دراسة تاريخية موضوعية
ISBN 978-9933 - 582-D9 - 8 رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 1349 لسنة 2016 م مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.
رقم تصنيف BP 38.09. A4 H8 2017 :LC المؤلف الشخصي: حمزة، حيدر حسين. العنوان: عهد الإمام علي (عليI HGSGHL) لمالك الأشتر (رضي الله عنه): دراسة تاريخية موضوعية بیان المسؤولية: تأليف الدكتور حيدر حسين حمزة، تقديم السيد نبيل قدوري الحسني.
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر:
کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1438 ه = 2017 م.
الوصف المادي: 112 صفحة.
سلسلة النشر: دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه)- وحدة الدراسات التاريخية، 3 - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة عامة: يتضمن ملاحق تبصرة ببيلوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة مصادر والمراجع (الصفحات 107 - 110).
تبصرة محتويات:
موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً - نهج البلاغة، عهد مالك الأشتر.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - أحاديث.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - رسائل موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - سیاسته وحكومته. موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - وعظ وإرشاد. مصطلح موضوعي: الإسلام والدولة. مصطلح موضوعي: الإسلام والإدارة مصطلح موضوعي: الشيعة الدولة. مصطلح موضوعي: الإسلام - جوانب اجتماعية.
مؤلف إضافي: الحسني، نبیل قدوري، 1965م، مقدم.
مؤلف إضافي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر. عنوان إضافي: نهج البلاغة. عهد مالك الأشتر.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة سلطان
ص: 1
ص: 2
سلسلة دراسات في عهد الإمام علی (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) (3) وحدة الدراسات التاريخية دراسة تاريخية موضوعية تأليف الدكتور حيدر حسين حمزة إصدار
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 14638ه - 2017 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:
www.inahi.org Email: Info@Inahj.org تنويه:
إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
ص: 4
إلى من قال فيه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان العبسي:
(أيها الناس إنما ولیکم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقاً حقاً وخير من نعلمه بعد نبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأولى الناس بالناس وأحقهم بالأمر، وأقربهم إلى الصدق، وأرشدهم إلى العدل، وأهداهم سبيلاً، وأدناهم إلى الله وسيلة، وأقربهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رحماً أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلماً، وأكثرهم علماً، وأصدقهم طريقة، وأسبقهم إيماناً، وأحسنهم يقيناً، وأكثرهم معروفاً، وأقدمهم جهاداً، وأعزهم مقاماً، أخي رسول الله، و ابن عمه، وأبي الحسن والحسين، وزوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين، فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه فإن لله في ذلك رضى، ولكم مقنع، وصلاح والسلام).
أهدي هذا الجهد العلمي.
الباحث
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرین.
أما بعد:
فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام أجمعين).
وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لحَديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.
وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجاً واحداً من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية والتي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.
ص: 7
من هنا:
ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله )، التي ستصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.
والبحث الموسوم ب(عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر دراسة تاريخية موضوعية) واحد من بين هذه الدراسات التي اهتمت بالتصنيف الموضوعي للعهد الشريف بغية تسهيل المعارف وإيصالها بيسر إلى طلابها.
فجزى الله الباحث كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره.
السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف رسل الله وخاتم أنبيائه سیدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
حري بنا أن ندرس عهد الإمام علي (علیه السلام) (ت: 40 ه / 660 م)، لقائده مالك بن الحارث النخعي (ت: 32 ه / 652 م)، كونه من العهود التي لا يمكن بيانها بشكل عابر، بل دراستها، والتمعن بها بشكل موضوعي، لذلك وضعنا الدراسة تحت عنوان: (عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر دراسة تاريخية موضوعية). كون العهد يحمل كثيرً من التفاصيل الدقيقة، وفي مختلف مجالات الحياة. الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، فكل جانب من هذه الجوانب التي ذكرناها فيها وقفة للدراسات التاريخية التحليلية، فمثلاً الجانب الانساني واضح جداً في ضوء علاقة الحاكم بالرعية، وعلى مختلف طبقاتهم، وكذلك الجانب الاجتماعي
ص: 9
وتقسيم فئات المجتمع المصر - ي، وكذلك الحالة الاقتصادية للمجتمع، والسياسة المالية التي ينبغي على الوالي تطبيقها، وأيضاً موضوع الصلح، وأثره في العلاقات السياسية بين الأطراف، زيادة على صفات الولاة، والقضاة، والقادة، والجنود، وعمال الضر - ائب، وكذلك القيم التربوية والاخلاقية، وغير ذلك من الأمور الموجودة في ثنايا العهد.
البحث يتكون من مقدمة وتمهيد، وثلاث مباحث، وخاتمة، وقائمة بأسماء المصادر، في المقدمة وضحنا عنوان البحث وسبب الاختيار للدراسة التاريخية الموضوعية، أما في التمهيد وضحنا المقصود بالعهد، وأنواعه في اللغة، وغرضنا من ذلك لبيان أن العهد كله ربما مستوحى من معنى العهد في اللغة.
أما في المبحث الأول. درسنا ما يخص الجانب الإداري: لذا بحثنا في القيم التي تضمنها العهد؛ المهام الإدارية للعامل؛ ما يحتاجه العامل؛ الرحمة بالرعية؛ لقاءات الحاكم مع الرعية؛ اهتمام الوالي بالرعية؛ واجبات الحاكم؛ تحذير الحاكم من تقاریر رجال المتملقين والنمامين.
وأيضاً في المبحث الثاني. كان كلام الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، وتوجيهه لقائده مالك النخعي، لله (جل جلاله) في أمور حكمه، وما ينبغي على الوالي متابعته وعلاقته بالرعية، والحقوق والواجبات عليها. لذا بینا ما هي طبقات المجتمع منَ: المشاورون؛ القادة؛ الكتّاب؛ القضاة؛ الوزراء؛ عمال الضرائب؛ التجار؛ الطبقة السفلى.
ص: 10
أما المبحث الثالث الذي كان عنوانه الجانب السياسي: ففيه وضحنا سياسة الحاكم مع عماله؛ صفات رجال الأمن؛ طريقة اختيار العمال؛ سياسة الحاكم اليومية. الرضا لله؛ الصلح؛ الابتعاد عن الغدر والنزاع؛ التحذيرات؛ إرشادات الإمام للحاكم.
ثم درسنا العهد وفق جوانب الحياة التي تم بيانها أعلاه، مع تقديم وتأخير في نصوصها موضحين الجوانب الرئيسة فيها دون تعليق كثير عليها بسبب نوعية الدراسة، لذلك ذكرنا العناوين الرئيسة ومن ثم تجزأ النص الواحد إلى أجزاء حسب متطلبات البحث، ووضع كل جزء منه بين قوسي التنصيص دون ذکر هامش لأنه مستوحى كله من العهد نفسه، والخاتمة كانت نتائج الدراسة وأوضحنا فيها التفاصيل المهمة في العهد.
أما المصادر التي اعتمدنا عليها في الدراسة، فهو كتاب (لسان العرب) لأبن منظور، جمال الدين محمد بن مکرم، (ت: 711 ه / 1311 م) فهو من أكثر المصادر استخداماً في البحث، لما فيه من معلومات تاريخية لا يمكن التغافل عنها، وكذلك في ترجمة كثير من المصطلحات اللغوية في العهد.
وفي كتب الحديث كتاب (بحار الانوار) للعلامة المجلس، محمد باقر، (1111 ه / 1699 م) في بيان الأحاديث المروية، وسبب اختيار هذا الكتاب دون غيره من الكتب لأنه جامع لكثير من الاحاديث النبوية الشر - يفة، وكذلك في محاولة لتقليل عدد المصادر في الدراسة.
ص: 11
الصعوبات التي واجهت الباحث في البحث والدراسة تتمثل في أن كل جوانب العهد ربما سبق دراستها من قبل الباحثين، دون أن يكون هناك تقسيم في مجالات الحياة التي رسمها الإمام علي (علیه السلام) لقائده مالك الأشتر، أي دون أن تكون هناك تفاصيل للنصوص مجرد دراسة العهد، ومن أجل الخروج بالبحث بالشكل الجديد لجئنا إلى كثير من المفردات التي استخدمها الإمام علي (علیه السلام) في العهد بانها تتوافق قرآنياً ونهج البلاغة من جهة، ومن جهة أخرى تتوافق مع أحاديث الرسول محمد (صل الله علیه وآله)، لتأكيد أن كلامه دون کلام الخالق وفوق كلام المخلوق. وأيضاً هناك نصوص تدخل في كل جوانب البحث والدراسة، وهذا يعطي طابع وجود صفة التكرار في النصوص، لذا ذكرنا النص في حالته الأولى وعند ذكره في المرة الثانية لجئنا إلى الاختصار وبيان ما نحتاجه فقط من النص.
وأخيراً ندعو الله (جل جلاله) أن نكون وفقنا في بيان الخطوط العريضة للعهد، وبنفس الوقت حددنا جوانبها لمن يرغب بدراسته تحليلاً أو يريد التعرف على جزئیات العهد، وبيان أثر العهد في كثير من كتب ومؤلفات المؤرخين العرب المسلمين، ومن الله التوفيق.
الباحث
ص: 12
في هذه الصفحات سوف نوضح معنى العهد في اللغة، بسبب أن هذه الكلمة لها أكثر من عشرة معان، وكل معنی له طبيعته التي تختلف عن الأخرى.
فكلمة عهد: وردت في قوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»(1)؛ قال ابن منظور نقلاً عن الزجاج(2): ما أَدري ما العهد، وقال غيره: العَهْدُ كل ما عُوهِدَ اللهَّ عليه، وكلُّ ما بين
ص: 13
العبادِ من المواثِيقِ، فهو عَهْدٌ. وأَمْرُ اليتيم من العهدِ، وكذلك كلُّ ما أَمَرَ الله به في هذه الآيات ونَهی عنه(1).
وفي الدُّعاء: «وأَنا على عَهدِكَ ووَعْدِكَ ما استَطَعْتُ، أَي أَنا مُقِيمٌ على ما عاهَدْتُك عليه من الإِيمان بك والإِقرار بوَحْدانيَّتِك لا أَزول عنه»(2)، واستثنى بقوله ما استَطَعْتُ مَوْضِع القَدَرِ السابقِ في أَمره، أَي إِن كان قد جرى القضاءُ أَنْ أَنْقُضَ العهدَ يوماً ما فإِني أُخْلِدُ عند ذلك إِلى التَّنَصُّلِ والاعتذار، لعدم الاستطاعة في دفع ما قضيته علي(3).
والعَهْدُ: الوصية، كقول سعد حين خاصم عبد بن زمعة(4)في ابن أَمَتِه، فقال: ابن
ص: 14
أَخي عَهِدَ إِليّ فيه أَي أَوصى؛ ومنه الحديث: «تَمَسَّكوا بعهد ابن أُمِّ عَبْدِ(1)أَي ما يوصیکم به ويأْمرُكم»، ويدل عليه حديثه الآخر: «رضِيتُ لأُمَّتي ما رضيَ لها ابنُ أُمِّ عَبْدٍ لمعرفته بشفقته عليهم ونصيحته لهم»(2).
ويقال: عهِد إلي في كذا أَي أَوصاني؛ ومنه حديث الإمام عليّ (علیه السلام): «عَهِدَ إِليّ النبيُّ الأُمّيُّ أَي أَوْصَى»(3)؛ ومنه قوله (جل جلاله): «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(4)؛ يعني الوصيةَ والأَمر.
والعَهْدُ: التقدُّم إِلى المرءِ في الشيءِ. والعهد: الذي يُكتب للولاة وهو مشتق منه، والجمع عُهودٌ، وقد عَهِدَ إِليه عَهْداً.
والعَهْدُ: المَوْثِقُ واليمين يحلف بها الرجل، والجمع کالجمع. تقول: (عليّ عهْدُ الله
ص: 15
ومیثاقُه)(1)، و(عَلَيَّ عهدُ الله لأفعلنّ كذا)(2)؛ ومنه قوله تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»(3).
قال أَبو الهيثم: العهْدُ جمع العُهْدَةِ، وهو الميثاق، واليمين التي تستوثقُ بها ممن يعاهدُك، وإِنما سمي اليهود والنصارى أَهلَ العهدِ: للذمة التي أُعْطُوها والعُهْدَةِ المُشْتَرَطَةِ عليهم ولهم. وقيل: وليُّ العهد لأَنه وَليِ الميثاقَ الذي يؤْخذ على من بایع الخليفة.
