أصول التعايش السلمي دراسة استنباطية في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه)

هوية الکتاب

أصول التعايش السلمي دراسة استنباطية في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه)

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) (14) وحدة الدراسات الاجتماعية أصول التعايش السلمي دراسة استنباطية في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) تأليف م. م. محمد ناصر العذاري م. م. محمد حسن الدرنبدي

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4216 لسنة 2017

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) (14) وحدة الدراسات الاجتماعية أصول التعايش السلمي دراسة استنباطية في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه) تأليف م. م. محمد ناصر العذاري م. م. محمد حسن الدرنبدي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني:

www.inahj.org

الإيميل:

Info@ Inahj.org

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين

ص: 5

(عليهم السلام أجمعين).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لحَديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه الرحمة والرضوان) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص

ص: 6

حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و فکره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية موسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، تصدرها المؤسسة بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

ص: 7

وكان البحث الموسوم ب(أصول التعايش السلمي دراسة استنباطية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الِأشتر (رضوان الله عليه)) من الدراسات الاجتماعية، التي تناولت مفهوم التعايش السلمي، وما جاء في العهد العلوي الشريف الى مالك الأشتر.

فجزى الله الباحثين خير الجزاء فقد بذلا جهدهما وعلى الله أجرهما، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله الذي أرسل رسوله «مُبَشِّرًا وَنَذِیرًا» وجعله «يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» خصه بالنبوة وأمره بتبليغ الوصية فقال له «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» فأدى الأمانة وصدح بالأمر «من کنت مولاه فعلي مولاه» «فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ». وصلِ اللهم على محمد و آل الأخيار المنتجبين.

ص: 9

أما بعد:

القرآن الكريم كتاب الله خالق الخلق جميعا، صرح جلياً «إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ» [یونس: 6] ولا غبار على أن الاختلاف سرٌّ إلهي بني عليه عالم الإمكان والثابت «إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» [البقرة: 143] لذا فهذا الاختلاف يستبطن الرحمة «وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [آل عمران: 62].

ولا يمكن بحال من الأحوال إزالة الاختلافات بين خلق الله بشكل عام وبين الناس أنفسهم بشكل خاص، ومن أراد تفحص ما يختلف الناس فسيصل إلى نتيجة حتمية أن الاشتراك نسبي بين الأفراد بعين التغایر.

ولذا فهذا البحث الموسوم ب(أصول التعايش

ص: 10

السلمي دراسة استنباطية في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رضي الله عنه) محاولة جادة علمية تثبت أن التعايش ضرورة أصله القرآن الكريم وأكد عليه أهل البيت علیهم السلام جسدوه في حياتهم العملية.

سائلين المولى القدير أن ينعم على المسلمين خاصة والعالم بأسره عامة بالوعي الحقيقي الأهمية التعايش السلمي وأن يطبقوه في مجالات الحياة بدون استثناء، کما نقل لنا التأريخ عبر عصوره نماذج متنوعة من هذا التطبيق.

ص: 11

ص: 12

المبحث الأول

التعريف بمفردات العنوان

ص: 13

ص: 14

قبل الشروع بالدراسة المفصلة لهذا البحث، ينبغي أولا تحديد مدلولات العنوان ليتسنى لنا الانطلاق من هذا التحديد استيفاءً لمضامينه وأهدافه، وليسهل رسم المنطلقات العامة للبحث.

أولاً / تعريف الأصول لغة واصطلاحا:

1. الأصول لغة: جمع أصل والأَصْل: (أَسْفَلُ الشَّيْء، اومَا يُبنَى عَلَيْهِ غَيرُه وَقَالَ الرّاغِبُ: أَصْلُ كُلِّ شَيءٍ قَاعِدَتُه الَّتِي لَو تُوُهِّمَتْ مُرتَفِعَةً ارْتَفَعَ بارْتِفاعَها سَائِرُه)(1).

ص: 15


1- الزَّبيدي: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، ج 27، ص 447

2. وأما في الإصلاح فقد ذكر العلماء للأصل معاني عدة، منها:

أ. ما يقابل الفرع، فمن باب القياس يقال: الخمر أصل النبيذ أي أن حكم النبيذ مستفاد من حكم الخمر.

ب. القاعدة، أي الركيزة التي يرتكز عليها الشيء كقوله علیه السلام: (بني الإسلام على خمسة أصول)(1)، أي على خمس قواعد وان تعددت هذه المعاني في الاصطلاح إلا أن رجوعها إلى المعنى اللغوي غير بعيد.

ثانيا: تعريف التعايش السلمي لغة واصطلاحا:

التعايش السلمي مصطلح مركب من كلمتين، فإنه لابد من التعريف بهما وعلى النحو الآتي:

ص: 16


1- الحكيم: محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، المؤسسة الدولية، ط 4، بیروت، 1422 - 2001، ص 35

1 - التعايش السلمي لغة:

بالرجوع إلى الدلالة اللغوية، التي هي أصل في اشتقاق الاصطلاح، نجد مفردة التعايش في كتب اللغة: (عاش: عيشا وعيشة ومعاشا صار ذا حياة فهو عائش، أعاشه: جعله يعيش يقال أعاشه الله عيشة راضية، عایشه: عاش معه، عيشه: أعاشه، تعايشوا: عاشوا على الألفة والمودة)(1).

والمَعاشُ والمَعِیشُ والمَعِيشةُ ما یُعاشُ به وجمع المَعِيشة مَعايِشُ على القياس ومَعائِشُ على غير قياس وقد قُرِئَ بهما قوله تعالى «وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ» [الحجر: 20](2).

ص: 17


1- إبراهيم مصطفی و مجموعة من العلماء: المعجم الوسيط، دار النشر: دار الدعوة، تح: مجمع اللغة العربية. باب العين، ج 2، ص 639
2- ابن منظور، لسان العرب دار صادر، بیروت، ط 1، باب عیش، ج 6، ص 321

وأما مفردة (السلم) فهي مصدر من فعل ثلاثي: سلم؛ السالم، المسالم، السلامة، وتدور في جملتها على معنى الخلاص من كل بلاء أو شر، فالسّلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى وكل مكروه. قال أهلُ العلم: الله جلَّ ثناؤُه هو السلام؛ لسلامته مما يلحق بالمخلوقين من العيب والنقص والفناء. وقال الله جلَّ جلاله: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [یونس: 25] فالسلام الله جلَّ ثناؤه، ودارُهُ الجَنَّة(1).

وقال أبن منظور: السِّلْمُ الصلح يفتح ویکسر ويذكر ويؤنث؛ واسَّلَمُ بفتح السين واللام يريد الاسْتسْلامَ والإِذْعانَ كقوله تعالى: «وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ

ص: 18


1- ينظر: ابن فارس، معجم مقاییس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، ط: 1399 ه - 1979 م. باب سلم، ج 3، ص 90

السَّلَمَ» [النساء: 90]، أَي الانقياد وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع(1).

2 - التعايش السلمي اصطلاحا:

لهذا المصطلح المركب مجموعة من التعريفات اختلفت فيما بينها، وذلك راجع لكونه غير محدد بمجال دون آخر، فالتعايش حالة اجتماعية دیمومته التواصل الإنساني.

ومن ابرز معانيه وأهمها التعددية والاختلاف بمعناها الشامل - کما سيتضح من خلال البحث - متمثلاً بكل المضامين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والتي جميعها تهدف إلى خدمة المصالح العامة من جهة وإسعاد المجتمع الإنساني من جهة أخرى.

ص: 19


1- ابن منظور: لسان العرب، باب سلم، ج 12، ص 289

وعليه فالتعايش السلمي ضربٌ من التعاون المشترك الذي يقوم على أساس الثقة والاحترام، هادفاً إلى تحقيق مصالح يتفق عليها سواء كان بين طرفان أو الأطراف(1).

وكذلك اختلف علماء السياسة اختلافاً كبيراً فيما يتعلق بتعريف التعايش السلمي ومعياره، فمنهم عدّه: کشعار سياسي يعني البديل عن العلاقة العدائية بين الدول ذات النظم الاجتماعية المختلفة(2).

ص: 20


1- يُنظر: مقال للباحث، زاويتي محمد، التعايش بين الأديان، كيف ولماذا؟، بتاریخ 28 / 12 / 2011 م، موقع: معاً لبناء السلام: http://www.tfpb.org
2- مجموعة من أساتذة معهد الفلسفة وأكاديمية العلوم بالاتحاد السوفيتي، مشكلة الحرب والسلام، ترجمة: شوقی جلال وسعد رحمي، دار الثقافة الجديد، مصر، بدون تاریخ، ص 2

بينما يحرص البعض على أن التعايش السلمي هو: اتفاق بين طرفين أو أطراف يقوم على تنظيم وسائل الحياة بينهم على وفق قاعدة يتم تحديدها عن طريق السبل المؤدية إليها(1).

ومن منطلق قاعدة الكثرة والتعدد وباعتبارها شرعة إلهية وسمة من سمات الوجود، فقبول الآخر ليكون شريكا يسهم في بناء مجتمعا صالحا تسوده ثقافة التحضر والسلام، قادرا على هزم الكراهية والعنف والموت والحرب والدمار، متجسدا بالحوار الذي يؤسس للتسامح، خاضعا للمساومات الفكرية والمشتركات الدينية، متجاوزا سبل الانقسام وعابراً كل الفوارق

ص: 21


1- التويجري: عبد العزيز بن عثمان، الإسلام والتعايش بين الأديان في أفق القران الحادي والعشرون، منشورات المنظمة العربية الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو - 1419 ه، ص 2

فيكون ذلك هو التعايش بمفهومه السلمي.

ثالثا: تعريف الاستنباط لغة واصطلاحا:

1 - معنی الاستنباط في اللغة:

قال ابن منظور:(نبط: النَّبَط: الْمَاءُ الَّذِي يَنْبُطُ [يَنْبِطُ] من قعر البئر إذا حُفرت، وَقَدْ نبَطَ مَاؤُهَا ينْبِطُ ويَنْبُطُ نَبْطاً ونُبوطاً. وأَنبطنا الماءَ أي اسْتَنْبَطْنَاهُ وَانْتَهَيْنَا إِليه. واسْتَنْبَطه واسْتَنْبَطَ مِنْهُ عِلْمًا وَخَبَرًا وَمَالًا: اسْتَخْرَجَهُ. والاسْتنْباطُ: الاِسْتِخْرَاجُ. واستنبَطَ الفَقِيهُ إِذَا اسْتَخْرَجَ الْفِقْهَ الْبَاطِنَ بِاجْتِهَادِهِ وفهمِه. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» [النساء: 83])(1).

