أسرار فضائل فاطمة علیها السلام

هوية الکتاب

أَسرَارُ فَضَائِلِ فَاطِمَةُ علیها السلام

ISBN 978-9933-489-11-3

ألامانة العامة العتبة الحسینیة المقدسة.

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى - 1433 ه- 2012م

العراق كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ألامانة العامة العتبة الحسینیة المقدسة.

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى - 1433 ه- 2012م

العراق كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق وزارة الثقافة العراقية لسنة 2012 - 973

الرقم الدولي: 9789933489113

اليوسفي، محمد حسين.

أسرار فضائل فاطمة عليها السلام؛ تأليف محمد حسين اليوسفي؛ ترجمة وتخريج حامد رحمان الطائي.

- ط 10 - كربلاء: قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، 1433 ق. = 2012م.

493 ص . 24سم - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 72)

المصادر: ص . 463 - 478 ؛ وكذلك في الحاشية.

1 . فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8؟ قبل الهجرة - 11ق. فضائل فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8؟ قبل الهجرة - 11ق. أسماء. 2. تسبيح الزهراء (سلام الله عليها) - نقد وتفسير 3 واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 11ق. 4. أحاديث خاصة (الكساء). ألف الطائي، حامد ،رحمان ،محقق مترجم ب العنوان

5 ألف 98 ي/ 2 /27 BP

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 2

أَسرَارُ فَضَائِلِ فَاطِمَةُ علیها السلام

تالیف الشیخ محمد حسین الیوسفي

ترجمة و تخریج حامد رحمان الطائي

اصدار

شعبة التحقیق

في قسم الشوون الفکریة و الثقافیة فی العتبة الحسینة المقدسة

ص: 3

كلمة القسم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الولاء لمحمد وآله الطاهرين حمداً كثيراً والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين لاسيما البضعة النجيبة الطاهرة،قلب النبي وروحه التي بين جنبيه أعني سيدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله عليها .

تطّل علينا شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية في العتبة الحسينية المقدسة بطّلة

جديدة ألا وهي كتاب «أسرار فضائل فاطمة سلام الله عليها» لمؤلفه الشيخ محمد حسين اليوسفي الذي يذكر فيه أربعين حديثاً صدرت من أهل بيت العصمة في فضائل فاطمة الزهراء سلام الله عليها موشحة بشروحات عقائدية وتاريخية، اعتماداً على الكتاب والسنة المحمدية الشريفة.

قام بترجمة وتخريج أحاديثه الفاضل حامد رحمان الطائي ووضعه بين يدي شعبة التحقيق لتقوم هي بنشره وتكثيره لتعم الفائدة وينتفع منه أهل العلم.

هذا الكتاب سيكون حرزاً من النار لمن ساهم بإخراجه إلى طلابه، كونه يحمل في طيّاته فضائل سيدة الطهر والقدوة الحسنة لنساء الأولين والآخرين السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وفقنا وإياكم لمرضاته من خلال نشر علوم أهل البيت علیهم السلام لأن زكاة العلم نشره.

قسم الشؤون الفكرية والثقافية

في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

كلمة المترجم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد الأمين، وعلى آله معدن الوحي والتنزيل، ومن تشرف بخدمتهم جبرئيل، وافتخرت بولائهم حملة العرش الجليل، ولا سيّما البضعة الزهراء، والإنسيّة الحوراء، التي غصبوها حقها قهراً، وظلموها إرثها جهراً.

لقد جرت عادة الأمم والشعوب أن تخلد علماءها ومفكريها، بذكر آثارهم ومناقبهم وفضائلهم وما تركوه لخدمة الناس على أمل أن يقتدي بهم النشء الجديد ويحذوا حذوهم.

وبما أنّ الأُمّة الإسلاميّة رزقها الله تعالى أفضل وأشرف مخلوقاته، حيث أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، حريٌّ بالمسلمين الاقتداء بتلك الذوات الطاهرة؛ لنيل سعادة الدنيا والآخرة.

وكيف يمكن أن يتحقق هذا الاقتداء إذا لم تكن سيرة فضائل ومناقب ومآثر أهل البيت علیهم السلام في متناول اليد بسهولة الاطلاع عليها؟!

فلقد انبرى مجموعة من المؤلفين والمحققين في جمع وتأليف، وبحث

ص: 5

وتحقيق مناقب و فضائل وسيرة أهل البيت علیهم السلام تلبيةً للاقتداء بهم علیهم السلام.

وما هذا الكتاب أسرار «فضائل فاطمة سلام الله علیها» إلّا أحد الأساليب الكثيرة والمتنوّعة في عرض وبيان أربعين فضيلة من فضائل سيدة نساء العالمين سلام الله علیها انتقاها ودوّنها المؤلّف باللّغة الفارسيّة من مصادر معتبرة ومقبولة عند المسلمين، وتمتاز هذه الفضائل بأسانيد ،موثوقة، حيث الكثير منها كثرَ اللّغط والنقاش حولها، وأثارت الشكوك في أذهان البعض. استطاع المؤلف أن يميط اللثام عنها، مجيباً عن تلك الشكوك بأسلوب وبيان جميلين، واصلاً إلى الحقيقة الجليّة.

ولا يخفى على اللبيب من صعوبة هذا العمل في بذل الجهد لإخراج الكتاب بهذه الحلّة القشيبة مستمداً العون من صاحبة الكتاب الزهراء البتول

عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها آلاف التحية والسلام.

حيث قمت بترجمته من اللغة الفارسيّة إلى العربية، مع استخراج الأحاديث المنقولة من مصادرها قدر الإمكان، إضافة إلى تقطيع النص بالشكل الذي يتلاءم مع ذوق القارئ، وطباعته، ومقابلته وكتابة فهرس مفصل له في آخر الكتاب؛ تسهيلاً للباحث في الوصول إلى مبتغاه .

راجياً من العلماء الأعلام والأخوة الكرام العذر إن وجدوا في عملي هذا نقصاً أو تقصيراً، والله ولي التوفيق.

حامد الطائي

15 جمادى الآخرة 1431 ه

قم المقدسة

ص: 6

الاهداء

إليك يا آخر معصوم من ذرية فاطمة الزهراء سلام الله علیها

إليك يا وحيد ذكرى الإنسية الحوراء سلام الله علیها

إليك يا منتقم لدماء حبيبة الله

يا من ينتظر انتقامه جميع الأنبياء، ويترقب ظهوره جميع الأولياء.

يا من يأخذ بثأر برعم الشجرة الطيّبة الذي لم يتفتح - محسن علیه السلام - والذي تناديك نفسه الزكية كما في القرآن «بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ»(1)؛ لتأخذ لها حقها من قاتلها المشؤوم .

يا من لا يشفى ورم كتف بنت رسول الله إلا ببريق سيفه، الذي سيسطع في قيامه من جانب الكعبة.

يا أيها الإمام العطوف الذي قلبك الطاهر أكثر ألماً من كسر ضلع امّك الزهراء سلام الله علیها، ودماء قلبك أكثر احمراراً من قطرات دم صدرها الذي سال على الأرض، وفكرك المغموم أكثر وقعاً من جسدها المتعب، وسماء أيام غيابك أكثر سواداً من وجهها الملطوم

ص: 7


1- سورة التكوير 81 : 9

يا صاحب الذات الطاهرة المعصومة، الذي يحمل في صدره جميع هموم شيعته قليلون من يذكروك للتخفيف من همك وتسليتك .

متى تعود من هذا السفر المحزن ؛ لتهدئ قلوب محبيك الوالهة، وتحصل هذه القلوب على فرصة لتقدم بين يديك أغلى وأنفس هدية وهي أرواحها؟!

يا عزيز الزهراء سلام الله علیها!

هذا مختصر من إظهار المحبّة لأمّك المظلومة الزهراء سلام الله علیها لأقدِّمها بين يديك كتلك النملة الضعيفة التي قدَّمت هديتها لعرش سليمان، فهل تتقبلها منّي؟

يا قائم آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم!

يا مهدينا الموعود

يا من جميع العالم عطاشى لرؤيته، وتنتظر طلعته!

فقط بتوقيعك النوراني وسرور قلبك العطوف ؛ ينبعث في قلبي الأمل وفي جسمي النشاط وفي روحي السرور للخدمة أكثر.

سيّدي !

طَالَتْ عَلَيْنَا لَيَالِي الانتظار فَهْلْ***يابنَ الزَّكِيّ لليلِ الانتظارِ غَدُ

فاكْحَلْ بِطَلْعَتِكَ الَغرًّا لَنا مُقَلاً***يَكَادُ يأتي على إنْسانِها الرَّمَدُ

على أمل ذلك اليوم الذي تعود فيه من سفرك المحزن ، وبعودتك تتمتع عيون محبيك بالنظر لجمالك، وبنظراتك إليهم تزيل الغبار عن مرآة قلوب منتظريك . وبماء حياة ظهورك يبدل العالم إلى روضة العدل، وببريق سيفك تنتقم لدماء أمّك التي سالت على الأرض، وتأخذ بثأر إسقاط جنينها محسن علیه السلام من القتلة المشؤومين والأعداء الظالمين.

إن شاء الله

محمد حسين اليوسفي

ص: 8

مقدِّمة المؤلِّف

المحبة أو المودّة!

هل نحن نحب الزهراء سلام الله علیها وأولادها الطاهرين المعصومين ؟

هل آثار محبة بنت رسول الإسلام صلی لله علیه و آله وسلم - التي هي أقرب أهل بيته إليه- ظاهرة لنا ؟

هل أدينا أجر رسالة النبي الأكرم صلی لله علیه و آله وسلم الذي أراده الله منا في القرآن الكريم؟

الله هل فكّرنا بالفرق بين المودة والمحبّة ؟ ولماذا قال الله تعالى في القرآن الكريم: «قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1)، ولم يقل : إلا المحبة في القربى؟

أليست المحبّة هي المودّة؟

هل فكّرنا إلى الآن بخصوص محبّتنا لأهل بيت رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم الطاهرين المعصومين، وإلى أي حدَّ كنّا مسوؤلين عنها ؟

كلّ هذه أسئلة مهمة وقابلة للطرح جوابها يكمن بإدراك الحقيقة، ولها

ص: 9


1- سورة الشورى 42 : 23

ارتباط تامّ بالسعادة الأبدية للإنسان، والغفلة عنها تقرّب الإنسان من وادي الهلاك وسوء الحظّ.

قبل أن ندخل في الموضوع الأصلي، نذكر عدّة نقاط منها :

محبّة أهل البيت علیهم السلام جوهرة نفيسة

إن محبّة أهل بيت النبي صلی لله علیه و آله وسلم هي جوهرة ثمنية ولا يمكن الحصول عليها بسهولة؛ لأنّ لهذه المحبّة أرضيّة ومقدّمة وشروط ينبغي توفّرها للفوز بتلك المحبة.

أوّل شرط المحبّة هي : النطفة الطاهرة.(1)

كلّ جنين تُعقد نطفته طاهرة، فبأمر من الله تعالى تَسقى أرضيّته مطر المحبّة . نعم، إنّ العطف والمحبّة لأزهار سلّة عالم الوجود، هما الاكسير الأعظم الذي لو يَمُسُّ كلَّ موجود، يبدل نحاس وجوده ذهباً خالصاً.

وهما ماء الحياة لكل موجود حي يستفي منهما ويحيى حياة أبدية، وهما ملجاٌ محصَّنٌ وجبل شاهق أمام كلّ ما يواجه الإنسان من أهوال في حياته، فتهبانه الهدوء والطمأنينة.

وهما الشمس التي تشرق على كل القلوب فتذهبان بالظلام، وتنيران طريق الخلاص من الآبار المظلمة .

خلاصة: إن أصل وأساس كل الخيرات والبركات والإحسان والسرور، هم أهل هذا البيت الطاهر المقدّس .

ص: 10


1- دليلنا على هذا الكلام روايات كثيرة ، نشير إلى واحدة منها: عن الصادق علیه السلام العلم عن آبائه علیهم السلام قال : «قال رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم : مَنْ أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أولِ النّعم. قيل : وما أوَّلُ النّعم؟ قال: طيب الولادة، ولا يُحبّنا إلا مؤمن طابت ولادته». علل الشرائع : 141 / 1، الأمالي للشيخ الصدوق : 561 - 754/562، تهذيب الأحكام 4: 401/143 بتفاوت يسير شرح الاخبار :3 928/8

يبين الإمام العاشر علي الهادي علیه السلام شأن أئمة أهل البيت علیهم السلام في الزيارة الجامعة، عندما يُعلّم موسى بن عمران النخعي كيفية زيارتهم فيقول علیه السلام: «إنْ ذُكِرَ الخيرُ كُنتُمْ أوّلهُ وأصله وفرعهُ ومَعْدِنهُ ومأواه ومنتهاه».(1)

لذلك من أحبّ أهل البيت علیه السلام، فقد حصل على جميع الخيرات والبركات؛ لأنه ربط نفسه بمعدن وأساس كلّ الخيرات.

ويُشير إلى هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في حديث يرويه عنه أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «من رزقه الله حُبّ الأئمّة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يَشْكَنَّ أحد أنّه في الجنّة ...».(2)

حبّ أهل البيت علیهم السلام أجر الرسالة

تحمّل رسول الله الله مصاعب جمّة على طول 23 عاماً من عمر الرسالة . من أجل دعوة الناس لعبادة الإله الواحد ، وتبليغ تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

الكثير من أنبياء الله أيضاً تحمّلوا مصاعب تبليغ رسالاتهم، وأحياناً كانوا عندما يواجهون المصاعب من أممهم يدعون عليهم ويطلبون من الله أن يعاقبهم.

لكن نبينا صلى الله عليه و آله وسلم تحمل كلّ المصاعب والمشاكل الكبيرة التي واجهته من اُمتّه أفراداً وجماعات، ولم يطلب من الله عقوبتهم، بل العكس كان يدعو لهم بالهداية والغفران.

بدأ العداء الرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من داخل بيته من بعض أزواجه حتى وصل إلى السائرين خلف أبي جهل وأبي سفيان، فلقد آذوا رسول الله كثيراً، حتّى

ص: 11


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 616 ، عيون أخبار الرضا 1: 309، تهذيب الأحكام 6: 100، المزار للمشهدي : 533
2- الخصال: 515 ، روضة الواعظين: 271 ، بحار الأنوار :27 12/78

قال صلى الله عليه و آله وسلم: «ما أُوذي نبيٌّ مثل ما أُوذيت».(1)

كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم يدعو الناس لتوحيد الله وإلى الحق والحقيقة ولكنّ الناس شجّوا جبهته المباركة، وكسروا رباعيته ووصل بهم الأمر إلى أن قذفوه بالأوساخ وأفرغوا على رأسه ووجهه بطن شاة، وحقروه وطردوه، ونعتوه بالساحر ،والمجنون ونسبوا له الكذب، حتى أجبروه على خوض معارك متعدّدة معهم ، واستشهاد مجموعة كبيرة من أعزائه في هذه المعارك.

ففي معركة أحد وحدها فقد النبي صلى الله عليه و آله وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب و 72 من أفضل أعوانه وأصحابه، وتحمل جسده الشريف 72 جراحة، وكلّ المشاكل والمؤامرات والمصاعب كانت تأتيه من أعراب ذلك الزمان من سكنة البوادي التي لو بيناها لخرجنا عن هذه المقدّمة.

نعم، كان صلى الله عليه و آله وسلم مع كل هذا الأذى والإهانة التي توجه إليه من أمته، لم يدعو الله عليهم، بل كان يدعو لهم ، فكان يقول صلى الله عليه و آله وسلم: «اللَّهمَّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون».(2)

لهذا مدح الباري تعالى منزلة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ووجوده المبارك فقال تعالى في محكم كتابه: «وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ».(3)

وفي مقابل تحمّل النبي صلى الله عليه و آله وسلم كل هذه المصاعب الكبيرة ؛ أوجب الله سبحانه على الناس محبّة أهل بيته الطاهرين فقال: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».(4)

ص: 12


1- مناقب ابن شهرآشوب 3 : 42 كشف الغمة 3: 346 ، بحار الانوار 39: 56
2- الطرائف لابن طاؤس : 505 ، بحار الأنوار 95 : 167 ، مسند أحمد 1: 441 ، سنن ابن ماجة 2: 4025/1335 ، وفيه: ربِّ، بدل : اللّهمّ
3- سورة الأنفال 8: 33
4- سورة الشورى 42: 23

مع أن في آية أخرى تبين لنا أجر رسالة النبي صلى الله عليه و آله وسلم هكذا: «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً».(1)

في الواقع أن هذه الآية تبين النتيجة الحاصلة من العمل بآية المودة؛ لأن انتخاب الطريق الموصل الله تعالى برضائه ،وقبوله لا يكون إلا عن طريق مودّة أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقط . مع أنّ كلّ عمل لا يفتح طريق الإنسان نحو خالقه، إلّا أن يكون ذلك العمل مقبول عنده تعالى.

وبتعبير آخر ؛ لا يقبل الله عمل عامل إلا بولاية أهل البيت علیهم السلام، وأهل البيت هم الذين ذكرتهم آية المودة، وأمرت بحبّهم .

وهذا القول ورد في روايات كثيرة ومن الفريقين نذكر منها :

1 - عن سلام قال : سمعت أبا سلمى راعي النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «سمعت ليلة أُسري بي إلى السماء قال العزيز جلّ ثناؤه .... يا محمد! إنّي خلقتك وخلقتُ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين من شبح نور من نوري، وعرضتُ ولايتكم على أهل السماوات والأرضين، فمن قَبِلها كان عندي من المؤمنين ، ومَنْ جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد ! لو أنَّ عبداً من عبادي عبدنى حتى يتقطع ويصير مثل الشِّنِّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرتُ له حتّى يَقرّ بولايتِكُم.

يا محمد ! أتحب أن تراهم ؟

قلت: نعم يا رب.

فقال: التفتْ عن يمين العرش.

فالتفتُ فإذا أنا بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والمهدي علیهم السلام في ضحضاح من نورٍ ،

ص: 13


1- سورة الفرقان 25: 57

قيام يصلّون والمهدي في وسطهم كأنّه كوكب درّيٌّ .

فقال: يا محمد هؤلاء الحجج، وهذا الثائرُ مِنْ عترتك.

يا محمد! وعزتي وجلالي! إنّه الحُجّة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائى».(1)

2 - عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : « يا علي ! لو أنّ عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومُدَّ في عُمره حتى حجّ ألفَ عام على قدميه، ثمّ قُتِلَ بين الصفا والمروة مظلوماً، ثمّ لم يوالِك يا علي؛ لم يَشُمّ رائحة الجنّة، ولم يدخلها».(2)

3 - عن الحسين بن علي علیهما السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: أَلْزِمُوا مودَّتَنا أهل البيت، فإِنَّ مَنْ لقَى الله وهو يَوَدِّنا دخل الجنّة بشفاعتِنا، والذي نفسي بيده! لا ينتفعُ عبدٍ بعملِهِ إلا بمعرِفَةِ حقنا».(3)

لذلك فإنّ عباد الله ليس لديهم سبيل في كسب رضا الباري تعالى إلا سلوك طريق حبّ ومودّة أهل بيت النبي المعصومين علیهم السلام.

وهنا نكتة تستحق التأمل بدقة، وهي : إن نبينا صلى الله عليه و آله وسلم هو النبيّ الوحيد الذي

ص: 14


1- الغيبة للشيخ الطوس الطوسي: 147 - 109/148 ، وانظره بتفاوت يسير في : مقتضب الأثر : 9 - 11 الطرائف لابن طاؤس : 173 ، بحار الأنوار 36: 216 ينابيع المودة للقندوزي 3: 380
2- المناقب لابن شهر آشوب 3 2 وانظره في : بشارة المصطفى للطبري: 111/153 ، الصراط المستقيم للبياضي 2 : 49 ، الأربعين للشيرازي: 462 ، بحار الأنوار 27: 53/194 و 39: 256 ، الغدير 2: 302 ميزان الاعتدال للذهبي 3: 7757/597 ، لسان الميزان لابن حجر 5: 766/219
3- مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2: 587/100 ، وانظره بتفاوت يسير في: شرح الأخبار 3: 487 - 1413/488 ، الأمالي للشيخ الطوسي: 186 - 187 / 314 ، بشارة المصطفى: 162 ، بحار الأنوار 65: 7/101، ينابيع المودة 2: 775/272 ، المعجم الأوسط للطبراني 2 : 360 مجمع الزوائد للهيثمي 9: 172

جعل الله تعالى مودّة أهل بيته أجراً لأداء رسالته، وأعطى بقيّة الأنبياء أجورهم بصورة أخرى، وهذا المضمون نراه في آيات متعددة في القرآن يبين لسان حال عدد من أنبياءه فيقول : «وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ».(1)

وهذا أفضل دليل على شرف وعظمة خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله وسلم أعطاه الله سبحانه إياه . نعم، هو الوحيد الذي أمِرَ الناس أن يُحبّ أهل بيته كأجر لأداء رسالته.

الفرق بين المحبة والمودة

أشارت آية المودّة إلى نكتة لطيفة نطرحها على شكل تساؤل وهو :

لماذا أراد الله تعالى من أمّة خاتم الأنبياء المودّة وليس المحبّة، ولم يقل: إلّا المحبّة في القربي؟

ما الفرق بين المودة والمحبّة، أليست الكلمتان مترادفتين ؟

في الجواب على هذا التساؤل نقول : بالنظر إلى الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة ومصادر أهل اللغة يظهر أنّ المحبة بمعنى الحبّ المجرّد، والمودّة بمعنى إظهار الحبّ.

بعبارة أوضح : إن المحبّة حبّ واقع في القلب فقط ؛ لذلك لو نظر الإنسان إلى شيء يحبّه ويتلائم مع طباعه ويكون ذا فائدة له يميل بطبعه إليه ويقع حبّه في قلبه.

أمّا المودّة فهي مرحلة تأتي بعد المحبة بعد الانجذاب والميل القلبي، وهي السعي في إظهار المحبّة .

لذلك ترى الإنسان الذي يود محبوبه يتحدّث به أينما يذهب ويحلّ،

ص: 15


1- سورة الشعراء 26: الآيات 109 ،127، 145، 164، 180

يتفقّده ويحيي ذكره في قلبه، ويذكره في كل حديث أو في كلّ كتابةٍ، ولا يتوانى في التضحية بكل غال ونفيس من أجل سماع خبر عن أوصاف وصفات محبوبه، أو في نشر فضائله وكمالاته، ويسعى دائماً أن يكون في مقدّمة من يكسبون رضا المحبوب وتنفيذ متطلباته، ويبتعد عمّا يغضبه، ويؤدي أي عمل من شأنه أن يقربه أكثر من محبوبه كل هذا من أجل الفوز برضا المحبوب والدنو منه أكثر فأكثر.

والدليل على هذا المعنى : إنه لا توجد في القرآن الكريم آية تعبر عن حب العباد الله سبحانه بالمودة، لكن العكس صحيح، وهي قوله تعالى: «إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ»(1) ، وآية أخرى هى قوله تعالى : «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ».(2)

لعلّ استعمال كلمة المودّة بهذا المعنى يُشعر بأنّ المحبّ يراعي حال محبوبه من دون أن يلتفت لمصالحه الشخصيّة، ويصح هذا المعنى فقط بخصوص محبّة الباري تعالى لعباده، ولم تكن محبّة العباد الله تعالى بهذا المعنى، إلا عباد الله المخلصين وهم محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وهذا هو أحد الأسرار الخفية في تعبير الآية ب-: «المودّة» بدل المحبّة.

يقول الراغب الأصفهانى أحد الأعلام المعروفين : مودة الله لعباده ه-ي مراعاته لهم.(3)

المودة هبة الله

شاهد آخر على معنى المودّة المذكور سلفاً هو : إنّ الله سبحانه وتعالى عبّر

ص: 16


1- سورة هود 11: 90
2- سورة البروج 14:85
3- مفردات غريب القرآن: 517

عن المحبّة الشديدة بين الزوج والزوجة بالمودّة، حيث قال سبحانه:«وَ مِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».(1)

بلا شك أن المحبّة التي بين الزوج والزوجة ليست محبّة قلبية فقط ، ب-ل هي محبّة نابعة من القلب وتسري إلى كلّ أعضاء وجوارح الزوجين، حيث يُظهر كلّ منهما محبته للآخر عن طريق التضحية، وفي كثير من الأحيان تصل هذه المحبّة إلى أوجها بينهما، فيقدّم كلّ منهما تلبية طلبات محبوبه على أُمنياته، ويضحي من أجله بالغالي والنفيس، ويسعى الطرفان لإسعاد كل منهما الآخر.

وهذه هي المحبّة الشديدة التي زيّنها الله تعالى بتعبير«المودّة»التي أهداها للزوج والزوجة ؛ لكي يبدءا حياتهما على أساسها، ويحصلا على السعادة الأبدية من خلالها، ويتمكنا من تربية جيل صالح للمجتمع الإنساني، ويفكرا في ذلك ويدركا - في خضّم هذه المودّة الصميمية العلامات الكثيرة في إظهار قدرة الباري تعالى التى جعلها في آية المودة؛ إذ إنّه تعالى لم يقل عبثاً في آخر الآية: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» .

ولعلّ إحدى العلامات والتوجيهات الحسية في معنى المودة، التي جعلها الله تعالى أجراً لأداء الرسالة النبوية هي عبارة عن : التضحية من أجل المحبوب، وتلبية متطلباته، والسير قدماً نحو إسعاده؛ لذلك جعل الله سبحانه وظيفة عباده لأهل بيت نبيه علیهم السلام المودة.

وإذا أراد شخص ما أن يود أئمته ينبغي عليه أن يراعي أحوال تلك الذوات الطاهرة وأن يجدد العهد معهم، ويسعى لتحقيق أهدافهم ومرادهم، ويكون

ص: 17


1- سورة الروم 30: 21

دائم البحث عن سعادة ورضا من انتخبهم الباري تعالى، وأن يقدم ويُظهر ويفضّل محبتهم على محبّة أقربائه وذويه .

محبّة أهل البيت علیهم السلام فوق كلّ محبّة

والدليل على هذا العنوان هو قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه ويكون عترتى أحبّ إليه من عترته ...».(1)

إنّ في هذا الحديث نكتة لطيفة تُعتبر إحدى القوانين المسلّمة بها في وادي المحبّة وهي : عدم الاكتفاء في المحبّة الصادقة الصحيحة - بالمحبة القلبية ، بل في عرف كل الأمم والشعوب أنّ محبّة شخص للمقربين إليه مثل الزوج، الابن ، الأب، الأم - تتحقق عندما يُظهر تلك المحبّة علناً وبطرقٍ مختلفة.

على سبيل المثال: عندما يسعى ربّ العائلة الأب بكل جهده وما يستطيع عليه من توفير الطعام والملابس والسكن والطمأنينة لعائلته المكوّنة من الزوجة والأبناء، والزوجة بدورها تسعى بكل جهدها بالحفاظ على نظافة الأبناء والبيت وتهيئته للهدوء والاستراحة، ففي هذه الحالة تكون المحبّة بينهما مقبولة عند الجميع؛ لأنّهما يسعيان لتوفير كل متطلبات الطرف الآخر.

بالأخذ بهذا الأصل المسلّم، ينبغي أن تكون علاقة الإنسان بنبيه وأهل بيته علیهم السلام أكثر ارتباطاً ووثاقةً من علاقته بعائلته.

إذا أراد الإنسان أن يود أهل بيت نبيه علیهم السلام وليس حبّهم، ينبغي عليه أن لا يكتفي بالمحبة القلبية التي يكنّها لهم، بل عليه أن يُظهر تلك المحبّة بكلّ ما

ص: 18


1- مناقب أمير المؤمنين الكوفي 2: 619/134 ، وانظره في الأمالي للشيخ الصدوق: اهل 524/414 ، روضة الواعظين: 271، بحار الأنوار 17: 27/13 و 27 : 30/86 ، مجمع الزوائد 1: 88 کنز العمّال 1: 93/41 ، سبل الهدى والرشاد 11: 8

يستطيع ، ويكسب رضاهم، وأن لا يفكر في مصالحه الشخصيّة في هذا الطريق، بل ينبغي عليه في بعض الأحيان أن يضحي بكل ما يملك من مالٍ ونفس فداءً لأئمة الرحمة الإلهيّة وأهدافهم الطاهرة؛ حتى يحصل على سعادة الدنيا والآخرة، كأصحاب الإمام الحسين علیه السلام الذين بذلوا أعزّ ما لديهم من دون تردد وهي أنفسهم فداءً لمولاهم أبي عبدالله الحسين علیه السلام.

نعم، في هذه الحالة يكون الإنسان قد عَمِلَ بتكليفه تجاه أئمته وه-و مودتهم وهي عنوان لأجر الرسالة، ويكون بذلك قد حصل على الإيمان،

ويطلق عليه عنوان المؤمن.

وبهذا يتّضح سبب جَعْل الله سبحانه أجر الرسالة المودة وليس المحبّة.

تخويف شديد من أجل المودة!

من خلال الإيضاحات السابقة نعلم بأنّه لماذا وعد الله الذين يقصرون في هذا الأمر ويوبخهم ويتوعدهم بالعقوبة من خلال قوله تعالى: «قُلْ إِن كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالُ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ».(1)

إذن مَنْ أراد التوصل إلى حقيقة الإيمان ويحصل على كمال العرفان وينجو من عذاب الله في الدنيا والآخرة، ينبغي عليه أن لا يلتفت إلى نفسه في وادي المحبّة، بل عليه أن يطهرها من ملوثات حبّ النفس والدنيا، ويهيئ لنفسه حياةً طيّبة، ويجعل قلبه وعاءً لحبّ الله تعالى ورسوله وأهل بيته علیهم السلام ، وأن يفضّل حبّ هذه الذوات المقدّسة على حبّ كلّ قريب حتى عائلته.

ص: 19


1- سورة التوبة 9: 24

يقول العالم الكبير الجليل السيد ابن طاؤس في وصيّته لابنه محمّد :

... فكن في موالاته [الإمام المهدي علیه السلام] والوفاء له وتعلّق الخاطر به على قدر مراد الله جل جلاله ومراد رسوله صلی الله علیه و آله وسلم و مراد آبائه علیهم السلام ومراده علیه السلام منك ، وقدم حوائجه على حوائجك عند صلات الحاجات ... والصدقة عنه قبل الصدقة عنك وعمّن يعزّ عليك، والدعاء له قبل الدعاء لك، وقدّمه في كلّ خير يكون وفاءً له ومقتضياً لإقباله عليه وإحسانه إليك...(1)

نعم، فمثل هذا الإنسان يكون قد أدّى أجر رسالة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وقد حصل على حقيقة الإيمان والعرفان ومثل هذا الشخص يكون قد نفّذ أمر الله ورسوله بصورة عمليّة، وقد نجا بنفسه من عذاب الدنيا وبلاء الآخرة ونال السعادة والسرور.

نحن ومحبة أهل البيت علیهم السلام

ينبغي علينا الآن الرجوع إلى قلوبنا ونرى هل أنّ المحبة لأبنائنا وأزواجنا فيها ،أكثر أم محبّة الله ورسوله وأهل بيته المعصومين علیهم السلام؟!

بل هل أنّ عشقنا لأبنائنا وأزواجنا بنفس درجة عشقنا لأهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم المعصومين؟!

كما نسعى ونجاهد من أجل عزة وكرامة ورفعة أبنائنا، هل نسعى ونجاهد لعزّة وكرامة ورفعة محمّد وآل محمد علیهم السلام ليصل الأمر لتطبيقها عمليّاً؟!

عندما نسعى لإيجاد مكانة لنا في المجمتع ونكسب فيه محبوبية القلوب، هل سعينا لأن نجعل محبّة الزهراء وأولادها المعصومين سلام الله عليهم في

قلوب الناس وهل عملنا من أجل ذلك؟!

ص: 20


1- كشف المحجّة لثمرة المُهجة - الفصل 150 : 151 - 152

لو أنّ في برنامج حياة أيّ شخص تقديم محمّد وآل محمد علیهم السلام على مصالحه ومتعلقاته، يكون بذلك قد خطف كرة السعادة وهنيئاً له، وإذا لم يكن كذلك فليعيد النظر في برنامج حياته ويبدله وأن يضيء مصباح المودّة الواقعية في قلبه، وأن يسير في طريق السعادة الأبديّة الأصلي، أو أن ينتظر عقوبة الباري تعالى في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: «فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بأَمْرِهِ» (1) ، علماً بأن عقوبة الله تعالى فيها أقسام ومراحل ومراتب كثيرة وتوضيحها خارج سياق هذه المقدّمة.

نحو درجات المحبة العالية

اشارة

مطلب آخر في هذا السياق ينبغي الانتباه إليه وهو: إنّ المحبّة «المودّة» هي من الأفعال الاختيارية لأي إنسان، وإلا لم يأمر بها الله سبحانه ولم يجعلها أجراً لأداء رسالة نبيه صلی الله علیه و آله وسلم ، ولأن الله سبحانه لا يأمر بشيء هو خارج عن اختيار الإنسان، بل صار من الواجب على كلّ إنسان - بعد أن أبلغ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مسألة المحبّة - أن يتقبل ولاية الأئمة الطاهرين ومحبتهم ويكثر من حبّهم .

إذن بلا شكّ يستطيع كلّ إنسان أن يحصل على هذه المودة وأن يزداد بحبّه لهم ويحصل على درجات العلوّ . والآن ينبغي النظر كيف يمكن أن نحصل على تلك الدرجات العالية في المحبّة ؟

عوامل كثيرة مختلفة ومتعدّدة تساهم بشكل أساسي ومباشر في زيادة المحبّة، ونحن هنا نذكر منها ثلاثة وهي:

ص: 21


1- سورة التوبة 9: 34

1 - شكر النعمة

أوّل عامل من شأنه أن يزيد المحبّة هو شكر النعمة لذلك المقدار من المحبّة التي يمتلكها كلّ إنسان ؛ لأنّ إحدى أكبر نعم الله تعالى على الإنسان هو وجود الإمام المعصوم علیه السلام وقبول ولايته.

يقول الإمام الباقر في تفسير الآية: «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً».(1)

« أمّا النعمة الظاهرة فهو النبي وما جاء به من معرفة الله عزّ وجلّ وتوحيده. وأمّا النعمة الباطنة : فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا، فاعتقد - والله - قوم هذه النعمة الظاهرة والباطنة، واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوا باطنة ...».(2)

بالتعمق في هذا الحديث المبارك نستطيع القول: بأن النعمة الوحيدة التي ترتبط بها كل النعم التي أعطاها الله هي نعمة ولاية أمير المؤمنين وأولاده المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

من جانب آخر في يوم الغدير بعد أن أعلن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السلام خليفته ووصيّه وطلب منهم أن يقبلوا ولايته؛ نزلت الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا».(3)

يذكر الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد رواية في شأن نزول هذه الآية وهي:

عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، ، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلی الله علیه و آله وسلم بيد علي بن أبي طالب علیه السلام

ص: 22


1- سورة لقمان 31: 20
2- تفسير القمي 2 : 165 - 166 ، بحار الأنوار 24: 7/52، تفسير الميزان 16: 239
3- سورة المائدة 5: 3

فقال: «ألستُ وليَّ المؤمنين؟». قالوا: بلى يا رسول الله . قال: «من كنت مولاه فعلىّ مولاه»

فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»، ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كُتب له صيام ستين شهراً، وهو أوّل يوم نزل جبرئيل على محمد بالرسالة.(1)

إنّ الأمر الذي يُلفت الانتباه في هذه الرواية أن أبا هريرة مع كلّ العناد والعداء الذي يحمله يجعل ثواب صيام يوم الغدير ويوم المبعث واحداً. «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ».(2)

ويذكر العلّامة الأميني في الجزء الأول من موسوعته الغدير مصادر أخرى من أهل السنة فى شأن نزول هذه الآية التي تؤكد على تواتر وصحة

صدور حديث الغدير.

لقد اتضح بأنّ أكمل وأتمّ نِعَم الله على عباده هي نعمة ولاية أهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ومن جانب آخر ضَمِنَ سبحانه زيادة نعمه لمن يشكره من خلال قوله تعالى: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(3)، وهنا بيت شعر نذكر ترجمة معناه:

تشكر النِّعَم يُزيدها الله عليك***تكفر بها يُزيلها الله عنك

نستنتج من ذلك: إنّ الشكر مع المحبّة التي يحملها الإنسان توجب الزيادة في تلك المحبّة .

لقد قسّم العلماء الشكر إلى عدة أقسام وأوضحوها وهي الشكر القلبي،

ص: 23


1- تاریخ بغداد 8: 284
2- سورة ق 50: 37
3- سورة إبراهيم 14: 7

والشكر اللساني، والشكر العملي، وكلّ قسم منها يؤدّي إلى زيادة في النّعم، ولا مجال هنا لبيانهامفصلاً.

2 - اکتساب المعرفة

العامل المؤثر الثاني في زيادة المحبة هو معرفة أهل البيت علیهم السلام، لأنّ كلّما ازدادت معرفة الإنسان بأصحاب الكمال والجمال أكثر، ازدادت محبته وميله إليهم، ويكون متيّم بهم .

لو زادت معرفتنا بمقام الزهراء وأولادها المعصومين علیهم السلام ازدادت محبتنا لهم أكثر فأكثر .

لو عرفنا أنهم علیهم السلام العلة في خلقنا ، وإذا لم يكونوا لم يخلق الله أحداً في هذا العالم، ولا يعطي لأي موجود نعمة، فعندما رأى آدم علیه السلام الأنوار الخمسة سأل الله تعالى : مَنْ هؤلاء الأنوار ؟ فخاطبه الله تعالى :

(هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم لما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا

الكرسى ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن).(1)

نعم لو عرفنا سبب خلقتنا، وعلمنا أنّه لو لم يكن محمّد وآل محمد علیهم السلام لم يعطنا الله تعالى أي نعمة من نعمه - من نعمة الحياة إلى نعمة العقل وبقيّة نعمه تعالى.

ومن جانبٍ آخر، لو أدركنا وفهمنا حاجتنا لتلك الذوات المقدّسة عند الموت والقبر والبرزخ والقيامة وعند عرض أعمالنا على الله تعالى، ولحظة

ص: 24


1- انظره في شرح الأخبار 2: 500 ضمن الحديث 884، قصص الأنبياء للرواندي: 48، بحار الأنوار 27 : 5 ضمن الحديث ،10 ، الغدير 2: 300

عبورنا على الصراط وبقيّة المواقف المهولة في ذلك العالم أدركنا مدى احتياجنا لأئمة أهل البيت علیهم السلام وأن نجاتنا من تلك المواقف لا يكون إلا بهم .

لو أدركنا كلّ هذه المسائل جيّداً، وعلمنا أنّ محبّتهم تجلب لنا سعادة الدنيا والآخرة؛ يصبح حبّنا وتعلقنا بهم أكثر وتحفزنا هذه المعرفة والمحبة على أن تقدّم كلّ وجودنا لهم على طبق الإخلاص ؛ كي نستطيع أن نستقى من ذرات قطرات ماء معرفتهم ونصعد درجات العلوّ في محبّتهم وولائهم.

لا ننسى أن المعرفة هي أساس وأصل المحبة وهي تتوقف على هبة الله تعالى، بمعنى : إنّ الله سبحانه هو الذي يُعرِّف أنبياءه وأولياءه وحججه للناس. عن صفوان بن يحيى قال: سألت الرضا علیه السلام عن المعرفة، هل للعباد فيها صنع ؟ قال : «لا». قلت: لهم فيها أجر ؟ قال علیه السلام: «نعم، تطوّل عليهم بالمعرفة وتطوَّلَ عليهم بالصواب».(1)

يُستفاد من المصادر: إن الله تعالى قد عرَّف الأئمة المعصومين، وأوضح

وبيّن مقاماتهم ومنزلتهم لخلقه، لكن هناك من الناس من اعتقد بهم وعَرَفَهم وقَبِل ولايتهم، ومنهم من لم يقبل بهم وأنكرهم!

نقرأ في زيارة الجامعة هذا المقطع منها :

«... حتّى لا يَبْقَى مَلَكُ مُقرَّبُ ، ولا نَبيُّ مُرسَلٌ ولا صِدِّيق ، ولا شَهِيدٌ، ولا عالِمٌ

، ولا جاهل، ولا دَنِيُّ ولا فاضل، ولا مؤمن صالح ولا فاجِرُ طالح، ولا جبّارٌ عَنيدٌ، ولا شيطانٌ مَرِیدٌ ، ولا خَلقُ فيما بين ذلكَ شَهِيدٌ إِلا جَلالَةَ أَمْرِكُمْ، وعِظَمَ خَطَرِكُمْ وَكِبَرَ شَأْنِكُمْ وتَمامَ نُورِكُمْ وصِدْقَ مقاعِدِكُمْ ، وثَبَات مَقامِكُمْ ، وشَرَفَ مَحَلَّكُمْ ومَنْزِلَتِكُمْ عَنْدَه ، وكَرَامَتَكُمْ عَليه، وخاصَّتَكُمْ لَدَيه، وقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مَنهُ ...».(2)

ص: 25


1- تحف العقول: 444 - 445
2- من لا يحضره الفقيه، 2 : 613 - 614 ، تهذيب الأحكام 6 68 ، المزار للمشهدي : 529 - 530 ، بحار الأنوار 99: 130 مستدرك الوسائل 422:10

الخلاصة : لقد عرّف الله تعالى أولياءه وحججه لكلّ عباده، وبعد تلك المعرفة يهب سبحانه محبّتهم لأولئك الذين يريدون ويطلبون معرفتهم، وبما أنّ تلك المعرفة متوقفة على هبة الله تعالى فيمكن القول: إن أحد عوامل معرفة حجج الله تعالى هو التوسل الله جلّ وعلا والطلب منه أن يهب لنا معرفتهم، حيث نقول في مقاطع من زيارة الجامعة :

«... اللّهمَّ اللهمَّ إِنِّي لَوْ وَجَدتُ شُفَعَاءَ أَقْرَبَ إِلَيكَ مَنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأخيار الأئمّةِ الأبرار لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعَائِي، فَبِحَقِّهِمْ الَّذي أَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ أَسْأَلُكَ أنْ تُدْخِلَنِي في جُمْلَةِ العَارِفِينَ بِهِمْ ،وبحقِّهِمْ، وفي زُمْرَةِ المَرْحُومِينَ بِشَفَاعَتِهِمْ ، إِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».(1)

ونطلب من الله تعالى في دعاء عصر الغيبة، كما علم الإمام الصادق علیه السلام زرارة، حيث يقول علیه السلام: «يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فأدم هذا الدعاء : اللهمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، اللهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللهمَّ عَرَّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّقْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».(2)

يُستفاد من هذه النماذج من الأدعية والزيارات: إن قراءة الدعاء يؤدّي إلى المعرفة وبالنتيجة يؤدّي إلى زيادة المحبّة، فضلاً عن الآيات والروايات الكثيرة التي تعرّف الدعاء بأنّه مفتاح الوصول إلى الكمال الروحي.

3 - قراءة تاريخ أهل البيت علیهم السلام

العامل الثالث المؤدّي إلى زيادة المحبة وله تأثير كبير عليها هو قراءة

ص: 26


1- من لا يحضره الفقيه 2: 617 ، تهذيب الأحكام 6: 100 ، المحتضر : 124 ، بحار الأنوار 99: 133
2- الكافي 1: 5/337 باختلاف يسير ، كمال الدين وتمام النعمة : 342، الغيبة للشيخ الطوسي: 333 - 334 / 279 ، جمال الأسبوع: 314 ، بحار الأنوار 146:52

تاريخ حياة أهل بيت النبي علیهم السلام، والتعرف على الروايات الواردة في بيان فضائلهم وعلوّ منزلتهم؛ لأنّ تاريخ أهل البيت علیهم السلام مملوء بالكرامات والخصال الحميدة من الكرم والعفو وحسن الخلق وطيب المعاشرة، إضافة إلى العلم والزهد والإخلاص والشجاعة والسماحة وجميع الخصال الحميدة، ومن يطلع عليها من مصادرها الأصلية يميل قلبه إليهم حتى لو كان ذلك القلب صلباً من صخر؛ لأن الإنسان بطبيعته عطشان للخصال الحميدة، فتراه ينجذب إليهم بقوّة، كما يجذب المغناطيس الحديد، بعدما يقرأ تأريخهم ويذوب في ولايتهم.

من جانب آخر عندما يدخل الإنسان ولاية أهل البيت علیهم السلام فليعلم بأنه قد دخل حصناً حصيناً يردع عنه الشياطين، وحُفِظَ بأمان من فتن الدنيا والنجاة من عقاب الآخرة، وهذا الكلام هو مفهوم حديث قدسي وارد عن رسول الله له عن الله تعالى : «ولاية عليّ بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي».(1)

إضافة لذلك فإنّ إحدى طرق كسب المعرفة التي عرفتها بعنوان العامل الثاني من عوامل زيادة المحبّة - التعرّف على طريقة حياة وكمال هؤلاء الأئمّة المعصومين ، وهذا المعنى يحصل بطريقين:

1 - قراءة تاريخ حياة المعصومين علیهم السلام والتعرّف على كمالاتهم وفضائلهم.

2 - سماع أقوالهم علیهم السلام

مع أنّ أفضل طريق هو التعرّف بتلك الذوات المقدّسة عن قرب، وهذا الطريق غير مهيأ في زمن الغيبة، إلّا لبعض الأشخاص القلائل من شيعتهم الذين يتميزون بدرجة عالية من التقوى والطهارة من الذنوب، ويُظهرون محبّة

ص: 27


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 350/306، مناقب ابن شهر آشوب 2: 296، شواهد التنزيل 1: 181/170 ، بحار الأنوار 39: 1/246

إمام العصر أرواحنا فداه وبالتوسل الكثير وخدمة أئمتهم وشيعتهم استطاعوا أن ينالوا هذا الفيض العظيم.

شرح فضائل فاطمة الزهراء سلام الله علیها

في هذا الكتاب شرح الأربعين فضيلة من فضائل سيدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله علیها ، واستنادنا الأساسي لهذه الفضائل على أقوال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته الطاهرين علیهم السلام، والمذكورة في كتب الفريقين العامة والخاصة .

وفي بعض الأحيان نذكّر بأقوال المخالفين والمعاندين من باب:

ومناقبٌ شَهِدَ العدوّ بفضلها***والفضلُ ما شَهِدَت به الأعداءُ

الذين سعوا في إخفاء فضائل الزهراء وزوجها وأبنائها علیهم السلام، ولكنهم غفلوا عن أنّ فضائلهم هي كالشمس في رابعة النهار فلم يستطيعوا إنكارها أو إخفاءها، بل أجرى الله سبحانه تلك الفضائل على ألسنتهم من جيل إلى جيل ؛ لتصل لأولئك الذين يبحثون أكثر في محبة الزهراء سلام الله عليها، وبقراءة تلك الفضائل والتفكر بها يتذوقوا قطرة من بحر فضائلهم، ويزيدوا في رأس مال حبّهم لهم ، الذي هو أساس السعادة في الدنيا والآخرة.

ثواب نشر فضائل أهل البيت علیهم السلام وأقوالهم !

إن معرفة أهل البيت علیهم السلام ذ خصوصاً الزهراء سلام الله علیها - هي أساس كل الخيرات والبركات، ومنشأ الحصول على العلوم الإلهية والمعرفة الربانية والكمالات المعنوية، ولها مقام خاص في روايات الأئمة الطاهرين علیهم السلام من حيث التأثير على موفّقية الإنسان وقبول أعماله العبادية، بل العمل الذي يكون من دون معرفتها ومحبتها لا يساوي شيئاً، حتى أن أنبياء أُولو العزم علیهم السلام بمعرفتهم التامة

ص: 28

بالزهراء سلام الله علیها وأبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام استطاعوا الحصول بهذه المعرفة على منازل أكثر علوّاً، ونجوا بهم من البلايا.

ومن جانب آخر أن إحدى وظائف الشيعي -خصوصاً العلماء الأعلام - هي التعرّف أكثر فأكثر على تلك الذوات المقدّسة ونشر فضائلهم وتبليغها للآخرين، ولقد ذكرت في مصادرنا روايات كثيرة عن ثواب عظيم نصيب من يعمل على نشر فضائلهم، وعلى سبيل المثال نُشير إلى إحداها - والتي تُعتبر قطرة من بحر علم الزهراء سلام الله علیها، ومفتاح الطريق للعلماء والمحبّين نحو درجات الكمال - وهي:

قال الإمام العسكري علیه السلام: «وحضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله علیها فقالت: إنّ لى والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألكِ ، فأجابتها فاطمة سلام الله علیها عن ذلك، ثم ثنّت، فأجابت، ثمّ ثلثت فأجابت إلى أن عشرت فأجابت ، ثم خَجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقُّ عليكِ يابنت رسول الله .

فقالت فاطمة سلام الله علیها: هاتي وسلي عما بدا لكِ، أرأيتِ من اكتري يوماً يصعد إلى سطحٍ بحمل ثقيل وكراؤه مائة ألف دينار أيثقل عليه ؟ قالت : لا .

فقالت : أكثريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ ، سمعت أبي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : إن علماء شيعتنا يُحشرون، فيُخلع عليهم من خُلَع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتّى يَخْلَع على الواحد منهم ألف ألف خِلْعَة من نور.

ثم ينادي منادي ربّنا عزّ وجلّ:

أَيُّها الكافلونَ لأيتام آلِ محمّد الناعِشُونَ لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكُم والأيتام الذين كفلتموهُم ونَعَشْتموهُم

ص: 29

فاخْلعوا عليهم كما خَلَعْتُموهُم خِلَعَ العلوم في الدنيا .

فيَخْلَعُون على كُلِّ واحدٍ من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم مِنَ العلوم، حتّى أنّ فيهم - يعني في الأيتام - لمَنْ يُخْلَعُ عليه مائة ألف خِلْعة وكذلك يَخْلَعُ هؤلاء الأيتام على مَنْ تَعلّم منهم.

ثم إن الله يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتَّى تَتِمُّوا لهم خِلَعَهُم وتضعَفُوها. فيتُمُ لهم ما كان لهم قبل أن يُخْلَعُوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتِهم مِمَّن يُخْلَعُ عليه على مَرتَبَتِهِم ...».(1)

سبب تأليف الكتاب

إن الذي دعاني لتأليف هذا الكتاب هو وصول روايات كثيرة إلينا، لها صلة مباشرة بفضائل الزهراء سلام الله علیها، فيها بحوث عديدة قسم منها يحتوي على معارف عظيمة لها ارتباط بمنزلة سيدة نساء العالمين سلام الله علیها، بقيت هذه الروايات التي لا يتحملها أي شخص - بعيدة عن متناول العقول ؛ لأنها تحتاج إلى شرح وتفسير من قبل مختصين، كما أنّها تحتاج أيضاً إلى توضيح خفايا كلمات أهل البيت ، خصوصاً قسم من هذه الفضائل متناثر في روايات منقولة كثيرة، وكلّ واحدة من هذه الروايات الصادرة تناسب حال راويها، وتناسب أيضاً أُولئك الذين سمعوها في المجلس الذي صدرت فيه.

وبالنتيجة هذه الروايات تحتوي على أسرار تحتاج في فهمها إلى دقة عالية، والرجوع المكرّر إلى فقه الحديث، وكيفية الجمع بين الروايات، وهذه

ص: 30


1- تفسير الإمام العسكري : 340 - 216/341 ، منية المريد للشهيد الثاني : 115 - 116، الفصول المهمة 1: 600 - 939/601 ، بحار الأنوار 2: 3/3، مستدرك الوسائل 17: 317 - 21460/318

الأمور تكون صعبة لعموم الناس، وأحياناً تصعب حتى على البعض من أولئك المتمرسين بهذه العلوم ؛ بسبب كثرة مشاغلهم وانشغالاتهم.

على الرغم من أنّ بضاعتي العلميّة في هذا المجال ضيئلة هذا المجال ضيئلة وهي لا تمثل حتى قطرة في بحر ، لكن من باب ما لا يُدرك كُلُّه لا يُترك جُلُّه ، وعلى أمل الفوز بشفاعة سيدة نساء العالمين سلام الله علیها، ومن بركاتها أستمد التوفيق.

فجعلت أربعين فضيلة من فضائلها موضوع بحثي وشرحي وتفسيري والتي غالباً لم تُبحث، وبعملى هذا استطعت أن أفتح باباً من أبواب معرفتها

أمام الطالبين لمعرفة فضائلها سلام الله علیها.

وسيجد أُولئك الذين ليس لديهم معرفة بظاهر وباطن متن الروايات التي تحمل فضائل الزهراء سلام الله علیها ضالتهم ولو قليلاً، وأن لا يردوا ولا ينكروا فضائل بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بسبب عدم فهمهم لتلك الروايات؛ ممّا يؤدّي بهم الأمر - والعياذ بالله - إلى إنكار تلك الذوات المقدّسة وزرع روح الارتداد لديهم.

ومن الواضح أنّ الإنسان إذا عثر على روايات تحمل معانى كبيرة عالية أكثر من فهمه فعليه إما أن يذهب لفهم هذه الروايات - لأولئك الذين يعرفون معاني كلمات أهل البيت علیهم السلام والقادرين على الجمع بين تلك الروايات ويستشيرهم، أو أن يتوقف ولا يحكم على تلك الروايات، ويترك تفسيرها للمختصين بتلك العلوم.

لقد سعيت في هذا الكتاب إلى أن أشير إلى جانب من جوانب الفضائل المدرجة في كلّ حديث، وليس كلّ المطالب المذكورة فيه، على أمل أن أفتح باباً للتحقيق في فضائل أُمّ الأئمة سلام الله علیها أمام المحققين، وأن أوجد السبب عند أهل المعرفة في البحث عن سائر مقامات وكمالات سيدة النساء سلام الله علیها.

وبعد أن وفقني الله تعالى وأسعدني في تقديم هذه الخدمة الصغيرة

ص: 31

لسيدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله علیها، وأنا أقل خُدَّام ابنها صاحب الزمان أرواحنا فداه، ينبغي لي أن أقدم شكري لأولئك الذي ساعدوني وتحملوا مراحل طبع ونشر هذه المجموعة الحديثية، وفقهم الله لما فيه الخير والصلاح للدنيا والآخرة.

كما وأطلب من القرّاء الأعزاء - خصوصاً العلماء الأعلام والمؤلفين والمحققين الكرام - أن يسامحوني عن الأخطاء إن وُجدت بكل أشكالها وأن يعينوني لإصلاحها.

13 جمادى الأول 1421 ه

ذكرى شهادة فاطمة الزهراء سلام الله عليها

محمد حسين اليوسفي

ص: 32

الفضيلة الأولى: اسم فاطمة سلام الله علیها ينفي الفقر

اشارة

عن سليمان الجعفري قال : سمعت أبا الحسن الله يقول : « لا يدخُل الفقر بيتاً فيه اسم محمد، أو أحمد، أو عليّ، أو الحسن، أو الحسين، أو جعفر، أو طالب، أو عبد الله ، أو فاطمة من النساء».(1)

بركات اسم فاطمة سلام الله علیها

من جملة الأسماء المقدّسة المباركة المذكورة في هذه الرواية اسم «فاطمة» ، وإنّ التسمية بهذا الاسم المبارك لا يعني تحقق الفائدة التامة منه ، بل بحكم المقتضي في حال عدم وجود المانع الذي يمنع تحقق الفائدة المرجوّة من هذا الاسم المبارك، هذه الموانع هي الأعمال التي تجلب الفقر وقلة ذات اليد، والتي حذرت منها روايات كثيرة.(2)

ص: 33


1- الكافي 6 ،8/19 تهذيب الأحكام 7: 1748/438 ، عدّة الداعي : 77، وسائل الشيعة 21: 27395/396 ، بحار الانوار 101: 25/131
2- يراجع صفحة 37 - 41 من هذا القسم ؛ للاطلاع على الروايات التي تذكر أسباب الفقر

سيجد القارئ الكريم أنّ معظم آثار وبركات الأسماء المباركة الجميلة للأنبياء والأئمة الطاهرين علیهم السلام وأُمّهم فاطمة الزهراء سلام الله علیها الواردة في الروايات في الصفحات الآتية من الكتاب ؛ تتوقف هذه الآثار والبركات على شرط عدم اتخاذ موقف الضدّ من أهدافهم التي جاؤوا من أجلها، مثل: الاستهزاء بالعقائد الصحيحة، أو إنكار أحكام الله، أو التهاون في أداء واجبات الله كالصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة وكافة التكاليف الشرعية الأخرى، التي في أدائها سعادة الدنيا والآخرة للإنسان، وتوجب الحصول والفوز ببركات تلك الأعمال العبادية، وعدم رعايتها وأدائها يؤدّي إلى إيجاد الفقر والحرمان من الآثار المعنوية والخيرات الماديّة لكل عملٍ حسنٍ.

إضافة إلى أنّه ليس من المستبعد أنّ بعض عوامل الفقر تؤدّي إلى الحرمان العلمي والمعنوى أيضاً.

فعلى هذا نلاحظ أن في بعض العوائل على الرغم من وجود الأسماء المباركة مثل : محمد ، أو على، أو فاطمة ، لكن الفقر والحرمان مسيطر عليها !

لو دقّقت النظر هذه العوائل في تصرفاتها ستجد وترى الأسباب المؤدّية إلى فقرها وحرمانها والمانع من تمتعها بالغنى والثروة في حياتها .

إضافة لذلك، يفسّر البعض الفقر بصورة خاطئة، ويعرفون الفقير بأنّه: الذي لا يستطيع أن يوفّر متطلبات حياته اليومية. في حين أن الفقير في المصطلح الفقهي وروايات أهل البيت علیهم السلام يُطلق على : الذي لا يستطيع أن يوفّر قوت سنته، لكنّ الإنسان الذي لديه كسب مادي ثابت أو غير ثابت كراتب شهري مثلاً وباستطاعته أن يؤمن ضروريات حياته دون الاحتياج إلى غيره، لا يُطلق على ذلك الإنسان بأنه فقير، حتى لو أنه احتاج أحياناً إلى قرض أو ما شابه ذلك.

ص: 34

إذن الوقوع في خطأ فهم معنى الفقر والفقير يجب أن لا يؤدّي الأمر إلى التشكيك في الروايات التي تتناول الفقر والفقير.

من جانب آخر إن الذين أنعم الله عليهم بالثروة والنعم لكنّهم يُسرفون ويبذرون فيها ويصرفون أكثر ممّا يحتاجون إليه، فمثل أُولئك الأشخاص ينبغي لهم إعادة النظر في تصرفاتهم الحياتية بدلاً من أن يشككوا فى مثل تلك الروايات وأن يضعوا نصب أعينهم شعاراً يسيرون به حياتهم، وهو الاقتصاد في أموالهم بدل تبذيرها، وأن يلتزموا بقول أمير المؤمنين علیه السلام ويجعلوه شعاراً لهم ولعوائلهم، حيث يقول علیه السلام: «القناعةُ مالٌ لا يَنْفَدُ».(1)

لا ننسى بأن العوائل الفقيرة والتي فيها أسماء مباركة - لو لم تكن تحوي مثل تلك الأسماء المباركة ماذا كان سيحلّ بها ؟!

الغنى مع أسباب الفقر

ينبغي أن لا نغفل عن مطلب آخر له ارتباط بمثل تلك الروايات، وهو أنّه من الممكن أن نلاحظ بعض الأشخاص في المجتمع مع وجود أسباب الفقر عندهم لكنّهم يتمتعون بنعم كثيرةٍ، ولم يبتلوا بالفقر والحرمان! فمثل هذه الظاهرة ينبغي أن لا تزرع الشك عند المؤمن في الروايات التي تحذّر من

أسباب الفقر وتجعله يشكك بأنّ تلك الأسباب لا تؤثر على حياته ولا تمنعه من العوز والحرمان.

إنّ الأشخاص الذين يكون حالهم كذلك - أغنياء ولديهم أسباب الفقر -

ص: 35


1- نهج البلاغة - جمع محمد عبده - 4 : 57/14 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18: 55/192، تحف العقول: 100 ، روضة الوعظين: 454 وسائل الشيعة 15: 20508/278، بحار الأنوار 66: 128/411

غالباً ما يصل بهم الحال إلى مرحلة عدم الاعتناء والاهتمام بالأوامر الإلهيّة فمثل هكذا أشخاص يتركهم الله سبحانه في سبيلهم، بل ويزيد عليهم من نِعَمِهِ، وهذا في الحقيقة امتحان إلهي لهم؛ لكي يُثبت سبحانه بأنّهم لا يستحقون مثل تلك النّعم ، بل يستحقون العقوبة على سوء تصرفهم بتلك النّعم، وينقسمون هؤلاء إلى مجموعتين.

المجموعة الأولى: أولئك الذين يهبهم الله تعالى نِعَمَهُ ويُمهلهم ماذا يصنعون بها، فيسيؤون الاستفادة من تلك المهلة التي أمهلهم الله فيها، ولا يتوجّهون للباري الذي منحهم النّعم ، بل ولا يشكرونه ويسخّرون تلك النعم في معصيته ؛ فيسلب الله تعالى منهم النعم ويبتليهم في آخر عمرهم بأنواع البلايا والمحن حتى يروا عاقبة كفرهم بنعم الله في الدنيا.

وهذا النوع من العقوبات يجريها الله سبحانه على ضعفاء الإيمان أيضاً الذين لم يستفيدوا بصورة صحيحة من نعمة الإيمان، ويجعلها الله تعالى لهم كفّارة لذنوبهم في الدنيا .

المجموعة الثانية : أولئك الذين يتمتعون إلى آخر عمرهم بالنّعم، ولكن هذه النِّعم عليهم هي بمثابة استدراج لهم، كما قال تعالى في محكم كتابه: «وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ»(1)، وهذه المجموعة إمّا أن يكونوا كفاراً، أو مسلمين بمعنى يكون ظاهرهم مسلمين وباطنهم يكذب بآيات الله ويكفرون بنعمه.

إذن لا معنى لهذه النّعم عليهم - مع وجود عوامل الفقر في حياتهم - إلا زيادة عذاب الله لهم بعد الموت.

ومن جانب آخر فإنّ أفراد هذه المجموعة قد كفروا بالله تعالى، وكذّبوا

ص: 36


1- سورة الاعراف 7: 182

بآياته، ولم يمتثلوا لأوامره، أو أنّهم آمنوا ولم يُعيروا أهمية لواجبات الدين، التي منها عوامل الفقر. ولكن أفراد هذه المجموعة في بعض الأحيان يعملون أعمالاً حسنة تُعتبر إحدى العوامل المهمة في زيادة الثروة والغنى، مثل: صلة الرحم التي تفتح أبواب الرزق أمام الإنسان، ومن هنا يُعطيهم الله تعالى هذه الثروة في الدنيا، مع أنّه في الآخرة لا نصيب لهم من نعمه الأبديّة .

إضافة لذلك فإنّ الله تعالى حكيم وكلّ أفعاله لا تكون بدون حكمة، لكنّها خافية عن فهمنا وإدراكنا فمن الممكن لمصلحة معينة أن يعطي الله سبحانه إنساناً ليس لديه أي ارتباط بالدين ثروة كبيرة وبعد مدة يسلبها منه، أو أن لا يسلبها منه إلى آخر عمره، لكنه يؤاخذه في الآخرة ويعاقبه.

إذن ليس امتلاك الثروة - مع وجود أسباب الفقر في الحياة بدون سبب، بل هناك حكمة خاصة بخصوص كلّ شخص، لذلك فمن المفروض أن تلك المشاهدات لا تزرع لدينا الشكوك والتردد في الروايات الواردة في هذا المجال، ولا تُعتبر دليلاً لعدم تأثير عوامل الفقر في فقدان النعم الإلهية .

كما أنّ التوجّه نحو الأسماء الجميلة المباركة، كأسماء النبي وأهل بيته علیهم السلام خصوصاً اسم فاطمة سلام الله علیها، وإطلاقها على الأبناء من أجل زيادة الرزق ودفع الفقر لا يكون علة تامة لجلب الرزق وإزالة الفقر، بل تُعتبر جزءاً من أجزاء الغنى وعدم العوز، وبحكم المقتضي فإن شرطها وتأثيرها الأسماء - هو إزالة الموانع.

أسباب الفقر

تُقسم الروايات التي تُشير إلى أسباب الفقر (1) إلى عدّة أقسام :

1 - الذنوب، وارتكابها يوجب غضب الله تعالى.

ص: 37


1- كما في بحار الأنوار 73: 314

من الواضح أن أحد العوامل التي تقلّل وتمنع الرزق عن الإنسان وتجعله فقيراً هو ارتكاب الذنوب، فإنّ ارتباط الذنوب مع الفقر هو خارج عن نطاق العقل، لكننا نرى في روايات أهل البيت علیهم السلام الإشارة إلى استقباح العقل في ارتكاب الذنوب وتصديق ارتباطها بالفقر وقلة ذات اليد، خصوصاً إذا ارتُكبَت تلك الذنوب في المجمتع المسلم ومن قِبَلِ شيعة أمير المؤمنين علیه السلام.

ومن هذه الذنوب التي تورث الفقر هي:

*اليمين الفاجرة.

*الزنا.

*اعتياد الكذب.

*كثرة الاستماع إلى الغناء.(1)

*قطيعة الرحم.

*ترك الحج مع الاستطاعة .

*ترك زيارة قبر الإمام الحسين مع الاستطاعة.

*لعن الوالدين ،وأذيتهما والنداء عليهما بأسمائهما.

*الاستخفاف بالصلاة، وعدم الاهتمام بأوقاتها ورعاية شرائطها.

*البخل وعدم أداء حقوق الناس المالية.

*الإسراف وإهدار نِعَم الله .

*ارتكاب الذنوب بلا خوف وعدم التوبة منها

2 - المكروهات، أنّ هذه الأعمال ليست حراماً ، لكن الله تعالى نهى عن ارتكابها، وإضافة إلى أنّها مكروهة شرعاً لها آثار دنيوية أيضاً، وفي بعض

ص: 38


1- إن تعبير «كثرة الاستماع» في كلام المعصوم هي من العوامل التي تورث الفقر، وهذا لا يعني بأن قلة الاستماع إلى الغناء جائز ؛ فإنّ الحرام حرام قليله وكثيره ويجب اجتنابه

الموارد يُدرك العقل ضررها وارتكابها يؤدّي إلى قلة ذات اليد والتقليل من الأرزاق.

إن ارتكاب بعض هذه الأعمال يُظهر عدم اعتماد وتوكل الشخص المرتكب لها على الله تعالى الذي يرزق أهل السماء والأرض، يجعل من يشاء غنيّاً ويجعل من يشاء فقيراً.

بلا شك فإنّ الله تعالى يُحبّ عباده ويرزقهم إذا كانت أعمالهم وتصرفاتهم في حياتهم اليومية حاكية عن توكلهم واعتمادهم عليه سبحانه.

ومن جملة الأعمال التي تقلّل الرزق:

*ترك التقدير في المعيشة (عدم الاهتمام بالأمور المادية).

*عدم الطلب من الله تعالى الفضل والعافية.

*إظهار الفقر والعوز.

*إهانة الكسرة من الخبز.

*المشي قدام المشايخ.

*التكاسل في الأمور وعدم الاهتمام بها.

*الحرص على الدنيا.

*النوم بين العشاءين، وقبل طلوع الشمس.

*ردّ السائل الذكر بالليل.

*الوضوء في محلّ الاستنجاء.

*تعجيل الخروج من المسجد.

*البكور إلى السوق، وتأخير الخروج منه إلى العشى.

*شراء الخبز من الفقراء.

3 - الأعمال التي سُمّيت في الروايات من عوامل الفقر والحرمان، لكنّ العقل لا يصدقها ولا يُدرك تأثيرها، إلا أولئك الذين لهم ارتباط مع عالم

ص: 39

الغيب وما وراء الطبيعة، فكيف للإنسان العادي أن يُدرك تأثيرها لكن مع التقدّم العلمي للإنسان استطاع أن يُدرك مدى العلاقة

الفقر، وهذه الأمور هي:

*ترك القمامة في البيت.

*البول فى الحمام عرياناً.

*الأكل على الجنابة.

*ترك نسج العنكبوت في البيت

*التمشط من قيام.

*التخليل بكلّ خشب.

*إحراق قشر الثوم والبصل.

*غسل اليدين بالطين والتراب.

*خياطة الثوب على البدن.

*تجفيف الوجه بالذيل والكُمّ. الأكل نائماً.

*إطفاء السراج بالنفس.

*کنس البيت بالثوب.

*قص الأظفار بالأسنان.

*كثرة النوم عرياناً.

*كنس البيت بالليل.

*ترك القصاع والأواني غير مغسولة .

*الكتابة بالقلم المعقود.(1)

ص: 40


1- هو القصبة المستخدمة للكتابة، وفي وسطها عقدة

*الامتشاط بالمشط المكسور

*التعمّم من جلوس.

*التسرول نائماً .

*الجلوس على عتبة الباب .

ص: 41

ص: 42

الفضيلة الثانية: العناية الإلهية بأسماء فاطمة وأهل البيت علیهم السلام

اشارة

عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله علیه السلام: «لفاطمةَ تسعةُ أسماء عند الله عزّوجلّ: فاطمة، والصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزَّكيّة، والراضية، والمرضيّة، والمحدَّثة، والزهراء».(1)

الأسماء الجميلة لفاطمة سلام الله علیها!

إن الأسماء المذكورة في الرواية هي من اختيار الله تعالى لفاطمة سلام الله علیها، وتدلّ على:

أوّلاً: عِظم مقام ومنزلة سيدة نساء العالمين سلام الله علیها عند الله تعالى، كما وتبين أفضيليتها على نساء العالم.

ثانياً: إنّ كلّ واحد من هذه الأسماء يبيّن مقام من مقامات الزهراء سلام الله علیها، والتي ستتضح من خلال الأحاديث الآتية.

ص: 43


1- علل الشرائع : 3/178، الخصال: 3/414 الأمالي للشيخ الصدوق: 945/688، دلائل الإمامة : 79 - 19/80 ، بحار الأنوار 43: 1/10، بيت الأحزان : 24

لقد ذكر العلماء في كتبهم أسماء وألقاباً أخرى لبنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، والتي اشْتُقَّ أغلبها من روايات أهل البيت علیهم السلام، ونحن نذكر القسم الأكبر منها، وهي:

البتول، والإنسيّة، والحوراء، والعذراء، والمشكاة، والمطهرة، والمنصورة، والمعصومة، والميمونة ،والسيدة والنورية والسماويّة، والهانية، والحرّة، والتقيّة ، والنقيّة، والفاضلة، والعليمة ، والجميلة، والجليلة، والرشيدة، والعفيفة، والنبيلة، والقانتة والقانعة، والكئيبة، والكوثر، وريحانة النبي، ومريم الكبرى، والصدّيقة الكبرى، وسيّدة نساء الجنّة، وبضعة الرسول، وبقية النبوّة، وحبيبة المصطفى ، وحجّة الله الكبرى، وشفيعة الأمة، والعروة الوثقى، وفخر الأئمة ، وليلة القدر، ومشكاة الأنوار ووديعة الرسول، ووليّة الله العظمى.(1)

عناية الله وأهل البيت علیهم السلام بالاسم الجميل!

نرى هنا من اللازم التذكير بمطلبين وهما:

المطلب الأول: إن الاسم الأصلي للزهراء سلام الله علیها هو : فاطمة، والله تعالى ونبيّة وأهل بيته علیهم السلام لهم عناية خاصة بهذا الاسم، وأكثر الروايات المروية عن رسول الله وأهل بيته علیهم السلام الأطهار فى بيان فضائلها يعتمد على هذا الاسم وسيلاحظ القارئ مجموعة من هذه الروايات مثل: «فاطمة بضعةٌ منّي» «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة» ، «إنّ الله ليغضب لغضب فاطمة»و....

كما أنّ الوجوه والعلل لتسميتها باسم «فاطمة» هي نفس وجوه وعلل تسميتها بسائر أسمائها، تُرى أفضل الوجوه وتتحمّل أفضل الفضائل السيّدة النساء سلام الله علیها.

ص: 44


1- من أراد الاطلاع أكثر على سائر أسماء وألقاب وصفات وكنى الزهراء ، فليراجع كتاب عوالم العلوم 1/11: 95

المطلب الثاني: إن ثقافة تسمية الأبناء في الإسلام هي ثقافة أصليّة متجذرة عميقة، كما أن هذه التسميات لها آثار على نفسيّات وأفكار الأطفال، ولعظم هذا المطلب اختار الله تعالى اسم نبيّه وأهل بيته علیهم السلام بنفسه لهم؛ لأنّه يعلم مدى تأثير الاسم الذي يختاره لأشرف خلقه ليستطيعوا هداية خلقه وقيادتهم في الدنيا.

قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في وصيته الأمير المؤمنين علیه السلام: « يا علي ! حق الولد على والده أن يُحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً».(1)

لذلك فإنّ الآباء والأمهات الذين لا ينتخبون أسماء أهل البيت علیهم السلام الجميلة خصوصاً اسم فاطمة سلام الله علیها لأبنائهم بأعذار واهية باعتبار أن في بقية أفراد العائلة من يحمل تلك الأسماء، ويتوجّهون نحو أسماء الكفار وأعداء أهل البيت شاؤوا أم أبوا فإنّهم بعملهم هذا قد ضيعوا حقاً من حقوق أبنائهم عليهم، وابتعدوا بذلك عن الثقافة الشيعية ويظلمون أنفسهم وأبناءهم.

والبعض من أولئك الأباء والأمهات يتكلمون بكلام - بخصوص هذه الحالة - أشبه بالخرافة وكلام الأطفال من أنه حقيقة، مع أنّهم مثقفون ومتفتحون، وهذا مما يبعث الأسف للذين يحسبون أنفسهم من أتباع أهل البيت علیهم السلام في الوقت الذي ورد في أحاديثهم علیهم السلام بركات كثيرة لهذه

الأسماء، تشير إلى قسم منها:

الاسم المقدَّس وبركاته

1 - إن انتخاب اسم جميل للأبناء دليل على الصدق في محبة الله واتباع سنّة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وكسب محبّة ورضا الله وغفران الذنوب.

ص: 45


1- من لا يحضره الفقيه 4: 372 وسائل الشيعة 21: 389 - 27377/390، بحار الأنوار 74: 58

عن ربعي بن عبدالله قال علیه السلام: قيل لأبي عبد الله : جعلت فداك، إنا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟

قال: «إي والله وهل الدِّين إلا الحُبّ؟ قال الله: «إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ»(1)».(2)

لعلّ مراد الإمام لا من الاستدلال بهذه الآية هو : لو أنّ الإنسان يُحبّ الله تعالى، ينبغي عليه في تسمية أبنائه أن يتبع سنة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم، ويُطلق عليهم اسم حبيب الله وأسماء أهل بيته علیهم السلام - التي هي أفضل الأسماء عند الله تعالى - حتّى يرضى الله عنه ويُحبه ويغفر له ذنوبه .