والعهد أَيضاً: الوفاء. إذ جاء في قوله تعالى: «وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ»(4)؛ أَي من وفاء.
والعَهْدُ: الأَمانُ. وفي التنزيل: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(5)، وفيه: فأَتِمُّوا
ص: 16
إِليهم عَهْدَهُم إِلى مدَّتِهم.
وعاهَدَ الذِّمِّيَّ: أَعطاه عَهْداً، وقيل: مُعَاهَدَتُه مُبايَعَتُه لك على إِعطائه الجزية والكفِّ عنه.
والمُعَاهَدُ: الذِّمِّيُّ. وأَهلُ العهدِ: أَهل الذمّة، فإِذا أَسلموا سقط عنهم اسم العهد. وتقول: عاهدْتُ الله أَن لا أَفعل كذا وكذا؛ ومنه الذمي المعاهَدُ الذي فُورِقَ فَأُومِرَ على شروط استُوثِقَ منه بها، وأُوِمن عليها، فإِن لم يفِ بها حلّ سَفْكُ دمِه. وفي الحديث: إِنَّ كَرَمَ العَهْدِ من الإِيمانِ أَي رعاية المَوَدَّة.
وفي الحديث عن النبي (صلی الله علیه وآله): «لا يُقْتَلُ مُؤمنٌ بكافِرٍ، ولا ذو عهْد في عَهْدِه»(1)؛ معناه لا يُقتل مؤمن بكافر، تمّ الكلام، ثم قال: ولا يُقْتَلُ أَيضاً ذو عهد أَي ذو ذِمَّة وأَمان ما دام على عهده الذي عُوهِدَ عليه، فنهی (صلی الله علیه وآله)، عن قتل المؤْمن بالكافر، وعن قتل الذمي المعاهد الثابت على عهده.
وفي كتاب النهاية في غريب الحديث: (لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده أَي ولا ذو ذمة في ذمته، ولا مشرك أُعْطِيَ أَماناً فدخل دار الإِسلام، فلا يقتل حتى
ص: 17
يعودَ إِلى مَأْمَنِه)(1).
وأضاف صاحب الكتاب: ولهذا الحديث تأْويلان بمقتضی ۔ مذهبي الشافعي وأَبي حنيفة: أَما الشافعي فقال لا يقتل المسلم بالكافر مطلقاً معاهداً كان أَو غير معاهد، حربيّاً كان أَو ذميّاً مشركاً أَو كتابياً، فأَجرى اللفظ على ظاهره ولم يضمر له شيئاً فكأَنه نَهَى عن قتل المسلم بالكافر وعن قتل المعاهد، وفائدة ذكره بعد قوله لا يقتل مسلم بكافر لئلا يَتَوهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنه قد نَفَى عنه القَوَدَ بقَتْله الكافرَ، فيَظُّنَّ أَنَّ المعاهَدَ لو قَتَلَ كان حكمه كذلك.
فقال: ولا يقتل ذُو عَهْدٍ في عهدِه، ويكون الكلام معطوفاً على ما قبله منتظماً في سلكه من غير تقدير شيء محذوف؛ وأَما أَبو حنيفة فإِنه خَصَّصَ الكافرَ في الحديث بالحرْبيِّ دون الذِّمِّي، وهو بخلاف الإِطلاق، لأَن من مذهبه أَن المسلم يقتل بالذمي فاحتاج أَن يضمر في الكلام شيئاً مقدراً ويجعلَ فيه تقديماً وتأْخيراً فيكون التقدير: لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بکافر، أَي لا يقتل مسلم ولا کافر معاهد بكافر، فإِن الكافرَ قد يكون معاهداً وغير معاهد(2).
ص: 18
وفي الحديث: «مَن قَتَلَ مُعَاهَداً لم يَقْبَلِ اللهَّ منه صَرْفاً ولا عَدلًا»(1)؛ يجوز أَن يكون بكسر الهاء وفتحها على الفاعل والمفعول، وهو في الحديث بالفتح أَشهر وأَكثر.
والمعاهدُ: مَن كان بينك وبينه عهد، وأَكثر ما يطلق في الحديث على أَهل الذمة، وقد يطلق على غيرهم من الكفار إِذا صُولحوا على ترك الحرب مدَّة ما؛ ومنه الحديث: «لا يحل لكم كذا وكذا ولا لُقَطَةُ مُعَاهد»(2)أَي لا يجوز أَن تُتَمَلَّك لُقَطَتُه الموجودة من ماله لأَنه معصوم المال، يجري حكمه مجری حکم الذمي(3).
وقال شمر(4): العَهْد الأَمانُ، وكذلك الذمة؛ تقول: (أَنا أُعْهِدُك من هذا الأَمر)، أَي أُؤْمِّنُك منه أَو أَنا كَفيلُك، وكذلك لو اشتری غلاماً فقال: أَنا أُعْهِدُك من إِباقه، فمعناه أَنا أُؤَمِّنُك منه و أُبَرِّئُكَ من إِباقه، ومنه اشتقاق العُهْدَة، ويقال: عُهْدَتُه على فلان أَي ما أُدْرِك فيه من دَرَكٍ فإِصلاحه عليه.
ص: 19
وقولهم لا عُهْدَة أَي لا رَجْعَة.
وفي حديث عقبة بن عامر (عُهْدَةُ الرقيقِ ثلاثة أَيامٍ)(1)هو أَن يَشْتَرِي الرقيق، ولا يَشْترِطَ البائعُ البَراءَةَ من العيب، فما أَصاب المشتري من عيب في الأَيام الثلاثة فهو من مال البائع ويردّ إِن شاء بلا بينة، فإِن وجد به عيباً بعد الثلاثة فلا يرد إِلا ببينة.
وعَهِيدُك: المُعاهِدُ لك يُعاهِدُك وتُعاهِدُه وقد عاهده؛ قال:
فللترك أوفى من نِزارٍ بعهدهِا ٭٭٭ فلا يأمنن الغدر يوما عهِيدها والعُهْدةُ: کتاب الحِلْفِ والشراءِ.
واستَعْهَدَ من صاحبه: اشترط عليه وكتب عليه عُهْدة، وهو من باب العَهد والعُهدة لأَن الشرط عَهْدٌ في الحقيقة؛ قال جرير يهجو الفرزدق حين تزوّج بنت زِيقٍ:
وما استعهد الأقوام من ذي ختونة ٭٭٭ من الناسِ إِلا منِك، أو منِ محارِبِ والجمعُ عُهَدٌ. وفيه عُهْدَةٌ لم تُحْكَمْ أَي عيب. وفي الأَمر عُهْدَةٌ إِذا لم يُحْكَمْ بعد. وفي عَقْلِه عُهْدَةٌ أَي ضعف. وفي خَطِّه عُهدة إِذا لم يُقِم حُروفَه.
والعَهْدُ: الحِفاظُ ورعايةُ الحُرْمَة. وفي الحديث أَن عجوزاً دخلت على النبي (صلی الله علیه وآله)
ص: 20
فسأَل بها وأَحفي، وقال: «إِنها كانت تأْتينا أَيام خديجة وإِن حُسن العهد من الإِيمان»(1).
وفي حديث أُم سلمة(2): قالت لعائشة: وتَرَکَتْ عُهَّیْدَى العُهَّيْدَي، بالتشديد والقصر، فُعَّیْلى من العَهْدِ کالجُهَّیْدَی من الجَهْدِ، والعُجَّيْلي من العَجَلة.
والعهد: الالتقاء. وعَهِدَ الشيءَ عَهْداً: عرَفه؛ ومن العَهْدِ أَن تَعْهَدَ الرجلَ على حال أَو في مكان، يقال: عَهْدِي به في موضع كذا وفي حال كذا، وعَهِدْتُه بمكان كذا أَي لَقِيتُه وعَهدِي به قريب؛ وقول أَبي خراش الهذلي:
ولم أنس أياما لنا ولياليِا ٭٭٭ بِحلية، إِذ نلقى بها ما نحاوِل فليس كعهدِ الدارِ، يا أم مالِك ٭٭٭ ولكِن أحاطت بالرقابِ السلاسِل أَي ليس الأَمر کما عَهِدْتِ ولكن جاء الإِسلامُ فهدم ذلك، وأَراد بالسلاسل الإِسلامَ، وأَنه أَحاط برقابنا فلا نسْتَطِيعُ أَن نَعْمَلَ شيئاً مکروهاً.
وفي حديث أُم زرع: (ولا يَسْأَلُ عمَّا عَهِدَ)(3)، أَي عما كان يَعْرِفُه في البيت من طعام
ص: 21
وشراب ونحوهما لسخائه وسعة نفسه.
والتَّعَهُّدُ: التَّحَفُّظُ بالشي-ء وتجديدُ العَهْدِ به، وفلان يَتَعَهَّدُه صَرْعٌ. والعِهْدانُ: العَهْدُ. والعَهْدُ: ما عَهِدْتَه فَثافَنْتَه.
يقال: عَهْدِي بفلان وهو شابٌّ أَي أَدركتُه فرأَيتُه كذلك، وكذلك المَعْهَدُ. والمَعْهَدُ: الموضعُ كنتَ عَهِدْتَه أَو عَهِدْت هَوىً لك أَو كنتَ تَعْهَدُ به شيئاً، والجمعُ المَعَاهِدُ.
والمُعاهَدَةُ والاعْتِهادُ والتعاهُدُ والتَّعَهُّدُ واحد، وهو إِحداثُ العَهْدِ بما عَهِدْتَه. ويقال للمحافظ على العَهْدِ: مُتَعَهِّدٌ؛ ومنه قول أَبي عطاء السنديّ(1)وكان فصيحاً يرثي ابن هُبَيرَة:
وإِن تَمسِ مهجور الفِناءِ فربما ٭٭٭ أقام به، بعد الوفودِ، وفود فإِنك لم تبعد على متعهد ٭٭٭ بلى كل من تحت الترابِ بعِيد أَراد: محافظ على عَهْدِكَ بِذِكْرِه إِياي. ويقال: متى عَهْدُكَ بفلان أَي متى رُؤْيَتُك
ص: 22
إِياه. وعَهْدُه: رؤيتُه.
والعَهْدُ: المَنْزِلُ الذي لا يزال القوم إِذا انْتَأَوْا عنه رجعوا إِليه، وكذلك المَعْهَدُ. والمعهودُ: الذي عُهِدَ وعُرِفَ. والعَهْدُ: المنزل المعهودُ به الشي-ء، سمي بالمصدر؛ قال ذو الرمة(1):
هَلْ تَعْرِفُ العَهْدَ المُحِيلَ رَسْمُه وتعَهَّدَ الشيء وتَعَاهَدَه واعْتَهَدَه: تَفَقَّدَه وأَحْدَثَ العَهْدَ به.
ورجل عَهِدٌ، بالكسر -: يتَعاهَدُ الأُمورَ ويحب الولاياتِ والعُهودَ؛ قال الكميت يمدح قُتَيْبَة بن مسلم الباهليّ ويذكر فتوحه:
ص: 23
نام المهلب عنها في إِمارتِه ٭٭٭ حتى مضت سنة، لم يقضِها العهِد وكان المهلب يحب العهود؛ وأَنشد أَبو زيد(1):
فهن مناخات يجللن زِينة ٭٭٭ كما اقتان بالنبتِ العهِاد المحوف(2) والعِهادُ: مواقِعُ الوَسْمِيّ من الأَرض.
وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: فِعْلٌ له مَعْهُودٌ ومشهودٌ ومَوْعودٌ؛ قال: مَشْهود يقول هو الساعةَ، والمعهودُ ما كان أَمْسِ، والموعودُ ما يكون غداً.
والعَهْدُ، بفتح العين: أَوَّل مَطَرٍ والوَليُّ الذي يَلِيه من الأَمطار أَي يتصل به. وفي
ص: 24
المحكم: العَهْدُ أَوَّل المطر الوَسْمِيِّ ؛ عن ابن الأَعرابي، والجمع العِهادُ. والعَهْدُ: المطرُ الأَوَّل.