2 - الاستنباط في الاصطلاح:

قال الجصاص: (إن الاستنباط هو اسم

ص: 22


1- ابن منظور: لسان العرب، ج 7، ص 410

لكل ما استُخرج حتى تقع عليه رؤية العيون أو معرفة القلوب، والاستنباط في الشرع نظير الاستدلال والاستعلاء)(1).

ص: 23


1- الجصاص: أحمد بن علي، أحكام القرآن، تح: عبد السلام محمد علي، دار إحياء التراث العربي، بیروت 1405 ه 2 / 2150

ص: 24

المبحث الثاني

التعايش في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية

ص: 25

ص: 26

1 - التعايش في ضوء القران الكريم:

من أهم ما أصله القران الكريم أن الموجودات فوارقها لا تنحصر إذ اقتضى أمر الله تعالى لعباده التنوع في الأجناس والألوان قال سبحانه: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ» [الروم: 22]، ونرى ذلك في مظاهر الطبيعة حولنا وهذا يعني أن التنوع هو سمة من سمات الحلق البارزة، وهذه من حكم الخالق عز وجل في الوجود الكوني حيث تعدّدت من التنوع إلى التغاير قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ

ص: 27

الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات: 13] فهذه الآية المباركة تصدع في حقيقة الجعل التكويني للتنوع البشري، حيث جعل خلقه(شعوبا وقبائل) أي: ان التنوع البشري إرادة إلهية مطلقة ليس لكرامة وفضيلة أو صدف أو طفرة وراثية(1).

وإنما جوهر يستمد وجوده من الخالق لهذا التنوع البشري، فلا تملك أي جهة حق إلغاء هذا التنوع، يقول تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» [هود: 118] ومن هنا يؤسس الله تعالى ضرورة الاعتراف بالتنوع ليكون للإنسان فاعلية وإبداع نحو التواصل لكي تطلع كل مجموع بشرية على واقع المجاميع الأخرى للتعرف على خصوصياتها الان الإنسان مجبول بالفطرة على حب الاطلاع.

ص: 28


1- ينظر: الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 11، ص 60

لذلك يشير القران الكريم إلى حقيقة التنوع الذي ينبغي أن تكون دافعا للتعايش بين الأقوام والأمم التي تنبثق من قاعدة الاحترام المتبادل(1).

وبما أن لفظة التعايش بالقران الكريم وردت بمعانٍ أخرى تشير إلى حال الإنسان في حياته، كقوله تعالى: «فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ» [الحاقة: 21]، وقوله تعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» [طه: 124]، «وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا» [النبأ: 11] ولكن ذلك لم يمنع من وجود معنی التعايش في كتابه عز وجل، من خلال كلمات رائعة مرادفة ككلمة (نفس واحدة، والتعارف)، والتي ورد ذكرها في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ

ص: 29


1- بحر العلوم: حسن عز الدين، التعددية الدنية في الفكر الإسلامي، العارف للمطبوعات، لبنان، ط 1، سنة 2011، ص 35

اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا کَثِیرًا وَنِسَاء» [النساء: 1] فالله سبحانه وتعالى أوجد الإنسانية من نفس واحدة، ومنها نشر الوجود رجالا ونساءً بصريح قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ» [الأنعام: 98] وأما كلمة (التعارف) حيث ورد ذكرها في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات: 13].

وقد ذهب المفسرون إلى جعل هذه الآية منطلقا لأساس التعايش في الإسلام الذي أوصى الله سبحانه وتعالى به في قرانه الكريم في قوله: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» [المائدة: 3]، والإسلام يسعی

ص: 30

من خلال تعاليمه إلى تربية إتباعه على التسامح والتعايش المشترك، فقد جعل الله الناس جميعاً شركاء في المسؤولية في قوله تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» [هود: 61] أي جعلكم مسؤولين عن عمارتها وصنع الحضارات فيها.

وشجع على التفاعل الإنساني الذي يستند في مفهوم الفكر الإسلامي إلى مبدأيقول سبحانه وتعالى «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» [البقرة: 251].

ومما سبق يتضح أن التعايش متوجه قرآني إلى حقيقة يتكئ عليها المجتمع الإنساني، وقد طبقها الإسلام عملياً بجدارة، ويكتفي بذلك مقولة الإمام الباقر علیه السلام أن نستمع لها وهو يقول:

ص: 31

(صلاح شأن الناس التعايش)(1).

2 - التعايش السلمي في السنة النبوية

مکث الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فترة طويلة بين قومه متآلفاً معهم، وقد كان أكثر قومه أمة بدوية، منشغلة عن أسرار الكون ومعرفة مصيرهم بمشقة الحياة وتحصيل العيش، ومما اشتهروا به من السجايا مزيجا من السخاء والشجاعة والشهامة وإكرام الضيف وغيرها، و أيضا كان من طباعهم القسوة والغلظة والغضب والتعصب، وممارسة الرذائل وارتكاب الفواحش(2) وغير ذلك، وعندما

ص: 32


1- المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ط 3، بیروت، دار إحياء التراث العربي، سنة 1403، ج 71، ص 167
2- وقد وصف حالهم بدقة جعفر بن ابي طالب، حين خطب امام النجاشي قالا: أيها الملك! كنَّا قومًا أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل المَيْتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار،... حتی بعث الله إلينا رسولاً منَّا، نعرف نَسَبَه وصدقه، و أمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد نحن و آباؤنا منَ الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة. ينظر: ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعارفي، السيرة النبوية،، تح: طه عبد الرؤوف، دار الجيل، بیروت، ط 1، سنة 1411 ه، ج 1، ص 335 - 336

تلقى الرسول صلی الله علیه وآله وسلم الأوامر الإلهية بالقيام للدعوة إلى الإسلام اخذ يكلم الناس ويعرض عليهم الدين الذي بعثه الله به، حتى طهر المجتمع من الرذائل وأرسى قواعد الدين القويم الذي قام على مبادئ العدل والمساواة والتعايش مع الآخر ليشمل جميع نواحي ومجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية.

حيث وضع قواعد وأسس عملية للتعايش مع الآخر لجميع الأحوال والظروف، بما يضمن فاعليتها مع الآخر داخل الدولة الإسلامية

ص: 33

وخارجها من جهة وانسجامها مع ثوابت الشريعة من جهة أخرى.

وقد أكد النبي صلی الله علیه وآله وسلم على مبدأ من المبادئ التي يرتكز عليها التعايش إلا وهي المساواة التي أثبتها في خطبة حجة الوداع «وَ لَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى»(1) يبين لنا هذا الحديث أهمية المساواة بين الناس كلهم، وان الفوارق بين البشر ليس لها قيمة في ميزان الشريعة، بل المعيار للقيمة والفضل بين الناس هو التقوى لا غيرها.

ولضمان المساواة التامة لمواطني المدينة قد شكلت وثيقة المدينة أو ما تسمى بالمصطلح المعاصر (دستور المدينة) والذي يلاحظ فيها تنظيم العلاقات والحقوق بین المسلمين من جهة

ص: 34


1- المجلسي: بحار الأنوار، ج 73، باب جوامع مناهي النبي صلی الله علیه وآله وسلم، ص 348

والمسلمين وغيرهم من جهة أخرى، وما تفرضه تلك العلاقة من تعايش والتزامات وواجبات من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها.

وان قيمة هذه الوثيقة تتجلى في تطبيقها على ارض الواقع، حيث لم ترفع دعوى أو صوت من يهودي أو غيره يشكو من سوء المعاملة، بالرغم من وجود دسائس خفية تحاول إثارة العصبية والأحقاد الجاهلية.

حيث قامت الوثيقة بين أهل المدينة على عدة قواعد نكتفي بذكر قاعدتين منها:

قاعدة العدل والمساواة: وقد عززت بنود الوثيقة التعايش السلمي في الدولة التي منها: (انه من خرج أمن ومن قعد أمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم)، ومنها (ما كان بين أهل هذه الصحيفة من

ص: 35

حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردَّه إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(1).

ومن هنا نرى أن قاعدة التعايش هي الأساس في علاقة الإنسان بنظام الحكم وبالدولة، ليمثل العدل والمساواة دعامة وطيدة وَصِفَة أصيلة للشريعة الإسلامية، ومن خلال تسليط الضوء على قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» [النساء: 135] انه لا احد فوق المساءلة والمحاسبة ومما ينبغي قبولك بالنقد والانتقاد بل يجب العدل ليس فقط ضد النفس حيث أمرت بأن يكون الحكم بالعدل ولو على المخالف في قوله تعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوکُمْ عَنِ المَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا

ص: 36


1- ينظر: ابن هشام: السيرة النبوية، ج 2، ص 350

وَتَعَاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوَی» [المائدة: 8] بغض النظر عن الخصوصيات الأخرى. قاعدة ضمان حرية الاعتقاد: فلكل مواطن حرية التعبد والاعتقاد فقرر (لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ - أي يهلك - إلا نفسه وأهل بيته).

فان المسلمين وغيرهم يعُاملون على أساس المواطنة فهم سواسية في الحقوق والواجبات لا على أساس العقيدة والانتماء، فليس هناك مواطن من الدرجة الأولى، وآخرون من الدرجة الثانية والثالثة.

ومن نماذج حرية الاعتقاد السلمي الذي وضع أسسه النبي صلی الله علیه وآله وسلم هو ما نُقل أن جمعا من النصاری کانوا (قد زاروا رسول الله للتحقيق

ص: 37

والاستفسار أقاموا قداسا في مسجد النبي في المدينة بكل حرية)(1).

ولم تتوقف بنود الوثيقة على الإطار الثقافي للمجتمع القائم - آنذاك - فقد ورد فيها (وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم)، وهذا بما يسميه الفكر الإسلامي بالشورى ليجعل محور المشاركة أكثر شفافية وأكثر اتساعا ليجعلها قائمة على أساس تبادل الخبرات والعمل بما فيه صلاح المجتمع.