2 - عندما يُنادى بالاسم الجميل المقدَّس، فإنّ الشيطان يذوب كما يذوب الرصاص ويتهاوى.

عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث - أنه قال لابن صغير «ما اسمك ؟» قال : محمّد ، قال : « بِمَ تُكنّى»؟ قال: بعلي .

فقال أبو جعفرعلیه السلام :«لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً شديداً، إنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي: يا محمد أو يا علي ذاب كما يذوب الرصاص، حتّى إذا سمعمنادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتز واختال».(3)

3 - كلّ عائلة فيها اسم نبي يبعث الله تعالى لهم مَلَك يسدّدهم ويرعاهم.

عن عليّ صلى الله عليه و آله وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: ما من أهل بيتٍ فيهم مَنْ اسمه اسم نبئ إلا بعث الله عزوجل إليهم مَلَكاً يسدّدهم ، وإن من الأئمة بعدي من ذرِّيَّتك

ص: 46


1- سورة آل عمران 3: 31
2- تفسير العياشي 1: 167 - 28/168 ، بحار الأنوار 101: 19/130
3- الكافي 6: 12/20، عدّة الداعي : 77، وسائل الشيعة 21: 27386/393 ، بحار الأنوار 101: 26/131

من اسمه اسمي ، ومَنْ هو سمّي موسى بن عمران ...».(1)

وفي حديث آخر:

عن عليّ علیه السلام قال: «إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : ما من أهل بيت فيهم اسم نبي إلا بعث الله عزّوجل إليهم مَلَكاً يقدّسهم بالغداة والعشيّ».(2)

4 - الدار التي فيها اسم محمّد تُقدَّس كلّ يوم.

عن أبي هارون مولى آل جعدة [عندما سمّى ابنه محمّداً]، قال له الإمام الصادق علیه السلام:«بنفسي وبولدي وبأهلى وبأبوي وبأهل الأرض كلهم جميعاً الفداء لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، لا تسبّه ولا تضربه ولا تُسيء إليه، واعلم أنّه ليس في الأرض دارٌ فيها اسم محمد ، إلا وهي تُقدَّس كل يوم».(3)

وبالإسناد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «ما من مائدة وضعت فقعد عليها من اسمه محمد أو أحمد، إلا قُدّس ذلك المنزل في كل يوم مرّتين ».(4)

5 - لا يدخل الفقر بيتاً فيه أسماء أهل البيت علیهم السلام، خصوصاً اسم فاطمة . عن الإمام الكاظم علیه السلام قال: «لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد، أو أحمد، أو عليّ، أو الحسن، أو الحسين، أو جعفر، أو عبدالله، أو فاطمة من النساء».(5)

ص: 47


1- كفاية الأثر : 154 ، بحار الأنوار 36: 197/336
2- الأمالي للشيخ الطوسي : 1012/453، وسائل الشيعة 21: 391 - 27383/392، بحار الأنوار 101: 14/129 ، تاریخ بغداد 14: 244
3- الكافي 6: 2/39 وسائل الشيعة 21: 27387/393
4- ) مسند زيد بن علي : 476 ، صحيفة الإمام الرضا : 20/88 ، وسائل الشيعة 21: 394 - 27393/395 ، مستدرك الوسائل 16: 328 ن 20050/329
5- الكافي 6 : 8/19 ، تهذيب الأحكام 7: 1748/438، وسائل الشيعة 21: 27395/396 بحار الانوار 101: 25/131

6 - مَنْ كان عقيماً وعاهد الله إذا رزقه ولداً يسمّيه محمّداً أو عليّاً ؛ رزقه الله تعالى ولداً.

عن سهل، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله علیه السلام ، أنّه شكا إليه رجل أنّه لا يولد له ؟

فقال له : «إذا جامعت فقل : اللهم إن رزقتني ولداً سمّيته محمّداً»، قال: ففعل ذلك فرُزق.(1)

وعن عمرو بن سعيد عن محمّد بن عمر بن عمر في حديث أنّه قال لأبى الحسن علیه السلام : وُلِدَ لي غلام، فقال: «سمّيته؟»، قلت: لا، قال: «سمّهِ عليّاً، فإنّ أبي كان إذا أبطأت عليه جارية من جواريه قال لها يا فلانة إنوي عليّاً فلا تلبث أن تحمل فتلد غلاماً».(2)

7 - مَنْ سمّى ابنه عليا يطول عمره

دخل ابن غيلان على أبي الحسن الرضا علیه السلام فقال له : بلغني مَنْ كان له حمل فنوى أن يسمّيه محمداً ولد له غلام، ثمّ سمّاه عليّاً؟

فقال: «عليٌّ محمدٌ، ومحمد علي شيئاً واحداً»، فقال: «مَنْ كان له حمل فنوى أن يسمّيه عليّاً وُلد له غلام»

قال : إنّي خلّفت امرأتي وبها حمل فادع الله أن يجعله غلاماً، فأطرق إلى الأرض طويلاً، ثم رفع رأسه فقال له: «سَمِّه عليّاً؛ فإنّه أطول لعمره»، قال الحسن بن سعيد: ودخلنا مكة فوافانا كتاب من المدائن أنه ولد له غلام.(3)

8 - الاسم الجميل يُبارك في الابن ويحفظه.

ص: 48


1- الكافى 6: 7/9 وسائل الشيعة 21: 377 - 27348/378
2- الكافي 6: 11/10، وسائل الشيعة 21: 27347/377
3- الكافي 6: 2/11 ، وسائل الشيعة 21: 27342/376

عن أبي عبدالله (الصادق) علیه السلام قال : «إذا كان بامرأة أحدكم حمل فأتى لها أربعة أشهر فليستقبل بها القبلة وليقرأ آية الكرسى وليضرب على جنبها وليقل : اللهم إنّي قد سميته محمداً ، فإنه يجعله غلاماً، فإن وفى بالاسم بارك الله فيه، وإن رجع عن الاسم كان الله فيه خيار، إن شاء الله أخذه وإن شاء تركه».(1)

9 - إذا دخل من اسمه محمد أو أحمد في مشورة قوم؛ حصلوا على الخير .

عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر من اسمه محمد أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم، إلا كان خيراً لهم».(2)

10 - صاحب الاسم الحسن يُدعى إلى النور.

عن أبي عبدالله علیه السلام قال : «قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: استَحسنوا أسماءَكم فإنّكم تُدْعَونَ بها يوم القيامة : قُمْ يا فلان بن فلان إلى نورك، وقُمْ يا فلان ابن فلان لا نور لك».(3)

11 - مَنْ اسمه محمد يدخل الجنة.

عن جعفر بن محمد، عن آبائه علیه السلام، عن ابن عبّاس قال: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ألا ليقم كلّ من اسمه محمّد فليدخل الجنة لكرامة سميه

محمد صلى الله عليه و آله وسلم».(4)

المستفاد من أمثال هذه الأحاديث ومن خلال الأدلّة : أنّ الذي يدخل الجنّة هو الذي تكون عقيدته سالمة ولديه تقيد - ولو نسبياً - بالأحكام الإلهيّة، إضافة إلى أنّه يحمل اسم محمّد ؛ لذلك اقتضى التنويه.

ص: 49


1- الكافي 6: 1/11، وسائل الشيعة 21: 376 - 27343/377 ، بحار الأنوار 49/86:101 وفيه ذيل الحديث
2- صحيفة الإمام الرضاء ال: 19/88 ، وسائل الشيعة 21: 27391/394
3- الكافي 6 : 10/19، وسائل الشيعة 21: 27375/389
4- كشف الغمّة 1: 29 وسائل الشيعة 21: 27393/395

12 - مَنْ انتخب أحبّ الأسماء إلى الله تعالى وهي اسم نبيه وأهل بيته الطاهرين علیهم السلام، له ولأبنائه؛ يكون قد تأسى بهم.

قال الإمام الباقرعلیه السلام لجابر: «يا جابر ! إذا أردت أن تدعو الله فيستجيب لك فادْعُهُ بأسمائهم؛ فإنّها أحبُّ الأسماء إلى الله عزّوجل».(1)

13 - ينبغي احترام وتقدير كلّ من يحمل اسم محمد وحفظ حرمته، وكذلك اسم فاطمة سلام الله علیها، كما سيأتي في الصفحات الآتية.

عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبّحوا له وجهاً».(2)

14 - البيت الذي فيه اسم محمد يصبح ويُمسي عن الإمام الرضا قال: «البيت الذي فيه محمّد يُصبح أهله بخير ويُمسون بخير».(3)

15 - إنّ التسمية بأسماء النبي وأهل بيته الطاهرين علیهم السلام الجميلة، هو الدليل على مودتهم وحبّهم، وهي إحدى مصاديق إظهار المحبة لهم ؛ لأنّ أُمنية كلّ مُحبٍّ أن يكون اسم محبوبه يجري على الألسن وينادون به دائماً .

من طرق تحقق محبّة أهل البيت هو إطلاق أسمائهم المباركة على الأبناء، فعندما ننادي أبناءنا الذين يحملون أسماء أهل البيت علیهم السلام، نكون بذلك قد زيَّنَّا البيت، وكذلك المدينة والبلد الذي نحن فيه، وغرسنا ذكرهم؛ لأن

ص: 50


1- الاختصاص للشيخ المفيد: 223، بحار الأنوار 22: 347 - 348 ضمن الحديث 63، مستدرك الوسائل 5: 5757/228
2- صحيفة الإمام الرضا : 19/88 ، بحار الأنوار 101: 8/128، وسائل الشيعة 21: 27390/394، مستدرك الوسائل 15: 17758/130 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19: 369 ، کنز العمال 16: 45198/418 ، الجامع الصغير للسيوطي 1: 706/109
3- بحار الأنوار 104 : 131/ 27 ، وسائل الشيعة 21: 27389/394

تلك الأسماء طاهرة ومباركة، ومن هنا نكون قد أعلنا صدقنا في وادي محبّة تلك الذوات المقدّسة الطاهرة علیهم السلام.

اسم فاطمة سلام الله علیها في الأسرة النبوية!

إن شدّة المودّة وإظهار الحبّ نراه في حياة الأئمة الأطهار علیهم السلام. وإذا تصفّحنا تاريخهم سنرى أنّ كلّ الأئمة علیهم السلام و قد زيّنوا أسماء أبنائهم بأسماء النبي وأهل بيته علیهم السلام، ولهم اهتمام خاص باسم فاطمة .

- سمّى الإمام الحسن علیه السلام اثنتين من بناته باسم فاطمة : إحداهما فاطمة الصغرى والأخرى فاطمة الكبرى. وكانت كلّ واحدة من أُمٍّ.

واثنين من أولاده سماهما باسم محمد، واثنين سمّاهما عليّاً - علي الأكبر وعلي الأصغر - وأحد أبنائه سماه باسمه ويُطلق عليه الحسن المثنى.

- سمّى الإمام الحسين علیه السلام بناته فاطمة وزينب، وسكينة، ورقية.

وسمّى ثلاثة من أولاده باسم عليّ، وهم عليّ الأكبر، الذي استشهد مع أبيه في كربلاء، وعليّ الأوسط، الذي هو الإمام زين العابدين ، وع-ل-ي الأصغر ، الذي استشهد في كربلاء وعمره ستة أشهرٍ.

كان الإمام الحسين علیه السلام يُحب أبيه أمير المؤمنين علیه السلام كثيراً، كما يظهر من الرواية الآتية :

عن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العرزمي قال: استعمل معاوية مروان ابن الحكم على المدينة، وأمره أن يفرض لشباب قريش، ففرض لهم، فقال علي بن الحسين علیه السلام: «فأتيته ، فقال : ما اسمك ؟ قلت : علي ابن الحسين، فقال : ما اسم أخيك ؟ فقلت : عليٌّ فقال : عليٌّ وعليٌّ ما يُريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلا سمّاه عليّاً ؟! ثمّ فرض لي، فرجعت إلى أبي فأخبرته ، فقال :

ص: 51

ويلي على ابن الزرقاء دباغة الأدم، لو وُلِدَ لي مائة لأحببت أن لا أُسمّي أحداً منهم إلا عليّاً».(1)

- سمّى الإمام السجاد علیه السلام لبناته فاطمة، والأخرى سمّاها باسم عمته أُمّ كلثوم، والثالثة سمّاها عليّة.

وسمّى أحد أولاده عبدالله، والآخر الحسن واثنين باسم أبيه الحسين أحدهما المعروف باسم الحسين ،الأصغر، وأحد أولاده سماه باسم جده أميرالمؤمنين عليّاً علیه السلام.

- الإمام الباقر علیه السلام أيضاً سمّى إحدى بناته فاطمة(2)، والأخرى زينب.

وسمّى أحد أولاده عبدالله، والآخ-ر ع-ليّاً، والثالث جعفراً، الذي هو الإمام الصادق علیه السلام.

- سمّى الإمام الصادق علیه السلام إحدى بناته فاطمة.

وسمّى أحد أولاده عبدالله، والثاني محمداً، والثالث عبّاساً، والرابع عليّاً ، وولده الكبير سمّاه إسماعيل، وسمّى الإمام بعده ،موسى، وهو الإمام الكاظم علیه السلام

- الإمام الكاظم علیه السلام، موسى بن جعفر ، كان له 37 ابناً حسب ما ذكره الشيخ المفيد(3) - 18 ذكراً، و 19 أُنثى ومن هؤلاء:

أربع من بناته سمّاهنّ فاطمة، وهنّ : فاطمة الكبرى التي هي المعصومة المدفونة في مدينة قم - وفاطمة الوسطى، وفاطمة الصغرى، وفاطمة أُخرى.

ص: 52


1- الكافي 6: 7/19 ، وسائل الشيعة 21: 27394/395، بحار الأنوار 8/211:44
2- في مسألة اسم فاطمة بنت الإمام الباقر التي يُراجع المصادر الاتية : تراجم أعلام النساء 2: 334 فيه إحدى رواة حديث سلسلة الفواطم إحقاق الحق 6: 282 ، أسنى المطالب : 49 - 50 ، الغدير 1: 197 ، العوالم 3: 166/120
3- الإرشاد للشيخ المفيد 2: 244

وسمّى بقية بناته بأسماء : رقية الكبرى ورقية الصغرى، وكثلوم، وزينب وأُمّ كلثوم، وخديجة، وعليّة، وميمونة - الاسمان الأخيران أسماء من الزهراء سلام الله علیها- وحكيمة .

وسمّى اثنين من أولاده بأسماء جده أحمد ومحمد، وعدة من أبنائه بأسماء آبائه وهم علي - وهو الإمام الرضا علیه السلام- وحسن، وحسين، وجعفر، وكما سمّى بأسماء أبناء الأئمّة مثل : عباس ،وعبدالله وقاسم.

للإمام الرضا علیه السلام وَلَدان، أُنثى ،وذكر الأنثى سمّاها فاطمة، والذكره الإمام محمد الجواد علیه السلام.

وللإمام الجواد علیه السلام أربعة ذكور، وأربع أناث، والأناث سمّاهنَ : فاطمة، وخديجة، وحكيمة، وأُمّ كتلوم ، ذكر البعض أن الإمام الجواد لديه ثلاث أناث أُخر، وهنّ زينب وميمونة - وهي من ألقاب الزهراء سلام الله علیها- وأُمّ محمد .

والذكور سمّاهم : عليّ -وهو الإمام الهادي علیه السلام- وموسى وعمران، اسم والد نبي الله موسى علیه السلام.

-وللإمام الهادي خمسة أبناء، أنثى واحدة وأربعة ذكور البنت سمّاها عليّة . والذكور سمّاهم : الحسن وهو الإمام العسكري علیه السلام- وحسين، ومحمد،وجعفر.

-وللإمام العسكري علیه السلام ولد واحد ، وهو صاحب العصر والزمان واسمه اسم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكنيته كنية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.(1) ، وهو الإمام الثاني عشر، وسيظهر

ص: 53


1- لمزيد التعرّف على أسماء أبناء الأئمة يراجع المصادر التالية: مناقب ابن شهر آشوب طبع دار الأضواء، بيروت - 4: 29 ، 77، 176، 210، 280، 324، 367، 380، 402، 421 ، الإرشاد للشيخ المفيد في حياة كل إمام، منتهى الآمال، ناسخ التواريخ الأجزاء المتعلقة بكل إمام

إن شاء الله ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلما وجوراً، وسيهتمّ بأولئك الذين خلدوا أسماء آبائه وأجداده وأطلقوها على أبنائهم، وبالخصوص جدّته الطاهرة المظلومة فاطمة الزهراء سلام الله علیها.

ص: 54

الفضيلة الثالثة : احترام اسم فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن السكوني قال : دخلت على أبي عبد الله علیه السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: «يا سكوني، ما غَمُّك»؟ فقلت : ولدت لي ابنة.

فقال: «يا سكوني، على الأرض ،ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجَلِكَ، وتأكل من غير رِزقِكَ». فَسَرى والله عنّي.

فقال: «ما سمّيتها» ؟

قلت : فاطمة .

قال: «آه آه آه»، ثمّ وضع يده على جبهته فقال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : حق الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفرة(1) أُمَّه، ويستحسن اسمه، ويعلٍّمه كتاب الله، ويظهره، ويعلمه السباحة. وإذا كانت أُنثى أن يستفرِهَ أُمَّها، ويستحسن اسمها، ويُعلّمها سورة النور ، ولا يُعلِّمها سورة يوسف، ولا يُنزلها الغُرفَ، ويُعجِّل سراحها إلى بيت زوجها. أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها، ولا تضربها».(2)

ص: 55


1- يَسْتَفْرِه: يَسْتَكْرِم . القاموس المحيط 4: 289 «فره»
2- الكافي 6: 6/48 ، تهذيب الأحكام 8: 387/112، وسائل الشيعة 21: 481 ، 483 / 27644 ، 27647

إنّ هذا الحديث الشريف يحتوي على مسائل قيّمة لا يسعنا هنا أن تُبيّنها كلّها، لكن تُشير إلى قسم منها وهي:

سلوك الجاهلية مع البنات!

المسألة الأولى: إن من أفكار الجاهلية أنّهم لا يقيمون للأناث أية قيمة، ويعتبرون وجودها أصل الفقر والبلاء، ويدفنونها حية بالتراب.

روي أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان لا يزال معتماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: « ما لك تكون محزوناً؟».

فقال : يا رسول الله ، إنّي أذنبت ذنباً في الجاهلية، فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت

فقال له :«أخبرني عن ذنبك».

فقال: إنّي كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفّعت إليَّ امرأتي أن أتركها حتى كبرت وأدركت وصارت من أجمل النساء، فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زواج، فقلت للمرأة: إنّى أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي، فسُرَّت وزينتها بالثياب والحُلي، وأخذت علي المواثيق بألا أخونها. فذهبت إلى رأس بئر فنظرت فى البئر ؛ ففطنت الجارية أنّى أُريد أن

ألقيها في البئر فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول: يا أبت إيشٍ تريد أن تفعل بي؟ فرحمتها ، ثمّ نظرت في البئر فدخلت عليَّ الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تُضيّع أمانة أمي، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة، وهي

تنادي في البئر : يا أبتِ قتلتني. فمكنت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت.

ص: 56

فبكى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وأصحابه، وقال: «لو أُمِرْتُ أن أُعاقب أحداً بما فعل فى الجاهلية لعاقبتك».(1)

هذا نموذج من قساوة الجاهليّة العمياء وتعصبهم - عبدة الأوثان - نحو البنات ونقل نموذج آخر باختصار عن عمر بن الخطاب، وليس من المستبعد أن يكون هو ذلك الرجل الذي ألقى ابنته في البئر ، لكنّ القرطبي ومن أجل رعاية عمر الخطاب لم يذكر اسمه، واكتفى بالرواية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم.

وفي رواية أُخرى نقلت باختصار من مصادر العامة التصريح باسمه، وفيها: إنّ عمر بن الخطاب كان جالساً مع بعض الصحابة، إذ ضحك قليلاً بكي فسأله من ،حضر فقال : كُنَّا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة فنعبده ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي. أما بكائي : فلانه كانت لي ابنة فأردت وأدها، فأخذتها وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي فدفنتها حيّة.(2)

تربية البنات في الإسلام!

حارب الإسلام هذه الأفكار الجاهلية منذ ظهوره، وشجع على تربية البنات،

ص: 57


1- تفسير القرطبي 7: 97
2- عبقرية عمر بن الخطاب لعباس محمود العقاد، ص 222 طبع المكتبة العصرية، مصر، الطبعة الأولى 1437 ه- يذكر النووي خلاصة هذه الحادثة في كتابه المجموع في شرح المهذب 19: 189 في باب وجوب الكفّارة على الكافر، فيقول: روي أن عمر قال: يا رسول الله ! إِنِّي وأدتُ في الجاهلية. فقال النبي : «اعتق بكل موؤودة رقبة». وبعدها يقول النووي: وهذا نص في إيجاب الكفّارة على الكافر

وذكر ثواباً كثيراً لتربية البنت العفيفة المحجّبة فى العائلة، خصوصاً لو انتخب لها اسم جميل، وعلّمها آداب الدين ؛ لذلك قلت هذه الأفكار بشكل ملحوظ في الأوساط العربية وغير العربية، وبقيت لها آثار خفيفة.

فعندما سأل الإمام الصادق علیه السلام عن السبب في غمّ السكوني، قال له : وُلدت لي ابنة !

قال الإمام علیه السلام في جوابه «على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك».

وقد صدرت روايات كثيرة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته في محاربة هذه الظاهرة - وأد البنات ونحن نُشير إلى بعض نماذجها :

بشر النبي صلى الله عليه و آله وسلم بابنة ، فنظر في وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم، فقال:

«ما لکم!ریحانة أشُمُّها ورزقها على الله عزّوجل».(1)

وقال صلى الله عليه و آله وسلم: «مِنْ يُمن المرأة أن يكون بكرها جارية».(2)

وفي حديث آخر عن حذيفة اليماني قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «خيرُ أولادكم البنات».(3)

وعن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «مَنْ دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّ من فرّح ابنته فكأنّما أعتق رقبة من ولد إسماعيل ...».(4)

ص: 58


1- من لا يحضره الفقيه 3: 4693/481 ، بحار الأنوار 101: 90 - 3/91، وسائل الشيعة 21: 27314/464 ، مستدرك الوسائل :15 7714/117
2- دعائم الإسلام 2: 720/196 ، بحار الأنوار 101: ،64/98 ، مستدرك الوسائل 16782/304:14 ، وانظر: الكامل لابن عدي 6: 302 میزان الاعتدال 2 : 3043/109
3- بحار الأنوار 101: 6/91 ، مستدرك الوسائل 15 : 17708/116 ، الكامل لابن عدي 6: 169
4- ثواب الأعمال: 201 ، الامالي للشيخ الصدوق 672 ، بحار الانوار 101 : 2/69 ، وسائل الشيعة 27728/514:21 ، مستدرك الوسائل 15: 17715/118

وفي رواية يحثُ النبي صلى الله عليه و آله وسلم الناس على مساعدة مَنْ وُلِدَ له أربع بنات.

قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :«.... ومن كان له أربع بنات فيا عباد الله أعينوه، ي-ا عباد الله ،أقرضوه يا عباد الله ارحموه».(1)

وعن أبي عبدالله قال علیه السلام: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: مَنْ أعالَ ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات وجبت له الجنّة». فقيل : يا رسول الله واثنتين ؟ فقال : «واثنتين» . فقيل: يا رسول الله وواحدة ؟ فقال : «وواحدة».(2)

وهناك روايات أُخر صادرة عن النبي وأهل بيته علیهخم السلام في أبواب مختلفة من المصادر(3)، الغاية منها منع هذه الأفكار الجاهلية التي للأسف لا تزال قائمة في الكثير من العوائل والمدن إلى الآن.

تربية الأبناء في مدرسة أهل البيت علیهم السلام!

المسألة الثانية: إن تربية الأبناء هي إحدى وظائف الآباء والأمّهات، خصوصاً مراعاة الحجاب وعفة البنات التي أشارت إليها الرواية، فإنّ الآباء عليهم قبل السعي في تهيئة الطعام واللباس وتلبية مستلزمات الأبناء أن يفكروا في تربية وتديّن الأبناء ومحبّتهم.

قال الله تعالى في محكم كتابه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ».(4)

إحدى تأكيدات الله تعالى فى هذه الآية هى التربية الصالحة للأبناء لو غفل

ص: 59


1- من لا يحضره الفقيه 3: 482 ضمن الحديث 4697 ، ثواب الأعمال: 202 بتقديم وتأخير، بحار الانوار 104:101 ضمن الحديث 101
2- الكافي 6 : 10/6 ، من لا يحضره الفقيه 3: 4698/482 ، وسائل الشيعة 21: 27305/361
3- لمزيد الاطلاع يُراجع : الكافي 6 : 4 - 7 وسائل الشيعة 21: أحكام الأولاد الأبواب 4 - 7
4- سورة التحريم 66 : 6

عنها الآباء والأمهات، فإنّ الأطفال عادة لا يمتلكون الإدراك الكافي، ولو تُرِكوا من غير توجيه وتربية صالحة ليس ببعيد أن ينجروا نحو الانحرافات العقائدية والعملية، وتكون عاقبتهم عذاب جهنّم.

ومن هنا فإنّ أهمّ عامل لحفظ الأطفال من الانحرافات الفكرية والعملية هو تعليمهم القرآن وروايات أهل البيت علیهم السلام وتاريخ حياتهم، فهي مليئة بالثمار التي منها:

أوّلاً: تزرع حب الله وأولياءه في قلوبهم، وتمنع عنهم كلّ محبّة تنافي محبّة أهل بيت النبي علیهم السلام

ثانياً: تجعل الأبناء يعرفون واجباتهم الفردية والاجتماعية في جميع المجالات إضافة لذلك، فإنّ على الآباء والأمهات وضع برامج شيقة وجذابة ومتوالية لفلذات أكبادهم - الذين سيفتخرون بهم عبر التاريخ - من أجل تعريفهم بأمير المؤمنين والزهراء وأبنائهما المعصومين علیهم السلام، وهدايتهم نحو المولى صاحب العصر والزمان والطلب منه أن يرعاهم ويغذيهم من مدرسة أبائه وأجداده علیهم السلام.

ومن أجل إكمال هذا البحث، نُشير إلى بعض الأحاديث المشوّقة التي تفتح الطريق أمام الآباء والأمهات وهي:

عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مرّ عيسى بن مريم علیهما السلام بقبر يُعذَّب صاحبه، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو لا يُعذَّب، فقال يا ربِّ مررت بهذا القبر عام أوّل وهو يُعذَّب ومررت به العام فإذا هو ليس يُعذَّب ؟ فأوحى الله إليه : إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً، وأوى يتيماً، فلهذا غفرت له بما عَمِل ابنه .

ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : ميراث الله عزّوجل من عبده المؤمن ولد يعبده من

ص: 60

بعده، ثم تلا أبو عبدالله علیه السلام آية زكريا (ربِّ) : «فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا»«يَرثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا».(1)»(2)

وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «أكرموا أولادَكُم وأحْسِنوا آدابهم يُغْفَرْ لكم».(3)

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه و آله وسلم: «لأن يؤدِّب أحدكم وَلَدَه خيرٌ له من أن يتصدّق بنصف صاع كلّ يوم».(4)

ويبين الإمام الصادق علیه السلام في حديث - كيفية وزمان تأديب الأبناء، حيث يقول علیه السلام: الغلام يلعب سبع سنين ، ويتعلَّم الكتاب سبع سنين ، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين».(5)

وفي حديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يبين فيه أثر تعلم القرآن للأبناء:

عن أبي عبدالله علیه السلام قال : «قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: مَنْ قَبَّلَ ولده كَتَبَ الله له حسنة، ومَنْ فَرَّحَهُ فرَّحَهُ الله يوم القيامة، ومَنْ عَلَّمه القرآن دُعي بالأبوين فكسيا حُلّتين تُضيء من نورهما وجوه أهل الجنة».(6)

والإمام الباقرعلیه السلام بإسناده عن علي علیه السلام - في حديث الأربعمائة - قال علیه السلام: «عَلِّموا

ص: 61


1- سورة مريم 19: 65
2- الكافي 6: 12/3 ، وسائل الشيعة 21: 27298/359
3- بحار الانوار 101 : 44/95 ، وسائل الشيعة 21: 27629/476 ، مستدرك الوسائل 15: 17883/198 ، سنن ابن ماجة 2: 3671/1211 ، الجامع الصغير 1: 211 /1419 ، كنز العمّال 16: 45410/456
4- مكارم الأخلاق: 222 ، وسائل الشيعة 21: 42628/467 وانظره في المستدرك للحاكم النيسابوري 4 : 263 ، المعجم الكبير للطبراني 2: 246 كنز العمال 16: 45537/461
5- الكافي 6: 3/47 تهذيب الأحكام 8: 380/111 وسائل الشيعة 21: 474 - 27621/475
6- الكافي 6: 1/49 وسائل الشيعة 21: 27623/475

صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله ،به لا تغلب عليهم المرجئة(1) برأيها».(2)

نعم، ينبغي علينا أن نربّي أبناءنا على حبّ أمير المؤمنين علیه السلام، لينالوا سعادة الدنيا والآخرة، وفى هذا الخصوص يقول أبو الزبير المكي: رأيت جابراً متوكياً على عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم، وهو يقول: «عليٌّ خير البشر، فَمَنْ أبى فقد كَفَر»

يا معشر الأنصار! أدِّبوا أولادكم على حبّ عليّ، فَمَنْ أبى فانظروا في شأن أُمّه.(3)

وعن أبي الزبير عن جابر قال : قال أبو أيوب الأنصاري: أعرضوا حُبَّ على على أولادكُم فَمَنْ أحبَهُ فهو منكم ، ومن لم يحبّه فاسألوا أُمه من أين جاءت

به، فإنّي سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب علیه السلام: «لا يُحِبُّكَ إِلا مؤمنٌ ولا يُبْغِضُك إلا منافقٌ أو ولد زنيةٍ، أو حَمَلتهُ أُمُّه وهي طامثٌ».(4)

وهنا سؤال يطرح نفسه وهو: هل نستطيع أن نترك أبناءنا يأخذون ثقافتهم وعلومهم مِن أيّ كان حتى ولو كان يحمل أفكاراً مخالفةً لمذهب أهل البيت علیه السلام، أم لا؟

ص: 62


1- يقول العلّامة المجلسي في تعريف المرجئة فرقة من المخالفين يعتقدون أنه لا يَضُرّ الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر ،طاعة، سمّوا مرجئة؛ لأنهم قالوا إن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي، أي أخره. وقد يُطلق على جميع العامة؛ لتأخيرهم أمير المؤمنين عن درجته إلى الرابع. بحار الأنوار 33: 18
2- الخصال: 614 ، وسائل الشيعة 21: 27634/478
3- علل الشرائع 1: 4/142 ، الثاقب في المناقب : 123/124 ، المسترشد للطبري: 8/275، بحار الأنوار 39: 108/300 ، ينابيع المودة 2: 784/274 ، كنز العمال 11: 33045/625
4- علل الشرائع 1: 12/145 ، بحار الأنوار 39: 110/301 وسائل الشيعة 2: 2243/319، ، الفصول المهمة 3: 290 - 2965/291

والجواب عن هذا السؤال يكمن في الحديث الآتي:

عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له : إنا نأتي هؤلاء المخالفين فنسمع منهم الحديث فيكون حجّة لنا عليهم، فقال: «لا تأتهم، ولا تسمع منهم لعنهم الله ولعن مللهم المشركة».(1)

تعلِّمنا هذه الرواية، حتى لسماع الحديث لا ينبغي لنا أن نذهب لمخالفي أهل البيت علیه السلام؛ لأن الفكر الذي يحمله الأستاذ أو المعلم له تأثير كبير على أفكار وتصرفات الطالب، خصوصاً لو وَجَدَ الأُستاذ ط-ريقاً له إلى ق-ل-ب الطالب، وأخذ الطالب يُحبّ أستاذه، ففي هذه الحالة يستطيع الأستاذ أن يزرع أفكاره وتصرفاته في قلب الطالب ويُسقيها وينميها ، وتتضح ثمار ذلك الزرع خلال أيّام عمر الطالب، وتنعكس على عقائده وتصرفاته.

وفى بعض الأحيان يعمد المخالفون إلى بعض الأحاديث الصحيحة ويحذفون منها ما خالف عقيدتهم، ويتصرفون فى بعض ألفاظها، ويفسرونها على طبق عقيدتهم، أو يضعون أحاديثاً في أهل البيت علیه السلام لا تتوافق مع العقل والشريعة؛ ليقللوا من شأنهم وليخدشوا بهم وليعرفوا للناس بأنهم - والعياذ بالله - أئمّة ضلال.

لذلك يقول الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في وصيته - لابنه الحسن علیه السلام :

«إنّما قلب الحَدَثِ كالأرضِ الخاليةِ ما أَلْقِيَ فيها مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ».(2)

فلذلك ينبغي على الآباء والأمهات الذين يحرصون على أبنائهم- أن

ص: 63


1- مستطرفات السرائر : 565 ، وسائل الشيعة 21: 27623/477، بحار الأنوار 1/216:2
2- خصائص الأئمة للشريف الرضي: 116، تحف العقول: 70 ، عيون الحكم والمواعظ : 179، بحار الأنوار 1: 12/223، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 66 ، كنز العمال 16: 169 ضمن الحديث 44215.

يهتمّوا اهتماماً بالغاً بأفكار وتصرفات أبنائهم منذ سنين الطفولة، وأن يعرفوهم بمذهب أهل البيت علیهم السلام، ويزرعوا حُبّهم في قلوب أبنائهم، وأن يعرفوهم بإمام زمانهم؛ لكي لا يقعوا فريسة للمحتالين والشياطين ومبشري مذاهب الكفر والإلحاد.

تذكّر الأئمة علیهم السلام لأمهم الزهراء سلام الله علیها

المسألة الثالثة : ينتاب الأئمة المعصومين علیهم السلام الغمّ والكآبة والحزن كلّما تذكروا أُمّهم الزهراء سلام الله علیها، ويتحسّرون ألماً وتجري دموعهم بغزارة؛ حزناً لما أصاب أمهم المظلومة سيدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله علیها، وفي بعض الأحيان ينادونها من أعماق قلوبهم ؛ ليخففوا الحسرة التي تعتصر قلوبهم.

في الحديث الذي ذكرناه سابقاً يسأل الإمام الصادق علیه السلام السكوني عندما وُلدت له ابنة قال له علیه السلام: «ما سمّيتها ؟». قال: فاطمة .

قال: «آه آه آه»، ثمّ وضع يده على جبهته، ثمّ قال لي: «أما إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها».

وكأنّ المصائب الذي أصابت الزهراء سلام الله علیها تتجسّد أمام عيون أولادها عندما يسمعون بذكرها، ويوصون باحترام اسم فاطمة وتكريمها .

نعم، هكذا يتذكر أئمتنا المعصومون علیهم السلام أمهم الزهراء سلام الله علیها، ففي الرواية المنقولة عن الإمام الكاظم علیه السلام، عندما يذكر وصايا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في اللحظات الأخيرة من عمره الشريف، وحينما يصل إلى هذه الفقرة:

«... ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي فمن هتكه فقد هَتَكَ حجاب الله» .

قال عيسى بن المستفاد الضرير - الرواي للرواية : فبكى أبو الحسن علیه السلام طويلاً، وقطع بقيّة كلامه، وقال: «هُتِكَ واللهِ حِجابُ الله، هُتِكَ واللهِ حِجابُ الله،

ص: 64

هتِكَ واللهِ حِجابُ الله يا أمّه صلوات الله عليها».(1)

نموذجاً آخر نرى فيه الاضطراب وكيفية نداء الأم من الإمام الباقر علیه السلام.

عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم علیه السلام في حديث - قلتُ : جُعلتُ فداك ! إن أذِنتَ لي حَدَّثْتُكَ بحديثٍ عن أبي بصير، عن جدّكَ، أنّه كان إذا وَعَكَ استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان: ثوبٌ فى الماء البارد وثوب على جسده يُراوِحُ بينهما، ثمّ ينادي حتَّى يُسْمَعُ صوته على باب الدار : « يا فاطمة بنت محمد!». فقال: «صَدَقْتَ».(2)

ص: 65


1- بحار الأنوار 22: 477 ضمن الحديث 27
2- الكافي 8: 87/109، وسائل الشيعة 2: 2557/431 ، بحار الأنوار 59 : 31/102

ص: 66

الفضيلة الرابعة: أسرار اسم فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن الرضا علیه السلام، عن آبائه علیه السلام قال : «قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : إِنِّي سَمَّيتُ ابنتي فاطمة ؛ لأنّ الله فَطَمَها وفَطَمَ مَنْ أَحَبَّها من النار».(1)

ص: 67


1- بحار الأنوار 43: 4/12 ، عوالم العلوم 1/11 : 73 وذكرت هذه الرواية في مصادر أخرى منها : صحيفة الإمام الرضا : 22/89، بشارة المصطفى : 209 ذيل الحديث ،33، بحار الأنوار 68: 66/133 ، إحاق الحق 10: 20. ومن مصادر العامة : فرائد السمطين 2: 384/57 ، مقتل الحسين الله للخوارزمي: 51ط الغري. ونُقلت أيضاً باختلاف يسير في الألفاظ وبأسانيد متعدّدة عن ابن عباس أبي هريرة ، سلمان وغيرهم في مصادر أخرى منها : كنز العمّال 12 : 34227/109 ، تاریخ بغداد 12: 331 ينابيع المودة : 240 ، إسعاف الراغبين: 118، الصواعق المحرقة: 230، مشارق الأنوار للحمزاوي : 107، المناقب لابن المغازلي: 62/65 ، ذخائر العقبى للطبري : 26 ، مفتاح النجاة للبدخشي : 100 ، مخطوط، نور الابصار للشبلنجي: 41 ط- مصر ، جواهر العقدين للسمهودي عن ينابيع المودة: 397ط اسلامبول، شرح الجامع الصغير للمناوي : 328 ط- مصر، فيض القدير 1: 206 ط- القاهرة، رشفة الصادي للحضرمي : 47 ط مصر ، أرجح المطالب : 240 ط- لاهور، وسيلة المآل للحضرمي : 78 ط المكتبة الظاهرية دمشق الشرف المؤبد : 54 ط- مصر ، وغيرها كثير لا يسع المجال أكثر من هذا، ومن أراد مزيد الاطلاع فليراجع كتاب إحقاق الحق 16:10 - 24

لماذا اسم فاطمة؟

ذُكِرت للجواب عن هذا السؤال في الروايات وجوه مختلفة، ولعلّ كلّ هذه الوجوه هي مقصود الله تعالى من التسمية، فإنّ الله تعالى اشتق هذا الاسم من اسمه وجعله لحبيبته، وخلفاؤه النبي وأهل بيته - ذكروا هذه الوجوه لبيان العلة في تسميتها سلام الله علیها باسم فاطمة. لكن قبل بيان جهات التسمية تُذكِّر بأنّ :

فاطمة مشتقة من : فَطَمَ يَفْطُم ، بصيغة اسم فاعل. بمعنى: منع الطفل من الرضاعة ؛ ثمّ أُطلق هذا الاسم لكلّ قطعٍ ومنعٍ .

وعليه فإن كان اسم فاطمة بمعنى : القاطع والمانع، فهو اسم فاعل، وإذا أردناه باسم مفعول فهو بمعنى المقطوع والممنوع. فما هو المقطوع منه وما هو الممنوع عنه ؟

ذكرت في الروايات وجوه مختلفة تحت عنوان علة تسمية فاطمة سلام الله علیها بهذا الاسم.

فاطمة سلام الله علیها تَفطُم شيعتها ومحبيها من النار

الجهة الأولى: أنّها سُمّيت فاطمة؛ لأن الله فطمها وفطم ذريتها وشيعتها ومحبّيها من النّار. إنّ كبار علماء ومحدثين الفريقين شيعة وسنة - رووا هذه الرواية في لفظ واحد أو أحياناً باختلاف يسير بالألفاظ، وبأسانيد متعدّدة ومعتبرة، بحيث لا يُبقى للشك محلّ بأنها صحيحة الصدور عن النبي

وأهل بيته علیهم السلام، في أنّها «فاطمة» تفطم شيعتها ومحبيها من النار. كما وردت الرواية في الصفحة السابقة.

ص: 68

وينبغي الانتباه إلى أنّها تفطم ذريتها وشيعتها ومحبّيها من النار إذا لم يوجد خلل في عقائدهم.

بمعنى أن يكونوا موحّدين الله عزّوجل، ومعتقدين بنبوة أبيها خاتم الأنبياء علیهم السلام، ومعترفين بولاية وخلافة أمير المؤمنين علیه السلام بلا فصل بينه وبين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وبعده أبنائه المعصومين علیهم السلام إلى الإمام الثاني عشر صاحب العصر والزمان أوراحنا فداه.

والأهم هو البراءة من أعداء فاطمة وأولادها المعصومين علیهم السلام، والبراءة من أُولئك الذين أحرقوا عليها دارها وجروا زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بحمائل سيفه إلى المسجد لبيعة أبي بكر وتهديده بالقتل إن لم يُبايع. وبغير هذا فلا يتحقق حبّ فاطمة وزوجها أمير المؤمنين ؛ لأنّ حبّ الشخص يقتضي عداء عدوّه.

انظر لهذا الحديث الشريف الذي يُشير إلى هذه الشروط .

عن الإمام الرضا علیه السلام عن آبائه علیهم السلام، عن علي علیه السلام قال: «سمعت رسول الله صلى الله و آله عليه وسلم يقول : سُمِّيت فاطمة؛ لأنّ الله فَطَمها وذُرِّيَّتها من النار، من لقى الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به».(1)

إن من جملة الأوامر التي جاء بها رسول الله صلى الله و آله عليه وسلم عن الله عزّوجلّ، وأبلغها للناس وأراد منهم أن يعملوا على أساسها هي : الاعتقاد بالإمامة، وخلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام وأولاده المعصومين علیهم السلام من بعده، والبراءة من أعدائهم.

والدليل على ذلك: الحديث الآتي وهو:

عن الإمام جعفر بن محمد علیه السلام، عن آبائه علیهم السلام، عن أمير المؤمنين علیه السلام قال: قال

ص: 69


1- الأمالي للشيخ الطوسي 2: 1179/570 ، بحار الأنوار 43: 18/18، عوالم العلوم 1/11: 73

لي رسول الله صلى الله و آله عليه وسلم .... يا عليّ ! والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة ! لو أنّ عبداً عَبَدَ الله ألف عام ما قبل ذلك منه إلا بولايتك وولاية الأئمة من وُلدِكَ، وإنّ ولا يَتَكَ لا تُقْبَلُ إلا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من وُلدِكَ، بذلك أخبرني جبرئيل علیه السلام، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».(1)

إن مسألة البراءة من أعداء أهل البيت علیهم السلام مهمة جداً، حتّى إنّ الإمام الصادق علیه السلام يؤكدها في حديثه، فيقول : «... والذي بَعَثَ محمّداً بالحقِّ ! لو أن جبرئيل وميكائيل كان في قلبيهما شيءٌ من حبهما لأكبهما الله في النار على وجوههما».(2)

نعم، إذا صاحَبَت محبة الزهراء سلام الله علیها بغض أعدائها، فهي شفيعة لأولئك المحبّين في صحراء يوم المحشر .

عن الإمام الباقر علیه السلام قال:

«لفاطمة سلام الله علیها وقفةٌ على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كُتِبَ بين عيني كُلّ رجل مؤمنٌ أو كافرٌ ، فيُؤمرُ بمُحبِّ قد كثرت ذنوبُهُ إلى النار، فتقرأ بين عينيه محبّاً.

فتقول : إلهي وسيدي ! سمّيتني فاطمة وفطمتَ بِي مَنْ تولاني وتولّى ذُرِّيَّتِي مِنَ النار ووعدُكَ الحقُّ وإنّك لا تُخْلِفُ المعياد.

فيقول الله عزّوجلّ: صَدَقَتِ يا فاطمة إنّى سمّيتكِ فاطمة، وفَطَمْتُ بكِ مَنْ أَحبَّكِ وتولّاكِ وأحَبَّ ذُرِّيَّتِكِ وتولاهم من النار ووعدي الحقُّ وأنا لا أُخْلِفُ الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فِيهِ فَأُشَفْعُكِ فَيَتَبَيَّنُ

ص: 70


1- كنز الفوائد للكراجكي : 185 ، التحصين للسيد ابن طاؤس : 539 ، بحار الأنوار 27 : 22/63 ، مستدرك الوسائل 1: 280/171
2- السرائر 3ک 567 ، بحار الأنوار 45: 5/339

لملائكتى وأنبيائى ورُسُلى وأهل الموقفِ موقِفُكِ منى ومكانتكِ عندي، فمن قرأتِ بين عينيهِ مؤمناً أو مُحِبّاً فخُذي بيده وأدخليه الجنّة».(1)

فاطمة سلام الله علیها فُطِمَت من الشرِّ

الجهة الثانية: سُمِّيت بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فاطمة ؛ لأنّ الله تعالى أبعد كلّ شرّ وسوء من ذاتها المقدَّسة الطاهرة.

عن عبد العظيم الحسني قال : حدثني الحسن بن عبدالله بن يونس، عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله علیه السلام: « ... أتدري أيُّ شيءٍ تفسيرُ فاطمة؟»، قلت: أخبرني يا سيدي قال: «فُطِمَت مِنَ الشَّرِّ».(2)

فاطمة سلام الله علیها قاطعة طمع الكفّار والمنافقين

الجهة الثالثة : كان الكفّار والمنافقون يطمعون بميراث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قبل ولادة الزهراء سلام الله علیها ، وعلى أمل أن يُخلفوه في رئاسة وحكومة الدولة الإسلامية، أولئك الذين أظهروا إسلامهم بعد البعثة النبوية. لكنّ الله عزّوجل في 20 جمادى الآخرة من السنة الخامسة للبعثة أهدى فاطمة سلام الله علیها للنبي صلی الله علیه و آله وسلم، وبذلك قطع الله تبارك وتعالى ذلك الطمع ؛ لأنّ بعد زواج الزهراء سلام الله علیها من أمير المؤمنين علیه السلام وولادة الأئمة الطاهرين علیهم السلام فشل أمل المنافقين بذلك.

عن عبدالله بن الحسن بن الحسن قال: قال أبو الحسن علیه السلام: «لِمَ سُمِّيت

ص: 71


1- الجواهر السنية للحر العاملي: 247 ، بحار الأنوار 8: 50 - 58/51 . وستأتي الإشارة إلى الروايات الحاكية عن شفاعة الزهراء سلام الله علیها لها الشيعتها ومحبيها والبحوث المتعلّقة بهذا المطلب في أواخر الكتاب إن شاء الله
2- علل الشرائع 1 : 3/178 ، الخصال: 3/414 ، روضة الواعظين: 148 ، دلائل الإمامة للطبري: 19/79 ، بحار الأنوار 43: 1/100

فاطمة فاطمة ؟». قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء.

قال: «إنّ ذلك لَمِنَ الأسماء، ولكنّ الاسم الذي سُمِّيت به أنّ الله تبارك وتعالى عَلِمَ ما كان قبل كونه فَعَلِمَ أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يتزوج في الأحياء ، وأنّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبلهِ، فلمّا وُلِدَت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى : فاطمة ؛ لِمَا أخرج منها وجعل في وُلْدِها ففطمهم عما طَمَعوا، فبهذا سُمِّيت فاطمة فاطمة ؛ لأنّها فَطَمَت طمعهم، ومعنى فَطَمَت : قطعت».(1)

عَجْزُ الخَلْقِ عن معرفة فاطمة سلام الله علیها

الجهة الرابعة : سُمِّيت فاطمة فاطمة؛ لأنّ الخلق لم يعرفوها حق معرفتها، سوى أبيها وبعلها وبنيها المعصومين علیهم السلام، أي منعت معرفتها التامة عن الخلق.

عن أبي عبدالله علیه السلام أنّه قال: «... فَمَنْ عرف فاطمةَ حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سُمِّيت فاطمة ؛ لأنّ الخَلْقَ فُطِموا عن معرفتها».(2)

فاطمة سلام الله علیها طاهرة عن كلّ رجس

الجهة الخامسة : سُمِّيت فاطمة ؛ لأنّها طَهَّرَت عن كلِّ نجاسةٍ تُصيب النساء، كالعادة الشهرية الحيض.

فاطمة سلام الله علیها شُبِّعَت بالعلم الإلهي

الجهة السادسة : سُمِّيت فاطمة ؛ لأنّ الله عزّوجلّ بواسطة العلم اللَّدُّنّي أبعد

ص: 72


1- علل الشرائع 1: 1/178 ، بحار الأنوار 43: 7/13، عوالم العلوم 1/11: 72
2- تفسیر فرات الكوفي : 747/581، بحار الأنوار 43: 58/65 . وسيأتي شرح وتفسير هذا الحديث في الصفحات الآتية من هذا الكتاب

عنها كلّ جهل، وروّاها بالعلم والحكمة، بحيث لا تحتاج إلى تعلم أي نوع من العلوم.

والدليل على المسألتين - الخامسة والسادسة - الحديث المروّي عن يزيد ابن عبد الملك، عن أبي جعفر علیه السلام قال :

« لَمَّا وُلِدَت فاطمة سلام الله علیها، أوحى الله عزّوجل إلى مَلَكِ فَأَنْطَقَ بهِ لِسان محمد صلی الله علیه و آله وسلم فسماها فاطمة».

ثم قال : «إِنِّي فَطَمْتُكِ بالعلم، وفَطَمْتُكِ من الطَّمْثِ».

ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام: « واللهِ ! لقد فَطَمَها الله تبارك وتعالى بالعلم، وعن الطَّمثِ بالميثاق».(1)

أعداء فاطمة سلام الله علیها محرومون من محبّتها

الجهة السابعة: سُمِّيت فاطمة؛ لأنّ الله تعالى يسلب من أعدائها حبّها ، وبذلك يُحرمون من ثواب محبّتها .

قال جبرائيل لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «سُمِّيَت فاطمة في الأرض؛ لأنه فَطَمت شيعتها من النار، وفُطِموا أعداؤها عن حُبّها».(2)

تحقيق في اسم فاطمة سلام الله علیها

بالإضافة إلى الوجوه التي ذكرت تُشير هنا إلى وجهين آخرين في معنى واشتقاق اسم فاطمة سلام الله علیها:

الوجه الأوّل: بما أنّ اسم «فاطمة» مشتق من مادة «فَطَمَ»، وتعني : القاطع

ص: 73


1- الكافي 1: 6/60، علل الشرائع 1: 4/179، كشف الغمة 2: 91 ، بحار الأنوار 43: 9/13
2- تفسیر فرات الكوفي : 321 - 322 ذيل الحديث ،435، بحار الأنوار 43: 18 ذيل الحديث 17

أو المانع ؛ إذن فاسم «فاطمة» يعني: المانع، باعتبار أنه اسم فاعل.

في حين أن نتيجة بعض الوجوه التي ذكرت - أنّ اسم «فاطمة» يعني الممنوع، باعتبار أنه اسم مفعول.

يظهر هذا الاختلاف بين اللغويين حول اسم «فاطمة» هل أن معناه معنی اسم فاعل أو اسم مفعول ؟

بالنظر إلى الإشكالين يتّضح الجواب بصورتين:

أوّلهما: في الكثير من المواد اللغوية في اللغة العربية أن صيغة اسم الفاعل تستعمل بمعنى اسم المفعول مثل: سرّ كاتم، بمعنى : سر مكتوم.

أو كقول تعالى :«عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ»(1)، بمعنى : عيشة مرضية.

وفي آية أخرى: «خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ»(2)، بمعنى: ماء مدفوق.

في كل الموارد التي ذُكِرت، إنّ اسم الفاعل يستعمل بمعنى اسم المفعول. إذن لا مانع من الروايات التي تذكر اسم «فاطمة» بمعنى «مفطومة»، أي:

الممنوعة من نار جهنّم ، والجهل، الرجس و....

وثانيهما: يحتمل أنّ اسم «فاطمة» استُعمِلَ في معناه بصيغة اسم الفاعل «فاطم».

بما أن فاطمة الطاهرة سلام الله علیها تمتاز بطهارة ذاتية وكمال نفساني منشوه إرادتها القويّة، وتلك الإرادة هي التي جعلت الله تبارك وتعالى يهتم بها كلّ هذا الاهتمام، كمنعها من النار.

أما هذا المنع من النار فناتج عن إرادتها القوية كطهارتها الذاتية وكمالها النفسي - هما اللذان منعاها عن النار.

ص: 74


1- سورة الحاقة 69: 21 ، وسورة القارعة 101 : 7
2- سورة الطارق 6:86

إذن هى سلام الله علیها بعقيدتها وعملها أصبحت المانعة ، فاسم «فاطم»، يعني: المانع . بعبارة أخرى: بما أن الله تعالى يعلم بعلمه الأزلي الأبدي أن فاطمة سلام الله علیها طاهرة فى ذاتها وعملها وستبقى كذلك إلى آخر عمرها ؛ لذلك اختار لها هذا الاسم عند ولادتها، وأعطاها هذه المنزلة.

إذن في الحقيقة أن فاطمة سلام الله علیها هي التي منعت نفسها عن النار، وكذلك منعت شيعتها ومحبّيها بشفاعتها وشفاعة أبنائها من عذاب الله، وهذا المنع، الذي أودعه الله تعالى في ذاتها، هو نتيجة أعمالها الصالحة، وعلمه تعالى الذي ليس فيه جبر - المسبق بهذه الأعمال.

لذلك فإنّ فاطمة الطاهرة سلام الله علیها بعلمها وعملها منعت شيعتها ومحبّيها عن نار جهنّم، وبإرادتها وعملها جعلت الباري تعالى يمنحها تلك المنزلة العظيمة، والتي أثمرت عن معانٍ أُخرى لهذا الاسم المبارك.

ولا يفوتنا أن نذكر أنه لا يستطيع كلّ إنسان بعمله وإرادته أن يصل إلى منزلة فاطمة الطاهرة سلام الله علیها.

كما أنّ هذه المنازل التي منحها الله تعالى لسيّدة النساء سلام الله علیها ليست من دون علاقة بإرادتها وعملها فهي لها منازل عظيمة لا يستطيع الإنسان العادي الوصول إليها ولا يصل لها أبداً، وذكرنا لهذا الكلام هو فقط لأجل رفع الإشكال الذي قد يُطرح في هذا الخصوص.

لكن الله تعالى أوضح لنا جزءاً صغيراً جداً من فضائلها ومنزلتها، كقطرة من بحر، وأخفى عنّا الجزء الأكبر من أسرار ،فضائلها مثل :

كونها بنت رسول الله، وزوجة ولي الله ، وأُمّ الأئمة المعصومين لهداية وسعادة البشر إلى يوم القيامة، بل علّة خلق الخلائق والواسطة لكلّ الفيض الإلهي المادي والمعنوي للخلق، وفضائل أخرى تتضح من خلال شرح

ص: 75

الأحاديث الواردة في محلّها .

اسم «فاطمة» ومعانيه

الوجه الثاني: بالفحص والتدقيق في الروايات يظهر لنا عدّة معان للفظ «فاطمة»، وفي هذه الحالة يُثار إشكال آخر وهو: كيف تُستعمل كلمة واحدة لمعان متعدّدة، في حين ثبت في علم الأصول أنه من غير الجائز استعمال كلمة واحدة لعدّة معانٍ؟

فى الجواب عن هذا الإشكال نقول:

يظهر هذا الإشكال في حال استعمال كلمة «فاطمة» مرّة : المانع من النار ، ومرّة : المانع من الجهل ومرّة : المانع من الرجس و ..

في كلّ هذه الموارد لو استعمل اللفظ «فاطمة» بمعنى اسم مفعول الممنوع » فقط، أو لو استعمل بمعنى اسم فاعل «المانع » فقط ؛ فلا يُستعمل اللفظ سوى المعنى واحد ، وهو «الممنوع»، أو «المانع ، لكنّ الوحيد الذي يُمكن أن يصير سبباً للمعاني المتعدّدة، هو متعلّق المعنى المستعمل فيه اللفظ.

يعني: إنّ معنى المنع أو القطع: مرّة يكون من النار، ومرّة يكون من الجهل ، ومرّة يكون من الرجس، ومرّة من معرفة الخلق وسائر العناوين

المصاحبة له.

إذن معنى كلمة «فاطمة» هو معنى كلّى يقبل الصدق على عدّة مصاديق، وكلّ مصداق يشخّص بالمعنى الذي يصدق عليه. إذن لا يلزم استعمال كلمة واحدة في عدة معانٍ.

بعد الجواب عن الإشكالين، ومن مجموع الروايات التي أوضحت علّة

تسمية بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم باسم «فاطمة» نصل إلى هذه النتيجة وهي :

ص: 76

سُمِّيت فاطمة بفاطمة؛

لأنّ الله تعالى منعها ومنع شيعتها ومحبّيها ومن اعتقد بأبنائها من نار جهنم . أبعد كلّ شرّ وسوء عن ذاتها المقدّسة.

عزل عنها كلّ رجس ونجاسة وحيض، أي: طهرها من كلّ رجس.

بما أنّها شربت من العلم الإلهي والنبوي؛ فهي لا تحتاج إلى أية علوم وأُبْعِدَت من الجهل.

قَطَعَت طمع المنافقين في إرث أبيها (الخلافة والإمامة)؛ بولادتها في 20 جمادى الآخرة في السنة الخامسة من بعثة أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ومنع أعداؤها من محبتها.

وبالنتيجة: إن مع تلك الكمالات التي تتميز بها الذات المقدّسة للزهراء سلام الله علیها، تبقى حقيقة معرفتها صعبة الإدراك على عقول وأفكار الخلق ، إلا أُولئك الذين يتميزون بنفس تلك الكمالات، وهم أبوها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وبعلها أمير المؤمنين علیه السلام، وأولادها المعصومون علیهم السلام.

والله سبحانه وتعالى مع علمه بكل تلك الامتيازات التي تتميز بها الزهراء ، اختار لها اسم فاطمة سلام الله علیها؛ لأنه يعلم بذاتها الطاهرة، وستبقى طاهرة، لذلك فإنّ هذا الاسم هو بيان للكثير من كمالاتها سلام الله علیها التي لا تنتهي.

صلوات الله وملائكته عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .

ص: 77

ص: 78

الفضيلة الخامسة: فاطمة سلام الله علیها الطاهرة

اشارة

عن أبي جعفر علیه السلام، عن آبائه علیه السلام، قال: «إنّما سُمِّيت فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله وسلم الطاهرة؛ لطهارتها من كلِّ دنس وطهارتها من كلِّ رَفَثٍ، وما رأت قَطُّ يوماً حُمْرَةِ ولا نفاساً».(1)

السنن والقوانين الطبيعية

إن سنن وقوانين الله تعالى الجارية في نظام الخلق في الجماد والنبات والحيوان والإنسان هي سنن وقوانين طبيعية غير متخلفة، كالاحتراق بالنسبة للنار، في كلّ الظروف أنّ كلّ من يصل إلى النار يحترق، أو حفظ النسل بالنسبة للبشر في حال الزواج وانتقال نطفة الرجل إلى رحم المرأة وسلامة الرجل والمرأة من أجل تربية الطفل بعد مدة الحمل والولادة.

هذان نموذجان من آلاف، بل ملايين المقرّرات والقوانين الخاصة التي وضعها الله تعالى في خلقه، وكلّها خاضعة وخاشعة له.

ص: 79


1- بحار الأنوار 43: 20/19 ، بيت الأحزان : 24

ولكن كلّ هذه القوانين والسنن ،والمقررات تفقد إرادتها وتأثيرها أمام

إرادة الله سبحانه وتعالى، مثل النار التي سعرها نمرود لإلقاء نبي الله إبراهيم علیه السلام

فيها، فقال: الله تبارك وتعالى: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ».(1)

أو رزق الله تعالى إبراهيم من زوجته سارة في حال كُبرِ سنّها ويئسها حملاً ولداً.(2)

أو ولادة مريم علیها السلام العيسى في حين لم يمسسها بشر.(3)

إن مثل هكذا استثناءات نراها كثيراً في نظام الخلق، خصوصاً في سيرة حياة الأنبياء والأوصياء، وبالخصوص في سيرة نبي الإسلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته الطاهرين. عُبِّر عن هذه الاستثناءات في القرآن الكريم والروايات ب-: المعجزة.

فإنّ إحدى سنن الله تعالى الخالدة في خلقه من النساء هى الدورة الشهرية أو العادة الشهرية للنساء من بداية بلوغهنّ إلى سن الخمسين أو الستين من

ص: 80


1- سورة الأنبياء 21: 69
2- كما في سورة هود 11: 69 - 73 ، وهي : «وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ»«فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ»«وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ»«قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ»«قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»
3- كما في سورة مريم 19: 16 - 21، وهي: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا»«فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا»«قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا»«قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا»«قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا»«قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا»

عمرهنّ، بصورة منتظمة في كلّ شهر تبتلي المرأة البالغة بهذه الدورة، وهذه الحالة عبارة عن خروج مقدار من دم أحمر قان محصور في مخازن وأقسام مختلفة من جسم المرأة بعنوان غذاء للجنين، وعندما لا يوجد جنين في الرحم ولا يحتاج جسمها لذلك الدم، يخرج من جسم المرأة. وهذه الحالة فيها معاناة للنساء وتُوجد فيهنّ حالة خاصة من الناحية البدنية والنفسيّة، كما يُشير إلى ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى :

«وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذى».(1)

بمعنى أنه مادة لو بقيت في بدن المرأة ستترك تأثيرات سيئة عليه، فذلك لو لم يستفد الجسم منها أن تخرج منه ؛ لكي لا تترك عليه تأثيرات سيئة .

لكن في أيام خروج تلك المادة من جسم المرأة يحصل اضطراب في جسمها ونفسيتها، فيصبح لونها شاحباً، وتتغيّر تصرفاتها وأخلاقها بسبب ذلك الاضطراب من جرّاء خروج الدم.

ولعلّ ذلك هو السبب في رفع بعض الواجبات الشرعيّة عن المرأة في تلك الأيام كالصلاة والصوم - حتى إن تركها للصلاة في تلك الفترة لا یوجب قضاءها - وعدم جواز مكوثها في المسجد، وعدم جواز دخولها المسجد الحرام ومسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا يجوز لها أيضاً قراءة السور الأربع من القرآن الكريم التي فيها آيات السجود الواجب.

إذن فهذه الحالة التي تؤثر في جسم وروح المرأة ليست من الكمالات، بل هي من النواقص التي ليس للمرأة فيها سبيل.

ص: 81


1- سورة البقرة 2: 222

فاطمة سلام الله علیها وطهارتها الخاصة

لقد استثنى الله تعالى فاطمة سلام الله علیها من هذه السُّنَّة هذه من دون النساء؛ لأنّها طهرت بتطهير ممتاز من الله سبحانه وتعالى هى وأبوها وزوجها وبنوها، وأبعد عنها كل رجس وطمث ؛ حتى تستطيع أن تصبح وعاءً طاهراً لتربية أبنائها الأئمة الطاهرين المعصومين علیهم السلام، ليهدوا البشر للخير والسعادة إلى يوم ؛ القيامة، طهرها من كل نقص وعيب في إيمانها وروحها، حتى أنها لم تترك فرضاً واحداً من صلاتها فضلاً عن قضائه.

وأنّ مريم علیها السلام أيضاً طهرها الله تعالى ولم ترَ عادة النساء، كما ذكر ذلك سبحانه في القرآن: «يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ».(1)

وفي الروايات التي ستراها في الصفحات الآتية - إشارة لذلك، وأن من نافلة القول إنّ الطهارة التي منحها الله تعالى للزهراء سلام الله علیها أعلى بكثير من الطهارة التي منحها لمريم علیها السلام، والدليل على ذلك الروايات التي وصلت إلينا في تفسير آية التطهير وهي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2)، ولا يوجد أي ترديد في دلالة الآية، وأن إطلاق «رجس» مع ألف ولام الاستغراق شامل لكلّ أنواع الرجس النجاسة بجميع أنواعها من الحيض والنفاس وغيرهما.

إذن لا تبقى فرصة لأحدٍ أن يتجرأ وينكر أو يُشكك في الروايات التي تشير لطهارتها سلام الله علیها.

ص: 82


1- سورة آل عمران 3: 42
2- سورة الأحزاب 33: 33

وتنقسم الروايات في ذلك إلى عدة أقسام :

1 - الروايات الواردة في وجه تسميتها بفاطمة سلام الله علیها، كالروايات التي يرويها الكليني والشيخ الصدوق عن الإمام الباقر علیه السلام.(1)

ونحن قد أوضحنا الروايات التي تُشير إلى ذلك، تحت عنوان الروايات التي تبيّن علة تسميتها بفاطمة سلام الله علیها، في الصفحات السابقة.

2 - الروايات الواردة في علة تسميتها بالزهراء، كحديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في شأن ابنته فاطمة سلام الله علیها، قال صلی الله علیه و آله وسلم: «إن ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم تَحِضْ ولم تَطْمث ؛ لذلك سُمّيت ،زهراء، أي الطاهرة، فإنّها لم تَرَ لها دَماً لا في حيض ولا في ولادة، وكانت تَطْهُرُ في ساعة الولادة وتصلّي فلا يفوتها وقت».(2)

يحتمل أن يكون من كلمة : «أي الطاهرة ...» هو من كلام الراوي وليس من كلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وحتى لو كان كذلك، فكلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي قبله كافٍ لإثبات مطلب طهارة الزهراء سلام الله علیها.

واللطيف فى هذه المسألة أنّ عائشة - التي كانت تسعى لإخفاء فضائل فاطمة سلام الله علیها- أيضاً روت هذه الفضيلة للزهراء ، كما في مصادر أهل السنّة.

حيث تقول:

إذا أقبلت فاطمة كانت مشيتها مشيةَ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكانت لا تحيض لأنها خُلِقَت من تفاحةِ الجنَّةِ، ولقد وضعت الحسن بعد العصر، وطَهُرت من

ص: 83


1- كما في الكافي 1: 460 باب مولد الزهراء الحديث ،6 علل الشرائع 1 :4/179 ، كشفالغمة 1: 463 ، عوالم العلوم 1/11 6/70 إحقاق الحق 19: 8، بحار الأنوار 43: 9/13
2- عوالم العلوم 1/11: 75 وانظره بتفاوت يسير في تاريخ بغداد 12: 328، کنز العمال 12: 34226/109 ، ينابيع المودة 2: 354/121

نفاسها فاغتسلت (1) وصَلَّت المغرب ؛ ولذلك سُمِّيت الزهراء.(2)

3 - الروايات الواردة في وجه تسميتها بالبتول كحديث أمير المؤمنين علیه السلام الذي نقله الشيخ الصدوق، قال علیه السلام: «إنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم سُئل : ما البتول ؟ فإنّا سَمِعناك يا رسول الله تقول : إن مريم بتولٌ وفاطمة بتولٌ.

فقال صلى الله عليه و آله وسلم: البتول : التي لم تَرَ حُمْرَةً قَطُّ - أي التي لم تحض - فإن الحيض مكروهٌ فى بنات الأنبياء».(3)

4 - الروايات التي تبيّن علة تسميتها بالطاهرة، كالرواية التي أوردناها في بداية هذا البحث، والرواية عن أسماء قالت:

قَبِلتُ - أي ولدت فاطمة سلام الله علیها بالحسن علیه السلام، فلم أرَ لها دماً، فقلت: يا رسول الله ! إنّى لم أرَ لها دَماً في حيض ولا في نفاس ؟ فقال صلى الله عليه و آله وسلم: «أما عَلِمْتِ أن ابنتى طاهرة مطهَّرَةٌ ، ولا يُرى لها دَمّ في طَمْثٍ ولا ولادة».(4)

5 - الروايات التي حرّمت النساء على أمير المؤمنين علیه السلام عند زواجه من الزهراء سلام الله علیها في حياتها.

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «حرَّمَ الله عزوجل على عليٍّ النساء ما دامت فاطمة سلام الله علیها حيَّةً».

ص: 84


1- إن تعبير : فاغتسلت من عائشة هنا لعلّه لغرض معيّن ؛ لأنّ فاطمة لو كانت طاهرة ولم تَرَ دماً لا فى حيض ولا نفاس، كما يُستفاد من الرواية السابقة، فلا تحتاج إلى الغُسل بعد الولادة حتى تصلي صلاة المغرب.
2- عوالم العلوم 1/11: ،75 ، إحقاق الحق 10: 244 و 309 ، عن كتاب أخبار الدول
3- علل الشرائع 1 : 1/181 ، عوالم العلوم 1/11: 80، إحقاق الحق 10: 310 ، عن کتاب أرجح المطالب : 241 و 247 طبع لاهور
4- ذخائر العقبى : 44 عوالم العلوم 1/11: 82 ، سبل الهدى والرشاد 10: 486 وفيه ذيل الحديث

قلت : وكيف؟

قال: «لأنها طاهرة لا تحيض.(1)

يُستفاد من هذه الرواية بأنّ الزهراء سلام الله علیها لها ميزة خاصة عن بقية النساء، وكمالات فريدة في وجودها، بحيث جُعِلت سيدة النساء، ولا تقاس مع غيرها من النساء أبداً.

فلذلك حفظ مقامها العالي وبيان امتيازها على الخلائق، وإتمام الحجة على أعدائها - لم يُجز الله تعالى لأمير المؤمنين علیه السلام الزواج من غير الزهراء سلام الله علیها طالما كانت حيّة، وبإعلان هذا الحكم ؛ هو تصريح بطهارتها الفريدة عن بقية النساء، بالإضافة إلى حديث الكفؤ والقرين لها أمير المؤمنين علیه السلام، وأفضليتها هي وزوجها عن بقية الأنبياء والأوصياء.

6 - الروايات التي طرحت طهارة سيّدة النساء بصورة مطلقة، كالرواية التي يرويها الشيخ الكليني في الكافي بسندٍ معتبر.

عن الإمام موسى بن جعفر علیه السلام قال : «إنّ فاطمة صديقةً شهيدةٌ، وإنَّ بنات الأنبياء لا يَطْمِثْنَ».(2)

وفي هذا الخصوص عن أنس بن مالك، عن أُمّه قالت ما رأت فاطمة سلام الله علیها دَماً في حيض ولا في نفاس.(3)

إن الذي ذُكِرَ هو قسم من الروايات الواردة في هذا الباب، وفيه كفاية لأهل المعرفة، ولأولئك الذين لا يشككون في أوامر النبي وأهل بيته علیهم السلام ويسلمون

ص: 85


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 48/43 بشارة المصطفى : 23/381، بحار الأنوار 43: 12/153، مستدرك الوسائل 2: 1357/42 عوالم العلوم 1/11: 83
2- الكافي 1 : 2/458
3- الأمالي للشيخ الصدوق : 271/249، بحار الأنوار 43: 9/21، عوالم العلوم 1/11: 84

لكلامهم الحكيم، وللذين يحملون روحاً طاهرة نقيّة، ويبحثون عن زيادة معرفةٍ لسيّدة نساء العالمين عليها الصلاة والسّلام.

ص: 86

الفضيلة السادسة : فاطمة سلام الله علیها كالشَّمْسِ الضَّاحِيَّةِ

اشارة

عن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر علیه السلام: لِمَ سُمِّيت فاطمة سلام الله علیها الزهراء ؟

فقال: «كان وَجْهُها يزهرُ لأمير المؤمنين علیه السلام مِن أوّل النهار كالشَّمسِ الضَّاحِيَةِ ، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدَّرِّيّ».(1)

أسرار اسم الزهراء سلام الله علیها!

يبين هذا الحديث الشريف علة تسمية فاطمة بالزهراء سلام الله علیها، وفي هذا الخصوص وردت أحاديث كثيرة، وسنشير إلى بعضها في الصفحات الآتية :

يُستفاد من مجموع الأحاديث التي أشارت إلى تسميتها بالزهراء سلام الله علیها هو أن الله سبحانه في بداية خَلْقِهِ للخَلْق خَلَقَ نوراً، وخلق فاطمة سلام الله علیها من ذلك النور، وبقي هذا النور معها منذ ولادتها إلى يوم شهادتها، وكان ذلك النور يتلألأ ويتجلّى إلى قيام القيامة وبعدها يشع نورها ويسطع:

ص: 87


1- المناقب لابن شهر آشوب 3: 110 - 111 ، بحار الأنوار 43 : 16 ، بيت الأحزان : 24

مرّة في بداية الخلق يشع نورها ويسطع إلى الملائكة.(1)

ومرة بعد خَلْق الوجود لآدم وحوّاء.(2)

وشعّت وأزهرت لأبيها قبل ولادتها عندما أُسري به الله في الجنان.(3)

ولأُمّها خديجة علیها السلام، ولأهل السماء والأرض عند ولادتها.(4)

ومرّة تشع وتزهر صباحاً ومساءً لأهل المدينة.(5)

ومرّة في محراب عبادتها لأهل السماء.(6)

ومرّة تزهر الأمير المؤمنين علیه السلام فى النهار ثلاث مرّات.(7)

وعند دفنها أضاءت لزوجها وأبنائها.(8)

وفي يوم القيامة تزهر لشيعتها ومحبّيها ومحبّي أبنائها.(9)

وفي الجنّة لأهل الجنة والأنبياء والأئمة علیهم السلام.(10)

وكلّ واحدة من تلك التجليات تناسب الأشخاص حسب محبّتهم ومعرفتهم بها ، فكلّما كان الحبّ والمعرفة بها أكثر ؛ كانت تلك التجلّيات للأشخاص أكثر . ويجب القول بأن كل هذه المعاني الموجودة في الروايات سنذكرها في الصفحات الآتية من الكتاب.

ص: 88


1- كما أشار إليه الحديث الوارد في بحار الأنوار 43: 16/17
2- كما في: عوالم العلوم 1/11 : 33 ، إحقاق الحق ،7 20 ، لسان الميزان 3: 1409/346
3- انظر بحار الانوار 43: 1/3 و 3/4 و: 17/18
4- المصدر السابق.
5- علل الشرائع 1: 2/180 ، بحار الأنوار 43: 2/11
6- بحار الأنوار 43: 6/12
7- بحار الانوار 43: 11 / 2
8- بحار الانوار 43: 1/19
9- بحار الأنوار 43: 1/19
10- المناقب لابن شهر آشوب : 111 ، بحار الأنوار 43: 62/75، بيت الأحزان : 25

الفضيلة السابعة: تجلّي نور فاطمة سلام الله علیها في السماوات والأرض

اشارة

عن جابر، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : قلت له : لِمَ سُمِّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ قال: «لأنّ الله عزّوجلّ خَلَقَها من نور عظمتهِ، فلمّا أشرقت أضاءتِ السماوات والأرضُ بنورِها وغَشِيت أبصارُ الملائكة وخرَّت الملائكة الله ساجدين، وقالوا : إلهنا وسيدنا ! ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم هذا نورُ مِنْ نُوري، أَسْكَنْتُهُ في سمائي ، خَلَقْتُهُ من عظمتي، أُخْرِجُهُ من صُلْبِ نبي من أنبيائي. أُفَضْلُهُ على جميع الأنبياء، وأُخْرِجُ من ذلك النور أئمّةً يقومون بأمري ويهدون إلى حقي، وأجْعَلهُم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي».(1)

أفضلية فاطمة سلام الله علیها على الأنبياء والأوصياء!