والعَهْدُ والعَهْدَةُ والعِهْدَةُ: مطرٌ بعد مطرٍ يُدْرِك آخِرُه بَلَلَ أَوّله؛ وقيل: هو كل مطرٍ بعد مطر، وقيل: هو المَطْرَةُ التي تكون أَوّلاً لما يأْتي بعْدها، وجمعها عِهادُ، وعُهودٌ؛ قال:
أراقت نجوم الصيفِ فيها سِجالها ٭٭٭ عهِادا لِنجمِ المربعِ المتقدمِ وذكر ابن منظور نقلاً عن أَبي حنيفة قوله: إِذا أَصاب الأَرضَ مطر بعد مطر، وندى الأَوّل باق، فذلك العَهْدُ؛ لأَن الأَوّل عُهِدَ بالثاني.
قال: وقال بعضهم العِهادُ: الحديثةُ من الأَمطارِ؛ قال: وأَحسبه ذهب فيه إِلى قول الساجع في وصف الغيث: أَصابَتْنا دِيمَةٌ بعد دِيمَةٍ على عِهادٍ. غيرِ قَدِيمةٍ؛ وقال ثعلب: على عهاد قديمة تشبع منها النابُ قبل الفَطِيمَةِ؛ وقوله: تشبعُ منها الناب قبل الفطيمة؛ فسره ثعلب فقال: معناه هذا النبت قد علا وطال فلا تدركه الصغيرة لطوله، وبقي منه أَسافله فنالته الصغيرة(1).
وقال ابن الأَعرابي: العِهادُ ضعيفُ مطرِ الوَسْمِيِّ ورِکاکُه.
ص: 25
وعُهِدَتِ الرَّوْضَةُ: سَقَتْها العَهْدَةُ، فهي معهودةٌ.
وأَرض معهودةٌ إِذا عَمَّها المطر.
والأَرض المُعَهَّدَةُ تَعْهِيداً: التي تصيبها النُّفْضَةُ من المطر، والنُّفْضَةُ المَطْرَةُ تُصِيبُ القِطْعة من الأَرض وتخطئ القطعة.
يقال: أَرض مُنَفَضَةٌ تَنْفيضاً؛ قال أَبو زبيد(1):
أصلبي تسمو العيون إِليه ٭٭٭ مستنير، كالبدرِ عام العهود ومطرُ العُهودِ أَحسن ما يكونُ لِقِلَّةِ غُبارِ الآفاقِ قيل: عامُ العُهودِ عامُ قِلَّةِ الأَمطار.
ومن أَمثالهم في كراهة المعايب: المَلَسَي لا عُهْدَةَ له؛ المعنى ذُو المَلَسَي لا عهدة له.
ص: 26
والمَلَسَي: ذهابٌ في خِفْيَةٍ، وهو نَعْتٌ لِفَعْلَتِه، والمَلَسی مؤنثة، قال : معناه أَنه خرج من الأَمر سالماً فانقضى عنه لا له ولا عليه؛ وقيل : المَلَسي أَن يَبيعَ الرجلُ سِلْعَةً يكون قد سرَقَها فَیَمَّلِس ويَغِيب بعد قبض الثمن، وإِن استُحِقَّتْ في يَدَيِ المشتري لم يتهيأْ له أَن يبيعَ البائعُ بضمان عُهْدَتِها لأَنه امَّلَسَ هارباً، وعُهْدَتُها أَن يَبيعَها وبها عيب أَو فيها استحقاق لمالكها.
تقول: أَبيعُك المَلَسي لا عَهْدَة أَي تنملسُ وتَنْفَلتُ فلا ترجع إِلىّ.
ويقال في المثل: «متى عهدكَ بأَسفلِ فيكَ»(1)، وذلك إِذا سأَلته عن أَمر قدیم لا عهد له به؛ والعَهْدُ: الزمانُ.
وقريةٌ عَهِيدَةٌ أَي قديمة أَتى عليها عَهْدٌ طويلٌ.
وبنو عُهادَةَ: بُطَيْنٌ من العرب(2).
ص: 27
لذا فالمعاني التي بينت العهد في معاجم اللغة ومفردات غريب الحديث وضحت أن كلمة العهد لها أكثر من عشرة معان، هي: الزمان، المطر، المنزل، الالتقاء، الحِفاظُ ورعايةُ الحُرْمَة، الأمان، التقدُّم إِلى المرءِ في الشيءِ. المَوْثِقُ واليمين يحلف بها الرجل، الوفاء، الوصية.
ص: 28
المبحث الأول: الجانب الإداري:
• الالتزام بالدين الحنيف:
في أول عهده لعامله أوصاه بالالتزام بالدين الإسلامي الحنيف في ضوء معرفته بالكتاب وسننه، وفرائضه، وبالسنة النبوية الشريفة، وبإمامة إمام عصر -ه، من أجل المحافظة على شرعية حكمه الإسلامي وإبعاد هوى النفس لأنها تؤدي إلى نسيان الله، ومما جاء في العهد:
• العبودية لله تعالى:
يبتدأ الإمام (علیه السلام) في مستهل رسالته لمالك بالاعتراف بالعبودية لله تعالى.
ص: 29
التقوى:
«أَمَرَهُ بِتَقْوَى الله(1)، وإيثَارِ طَاعَتِهِ، واتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرائِضِهِ، وسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إلاّ بِاتِّباعِهَا(2)، ولاَ يَشْقَى إِلاّ مَعَ جُحُودِهَا وإِضَاعَتِهَا(3)».
• النصر:
«وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَّ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ ويَدِهِ(4)ولِسَانِهِ فَإنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ - مَنْ نَصَرَهُ إِعْزَازَ مَنْ أَعَزَّهُ(5)»
ص: 30
• الابتعاد عن حرب الله:
«ولاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ الله(1)فَإنَّهُ لاَ يَدَيْ لَكَ بِنِقْمَتِهِ(2)، ولاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ ورَحْمَتِهِ».
• الرجوع لله ورسوله:
«وَارْدُدْ إِلى الله ورَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ (3)مِنَ الْخُطُوبِ ويَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ(4)؛ فَقَدْ قَالَ اللهٌ تَعَالَى لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(5)فَالرَّدُّ إِلَى الله: اْلأَخْذُ بِمُحْکَمِ كِتَابِهِ، والرَّدُّ إِلى الرَّسُولِ: اْلأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرَّقَةِ.
• الخوف من الله:
«ولَنْ تَحُكَمَ ذلكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ».
ص: 31
• الشهادة:
«وأَنَا أسْأَلُ الله بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ کُلِّ رَغْبَة أَنْ يُوَفِّقَنِي وإِيَّاكَ لَمِا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْاِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وإِلى خَلْقِهِ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ، وجَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلاَدِ، و تَمامِ النِّعْمَةِ، وتَضْعِيفِ الْكَرامَةِ، وأَنْ يَخْتِمَ لِي ولَكَ بِالسَّعادَةِ والشَّهادَةِ، إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. والسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهٌ صَلَّى اللهٌ عَلَيْهِ وآلِهِ الطّيبين الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً، والسّلام».
من أهم متطلبات العمل الإداري ونجاحه للدولة، تحديد الواجبات والحقوق ما بين الراعي والرعية، كونها أساس الحياة في أي بقعة موجودة على الأرض، لذا جاء في العهد: «هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ الله عَلِىٌّ أَمِيرُ المُؤمِنينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الأَشْتَرَ(1)فِي
ص: 32
ص: 33
عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ -(1)»: وحددها في أربعة واجبات تنفيذية للدولة، على الرعية تنفيذها، منها:
ص: 34
الجباية في مقدمة الكلام لأن الإمام علياً (علیه السلام) يعلم تماماً أن الاقتصاد الإسلامي لمصر يعتمد عليها بسبب طبيعة أرض مصر الزراعية من جهة، زيادة على أنه يدرك تماماً أنها السبيل الذي يستطيع به العامل الاطمئنان بأنه قادر على مجابهة العدو في حالة حدوث أمر ما.
ص: 35
• وجهَادَ عَدُوِّهَا:
الجهاد يأتي حينما يكون هناك جهاداً عسكرياً ونفسياً للرعية من جهة وللحاكم من جهة أخرى، ودليل كلامنا رواية عن أبي عبد الله (علیه السلام) أن النبي (صلی اللع علیه وآله) بعث بسر - ية فلما رجعوا قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر، قیل: یا رسول الله ما الجهاد الأكبر؟ قال: «جهاد النفس»، تكون كل ظروف البلاد مهيأة للجهاد، ومنها الجباية(1)، أي أن الجهاد فيه مسؤولية مشتركة ما بين الدولة والرعية.
• واستِصلاح أهلِهَا:
مفهوم الاصلاح في القرآن الكريم لا يخصص میداناً معيناً دون آخر، لذا ينبغي أن يشمل كل ميادين الحياة، لتحقيق ظرفٍ طبيعيِ من التعايش والتسامح ما بين فئات المجتمع في ظل قوانين توحد تنطبق على كل الرعية، أي أن هناك حقوقاً لك وفي
ص: 36
الوقت نفسه لا بد من أداء بعض الواجبات، لذا جاء في قوله تعالى: «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»(1).
فكان كلام الإمام دقيقاً في ذلك: «واسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا».
• وعِمَارَة(2)بلادِهَا:
العمارة تأتي من عمل الإنسان، وابداعه، وطالما كان هناك استقرار في البلاد وقوانین نافذة على الجميع يظهر العمران في البلاد سواءً بالبناء(3)أو الأسواق وغيرها. لذا أكد القرآن الكريم على العمران في قوله تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»(4).
ص: 37
في ظل ما جاء بعهد الإمام علي (علیه السلام) لعامله مالك بن الأشتر النخعي: والذي يجب على الحاكم أن يستحضر نظرة الناس إليه: «ثُمَّ اعْلَمْ، يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَد قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ(1)مِنْ عَدْل وجَوْر»(2).
1. ذخيرة العمل الصالح:
لابد من صفاء النفس والابتعاد عن الهوى في سبيل الوصول للعمل الصالح المرضي لله ورسوله، لذلك قال: «فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فَامْلِكْ هَوَاكَ(3)
ص: 38
وشُحَّ(1)بِنَفسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ(2)فَإنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإنْصَافُ(3)مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ
ص: 39
أَوْ کَرِهَتْ(1)».
2. نظرة الرعية للوالي:
قد تكون نظرة الرعية للراعي مثلما كانت نظرته للراعي الذي كان قبله، وهنا أراد الإمام علي (علیه السلام) تذكيره ليس إلا، بأن هذا المنصب ينبغي على الوالي إدراكه، ومما جاء في العهد:
«وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمورِكَ فِي مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْولاَةِ قَبْلَكَ، ويَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، وإِنَّما یُسْتَدَلُّ عَلىَ الصَّالِحينَ بِمَا یُجْرِي اللهُّ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ».
3. حب الحاكم للرعية:
السبيل الصحيح الذي يؤدي إلى تأكيد حب الحاكم في نفوس الرعية، ويحملها على عضده، والدفاع عنه هو ما أشار إليه (علیه السلام) في عهد:
«واعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنَّ رَاع بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وتَخْفِيفِهِ
ص: 40
الْمَؤُونَاتِ(1)عَلَيْهِمْ، وتَرْكِ اسْتِکْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنَّ بِرَعيَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلاً وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ».
4. احترام عادات المجتمع:
أمر الإمام علي (علیه السلام) عامله على مصر - باحترام التقاليد الشعبية، فما جاء في العهد: «وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الأْمَّةِ، واجْتَمَعَتْ بِهَا اْلْأُلفَةُ، وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ؛ ولاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ - بِشَيْ - ء مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ اْلأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَیْكَ بَمَا نَقَضْتَ مُنْهَا»(2).