وهناك أيضا من الروايات التي سلطت الضوء على جانب من المعاملات المالية والتي تشير إلى أسلوب التعامل السلمي والأخلاقي بين الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، وبعض اليهود هو

ص: 38


1- الشيرازي: ناصر مکارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 2، ص 262

ما نقله الإمام موسی بن جعفر عن أبيه عن آبائه علیهم السلام ((عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ علیه السلام: «إِنَّ يَهُودِيّاً کَانَ لَهُ عَلَى رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم دَنَانِيرُ فَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَهُ: یَا یَهُودِيُّ مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ. فَقَالَ: فَإِنِّي لَا أُفَارِقُكَ يَا مُحَمَّدُ حَتَّى تَقْضِيَنِي. فَقَالَ صلی الله علیه وآله وسلم: إِذاً أَجْلِسُ مَعَكَ.

فَجَلَسَ مَعَهُ حَتَّى صَلَّى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالْغَدَاةَ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم یَتَهَدَّدُونَهُ وَ يَتَوَاعَدُونَهُ. فَنَظَرَ رَسُولُ الله إِلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا الَّذِي تَصْنَعُونَ بِهِ! فَقَالُوا: يَا رَسُولُ الله يَهُودِيٌّ يَحْبِسْكَ. فَقَالَ صلی الله علیه وآله وسلم: لَمْ يَبْعَثْنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ أَظْلِمَ مُعَاهَداً وَلَا غَيْرَهُ.

فَلَمَّا عَلَا النَّهَارُ قَالَ الْيَهُودِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَشَطْرُ

ص: 39

مَالِي فِي سَبِيلِ الله، أَمَا وَالله مَا فَعَلْتُ بِكَ الَّذِي فَعَلْتُ إِلَّا لِأَنْظُرَ إِلَى نَعْتِكَ فِي التَّوْرَاةِ؛ فَإِنِّي قَرَأْتُ نَعْتَكَ فِي التَّوْرَاۃِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَمُهَاجَرُهُ بِطَيْبَةَ وَلَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ وَلَا مُتَزَيِّنٍ بِالْفُحْشِ وَلَا قَوْلِ الْخَنَاءِ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَكَ رَسُولُ الله وَهَذَا مَالِي فَاحْکُمْ فِيهِ بِمَا أَنْزَلَ الله)(1).

وأمثلة ذلك كثيرة منها حزنه صلی الله علیه وآله وسلم على ملك الحبشة بما روّي عَنِ إمامنا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْکَرِيِّ عَنْ آبَائِهِ علیهم السلام: (أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله وسلم لَمَّا أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِنَعْيِ النَّجَاشِيِّ بَکَی بُکَاءَ حَزِينٍ عَلَيْهِ وَ قَالَ إِنَّ أَخَاكُمْ أَصْحَمَةَ وَ هُوَ اسْمُ

ص: 40


1- المجلسي: بحار الأنوار، ج 16، باب مکارم أخلاقه و سیره و سننه ص 216؛ وكذا: الحر العاملي: محمد بن الحسن، الجواهر السنية في الأحاديث القدسية، 1384 ه، ط النعمان، النجف الأشرف، ص 57

النَّجَاشِيِّ مَاتَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْجَبَّانَةِ وَ صَلَّی عَلَيْهِ وَ کَبَّرَ سَبْعاً فَخَفَضَ الله لَهُ کُلَّ مُرْتَفِعٍ حَتَّى رَأَی جِنَازَتَهُ وَ هُوَ بِالْحَبَشَةِ)(1)، والتأريخ ينقل لنا أن المسلمين احترموا أهل الحبشة ولم ينكروا عليهم دينهم، ولم يتدخلوا في شؤونهم الداخلية إلا في مساعدتهم في إطار من التعاون والمشاركة والوفاء الجميل إيوائهم(2).

بعد ذلك يمكن القول إن سنة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وسيرته كانت مثالا حيا وانعكاسا جليا لقواعد التعايش ومبادئ التواصل الإنساني التي رسمها بمواقفه الإنسانية، لتشكل أسوة يقتدى بها على مر العصور.

ص: 41


1- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 3، باب جواز الصلاة على الميت، ص 107
2- فقة التعايش في السيرة، ص 40

ص: 42

المبحث الثالث

أصول التعايش السلمي من خلال العهد المبارك

ص: 43

ص: 44

عند الخوض باستنباط المعارف من أيّ نص من نصوص المعصومين علیهم السلام يتبادر إلى الأذهان هل هذا النص المعصومي صحيح أو ضعيف؟ أفي دائرة المعتبر أم مردود؟ وحتى وإن توثقنا من الحديث لابد من عرضه على القرآن الكريم، وإيجاد له ما يؤيده من الآيات القرآنية، ويمكن أن يكون ذلك بالتصريح والمباشرة؟ أو بغير التصريح و بالمضمون.

والسنة المعصومية الصادرة عنهم علیهم السلام - لا الموضوعة - لها تصديق في القرآن الكريم أما تكون داخلة بكليات مفاهيم الآيات و لربما

ص: 45

تكون مؤيدة لها على نحو الجزيئات؛ وعلى العموم فالله تعالى يصدق ما صدر عن رسوله الكريم صلی الله علیه وآله وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا - وهو شامل الأهل بيته الطاهرین علیهم السلام - وذلك بصريح قوله تعالى: «وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» [يونس: 37].

وسنحاول - بعون الله تعالى - أن نرجع ما اقتطفناه من نصوص التعايش السلمي من العهد المبارك لمولانا أمير المؤمنين علیه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه، لإثبات أن لها مَرجعاً قرآنياً؛ وهو داخل في قوله تعالى: «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» [النجم: 4] فعلي بن أبي طالب علیه السلام هو نفس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكلامهما واحد ومؤيد من قبل الله تعالى بصریح نص الآية الكريمة «وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» [آل عمران: 61] وبما صرح

ص: 46

به رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم برواية الإمام الصادق علیه السلام «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»(1).

وفيما يلي أصول التعايش السلمي من العهد المبارك، وإرجاع كل واحد من تلك الأصول (النصوص المقتطفه) إلى كبراه من الآيات القرآنية والنصوص الحديثية:

1 - «إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ» وهذا الأصل المبارك يعد حجر الزاوية في تثبيت التعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد، فمن لم يدرك - أو لا يريد - أن الناس سواسية في نقطة الانطلاق وفي الميزان، بقوله

ص: 47


1- الكليني، الكافي، ج 8، باب حديث أبي بصير مع المرأة، ص 106

تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [آل عمران: 59] والاختلاف لأجل التعارف والسير في الحياة على نحو المحبة والتسامح «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات: 13].

وعلى ذلك وردت النصوص المعصومية الشريفة لإثبات أصل الخلقة وميزان الإكرام عند الله تعالى ومنها ما صرح به الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم بقوله: «یَا عَلِيُّ إِنَّ الله تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ أَذْهَبَ بِالْإِسْلَامِ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَ تَفَاخُرَهَا بِآبَائِهَا أَلَا إِنَّ النَّاسَ مِنْ آدَمَ وَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ وَ أَكْرَمَهُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاهُم»(1).

ص: 48


1- الصدوق: من لا يحضره الفقیه، ج 4، باب النوادر و هو آخر أبواب الكتاب، ص 362

2 - «وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةِ لِلرَّعِیَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُم، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ».

لا يمكن إقامة مجتمع مترابط وليست الرحمة ما تسوده؛ ومن الصفات التي بينها الله تعالى لمجتمع المقربين من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأنهم رحماء بينهم مما يتجلى أن تلك الصفة غاية في الحسن حتى تطلق خير أمة على مر العصور فقال تعالى «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» [الفتح: 29].

وما أمر به الإمام أمير المؤمنين علیه السلام مالك الأشتر رضي الله عنه ما هو إلا ما كان عليه به في عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكان للناس بأهل البيت علیهم السلام المثل الأعلى بالرحمة ورعاية الناس وبذلك ما صرح به مولانا الإمام السجاد علیه السلام «مَا يَنْقِمُ النَّاسُ مِنَّا

ص: 49

فَنَحْنُ وَ الله شَجَرَةُ النُّبُوَّۃِ وَ بَیْتُ الرَّحْمَةِ وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ»(1).

3 - «أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَویً مِنْ رَعِيَّتِكَ».

لا يخفى على ذي لب أن العدالة مطلباً للعقل السليم قبل أن تأتي الرسالات السماوية تؤكد عليها، وأمير المؤمنين علیه السلام ذكر الجزئي وهو الإنصاف فمن باب أولى أراد الكلي وهي العدالة إذ (أَن الإنصاف إِعْطَاء النّصْف وَالْعدْل يكون فِي ذَلِكَ وَفِي غَيره)(2) والعدل أمر من الله تعالى حيث قال: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» [النحل:

ص: 50


1- الكليني، الكافي، ج 1، باب أن الأئمة علیهم السلام معدن العلم و شجرة النبوة، ص 221
2- العسكري، الفروق اللغوية، ص 234

90] وقال تعالى «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا» [النساء: 105].

4 - «فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمينَ بِالْمِرْصَادِ».

الناس عيال الله، فتعالى لن يقبل أن يعتدي على عياله أحد، فعَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله وسلم: «الْخَلْقُ يَا الله فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى الله مَنْ نَفَعَ عِيَالَ الله وَ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً»(1) فالمعتدي سيجد «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ» [الفجر: 14].

ومن ركائز إقامة السلام والتعايش بين الأفراد والمجتمعات اجتناب الظلم فهو قبيح

ص: 51


1- الكليني، الكافي، ج 2، باب الاهتمام بأمور المسلمين و النصي، ص 164

أينما وقع وكيفما كان؛ لذا فأمير المؤمنين علیه السلام حث وليه على مصر مالك الأشتر رضي الله عنه أن يترفع عن ظلم العباد فدعوة المظلوم لا ترد وإن أجلها الله تعالى فنصره للمظلوم محتوم لما رُوي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَیُنَادِي كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ... أَلَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مَظْلُومٌ يَسْأَلُنِي أَنْ آخُذَ لَهُ بِظُلَامَتِهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَنْتَصِرَ لَهُ وَ آخُذَ لَهُ بِظُلَامَتِهِ قَالَ فَمَا يَزَالُ يُنَادِي بِهَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ»(1).

وليأخذ الناس العبر من دعاء نبي الله نوح علیه السلام عندما أصر قومه على ظلمه وإيذائه «فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا

ص: 52


1- الصدوق: من لا يحضره الفقیه، ج 1، باب وجوب الجمعة و فضلها ومن وضعت، ص 420

فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحِ وَدُسُرٍ» [القمر: 10 - 13].

5 - «وَلْیَكُنْ أَحَبَّ الأمور إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ».