إنّ الأمر الذي يجلب الانتباه في هذا الحديث هو : فضل وأفضلية الزهراء سلام الله علیها على جميع أنبياء الله ؛ والدليل على ذلك : عندما تسأل الملائكة الله تعالى :

ص: 89


1- علل الشرائع 1: 179 - 1/180 ، الإمامة والتبصرة : 144/132 ، نوادر المعجزات : 3/81 ، بحار الانوار 43 5/12 ، كشف الغمة 2 : 92

«إلهنا وسيدنا ! ما هذا النور؟».

يقول الله تعالى: «هذا نورٌ من نوري... أُفَضِّلُهُ على جميع الأنبياء ...».

إنّ هذه الأفضلية ليست في هذا الحديث فقط، بل في أيدينا أدلّة أُخرى معتبرة تبين هذه المعنى وسنبحثها في الصفحات الآتية من هذا الكتاب إن

شاء الله.

ومن بيانٍ آخر نستطيع الحصول على هذا المطلب من صدر هذا الحديث وذيله ومن أحاديث أخر ، التي تُبيّن خَلْق نور الصدّيقة الكبرى سلام الله علیها قبل خَلْقٍ الخَلْقَ ؛ لأنّ نورها خُلِقَ قبل خلقة العالم وآدم بآلاف السنين، ولو لم تكن هذه السيّدة الطاهرة سلام الله علیها وأبوها وبعلها وبنوها سلام الله علیها، لم يخلق الله تعالى الخَلْق؛ والزهراء إحدى علل خَلْق عالم الوجود، التي يتضمن الأنبياء والأولياء.

إذن فمن الواضح الجلى أن كل علةٍ تتميّز بشرف ومكانة وأفضلية - بلحاظ تقدّمها في الوجود عن معلولها. وكلّ معلول عاجز أمام علّته ، ومُقِرٌّ بأفضليّة

علّته عليه .

تجلّيات نور فاطمة سلام الله علیها من بداية الخَلْق إلى ولادتها!

من أجل إكمال هذا البحث تلقي نظرة قصيرة عابرة على مراحل تكوين نور فاطمة سلام الله علیها، ونوكل تفصيله إلى فرصة أُخرى.

خلق الله سبحانه نور فاطمة سلام الله علیها، الذي كان فيه عقل وإحساس، قبل آلاف السنين من خلقه الخَلْق مع نور أبيها وبعلها وبنيها سلام الله علیها، وكانوا يسبحون الله تعالى حول العرش، حتّى شاء الله سبحانه أن يَخْلُق الخَلْق ويُوجد عالم الوجود، وحسب الروايات، فإنّ الله سبحانه خَلَقَ الخَلْقَ من تلك الأنوار المقدّسة.

نور فاطمة سلام الله علیها يتميّز من بين تلك الأنوار المقدّسة بتجلّيات خاصّة، فقد

ص: 90

يتجلّى ذلك النور العظيم لكل المخلوقات حسب مراتبهم، حتى إن وجود ذلك النور يُضيئ العالم شرقاً وغرباً، وكانت الخلائق تتعجب منه؛ لأن الله

سبحانه «نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(1) ، وخَلَقَ نور فاطمة سلام الله علیها من نوره.

إذن في الحقيقة نور فاطمة سلام الله علیها هو نور الله سبحانه يتجلى بفاطمة الله التي تُطأطئ الخلائق كلّها لعظمة ذلك النور ، وكان ضياءُ ذلك النور وهاجاً حتّى إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وهو أبيها ، يتعجب من ذلك النور، ولم يكن يطمئن قلبه إلى أن أخبره الله تعالى بواسطة جبرئيل بصاحبة ذلك النور .

كذلك أضاء نورها السماوات والأرض عندما وطئت قدماها الكرة الأرضيّة عند ولادتها في العشرين من جمادى الآخرة.

يرفع لنا الحديث الآتي الستار قليلاً - على حدّ إدراك أهل ذلك الزمان الذي قيل فيه الحديث عن عظمة نور فاطمة سلام الله علیها والحديث هو:

عن سدير الصيرفي، عن أبي عبدالله علیه السلام، عن آبائه علیهم السلام قال :

« قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : خُلِقَ نورُ فاطمة سللام الله علیها قبل أن تُخْلَقُ الأرض والسماء .

فقال بعض الناس : يا نبي الله ! فليست هي إنسيّة ؟

فقال : فاطمة حوراء إنسيَّة ؟

قال: خلقها الله عزوجل من نورِهِ قبل أن يَخْلُقَ آدم، إذ كانت الأرواح (2)، فلمّا خَلَقَ اللهُ عزّوجلّ آدم عُرِضَت على آدم.

ص: 91


1- سورة النور 24: 35
2- يستفاد من الروايات الكثيرة بهذا الخصوص: إن مراد رسول الله الإشارة إلى زمان خَلْقِ روحه وروح وصيه أمير المؤمنين والأوصياء من بعده، الذين خُلِقوا قبل خَلْقِ الخَلْقَ بآلاف السنين. لكنّ الناس الحاضرين في ذلك المجلس الذي قيل فيه الحديث - لم يكن لديهم استيعاب لكلّ المطالب المتعلقة بالروح ؛ لذلك أشار إليها رسول الله إشارة عابرة

قيل: يا نبي الله ! وأين كانت فاطمة؟

قال: كانت في حُقَّة تحت ساق العرش.

قالوا: يا نبي الله ! فما كان طعامها ؟

قال: التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد، فلما خَلَقَ الله عزّوجل آدم وأخرجني من صلبهِ وأحبَّ عزّوجل أن يُخرجها من صلبي جعلها تفاحةً في الجنّة، وأتاني بها جبرئيل علیه السلام، فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا !محمد قلت وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل ، فقال : يا محمد! إنّ ربِّكَ يُقْرؤُكَ السلام.

قلت: منه السلام وإليه يعود السلام.

قال : يا محمد ! إنّ هذه تفاحة أهداها الله عزّوجلّ إليك من الجنّة . فأخذتها وضممتها إلى صدري.

قال: يا محمد ! يقول الله جلّ جلاله كُلها، ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً وفزعت منه !

فقال : يا محمّد ما لك لا تأكُل؟! كُل ولا تَخَفْ فإنّ ذلك النور للمنصورة في السماء، وهي في الأرضِ فاطمة .

قلت: حبيبي جبرئيل ، ولِمَ سُمِّيت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة ؟

قال: سُمِّيت فى الأرض فاطمة ؛ لأنّها فَطَمَت شيعتها من النار ، وفُطِمَ أعداؤها عن حبّها، وهي في السماء المنصورة؛ وذلك قول الله عزّوجلّ: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ»«بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ»(1) ، يعنى نصر فاطمة لمحبّيها».(2)

ص: 92


1- سورة الروم 4:30 - 5
2- تفسیر فرات الكوفي : 321 - 435/322، معاني الأخبار : 53/396 ، بحار الأنوار 43: 3/4 ، تفسير البرهان 3: 6/258 ، عوالم العلوم 1/11: 39 - 15/40

نعم، تناول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم التفاحة الحاملة لنور فاطمة التي جاء بها إليه جبرئيل من الجنّة، وبعد أربعين يوماً من اعتزاله لخديجة علیها السلام قضاها بالعبادة والصيام وعند عودته إلى البيت اجتمع بخديجة علیه السلام وانتقلت نطفة فاطمة سلام الله علیها إلى الرحم الطاهر لزوجته خديجة علیها السلام.

عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله الصادق علیه السلام: كيف كان ولادة فاطمة ؟

فقال: «نعم، إن خديجة علیها السلام لما تزوّج بها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها ، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمّها حذراً عليه صلی الله علیه و آله وسلم، فلما حملت بفاطمة، كانت فاطمة سلام الله علیها تُحدّثها من بطنها، وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فدخل رسول الله يوماً فسمع خديجة تُحدث فاطمة سلام الله علیهافقال لها يا خديجة مَنْ تُحدِّثين؟

قالت: الجنين الذي في بطني يُحدِّثني ويؤنسني.

قال: يا خديجة، هذا جبرئيل يُبشرني أنّها أُنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها

أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة علیها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من .النساء فأرسلن إليها: أنتِ عصيتنا، ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء، ولا نلي من أمرك شيئاً، فاغتمت خديجة علیها السلام لذلك.

فبينا هي كذلك ، إذ دخل عليها أربع نسوة شمرٍ طوال كأنّهنّ من نساء بني هاشم؛ ففزعت منهنّ لما رأتهنَّ .

ص: 93

فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رُسُل رَبِّكِ إِليك، ونحن أخواتُكِ، أنا سارة، وهذه كلثم وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتكِ في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران وهذه كثلم أُخت موسى بن عمران بعثنا الله من النساء.

إليكِ لنلي منك ما تلي النساء فجلست واحدة عن يمينها، وأُخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة سلام الله علیها طاهرة مطهّرة.

فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

ودخل عشر من الحور العين كلّ واحدة منهنّ معها طست من الجنّة ، وإبريق من الجنّة، وفي الإبريق ماء الكوثر .

فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت

خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر فلفتها بواحدة وقنّعتها بالثانية.

ثم استنطقتها فنطقت فاطمة سلام الله علیها بالشهادتين، وقالت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ أبي رسول الله سيّد الأنبياء، وأنّ بعلى سيّد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط . ثمّ سلّمت عليهنَّ وسمَّت كل واحدة منهنّ باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة سلام الله علیهاوحدث في السماء نور زاهر لم تَرَهُ الملائكة قبل ذلك .

وقالت النسوة: خُذيها يا خديجة طاهرة ،مطهّرة زكيّة ميمونة بورك فيها وفي نسلها.

فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدرَّ ،عليها، فكانت فاطمة سلام الله علیها تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر، وتنمي في الشهر كما ينمي

ص: 94

الصبيّ فى السنة».(1)

أي نبي كانت مقدّمات ولادته مثل مقدّمات ولادة الزهراء، وأي واحدٍ منهمكانت له هذه الكرامات والتجليات ؟!

لو قلنا بأنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها بالنظر إلى الامتيازات الخاصة التي منحها الله -: أفضل من أنبياء الله وأوليائه لم يكن قولنا هذا جزافاً، بل هو بل هو حقيقة واقعيّة تجعل كلّ إنسان منصفٍ أن يقبلها.

ص: 95


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 690 - 947/691، روضة الواعظين: 143 - 144 ، دلائل الإمامة: 76 - 17/79 ، بحار الانوار :43 1/2 عوالم العلوم 1/11: 55 - 1/57

ص: 96

الفضيلة الثامنة : تلالؤ نور فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن ابن عمارة، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة لِمَ سُمِّيت زهراء ؟ فقال: «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زَهَرَ نُورُها لأهلِ السَّماء كما يَزْهَرُ نُورُ الكواكب لأهل الأرض».(1)

إضاءة نور فاطمة سلام الله علیها للملائكة

إن تجلّي نور فاطمة سلام الله علیها لأهل السماء ومن ضمنهم الملائكة - لم يكن عند - قيامها في محراب عبادتها فقط، على الرغم من أنّها ميزة خاصة تُعرف بهذا التلألؤ الواضح الجلي، بل يتلألأ نورها سلام الله علیها لأهل السماوات وبقية العوالم منذ أن خلق الله تعالى ذلك النور قبل خلقة الخَلْق، الذي يتعجب منه أهل السماوات والأرض.

روي عن عبدالله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فسلمت،

ص: 97


1- علل الشرائع 1: 3/181 معاني الأخبار : 15/64 ، بحار الأنوار 43: 6/12 ، بيت الأحزان 38

وقلت: يا رسول الله، أرني الحقِّ أنظر إليه بياناً .

فقال : «يا بن مسعود لج المَخْدَع فانظر ماذا ترى؟»

قال : فدخلت، فإذا عليّ بن أبي طالب علیه السلام راكعاً وساجداً، وهو يخشع في ركوعه وسجوده ويقول: «اللَّهمَّ بحق نبيك محمّدٍ إِلَّا ما غَفَرْتَ للمُذْنِبينَ مِنْ شيعتي»، فخرجت لأخبر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بذلك، فوجدته راكعاً وساجداً، لأُخْبِرَ وهو يخشع في ركوعه ويقول: «اللهم بحق عَليٍّ وليك إلا ما غَفَرْتَ للمُذْنِبينَ مِنْ أُمَّتِي».

فأخذني الهلع ؛ فأوجز صلى الله عليه و آله وسلم في صلاته، وقال: «يا بن مسعود أكفراً بعد إيمان؟».

فقلت : لا َوعَيشِكَ يا رسول الله، غير أنّى نظرتُ إلى عليّ وهو يسأل الله تعالى بجاهِكَ، ونظرتُ إليك وأنت تسأل الله ،بجاهه، فلا أعلم أيُّكما أوجه عند الله تعالى من الآخر؟

فقال: «يا بن مسعود إنّ الله تعالى خلقني وخلق عليّاً والحسن والحسين من نور ،قدسه، فلما أراد أن يُنشئ خلقه فتق نوري وخَلَقَ منه السماوات ،والأرض وأنا والله أجلَّ من السماوات والأرض، وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي، وعلي والله أجلُّ من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة والحسن والله أجل من الحور العين والملائكة، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم، والحسين والله أجل

من اللوح والقلم . فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب.

فضجّت الملائكة ونادت إلهنا وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما فرجت عنا هذه الظُّلمة. فعند ذلك تكلّم الله بكلمة أخرى، فخلقَ منها روحاً، فاحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش، فأشرقت

ص: 98

المشارق و المغارب: فلاجل ذلك سُمِّست الزهراء.

يا بن مسعود، إذا كان يوم القيامة، يقول الله عزّوجل لي ولعليٍّ: أدخلا الجنّة من أحببتما وألقيا في النار من أبغضتما والدليل على ذلك قوله تعالى :

«الْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ».(1)

فقلت يا رسول الله ، مَنْ الكفّار العنيد ؟

قال: «الكفّار : مَنْ كَفَرَ بنبوّتي، والعنيد: من عاند عليّ بن أبي طالب».(2)

إضاءة نور فاطمة سلام الله علیها للناس!

لم يكن نور فاطمة سلام الله علیها نجاة من الظلمات لأهل السماوات فقط، بل لأهل الأرض أيضاً ، فكانوا يستضيئون بنور وجهها سلام الله علیها. فعن عائشة قالت:

كُنَّا نَخيطُ وتَغْزِلُ وننظمُ الأَبْرَةَ بالليل في ضوء وَجْهِ فاطمة.(3)

إضافةً إلى استفادة زوجات النبي صلى الله عليه و آله وسلم من نور وجه فاطمة سلام الله علیها، فإنّ أهل المدينة أيضاً كانوا يستضيئون من نور الزهراء سلام الله علیها في كلّ كلّ يوم ثلاث مرات، حيث كانت شمس نورها تشرق على جدران بيوت المدينة ؛ لإتمام الحجّة على أولئك الذين وقفوا موقف المعادى لها ولزوجها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه و آله وسلم الليل ، وأضرموا النار في بيتها وكسروا ضعلها، وأسقطوا جنينها.

عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : يا بن رسول الله، لم سُمِّيت الزهراء زهراء ؟

فقال: «لأنّها تَزْهِرُ لأمير المؤمنين سلام الله علیها فى النهار ثلاث مرّات بالنور:

ص: 99


1- سورة ق 24:50
2- بحار الأنوار 36: 73 - 24/74 ، تأويل الآيات 2: 610 - 7/612
3- عوالم العلوم 1/11: ،3/75، إحقاق الحق 244:10

كان يَزْهرُ نور وجهها صلاة الغداة والناس في فراشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة ؛ فتبيّض حيطانهم، فيعجبون من ذلك، فيأتون النبى صلى الله عليه و آله وسلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة سلام الله علیها، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يَسْطعُ من محرابها من وجهها ؛ فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة .

فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة ؛ زَهَرَ نُورُ وجهها سلام الله علیها بالصفرة، فتدخل الصفرة في حجرات الناس، فتصفرُّ ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبي صلى الله عليه و آله وسلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة سلام الله علیها فيرونها قائمة في محرابها وقد زَهَرَ نُورُ وجهها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها - بالصفرة؛ فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها .

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً الله عزّوجلّ، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتُحمر حيطانهم، فيعجبون من ذلك، ويأتون النبي صلى الله عليه و آله وسلم ويسألون عن ذلك؛ فيرسلهم إلى منزل فاطمة سلام الله علیها فيرونها جالسة تُسبّح الله وتمجده ونور وجهها يزهرُ بالحمرة؛ فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة سلام الله علیها.

فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى وُلِدَ الحسين علیه السلام، فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت أمام بعد إمام».(1)

ص: 100


1- علل الشرائع 1: 2/180، بحار الأنوار 43: 2/11

الفضيلة التاسعة : نور فاطمة سلام الله علیها يسطع لأهل الجنة

اشارة

عن سعيد الحفّاظ الديلمي بإسناده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :

«بينما أهل الجنّة في الجنَّةِ يَتَنَعَّمُون وأهل النار في النار يُعَذِّبون، إذ لأهل الجنة نور ساطع، فيقولُ بعضُهم لبعض : ما هذا النور؟ لَعَلَّ رَبَّ العِزَّةِ اطَّلَعَ فَنَظَرَ إِلينا ؟! فيقولُ لهم رضوان : لا ، ولكن عليٌّ علیه السلام مازَحَ فاطمةَ سلام الله علیها، فَتَبَسَّمَتْ فَأَصَاءَ ذلك النور من ثناياها».(1)

سطوع نورسلام الله علیها فاطمة لأهل الجنة!

إن انتشار النور من ثنايا الزهراء سلام الله علیها هو جزء من سطوع نورها لأهل الجنة وفي حديث آخر يذكر الإمام الصادق علیه السلام علة تسمية فاطمة بالزهراء، وأنّ

ص: 101


1- مقتل الحسين للخوارزمي : 70 ، بحار الأنوار 43: 75، عوالم العلوم 2/11: 4/1164، وفيهما إذا لأهل الجنة بدل إذ لأهل الجنة. وقريب منه في إحقاق الحق 10: 135 عن عبدالرحمان بن عبد السلام الصفوري الشافعي، كما في نزهة المجالس 2 : 228 طبع القاهرة، والمحاسن المجتمعة : 201 مخطوط نسخة المكتبة الظاهرية دمشق

نورها كان متجلياً لأهل الجنّة دائماً.

عن الحسين بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام: لِمَ سُمِّيت فاطمة الزهراء ؟ قال: «لأن لها فى الجنّةِ قُبَّةً من ياقوت حمراء ، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنةٍ مُعلَّقة بقدرة الجبار لا علاقة لها من فوقها فتمسكها، ولا دِعامة لها من تحتها فتلزمها ، لها مائة ألف باب ، على كُلِّ بابٍ ألفّ مِنَ الملائكة، يراها أهل الجنَّةِ كما يرى أحدُكُم الكوكب الدرِّيَّ الزَّاهِرَ في أُفُقِ السماء، فيقولون: هذه الزهراء - لفاطمة - سلام الله علیها».(1)

تلألؤ نور فاطمة سلام الله علیها لآدم وحواء في الجنة

إنّ تلألو نور فاطمة سلام الله علیها في الجنّة ليس مختص بأهل جنّة الآخرة فقط، بل تتلألأ أيضاً لأهل جنة الدنيا التى كان يعيش فيها آدم وحوّاء. عن الإمام العسكري علیه السلام، عن آبائه ، عن جابر بن عبدالله ، عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «لمّا خَلَقَ اللهُ آدم وحوّاء تبخترا في الجنّة، وقالا : مَنْ أَحْسَنُ مِنّا؟

فبينما هما كذلك، إذ هما بصورةِ جاريةٍ لم يُرَ مِثْلُها، لها نُورٌ شَعْشَعَاني يَكادُ يُطفِئُ الأبصار . قال يا ربِّ ما هذه؟

قال صورةُ فاطمةَ سيَّدة نساء وُلْدِكَ .

قال: ما هذا التّاجُ على رأسها ؟

قال : عليٌّ بعلها.

قال : فما القرطان ؟

:قال ابناها وُجِدَ ذلك في غامِضِ علمي قبل أن أخْلُقَكَ بألفي عام».(2)

ص: 102


1- المناقب لابن شهر آشوب 3 ،111، بحار الأنوار 43: 16 بيت الأحزان 25
2- عوالم العلوم 1/11 : 33 /20 ، إحقاق الحق 7: 20 میزان الاعتدال 2: 495 - 4568/496، لسان الميزان 3: 1409/346

الفضيلة العاشرة : فاطمة سلام الله علیها والملائكة

اشارة

عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عسيى بن زيد بن علي قال : سمعتُ أبا عبد الله علیه السلام يقول :

«إنّما سُمِّيت فاطمة مُحدَّثة ؛ لأنّ الملائكة كانت تَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ فَتُناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول : يا فاطمة إنّ الله اصْطَفَاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفَاكِ على نساء العالمين يا فاطمة، اقْنتي لِرَبِّكِ واسْجُدي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ، فتُحدِّثُهُم ويُحَدِّثُونَها».(1)

تواصل فاطمة سلام الله علیها مع الملائكة المقربين !

بالتأمل في هذا الحديث الشريف وأمثاله، تبرز عدة أسئلة في ذهن الإنسان أوّلها هل أنّ الملائكة تنزل على غير أنبياء اللهِ ورُسُلِهِ ؟

ثانيها : عند نزولها هل يستطيع أحد رؤيتها غير رُسُل الله؟

ص: 103


1- علل الشرائع 1: 1/182 دلائل الإمامة: 66/152 ، بحار الأنوار 23/206:14 و 43: 65/78 ، تفسير كنز الدقائق 2 :42

ثالثها: هل أنّ غير الأنبياء والرُّسل يستطيع أحد التحدُّثُ مع الملائكة وسماع حديثها ؟

في الجواب عن هذه الأسئلة نقول:

إن رؤية الملائكة والتحدث معهم واستلام الأوامر الإلهيّة منهم ليس مختص بأنبياء الله ورسله فقط، مع أنّ التواصل مع ملائكة الله المقرَّبين واستلام الوحي - وحي النبوّة والرسالة - هو من اختصاص الأنبياء والمرسلين، وبارتحال خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم، واكتمال الوحي الألهي للبشرية عن طريقه ؛ قُطِعَ هذا التواصل مع الوحي الإلهي، لكن تواصل أوصياؤه من بعده مع الملائكة بصورة غير تلك ولم ينقطع.

أقسام الوحي في القرآن

من أجل أن تُفهم هذه المسألة أكثر، ينبغي علينا أن نوضح باختصار أقسام الوحي في القرآن والروايات.

يُعرَّف الوحي : بأنّه الكلام الذي يُقال للشخص بالخفاء والسرّ، والقصد منه إفهام المُخَاطَب بصورة سرِّيَّة ؛ حتى لا يعرفه بقيّة الناس.

ولقد ورد هذا المعنى للوحي في القرآن الكريم، وعلى هذا الأساس والمفهوم الكلي للوحي، يُقسم الوحي إلى أقسام متعدّدة، كما ورد في رواية أمير المؤمنين علیه السلام:

عن الصادق قال: «قال أمير المؤمنين علیه السلام حين سألوه عن معنى الوحي فقال :

منه وحي النبوة، ومنه وحي الهام، ومنه وحي الإشارة، ومنه وحي أمر،ومنه وحي كذب، ومنه وحي ،تقدير ومنه وحي خبر ومنه وحي الرسالة.

ص: 104

فأما تفسير وحي النبوّة والرسالة فهو قوله تعالى: «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ».(1)

وأما وحي الإلهام فقوله عزّوجل : «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ»(2)، ومثله: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمَ».(3)

وأما وحي الإشارة: فقوله عزّوجلّ : «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيَّا»(4)، أي أشار إليهم لقوله تعالى: «أَلَّا تُكَلِمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً».(5)

وأمّا وحي التقدير : فقوله تعالى:«وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ... * .... * .... وَأَوْحَىٰ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ...».(6)

وأما وحي الأمر: فقوله سبحانه: «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِنِينَ أَنْ ءَامِنُوا بِي وَ بِرَسُولِی».(7)

وأما وحى الكذب: فقوله عزّوجل: «شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ».(8)

وأما وحي الخبر: فقوله سبحانه: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا

ص: 105


1- سورة النساء 4: 163
2- سورة النحل 16: 68
3- سورة القصص 28: 7
4- سورة مريم 19: 11
5- سورة آل عمران 3: 41
6- سورة فصلت 41: 10 و 12
7- سورة المائدة 5: 111
8- سورة الأنعام 6: 112

إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ».(1)».(2)

إن الآية الشريفة الأخيرة قد فُسِّرَت بأئمة أهل البيت علیهم السلام، كما ورد في روايات كثيرة.(3)

أيُّ وحي قُطِعَ بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم؟

بعد أن أوضح لنا أمير المؤمنين علیه السلام أقسام الوحي، يجب العِلم بأنّ في بعض الأحيان تُطرح مسألة الوحي، والمراد منه الحديث القدسي الذي يُلقى من قِبَل الله تعالى لأنبيائه ورسله، والغرض من إلقائه بيان للشريعة وشرح حكم مستحدث من قبل الله سبحانه للبشر، وهذا الحديث القدسي يأتي على عدّة صور:

1 - مرّة يكون الإلقاء بواسطة ملك يراه نبي الله أو رسوله، كما كان يتمثل جبرئيل لرسول الله محمد صلی الله علیه و آله وسلم في كثير من موارد نزول الوحي.

2 - ومرة ينزل الوحي بواسطة ملك لا يراه النبي أو الرسول، بل يُلقي الوحي على قلبهما، كما قال سبحانه:«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ»«عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ».(4)

وكما قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «ألا وإنّ الروح الأمين نَفَثَ فِي رَوْعي».(5)

3 - ومرة يكون بلا واسطة ملك، بل يُسْمِع الله سبحانه النبي أو الرسول

ص: 106


1- سورة الأنبياء 21 : 73
2- بحار الانوار 14: 19/180 و 93: 16
3- انظر تفسير البرهان 3: 65 - 66
4- سورة الشعراء 26: 193 - 194
5- الكافي 2: 2/74 و 5: 1/80 ، تهذيب الأحكام 6: 321 /880 وسائل الشيعة 17: 21938/44، بحار الأنوار 5: 13/148 و 67 : 3/96

كلامه، أو يقذف في قلبه، وهذه الحالات تتحقق أثناء النوم (الرؤيا)، أو في اليقظة.

غير أن الوحي بهذا المعنى - تشريع قانوني وبيان شريعة - يخص الأنبياء والرسل، وأن آخرها وأفضلها وأوسعها نزل على خاتم الأنبياء والمرسلين

محمد صلی الله علیه و آله وسلم.

أما بقية أقسام الوحي التي أشير إليها - فنزولها غير مختص بالأنبياء والمرسلين فقط، بل يشمل غيرهم ،أيضاً كما بينها أمير المؤمنين علیه السلام عند تقسيمه للوحي.

هل ينزل الوحي على الإمام علیه السلام؟

من مجموع المواضيع التي بحثت في هذا الخصوص، والروايات التي لها علاقة بالوحي؛ نصل إلى النتيجة التالية : إن قسمين من أقسام الوحي لا يشمل

الإمام المعصوم وهما : وحي النبوّة والرسالة، ووحي الكذب.

لكن لا مانع من نزول بقيّة أقسام الوحي على الإمام علیه السلام، بل أكدت ودلّت عليه الأدلّة العقلية والنقليّة حتّى إن بعض العلماء قال : لا مانع عقلي من نزول الوحي بمعنى تشريع لقانون إلهي على الإمام علیه السلام؛ لأن الإمام علیه السلام لديه القابلية لاستلام مثل هذا الوحي، لكنّ الإجماع الحتمي على انقطاع مثل هذا الوحي بعد رحيل خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم جعلنا نقول بعدم نزوله على الإمام علیه السلام ووصي النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

بعبارة أخرى : كما أن الناس يحتاجون إلى وجود نبي صلی الله علیه و آله وسلم لاستلام القوانين الإلهيّة، فهم محتاجون أيضاً بعده إلى وجود إمام علیه السلام، ليشرح لهم ويحفظ حدود ذلك القانون. ومن أجل ذلك يجب أن يمتاز الإمام علیه السلام بتأييدات إلهيّة

ص: 107

كما امتاز بها النبي قبله؛ حتّى لا يُرى فيه أصغر نقص أو عجز، وليحفظ دين الله، ويصحح عقيدة وعمل عباده.

ويؤيد هذا: الحكم العقلي والأدلة النقلية؛ لأن المستفاد من الروايات الكثيرة في هذا الخصوص هو : إنّ نبي الإسلام صلی الله علیه و آله وسلم مُؤيَّد بمخلوق اسمه «روح القدس»، وهو: «خَلْقٌ من خَلْقِ الله أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يُخبره ويسدّده، وهو مع الأئمة من بعده»(1)؛ حتى يرى النبي صلی الله علیه و آله وسلم والإمام علیه السلام بروح القدس ما غاب عنه في أقطار الأرض والسماء وما دون العرش، وليستلم الإلهامات الغيبية الإلهيّة؛ ليتعهد بهداية وسعادة عباد الله ، ويتحمّل الإمام مقام الإمامة الكبرى ووصية خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم.

إذن بالاعتماد على هذه الروايات، فالإمام علیه السلام لديه القابلية لاستلام الوحي لكن بانقطاع الوحي بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم فلا يستلم الإمام علیه السلام وحي النبوة والرسالة، لكنّه علیه السلام يستلم بقيّة أقسام الوحي التي هي وحي الإلهام الغيبي، وحي الإشارة المعنوية، وحي الأمر الإلهي، وحي الخبر السماوي، ووح-ي التقدير السنوي المخلوقات الأرض والسماء، أما بواسطة الملائكة أو بلا واسطة بسماع صوتٍ أو بالإلقاء في القلب. وأما باليقظة أو في النوم، وكل ذلك يستلمه الإمام علیه السلام من الذات المقدّسة الإلهية.

يُشير الله سبحانه لهذا التواصل فى سورة القدر، حيث يقول تعالى:

«تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ»«سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر».(2)

لقد وردت في ذيل هذه السورة روايات كثيرة تدل على أنّ الإمام علیه السلام تنزل

ص: 108


1- انظر : الكافي 21: 1/273 - 5 ، بحار الأنوار 18: 264 - 21/265 - 25 و 28
2- سورة القدر 97: 4 - 5

وتُعرَض عليه بواسطة روح القدس أعظم من جبرئيل وميكائيل - في ليلة القدر كلّ مقدّرات المخلوقات السنوية.(1)

الأئمّة الأطهار علیهم السلام مُحَدَّثون

بالنظر للذي ذُكِرَ تبيّن الفرق بين الوحي المختص بالأنبياء علیهم السلام، مع الوحي الإلهي الذي يكون بصورة الإلهام، الأمر الخبر التقدير، والذي ينزل بواسطة الملائكة على أوصياء النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهم الأئمة المعصومون علیهم السلام.

وهذا النوع من الوحي هو معنى أن يكون الإمام مُحدَّث ، والتي تُشير إليه روايات كثيرة رُويت من قبل الشيعة والسنّة .

بمعنى أنه بعد ارتحال النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى ربّه ، لم ينقطع تواصل خليفته ووصيّه مع الله تعالى كما كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يسمع كلام الله تعالى بواسطة الملائكة، ويتكلّم معه بواسطتهم . لكن مع الفرق أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ينزل عليه كلام تعالیٰ بعنوان وحي النبوّة والرسالة (شريعة جديدة) ، وينزل على خليفته ووصيه بعنوان: إلهام، أمر، خبر، تقدير. ومن لديه القابلية والقدرة على رؤية وسماع الملائكة؛ يُطلق عليه بمصطلح أهل البيت علیهم السلام : المُحَدَّث.

نزول الملائكة على غير الأنبياء في القرآن

ينبغي علينا أن نذكر بعض الآيات القرآنية النازلة، والتي تشير إلى كلام الملائكة مع غير الأنبياء؛ لتُبعِد الشكوك عن أذهان بعض الذين يشككون في ذلك. وبعد ذلك نذكر وبشكل إجمالي هذا التواصل من قِبلِ الملائكة مع

ص: 109


1- انظر: بصائر الدرجات باب ما يُلقى إلى الأئمة في ليلة القدر مما يكون في تلك السنة - ونزول الملائكة عليهم : 240

الائمّة الاطهار علیهم السلام و اُمِّهم فاطمة الزهراء سلام الله علیها

1 - قال الله سبحانه وتعالى في مقدّمات ولادة عيسى بن مريم علیهما السلام:

«وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا»«فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا»«قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا»«قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا».(1)

اتفق المفسرون على أن «رُوحَنَا» في الآية هو جبرئيل ، الذي تمثل على شكل إنسان كامل أمام مريم وتكلّم معها وأوصل رسالة الله تعالى.

2 - في آية أخرى تذكر كلام الملائكة معها أيضاً، قال تعالى:

«وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»«يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ».(2)

3 - في قصّة بشارة ولادة إسحاق لزوجة إبراهيم علیه السلام بواسطة الملائكة قال تعالى :

«وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ... *... * وَ امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ»«قَالَتْ يَا وَيْلَتَى ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ»«قَالُوا أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ».(3)

تبيّن هذه الآيات نزول الملائكة فى بيت إبراهيم علیه السلام وكلامهم مع زوجته وبشارتهم لها بولادة إسحاق، كانت سارة زوجة إبراهيم علیه السلام- تعتقد بأنّهم ضيوف، وقامت لهم بواجبات احترام الضيف من تقديم الطعام وغيره

ص: 110


1- سورة مريم 14-17:14
2- سورة آل عمران 3: 42 - 43
3- سورة هود 11: 69 ، 71 - 73

وتكلّمت معهم، كما أنّ الملائكة أيضاً تكلّموا معها .

نزول الملائكة على الأئمة علیهم السلام

تدلّ الآيات السابقة على إمكانية كلام الملائكة مع أشخاص مخصوصين من غير الأنبياء. ويُستفاد من روايات كثيرة على تحدث الملائكة مع أوصياء النبي صلی الله علیه و آله وسلم الأئمة المعصومين علیهم السلام بصورة واسعة تُشير على سبيل المثال إلى بعضها :

1 - عن محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا الحسن علیه السلام يقول :

«الأئمّة علماءٌ صادقُونَ مُفَهَّمونَ مُحَدَّثُونَ».(1)

2 - عن حمران بن أعين قال : قال أبو جعفر علیه السلام : إنّ عليّاً علیه السلام كان مُحَدَّثاً »فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبةٍ !

فقالوا: وما هي؟

فقلت: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «كان عليٌّ مُحَدَّثاً»

فقالوا: ما صنعتَ شيئاً ألا سألته : مَنْ كان يُحَدِّثُهُ؟ فرجعت إليه فقلتُ: إِنِّي حَدَّثَتُ أصحابي بما حدثتني ، فقالوا: ما صنعت شيئاً ألا سألته : مَنْ كانَ يُحَدِّثُهُ؟

فقال لي: «يُحَدِّثُهُ مَلَك».

قلت: تقول: إنّه نبيّ ؟!

قال: فحرّك يده هكذا ، ثمّ قال : « أو كصاحبِ سليمان أو كصاحب موسى،أو كذي القرنين، أَوَمَا بَلَغَكُم أنه قال: وفيكُم مِثْلُهُ!».(2)

ص: 111


1- بصائر الدرجات: 1/339 ، الكافي 1: 3/271 وانظره بسندٍ آخر في كشف الغمة 3: 94، بحار الأنوار 26: 1/66 بتفاوت يسير
2- بصائر الدرجات: 341 - 3/342 ، الكافي 1: 5/371 ، الاختصاص : 286 - 287 ، بحار الأنوار 26: 11/70

3 - عن حمران قال : حدثنا الحكم بن عيينة ، عن علي بن الحسين علیه السلام قال :«إِنَّ عِلْمَ عَليٍّ في آية من القرآن، وكتمنا الآية».

قال: «اقرأ يا حمران». فقرأت: «وَمَا أَرْسَلْنَا من قَبْلِكَ مِن مِن رَّسُولٍ وَ لَا نَبِيّ».(1)

قال فقال أبو جعفر علیه السلام: «وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍ ولا مُحَدَّثٍ».

قلت: وكانَ عليٌّ علیه السلام مُحَدَّثاً؟

قال: «نعم».(2)

أورد العلّامة المجلسي في كتابه الشريف «بحار الأنوار» أكثر من أربعين حديثاً كلها تدلّ على أن الأئمة الأطهار كانوا مُحَدَّثين (3)، وأنّ كَوْنَ الأئمة الأطهار علیه السلام مُحَدَّثين هو مورد اتفاق كل علماء الشيعة، كما ونقل علماء العامة في كتبهم روايات تدلّ على ذلك.

فقد كان عبدالله بن عبّاس يقرأ آية: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَ لَا نَبِيٍّ»(4)، هكذا وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي ولا مُحَدَّثٍ.(5) وعلماء السنّة يعتقدون بأنّه يجب أن يكون هناك شخص بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأن يكون ذلك الشخص مُحَدَّثاً؛ ليتواصل مع الملائكة، ويوضح له الله تعالى الحق والباطل.

وتعتقد الشيعة بأن ذلك الشخص بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم هو أمير المؤمنين علي بن

ص: 112


1- سورة الحج 22: 52
2- بصائر الدرجات : 11/343 ينابيع المعاجز : 50 ، بحار الأنوار 26: 8/68
3- بحار الأنوار 26 : 66 - 1/85 - 47
4- سورة الحج 22: 52
5- صحيح البخاري 4 : 200 ، تفسير القرطبي 12: 79 ، الدر المنثور 4: 366 ذيل الآية 52 من سورة الحج

أبي طالب علیه السلام، كما أُشير إليه في بعض الروايات.

الفرق بين النبي، والرسول، والمُحدَّث

إن مسألة الفرق بين النبي، والرسول والمُحدَّث مسألة تستحق التأمل بدقّة، ففي مجموعة من الروايات يُذكَرُ فيها الفرق بين النبي ، والرسول،والمُحدَّث. فالرسول عندما يستلم الوحي من الله تعالى فهو يرى الملائكة ويسمع كلامهم.

أمّا المُحَدَّث : عندما يستلم رسالة من الله تعالى، فهو يسمع كلام الملائكة فقط ولا يراهم .

نذكر على سبيل المثال رواية :

عن زرارة قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: «وَكَانَ رَسُولًا نَبيَّا»(1): ما الرسول وما النبيّ؟

قال: «النبيُّ : الذي يرى في منامه ويسمعُ الصوت ولا يُعاينُ المَلَكَ.

والرسولُ : الذي يَسمَعُ الصوت ويرى في المنام ويعايِنُ المَلَكَ».

قلت : الإمام ما منزلته ؟

قال: «يَسْمَعُ الصوت ولا يرى ولا يعاين المَلَكَ»، ثم تلا هذه الآية: وما أرسلنا من قبلكِ من رسولٍ ولا نبيّ ولا مُحَدَّثٍ».(2)

هل يرى الإمام علیه السلام الملائكة ؟

بالنظر إلى الأدلّة التي تُبيّن منزلة الإمامة الكبرى وشخصيّة خليفة ووصيّ

ص: 113


1- سورة مريم 19: 51
2- الكافي 1: 1/176 ، بحار الأنوار 11: 41/41

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، يُطرح هذا السؤال: ما هو مقصود الروايات التي تقول : إن الإمام، أو المُحَدَّث لا يرى الملائكة ؟

ألم تكن وجوب طاعة الأئمة المعصومين علیهم السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من قِبَلِ جميع المخلوقات ، التي من ضمنها ملائكة الله المقرّبين كجبرئيل وميكائيل، وكذا الحيوانات والملائكة والجن ؟ فكيف يمكن للإمام - مع كلّ هذه العظمة - لا يرى الملائكة التي تحت أمره ؟!

وبالنظر إلى الروايات الكثيرة المعتبرة، التي تُعرّف الملائكة بأنّهم خُلِقُوا من نور الأئمة الأطهار علیهم السلام، وهم العلّة في في إيجاد الملائكة، فكيف يُعقل بأنّ الشخصيّة التي تكون السبب في خلق الملائكة أن لا تراها ؟!

إنّ الروايات التي تشير إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بأنه المعلم للملائكة، وتبيّن لنا هذا المعنى الذي فيه كلّ كمال وعلم للملائكة المقربين وغير المقرّبين منشوه علیه السلام علمه الذي لا يُحدّ (1)، هل تسمح لنا هذه الروايات بقبولها بدون قيد أو شرط، ونقول بصورة كليّة : إنّ الإمام علیه السلام لا يرى الملائكة ؟! في حين أن كل الملائكة تستكدي علمها وكمالها من الأئمّة المعصومين علیهم السلام، بل تتقرب إلى الله تعالى كل يوم بمحبة هذه الذوات المقدّسة، وتستغفر لمحبّيهم وتلعن أعداءهم.(2)

ومن جانب آخر فإنّ الروايات التي تفضّل خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على جميع الملائكة (3)، هو مانع آخر من التمسُّك بظاهر الروايات المذكورة ؟

ص: 114


1- كما في بحار الأنوار 26: 1/335 و : 10/34 و 15/342، 16: 17/344 و : 18/345 و : 19/346 و : 23/349 و 24/350
2- كما في بحار الأنوار 26: 5/339
3- كما في بحار الأنوار 26: 8/335. ويذكر العلامة المجلسي الله في هذا الباب أكثر من 20 رواية، يُستفاد من مجموعها بأن الأئمة أفضل من الملائكة

مع كلّ ذلك فإن الأدلة التى توضح أن أوصياء خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله وسلم أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين(1)، وأن كل كمال وفضيلةٍ كانت عند أنبياء الله السابقين ، فهي عند الأئمة المعصومين علیهم السلام وأكثر وأكمل من تلك التي كانت عند أنبياء الله ، فكيف تجيز بالاستدلال بظاهر الروايات ونقول : الإمام علیه السلام لا يستطيع أن يرى الملائكة، أو أثناء الكلام وسماع صوتهم لا يمكنه أن يراهم، لكنّ أنبياء الله السابقين مع كلّ كمالهم وعظمتهم فهم أقل من الأئمة المعصومين علیهم السلام، فكيف يُمكن أن أنبياء الله يرون الملائكة والأئمة علیهم السلام لا يرونهم؟

والآن يجب أن أن نرى ما هو الجواب لكلّ هذه الأسئلة التي تخطر في الذهن نتيجة مجموعة من الروايات المعتبرة في أبواب مختلفة وما هو التوجيه لهذه الروايات التي تُبيّن الفرق بين النبى الرسول، والإمام المُحدَّث ؟

الجواب :

بلا ريب أنّ الروايات التي تُعرّف شخصيّة نبي الإسلام صلى الله عليه و آله وسلم، وتبيّن مقام الإمامة الكبرى لتلك الذوات المقدّسة؛ تتميز باستحكام سندي وقوّة دلالة بدرجة لا يمكن أن يُغَضُّ الطَّرْفُ عنها. بمعنى قطعاً أن كل أوصياء النبي صلى الله عليه و آله وسلم الاثني عشر من أمير المؤمنين إلى صاحب الزمان علیهم السلام أفضل من جميع الأنبياء وأوصيائهم، فالأئمة علیهم السلام منوّرون بنور العلم اللدني، ومقدَّمون في العلم والمعرفة على الأنبياء السابقين.

كما لا شك في أفضليتهم علیهم السلام على جميع الملائكة المقربين وغير المقرّبين وأنّ منشأ العلم والمعرفة للملائكة هو منهم علیهم السلام.

ص: 115


1- انظر بحار الأنوار 26: 267 الباب 26، ينقل العلامة المجلسي في هذا الباب أكثر من 80 رواية، يُستفاد منها يقيناً بأن خلفاء النبي الأئمة الأطهار هم الأنبياء والمرسلين، وأنبياء أولوا العزم بمحبّتم نالوا هذه الدرجة العظيمة

والآن يجب أن نرى الروايات التي تبين الفرق بين النبي الرسول، والإمام - المُحَدَّث - ماذا لديها من توجيهات ؟

هناك عدة احتمالات تُحْتَمل عن صدور تلك الروايات وهي عبارة عن :

1 - إنّ الفرق المذكور في الروايات هو بين الإمامة الصغرى والوصاية العامة بمعنى: إنّ هذا الفرق هو تقييم بين مقام رسالة الأنبياء والمرسلين، وبين مقام إمامة أوصيائهم - والتي لا تُعتبر دليلاً على أفضليتهم عن الأنبياء - فالرسول يُطلق على : الذي يرى الملائكة ويسمع كلامهم، ويستلم الوحي الإلهي . والإمام والمُحَدَّث : هو الذي لا يرى الملائكة، لكن يسمع كلامهم، ويستلم نداء الله تعالى.

لكنّ الإمامة الكبرى والوصاية الخاصة المتمثلة بالأئمة الأطهار علیهم السلام وخلفاء آخر أنبياء الله علیهم السلام ليست هكذا ؛ لأنّ النصوص الخاصة والأدلة المعتبرة تبين أفضلية الأئمة المعصومين علیهم السلام على جميع الأنبياء والمرسلين وحتّى أُولوا العزم منهم ما عدا خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله وسلم (1)، ومدلولها : إنّ كلّ كمال ومعرفة عند الأنبياء السابقين، منحه الله تعالى مع زيادة إلى أوصياء آخر أنبيائه ورسله علیهم السلام.

إذن الروايات التي تبيّن الفرق بين الرسالة والإمامة، هي مخصَّصة في الأئمة الأطهار - حسب الأدلة التي ذكرت وكل كمال الأنبياء والمرسلين وأولوا -

العزم، التي من جملتها رؤية الملائكة، تثبت للأئمة الأطهار علیهم السلام.

والدليل على هذا هو لم يكن ولا في رواية واحدة ادّعاء الأئمّة المعصومين علیهم السلام بأنهم لا يرون الملائكة، لكن بعنوان مطلب كلّي قالوا - في مقام الفرق بين الإمام المُحدَّث والرسول - ما معناه: «الإمام لا يرى الملائكة لكن الرسول يرى الملائكة» .

ص: 116


1- انظر بحار الأنوار 26: 267 - 1/318 - 88

هذا الفرق لا ينافي حسب الأدلة التي ذكرت كونهم علیهم السلام يرون الملائكة،يتكلّمون معه- معهم ويسمعون كلامهم، لكن سائر أوصياء الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه و آله وسلم، قد حُرموا من رؤية الملائكة، وكانوا فقط يسمعون صوتهم، وفي بعض الأحيان يتكلّمون معهم.

2 - إِنَّ الفرق الذي ذُكِر في الروايات بين مقام رسالة الأنبياء وإمامة الأوصياء؛ بسبب أن مجموعة كبيرة من الناس لا يعرفون ولا يحفظون حقوق وحدود أئمة أهل البيت علیهم السلام التي عينها الله لهم لذلك كانوا لا يستطيعون أن يبيّنوا للناس كلّ كمالاتهم وفضائلهم.

ومن جانب آخر لو لم يكن فرق في كلامهم بين رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والإمام (المُحدَّث) علیه السلام البرزت شبهة بأنّهم أيضاً أنبياء ورسل الله والكثير من الناس الذين لا يعرفونهم معرفة صحيحة وكاملة - عندما يرون معجزاتهم يقولون بنبوّتهم، فكيف عندما يسمعون بأن الأئمة علیهم السلام مثل الأنبياء يرون الملائكة ويتحدّثون معهم ؟! فإذاً يستيقنون من عقيدتهم الباطلة. يغفلون عن أنّ نبي الله هو الذي لديه الخصوصيات التالية:

أوّلاً: يأتي بمعجزة يعجز عن مثلها بقية الناس.

ثانياً: يتواصل مع ملائكة الله المقربين ويراهم ويستلم منهم الوحي. ثالثاً :

معجزاته وكمالاته، يدّعى النبوة.

في حال أنّ الأئمة المعصومين علیهم السلام وخلفاء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مع أنّ لديهم معجزات كمعجزات رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أو شبية لها يرون الملائكة ويتكلّمون معهم ؛ لكن لا يستلمون الوحي بعنوان شريعة جديدة - ولا يدّعون النبوّة؛ بل يشمئزون كثيراً من أولئك الذين ينسبون النبوّة لهم.

ومن جانب أن الأئمة الأطهار علیهم السلام كانوا في زمانٍ فيه الناس على مذاهب

ص: 117

شتّى مخالفين لمذهبهم، وحتى أولئك الذين قبلوا بعقائدهم بسبب حداثة معرفتهم بأهل البيت علیهم السلام كانوا يقصرون في معرفتهم وحقهم، أو لم تكن

لديهم القابلية لتحمّل سماع فضائلهم وكمالاتهم ، وإذا صدر من أئمة أهل البيت علیهم السلام مطلبٌ معيّن لا يتقبلونه منهم.

والدليل على ذلك الرواية الآتية :

عن زرارة قال : قَدِمتُ المدينة وأنا شاب ،أمرد، فدخلت سُرادقاً لأبي جعفر علیه السلام بمنى، فرأيت قوماً جلوساً فى الفسطاط وصدر المجلس ليس فيه أحد، ورأيت رجلاً جالساً ناحية يحتجم فرفعت برأيي أنه أبو جعفر علیه السلام، فقصدت نحوه، فسلمت عليه فردّ عَلَيَّ فجلست بين يديه والحجام خلفه.

فقال: «أَمِنْ بنى أعين أنت؟». فقلت : نعم أنا زرارة بن أعين.

فقال: «إنّما عرفتُكَ بالشبه أحجّ حمران»؟ قلت: لا، وهو يُقرؤك السلام.

فقال: «إنّه من المؤمنين حقاً لا يرجع أبداً، إذا لقيته فاقرأه مني السلام، وقل له: لِمَ حدثت الحكم بن عيينة عنّي أن الأوصياء محدّثون؟».(1)

لذلك فالأئمة الأطهار علیهم السلام كان لابد لهم من توضيح المسائل بصورة يكون من شأنها رفع مستوى الناس بمعرفة الأئمة علیهم السلام؛ حتى لا يُقاسوا مع كلّ أحدٍ، وأن لا يَضِلَّ بهم آخرون ويرفعونهم فوق حدودهم ويعتبرونهم أنبياء.

إضافة إلى أن مجموعة من الناس كانوا ينكرون موضوع كلام الأئمة علیهم السلام مع الملائكة ويخفونه ويكتمونه في صدورهم.

إذن فصدور تلك الروايات - التي تبيّن الفرق بين النبي والرسول والإمام (المُحَدَّث) - من أجل دفع مثل هذه الشبهات وبيان مرتبة من مراتب

كمال الأئمة علیهم السلام.

ص: 118


1- اختيار معرفة الرجال 1: 308/414 ، بحار الأنوار 26 : 80 - 42/81

3 - مراد الإمام علیه السلام من أنّ أوصياء الرسول صلی الله علیه و آله وسلم مُحدَّثون-والمُحَدَّث : هو الذي لا يرى الملائكة لكن يسمع كلامهم هو :

إنّ الإمام علیه السلام وخليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا يرى الملائكة كما يرى رسول الله له جبرئيل في حال الوحي وإبلاغ الرسالة واستلام حكم الله تعالى بعنوان الشريعة الإسلامية وتبليغها للناس.

ومن جانب آخر أنّ هذه الروايات تبين الفرق بين النبوة والرسالة والإمامة، ولا تنفي الرؤية بصورة كاملة لكي يستنتج منها بأن الإمام علیه السلام بأي شكلٍ من الأشكال لا يرى الملائكة.

والدليل على ذلك إضافة لكلّ الذي ذكرناه - روايات خاصة تدلّ على أنّ الأئمة الأطهار علیهم السلام وكذلك فاطمة الزهراء سلام الله علیها رأوا ملائكة الله المقربين في غير حال نزول الوح- ئي، سمعوا كلامهم الذي يحمل رسالة من الله إليهم، وتكلّموا معهم. أو أنّ الملائكة توسّلوا بهم وتنعموا من وجودهم وخَدَموا في بيوتهم.

الزهراء والأئمة علیهم السلام یرون الملائكة

من أجل إثبات هذا المطلب تشير إلى عدّة روايات وهي:

ينقل العلّامة البحراني في تفسيره «البرهان» رواية عن الشيخ الطوسي: عن عبدالله بن عجلان السكوني، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «بيتُ عليٍّ وفاطمةَ من حُجرة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وسقف بيتهم عَرْشُ ربِّ العالمين، وفي قَعْرِ بيوتِهم فُرْجةٌ مَكْشوطةٌ إلى العرش مِعْرَاج الوحي والملائكة، تتنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً، وفي كل ساعةٍ وطَرْفَةَ عينٍ والملائكة لا يَنْقَطِع فوجُهُم ، فوج ينزِلُ وفوج يصعد، وإن الله تبارك وتعالى كَشَط لإبراهيم علیه السلام عن السماواتِ حتّى أبصر العَرْشَ، وزاد الله في قوّة ناظره

ص: 119

وإنّ الله زاد في قوّة ناظرة محمّدٍ وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، وكانوا يبصرون العرش ولا يجدونَ لَبَيُوتِهم سَقْفاً غيرَ العَرْشِ ، فبيوتُهم مسقَّفَة بعرش الرحمن، ومعارج معراج الملائكة والروح، فوج بعد فوجٍ لا انقطاع لهم وما مِن بيت من بيوتِ الأئمة منا إلا وفيه مِعراج الملائكة ، لقول الله عزّ وجلّ: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ»«سَلَامٌ».(1)

قال: قلت: «مِن كُلِّ أَمْرٍ» ؟

قال: «بكلّ أمر».

فقلت هذا التنزيل ؟

قال: «نعم».(2)

تُبيّن هذه الرواية المنزلة العظيمة للزهراء سلام الله علیها وبعلها وبنيها التي لا يصل إليها أحد من الخلق عدا أبيها والعارفين بحقهم بعد أن يدققوا في الأمور التي أشارت إليها الرواية سيصدّقونها.

والشاهد على صحة هذا المقطع من الحديث - نزول الملائكة على الإمام علیه السلام الليل ورؤيته لهم - رواية أخرى ينقلها العلامة المجلسي في بحار الأنوار: عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى بن جعفر علیه السلام، قال : سمعته يقول : «ما مِنْ مَلَكٍ يُهْبِطْهُ اللهُ في أمرٍ ممّا يُهْبَط له إلّا بدأ بالإمام فعرضَ ذلك عليه، وأنّ مُخْتَلَف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر».(3)

وفي حديث آخر عندما يُسأل أبو جعفر الباقر علیه السلام: تعرفون ليلة القدر ؟

ص: 120


1- سورة القدر 97: 4 - 5
2- تفسير البرهان 5: 11789/714، بحار الأنوار 25: 71/97، تأويل الآيات الظاهرة 2: 4/818 ، بتفاوت يسير
3- بصائر الدرجات : 22/115 ، الكافي 1: 4/394 ، بحار الأنوار 26: 21/357

فقال: «وكيف لا نَعْرفُ والملائكة تطوف بنا فيها!».(1)

رواية أخرى تدلّ على أنّ الإمام علیه السلام يرى الملائكة :

عن محمد بن زياد عن أبي خديجة قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:

«مرّ بأبي علیه السلام رجل وهو يطوف، فضرب بيده على منكبه، ثمّ قال: أسألُكَ عن خصالٍ ثلاث لا يَعْرِفُهنَّ غُيرك وغيرُ رجل آخر، فسكت عنه حتى فرغ من طوافِهِ، ثم دخل الحجر فصلى ركعتين وأنا معه.

فلما فرغ نادى : أين هذا السائل؟ فجاء وجلس بين يديه.

فقال له : سَلْ، فسأله عن مسائل، فلمّا أُجيب قال: صدقت، ومضى.

فقال أبي علیه السلام: هذا جبرئيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُم مَعَالِمَ دِينِكُم.(2)

نموذج آخر عن لقاء الإمام علیه السلام الملائكة:

عن أبان عن عن معبد أو معتب- مولى أبي عبدالله علیه السلام قال: كنت مع أبي عبدالله علیه السلام، فجاء يمشي حتى دخل مسجداً كان يتعبد فيه أبوه، وهو يصلّي في موضع المسجد، فلما انصرف قال:

«يا معبد، أترى هذا الموضع؟». قال : قلت : نعم جُعِلتُ فداك .

قال:«بينا أبي قائم يُصلِّي في هذا المكان إذ جاءه شيخ يمشي حَسَنَ السَّمْت فجلس، وبينا هو جالس إذ جاء رجل أدِم حَسَنَ الوجه والسِّيْمَةَ ، فقال للشيخ: ما يُجْلِسُكَ فليس بهذا أُمِرْتَ فقاما يتساران وانطلقا وتواريا عني، فلم أرَ شيئاً.

فقال أبي : يا بُنيَّ، هل رأيت الشيخ وصاحبه ؟

فقلت : نعم، فَمَنْ الشيخ ومَنْ صاحبه ؟

ص: 121


1- تفسير القمي 2: ،432 تفسير البرهان 5: 715 ذيل ح 11793، بحار الأنوار 94: 14 ذيل ح23
2- علل الشرائع 2: 407 ضمن ح 2 ، بحار الأنوار 26: 2/351

فقال : الشيخ مَلَكَ الموت، والذي جاءَ جبرئيل».(1)

إنّ الذي يُلفت النظر في الرواية الأخيرة هو: إنّ الإمام الصادق علیه السلام في حياة أبيه الإمام الباقر علیه السلام لم يكن إماماً ، لكن رأى جبرئيل وعزرائيل، كما ذكرنا هذا المطلب بصورة موسّعة في الحديث الأوّل الذي نقلناه من تفسير البرهان بخصوص أمير المؤمنين والزهراء والحسنين علیهما السلام.

إذن على الرغم من أن رؤية الملائكة في الأزمنة السابقة كان مختصاً برُسُل الله تعالى وفضيلة لهم، لكن بعد ظهور الإسلام ونبوّة خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم، لماذا لا تكون هذه الفضيلة مختصة بأوصيائه علیه السلام، الذين ثبتت وراثتهم لكلّ فضائل ومناقب الأنبياء السابقين ؟!

أولئك الذين تحت إمرتهم وإمامتهم كلّ عالم الوجود الذي من ضمنه الملائكة - ليستطيعوا الوصول إلى كلّ أُمور العالم.

فمِن هذه الجهة يُستفاد من روايات كثيرة بأنّ بيوت أهل البيت هي مكان ومحلّ نزول وعروج الملائكة، واستفادت الملائكة في الكثير من الأمور اليومية لها من أهل البيت علیه السلام، وكانوا يستفيدون من معنويات وفضائل الأئمة الأطهار علیه السلام.

عن الحسن بن برّة الأصم، عن أبي عبدالله علیه السلام، قال: سمعته يقول:

«إنّ الملائكة لتنزل علينا في رحالنا، وتتقلَّبُ على فُرُشِنا، وتَحْضرُ ،موائدِنا ، وتأتينا مِنْ كُلِّ نبات في زمانهِ رَطّب ويابس وتُقلِّبُ علينا أجْنِحَتِها ، وتُقلب أجْنِحَتِها على صبياننا وتمنعُ الدواب أن تَصِلَ إلينا، وتأتينا في وقتِ كلّ صلاةٍ لِتُصَلِّيَها معنا، وما من يوم يأتي علينا ولا ليل إلا وتأتينا بخبره، وكيف

ص: 122


1- بصائر الدرجات : 1/253 ، بحار الأنوار 26: 24/358

كان سيرته في الدنيا».(1)

رأي العلامة المجلسي

يدرج العلّامة المجلسي لهذا النوع من الروايات تحت عنوان: إنّ الملائكة تأتيهم وتطأُ فُرُشهم وأنّهم يَرَوْنَهم(2)، وبعد أن يذكر 26 روايةً يصل

إلى هذه النتيجة ويقول :

فما ورد من الأخبار أنّهم علیهم السلام لا يرونهم لعله محمول على:

1 - إنّهم لا يرونهم عند إلقاء حكم من الأحكام عليهم.

2 - أو لا يرونهم بصورتهم الأصلية.

3 - أو لا يرونهم غالباً.(3)

لعل الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة هو الأقرب للواقع ؛ لأن الاحتمالان الأول والثالث يخالفان ظاهر بعض الروايات الثابتة، والتي أشرنا إلى بعضها خلال بحثنا، كما أن الاحتمال الثاني يمكن جمعه مع بعض الوجوه التي ذكرناها ولمزيد الاطلاع وفهم أكثر ، يُراجع الروايات التي أسلفنا ذكرنا بدقة.

فاطمة سلام الله علیها المُحَدَّثَة

من الذي ذُكِر يتضح أنّ إحدى كمالات خلفاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، والذي لديهم الإمامة الكبرى، هو رؤية ملائكة الله المقربين، وهذه هي منزلة كَوّن الإمام

ص: 123


1- بصائر الدرجات: 113 - 17/114 و 21/115، بحار الأنوار 26: 18/356، الخرائج : والجرائح 2 : 64/852
2- بحار الأنوار 26: 351 - 1/360 - 26
3- بحار الأنوار 26: 360

المعصوم علیه السلام مُحَدَّث ، ولا عجب من وجود هذا الكمال في الإمام علیه السلام؛؛ لأنّه من لوازم الإمامة الكبرى وخلافة خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم:

إنّ الذي له أهمية ومورد تعجب هو:

إنّ الله سبحانه وتعالى منح هذا الكمال من بين نساء العالمين لفاطمة الزهراء سلام الله علیها، ورفع منزلتها فوق منازل المُحَدَّثين في العالم، عدا أبيها وبعلها وبنيها !

يُستفاد من الرواية المذكورة في أوّل الكلام بأنّ مريم علیها السلام لها هذه الفضيلة أيضاً ، وكانت تتكلّم مع الملائكة وتسمع كلامهم ، ودلّت آيات من القرآن الكريم على هذه الفضيلة التي مرّت عليكم قبل صفحات ولكن الكمال لمريم علیها السلامكان في حدٍّ محدود، وفي مسألة خاصة تتعلق بابنها عيسى بن مريم علیهما السلام.

وكذلك تحدّثث الملائكة مع سارة زوجة إبراهيم علیه السلام، وزوجة عمران وأُمّ موسى علیه السلام، وكلّ ذلك هو في موارد خاصة محدودة.

من مجموع الأحاديث الصادرة في خصوص تحدث الزهراء سلام الله علیها وتواصلها مع ملائكة الله المقربين ؛ يُعْلَم أنّها كانت تتواصل مع ملائكة الله المقرّبين بصورة واسعة ومستمرة، وحصلت عن هذا الطريق على علومٍ لم يحصل عليها أحد من الخلق عدا أبيها وبعلها وبنيها.

والدليل على ذلك : الأحاديث الواردة في مسألة مصحف فاطمة سلام الله علیها، وسيأتي شرحها في الصفحات الآتية من هذا الكتاب، وأما الحديث الذي نقلناه في بداية البحث يبيّن جزء من هذه المكالمات مع الملائكة .

إذن فكون الزهراء سلام الله علیها لا مُحَدَّثة هي من المسلّمات التي التي أشارت إليها مقاطع من زياراتها سلام الله علیها، والتي جاء فيها:

«السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ التَّقِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا المُحَدَّثَةُ العَلِيْمَةُ».(1)

ص: 124


1- مصباح المتهجد : 712 ، إقبال الأعمال 3: 164

والآن ننقل حديثاً آخر يبيّن فيه حدّ وحدود مصحف فاطمة سلام الله علیها، ويعتبر هذا الحديث دليلاً آخر على أن سيدة نساء العالمين سلام الله علیها تتواصل مع ملائكة الله المقربين كجبرئيل وميكائيل وإسرافيل علیهم السلام، وكانت تراهم، وتتكلم معهم، وتستلم منهم رسائل الله تعالى. نوصي بقراءة هذا الحديث بدقّة.

ص: 125

ص: 126

الفضيلة الحادية عشر: مُصْحَف فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليّ علیه السلام عن مُصْحَفِ فاطمة صلوات الله عليها ؟

فقال: «أُنْزِلَ عليها بعد موت أبيها».

فقلت : ففيه شيءٌ مِنَ القرآن؟

قال: «ما فيه شيءٌ مِنَ القرآن».

قال: قلت: فصفه لي.

قال: «لَهُ دَفَّتَانِ مِن زَبَرْجَدَتَينِ، على طُولِ الورقِ وعَرْضِهِ حَمْراوِيْنِ».

قلت له: جُعِلتُ فداك ! صِف لي وَرَقه .

قال: «وَرَقُهُ مِنْ دُرِّ أبيض قيل له : كُنْ فَكانَ».

:قلت جُعِلتُ فداك ! فما فيه ؟

قال: «فيه خبرُ ما كانَ وخبرُ ما يكون إلى يوم القيامة. وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في سماء سماءٍ من الملائكة وغير ذلك، وعددُ كُلِّ مَنْ خَلَقَ اللهُ مُرسلاً وغير مرسل، وأسماؤهم وأسماء الذين أُرْسِلُوا إليهم، وأسماءٌ مَنْ كَذَّبَ ومَنْ أَجَابَ

ص: 127

منهم. وفيه أسماء جميع مَنْ خَلَقَ الله من المؤمنين والكافرين مِنَ الأوَّلِينَ والآخرين، وصِفَةٌ كلَّ بَلَدٍ في شرق الأرضِ وغربها ، وعدد ما فيها مِنَ المؤمنينَ، وعدد ما فيها من الكافرين ، وصِفَةٌ كُلِّ مَنْ كَذَّبَ ، وصِفَةُ القرونِ الأُولى وقِصَصْهُم ، ومَنْ وَلِى مِنَ الطواغيت ومُدَّة مُلْكِهِم وعددهم. وفيه أسماء الأئمة وصفتهم، وما يَمْلِكُ واحدٌ واحِدٌ . وفيه صِفَةٌ كَرَّاتِهِم. وفيه صِفَةٌ جميع مَنْ تردَّد في الأدوارِ مِنَ الأولين والآخرين».

قال: قلت: جُعِلتُ فداك وكَم الأدوار ؟

قال: «خمسون ألف عام وهي سبعة أدوارٍ.

وفيه أسماء جميعِ مَنْ خَلَقَ اللهُ مِنَ الأَوَّلِينَ والآخرين وآجالهم، وصِفَةٌ أهل الجنّة وعدد من يدخُلُها، وعدد مَنْ يَدْخُلُ النار وأسماء هؤلاءِ وأسماء هؤلاء. وفيه عِلْمٌ القرآن كما أُنْزِلَ ، وعِلْمُ النوارة كما أُنْزِلَت، وعِلْمُ الإنجيل والزبور وعدد كُلِّ شجرةٍ أو مَدَرَةٍ في جميعِ البلاد».

قال أبو جعفر علیه السلام: «فلما أرادَ اللهُ عزّوجلّ أن يُنْزِلَهُ عليها أَمَرَ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوا المُصْحَفَ فينزلوا به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، هبطوا به عليها وهي قائمة تُصلّي فما زالوا قياماً حتّى قَعَدَت، فلمّا فَرَغَتْ مِنْ صَلاتِها سَلَّموا عليها، وقالوا لها السَّلامُ يُقْرِوَكِ السَّلامَ، ووضَعُوا المُصحف في حِجْرِها .

فقالت لهم : اللهُ السَّلامُ ، وإليهِ السَّلامُ، وعليكم يا رُسُلَ اللَّهِ السَّلام.

ثُمَّ عَرَجُوا إلى السماءِ، فما زالت بعد صلاةِ الفجرِ إلى زوال الشمسِ تقرَؤُهُ حتّى أَتَتْ على آخرِهِ.

ولقد كانت صلوات الله عليها طاعتها مَفْروضَةٌ على جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْجِنِّ والإنس والطيرِ والبهائم والأنبياء والملائكة».

فقلت : جُعِلتُ فداك ! فلمّا مَضَتْ إِلى مَنْ صَارَ ذلك المُصْحَفُ ؟

ص: 128

فقال: «دفعتُهُ إلى أمير المؤمنين علیه السلام، فلما مضى صارَ إلى الحسن ثُمَّ إِلَى الحسين علیه السلام، ثمَّ عِنْدَ أَهلِهِ حتى يدفَعُوهُ إلى صاحب هذا الأمرِ».

فقلت : إنّ هذا العِلْمَ كثيرٌ !

فقال: «يا أبا محمد، إنّ هذا الذي وصَفْتُهُ لكَ لَفِي وَرَقَتينِ مِنْ أَوَّلِهِ ، وما وصَفْتُ لَكَ بَعْدُ ما في الورقة الثالثة، ولا تكلَّمْتُ بحرفٍ منه».(1)

لقد نقلت روايات كثيرة ومتعدّدة في مسألة مُصحف فاطمة سلام الله علیها، بعضها معتبرة سنداً ومتناً، بحيث لا تضع مجالاً للشك والتردد من وجود مثل هكذا مصحف. يُستفاد من الرواية السابقة عدة نقاط، ونحن نطرحها على شكل أسئلة، وبالاعتماد على هذه الرواية وروايات أُخر نُجيب عليها .

1 - مصحف فاطمة سلام الله علیها من أين جاء، وكيف جاء، وبواسطة مَنْ وصل للزهراء سلام الله علیها؟

2 - ما هو محتوى هذا المصحف ؟ وهل فيه شيء من القرآن والأحكام الشرعيّة ومسائل الحلال والحرام أم لا؟

3 - هل أنّ هذا المصحف موجود حالياً؟ وإذا كان موجوداً فعند مَنْ؟

من أين جاء مصحف فاطمة سلام الله علیها؟

في الجواب عن السؤال الأول يجب أن نقول:

إن فاطمة سلام الله علیها نشأت وترعرت في بيتٍ كان مهبط الوحي والتنزيل والملائكة المقربين ومحلّ ،عروجهم وكان هذا البيت مركزاً لقيادة كلّ عالم

التكوين. مع ارتحال أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم انقطع كل هذا مرة واحدة.

ص: 129


1- دلائل الإمامة : 104 - 34/107 ، عوالم العلوم 2/11 : 833 - 1/835 ، مستدرك سفينة البحار 6: 206 - 208

والأهمّ من ذلك كله هو فقدان أبيها الذي أحزنها وغمها كثيراً، وأشعل نار الفراق فى أحشائها كما وأثر هذا الفراق حتى على وجودها سلام الله علیها، وأجرى دموعها وأحبس الحسرات في صدرها سلام الله علیها.

أصبحت فاطمة الزهراء سلام الله علیها بعد فراق أبيها حزينة لدرجة أنها عندما تتذكّر انقطاع الوحي وفقدان ذلك الأب الرحيم الرؤوف ؛ يخيّم على قلبها الهم والحزن. فعندما يملأ الليل كلّ مكان ،بظلماته وتنام العيون، والزهراء سلام الله علیها التي كانت معتادة على سماع صوت أبيها في الأسحار يناجي ربه - يُزيدها حزناً وألماً، وتبكي بدموع غزيرة حتّى يُغشى عليها وتسقط على الأرض، وعندما تفيق تذهب إلى أبيها ، وبصوت حزين تقول :

إذا اشتدَّ شَوْقِنِي زُرْتُ قَبْرَكَ باكياً***أنوح وأشكُو لَا أَراكَ مُجاوِبي

فيا سَاكِنَ الصحراء عَلَّمْتَنِي البُكا***وذِكْرُكَ أَنْسَانِي جَمِيعَ المَصَائِبِ

فَإِنْ كُنتَ عَنِّي في الترابِ مُغيّباً***فما كُنْتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(1)

ومن جانب آخر إبعاد بعلها في البيت، وسلب حقّها، والاعتداء عليها، وإسقاط جنينها، وكسر ضلعها كلّ هذه المصائب جعلتها وحيدة، وتبكي كذلك لوحدة زوجها ومظلوميّته، وكان الألم والحزن يعتصران في صدرها، حتى كانت تقول :

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا***صُبَّتْ على الأيّامِ صِرْنَ لياليا(2)

لأن في حياة أبيها صلی الله علیه و آله وسلم كانت معزّزة مكرمة، كلّما دخلت عليه ؛ قام لها احتراماً - لأنّها أوّل شخص في عالم الوجود وعلّة الخلق - يقبّل يديها

ص: 130


1- بحار الانوار 22: 547 - 67/548 ، بيت الاحزان : 167 ، إحقاق الحق 19: 159
2- روضة الواعظين : 75 ، بحار الأنوار 79: 106 ، نظم درر السمطين: 181، بيت الأحزان 167 ، إحقاق الحق 19: 160

ويجلسها مجلسه(1)، لكن في هذه الأيام بعد رحيل أبيها - تضرب هذه الأيدي - التي كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقبّلهما - بغمد السيف؟!

إذا كانت سلام الله علیها في حياة أبيها لديها تلك القدسيّة بحيث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقبلها ويُشمها ويقول: «أشمُّ منها رائحة الجنّة» (2)، فالآن - وبعد رحيله - يُلطم ذلك الوجه ويطبق على ذلك الصدر الذي كان يشمّه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الباب حتى ينبت فيه المسمار، ويُسقط جنينها البالغ حمله ستة أشهر من جرّاء عصرها خلف الباب ؟!!

وإذا كان بلال يؤذِّن في حياة أبيها كل يوم خمس مراتٍ ويرتفع صوتُهُ بشهادة أبيها أنّه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فكان ذلك يُخفّف عنها الهم والحزن، وأما اليوم فإنّ بلالاً لا يؤذن .

روي أنّه لمّا قُبِضَ النبي صلی الله علیه و آله وسلم امتنع بلال من الأذان ، قال : لا أُوذِّن لأحدٍ بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأنَّ فاطمة سلام الله علیها قالت ذات يوم: «إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبى صلی الله علیه و آله وسلم بالأذان» .

فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان ، فلما قال : الله أكبر الله أكبر؛ ذكرت أباها وأيامه ، فلم تتمالك من البكاء، فلما بلغ إلى قوله : أشهدُ أنَّ محمداً رسول الله ؛ شهقت فاطمة سلام الله علیها وسقطت لوجهها وغشي عليها، فقال الناس لبلال: أمسك أذانه يا بلال، فقد فارقت ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، الدنيا ، وظنّوا أنّها قد ماتت ؛ فقطع ولم يتمه، فأفاقت فاطمة وسألته أن يُتمَّ الأذان ، فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليكِ ممّا تنزلينه بنفسكِ إذا سَمِعتِ صوتي

ص: 131


1- إشارة إلى الحديث الوارد في أمالي الطوسي : 892/400 ، حلية الأبرار 1: 187 - 6/188، : بحار الأنوار 43: 22/25 ، المستدرك للحاكم :3 154 السنن الكبرى للنسائي : 101
2- بحار الانوار 43: 4/5

بالأذان، فأعفته عن ذلك.(1)

هذا كله قطرة من بحر همها وحزنها سلام الله علیها، التي لو لم تكن لم يخلق الله تعالى أباها وبعلها (2)، لذلك أمر الله تعالى جبرئيل علیه السلام أن يُبلغ الزهراء تسلية ربّ العالمين لها. فهبط جبرئيل وأبلغ الزهراء سلام ربّ العالمين لها، وأبلغها بمنزلة أبيها عند ربّ العالمين؛ لكي يُقلّل من همّها وحزنها .

وبعد ذلك كان جبرئيل علیه السلام ينزل عليها بصورة منتظمة، ويتكلم معها ويُحدِّثُها عن مستقبل أبنائها المعصومين، ويبلغها بأسرار الخلق، ومستقبل

نظام الوجود.

كلّما كان يأتيها جبرئيل، كانت الزهراء سلام الله علیها لتبلغ أمير المؤمنين علیه السلام بذلك وكان أمير المؤمنين علیه السلام يدوّن ما يُلقيه جبرئيل على فاطمة سلام الله علیها، وهذه الكتابات بعبَّر عنها في الروايات ب-: مصحف فاطمة.

تشير على سبيل المثال إلى البعض من تلك الروايات:

عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول :

«تظهرُ الزنادِقَةُ في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك إنّي نظرتُ في مصحف فاطمة سلام الله علیها».) .

قال : قلت : وما مُصْحَف فاطمةَ؟

قال: «إنّ الله تعالى لمّا قَبَضَ نبيَّه صلی الله علیه و آله وسلم دَخَلَ على فاطمة سلام الله علیها من وفاتِهِ مِنَ الحزنِ ما لا يعلمه إلا الله عزّوجل ؛ فأرسل الله إليها مَلَكاً يُسلِّي غَمَّها ويحدثها،

ص: 132


1- من لا يحضره الفقيه :: 297 - 907/298 ، بحار الأنوار 43: 7/157 ، الدرجات الرفيعة: 365 بیت الاحزان : 168
2- إشارة إلى الحديث القدسي: .... ولولا فاطمة لما خلقتكما، الوارد في مستدرك سفينة البحار 8: 242 ، مجمع النورين: 14 وغيرهما

فَشَكت ذلك إلى أمير المؤمنين علیه السلام، فقال : إذا أحْسَسْتِ بذلك وَسَمِعْتِ الصوت قولي لي فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين علیه السلام يَكتُبُ كُلَّما سَمِعَ ، حتى أثبت من ذلك مُصْحَفا».

قال : ثُمَّ قال: «أَمَا إِنَّهُ ليسَ فِيهِ شيءٌ مِنَ الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون».(1)

وفي حديثٍ :آخر

عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبدالله علیه السلام بعض أصحابنا عن الجفر؟

فقال: «هو جلد ثورِ مملوء عِلماً».

قال له : فالجامعة ؟

قال: «تلك صحيفةٌ طُولُها سبعون ذراعاً في عَرضِ الأديم مثل فَخْدِ الفالج فيها كُلُّ ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وه-ي ف-يه-ا ح-تى

أَرْشِ الخَدْشِ» .

قال : فَمُصْحَفُ فاطمة؟ قال : فَسَكَتَ طويلاً، ثُمَّ قال:

«إنكم لتبحثُونَ عَمَّا تُريدون وعَمَّا لا تُريدُون إِنَّ فاطمةَ مَكَثَتْ بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خمسةً وسبعين يوماً، وكان دخَلَها حُزن شديدٌ على أبيها وكان جبرئيل يأتيها فَيُحسِنُ عزاءها على أبيها ويُطيِّب نَفْسَها، ويُخْبرُها عن أبيها ومكانِهِ، ويُخْبرُها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليٌّ علیه السلام يكتب ذلك ؛ فهذا مُصْحَف فاطمةَ سلام الله علیها».(2)

ص: 133


1- بصائر الدرجات 18/177 ، الكافي 1: 2/240 ينابيع المعاجز: 130، بحار الأنوار 22: 62/545
2- الكافي 1 : 5/241 ، الخرائج والجرائح 2: 526 ، وفيه ذيل الحديث ينابيع المعاجز: 131 : بحار الأنوار 26: 2/41، 67/79:43

المبعوثُ مَلَكٌ أم جبرئيل ؟

بعد نقل الروايتين السابقتين يُطرح السؤال الآتى:

ما المراد بالمَلَك في الرواية السابقة وبقية الروايات؟

في الجواب نقول :

إن المراد من الملك في الرواية هو جبرئيل علیه السلام، كما يُعبَّر عنه في بعض الروايات بأنّه رسول الله - ليس المراد منه نبينا صلی الله علیه و آله وسلم- لكن المقصود هو جبرئيل علیه السلام، فإنّ جبرئيل مبعوث من الله تعالى إلى حبيبته فاطمة سلام الله علیها، لذلك يُعبّر عنه برسول الله .

لعلّ الاختلاف في فهم هذه التعابير ناشي من الاختلاف في معرفة شخصيّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها؛ لأنّ بعض الرواة أو بعض الناس الذين سمِعوا كلام الإمام لا يتحملون مسألة نزول جبرئيل على فاطمة سلام الله علیها، ولعل بعضهم ينكر هذه الفضيلة للزهراء سلام الله علیها، وبهذا الإنكار يخرجون من الدين؛ لأنّهم لم يصدّقوا كلام حجّة الله ؛ ولقول الإمام علیه السلام: «كلِّم الناس على قدرِ عُقُولِهِم» (1). فلهذا يعبّر عنه الإمام الصادق علیه السلام بالملك.

ومن ناحية أخرى وبالنسبة إلى شخص آخر من الأصحاب، الذي لا يتحمل نزول الملك على فاطمة سلام الله علیها، يعبر الإمام عنه برسول الله، فيتصوّر السامع أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و ألقاها على فاطمة الزهراء سلام الله علیها وكتبها أمير المؤمنين علیه السلام ، لكن الواقع والصحيح هو نزول جبرئيل على فاطمة سلام الله علیها وإلقاؤه ما أوصاه الله تعالى.(2)

ص: 134


1- انظره بتفاوت في اللفظ في : الكافي 1: 15/23 و 8: 394/268، الأمالي للشيخ الصدوق: 504 ذيل ح 693 ، مستدرك الوسائل 11: 12759/208
2- في بعض الآيات القرآنية والروايات عُبر عن ملائكة الله بالرسل مثل: «الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً»، سورة فاطر 1:35 . أو آية «فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا»«قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا» ، سورة مريم 19: 17 - 19 . وفي حديث رسول الله الأمير المؤمنين قال : «يا عليّ بن أبي طالب ! إني والله ما أحدِّثُكَ إلّا ما سَمِعَتْهُ أَذْنَاي، وَوَعَاهُ قَلْبِي وَنَظَرهُ بَصَرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ من الله فَمِنْ رَسُولِهِ - يعني جبرئيل - فإيَّاكَ يا عليّ أن تُضَيّع سِرِّي ...». فتح الابواب : 194 ، بحار الأنوار 88: 21/267

لكن لضعفٍ في الراوي أو السامع لم يُصرَّح باسمه - جبرئيل - وعُبّر عنه بالرسول.

كيف وصل مُضحَفُ فاطمة سلام الله علیها إليها ؟

في نهاية هذا البحث مطلب يستحق التأمل بدقة، وهو: إن في هذه الروايات ورواية أبي بصير - التي ذكرناها في البداية - تضارب، يجب أن يُرفع هذا التضارب لكى يُستدَلُّ بالحديث بصورة تامة . ومضمون الروايات هو:

إنّ في مصحف فاطمة سلام الله علیها المطالب التي ألقاها جبرئيل على فاطمة سلام الله علیها،وكتبها أمير المؤمنين علیه السلام لها من الزهراء بقلمه المبارك فى عدة جلسات، وتكوّنت مجموعة كبيرة سُمِّيت ب-: «مُصْحَف فاطمة سلام الله علیها». ) .

في حين أن مضمون رواية أبي بصير هو:

إنّ مصحف فاطمة نزل إليها بواسطة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في ليلة الجمعة.

أهمل بعض المحققين رواية أبي بصير؛ من أجل رفع هذا التضارب بينها وبين بقية الروايات؛ ولأنّ مجموعة من العلماء ضعفوا أحد الرواة في السند ، أو تأملوا فيه، مع أن مجموعة أخرى من العلماء وثقوا ذلك الراوي.

لكن لا حاجة إلى هذا الاستدلال لرفع هذا التضارب ؛ لجهتين :

ص: 135

أولهما: إن إهمال إحدى الروايات - حتى لو كانت نسبة صدورها واحد في المائة - هو مخالف للاحتياط ، وخلاف أوامر أهل البيت علیهم السلام، وأحياناً مثل هذا الإهمال يؤدّي إلى إنكار أهل البيت علیهم السلام.

وثانيهما: إنّ الإهمال والطرح غير جائز ، مع إمكان الجمع بين قسمين من الروايات والجمع بين الروايات المذكورة مع رواية أبي بصير هو:

كما أن نزول القرآن الكريم على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في دفعة واحدة وزمان واحد في ليلة القدر، وبعدها نزوله تدريجي على طول 23 سنة من البعثة، أنزله جبرئیل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

كذلك مصحف فاطمة سلام الله علیها الذي يحتوي على علوم الأوّلين والآخرين، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة - ألقاه الله تعالى عليها نزول دف-ع-ي بواسطة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في الثلث الثاني من ليلة الجمعة هكذا هو مدلول حديث أبي بصير - نزل على فاطمة سلام الله علیها، وبعدها نزول تدريجي بواسطة جبرئيل كان يلقيه عليها، بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ويتكلم معها، ويُسلِّيها، ويُخبرها بعلوم وأخبار مدوّنة في ذلك المُصحف، وكان أمير المؤمنين علیه السلام يكتبها، حتى صارت على شكل مصحف ؛ وهذا مدلول الروايات الأُخر .

ماذا يحتوى مُصحف فاطمة سلام الله علیها؟

في الجواب عن السؤال الثاني نقول:

إنّ مصحف فاطمة سلام الله علیها هو غير الصحيفة الجامعة عند الأئمة الأطهار علیهم السلاموالتي تحتوي على الحلال والحرام وما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة، حتّى أرْش الخدش.

يُستفاد من الروايات أن مصحف فاطمة سلام الله علیها لا يحتوي على أيَّةِ آيةٍ من

ص: 136

آيات القرآن ولا حرف منه ولا أيّ حكم من ولا أي حكم من أحكامه.

فالافتراء الذي ينسبه بعض أهل السنة على الشيعة بأنّ الشيعة تعتقد بمصحف فاطمة سلام الله علیها بأنّه القرآن الكامل، والقرآن الموجود بين الناس قرآن ، هو تهمة كاذبة على مذهب التشيّع ؛ لأنّ الشيعة لديها روايات متعدّدة وكثيرة تنفي كون مصحف فاطمة سلام الله علیها قرآناً، وتنفي أيضاً أن يحتوي مصحفها على آية من آيات القرآن.(1)

بل أن محتوى مصحف فاطمة سلام الله علیها هو عِلْمُ ما كان وما يكون ، وما يجري على أبنائها المعصومين علیهم السلام من طواغيت زمانهم ، والعلوم الباطنية للقرآن الكريم وسائر الكتب السماويّة.

لا منافاة من احتواء مصحف فاطمة سلام الله علیها على العلوم الباطنية للقرآن ، مع عدم وجود آيات من القرآن فيه؛ لأنّ القرآن الكريم مبين لكل شيء، وكلّ رطب ويابس.

عدّة من الأصحاب... سمعوا أبا عبدالله علیه السلام يقول:

«إنِّي لأعْلَمُ ما في السماواتِ وأعْلَمُ ما في الأرضين، وأعْلَمُ ما في الجنّة وأعْلَمُ ما في النار، وأعْلَمُ ما كان وما يكون».

ثم مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كَبُرَ على من سَمِعَهُ، فقال: «علمت من كتاب الله يقول :«فيه تبيانُ كُلّ شيء»».(2)

إذن حينما قال الإمام الباقر علیه السلام عن مصحف فاطمة سلام الله علیها: «وفيهِ عِلْمُ القرآن

ص: 137


1- للاطلاع على هذه الأحاديث يُراجع: بصائر الدرجات ،1/170، 3/172، 5/173، 8/174 - 9، 19/177 ، 27/179 ، الكافي 1: 1/239 ، بحار الأنوار 26: 69/38 و 73/41 و : 79/45 - 80 و : 84/46 و : 89/48، 47: 271 /3
2- بصائر الدرجات : 5/148 ، الكافي 1 : 2/261 ، بحار الأنوار 26: 8/111

كما أُنْزِلَ، وعِلْمُ التوراة كما أُنْزِلت، وعِلْمُ الإنجيل والزبور ...» ، فالمراد منه : العلوم الباطنية والمعاني التأويلية للقرآن الكريم ، التي لا يعلمها إلا الله تعالى ونبيه صلی الله علیه و آله وسلم وأوصياؤه علیهم السلام.

وهذا الكلام لا ينافي القول بعدم احتواء مصحف فاطمة سلام الله علیه عن آية من آيات القرآن أو أحكام الحلال والحرام، وهذا المعنى يُستفاد من روايات أُخر تنفي وجود آية من آيات القرآن في مصحف فاطمة سلام الله علیه.

مصحف فاطمة سلام الله علیه عند الإمام صاحب العصرية علیه السلام

فى الجواب عن السؤال الثالث نقول :

إنّ إحدى علامات كون الشخص إماماً هو امتلاكه لمصحف فاطمة سلام الله علیه والدليل على ذلك: روايات كثيرة، نُشير إلى نموذج لإحداها:

عن علي بن الحسين، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إِن عبدالله بن الحسن يَزْعم أنّه ليس عنده من العلم إلّا ما عند الناس .

فقال: «صدق والله عبد الله بن الحسن ما عندهُ مِنَ العِلْمِ إِلَّا ما عِنْدَ الناس ولكن عندنا والله الجامعة فيها الحلال والحرام وعندنا الجَفْر ، أيدري عبدالله بن الحسن ما الجَفْر؟ مسك معز أم مسك شاةٍ؟ وعندنا مصحف فاطمة، أما والله ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وخطُّ عليٍّ علیه السلم ، كيف يصنع عبدالله إذا جاء الناس من كلّ أُفقِ يسألونه؟!».(1)

ويُستفاد من عدة روايات أن إحدى الكتب التي يتوارثها الأئمة المعصومون علیهم السلاممن إمام إلى إمام هو مصحف فاطمة سلام الله علیه، ففي آخر رواية أبي بصير:

فقلت : جُعلت فداك ! فلمّا مَضَتْ إِلى مَنْ صَارَ ذلك المُصْحَفُ ؟

ص: 138


1- بصائر الدرجات: 19/177 ، بحار الأنوار 26 : 84/46 ، وفيه بعير، بدل معز

فقال: «دفعَتْهُ إلى أمير المؤمنين علیه السلام، فلما مضى صارَ إلى الحسن علیه السلام، ثمّ إلى الحسين علیه السلام، ثُمَّ عِنْدَ أهله حتى يدفعُوهُ إلى صاحب هذا الأمر».

ويُستفاد من أحاديث أخر أنّ هذه الصحيفة كانت عند الأئمة علیهم السلام، يرجعون إليها ويستفيدون من علومها.

عن الفضيل بن سكرة قال: دخلت على أبي عبدالله علیه السلام، فقال : « یا فضیل، أتدري في أيّ شيءٍ كُنْتُ أنظر قبيل؟»، قال: قلت: لا.

قال: كُنْتُ أنظر في كتاب فاطمة علیه السلام ليس مِنْ مَلَكٍ يَمْلُك الأرضَ إِلَّا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه ، وما وجَدْتُ لِوُلْدِ الحسن فيه شيئاً».(1)

من مجموع الروايات التي ذُكِرَت نصل إلى النتيجة التالية:

إِنْ مُصْحَف فاطمة علیه السلام الآن موجود عند الإمام صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه ، وعندما يظهر إن شاء الله سيعمل طبق ما هو موجود في ذلك المصحف.

والدليل على ذلك رواية عبدالملك بن أعين:

عن عبدالملك بن أعين قال : أراني أبو جعفر علیه السلام بعض كُتب عليٍّ علیه السلام ، ثُمَّ قال لي: «لأيِّ شيءٍ كَتَبَ هذه الكتب؟» ، قلت ما أبينَ الرأي فيها . قال : «هات»، قلت : عَلِمَ أن قائمكم يقوم يوماً فأحب أن يعمل بما فيها ، قال : «صَدَقْتَ».(2)

وهذه إطلالة صغيرة على جزء صغير من علم فاطمة سلام الله علیها؛ لأنّ الله تعالى جعل منشور (3) آخر ،حججه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

مصحف حبيبته فاطمة سلام الله علیها.

ص: 139


1- الكافي 1: 83242، ينابيع المعاجز : 128
2- بصائر الدرجات : 2/182 ، بحار الأنوار 26: 98/51
3- المنشور ما كان غير مختوم من كتب الملوك أو من رسائل الاحبار. تاج العروس 3: 566 «نشر»

ولعلّ كلام الإمام صاحب العصر والزمان علیه السلام عندما يقول: «وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لِي أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(1)، إشارة إلى هذا المعنى. (((1)

ص: 140


1- الغيبة للشيخ الطوسي : 286 ، الاحتجاج للطبرسي 2: 279 ، بحار الأنوار 53 : 180

الفضيلة الثانية عشر : عِلْمُ فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن سلمان قال: حدثني عمّار وقال : أُخْبِرُكَ عَجَباً؟

قلت: حَدَّثَني يا عمّار.

قال نعم شَهِدْتُ عليَّ بن أبي طالب علیه السلام وَقَدْ وَلَجَ على فاطمة سلام الله علیها فلما أَبْصَرَتْ بهِ َنادَتْ: «أُدنُ لأُحَدِّثُكَ بِما كانَ وبما هو كائن وبِمَا لَمْ يَكُنْ إِلى يَوْمِ القيامة حينَ تَقُومُ السَّاعَةُ».

قال عمار: فرأيت أمير المؤمنين علیه السلام يرجعُ القهقرى، فَرجَعتُ برُجُوعهِ، إِذْ دخل على النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقال له: «أُدنُ يا أبا الحسن».

فدنا، فلما اطْمَأَنَّ به المجلس قال له: «تُحَدِّثْني أمْ أُحَدِّثُكَ؟».

قال: «الحَديثُ مِنْكَ أَحْسَنُ يَا رَسُولَ الله».

فقال: «كأنّي بِكَ وقَدْ دَخَلْتَ على فاطِمَةَ ، وقالَتْ لَكَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَرَجَعْت».

فقال علي علیه السلام: «نُورُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورِنا ؟!».

فقال صلى الله عليه و آله وسلم: «أَوَ لا تَعْلَمُ؟!».

فسجد عليٌّ علیه السلام شكراً الله تعالى.

ص: 141

قال عمّار : فخرج أمير المؤمنين علیه السلام وخرجتُ بخُروجهِ، فَوَلَجَ على فاطِمَةَ سلام الله علیها وَوَلَجْتُ مَعَهُ .

فقالت: «كَأَنَّكَ رَجَعْتَ إلى أبي صلى الله عليه و آله وسلم فَأَخْبَرْتَهُ بِمَا قُلْتُهُ لَكَ؟!».

قال: «كانَ كذلِكَ يا فاطِمَةُ».

فقالت : «اعْلَمْ يا أبا الحسن ! أنّ الله تعالى خَلَقَ نُورِي وَكانَ يُسَبِّحُ الله جلّ جَلالُهُ، ثُمَّ أَوْدَعَهُ شَجَرَةً مِنْ شَجَرِ الجَنَّةِ فَأَضاءَتْ، فَلَمَّا دَخَلَ أَبِي صلى الله عليه و آله وسلم الجَنَّةَ أَوْحَى اللَّهُ تعالى إليه إلهاماً أن اقْتَطِفْ الثَّمَرَةَ مِنْ تَلْكَ الشَّجَرَةِ وَأدِرْها فى لَهَواتِكَ.

فَفَعَل ، فأَوْدَعَنِي اللهُ سُبحانَهُ صُلْبَ أبي صلى الله عليه و آله وسلم، ثُمَّ أَوْدَعَني خَديجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِد، فَوَضَعَتْنِي، َوأَنَا مِنْ ذلِكَ النُّورِ أَعْلَمُ ما كانَ وَما يَكُونُ وَما لَمْ يَكُنْ يا أبا الحَسَن ! المُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله تعالى».(1)

لماذا تعجب أمير المؤمنين علیه السلام من عِلمِ زوجته؟

في الجواب عن هذا السؤال نقول :

إن هذا الحديث وأمثاله لا منافاة فيه مع علم وفضيلة أمير المؤمنين علیه السلام، لأنّ المراد من مثل هكذا أحاديث هو توضيح المسائل التي يحتويها الحديث للغير، لا أنّ أمير المؤمنين علیه السلام غير عارف بكمالات وفضائل وعلم فاطمة الزهراء سلام الله علیها ويتعجب من ذلك.

بل إن تراجعه إلى الخلف تعجباً من أجل توضيح علم فاطمة سلام الله علیها للغير، الذين لا يعرفون مقام ومنزلة وفضيلة الزهراء سلام الله علیها، أو لأولئك الذين يعرفون الزهراء سلام الله علیها لمعرفة سطحية فقط.

وذلك كسؤال أمير المؤمنین سلام الله علیها لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «نور فاطمة من نورنا؟»؛

ص: 142


1- عيون المعجزات : 46 ، بحار الأنوار 43: 11/8 ، مستدرك سفينة البحار 8: 63 243

لكي يُسمع الحاضرين منزلة وعلم وفضيلة الزهراء سلام الله علیها عن لسان أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وحتى يصل هذا الكلام بعد قرون لأولئك المخالفين والمنكرين ليقرأوا هذا الحديث ويطلعوا على منزلة وعظمة الزهراء سلام الله علیها.

وجواب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الأمير المؤمنين علیه السلام: «أولا تَعْلَم ؟!»، وهذا أيضاً ليس استفهاماً حقيقياً ليتنافى مع علم الزهراء سلام الله علیها، بل هو استفهام تقريري مقرون بالتعجب وقصد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بهذا المعنى :

يا عليّ، أنت تعلم أن نور فاطمة سلام الله علیها من نورنا، ومن ذلك النور يعلم ما كان وما يكون. وأراد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في ذلك الجمع أن يعرف باتحاد ووحدة نور ابنته فاطمة سلام الله علیها مع نور أبيها وزوجها، ويُقرّ ويصدّق بذلك؛ ليُعرف منزلة وعظمة ابنته الزهراء سلام الله علیها لأولئك الذين يصل إليهم هذا الحديث من بعده، حتى يحفظوا ويحترموا الزهراء وأبناءها سلام الله علیها.

لكن بعد ارتحاله صلى الله عليه و آله وسلم من الدنيا سلبوا حقها المُسَلَّم منها مع أنّ البعض أنكر بأن لها حقاً - وكذبوا كلام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فى حق ابنته، وأجلسوا زوجها أمير المؤمنين علیه السلام في البيت !!

اللهمَّ زِد في عذاب أُولئك الذين ظلموا الزهراء سلام الله علیها حقّها .

ص: 143

ص: 144

الفضيلة الثالثة عشر: فاطمة سلام الله علیها بحر عميق من العلم

اشارة

عن سليمان بن داؤد المنقري قال: حدّثنا يحيى بن سعيد القطان :قال : سَمِعْتُ أبا عبد الله علیه السلام يقول في قوله عزوجل : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»«بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ»(1)، قال :

«عليٌّ وفاطمةُ علیهما السلام بحران من العلم عميقان، لا يَبْغِي أَحَدُهُما على صاحبه».

««يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجَانُ»(2): الحسن والحسين».

كيفية تأويل الآيات

من أجل أن نعرف معنى هذا الحديث الشريف، يجب أن نعلم بأن للقرآن ظاهراً وباطناً، وللظاهر محكم ومتشابه

ص: 145


1- سورة الرحمن 55 : 19 - 20، 22
2- الخصال: 96/65 ، تفسير القمي 2: 344 ، تفسير فرات الكوفي : 459 - 600/460 ، روضة الواعظين : 148، بحار الأنوار 24: 5/98، 37: 95 - 11/96، 43: 31 - 39/32، ينابيع المودة 1 : 4/354

الظاهر والمحكم : يحتاجان إلى المعرفة والاطلاع الواسع باللغة العربية ومصطلحاتها.

وأما الباطن والمتشابه فيحتاجان في تفسيرهما إلى أهل التفسير، وكذلك تأويل الظاهر والمحكم ، اللذان هما باطن القرآن.

لا يخفى على أحدٍ أنَّ المُخاطبين في القرآن الكريم، هُ-مْ أُولئك الذين نزل القرآن في بيوتهم وهم النبي، وأمير المؤمنين، وفاطمة، وأبناؤها المعصومون علیهم السلام.

والدليل على ذلك: الآية الشريفة : «لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»(1) ، والتي فيها ظاهرٌ وباطن .

فظاهِرُها : لا يستطيع أو لا يجوز لأحدٍ أن يَمَسَّ آيات القرآن من دون طهارة، يعني بلا وضوءٍ أو غُسل.

وباطِنُها : لا يحقُّ لأحدٍ أن يبيّن معاني وتفسير وتأويل القرآن، إلّا المُطَهَّرون ؛ أُولئك الذين صرَّح القرآن الكريم بتطهيرهم بقوله تعالى:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».(2)

وجميع المفسّرين، والمحدثين، ومن الفريقين يشهدون بأنّ هذه الآية نزلت بحق أمير المؤمنين وفاطمة، وأبنائهما المعصومين علیهم السلام.(3)

ودليل آخر على عدم معرفة أحدٍ بالمعانى الباطنية للقرآن غير أهل بيت

ص: 146


1- سورة الواقعة 56: 79
2- سورة الأحزاب 33: 33
3- انظر: جامع البيان للطبري 2: 9 - 12 شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 2 : 10 - 92 ، وينقل فيه أكثر من 70 رواية في شأن نزول آية التطهير وأنّ أهل البيت هم : أمير المؤمنين، فاطمة ، الحسن والحسين ، الدر المنثور للسيوطي 5: 198

رسول الله الطاهرين، الآية الشريفة :«وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ».(1)

ولقد عرَّفت روايات متعدّدة ،ومعتبرة من مصادر شيعية وسنيّة بأنّ المراد من «الرَّاسِخُونَ فِى العِلْم» في فهم المعاني التأويلية للقرآن مع الله تعالى، هم: أهل بيت رسول الله المعصومون علیهم السلام.(2)

وأوضح الله تعالى هذا المعنى أكثر في آية أخرى يقول فيها:

«بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ».(3)

نعم، إنّ الآيات القرآنية مبينة وواضحة، لكنها في صدور أُولئك الذين أعْطُوا العلم، وليس عند الذين يبحثون عن العلم والتعلُّم.

بعبارة أخرى : إنّ تفسير وتأويل الآيات القرآنية فقط في الصدر الطاهر المطهر لأمير المؤمنين وأبنائه المعصومين علیهم السلام، الذين هم مركز إشعاع لأنوار علوم الحق تعالى والمنبع الذي لا ينظب من العلوم الإلهيّة والنبوية، والقرآن الذي يكون «تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»(4)، لا يكون مبيّناً لكلّ «رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ»(5) إلا على لسان أمير المؤمنين وأولاده المعصومين علیهم السلام، فعندما يجلس الإنسان على ضفاف بحر علوم أمير المؤمنين وأبنائه علیهم السلام، ويتذوّق قطرة قطرة من بحر علومهم؛ يحس بلذة مذاق علوم تفسير وتأويل الآيات القرآنية.

لذلك قال الإمام الصادق علیه السلام في تفسير آية: «فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ

ص: 147


1- سورة آل عمران 3: 7
2- كما في بصائر الدرجات: 222 ، 224 ، تفسير البرهان 1 : 270 - 272 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 84
3- سورة العنكبوت 29: 49
4- سورة النحل 16: 89
5- سورة الأنعام 6: 59

الْعِلْمَ»(1):«هم الأئمّة خاصة».(2)

على وفاطمة علیهما السلام مصداق البحرين

بالنظر إلى الذي ذُكِرَ من حديث آية «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»، والتي أُوِّلَت بأمير المؤمنين علیه السلام وفاطمة الزهراء سلام الله علیها، هو إثبات لفضيلة كبيرة لفاطمة الزهراء سلام الله علیها؛ لأنّ الإمام الصادق علیه السلام يبيّن «الْبَحْرَيْن» : هما أمير المؤمنين والزهراء علیهما السلام بعلومهما ، ولا يبغي أحدهما على صاحبه.

نعم، كما أنّ أمير المؤمنين علیه السلام البحر العميق من علوم القرآن وأسرار الخلق كذلك فاطمة الزهراء سلام الله علیها هي المحيط المتلاطم من علوم القرآن وأخبار سرّ عالَم الوجود.

وهذه المنزلة العظيمة من العلم والمعرفة لسيدة نساء العالمين سلام الله علیها، والتي هي عِدْلُ أمير المؤمنين علیه السلام وكفوه ؛ لم يتوصل لها أحد من أنبياء الله السابقين وأوصيائهم، ولن يصلوا إليها .

وحديث مُصْحَفِ فاطمة سلام الله علیها الذي مرّ عليكم قبل صفحات، وأحاديث أُخر ، هو بيان لعلم فاطمة الزهراء سلام الله علیها الذي ليس له حد، ولقد روت هذا الحديث شيعة وسنّة ؛ لبيان المنزلة العلمية التي لا تنتهي لتلك السيدة الطاهرة سلام الله علیها.

في الحقيقة يعجز أيُّ قلم مهما أوتي من قوّة بيانٍ عن وصف قطرة من بحر كمالها وفضائلها وعلمها.

ص: 148


1- سورة العنكبوت 29: 49
2- تفسير البرهان 3: 4/255 ، وينقل العلّامة المُحدّث السيد هاشم البحراني ، في ذيل هذه الآية، روايات كثيرة عن بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار، والكافي للكليني، بأنّ المراد من الآية هم أهل البيت

الفضيلة الرابعة عشر : فاطمة سلام الله علیها ليلة القدر

اشارة

عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ««إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ».(1)

الليلةُ : فاطمةُ، والقدرُ : اللهُ ، فَمَنْ عَرَفَ فاطمةَ حَقَّ مَعْرِفَتِها فقد أدركَ ليلة القدر وإنّما سُمِّيت فاطمةَ؛ لأنَّ الخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِها».(2)

تفسير الليلة المباركة بفاطمة سلام الله علیها

إن تفسير ليلة القدر بفاطمة سلام الله علیها في أحاديث أهل البيت علیهم السلام ليس فقط في سورة القدر، بل في بداية سورة الدخان أيضاً.

ففي رواية يسأل رجل نصراني الإمام موسى بن جعفر علیه السلام عدة أسئلة ومن ضمنها هذا السؤال:

أخبرني عن كتاب الله الذي أَنْزَلَ على محمّدٍ وَنَطَقَ بهِ ثُمَّ وَصَفَهُ بِما

ص: 149


1- سورة القدر 97: 1
2- تفسير فرات الكوفي: 747/581، بحار الأنوار 43: 58/65 ، مجمع النورين: 41

وَصَفَ فقال:

«حم»«وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ»«إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ»«فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»(1)ما تفسيرها في الباطن؟

فقال: «أما «حم» : فهو محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وهو في كتابِ هُودِ الذي أُنْزِلَ عليه، وهو منقوص الحروف.

وأمّا«وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ»: فهو أمير المؤمنين علي علیه السلام.

وأمّا (الليلة): ففاطمة سلام الله علیها:

وأما قوله:«فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»: يقول : يَخْرُجُ فيها خيرٌ كثيرٌ».(2)

وفي حديثٍ آخر:

عن زرارة عن حمران قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عما يُفْرَقُ في ليلة القدر هل هو ما يقدِّر الله فيها؟

قال: « لا توصف قدرة الله ؛ إلا أنه قال: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»(3)، فكيف يكون حكيماً إلّا ما فَرَق ولا توصف قدرة الله سبحانه؛ لأنه يحدث ما يشاء.

وأما قوله:«لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»، يعني: يعني : فاطمة سلام الله علیها

وقوله : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا»والملائكة في هذا الموضع : المؤمنون الذين يَمْلِكُونَ عِلْمَ آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم . والرُّوحُ : رُوحُ القُدس، وهو في فاطمة سلام الله علیها.

«مِّن كُلِّ أَمْرٍ»«سَلَامُ» يقول : من كُلِّ أَمْرٍ مُسَلَّمَةٍ .

«حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» يعني: حتى يوم القائمِ علیه السلام.(4)

ص: 150


1- سورة الدخان 1:44 - 4
2- الكافي 1: 479 ضمن ح4 ، مدينة المعاجز 6: 297 2023 ، بحار الأنوار 319:24 ضمن ح 28 ، تأويل الآيات الظاهرة : 573 ، تفسير البرهان 5: 9 ضمن ح 9691 بتفاوت لا يضر
3- سورة الدخان 4:44
4- بحار الأنوار 25 : 70/97 ، تأويل الآيات الظاهرة 2: 3/818

نستطيع الحصول من الأحاديث الثلاثة السابقة على عدة نقاط مهمّة، وهي:

الأولى فاطمة سلام الله علیها وعاءٌ لعلوم القرآن

كما أنّ ليلة القدر وعاء لنزول كلّ القرآن بكلِّ علومه دفعة واحدة على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، كذلك فاطمة سلام الله علیها أيضاً وعاء لعلوم القرآن، وعالمة بكل المعاني الباطنية للقرآن .

نعم، إنّ القرآن الكريم بحرٌ لا ساحل له من العلوم والمعارف، نزلت معانيه بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على قلب فاطمة سلام الله علیها. في حين أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يعرف ابنته بأنّها روحه المُنْزَلة، حيث يقول : «... وهي قلبي ورُوحِيَ التي بين جَنبَي»(1)، وكلّ كمالات وفضائل النبي مرتبطة بروحه، ولا عجب من كلام النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، لأنه لو لم تكن فاطمة الزهراء سلام الله علیها هي الواجدة لكمالات وفضائل النبي صلى الله عليه و آله وسلم الذي «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(2) لكان حديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لغواً .

ومن جانب آخر، فإنّ مُصْحَف فاطمة الزهراء سلام الله علیها الذي هو الذي هو مصدر للأئمّة المعصومين علیهم السلام يرجعون إليه في علومهم - هو أحد علامات الإمامة والذي أنزله الله تعالى على فاطمة سلام الله علیها في المنتصف من ليلة الجمعة بواسطة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل؛ ما هو إلّا شاهد صدقٍ على هذا الادّعاء، حيث إنّ الإمام الباقر علیه السلام يقول فيه: «وفيه عِلْمُ القرآن كما أُنْزِلَ، وعِلْمُ التوراة كما أُنزِلَتْ، وعِلْمُ الإنجيل والزبور».(3)

ص: 151


1- كشف الغمّة 2: 94 ، بحار الانوار 43: 54 ، الغدير 3: 20
2- سورة النجم 53: 3-4
3- مر تخريجه في صفحة 142

نعم، فإنّ الله سبحانه وتعالى أطْلَعَ فاطمة الزهراء سلام الله علیها على جميع العلوم، وحصلت بواسطة الصحيفة على كلِّ أسرار القرآن الكريم.

الثانية: فاطمة سلام الله علیها وجود لا تعرف حقيقته

كما أن ليلة القدر لا يعرفها ولا يُدرك حقيقتها إلا رسول الله وأوصياؤه علیهم السلام، ولا يعرف الأسرار والعلوم الباطنية للقرآن الذي نزل في تلك الليلة - غير المعصومين.(1)

كذلك فاطمة الزهراء سلام الله علیها لا يعرفها إلا الله تعالى ورسوله والأئمّة المعصومين علیهم السلام، ولا يستطيع أحد أن يصل إلى كمالاتها وفضائلها غيرهم.

والبرهان على ذلك هو : مع أن وجود الزهراء سلام الله علیها مقابل الله تعالى هو وجود محدود، لكنّ هذا الوجود أمام الخلق هو وجود غير محدود. يعني: لا يستطيع أحد مهما أُوتي من علم - أن يُحيط بكل حدود وكمالات الزهراء سلام الله علیها وهضم فضائلها ؛ لأنه دائماً الوجود الغير محدود لا يسعة الوجود المحدود. الوحيدون الذين يستطيعون ذلك أن يكونوا هم لديهم تلك الكمالات وأُولئك لا يمكن أن يكونوا غير أبيها وبعلها وبنيها المعصومين علیهم السلام.

الثالثة: فاطمة سلام الله علیها ليلةُ قدر الأنبياء والأولياء

كما أن ليلة القدر ليلة معراج أنبياء الله وأوليائه، وحجج الله في كلّ زمان في مثل هذه الليلة العظيمة يتميّزون بعظمة خاصة ويحصلون فيها على ألطاف وعنايات إلهية ؛ كذلك ولاية سيّدة نساء العالمين هي وسيلة للأنبياء والرُّسُل للوصول إلى

ص: 152


1- إشارة إلى الآية 7 من سورة آل عمران، وهي قوله تعالى «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»

امنزلة النبوّة والرسالة ، وسبب عروجهم إلى منزلة الإمامة وبقية المنازل العالية.

هل أن آدم علیه السلام وحواء توسلا بغير الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها؛ ليغفر الله لهما(1)؟!

ألم يكن إبراهيم الخليل علیه السلام بعد أن طوى مراحل عبوديته، ونبوّته، ورسالته وخلّته عندما أراد أن يصل إلى منزلة الإمامة علمه الله تعالى أن يتوسل إليه بفاطمة وأبيها وبعلها علیهم السلام وبنيها ، حتى نجح في الامتحان الإلهي، وألبسه الله تعالى تاج الإمامة(2)؟

ألم يتوسّل أنبياء الله العظام بالزهراء سلام الله علیها للغفران والحصول على المنازل العالية (3)؟

ليس اعتباطاً أن يشترط رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم المنزلة النبوة الإقرار بولاية الزهراء وبعلها وبنيها علیهم السلام. ينقل صاحب بصائر الدرجات عدة روايات في هذا الخصوص(4)، تشير إلى إحداها:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «ما تكاملَتِ النبوَّة لنبي في الأظلَّةِ حتى عُرِضَتْ عليه ولايتى وولاية أهل بيتى ومثلوا له فأقروا بطاعتهم وولايتهم».(5)

ص: 153


1- إشارة إلى الآية 37 من سورة البقرة وهي : «فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ»
2- قال الله تعالى في محكم كتابه : «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» ، سورة البقرة 2 : 124 وقد ورد في رواياتٍ كثيرة بأنّ المراد من (الكلمات) في الآيتين هي الأسماء المقدسة: ،محمد عليّ، فاطمة الحسن والحسين انظر: تفسير البرهان ج 1 ذيل الآية 124 من سورة البقرة، تأويل الآيات الظاهرة 1 : 46 - 47 /21 ، 77 - 78 /57
3- انظر بحار الأنوار 26: 319 - 1/334 - 26
4- راجع بصائر الدرجات 92 - 95
5- بصائر الدرجات : 7/93 ، بحار الأنوار 26 : 27/281

بلا شكّ إن أوضح مصداق لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو : فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كما في آية التطهير وسائر الروايات، بأن إحدى المصاديق الجليّة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هي : فاطمة الزهراء سلام الله علیها.

ويبين رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في حديث آخر هذا المعنى، حيث يقول صلى الله عليه و آله وسلم:

«ما تكامَلَتِ النبوَّةُ لنبىٍّ حتى أقرَّ بفضلها ومَحَبَّتها».(1)

ويُشير الإمام الصادق علیه السلام في حديثه لهذا المعنى فيقول علیه السلام:

«... وهي الصدِّيقَةُ الكُبرى، وعلى مَعْرِفَتِها دارَتِ القُرون الأولى».(2)

إذن ولاية فاطمة سلام الله علیها كليلة القدر وسيلة لعروج الأنبياء والأوصياء للمنازل العالية، بل إدراك ليلة القدر بدون قبول ولايتها؛ لا فائدة لهم من هذا الإدراك.

الرابعة فاطمة سلام الله علیها سببُ الخَلْقِ ، وواسطة للفيض الإلهي

كما أنّ ليلة القدر منشأ بسط الفيض الإلهى والكمال الماديّ والمعنوي لخلقِ الله ، وسبب لغفران الذنوب، وعفو عام من الله تعالى، ووعاء لتقدير وتقسيم أرزاق العباد.

كذلك وجود فاطمة الزهراء سلام الله علیها ، علّة خَلْقِ عالم الوجود، ونزول الفيض الإلهى لكل المخلوقات فى العالم، ومنشأ هطول الأرزاق المادية والمعنوية من عالم الملكوت إلى عالم المُلْك ، وكذلك معرفة ومحبة هذه السيدة الطاهرة ملكة عالم الوجود والتوسل بها هي وسيلة لغفران الذنوب، وسبب لدفع البلايا الكبيرة والحصول على الخير والبركة والكمال، وتُطهر هذه المعرفة والمحبّة - الإنسان من الملوثات والأوساخ، وسبب لترويض النفس عن كلّ.

ص: 154


1- مجمع النورين 40 ، فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 86
2- الأمالي للشيخ الطوسي : 1399/668، بحار الأنوار 43: 19/105، مجمع النورين : 34

العادات السيئة والصفات الرذيلة.

الخامسة : أثر معرفة فاطمة سلام الله علیها على الأعمال

ليلة القدر خير عند الله من ألف شهر، والعمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.

عن أبي عبدالله علیه السلام قال : «كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول : «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» صدق الله عزوجل، أُنزل القرآن في ليلة القدر.

«وَ مَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ» ، قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : لا أدري.

قال الله عزّوجلّ : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ليس فيها ليلة القدر ...».(1)

إنّ وجود فاطمة الزهراء سلام الله علیها أيضاً أفضل من نساء الأولين والآخرين، بل هى سيّدة نساء أهل الجنّة، وأفضل خلق الله تعالى بعد أبيها وبعلها.

قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّ فاطمة ابنتى خيرُ أهل الأرضِ عنصراً وشرفاً وكرماً».(2)

نحن سنبحث هذا الموضوع في الصفحات الآتية بصورة مفصلة، وستثبت أفضليتها سلام الله علیها.

إضافة إلى أنّ العمل المقرون بمعرفة ومحبة الزهراء سلام الله علیها، أفضل من آلاف الأعمال بدون معرفتها ومحبتها ، بل أن أي عمل لا يقترن بمعرفة ومحبّة الزهراء سلام الله علیها ليس له أي قيمة عند الله تعالى.

السادسة : وجود فاطمة سلام الله علیها أساس البركة لكلّ الموجودات

قيل لليلة القدر ليلة مباركة ؛ لأنّ المبارك يُطلق على الشيء الذي ينمو

ص: 155


1- الكافي 1: 4/193 ، تفسير البرهان 5: 11766/705
2- مائة منقبة : 136 ، فرائد السمطين 2: 392/68

ويكبر ويكون سبباً للزيادة وليس فيه إلا الخير.

فمثلاً جاء في القرآن الكريم الآية : «وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكُ»(1)، يعني : كلّ مَنْ تمسك به؛ يكون مورد مدح وثناء، ويحصل على الخير الكثير، وقراءته والعمل به يكون سبباً للخير والبركة، والنظر فيه عبادة وغفران للذنوب. فيه علوم الأولين والآخرين وبيان لكلّ شيء من أحكام الحلال والحرام حتى كلّ رطب ويابس ، والتفكر في آياته يُزيد في الإيمان بالإسلام؛ لأن القرآن الكريم من كل جانب قابل للزيادة وفيه الخير والبركة.

ليلة القدر مباركة ؛ لأنّها ليلة قابلة لنمو وزيادة الأرزاق المادية والمعنوية، وهي السبب في صدور الخيرات والبركات الكثيرة من الله تعالى إلى خلقه، ويُزاد في أعمار مجموعة كبيرة من الناس فيها؛ بسبب دعائهم وأعمالهم الخيّرة في تلك الليلة، ويُعطى لمجموعة كبيرة أُخرى من الناس الذريّة الجميلة الصالحة والتى تكون سبباً للخير والبركة.

وفي ليلةِ القدرِ تُغفرُ ذنوب كثيرة، وينجو فيها مجموعة كبيرة من نار جهنّم ، ويحصلون على نِعم كانوا محرومين منها إلى تلك الليلة؛ بسبب بركة وعناية الله تعالى في تلك الليلة فلذلك قيل لها : ليلةٌ مباركةٌ.

كذلك انتخب الله سبحانه لفاطمة الزهراء سلام الله علیها الاسم : المباركة؛ لأنّها مباركة في ولادتها لأبيها، وسبب لنزول البركات الإلهيّة الكثيرة، وكذلك سبب في زيادة ذريّة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، واتجاه الخير الكثير نحوها ، وسبب لإحياء الدين، خصوصاً عن طريق أبناءها المعصومين علیه السلام الذين كلّ واحدٍ منهم بعد الآخر بتضحيتهم بأنفسهم وإيثارهم الذي ليس له نظير نشروا العلوم بين الناس وأحيوا دين الله تعالى؛ كانوا السبب في الخير الذي لا يُعدّ ولا يُحصى، وميل أصحاب الأديان

ص: 156


1- سورة الأنعام 6: 92 155

المختلفة نحو الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت علیه السلام. واليوم، وبعد مضي أكثر من أربعة عشر قرناً من شهادة فاطمة الزهراء سلام الله علیها، وفي زمانٍ آخر من إمامة الأئمة الطاهرين علیه السلام يأتي دور إمام العصر والزمان أرواحنا فداه، بغضّ النظر عن الخيرات والبركات الكثيرة المتوفّرة في غيابه ؛ لحفظ نظام الخلق ودين الله والسير على طريق أجداده سيأتي اليوم الذي يفرّج الله تعالى عنه، ويأذن له بالظهور، ويحكم كل نظام الوجود، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً ،وجوراً، وتتجه كل الخيرات والبركات نحو البشرية ، هناك سيتضح بركة وجود فاطمة الزهراء علیه السلام، وسيعلم عندئذ لماذا سُمِّيت فاطمة علیه السلام بالمباركة ؟ ولماذا فُسِّر وجودها علیه السلام بليلة القدر والمباركة ؟

السابعة: ارتباط فاطمة سلام الله علیها الهلا بالملائكة

لیلةُ القدر لیلةٌ تنزل بها الملائکة مع روح القدس باذنِ ربّها علی الامام صاحب الزمان علیه السلام و تطوف تلك الملائکة حول الامام علیه السلام (1)، يُسلّمون عليه ويقدِّمون إليه المقدّرات السنوية لعباد الله.(2)

كذلك بيت فاطمة سلام الله علیها في زمان أبيها صلى الله عليه و آله وسلم وبعد رحيله مكان لنزول الملائكة وعروجهم من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل إلى بقيّة ملائكة الله المقربين، كلهم ينزلون فى بيتها ويسلمون عليها ويتكلمون معها، ويسمعون كلامها وتسمع كلامهم، ويوصلون إليها رسائل الله تعالى، ويطوفون حولها، ويحفظونها

ص: 157


1- قيل لابي جعفري : تعرفون ليلة القدر ؟ قال : «وكيف لا نعرف ليلة القدر والملائكة تطُوفُ بنا فيها». تفسير القمّي 2 : 432 تفسير البرهان 5 : 715 ذیل ح 11793
2- إشارة إلى الآيتين 4 - 5 من سورة القدر: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ امرٍ»«سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» . وانظر الحديث الوارد في مصادر الهامش السابق

من كلّ سوء من شأنه أن يُصيبها وبعد شهادتها قائمون عند قبرها يصلّون عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.(1)

الثامنة : فاطمة سلام الله علیها السبب في تفعيل كمالات الإمامة

بالنظر إلى رواية الإمام موسى بن جعفر علیه السلام والتي فَسَّرت الكتاب المبين بأمير المؤمنين علیه السلام و«الليلة المباركة» بالزهراء سلام الله علیها، ونحصل على نقطة أخرى من هذه الرواية، وهي: كما أن اتصال القرآن بليلة القدر ونزوله فيها فَعَّل كلام الباري في تلك الليلة وصار سبباً لمعرفة الناس بالهداية التشريعية الله تعالى في القرآن؛ وبالنتيجة هي السبب في صدور الخير الكثير من الله تعالى لخلقه، إضافة إلى أنّ التوجّه إلى كتاب الله في ليلة القدر يُزيد في بركات كل واحد منهما وتصير الخيرات منهما أضعافاً مضاعفة. كذلك زواج واقتران أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء سلام الله علیها، ونزول القرآن الناطق في مباركة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كنزول القرآن الصامت في ليلة القدر ؛ صار سبباً في تفعيل بركات وجود أمير المؤمنين علیه السلام في كلّ نظام الوجود، وصدور الخير الكثير لكل الموجودات في الملك والملكوت.

وأوضح مصداقٍ لبركات هذا الاقتران والزواج ، هم الأبناء المعصومون علیهم السلام ، الذين هم نتيجة لالتقاء البحرين المواجين من الكمال والفضيلة والذين تعهّدوا بالإمامة وهداية الخلق إلى يوم القيامة. وثمرة شجرة الإمامة الطيّبة هو: تحقيق عبادة الله الواحد في الأرض، وانتصار الدين الإسلامي على كلّ الأديان، وانتهاء وقطع دابر الفتنة، وبسط العدل ع-ل-ى ك-ل أرجاء الأرض

ص: 158


1- وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى ، انظر : الكافي 1: 240 - 2/241 و 5 ، دلائل الإمامة : 27 ، عوالم العلوم 1/11 : 191 - 197 و 2/11: 1134 ، بحار الأنوار 43: 78

على يد آخرهم الإمام صاحب الزمان علیه السلام.

إضافة لكلّ ذلك فإنّ الإنسان باعتقاده بفضائل الزهراء وحصوله على محبّتها مع اعتقاده بفضائل بعلها أمير المؤمنين علیه السلام؛ يُقبل عمله ويُضاعف أجره أضعافاً مضاعفة، كذلك الإحسان للزهراء سلام الله علیها وأبنائها علیهم السلام مع الدفاع عن مظلومية زوجها أمير المؤمنين علیه السلام علي هو سرّ الحصول على «خَيْرِ «العمل» . لذلك عندما يُسئل الإمام الصادق علیه السلام: ما معنى: «حَيَّ عَلى خَيْرِ «العمل»؟

فيقول: «خَيرُ العمل بر فاطمةَ وولدها».(1)

التاسعة : عُمْرُ فاطمة سلام الله علیها القصير المبارك

كما أنّ ليلة القدر بالتقدير الزماني هي قصيرة، لكن مع هذه المحدوديّة الزمانية وقلّة ساعاتها تحتوي على لحظات أساسيّة فيها يُكتب المستقبل،

وإدراك دقائقها والانتباه لساعاتها الليلية تؤدّي إلى الحصول على البركات الكثيرة والتقديرات الإلهيّة الطيبة للإنسان من أرزاقه.

كذلك فاطمة الزهراء سلام الله علیها التميزت بعمرها القصير، ومع كل التحديد والتحجيم والظلم الذي لحق بها من قبل الظُّلَمَة، الذي كان سبب شهادتها سلام الله علیها، وتقليل وتحديد بركات وآثار وجودها ؛ لكن وجودها المبارك مع أنه كان مخفيّاً خلف ستار الحجاب، فقد كان مليئاً بالبركات الكثيرة لكلّ نظام الخلق، وفي وجودها القصير من الناحية الزمانيّة منافع لا تُعدّ ولا تُحصى لكلّ الوجود، خصوصاً الرسالة أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وولاية بعلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، وإمامة أبنائها المعصومين علیهم السلام الواحد تلو الآخر.

ص: 159


1- معاني الأخبار : 41 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 107 فلاح السائل : 148 ، بحار الأنوار 44/44:3، 134:81

مع أنّ عمرها الشريف عدة سنوات ولم تحصل على فرصة العيش الطويل. لكنّ شعاع وجودها كان ساطعاً ومنتشراً على كل شيء، ونورها أضاء كلّ

عالم الوجود.

لو تمعن الإنسان بالحياة القصيرة والعمر القليل للسيّدة الزهراء سلام الله علیها وبكلامها وتصرفاتها الحكيمة، وطبّق كل ذلك على حياته وسار على نهجها؛ سيحصل على الكمالات المعنوية والتقديرات المادية - والتي فيها سعادة الدنيا والآخرة ويصل عن هذا الطريق إلى أفضل المنازل في عالم ما بعد الموت.

العاشرة : فاطمة سلام الله علیها فيها روح القدس

كما أنّ ليلة القدر ظرف زمان خاص بنزول الروح والملائكة والروح مخلوق أفضل وأعظم من جبرئيل وميكائيل، والنبي والأئمة علیهم السلام بواسطة هذه الروح يعلمون الأخبار الغيبية الإلهية ويرتبطون بوجودها مع الله تعالى، تنزل هذه الروح في ليلة القدر مع الملائكة على إمام ذلك الزمان مع التقديرات السنوية لعباد الله، ويقدمونها لإمام كلّ زمان.

فإن وجود الزهراء سلام الله علیها وعاء طاهر ومقدس لاستقبال هذه الروح - روح القدس وهي بواسطتها ترتبط مع عالم الملكوت وتتحمل كأبيها وبعلها العلوم اللدنية والمعارف الربانية.

يعيّن الإمام الصادق علیه السلام - في رواية حمران في أوّل البحث في تفسير قوله تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا» ، «والرُّوح رُوحُ القُدس، وهو في فاطمة سلام الله علیها». كما أنّ هذه الروح كانت في أبيها وبعلها وبنيها المعصومين علیهم السلام؛ لتحمّل منزلة النبوّة أو الإمامة .

هذا الوجه من الكلام أستفيد من رواية الإمام الصادق علیهم السلام، ويُستفاد هذا

ص: 160

المعنى أيضاً من رواياتٍ أُخر(1)، والتي تُثبت المنزلة العظيمة لفاطمة الزهراء سلام الله علیها، ولم يستوعبها أي فكر ولا يتحمّل قبولها أي أحد، إلّا أُولئك الذين امتحن الله قلوبهم للإيمان به للإيمان به وبأوليائه.

ص: 161


1- تفصيل هذا البحث والروايات المتعلقة به سيأتي في الصفحات اللاحقة من الكتاب

ص: 162

الفضيلة الخامسة عشر : فاطمةُ سلام الله علیها مَثَلُ نور الله

اشارة

عن صالح بن سهل الهمداني قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول في قول الله عزّوجل : «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ» : « المشكاة : فاطمة سلام الله علیها «فِيهَا مِصْبَاحُ» : الحسن «الْمِصْبَاحُ»: الحسين.

«فِي زُجَاجَةٍ ... كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» : كأَنّ فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا ونساء أهل الجنّة.

«يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَة» : يوقد من إبراهيم.

«وَلَّا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ» : لا يهودية ولا نصرانية.

«يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ» : يكاد العلم ينفجر منها.

«وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ» : إمام منها بعد إمام.

«يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ» : يهدي الله للأئمة من يشاء .

«وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللهُ بكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(1)».(2)

ص: 163


1- سورة النور 24: 35
2- تفسير القمي 2 : 102، بحار الأنوار 23: 304 - 1/305. وانظره بتفاوت يسير في الألفاظ في مسائل عليّ بن جعفر : 795/316 ، الكافي 1: 5/195 ، تفسير فرات الكوفي 383/282، بحار الأنوار 4 : 18 - 6/19 ، تأويل الآيات الظاهرة 1: 07/360

في هذا الحديث الشريف نرى نقاط مهمة بخصوص منزلة الزهراء سلام الله علیها، وقبل الخوض فيها نذكر مطالب مقدّمة للبحث:

1 - إنّ النور من بين جميع المحسوسات في الخلق له خصوصيات خاصة ، يستفاد منه جميع الموجودات.

النور أجمل وألطف موجود في العالم المادي، ومنبع كل الجمال واللطافة، يتميّز بأعلى سرعة من بين جميع المخلوقات، وهو وسيلة لتوضيح ورؤية الموجودات المختلفة في نظام الخلق، ومربّي الورد والزرع، ورمز بقاء ك-لّ الوجود، والعامل لإيجاد الألوان، كلّ الطاقة الموجودة في العالم عدا الطاقة الذرية - أساسها نور الشمس، والتي تولّد الحرارة وب-ه-ا ت-دار ال-م-ح-رك-ات ووسائل الإنتاج وكافة الأعمال الطبيعية وغير الطبيعية في المنظومة الشمسية. إضافة إلى أن نور الشمس قاتل لجميع الميكروبات الضارّة.

بعبارة واحدة : النور له أثارٌ قيّمة وبركات عظيمة لا يمكن إنكاره.

لذلك مَثَّلَ الله سبحانه النور لنفسه فقال عزّوجلّ :«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».(1)

لعلّ النور كذات الله المقدسة - من دون شبه - هو واضح ومُوضِحٌ . يعني: هو ظاهرٌ ومُظْهِرٌ

ص: 164


1- سورة النور 24: 35

2 - «المشكاة» في إحدى المصطلحات المستعملة، وعلى أساس الروايات فُسِّرت بالزهراء سلام الله علیها - مكان في الجدار كان يستخدم قديماً لوضع السراج ؛ لكي لا يُطفئه الهواء.

وأحياناً كان يُصنع ثقب من داخل جدار الغرفة الذي يُشرف على ساحة البيت ويُغلق بالزجاج حفاظاً على السراج من أن يُطفئه الهواء والمطر، وحتى يُضيئ داخل الغرفة وساحة البيت في آنٍ واحد.

وكذلك يُطلق على المحفظة المكعبة الشكل والمثقوبة من الأعلى لخروج الهواء، ويوضع في وسطه المصباح وينقلونه من مكان إلى مكان.

3 - «الزجاجة» : مصطلح آخر ورد في آية النور، وفسِّر بالزهراء سلام الله علیها. ويُطلق الزجاج في الأصل على الصخر الشفاف، ويستفاد منه في المصباح للحفاظ على الشعلة في داخله من عبث الهواء وتسمح بدوران الهواء بداخله مما يزيد من نور الشعلة والحصول على ضياء أكثر .

4 - «الْمِصْبَاحُ»: من خصوصياته نشر الضياء، ويحتاج إلى شروط خاصة ليعمل وهي:

أ - مشكاةٌ تحافظ على شعلة المصباح من كل سوء من شأنه أن يقلل من نور المصباح، ومن كل جانب، بل يركز الضوء ونشره أكثر .

ب - الزجاجة الحافظة للمصباح تسمح بدوران الهواء، وتحافظ على توهّج الشعلة، يجب أن تكون هي أيضاً شفافة؛ لكي لا تمنع النور الخارج

من المصباح، بل تساعد على توهّج النور أكثر.

ج - مادة الاحتراق، والتي تبعث الطاقة كما جاء في القرآن هي من شجرة الزيتون. وهي شجرة معرّضة لأشعة الشمس بصورة متساوية من كل جوانبها، بمعنى أنّه ليس ليس في الجانب الشرقي بجنب جدار البستان فقط لتحصل هذه

ص: 165

الشجرة على أشعة الشمس الصباحيّة، وليس من الجانب الغربي فقط لتحصل على أشعة الشمس عند العصر، لتعطي لنا ثماراً نصف طازجة وزيتها يكون في هذه الحالة غير جيد وليس صافياً؛ ولكي يمكن أن يشتعل الزيت الصافي من شجرة الزيتون اشتعالاً كاملاً ويعطينا نوراً أكثر .

بعد أن اتّضحت هذه المقدّمات، نذهب إلى الروايات الواردة في تفسير هذه الآية

مع أنّ «المشكاة» فُسِّرت في الروايات برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وبقية أقسام الآية فُسِّرت بأوصيائه من بعده. لكن بالنظر إلى أن القرآن الكريم له معان مختلفة وبطون متعدّدة، ونحن أيضاً تبين بطناً آخر لهذه الآية، والذي أُشير إليه في روايات متعدّدة، وهذا التفسير يُفسّر مقاطع من هذه الآية بالزهراء سلام الله علیها، والبركات الصادرة من ذاتها المقدّسة، ونحن نشير إلى بعض النقاط المهمّة، وهي:

الأُولى: فاطمة سلام الله علیها مَثَلُ نور الله

من أهم النقاط التي أُشير إليها في هذا الرواية وأمثالها هي : إن الزهراء سلام الله علیهامَثَلُ نور الله، كما أن هذه الآية فُسِّرت بالنبي وأوصيائه من بعده.

ونستنتج من هذا التفسير: إن الأئمة المعصومين علیهم السلام وأُمّهم فاطمة الزهراء سلام الله علیها لهم المَثَلُ الأعلى لله سبحانه، وهذا المطلب صُرِّح به في الزيارة الجامعة والتي هي من الزيارات المعتبرة، نقرأ في مقطع من هذه الزيارة:

«السّلامُ على أَئمّةِ الهُدى ومَصابيح الدُّجى وأعلام التقى... والمَثَلِ الأعْلَى ...».(1)

في الواقع هذه العبارات مأخوذة من كلام الله تعالى في القرآن الكريم يقول

ص: 166


1- من لا يحضره الفقيه 2: 610 ، تهذيب الأحكام 6: 96 ، المزار للمشهدي : 210

سبحانه: «وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».(1)

يستفاد من هذه الآية وكذلك آية النور بأنّ الله سبحانه وتعالى ليس له مِثْلٌ، لكن له مثل ؛ لأنّ المِثْلَ الله تعالى منفى فى الآيات القرآنية والروايات

ويقول هو سبحانه: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».(2)

والفرق بين المِثْلِ والمَثَل هو : إِنَّ المِثْلَ الشبيه في كل شيء، في الذات والجوهر، وإذا قلنا بأن الأئمة علیهم السلام مِثْلُ الله تعالى؛ يلزم أن تُعرّف الأئمة بأنّهم يشبهونه في الذات والصفات الذاتية بلا شك هذا الكلام غلط وخلاف صريح القرآن الكريم.

أمّا المَثَل : فهو عبارة عن تشبيه المعقول بالمحسوس؛ لغرض تقريب المعقول لذهن المُخَاطَب ، وذلك بواسطة المحسوس؛ والمحسوس الوحيد الذي يمكن أن يُمثل به عن الله وصفاته وأفعاله، هم النبي والأئمّة المعصومون علیهم السلام.

بمعنى أن الله تعالى جعلهم مُطبّقين ومظهرين لصفاته الجلالية والجمالية، فكما أنّ الله تبارك وتعالى قوله وفعله حجّة على الخلق، فالنبي والأئمّة المعصومون علیهم السلام حجة الله على الخلق في القول والعمل؛ لأنهم مظهرين لصفات الله الجلالية والجمالية .

وكلّ من أراد أن يتعرّف على أصل الوجود والصفات الإلهية، فالطريق الوحيد هو أن يعرف النبي والأئمة المعصومين علیهم السلام، فهم الطريق والوسيلة الوحيدة لمعرفة الباري تعالى وبمعرفتهم تحصل المعرفة بالتوحيد وبالصفات الإلهيّة. ولعلّ الروايات التي تُعرّف الإمام بأنّه يد الله، وعين الله، وأُذن الله ،

ص: 167


1- سورة النحل 16: 60
2- سورة الشورى 42: 11

ولسان الله، ووجه الله ، وجنب الله وخليفة الله في السماوات والأرضين تشي إلى هذا المعنى.

لذلك قيل لمعنى آخر للمَثَلِ : بأنه حجّة الله ، بلا شك فإن حجة الله في كل زمان هو مَظْهَرٌ للصفات الإلهية ومنفذ للآيات الربانية.

يقول العلامة السيّد عبدالله شبر في شرح هذا المقطع من الزيارة الجامعة «السّلامُ على أَئمّةِ الهُدى ... والمَثَل الأَعْلَى ...»:

فانّهم حجج الله تعالى، بل أعلاهم وهم المتصفون بصفات الله تعالى فكأنّهم ،صفاته، بل هم مظاهر أسمائه وصفاته ...

وبعدها يُشير السيّد إلى آية النور ويبيّن تفسيرها بالأئمة علیهم السلام.(1)

إنّ الذي يُلْفت الانتباه والتعجب هو: إنّ الروايات الواردة في تفسير آية النور، قد عرفت الزهراء سلام الله علیها بأنّها مَثَل نور الله ، مع أنّها لم تكن نبيّة ولا رسولة ولا إماماً وخليفة وهذا يبيّن المنزلة العالية للزهراء سلام الله علیها بجانب زوجها وأبنائها، الذين تعهدوا بإمامة الخلق من البداية إلى نهاية الخلق .

الثانية: فاطمة سلام الله علیها حافظة لشمس النبوّة، ومحطّ لأنوار الإمامة

كما أنّ المشكاة حافظة لشعلة النور في داخلها من عبث الهواء والمطر وكلّ شيءٍ من شأنه أن يُطفئ الشعلة ويقضي على النور؛ كذلك فاطمة الزهراء سلام الله علیها مكان لحفظ مصابيح الهدى، ومحلَّ لأنوار ولاية الأولياء، وحافظة لنسل الإمامة إلى إلى يوم القيامة، فهي سدّ المنيع من أقول شمس الوحي والنبوّة، والمانع من إطفاء مصابيح الولاية والإمامة.

لذلك فُسِّرَ «الْمِصْبَاحُ» فى الآية الشريفة مرّة بالإمام الحسن علیه السلام، وأُخرى

ص: 168


1- الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة : 74

بالإمام الحسين علیه السلام، وكذلك نورٌ عَلَى نُورٍ بالأئمة إمام بعد إمام من نسل فاطمة الزهراء سلام الله علیها؛ فإنّها حافظة لأنوار الولاية والإمامة من نسل النبي صلی الله علیه و آله وسلم الذين نور الله العالم بنورهم المبارك.

الثالثة فاطمة سلام الله علیها ضياء مصباح الولاية

كما أنّ حافظة المصباح تحافظ على الشعلة ولا تمنع النور من الانتشار بل تساعد على انتشاره أكثر من خلال دوران ذرات الهواء بداخله مما تساعد النور على التوهّج ؛ كذلك وجود فاطمة الزهراء سلام الله علیها حيث تقوم بنفس هذا الدور أيضاً في الحفاظ على شمس الوحي والنبوة وشعاع الولاية والإمامة.

بمعنى أن الزهراء سلام الله علیها بالإشعاعات الخاصة التي لديها في الظاهر والباطن تحافظ على وحى النبوّة والإمامة :

مرّة في محراب عبادتها بدعائها ومناجاتها.

ومرّة بزهدها في الحياة وصدقاتها وأعمالها الخيرية.

ومرّة بأنينها بين الحائط والباب.

ومرّة بخطبتها العصماء في المسجد النبوّي.

ومرّة في جموع نساء المهاجرين والأنصار تكلّمهنّ بحرقة وإخلاص.

ومرّة بمقابلة الأعداء ، أعداءها وأعداء زوجها ، بفضحهم والدعاء عليهم .

ومرّة بضلعها المكسور خلف الباب ومهد محسنها السقط

وأخيراً بشهادتها المظلومة حافظت ودافعت عن نور الإسلام والولاية والتي أخذت الولاية منها جُلّ اهتمامها وفصلت فيها بين المحبّ والعدوّ ، وبين الصادق والكاذب وأهدت السائرين على سُنّة أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وعشاق ولاية زوجها عليّ المرتضى علیه السلام، نحو مصباح الهداية والإمامة ،

ص: 169

وحافظت على الوحي والنبوّة والولاية والإمامة من السيول الجارفة للأعداء، وجعلت أتباع أبيها وزوجها بأمان يستضيئون بنور القرآن والولاية.

الرابعة فاطمة سلام الله علیها كوكب دري لبيت النبوة

كما أنّ المشكاة فُسِّرت بفاطمة الزهراء سلام الله علیها، وكذلك الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّى - فُسّرت بها .

بمعنى أن الزجاجة التي لها دور الحفاظ على الشعلة ونفاذ النور منها ، وهذا النور الذي هو مثل نور الله ، كما في آية النور، فيه شفافية مضاعفة، فعند النظر إليها كأنّها كوكبٌ دريٌّ بتلالُئِها .

فالزهراء سلام الله علیها أيضاً لديها هذه الحالة، إضافة إلى أنّها الهادية لنور الولاية والإمامة، فهي أيضاً تتلألأ وتشع بصورة خاصة من بدء الخَلْقِ إلى آخر لحظة من عمرها الشريف، أضاءت العالم بنورها.

لذلك قال الإمام الصادق علیه السلام: «فاطمة كوكبٌ دريٌّ بين نساء أهل الدنيا».(1)

كما أن نور الله تعالى يملأ العالم، وكلّ شيء خاضع له وتحت أمره؛ نور فاطمة أيضاً ليس فى الكرة الأرضيّة فقط، بل أضاء كل العالم من بداية الخلق حتى لحظة شهادتها ، كانت سلام الله علیها كالشمس المتلألئة وخضعت كل الأنوار تحت شعاع نورها؛ لذلك قال الإمام الرضا علیه السلام:

«كانت فاطمة سلام الله علیها إذا طَلَعَ هلال شهر رمضان يَغْلِبُ نورها الهلال ويخفى ، فإذا غابت عنه ظَهَرَ».(2)

ص: 170


1- كما في مسائل عليّ بن جعفر : 316 ضمن ح 795 ، الكافي 1 : 195 ضمن ح 5 ، بحار الأنوار 304:23 ضمن ح 1
2- فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق : 84/99، بحار الأنوار 43: 49/56 ، عوالم العلوم 1/11: 9/78

بل كانت هذه التجليات شديدة حتى أنها تترك أثراً في حياتها وما يتعلق بها ، وكانت سلام الله علیها تنوّر هذه الأشياء بنورها أيضاً، والدليل على ذلك القصة الآتية :

نور ملاءة فاطمة سلام الله علیها

روي أن علياً استقرض من يهودي شعيراً، فاسترهنه شيئاً ، فدفع إليه ملاءة فاطمة رهناً، وكانت من الصوف.

فأدخلها اليهودي إلى دارٍ ووضعها في بيتٍ، فلمّا كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة، فرأت نوراً ساطعاً في البيت أضاء ب-ه ك-لّه فانصرفت إلى زوجها فأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءاً عظيماً، فتعجب اليهودي زوجها ، وقد نَسِيَ أنَّ في بيته ملاءة فاطمة، فنهض مسرعاً ودخل البيت فإذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنه يشتعل من بدرٍ منير يلمعُ من قريب.

فتعجب من ذلك ! فأنْعَمَ النظر في موضع الملاءة، فَعَلِمَ أنّ ذلك النور من ملاءة فاطمة .

فخرج اليهوديّ يَعْدُو إلى أقربائه، وزوجته تَعْدُو إلى أقربائها، فاجتمع ثمانون من اليهود فرأوا ذلك ؛ فأسلموا كلّهم.(1)

في بادئ الأمر من الصعب قبول مثل هذا الخبر عند البعض، ويسألون: كيف يمكن أن يرهن أمير المؤمنين علیه السلام عباءة زوجته لرجل يهوديّ؟!

لا يُستبعد وقوع مثل هذا الأمر، بل يرجح ؛ وذلك لمطلبين:

أولهما: إن العباءة التي كانت ترتديها الزهراء سلام الله علیها لم تكن من العباءات

ص: 171


1- الثاقب في المناقب : 255/301 ، الخرائج والجرائح 2: 13/537، بحار الأنوار 43: 36/30

المهمّة، بل كانت من الصوف وعليها علامات الزهد والقداسة، يقطر منها التقوى والطهارة.

كانت عباءة مرتوقة من اثنى عشر موضعاً بخوص النخيل، عندما رأى سلمان تلك العباءة على الزهراء سلام الله علیها، بكى، وقال:

واحزناه، إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة محمّد صلی الله علیه و آله وسلمعليها شملةُ صوفٍ خَلِقَةً قد خيطت في اثني عشر مكاناً !!

فلما دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه و آله وسلم قالت :

«يا رسول الله، إنّ سلمان تعجب من لباسي، فوالذي بعثك بالحقِّ ما لي ولعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان

الليل افترشناه، وإن مرفقتنا لَمِنْ أدم حشوها ليف».(1)

إِن مَنْ يرى مثل تلك العباءة، ينقلب من دون ترديد يترك الدنيا ويتوجه للآخرة.

وثانيهما لو فرضنا أن عباءة الزهراء سلام الله علیها لم تكن لديها تلك الخصوصيات التي ذكرت ، فإنّ هذا الاستبعاد عندئذٍ ليس له أي أثر مثبت . في حين أن عمل أمير المؤمنين علیه السلام هذا فيه حكمة ومصلحة من ثلاث جهات، وهي:

الأولى : إنّ شدّة فقر أمير المؤمنين علیه السلام المادي الذي حدّثنا الأئمة من بعده والتاريخ عنه كثيراً - أجبره على أن يضع تلك العباءة رهناً عند اليهودي، وإلا لم يقدم أمير المؤمنين على هذا العمل اختياراً.

والثانية : كانت حياة النبي وأمير المؤمنين علیهما السلام من الناحية المادية تدار في أقل مستوى من جميع أفراد المجتمع فوقوع مثل تلك القصص في حياته هي مواساة للفقراء والمعوزين الذين يلجؤون إلى مثل تلك الأعمال لإمرار

ص: 172


1- بحار الأنوار 43: 88 ضمن ح 9

معاشهم؛لأنّ الفقراء عندما یرون نبیّهم و امامهم یعیشان تلك العیشة، یُزاد في صبرهم وتحمّلهم على الفقر، ويبقى دينهم وإيمانهم محفوظان .

الثالثة : بالنظر إلى النتائج والآثار والبركات الكبيرة التي يتركها هذا العمل في حياة أمير المؤمنين علیه السلام كهداية مجموعة من اليهود إلى الدين الإسلامي وولاية أهل البيت علیهم السلام ومثل هذا في حياته وحياة زوجته كثيراً جداً - فصدور هذا العمل منه علیه السلام ليس بعيداً ، بل هو من الأعمال الحَسَنة التي يستحق التقدير والإجلال ؛ لأنّ هداية شخص واحدٍ للدين الإسلامي والعقائد الحقة ه-و بمنزلة إحياء للنفس والتي يقول الله تعالى فيها : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».(1)

بلا شك فإنّ أفضل من إحياء جسم الإنسان هو إحياء روحه، وهدايته نحو

الحياة الأبدية.

فرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وسلم أيضاً يبيّن عظمة هذا العمل لأمير المؤمنين علیه السلام، حيث يقول: «لأنْ يَهْدِي الله بك رَجُلاً واحداً خيرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عليه الشمسُ».(2)

إن عمل أمير المؤمنين علیه السلام فى هذه القصة أدّى إلى هداية ثمانين يهودياً إلى الدين الإسلامي، وكل هذا ببركة نور عباءة زوجته فاطمة الزهراء سلام الله علیها.

إن هذه البركات الكبيرة والتي لا تُعد ولا تحصى من جراء عمل أمير المؤمنين علیه السلام، هل أنّ صدور مثل هذا العمل منه بعيد؟ أم لا بد أن يُعد فعلاً حكيماً وعملاً مملوءاً بالبركة لعالم الدين والديانة؟!

ص: 173


1- سورة المائدة 5: 32
2- بحار الأنوار 32: 448، المستدرك للحاكم 3: 598 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 14. وانظره بتفاوت يسير في : الكافي 5: 28 ضمن ح4 ، تهذيب الأحكام 6: 141 ضمن ح 240 ، وسائل الشيعة 15: 42 - 43 ضمن ح 1995

ص: 174

الفضيلة السادسة عشر : فاطمة سلام الله علیها الحوراء إنسية

اشارة

عن الهروي، عن الرضا علیه السلام قال : «قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : لمّا عُرِجَ بي إلى السماء أَخَذَ بيدي جبرئيل فَأَدْخَلَنِي الجَنَّةَ فَنَاوَلَنِي مِنْ رُطَبِها، فأكَلْتُهُ فَتَحَوَّلَ ذلكَ نُطفةً في صُلْبِي. فلمّا هَبَطْتُ إلى الأرضِ واقَعْتُ ،خديجة ، فَحَمَلَتْ بفاطمة سلام الله علیها. ففاطمة حوراءٌ إنسيَّة، فكلّما اشْتَقْتُ إلى رائحةِ الجَنَّةِ شَمَمْتُ رائحةَ ابنتي فاطمة».(1)

مقارنة بين مكوِّنات بدن الزهراء سلام الله علیها مع مكونات أبدان سائر الناس

لا شك في أن عناصر مكونات بدن الزهراء سلام الله علیها تختلف عن عناصر مكونات أبدان سائر الناس حتى الأنبياء والشخصيات المميزة في عالم الوجود.

نرى أدلّة وشواهد معتبرة لذلك فى مصادر العامة والخاصة، والتي من جملتها الحديث السالف الذكر، وأحاديث أُخر نُقِلت فى هذا الخصوص، وهذا

ص: 175


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 546 ضمن ح 728 ، عيون أخبار الرضا 2: 107، المناقب لابن شهر آشوب 3: 114 روضة الواعظين: 149 ، الاحتجاج 2 : 191 ، بحار الأنوار 4: 3 ضمن ح 4 ، : 119 ضمن ح6، 43: 4 ضمن ح42. وانظره بتفاوت يسير بالألفاظ في تاريخ بغداد 5: 293

أيضاً شرف وامتياز خاص أعطاه الله تعالى لامرأة؛ لأنّها ذات مقدسة لابد أن تصير زوجةً لأمير المؤمنين علیه السلام، وأُمّاً لاحد عشر إماماً معصوماً طاهراً.

ومن أجل توضيح هذا المعنى نقدم مقدَّمة من عدة نقاط :

ارتباط الروح بالبدن

بلا شك أن بين روح الإنسان وبدنه ارتباط تام وثيق وشديد، ويؤثر أحدهما بالآخر تأثيراً مباشراً، من حيث الفعل والانفعالات.

ولا يمكن إنكار تأثيرات هذين البعدين من الناحية الإيجابية والسلبية في الإنسان؛ لذلك أكدت تعاليم الدين الإسلامي وتوجيهات أهل البيت علیهم السلام على كسب الرزق الحلال وطهارة غذاء الإنسان من الحرام والانتهاء عن الكسب الحرام حيث قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «العبادةُ عشرة أجزاء تسعة أجزاءٍ في طلب الحلال».(1)

إنّ كلّ هذه التوصيات والتأكيدات على كسب الرزق الحلال هو من أجل نسج وبناء البدن من عجينة طاهرة ؛ لتبعث الطهارة والصفاء في الروح .

طينة أبدان الأئمة وأُمّهم الزهراء سلام الله علیها

إن أبداننا مبنيّة من عناصر المواد الغذائية للعالم المادّي الدنيوي وعصارة هذه المواد الغذائيّة تُشكّل النطفة في أصلاب الآباء وتنتقل إلى أرحام

الأمهات، وعند اكتمالها بعد مراحل الحمل يولد الإنسان في هذه الدنيا.

لكنّ بدن رسول الله وأهل بيته المعصومين علیهم السلام المكوّنة من عناصر طاهرة منتخبة من الجنان وموادّها من عالم الملكوت والنور. حيث إن الله سبحانه

ص: 176


1- بحار الانوار 100: 37/9

وتعالى يأخذ عصارة وطينة نطفة أي واحد من المعصومين علیهم السلام من الجنان قبل انعقاد نطفتهم، ويمنحها إلى أبيه وأمه الطاهرين على شكل غذاء، وبعد تناول هذا الغذاء المأخوذ من الجنان يتحوّل إلى نطفة - والتي تحمل بداخلها نور جسد المعصوم - تنتقل هذه النطفة إلى صُلْبِ الأب وبعدها إلى رحم الأم ، وبعد طي مراحل الحمل ؛ ينوّر المعصوم علیهم السلام العالم بنور ولادته .

بعبارة أوضح إن مكوّنات أبدان رسول الله وأهل بيته علیهم السلام هي من نفس مكوّنات أرواحنا (1)، لذلك فأجساد المعصومين علیهم السلام فيها بعد ملكوتي ولديها أثارٌ وعوارض لا تمتلكها ،أجسادنا، مع أن فيها أثار وعوارض كأجسامنا المخلوقة من الطين.

بتعبير أدق : أبدانهم علیهم السلام من جانب هي من سنخ أبدان سائر المخلوقات، ومن جانب آخر ليس لها سنخ.

فمن جهة أن أبدانهم المعرّضة للعوامل الدنيوية وتتأثر بها، كالصحة والمرض والسلامة والابتلاء بالحزن والغم، وكذلك تتعرّض للفرح والسرور

ص: 177


1- إنّ المقصود من هذا الكلام هو: إنّ طينة أبدان الأئمة الخُلقت من مواد نورانية في أعلى عليين، وكذلك خُلِقت أرواح شيعتهم . والمراد من الشيعة أولئك الذين يتبعون الأئمة الاثني عشر المعصومين في عقائدهم وأعمالهم. وهذا الكلام هو مدلول عدة روايات بأسانيد معتبرة ، نُشير إلى واحدة منها: محمد بن عيسى عن أبي الحجاج قال : قال لي أبو جعفر : «يا أبا الحجاج، إنّ الله خَلَقَ محمّداً وآل محمد من طينة عليين، وخَلَقَ قلوبهم من طينة فوق ذلك ، وخَلَقَ شيعتنا من طينة دون عليين ، وخَلَقَ قلوبهم من طينة عليين ؛ فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد» . في الحقيقة إنّ هذا الموضوع من المواضيع المعرفية المهمة وتحتاج إلى توضيح أكثر ، ومن أراد التفصيل فليراجع الكافي 2: 2، بحار الأنوار 5: 255 - 276 ، 1:25 - 36 ، شرح أحاديث الطينة للسيد جمال الدين الخوانساري

والنشاط، وتحتاج إلى الأكل والشرب والملبس والنوم والاستراحة، ومن أجل تكثير النسل تحتاج إلى الزواج، وكذا بقية الأمور الحياتية لأي إنسان، وفي نهاية العمر تتعرّض للموت والحياة.

فأبدانهم علیهم السلام من هذه الجهات كأبدان سائر الخَلْق، والذي جعلها الله تعالى فيها من أجل أن يتصل بهم الناس ويأنسوا ولا يستوحشوا منهم ليحضروا عندهم ويستفيدوا من علومهم.

ومن جهة أُخرى فإن المواد الأولية لجوهر أبدانهم علیهم السلام هي ليست عصارة الأغذية الدنيوية، بل هي من عالم أفضل من عالم الدنيا، هو عالم تشكيل الأرواح ، والذي يُعبّر عنه بعالم الملكوت أو عالم الأمر؛ لذلك فإنّ أبدانهم متفاوتة مع أبداننا، كما يفترقون في كثير من الصفات الجسمية والأمور التي تتعرّض لها أبداننا وسائر الخلق كنومهم فإنّه يفرق عن نوم الآخرين تنام عيونهم لكن قلوبهم لا تنام وأجسامهم ليس لها ظلّ، وعند الحمل في رحم الأُمّ لا تشعر الأُمّ بثقل جنينها - مع أنها تشعر بالثقل المعنوي للجنين - يتكلمون مع أُمّهم وهم في بطنها أثناء الحمل، تفرق كيفية ولادتهم مع ولادة بقية الناس يولدون ،مختونين، ويولدون طاهرين، ويتكلمون عند الولادة ويقرّون بوحدانية الله تعالى ويشهدون برسالة خاتم الأنبياء وإمامة ووصاية أمير المؤمنين علیه السلام.

الخلاصة : فإنّ كلّ صفات أرواحنا والأفضل منها هي موجودة في أبدانهم. وواضحة، إذا كانت أرواحنا ،نورانيّة ولطيفة وقادرة و... فأبدانهم في بعدها الملكوتي كذلك . على الرغم من أن هذه الصفات في البعد الجسمي لهم متواضعة ؛بسبب اتصال الناس وأنسهم بحضورهم، وأكثر هذه الصفات مخفية على الناس.

على كل حال فإنّ المسلَّم به وكذلك ما دلّت عليه الروايات هو:

إن الله سبحانه خَلَقَ بدن النبي وأهل بيته الطاهرين علیهم السلام من المادة الأولية

ص: 178

الطاهرة التي خَلَقَ منها أرواح شيعتهم.(1)

مراحل تكوّن فاطمة الزهراء

بالنظر إلى الذي ذُكِرَ ينبغي العلم:

بأن فاطمة سلام الله علیها هي المرأة الوحيدة التي خَلَقَ الله تعالى بدنها الطاهر كما خَلَقَ بدن أبيها وبعلها وبنيها المعصومين من النور، بل إن الله سبحانه لم يَخْلُقُ خَلْقاً كما خلق فاطمة سلام الله علیها.

يُستفاد من عدّة روايات منقولة في مصادر العامة والخاصة هكذا:

إن المادة الأوّليّة والجوهر النوراني لبدن سيّدة النساء فاطمة الزهراء سلام الله علیها خُلِقت في عالم الملكوت والله سبحانه وتعالى أرسل نور جسمها الطاهر مباشرة وغير مباشرة من الجنّة إلى صُلْبِ أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم. غير أن تلك المادة كانت شديدة النور والجوهر؛ لذلك أرسلها الله تعالى في صُلْبِ أبيها بعدة مراحل، حتّى انتقلت إلى الرحم الطاهر لخديجة الكبرى سلام الله علیها، والتي هي أيضاً امرأة من أهل الجنّة .

لعلّ اختلاف الروايات الواردة فى هذا الباب هو بيان مراحل نزول تلك المادّة النورانية الملكوتية ، ففي قسم منها يشير إلى :

أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عرج إلى السماء ودخل الجنّة وتناول من ثمرة شجرة طوبى مرّة واحدة وكانت هذه الثمرة تحمل بداخلها المادة النورانيّة لبدن فاطمة الزهراء سلام الله علیها.

يُستفاد من هذا القسم من الروايات بأنّ المادة النورانية لبدن الزهراء سلام الله علیها

ص: 179


1- انظر: الكافي 1: 389 باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم ، بحار الأنوار 25: 12/8 و: 23/12 - 24 و 25/13 - 26

كان قوياً بحيث لا يستطيع أي مخلوق حملها لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حتى جبرئيل ! الوعاء الوحيد الطاهر الذي تحمّل هذا العنصر النوراني، النفس النفيس والوجود الشريف لخاتم الأنبياء الله ، فلهذا السبب أُخِذَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى شجرة طوبى وتناول من ثمرها في الجنّة.

فالحديث الذي ذكرناه في بداية هذا البحث يُشير إلى جانب من هذه المرحلة، نعم ! وصلت أحاديث أُخر فى هذا الباب تبين خصوصيات أكثر، ونحن نُشير إلى واحدة منها، والتي روتها مصادر العامة أيضاً، اللطيف ف-ي هذه الرواية بأن راوية هذا الحديث لم تكن لها علاقة طيبة مع أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وكانت تسعى بكل جهدها إلى إخفاء فضائل بنت رسول الله وأولادها ، لكن بعض فضائل فاطمة الزهراء سلام الله علیها كانت واضحة وجلية بحيث لا يستطيع أحد إنكارها أو كتمانها :

عن عائشة قالت: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يُقَبلُ فاطمة، فقلت: يا رسول الله ! إني أراك تفعل شيئاً ما كنتُ أراك تفعله من قبل ؟

فقال لي: «يا حميراء ! إنّه لمّا كانَ ليلةُ أُسْري بى إلى السماءِ أُدْخِلْتُ الجَنَّةِ فوقفتُ على شجرةٍ من شَجَرِ الجَنَّةِ، لم أرَ في الجَنَّةِ شجرةً هي أَحْسَنُ حُسْناً، ولا أنضرُ منها ،ورقاً ولا أطيب منها ثمرةً، فَتَناوَلْتُ ثمرةً مِنْ ثَمَرَتِها، فأكلتها فصارت نُطفةً فى صُلبي.

فلمّا هبطتُ إلى الأرضِ واقعتُ خديجة ؛ فَحَمَلَتْ بفاطمة، فإذا أنا اشْتَقْتُ إلى رائحةِ الجَنَّةِ شَمَمْتُ رِيحَ فاطمةَ .

يا حميراء ! إن فاطمةَ لَيْسَتْ كنساء الآدميين، ولا تَعْتَل كما يَعْتَلْنَ». (1)

ص: 180


1- انظره بتفاوت لا يضر بالألفاظ في الطرائف : 111، بحار الأنوار 37: 36/64، عوالم العلوم : 37 ، تفسير الميزان 13: 24 ، مقتل الحسين الهلال للخوارزمي 1: 63 ، المعجم الكبير للطبراني 22: 401 مجمع الزوائد 9: 202 میزان الاعتدال 2: 518، فرائد السمطين 2: 386/61 ، نظم درر السمطين: 117 ، الدر المنثور 4: 153

إعطاء المادة النورانية الجسمانية لفاطمة سلام الله علیها إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم في ليلة المعراج:

بالنظر إلى المطالب التي بيّناها مع أن قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن قول رسول الله له في هذا الحديث :

«... لمّا كانَ ليلةُ أُسْرِيَ بي إلى السماءِ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ فوقفتُ على شجرة من شَجَرِ الجَنَّةِ، لم أر فى الجنَّةِ شجرةً هى أَحْسَنُ حُسْناً، ولا أنضر منها ورقاً، ولا أطيب منها ثمرة ...» .

فهذا القول هو إخبار عن واقع حقيقي غير قابل للخلاف وعدم رؤية النبي صلى الله عليه و آله وسلم - في قوله : «لم أَرَ» - هو دليل على عدم المرئي. بمعنى: عدم رؤيته يساوي عدم وجود الشيء الذي لم يرَه.

بعبارة :أوضح إن مفهوم كلام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو : لا توجد شجرة أجمل من تلك الشجرة ولا أطيب من ثمرتها .

ومن هنا نعلم عظمة العنصر الطاهر النورانى لبدن فاطمة الزهراء الله سلام الله علیها.

نعم، إذا كان أساس وجود سيّدة نساء الخَلْق، أجمل شجرة في الجنّة التي تحمل أطهر الثمر والمكوّنة من أفضل مواد عالم الملكوت، فالبدن المكوّن من هكذا عنصر هو أحسن الأبدان.

وإذ يقول الله سبحانه وتعالى - في خصوص خلق الإنسان -: «فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(1)، فلأنّه خَلَقَ حبيبته فاطمة الزهراء سلام الله علیها من أحسن وأفضل المواد للخلق، وخَلَقَ بدنها الطاهر من أجمل وأطهر فواكه الجنان.

ص: 181


1- سورة المؤمنون 23: 14

إذن هذه الرواية وأمثالها تبيّن إعطاء مرتبة من مراتب المادة الملكوتية الجسم فاطمة سلام الله علیها من الله تعالى إلى رسوله الله صلى الله عليه و آله وسلم، حيث لا يتحمّل أحد في الدنيا عدا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من أن يتحمّل هذا النور؛ فلذلك أُخِذَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في ليلة المعراج، وأعطي له تلك الثمرة التي كانت تحمل في جوفها المادة النورانية للزهراء سلام الله علیها.

أكل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تفاحة الجنّة في الأرض

سائر مراتب هذه المادة النورانيّة وهبها الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه و آله وسلم في مراحل مختلفة. استمرت هذه المراحل من ليلة المعراج حتى انعقاد نطفة فاطمة سلام الله علیها. جزء من تلك المادة جلبها جبرئيل على شكل تفاحة - إلى الأرض وأعطاها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ويُشير هو صلى الله عليه و آله وسلم إلى ذلك فى رواية أُخرى فيقول:

«فلما خَلَقَ اللهُ عزّوجل آدَمَ وأَخْرَجَنِي مِنْ صُلْبِهِ وَأَحَبَّ الله عزّوجل أن يُخْرِجها مِنْ صُلْبِي، جَعَلَها تُفَاحَةً في الجَنَّةِ وأتاني بها جبرئيل فقال لي:

السَّلامُ عليك ورحمةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ يا محمد

قلت : وعَلَيْكَ السَّلامُ ورحمةُ اللهِ حبيبي جبرئيل

فقال: يا محمدا إن ربَّكَ يُقرؤكَ السَّلامَ .

قلتُ: مِنْهُ السَّلامُ وإليه يعود السَّلامَ .

قال: يا محمد ! إنّ هذه تُفاحة أهداها الله عزّوجل إليكَ مِنَ الجَنَّةِ .

فأخذتها وضَمَمْتُها إلى صدري.

قال : يا محمد ! يقول الله جَلَّ جلاله : كُلّها.

فَفَلَقْتُها فَرَأيتُ نوراً ساطعاً فَفَزِعْتُ مِنْهُ.

فقال: يا محمد! ما لَكَ لا تأكُل ؟! كُلها ولا تَخَفْ؛ فإِنَّ ذلك النور

ص: 182

للمَنْصُورَةِ في السماء وهي في الأرضِ فاطمة».(1)

نعم، هذا النور الجسماني لفاطمة الزهراء سلام الله علیها كان زاهراً بصورة شديدة وقويّة، حتّى فَزِع منه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مع العلم أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم منزلته ورتبته أعلى من ذلك ؛ لأنّه أشرف مخلوقات الله تعالى، لكنّه في المنزلة الجسمانيةالمُلكيّة يفزع من نور فاطمة الزهراء سلام الله علیها الملكوتي.

خديجة سلام الله علیها تأكل من تُفاحة الجنّة أيضاً

يُستفاد من رواية أُخرى بأن قسم من تلك المادة النورانية والملكوتية أعطيت لأمها خديجة سلام الله علیها .

وقبل ذلك فقد رمى الله تعالى في قلبها أُمنية رؤية وتناول فاكهة الجنّة، حتّى إنّها أخبرت زوجها صلى الله عليه و آله وسلم بذلك .

فجاء جبرئيل بتفاحتين من الجنّةِ وأعطاهما لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وقال :

«يا محمد ! يقولُ لَكَ مَنْ جَعَلَ لكلِّ شيءٍ قدراً: كُلّ واحِدَةً وأطْعِم الأخرى

لخديجة الكبرى، وأغْشِها؛ فإنّى خالِقٌ مِنْكُما فاطمة الزهراء سلام الله علیها».(2)

انتقال نور الزهراء سلام الله علیها كاملاً إلى صُلْبِ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

أعطى الله سبحانه وتعالى آخر قسم من تلك المادة النورانية بمراسيم خاصة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

وقبل كلّ شيء روّض الله تعالى رسوله بأن أعطاه أمراً بالابتعاد عن خديجة أربعين يوماً يقضيها بالصوم والعبادة والدعاء؛ حتّى يُهيئ نفسه لاستقبال

ص: 183


1- معاني الأخبار : 396 ضمن ح53 ، عوالم العلوم 1/11 : 40 ، بحار الانوار 43: 4 ضمن ح 3
2- إحقاق الحق 10: 10

عنصر نور ابنته فاطمة سلام الله علیها

مع أن وجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم وجود مقدَّس ومنزه عن جميع العيوب والنقصان، وذاته المقدّسة طيبة طاهرة ومبرّأة في جميع شؤونها عن التلوّث والأدران، ولا طريق لأي نقطة سوداء إليها . لكن مع ذلك لما أراد الله سبحانه أن ينقل تلك الجوهرة النورانية إلى الصُّلْبِ الطاهر لنبيه، أعطى تعالى ذلك الأمر بترويض رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم نفسه ليُهيَّئ أكثر لاستقبال ذلك النور .

والآن مع متن هذا الحديث الذي يُبيّن هذه الواقعة العظيمة، وتتجلّى فيه معرفة نور سيّدة النساء سلام الله علیها في القلوب:

بينا النبي صلى الله عليه و آله وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعبّاس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب؛ إذ هَبَطَ عليه جبرئيل في صورته العظمى، قد نَشَرَ أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب.

فناداه: «يا محمد ! العليُّ الأعلى يقرأُ عليك السلام، وهو يأمرُكَ أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً».

فشقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وكان لها مُحبّاً، وبها وامقاً.(1)

قال: فأقام النبي صلى الله عليه و آله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ، ويقوم الليل، حتّى إذا كان آخر أيامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر، وقال:

«قُل لها يا خديجة، لا تظني أن انقطاعي عنكِ ولا قَلَى (2)، ولكنّ ربّي

ص: 184


1- ومقه يمقه - بالكسر - أي أحبّه فهو وامق الصحاح للجوهري 4: 1568 ، لسان العرب 10 : 385 « ومق »
2- القلى : البغض . العين للخليل الفراهيدي 5: 215 ، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4: 105 « قلى »

عزّوجل أَمَرَنِي بذلك لتنفذ أمره، فلا تَظُنّي يا خديجة إلا خيراً، فإنَّ اللهَ عزّوجلّ لَيُباهِي بِكِ كِرامَ ملائكته كلَّ مراراً، فإذا جَنَّكِ اللَّيْلُ فأجيفي (1)

البابَ ، وخُذِي مَضْجَعَكِ من فِراشِكِ، فإنّي في منزل فاطمة بنت أسد».

فجعلت خديجة تحزن في كلّ يومٍ مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فلما كان في كمال الأربعين ؛ هَبَطَ جبرئيل فقال :

«يا محمد ! العليُّ الأعلى يُقرؤكَ السَّلام، وهو يأْمُرُكَ أن تَتَأَهبَ لِتَحِيَّتِهِ و تُحْفَتِهِ» .

قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: « يا جبرئيل ! ومَا تُحْفَة ربّ العالمين؟ وما تَحِيَّته؟».

قال: «لا عِلْمَ لي».

قال: فبينا النبي صلى الله عليه و آله وسلم كذلك ، إذ هَبَطَ ميكائيل، ومعه طَبَقٌ مُغَطَّى بِمِنْدِيلِ ،سُندس أو قال استبرق فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وأقبل جبرئيل وقال :

«يا محمد ! يأْمُرُكَ رَبُّكَ أن تَجْعَلَ إِفْطَارَكَ على هذا الطعام».

فقال علي بن أبي طالب علیه السلام: «كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم إذا أرادَ أَن يَفْطر أَمَرَنِي أَن أَفْتَحَ البابَ لِمَنْ يَرِد إلى الإفْطَار ، فلمّا كانَ في تِلْكَ الليلة، أقْعَدَنِي النبي صلى الله عليه و آله وسلم على باب المنزل ، وقال : يابن أبي طالب إِنه طَعَامٌ مُحَرَّمٌ إِلَّا عَلَيَّ ».

قال علي علیه السلام: «فَجَلَسْتُ على الباب، وخلا النبي صلى الله عليه و آله وسلم بالطعام ، وَكَشَفَ الطَّبَقَ ، فإذا عِذْقٌ من رَطَب وعِنْقُودٌ من عِنَبٍ، فأكل النبي صلى الله عليه و آله وسلم منه شِبْعاً، وشَرِبَ مِنَ الماءِ رَيَّاً، ومدَّ يَدَهُ للغُسْل ، فأَفَاضَ الماء عليه جبرئيل، وغَسَلَ يَدهُ ميكائيل ، وتَمَنْدَلَهُ ،إسرافيل، وارتَفَعَ َفاضِلُ الطَّعام مع الإناء إلى السماء، ثُمَّ قام النبي صلى الله عليه و آله وسلم لِيُصَلِّي، فأقْبَلَ عليه جبرئيل، وقال: الصلاةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْكَ في وقتِكِ؛ حتى

ص: 185


1- أَجِفْتُ البابَ : أي رَدَدْتُهُ . الصحاح للجوهري 4 : 1339 ، مجمع البحرين 1 : 432 « جوف »

تأتى إلى منزلِ خديجة ،فتُواقِعُها فإنّ الله عزّوجل الى على نفسه إن يَخْلُقَ من صُلبك فى هذهِ الليلة ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ، فَوَثَبَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى منزل خديجة».

قالت خديجة رضوان الله عليها وكُنتُ قَدْ أَلِفْتُ الوحدَةَ، فَكَانَ إِذَا جَنَّتْنِي الليلُ غَطَيْتُ رأسِي، وأَسْجَفْتُ (1) سِتْرِي ، وغَلَقْتُ بابي ، وصَلِّيتُ وِرْدِي ، وأطْفَأتُ مِصْبَاحِي، وأويتُ إلى فراشي، فلما كان في تِلْكَ الليلة لم أكُنْ بالنائمة ولا بالمنتبهة، إذ جاء النبي صلى الله عليه و آله وسلم فَقَرعَ الباب، فناديت : مَنْ هذا الذي يَقْرَعُ حَلَقَةً لا يَقْرَعَها إِلا محمد صلى الله عليه و آله وسلم؟

قالت خديجة: فنادى النبي صلى الله عليه و آله وسلم بِعِذُوبَةِ كلامه وحَلاوَةِ مَنْطِقِهِ: «افْتَحي يا خَديجة! فإنّي محمّد» .

قالت خديجة : فَقُمْتُ فَرِحَةٌ مُسْتَبْشِرَةً بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم، وفَتَحْتُ البابَ ودَخَلَ النبي صلى الله عليه و آله وسلم المَنْزِلَ، وكان النبي صلى الله عليه و آله وسلم إذا دَخَلَ المنزلَ دَعَا بالإناءِ فَتَطَهَّرَ للصلاة، ثُمَّ يقوم فيصلي ركعتين يُوجز فيهما، ثُمَّ يأوي إلى فِراشِهِ، فلما كان في تِلْكَ الليلة لم يَدَعُ بالإناءِ، ولم يتأهب للصلاة، غير أنَّه أَخَذَ بِعَضُدِي، وَأَقْعَدَنِي على فِرَاشِهِ،وداعَبَني ومازَحَنِي، وكان بیني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سَمَكَ السماءَ وأنْبَعَ الماءَ ، ما تَبَاعَدَ عنّي النبي سلام الله علیها حتَّى حَسَسْتُ (2) بثِقَل فاطمة في بطني.

فاطمة الزهراء سلام الله علیها مؤنسة وحدة أُمّها خديجة سلام الله علیها!

نعم، هذه المادة النورانية والملكوتية كانت تؤنس خديجة سلام الله علیها في وحدتها،

ص: 186


1- أَسْجَفْتُ السِّتْرَ : أَي أَرْسَلْتَهُ وأَسْبَلتهُ. الصحاح للجوهري 4: 1371 لسان العرب 9: 144 «سجف»
2- العدد القوية: 220 - 14/222 ، عوالم العلوم 1/11 : 53 ، بحار الأنوار 16 : 78 - 80

عندما هجرتها نسوة مكة، فكُنَّ لا يدخُلنَ عليها ولا يُسلّمنَ عليها ولا يتركُنَ امرأةً تدخل عليها فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حَمَلت بفاطمة سلام الله علیها صارت تُحدّثها في بطنها وتُصبرها، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فدخل يوماً وسَمَع خديجة تُحدّث فاطمة، فقال لها: «يا خديجة ! مَنْ تُحَدِّثين» ؟

قالت الجنينُ الذي في بطني يُحَدِّثني ويُؤنِسُني.

قال: «يا خديجة ! هذا جبرئيل [يُبَشِّرُني] يُخْبِرُني أنّها أُنْثَى، وأنّها الطَّاهِرَة المَيْمُونَة، وأنَّ الله تبارك وتعالى سَيَجْعَل نَسْلِى منها، وسَيَجْعَل من نَسْلِها

أئمّةً ، ويَجْعَلَهُم خُلَفَاءَه في أرضهِ بعدَ انْقِضَاء وَحْيِهِ».(1)

كانت هذه التجليات حتى لحظة ولادتها سلام الله علیها واستمرّت بعد ولادتها سلام الله علیها. فعند ولادتها في وسط نساء منتخبات من الله تعالى حوريات الجنان، أضاء نور تلك الولادة الميمونة السماوات والأرض .(2)

أكمل الأرواح تحتاج إلى أفضل الأبدان

في نهاية هذا البحث هناك نقطة لطيفة تثير الانتباه وهي:

إنّ البدن الذي يكون عجينته وطينته قد تهيأت بمثل هذه المقدّمات من قبل الله تبارك وتعالى من أجمل الأشجار وأطهر الثمار، وجاءت هذه المادّة الأساسية لذلك البدن إلى الأرض بأمر الله تعالى وأُودعت في صلب سيد الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم وبعده انتقلت إلى رحم خديجة الكبرى الطاهر ؛

ص: 187


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 947/690، روضة الواعظين: 143، دلائل الإمامة: 76 - 17/77، الخرائج والجرائح :2 1/524، بحار الأنوار 43: 1/2
2- أشرنا إلى هذه الفضيلة في الصفحات السابقة من هذا الكتاب فراجع

فمثل هذا البدن قطعاً سيكون أفضل الأبدان.

وبالنظر إلى الرابطة الوثيقة بين الروح والبدن، وتأثير أحدهما على الآخر، المتعلقة فالروح بمثل هكذا بدن كيف ستكون من ناحية عظمتها ونورانيّتها ؟ فمثل تلك الروح تصورها خارج عن نطاق عقلنا وتفكيرنا.

إنّ الذي نستطيع أن نفهمه ونبينه بمقدار ما قاله الله تبارك وتعالى فى هذا الخصوص، حيث يقول سبحانه: «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»(1)؛ يتّضح أن جسم الإنسان إذا لم تكتمل تسويته كاملاً لا يُنفخ فيه الروح، وكلّ روح تناسب البدن الذي تُنفخ فيه.

فإذا كان البدن قد سوّاه الله تعالى من أفضل وأجمل عناصر عالم الملكوت فى الجنان، فذلك البدن يكون أفضل وأكمل الأبدان، والروح التي تنفخ فيه تكون أكمل وأفضل الأرواح.

لذلك أشار رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مرّة إلى أفضلية بدن ابنته عن الآخرين ، فيقول صلى الله عليه و آله وسلم: «فاطمة حوراء إنسيّة» .(2)

وقال صلى الله عليه و آله وسلم: «إن ابنتي طاهِرةٌ مُطَهَّرَةٌ لا يُرى لها دَمّ في طَمَثٍ ولا ولادةٍ».(3)

وقال صلى الله عليه و آله وسلم: «فكلما اشتقتُ إلى رائحةِ الجنّةِ شَمَمْتُ رائحة ابنتي فاطمة».(4)

لأنّ عنصر المادّة الأوليّة لبدنها سلا الله علیها يختلف عن عناصر بقيّة النساء.

ص: 188


1- سورة الحجر 15: 29
2- معاني الأخبار : 396 ضمن ح53 ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2 : 191 ضمن ح663 ، بحار الأنوار 4:43 ضمن ح3
3- ذخائر العقبى: 44 ، فرائد السمطين 2: 386/61 ، فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 4: 555
4- الأمالي للشيخ الصدوق : 546 ذيل ح728، روضة الواعظين: 149، بحار الأنوار 4: 4 ذيل ح 4 ، المستدرك للحاكم :3 156 ، كنز العمّال 12: 34228/109

نعم، إنّها مخلوقة من أفضل موادّ الجنّة.

ومرة أخرى يُشير رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى مقامها الروحي وعظمة الروح التي نُفِخَت في جسمها الطاهر الزاهر، حيث يقول صلى الله عليه و آله وسلم: «هي رُوحي التي بين جَنْبَيَّ».(1)

يعني: روحها العظيمة مثل روحي المؤيدة بروح القدس ولا تركب تلك الروح العظيمة إلا على بدنها سلام الله علیها الطاهر المخلوق من أفضل وأطهر مواد الجنّة.

فاطمة سلام الله علیها سيّدة بلا نظير

نعم، فاطمة سلام الله علیها سيّدة بلا نظير، حيث عجز جميع الخلق حتّى أنبياء الله وأولياؤه عن معرفتها معرفةً حقيقية(2)، كما عجزوا عن معرفة أبيها وبعلها.

إنها سلام الله علیها ليست امرأة فحسب، بل هي موضع سر الله تعالى، ومحور آل العبا، والشخصية الفريدة في حديث الكساء، هي قطب الشخصيات التي ليس أباها وبعلها وبنيها سلام الله علیها، الذين سأل عنهم جبرئيل ربّ العزّة لها نظير، اعني: فقال يا ربّ ومن تحت الكساء؟

فقال عزوجل: هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَعْدِنُ الرّسالة، هم فاطمة وأبوها وبَعْلُها وبنوها.(3)

إنها سلام الله علیها ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الوحيدة، وزوجة أمير المؤمنين الفريدة، وأُمّ الحسن والحسين علیهما السلام الكريمة ، بل هي الصدِّيقة الكبرى التي وجبت معرفتها

ص: 189


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 175 ، الاعتقادات للشيخ المفيد : 105 ، الفضائل لابن شاذان : 9، بحار الأنوار :27 63، 28: 38، 29 ،32، 43: 172 ضمن ح13
2- مضمون حديث انظره في تفسير فرات الكوفي : 747/581 ، بحار الأنوار 43: 58/65، مجمع النورين: 41
3- عوالم العلوم 2/11 : 933

ومحبتها على جميع الأنبياء من آدم إلى الخاتم، وكلّهم طأطؤوا رؤوسهم أمامها تعظيماً !!

إِنّها سلام الله علیها ليست سيّدة مخلوقة فقط، بل هي علّة خَلْقِ العالم، ورمز بقاء الوجود، وبسببها حُفِظَ القرآن، وفُسِّر الوحي الذي نزل على جميع أنبياء الله من آدم إلى الخاتم.

إنها سلام الله علیها ليست امرأة عادية، بل هى سيّدة نساء الجنّة وسيدة حورياتها، وهي الذات المقدَّسة التي لو لم تكن لما خَلَقَ الله تعالى أباها وبعلها.(1)

بعبارة مختصرة : وجودها المقدّس في محلّه ليس له نظير.

فاطمة سلام الله علیها نظيرة للنبي وعلي علیهما السلام!

نعم، بالنظر إلى أصل الخِلْقة وهو أنّ الله قد خَلَقَ لكلّ موجود زوجاً له، كذلك خَلَقَ للإنسان أيضاً في جميع مراتب وجوده زوجاً مناسباً له، حيث يقول تعالى: «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى»(2) ، هذا الزوج فى أفضل مراتب الإنسانية، التي خلقها الله تعالى للإنسان يعني : في أعلى قمة حيث لا توجد فوقها مرحلة لها ضلعان :

الضّلْعُ الأوّل : هو خاتم الأنبياء محمد المصطفى صلی لله علیه و آله وسلم ، الذي نال السيادة المطلقة. والصِّلْحُ الثاني : فاطمة الزهراء سلام الله علیها، والتي نالت سيادة جميع والتي نالت سيادة جميع النساء وحوريات الجنان وهاتان المنزلتان العظيمتان ليست لهما ثالثة.

بعبارة أخرى: لم يصل إلى هذه القمة التي هي قمة كمال الإنسانية على

ص: 190


1- إشارة إلى الحديث القدسي: لولاك لما خلقت الأفلاك ... الوارد في مستدرك سفينة البحار 3: 168 ، 8: 243مجمع النورین: 14، وستأتي الإشارة إليه مفصلاً في الفضيلة 17
2- سورة النجم 53: 45

الإطلاق - أيُّ بشر الوحيد الذي وصل إلى هذه القمة من سلسلة الرجال شخص واحد هو رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم، وفي سلسلة النساء شخصيّة واحدة وهي ابنته فاطمة الزهراء سلام الله علیها.

لهذا السبب كان رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم يقوم إليها إذا دخلت عليه احتراماً، ويُقَبِّل يدها، وكان آخر من يودعها إذا سافر، وعند عودته من سفره فأوّل من يزوره رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم ابنته فاطمة سلام الله علیها، كان بعمله هذا يُقلّل فاصلة الفراق بينه وبين نظيرته في الخلق .

لا يفوتنا أن نذكر أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام هو نفس النبي صلی لله علیه و آله وسلم(1)، وكفؤ نظيرته فاطمة الزهراء (2)، وعلي كرسول الله صلی لله علیه و آله وسلم وابنته فاطمة سلام الله علیها، وهو أفضل مصداق للإنسان الكامل والرابطة الوحيدة لتلاقي

بحران الإنسانيّة وولادة النسل الطاهر الشريف من هذين الزوجين الكاملين ؛ لهداية نظام الخَلْق نحو الكمال والفضيلة.

أسئلة نطرحها على علماء ومفكّري العامة

في نهاية هذا البحث تخاطب علماء ومفكري أبناء العامة ونقول:

أنتم الذين تروون روايات وبأسانيد معتبرة في فضائل بنت رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم،

كيف وبأي عذر تغفلون عن دلالة ومعاني هذه الروايات وتهملونها ؟!

ص: 191


1- بدليل آية المباهلة في قوله تعالى : «... فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ ... وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ...»، سورة ال عمران 3: 61
2- إشارة إلى حديث «لولا أنّ الله تعالى خلق أمير المؤمنين لم يكن لفاطمة كفؤ في وجه الأرض آدم فمن دونه». المناقب لابن شهر آشوب 2: 29 الصراط المستقيم 1: 172 ، الفصول المهمة للحر العاملي 1: 407 - 552/408 ، بحار الأنوار 43: 107، وستأتي الإشارة إليه في الصفحات الآتية

هل يجوز غصب حقّ فاطمة سلام الله علیها - التي لديها مثل هذه المنزلة - وزوجها عليّ بن أبي طالب علیه السلام؟!

هل إن بنت رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم التى تهيأت لولادتها كل الأمور، يجوز ضربها وإهانتها ، وردّ كلامها عند مطالبتها بحقها فدك ؟!

فى حال أنّ آية التطهير نزلت في شأنها وشأن زوجها وأبنائها علیهم السلام، والله تعالى يشهد بعصمتهم .

ماذا جرى لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام الذي كان في زمان رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم حاضر بالأمور الاجتماعية والسياسية ويفديه بنفسه، بعد رحيل رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم - حتى يختار لنفسه الجلوس في البيت مدة خمس وعشرين

سنة، ويقول:

«فَنَظَرْتُ فإذا ليْسَ لِي مُعِينٌ إِلا أَهلُ بَيْتي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ المَوتِ، وأَغْضَيْتُ على القَذَى وشَرِبْتُ على الشَّجَى ، وصَبَرْتُ على أَخْذِ الكَظم وعلى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ العَلْقَم»(1)؟!

ما الذي دعى أمير المؤمنين علیه السلام أن يتكلم هذا الكلام المرّ القاتل ؟!

كيف تصرف أبو بكر وعمر مع فاطمة الزهراء سلام الله علیها، بحيث قالت في آخر لحظات حياتها

«فإنِّي أُشْهِدُ اللهَ ومَلائِكَتَهُ أَنَّكُمَا أَسْخَطْتُمَانِي وَمَا أَرْضَيْتُمَانِي، وَلَئِن لَقَيْتُ النبي صلی لله علیه و آله وسلم لأَشْكُوَنَّكُمَا إِليهِ»؟!

وفي اللحظة التي أرادا الانصراف منها التفتت إلى أبي بكر وقالت:

ص: 192


1- الغارات للثقفي 1: 4/309 ، نهج البلاغة الخطبة ،26 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: ،20، بحار الأنوار 29: 25/610

«فَوَالله لأدْعُوَنَّ اللهَ عَلَيْكَ فى كُلِّ صلاةٍ أُصَلِّيها».(1)

فاطمة سلام الله علیها التي كانت صديقة، وينتشر الصدق من كلامها وتصرفاتها، وشَهَدَ لها الله تعالى بعصمتها وطهارتها (2) في القرآن الكريم، لو غضبت على أحدٍ ودعت عليه في صلاتها، فهل يستطيع ذلك أن يتربع على كرسي خلافة رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم ، ويتسلّط على أُمور الدين والدنيا للناس ؟!

أليس الاعتقاد بخلافة مثل هكذا شخص خلاف العقل ؟!

أليس الرضى بإمامة مثل هذا هو خلافاً لرضى الله ورسوله ؟!

ص: 193


1- الإمامة والسياسة : 31 الصراط المستقيم 2: 293 ، بحار الأنوار 28: 357، 29 : 627 الغدير 7: 229
2- إشارة إلى آية التطهير التي من أبرز مصاديقها فاطمة الزهراء

ص: 194

الفضيلة السابعة عشر : فاطمة سلام الله علیها علّة خَلْقِ العالم

اشارة

عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى القمي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن الله تبارك وتعالى، أنه قال :

«يا أَحَمْدُ ! لَوْلاكَ لمَا خَلَقْتُ الأَفْلاكَ، وَلَوْلا عَلِيٌّ لَمَا خَلَقْتُكَ، وَلَوْلا فاطمة لمَا خَلَقْتُكُمَا» .

ثمّ قال جابر: هذا من الأسرار التى أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بكتمانه إلا عن أهله.(1)

ص: 195


1- جنّة العاصمة : 148 - 149 ، مستدرك سفينة البحار 3: 168 ، 8 243 ، مجمع النورين للمرندي : 14 . بالنظر إلى أنّ سند هذا الحديث غير معروف عند أهل الحديث، نحن نذكر سنده کاملاً: يقول حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن ميرجهاني في كتابه جنّة العاصمة: في کتاب كشف اللآلي لصالح بن عبد الوهاب العرندس: إنّه روى عن الشيخ إبراهيم بن الحسن الذرّاق عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلّي، عن الشيخ زين الدين علي بن الحسن الخازن الحائري، عن الشيخ أبي عبدالله محمد بن مكي الشهيد بطرقه المتصلة إلى جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر ابن عبدالله الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

هل إنّ فاطمة سلام الله علیها أفضل من رسول الله وأمير المؤمنين علیهما السلام؟

عند النظر إلى هذا الحديث الشريف من الممكن أن تحدث شبهة في أذهان البعض مفادها أفضلية أمير المؤمنين علیه السلام بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وأفضلية فاطمة على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام.

من أجل دفع هذه الشبهة ؛ نضرب مثالاً، وبعده نُجيب عنها.

لو شبّهنا جميع عوالم الإمكان بشخص كامل لديه جسم مركب من أعضاء داخلية وخارجية البعض من هذه الأعضاء لديها وظيفة قيادة ذلك الجسم، بحيث قوام بقيّة أعضاء الجسم مرتبطة بذلك العضو، والبعض الآخر من الأعضاء وظيفتها تنفيذ أوامر العضو القائد ، بحيث لو حدث خلل ما فى أي عضو من الأعضاء الأصلية يختل وضع البدن.

ومن جانب آخر أنّ الأعضاء القائدة والأصليّة مرتبطة مع بعضها ارتباطاً وثيقاً ويؤثر أحدهما بالآخر بصورة مباشرة، بحيث لو لم يكن أحدهما

فالآخر سيموت.

بعبارة :أوضح الأعضاء الأصليّة في بدن الإنسان عبارة عن :

المُخّ: وهو القائد للبدن .

القلب : المُنفّذ لأوامر المُخّ ، والذي يعمل على جريان الدم، وارتباط أنحاء الجسم مع المُخّ.

الكبد: ووظيفته إصلاح الدم ودفع السموم الواردة منه، وإيجاد الارتباط السالم بين المُخّ والقلب وبقية الأعضاء.

فوجود كل عضو من هذه الأعضاء الثلاثة يؤدّي إلى حفظ العضوين الباقيين، ممّا يؤدّي إلى عملهم بنشاط من أجل تغذية وحفظ بقيّة أعضاء الجسم، وعدم وجود أحدها ؛ يؤدّي إلى اختلال العضوين الباقيين واختلال

ص: 196

وضع البدن ، ممّا يؤدّي إلى موته.

إذن لو قلنا بعدم وجود المُخّ ، فالقلب أيضاً لا يوجد، وإذا لم يوجد القلب، فالمُخّ يقف عن العمل، وفي حال عدم وجود الكبد فالسموم الواردة للدم تؤدّي إلى اختلال نظام البدن وموت القلب والمُخّ ؛ فلم نقل ذلك جزافاً ؛ لأنّ دور كلّ واحدٍ من هذه الأعضاء في حفظ وبقاء العضوين الباقيين هو درو أساسي وحياتي ، فعدم وجود أحد الأعضاء الثلاثة بدون الآخرين غير ممكن. فالمُخّ لا يعمل بدون وجود القلب؛ لأنّ الدم لا يصل إليه ويفقد القدرة على قيادة الجسم والقلب أيضاً لا يستطيع العمل بدون وجود المُخّ ؛ لأنّه يأخذ الأوامر من المُخّ بإيصال الدم إلى جميع أنحاء الجسم ومن ضمنها المُخّ. كذلك الكبد في الحال الذي وجوده مرتبط بالقلب والمُخّ، لكن لديه تأثيرٌ تام في حفظ العضوين الباقيين وسائر الأعضاء، فإذا لم يوجد الكبد أو يقف عن العمل؛ فالمُخَ والقلب سيقفان عن العمل أيضاً.

بمقارنة مع المثال السابق، فدور رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في نظام الخلق دور المُخّ في البدن ؛ بحكم : «لَوْلاكَ لمَا خَلَقْتُ الأفلاك»، إذا لم يوجد في الخلق، فسائر أعضاء الوجود تختل؛ لأن وجوده المقدّس وجود القائد على سائر أعضاء الخلق الرئيسية ،والأصليّة، كالأنبياء والأوصياء وملائكة الله المقربين، وإذا لم يوجد، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق أحداً في الوجود حتى وصيّه أمير المؤمنين ، وابنته فاطمة علیهما السلام؛ لأن وجوده المقدَّس قبل وصيّه وابنته - هو لخلق الاثنين في كل نظام الوجود.

ومن جانب آخر وجود أمير المؤمنين علي علیه السلام في نظام الخَلْق بحكم «ولَوْلا عليٌّ لمَا خَلَقْتُكَ»، حكمه ودوره دور القلب الذي يوصل الدم والمعنوية إلى قالب الوجود، وإذا لم يُخْلَق أمير المؤمنين علیه السلام فخَلْقُ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم - الذي

ص: 197

هو سبب سبب خَلْق الكائنات يكون غير مثمر وبلا فائدة؛ لأنّ قدرة القيادة تُسلب منه، ولو أصدر أمراً ولا يوجد من ينفّذ هذا الأمر، وبالتالي يكون وجود مثل هذه القيادة لغواً .

إضافة إلى أنّه علیه السلام ليس له بديل، فمن الناحية التكوينية والتشريعية له الإمامة على زوجته فاطمة الزهراء سلام الله علیها، وإن كانت خُلِقَت كفؤاً له .

ومن طرف آخر وجود فاطمة الزهراء سلام الله علیها في بدن الوجود بحكم: «ولَوْلا فاطمةٌ لمَا خَلَقْتُكُمَا»، حكمها ودورها دور الكبد في البدن، فإذا لم تُوجد ستدخل السموم إلى بدن الكائنات والتي من جملتها المخ والقلب وسيوقفون أعداء البشرية والشريعة مُخَ الوجود وقلبه، ويُخلون بنظام الخَلْق، ويمنعون المخلوقات من السير وفق النظام المرسوم للخليقة ويتمرّدون عن الأوامر الصادرة لهم، ويقفون أمام الوصول إلى نقطة الكمال.

إذن تُدفع بذلك شبهة أفضليّة أمير المؤمنين علیه السلام على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. وأفضليّة فاطمة الزهراء الله على أبيها وبعلها ؛ لأنّه في الحال الذي يكون دور أمير المؤمنين وكذلك الزهراء سلام الله علیها دوراً أساسيّاً، لكن وجودهما مرتبط بوجود رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

بعد التأمل بدقة في الحديث الشريف، ليس من المستبعد أن يكون مراد الله تعالى من هذا الحديث هو الإشارة إلى نقطتين مهمتين :

الأولى: اتحاد أنوار فاطمة مع رسول الله وأمير المؤمنين كانت الأنوار المقدّسة لرسول الله وأمير المؤمنين: وفاطمة الزهراء - بعد أن أوجدها الله تعالى في عالم الأنوار قبل خلقة الخَلْق بآلاف السنين، وحتّى قبل خَلْق الزمان والمكان - تَعْبُد الله وتقدسهُ وتُسبِّحه ، بحيث كلّ واحدٍ من هذه

ص: 198

الأنوار هو مكمّل للنورين الباقيين ، وإذا نقص واحد منهم ينقص النوران الآخران.

نستطيع الوصول إلى هذه النتيجة من خلال التأمل في مجموع الأحاديث والروايات التي تبيّن خَلْق هذه الأنوار المقدّسة.(1)

ونحن نُشير هنا إلى الحديث الذي يؤيّد هذا المطلب في خصوص حديث : «لَوْلاك ...» فقط، وإلى النقاط المهمة القيمة التي يحتويه، والذي لا يستطيع معرفته ومعرفة طرقه ومعارفه إلّا أهله فقط.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

«لمَّا خَلَقَ الله الجنّةَ، خَلَقَها مِنْ نور وَجْهِهِ، ثُمَّ أَخَذَ ذلك النُّورَ فَقَذَفَهُ فَأَصابَنِي ثُلْتُ النُّورِ ، وأَصَابَ فاطمةَ ثُلْتُ النُّورِ، وَأَصَابَ عَلِيّاً وأَهْلَ بيتِهِ ثُلْتُ النُّور، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذلك النُّورِ اهْتَدى إلى ولاية آلِ محمدٍ ومَنْ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ ذلكَ النُّورِ ضَلَّ عَنْ ولاية آل محمدٍ».(2)

والثانية دور فاطمة الزهراء سلام الله علیها في حفظ الرسالة والإمامة

بلا شكّ لو لم يكن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، لكان خَلْق الموجودات وجهود الأنبياء السابقين بلا فائدة، وكذلك لو لم تكن جهود وسعي أمير المؤمنين علیه السلام وهدايته في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبعد وفاته ؛ لذهبت جهود وزحمات رسول الله صلی الله علیه و آله -وسلم على مدى 23 سنة التي بذلها لهداية البشر وتكميل رسالات الأنبياء السابقين - هدراً، ولرجعوا للعيش بتلك الأفكار الجاهليّة المقيتة قبل الإسلام

ص: 199


1- انظر الحديث الوارد عن الإمام الجواد في : الكافي 1: 5/441 ، المحتضر : 164 -، 165، حلية الأبرار 1: 7 بحار الأنوار 15: 19 وستأتي الإشارة إليه في آخر الفضيلة 18 من هذا الكتاب
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3: 106، بحار الأنوار 43: 44. وانظره بتفاوت يسير في الألفاظ في الخصال: 187 - 258/188 ، روضة الواعظين : 148

كما غصبوا منه الخلافة، لكن وجوده الصامت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في ذلك البيت الذي أحرقوا ،بابه وغير مبسوط اليد والذي وصفها بنفسه حيث يقول: «... صَبَرْتُ وفِي العَيْنِ قَذَى وفي الحَلْقِ شَجَى...»؛ كان علیه السلام مائعاً من هدم بناء الإسلام وإنكار الوحى والقرآن ونبوة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

نعم، فحضوره علیه السلام بين الآونة والأخرى بين المسلمين، ومناظراته ومباحثاته علماء اليهود والنصارى وبقيّة علماء الأديان المختلفة، وحمايته للضعفاء

مع ودفاعه عن المظلومين الذين وقعوا بين مخالب حكّام زمانهم ؛ أدّى إلى حفظ أصل الإسلام وميل أصحاب الأديان المختلفة إلى دين الإسلام، الذي عرّفه الله تعالى في «غدیر خم» بقوله تعالى:

«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا».(1)

فلقد ختمها الله سبحانه وتعالى، وبلا واسطة، بحفظ علي بن أبي طالب علیه السلام للدين الإسلامي بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وعرفه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بأنه الولي من بعده والحجّة عليهم .

كذلك لو لم تكن الزهراء سلام الله علیها، ودفاعها عن إمام زمانها ، وتحملها للأذية الجسديّة ،والروحيّة وخطبها التي أظهرت فيها مظلوميتها، حتى انتهى بها الأمر إلى شهادتها المظلومة وإسقاط جنينها؛ لذهبت جهود رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام سُدى .

لو لم تكن فاطمة سلام الله علیها فالأئمة المعصومون من ذريتها لم يكونوا أيضاً!

إضافة لكلّ ذلك، فلو لم تكن الزهراء سلام الله علیها، فلا يمكن العثور على كفؤ الأمير المؤمنين علیه السلام تكون لديها القابلية بأن تصبح زوجةً لأمير المؤمنين، وأُمّاً

ص: 200


1- سورة المائدة 5: 3

لأحد عشر إماماً معصوماً علیهم السلام .. وبالنتيجة فالأبناء المعصومون الذين ينبغي أن يولدوا من تلك العائلة الطاهرة، وينوّروا العالم بأنوارهم القدسيّة، وأن يكون كلّ واحدٍ منهم إمامَ ،زمانه وحجّة الله في خلقه، وليحفظوا النظام التكويني والتشريعي - لم يكونوا أيضاً، وبالتالي لا تُدفعُ البلايا عن الخلق، ولا تنزل النِّعم على المخلوقات، وتعتاد الناس على حياة الرّق والعبوديّة، ولا يمكن أن يحصلوا على السعادة الأبديّة.

نعم، فلو لم تكن الزهراء سلام الله علیها تتعطل كلّ أهداف الخلق.

أهم نتائج بركة وجود فاطمة الزهراء سلام الله علیها

الأهم من ذلك كلّه، فلو لم تكن الزهراء سلام الله علیها لا يمكن أن يُوجد إمام العصر والزمان عجل الله فرجه الإمام الذي وجوده الآن حِفْظُ لنظام التكوين ولخلقة الوجود، وسَيُحقق إن شاء الله في المستقبل القريب أماني وأهداف الخلق .

الشخصيّة التي بظهورها ضمان لغرض الخلق والتكوين، وللهدف من إرسال الرسل وإنزال الكتب، والذي سيرعى بذور الإسلام وحقائق القرآن إلى

أن تصبح شجرة مثمرة.

تلك الذات المقدّسة لو ظهرت ستنضوي تحت لوائه لواء الإسلام وولاية أهل البيت علیهم السلام جميع الدنيا وسيملأ نداء «الله أكبر» والشهادة بواحدانية الله تعالى وبرسالة نبيه وبولاية وليّه أرجاء المعمورة.

سيملأ الدنيا بعدله، وسيُطبّق الوعود القرآنية الواحدة تلو الأخرى، وكذلك العناوين المختلفة التي جاءت في القرآن الكريم، ومن جملتها:

1 - تحقيق العبوديّة المطلقة الله سبحانه وتعالى بين البشر وبقيّة

ص: 201

المخلوقات، كما في قوله تعالى:

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ».(1)

2 - تغليب دين الله - الإسلام - على جميع الأديان، كما في قوله تعالى:

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ».(2)

3 - قطع دابر الفتنة وأصحابها، كما في قوله تعالى:

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا یَعْمَلُونَ بَصِيرٌ».(3)

4 - استخلاف المؤمنين والصالحين في الأرض، وتمكين عباد الله الصالحين دين الله ويؤمنهم ولا يشركون به، كما في قوله تعالى:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا».(4)

5 - توريث حكومة الأرض لعباد الله الصالحين، وهم إمام العصر علیه السلام وأصحابه، كما في قوله تعالى:

«وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ».(5)

6 - إحياء الأرض بالتوحيد والعدالة والولاية بعد موتها بالكفر والجور

ص: 202


1- سورة الذاريات 51: 56
2- سورة التوبة 9: 33 سورة الصف 61: 9
3- سورة الأنفال 8: 39
4- سورة النور 24: 55
5- سورة الأنبياء 2:1 105

والضلالة، كما في قوله تعالى :

«اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحْى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا».(1)

وبقيّة الوعود التي أُعطيت للبشر - فى الآيات القرآنية المباركة وسائر الكتب السماوية - من أجل مستقبله ؛ كلّها تتحقق .

نعم ، لو لم تكن الزهراء سلام الله علیها إضافة للذي ذُكِر - فإمام العصر والزمان، الذي من نسلها ويجب أن يظهر ويُطبّق أهداف القرآن، أيضاً لم يكن ؛ وبالنتيجة يختل نظام الخلق، وتذهب أتعاب جميع الأنبياء والمرسلين الذين أُرسلوا الهداية البشرية نحو الكمال - هدراً ويصير إرسالهم لغواً، وتذهب جميع أتعاب وجهاد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام سُدى.

إذن يجب القبول بأنّه لو لم يخلق الله تعالى فاطمة سلام الله علیها، لم يخلق رسول الله وأمير المؤمنين علیهما السلام.

من خلال هذا البحث نحصل على نتيجة مهمة وهي : إن الإنسان عندما يقرأ مثل هذه الأحاديث ويخطر بذهنه إشكال، يجب أن لا ينكر الحديث جملة وتفصيلاً، وبالتالي يؤدّي به هذا الإنكار إلى إنكار صاحب الحديث لا سمح الله ، بل يجب عليه أن يسعى لرفع هذا الإشكال من خلال البحث أو سؤال أصحاب الخبرة.

لعلّه من أجل ذلك قال جابر في ذيل الحديث : هذا من الأسرار التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بكتمانه إلا عن أهله.

ومن الجدير ذكره: إن الذي بُيِّنَ في تفسير وشرح هذا الحديث هو زاوية من زوايا أسرار خَلْقِ فاطمة الزهراء وأبيها وبعلها سلام الله علیها؛ وذلك من أجل دفع الشبهة المذكورة فى حين أن الذي خَفِى علينا من أسرار خلق الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام كثير، أكثر من الذي بُيِّن لنا !

ص: 203


1- سورة الحديد 57: 17

ص: 204

الفضيلة الثامنة عشر : فاطمة سلام الله علیها سيدة النساء

اشارة

عن المفضّل بن عمر قال: قلتُ لأبي عبدالله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في فاطمة : «أنّها سيّدة نساء العالمين» أهي سيدة نساء عالمها؟

فقال: «ذاكَ لِمَرْيَمِ، كانت سيّدةَ نساء عالَمِها ، وفاطمة سيدة نساء العالَمينَ مِنَ الأَوَّلِينَ والآخَرينَ».(1)

أفضليّة سلام الله علیها فاطمة على كل المخلوقات

إنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها ليست سيدة نساء العالمين فحسب، بل كانت سيّدة رجال ونساء العالمين عدا أبيها وبعلها أمير المؤمنين علي علیه السلام ، ويؤيد ذلك آيات وروايات كثيرة تشير إلى بعضها :

ص: 205


1- شرح الأخبار 3: 959/520 ، معاني الأخبار : 1/107 ، دلائل الإمامة : 58/149 ، بحار الأنوار 43: 25/26 . وانظره عن رسول الله في الأمالي للشيخ الصدوق: 575 ضمن ح 787، روضة الواعظين: 149، : بشارة المصطفى: 274 ضمن ح 89 ، بحار الأنوار 37: 84 ضمن ح 52 ، 43: 24 ضمن ح 20

1 - الطهارة العظيمة لفاطمة سلام الله علیها

إن الدقة في آية التطهير (1) وإطلاق كلمة «الرِّجْسَ»، والتي تعني جميع أنواع الرجس من الشرك والكفر، إلى الذنوب الصغيرة والكبيرة، وعدم ترك

الأولى إلى النسيان والأوساخ والنجاسة الظاهرية والباطنية، كالحيض والنفاس حتى الصفات الغير المقبولة والرذائل الأخلاقية، وكلّ شرّ وسوء، كلّها داخلة تحت كلمة «الرِّجْسَ»، والله سبحانه وتعالى طهرها من كلّ تلك الأرجاس والأنجاس ، في حين أنّ الأنبياء علیهم السلام - يُعتبرون أكمل البشر في زمانهم وكانوا معصومين، لكن كانت عندهم حالة هي ترك الأولى.(2)

أمّا فاطمة الزهراء سلام الله علیها - بشهادة آية التطهير وإطلاق كلمة «الرِّجْسَ» فيها ، أدلّة معتبرة أخرى - لم تترك عمل الأولى.

مع وهذا وحده أفضل دليل على أفضلية فاطمة سلام الله علیها على كل رجال العالم حتى أنبياء الله السابقين.

وإذا شككنا بعدم شمول «الرِّجْسَ» على ترك الأولى ولا نقبله؛ فذيل آية التطهير أكّد وبصورة المفعول المطلق «وَيُظْهِرَكُمْ تَطْهِيرًا» ، الطهارة العظيمة لأهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وهذا الذيل للآية وحده كافٍ لأثبات هذا المطلب. يعني: الطهارة التي منحها الله سبحانه للزهراء سلام الله علیها، مع خَلْقِ نورها، وطهارتها الذاتية، وعصمتها المطلقة التي أشارت إليها الروايات؛ هي أعلى من الطهارة التي أعطيت لأنبياء الله، خصوصاً إذا كان توسّل أنبياء الله في حل مشاكلهم والصعوبات التي واجهتهم بالزهراء سلام الله علیها إلى الله تعالى.

ص: 206


1- وهي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» سورة الأحزاب 33: 33
2- إن ترك الأولى ليس من الذنوب، بل من يترك الأولى لا يحصل على الثواب المترتب عليه

2 - فاطمة سلام الله علیها كأبيها وبعلها مؤيّدة بروح القدس!

يُستفاد من روايتين أنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها مؤيّدة بروح مؤيّدة بروح القدس.

الرواية الأولى ينقلها الشيخ الصدوق الله في كتابه الأمالي عن ابن عباس، والأخرى عن حمران عن الإمام الصادق علیه السلام.

وقبل أن نذكر الروايتين، نذكر مطلباً بعنوان مقّدمة :

يُستفاد من روايات كثيرة أن الأئمة الأطهار علیه السلام كرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لديهم روح يفتقد إليها بقيّة الناس، حتّى وإن كانوا على درجة عالية من الكمال بل ويستفاد أيضاً من بعض رواياتٍ أُخر بأن جميع السابقين - حتى الأنبياء منهم - ليس لديهم مثل تلك الروح .

عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول :

«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوح قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي».(1)

قال: «خَلْقَ أَعْظَمُ مِنْ جبرئيل وميكائيل ، لَمْ يَكُنْ مَعَ أحَدٍ مِمَّن مَضى غير محمد صلى الله عليه و آله وسلم، وهُوَ مَعَ الأئمةِ يُسَدِّدُهُمْ وَلَيْسَ كُلُّ مَا طُلِبَ وُجِدَ».(2)

يجب التذكير بأن مجموعة من الآيات والروايات تفيد أن الأنبياء السابقين كانوا مؤيدين بروح القدس؛ من أجل تحمل مقام النبوة، والاستعداد لتلقي أخبار السماء. ومجموعة أخرى من الروايات تُعبر عن الروح التي يحملها رسول الله والأئمة علیهم السلام بروح القدس.(3)

ص: 207


1- سورة الإسراء 17: 85
2- بصائر الدرجات : 1/480 عن هشام بن سالم و : 2/481 ، الكافي 1: 4/273 ، تفسير العياشي 2: 161/317 ينابيع المعاجز : 71 - 72 ، بحار الأنوار 18: 25/265
3- يقول الله تعالى - في حق عيسى بن مريم -:«وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» . سورة البقرة 2: 253

إذن بهذه الحالة يظهر تنافي بين رواية أبي بصير، التي فيها: «لَمْ يَكُنْ مَعَ أحدٍ مِمَّن مَضى ...». مع هذه الروايات.

يجمع العلامة المجلسي ، في مقام حلّ هذا الإشكال، الرواية المذكورة التي تتمتع بسند معتبر - مع الروايات التي تنافيها بأحد وجهين: الأوّل:

أن يكون روح القدس مشتركاً بين الأنبياء والأئمة علیهم السلام، والروح التي من أمر الربّ مختصاً بخاتم الأنبياء وأوصيائه علیهم السلام، وقد دلّ على مغايرتهما بعض الأخبار .

والثاني : أن يكون روح القدس نوعاً تحته أفراد كثيرة، فالفرد الذي مع النبيِّ والأئمّة علیهم السلام أو الصنف الذي فيهم لم يكن مع من مضى، وعلى القول بالصنف يرتفع التنافي بين ما دلّ على كون نقل الروح إلى الإمام بعد موت النبيِّ صلی الله علیه و آله وسلم، وبين ما دلّ على كون الروح مع الإمام من عند ولادته، فلا تغفل.(1)

فإنّ الروح التي تكون مع الإمام من عند ولادته هي الصنف الذي يكون مع الأنبياء الماضين والروح التي تنتقل إلى الإمام بعد موت النبي صلی الله علیه و آله وسلم الصنف الذي كان مختصاً بخاتم الأنبياء وأوصيائه علیهم السلام ، ولم يكن مع من مضى.

من مجموع هذا الكلام نصل إلى نتيجة وهي : إنّ الروح التي ترتبط بها نبوّة خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم وإمامة الأئمة الأطهار علیهم السلام هي غير تلك الروح التي كانت مع الأنبياء السابقين علیهم السلام.

بعد أن اتضح هذا البحث، فإنّ من جملة أدلّة أفضلية الزهراء سلام الله علیها على كلّ الأنبياء والأوصياء السابقين هو: إن الزهراء سلام الله علیها كأبيها وبعلها وبنيها المعصومين مؤيدة بروح القدس، أو الروح التي تتوقف عليها النبوة العظمى والإمامة الكبرى.

ص: 208


1- مرآة العقول 3: 172 - 173

والدليل على ذلك روايات كثيرة ، نحن نُشير إلى نموذجين منها:(1)

أ - الرواية التي ذكرناها في الفضيلة (14) - فاطمة سلام الله علیها ليلة القدر - عن حمران، عن الإمام الصادق ، في تلك الرواية بعد أن يُفسِّر الإمام الصادق علیه السلام ليلة القدر بفاطمة سلام الله علیها يقول :

«وقوله: «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا» والملائكة في هذا الموضع: المؤمنون الذين يَمْلِكُونَ عِلْمَ آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم . والرُّوحُ : رُوحُ القُدس، وهو في فاطمة سلام الله علیها».(2)

ب - رواية ننقل أولاً ،متنها، وبعد ذلك نُقدِّم لمحبى الولاية كيفية الاستدلال بها : عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان جالساً يوماً، وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام فقال :

«اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلاءِ أهلُ بَيْتي وأَكرَم الناسِ عَلَيَّ، فَأَحْبِبْ مَنْ أَحَبَّهُم وأَبْغِضُ مَنْ أَبْغَضَهم ، ووالِ مَنْ وَلاهُمْ وعَادِ مَنْ عاداهُم، وَأَعِنْ مَنْ أَعَانَهُم، واجْعَلْهُم مُطَهَّرينَ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ مَعْصُومِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَيَّدَهُم بِرُوح القُدُسِ مِنْكَ ...».(3)

إنّ الذي يكون شاهداً على كلامنا هو المقطع الأخير من كلام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والذي هو : وأَيَّدْهُم بِرُوح القُدُسِ مِنْكَ، مع أن المقاطع التي قبله لها أهمية وتعتبر دليلاً للاستدلال على هذا المقطع.

يُستفاد من حديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها كأبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام - مؤيّدة بنفس تلك الروح التي كمالات النبوة والإمامة مرتبطة بها،

ص: 209


1- لقد بينا رواية أخرى ضمن الفضلية (10) و تحت عنوان: الزهراء والأئمة يرون الملائكة - التي نقلها الشيخ الطو ، بالإمكان الاستدلال بها لهذا الموضوع، أو أن تكون مؤيدة له
2- بحار الأنوار 25: 70/97 ، تأويل الآيات الظاهرة 2: 3/818
3- الأمالي للشيخ الصدوق : 787/574، بشارة المصطفى: 89/274 بتفاوت يسير ، بحار الأنوار 37: 52/84 20/24:43

خصوصاً بعد أن دعا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بطهارة أهل بيته ونزول آية التطهير هي أعلى دليل على استجابة ذلك الدعاء، وسند لعصمة النبي والأئمة علیهم السلام، وهي من عصمة أنبياء الله السابقين ؟(1)

نعم ، كما قُبلت العصمة لأهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم، استجاب الله تعالى هذا الدعاء لنبيه أيضاً، وبنفس الروح التي أيد بها أمير المؤمنين وأبناءه المعصومين علیهم السلام أيد ابنة رسول الله عليهما وألهما السلام.

كما في الرواية السابقة، حيث أشار الإمام الصادق علیه السلام إلى هذا المعنى بصراحة عندما قال:

«... والروحُ : روح القدس، وهو في فاطمة سلام الله علیها».

مع الأخذ بنظر الاعتبار المطالب السابقة، فإنَّ الشخصية التي لها مثل هذه الروح تصير صاحبة الولاية المطلقة على جميع نظام الخَلْق وواجدة لمقام العصمة الكبرى. فمثل هذا المقام والمنزلة ليس فوقه مقام آخر سوى مقام الربوبية الحقة التي لها السلطة الذاتية على جميع الوجود.

مع هذا البيان، فإن الزهراء سلام الله علیها كأبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام مؤيدة كما ه-م مؤيدون بنفس الروح التي تجعلها كأبيها وبعلها وبنيها أفضل من جميع أنبياء الله السابقين.

3 - إعانة فاطمة سلام الله علیها للأنبياء والأوصياء

يُستفاد من آيات وروايات متعدّدة بأن الأنبياء والأوصياء كانوا مأمورين

ص: 210


1- بعد أن يستدل العلامة الأميني بهذا الحديث ، يستنتج أنّ الزهراء كأبيها وبعلها وبنيها المعصومين لها مقام الولاية الإلهية الكلية المطلقة. يُراجع كتاب فاطمة الزهراء تقريرات بخط المرحوم العلّامة الأميني: 189 - 196

بقبول ولاية وحبّ تلك السيّدة العظيمة وزوجها وبنيها المعصومين علیهم السلاموالذي نُشير إلى موارد منها:

- قبول توبة آدم علیه السلام كانت بتوسله الله تعالى بهم .(1)

- وصول إبراهيم علیه السلام إلى مقام الإمامة، بعد أن أخْتُبِرَ بولاية ومحبّة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام.(2)

- نجاة كلّ الأنبياء والأوصياء وأولياء الله من البلايا والرزايا بسبب توسلهم بها، والتي أشارت لذلك بعض آيات القرآن الكريم والروايات. وهذا أفضل دليل على أفضليّة سيّدة نساء العالمين على كل رجال الوجود .(3)

4 - محبّة وطاعة فاطمة الزهراء سلام الله علیها واجبة على كلّ الخلق

لقد صرّح النبي والأئمة المعصومون علیهم السلام وبعبارات مختلفة في أحاديث متعدّدة على أفضليّة الزهراء سلام الله علیها. ومجموع هذه الأحاديث هو دليل آخر على كلامنا، نُشير إلى عدة منها بعنوان نموذج :

الأوّل : يقول الإمام الباقر علیه السلام في وصف مصحف فاطمة الزهراء سلام الله علیها - في حديث أبي بصير -

«... ولَقَدْ كَانَتْ صلوات الله عليها طاعَتُها مَفْروضَةٌ على جَميع مَنْ خَلَقَ الله

ص: 211


1- كما قال الله تعالى - في سورة البقرة 2: 37 -: «فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ»
2- يقول الله تعالى - في سورة البقرة 2: 124 -: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَةٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا. عُرفت هذه الكلمات بأسماء النبي وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والأئمة المعصومين»
3- يذكر العلامة المجلسي الله في بحار الأنوار باباً في أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم صلوات الله عليهم أجميعن، والتي تكون فاطمة الزهراء أحدهم. بحار الانوار 6: 319 - 1/334 - 16

مِنَ الجِنِّ والإنس والطير والوَحْشِ والبهائم والأنبياء والملائكة».(1)

من الواضح والجلى أن الشخص المطاع والقائد هو في مقام ومنزلة أفضل من الشخص المُطيع . فإذا كانت طاعة فاطمة الزهراء سلام الله علیها واجبة على الأنبياء،فإذن هي أفضل من جميع الأنبياء علیهم السلام.

الثاني: حديث قدسي فيه بيان خَلْق نور الزهراء سلام الله علیها، وفيه:

«... أَخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نبيِّ مِنْ أَنْبِيانِي أَفَضْلُهُ على جَميعِ الأنبياء».(2)

لو أرجعنا ضمير « أُفَضْلُهُ» على نور الزهراء سلام الله علیها، فهذه الرواية أيضاً مؤيّدة لكلامنا.

ولاية فاطمة سلام الله علیها شرط في نبوّة الأنبياء علیهم السلام!

الثالث : يقول الإمام الصادق علیه السلام في حديث له :

«... وهيَ الصِّدِّيقة الكبرى وعلى مَعْرِفَتِها دارَتِ القُرون الأولى».(3)

لقد نقل محمد بن الحسن الصفار أحاديث كثيرة في هذا الخصوص، تشير إلى واحدة منها بعنوان نموذج:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «ما تَكامَلَتِ النُّبوَةُ لنبى فى الأظلَّةِ حَتَّى عُرضَت عليه ولايتي ووِلايَةُ أهلِ بَيْتي ومُثْلُوا لَهُ فَأَقَرُّوا بِطَاعَتِهِم وولايتهم».(4)

بالنظر إلى أن فاطمة الزهراء سلام الله علیها لأحد المصاديق الجليّة لأهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 212


1- دلائل الإمامة : 106 ضمن ح34 ، وانظره بتفاوت يسير في مستدرك سفينة البحار 6: 207. وأشرنا إليه وخرجناه في الفضيلة (11) مصحف فاطمة سلام الله علیها، فراجع
2- بحار الأنوار 43: 5/12، ولقد شرحنا هذا الحديث وخرجناه ضمن الفضيلة :(7) تجلّي نور فاطمة في السماوات والأرض ، فراجع
3- الأمالي للشيخ الطوسي : 1399/668 ، وفيه: الأول، بدل: الأولى، بحار الأنوار 43: 19/105.
4- بصائر الدرجات : 7/93 عنه المجلسي في بحار الأنوار 26: 27/281

في آية التطهير، وبقية الآيات والروايات؛ ففي هذه الرواية أيضاً أنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها من الذين يشملهم عنوان أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وعُرضت ولايتها على جميع الأنبياء، وأقروا بطاعتها وولايتها حتى وصلوا إلى مقام النبوّة.