5. الرحمة بالرعية:
في ضوء ما وجد في العهد من مفردات تؤكد أهمية الرعية بالنسبة للوالي فإنها
ص: 41
بنفس الوقت تضع أساسيات حقوق الإنسان، وتجلى ذلك بحب الحاكم لله أولاً، ولرعيته ثانياً، آنذاك سوف تتوفر بيئة صالحة للتعايش والتسامح ما بين فئات المجتمع، ولكي يبقى ما بين الوالي ورعيته من وشائج الود، ويبقى ما للوالي في قلوب الرعية من جميل الأثر وحسن الظن يجب عليه أن يبدد من أذهانهم كل ما يتوهمون فيه الظلم، إذ جاء فيها:
أولا. علاقة الحاكم بالرعية:
لابد من حب الحاكم لرعيته، وشعورهم بأنه محكوم لمن هو أعلى منه، من خلال: «وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ(1)لِلرَّعِيَّةِ، واَلْمُحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ(2)بِهِمْ(3)، ولاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ
ص: 42
سَبُعاً ضَارِياً(1)، تَغتَنِمُ أَكلَهُم فَإِنَّهُم صِنفانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ(2)، أَو نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ(3)، يَفرُطُ(4)مِنهُمُ الزَّلَلُ(5)».
ص: 43
ثانيا. التعايش والتسامح بالعفو:
سمة استقرار الحياة في أي مجتمع من المجتمعات هو وجود سمة التسامح والتعايش بين الرعية على اختلاف مذاهبهم وهو ما بينّه الإمام علي (علیه السلام) في عهد: «وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَأِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ(1)وصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيكَ اللهُّ مِنْ عَفْوِهِ وصَفْحِهِ(2)، فَإنَّكَ فَوْقَهُمْ ووَالِي الأمرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، واللهُّ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ(3)وقَدِ اسْتَکْفَاكَ أَمْرَهُمْ وابْتَلاكَ بِهِمْ»(4).
ص: 44
ثالثا. عدم الرجوع عن قرار:
من أشهر الدروس في علم الإدارة التي نبّه إليها الإمام علي (علیه السلام) هو عدم الرجوع عن قرار معين صدر من الوالي تجاه الرعية، لاسيما قرارات العفو لهم: «ولاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ ورَحْمَتِهِ، ولا تَنْدَمَنَّ عَلى عَفْو».
رابعا. عدم الفرح بالعقوبة:
أيضاً من الأمور المهمة التي نبّه إليها الإمام علي (علیه السلام) عدم الفرح بالعقوبة: «ولاَ تَبْجَحَنَّ(1)بِعُقُوبَة، ولاَ تُسْرِ عَنَّ إِلَى بَادِرَة وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً(2)».
خامسا. الابتعاد عن الخيلاء:
«ولاَ تَقُولَنَّ إنِّي مُؤَمَّرٌ(3)آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ(4)فِي الْقَلْبِ، ومَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ،
ص: 45
وتَقَرُّبٌ مِنْ الْغِيَرِ».
لقاءات الحاكم مع الرعية:
للحاکم حق أن يحتجب عن رعيته بعض الوقت، لراحته أو إنجاز ما يعرض له، أما أن يحتجب كل الوقت فهذا كبر وسوء خلق منه، وداعية للجهل بأحوال الرعية، والاعتماد في اخبارها على أصحاب المآرب والأغراض.
فالاحتجاب تحقير وتنفير لأهل الرأي والفضل والمروءة، وتعظيم لخدمه وحجّابه الذين يدخلون متى ما ارادوا. وليس من دون شك إن تحقير الكبير وتعظيم الصغير هو صغار واحتقار للحاكم بالذات، وهو جريمة لا تغتفر، لذا بين الإمام في وصيته بعض الأمور المهمة منها:
1. مقابلة الرعية:
«وَأَمَّا بَعْدُ، فَلا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ؛ فَإنَّ احْتِجَابَ الْوَلاۃِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وقِلَّةُ عِلْم بٍاْلأُمورِ، والاحْتِجَابُ مِنْهُم يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ آحْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ، ويَعْظُمُ الصَّغِيرُ، ويَقْبُحُ الْحَسَنُ ويَحْسُنُ الْقَبِيحُ، ویُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ».
2. قضاء حاجات الرعية:
«إنَّمَا الْوَلِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الأُمُورِ، ولَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ
ص: 46
سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ(1)مِنَ الْكَذِبِ(2)، وإِنَّما أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالبَذْلِ فِي الْحَقِ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَق تُعْطِيْهِ؟ أو فِعْل کَرِیم تُسْدِيهِ، أو مُبتَلىً بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ کَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسألَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ ذْلِكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكِ مِمَّا لاَ مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَکَاۃِ مَظْلِمَة أَوْ طَلَبَ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة».
3. الإحسان للرعية:
في هذا النص حدد الإمام علي (علیه السلام) من أمر الوفاء بالعهود، ووضح ذلك في قوله: «وَإِيَّاكَ والمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإحسَانِكَ، أَو التَّزَيُّدَ فيمَا كَانَ مِن فِعلِكَ، أَو أن تَعِدَهُم فَتُتبعَ مَوعِدكَ بِخُلفِكَ، فَإِنَّ المَنَّ يُبطِلُ الإحسَانَ، والتَّزَیُّدَ يَذهَبُ بِنُورِ الحَقِّ، والخُلفَ يُوجِبُ المَقتَ عِندَ الله والنَّاسِ، قَالَ اللهُّ تَعَالَى: «كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا
ص: 47
مَا لَا تَفْعَلُونَ»(1).
4. تفقد أمور الرعية:
تفقد أمور العرية القاطنين بعيداً عن مرکز استقرار الوالي في ظل موظفين هم عيون لك بنقل الأخبار ومتابعة احوال الرعية، «وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُیُونُ وتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرَّغْ لأِولئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإْعْذَار إِلى الله يَوْمَ تَلْقَاهُ؛ فَإنَّ هؤلاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الاْنصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وكُلُّ فَأَعْذِرْ إِلَى الله فِي تَأدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيه».
اهتمام الوالي بالرعية:
على الوالي مراعاة فئات مجتمعه الذي يحكمه، لذا عليه أن يراعي رعيته لاختلاف فئاتهم العمرية ففيهم كبير السن والعاجز والمريض، وكذلك أصحاب الحاجات الخاصة التي لا يستطيع أحد تلبية طلباتهم، وأن يصبر عليهم في ظل نظام عادل للجميع، ووضح ذلك في عدد من النقاط المهمة منها:
1. مراعاة الأيتام وكبار السن:
«وتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وذَوِي الرِّقَةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، ولاَ یَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ
ص: 48
نَفْسَهُ، وذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ وَالْحَقُّ(1)کُلُّهُ ثَقِيلٌ وَقَدْ یُخَفِّفُهُ اللهُّ عَلَى أَقْوَام طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ ووَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ الله لَهُمْ».
2. الاهتمام بذوي الحاجات الخاصة:
«وَاجْعَلْ لِذَوي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عامّاً فَتَتَواضَعُ فِيهِ للهّ الَّذِي خَلَقَكَ(2)، وتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وأَعْوَانَكَ مِنْ أَحرَاسِكَ وشُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُم غَيْرَ مُتَتَعْتِع(3)، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسول اللهّ، صلى اللهّ عليه وآله وسلم، يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: (لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيَّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع)»(4).
ص: 49
3. الصبر على الرعية:
«ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ(1)مِنْهُمْ والْعِيَّ(2)، ونَحَّ عَنْهُمُ الضِّيقَ والْأَنَفَ يَبْسُطِ اللهُّ عَلَيْكَ بِذلِكَ أكْنَافَ رَحْمَتِهِ، ويُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ».
4. التوافق في العطاء:
«وأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً، وامْنَعْ فِي إِجْمَال وإِعْذَار».
5. استقامة العدل:
«وَإنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ(3)فِي الْبَلادِ(4)، وظُهُورُ
ص: 50
مَوَدَّۃِ(1)الرَّعِيَّةِ، وإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاّ بِسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، ولاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاَةِ الْأُمورِ وقِلَّةِ اسْتِثقَالِ دُوَلهِمْ، وتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ؛ فَاْفْسَحْ فِي آمَالهِمْ ووَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وتَعْدِيدِ مَا أَبْلی ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُم».
6. حب الرعية:
لابد من إظهار حب الرعية، إذ جاء في العهد: «وظُهُورُ مَوَدَّۃِ(2)الرَّعِيَّةِ، وإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاّ بِسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، ولاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاَةِ الْأُمورِ وقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلهِمْ، وتَرْكِ استِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِم؛ فَافْسَحْ فِي آمَالهِمْ ووَاصِلْ
ص: 51
فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيهِمْ وتَعْدِيدِ مَا أَبْلی ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُم».
7. ذكر أفعالهم الحسنة:
بيان أفعال الحسنة للرعية، لكي تكون حافزاً لغير الحسن منهم، ومما جاء في العهد: «فَاِنَّ كَثْرَةَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ(1)، وتُحَرِّضُ النَّاکِلَ، إِنْ شَاءَ اللهُّ. ثُمَّ اعْرِفْ لِکُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ مَا أَبْلی، ولاَ تُضِيفَنَّ بَلاَءَ امْرِئ إِلَى غَيْرِهِ، ولاَ تُقَصِّرَ-نَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلائِهِ، ولاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، ولاَ ضَعَةُ امْرِئ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظِيماً». واجبات الحاكم:
ينبغي للحاکم تحصين نفسه الابتعاد عن الشهوات التي تؤدي إلى الزلل، لأن النفس أمارة بالسوء، ومن أجل ذلك وضع في عهد الإمام علي (علیه السلام) أهمية تحصين النفس التي إن لم تتحقق تؤدي للتهلكة: «وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ - نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ(2)
ص: 52
ويَزَعَهَا(1)عِنْدَ الْجَمَحَاتِ(2)؛ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إلاَّ مَا رَحِمَ الله»(3).
وينبغي على الحاكم أن يكون عارفاً إنه ممثل للسلطة لا مالك لها، والساهر على توفير حاجات الأمة والممتنع عن إلحاق الجور والظلم بالرعية، لذلك تنبغي معاملته الرعية بدقة من أجل تجنب ارتكاب الأخطاء، إذ جاء فيه:
• الابتعاد عن الغرور:
من الأمراض النفسية في شخصية الإنسان الغرور، لذلك حذر منه الإمام (علیه السلام)، إذ ذكر في العهد: «وإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً(4)أَو مَخِيلَةً(5)فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ الله فَوْقَكَ وقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ(6)؛ فإنَّ ذلِكَ
ص: 53
یُطامِنُ(1)إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ(2)، ويَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، ويَفيء إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ»(3).
• تحذير الحاكم من هوى النفس:
حذّر الإمام (علیه السلام) من العجب باستعظام العمل الصالح والابتهاج له، وأن يرى نفسه خارجا عن حد التقصير، لأنه يدعو إلى الكفر، وإلى نسيان الذنوب وإهمالها، ثم إن إعجابه بنفسه، ورأيه، وعلمه، وعقله يمنعه من الاستفادة والاستشارة والسؤال، فيستنكف من سؤال من هو أعلم منه، وربا يعجب بالرأي الخطأ الذي خطر له فيصر عليه، وآفات العجب أكثر من أن تحصى، إذ جاء في عهد الإمام (علیه السلام) ما نصه:
ص: 54
«وَإِيَّاكَ والإعْجَابِ(1)بِنَفْسِكَ، والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وحُبُّ اْلإطْرَاءِ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ».
ومن أجل استمرار نجاح الحاكم في حكمه ينبغي عليه أن يكون بعيداً عن هوى النفس، لأنها تحجر الرؤيا عنه فلا يرى إلا بما يتناسب مع ميوله وآرائه، زيادة على أن الهوى شريك الجهل والعمى، وهو مفسد للعقل يبعده عن الواقع ويجعله أسيراً له، بدلالة قوله تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(2)، لذلك قال الإمام علي (علیه السلام) في عهده «،...، فَامْلِ-كْ هَ-وَاكَ(3)
ص: 55
وشُحَّ(1)بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ(2)فَإنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ کَرِهَتْ".
• الأنصاف في القرار من أجل العدالة:
إن تحقيق العدالة في المجتمع عنصر مهم في تحقيق النظام الاجتماعي، لأنه بدون نظام عادل للبلاد لا يمكن أن يعمل الفرد في المجتمع، لذلك أكد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) في ذلك العهد بقوله: «أَنْصِ-فِ الله(3)وأَنصِ-فِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومِنْ خَاصَّةِ أهْلِكَ ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوَیً مِنْ رَعِيَّتِكَ(4)؛ فَإنَّكَ إلاّ
ص: 56
تَفْعَلْ تَظْلِمْ(1)ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ الله كَانَ الله خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ(2)، ومَنْ خَاصَمَهُ الله أدْحَضَ حُجَّتَهُ وكَانَ لله حَرْبَاً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ ولَيْسَ شيء أَدْعَى إِلى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ الله تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَة عَلَى ظُلْم، فَاَنَّ الله سَمِيعٌ(3)دَعْوَةَ الْمُضْطَهدِينَ وهُوَ لِلظَّالِمينَ بِالْمِرْصَادِ»(4).