قال تعالى «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» [الأعراف: 31] وفي موضع آخر «فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ» [النساء: 129] فيمكن استنباط أن لكل أمر حدوده الطبيعية وتجاوزها زيادة أو نقصاناً مرفوض من قبل الله تعالى ولذا قال الإمام الصادق علیه السلام لرجلٍ «اتَّقِ الله وَ لَا تُسْرِفْ وَ لَا تَقْتُرْ وَ لَکِنْ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً إِنَّ التَّبْذِیرَ مِنَ

ص: 53

الْإِسْرَافِ قَالَ الله عَزَّ وَ جَلَّ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً»(1).

6 - «فَلْيَکُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَیْلُكَ مَعَهُمْ».

الجانب النفسي له الدور الهام في تركيز الجهد على تأدية أفضل، ولولا الشعور بذلك الانتماء النفسي لا يمكن لأي أحد أن يتعامل بإيجابية في مواقفه ويؤدي فاعلية عالية في داخل المجتمع، لذا نجد أن الله تعالى من بيّن عوامل كثيرة اختار أهمها ولعله أساسها ألا وهو الشعور الإيجابي والميل الصادق نحو الآخرين لذا قال تعالى «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» [آل عمران: 159] وإنما تجمعت الناس حول النبي الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم لليونته تجاههم وعدم غلظة قلبه الشريف

ص: 54


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 9، باب الحقوق في المال سوى الزكاة، ص 45

وما ذلك إلا رحمة من الله تعالى وتعزيزاً لدینه الحنيّف.

7 - «وَلْیَکُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُیُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا».

قد أوجب الله تعالى على عباده ستر بعضهم بعضاً وما يعلن منها إلا لمورد في نيل الحقوق وعبر موارد شرعيّة وقانونية، فمن اتخذ من کشف معائب الناس سمة له على الناس أن يحقروه وعلى الحاكم اجتنابه وعدم تقريبه له، إنما الألفة المجتمعية لا تقوم إلا بكتم الأسرار والابتعاد عن تفحص معائبهم قد روي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام أنه قَالَ: «إِنَّ النَّاسِ بِأَنْ يَتَمَنَّى لِلنَّاسِ الصَّلَاحَ أَهْلُ الْعُيُوبِ لِأَنَّ النَّاسَ

ص: 55

إِذَا صَلَحُوا کَفُّوا عَنْ تَتَبُّعِ عُيُوبِهِمْ»(1).

وأخبر تعالى أن اليوم الذي تنكشف به سرائر الناس في مرحلة من مراحل القيامة وهو «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ» [الطارق: 9 - 10].

والتآلف بين الناس له مقوماته فقال تعالى «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» [آل عمران: 134] والمجتمع الفاقد لهذه المقومات یکون عاجز حتی آن يجمع أفراده مهما كانت المشتركات النسبية والمذهبية والاجتماعية.

8 - «أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ حِقْد، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ کُلِّ وِتْر، وَتَغَابَ عَنْ كلِّ مَا لاَ يَضِحُ

ص: 56


1- الصدوق: من لا يحضره الفقیه، ج 4، باب و من ألفاظ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، الموجزة، ص 401

لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ».

ينزع الله من المؤمنين قبل دخولهم الجنة العداوة إن كانت عند بعضهم إذ قال تعالى : «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» [الأعراف: 43] وما هذا إلا دليل على الأهمية البالغة حتى يكون المؤمن مع أخوانه في حياة يسودها الوئام والسلام لذا أوصى رسولنا الكريم صلی الله علیه وآله وسلم بقوله: «وَلَا تَدَابَرُوا»(1).

وعلى الحاكم أن يتأنى في الأخذ من الناقلين للأخبار إلا بعد التثبت قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» [الحجرات: 6] فلربما أدى ذلك التسرع إلى إيقاع

ص: 57


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 17، باب الزيادة وقت النداء و الدخول، ص 459

الأذى بقومٍ آمنين ولم يك لهم أي ذنب، ومما أمر الإمام علیه السلام أن يكون للحاکم مقربين ممن لا يطمأن لدينهم وحسن نواياهم وهذا ما صرحت به الآية الكريمة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» [آل عمران: 118].

9- «وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَيُبَجِّحُوكَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الاْطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ، وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ».

إذا اتصف المرء بصفات المؤمنين حمدت أفعاله وأصبح أكثر إيجابية في حياته، ولا تكون الحياة خلاقة إلا أن يلتزم الصدق ويتخذ الورع منهجا له وقد قال تعالى «لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ

ص: 58

بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ یَتُوبَ عَلَيْهِمْ» [الأحزاب: 24] وكذا قوله تعالى «وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ» [الأحقاف: 16] إذ نستدل من ذلك الأهمية البالغة للصدق في حياة الناس فأراد الإمام علیه السلام أن نلتصق بالصادقين ولا نحاول استمالتهم بأي طريقة لقول ما تطيب به النفس من مدح وتملق.

10 - «وَلاَ يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِاَهْلِ الإحْسَانِ فِي الْاِحْسَانِ، تَدْرِيباً لأهْلِ الإسَاءَةِ عَلَى الاِسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ کُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ».

من أهم مقومات تماسك أفراد المجتمع أن يروا أن المسيء يدان والمحسن یکرم، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية والاجتماعية وغيرها،

ص: 59

وهذا نابع من عدالة صاحب السلطة(1).

إذ أن الله تعالى في حسابه و تعامله مع الناس على ضوء ما صرحت به الآية الكريمة «وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ» [غافر: 58] وهو بیّان واضح بالتفريق بين من آمن ومن كفر ومن اتخذ الهداية ومن سلك طريق الضلالة.

نعم، كل إنسان مسؤول عن تصرفاته وما يعتقده، ولذا قال تعالى «وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا» [الإسراء: 13].

ص: 60


1- وقد كان منهج مولانا أمير المؤمنين علیه السلام واضحاً بقوله: ((فَوَ الله مَا أَنَا فِي هَذَا الْمَالِ وَ أَجِیرِي هَذَا إِلَّا بِمَنْزِلَةٍ سَوَاء)). المجلسي: بحار الأنوار، ج 32، باب بيعة أمير المؤمنين علیه السلام، ص 110

11 - «وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَی إِلَى حُسْنِ ظَنِّ وَال بِرَعِیَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ».

لابد للمتعايشين بسلام أن يحسنوا الظن البعضهم بعضاً قال تعالى «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمْ» [الحجرات: 12] وظن السوء لا يجلب لهم إلا الفرقة وتقطع الأواصر بينهم.

ومن مظاهر حسن الظن ذلك الإحسان بين الأفراد وبالأخص إحسان الحاكم لرعيته فالأمر الإلهي «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» [النحل: 90] يلزم أفراد المجتمع أن رأوا من حاكمهم العدل والإحسان إلتزموه وعملوا به اقتداءً بحاكمهم يثبت ذلك عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصَادِق قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: «اعْرِفُوا الله بِالله وَ الرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ وَ أُولِي الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ الْعَدْلِ

ص: 61

وَ الْإِحْسَانِ»(1) وعلى الناس إتباع الآية الكريمة فيما كان الله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» [الشورى: 25].

12 - «وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الأُمَّةِ، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الأُلْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ، لاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيء مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الْأَجْرُ بِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا».

يستنبط من قوله تعالى: «قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا» [آل عمران: 95] وكذا من قوله تعالى: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ» [الممتحنة: 4] أن على المؤمنين أن يتبعوا السبيل القديم الذي كان

ص: 62


1- الكليني : الكافي، ج 1، باب أنه لا يعرف إلا به، ص 85

عليه السابقون من الأنبياء والأوصياء علیهم السلام وكذا ما أثر عن المؤمنين من سبل الخير والصلاح وهذا كذلك ما يدل عليه قول مولانا الإمام الرضا علیه السلام: «اتَّبِعُوا سُنَّةَ الصَّالِحينَ فِيمَا أَمَرُوا بِهِ وَ نَهَوْا عَنْه»(1).

13 - «وَ أَکْثِرْ مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ الْحُكَمَاءِ».

العلم أساس رقي الشعوب؛ وبالحث عليه كان أول ما نزل من القرآن «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» [العلق: 1] لذا فلا ريب أن يوصی أمير المؤمنين علیه السلام بالركون إلى العلماء بالتدريس والمناقشة وأن يكون للإنسان ترددٌ على الحكماء والتزود منهم، ولا يمكن أن ينتهي العلم بمرحلة

ص: 63


1- النوري: مستدرك الوسائل، ج 6، باب استحباب زيادة ألف ركعة في شهر، ص 214

ما؛ إنما بغية العقلاء أن يتزودوا دوما من العلم ويبتغوا إلى الله تعالى أن يهيأ لهم سبله «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا» [طه: 114].

قال تعالى: «يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا» [مریم: 43] فمن تزوّد بالعلم وطبقه بشكل صحيح وصل إلى أن التعايش السلمي أساس في المجتمع واختلاف الناس في مشاربهم وثقافاتهم وتوجهاتهم العقائدية والمذهبية (لا يفسد بالوّد قضية).

ومدارسة العلم لا يحكمها العمر أو المرتبة الاجتماعية، إنما على الناس أن يطلبوه من أهله «فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا»

ص: 64

[الكهف: 65 - 66] عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: «إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ ذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ یُورِثُوا دِرْهَماً وَ لَا دِينَاراً وَ إِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِیثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَظّاً وَافِراً فَانْظُرُوا عِلْمَکُمْ ماهَذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ»(1).

14 - «وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنِ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ الله، مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ اَلْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الْاِنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَکُلٌّ قَدْ سَمَّی اللهُ سَهْمَهُ، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِیِّهِ عَهْداً مِنْهُ

ص: 65


1- الكليني، الكافي، ج 1، باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء، ص 32

عِنْدَنَا مَحْفُوظاً».

التباين بين الناس سر الوجود کما خلق الله تعالى كل مخلوق له ما يتميز به عن الآخر «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ» [الروم: 22]، وهذا مما على الناس فهمه لتستقم حياتهم ولا يروا الاختلاف إلا عامل ايجابي يعزز وجودهم.

وعلى الحاكم أن يفشي بين الناس روح المحبة والمساواة ويعطي لكل ذي حق حقه، ليقتدوا به ولينصف بعضهم بعضا؛ لذا قال تعالى «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» [التوبة: 128] وبعدما رأوا أفعال رسوله الكريم صلی الله علیه وآله وسلم قال لهم «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»

ص: 66

[الأحزاب: 21] فأمرهم باتباع ما وجدوه من الرحمة والعدالة عند الحبيب المصطفی.