لذلك أشار الإمام الصادق علیه السلام إلى هذا المطلب بصراحة في حديث مرسل، حيث يقول علیه السلام:

«ما تَكَامَلَتِ النُّبوَّةُ لَنَبِيٍّ حَتَّى أَقَرَّ بَفَضْلِها ومَحَبَّتِها».(1)

من البديهي مَنْ تجب معرفتها ومحبتها والإقرار بطاعتها وتكون ولايتها شرط لإكمال النبوة لأنبياء الله ؛ قطعاً تكون أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين.

فاطمة سلام الله علیها أفضل من جميع الرجال!

الرابع: حديث آخر نُقِلَ عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يُشير بصراحة إلى أن فاطمة الزهراء سلام الله علیها أفضل من جميع رجال العالم، وبهذا الإطلاق يشمل الأنبياء أيضاً.

قال صلی الله علیه و آله وسلم: «ما سَوَّى اللهُ قَطَّ امرأةً بِرَجُلٍ إلا ما كانَ مِنْ تَسْوِيَةِ اللهِ فاطمةَ بِعَليِّ علیه السلام والحَاقِها وهي امرأةٌ بأفضَل رجالِ العالمينَ».(2)

فاطمة سلام الله علیها حجة الله على الأئمّة علیهم السلام

الخامس : حديث مرسل عن الإمام الحسن العسكري علیه السلام يقول فيه :

«نَحنُ حُجَّةُ اللهِ على الخَلْق وفاطِمَةُ حُجَّةٌ عَلَيْنا».(3)

بالنظر إلى أنّ الأئمة الأطهار كأمير المؤمنين علیه السلام أفضل من جميع

ص: 213


1- مجمع النورين 40 ، فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 86
2- تفسير الإمام العسكري : 695 ، وفيه : ما ساوى بدل ما سوَّى، بحار الأنوار 37: 27/48
3- مقدّمة عوالم العلوم 1/11: 7 ، عن تفسير أطيب البيان 13: 225

الأنبياء، بل - بناءً على هذه الرواية - هم حجج الله على الخلق أجمعين الذين من ضمنهم الأنبياء علیهم السلام، ومن طرفٍ آخر فإنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها أيضاً حجّة الله على الأئمة المعصومين علیهم السلام، فبناءً على الأولوية ، فإنّ الزهراء سلام الله علیها تكون أفضل من جميع الأنبياء.

فاطمة سلام الله علیها أسوة لإمام الزمان علیه السلام !

السادس: إنّ الشاهد على صحة متن ودلالة حديث الإمام الحسن العسكري علیه السلام، هو قول ابنه الإمام صاحب العصر والزمان رعلیه السلام حيث يقول:

«... وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لِي أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ».(1)

من كلام الإمام صاحب العصر عجل الله فرجه يتبادر في ذهن الإنسان کلام الله تعالى حيث يقول:

«لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةُ».(2)

وكذلك آية أُخرى في خصوص الأئمة الأطهار علیهم السلام الذين جعلهم الله شهداء على أعمال وأفكار الناس ، وجعل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم شهيداً على أعمال الأئمة علیهم السلام.

حيث يقول تعالى :

«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا».(3)

لقد وصلتنا روايات كثيرة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام في ذيل هذه الآية حيث يقولون فيها :

ص: 214


1- الغيبة للشيخ الطوسي : 106 ، الاحتجاج للطبرسي : 279 ، بحار الأنوار 53 : 180
2- سورة الاحزاب 33: 21
3- سورة البقرة 2: 143

«نَحْنُ شهداءُ اللهِ عَلى خَلْقِهِ وحُجَجُهُ - وحُجَتُهُ - فى أرضِهِ».(1)

بالنظر إلى هذه الآية والرواية الواردة في ذيلها، فإنّ الأئمة الأطهار علیهم السلام هم حجج الله على الخلق، ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حجّة عليهم ، وكما أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بلحاظ حجيته على الخلائق ، أسوة لكل الناس - ومن ضمنهم الأئمة المعصومين فإنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها أيضاً تكون حجة الله على كلّ أبنائها المعصومين علیهم السلام بلحاظ أن الله تعالى جعلها أسوة لهم. ولا يمكن أن يجعل الله شخصاً أُسوةً للمعصومين علیهم السلام إلا أن تكون جميع أفعاله وأقواله حجّة عليهم الوحيد الذي يُستثنى منهم هو بعلها أمير المؤمنين علیه السلام، لأنه حجّة وإمامٌ لها.

ومن جانب آخر، اتخاذ الإمام صاحب العصر والزمان علیه السلام جدته الزهراء سلام الله علیها أُسوةً له، كما أنه علیه السلام في زمان ظهوره سيعمل بما هو موجود في مصحف فاطمة سلام الله علیها، بل رجع كلّ الأئمة في الكثير من المسائل إلى مصحف فاطمة سلام الله علیها(2)؛ لأن قولها وفعلها حجّة عليهم، ولأنها كانت الصِّدِّيقة الكبرى كبعلها أمير المؤمنين علیه السلام، فلديها منزلة الصِّدِّيقين، فإنّ هاتين المنزلتين - يعني : حجّة الله ، ومنزلة الصِّدِّيقين، هما لازم وملزوم أحدهما للآخر فإنّ هذه أوصلت الزهراء سلام الله علیها إلى مرتبة بحيث توجب عليها تطبيق أحكام الإمام المعصوم.

إن أحد الأحكام المختصة بالنبي والإمام علیهم السلام هي: إن حجة الله بعد موته لا يستطيع أحدٌ تغسيله إلّا إمامٌ مثله، بما أنّ المعصوم بعد شهادته وارتحاله لا يجوز لأحدٍ تغسيله ودفنه إلّا معصوم مثله(3)، فإنّ الزهراء سلام الله علیها كانت مشمولة

ص: 215


1- بصائر الدرجات: 11/83 ، الكافي 1: 2/190 ، تفسير العياشي 1: 110/62 ، تفسير فرات الكوفي : 26/62 ، المناقب لابن شهر آشوب 2: 283 بشارة المصطفى : 298 ، بحار الأنوار 16: 48/357
2- يُراجع الفضيلة :(11) مصحف فاطمة
3- انظر بحار الانوار 27: 288 - 1/291 - 7

بهذه القاعدة أيضاً.

عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام: مَنْ غَسَّلَ فاطمة سلام الله علیها؟

قال: «ذاك أمير المؤمنين علیه السلام»

قال: كأنّي اسْتَعْطَمْتُ ذلك من قولهِ.

قال: «فكأنّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ؟».

قلت : فَقَدْ كانَ ذلك جُعِلْتُ فداكَ .

قال: «لا تضيقَنَّ فَأَنَّها صِدِّيقةٌ وَلَمْ يَكُنْ يُغَسْلُها إِلا صِدِّيقَ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يُغَسِّلْها إِلَّا عيسى علیه السلام.»؟(1)

نعم، فإن مقام الزهراء سلام الله علیها هو فوق ما يتصوّر، ولا يستطيع أحدٌ نيل هذا المقام العالي، سوى أبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام.

فاطمة سلام الله علیها هي الروح النازلة على النبي صلى الله عليه و آله وسلم

السابع: دليل آخر على هذا المعنى، وهو حديث منقول عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حيث يقول :

«... فهي فاطمة بنت محمد، وهي ... رُوحِيَ التي بَيْنَ جَنْبَيَّ».(2)

بلا شك أن جميع كمالات رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مرتبطة بالروح المقدّسة التي أودعها في وجوده الشريف والمراد من قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لها في ابنته فاطمة سلام الله علیها :

«وهي رُوحِيَ التي بَيْنَ جَنْبَيَّ»: إنّ ابنتي لديها كل الكمال الذي أتمتّع به أنا

ص: 216


1- الكافي 3: 13/159 ، تهذيب الأحكام 1: 1422/440 ، وسائل الشيعة 2 : 2825/530 ، بحار الانوار 27: 7/291
2- كشف الغمّة 2: 95 ، بحار الأنوار 42: 45 وانظره بتفاوت يسير في الأمالي للشيخ الصدوق: 175 ، الاعتقادات للشيخ المفيد: 105، الفضائل لابن شاذان: 9، بشارة المصطفى: 306، بحار الأنوار 43: 172 ضمن ح13

عدا منزلة النبوّة والرسالة ، وهذه منزلةٌ ما نالها أحد سوى بعلها أمير المؤمنين علیه السلام وأولادهما المعصومون علیهم السلام.

إذن فجميع المقامات المعنوية التي في رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، مجموعة في ابنته ووصيه علیه السلام.

5 - مثليّة أمير المؤمنين علیه السلام وفاطمة سلام الله علیها

حديث معتبر آخر حول كفؤ ومَثَلُ الزهراء سلام الله علیها مع أمير المؤمنين علیه السلام، ونحن سنذكر هذا الحديث الشريف في الفضيلة (22) من هذا الكتاب، ولقد روي هذا الحديث بأسانيد متعدّدة ومعتبرة من طريق الشيعة والسنة، فليراجع في محلّه.

6 - أقدمية وجود فاطمة علیه السلام على كل المخلوقات

دليلٌ محكمٌ آخر وفضيلة للزهراء علیه السلام، هو تقدّم وجودها قبل كلّ المخلوقات في عالم الأنوار.

نعم، فإنّ السيدة الزهراء علیه السلام في ذلك العالم مع أبيها وبعلها وبنيها كانوا يعبدون الله تعالى قبل الخلق أجميعن، ولقد وصلوا إلى أعلى مرتبة الكمال، والقدسيّة والطهارة، والقُرب من الله تعالى بواسطة تلك العبادة - التي لا يستطيع أحد الإتيان بها - وبعد آلاف السنين خَلَقَ الله تعالى الخَلْقَ بحضورها مع أبيها وبعلها ووَظّفَ الله تعالى جميع الموجودات في نظام الخَلْقِ على طاعتهم، فالله سبحانه خالق كلّ شيءٍ وفعّال لما يُريد، فقد فوّض أمر عالم التكوين لفاطمة وأبيها وبعلها.

ونحن أشرنا لهذا البحث في ذيل الفضيلة (7) بصورة مختصرة، ومن أجل إكمال هذا البحث نُشير إلى روايةٍ بهذا الخصوص:

يروي المرحوم الكليني في كتابه الشريف «الكافي» حديث عن :

ص: 217

محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني علیه السلام، فأجريت اختلاف الشيعة. فقال: «يا محمد ! إِنَّ الله تبارك وتعالى لَمْ يَزَلْ مُتَفَرِّداً بوحدانِيَّتِهِ، ثُمَّ خَلَقَ محمداً وعَلِيّاً وفاطمةَ ، فَمَكنُوا أَلْفَ دَهْرٍ، ثُمَّ خَلَقَ جَميعَ الأشياءِ فَأَشْهَدَهُم خَلْقَها وأَجْرَىٰ طَاعَتَهُم عَلَيْهَا ، وَفَوَّضَ أُمُورَها إليهم ، فَهُمْ يُحِلُّونَ ما يشاؤون، ويُحَرِّمُونَ ما يشاؤون، ولَنْ يشاؤوا إلا أَنْ يَشاء الله تبارك وتعالى» .

ثُمَّ قال: «يا مُحمَّد! هذِهِ الدِّيانَةُ التي مَنْ تَقَدَّمَها مَرَقَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْها مَحَقَ ، ومَنْ لَرْمَها لَحَقَ ، خُذْها إليْكَ يا مُحمَّد !».(1)

بلا شكٍّ إنّ من وضع قدمه في الوجود قبل آلاف السنين من خلقة العالم وآدم وكلّ نبي ووصي، وعبد الله بتلك العبادة الخاصة، وخُلِقَ الوجود بحضوره، وطاعته واجبة على جميع المخلوقات، قطعاً يكون ذلك أفضل الموجودات.

7 - فاطمة سلام الله علیها أوّل من يدخل الجنة

آخر دليل لنا على أفضليّة سيّدة نساء العالمين سلام الله علیها على أنبياء الله ، هو أسبقيتها في دخول الجنّة قبل كل الموجودات هذا المعنى مأخوذ من حديث مروي في مصادر الخاصة والعامة بأسانيد معتبرة ومتعدّدة عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، حيث يقول :

«أَوَّلُ شَخْصِ يَدْخُلُ الجَنَّةَ فَاطِمَة».(2)

ولاحظ كيفية الاستدلال بهذا الحديث لإثبات أفضليّة الزهراء الله على الأنبياء علیه السلام، وبشرح وبيان مفصل في الفضيلة رقم (20) .

ص: 218


1- الكافي 1: 5/441 ، المحتضر : 164 - 165 ، حلية الأبرار 1 : 17 - 3/18، بحار الأنوار 15: 29/19 ، 25 : 25 / 44 و : 24/340، 54: 141/195
2- انظر مصادر هذا الحديث في الفضيلة رقم (20)

الفضيلة التاسعة عشر : رضى وغضب الله لرضى وغضب فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن عليٍّ علیه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الفاطمة سلام الله علیها:

إنَّ اللهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ ويَرْضَى لِرِضَاكِ».(1)

ص: 219


1- نقل هذا الحديث الحاكم النيسابوري - أحد كبار علماء أهل السنة والمتوفي سنة 405 ه-ويقول في آخر الحديث هذا حديث صحيح الإسناد المستدرك للحاكم 3: 115 . ولقد روى هذا الحديث علماء ومحدّثوا الشيعة بأسانيد متعدّدة ومعتبرة، منهم: الطبرسي في الاحتجاج 2: 103 والعلامة الحلّي في كشف اليقين : 315 ، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار 30: 353، 43: 8/20 . وقد روى هذا الحديث مجموعة كبيرة من علماء العامة أيضاً نذكر منهم: الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 1: 182/108 العلّامة اليافعي في التدوين 3 42 عن نسخة مصوّرة من مكتبة الاسكندرية في مصر، والموجودة في مكتبة ملّي طهران. ابن الأثير الجزري في أسد الغابة 5: 522 . العلّامة محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى .39 . العلّامة سبط ابن الجوزي في التذكرة: 320 ، طبع الغري الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 219، طبع الغري. الذهبي في : ميزان الاعتدال 1: 535 / 2002 ، تذهيب التهذيب : 134 ، مخطوط، تلخيص المستدرك 3: 153 ، طبع حيدرآباد الدكن. العلّامة الزرندي في نظم درر السمطين: 177. العلامة ابن حجر العسقلاني في الإصابة 8: 266 ، تهذيب التهذيب 12: 441 ، طبع حیدرآباد. العلامة السيوطي في الخصائص 2: 265 ، طبع حيدرآباد، الثغور الباسمة : 15 ، طبع بومبي. العلامة عطاء الله الدشتكي في روضة الاحباب : 665 ، مخطوط . العلّامة عبدالله الشافعي في المناقب: 207، مخطوط. الشيخ داؤد بن سليمان النقشبندي في صُلح الإخوان : 134 ، طبع بومبي. العلّامة القندوزي في ينابيع المودة:2: 33/56 و : 132 / 375 و 293/464 . 33/56 العلّامة البدخشي في مفتاح النجاة : 101، مخطوط. والمتقي الهندي في كنز العمال 12: 34238/111 . ومن أراد المزيد من مصادر العامة ، فليراجع كتاب إحقاق الحق 116:10 - 122 . ينبغي التنبيه على أنّ هذا الحديث رُوي بعبارات أُخرى منها : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها»، كما في كنوز الحقائق للمناوي : 32 طبع بولاق مقتل الحسين للخوارزمي: 51 طبع الغري، ينابيع المودة للقندوزي : 173 و 179 و عن النبي قال : «يا فاطمة! إن الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاك»، كما في: أخبار الدول لأحمد الدمشقي: 87 طبع ،بغداد كنز العمال للمتقي الهندي 13 : 96 ، 16: 280

إنّ هذا الحديث الشريف الذي رُوي بأسانيد مختلفة ومعتبرة، اعتبره كبار علماء العامة حديث صحيح السند ونقل بأسانيد متعدّدة ومعتبرة في المصادر الشيعية أيضاً، حتّى إنّه اكتسب التواتر ،الإجمالي، وقطعيّة صدوره عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على الرغم من أن متن الحديث رُوي بألفاظ مختلفة لكن مضمونه واحد.

النقطة المهمة التي تُرى في هذا الحديث، والتي لها ارتباط بمنزلة

ص: 220

الزهراء سلام الله علیها، ومن أجل الوصول إليها ينبغي أن نقدّم لها مقدّمة.(1)

تبرز من الحياة النباتية قوّتان :

إحداها تجذب المواد الملائمة، التى تؤدّي إلى نموّ وكمال أيّ موجود حى في بعده المادّي.

والأخرى قوة دفع المنافِرات والتي تؤدّي إلى فناء وزوال الموجود الحي، وقوام جميع الموجودات الحيّة بها.

هاتان القوّتان وُجدتا في حياة الحيوان من حالة الدفع والجذب على صورة الرضا والغضب وبالنظر إلى أنّ هاتين القوتين يأخذها الإنسان من الطبع الحيواني، تشكل لديه حياة حيوانية، والإنسان الذي يُريد الوصول إلى الكمال الإنساني ينبغي عليه أن يُخْضع الصفات الحيوانية لديه التي تشكل حياته الحيوانية - إلى أوامر العقل؛ حتى تتحكّم الروح الإنسانية بالروح الحيوانية. تبرز من هذه الحالة عند الإنسان عندما يتحكّم العقل على جميع أبعاد الحياة للإنسان.

في حديث عن الإمام الصادق علیه السلام يقول فيه : « دِعامَةُ الإِنسانِ العَقْلُ».(2)

يعني: إن الإنسانية تتشكل في الإنسان عندما يكون العقل هو مبدأ لجميع السعادة والرضا ومنشأ لجميع التعصب والغضب.

يصل الإنسان العاقل في أوّل درجات العقل، عندما يأخذ المساعدة من روح الإيمان، ويُوصل برعم الآدمية لديه إلى الثمر. وهذا المعنى لا يحصل إلا عندما يفهم بأنّه لم يكن آدميّاً. ومن أجل أن يُوصِل نفسه إلى كمال الآدميّة،

ص: 221


1- ينبغي لنا أن نذكر بأنّ القسم الأكبر من هذه المطالب مأخوذة من دروس وس أستاذنا آية الله العظمى الشيخ وحيد الخراساني زيد عزّه
2- علل الشرائع : 2/103 ، الكافي 1 : 23/25 ، بحار الأنوار 1: 17/90

ينبغي عليه أن يُخضع كل الرضا والسعادة والعصبية والغضب عنده تحت قوّة العقل، بحيث يكون كلّ رضاه وغضبه نابع من العقل.

لو أنّ في طول حياته مرّة واحدة فقط أخضع رضاه وسعادته وعصبيته وغضبه تحت عقله ؛ يكون آدميّاً في تلك المرّة ، ووصل فيها إلى كمال الإنسانية. ومرّة أُخرى لو أنّ رضاه وغضبه كانا قد نبعا من أجل بطنه أو شهوته، فذلك حيوان ؛ لأنّ الصفات الحيوانية قد تجلّت في وجوده.

إذن الإنسان الذي يصل إلى هذا الحدّ بصورة دائمة ليس مرّةً واحدةً أو مرّتين - بل دائماً يكون رضاه وسعادته وعصبيته وغضبه نابعة من العقل؛ فمثل هذا الشخص يصبح إنساناً عقلاني تكون سعادته بسعادة العقل، وغضبه بغضب العقل .

والأعلى من هذه المرتبة مرتبة يُفني الإنسان فيها إرادته من أجل إرادة الله تعالى، ويصل إلى درجة بحيث يُضحي بكل شؤون حياته من أجل رضا الله

،تعالى، ويغضب لغضبه.

يعني: لو يُقتل ابنه لا يغضب من أجل النَّفس وهواها، بل يغضب لغضب الله تعالى ولو أنّ ابنه يحيا لا يرضى ويفرح لذلك، بل يرضى لرضا

الله تعالى.

إن تصوّر مثل هذه المرتبة لنا صعبة جدّاً، فكيف إلى تحقيقها ! عندما يصل الشخص إلى هذه المرتبة، فقد حصل على العصمة الخاتمة. يعني العصمة الكاملة في وجوده ولا يوجد له نظير في العالم.

نعم، إنّ الشخص الذي يكون حبّه وبغضه فقط من أجل حبّ وبغض الله ،تعالى لا يُحبّ شيئاً إلا أن يحبّه الله، ولا يبغض شيئاً إلا أن يبغضه الله تعالى، فعندما يصل إلى هذه المنزلة يكون منطقه منطق الله تعالى، ووجوده خالٍ عن

ص: 222

الهوى؛ فالله تعالى يُعرفه بقوله:

«وَمَا يَنطِقُ عَن الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى».(1)

يعني كل تصرفاته وكلامه خالية من هوى النفس، وكلّ ما يعمل ويقول هو نابع من الوحي الإلهي ، هذه المرحلة يُعبّر عنها بالعصمة الخاتمة، وهذه غير العصمة الإبراهيمية، أو العصمة اليونسيّة، أو العصمة هي اليوسفيّة، أو ....

إنّ العصمة اليونسيّة هي عصمة، لكنّها مشوبة بترك الأولى، الله تعالى يقول فيه:

«وَذَا النُّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».(2)

عندما غضب يونس علیه السلام على قومه وخرج منهم، كان لديه يقين بأنّ الله تعالى لا يُضيّق عليه رزقه - وكان عمله هذا هو ترك للأولى، وكان الأفضل له أن لا يفعل ذلك - فابتلاه الله سبحانه في بطن الحوت ، ولم يفرّج الله عنه من ذلك السجن المظلم، حتى نادى الله تعالى بهذه الكلمات التي ذكرت في القرآن الكريم وهي:

«فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ». )

وفي آية أُخرى قال الله تعالى في حقه:

«فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ»«لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ».(3)

وفي حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول فيه :

ص: 223


1- سورة النجم 53: 3 - 4
2- سورة الأنبياء 21: 87
3- سورة الصافات 37: 143 - 144

«... وإنّما وَكَلَ اللهُ يُونُس بن متّى إلى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عين فكان منه ما كان».(1)

نعم، يوسف علیه السلام معصوم أيضاً، أمّا إلى حد أنّه قال لصاحبه في السجن :

«اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ».(2)

في حين أنّ الأفضل ليوسف علیه السلام أن يطلب ذلك من الله تعالى؛ لذلك عاقبه الله تعالى ولبث في السجن سبع سنين.

إذن العصمة الخاتمة هي غير عصمة سائر الأنبياء، والتسليم بقول مطلق في مقابل الحب والبغض الله تعالى منحصر بخاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله وسلم.

عندما يطوي الشخص مثل هذه المراحل نستطيع أن نقول بحقه: إنّه يرضى لرضا الله ويغضب لغضب الله .

والآن تعرّج على شرح الحديث الذي يُبيّن المقام العالي لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله علیها، نقرأ في هذا الحديث: «إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ ويَرْضَى لِرِضَاكِ».

لو تأمّلنا وفكرنا بهذا الحديث الشريف بدقة نحصل على مطلبين:

1 - لو قيل : إنّ العبد يغضب لغضب الله ويرضى لرضا الله، فيعني ذلك : إن الرضا والغضب حالتان تأتيان من الله تعالى وتؤثر في ذلك العبد، فيكون كل غضب العبد ورضاه من أجل الله تعالى، ففي هذه الحالة تتولّد العصمة الكبرى.

2 - مرتبة أعلى من تلك وهي: إنّ العبد في منزلته العالية ويكون رضاه وغضبه مصبوغ بالصبغة الإلهية وإرادته وكراهته محضةً بإرادة الله تعالى

وكراهته ، فالله تعالى أيضاً يرضى لرضاه ويغضب لغضبه .

ص: 224


1- تفسير القمي 2: 75 البرهان في تفسير القرآن 3: 834 ذيل ح7185
2- سورة يوسف 12: 42

هذه المنزلة العالية أعطاها الله تعالى لفاطمة الزهراء سلام الله علیها، يعني أنها سبقت مرتبة العصمة الخاتمة، فإنّ كلّ رضاها وغضبها الله تعالى، وصلت إلى تلك القمة التي من أجل رضاها يرضى الله تعالى، ومن أجل غضبها يغضب.

صحيح أنّ منزلة الزهراء سلام الله علیها هي فوق إدراكنا وتصوّرنا! فبالنظر إلى هذه الرواية وأمثالها أليس لدينا الحق بالقول بأن فاطمة أفضل من جميع أنبياء الله عدا أبيها صلى الله عليه و آله وسلم؟!

فمن الواضح أنّ منزلة سيّدة الخلق، كأبيها وبعلها الذي هو مثيلها - أفضل من كلّ أنبياء الله .

من نافلة القول أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وأمير المؤمنين علیه السلام أيضاً لديهما مثل هذه المنزلة، لكن المهم أنّ السيّدة حسب الظاهر - التي ليست لها منزلة النبوّة أو الإمامة حصلت على منزلة فيها كلّ إرادتها محضة بإرادة الله تعالى، وتطهرت بتلك الطهارة العظيمة التي أضاءت على عصمة كلّ الأنبياء، حصلت على العصمة الخاتمة وصعدت إلى أرفع قمة الفناء في إرادة الحق، والتي يغضب الله تعالى لغضبها ويرضى لرضاها.

وهذه المنزلة لا يستطيع أي بشر أن ينالها ولا يستطيع أن يدرك تلك المنزلة، عدا أبيها وأوصيائه علیهم السلام.

في نهاية هذا البحث المهم ينبغي علينا أن نبين نقطتين :

1 - لا يمكن أن يُقاس أحد بفاطمة سلام الله علیها

إنّ بعض الخطباء والكتاب يقيسون ويشبهون الزهراء سلام الله علیها بمقاييس ناقصة . وتصدر منهم عندما يُعرِّفون الزهراء سلام الله علیها - عبارات مؤذية مثل السيّدة النموذج، أو السيّدة المعروفة، وهذه العبارات يمكن إطلاقها على أي إنسان

ص: 225

عادي أو في مجال التعريف بالأشخاص حتى ولو كان لديهم شيء من الكمال يعرفونهم بصاحب الوجه الزاهر أو ... كلّ هذه التعابير تنمّ على عدم معرفة الخطيب أو الكاتب بمنزلة سيّدة نساء العالمين.

كما أنّه لا يمكن لأحدٍ أن يقيس شخصاً بالأئمة المعصومين علیهم السلام، كذلك لا توجد امرأة يمكن قياسها بالزهراء سلام الله علیها؛ لأنه لا يصل أي أحد لتراب قدميها، فكيف بأعمالها وحالاتها ؟!

فإنّ المستفاد من كثير من الروايات أن القياس، لا سيّما بالنسبة إلى أولياء الله (الأنبياء والأوصياء ومن يكون في شأنهم) من عمل الشيطان.

عن عيسى بن عبدالله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله الصادق علیه السلام فقال له :

«يا أبا حنيفة بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقِيس؟». قال: نعم.

قال: «لا تَقِسْ؛ فإنّ أوّل من قاسَ إبليس حين قال:«خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ».(1)، فَقَاسَ ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنوريّة النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر».(2)

في حديث عن أمير المؤمنين علیه السلام يقول فيه :

«نَحْنُ أَهْلَ البيتِ لا يُقاسُ بنا أحدٌ».(3)

ص: 226


1- سورة الأعراف 7: 12 سورة ص 38: 76
2- علل الشرائع 1: 86 - 1/87 ، 3، الكافي 1 : 20/58 ، الاحتجاج 2 : 117، بحار الأنوار 2: 5/288
3- (3) عيون أخبار الرضا 1: 297/71 ، شرح الأخبار 2: 532/202، بحار الأنوار 26: 5/269 ، تاریخ دمشق 20 : 211 ، ينابيع المودة 1: 459. ولقد روي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والسجاد والباقر والصادق أيضاً، انظره في : علل الشرائع 1: 2/177 ، معاني الأخبار : 2/179 ، الاختصاص : 13، نوادر المعجزات: 124، وسائل الشيعة 10: 13492/312 ، عيون المعجزات: 73 ، مدينة المعاجز 4: 430، 5: 121، بحار الأنوار 22: 406 - 21/407 - 22 ، 65 45 كنز العمال 12: 34201/104، ينابيع المودة 2 : 68 و 83 ، ذخائر العقبى : 17 وغيرها

وفي حديث آخر عنه علیه السلام يقول فيه :

«جلَّ مَقامُ آلِ مُحمَّد صلى الله عليه و آله وسلم عَنْ وَصِفِ الواصفينَ ونَعْتِ الناعِتِينَ وأن يُقاس بهم أَحَدٌ مِنَ العالمين».(1)

إذن لا يمكن أن يُقاس بسيدة نساء العالمين سلام الله علیها لأحد، حتى مريم سلام الله علیها، بل لا يمكن أن تُقاس الزهراء سلام الله علیها بكل رجال العالم، فإنّها من أظهر مصاديق «أهل البيت»، و«آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم» ولا يقاس بها أحدٌ من العالمين. فمنزلتها وشأنها لا يمكن أن يصل أحد إلى تراب ،قدميها فكيف قياسها بغيرها ؟!

2 - مَنْ هُم الذين أغضبوا فاطمة سلام الله علیها؟

إن هذه السيّدة العظيمة التي لها تلك المنزلة عند الله تبارك وتعالى التي يغضب لغضبها ربِّ العالمين - المنزلة التي تسفاد من الحديث الذي اعترف بصحة صدوره كبار علماء ومفكري العامّة - لو غضبت على أحدٍ، فما هو تأثير ذلك الغضب على الحياة المادية والمعنوية لذلك الشخص ؟

من البديهي أن فاطمة الزهراء سلام الله علیها لو غضبت على أحدٍ، يعني: إن الله تعالى غضب على ذلك الشخص، ومن يغضب الله تعالى عليه ؛ يخرج من زمرة المؤمنين، وينحرف عن الصراط المستقيم وينطبق عليه عنوان: «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» ، الذين نطلب من الله كلّ يوم أن لا يهدينا إلى صراطهم !

فإنّ من آثار غضب الله على الانسان الهلاكة والضلالة ؛ ولذا نقول في سورة الحمد بعد هذه الفقرة «ولا الضّالين» .

ص: 227


1- بحار الأنوار 25: 171 - 172

نعم ! أُولئك الذين تغضب عليهم فاطمة سلام الله علیها في النهاية يهلكون ويُخلّدون في العذاب، حيث يقول الله تعالى في القرآن الكريم : «وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى».(1)

على مَنْ غضبت فاطمة الزهراء سلام الله علیها ودَعَتْ عليه ؟

يقول ابن أبي الحديد المعتزلى - أحد كبار علماء العامّة :

والصحيح عندي أنها ماتت وهى واحدَةٌ على أبي بكر وعمر، وإنها أوصت أن لا يُصَلِّيا عليها.(2)

وشاهد صدق على صحّة هذا القول ما ينقله ابن قتيبة الدينوري (ت 322 ه-) في كتابه الإمامة والسياسة.(3)

البخاري ومسلم أيضاً يذكران في صحيحيهما حديث بهذا الخصوص عن عائشة ، تقول فيه:

إن فاطمة سلام الله علیها بنت النبي صلى الله عليه و آله وسلم أرسَلَتْ إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ... - إلى أن قال: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً؛ فَوَجَدَتْ فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهَجَرَتُهُ فلم تُكلّمه حتّى تُوفِّيت. فلمّا تُوفّيت دَفَنَها زوجها على ليلاً، ولم يُؤذن بها أبا بكر.(4)

ص: 228


1- سورة طه 20: 81
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 50 ، وعنه المجلسي في بحار الأنوار 28: 322
3- سيأتي في الفضيلة (37) من هذا الكتاب فراجع
4- صحيح البخاري 5: 82 باب غزوة خيبر صحیح مسلم 5: 153 كتاب الجهاد والسير وأورده البيهقي في السنن الكبرى 6: 300 عن البخاري بتفاوت يسير في يسير في اللفظ ، والطبري في تاريخ الأمم والملوك 2: 448 حيث ذكر عبارة البيهقي إلا أنه أسقط كلمة : فغضبت. ونقله الحافظ الكنجي في كفاية الطالب : 225 حيث نقل نفس عبارة البيهقي. وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 16: 217 ونقل نفس عبارة البخاري ومسلم والبيهقي لكنّه أسقط كلمة: فغضبت من القول. وكذلك نقله العلّامة الشيباني في تيسير الوصول إلى جامع الأصول 1: 209

هل إنّ الذي غضبت عليه فاطمة الزهراء سلام الله علیها لديه الكفاءة لخلافة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؟ ألا يكون أنّ من غضبت عليه الزهراء سلام الله علیها فالله تعالى غضب عليه ؟ أليس من يغضب عليه الله تعالى يهلك ويذهب دينه هباءً؟

ألا نقرأ كل يومٍ في الصلاة

«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»«صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولَا الضَّالِّينَ».(1)

فما معنى هذا الدعاء؟

فهل يُمكن اتباع من شمله غضب الله تعالى؟

لكن «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْألْبَاب».(2)

ص: 229


1- سورة الفاتحة 6:1- 7
2- سورة الرعد 13: 19

ص: 230

الفضيلة العشرون : فاطمة سلام الله علیها أوّل من يدخل الجنّة

اشارة

قال رسول الله صلى الله و آله عليه وسلم: «أَوّلُ شَخْصٍ يَدْخُلُ الجَنَّةَ فاطمةُ».(1)

الفرق بين عالمي الدنيا والآخرة

يُشير هذا الحديث الشريف إلى مطلب مهم يرتبط بشخصيّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها، وقبل أن نبين هذا المطلب نقدّم مقدّمة (2):

إنّ الفرق بين عالم الدنيا وعالم الآخرة هو أن في عالم الملك - الدنيا - تغلب المحسوسات على الأمور الغيبية (الملكوت)، ويتغلب فيه الظاهر على

الباطن، وهو عالم غلبة الباطل على الحقِّ ، والشهود على الأمر.

ص: 231


1- المناقب لابن شهر آشوب 3: 110 ، عوالم العلوم 2/11: 166 ، فضائل الخمسة 3: 204 ، بحار الأنوار 37: 70 ، إحقاق الحق 10: 136 وروي هذا الحديث في مصادر العامة أيضاً منها: السيرة الحلبية 1 : 232 میزان الاعتدال 2: 5057/618 ، لسان الميزان 4: 34/16 ، نظم درر السمطين : 180 ، كنز العمال 12: 34234/110
2- قسم من هذا البحث استفدته من درس أستاذي الكبير آية الله العظمى الشيخ وحيد الخراساني حفظه الله

لذلك في عالم الدنيا سيرة الإنسان تتبع صورته، والصورة الظاهرية الحاكمة على صورته وتصرفاته. فمن الممكن أن يكون للأشخاص هي الشخص في باطنه ذئباً، أما في صورته الظاهرية فهو إنسان.

وكل هذا بسبب أنه في عالم الدنيا - عالم المُلك والمحسوسات - الأمور الغيبيّة فيه مقهورة، ويكون المُلك غالباً على الملكوت .

لكن في عالم الآخرة يكون الوضع فيه معكوساً، حيث يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

»يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ»(1)، و: «وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».(2).

كلّ شيء مخفي وباطن يبرز ويظهر وفي ذلك اليوم تتضح سيرة وباطن كلّ إنسان .

إنّ التعابير الواردة في القرآن الكريم حول كيفية حشر الناس يوم القيامة متفاوتة، وكلّ تعبير يحكي عن كيفية بروز وظهور باطن. وبما أنّ بواطن الناس مختلفة، فكيفية حشرهم يوم القيامة تكون مختلفة أيضاً.

يُحشر بعض الناس وهم يُجرُّون على وجوههم، كما يصف الله تعالى كيفية حشر الكفّار بقوله:

«الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلاً».(3)

وتُحشر بعض الوجوه فرحة مسرورة بسرور الله تعالى حيث يأخذ الله تعالى بأيديهم لا تنظر إلى الجنان، ولا إلى الفردوس الأعلى، ولا إلى صحراء المحشر، ولا إلى حوض الكوثر، ولا إلى نعم الله المهيأة في الجنان، ولا إلى

ص: 232


1- سورة الطارق 9:86
2- سورة إبراهيم 14: 48
3- سورة الفرقان 25: 34

الحور العين والولدان المخلدون، بل تنظر إلى ربّها وإلى لُطفه ورحمته، حيث يصفهم الله تعالى بقوله:

«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ».(1)

إِنّ السرّ في أنّ بعض الوجوه تُحشر وهي تُجرُّ على الأرض إلى جهنّم ، وبعضهم الآخر تحشر وهي فرحة وناضرة إلى ربّها هو: إن في ذلك اليوم تظهر وتتضح البواطن والسرائر.

نعم، إن ذلك الشخص الذي كان يتكبّر أمام الله تعالى ولا يعبده، ويتّبع هوى نفسه، فيكون مصداق لهذه الآية : «أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ».(2)

وفي آية أخرى يقول الله تعالى

«وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ».(3)

إنّ مثل ذلك الباطن عندما يظهر ويبرز للعَلَنِ؛ يُجرّ وجهه على الأرض، ويُجازى في محكمة العدل الإلهيّة ويدخل جهنّم.

وأمّا ذلك الشخص الذي أوقف كلّ وجوده الله تعالى ودينه وعبادته يقول : «إلهي ! ما عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ عِقَابِك ولا طَمَعاً في ثَوَابِكَ ؛ ولكِن وَجَدْتُكَ

أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُكَ»(4)

فمثل هذا الباطن عندما يظهر ويبرز للعَلَن تفرح تلك الوجوه وتضحك مسرورة وتنظر إلى ربّها ولطفه .

ص: 233


1- سورة القيامة 75: 22 - 23
2- سورة الجاثية 45: 23
3- سورة الأعراف 7: 176
4- من كلام لأمير المؤمنين لا انظره في شرح المائة كلمة للبحراني: 219، بحار الأنوار 41: 41، منازل الآخرة: 31

من هو أول شخص يدخل الجنّة؟

بعد أن اتضحت هذه المقدّمة، ينبغى أن نرى الأولويّة لدخول الجنّة لمن ؟

بلا شك أن الأولوية فى الدخول إلى الجنّة تكون لأوّل شخص في الوجود بعد الله تعالى . إذا لم يكن الشخص الأوّل فى الوجود بعد الله تبارك وتعالى، فمن المستحيل في ذلك اليوم الذي تظهر وتبرز فيه السرائر والخفايا - أن يدخل الجنّة أوّل شخص.

لذلك فبحكم العقل المسلَّم ، والروايات المنقولة المعتبرة، لا يمكن أن يكون أوّل شخص يدخل الجنة غير خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم الهلال ؛ لأنه وحده أوّل الخلق،ومن ناحية السيرة والطريقة والعلم والتصرفات هو أوّل فرد في الخلق؛ ونتيجة لكل الكمالات الظاهرية والباطنية لكل الموجودات.

فلذلك هو أوّل شخص يجلس على مائدة الضيافة الربانية، ويتربع على بساط الفيض الإلهي الأبدي.

لماذا أوّل من يدخل الجنّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها؟

بالنظر لحديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي يقول فيه: «أوّلُ شَخْصٍ يَدْخُلُ الجَنَّةَ فاطمة»، ما هو مراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من هذا القول؟

بلا شك لا يوجد أى تعارض بين حكم العقل والنقل المعتبر - الذي أُشير إليه - مع هذا القول ؛ لأنّ فاطمة سلام الله علیها في وجودها وكمالاتها كأبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وتتّحد معه . فدخول الزهراء سلام الله علیها إلى الجنّة يعني دخول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

فى هذه الرواية أسرار خفية ذكرت في شرح الروايات الواردة في شأن سيّدة نساء الخلق من الممكن العثور عليها في كتب العامة والخاصة. أحد

ص: 234

هذه الأسرار هو : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يُشير - بكلامه القصير والملئ بالمعنى - إلى كل الجوانب الوجودية والكمالات النفسانية التي ظهرت في ابنته.

إذا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في عبادته إلى درجة يقول الله تعالى فيها له :

«طه»«مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى»«إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَن يَخْشَى»(1)، وكانت من كثرة عبادة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن تورّمت قدماه .

فابنته فاطمة سلام الله علیها تتأسى بأبيها في المعنوية والعبادة، حتّى أنّ الحسن البصري يقول : ما كان فى هذه الأمة أعبد من فاطمة سلام الله علیها، كانت تقوم حتّى تورّم قدماها.(2)

بل يصف الإمام الصادق علیه السلام الحالة التي تقوم بها الزهراء سلام الله علیها بالعبادة فيقول : «كانَت إِذا قَامَتْ في مِحرابها زَهَرَ نُورُها لأهلِ السَّماءِ كما يَزْهَرُ نُورُ الكواكب لأهل الأرض».(3)

إذا كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يُقسّم طعامه على الفقراء والمحتاجين، ويربط هو حجرالمجاعة على بطنه ، حتى اصفر لون وجهه، ففاطمة الزهراء سلام الله علیها أيضاً مع زوجها وبنيها تصدّقوا بطعام إفطارهم إلى المسكين واليتيم والأسير في ثلاث ليالٍ متتالية وهم صيام وكان إفطارهم على الماء فقط، حتى وصل بها الحال من شدة الجوع أن لا تستطيع فتح جفني عينيها ، وأخذ الحسنان علیهما السلام يرتجفان من شدة الجوع، حتى إنّ رسول الله الله صلی الله علیه و آله وسلم اغتم كثيراً عندما رآهم بهذه الحالة، فنزل جبرئيل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يحمل رسالة شكر، وهي الآيات في سورة الإنسان «هل أتى».(4)

ص: 235


1- سورة طه 20 : 1 - 3
2- مناقب آل أبي طالب 3: 119 ، بحار الأنوار 43: 76 و 84 إحقاق الحق 10: 261 ، بيت الأحزان : 38
3- علل الشرائع 1: 181 ضمن ح 3 ، معاني الأخبار : 64 ضمن ح 15 ، دلائل الإمامة : 149 ضمن ح 59 ، بحار الانوار 43: 12 ضمن ح 6
4- انظر البرهان في تفسير القرآن 5: 551

نعم، إذا كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يدخل السوق ويشتري لنفسه قميصاً ويعطيه لمحتاج يطلبه منه.

ففاطمة سلام الله علیها قالت: «كان عندي ثوبان أحدهما قديم والآخر جديد، وكنت جالسة للعبادة ليلة الزفاف، فإذا بسائل ينادي يا أهلَ بيت النبوّة ، ومَعْدِنَ الخير والفتوّة! أعطوني ثوباً قديماً فإنّي فقير، فأعطيته الثوب الجديد.

فلما أصبح الصباح غدا علينا رسول الله بوجهه المنوّر، فقال: أين ثوبكِ الجديد ما أراكِ تلبسينه ؟!

فقلت : ألم تقل: إن الصدقة باقية؟ فإنّي تصدّقت به .

فقال : لو تصدّقتِ بالقديم ولبست الجديد فهو أرعى لزوجكِ وللفقير، وأحفظ لكِ من حرارة الصيف في أيّام الصيام.

فقلت : لقد اقتديتُ بك يوم تزوّجت بخديجة، فبذلت مالها وجاءك السائل فأعطيته ثوبك واشتملت بالحصير ، ورأيتُك تصنع مثل ذلك كثير مما لا يفعله غيرك ، حتى جُعِلَتْ الجنَّة لك، ونزل فيك : «وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا»(1)، فبكى النبيّ وضمني إلى صدره ، وقال : هبط الأمين جبرئيل وقال: اقرأ فاطمة السلام وقل لها فلتطلب ما في الغبراء والخضراء، وبَشِّرْها أنِّي أُحبّها.

فقلت: يا رسول الله، شغلتني عن مسألته لذّة خدمت مسألته لذة خدمته، لا حاجة لي غير النظر إلى وجهه الكريم في دار السلام ...».(2)

نعم، هذه فاطمة سلام الله علیها التي اقتدت بأبيها وَحَذَت حذوه في كل أبعاد حياتها، حتى إن تصرفاتها الباطنية أخذت تظهر على تصرفاتها الظاهرية، وكانت تشبه

ص: 236


1- سورة الإسراء 17: 29
2- رياحين الشريعة 1 : 105 ، الخصائص الفاطمية 2 : 384 - 385

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى حدّ أنّ عائشة تقول : ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله، في قيامها وقعودها، من فاطمة بنت رسول الله ...(1)

وكانت عائشة كلما نظرت إلى فاطمة كانت ترى فيها كلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وتصرّفاته.

ليس اعتباطاً إذا سافر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأوّل من يدخل عليها إذا قدم فاطمة.(2)

إن هذا التصرف من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي هو أعلم الأولين والآخرين، وأفعاله كأقواله فهو «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»؛(3)، هو من أجل تقليص فاصلة الفراق من ابنته قدر المستطاع.

والأهم من ذلك، كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذا دخلت عليه فاطمة قام إليها، فأخذ بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه.(4)

النبيّ الذي يُقبِّل جبرئيل تراب أقدامه، يقف إلى ابنته ويأخذ يديها ويقبلهما ؟ !

ما معنى هذا التصرّف الحكيم من أوّل شخص في الوجود؟!

ليس اعتباطاً أن يقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «هِيَ بَضْعَةٌ مِنّي»، ويقول: «هِيَ قَلْبِي»، ويقول: «ورُوحِيَ التي بَيْنَ جَنْبَيَّ».(5)

ص: 237


1- إحقاق الحق 10: 250
2- بحار الأنوار 43: 89 إحقاق الحق 10: 233، مسند أحمد بن حنبل 5: 275، سنن أبي داوُد 2: 291 / 4213 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 : 26 وغيرها
3- سورة النجم 53: 3 - 4
4- الأمالي للشيخ الطوسي: 892/400، إحقاق الحق 10: 250، سنن أبي داؤد 2: 5217/522 ، سنن الترمذي 5 : 3964/361
5- كشف الغمة 2: 94 ، بحار الأنوار 43: 54 ، الغدير 3: 20 . وقد رُوي هذا الحديث في مصادر أهل السنة أيضاً، وسنذكره بالتفصيل في الفضيلة(37)

لو تأملنا في هذه الثلاث مقاطع من حديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ستصدق بأنّها ستدخُل مع أبيها أوّل شخص إلى الجنّة.

كيفية دخول فاطمة سلام الله علیها إلى الجنّة

إنّ الذي له أهمية كبيرة، وفي الواقع هو علة هذا المطلب، هو كيفية دخول سيّدة النساء إلى الجنّة.

فإنّ هذا المطلب هو أفضل برهان في قبال أُولئك الذين أنكروا حقها وحق بعلها، والتي استشهدت سلام الله علیها من جراء أفعالهم عليها. وكذلك لأولئك الذين جاؤوا في الأزمنة اللاحقة وغضّوا الطرف عن أفعال أسيادهم بالزهراء سلام الله علیها ويوجهون أعمال أسلافهم.

في هذه الرواية المنقولة من كتب أهل السنّة والشيعة تبين فيها كيفية دخول فاطمة سلام الله علیها إلى الجنة :

عن عليّ علیه السلام قال : «قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

تُحْشَرُ ابْنَتى فاطمةُ عَلَيْها حُلَّةُ الكَرَامَةِ ، قَدْ عُجِنَتْ بماء الحيوانِ، فَتَنْظُرُ إِلَيْها الخَلائِقِ، فَيَتَعَجَّبُونَ مِنْها، ثُمَّ تُكْسَى أيضاً مِنْ حُلَلِ الجَنَّةِ، وَهيَ أَلْفَ حُلَّةٍ، مكتوب على كُلِّ حُلَّةٍ بِخَطِّ أَخْضَرِ: ادْخِلُوا ابْنَةَ مُحَمَّدٍ الجَنَّةَ على أَحْسَنِ صورةٍ، وأَحْسَنِ كَرَامَةٍ، وأَحْسَنِ مَنْظَرِ ، فَتَزَفُّ إِلَى الجَنَّةِ كَمَا تُزَفُّ العَرَوُسُ، ويُوَكَّل بها سَبْعُونَ أَلْفَ جَارِيَةٍ».(1)

ص: 238


1- انظره بتفاوت يسير الألفاظ في : مسند زيد بن عليّ : 460 ، عيون أخبار الرضاء 1: ،34 ذخائر العقبى : 48 ، دلائل الإمامة : 155 ، بحار الأنوار 43: 221 ، إحقاق الحق 10: 160 ، مجمع البحرين: 172 . مقتل الحسين الله للخوارزمي ،52 ، تاريخ دمشق 13: 334 ينابيع : 52 المودة 2: 387/137 ، وسيلة المآل للحضرمي : 92 ط- مكتبة الظاهرية - دمشق

إن الذين نقلوا هذه الرواية من العامة، قد غفلوا عن مدلولها، في الحال الذي فيها مدلول قوي ومحكم وهو:

بالنظر إلى تطبيق نظام العدالة يوم القيامة، من المستحيل أن يُعطي الله تعالى أَحْسَنَ الصور إلى بشر إذا لم يكن ذلك البشر لديه أحْسَن السِّيرِ في الحياة. إذا لم يكن أحد أفضل وأحسن وأكمل من جميع العلماء من ابتداء الخلق حتى انتهائهم، وفي كلّ المجالات أعم من الكمالات الأخلاقية والفضائل النفسانية، وأفضلهم في الكمالات العمليّة وأفضل عباد الله أجمعين؛ فمن المُحال أن يدخل يوم المحشر بأحسن الصور وأجملها؛ لأنّ في ذلك اليوم يرى كلّ إنسانٍ نتيجة عمله، أمّا حَسِن وأمّا سيّئ قليلاً كان أم كثيراً. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

«فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ»«وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».(1)

فمن الواضح أن الذي يأتي في ذلك اليوم بأحسن الصور، هو الإنسان الذي يَرد ساحة العلم والمعرفة والتقوى والعبادة ويضع قدمه إثر قدم رسول الله رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، حيث يتقدّم بذلك على جميع الأنبياء والأوصياء.

فلذلك نستطيع أن نجعل حديث الأولوية - دخول سيدة نساء العالمين سلام الله علیها إلى الجنّة - أحد الأدلّة لأفضليّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها على جميع الأنبياء والأوصياء، باستثناء أبيها وبعلها سلام الله علیها، والاستدلال به.

إذن فقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: أول شخص يدخل الجنَّة فاطمة»، فيه برهان قويٌّ ومنطق محكمٌ.

من البديهي أنّ مثل هذه الشخصيّة التي تمتاز بالعصمة والطهارة والمعرفة والعبادة، والتي تَحْذُو حَذْوَ أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيوم القيامة أيضاً تكون

ص: 239


1- سورة الزلزلة 99: 7 - 8

معه في أوّل من يدخل الجنّة.

هل من العدلِ أن تُعامَل مثل هذه الشخصيّة بحيث يصل بها الحال إلى أن توصي زوجها المظلوم علي علیه السلام بقولها:

«يا علي !... أنتَ أَوْلَى بِي مِنْ غَيْرَي حَنْطنِي وغَسَلْنِي وكَفني بالليل، وَصَلِّ عَلَيَّ، وادفني بالليل، ولا تُعْلِم أحداً ...».(1)

فماذا لديهم علماء السنّة من جواب لهذا السؤال؟

مع أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لم يترك ذريّةً سوى ابنة واحدة.

لماذا لم تعش بعده سوى عدة أشهر، حتى رحلت للقاء ربها وأبيها عن ثمانية عشر عاماً، ولم يشترك أحد في تشييعها؟!

لماذا قبر بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا زال مخفيّاً وغير ظاهر ؟!

ماذا فعل حكام وقتها مع ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وزوجها، حتى رحلت عن الدنيا وهي غضبى عليهم، وأوصت لزوجها أن لا يدع أحد منهم يشهد جنازتها والصلاة عليها(2)؟ !

ص: 240


1- بحار الأنوار 43: 14 أعيان الشيعة 1: 321، بيت الأحزان 180
2- انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 50

الفضيلة الحادية والعشرون : خير الرجال علي علیه السلام، وخير النساء فاطمة سلام الله علیها

اشارة

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

«خَيْرُ رِجَالِكُمْ عَلِيٌّ بن أبي طالب، وخَيْرُ شَبَابِكُمْ الحَسَنُ والحُسَيْنُ، وَخَيْرُ نِسَائِكُمْ فاطمة بنتُ مُحَمَّدٍ»(1)

زوج فاطمة سلام الله علیها أفضل فردٍ بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

إنّ هذا الحديث الوارد في الكتب الحديثية والتاريخية المعتبرة لكبار علماء العامة، هو سند مهم على بطلان خلافة أبي بكر وعمر بنالخطّاب،واستحقاق أمير المؤمنين علیه السلام الخلافة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

إنّ الرضى بخلافة غير الذي صرَّح بأفضليته رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأوصى به، هو خلاف للعقل ولوصية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، خصوصاً وإن الأفضلية الأمير المؤمنين علیه السلام

ص: 241


1- مناقب آل أبي طالب 2: 268 نهج الإيمان : 559 ، الصراط المستقيم 2: 69، بحار الأنوار 38: ،9 تاریخ بغداد 5: 157 تاریخ دمشق 14: 167 كنز العمّال 12: 34191/102 ينابيع المودة 2: 788/275

في كلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيها إطلاق، وهو دليل على أفضليته في جميع الجهات الظاهرية والباطنية.

نعم، فعليٌّ علیه السلام في الإسلام ، والإيمان ومعرفة ومحبة الله ورسوله، وعلمه، وفكره ، واطلاعه على أسرار الخلق والعلوم الباطنية للقرآن وعلمه بأحكام الله وكتبه المنزلة السابقة، وبحثه ومناظراته مع علماء ومفكري الأديان والمذاهب المختلفة الذين أسلموا على يديه للإسلام وأحكامه؛ هو مقدَّم على كل أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، بل هو في أكثر الأمور الوحيد في الساحة من دون منافس.

وكذلك من ناحية العصمة والطهارة والزهد والورع والتقوى والسخاء، والشجاعة والقضاء، والكياسة والسياسة في أمور الدين والدنيا للناس، وسائر صفات الإمامة والخلافة الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو أعلى أهل زمانه، وأفضل أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، بل لا يُقاس به أحد، خصوصاً وأن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم صرّح بأفضليته من كل الجهات.

عليٌّ علیه السلام أفضل وأحسن الصحابة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

نذكر هنا مجموعة من أحاديث رسول ل تبين فيها أفضليّة على ابن أبي طالب علیه السلام، مرويّة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فى مصادر العامة والخاصة :

1 - «عليٌّ خَيْرُ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وغَرَبَتْ بَعْدِي».(1)

2 - «عَلِيٌّ خَيْرُ البَشَر فَمَنْ أبَى فَقَدْ كَفَر».(2)

ص: 242


1- المسترشد : 277 ، إحقاق الحق 4: 250 ، لسان الميزان 6: 78
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 133/136 ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2: 524 ، شرح الأخبار 1: 159/196 ، تاريخ دمشق 2: 372 میزان الاعتدال 1: 521 و 2: 271، لسان الميزان 2: 252 ، كنز العمّال 11: 33045/625 ينابيع المودة 2 : 81/78

3 - «خَيْرُ هذهِ الأُمَّة بَعْدِي عَلِيٌّ».(1)

4 - «عَلِيٌّ خَيْرُ البَريَّة».(2)

5 - «مَنْ لَمْ يَقُلْ عَلِيٌّ خَيْرُ الناسِ فَقَدْ كَفَر».(3)

6 - «أَفْضَلُ رِجَالِ العَالَمِينَ فِي زَمَانِي هذا عَلِيٌّ».(4)

7 - «أَعْلَمْ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي عَلِيٌّ بن أبي طالب».(5)

8 - «عَلِيٌّ عَيْبَةُ عِلْمِي».(6)

9 - «أَخِي ، وَوَزِيْرِي وخَيْرُ مَنْ أَتْرُكُهُ بَعْدِي، يَقْضِي دَيْنِي، ويُنْجِزُ وَعْدِي، عَليُّ بن أبي طالب».(7)

10 - «يا علي !... أنْتَ أَوَّلُهُم إِيمَاناً باللهِ، وأَوْفَاهُم بِعَهْدِ اللهِ، وأَقْوَمُهم - عَلِيّ بأمر الله ، وأَقْسَمُهُم بِالسَّويَّةِ، وأَعْدَلُهُم في الرَّعِيَّة، وأَبْصَرَهُم بِالقَضِيّة، بِأَمْرِ وأَعْظَمُهم عِنْدَ اللهِ مَزيَّةً».(8)

ص: 243


1- كنز الفوائد للكراجكي : 63 ، الأربعين للشيرازي: 476 ، بحار الأنوار 27 : 228 / 31 و 37: 65/98
2- مناقب آل أبي طالب 2ک 267 ، الطرائف 87 تاریخ دمشق 42: 371 ، لسان المیزان 1: 175
3- إحقاق الحقِّ 4: 254، تاریخ بغداد 3: 409، تاریخ دمشق 42: 372 ، کنز العمال 11: 33046/625
4- تفسير الإمام العسكري : 661 ، بحار الأنوار 37: 49 ، إحقاق الحق 42:10، ينابيع المودة 2: 852/298
5- الأمالي للشيخ الصدوق : 63 ذيل ح 25 ، مناقب آل أبي طالب 1: 312، الصراط المستقيم 2: 28، المناقب للخوارزمي ،82 کنز العمّال 11: 614 / 32977 ، ينابيع المودة 1: 215 - 27/216
6- شرح الأخبار 2: 201، مناقب آل أبي طالب 1: 312 الصراط المستقيم 2 : 10، بحار الأنوار 40: 149 ، تاریخ دمشق 42: 384 میزان الاعتدال 2: 337 الجامع الصغير 2: 559/177
7- شرح الأخبار 1: 155/195 ، مناقب أمير المؤمنين الله للكوفي 1: 335 262 ، الصراط : المستقيم 2: 30 نظم درر السمطين ،98 شواهد التنزيل 1: 515/488 ، تاریخ دمشق 42: 56
8- انظره بتفاوت يسير في الخصال: 337 ، الإمامة والتبصرة ،151 الإرشاد للشيخ المفيد 1: 38، بحار الأنوار 31: 31 38 ،16/10، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 173 تاریخ دمشق 42: 58 كنز العمّال 11: 32994/617

11 - «إِنَّ أَقْضَى أُمَّتِي عَلِيُّ بن أبي طالب»(1)، و«أقضاكُمْ عَلِيٌّ»(2)، و«أَقْضاهُمْ عَلِيٌّ».(3)

12 - «يا عَلِيّ ! أَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِن بَعْدِي».(4)

13 - «سَلِّمُوا على أَخِي ووارِثِي وَخَلِيفَتي في قَوْمِي وَوَلِيُّ كُلِّ مَؤْمِنٍ مِنْ « بَعْدِي، سَلِّمُوا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وأَنَّهُ وَلِيُّ كُلِّ مَنْ سَكَنَ الأَرْضَ إِلى يَوْمِ العَرْضِ ، ولَوْ قَدَّمْتُمُوهُ لأَخْرَجَتْ لَكُمْ الأَرْضُ بَرَكَاتِهَا، فَإِنَّهُ أَكْرَمُ مَنْ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِها».(5)

14 - «مَنْ أَرَادَ فَيْكُمْ النَّجَاةَ بَعْدِي والسَّلامَةَ مِنَ الفِتَنِ فَلْيَتَمَسَّك بولايةِ عَلِيّ ابن أبي طالب، فإنّه الصَّديقُ الأكْبَرُ ، والفَارُوقُ الأعْظَمُ ، وهو إمامُ كُلِّ مُسْلم بَعْدِي مَنِ اقْتَدَىٰ بِهِ في الدُّنيا وَرَدَ عَلى حَوْضِي، ومَنْ خَالَفَهُ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَرَنِي».(6)

15 - «أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم؟»، ثلاث مرّات.

قالوا: نَعَمْ .

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ».(7)

ص: 244


1- انظره بتفاوت يسير في الأمالي للشيخ الصدوق : 642 / 870، ذخائر العقبي : 83، بحار الأنوار 40: 277 ، المناقب للخوارزمي: 81 ينابيع المودة 1: 225
2- دعائم الإسلام 1: 92 شرح الأخبار 1: 6/90 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 18 تفسير القرطبي 15: 162 تاریخ دمشق :300:51
3- بحار الأنوار 40: 193 ، إحقاق الحق 15: 369 ، الغدير 3: 100 ، الاستيعاب 3 : 1102
4- العمدة لابن البطريق : 184 ، ذخائر العقبى : 87 بحار الأنوار 29: 82 المستدرك للحاكم النيسابوري 3: 133 ، مسند أبي داود الطيالسي : 360
5- عن أبي ذر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن نُسلّم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقال: «سَلّموا على أخي ...»انظره في الفضائل لابن شاذان : 133، بحار الأنوار 28: 127
6- انظر : مائة منقبة : 45 الأربعين للشيرازي: 46 ، الدر النظيم : 320
7- بداية الحديث هكذا عن عامر بن وائلة أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله مكة بین والمدينة عند شجرات خميس ،عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات ، ثم راح رسول الله عشية فصلّى، ثمّ قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ، وذكّر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول، ثمّ قال: «أَيُّها الناس! إنّى تاركٌ فِيكُم أَمْرين لَنْ تَضِلُّوا إن اتَّبَعْتُمُوهُما، وهما: كِتابُ الله ، وأهل بيتي عترتي ...». هذا من الأحاديث المتواترة التي لا يختلف عليه اثنان من المسلمين، ومصادره وألفاظه و أسانيده كثيرة ومتفاوتة لكنها بمعنى واحد انظر على سبيل المثال لا الحصر: بصائر الدرجات : 97 ذيل ح5 ، قرب الإسناد : 57 / 186 ، الكافي 4: 3/149، مسند أحمد 1: 84، سنن ابن ماجة 1: 121/45 ، المستدرك للحاكم النيسابوري 3: 109

16 - «عَلِيٌّ مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ عَلِي ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوْضَ يَوْمَ القِيامَة».(1)

17 - «عَلِيٌّ مَعَ القُرآنِ والقُرآنُ مَعَ عَلِيٌّ ، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوْضَ».(2)

18 - «وَصِييَ وَمَوْضِعُ سِرِّي وَخَيْرُ مَنْ أُخْلِفُهُ بَعْدِي : عَلِيَّ بن أبي طالب».(3)

19 - «أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِيٌّ بابها ، فَمَنْ أَرَادَ المَدِينَةَ فَلْيَأْتِ البَابَ».(4)

20 - «أَنَا دَارُ الحِكْمَةِ وعَلِيٌّ بابها ، فَمَنْ أَرَادَ الحِكْمَةَ فَلْيَأتِ البابَ».(5)

ص: 245


1- انظره في : الخصال: 496 ، الأربعين للشيرازي: 94 ، تاريخ بغداد 14: 322، تاریخ دمشق 42: 449
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 460 ، الطرائف: 152/103 ، الصراط المستقيم 3: 163، المستدرك للحاكم 3: 124 ، الجامع الصغير للسيوطي 2: 5594/177 كنز العمّال 11: 603 / 32912
3- انظره بتفاوت يسير في مناقب أمير المؤمنين الكوفي :1 : 385 ذيل ح 302 ، الأربعين : للشيرازي: 49 ، بحار الأنوار 38: 12 میزان الاعتدال 1: 635 ، كنز العمال 11: 32952/610
4- العمدة لابن البطريق : 301 ، الفضائل لابن شاذان 96 ، بحار الانوار 40: 87 ، المستدرك للحاكم 3: 126 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7: 219
5- تفسير الإمام العسكري الله : 497 ، العمدة لابن البطريق : 295، بحار الأنوار 17: 419، تاریخ بغداد 11: 204 ، وفيه مدينة بدل دار

21 - «أَنَا المُنْذِرُ وعَلِى الهَادِي وبِكَ يا عليّ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ مِنْ بَعْدِي».(1)

22 - «أَنَا وعَلِيٌّ حُجَّةُ اللهِ علَى عِبَادِهِ».(2)

23 - «عَلِيٌّ رايَةُ الهُدى، ومَنَارُ ،الإيمان، وإمامُ أَوْلِيائي، ونُورُ جَميع مَنْ أَطَاعَنِي».(3)

24 - «أَنَا سَيّدُ النَّبيِّينَ وعَلِيُّ بن أبي طالب سَيّدُ الوَصِيِّينَ، وَإِنَّ أَوْصِيائي بَعْدِي اثنا عَشَر أَوَّلُهُم عَلِيٌّ بن أبي طالب وآخِرُهُم المَهْدِي».(4)

25 - «سُدُّوا أَبْوَابَ المَسْجِد كُلَّها إلا بابَ عَلِيٌّ».(5)

26 - «أَنْتَ سَيِّدٌ في الدُّنيا وسَيْدٌ في الآخِرَةِ، مَنْ أَحَبَّكَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَكَ فَقَدْ أَبْغَضَنِى».(6)

27 - «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَسَّكَ بدِيْنِي، ويَرْكَبَ سَفِيْنَةَ النَّجَاةِ بَعْدِي فَلْيَقْتَدِ بِعَلِيٍّ بن أبي طالب، وليُعَادِ عَدُوَّه وليُوالِ وَليَّه ، فإِنَّه وَصِيّى وخَلِيْفَتِي عَلَى أُمَّتي في حَياتِي وبَعْدَ وَفاتِي، وهُوَ إمامُ كُلِّ مُسْلم وأَمِيرُ كُلِّ مُؤمِن بَعْدِي ، قَوْلُهُ قَوْلِى ، وأَمْرُهُ أَمْرِي ونَهْيُهُ نَهْيِي ، وتَابِعُهُ تَابِعِي، وناصِرُهُ ناصِرِي،

ص: 246


1- شرح الأخبار 2: 701/350، الصراط المستقيم 2: 10، بحار الأنوار 23: 2 ، نظم درر السمطين : 90 ، كنز العمّال 33012/620:11
2- مناقب آل أبي طالب 2: 292 ، الأربعين للشيرازي: 310، بحار الأنوار 38: 98/138 ، تاريخ دمشق 42: ،309 میزان الاعتدال 3: 5649/76
3- مناقب آل أبي طالب 2: 297 ، الصراط المستقيم 2: 23، بحار الأنوار 40: 80 - 81 ، تاريخ بغداد 14: 102 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 168 ، نظم درر السمطين: 114
4- مناقب آل أبي طالب 2: 37، بحار الأنوار 39: 27 ، النزاع والتخاصم: 117، تاريخ دمشق 18 : 58
5- عيون أخبار الرضاء 2: 66 ، ينابيع المودة 3: 296
6- الأمالي للشيخ الطوسي : 623/309، مناقب آل أبي طالب 2: 217، بحار الأنوار 39: 76/286 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 171 ، نظم درر السمطين: 101

وخَاذِلُهُ خَاذِلِي. مَنْ فَارَقَ عَلِيّاً بَعْدِي لَمْ يَرَني وَلَمْ أَرَهُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَنْ خَالَفَ عَلِيّاً حَرَّمَ اللهُ عليهِ الجَنَّة وجَعَلَ مَأواهُ النَّارَ ، ومَنْ خَذَلَ عَلِيّاً خَذَلَهُ اللهُ يَوْمَ يُعْرضُ عَلَيه ، ومَنْ نَصَرَ عَلِيّاً نَصَرَهُ اللهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ ولَقَّنَهُ حُجَّتَه عِنْدَ مَسْأَلَةِ القَبْر.(1)

28 - «عَلَيْكُم بِعَلِيٍّ بن أبي طالب، فإنَّه مَوْلاكُم فَأَحِبُّوهُ ، وكَبِيرُكُم فَأَكْرِمُوه، وعَالِمُكُمْ فَاتَّبِعُوهُ، وقَائِدِكُمْ إِلَى الجَنَّةِ فَعَزِّرُوهُ، إذا دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ ، وإذا أَمرَكُمْ فَأَطِيعُوهُ ، أَحِبُّوهُ بِحُبِّي، وأَكْرِمُوهُ بِكَرامَتِي، ما قُلْتُ لَكُمْ في عَلِيٌّ إِلَّا ما أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي جَلَّتْ عَظَمَتُهُ».(2)

29 - «أَلَا تَرْضَى يا عَلِى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَىٰ إِلَّا أَنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي».(3)

30 - «فَضْلُ عَليٍّ على سائر الخلق كَفَضْلِ جبرئيل على سائر الملائكة».(4)

31 - «كُنْتُ أَنَّا وعَلِيٌّ نُوراً يُسَبِّحُ الله ويُقَدِّسُهُ قَبْلَ أَن يُخْلَقَ آدم بأربعةِ ألف عامٍ.»(5)

32 - «عَلِيٌّ مِنِّي مِثْلُ رأْسِي مِنْ بَدَنِي».(6)

ص: 247


1- كمال الدين وتمام النعمة: 6/260 ، بحار الأنوار 36 70/254، فرائد السمطين 1: 19/54
2- مائة منقبة : 61 - 62 ، الأربعين للشيرازي: 80، بحار الأنوار 38: 126/152، المناقب للخوارزمي : 316/316
3- بشارة المصطفى: 381 - 26/382 ، بحار الأنوار 37: 267 ، السنة لعمرو بن عاصم 586/ 1332 ، تاریخ دمشق 2: 31، 42: 159 سير أعلام النبلاء 12: 214
4- إحقاق الحق 5: 255 وانظره بتفاوت في الصراط المستقيم 2: 69 ، الأربعين للشيرازي : 457
5- أعيان الشيعة 5: 193 ، إحقاق الحق 5: 245 میزان الاعتدال 1: 507
6- مناقب آل أبي طالب 2: 58 العمدة لابن البطريق : 491/296 ، الصراط المستقيم 1: 252، بحار الأنوار 38: 327، المناقب للخوارزمي : 167/144 ، ينابيع المودة 1: 6/167

33 - «عَلِيٌّ مِنِّي وأَنَا مَنْ عَلِيٍّ، ولا يُؤدِّي عَنِّى إِلا أَنا أو عَلِيّ».(1)

34 - «يا فاطمة تَرْضَينَ أنَّ الله عزوجل اطَّلَعَ إلى الأرضِ فاختارَ رَجُلَيْن : أحدهما أَبُوكِ والآخر بَعْلُكِ؟!».(2)

35 - « إِن تَسْتَخْلِفُوا عَلِيّاً - ومَا أَرَاكُم فَاعِلِينَ - تَجدُوهُ هادِياً مَهْدِيَاً يَحْمِلُكُم على المَحَجَّةِ البَيْضاء».(3)

36 - «مَنْ نَاصَبَ عَلِيّاً الخِلافَةَ بَعْدِي فَهُوَ كَافِرٌ ، وقَدْ حَارَبَ اللهَ ورسوله، ومَنْ شَكَ في عليَّ فَهْوَ كَافِرٌ».(4)العمدة لابن البطريق : 111/91 ، الأربعين للشيرازي: 53 ، بحار الأنوار 38: 128/155، المناقب لابن المغازلي : 68/46(5)

37 - «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا ولَهُ نَظِيرٌ ، وعَلِيٌّ نَظيري».(6)

38 - «مَنْ أذى عَلِيّاً فَقَدْ آذانِى».(7)

39 - «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطاعَ اللَّه ، ومَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله ومَنْ أَطَاعَ عَلِيّاً فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى عَلِيّاً فَقَدْ عَصَانِي».(8)

ص: 248


1- مناقب أمير المؤمنين للكوفي 1: 391/485 ، الأمالي للشيخ المفيد: 56 ، العمدة لابن : البطريق : 299/198 ، سنن ابن ماجة 1: 119/44 ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 8147/45، كنز العمّال 11: 32913/603
2- انظره بتفاوت يسير في : الخصال: 16/412 ، شرح الأخبار 1: 43/118 ، العمدة لابن البطريق : 423/267 ، المستدرك للحاكم 3: 129 ، تاریخ بغداد 4: 418
3- مناقب آل أبي طالب 2: 280 ، بحار الأنوار 35: 398، كنز العمال 11: 33072/630
4-
5-
6- ذخائر العقبى : 64 ، الغدير 3: 23 ، ينابيع المودة 2: 430/154
7- مناقب أمير المؤمنين للكوفي 1 : 498/548 ، تحف العقول: 459، بحار الأنوار 5: 69، المستدرك للحاكم النيسابوري 3: 122 ، كنز العمال 11: 32901/601
8- انظره بتفاوت في معاني الأخبار : 372 مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2 : 980/481، بحار الأنوار 22: 478 ، المستدرك للحاكم 3: 121 تاريخ دمشق 42: 306 - 307 بتفاوت، كنز العمال 32973/614:11

40 - «إِنَّ اللهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكَ ويَرْضَى لِرِضَاكَ».(1)

مَنْ لديه الكفاءة لخلافة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم؟

بالاحتكام إلى العقل، فإنّ الذي لديه الكفاءة لخلافة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو الذي يكون أفضل فردٍ من جميع النواحي العلمية والمعنوية.

إذن بالنظر إلى هذه الروايات وسائر الأدلة الأخرى بكفاءة علي بن أبي طالب علیه السلام بإمامة وقيادة الأمة - فإنّ أهل السنّة ليس لديهم حيلة إلا أن يقبلوا بخلافة أمير المؤمنين علیه السلام بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، حتى وإنّهم يعرفون الخلافة بأنّها منتخبة من قبل الناس، أو تنصيب واختيار من قبل الله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم.

لو فرضنا أنّ الخلافة تنتخب من الناس، فإنّ الناس الذين لهم حق الانتخاب من أهل الحل والعقد على قسمين: إما أن يكونوا عقلاء وعلماء وأهل خبرة وإمّا غير عقلاء وجهلاء.

فإذا كانوا غير عقلاء وجهلاء، فنحن ليس لدينا كلام معهم.

وأمّا إذا كانوا عقلاء، فأين العقل من تهميش على بن أبي طالب، الذي هو بنص رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و وجميع الصحابة بأنّه أفضل وأليق فرد بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وإعطاء الرأي لشخص هو من ناحية الكمال والفضيلة والعلم يكون في آخر الناس؟!

هل أنّ الشخص العاقل يترك الفرد الأفضل والأليق والمتخصص في أُمور الدين وقيادة الأُمّة الإسلامية، ويذهب إلى الشخص الغير لائق والغير متخصص بالأمور ؟!

