوله (وإلا فأبو بكر ما أستند إلى رأي، إنها أستند الى نص)...32

القصدية الأولى: محاولة اقناع المتلقي بأن أبا بكر كان عالماً بقواعد الاجتهاد وإغفاله للنصوص المعارضة لهذه القصدية...32

ألف - إنه لم يكن يعلم معنى الكلالة وحكمها...33

باء - إنّه أمتنع من إقامة الحد على صحابي قتل وزنی ومثل بالقتيل!!!...36

جیم - إنّه عذّب الفجائة بالنار وقتله حرقا موثوق اليدين، ثم ندم على قتله، وأباح حرق المسلمين وهم يصلون وكانوا أُساری !!!...37

القصدية الثانية: محاولة اقناع المتلقي باجتماع عناصر الخلافة في أبي بكر واغفاله للنصوص المعارضة...41

ألف - منعه الصحابة من مطالبته العمل بسُنّة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)...41

باء - معاقبته المعترض على سُنّته بالقتل أو الجلد...44

جیم - جمعه الأحاديث النبوية وحرقها...45

دال - منعه الناس من التحديث بأحاديث رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)...48

المسألة الثالثة: مقاصدية قوله: (وكان عليها أن تقبل قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم))...51

أولاً - لماذا يفرض على بضعة النبوة (صلوات الله عليها) أن تقبل قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ويباح للصحابة الإجتهاد مقابل النص؟!...52

ثانياً - هل كان على فاطمة (علیها السلام) إن تقبل قول أبي بكر أم قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)؟!!...57

ثالثاً - إن من أمر بترويع بنت النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) و حرق دارها هين عليه القول بانه لا يورث)...58

رابعاً - لماذا تمنع فاطمة (علیها السلام) من الأرث! ويفرض عليها أن تقبل قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)!! بينما تبيع عائشة وغيرها بيوت النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) لمعاوية بألاف الدراهم؟!!...60

ص: 212

ألف. من باع من أزواج النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) بيوته ومن اشترى منهنّ؟...61

باء - الخلاف في نسبة هذه البيوت للنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أم لأزواجه مع صریح القرآن وبيانه بانها توقيفية...62

المسألة الرابعة: مقاصدية احتجاج ابن عثيمين بحديث (لا نورث) يعارضها القرآن والسُنّة وسيرة الخلفاء...66

أولاً - إن علة عدم أخذ فاطمة (علیها السلام) بحديث: (لا نورث) عائد إلى تعدد العناوين الشرعية فيما تطالب...67

ثانياً - أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر التي وردت في حديث عائشة، كيف انتقلت إلى أبي بكر لتطالب بها فاطمة (علیها السلام)؟!...70

ثالثاً - حجم أموال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المدينة والتي أرسلت فاطمة (علیها السلام) إلى أبي بكر تطالب بها...74

المسألة الخامسة: مقاصدية قوله: (ولكن كما قلت لكم قبل قليل عند المخاصمة لا يبقى للإنسان عقل) !!...76

أولاً - مقاصدية قوله: (ولكن كما قلت لكم قبل قليل)...76

ثانياً - ذهاب العقل عند المخاصمة مخالف للقرآن والسُنّة واللغة وسيرة الفقهاء...76

ألف - لا دليل في القرآن على أن الإنسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به ما يقول أو يفعل...80

باء - لا دليل في السُنّة النبوية على أن الإنسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به ما يقول أو يفعل...82

جیم - لا دليل في اللغة على أن الإنسان عند المخاصمة لا يبقى له عقل يدرك به مايقول أو يفعل...83

ثالثاً - إذا كان العقل يذهب عند المخاصمة فلأي أمر شرّع الله القضاء وأفرد له الفقهاء باباً في الفقه...83

ص: 213

ألف - القضاء لغة...85

باء - معنى القضاء في اصطلاح المتشرعة...86

المسألة السادسة: مقاصدية قوله: في عدم إدراك البضعة النبوية (علیها السلام) «لما تقول أو تفعل أو ما هو الصواب فيه»!!!...89

أولا - الآثار المرتبطة بقول البضعة النبوية والتي يخشاها بن عثيمين أن تلحق بأبي بكر وبمن استن بسنته...90

ألف - إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وملازمته لأثار قولها...93

باء - إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يغضب لغضب فاطمة (صلی الله علیه و آله وسلم) وملازمته لأثار قولها...100

ثانياً - الآثار المرتبطة بفعل البضعة النبوية (علیها السلام) والتي يخشاها ابن عثيمين أن تحلق بأبي بكر وبمن أستن بسنّته...104

ألف - آثار فعلها (علیها السلام) في هجرها لأبي بكر وعمر دفعهما لاسترضائها فردتهما وهو ما يخشاه ابن عثيمين أن يصل الى الناس...104

باء - أثار وصيتها بأن تدفن ليلاً وأن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها، دفع أبو بكر إلى الاعتراف بظلمها وندمه على ذلك...116

المسألة السابعة: قصدية ابن عثيمين في اختتام حديثه بطلب العفو عن بضعة النبوة تختلف عن مقاصدية الابتداء به...122

أولاً - مقاصدية قوله (فنسأل الله أن يعفو عنها وعن هجرها خليفة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)؛ ترتكز على العقيدة التيمية في ولي الأمر...124

ثانياً - مقاصدية حصر الحرمة والشأنية في عنوان الخلافة وليس في البضعة النبوية وعترة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) أهل بيته (علیهم السلام)...130

الأمر الأول - محبة أهل البيت (علیهم السلام) للإيمان بالله...131

الأمر الثاني - محبة أهل البيت لقرابتهم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم)...132

ص: 214

المسألة الثامنة: لو قلت ما قاله ابن عثيمين في أبي بكر لقيل لي: إنّك تسب الصحابة!!...145

أولاً - حكم الشريعة فيمن آذى عترة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)...149

ثانياً - حكم الشريعة فيمن سب فاطمة (علیها السلام) أو شتمها...154

ثالثاً - حكم الشريعة فيمن آذى فاطمة (علیها السلام)...159

نتائج الدراسة...163

المصادر والمراجع...173

فهرس المحتویات...211

ص: 215

ص: 216

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.