15 - «ثُمَّ لاَقِوَامَ لِهذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْکُتَّابِ، لَمِا يُحْکِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَيَجْمَعُونَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوَامِّهَا».

لا يخلو أي مجتمع من العمل والعمال؛ وحياة الناس جميعا تسودها التعاقدات بشتى أنواعها؛ ولا تجد فرداً منهم إلا ويرتبط مع آخر أو مع جماعة بنوع من الالتزامات.

والقضاء من ركائز المجتمعات؛ فكلما صلح القضاء كان المجتمع أكثر صلاحاً و أمناً، ومن صفات الأنبياء علیهم السلام أنهم كانوا قضاة بين الناس قال تعالى: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ»

ص: 67

[الأنبياء: 78] والظاهر من الآية الكريمة أن الله تعالى أما يشهد على القاضي لعدم صوابه في الحكم أو يشهد له ويكرمه إن كان حكمه صائباً.

16 - «وَفِي الله لِکُلّ سَعَةٌ، وَلِکُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ».

مما يتخلف به الناس تلك الإمكانيات العقلية والجسدية، وعلى الراعي حسبان تلك الاختلافات فيعطي لكل منهم ما يصلحه وينسجم معه ؛ ولذا من مهام الوالي تقدير ما يصلح بالناس فعَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله علیه السلام «التَّعْزِيرُ کَمْ هُوَ قَالَ دُونَ الْحَدِّ قُلْتُ دُونَ ثَمَانِینَ قَالَ لَا وَ لَكِنْ دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَإِنَّهَا حَدُّ الثويرالْمَمْلُوكِ قَالَ قُلْتُ وَ کَمْ ذَاكَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ علیه السلام قَدْرِ مَا یَرَى الْوَالِي مِنْ ذَنْبِ الرَّجُلِ وَ قُوَّةِ بَدَنِهِ»(1).

ص: 68


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 28، باب أنه لا فرق في حد الشرب، ص 228

فالمساواة لا تعني تكليف الأفراد على حد سواء؛ بل، تكليف كل واحد على قدر طاقته لقوله تعالى «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» [الطلاق: 7].

فالإصلاح لابد من إقامته للحاكم قال تعالى: «وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» [الأعراف: 141] وعليه كذلك مداراة الرعية وعدم التعالي «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» [الشعراء: 215] فإن ذلك ما يقوّم حياة الناس ويوحدهم ويعزز التعايش السلمي بينهم.

17 - «فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ

ص: 69

لله وَلِرَسُولِهِ ولإمامك، [وَأَنْقَاهُمْ] جَیْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِیءُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى الأَقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ».

المجتمع الأمثل على أرض الواقع العلمي خلال تجربة الحياة الإنسانية كان في عصر الرسالة؛ وأهم سمات ذلك المجتمع التسامح فيما بين أفراده بكل مظاهر الرحمة وقبول الآخر وعدم التعالي قال تعالى «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» [الفتح: 29] والذي یکون أقربهم لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أكثرهم رحمةً وتسامحاً لإخوانه، قال مولانا الصادق علیه السلام: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مُرُوءَتُنَا الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَنَا(1).

ص: 70


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 12، باب استحباب العفو عن الظالم، ص 174

وعلى الراعي أن يلتزم القسط بين رعيته ولا يظلمهم أبداً قال تعالى «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» [یونس: 47].

18 - «ثُمَّ الْصَقْ بَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالأَحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ والشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ والسَّماحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ».

والمروءة كما عرفها لنا أهل البيت برواية عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: «كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ علیه السلام عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْمُرُوءَةِ فَقَالَ حِفْظُ الرَّجُلِ دِينَهُ وَ قِيَامُهُ فِي إِصْلَاحِ ضَيْعَتِهِ وَ حُسْنُ مُنَازَعَتِهِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ وَلِينُ الْكَلَامِ وَ الْكَفُّ وَ التَّحَبُّبُ إِلَى النَّاسِ»(1) قال تعالى: «إِنَّ الله مَعَ

ص: 71


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 11، باب خصال الفتوة و المروءة، ص 435

الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ» [النحل: 128] فالله يحب المحسنين قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: ((مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ الله إِلَى الله الْمُحْسِنُ التَّوَّابُ))(1) وقال عز من قائل «وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ» [المائدة: 84] ففي هاتين الآيتين دليل واضح أن على الناس جميعا مصاحبة أهل الإحسان والصلاح لينتفعوا منهم و يتزودوا من خير الدنيا والآخرة وبمقابل ذلك الابتعاد عن الظالمين قال تعالى «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ» [هود: 113].

19 - «اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِیَّتِكَ فِي نَفْسِكَ».

ص: 72


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 16، باب استحباب تكرار التوبة والاستغفار، ص 86

على الحاكم أن يختار أفضل رعيته لمنصب القضاء، لذا جعل الله تعالى من مهام الانبياء القضاء بين الناس قال تعالى: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ» [الأنبياء: 78] فآخرة القاضي مرهونة بقضائه فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله وسلم قَالَ: ((لِسَانُ الْقَاضِي بَيْنَ جَمْرَتَيْنِ مِنْ نَارٍ حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَ إِمَّا إِلَى النَّارِ))(1) وميل القاضي إلى فئة دون أخرى مدعاة للتفرقة والعداوة في المجتمع.

20 - «انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ

ص: 73


1- الطوسي: تهذیب الأحکام، ج 6، باب من الزيادات في القضايا، ص 292

شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ».

ليس من حق الحاكم تقديم أحد من الناس على الآخر لهواً؛ بل عليه الاحتكام إلى قواعد ثابتة للترجيح فكما أن الله سبحانه جعل المقياس بيّن الناس التقوى فقال جل ذكره «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات: 13] وقد ذكر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أفضل الناس في كل مورد بما رواه عنه مولانا الإمام الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وسلم أَنَّهُ قَالَ:

«أَتْقَى النَّاسِ مَنْ قَالَ الْحَقَّ فِيمَا لَهُ عَلَيْهِ وَ أَعْدَلُ النَّاسِ مَنْ رَضِىَ لِلنَّاسِ مَا یَرْضَى لِنَفْسِهِ»(1) فمن أراد أن يتقدم شعبه ويرتقي عليه يجعل الشخص المناسب في المكان المناسب.

ص: 74


1- الصدوق: من لا يحضره الفقیه، ج 4، باب ومن ألفاظ رسول الله الموجزة، ص 394

21 - «ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ».

كثير من الناس يحاولون استمالة الحكام بإظهار ما يفضلونه، وإذا اعتمد الحاكم على ظاهر الناس وحسن الظن سیستغل المتملقون ذلك، فلابد للحاکم اختيار أصحاب المسؤوليات في المجتمع بطرق منضبطة لا من خلال الفراسة والظن رغم أن المؤمن له ما لا لغيره فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السلام فِي قَوْلِ الله عَزَّ وَ جَلَّ «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» [الحجر: 75] قَالَ: (هُمُ الْأَئِمَّةُ قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله وسلم: اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله عَزَّ وَ جَلَّ فِي قَوْلَ الله تَعَالَى «

ص: 75

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأيَت لِّلمُتَوَسِّمِينَ»)(1).

كما يحكي لنا القرآن الكريم اختيار عیسی عليه السلام لأصحابه قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ» [الصف: 14].

22 - «وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفّرِاً وَلاَ مُضَيِّعاً، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ».

اليسر في الأمور في جميع مجالات العبادات والمعاملات بين الناس سمة للإسلام قال تعالى «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» [الفرقان: 7] ولا يمكن إدارة شؤون الرعية

ص: 76


1- الكليني، الكافي، ج 1، باب أن المتوسمين الذين ذكرهم الله، ص 218

والحاكم لا یکون بتماس معهم بشكل مستمر فعَنْ حَبِيبٍ الْأَحْوَلِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله يَقُولُ: (صَدَقَةٌ يُحِبُّهَا الله إِصْلَاحُ بَيْنِ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا وَ تَقَارُبُ بَيْنِهِمْ إِذَا تَبَاعَدُوا)(1).

24 - «وَلَكِنِ الْحَذَرِ کُلَّ الْحَذَرَ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ».

الصلح خير إن التزم الطرفان به، لكن على المرء أن يحذر من عدوه إذا صالحه فلربما يتربص به و يعمد إلى غدره قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا» [النساء: 71] وقد قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: ((عَلَيْكَ بِالتِّلَادِ وَ إِيَّاكَ وَ کُلَّ مُحْدَثٍ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا

ص: 77


1- الكليني: الكافي، ج 2، باب الإصلاح بين الناس، ص 209

أَمَانَةَ وَلَا ذِمَّةَ وَ لَا مِيثَاقَ وَ کُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ فِي نَفْسِكَ فَإِنَّ النَّاسَ أَعْدَاءُ النِّعَمِ))(1). فمع الصلح لابد من الحذر، فالله تعالى يحب التصالح وإنشاء المحبة «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» [الحجرات: 9].

25 - «وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوّ لَكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ».

الأمانات وإن اختلفت، لكن لابد لكل إنسان من بعض منها، فأما أمانات بين الإنسان وربه أم بينه وبين الآخر، والالتزام بأدائها واجب قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» [النساء: 58] عَنْ الحسين الشيباني عن أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: ((قُلْتُ لَهُ رَجُلٌ

ص: 78


1- الكليني: الكافي، ج 8، حديث القباب، ص 249

مِنْ مَوَالِيكَ يَسْتَحِلُّ مَا بَنِي أُمَيَّةَ وَ دِمَاءَهُمْ وَ إِنَّهُ وَقَعَ لَهُمْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَقَالَ أَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَقَعَ وَ إِنْ كَانُوا مَجُوسِيّاً فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَکُونُ حَتَّی يَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَیُحِلَّ وَیُحَرِّمَ))(1).

وكذا فما تعاهد عليه لابد له من الالتزام به لقول الله عز وجل «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» [النحل: 91] وعَنْ أَبِيِ عَبْدِ الله قَالَ: ((إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالحِینَ حَتَّى تَعْرِفُوا وَلَا تَعْرِفُوا حَتَّى تُصَدِّقُوا وَلَا تُصَدِّقُوا حَتَّى تُسَلِّمُوا أَبْوَاباً أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ وَ تَاهُوا تَيْهاً بَعِيداً إِنَّ الله تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَ لَا يَقْبَلُ الله إِلَّا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ

ص: 79


1- الكليني: الكافي، ج 5، باب أداء الأمانة، ص 132

وَ الْعُهُود))(1).