• القرارات ترضي الجميع:
«لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُنَةً فِي الرَّخَاءِ وأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ،
ص: 57
وأَكْرَه لِلإِنْصَافِ، وأَسْأَلَ بِالاِلْحَافِ(1)، وأَقَلَّ شُكْراً(2)عِنْدَ الإعْطَاءِ، وأَبْطأَ عُذراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وأَضْعَفَ صَبْراً(3)عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وجِمَاعُ الْمُسْلِمينَ والعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الأْمَّةِ، فَلْيَکُنْ صَغْوُكَ لَهُمْ، ومَیْلُكَ مَعَهُمْ».
تحذير الحاكم من تقارير رجال المتملقين والنمامين:
نظر الإمام علي (علیه السلام) نظرة أخرى إلى المتملقين والنمامين، فحذر عامله من بعضهم لاسيما ما يخص حرمة الحياة الخاصة بالرعية، وتجلى ذلك في:
ص: 58
• ستر العيوب:
«وَلْيَكُنْ أَبْعَدُ رعِيَّتِكَ مِنْكَ وأَشْنَأُهُمْ(1)عِنْدَكَ أَطْلَبَهُمْ لِمَعائِبِ النَّاسِ فَإنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَها(2)، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، اللهُّ يَحْکُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُّ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ».
• حسن السيرة معهم:
«أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ(3)كُلِّ حِقْد، واقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ کُلِّ وِتْر(4)».
• التغافل:
«وتَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لاَ يَصِحُّ لَكَ».
ص: 59
• عدم العجلة:
«ولاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع(1)؛ فَإنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ، وإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحيِنَ».
ص: 60
المبحث الثاني: طبقات المجتمع قّسم الإمام علي (علیه السلام) المجتمع المصري إلى سبع طبقات متكاملة في العيش مع بعضها البعض، وكل طبقة منها عدا الطبقة التي لا تستطيع عملاً ضرورية للمجتمع، والعمل الذي تقوم به ضروري الوجود، وكما أنه يعتمد في وجوده على جهود بقية الرعية ضمن المجتمع، لذلك قال له: «وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاّ بِبَعْض، ولاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض». وهذه الطبقات هي:
وجّه الإمام علي (علیه السلام) عامله بشأن المشاورين الكبار له في القضايا الاستراتيجية، بأنه لابد لهم من مجالسه:
1. العلماء:
«وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ العُلَمَاء».
2. الحكماء:
«ومُنَافَثَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ».
ص: 61
3. الاستفادة من الخبرات الماضية:
«وإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ».
صفات المستشار:
أكد الإمام علي (علیه السلام) أن هناك عدداً من الصفات الإنسانية لو اجتمعت كلها أو وجدت بعضها في شخصية المستشار سوف تؤدي به إلى سوء الظن بالله، لذلك عهد إلى عامله أن يتجنب كل من يحمل هذه الصفات أو بعضها للعمل كمستشار مع عمالهم منها:
• البخل:
البخل من السجايا الذميمة، الموجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه، وقد عابها العرب قبل البعثة النبوية الشريفة وبعدها، لذا حذّر الإمام علي (علیه السلام) في عهده منها، إذ جاء قوله: «وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُوَرتِكَ بَخِيلا(1)يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ ويَعِدُكَ الْفَقْرَ».
ص: 62
• الجبن:
من الصفات الأخرى التي رفضها الإمام علي (علیه السلام) أن تكون في شخصية المستشار هو الجبن، لأنها تكون سبباً في تقييد حركة الحاكم، لذلك قال: «ولاَ جَبَاناً(1)يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ».
• حريص:
من الصفات الأخرى التي تسهم في تزيين الظلم هو الحرص، لذا قال الإمام علي (علیه السلام) في عهده: «ولاَ حَرِيصاً يُزَیِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ».
ص: 63
وهناك عدد من التوصيات لابد للوالي من الأخذ بها منها:
• الوجوه الجديدة:
تفضيل استيزار الوجوه الجديدة منهم، لاسيما من یکون ذا ماضٍ مشر-ف ونظيف: «إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ کَانَ لِلاَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِکَهُمْ فِي الآْثَامِ(1)فَلاَ يَکُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الاَثَمَةِ(2)، وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ؛ وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ(3)، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ، وَلاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ، أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْکَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى(4)عَلَيْکَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً، فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ
ص: 64
وَحَفَلاَتِكَ».
• شديدا في أمر الله لا ينافق: ومما جاء في العهد: «ثُمَّ لْيَکُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَکُونُ مِنْكَ مِمَّا کَرِهَ اللهُ لأَوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً [ذَلِكَ] مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ».
ينبغي توافر عدد من الشروط لمن يرشح لقيادة الجند، وهذه الصفات أخلاقية بمستوى عال يصده عن الفساد، ويمسكه على الجادة، ويأخذهم بعنقه إلى الهدى، ومنها:
أ. العابد لله:
«فَوَلَّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاِمَامِكَ».
ب. طهارة الصدر والقلب:
«وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً(1)».
ص: 65
ت. حليم:
«وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً(1)مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ».
ث. الرحیم:
«وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ».
ج. القوي:
»وَيَنْبُو عَلَى الاَقْوِيَاءِ(2)».
ح. الصبور:
«وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ».
خ. الجنود:
«فَمِنْها جُنُودُ اللّه».
ص: 66
هم أساس الامن في البلاد، إذ لولا وجودهم لانعدم الاستقرار، وبوجود الفوضى والاضطرابات تموت كل سبل الحياة، وحينئذ تنعدم التجارة، ويختل نظام الزراعة، ويسبب ذلك انهيار الوضع الاجتماعي، ولولا التجارة والزراعة لما وجدت الضرائب التي تمد الجنود بالمال والسلاح، ولولا التجارة لحدثت أزمات اجتماعية تنشأ من تكدس الإنتاج في غير مكان الحاجة إليه وعدم وجوده في مكان الحاجة إليه، والعمال يشرفون على تنظيم هذا النشاط الاجتماعي، ولولاهم لأصبح الوضع سيئاً، ولولا القضاء للجأ الناس إلى تسوية مشاكلهم بالعنف، وذلك يؤدي إلى خلل في النظام الاجتماعي، فالنشاطات الاجتماعية تكاد تكون متكاملة مع بعضها البعض.
«فَالْجُنُودُ بِاِذْنِ اللّهِ، حُصُونُ الرَّعِیَّهِ، وَزَیْنُ الْوُلاهِ، وَعِزُّالدّینِ، وَسُبُلُ اْلأَمْنِ، وَلَیْسَ تَقُومُ الرَّعِیَّهُ اِلاّ بِهِمْ».
اعتمادهم على الخراج:
«ثُمَّ لاَ قِوامَ لِلْجُنُودِ اِلاَّ بِمَا یُخْرِجُ اللّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَراجِ الَّذی یَقْوَوْنَ بِهِ عَلَی جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَیَعْتَمِدُونَ عَلَیْهِ فِیمَا یُصْلِحُهُمْ، وَیَکُونُ مِنْ وَراءِ حَاجَتِهِمْ».
صنفهم يكمل بقية المجتمع:
«ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهذَیْنِ الصِّنْفَیْنِ اِلاّ بِالصِّنْفِ الثّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ، وَالْعُمَّالِ، وَالْکُتَّابِ، لِمَا یُحْکِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ ویَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنافِعِ، ویُؤْتَمَنُونَ عَلَیْهِ مِنْ خَواصِّ الأُمُورِ
ص: 67
وَعَوامِّهَا ولاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِیعاً اِلاّ بِالتُّجَّارِ وذَوِی الصَّنَاعَاتِ فِیمَا یَجْتَمِعُونَ عَلَیْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَ یُقِیمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَیَکْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُقِ بِأَیْدِیهِمْ مَا لاَ یَبْلُغُهُ رِفْقُ غَیْرِهِمْ».
النظر في أمور الجند:
لابد للقائد من النظر في الشخصيات المرشحة لنيل منصب قائد الجند، ولا يكتفي بالاعتماد على صفات التربية والخلق في ضمان إخلاصهم وتمسكهم بمثلهم العليا، لأن الحاجة تدفع بالرعية إلى الاجرام، ولابد من تتبع مآثرهم والاشادة بهم ومدحهم والثناء عليهم بما أبلوا من حسن البلاء، وتجلى ذلك في عدد من النقاط منها:
أ - متابعة مصلحة الجند: «ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا».
ب - تقوية معنوياتهم: «وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ».
ت - المشاورة مع الآخرين: «وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ(1)، وَحُسْنِ الظَنِّ بِكَ»(2).
ص: 68
ث - توفير المؤنة: «وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّکَالا عَلَى جَسِيمِهَا(1)؛ فَإِنَّ لِلْيَسيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيْمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ».
ج - حسن تعامل القائد مع جنوده: «وَلْيَكُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِى مَعُونَتِهِ؛ وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ، بِمَا يَسَعُهُمْ ويَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ، حَتَّى هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِى جِهَادِ الْعَدُوِّ؛ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ».
الكتاب هنا المراد بهم الهيئة الوزارية ووكلاؤها ومدیر وها، والى هذه الطائفة يرجع أمر الدولة كله؛ سلمها وحربها، واقتصادها، وكل ما يلم به من خير وشر، لذلك حدد الإمام علي (علیه السلام) في عهده أن يكون الوزير واقعياً في النظر للمجتمع ويعرف واقعه تماماً، وينبغي عليه الاحتياط إذا كان وزيره ضعيفاً ولا يهمل الاحتياط غروراً منه، ومما جاء في عهده:
أ - خيرهم:
«ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ».
ص: 69
ب - صالح الأخلاق:
«وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيها مَكَائِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ اْلأَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلأ».
ت - ذكيا نبيها:
«ولاَ تَقْصُرُ - بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ، فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ ويُعْطِي مِنْكَ».
ث - حازما:
«ولاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ، ولاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ».
ج - عارفا بقدر نفسه:
«ولاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي اْلاُمُورِ؛ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ».
وفي العهد أيضاً جملة أمور لابد من توافرها في الكتّاب، لیس کما وضحنا في شخصياتهم بل في تاريخهم المعروف من أجل استمرار الحكم الصحيح، لاسيما وأن بعض بيوتات الرعية تحتل مكانة في نفوسهم، وهم الذين يؤخذ منهم عامة الجند، بسبب ما قدموا من خدمات للأمة في أيام الخير والشر، وهذا يوفر لهم صفات الهيبة ويضمن بنفس الوقت نفوذه عندهم وكذلك الطاعة، لذلك ذكر في العهد ما يستوجب إيضاحه منه.
ص: 70
البيوت الصالحة:
«ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُروءَاتِ اْلأَحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ».
ح - أهل النجدة والشجاعة:
«ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ(1)وَالشَّجَاعَةِ(2)وَالسَّخَاءِ(3)وَالسَّمَاحَةِ(4)فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْکَرَمِ(5)
ص: 71
وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ».
وضع الإمام (علیه السلام) جملة من الخصائص لابد من توافرها في شخصية المرشح لنيل منصب القضاء، لأن القاضي مهما كان سامي الخلق، وعالي النفس، وطاهر الضمير، إنسان من الناس يجوز أن يطمع في المزيد من هوى الدنيا، وعندئذ ينحرف في ساعة من ساعات الضعف الإنساني إلى قبول الخطأ، وبذلك تضيع حقوق الرعية، ومن أجل عدم حصول ذلك حدد الإمام علي (علیه السلام) عدداً من النقاط المهمة للمرشح لنيل هذا المنصب، منها:
أ - خيار القوم:
«ثُمَّ أخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَیْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِیَّتِكَ فِي نَفْسِكَ».
ب - واسع الصدر كريم الخلق:
ص: 72
«مِمَّنْ لاَ تَضِیقُ بِهِ اْلأُمُورُ(1)ولاَ تُمْحِّکُهُ الْخُصُومُ ولاَ یَتَمَادَی فِی الزَّلَّةِ(2)».