ص: 249


1- ذخائر العقبى : 39 الصراط المستقيم 1 : 171 ، بحار الأنوار 30: 353، المستدرك للحاكم 154:3 ، مجمع الزوائد 9: 203 كنز العمّال 13: 27725/674

أسرار فضائل فاطمة علي

إنَّ الذين كان لهم الدور الفعّال في انتخاب الخليفة ما الذي كانوا يحملون من فكر؟ وعلى ماذا كانوا يبحثون ؟ حتى أعرضوا عن الأفضل، ومالوا نحو

شخص اعتلى منبر رسول الله في مسجده ونادى بأعلى صوته:

أقيلونى، أقيلوني، أقيلوني، لَسْتُ بِخَيْرِكُم، وعَلِيٌّ فيكم.(1)

إنّ الذي يعترف بعدم كفاءته ويقول بلسانه:

ألا وإن لي شيطاناً يعتريني فإذا أتاني فاجتنبوني.(2)

هل من المعقول أن تترك زمام أمور الدين والدنيا إلى مثل هذا الشخص؟

هو الذي عندما غضب مجموعة من الناس واعترضوا عليه قام خطيباً.

ص: 250


1- روى هذا القول عن أبي بكر الشيعة والسنة في موارد مختلفة، رواه الشيعة بصورة كاملة من دون نقص، لكن أهل السنّة حذفوا منه بعض العبارات وغيّروها . روي في بحار الأنوار 10: 27 - 28 كما في المتن. وأمّا في المصادر السنّية: فإنَّ ابن أبي الحديد المعتزلي رواه هكذا: أما بعد، فإنّي وليتكم ولست بخيركم ... إذا أحسنت فأعينوني ، وإذا زغت فقوموني شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 55 - 56 . وأورده محمد بن جرير الطبري بهذه الصورة فإنّي قد وليت عليكم ولستُ بخيركم، فإنّ أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. تاريخ الطبري 2 : 450 ، وكذلك رواه بهذا الشكل ابن الأثير في الكامل في التاريخ 2: 15 . وذكره ابن قتيبة هكذا لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي الإمامة والسياسة 20:1. ونقله المتقي الهندي بهذه الصورة: يا أيها الناس... إني لست بخيركم فبايعوا خيركم... يا يها الناس... إن لي شيطاناً يحضرني، فإذا رأيتموني قد غضبت فاجتنبوني كنز العمال 5: 631 . ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد 5: 183 ، والطبراني أيضاً بهذه العبارات في المعجم الاوسط 8: 267
2- كما في : تاريخ الطبري حوادث سنة 11 ه سقيفة بني ساعدة - 2: 460 بتفاوت، الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 212 ، الإمامة والسياسة 1: 34 مجمع الزوائد 5 : 183 ، تاریخ دمشق 30: 303 كنز العمال 5 : 631

يقول : إِنَّ بَيْعَتي كانت فَلْتَةً وَقَى اللَّه شَرَّها ... ولقد قلَّدتُ أمراً عظيماً ما لي به طاقةٌ ولا يَدانِ، وَلَوَدَدْتُ أن أقوى عَليه مكاني.(1)

ليس هذا الكلام فقط الذي ظهر منه، بل أعجب من ذلك قاله صاحبه بعد أن حاك له خيوط مؤامرة الخلافة؛ حتى يجلس بعده في مكانه، فبعد وف--اة أبي بكر وتربّعه على الخلافة قال :

إِنْ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً وَقَى اللهُ شَرَّها ، فَمَنْ عَادَ إِلَىٰ مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ.(2)

والمصيبة أنّ أبا بكر الذي يعترف بأنّ بيعته كانت فلتة وبلا مشورة وأيّده ،رفيقه، وهدد من يَقْدِم على مثلها بالقتل ؛ ففي اللحظات الأخيرة من عمره أحضر عثمان ، فأمره أن يكتب عهداً وقال: اكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، ثُمّ أُغمي عليه، وكتب عثمان قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، وأفاق أبو بكر فقال: اقرأ، فقرأه، فكبّر أبو بكر وسُرَّ ، وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن متّ في غشيتي !

فقال: نعم.

قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله، ثمّ أتم العهد، وأمر أن يُقرأ على الناس، فقرئ عليهم.(3)

بعد أن نأخذ عهد أبي بكر بعين الاعتبار، ينبغي أن نسأل أهل السنّة،

ص: 251


1- السقيفة وفدك للجوهري : 47 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 50
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 26 الغدير 5: 370 ، أورده من مصادر مختلفة من كتب العامة
3- تاريخ الطبري - حوادث سنة 13 ه- 2 : 618 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 165

ونقول : إذا لم يُعيّن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، خليفة ، فلماذا لم يتبعه أبو بكر؟ أليس الله تعالى يقول في القرآن الكريم :

«لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ».(1)

ألم يجعل الله تعالى دلیل محبته هو اتباع رسوله صلی الله علیه و آله وسلم؟ حيث يقول سبحانه : «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي».(2)

لو قالوا: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عيّن خليفةً بعده.

قلنا : لماذا تركوا خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وعيّنوا خليفةً لهم؟!

ليس اعتباطاً أن يستعرض أمير المؤمنين علیه السلام مؤامرة الشخصين الذين دبّرا مؤامرة إبعاده عن تسلم زمام الخلافة، بكلام يدلّ على اعتراضه ، حيث يقول علیه السلام فَيَا عَجَبَاً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها فى حياتِهِ إِذْ عَقَدَها لَآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ ما تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا».(3)

كلّ ذلك نتيجة الأعمال الخاطئة واتباع هوى النفس، عندما اجتمعوا في سقيفة ساعدة، وعيّنوا خليفةً لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا يوجد أي دليل عقلى على ذلك، ونحن بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام تسير خلف ذلك الانتخاب الخاطئ ؟!

وإذا كانت الخلافة والإمامة بتنصيب من الله تعالى واختياره الذي يؤيّده العقل وكتاب الله (4) - ورسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عدة مرات، وفي عدة مناسبات عرّف أمير المؤمنين

ص: 252


1- سورة الأحزاب 33: 21
2- سورة آل عمران 3: 31
3- نهج البلاغة الخطبة الثالثة، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 162 ، الإرشاد للشيخ المفيد 1 : 288 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 373 الاحتجاج 1: 283 ، مناقب آل أبي طالب 2: 48 النص والاجتهاد للسيد شرف الدين: 25 الغدير 9: 381
4- إِنَّ خلاصة حكم العقل في حق انتخاب رسول الله هو الإمام هو من عند الله تعالى، وهو هكذا: الإمام : هو الشخص اللائق لمقام ومنزلة الخلافة ،والإمامة ، وباطنه لا يعلمه إلا الله تعالى، فالله تعالى الذي يعلم باطن الإنسان وعلى علم بكل خفاياه الباطنية، فهو الذي يجب عليه ينتخب للناس إماماً؛ لأنّ الشخص الذي يُعيّن لمنصب الإمامة ، لو لم يكن كفوة لهذا المقام ومن الناحية العلمية والأخلاقية والعملية، والاجتماعية، والسياسية - التي هي واجبة للقيادة الإلهية - خالٍ من هذه الصفات؛ لا يستطيع أن يؤمن للناس احتياجات الدين والدنيا، ولا يستطيع أن يهدي الناس إلى طريق الخير للدنيا والآخرة. بلا شك لا أحد يعلم باطن الإنسان إلا الله سبحانه ؛ لأنّ علم الغيب مختص بذاته، ومن بعده لئك الذين انتخبهم هو واختارهم لتبليغ رسالاته وهم الأنبياء أو أوصياؤهم بمراتبهم المختلفة أطلعهم على علم الغيب ، كما أوضح ذلك في القرآن الكريم. هل يقبل أي عاقل وحكيم بأن يتسلّط أحدٌ على زمامٍ أُمور الأمة الإسلامية ، ويتحكم بالنفس والمال والشرف وشؤون الدين والدنيا، وهو لا يعلم فساد وصلاح الباطن، سوى المعروف منه بالظاهر، وحقيقة الباطن لا أحد يُخبر بها ؟! فكلّ عاقل لديه إيمان يحكم بأنّ انتخاب خليفة رسول الله ، وقدوة البشر بعده يكون من الله تعالى، الذي يُعطيه بعد ذلك الانتخاب مقام الإمامة، ويمكنه من العلم والشجاعة ،والعصمة والطهارة، والقدرة على إظهار المعجزات ، ويُعرّفه للناس بواسطة نبيه. آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين حق انتخاب خليفة رسول الله والإمام هو الله تعالى، تلك الآيات التي سَلَبَ الله فيها الاختيار من عباده وجعله له وحده، حيث يقول سبحانه: 1 - «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ». سورة القصص 28 : 8 أو في مورد آخر يقول سبحانه: 2 - «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينًا». سورة الأحزاب 33: 36 إنّ المراد من الاختيار في الآيتين وغيرهما من الآيات، الذي سُلب من الناس، ليس الاختيار الذاتي والفعلي التكويني؛ لأنّ هاذين الاختيارين نراهما في أنفسنا وفي الآخرين ونجد الناس كلهم في هذا العالم مختارين فهم يعملون ما يشاؤون من الأعمال أو يتركون. ولا شكّ أنّ سَلْبَ الاختيار الذاتي والاختيار الفعلي التكويني من الناس، هو من عقائد الجبرية وهي باطلة. بل المقصود من هذا الاختيار هو الاختيار الفعلي التشريعي، يعني: إن العباد ليس لهم حق الاختيار في قبال حكم الله ورسوله ، ولا يستطيع أحدٌ أن يضع قانوناً مقابل حكم الله ورسوله . بالاستناد إلى الآية الثانية، فإن إحدى المسائل المهمّة - أنّ الاختيار بيد الله ورسوله، والناس لا يمكن لهم أن يختاروا هي مسألة الخلافة والإمامة بعد رسول الله ، فلقد أبلغها النبي الله من بداية بعثته إلى آخر لحظات عمره الشريف في مناسبات متعددة، وأسمعها آذان الناس، وكلّ من يُخالف هذا الأمر يُبتلى بالانحراف عن جادة الصواب. فالله تعالى صرّح وفي آياتٍ أُخرى بأن اختيار الخليفة والإمام من عنده تعالى، حيث يقول : 3- «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ». سورة الأنبياء 21: 73. 4 - «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ». سورة السجدة 32: 24 . 5 - «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ». سورة البقرة 2: 124 ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تدلّ على هذا الأمر، ورعاية للاختصار لم نذكرها كلها، ومن رام المزيد فليرجع إلى المصادر التي تتناول هذا الموضوع مفصلاً.

ص: 253

عليّ بن أبي طالب علیه السلام وصيّه وخليفته من بعده (1) ، فلماذا العزوف عنه والسعي خلف هوى النفس وشهواتها ؟!

عظمة الزهراء سلام الله علیها في زوجيتها لأمير المؤمنين علیه السلام

بعد الأخذ بنظر الاعتبار المقامات العظيمة لأمير المؤمنين علیه السلام، التي أشارت إلى ركن صغير منها الروايات السابقة تتضح عظمة فاطمة الزهراء سلام الله علیها، والمقام الأسنى لتلك السيدة العظيمة، فأمير المؤمنين علیه السلام مع كل الفضائل

ص: 254


1- إن التعريف بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب الله كأفضل شخص بعد النبي ، وخليفة رسول الله ، في أربعين حديثاً عن لسان رسول الله ، قد وردت في مصادر العامة والخاصة، مرّة أخرى ندعوا لملاحظة تلك الأحاديث مع قراءتها بدقة والتأمل في مضامينها

والكمالات التي يمتاز بها ، ويُعرفه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أفضل رجل في أُمته؛ لم يختار زوجة له غير فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، والرسول أيضاً بأمر الله تعالى اختاره زوجاً لابنته.

نعم ، فهي المرأة الوحيدة التي لها الكفاءة بأن تصبح زوجةً لأمير المؤمنين علیه السلام، وأُمّاً للأبناء المعصومين الطاهرين والرجل الوحيد الذي له الكفاءة والمثليّة يصبح زوجاً للزهراء سلام الله علیها هو أمير المؤمنين علیه السلام.

فرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عندما يُعرِّفها في هذه الرواية - بأنّها أفضل النساء، فهذا التعريف هو بلحاظ أنّ أمير المؤمنين علیه السلام أفضل الرجال فزوجته أيضاً يجب أن تكون أفضل نساء العالم.

فمن الواضح أن نتيجة مثل هذا الوصال هو أبناؤهما، فيكونون سادة وقادة شباب أهل الجنّة، بل أئمة وقادة لكل الناس والأبناء المعصومون من نسلهما

يورثون الإمامة والقيادة للناس إلى يوم الخلود.

ص: 255

ص: 256

الفضيلة الثانية والعشرون : أمير المؤمنين علیه السلام كفؤ فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن أبي عبدالله علیه السلام قال :

«لَوْلا أَنَّ الله تعالى خَلَقَ أَمير المؤمنينَ لَمْ يَكُنْ لِفَاطَمَةَ الكُفْو على وَجْهِ الأرضِ آدم فَمَنْ دُونَه».(1)

وروي هذا الحديث الشريف بعنوان حديث قدسي عن الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.(2)

نعم، حديث الكفؤ ومِثْلِيَّة أمير المؤمنين علیه السلام مع فاطمة الزهراء سلام الله علیها، إحدى

أكبر فضائل سيّدة الخلق، والذي يعترف به العدو والصديق.

ص: 257


1- انظره بتفاوت يسير في الأمالي للشيخ الصدوق : 945/688، من لا يحضره الفقيه 3: 4383/393 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 43، تهذيب الأحكام 7: 1882/470، مناقب آل أبي طالب 2: 29 الفصول المهمة للحرّ العاملي 1: 407 - 552/408 ، بحار الأنوار 43: 107
2- - عن رسول الله أنه قال : ولولا عليّ لما كانَ لفاطمة كفؤ على وجه الأرضِ آدمُ فَمَنْ دُونَهُ. دلائل الإمامة : 52/146 ، بحار الأنوار 81: 37/12 2 - حديث قدسي: «لَوْ لَمْ أَخْلُق علياً لما كانَ لفاطمة ابنتك كفو على وجهِ الأَرضِ آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ. عيون أخبار الرضا 3/203:2، بحار الأنوار 43: 3/92.

لو أردنا أن نشرح هذا الحديث بصورة مفصلة، لكان علينا أن نؤلّف فيه كتاباً، لكن نكتفي بما تطلبه منا هذه المجموعة من الفضائل.

مراعاة الكفؤ في الحياة المشتركة

إن إحدى شروط الزواج السليم والصحيح في الإسلام، هو أن يكون الرجل والمرأة يفهم أحدهما الآخر، وأن يكونا متوافقين في العقيدة، والأخلاق، والعمل وأن يكون لديهما من الناحية المعنوية والكمالات النفسانية مساواة ولو نسبية. ولو أن أي واحدٍ منهما بالنسبة للآخر كان في هذه الأمور أقل امتيازاً أو أكثر من الآخر، يقع في أصل حياتهما المشتركة - المبنية على الحبّ والمودّة، والمبتدئة على أساس الهدوء والسكينة (1) - خلل واضطراب،

وتتعرّض حياتهما الجميلة للخطر.

لذلك عرَّف القرآن الكريم أن الزاني هو كفؤ للزانية، والمرأة المشركة للرجل المشرك ، كما حرم الله تعالى زواج المؤمنين من المشركين بقوله تعالى : «الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكُ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ».(2)

وفي آية أُخرى يأمر الله سبحانه بعدم الزواج من النساء المشركات إلا أن يؤمِنَّ ويديننَّ بالدين الإسلامي الحنيف، وعدم زواج فتياتكم من الرجال المشركين إلا أن يؤمنوا ويسلموا، حيث يقول تعالى:

«وَ لَا تَنكِحُوا الْمَشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ

ص: 258


1- مضمون الآية 21 من سورة الروم ،30 وهي قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً»
2- سورة النور 24: 3

أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدُ مُّؤْمِنُ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِك وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ».(1) إن من تعليمات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو أن يكون الرجل المؤمن كفؤ للمرأة المؤمنة، والمسلم كفؤ للمسلمة، حيث يقول:

«المُؤمِنُ كُفْو للمؤمنةِ ، والمُسْلِمُ كُفْوٌ للمُسْلِمَةِ».(2)

في حديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و نكتة ، لطيفة، وهي أنّه عرَّف المسلم كفؤ المسلمة ، والمؤمن كفؤ المؤمنة بمعنى: إن هناك فرق بين الإسلام والإيمان يجب أن يراعى.

يقول الله تعالى - فى الفرق بين الإيمان والإسلام -:

«قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ».(3)

يستفاد من هذا النوع من الآيات وأسلوب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : بأن الأصل المهم في الزواج الذي يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار هو الإيمان والتقوى، ومعرفة ومحبّة أهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، والكمالات النفسانية والصفات الروحية، والتي ينبغي أن تتوفر بين الرجل والمرأة بشكل نسبي .

من هو مَثَلُ فاطمة سلام الله علیها؟

والآن يجب أن نرى من هو الذي لديه الكفاءة بأن يكون زوجاً للزهراء سلام الله علیها؟! الزهراء التي هي سيّدة نساء العالم، وسيدة نساء أهل الجنة.

ص: 259


1- سورة البقرة 2: 221
2- الكافي 5 : 341 ضمن الحديث ،1، وسائل الشيعة 20 : 68 ضمن الحديث 25055
3- سورة الحجرات 49: 14

فاطمة التي هي أوّل من يدخل الجنة بعد أبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

السيّدة التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها .

المَلِكَةُ التي لو لم تكن لم يَخْلُق الله تعالى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولا أمير المؤمنين علیه السلام.

المرأة الفريدة التى محبتها ومعرفتها شرط لتكامل الأنبياء.

الصدِّيقة الكبرى التي توسّل بها الأنبياء ونجوا من البلايا والمصائب، وخُلدوا، وبشفاعتها وشفاعة أبنائها يُنجي الله تعالى شيعتها ومحبيها من نار جهنّم .

بكلمة قصيرة: البنت الطاهرة التي من نسلها أحد عشر معصوماً علیهم السلام الذين هم قادة البشرية، بل قادة كل نظام التكوين.

هل إن غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام الكفاءة بأن يصبح زوجاً الفاطمة سلام الله علیها؟

هل أنّ غير تلك الذات المقدّسة، الذي هو ثاني شخص في عالم الوجود، وأمير كل المؤمنين بعد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ولا يصل أحد لتراب قدميه له كفاءة هذا المقام؟

لو قيل في هذا الحديث وأمثاله : إن أحد أنبياء الله العظام من آدم إلى الخاتم، حتى نوح، وإبراهيم، وموسى وعيسى علیهم السلام، الذين هم أنبياء أولي العزم لم يكونوا أكفاء لفاطمة سلام الله علیها حتى يمكن أن يكون أحدهم زوجاً لها ألم تُبيّن هذه العبارة شرف وأفضليّة سيّدة الخلق على كلّ أنبياء وأولياء الله ؟

يقول العالم الجليل المولى محمد صالح المازندراني في شرح أصول الكافي بعد نقله لهذا الحديث عن الإمام الصادق علیه السلام:

المقصود أنّ فاطمة سلام الله علیها أفضل من آدم فمن دونه مع قطع النظر عن حرمة النكاح أو حلّه ، فلا يرد أنها سلام الله علیها كانت حراماً على آدم علیه السلام.

وإذا كانت هي سلام الله علیها أفضل من الرجال، كانت أفضل من النساء أيضاً، وقد

ص: 260

رويت فى ذلك أخبار من طريق العامة والخاصة.(1)

إضافة إلى أن انحصار الكفاءة والمثلية لها سلام الله علیها بأمير المؤمنين عليّ علیه السلام المستفاد هذه الرواية؛ كافٍ لإثبات أفضليّة سيّدة نساء الوجود على كلّ أنبياء وأولياء الله علیهم السلام؛ لأنّ لدينا أدلّة قطعيّة ومتواترة بأنّ أمير المؤمنين علیه السلام أفضل من كلّ أنبياء وأولياء الله علیهم السلام، وواجد لجميع كمالات الأنبياء علیهم السلام مع إضافة أنه علیه السلام وصيّ وخليفة خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم ونفس رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بشهادة آية المباهلة(2) وصاحب الولاية الكبرى بشهادة آية الولاية(3) فكما أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أفضل من جميعالأنبياء والأوصياء فكذلك نفسه وخليفته ومن يكون بمنزلته من بعده.

وبهذا الدليل كان كل الأنبياء علیهم السلام مأمورين بولايته وأن يدعوا أممهم بقبول ولايته، بل أنّ كل الأنبياء علیهم السلام توسلوا بأمير المؤمنين علیه السلام لحل مشاكلهم، وكان وجوده المقدَّس بنوره الحلال لمشاكلهم.

فعندما يكون أمير المؤمنين علیه السلام مثل هذا المقام ، فزوجته أيضاً مَثَلُهُ ولها مثل هذه المقامات والكمالات ؛ وبالنتيجة فهما أفضل من جميع الأنبياء علیهم السلام.

من أجل البحث في جهات كفاءة الزهراء سلام الله علیها الأمير المؤمنين علیه السلام، يجب أن تُمْعِنَ النظر في الروايات الواردة في أبواب الزهد والتقوى، والعلم والحلم، والطهارة والعبادة والكرم والسخاء والشهامة والشجاعة والسيادة والشفاعة والولاية والمعرفة، والمحبة والمودة والبراءة والعداوة، والمعجزات والكرامات والميثاق ،والنور والإيثار والشهادة وطينة وخلقة هذين النورين علیهما السلام، وبقية منازلهما ومقاماتهما وكمالاتهما الظاهرية والباطنية والتي لها

ص: 261


1- شرح أُصول الكافي 7: 222
2- «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا ... وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ...»سورة آل عمران 3: 61
3- «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... وَهُمْ رَاكِعُونَ» سورة المائدة 5 : 55

ارتباط بفضائلهما ؛ لكي يتسنّى لنا صدق هذا الكلام .

إضافة لكل ذلك فزواج النورين كان بأمر مباشر من الله تعالى والذي أُقيمت المراسيم الخاصة لذلك الزواج في عالم المُلك والملكوت ونزول الملائكة في ليلة زفاف الزهراء لأمير المؤمنين علیه السلام؛ هو دليل على عدم وجود مثل هذا الزواج في نظام الخلق ، والمقام العالي لهما، وامتيازهما على الآخرين. ومن أجل الاطلاع أكثر على زواج الزهراء سلام الله علیها من أمير المؤمنين علیه السلام، اقرأ الأحاديث التي سنذكرها في الصفحات الآتية من الكتاب بدقة.

ص: 262

الفضيلة الثالثة والعشرون : زواج الزهراء من أمير المؤمنين علیهما السلام في السماء

اشارة

عن ابن عباس قال: لَمّا أَنْ كانَتْ لَيْلَةُ زُفَّتْ فاطمة إلى علي بن أبي طالب علیهما السلام كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم قدامها، وجَبْرَئِيلُ عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مِنْ وَرائِها يُسَبِّحُونَ اللهَ ويُقدِّسُونَهُ حَتَّى طَلَعَ الفجر.(1)

الزواج الذي بعث النشاط والحيوية في الخلق

زواج فاطمة الزهراء سلا الله بأمير المؤمنين علیه السلام لم يكن زواجاً عادياً، بل كان بأمر مباشر من الله تعالى.

فلهذا الزواج المبارك درو خاص في مستقبل الإسلام، بل في نظام التكوين ؛ باعتبار أنّ الاثنين علیهما السلام لهما مكانة استثنائية، ويتميزان بامتيازات خاصة لا يملكها أحد. ومن جانبٍ آخر بعض المنافقين وأصحاب المال

ص: 263


1- انظره في روضة الواعظين: 147 ، مناقب آل أبي طالب :3 130 ، كشف الغمة 1 362، بحار الانوار 43: 32/124 ، عوالم العلوم 1/11 392 ، المجروحين لابن حبان 1: 205 تاریخ بغداد 5: 211 ، ذخائر العقبى : 32، ينابيع المودة للقندوزي 2: 366/129

والثروة في ذلك الوقت، والذين يطمعون بالرئاسة وزيادة الثروة، والمحسوبين من السابقين في الإسلام، كانوا يتمنون هذا الزواج، فبعض الأحيان يعرفون أنفسهم بأنّهم أصحاب ثروة ومال، والبعض الآخر يعرض نفسه للزواج بالاستفادة من موقعه الاجتماعي، والبعض الآخر يتفاخر بقبيلته، كلّ ذلك يضغطون به على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أجل الزواج من الزهراء سلام الله علیها.

فلذلك كان هذا الزواج بأمرٍ مباشر من الله تعالى، مصحوباً بالمعجزات الكثيرة ، والمراسم الخاصة التي أقيمت له في السماء والأرض؛ حتى يتحقق الهدف من الذي أشرنا إليه في الصفحات السابقة ، يعني : المِثْلِيَّة مع أمير المؤمنين علیه السلام، والأُمّ لأحد عشر معصوماً علیهم السلام، وحتى يُحفظ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أذى المنافقين له في هذا الموضوع، وأن يُسكت أفواه الطالبين لهذا الزواج ويدفع شرّهم.

عن أنس بن مالك، قال: ورد عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ! تزوجني فاطمة ابنتك، وقد بذلتُ لها من الصداق مائة ناقة سوداء، زرق العيون، محمّلة كلّها قباطي ،مصر، وعشرة آلاف دينار.

فقال عثمان بذلت لها ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً.

فغضب النبي صلى الله عليه و آله وسلم من مقالتهما، ثمّ تناول كفّاً من الحصى فَحَصَب به عبد الرحمن ، وقال له :

«إنَّكَ تَهولُ عَلَىَ بمالك؟!».

قال: فتحوّل الحصى درّاً، فقوّمت درةٌ من تلك الدرر، فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن

وهبط جبرئيل علیه السلام في تلك الساعة، فقال:

«يا أحمد إن الله تعالى يُقرؤكَ السلام، ويقول: قُمْ إلى عليِّ بن

ص: 264

أبي طالب ، فَإِنَّ مَثَلَهُ مَثَلُ الكَعْبَةِ يُحَجُّ إليها ولا تَحِجُّ إلى أحدٍ.

إن الله تعالى أمرنى أن آمُرَ رضوان خازن الجنّة أن يُزَيِّنَ الأربع جنان، وأمَرَ شجرة طوبى وسِدْرَة المنتهى أن تَحْمِلا الحُلِيِّ والحُلل، وأمَرَ الحور العين أن يتزيَنَّ ، وأن يَقِفْنَ تحتَ شجرة طوبى وسِدْرَة المنتهى، وأمَرَ مَلَكاً من الملائكة يقال له: راحيل، وليس في الملائكة أفصح منه لساناً، ولا أعذبُ منطقاً، ولا أحسن وجهاً أن يحضر إلى ساق العرش.

فلما حضرت الملائكة والمَلَك أجمعون أمرنى أن أنصُبَ منبراً من النور وأمَرَ راحيل أن يَرْقَى ذلك، فَخَطَبَ خُطبةً بليغةً من خُطب النكاح، وزوّج عليّاً فاطمة سلام الله علیها بخُمْسِ الدنيا لها ولولدِها إلى يوم القيامة، وكُنتُ أنا وميكائيل شاهدين، وكان ولّيها الله تعالى ذكره.

وأمَرَ شجرة طوبى وسِدْرَة المنتهى أن ينثرا ما فيهما من الحُلِيّ والحُلل والطِّيب، وأمَرَ الحور أن يَلْفِطنَ ذلك، وأن يَفْتَخِرنَ به إلى يوم القيامةِ .

وقَدْ أَمَرَكَ الله تعالى أن تزوّجه بفاطمة سلام الله علیها فى الأرض، وأن تقول لعثمان: أمَا سَمِعْتَ في القرآن:

بسم الله الرحمن الرحيم

«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»«بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَان».(1)

وأَمَا سَمِعْتَ في كتابي :

«وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَ صِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا»؟!».(2)

فلمّا سَمِعَ النبي صلی الله و آله وسلم كلام جبرئيل علیه السلام، وجَّهَ خَلْفَ عمّار بن ياسر وسلمان ،والعباس، فأحضرهم، ثم قال لعلي علیه السلام : «إن الله تعالى أَمَرَنِي أَنْ أُزَوْجَكَ»

ص: 265


1- سورة الرحمن 55: 19 - 20
2- سورة الفرقان 54:25

فقال: «يا رسول الله ! إنّي لا أَمْلِك إِلَّا سَيْفِي وفَرَسِي ووَدِرْعِي».

فقال له النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «اذْهَبْ فَبع الدرع».

فخرج عليٌّ علیه السلام فنادى على درعه فبلغت أربعمائة درهم ودينار.

قال: فاشتراها دحية بن خليفة الكلبي، وكان حَسَنَ الوجهِ، لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أحْسَنَ منه وجهاً .

قال : فلما أخذ عليٌّ علیه السلام الثمن، وتسلَّم دحية الدرع عطف دحية على عليٍّ، فقال : أسألك يا أبا الحسن أن تقبل منّي هذا الدرع هدية، ولا تخالفني في ذلك.

قال: فحمل الدرع والدراهم، وجاء بها إلى النبي ، ونحن جلوس بين يديه.

فقال له: «يا رسول الله ! إنّي بِعْتُ الدّرعَ بأربعمائةِ دِرْهَم ودينار، وقَدْ اشْتَرَهُ دحيّة الكلبي، وقَدْ أَقْسَمَ عَلَى أن أَقْبَلَ الدرع هديةً، فَأَيُّ شيءٍ تأمرُ، أَقْبَلُها أَمْ لا؟» .

فَتَبَسَّمَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وقال :

«لَيْسَ هُوَ دحية ، ولكنّه جبرئيل، وإنّ الدراهم من عِنْدَ اللهِ تعالى ؛ لتكون شرفاً وفخراً لابنتي فاطمة».

وزوَّجَهُ النبي صلى الله عليه و آله وسلم بها، ودخل بعد ثلاث.

قال : وخرج علينا علي علیه السلام ونحن في المسجد، إذ هَبَطَ الأمين جبرئيل ،وقد هَبَطَ بِأُترِجَةٍ (1) مِنَ الجَنَّة، فقال له :

«يا رسول الله ! إِنَّ الله يأمرُكَ بِدَفْع هذه الأترجة إلى عليّ بن أبي طالب، فدفعها النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلى علي علیه السلام.

ص: 266


1- الاُترِجَة : فاكهة صفراء لها عُصارة طيبة الرائحة يصنع منها المربا والطرشي ، تُفيد في تصفية الدم وتقوية القلب، ومفيدة للكبد والمعدة. شجرتها شبيهة بشجرة الليمون، لكن أوراقها أكبر . يقال لها بالفارسيّة بالنگ او بادرنگ

فلما حصلت في كفّه انقسمت في كفه قسمين:

على قسم مكتوب:

«لا إلهَ إلّا الله محمد رسول الله، عَلِيُّ أمير المؤمنينَ».

وعلى القسم الآخر مكتوب:

«هَدِيَّةٌ مِنَ الطَّالِبِ الغَالِبِ إِلى عَلِيِّ بن أبي طالب».(1)

ص: 267


1- نوادر المعجزات : 84 - 7/86 ، دلائل الإمامة : 82 - 22/85 ، مدينة المعاجز 2: 323 - 327 / 585 المعجزة 413 ، عوالم العلوم 1/11: 386

ص: 268

الفضيلة الرابعة والعشرون : الملائكة خَدَمُ بيت فاطمة سلام الله علیها

اشارة

روي أنَّ سلمان قال:

كانَتْ فاطمة سلام الله علیها جالسة قُدّامها رَحَى تَطْحَنُ بها الشعير، وعلى عَمُودِ الرَّحَى دَمٌّ سائِلٌ، والحُسَيْنُ علیه السلام في ناحيَةِ الدارِ يَتَضَوَّرُ من الجُوع - يبكي -.

فقلت: يا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ! دَبَّرْتِ كَفَاكِ وهذهِ فِضَّةُ .

فقالت: «أَوْصَانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم أَنْ تكونَ الخِدْمَةُ لَها يَوْماً، فَكَانَ أَمْسِ يَوْمَ خِدْمَتِها».

قال سلمان: قُلتُ: إنّي مَوْلَى عَتاقَةٌ، إما أَنَا أَطْحَنُ الشَّعَيرَ، أَوْ أُسَكِّتُ الحُسَيْنَ لَكِ؟

فقالت: «أَنَا بَتَسْكِيتِهِ أَرْفَقُ، وَأَنْتَ تَطْحَنُ الشَّعِيرَ».

فَطَحَنْتُ شَيْئاً مِنَ الشَّعير، فإذا أنا بالإقامة ، فَمَضَيْتُ وصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم، فَلَمّا فَرَغْتُ قُلْتُ لِعَليّ ما رَأَيْتُ ، فَبَكَى وَخَرَجَ ، ثُمَّ عادَ فَتَبَسَّمَ.

فَسَأَلَهُ عَنْ ذلكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم؟

قال: «دَخَلْتُ عَلَى فاطِمَة وهي مُسْتَلْقِيَةٌ لِقَفاها ، والحُسَيْنُ نائِمُ عَلَى صَدْرِها،

ص: 269

وقُدَّامُها رَحَيَّ تَدورُ مِنْ غَيْرِ يَدٍ ؟! فَتَبَسَّمَ رَسولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وقال :

«يا عَلِيّ ! أَما عَلِمْتَ أَنَّ للهِ مَلائِكَةً سَيَّارَةً فِي الأَرضِ يَخْدِمُونَ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّدٍ إلى أن تَقُومَ السَّاعَةُ !».(1)

علم وكمال الملائكة من فاطمة وبعلها وبنيها علیهم السلام!

ليس من العجيب أن تخدم الملائكة فاطمة الزهراء وبعلها وبنيها؛ لأنّها الشخصيّة العظيمة في الخلق ، التي خُلِقَت كلّ الموجودات بضمنها الملائكة - من نورها ونور بعلها وبنيها ، ومن أجلهم عاشت الملائكة واستمروا في الحياة، فكلّ علم لدى الملائكة فقد تعلموه من تلك الذوات المقدّسة.

في رواية ينقلها الشيخ الصدوق : عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى ابن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه عليّ ابن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه علي بن أبي طالب علیه السلام، قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : ما خَلَقَ اللهُ خَلْقاً أَفْضَلَ مِنّي ولا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنِّي».

قال عليٌّ علیه السلام : فقلت : يا رسول الله ! فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال علیه السلام: يا عليّ ! إنَّ الله تبارك وتعالي فَضَّلَ أنبياءَهُ المُرْسَلِينَ عَلَى مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ ، وفَضَّلَنِي عَلى جَميعِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ . والفَضْلُ بَعْدِي لَكَ يا عَلِيّ !

ولِلأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ، فإنَّ المَلائِكَةَ لَخُدَّامنا وخُدَّامُ مُحِبينا .

يا عليّ الذينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنوا بولايَتِنا.

يا عليّ لولا نَحْنُ ما خَلَقَ اللهُ آدَمَ ولا حَوا، ولا الجَنَّةَ ولا النّار،

ص: 270


1- دلائل الإمامة : 140 - 48/141 ، الخرائج والجرائح 2: 530 - 6/531، بحار الأنوار 43: 33/28 ، عوالم العلوم 1/11 1/191 بيت الأحزان 36

ولا السَّماءَ ولا الأرضَ.

وَكَيْفَ لا نَكُون أَفْضَلُ مِنَ المَلائِكَة وقَدْ سَبَقْناهُم إلى التَّوْحِيدِ وَمَعْرِفَةِ رَبِّنَا عَزّوجلّ وتَسْبِيْحِهِ وتَقْدِيسِهِ وتَهْلِيلِهِ ؛ لأنَّ أَوَّلَ ما خَلَقَ اللهُ عزّوجلّ أرْواحُنا ، فَأَنْطَقَنَا بِتَوْحِيدِهِ وتَمْجِيدِهِ، ثُمَّ خَلَقَ المَلائِكَةَ ، فَلَمّا شاهَدُوا أَرْواحَنا نُوراً واحِداً اسْتَعْظَمُوا أُمورنا، فَسَبَّحْنَا لِتَعْلَمَ المَلائِكَةُ أَنَّا خَلْقُ مَخْلُوقُونَ وأَنَّهُ مُنَزَّةٌ عَنْ صِفاتِنا، فَسَبَّحتِ المَلائِكَةُ لَتَسْبِيحِنا ونَزَّهَتْهُ عَنْ صِفاتِنا.

فَلَمَّا شاهَدُوا عِظَمَ شَأْتِنا هَلَّلْنا لِتَعْلَمَ المَلائِكَةُ أنْ لا إلهَ إِلَّا الله ، وإِنَّا عَبِيدٌ وَلَسْنَا بِالهَةٍ يَجِبُ أَنْ تُعْبَدَ مَعَهُ أوْ دُونَهُ، فقالوا: لا إله إلا الله .

فَلَمَّا شَاهَدُوا كِبَر مَحَلَّنَا كَبَّرْنَا اللَّهَ لَتَعْلَمَ المَلائِكَةُ أَنَّ اللهَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنالَ وأَنَّهُ عَظِيمُ المَحلِّ .

فَلَمّا شَاهَدُوا ما جَعَلَ اللهُ لَنا مِنَ العِزَّةِ والقُوَّةِ قُلْنا : لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلّا بالله العلي العظيم ؛ لِتَعْلَمَ المَلائِكَةُ أَنْ لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلّا بالله، فقالت الملائكة: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله . فَلَمّا شَاهَدُوا ما أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْنا وَأَوْجَبَهُ لَنا مِنْ فَرْضِ الطَّاعَةِ، قُلْنا: الحَمْدُ للهِ؛ لِتَعْلَمَ المَلائِكَةُ ما يَحِقُّ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَيْنا مِنَ الحِمْدِ عَلَى نِعَمِهِ، فقالتِ المَلائِكَةُ : الحَمْدُ للهِ .

فَبِنا اهْتَدُوا إلى مَعْرِفَةِ تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى وتَسْبِيحِهِ وتَهْلِيلِهِ وتَحْمِيدِهِ.

ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ علیه السلام وَأَوْدَعَنا صَلْبَهُ وأَمَرَ المَلائِكَةَ بالسُّجُودِ لَهُ تَعْظِيماً لَنا وإكراماً، وكان سُجُودُهُم للهِ عزّوجل عُبُودِيَّةً ، ولَآدَمَ إِكْرَاماً وَطَاعَةً لِكَوْنِنَا فِي صُلْبِهِ ، فَكَيْفَ لا تَكُونُ أَفضَلُ مِنَ المَلائِكَةِ وقَدْ سَجَدُوا لآدَمَ كُلُّهُم أَجْمَعُونَ».(1)

ص: 271


1- كمال الدين 1: 4/254 ، علل الشرائع 1: 5 ، عيون أخبار الرضا 2: 237 ، حلية الأبرار :1: 10 و 2 : 397، بحار الأنوار 18 : 345 و 26 : 335، ينابيع المودة 3: 377

لذلك ترى الملائكة أن كل ما لديها هو من بركات وجود فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام. وكلّ تلميذ يكون وجوده واعتباره وشخصيته من اعتبار وشخصيّة أستاذه، ولو لم يكن ذلك الأستاذ : لما ارتدى الطالب لباس الوجود ولا نجى من ظلمة الجهل، ولا يمكن له أن يتخلّص من حُفَرِ الكفر

والضلالة، ولما اهتدى لنور معرفة وعبادة الباري تعالى .

فالواجب على الملائكة فى قبال علّة وجودها وخلقها وأولياء نِعمها هو : أن تبذل كل ما لديها وتُسَخّره لخدمة أولياء نعمها علیهم السلام، على أمل أنها قد

؛ استطاعت أن تُوفي جزء يسير من حق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام في عنقها .

فيُستفاد من روايات كثيرة بالإضافة إلى أنّ الملائكة لديها أمر بخدمة سيّدة الخلق - : إنّ بقيّة الملائكة المقربين كجبرئيل وميكائيل، وإسرافيل أيضاً يفتخرون بأنّهم أمضوا ساعات من عمرهم في خدمة ذلك البيت الصغير المتواضع لفاطمة الزهراء سلام الله علیها.

نموذج آخر من خدمة الملائكة في بيت فاطمة سلام الله علیها

قالت أُمُّ أيمن مضيتُ ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء سلام الله علیها لأزورها في منزلها، وكان يوماً حاراً من أيّام الصيف، فأتيتُ إلى بابِ دارِها ، وإذا بالباب مغلق، فنظرت من شقوق الباب، فإذا بفاطمة الزهراء سلام الله علیها نائمة عند الرحى، ورأيتُ الرحى تطحن البر، وهي تدور من غير يد تديرها، والمهد أيضاً إلى جانبها، والحسين علیه السلام نائم فيه، والمهد يهتز ولم أر من يهزّه، ورأيتُ يُسبِّحُ الله تعالى قريباً من كفّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها.

قالت أُمُّ أيمن : فتعجبت من ذلك، فتركتها ومضيتُ إلى سيّدي رسول الله ، وسلّمت عليه، وقلت له: يا رسول الله إلى رأيتُ عجباً ما رأيتُ مثلَهُ أبداً .

ص: 272

فقال لي: «ما رأيتِ يا أُمَّ أيمن؟!».

فقلت : إنّي قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء، فلقيت البابَ مُغلقاً، وإذا أنا بالرحى تطحن البرَّ وهي تدور من غير يدٍ تُديرها. ورأيتُ مهد الحسين هتز من غيرِ يدٍ تهزّه. ورأيت كفّاً يُسبِّحُ الله تعالى قريباً من كف فاطمة سلام الله علیها ولم أر شخصه، فتعجّبتُ من ذلك يا سيدي.

فقال: «يا أُمَّ أيمن ! اعْلَمِي أَنَّ فَاطِمَةَ الزَّهْراء صَائِمَةٌ ، وهيَ مُتْعَبَةٌ ، جَائِعَةٌ، والزَّمَانُ قَيظٌ (1) ، فأَلْقى الله تعالى عَلَيْها النَّعَاسُ فَنَامَتْ، فَسُبْحَانَ مَنْ لا يَنَام . فَوَكَّلَ اللهُ مَلَكاً يَطْحَنُ عَنْهَا قُوتَ عِيالها. وأَرْسَلَ اللهُ مَلَكَاً آخَرَ يَهزُّ مَهْدَ وَلَدَهَا الحُسَيْن ؛ لئلا يَزْعِجَهَا مِنْ نَوْمِها. ووكَّلَ اللهُ مَلَكَاً آخَرَ يُسَبِّحُ الله عزوجل قريباً مِنْ كَفِّ فاطمة سلام الله علیها يكون ثوابَ تَسْبيحه لها ؛ لأن فاطمةَ لَمْ تَفْتَر عن ذِكْر الله ، فإِذا نَامَتْ جَعَلَ اللهُ ثوابَ تَسْبِيح ذلك المَلَكُ لفاطمةَ».

فقلت: يا رسول الله ! أخبرني من يكون الطَّحان؟ ومن الذي يَهزُّ مَهْدَ الحسين علیه السلام ويناغيه ؟ ومن المُسَبِّح ؟

فَتَبَسَّمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضَاحِكاً، وقال:

«أمّا الطَّحَانُ : فجبرئيل، وأما الذي يَهزُّ مَهْدَ الحسين : فهو ميكائيل، وأما المَلَكُ المُسَبِّحُ : فهو إسرافيل».(2)

ص: 273


1- يعيني : شديد الحرّ
2- عوالم العلوم 1/11: 196 - 11/197، بحار الأنوار 37: 97 - 98، مدينة المعاجز 4: 46 - 47 / 1077

ص: 274

الفضيلة الخامسة والعشرون : اهتمام فاطمة سلام الله علیها بالدعاء للآخرين

اشارة

عن جعفر بن محمد، عن أبيه ، عن علي بن الحسين، عن فاطمة الصغرى، عن الحسين بن عليّ ، عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام، قال:

«رأيتُ أُمِّي فاطمة سلام الله علیها قَامَتْ في مِحْرابِها ليلةَ جُمْعَةٍ، فَلَمْ تَزَلْ راكِعَةً وَسَاجِدَةً حَتَّى انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْحِ ، وَسَمِعْتُها تَدْعُو للمؤمِنينَ والمؤمِناتِ، وتُسَمِّيهِمْ ، وتُكْثِرُ الدُّعاءَ لَهُمْ ولا تَدْعُو لِنَفْسِها بشيءٍ.

فقلتُ لها : يا أُمَّاهُ ! لِمَ لا تَدْعِينَ لَنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ ؟

فقالت : يا بُنَيَّ ! الجَارُ ثُمَّ الدَّارُ».(1)

اهتمام فاطمة سلام الله علیها بالدعاء في ليلة الجمعة

كانت فاطمة الزهراء سلام الله علیها لا تهتم كثيراً بليلة ويوم الجمعة، وكانت تسعى كثيراً

ص: 275


1- علل الشرائع 1: 181 - 1/182 ، روضة الواعظين: 329 دلائل الإمامة : 151 - 65/152، كشف الغمة 2 : 96، وسائل الشيعة 7: 112 - 8884/113، بحار الأنوار 43: 3/81 و 86: 19/313 ، بيت الأحزان : 38

بالدعاء بتلك الأوقات. الحديث الذي مرّ عليكم يُبيّن نقطتين مهمتين، ورعايتهما تؤدّي إلى تعالي روح الإنسان ودركه للعنايات الإلهيّة الخاصة .

النقطة الأولى : اسلام الله علیها باليقظة في ليلة الجمعة، واشتغالها بالعبادة والدعاء فيها.

وإنّ عملها هذا من أجل أنّ ليلة الجمعة لها أهميّة وفضيلة خاصة، حيث تفتح فيها أبواب الرحمة الإلهيّة أمام عباده ؛ لذلك يقول الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ ليلةَ الجُمُعَةِ مِثْلُ يَومِها، فإن اسْتَطَعْتَ أن تُحْييها بالصَّلاةِ والدُّعاء فَافْعَل».(1)

من أجل درك ليلة الجمعة والحصول على العنايات الإلهية، ففى ليالي الجُمع ينادي منادٍ من أوّلِ الليل إلى طلوع الفجر وبصوت عال: عباد الله اطلبوا منه ويستجيب لكم.

ففي حديث عن الإمام الباقر علیه السلام يقول فيه :

«إنّ اللهَ تعالى ليَأْمُرُ مَلَكَاً فَيُنَادِي كُلَّ جُمُعَةٍ من فوقِ عَرْشِهِ مِن أَوّلِ الليل إلى آخره:

ألا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُونِي لَآخِرَتِهِ ودُنْياهُ قَبْلَ طلوع الفَجْرِ فَأَجِيبُهُ ؟ ألا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ قَدْ فَتْرْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَسْأَلُنِي الزَّيَادَةَ فِي رِزْقِهِ قَبْلَ طلوع

الفَجْرِ فَأَزِيْدُهُ وَأُوسِّع عليهِ ؟

ألا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ سَقِيمٌ فَيَسْأَلُني أن أُشْفِيَه قَبْلَ طلوع الفَجْرِ فَأُعَافِيَه؟

ألا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مَعْمُومٌ مَحْبُوس يَسْأَلُني أن أُطْلِقَهُ مِنْ حِبْسِهِ وَأَفَرْجَ عَنْهُ قَبْلَ طلوع الفَجْرِ وأُخَلّي سَبِيْلَهُ؟

ص: 276


1- الكافي 3: 6/414 ، وفيه : «إن يومه مثل ليلته»، بدل : «إنّ ليلة الجمعة مثل يومها»، جمال الاسبوع 123 ، بحار الأنوار 86: 14/272

ألا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مَظْلُومٌ يَسْأَلُني أن أخُذَ له بِظُّلامَتِهِ قَبْلَ طلوع الفَجْرِ فَأَنْتَصِرَ له وآخذ بظلامتِهِ؟».

قال: «فلا يَزَال يُنادِي حَتَّى يَطْلَعَ الفَجْرِ».(1)

إحدى العنايات الإلهيّة في ليلة الجمعة هي نجاة عباده المستحقين للعذاب من نار جهنّم. يعني: إن ليلة الجمعة هي ليلة العفو العام الإلهي.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

«إِنَّ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ أَرْبَعٌ وعِشرونَ سَاعَةٍ للهِ عزّوجل في كلِّ سَاعَةٍ ستمائة ألف عَتِيقٍ مِنَ النارِ».(2)

لقد وردت روايات كثيرة مفادها : إنّ رحمة ومغفرة الله تعالى في ليلة الجمعة واسعة جداً، منها:

عن الإمام الرضا علیه السلام أنه قال:

«مَنْ مَاتَ يوم الجُمعةِ وليلتهِ مات شهيداً، وبُعِثَ آمناً».(3)

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«مَنْ ماتَ يوم الجمعة أو ليلة الجمعةِ رُفِعَ عنهُ عَذَابَ القَبْرِ».(4)

وعن الإمام الباقر علیه السلام قال:

«مَنْ ماتَ ليلة الجمعةِ كَتَبَ اللهُ لَهُ براءةً مِنَ النَّارِ، وَمَنْ مَاتَ يوم الجمعة أُعْتِقَ مِنَ النّار».(5)

ص: 277


1- بحار الأنوار 86: 282
2- الخصال: 92/32 ، بحار الأنوار 86: 268 - 269 ، وسائل الشيعة 7: 9634/380 ، الجامع الصغير للسيوطي 2: 471 / 7722 ، كنز العمال 7: 21044/709
3- بحار الانوار 86: 14/272
4- المحاسن 1: 60 / 100 ، بحار الأنوار 86: 12/271
5- دعائم الإسلام 1: 18 ، المحاسن 1: 60 / 100 ، بحار الأنوار 86: 12/271

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الآثار التى ذُكِرَت في الروايات السابقة هي للإنسان العارف بحقِّ أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم، والمعتقد بخلافتهم وإمامتهم، والمعترف بفضل ومحبّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها، إضافة إلى أنّه حافظاً لحرمة الجمعة ومراعياً وعارفاً لحقها وفضلها.

نعم، هذه الآثار للذي يحفظ حرمة الجمعة، يعني: أن لا يرتكب فيها ذنب وأن يواظب على أداء واجباتها في ليلتها ويومها، وأن يلجأ فيها ما استطاع إلى العبادة والدعاء.

قال الإمام الصادق علیه السلام:

« اجْتَنِبُوا المَعَاصَى لَيْلَةَ الجُمُعَة، فإنَّ السَّيِّئَةَ مُضَاعَفَةٌ وَالحَسَنَةَ مُضَاعَفَةٌ ، ومَنْ تَرَكَ مَعْصِيَةَ اللهِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ غَفَرَ اللهُ لَهُ كُلَّ ما سَلَفَ فِيهِ وقِيلَ لَهُ: اسْتَأْنِفِ العَمَلَ، وَمَنْ بَارَزَ اللَّهَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِمَعْصِيةٍ أَخَذَهُ الله عزّوجلّ بِكُلِّ مَا عَمِلَ فِي عُمْرِهِ وَضَاعَفَ عَلَيْهِ العَذَابَ بِهذِهِ المَعْصِيَة ، فإذا كانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَفَعَتْ حِيْتَانُ البُحُورِ رُؤوسها، وَدَوابُ البَرارِي، ثُمَّ نَادَتْ بِصَوْتِ ذَلِقٍ : رَبَّنَا لا تُعَذِّبْنَا بِذُنُوبِ الآدميّينَ».(1)

فضل يوم الجمعة

كما أن ليلة الجمعة لها فضيلة وشرف خاص، وأوصى بالدعاء فيها وأكِّد عليه فيوم الجمعةِ أيضاً له فضيلة كبيرة، ولقد أوصى النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام كثيراً بالدعاء والصلاة فيه، وأفضل الأعمال فيه هو الصلاة على محمد وآل محمّد، كما قال الإمام الصادق علیه السلام:

ص: 278


1- بحار الأنوار 86: 283

«ما مِنْ عَمَلِ أفْضَلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنَ الصَّلاةِ على محمّدٍ وآلِهِ».(1)

ويقول الإمام الباقر علیه السلام في فضيلة يوم الجمعة:

«ما طَلَعَتْ الشَّمْسُ بيومٍ أفْضَلَ مِنْ يومِ الجُمُعَةِ».(2)

ويقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم في هذا الخصوص:

«إِنَّ للهِ عزّوجل في كُلِّ جُمُعَةٍ ستمائة ألفَ عَيْقٍ مِنَ النَّارِ، كُلُّهم قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارِ».(3)

قال الإمام الرضا علیه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ سَيِّدُ الأيَّامِ ، يُضاعِفُ الله عزّوجلّ فيهِ الحَسَنَاتِ، ويَمْحُو فيهِ السَّيِّئاتِ، ويَرْفَعُ فِيهِ الدَّرَجاتِ، ويَسْتَجِيبُ فيهِ الدَّعواتِ، ويَكْشِفُ فيهِ الكُرْباتِ، ويَقْضِى فيهِ الحَاجَاتِ العِظامِ، وهُوَ يَومُ المزيدِ اللهِ فِيهِ عُتَقَاءٌ وطُلَقَاءٌ مِنَ النَّارِ، ما دَعَا الله فيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وعَرَفَ حَقَّهُ وحُرْمَتَهُ إلا كانَ حَتْماً على اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ عُتَقَائِهِ وطَلَقَائِهِ مَنَ النَّارِ ، وإِنْ مَاتَ في يَوْمِهِ أو لَيْلَتِهِ ماتَ شَهيداً ، وبُعِثَ آمِناً وما اسْتَخَفَّ أَحَدٌ بِحُرْمَتِهِ وضَيَّعَ حَقَّه إلا كان حقاً على اللَّهِ عَزَوجل أَنْ يُصْلِيَهُ نارَ جَهَنَّمَ إِلا أَن يَتُوبَ».(4)

يُستفاد من هذا الحديث: إن الذي ينجو من نار جهنم، هو الحافظ لحرمة الجمعة، ولا يرتكب فيها الذنب، ولديه مواظبة تامة على الدعاء فيها.

ص: 279


1- الخصال : 394 ذيل ح 101 ، بحار الأنوار 86: 268 ضمن ح 7 ، وسائل الشيعة 7: 380 ضمن ح 9635
2- الكافي : 1/41 ، جمال الأسبوع: 147، بحار الأنوار 86: 274 ضمن ح 20
3- مجمع البيان ،10 ،15، بحار الأنوار 86: 30/284 ، الجامع الصغير للسيوطي 1: 2363/360 كنز العمّال 7: 21034/707
4- الكافي 3: 5/414، تهذيب الأحكام 3: 2/2 ، روضة الواعظين: 332، جمال الأسبوع: 147 ، وسائل الشيعة 7: 9621/376 ، بحار الأنوار 86: 20/274

وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه:

«يَوْمُ الجُمُعَةِ سَيِّدُ الأيَّامِ وأَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ عزّوجل مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الفطر ...».(1)

يوم الجمعة أحد أربعة أيام انتخبها الله من بين أيام السنة ، فقد جاء في الرواية :

«... وَيَخْرُجُ قَائِمُنَا أَهل البيتِ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وتَقُومُ القِيامَةُ يَوْمَ الجُمُعَة ...».(2)

وفي رواية أخرى

«... خَلَقَ اللهُ عزّوجل فيهِ آدم علیه السلام، وأَهْبَطَ الله فيهِ آدَمَ إلى الأرضِ، وفيه توفى الله آدم ، وفيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللهَ العَبْدُ فيها شيئاً إلا أَتَاهُ مَا لَمْ يَسْأَل حَرَاماً ...».(3)

اهتمام الزهراء سلام الله علیها بالدعاء في يوم الجمعة

كما أنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها أعطت أهمية كبيرة لليلة الجمعة، كانت تنشغل فيها بالعبادة تناجي ربها وتدعو للمؤمنين والمؤمنات إلى طلوع الفجر ؛ فقد أعطت الأهمية ليوم الجمعة أيضاً .

ففي حديث عنها سلام الله علیها الترويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تقول فيه :

«سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إِنَّ في الجمعةِ لَسَاعَة لا يُوافِقُها رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله عزّوجلّ فيها خِيْراً إِلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ » .

قال الراوي فقلت: «يا رسول الله ! أَيُّ سَاعَةٍ هيَ؟».

قال صلى الله عليه وآله وسلم : «اذا تدلّى نِصْفُ عَيْن الشَّمْسِ الغُروب».

ص: 280


1- الخصال: 315 - 97/316، الدعوات للرواندي : 84/35، بحار الأنوار 86: 267 - 268
2- الخصال : 101/394 ، روضة الواعظين 392 ، وسائل الشيعة 7: 380 - 9635/381 ، بحار الأنوار 86: 07/28
3- الخصال: 315 - 97/316 ، بحار الأنوار 86: 367 - 268

قال الراوي: وكانت فاطمة تقول لغلامها: «اصْعَدْ إلى الضّراب فإذا رأيْتَ نِصْفَ عَيْن الشَّمْسِ قَدْ تَدَلَّى للغُروبِ فَأعْلِمْنِي حَتَّى أدعو».(1)

اهتمام فاطمة سلام الله علیها بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات

النقطة الثانية : كانت الزهراء سلام الله علیها لا تهتم كثيراً بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات في ليلة الجمعة، وهذا العمل من سيّدة النساء دليل على فضائلها النفسانيّة وكمالها الروحي

وعملها هذا حري بأن يُتَّبع كأفعال أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصاً وأن ابنها صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه يقول:

«وفِي ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لِى أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ».(2)

فإنّ وظيفة شيعتها ومحبّيها واضحة جداً، وهي تطبيق أقوال وأفعال بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لكي ينجوا من الظلمات، ويهتدوا إلى مصدر نور السعادة الأبديّة.

آثار وبركات الدعاء للأُخوة والأخوات المؤمنين

ليس اعتباطاً ذُكِرت آثار وبركات كبيرة في الروايات المعتبرة بالدعاء للأخوة والأخوات المؤمنين ، ونحن نُشير إلى قسم منها :

1 - الدعاء للمؤمنين والمؤمنات يُزيد في الرزق.

2 - يُذهب بالهم والحزن والمصائب والبلايا.

ص: 281


1- معاني الاخبار : 59/399 ، دلائل الإمامة : 10/71 وسائل الشيعة 9647/374:7 ، بحار الأنوار 86: 8/269 ، وانظر المعجم الأوسط للطبراني 6: 289 ، مجمع الزوائد 2: 166 كنز العمال 21313/766:7 وفيها صدر الحديث، والظراب الروابي الصغار، الصحاح للجوهري 1 : 262 «ظرب»
2- الغيبة للشيخ الطوسي : 286 ضمن ح 245، بحار الأنوار 53: 180

يقول الإمام الصادق علیه السلام:

«دُعاءُ المرءِ لأخِيهِ بَظَهْرِ الغَيْبِ يَدرُ الرِّزْقَ ويَدْفَعُ المكروهَ».(1)

3 - الدعاء للمؤمن يؤدّي إلى استجابة الدعاء بحق الداعي.

قال الإمام الباقر علیه السلام في تفسير قوله الله تعالى:

«وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ».(2)

قال: «هُوَ المُؤْمِن يَدْعُو لأخِيهِ بِظَهْر الغَيْب فيقولُ لَهُ المَلَكُ : آمين، ويقول الله العزيزُ الجَبَّار : وَلَك مثلاً ما سَأَلْتَ، َوقَدْ أَعْطَيْتُ ما سَأَلْتَ بحُبِّكَ إيَّاه».(3)

4 - إن الذي يدعو لإخوانه وأخواته المؤمنين، يحصل يوم القيامة على شفاعتهم، وينجو من عذاب جهنّم.

عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما مِنْ مُؤمِن دَعَا للمؤمنينَ والمؤمِناتِ إِلا رَدَّ اللهُ عزوجل عَلَيهِ مِثْلَ الذي دَعَا لَهُمْ بِهِ مِنْ كُلِّ مُؤْمِنِ ومُؤْمِنَةٍ مَضى مِنْ أَوَّلِ الدِّهرِ أَوْ هُوَ آتٍ إلى يوم القيامةِ. إِنَّ العَبْدَ لَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ يومَ القِيامَةِ فَيُسْحَبُ ، فيقولُ المؤمنون والمُؤمِنَاتُ: يا رَبِّ هذا الذي كانَ يَدْعُو لَنَا فَشَفَعْنَا فِيهِ؛ فَيُشَفْعُهُمُ اللهُ عزّوجل فيه فينجو».(4)

5 - إنّ الذي يدعو للمؤمنين والمؤمنات يحصل من مائة ألف إلى مليون ضعف ثواب ذلك الدعاء.

عليّ بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت عبدالله بن جندب في الموقف فلم

ص: 282


1- الكافي 2: 2/507 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 722/540
2- سورة الشورى 42: 26
3- الكافي 2: 3/507 وسائل الشيعة 7: 8880/111
4- الكافي 2: 507 - 5/508 ، الأمالي للشيخ الصدوق: 724/541، وسائل الشيعة 7: 8886/114، بحار الأنوار 90: 10/385

أرَ موقفاً كان أحسن من موقِفِهِ ما زالَ ماداً يديهِ إلى السماء ودموعُهُ تَسِيلُ على خَدَّيهِ حتّى تَبْلُغُ الأرضَ فلمّا صَدَرَ الناس، قلتُ له: يا أبا محمد! ما رأيتُ موقفاً قط أحْسَنَ مِنْ موقِفِكَ . قال : والله ما دعوتُ إلا لإخواني؛ وذلك أن أبا الحسن موسى علیه السلام أخبرني:

«إِنَّ مَنْ دَعَا لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ نُودِيَ مِنَ العرشِ : ولَك مائة ألفِ ضِعْفٍ . فَكَرِهْتُ أنْ أدَعَ مائة ألفٍ مَضْمُونَةٍ لِواحدة لا أدْرِي تُستجاب أم لا.(1)وفي رواية شبيهة، روى ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، قال: كنتُ مع معاوية بن وهب في الموقف، وهو يدعُو، فتفقدتُ ،دعاءَهُ، فما رأيتُهُ يدعو لنفسه ،بحرفٍ، ورأيتُه يدعو لرجل رجل من الآفاق، ويسمّيهم ويسمّي آباءهم حتى أفاضَ الناس. فقلت له : يا عمّ ! لقد رأيتُ منك عجباً، قال: وما الذي أعْجَبَك مما رأيت ؟! قلت : إيثارَكَ إخوانك على نفسك في هذا الموضع وتفقدك رجلاً رجلاً، فقال لي : لا يكون تعجبكَ مِنْ هذا يابن أخي، فإنّي سَمِعْتُ مولاي ومولاك ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة، وكان والله سيّد من مضى وسيّد من بقي بعد آبائه علیهم السلام، وإلا صُمتا أذنا ،معاوية، وعُمِيَنَا عَيْنَاهُ، ولا نَالَتْهُ شَفَاعَةَ مُحمّد صلی الله علیه و آله إِنْ لَمْ يَكُن سمعتُ منه، وهو يقول:

«مَنْ دعَا لأخِيهِ في ظَهْرِ الغَيْبِ نَادَى مَلَكَ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنيا: يا عبد الله ! لَكَ مائة ألفَ ضِعْفِ ممّا دَعَوْتَ.

ونَادَاهُ مَلَكَ مِنَ السَّماءِ الثانية يا عبد الله ولَكَ مائتا ألفَ ضِعْفٍ ممّا دَعَوْتَ .

ونَادَاهُ مَلَكَ مِنَ السَّماءِ الثالثةِ يا عبد الله ولَكَ ثلاثمائة ألفَ ضِعْفٍ ممّا دَعَوْتَ.

ص: 283


1- الكافي 2 : 6/507 ، الأمالي للشيخ الصدوق: 540 - 723/541، تهذيب الأحكام 5: 615/184 ، وسائل الشيعة 13 : 18402/544 ، بحار الأنوار 90 : 384 - 8/385

ونَادَاهُ مَلَكَ مِنَ السَّماءِ الرابعةِ يا عبدالله ولَكَ أربعمائة ألفَ ضِعْفٍ مما دَعَوْتَ .

ونَادَاهُ مَلَكَ مِنَ السَّماءِ الخامسةِ يا عبدالله ولَكَ خمسمائة ألفَ ضِعْفٍ ممّا دَعَوْتَ .

ونَادَاهُ مَلَكَ مِنَ السَّماءِ السادسةِ : يا عبد الله ولَكَ ستمائة ألفَ ضِعْفٍ ممّا دَعَوْتَ .

ونَادَاهُ مَلَكَ مِنَ السَّمَاءِ السابعة : يا عبد الله ولَك سبعمائة ألفَ ضِعْفٍ ممَّا دَعَوْتَ . ثُمَّ يُناديه الله تبارك وتعالى : أَنَا الغَنِيُّ الذي لا أفتقر يا عبدالله لك ألف ألف ضِعْفَ ممَّا دَعَوْتَ».

فأيُّ الخطرين أكبرُ يابن أخي ؟! ما اخترته لنفسي أو ما تأمرني به.(1)

6 - إن الدعاء للأخوة والأخوات المؤمنين يؤدّي إلى استجابة دعاء الداعي. عن الإمام الصادق علیه السلام قال:

«مَنْ قَدَّمَ فِي دُعَائِهِ أَرْبَعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، ثُمَّ دَعَا لَنَفْسِهِ أَسْتَجِيْبَ لَهُ».(2)

7 - من يدعو للمؤمنين والمؤمنات يُدفعُ عنه البلاء

قال الإمام الصادق علیه السلام:

«دُعَاءُ المُسْلِم لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ يَسُوقُ إلى الدّاعِي الرِّزْقَ، وَيَصْرِفُ عَنْهُ البَلاءَ ، ويقولُ لَهُ المَلَكُ : لَكَ مِثْلاه».(3)

ص: 284


1- الدعوات للراوندي: 289 - 30/290 ، عدّة الداعي : 171 - 172، وسائل الشيعة 7: 8882/112، بحار الأنوار 90: 387 - 19/388
2- الكافي 2: 5/509 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 725/541، وسائل الشيعة 7: 8894/117 - 8895 بحار الأنوار 90: 6/384
3- ثواب الأعمال : 153 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 1436/677 ، بتفاوت يسير، وسائل الشيعة 7: 109- 8876/110 ، بحار الانوار 90: 385 - 1/386

8 - من دعا لإخوانه المؤمنين، وكل اللهُ مَلَكاً لكلّ مؤمن يدعو للداعي.

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«مَنْ دَعَا لإخْوانِهِ مِنَ المؤمنينَ ، وكَّلَ اللهُ بِهِ عَنْ كُلِّ مُؤْمِن مَلَكاً يَدْعُو لَهُ».(1)

9 - الدعاء للمؤمنين والمؤمنات يؤدّي إلى حصول الداعي على حسنة من كلّ مؤمن ومؤمنة دعا لهم.

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«ومَا مِنْ مُؤمن يَدْعُو للمؤمنينَ والمُؤمِناتِ والمُسْلِمينَ والمُسْلِماتِ الأحْياءِ منهم والأموات، إلا رَدَّ اللهُ عَلِيْهِ مِنْ كُلِّ مُؤمن ومؤمنة حسنة».(2)

هذا جزء يسير من الروايات التي لها ارتباط بفضيلة الدعاء للمؤمنين والمؤمنات . النقطة الأخرى التي تستحق الذكر من تعبير الزهراء سلام الله علیها في حديثها : « يا يُنَيَّ ! الجار ثُمّ الدار» إنّ الزهراء سلام الله علیها لها عناية واهتمام كبير بالجار عند دعائها .

من بين المؤمنين والمؤمنات الجار منهم له حقّ مضاعف في الدعاء؛ لأنّه مؤمنٌ له حقّ في الدعاء، وإضافة إلى أنه جار له حساب خاص في الدعاء.

فحقّ الجار من الحقوق التي أولاها الإسلام أهميّة خاصّة، وله أحكام خاصة به واجبة ،ومستحبّة فيجب أن لا يُغفل عن آثار وبركات وفوائد الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، خصوصاً الجار منهم .

الدعاء لصاحب العصر علیه السلام وبركاته

عندما اتضح ولو قليلاً - أهمية الدعاء للمؤمنين وآثاره وفوائده وبركاته

ص: 285


1- ثواب الأعمال: 161 ، الدعوات للراوندي: 41/26، وسائل الشيعة 7: 8890/115، بحار الأنوار 90: 19/387
2- الدعوات للراوندي : 41/26 ، بحار الأنوار 90: 19/387

العجيبة في الحياة المادية والمعنوية للإنسان؛ ينبغي تذكَّر هذا المطلب، وهو:

فى الوقت الذي يكون الدعاء للمؤمن عمل محبوب عند الله تعالى وأوليائه ، الذي جعل له آثاراً وفوائد عظيمة؛ فمن الواضح جداً أن يكون الدعاء لإمام العصر والزمان علیه السلام، الذي رُبط الإيمان بمعرفته ومحبته، ما هو تأثير هذا الدعاء على حياة الإنسان؟ وما هو تأثيره في دفع المشاكل الدنيوية والأخروية ؟!

الدعاء للشخص الذي لو ظهر يغمر العالم نور الفرح والسرور .

الدعاء للمولى الذي مضت على غيبته 1176 سنة والتي لم تجف دموع شيعته على فراقه إلى الآن، ولم يقطعوا الأمل من ظهوره.

الدعاء لذلك المنتقم لكسر ضلع أمّه الطاهرة، الذي لم يلتئم جرحه، ولم تنتصب قامته ولم ينجل كسوف وجهه الكريم.

الدعاء لذلك الإمام الغريب الذي ما توقف جريان دماء جده المظلوم على الأرض، ولم تجفّ دموعه ودموع أجداده من هذه المصائب، ولا يخفف وقع هذه المصائب وجريان هذه الدموع إلا بظهوره وانتقامه من الظالمين؛ على أمل أن يؤخذ الانتقام للمظلومين يوم القيامة عند أحكم الحاكمين.

نعم، الدعاء لذلك الإمام الوحيد والغريب الذي يبكي دماً كل صباح ومساء لمصيبة جدّه الحسين علیه السلام، ففي كلّ سنة عند حلول شهر محرم يتجدّد عليه ألم مصيبة جدّه الحسين علیه السلام، وتزاد على مصائبه والمصائب التي جرت على أجداده الطاهرين علیهم السلام، والمشاكل التي يمر بها شيعته ومحبيه في كلّ أنحاء العالم، مع الانزلاقات العقائدية لهم، وتألّمه منها كذر الملح على الجرح حيث لا مفرّ من ألم حرقته إلا بدعاء محبّيه ومنتظريه، الذين بدموع شوقهم إليه يطلبون من الباري تعالى الفرج عنه. وبالتقوى والطهارة والسعي في أداء الواجبات يهيئون الأرضيّة لقدومه علیه السلام.

ص: 286

لو يعلم شيعته ومحبّيه بأن أهم وأسرع طريق للوصول إلى يوم الظهور، هو دعاء المنتظرين له لیه السلام ، وأكثر البركات بالأدعية مخفية في الدعاء لتلك الذات المقدّسة، ما دعوا إلّا له ولظهوره، كما عَمِلَ معاوية بن وهب وعبدالله بن جندب بدعائهما للمؤمنين.

لو أنّ كلّ محبّيه ومنتظريه يدعون له بقلوب ولهى، وخلوص نية، وقلب يفعم بالحبّ والمعرفة به وعيون ملؤها الدموع لعجّل الله تعالى فرجه الشريف؛ لأنه يقول في محكم كتابه : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ».(1)

والدليل على كلامنا هذا هو قول الإمام الصادق علیه السلام المنقول عن أحد أصحابه، وهو الفضل بن أبي قُرَّة قال : سمعت أبا عبدالله يقول علیه السلام :

«أَوْحَى الله إلى إبراهيم أنّه سَيُولد لَكَ، فقالَ لسارة.

فقالت: «أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزُ»سورة هود 11: 72 ؟ فَأَوحَى الله إليهِ أَنَّها سَتَلِدُ ويُعَذِّبُ أَوْلادها أربعمائة سنّة بَرَدّها الكلام عَلَيَّ».

قال: «فَلَمّا طَالَ على بني إسرائيل العَذَاب ضجوا وبَكُوا إِلى اللهِ أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى موسى وهارون يُخَلِّصهم من فرعون، فَحَطَّ عنهم

سبعين ومائة سنة» .

قال: فقال أبو عبد الله علیه السلام: «هكذا أَنتُم لَوْ فَعَلْتُم لَفَرَّجَ اللهُ عَنَّا ، فَأَمَّا إذا لَمْ تَكُونُوا فَإِنَّ الأَمْرَ ينتهي إلى منتهاه».(2)

يُستفاد من هذه الرواية وأمثالها بأنّ مسألة ظهور صاحب الزمان من

ص: 287


1- سورة غافر 40: 60
2- تفسير العياشي 2: 49/154 البرهان في تفسير القرآن 3: 5146/125 ، بحار الأنوار 4: 50/118، 13: 140 /57 ، 52: 131 - 132 /34

الأمور الحتمية، لكن طول غيبته وقصرها تخضع لعدة عوامل، إحدى هذه العوامل المؤثرة هو دعاء وطلب شيعته من الله تعالى بتعجيل فرجه الشريف. ولعله لهذا السبب ذكر الإمام صاحب العصر أرواحنا فداه في توقيعه الصادر لإسحاق بن يعقوب، يقول علیه السلام فيه.

«وَأَكْثِرُوا الدُّعاءَ بَتَعْجِيلِ الفَرَجَ ، فَإِنَّ ذلك فَرَجُكُم».(1)

يعني: بالإضافة إلى أن ظهور الإمام علیه السلام يفرّج الكرب ويحل المشاكل، فإن كثرة الدعاء بالفرج نفسه يؤدّي إلى انفراج الأمور ورفع المصائب والبلايا. سواء أدركَ الظهور أم لم يُدرك.

ويجب العلم بأنّه الدعاء للمؤمن بظهر الغيب مستجاب فيقيناً الدعاء لإمام العصر علیه السلام أيضاً مستجاب ، وإذا لم يكن كذلك لما صدر عنه الأمر من الناحية المقدّسة بالدعاء بالفرج.

وليُعلم أنّ استجابة الدعاء في حقه علیه السلام ليس فقط بمعنى قدومه وظهوره - مع أنّه مستجاب - بل يكون الدعاء مرّة بمعنى التعجيل في ظهوره يعني الدعاء يؤدّي إلى قِصَرٍ مدّة غيبته من الناحية الزمانية، أو يمنع من تأخير ظهوره. وهذا وحده له أثر كبير غفل عنه أكثر الشيعة.

مع كلّ الذي مضى، فإنّ الدعاء بحق الإمام صاحب العصر والزمان نه بركات كثيرة في حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة، والتي أشير إلى قسم منها في

الروايات السابقة.

لقد ألف صاحب كتاب «مكيال المكارم» كتابه الشريف في فوائد الدعاء لتعجيل فرج الإمام صاحب العصر والزمان علیه السلام، وأمر الإمام علیه السلام في عالم الرؤيا

ص: 288


1- كمال الدين: 485 ضمن ح 4 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 292 - 293 ، الخرائج و الجرائح 3: 1115 ، بحار الأنوار 52: 7/92

بتأليفه، وهو يحتوي على 90 فائدة لمن يدعو للإمام علیه السلام بتعجيل فرجه الشريف.(1)

ونحن نذكر إحدى هذه الفوائد التي تُعدّ من أهم فوائد الدعاء له بتعجيل فرجه الشريف.