26 - «وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَیُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ».

وبطبيعة الحال فالحاكم لا يمن على رعيته بإدارة شؤونهم، بل له اجر ذلك أما في الدنيا أو بالآخرة بكليهما، لذا فعلى صاحب المسؤولية أداء ما عليه بالعدل ويحرص على أن لا يقع الظلم في أفعاله مع الناس لأمر الله تعالى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [النحل:90] عَنْ صَبَّاحِ بْنِ خَاقَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ التَّمِیمِيِّ قَالَ ((خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى

ص: 80


1- الكليني، الكافي، ج 1، باب معرفة الإمام و الرد إليه، ص 181

أَصْحَابِهِ وَ هُمْ يَتَذَاكَرُونَ الْمَرُوءَةَ فَقَالَ أَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ كِتَابِ الله قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ فَقَالَ فِي قَولَهُ «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ» فَالْعَدْلُ الْإِنْصَافُ وَ الْإِحْسَانُ التَّفَضُّلُ)(1).

ص: 81


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 11، باب خصال الفتوة و المروءة، ص 434

ص: 82

المبحث الرابع

تطبيقات التعايش السلمي في المجتمع المسلم

ص: 83

ص: 84

1 - التعايش الديني:

يقصد بالتعايش الديني قبول واحترام المعتقدات الدينية والمذهبية الأخرى المختلفة والمخالفة، والتعايش مع معتنقيها، وتظهر أهمية هذا النوع من التعايش في الظروف التي تسيطر فيها حركة دينية معينة على المجتمع وتضطهد أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى(1).

ويعد أول تطبيق عملي للدولة الإسلامية هو ما فعله النبي صلی الله علیه وآله وسلم في حسن التعايش مع الآخرين من غير المسلمين، ودلالة على ذلك أن الدين الإسلام لا ينفي الآخر على الإطلاق وأنه يقر بمبدأ الاختلاف بين الناس في أشكالهم

ص: 85


1- الفيشاوي: سعد، المعجم العلمي للمعتقدات الدينية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007، ص 636

وألوانهم ومعتقداتهم، وهو سنة وحكمة ربانية، قال تعالى «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» [يونس: 99] واستمر بعد وفاته من جاء بعده ال بيته والصحابة بتطبيق هذا السلوك الحضاري القويم، فعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: کَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلی الله علیه وآله وسلم، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، وَهْوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القاسِم، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله وسلم وَهْوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ(1).

وقد لا يلتف كثير منا إلى شيء مهم وهو سماح النبي صلی الله علیه وآله وسلم لغلام يهودي بأن يكون في بيته وخدمته ويدخل ويتطلع على أسرار لا يطلع عليه

ص: 86


1- بن حنبل: أحمد، المسند، ج 3، ص 175، ح 12823

الناس.

وهنا يجب الانتباه والالتفات إلى نقطة مهمة، وهي أن مشروع التعايش بالإسلام كان يخطط البناء مجتمع محکم ينتمي إلى الهوية الإسلامية ويحمل شعارها من اجل ان يكون الدين كله لله. وما يؤيد هذا الرأي أن القانون الإسلامي يحمي الجميع مع تنوع أديانهم، حيث سجل لنا التاريخ قصة عن أعدل الحكام، إذ تنازع مواطن يهودي مع حاكم البلاد الإمام علي علیه السلام حيث ((أَنَّهُ مَضَیفِي حُکُومَةٍ إِلَى شُرَیْحٍ مَعَ يَهُودِيٍّ. فَقَالَ: یَا یَهُودِيُّ الدِّرْعُ دِرْعِي وَ لَمْ أَبِعْ وَ لَمْ أَهَبْ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: الدِّرْعُ لِي وَفِي يَدِي. فَسَأَلَهُ شُرَیْحٌ الْبَيِّنَةَ. فَقَالَ: هَذَا قَنْبَرٌ وَالْحُسَيْنُ يَشْهَدَانِ لِي بِذَلِكَ. فَقَالَ شُرَیْحٌ: شَهَادَةُ الاِبْنِ لَا تَجُوزُ لِأَبِيهِ وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ لَا تَجُوزُ لِسَیِّدِهِ وَإِنَّهُمَا يَجُرَّانِ إِلَيْكَ. فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: وَيْلَكَ يَا شُرَيْحُ أَخْطَأْتَ مِنْ وُجُوهٍ

ص: 87

أَمَّا وَاحِدَةٌ فَأَنَا إِمَامُكَ تَدِينُ الله بِطَاعَتِي وَتَعْلَمُ أَنِّي لَا أَقُولُ بَاطِلًا فَرَدَدْتَ قَوْلِي وَأَبْطَلْتَ دَعْوَايَ، ثُمَّ سَأَلْتَنِي الْبَيِّنَةَ فَشَهِدَ عَبْدٌ وَأَحَدُ سيد [سَيِّدَيْ] شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَرَدَدْتَ شَهَادَتَهُمَا، ثُمَّ ادَّعَيْتَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا یَجُرَّانِ إِلَى أَنْفُسِهِمَا أَمَا إِنِّي لَأُعَاقِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ تَقْضِيَ بَيْنَ الْيَهُودِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَخْرِجُوهُ فَأَخْرَجَهُ إِلَى قُبَاءِ فَقَضَى بَيْنَ الْيَهُودِ ثَلَاثاً ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودِيُّ ذَلِكَ قَالَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ جَاءَ إِلَى الْحَاکِمِ وَالْحَاکِمُ حَكَمَ عَلَيْهِ. فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَالَ: الدِّرْعُ دِرْعُكَ سَقَطَتْ يَوْمَ صِفِّينَ مِنْ جَمَلٍ أَوْرَقَ فَأَخَذْتُهَا))(1). وعليه فإن التعايش الديني هو التسامح بين الرؤى الدينية للأديان المختلفة، وان القانون الإسلامي قائم على أساس العدل والمساواة ليس على أساس الديانة أو الانتماء.

ص: 88


1- المجلسي: بحار الأنوار، ج 101، باب نوادر القضاء، ص 296

2 - التعايش الأخلاقي القيمي:

لقد اختار القرآن الكريم من بين جميع صفات النبي الأكرم صلى الله عليه واله أن يمتدحه بأعظم تلك الصفات وكلها عظيمة بالواقع فقال تعالى «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» [القلم: 4] للدلالة على الأهمية البالغة للأخلاق بمجاليها النظري والعلمي.

ومن نماذج سمو الخلق عند أهل البيت أن الإمام الحسين عليه السلام في أكثر من مورد يعلن انه لا ينبغي استخدام العنف وفرض الرأي والتسلط على الناس بالسلاح والقوة، وذلك موقفه مع الحر بن یزید الرياحي الذي قدم لمقاتلة الإمام ومعه ألف فارس قد أنهكهم العطش، حيث وقفوا إمامه وقت الظهر في شدة الحر، وقد اشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ،

ص: 89

وكانت فرصة سانحة أن يقتلهم، وهو يعلم أنهم جاؤوا لقتاله وقتله، لكن رق لحالهم وغض النظر عنهم، وأمر أصحابه أن يسقوهم وان يرشفوا خيولهم ترشيفا(1)، وهنا يجسد أروع ملاحم الإنسانية والرحمة والتسامح ليؤكد أن التعايش هو مصلحة المجتمع، لان الإمام و أصحابة جاهدوا، ليس من اجل أطماع وأغراض دنيوية. وإنما من اجل الالتزام بالدين، وتحمل المسؤولية الاجتماعية، ومراعاة حقوق الآخرين.

والإمام الحسين عليه السلام عمل بما کان عليه أبوه أمير المؤمنين عندما قاتل معاوية بن أبي سفيان، واستولى عسكر معاوية على الماء وأحاطوا بشريعة الفرات، ورأى عليه السلام أنّه

ص: 90


1- ينظر: القرشي، باقر شریف، حياة الإمام الحسين بن علي، ط 1، سنة 1413 ه، بیروت: درا البلاغة، ج 3، ص 74

الموت لا محالة حمل على عساکر معاوية حملات كثيفة، حتى أزالهم وملكوا عليهم الماء، فقال أصحاب وشيعة للإمام عليه السلام: امنعهم الماء کما منعوك، واقتلهم بسيوف العطش، فقال: لا والله أكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة.

فالتاريخ الإسلامي كان وما يزال يحتفظ ويفتخر بمواقف آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم التي يستفاد منها اعتنائهم بقيم التسامح واللين والعفو والسلم.

فالتعايش يستمد قوامه من تلك القيم المرتبطة الواحدة بالأخرى، إذ ليس من الصواب الاهتمام بقيمة وإهمال القيم الأخرى وذلك لأن كل واحدة منها تكمل الأخرى، وهذا التداخل فيما بينها يجعلها تشكل الإنسانية كالعدل فهو

ص: 91

بحاجة إلى الشجاعة والحكمة والعز، وهكذا تتداخل هذه القيم فيما بينها لتشكل قواعد للتعايش السلمي.

3 - التعايش والحوار:

الحوار في معناه الصحيح لا يجوز أن يكون سبباً في التنافر والعداوة، بل بالعكس يجب أن يكون سبباً للتعارف والتلاقي على الخير واحترام كل جانب لوجهة نظر الجانب الآخر، وترسيخ قيمة التعايش، والبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأساس المتين للتعاون المشترك بين الشعوب والأمم.

والناس - بإرجاعهم للقسمة المنطقية التي لا تقبل الإشكال - ((فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق))(1) وهذه الجملة

ص: 92


1- المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج 41، ص 145

المختصرة لمولانا رائد الإنسانية أصبحت قاعدة أساس في إطار التسامح الديني والتعايش مع الآخرين وهي صالحة للعمل بها في كل زمان ومكان.

فالتاريخ الإسلامي يذكر بوضوح تام كيف كان المسلمون يعيشون مع أتباع الأديان المختلفة جنباً إلى جنب، والكل يعيش في حرية دينية سامية، ويمارس سائر أشكال الحياة الاجتماعية وطقوسه الدينية، وخير دليل على ذلك قبول الحوار عند الإمام الرضا عليه السلام مع أهل الأديان وأصحاب المقلات، ويعتبر هذا المجلس الذي عقده المأمون للمناظرة بين الإمام الرضا عليه السلام وبين علماء الأديان والمذاهب، مجلساً فريداً حيث لم ينعقد مجلس مثله من ظهور الإسلام إلى غيبة ولي الأمر.