ت - عدم الإصرار على الخطأ:
«ولاَ یَحْصَرُ مِنَ الْفَیءِ(3)إِلَی الْحَقِّ إِذا عَرَفَهُ».
ص: 73
ث - غني النفس غير دنيء:
«لاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَی طَمَعٍ».
ج - عدم التسرع في اتخاذ القرار:
«ولاَ یَکْتَفِي بِأَدْنَی فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ؛ وأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وأَصْبَرَهُمْ عَلَی تَکَشُّفِ اْلأُمُورِ».
ح - قاطع في أحكامه:
«وَأَصَرَمَهُمْ عِنْدَ اتَّضَاحِ الْحُکْمِ».
خ - زاهد:
«مِمَّنْ لاَ یَزْدَهِیهِ إِطْرَاءٌ(1)».
د - لايتأثر بالإغراء:
«ولاَ یَسْتَمِیلُهُ إِغْرَاءٌ، أولئِكَ قَلِیلٌ».
ص: 74
ذ - قانع:
«ثُمَّ أَکْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وافْسَحْ لَهُ فِی الْبَذْلِ مَا یُزِیلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَی النَّاسِ».
ر - استقلالية القضاء:
«وأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لِدَیْكَ مَا لاَ یَطْمَعُ فِیهِ غَیْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِیَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِیَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ».
«ومِنْهَا عُمَّالُ اْلاِنْصَافِ وَالرِّفْقِ».
الوزراء هم أعوان الوالي المقربون له، فمن أجل سياسة قائمة على العدل والمساواة، ومنعاً لتكرار ما سبق من ظلم الرعية في الولايات السابقة، ينبغي على الوالي اختيارهم لأنهم هم الجهاز الأعلى الذي ينظم النشاط الاجتماعي، ويشرف على توجيهه، وعلى قدر ما تكون عليه هذه الطبقة من الصلاح والاستقامة، تصلح الأمة وتستقيم ويعظم شأنها، لذلك حدد صفاتهم وفق معايير تفضيل تعيين الوجوه الجديدة من الشخصيات المؤمنة والصادقة لمنصب الوزارة، إذ جاء في العهد:
أ - أن لا يكون وزيرا سابقا:
أن لا يكون تسلم منصب الوزارة سابقاً لأنه ربما يكون قد عمل مع حاكم ظالم، وبهذا يكون قد ساعد الحاكم في ظلمه، لذا جاء في العهد: «إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ
ص: 75
لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ(1)فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ اْلأَثَمَةِ(2)،وإِخْوَانُ الظّلَمَةِ، وأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ ونَفَاذِهِمْ، ولَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وأَوْزَارِهِمْ(3)مِمَّن لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلي ظُلْمِهِ لآ آثِماً عَلي إِثْمِهِ: أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيكَ مَؤُونَةً، وأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وأَحْنَي(4)عَلَيْكَ عِطْفاً، وأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً، فَاتَّخِذْ أُوْلئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وحَفَلاَتِكَ».
ب - من أهل الصدق والورع:
ينبغي أن يكون المرشح أو المختار لهذا المنصب من أهل الورع والصدق، لأن من تمسك بالصدق نجي في العمل، إذ جاء في العهد: «الْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ(5)والصِّدْقِ».
ص: 76
ت - غير معروف بالتملق:
أن لا يكون الوزير ممن عرف بالتملق، إذ جاء في العهد: «ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَی أَنْ لاَ یُطْرُوكَ ولاَ یَبْجَحُوكَ(1)بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ، فَاِنَّ کَثْرَةَ اْلإِطْرَاءِ(2)تُحْدِثُ الزَّهْوَ(3)وتُدْنِي
ص: 77
مِنَ الْعِزَّةِ(1)».
محاسبة الوزراء:
العدالة تبدأ بأقرب الشخصيات إليك، فمحاسبة المذنب هي تجسيد للإحسان، لذلك دعا إلى تشجيع المحسن وعقاب المسي - ء، وهو ما جاء في عهده لعامله: «وَلاَ یَکُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمسيء عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء(2)؛ فَإِنَّ فِی ذلِكَ تَزْهِیداً لِأَهْلِ اْلإِحْسَانِ(3)فِی اْلاِحْسَانِ(4)، وَتَدْرِیباً لِأَهْلِ اْلإِسَاءَةِ عَلَی الْإِسَاءَةِ، وأَلْزِمْ کُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ(5)».
ص: 78
بين الإمام علي (علیه السلام)، أن الطبقة التي تفلح الأرض وتستزرعها تحتل مكاناً بارزاً وهاماً في فكره الاجتماعي، لذلك يطلب من عامله أن يرعاهم ويتفقد أمرهم، لأن أمر سائر الطبقات متوقف عليهم، ويرسم له فلسفة تدعو إلى العمران کوسيلة تثمر بالتبعية تحصيل ضريبة الخراج، فالعمران والاستصلاح أولاً، ثم التفكير بعد ذلك في تحصيل الخراج(1)، ربما كان سبب نظرة الإمام علي (علیه السلام) لبلاد مصر - على هذا النحو كونه كان يرى عدد أهل الذمة عندهم كبيراً، زيادة على دفعهم الخراج، مع بقاءهم على معتقدهم الديني، زيادة على أن الخراج أهم مصدر لبيت مال المسلمين، إضافة إلى عدالته تجاه جميع فئات المجتمع المسلمين وغيرهم، وأيضا هناك بعض الأمور منها:
أهمية الخراج:
لأهمية الحراج في السياسة المالية لبلاد مصر -، أوصى الإمام علي (علیه السلام) بمتابعة ذلك: «وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ(2)؛ فَإِنَّ فِي صَلاَحِهِ وَصَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ؛ لاصَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ؛ لاِنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ».
ص: 80
عمارة الأرض:
من أجل عارة الأرض لابد من تتبع عدد من النقاط المهمة، منها:
1. فضل عمارة الأرض على الخراج:
«ولْيَکُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ اْلأَرْضِ(1)أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ».
2. أساس الدولة:
«ومَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاّ قَلِيلاً.».
3. يجب أن لا تثقل الدّولة من وطأة الخراج:
«فَإِنْ شَکَوْا ثِقَلا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ. وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلاَدِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ» .
4. فضل قوتهم:
«مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيْهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ
ص: 81
قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ(1)لَهُمْ وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ فِي رِفْقِكَ بِهِمْ؛ فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ اْلاُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيْهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طِيبَةَ أَنْفُسِهِمْ بِهِ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ».
5. حمايتهم من الطبقة الخاصة:
«وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ اْلأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ(2)أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ وسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ».
داء الاحتكار:
كذلك بيّن الإمام علي (علیه السلام) أن من أمراض السوق الاقتصادية هو الاحتكار لذلك حذر منه، بعدد من النقاط، منها:
1. سلبيات الاحتكار:
«،..، أَنَّ فِي کَثِیرٍ مِنْهُمْ ضِیقاً فَاحِشاً، وشُحّاً قَبِیحاً وَاحْتِکَاراً(3)لِلْمَنَافِعِ، تَحَکُّماً فِی
ص: 82
الْبِیَاعَاتِ، وذَلِكَ بَابُ مَضَرَّة لِلْعَامَّةِ وعَیْبٌ عَلَی الْوُلاةِ».
2. منع الاحتكار:
«فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِکَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه، صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، مَنَعَ مِنْهُ(1). ولْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْل، وأَسْعَار لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ».
3. العقوبة:
فَمَنْ قَارَفَ حُکْرَهً بَعْدَ نَهْیِكَ إِیَّاهُ فَنَکِّلْ بِهِ؛ وعَاقِبْهُ(2)فِي غَیْرِ إِسْرَاف».
ص: 83
«ومِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ».
إذا كانت مهنة الزراعة هي ينبوع النشاط الاقتصادي في العصور القديمة، فان التجارة هي المظهر الأكمل لهذا النشاط في جميع العصور، لذا ينبغي على العامل مراعاة بعض الأمور منها، لاسيما أصحاب رؤوس الأموال منهم فهم المقيم في البلاد، والمسافر بأمواله ما بين البلدان، وما يتطلبه ذلك من خطورة السفر وصعوباته سواءً كان السفر برياً أو بحرياً وتعريات الطبيعة والمناخ، لذا:
أستوصی بهم خيرا:
قال الإمام علي (علیه السلام) في عهده: «ثُمَّ اِسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ وأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً».
1. أنواع التجار:
حدد أنواع التجار بتقسيمهم على ثلاثة أنواع، لذا يجب متابعتهم كونهم أساس الثروة الاقتصادية للبلاد فقال في عهده: «الْمُقِیمِ مِنْهُمْ والْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، والْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِه؛ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وجُلاَّبُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ فِی بَرِّكَ وبَحْرِكَ وسَهْلِكَ وجَبَلِكَ، وحَیْثُ لاَ یَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا ولاَ یَجْتَرِئونَ عَلَیْهَا». ووصفهم على شكلين هما:
أ. المسالمين منهم:
ص: 84
«فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَی غَائِلَتُهُ».
ب. غير المسالمين:
ضرورة تحديد الأسعار وفقاً لمتقضي العدالة، ومما جاء في العهد: «،...، کَثِیرٍ مِنْهُمْ ضِیقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً قَبِیحاً، وَاحْتِکَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَکُّماً فِی الْبِیَاعَاتِ، وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّ - ة لِلْعَامَّةِ وَعَیْبٌ عَلَی الْوُلَاةِ».
2. تفقد أمورهم:
كذلك من واجبات الوالي متابعتهم، حتى وإن كانوا في أطراف البلاد لأهميتهم الاقتصادية للبلاد: «وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ».
«وَمِنْهَا الطَّبَقَهُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِی الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنَةِ، وکُلٌّ قَدْ سَمَّی اللّهّ لَهُ سَهْمَهُ. ووَضَعَ عَلَی حَدِّهِ فَرِیضَهً فِی کِتابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِیِّهِ (صَلَّی الله عَلَیْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ) عَهْدَاً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظَاً».
يوصي الإمام علي (علیه السلام) بالطبقة السفلى من طبقات المجتمع، وهم الذين لا قدرة لهم على الكسب والتكسب، ولهم حقوق مقررة ومقدسة في بيت المال، لذا عليه أن يتفرغ لرعاية أمرهم، وبحث أحوالهم، وأن يتواضع لهم لئلا يشعروا بالذل من جهة، وليضرب لأغنياء رعيته مثلاً من فسه في معاملته لهذه الطبقة. وتحدد ذلك في ضوء الآتي:
ص: 85
1. تحديد الطبقة السفلى:
لابد من وجود مبدأ الضمان الاجتماعي، وبيان المسؤولية المباشرة للدولة في إعالة الفرد، وتوفير حد الكفاية له، ومما ورد بشأن ذلك في العهد: «ثُمَّ اللّهَّ اللّهَّ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَي مِنَ الَّذينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ المَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَي(1)والزَّمْنَي(2)فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطّبَقَةِ قَانِعاً(3)ومُعْتَرَّاً(4)».
2. نصيبهم في بيت المال:
ينبغي أن يكون لهم نصيب من بيت المال، سوآءا كان من خراج الصوافي أو غير ذلك، ومما ذكر في العهد: «واحْفَظْ للّهِّ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ، وقِسْماً مِن غَلاَّتِ صَوَافِيِ(5)اْلإِسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد؛ فَإِنَّ لِلأَقْصَي - مِنْهُمْ
ص: 86
مِثْلَ ألّذِي لِلأَدْنَي، وكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ؛ فَلاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُم بَطَرٌ(1)فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضيِيعِكَ التَّافِهِ لإِحْكَامِكَ الكَثِيرَ الْمُهِمَّ».
3. التواضع لهم:
يجب أن يكون اهتمامك بهم وبشؤونهم: «فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ لاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ(2)».