ص: 93

ولإثبات أن المشتركات بين الأديان كثيرة أن الإمام الرضا عليه السلام قال لكبير علماء المسيحية: (انا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وأقرت به الحواریون وکافر بنبوة عيسى لم يقر بنبوة محمد صلی الله علیه وآله وسلم وبكتابه ولم يبشر به أمته)(1).

مؤكدا أن التعايش ممكن رغم الاختلاف وان الإسلام قام على الإقرار بالديانات السماوية التي سبقته قال تعالى «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» [آل عمران: 19].

فالاختلاف بين الشرائع أثبته الله في قوله تعالى «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» [المائدة: 48]، وهذه الشرائع والمناهج رغم اختلافها لكن ما يجمعها واحد «دِينًا قِيَمًا» [الأنعام: 161] وله مالك واحد هو «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» [الفاتحة: 4].

ص: 94


1- الصدوق: التوحید، ص 420

4 - التعايش مع المنافقين:

يعد النفاق والمنافقون خطراً داهماً وشراً مستطيراً على الإنسان والمجتمع الإسلامي، وقد حذر الإسلام من النفاق وأهله، وقد خصص الله سبحانه وتعالى سورة باسمهم: سورة المنافقون، قال تعالى «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ» [المنافقون: 1].

وقد لعبوا دورا خطيرا في الوقيعة بين المسلمين، ولم يتوقفوا على ذلك فقط بل عمدوا إلى الإساءة للرسول صلی الله علیه وآله وسلم وإيذائه، ومع ذلك فان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم صبر عليهم واستعمل الحكمة في ردهم ودفع فتنهن عن المسلمين، فيما روي عن جَابِرِ بقوله رَضِيَ الله عَنْهُ: ((غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّی اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ

ص: 95

مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّی کَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ، فَكَسَعَ أَنْصَارِیًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ «فَأُخْبِرَ بِکَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ» وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِینَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ یَا رَسُولَ الله هَذَا الخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ الله، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ))(1).

ص: 96


1- البخاري: صحيح البخاري، ح 4905؛ و كذا: مسلم، صحیح مسلم، ح 2584

فان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بهذه المبادئ قد تجاوز کل دعوات وعوامل الصراع والنزاع، بتسامحه وسعة صدره وقدرته على الاحتواء، وحاول استمالتهم إلى الإيمان الحقيقي، وهذا بحد ذاته يعتبر ردا على المتقولين أن الإسلام ليس دين تسامح وحوار، وانه دین قوة وقهر، وانتشر بالسيف.

وهذا وصيه سيد الموحدين عليه السلام عندما تمرد عليه الخوارج - وهو آنذاك الحاكم الشرعي - المنتخب من جماهير الأمة، ورغم أنهم تجرؤوا على الإمام عليه السلام برميه بالكفر والشرك، إلا انه - وانطلاقا من تسامحه وخلقه الرفيع وبصيرته الدينية - رفض أن يعتبر الخوارج الذين كفروه كفاراً، أو أن يحكم بخروجهم عن الإسلام، فضلاً عن موقفه وتعامله مع سائر المحاربين له وهذا ما اشتهر عند جميع المسلمين ((أَنَّ عَلِيّاً لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ حَرْبِهِ

ص: 97

إِلَى الشِّرْكِ وَ لَا إِلَى النِّفَاقِ وَ لَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا)(1).

وهذه الشواهد التي نسوقها هي نابعة من سیاسة تسامحيه مع المجتمع بكافة أطيافه لأمير المؤمنين علیه السلام، رغم ما يكنه له البعض من عداء أو كراهية، وأيضا ما يبطنونه من حقد دفين، فعاملهم بالرفق واللين، مقدما نموذجاً فريدا للعالم أجمع للتعايش السلمي، دون تأجيج للفتنة، وتنكيل بالخصوم.

وفي هذا السياق قد نقل الدكتور عبد الهادي الفضلي ما ذكرته مجلة (الشؤون الدولية)(2) في عددها الخاص عن الإسلام والمسيحية والماركسية

ص: 98


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 15، باب حکم قتال البغاة، ص 83
2- الصادرة عن جامعة كامبردج البريطانية التي تعدّ من الجامعات المرموقة على المستوى الأكاديمي العالمي

انتهى فيه الباحثون في دراستهم أن هذه العقائد الثلاثة: (الإسلام والمسيحية والماركسية) لا يزال الإسلام - من بينها - نظاما صالحا للتطبيق والمعاصرة(1).

5 - التعايش في المعاملات الدينية:

کما سلفت الإشارة أن التعايش في الواقع الإسلامي هو عقيدة ثابتة وسلوك راقٍ، بل هو منهج طبقه المسلمون في حياتهم الخاصة والعامة، فكان تعاملهم مع غيرهم من إتباع الديانات الأخرى، مثالا رفيعاقل نظيرة.

ولعل من اكبر الأدلة وأقوى الحجج في هذا المورد عبر العصور على أساس متين من

ص: 99


1- الفضلي: عبد الهادي، الإسلام والتعدد الحضاري بين سُبل الحوار وأخلاقيات التعايش، ط 1، بیروت، 2014، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ص 106

التعايش، ما رواه جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: ((صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ علیه السلام بِبَرَاثَا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قِتَالِ الشُّرَاةِ وَ نَحْنُ زُهَاءُ مِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ فَنَزَلَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَقَالَ: مَنْ عَمِيدُ هَذَا الْجَيْشِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا.

فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي أَنْتَ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ علیه السلام: لَا النَّبِيُّ سَيِّدِي قَدْ مَاتَ. قَالَ: فَأَنْتَ وَصِيُّ نَبِيٍّ؟ قَالَ علیه السلام: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لَهُ اجْلِسْ كَيْفَ سَأَلْتُ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا بَنَيْتُ هَذِهِ الصَّوْمَعَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَ هُوَ بَرَاثَا وَ قَرَأْتُ فِي الْكُتُبِ الْمُنْزَلَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي هَذَا الْمَوضِعِ بِهَذَا الْجَمْعِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ وَقَدْ أُسْلِمُ فَأَسْلَمَ وَخَرَجَ مَعَنَا إِلَى الْكُوفَةِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ علیه السلام: فَمَنْ صَلَّی هَاهُنَا؟ قَالَ: صَلَّى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَأُمُّهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام: أَ فَأُخْبِرُكَ

ص: 100

مَنْ صَلَّى هَاهُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: الْخَلِيلُ))(1) وأصبح هذا المكان جامعا للمسلمين وله نفس الاسم (براثا) إلى يومنا هذا، ولم يغير المسلمون اسم ذلك الجامع.

والأمر الذي يؤيد بما لا يرقى إليه الشك قوله تعالى «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» [البقرة: 251] ونحن لا نسوق هذه الشواهد التاريخية إلا أن نؤكد على إن التعايش في الإسلام أصلُ أصيل، ومبدأ ثابت من مبادئ أهل البيت علیهم السلام، وان التعايش هو سمتهم التي اصطبغت بها الحضارة الإسلامية عبر الأحقاب.

6 - التعايش في الجانب الاقتصادي:

ص: 101


1- الصدوق: من لا يحضره الفقیه، ج 1، باب فضل المساجد و حرمتها و ثواب من، ص 232

من الثابت لنا أن الدولة الإسلامية هي المسؤولة عن جميع الأفراد ضمن أراضيها سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ولهذه المسؤولية دور مهم في تحقيق التعايش الاقتصادي السلمي بينهم أي بين المسلمين وغيرهم.

وقد اهتم الإمام علي علیه السلام بالجانب الاقتصادي اهتماماً خاصاً، وقد كان من المتصدين أمام كل المحاولات الرامية، إلى التعدي على حقوق افراد الدولة الإسلامية، حيث أن أول ما قام به عند تسنمه الخلافة، إلغائه النظام الذي كان متبعاً قبله في العطاء على أساس الهجرة والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول صلی الله علیه وآله وسلم(1)، وأعاده إلى نظام المساواة بين المسلمين، إلا ((أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ علیه السلام مَشَوْا إِلَيْهِ عِنْدَ تَفَرُّقِ

ص: 102


1- ينظر: الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 3، ص 109

النَّاسِ عَنْهُ وَ فِرَارِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى مُعَاوِيَةَ طَلَباً لِمَا فِي يَدَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِینَ أَعْطِ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَ فَضِّلْ هَؤْلَاءِ الْأَشْرَافَ مِنَ الْعَرَبِ وَ قَرَیْشٍ عَلَى الْمَوالِي وَ الْعَجَمِ وَمَنْ تَخَافُ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ فِرَارَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ: أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ لَا والله لَا أَفْعَلُ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَ لَاحَ فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ وَ الله لَوْ کَانَ مَالُهُمْ لِي لَوَاسَیتُ بَيْنَهُمْ وَ كَيْفَ وَ إِنَّمَا هُوَ أَمْوَالُهُمْ))(1).

وشاهد آخر عَنْ رَجُلٍ بَلَغَ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِینَ عليه السلام قَالَ: ((مَرَّ شَیْخٌ مَكْفُوفٌ كَبِيرٌ يَسْأَلُ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَصْرَانِيٌّ. قَالَ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام:

ص: 103


1- الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 15، باب التسوية بين الناس في القسمة، ص 107

اسْتَعْمَلْتُمُوهُ حَتَّى إِذَا کَبِرَ وَ عَجَزَ مَنَعْتُمُوهُ، أَنْفِقُوا عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)(1).

يمكن القول أن الدولة الإسلامية المتمثلة بالإمام علي علیه السلام، ساهمت في توفير البيئة التي يتعايش فيها المسلم وغير المسلم وتحقق لغير المسلم حقوقه كاملة، فهو يتمتع بكل الخدمات التي قدمها دون تمييز بين المسلم وغيره وهذا يساهم بالتعايش الفعال وايضا يمنح البيئة والمناخ الملائم لممارسة النشاط الاقتصادي.

ولم تقف جهود الإمام عليه السلام عند هذا الحد، وإنما تجاوز ذلك قيامه بمتابعة عمل الجباة والمكلفون بجمع تلك الأموال، عن عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قال: ((أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ:

ص: 104


1- الطوسي: تهذیب الأحکام، ج 6، باب من الزيادات في القضايا، ص 292

اسْتَعْمَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى بَزْرَجِ سَابُورَ فَقَالَ: لَا تَضْرِبَنَّ رَجُلًا سَوْطًا فِي جِبَايَةِ دِرْهَمٍ، وَلَا تَبِيعَنَّ لَهُمْ رِزْقًا وَلَا کُسْوَةَ شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ، وَلَا دَابَّةً يَعْتَلِملُونَ عَلَيْهَا، وَلَا تُقِمْ رَجُلًا قَائِمًا فِي طَلَبِ دِرْهَمٍ. قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ إِذًا أَرْجِعَ إِلَيْكَ کَمَا ذَهَبْتُ مِنْ عِنْدِكَ. قَالَ: وَإِنْ رَجَعْتَ کَمَا ذَهَبْتَ وَيْحَكَ إِنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ)(1).

أن تعامل الإمام علیه السلام في جباية الأموال المفروضة على أهل الذمة، إنما هو مستمد من الشريعة السمحاء، فهؤلاء دخلوا في ذمة الدولة الإسلامية وان التسامح معهم قد يودي إلى تألیف قلوبهم نحو الإسلام ومن ثم دفعهم إلى الدخول فيه، مع مراعاة عدم إبراء ما بذمتهم

ص: 105


1- البيهقي: السنن الکبری، ج 9، ص 345

من حقوق مالية. وهذا كله يؤدي بالنتيجة إلى نشر ثقافة التعايش والتالف بين أفراده وإشاعة السلم الاقتصادي في المجتمع بأسره.

من الشهادات الصادرة عن ابرز علماء الغرب التي تشيد بإنسانية الإسلام ومدى التعايش السلمي فيه اذ قال الكونت هندريك: ان المسلمين امتازوا بالمسالمة وحرية الأفكار في المعاملات ومحاسنتهم المخالفين، وقال غوستاف لوبون: أن القوة لم تصمد أمام قوة القرآن، وان العرب تركوا الماديين أحراراً في أديانهم فقد عاملوهم بلطف عظيم. والحق أن الأمم لم تعرف فاتحین رحماء متسامحين مثلهم(1).

ص: 106


1- ينظر: الشيرازي، محمد الحسيني، السلم والسلام، ط 1، 1426 - 2005 م، لبنان، دار العلوم، ص 41

النتائج:

1. أثبت البحث أن جميع كلمات أمير المؤمنين ما هي شرح و تجسيد لآيات القرآن الكريم وأحاديث خاتم الرسل صلى الله عليه وآله وقد طبقها عملياً في حياته الشريفة بأكمل صوّرها.

2. أن التعايش السلمي ركيزة إسلامية وليس خطابات فضفاضة عمل عليها أهل البيت عليه السلام وأكدوها في حياتهم القولية والفعلية والتقريرية.

3. أن السيرة التاريخية للإمام علي عليه السلام هي المصدر الكبير لروح الإنسانية التي تنشر العفو والتعايش على جميع العصور.

4. العهد المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام

ص: 107

يستحق عقد المصنفات المطولة لما يحمله من مضامين عالية أوجزها بقوة العبارة ودقتها، وما نصوص التعايش السلمي التي عرضها البحث إلا دليل على صلاحيته ليكون دستوراً إنسانياً لحكام العالم بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم.

5. رسم علیه السلام للمسلمين من خلال عهده ومعطيات الأحداث التي قدمها، طريقا في التعامل مع الآخر، بكافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والدينية.

6. تأكيد العهد المبارك إن الاشتراك أصل والاختلاف فرع، فالآخر هو النظير بالدين أو بالخلقة وهذا دليل لا لبس فيه على أن التعايش السلمي مقصود إلهي لخدمة الأهداف الإنسانية وتحقيق

ص: 108

المصالح البشرية.

7. جسدت فتوى الجهاد الكفائي المباركة وحشدنا المقدس اليوم الصور الإنسانية لمعاني التعايش وقبول الآخر، بل؛ والدفاع عنه والتضحية بالغالي والنفيس.

ص: 109

التوصيات:

1. تفعيل دور المؤسسات التربوية من خلال تنويع مناهجها في الحث على سبل التعايش بين الأفراد.

2. السعي الجدّي لوسائل الإعلام - بكافة أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة - بأخذ دورها الفاعل في نشر قيم التعايش السلمي بين فئات المجتمع.

3. تطويّر البرامج الثقافية والفكرية، الداعيّة البث روّح التعايش والمواطنة وقبول الآخر، من منطلق العهد المبارك للإمام علي علیه السلام ليتواءم مع التحولات العصريه الجارية في العالم كله.

4. ترجمة مفهوم العهد باللغات الأخرى، كاللغة الانكليزية، والفرنسية، وغيرها،

ص: 110

وعرضها بطريقة بسيطة، للتعريف بالأنموذج المتكامل لسماحة الإسلام وعدالته، ودحض مزاعم الأعداء بإقصائه للإنسان وتهميشه على أساس من دينه أو مذهبه المخالف.

هذا وأسأل الله تعالى أن يتقبل منا ويجعلنا من أهل الإخلاص والإيمان، وأعوذ به من النفاق والرياء، إن أصبت فمن الله تعالى وان أخطأت فمن نفسي والشيطان، سبحان ربك عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ص: 111

قائمة المصادر والمراجع

القران الكريم.

1. بحر العلوم: حسن عز الدين، التعددية الدنية في الفكر الإسلامي، العارف للمطبوعات، لبنان، ط 1، سنة 2011 م.

2. البخاري: محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، تح: مصطفی دیب، دار بن کثیر، دمشق، ط 3، 1403 ه.

3. البيهقي: احمد بن الحسين، السنن الکبری، تح: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط 3، 1424 ه - 2003 م.

4. التويجري: عبد العزيز بن عثمان، الإسلام والتعايش بين الأديان في أفق القران الحادي والعشرون، منشورات المنظمة العربية الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو - 1919 ه. 5. الجصاص: أحمد بن علي، أحكام القرآن، تح: عبد السلام محمد علي، دار إحياء التراث العربي، بیروت 1405 ه.

6. الحكيم: محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، ط 4، بیروت،

ص: 112

1422 ه - 2001 م.

7. ابن حنبل: أحمد، مسند أحمد بن حنبل، تح: شعیب الأرناؤوط - عادل مرشد وآخرون، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421 ه - 2001 م.

8. زاويتي: محمد، التعايش بين الأديان، كيف ولماذا؟ مقال منشور بتاريخ 28 / 12 / 2011 م، موقع: معاً البناء السلام: http://www.tfpb.org 9. الزَّبيدي: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تح: علي شيري، دار الجديد للطباعة والنشر والتوزيع، بلا.

10. الشيرازي: ناصر مکارم، الأمثل في تنزيل كتاب الله الأمثل، ترجمة ونشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، قم، 1426 ه. ق.

11. الصدوق: محمد بن علي الحسين، من لا يحضره الفقیه، مؤسسة النشر الإسلامية، صححه وعلق عليه: علي اکبر الغفاري، منشورات: جماعة من المدرسين في الحوزة العلمية قم، ط 3، 1413.

12. الطباطبائي: محمد حسين، الميزان في تفسير القران، منشورات مؤسسة الأعلمي، بیروت، 1997 م.

13. الطبرسي: حسين النوري، مستدرك الوسائل و مستنبط

ص: 113

المسائل، تح: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط 1، 1408 ه.

14. الطبري: محمد بن جریر، تاریخ الأمم والملوك، راجعه وصححه وضبطه نخبه من العلماء، 1879 م.

15. الطوسي: محمد ابن الحسن، تهذیب الأحکام، تح: حسن الموسوي الخراساني، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365 ه.

16. العاملي: محمد الحسن، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تح: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1414 ه.

17. العسكري: أبو هلال، الفروق اللغوية، تح: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط 1، 1412 ه.

18. ابن فارس: معجم مقاییس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، ط: 1399 ه - 1979 م.

19. الفضلي: عبد الهادي، الإسلام والتعدد الحضاري بين سُبل الحوار وأخلاقيات التعايش، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ط 1، بیروت، 2014 م.

20. الفيشاوي: سعد، المعجم العلمي للمعتقدات الدينية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007 م.

21. القرشي: باقر شريف، حياة الإمام الحسين بن علي،

ص: 114

ط 1،، بیروت: درا البلاغة، 1413 ه.

22. الكليني: محمد بن يعقوب، الكافي، صححه وعلق عليه علي اکبر الغفاري: دار الكتب الإسلامية، طهران، ط 3، 1365 ه.

23. المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، بیروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1403 ه.

24. مجموعة من أساتذة معهد الفلسفة وأكاديمية العلوم بالاتحاد السوفيتي، مشكلة الحرب والسلام، ترجمة: شوقی جلال وسعد رحمي، دار الثقافة الجديد، مصر، بلات.

25. إبراهيم: مصطفی و مجموعة من العلماء، المعجم الوسيط، دار النشر: دار الدعوة، تح: مجمع اللغة العربية.

26. ابن منظور: محمد بن مکرم، لسان العرب، دار صادر، بیروت، لسان العرب، ط 1.

27. ابن هشام: أبو محمد عبد الملك، السيرة النبوية، تح: طه عبد الرؤوف، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1411 ه.

ص: 115

المحتويات مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...9

المبحث الأول...13

التعريف بمفردات العنوان...13

أولاً / تعريف الأصول لغة واصطلاحا:...15

ثانيا: تعريف التعايش السلمي لغة واصطلاحا:...16

1 - التعايش السلمي لغة:...17

2 - التعايش السلمي اصطلاحا:...19

ثالثا: تعريف الاستنباط لغة واصطلاحا:...22

1 - معنى الاستنباط في اللغة:...22

2 - الاستنباط في الاصطلاح:...22

المبحث الثاني...25

التعايش في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية...25

1 - التعايش في ضوء القران الكريم:... 27

ص: 116

2 - التعايش السلمي في السنة النبوية...32

المبحث الثالث...43

أصول التعايش السلمي من خلال العهد المبارك...43

المبحث الرابع...83

تطبيقات التعايش السلمي في المجتمع المسلم...83

1 - التعايش الديني:...85

2 - التعايش الأخلاقي القيمي:...89

3 - التعايش والحوار:...92

4 - التعايش مع المنافقين:...95

5 - التعايش في المعاملات الدينية:...99

النتائج:...107

التوصيات:...110

قائمة المصادر والمراجع...112

ص: 117

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.