سياسة الحاكم مع عماله:
إنهم رجال الادارة وأيدي الحاكم التي تمتد في أطراف بلاده، والأداة التي يستعين بها على تنفيذ أمره، وإمضاء ما يريد إمضاءه من الشؤون، في الوقت نفسه هم المرآة التي ينظر بها الرعية إليه، وأعمالهم تنسلب إليه وتحمل عليه، ويناله خيرها وشرها. لذلك وضع عدداً من الشروط التي ينتخبون على أساسها، ومنها:
1. الاختبار:
ص: 87
«ثُمَّ انْظُرْ فِی أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاهً(1)وَأَثَرَهً؛ فَإِنَّهُم جِمَاع مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ(2)وَالْخِیَانَةِ(3)».
2. التجربة والحياء:
«وتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَیَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَةِ».
3. القدم في الإسلام:
«وَالْقَدَمِ فِی اْلإِسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ».
ص: 88
4. من ذوي الخلق الكريم:
«فَإِنَّهُمْ أَکْرَمُ أَخْلَاقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً؛ وأَقَلُّ فِی الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِی عَوَاقِبِ اْلأُمُورِ نَظَراً».
وحينما يتم تعيين الإداريين لا بد من اتخاذ عدد من الاجراءات تهيء السبيل لهم لكي يقوموا بعملهم على نحو أفضل لذلك قال: «ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنًی لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَیْدِیهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَیْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ».
صفات رجال الأمن:
كان الإمام علي (علیه السلام) حريصاً في متابعة هذا الأمر مع ولاته، لذا لا بد من وجود عيون للعامل في نقل ما يحدث داخل الولايات، لكي يتابع أمور بلاده، لذلك كان عهده (علیه السلام) لعامله فيه توجيه كيف يتخلص من أمور الخيانة، وارشاده بالعمل الصالح، ونصيحة بما سوف يقدمه للرعية، وتجلى ذلك في:
1. أهل الصدق:
«ثُمَّ تَفَقَدْ أَعْمَالَهُمْ وابْعَثِ الْعُیُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَیْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي
ص: 89
السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِعْمَالِ اْلأَمَانَةِ(1)وَالرِّفْقِ بِالرَّعِیَّةِ».
2. التحقق في الخيانة:
«وَتَحَفَّظْ مِنَ اْلأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ یَدَهُ إِلی خِیَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَیْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُیُونِكَ اکْتَفَیْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَیْهِ الْعُقُوبَةَ فِی بَدَنِهِ، وأَخَذْتُهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمُذَلّةِ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِیَانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهْمَةِ».
طريقة اختيار العمال:
وضح الإمام علي (علیه السلام) عدداً من الشر - وط لا بد من توافرها في شخصية من يمثل الخليفة في بلاد مصر، وهذا يتطلب أمرين: أولهما، أن يعتمد العامل على نفسه باختيار عماله على حسن ظنه، وثانيهما، يعتمد على ما يقوم به العامل من أمور الاختبار للعمال من صفات شخصية قد لا تتوافر عند غيره، وضّحت في العهد.
بعيدا عن التأمل:
الاختيار بعيداً عن حسن الظن بالشخصية، إذ جاء في العهد: «ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ(2)وَاسْتِنَامَتِكَ(3)وحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ؛ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ
ص: 90
لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَاْلأَمَانَةِ شيْء».
صفات العمال:
من بين الأمور التي وضحها الإمام علي (علیه السلام) لعامله مالك النخعي، أن هناك عدداً من الصفات لابد من توافرها في شخصية من يريده لهذا المنصب، ولابد من اختيار الصالح منهم، حتى وإن كان عاملاً لغيره إذا توافرت به صفات الأمانة والصدق، فقد حددها في عهده بقوله:
1. الاختبار:
«وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ: فَاعْمِدْ لأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً».
2. الأمانة:
«وأَعْرَفِهِمْ بِالأَمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلّهِّ وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ».
3. الصابر:
«وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا».
ص: 91
4. متابعتهم:
«وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْب فَتَغَابَيْتَ(1)عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ».
سياسة الحاكم اليومية:
كان لابد للوالي متابعة أعمال ولايته اليومية سواءآ على مستوى العمل الإداري، أو متابعة شؤون رعيته، وأيضا متابعة شؤون رعيته البسطاء الذين لا يملكون المعرفة الكاملة بأمور الشريعة والفقه، وقد حدد الإمام عدداً من الأهداف منها:
1. العمل اليومي:
«ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا(2)عَنْهُ كُتَّابُكَ، مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ،
ص: 92
وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْم عَمَلَهُ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْم مَا فِيهِ».
2. العبادة لله:
«واجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَ اللّه أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ، وَأَجْزَلَ تِلْكَ اْلأَقْسَامِ وإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا للّهِّ إِذَا صَلُحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ، وسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ. وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ للّهِّ دِينَكَ: إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِيِ هِيَ لَهُ خَاصَّةً. فَأَعْطِ اللّهِّ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، ووَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَي اللّه مِنْ ذَلِكَ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُوم ولاَ مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ».
3. العبادة البسيطة لله:
«وإِذا قُمْتَ فِي صَلاتِكَ لِلنَّاسِ فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفِّرِاً وَلاَ مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ الله، صلى اللهّ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم، حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: «صَلِّ بِهِمْ كَصَلاةِ أَضْعَفِهِمْ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنينَ رَحِيماً».
4. متابعة أعوان الوالي:
«ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً(1)فِیهِمُ اسْتِئْثَارٌ، وتَطَاوُلٌ، وقِلَّةُ إِنْصَاف فِی مُعَامَلَة
ص: 93
فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُوُلَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ اْلأَحْوَالِ».
5. سياسة الحاكم مع حاشيته:
«ولاَ تُقْطِعَنَّ لأحَد مِنْ حَاشِیَتِكَ وحَامَّتِكَ قَطِیعَةً لاَ یَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِی اعْتِقَادِ عُقْدَة تَضُرُّ بِمَنْ یَلِیهَا مِنَ النَّاسِ فِی شِرْب أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَك یَحْمِلُونَ مَؤُنَتَهُ عَلی غَیْرِهِمْ فَیَکُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وعَیْبُهُ عَلَیْكَ فِی الدُّنْیا والآْخِرَةِ».
6. سياسة الحاكم مع أقربائه:
«وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِیبِ والْبَعِیدِ، وکُنْ فِی ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وخَاصَّتِكَ حَیْثُ وَقَعَ؛ وعَاقِبَتَهُ بِمَا یَثْقُلُ عَلَیْكَ مِنْهُ؛ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذلِكَ مَحْمُودَةٌ وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِیَّةُ بِكَ حَیْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، واعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ؛ فَإِنَّ فِی ذَلِكَ رِیَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ ورِفْقاً بِرَعِیَّتِكَ، وإِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِیمِهِمْ عَلَی الْحَقِّ».
ص: 94
المبحث الثالث: الجانب السياسي أما في الجانب السياسي فقد تجلى فكر الإمام علي (علیه السلام) في بعض النقاط المهمة بالصلح لاسيما مع الأعداء. ومما لا يمكن إنكاره أن الصلح والسلام إن لم يكن على أساس مرضاة الله تعالى، فهو بعيد كل البعد عن الحق والعدالة ونهايته الفشل، لذلك حدد شروط الصلح في:
«وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ وَلِلّهِّ فِيهِ رِضاً، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وَأَمْناً لِبِلَادِكَ».
«وَلكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ؛ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِی ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ».
ص: 95
أن مبادى الدين الإسلامي الحنيف بنيت على أساس الصدق، والوفاء بالعهود، والذمم، وحتى لو كانت مع الأعداء، فإنّ الوفاء بالعهد أمر فطري تستحسنه عقول جميع الناس، فيجب على الحكومة الإسلامية والأُمة المسلمة الالتزام بالعهود والمواثيق وإن كانت نتائجه غير إيجابية مع الطرف الأخر وإن كافراً؛ لذا بيّن الإمام (علیه السلام) بعض الأسس للوصول للوفاء منها:
أ. الوفاء بالعهد:
«وَإِنْ عَقَدْتَ بَیْنَكَ وَبَیْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَیْتَ؛ فَإِنَّهُ لَیْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّه شَيءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَیْهِ اجْتِمَاعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ آرائِهِمْ مِنْ تَعْظِیمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ».
ب. عدم الغدر:
«وقَدْ لَزِمَ ذلِكَ الْمُشْرِکُونَ فِیمَا بَیْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِینَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ فَلا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَلاَ تَخِیسَنَّ بِعَهْدِكَ ولاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ؛ فَإِنَّهُ لاَ یَجْتَرِئُ عَلَی اللَّه إِلاّ جَاهِلٌ شَقِیُ. وقَدْ جَعَلَ اللَّه عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَیْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِیماً یَسْکُنُونَ إِلَی
ص: 96
مَنَعَتِهِ، وَیَسْتَفِیضُونَ(1)إِلی جوَارِهِ فَلا إِدْغَالَ(2)ولاَ مُدَالَسَة(3)ولاَ خِدَاعَ فِیهِ».
ت. الابتعاد عن اسباب النزاع والجدال:
«ولاَ تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِیهِ الْعِلَلِ، ولاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَی لَحْنِ قَوْل بَعْدَ التَّأْکِیدِ والتَّوْثِقَةِ، ولاَ یَدْعُوَنَّكَ ضِیقِ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِیهِ عَهْدُ اللَّه إِلَی طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَیْرِ الْحَقِّ؛ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَی ضِیقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَصْلَ عَاقِبَتِهِ خَیْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ، وَأَنْ تُحِیطَ بِكَ مِنَ اللَّه فِیهِ طِلْبَةٌ، فَلاَ تَسْتَقِیلَ فِیهَا دُنْیَاكَ ولاَ آخِرَتَكَ».
ث. التحذيرات:
في العهد هناك لغة التنبيه والتحذير من الإمام علي (علیه السلام) إزاء عامله الأشتر، وضحها قبل أن يستلم منصبه لبيان البينة له، منها:
ج. مساماة الله:
«إِيَّاكَ وَمُسَیامَاةَ(4)الله فِي عَظَمَتِهِ وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ(5)؛ فَإِنَّ اللهِّ يُذِلُّ كُلَّ
ص: 97
جَبَّار(1)، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَال(2)».
ح. سفك الدماء:
تجلى التحذير في القتل بأنواعه: «إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْنَى لِنِقْمَة، ولاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، ولاَ أَحْرى بِزَوَالِ نِعْمَة وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللهُّ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِىءٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ بَلْ يُزِيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ».
- القتل العمد:
«ولاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ الله ولاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمدِ(3)؛ لأنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَن».
- القتل الخطأ:
«وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَأ وأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ؛ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةٌ، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُوَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ
ص: 98
الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ».
خ. الاعتدال في اتخاذ القرارات:
حدد الإمام (علیه السلام) ما يستوجب من الوالي في اتخاذ القرار من الحكمة والاعتدال والتثبت بعيداً كل البعد عن العجلة الذي يودي به إلى الفشل، وتجلى ذلك بعدد من النقاط المهمة منها:
د. التثبت في القرار:
حذّره العجلة في الأمور، «وَإِيَّاكَ والْعَجَلَةَ(1)بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَقُّط فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوَضَحَتْ. فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ، وأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ».
ذ. الاعتدال:
ومن أسوء الأخلاق الحاكمة في وجود الإنسان خلق الاستئثار، «وَإِيَّاكَ
ص: 99
والاسْتِئْثَارَ(1)بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِي عَمَّا تُعْنَى بِهِ. مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ؛ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغيرِك؛ وعَمَّا قليلٍ تنكشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الأُمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ(2)».
ر. الإعجاب بالنفس:
نهاه عن الاستكبار والبطش اللذين من آثار الإمارة والسلطان، «وَإيَّاكَ
ص: 100
والاْعْجَابَ(1)بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا».
ز. المن بالإحسان: سلطان في هذا النص حدد الإمام علي (علیه السلام) من أمر الوفاء بالعهود، ووضح ذلك في قوله: «وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ(2)عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ(3)، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ».
ذكر الإمام علي (علیه السلام) عدداً من الإرشادات ينبغي على الحاكم الرجوع إليها لكي يكون قادراً على اتخاذ قراره بسيطرة كاملة، منها:
ص: 101
1. الحكم بعيدا عن هوى النفس:
«ولَنْ تَحُكَمَ ذلكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ».
2. الرجوع للحكومات العادلة لله لحل الأمور:
«وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى - لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَة عَادِلَة، أَوْ سُنَّة فَاضِلَة، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنا صَلَّى اللهُّ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، أَوْ فَرِيضَة فِي كِتَابَ الله، فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا».
3. الاجتهاد:
«وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة النفسي عليك، لكيلا تكون لك علة عند تسّرع نفسك إلى هواها».
4. الحلم:
«اِمْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وسَوْرَةَ حِدَّكَ، وسَطْوَةَ يَدِكَ، وغَرْبَ لِسَانِكَ؛ وَاِحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبادِرَةِ، وتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُك(1)فَتَمْلِكَ الاخْتِيَارَ».
ص: 102
5. العدل:
«وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَیْنِ الْوُلاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ(1)فِی الْبِلَادِ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِیَّةِ، وَإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاّ بِسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، ولاَ تَصِحُّ نَصِیحَتُهُمْ إِلاّ بِحِیطَتِهِمْ عَلَی وُلاَةِ اْلأُمورِ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ؛ فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیْهِمْ، وَتَعْدِیدِ مَا أَبْلی ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ کَثْرَهَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاکِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُّ».
ص: 103
بعد أن درسنا عهد الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) لقائده مالك الأشتر النخعي، دراسة تاريخية موضوعية لبيان کيف أنه (علیه السلام) حدد حقوق الإنسان بشكل كامل في ضوء معرفته المسبقة بما يحتاجه الوالي من جهة، وما تحتاجه الرعية من جهة أخرى، آخذاً بنظر الاعتبار كل فئات المجتمع ضمن مبدأ الحقوق والواجبات في الدين الإسلامي.
لأن المعروف أن نظام الدولة الإداري في العهد الراشدي كان الخليفة فيه يجمع بين النظامين المركزي واللامركزي، كون الخليفة الحاكم الأعلى وهو من يختار أمراء الجند وولاة (الأمصار) التابعة له بصورة مباشرة، وهؤلاء الولاة يختارون القيادات الإدارية بكل صنوفها، لذلك ركز الإمام علي (علیه السلام) في عهده على خطوط واضحة يجب على الوالي الالتزام بها، أولها، يجب أن يكون عابداً مطیعاً لله، وعارفاً بكتابه، وفرائضه، وسننه، وبسنة رسوله الكريم (صلی الله علیه وآله)، وكذلك بسيرة إمامه، من أجل قيادة
ص: 104
المجتمع لكي لا يتخذ القرارات غير المناسبة، وبالتالي يسهم في تحقيق الزلل، ومن أجل ذلك يجب أن يكون قراره بعيداً عن الهوى والشهوات. وحينما تكون هناك شبهات معينة في أمر ما ينبغي الرجوع إلى الأمور المتشابهة قبل عهده، للنظر بها حينما لم تكن قصصها موجودة في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وهناك عدد من الصفات لابد من توافرها في الشخصيات الإدارية ومنها الوالي: أن يكون زاهداً، عابداً لله، وذا أخلاق حسنة، وتقوى، وتواضع وورع، بعيداً عن الزهو والغرور، ومتى ما توافرت هذا الصفات فيه ربما يكون عادلاً في حكمه، ومن أجل ذلك لابد من اختيار المستشارين الأكفاء، والوزراء الصالحين، والموظفين، والقضاة، والتجار، وغيرهم من فئات المجتمع وفق صفات معينة لكل فئة من الفئات تختلف عن الأخرى.
في العهد وضح الإمام علي (علیه السلام) طبيعة تكوين المجتمع المصري، وما هي أشهر فئاته السبع، لذا بیّن له كيفية التعامل مع كل فئة من هذه الفئات لكي يضع خطوط الإدارة الصحيحة للوصول لبر الأمان في الحكم الإسلامي، وكذلك لابد وأن يكون هناك منهاج عمل يومي للوالي، منها متابعة العمل الإداري اليومي، والكتب الواردة إليه من بقية الأقاليم التابعة له، وطريقة المعالجة لهذه الكتب، على أن لا ينسی الفرائض اليومية التي تقربه لله تعالى.
ومما جاء في العهد تحديد أمر الخراج، وكيفية العمل به كونه المصدر الأول، والمهم
ص: 105
في السياسية المالية الإسلامية، وكيفية جمعه، آخذاً بنظر الاعتبار ما سوف يلحق بهم في المستقبل، مع مراعاة ظروف السوق، وكيفية معالجة حالات المرض الاقتصادي في السوق ومنها الداء الكبير الاحتكار، وأسلوب منعه، وكيفية التعامل ما بين البائع والمشتري، وتحديد موازين الأسعار؛ فضلا عن متابعة نظام وارادت خزينة الدولة، وتحديد نظام العمران فيه لأنه أساس إعمار البلدان، وخدمته للرعية.
العهد موجود وربما يستطيع الباحثون الاستفادة من ما وضع في هذه الدراسة من خطوط رئيسة لمجمل جوانب الحياة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والتعليمية وغير ذلك من الجوانب التي وضحت في العهد ولم نذكرها.
ص: 106
أولا. المصادر:
. القرآن الكريم.
1. ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد (ت: 606 ه)، النهاية في غريب الحديث، تح: محمود محمد الطناحي، ط 4، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، (ایران، 1364 ه).
2. آل عصفور، الشيخ حسين، (ت: 1216 ه)، سداد العباد ورشاد العباد، تح: الشيخ محسن آل عصفور، ط 1، المطبعة العلمية، دار المحلاتي (قم / 13421 ه).
3. أحمد بن حنبل، (ت: 241 ه)، مسند أحمد، دار صادر، بیروت ( لبنان / د.ت).
4. ابن البراج، عبد العزيز القاضي، (ت: 481 ه)، المهذب، تح: مؤسسة سيد الشهداء العلمية، إشراف: جعفر السبحاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ( قم / 1406 ه).
5. الجوهري، إسماعيل بن حماد، (ت: 393 ه)، الصحاح، تح: أحمد عبد الغفور العطار، ط 4، دار العلم للملايين، بیروت (لبنان / 1407 ه).
6. ابن حبان، محمد بن حبان، (ت: 354 ه)، الثقات، ط 1، مجلس دائرة المعارف العثمانية، مطبعة حیدر آباد الدكن، الهند، 1402 ه).
7. ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله بن محمد، (ت: 656ه)، شرح نهج البلاغة، تح: محمد
ص: 107
أبو الفضل إبراهيم، مؤسسة إسماعيليان النشر (د. ت / د. ك).
8. ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، (ت: 852 ه)، الاصابة في تمييز الصحابة، تح: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت / 1415 ه).
9. ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي بن الحسين، (ت: ق 4 ه)، تحف العقول عن آل الرسول، تح: علي أكبر الغفاري، ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، (قم / 1404 ه).
10. الزبيدي، محمد مرتضی، (ت: 1205 ه)، تاج العروس، تح: علي شيري، مطبعة ودار الفكر للطباعة والنشر، (بیروت / 1414ه).
11. الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، (ت: 381 ه)، من لا يحضره الفقیه، تح: علي أكبر الغفاري، ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، (قم / 1404 ه).
12. الطبرسي، میرزا حسين النوري، (ت: 1320 ه)، مستدرك الوسائل، ط 2، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، بیروت، (لبنان / 1408 ه).
13. الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، شرح نهج البلاغة، (ت: 40 ه)، نهج البلاغة، تح: محمد عبده، ط 1، مطبعة النهضة، دار الذخائر، قم، (ایران / 1412 ه).
14. العيني، محمود بن أحمد، (ت: 855 ه)، عمدة القاري، مطبعة بیروت، دار إحياء التراث العربي، (د.ك / د.ت).
15. الفراهيدي، الخليل بن أحمد، (ت: 175 ه)، العين، تح: د، مهدي المخزومي، د، إبراهيم السامرائي، ط 2، مؤسسة دار الهجرة، قم، (ایران / 1409 ه).
16. الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، (ت: 329، 328 ه)، الكافي، تح: علي أكبر الغفاري، ط 5، مطبعة حيدري، دار الكتب الإسلامية، (طهران / 1363 ه).
17. ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، (ت: 273 ه)، سنن ابن ماجة، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة، (د. ك / د.ت).
18. المازندراني، مولى محمد صالح، (ت 1081 ه)، شرح أصول الكافي، تح: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ط 1، مطبعة ودار إحياء التراث العربي للطباعة، بیروت، (لبنان / 1421 ه).
ص: 108
19. المبرد، محمد بن يزيد، (ت: 285 ه)، الفاضل، تح: عبد العزيز الميمني، ط 1، مطبعة دار الكتب المصرية، (د. ك / 1375 ه).
20. المجلسي، محمد باقر، (ت: 1111 ه)، بحار الانوار، ط 2، مؤسسة الوفاء، بیروت، ( لبنان / 1403 ه).
21. المفيد، محمد بن محمد بن النعمان،(ت: 413 ه)، الإرشاد، تح: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث، ط 2، دار المفيد للنشر، بيروت، (لبنان / 1414 ه).
22. ابن منظور، جمال الدين محمد بن مکرم، (ت: 711 ه)، لسان العرب، دار أدب الحوزة، (د.
ك / 1405 ه).
23. النويري، أحمد بن عبد الوهاب، (ت: 733 ه)، نهاية الأرب، مطابع گوستاتسوماس، دار وزارة الثقافة والارشاد القومي المؤسسة المصرية العامة، (د. ك / د.ت).
24. أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله، (ت: 395 ه) 25. الفروق اللغوية، ط 1، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، (قم / 1412 ه).
26. مجمع الأمثال، تح، محمد أبو الفضل إبراهيم، عبد المجيد قطامش، ط 2، دار الجيل، بیروت، (لبنان / د.ت).
27. یاقوت الحموي، شهاب الدين، (ت: 626 ه)، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، بيروت (لبنان / 1399 ه).
ثانيا: المراجع:
28. أعداد مركز المعجم الفقهي، المصطلحات، (د.ت / د. ك).
29. البدري، عادل عبد الرحمن، نزهة النظر في غريب النهج والأثر، ط 1، مطبعة عترت، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، ( ایران / 1421 ه).
30. الحسيني، عبد الزهراء الخطيب، مصادر نهج البلاغة وأسانيده، ط 1، دار الزهراء، (بيروت / 1409 ه).
ص: 109
31. الخوئي، حبیب الله الهاشمي، (ت: 1324 ه)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح:
إبراهيم الميانجي، ط 4، مطبعة الاسلامية، دار الإمام المهدي (عج)، (طهران / د. ت).
32. الزركلي، خير الدين، الاعلام، ط 5، دار الملايين، بيروت، (لبنان / 1980 م).
33. عبد المنعم، محمود عبد الرحمن، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، دار الفضيلة، (د. ت / د. ك).
34. القمي، عباس، الكنى والالقاب، مطبعة الصدر، طهران، (د. ك / د.ت).
35. اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)، موسوعة طبقات الفقهاء، تح: جعفر السبحاني، ط 1، مطبعة الاعتماد، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)، ( قم / 1422 ه).
36. محمد جواد مغنية، (ت: 1400 ه)، في ظلال نهج البلاغة، ط 1، مطبعة ستار، انتشارات کلمة الحق، (د. ك / 1427 ه).
37. المحمودي، محمد باقر، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت (لبنان / د. ت).
ص: 110
المحتويات مقدمة المؤسسة:...7
المقدمة:...9
التمهيد:...13
المبحث الأول: الجانب الإداري القيم التي تضمنها العهد:...29
المهام الإدارية للعامل:...32
النظر إلى تاريخ مصر القديم:...38
ما يحتاجه العامل:...38
المبحث الثاني: طبقات المجتمع أولاً، المشاورون:...61
ثانياً،
حصون الرعية:...67
ثالثاً، الكتاب: «وَمِنهَا كُتَّابُ العَامَّةِ والخَاصَّةِ»....69
رابعاً، القضاة: " ومِنهَا قُضَاةُ العَدلِ "....72
خامساً، الوزراء:...75
سادساً: عمال الضرائب:...79
سابعاً، التجار:...84
ثامناً، الطبقة السفلى:...85
ص: 111
المبحث الثالث: الجانب السياسي
1. الرضا لله فيه:...95
2. سلبيات الصلح:...95
3. شروط الصلح:...96
إرشادات الإمام (علیه السلام) للحاكم:...101
الخاتمة:...104
المصادر والمراجع:...107
ص: 112