ونعتمد في بيانها بذكر حديث عن الإمام العسكري علیه السلام

عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمد بن عليّ علیه السلام وأنا أُريد أن أسأله الخَلَف عن بعده، فقال لي مبتدئاً:

«يا أحمد بن إسحاق! إِنَّ الله تبارك وتعالى لم يَخْلِ مُنْذُ خَلَقَ آدم ، ولا تخلو إلى يوم القيامةِ حجّة الله على خلقه، به يُدفَعُ البلاء عن أهلِ الأَرضِ، وبه ينزل الغيتُ، وبه يخرج بركات الأرض».

قال: فقلت يابن رسول الله ! فمن الإمام والخليفة بعدك ؟ فنهض فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين.

فقال: «يا أحمد بن إسحاق ! لولا كَرَامَتُكَ على الله وعلى حججه ما عرضتُ عليك ابني هذا إنه سمي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وكَنيَّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .

ص: 289


1- مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم من تأليف العلامة آية الله الحاج ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني، أحد علماء مدينة أصفهان ،المعروفين، حيث يقول في سبب تأليفه للكتاب : ... حتّى تجلّى لي في المنام من لا أقدر على وصفه بالقلم والكلام، أعني مولاي وإمامي المنتظر، وحبيب قلبي المنكسر، وقال لي - ببيان أبهج من وصل الحبيب، وأهيج من صوت العندليب (نقلاً عن الفارسية) ما لفظه : «اكتب هذا الكتاب واكتبه باللغة العربية واجعل اسمه مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم». فانتبهت كالعطشان، وأسفت أسف اللهفان ، وعزمت إطاعة أمره الأعلى..... مكيال المكارم 1: 45

يا أحمد بن إسحاق ! مَثَلَهُ في هذه الأمة مَثَلُ الخضر علیه السلام، ومَثَلَهُ كمثل ذي القرنين، والله لَيَغِيْبَنَّ غَيْبَةً لا ينجو فيها مِنَ التهلكة إلا من يُثَبِّتُهُ اللهُ على القَوْلِ بإمامَتِهِ وَوَفَّقَه لِلدُّعاءِ بَتَعْجيل فَرَجِهِ ...».(1)

يؤكد الإمام علیه السلام في كلامه بأن الطريق الوحيد من الانزلاقات والاهتزازات العقائدية والعملية في عصر الغيبة ؛ هو توفيق الدعاء لفرج الإمام صاحب العصر والزمان علیه السلام.

كم هو جميل وفي محلّه أن يكون الذكر الدائم الشيعة الإمام علیه السلام ومحبّيه هذا الدعاء :

«اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيَّكَ الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً».

أو دعاء: «اللَّهُمَّ عَجِّل لِوَلِيَّكَ الفَرَج».

إن من جملة الأدعية التي أُكد على قراءتها في عصر يوم الجمعة الدعاء الذي ذكره السيد ابن طاووس في كتابه جمال الأسبوع، حيث يحتوي على مضامين كبيرة تخص الدعاء لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه، يقول فيه : وهو مما ينبغي إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة، فإيّاك أن تهمل الدعاء به، فإننا عرفنا ذلك من فضل الله جلّ جلاله الذي خصّنا به فاعتمد عليه، والدعاء هو:

«اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَم أَعْرِف رَسُولَك، اللَّهُم عَرَّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِف حُجَّتَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ

ص: 290


1- إعلام الورى 2: 248 ، كشف الغمة 3: 333 مدينة المعاجز 8: 69 ، بحار الانوار 52: 23

فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عن ديني ...».(1)

وأورد هذا الدعاء المرحوم المحدّث القمي في كتابه مفاتيح الجنان في أواخر الملحقات ، تحت عنوان: الدعاء في غيبة إمام العصر والزمان علیه السلام.

فراجع وتلذّذ بقراءته، واستفد من بركاته!

ص: 291


1- الكافي 1: 5/337 ، كمال الدين : 24/342 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 333 - 279/334، جمال الأسبوع: 315

ص: 292

الفضيلة السادسة والعشرون : تسبيح الزهراء سلام الله علیها وآثاره

اشارة

عن أبي خالد القماط قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: (1)

تسبيح فاطمة سلام الله علیها

مع كلّ الاختصار الذي في تسبيح الزهراء سلام الله علیها، فله فضائل وآثار وب-ركات كبيرة، يجب أن لا نغفل عن أهميته وتأثيره في توفيق الإنسان.

من أجل أن يتوضح ذلك، نذكّر بنقاط :

ص: 293


1- الكافي 3: 15/343 ثواب الأعمال: 163 تهذيب الأحكام 2: 399/105، وسائل الشيعة 6: 8397/443 ، بحار الأنوار 82: 9/331 ، تذكرة الفقهاء 3: 265 ، الرسائل العشر لابن فهد الحلّي:297، روض الجنان للشهيد الثاني : 284 ، مجمع الفائدة والبرهان 2: 312 مدارك الأحكام 3: 453 ، كشف اللثام 4 : 155 ، الحدائق الناضرة 8: 516 - 517 ، جواهر الكلام 10 :399

منشأ ظهور تسبيح فاطمة سلام الله علیها

إنّ منشأ ظهور هذه السنّة بين المسلمين - خصوصاً شيعة أمير المؤمنين علیه السلام- رواية ينقلها الشيخ الصدوق ، ونحن ننقلها كما هي للقارئ المحترم:

إنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال لرجل من بني سعد: «ألا أُحَدِّتُكُم عَنِّي، وع-ن فاطمة : إنّها كانت عندي فاسْتَقَت بالقِرْبَةِ حتى أثر في صدرها ، وطَحَنَت بالرَّحا حتى مجلت (1) يداها، وكَسَحَت (2) البيت حتى اغْبَرَت ثِيابها وأَوْقَدَت تَحتَ القِدر حتى دَكَنت ثَيابها فأصَابَها مِنْ ذلكَ ضَرَرٌ شديدٌ ، فقلت لها: لو أتيتِ أباكِ فَسَأَلَتِيهِ خادِماً يَكْفِيكِ حَرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل ؟

فأتت النبي صلى الله عليه و آله وسلم فَوَجَدت عِنده حداثاً فاسْتَحْيَت وانْصَرَفَت، فَعَلِمَ علیه السلام أَنها جاءت لحاجةٍ فغدا علينا ونحنُ في لحافنا فقال : السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثمّ قال: السلام عليكم، فسكتنا ، ثمّ قال : السلام عليكم، فخشينا إِن لَمْ نرد عليه أن يَنْصَرِف، وقد كان يَفْعَل ذلك يُسَلّم ثلاثاً فإن أذن له وإلا انصرف .

فقلت: وعليك السلام يا رسول الله أدخل، فَدَخَلَ وجَلَسَ عِنْدَ رؤوسنا .

فقال : يا فاطمة ما كانت حاجتُكِ أمس عند محمد ؟ فخشيت إن لم نُجبه أن يقوم، فأخرجت رأسى فقلت:

أنا واللهِ أُخبرُكَ يا رسول الله : إنّها اسْتَقَت بالقربةِ حتى أثر في صدرها، وجرت بالرَّحا حتى مَجَلَت يداها وكَسَحَت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقَدَت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فقلت لها : لو أتيتِ أباكِ فسألتيهِ

ص: 294


1- مجلت يداها أي تخنت وتعجزت، وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. مجمع البحرين 5: 472 «مَجَلَ»
2- كَسَحَت البيت كَسْحاً من باب نفع : كَنَسَتْهُ مجمع البحرين 2: 406 «كَسَحَ»

خادِماً يكفيكِ حرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل.

قال: أَفَلا أُعَلِّمُكُما ما هوَ خَيرٌ لَكُما مِنَ الخادِم ؟ إذا أَخَذْتُمَا مَنَامَكُمَا فَكَبْرا أرْبَعاً وثَلاثِينَ تَكْبيرةً، وسَبِّحا ثلاثاً وثلاثينَ تَسبيحةً ، وأَحْمِدا ثلاثا وثلاثينَ تَحْميدة.

فأخرجت فاطمة سلام الله علیها رأسها فقالت : رَضِيْتُ عن اللهِ وعَن رَسُولِهِ ، رَضِيتُ عن الله وعن رسُولِهِ».(1)

وهذه الرواية رواها صاحب «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين علیه السلام هكذا :

عن عليٍّ صلوات الله عليه أنّه قال :

«أهدى بعض ملوك الأعاجم إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم رقيقاً فقلت لفاطمة: استخدِمِي مِن رسول الله خادِماً فأتته . فسألته ذلك ...»، وذكر الحديث بطوله اختصرناه نحن هاهنا .

فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :« يا فاطمة أُعْطِيْكِ ما هُوَ خَيرٌ من ذلك :

تُكَبِّرينَ الله بَعْدَ كُلِّ صَلاةٍ أربَعاً وثلاثينَ تَكْبيرَةً، وتَحْمَدِينَ اللهَ ثلاثاً وثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً، وتُسَبِّحِيْنَ الله ثلاثاً وثلاثينَ تَسْبيحَةً، ثُمَّ تَخْتمين ذلك ب-:

لا إله إلا الله، فذلِكَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها ومِنَ الذي أَرَدْتِ.

فَلَزِمَت صلوات الله عليها هذا التَّسْبِيحَ بَعَقَب كُلِّ صَلاةٍ، ونُسِبَ إليها».(2)

ص: 295


1- من لا يحضره الفقيه ه الفقيه : 320 - 947/31 ، علل الشرائع 2: 1/366، بحار الأنوار 43: 5/82، 73: 6/193، 7/329:82 ، تذكرة الفقهاء : 265 - 266 ، مختلف الشيعة 2: 184 ، جامع المقاصد 2: 339 مفتاح الفلاح للشيخ البهائي : 215. وانظره بهذا المضمون في مصادر العامة : السنن الكبرى للنسائي 5: 373/ 9172 ، المصنف لابن أبي شيبة 7: 12/38 ، مجمع الزوائد 10: 327، نظم درر السمطين: 189 - 190 ، كنز العمّال 41972/499:15
2- دعائم الإسلام 1: 168، بحار الأنوار 82: 25/336 ، مستدرك الوسائل 5: 5302/35 : وانظر كنز العمّال 15: 41983/507

تسبيح فاطمة سلام الله علیها بعد الصلاة وقبل النوم!

في الجواب عن السؤال الذي يقول : متى وأين يُقرأ تسبيح الزهراء سلام الله علیها؟ نقول : إن أكثر الروايات التي وصلت إلينا حول هذا التسبيح توصي بقراءته بعد الصلاة، وفى بعض الروايات أوصت بقراءته قبل النوم كرواية الشيخ الصدوق التي مرّت عليك قبل قليل من كتابه من لا يحضره الفقيه؛ لذلك فإنّ الجمع بين الروايات يقتضي أداء هذا التسبيح في كلا الموردين وهما:

1 - بعد الصلاة الواجبة .

2 - قبل النوم .

إضافة لذلك فأداء هذا التسبيح في مواقف أخرى أيضاً أوصي به، ليس من اللائق أن لا نذكرها من قبيل:

- قبل زيارة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم علیهما السلام، والمعروفة ب-: المعصومة سلام الله علیها في مدينة قم .

- بعد الصلاة المنسوبة للزهراء سلام الله علیها، والتي هي : في الركعة الأولى تقرأ بعد الحمد مائة مرّة سورة القدر، وفى الركعة الثانية تقرأ بعد الحمد مائة مرّة سورة التوحيد.

- بعد صلاة الاستغاثة بالزهراء سلام الله علیها، والتي أُشير إليها في هذا الكتاب.

- بعد صلاة زيارة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في المدينة المنوّرة.

- بعد صلاة زيارة أمير المؤمنين علیه السلام في النجف الأشرف.

- بعد صلاة الإمام صاحب الزمان علیه السلام في مسجد جمكران في قم.

- بعد الصلاة في المقامات التي في مسجد الكوفة ومسجد السهلة.

وموارد أُخرى ذكرت في كتب الأدعية والزيارات، ومن أراد المزيد فليرجع لهذه الكتب.

ص: 296

يقول المرجع الكبير المرحوم السيد الخوئي والظاهر استحبابه في غير التعقيب أيضاً، بل في نفسه، نعم هو مؤكَّد فيه وعند إرادة النوم؛ لدفع الرؤيا السيئة، كما أن الظاهر عدم اختصاصه بالفرائض، بل هو مستحبّ عقيب كل صلاة.(1)

ترتيب الأذكار في تسبيح الزهراء سلام الله علیها

كيف تُرتّب الأذكار في تسبيح الزهراء سلام الله علیها؟

في الجواب عن هذا السؤال نقول :

إنّ ذكر التكبير في بداية التسبيح متّفق عليه بين علماء الشيعة؛ لأنّه صُرِّح به في الروايات المعتبرة، حتى في تلك الروايات التي أختُلِفَ فيها تقديم وتأخير التحميد، فإنّ ذكر التكبير فيها مقدَّم.

والسؤال هو: هل إنّ التحميد «الحَمْدُ للهِ» مقدَّم على التسبيح «سُبْحَانَ الله»، أو مؤخّر ؟

ذكرت هنا آراء مختلفة؛ بسبب ظاهر الروايات التي تبين ترتيب الذكر الثانى والثالث كما لاحظت في الروايات السابقة.

يُستفاد من رواية الشيخ بأنّ التسبيح مقدَّم على التحميد، لكن في رواية دعائم الإسلام، وكذلك الروايات الأخرى: إن تسبيح الزهراء سلام الله علیها لا يُعنون مطلقاً أو بعد الصلاة، وأنّ الذِّكر فيه هو عكس رواية الصدوق . فالمشهور بين العلماء هو تقدم التحميد على التسبيح، كما ذُكِرَ ذلك في فتاويهم ورسائلهم العمليّة .

لذلك يقول العلامة المجلسي : إن التحميد مقدَّم على التسبيح،

ص: 297


1- كتاب الصلاة للسيد الخوئي 4: 420

وهو أشهر وأقوى.(1)

مع ذلك الذي ذكره العلّامة الحلّي في «المختلف»(2)، وأيده الشيخ البهائي في «مفتاح الفلاح» (3)، واستدلّ بها الشيخ الطوسي - فإنّ رواية

الشيخ الصدوق غير واضحة بتقديم التسبيح على التحميد ؛ لأنّ في هذه الرواية كلّ ذكر فيها معطوف على الآخر بحرف «الواو»، والواو لا تدلّ على الترتيب، بل تستعمل لمطلق الجمع ، على القول الأصح.

ومن جهة أخرى، فإنّ الرواية الصحيحة والمعتبرة عن محمد بن عذافر التي يرويها عن الإمام الصادق علیه السلام في تسبيح الزهراء سلام الله علیها، تدلّ على تقديم التحميد على التسبيح، كالترتيب المشهور والذي أفتوا العلماء وعملوا به، والرواية هي:

عن محمد بن عذافر قال: دخلتُ مع أبي على أبي عبدالله علیه السلام، فسأله أبي عن تسبيح فاطمة سلام الله علیها، فقال : الله أكبر حتى أحْصَاهَا أربعاً وثلاثينَ مرّة.

ثم قال: «الحَمْدُ للهِ» حتَّى بَلَغَ سبعاً وسِتِّينَ.

ثمّ قال: «سُبْحَانَ لله» حتَّى بَلَغَ مِائةً يُحْصِيها بَيَدِه جُملَةً واحِدةً.(4)

يقول الشيخ البهائي : الرواية غير صريحة في تقديم التحميد على التسبيح، فإنّ لفظة «ثُمّ » من كلام الراوي، فلم يبق إلا ظاهر التقديم اللفظي أيضاً، فالتنافي بين الروايتين - رواية- الشيخ الصدوق وهذه الرواية - إنّما هو بحسب الظاهر.

فينبغي حمل الثانية - رواية الشيخ الصدوق - على الأولى رواية محمّد

ص: 298


1- بحار الأنوار 82: 336
2- مختلف الشيعة 2: 184 - 185
3- مفتاح الفلاح : 217
4- الكافي 3: 8/342، تهذيب الأحكام 2 : 105 - 106 / 400، وسائل الشيعة 6: 8398/444، بحار الانوار 82: 14/333

ابن عذافر - لصحّة سندها واعتضادها ببعض الروايات الضعيفة، كما رواه أبو بصير عن الصادق علیه السلام أنه قال في تسبيح الزهراء سلام الله علیها:

«تبدأ بالتكبير أربعاً وثلاثينَ، ثُمَّ التحميد ثلاثاً وثلاثينَ، ثُمَّ التبسيح ثلاثاً وثلاثين».(1)

وهذه الرواية صريحة في تقديم التحميد، فهي مؤيدة لظاهر لفظ الرواية الصحيحة، فتحمل الرواية الأخرى على خلاف لفظها؛ ليرتفع التنافي بينهما

كما قلنا .

فإن قلت: يمكن العمل بظاهر الروايتين معاً تُحمل الأولى على الذي يفعل بعد الصلاة، والثانية على الذي يفعل عند النوم، وحينئذ لا يحتاج إلى صرف الثانية عن ظاهرها ، فَلِمَ عَدَلْتَ عنه، وكيف لم تقل به؟

قلت: لأني لم أجد قائلاً بالفرق بين تسبيح الزهراء سلام الله علیها في الحالين، بل الذي يظهر بعد التتبع إنّ كلا الفريقين القائلين بتقديم التحميد وتأخيره قائل به مطلقاً، سواء وقع بعد الصلاة أو قبل النوم.(2)

ولكن يظهر أن رواية ابن عذافر ليست خالية من الصراحة في الترتيب المذكور ، ولا تصل النوبة لبيان رفع التنافي بين الروايتين؛ لأن راوي الحديث يسأل عن كيفية تسبيح فاطمة سلام الله علیها، والإمام علیه السلام - في مقام بيان تريب الأذكار - يُجيبه ويُعد الأذكار واحدة واحدة، ويقدم التحميد على التسبيح وخصوصاً وقد أقرنها بعددها، وبدأ من الواحد حتى وصل إلى المئة، وحرف «ثمّ» في الرواية ، ولو كان من الراوي، وبما أنّه يحكي كلام الإمام علیه السلام في مقام جواب السائل - ويذكر ترتيب قول الإمام علیه السلام وهو العدد الخاص بكل ذكر ؛ بلا شك فالحديث دال وصريح على

ص: 299


1- الكافي 3: 9/342
2- مفتاح الفلاح : 217 - 218

تقديم التحميد على التسبيح، وبتصريح هذه الرواية فهي على التقديم، نرفع اليد عن ظاهر رواية الصدوق له فهي على التأخير ؛ ونقول بتقديم التحميد على التسبيح.

نتيجة البحث

من مجموع الذي ذُكِرَ نحصل على : إن ترتيب الأذكار في تسبيح الزهراء سلام الله علیها، هو الترتيب المشهور الذي أفتى العلماء به على أساس الروايات المعتبرة وعملوا به وهو:

أربع وثلاثون مرّة «الله أكبر»، وثلاثٌ وثلاثون مرّة «الحَمْدُ للهِ»، وثلاتٌ وثلاثون مرّة «سُبْحَانَ الله» .

آثار وبركات تسبيح فاطمة سلام الله علیها!

لقد ذُكِرَت آثار كبيرة وثواب جزيل في كلمات النبي وأهل بيته علیهم السلام لهذا التسبيح، تُبيّن عظمة ومحبوبية الزهراء سلام الله علیها عند الله تعالى.

له من أجل أن يتعرّف شيعة ومحبّي الزهراء سلام الله علیها على التسبيح ويواظبوا عليه، ويستفيدوا من بركاته؛ تُبيّن فهرس إجمالي لخواص وآثار هذا التسبيح المبارك، ونذكر في كل موردٍ رواية:

1 - من سَبَّح تسبيح الزهراء سلام الله علیها بعد كل صلاة واجبة غفر الله له ذنوبه .

عن عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله علیه السلام:

«مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فاطمة الزهراء سلام الله علیها قَبْلَ أن يُثنِي رِجْلَيْهِ مِنْ صلاة الفريضة غَفَرَ الله لَهُ وليبدأ بالتكبير».(1)

ص: 300


1- الكافي 3: 6/342 ، وانظره بتفاوت يسير في : ثواب الأعمال: 164، تهذيب التهذيب 2: 395/105، وسائل الشيعة 6: 8384/439، بحار الأنوار 82: 11/332

2 - من سبَّح تسبيح فاطمة سلام الله علیها وجبت له الجنة .

عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله علیه السلام قال : سمعته يقول:

«مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فاطمة سلام الله علیها في دبر المَكْتُوبَةِ مِنْ قَبْل أَن يَبْسُطُ رِجْلَيْهِ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ الجَنَّةَ».(1)

3 - ثقل تسبيح الزهراء سلام الله علیها في الميزان عشرة أضعاف الأعمال الأخرى.

4 - تسبيح الزهراء سلام الله علیها يُبعِد ويُطرد الشيطان.

5 - من واظب على تسبيح الزهراء سلام الله علیها ؛ يحصل على رضا الله تعالى.

الدليل على هذه المطالب حديث يروية محمد بن مسلم قال: قال الإمام الباقر علیه السلام:

«مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فاطمةَ سلام الله علیها ثُمَّ اسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ، وهي مائةٌ بِالنِّسانِ وأَلْفٌ في الميزان وتَطْرُدُ الشيطان وتُرْضِى الرَّحمن».(2)

6 - تسبيح الزهراء سلام الله علیها أحب عند الله من ألف ركعة .

الحديث الذي ذكرناه في بداية هذه الفضيلة وهو: عن أبي خالد القمّاط قال : سَمِعْتُ أبا عبد الله علیه السلام يقول: «تَسْبِيحُ فاطمةَ سلام الله علیها فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي دَبْرِ كُلِّ صلاةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ من صلاةِ ألفِ رِكْعَةٍ في كلِّ يَوْمٍ».(3)

7 - مَنْ واظب على هذا التسبيح شُفي من الشقاء والبؤس.

لذلك فإنّ هذا التسبيح كالصلاة أمر وأوصى به الأئمّة المعصومون علیهم السلام، حتى إنّهم كانوا يوصون الأطفال بأداء تسبيح أُمّهم الزهراء سلام الله علیها.

ص: 301


1- فلاح السائل : 165 ، بحار الأنوار 82: 13/332، مستدرك الوسائل 5: 34/ 5298
2- ثواب الاعمال : 163 . وسائل الشيعة 6: 8392/442 بحار الانوار :82 332 وفيهما الزهراء ، بدل : فاطمة
3- الكافي 3: 15/343 ، ثواب الأعمال: 163، تهذيب الأحكام 2: 399/105، وسائل الشيعة 6: 443 / 8397

عن أبي هارون المكفوف، عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

«يا أبا هارون إنَّا نَأْمُرُ صِبْيانَنَا بِتَسْبِيح فاطمة سلام الله علیها كما تَأْمُرُهُم بِالصَّلاةِ فَأَلْزِمَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ».(1)

8 - تسبيح فاطمة سلام الله علیها أفضلُ ذِكْرِ عُبِدَ الله تعالى به.

عن أبي جعفر علیه السلام قال:

«ما عُبِدَ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّحْمِيدِ أَفْضَلُ مِنَ تَسْبيح فَاطِمَةَ سلام الله علیها وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أفضَلُ مِنْه لَنَحَلَهُ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فاطِمَةَ سلام الله علیها».(2)

9 - من تسبّح بهذا التسبيح لا يخيب ولن يرى سوء.

عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال :

«مُعَقِّباتٌ لا يَخيب قائِلُهُنَّ أو [فاعِلُهُنَّ]: يُكَبِّرُ أربعاً وثَلاثِينَ ويُسَبِّحُ ثلاثاً وثلاثينَ ، ويَحْمِدُ ثلاثاً وثلاثينَ».(3)

10 - قيمة وعظمة تسبيح فاطمة سلام الله علیها أعظم من الدنيا وما فيها.

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال لابنته سلام الله علیها عندما طلبت منه خادماً:

«يا فاطمة أَعْطِيكِ ما هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنَ خَادِمٍ، وَمِنَ الدنيا بما فيها : تُكَبِّرينَ الله بَعْدَ كُلِّ صَلاةٍ أربعاً وثلاثينَ تكبيرةً ، وتَحْمِدينَ الله ثلاثا وثلاثينَ تَحْمِدةً، وتُسَبِّحينَ الله ثلاثا وثلاثين تسبيحةً، ثُمَّ تختمينَ ذلك ب-: لا إله إلا الله، وذلك

ص: 302


1- الكافي 3: 13/343 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 914/675، تهذيب الأحكام 2: 397/105، وسائل الشيعة 6 : 441 - 8391/442
2- الكافي 3: 14/343، تهذيب الأحكام 2: 398/105، وسائل الشيعة 6: 8396/443
3- الأمالي للشيخ الطوسي: 898/402 ، بحار الأنوار 82: 5/329 - 6 ، مستدرك الوسائل 5: 5309/38 . وانظره بتقديم وتأخير في الذكر في السنن الكبرى للنسائي 1: 1272/401، تاریخ بغداد :6: 109 ، الجامع الصغير للسيوطي 2 : 8188/536

خَيْرٌ لَكِ من الذي أَرَدْتِ ومِنَ الدُّنيا وما فيها» (1). .(1)

11 - تسبيح الزهراء سلام الله علیها مصداق للذكر الكثير الله تعالى، ومن يؤديه يكون من الذاكرين الله كثيراً .

عن محمد بن مسلم، عن الصادق علیه السلام قال : إنّه سُئل عن قول الله عزّوجلّ : «اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»(2)، ما هذا الذِّكر الكثير؟

قال: «مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فاطمة سلام الله علیها فَقَدْ ذَكَرَ الله الذِّكْرَ الكَثير».(3)

12 - الاستمرار على تسبيح الزهراء سلام الله علیها؛ يؤدّي إلى رعاية الله للمُسبِّح ويبعده عن المشاكل، ويُسهل عليه المصائب ويجعل الطمأنينة في قلبه.

محمد بن مسلم يروي رواية جميلة عن الإمام الصادق علیه السلام يقول في آخرها : «تَسْبِيحُ فَاطِمَةَ مِنْ ذِكر الله الكثير الذي قال الله عزوجل : «فَاذْكُرُونِي اَذْكُرْكُمْ»(4)».(5)

من الواضح أن مثل هذا الذِّكر الذي له تلك الآثار ويذكر الله ف-ي ف-ك-ر الإنسان ويجعله مورداً لعنايته الخاصة، خصوصاً وأنّ هذا الذكر هو مصداق للذكر الكثير الله تعالى، ويصير سبباً لعناية الباري أكثر فأكثر، فإنّ من يؤدّيه بعد كل صلاة قطعاً تتحقق له قابلية تحمّل المصاعب والمشاكل ويستطيع حلها بطمأنينة خاصة، ويحصل على مفتاح حلّ مشاكله في الحياة.

وإذا اقتضت المصلحة بعدم حلّ مشكلته فالله تعالى يهوّن ويسهل عليه تلك المشكلة، ويعطيه قدرة تحملها بأقل الآثار ؛ لأنّ تسبيح الزهراء سلام الله علیها - بغضّ النظر

ص: 303


1- دعائم الإسلام 1: 168 ، بحار الأنوار 82: 25/336
2- سورة الأحزاب 33: 41
3- معاني الأخبار: 5/193، وسائل الشيعة 6: 8394/443، بحار الأنوار 82: 8/331
4- سورة البقرة 2: 152
5- معاني الأخبار : 194 ذيل ح5، وسائل الشيعة 6: 8393/442

عن الآثار التي ذُكِرت - فهو أوضح مصاديق ذكر الله تعالى، حيث يقول تعالى : «ألا بذكر اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».(1)

فإن المداومة على هذا التسبيح بعد كل صلاة وقبل النوم، يؤدّي - يقيناً - إلى اطمئنان قلب الإنسان وتسكين خاطره من منزلقات الحياة وأعماله اليومية، ويؤدِّي إلى راحته وطمأنينته في عالم ما بعد الموت ، والنجاة من العذاب الأخروي.

13 - الاستمرار على تسبيح الزهراء سلام الله علیها يؤدّي إلى الشفاء من بعض الأمراض والآلام الجسديّة.

قال الطبرسي في كتابه مشكاة الأنوار: دخل رجل على أبي عبدالله علیه السلام، وكلَّمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله علیه السلام، وشكا إليه ثقلاً فى أذنيه ، فقال له :

«ما يَمْنَعُكَ؟ وأين أنتَ مِنْ تَسبيح فاطمة سلام الله علیها؟!»

فقال له: جُعِلْتُ فداك، ما تسبيح فاطمة سلام الله علیها؟

فقال: «تُكَبِّرُ اللهَ أربعاً وثلاثينَ وتَحْمِدُ الله ثلاثاً وثلاثين، وتُسَبِّحُ الله ثلاثاً وثلاثين، تمام المائة». ) .

قال : فما فعلت ذلك إلا يسيراً، حتى ذهبَ عنِّي ما كنتُ أجده.(2)

تسبيح الزهراء سلام الله علیها بالتربة الحسينية وآثاره

إحدى المسائل التي لها ارتباط مع تسبيح الزهراء سلام الله علیها، والتي ينبغي معرفتها ورعايتها، وأنّها تُضاعف ثواب هذا التسبيح عدّة أضعاف هو أداء تسبيح الزهراء سلام الله علیها بسبحة مصنوعة من تراب قبر سيد الشهداء علیه السلام.

روى إبراهيم بن محمد الثقفي أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كانت سبحتها

ص: 304


1- سورة الرعد 13: 28
2- مشكاة الأنوار: 278 ، بحار الأنوار 82: 334/ 21 ، مستدرك الوسائل 5: 5307/37

من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات فكانت سلام الله علیها تديرها بيدها تُكبر وتُسبِّح إلى أن قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس فلما قُتِلَ الحسين صلوات الله عليه عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزيّة.(1)

إنّ أصل وأساس السبحة المصنوعة من التراب يرجع إلى فاطمة الزهراء سلام الله علیها، كما أن تسبيحها سلام الله علیها من بركات وجودها. إنّ الشيعة الذين يطلبون كمال وسعادة الدنيا والآخرة ينبغي عليهم أن يسيروا على سنة الزهراء سلام الله علیها ويتأسوا بها وينهلون من فيضها.

ينقل صاحب الجواهر فتوى الشهيد فى الدروس حيث يقول :

يستحبّ حمل سبحة من طينة قبر الحسين علیه السلام ثلاث وثلاثين حبّة، فمن قلبها ذاكراً لله فله بكل حبّة حسنة، وإن قلبها ساهياً فعشرون (2). ولا توجد سبحة أفضل من سبحة تربة قبر الحسين علیه السلام.

إن فتوى الشهيد هي متن حديث روي عن الإمام موسى بن جعفر علیه السلامحيث يقول :

«لا يَسْتَغْنِي شَيْعَتُنَا عَنْ أَرْبَعِ: خُمْرَةٍ يُصَلِّي عليها، وخَاتَمِ يَتَخَيَّمُ بهِ، وَسِوَادٍ يَسْتَاكُ بهِ وسبحةٍ مِنْ طينِ قَبْرِ الحسين علیه السلام فيها ثلاث وثلاثون حبَّةً مَتى قَلبَها فَذَكَرَ الله كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ حَبَّةٍ أربعونَ حَسَنَةً، وإذا قَلبَها سَاهِياً يَعْبَتُ بها كُتِبَ لَهُ عشرونَ حَسَنَةً».(3)

ص: 305


1- المزار للشيخ المفيد: 1/150 ، مكارم الأخلاق للطبرسي: 281، بحار الأنوار 82: 333/16 ، مستدرك الوسائل 4: 4056/12
2- جواهر الكلام 406:10
3- تهذيب الأحكام 6: 147/75 ، روضة الواعظين: 412، وسائل الشيعة 5: 5691/359، بحار الأنوار 82: 31/340

ينقل المرحوم الكفعمي في البلد الأمين» رواية أُخرى في هذا الخصوص، فيها فضائل أكثر من الذي قيل في الذّكر بسبحة تربة قبر الحسين علیه السلام.

ولعل السّر في اختلاف الثواب في الروايات، والتي في أحدها ث-واب أربعين حسنة(1)، وفي الأخرى أربعمائة حسنة(2)، وفي الثالثة ستة آلاف حسنة(3)؛ كل هذه الروايات بينت ثواب التسبيح بسبحة تراب قبر سيد الشهداء علیه السلام، فالاختلاف ناشئ من كثرة المعرفة والمحبّة والإيمان والتقوى ؛ كلما ازدادت معرفة المسبح وحبّه ويحصل على إيمان وتقوى أعلى؛ يكون ثواب ذكره وتسبيحه أكثر .

ينبغي أن لا يغفل محبّي فاطمة الزهراء سلام الله علیها من تأثير التقوى والإيمان في قبول ومضاعفة ثواب أعمالهم، خصوصاً والله سبحانه يقول:

«إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ».(4)

يقول الكفمي في البلد الأمين:

روي: «إِنْ مَنْ أَدَارَ تُرْبَة الحسين علیه السلام في يَدِهِ وقال : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ اللهِ ولا إله إلا الله واللهُ أَكْبَرُ، مَعَ كُلِّ حَبَّةٍ، كُتِبَ لَهُ سِتَّةَ آلافِ حَسَنَة، ومُحِيَ عَنْهُ سِتَّةَ آلافٍ سَيِّئَةٍ، ورُفِعَ لَهُ سِتَّة آلاف درجةٍ، وأُثْبِتَ لَهُ مِنَ الشَّفاعاتِ بِمثلها».(5)

مع أن بعض الناس لا يتحملون هذه الفضائل ولا يقبلونها، لكن العارفين بحق فاطمة سلام الله علیها وابنها الإمام الحسين علیه السلام لا يعتبرونه شعاراً لعظمة أهل بيت

ص: 306


1- كما في الرواية المنقولة عن الإمام موسى بن جعفر ، وفتوى الشهيد في الدروس
2- کالرواية المنقولة عن الإمام الصادق ، وهي في بحار الأنوار 82: 340 - 32/341
3- ورد هذا الثواب في رواية الكفعمي التي سننقلها في الصفحة الآتية
4- سورة المائدة 5: 27
5- المطبوع من البلد الأمين خالٍ من هذه الرواية رواها عنه المجلسي الله في بحار الأنوار 29/340:82 ، والنوري في مستدرك الوسائل 5 :5350/55

النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ودليلاً على قرب منزلتهم من الله تعالى.

بالنظر إلى هذه الفضائل، فإن أداء تسبيح الزهراء سلام الله علیها بعد الصلاة وقبل النوم بسبحة تربة قبر الحسين علیه السلام، تعطي روحيّة أخرى تغلب على كل الأذكار والعبادات التي يؤدّيها الإنسان، ينبغي الاستفادة منها .

ص: 307

ص: 308

الفضيلة السابعة والعشرون : حجاب فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن موسى بن جعفر عن آبائه علیهم السلام قال:

قال عليّ : اسْتَأْذَنَ أَعْمَى على فاطمةَ فَحَجَبَتْهُ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم لها : لم حَجَبْتِهِ وَهُوَ لا يَرَاكِ ؟

:فقالت : إِنْ لَمْ يَكُنْ يَرانى فإنّي أراهُ وهُوَ يَشُمُّ الرِّيحَ.

فقال رسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: أَشْهَدُ أَنَّكِ بَضْعَةٌ مِنِّي».(1)

يرسم هذا الحديث زاوية عظيمة لعفّة وطهارة فاطمة سلام الله علیها، وهو يشتمل على نقطتين، ورعايتهما ضروري جداً للنساء ؛ لأنهما يؤديان إلى حفظهنّ من مضايقة الرجال الذين لا يعيرون أهميّة لشرف المسلمين، وذلك بنظراتهم الفاسدة لهنّ .

النقطة الأولى: غضّ البصر وآثاره

كما أنّ نظر الرجل للمرأة الأجنبية حرام ويؤدّي إلى الفساد، كذلك نظر

ص: 309


1- دعائم الإسلام 2: 214/ 792 النوادر للراوندي: 119 ، العدد القوية: 16/224، بحار الأنوار 43: 16/91، مستدرك الوسائل 14: 289 / 16740 ، المناقب لابن المغازلي : 428/381

المرأة للرجل الأجنبي حرام أيضاً، خصوصاً لو صاحب تلك النظرة شهوة ولذّة.

فعندما يأمر الله تعالى الرجال بغض النظر يقول :

«قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ».(1)

يقول بعدها مباشرة:

«وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ».(2)

لأنّ النظر سهام الشيطان المسمومة يرمي بها كل من يريد أن يضله ويجرّه للفساد. قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:

«النَّظَرُ سَهْمٌ مِنْ سِهام إِبْلِيس، فَمَنْ تَرَكَهَا خَوْفاً مِنَ اللهِ أَعْطَاهُ اللهُ إيماناً يَجِدُ حَلاوَتَه في قَلْبِهِ».(3)

ولهذا لما يسأل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ابنته سلام الله علیها: «لِمَ حَجَبْتِهِ وهُوَ لا يَرَاكِ؟» تقول في جوابه: «إِنْ لَمْ يَكُنْ يَرانى فإنى أراهُ وهُوَ يَشُمُّ الرِّيحَ» هو درس كبير لجميع النساء اللاتي لهن ارتباط بالزهراء سلام الله علیها وأولادها المعصومين علیهم السلام، خصوصاً ابنها صاحب العصر والزمان علیه السلام؛ فإنّ من الواجب على كلّ شيعي عاشق للقاء مولاه أن يبتعد أوّلاً كلّ الذي يُغضب الله تعالى، ثمّ السّعي لكسب رضا الباري جلّ وعلا ثانياً، ومن خلال أداء العبادات وإظهار ولاية أهل بيت نبيه علیهم السلام أن يدفع عن نفسه الظلمات والرذائل النفسانية وينور روحه وفكره بنور ولايتهم ومحبتهم ثالثاً.

ص: 310


1- سورة النور 24: 30
2- سورة النور 24: 31
3- بحار الأنوار 101 : 38 / 34، وانظره بتفاوت يسير في : مستدرك الوسائل 14: 16680/268، المستدرك للحاكم النيسابوري 4: 314 ، مجمع الزوائد : 63 كنز العمال 5: 328/ 13068

نعم، فالزهراء سلام الله عليها حجبت نظرها عن الرجل الأجنبي؛ حتى تبتعد عن الذنب، وتُعطى بعملها هذا درساً كبيراً لكلِّ شيعتها ومحبّيها.

كما حذر أبوها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الشيعة والمحبّين من مثل هذه المنزلقات، وأكّد على الابتعاد عن كلِّ ما يُغضب الله تعالى حيث قال صلى الله عليه و آله وسلم:

«اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ على امرأةٍ ذاتِ بَعْل مَلأَتْ عَيْنَيْها مِنْ غَيْر زوجها».(1)

إنّ الكثير من أسباب انحراف شباب أمتنا يعود إلى تهيئة الأرضيّة لذلك الانحراف والتي من ضمنها النظرات ذات المغزى المتبادلة بين الشباب والشابات، وعادة يصحب تلك النظرات مزاح إضافة إلى الدلال الزائد عن الحد ؛ ممّا يؤدّي إلى إغراق الشاب في عالم الشهوة وانجرار النساء إلى الفساد.

ليس اعتباطاً أن يؤكد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على النظر وأنه زنا للعين بقوله:

«لِكُلِّ عُضْوِ مِنْ ابن آدمَ حَظِّ مِنَ الزِّنَا: فالعَيْنُ زِنَاهُ النَّظَر، واللسان زناهُ الكلامُ، والأذنان زناهما السَّمْعُ واليَدان زناهما البَطْشُ والرَّجلان زناهما المشي، والفرج يُصَدِّقُ ذلك ويُكَذِّبُهُ».(2)

فالنساء اللاتي غرسن في قلوبهن بذر محبّة سيّدة النساء سلام الله علیها، وتعاهدنها بالسقي والنموّ في قلوبهنّ يطلبن بذلك معرفتها ورضاها، وهنّ عطشى شربة وصل ابنها صاحب العصر والزمان علیه السلام، فعليهنّ أن يحفظن نظراتهنّ عن الرجال الأجانب قدر الإمكان، ولا يخرجن من البيت إلا لضرورة، وإذا خرجن فليحفظن حجابهن وسترهنّ عن كلّ ناظر ؛ ليكون ذلك درساً في العفّة والطهارة.

ص: 311


1- ثواب الأعمال : 286 - 287 ، بحار الأنوار 73: 366 101 42/39، وسائل الشيعة 20: 25509/23
2- جامع الأخبار : 1129/408، بحار الأنوار 101: 35/38، مستدرك الوسائل 14: 1681/269

وصيّة فاطمة سلام الله علیها بستر جسدها عن الأجانب

من أجل إدراك أهمية هذا المطلب نذكر وصيّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها في آخر لحظات عمرها الشريف؛ ليكون درساً عبرةً وإتمام حجة على النساء اللاتي يبحثن عن سعادة الدنيا والآخرة.

عن أسماء بنت عميس أن فاطمة سلام الله علیها أن فاطمة قالت لها :

«إنِّي اسْتَقْبَحتُ ما يُصْنَعُ بالنساء، إنَّه يُطْرَحُ على المرأةِ الثّوب فَيَصِفُها لِمَنْ رأى».

فقلت: يا بنت رسول الله ! أنا أصنعُ لكِ شيئاً رأيتُهُ بأرض الحبشة.

قالت فدعوت بجريدة رطبة فحبستها ثمّ طرحتُ عليها ثوباً .

فقالت فاطمة سلام الله علیها: «مَا أَحَسَن هذا وأجْمَله».(1)

وفي حديثٍ آخر:

عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

«أوّلُ نَعْشِ أُحدِثَ في الإسلام نَعْشُ فاطمةَ سلام الله علیها، إنّها اشْتَكَتْ شكاتها التي قُبِضَت فيها، وقالت لأسماء: إنّي نحلت فذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يَسْتُرني؟

فقالت أسماء: إنّي إذ كنتُ بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لكِ؟ فإن أعجبكِ صنعتُ لكِ.

قالت: نعم.

فدعت بسريرٍ فأكبّته لوجهه ، ثُمَّ دعت بجرائد فشددته على قوائمه، ثمّ جلَّلته ثوباً، فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون.

ص: 312


1- كشف الغمّة 2: 126، وسائل الشيعة 3: 3459/221

فقالت : اصنعي لي مثله، استريني سَتَرَكِ الله من النار».(1)

وعن ابن عبّاس قال: مرضت فاطمة سلام الله علیها مرضاً شديداً، فقالت لأسماء بنت عمیس:

«ألا تَرَينَ إلى ما بلغت؟ فلا تحمليني على سرير ظاهر».

فقالت : لا لعمري، ولكن أصنع نعشاً كما رأيت يصنع بالحبشة .

قالت: «فأرينيه».

فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق، ثمّ جَعَلت على السرير نعشاً، و وهو أوّلُ ما كان نعش فتبسمت وما رأيتها متبسّمة إلا يومئذٍ، ثمّ حملناها فدفناها ليلاً.(2)

أين النساء اللاتي يدعين بأنهنّ من شيعة ومحبّي سيدة نساء العالمين؟! ليستفدن من عفافها وتقواها درساً في حجب أجسادهن عن الناظر ليس في الحياة فحسب، بل عليهن أن يفكرن في حجاب وستر أجسادهن حتى بعد الموت أيضاً، وإلى آخر لحظات عمرهن يسعين لكسب رضا صاحب العصر

والزمان علیه السلام ليشملهنّ بدعائه ورعايته .

النقطة الثانية: استعمال الطيب في مذهب أهل البيت علیهم السلام

إن استعمال الطّيب للرجال في الإسلام مستحب وله قيمة خاصة، حتى إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال :

«حَبَّبَ إِليَّ مِنْ دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرّة عيني في الصلاة».(3)

ص: 313


1- تهذيب الأحكام 1: 1540/469، وسائل الشيعة 3: 3455/220
2- كشف الغمّة 2: 126 ، وسائل الشيعة 220:3 - 3458/221
3- عوالى اللآلئ 3: 74/296 ، المصنف للصنعاني 4: 7939/321 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19: 341

فعن الصادق علیه السلام قال :

كانَ رسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم يُنْفِقُ على الطِّيبِ أكثر ممّا يُنفق على الطعام».(1)

وقال الباقر علیه السلام:

كان في رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثلاث خصال لم يكن في أحدٍ غيره لم يكن له في ءٌ : وكان لا يمرُّ في طريق فَيُمَرُّ فيه بَعْدَ يومين أو ثلاثة إلا عُرف أنه قَدْ مَرَّ فيه؛ لطيب عرفه . وكان صلی الله علیه و آله وسلم لا يمرُّ بحجرٍ ولا بشجرٍ إِلا سَجَدَ لَهُ. . وكان له لا يُعْرَضُ عليه طيب إلا تطيَّب بهِ، ويقول: هو طيَّبٌ رِيحه خفيف محمله، وإن لم يتطيَّب وضَعَ إصبحُ في ذلك الطيب ثمَّ لَعَقَ منه.

وكان صلی الله علیه و آله وسلم يقول : جَعَلَ لذَّتي في النساء والطِّيبِ، وَجَعَلَ قُرَّةَ عيني في الصلاة والصوم».(2)

استعمال الطيب للنساء!

إنّ هذه السنّة مؤكّد عليها، حتّى مَنْ يصرف عليها كثيراً في شراء الطيب لا يُعدّ مسرفاً.

لكن هذا المعنى للنساء يكون معكوساً. مع أن تطيب المرأة المسلمة لزوجها من متطلبات الحياة الزوجية.(3)

أما لو وصل طيب المرأة إلى مشام الرجل الأجنبي، إضافة إلى أنها تكون مورد غضب الله تعالى، فبعملها هذا تؤدّي إلى هيجان الشهوة عند رجال وشباب المجتمع ؛ فلذلك قالت الزهراء سلام الله علیها لأبيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «إِنْ لَمْ يَكُنْ

ص: 314


1- بحار الأنوار 16 : 248
2- بحار الأنوار 16: 249
3- انظر بحار الأنوار 10 : 100

يَراني فإنّي أراهُ وهو يَشُمُّ الرِّيحَ».

فمعنى جواب الزهراء سلام الله علیها هو حتى لو كنت في البيت بلا حجاب والرجل ضرير، لكن لديه حاسة الشَّمّ فبإمكانه أن يَسمَّ رائحتي، ولا أرضى للمسلمين أن يغفلوا عن ذكر الله تعالى إلى هذا الحدّ ويُساقون إلى غير طريقه .

فالنبي وأهل بيته علیهم السلام أكدوا كثيراً على هذا المطلب وأوصوا رجال المسلمين أن لا تخرج نساؤهم من البيت وهنّ متطيبات، كما أوصوا النساء بذلك أيضاً.

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

«أيُّ امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِها، فَهِيَ تُلْعَنُ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى بَيْتِها متى ما رَجَعَتْ».(1)

وفي حديث آخر قال صلی الله علیه و آله وسلم:

«أيُّمَا رَجُلٍ تَتَزَيَّنُ امْرَأَتُهُ وتَخْرُجُ مِنْ بَابِ دارِها ، فَهُوَ دَيُّوتُ (2)، ولا يأثم مَنْ يُسَمِّيهِ دَيُّوثاً. والمرأَةُ إذا خَرَجَتْ مِنْ باب دارها مُتَزَيَّنَةٌ مُتَعَطِّرَةً، والزَّوج

(3) بذلك راضٍ؛ يُبْنَى لِزَوْجِهَا بِكُلِّ قَدَمٍ بيتُ في النَّارِ».(3)

وقال الإمام الصادق علیه السلام:

«أَيُّما امْرَأَةٍ تَطَيَّبَت لِغَيْرِ زَوْجِهَا لَمْ يَقْبَل اللهُ مِنْها صَلاةً حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ طيبها كَغُسْلِها مِنْ جَنَابَتِها». (4)

ص: 315


1- الكافي 5 : 2/51 ، ثواب الأعمال: 259 ، وسائل الشيعة 20 : 25308/161 ، بحار الأنوار 100: 27/27 ، وفيه: أيّة، بدل أي
2- الدَّيُوثُ : الذي لا غَيْرَةَ لَه. المحيط في اللغة 9: 337، الصحاح للجوهري 1: 419 «دَيَثَ»
3- بحار الأنوار 100: 38/249 ، مستدرك سفينة البحار 4: 396
4- الكافي :5 : 2/507 ، من لا يحضره الفقيه 3: 4521/439، وسائل الشيعة 20 : 25305/160

إنّ النساء اللاتي يطلبن شفاعة الزهراء سلام الله علیها من لحظة الموت إلى قيام الساعة، ووقوفهنّ في محكمة العدل الإلهيّة؛ يجب عليهن مراعاة هذه الأوامر الصادرة عن أهل بيت النبوة علیهم السلام، وتهيئة أنفسهن للعمل بتلك الأوامر.

ص: 316

الفضيلة الثامنة والعشرون : أفضل عمل النساء

اشارة

روي عن عليٍّ علیه السلام قال :

كُنَّا عِنْدَ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال : أخْبِرُونِي أَيُّ شَيْءٍ خَيْرٌ للنِّساءِ؟

فَعَيينا بذلكَ كُلُّنا حَتَّى تَفَرَّقْنا ، فَرَجَعْتُ إلى فَاطِمَةَ سلام الله علیها فَأَخْبَرْتُها الذي قال لنا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنّا عَلِمَهُ وَلا عَرَفَهُ.

فقالت : وَلكِنِّي أَعْرِفُهُ: خَيْرُ للنّساءِ أَنْ لا يَرَيْنَ الرِّجَالَ ولا يَرَاهُنَّ الرِّجالُ.

فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم : يا رَسُول الله ! سَأَلْتَنا أَيُّ شَيْءٍ خَيْرٌ للنِّساءِ ؟

وخَيْرٌ لَهُنَّ أنْ لا يَرَيْنَ الرّجالَ ولا يَرَاهُنَّ الرّجالُ.

قال : مَنْ أَخْبَرَكَ فَلَمْ تَعْلَمْهُ وأَنتَ عِندي ؟!

قلتُ : فَاطِمَةُ سلام الله علیها

فأَعْجَبَ ذلكَ رسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم وقال : «إِنَّ فاطِمَةَ بَضْعَةٌ منِّي».(1)

ص: 317


1- كشف الغمّة 2: 94 ، بحار الانوار 43: 54 وسائل الشيعة 20: 25054/67 . وانظره بهذا المضمون في مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2 : 680/210 ، إحقاق الحق 10: 257 ، حلية الأولياء 2 : 40 ، مقتل الحسين للخوارزمي 62:1 ، مجمع الزوائد 4: 255 كنز العمال 16: 46012/602 ، سبل الهدى والرشاد 11: 45

سرّ عدم جواب أمير المؤمنين علیه السلام عن سؤال النبي صلى الله عليه و آله وسلم!

في توضيح هذا الحديث يجب القول : إن عدم إجابة أمير المؤمنين علیه السلام عن سؤال النبي صلى الله عليه و آله وسلم ليس أنّ أمير المؤمنين علیه السلام كان لا يعرف الجواب، بل كان سكوته من أجل التعريف بمقام زوجته فاطمة سلام الله علیها للآخرين.

وكذلك تعجب النبي صلى الله عليه و آله وسلم من جواب ابنته ليس من عدم علم بقدرة الزهراء سلام الله علیها الفكرية ، بل كان تعجبه صلى الله عليه و آله وسلم من باب التصديق بعلم وقدرة الزهراء سلام الله علیها الفكرية .

وأنّ قوله صلى الله عليه و آله وسلم: «فاطمة بضعة منّي» ما هو إلا تبيين بأن الزهراء سلام الله علیها مثله صلى الله عليه و آله وسلم لديها العلم اللدنّي من الله تعالى.

من الواضح أنّ أفضل عمل يذكر للمرأة المسلمة، هو رعايتها للستر والحجاب، فالرعاية لها الأثر الكبير في روح المرأة ومعنويتها، ومن هذا الطريق تستطيع المرأة أن تحصل على جميع أمانيها المعنوية.

إنّ أفضل أمنية للمرأة الشيعية في عصر الغيبة، هي حصولها على رضا إمام زمانها أرواحنا فداه والابتعاد عن كلّ ما يغضبه والوصول إلى معرفته ومحبته ؛ وبالنتيجة فتح طريق الوصل به علیه السلام، ولو مرة واحدة بالعمر.

ونستفيد من أحاديث أهل البيت علیهم السلام أن إمام كلّ زمانٍ يحضر في آخر لحظات عمر شيعته عند احتضارهم، ويُشارك في تشييع جنائزهم، ويصلّي عليهم، وهذا وحده كافٍ لأن يؤدّي إلى السعادة الأبدية الخالدة.

أفضل عمل للمرأة هو رعاية الحجاب الكامل

إن الذي يُعين المرأة المسلمة قبل كلّ شيء في هذه الرواية، ويُعتبر أفضل

ص: 318

عملٍ لها هو رعاية الحجاب وستر نفسها من عيون الأجانب، فالنظر له الأثر الكبير في الفساد والانحراف الأخلاقي، فرعايته تؤدّي إلى تهيئة أرضية العيش الطاهر، والبقاء على الطهارة والعلاقة مع الطاهرين.

أُشِيرَ إلى هذا الأمر المهم في الآيات والروايات.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم خطاباً لنبيه صلى الله عليه و آله وسلم.

«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابيبهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا».(1)

يُعنوِنُ الله تبارك وتعالى بلطافة لقاء الرجل بالمرأة الأجنبية، ويأمر بكيفية الحديث مع نساء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، حيث يقول تعالى:

«وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبهنَّ».(2)

لو دُقِّق في رموز وإشارات هاتين الآيتين؛ لتعلمنا منهما دروساً عميقةً في خصوص الحجاب وحدوده، منها:

أوّلاً: أن يكون حجاب المرأة المؤمنة بحيث تُعرَف في المجمتع بالعفاف والطهارة وبالنتيجة تُحفظ من وساوس رجال وشباب ذلك المجتمع ولا

يتعرّضون لها.

ثانياً : ذهاب وإياب المرأة المؤمنة في ظل الحجاب ينبغي أن يكون بشكلٍ يؤدّي إلى طهارة القلوب، وحفظ العيون من النظرات المسمومة لها.

من الواضح أنّ الحجاب الذي يُعين المرأة أو الفتاة الشيعية في البلوغ إلى هذا الهدف، هو العباءة التي ليس فيها سوى الطهارة والعفاف، يُغطّي كل أجزاء

ص: 319


1- سورة الأحزاب 33: 59
2- سورة الأحزاب 33: 53

بدنها، ويخفي جمالها عن الناظرين، ويهبها الوقار والمتانة، بحيث كلّ من ينظر إليها يرى فيها التقوى والطهارة والعفاف واجتناب المعصية وهوى النفس.

هناك جدل وبحث فقهي حول مقطع الآية: «ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ»(1)، ومقطع الآية: «ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ»(2)، مفاده : إنّ الآيتين هل هما علة للحكم السابق، أو هما حكمة له؟

فلو كانتا علّة، فهما دليل على وجوب الستر الكامل لا سيّما بالعباءة؛ ولو كانتا حكمة فهما ليستا دليلاً على وجوب الحجاب بهذا الشكل المذكور في الآيتين.

اختار مجموعة من العلماء القول الأول، واختار آخرون القول الثاني، ونحن هنا لسنا في مقام كيفية استنباط وجوب الحجاب، بل كلامنا ح-ول الحجاب الذي يقرّب المرأة المسلمة لحظة بلحظة من الله تعالى، والذي له الأثر الكبير في التوفيق المعنوي لتلك المرأة المسلمة، وه-و أسرع الطرق للوصول إلى حضرة صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه، تحذو حذوه، ويقربها من الهدف القرآني للحجاب.

بعبارة فنيّة علميّة نقول : لقد جرت سيرة المتشرّعين من زمن الأئمّة المعصومين علیهم السلام إلى زماننا هذا على هذه الطريقة، حتى عُرف الحجاب شعاراً للمرأة المؤمنة التقيّة الطاهرة.

ومن جانبٍ آخر، فإنّ هذه السيرة المستمرّة تبيّن معنى «الجلباب» في الآية الشريفة، وتبيّن المقصود من الحجاب الكامل في الآيات القرآنية الأخرى، مع هذا البيان، فلا يصدق الحجاب على غير العباءة واللباس الذي يستر كلّ بدن المرأة وما يعتبر جمالاً وزينةً لها

ص: 320


1- سورة الاحزاب 33: 59
2- سورة الأحزاب 33: 53

في الوقت الذي عيّن الله تعالى حد وحدود لصوت المرأة فقال خطاباً لنساء النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

«فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا».(1)

فلا معنى لعدم تحديد الحجاب؛ فلذلك أفتى بعض العلماء على وجوب ستر الوجه أيضاً بصورة احتياط وجوبي.

يعني : إِنّ هؤلاء الفقهاء الذين يرون وجوب ستر الوجه حصلوا على أدلّة من آيات وروايات لا تسمح لهم بتجاوزها في وجوب ستر الوجه، ولو على الاحتياط الوجوبي، وبالاستناد على تلك الأدلة أفتوا بوجوب ستر الوجه. وهنا يمكن الرجوع إلى فقيه آخر جامع للشرائط لم يُفتِ بالاحتياط في

ستر الوجه وفتواه في هذه المسألة لا وجوب فيها.

ينبغى التنبيه على أنّ كلّ الفقهاء أفتوا بوجوب الحجاب، والستر الكامل للمرأة، واستثنى بعضهم ستر الوجه والكفين إلى الرسغ .

وبعض آخر أفتى بوجوب ستر الوجه على الوجوب الاحتياطي.

جزاء النساء اللاتى لا يراعنَّ الحجاب!

إنّ عدم رعاية الحجاب الكامل من قِبَل المرأة المسلمة له عقاب كبير من الله تعالى لا يمكن لأحد تحمّله .

عن عليٍّ علیه السلام قال :

«دخلتُ أنا وفاطمة على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فَوَجَدْتُهُ يبكي بكاء شديداً!

فقلت له : فِدَاكَ أبي وأُمّي يا رسول الله، ما الذي أَبْكَاك؟

فقال : يا عليّ! ليلة أُسْرِيَ بي إلى السَّماءِ رأيتُ نساءً من أُمتي في عذابٍ

ص: 321


1- سورة الأحزاب 33: 32

شديدٍ، فأنكرت شَأنهنّ؛ فبكيتُ لما رأيت من شدة عذابهن ، ثم ذكر حالهنّ - إلى أن قال -

فقالت فاطمة : حبيبي وقُرَّةَ عَيْنِي أخبرني ما كان عملهنّ، فقال:

أمّا المُعَلَّقَةُ بِشَعْرِها ، فَإنَّها كانت لا تُغَطِّي شَعْرَها من الرِّجالِ .

وأمّا المُعَلَّقَةُ بِلِسَانِها ، فإنَّها كانت تُؤذِي زَوْجَها .

وأمّا المُعَلَّقَةُ بِثَدْيَيْها ، فإنَّها كانت تُرْضِعُ أولادَ غَيْرِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ.

وأمّا المُعَلَّقَةُ بِرجلَيْها، فإنَّا كانت تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِها بَغَيْرِ إذْنِ زَوْجِها .

وأما التي كانت تأكُلُ لَحْمَ جَسَدِها ، فإنّها كانت تُزَيِّنُ بَدَنِها للناسِ.

وأمّا التي تُشَدُّ يَداها إلى رِجْلَيْها وتُسَلَّطُ عَلَيْها الحَيَّاتُ والعَقَارِبُ ، فإنّها كانت قَذِرَةَ الوُضوءِ، والتَّياب، وكانت لا تَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ والحَيْضِ ولا تَتَنظَّفُ، وكانت تَسْتَهِينُ بالصلاة.

وأمّا العَمْيَاءُ الصَّمَّاءُ الخَرْسَاءُ، فإنّها كانت تَلِدُ مِنَ الزّنا فَتُعَلَّقَهُ في عُنُقِ زَوْجِها.

وأمّا التي كات تُقْرَضُ لَحْمُها بالمَقارِيضِ، فإنّها كانت تَعْرِضُ نَفْسَها على الرِّجالِ .

وأمّا التي كانت تُحْرَقُ وَجْهَها وبَدَنُها وهيَ تَجُرُّ أَمْعاءَها، فإنَّها كانت قَوَّادَةٌ .

وأمّا التي كان رَأسُهَا رَأسَ خِنْزِيرٍ وبَدَنُها بَدَنَ الحِمارِ ، فَإِنَّها كانت نَمَّامَةً كَذَّابةً.

وأمّا التي كانت على صُورَةِ الكَلْبِ والنَّارُ تَدْخُلُ في دُبُرِها وتَخْرُجُ مِنْ فيها، فإنها كانت قَيْنَةً نَوَاحَةً حاسِدَةً .

ثمّ قال : وَيْلٌ لامْرَأَةٍ أَغْضَبَتْ زَوْجَهَا ، وَطُوبَى لامْرَأَةٍ رَضِيَ عَنْهَا زَوْجُها».(1)

خطاب أمير المؤمنين علیه السلام للرجال الغيارى

إنّ المرأة المحترمة التي وضعت وسام محبّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها على

ص: 322


1- عيون أخبار الرضاء 2: 24/10 ، وسائل الشيعة 20: 25457/213

صدرها، يجب عليها أن تراعي حجابها وستر بدنها كاملاً عن نظر الأجنبي؛ لتنجو بنفسها من أهوال ما بعد الموت، ولتبقى محبة ومعرفة الزهراء سلام الله علیها علي محفوظة لها ولأبنائها الذين يتأسون بها، وليحصلوا بذلك على السعادة والنعم المعنويّة الإلهية في الدنيا والآخرة.

ومن جهةٍ أُخرى، فالرجال الشرفاء الغيارى الذين يدعون التشيع لأمير المؤمنين علیه السلام ولديهم غيرة الله ؛ ينبغي عليهم أن يمنعوا نساءهم وبناتهم من التواجد في الأماكن المزدحمة بالرجال؛ ليجتنبن بذلك مضايقة الرجال والفتيان لهنّ.

قال أمير المؤمنين علیه السلام خطاباً لأولئك الرجال:

«أما تَسْتَحْيُونَ ولا تُغَارُونَ نِسَاؤُكُم يَخْرُجْنَ إلى الأسواق ويُزاحِمْنَ العَلُوج؟!».(1)

ص: 323


1- الكافي 5: 6/7 ، وسائل الشيعة 20: 235 - 25521/236

ص: 324

الفضيلة التاسعة والعشرون : فضيلة المخدّرات في مدرسة الزهراء سلام الله علیها

اشارة

عن موسى بن جعفر ، عن آبائه علیهم السلام قال :

«قال عليّ علیه السلام: سَأَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم أصحابَهُ عَنِ المرأةِ ما هِيَ ؟

قالوا : عَوْرَةٌ.

قال: فَمَتى تَكُونُ أدنى مِنْ رَبِّهَا ؟ فَلَمْ يَدْروا!

فَلَمَّا سَمِعَتْ فاطمة سلام الله علیها ذلك قالت : أَدْنى ما تَكُونُ مِنْ رَبِّها أَنْ تَلْزَمَ قَعْرَ

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنّي».(1)

فضيلة المرأة تواجدها في بيتها

يُعتبر البيت محيطاً صغيراً في العرف الاجتماعي، لكنّه نعمة عظيمة جداً غفل عنها وعن تأثيرها في هداية وسعادة وانحراف وشقاء المجتمع - الكثير

ص: 325


1- بحار الأنوار 43: 92 عوالم العلوم 1/11 : 4/276 ، وانظره بتفاوت يسير في النوادر للراوندي : 119 ، العدد القوية: 17/224، مستدرك الوسائل 14: 182 / 16450 ، مجمع النورين : 28 - 29 ، المناقب لابن المغازلي: 430/381

من الناس؛ لأنّ الأعباء الثقيلة التي يتحمّلها الرجل من جراء أعماله في المجتمع تؤدّي إلى تعب جسمه وروحه، فعندما يدخل البيت يضع هذه الأعباء جانباً، فحينما يتعب الرجل من الأعمال والصخب اليومي خارج البيت، يلجأ إلى بيته ليستريح من ذلك التعب.

ومن جهةٍ أُخرى، فإنّ البيت مكان لتربية الرجال والنساء الفاضلات، والأعمال البيتية هي وحدها تصنع الشخصيات التي تتعهد بتعليم وتربية الأطفال، فارتقاء ونزول المجتمع الإنساني له علاقة مباشرة بصلاح هذه البيئة.

فإنّ إدارة هذا الملجأ الحسّاس في الحياة يكون بعهدة المرأة المؤمنة الطاهرة، ويعود فساد وصلاح أي مجتمع إلى كيفية الإدارة والتعليم في هذا

الصف المهم من ناحية النساء.

ليس اعتباطاً عندما تُسأل الزهراء سلام الله علیها: متى تكون المرأة أدنى من ربِّها؟

فتقول: «أدنى ما تكون من ربِّها أن تَلْزَم فَعْرَ بَيْتها».

لأن بقاء المرأة فى البيت تجعلها تهتم بأمور البيت وتهيئة الأجواء الهادئة للزوج وتربية الأطفال والرجل أيضاً باستطاعته أن يؤدي وظائفه المادية والمعنوية على أفضل وأكمل وجه عندما يباشر عمله بفكر هادئ، بعد استراحة تامة نالها في البيت وكذلك الأبناء يمكنهم أن يكونوا أفراداً مؤثرين

وشعداء عندما يكونوا قد تربوا في محيط البيت تربية صحيحة .

والمرأة المؤمنة صاحبة الذوق السليم باستطاعتها أن تجعل من البيت روضة من رياض الجنّة، ومهداً لتربية الأطفال ومكاناً لاستراحة الزوج.

امرأةٌ صالحة خيرٌ من ألف رجل !

بغض النظر من أن هذا العمل له تأثير مباشر في هداية المجتمع نحو الخير

ص: 326

والصلاح والهدوء والأمن، وفي النهاية فيه سعادة الدنيا والآخرة ؛ فله أيضاً ثواب كبير جداً أشار إليه رسول الله وأهل بيته علیهم السلام في أحاديثهم.

نستعرض نماذج من أحاديثهم :

عن الصادق علیه السلام قال :

«سألت أُمّ سلمة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن فضل النساء في خدمة أزواجهنّ فقال: أَيُّما امرأةٍ رَفَعَت من بيتِ زَوْجِها شيئاً من موضع إلى موضع تُرِيدُ به صلاحاً نَظَرَ اللهُ إليها، ومَنْ نَظَرَ اللهُ لَهُ لَمْ يُعَذِّبْهُ».(1)

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«جِهادُ المرأةِ حُسْنُ التَّبَعُلِ».(2)

وفي كلام آخر قال علیه السلام:

«الامرأة الصالحة خيرٌ مَنْ أَلْفِ رَجُلٍ غير صالح، وأيما امرأةٍ خدمت زوجها سبعة أيام أغْلَقَ اللهُ عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب

الجَنَّةِ تَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَت».(3)

وقال علیه السلام في حديث آخر:

«مَا مِنْ امرأةٍ تَسْقِي زَوْجَها شربة من ماءٍ إلا كان خيراً لها مِنْ عِبادة سنة صيام ونهارها وقيام ليلها ويبني الله لها بكلِّ شربة تسقي زوجها مدينة في الجنّةِ، وغَفَرَ لها ستين خطيئة».(4)

ص: 327


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 7/335 وسائل الشيعة 21: 27557/451 ، بحار الأنوار 100: 49/251
2- الكافي 5: 4/507 ، بحار الأنوار 100: 23/245
3- عوالي اللالئ 1: 81/2770 وسائل الشيعة 21: 25343/172، مستدرك الوسائل 14: 16632/254
4- وسائل الشيعة 21: 25344/172

مع كلّ الذي سبق، فمن الواضح أن يكون تواجد المرأة في البيت أقرب لها من الحجاب والطهارة، فليس اعتباطاً أن جُعِلَ البيت مسجداً للمرأة لأداء صلاتها، مع كلّ التأكيد بإقامة الصلاة في المساجد، لذلك أمر الله نساء النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقوله:

«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى».(1)

وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

«أكرمُ النِّساءِ بَعْدَ نساء الأنبياء: المؤمناتِ المُطيعات لأزواجهن الجالسات في بيوتهنّ».(2)

كم هو جميل كلام سيدة النساء سلام الله علیها ودرس كبير لجميع المسلمين عندما قسَّم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم العمل بين علي وفاطمة علیهما السلام.

عن أبي عبدالله ، عن أبيه علیهما السلام قال:

«تقاضى عليّ وفاطمة إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في الخدمة، فقضى على فاطمة سلام الله علیها

بخدمتها ما دون الباب، وقضى على عليٍّ علیه السلام بما خَلْفَه.

قال: فقالت فاطمة: فلا يَعْلَمُ ما دَخَلَنِي من السُّرورِ إلا الله باكفائي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تحمل أرقاب الرجال».(3)

ص: 328


1- سورة الأحزاب 33: 33
2- المواعظ العددية : 158
3- قرب الاسناد 52 ،170 ، بحار الأنوار 43: 1/81، وسائل الشيعة 20: 25341/172

الفضیلة الثلاثون : النساء اللّتي تشملهنّ شفاعة الزهراء سلام الله علیها

اشارة

عن ابن عبّاس قال : إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان جالساً ذات كان جالساً ذات يوم وعنده عليّ

وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام... إلى أن قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:

«يا عليّ ! أنتَ إمامُ أُمَّتي، وخَلِيفَتى عَلَيْها بَعْدِي، وأنْتَ قَائِدُ المُؤمِنِينَ إِلَى الجَنَّةِ، وكأَنِّي أنظُرُ إلى ابنتي فاطِمَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى نَجِيبٍ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمينِها سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ، تَقُودُ مُؤمِناتِ أُمَّتى إلى الجَنَّةِ، فأيما امرأةٍ صَلَّت في اليَوْمِ واللَّيلِةِ خَمْسَ صَلَواتٍ، وَصَامَتْ شَهْرَ رَمَضانَ، وَحَجَّتْ بَيْتَ الله الحرام، وزَكَّت مَالَها ، وأَطاعَت زَوْجَهَا، وَوالَت عَلِيّاً بَعْدِي ؛ دَخَلَتْ الجَنَّةِ بِشَفَاعَةِ ابنتي فاطِمَةَ، وأنَّها لَسَيّدة نساءِ العَالَمِين ...». (1)

طاعة المرأة لزوجها علامة شمولها بشفاعة الزهراء سلام الله علیها

اشارة

إن المسألة المهمة المذكورة في هذه الرواية للمرأة المسلمة بعد الصلاة

ص: 329


1- الأسالي للشيخ الصدوق : 574 - 787/575 ، بشارة المصطفى: 177، بحار الأنوار 8: 76/58 و 43: 20/24 ، عوالم العلوم 2/11 : 2/1162

اليومية، وصوم شهر رمضان والحج وأداء الزكاة - وهي تعتبر من إحدى أركان الأعمال العبادية بعد قبول ولاية أمير المؤمنين علیه السلام، ولها الدور الكبير في قبول الأعمال والوصول إلى الكمال والمقام المعنوي العالي، وتؤدّي إلى حصول المرأة الموالية لأمير المؤمنين علیه السلام على شفاعة الزهراء سلام الله علیها؛ كسب رضا الزوج وطاعته، الذي للأسف قل الاهتمام بها هذه الأيام في المجتمع، فهذه الطاعة يمكن ملاحظتها من عدة زوايا :

1 - مسألة النكاح

إنّ المرأة المسلمة يجب عليها إطاعة زوجها في مسألة النكاح بالصورة الشرعيّة وتلبية متطلبات زوجها؛ لأنّ عدم رعاية هذه المسألة من قبل المرأة تؤدّي إلى انحراف الكثير من الرجال، وبالتالي يجرّ إلى فساد المجتمع، وأحياناً تؤدّي إلى الخلافات بين العائلة والحالات العصبية التي تنتج عنها انهيار العائلة .

لقد حرّم الله تعالى على المرأة في هذه المسألة عصيان زوجها؛ من أجل منع كلّ هذه المشاكل ، حتى أنهنّ مُنِعنَ من تطويل الصلاة؛ من أجل متعة أزواجهنّ.

عن أبي جعفر علیه السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم للنساء : لا تَطُولَنَّ صَلاتَكُنَّ لِتَمْنَعْنَ أَزْواجُكُنَّ».(1)

وعن أبي عبدالله علیه السلام قال: «إِنَّ امرأةً أَتَتْ رسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم لِبَعْضِ الحَاجَةِ ، فقال لها : لَعَلَّكِ مِنَ المُسوفات ؟!

قالت: وما المسوفات يا رسول الله ؟

:قال المرأةُ التي يَدْعُوها زَوْجُها لِبَعْضِ الحَاجَةِ فلا تَزَال تسوفهُ حَتَّى يَنْعس

ص: 330


1- الكافي 5 : 1/508 وسائل الشيعة 25316/164:20

زَوْجها فَيَنَام ، فَتِلْكَ التي لا تَزَال الملائكة تَلْعَنها حَتَّى يَستَيْقِظ زَوْجَها».(1)

2 - تجميل المرأة نفسها لزوجها

وظيفة أُخرى جعلها الله تعالى في عهدة المرأة، وهي التجميل، ولبس أفضل الثياب، ووضع الطيب لزوجها، كما نهاها الله بشدَّة أن تتزين وتضع الطيب لغير زوجها، وهذا أيضاً من المطالب والحقوق التي أكدها أهل البيت اهل بیت في أحاديثهم .

عن الصادق علیه السلام قال :

جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقالت : يا رسول الله ما حق الزوج على المرأةِ؟ قال: وَعَليْها أن تطيّب بأطيب طيبها وتَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابَها وتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ زِيْنَتِها وتَعْرِضَ نَفْسَها عَلَيهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ...».(2)

يُستفاد من بعض الروايات بأن المرأة التى لا تهتم بمسألة الطيب والزينة لزوجها، وتزين نفسها للآخرين ؛ يغضب الله تعالى عليها ويُذيقها أنواع العذاب.

قال الإمام الصادق علیه السلام:

«... ونَهَى أَن تَتَزَيَّنَ لِغَيْرِ زَوْجِهَا، فَإِنْ فَعَلَتْ كان حقاً على اللهِ أن يُحرقها بالنار».(3)

وفي حديث آخر يقول علیه السلام:

«لا يَنْبَغِي للمرأةِ أَن تُجَمِّرَ ثَوْبَهَا إِذا خَرَجَتْ مِن بَيْتِهَا».(4)

ص: 331


1- الكافي 5: 2/508 وسائل الشيعة 20: 25317/164
2- الكافى 5: 7/508 ، وسائل الشيعة 20: 25301/158
3- من لا يحضره الفقيه 4: 1/3 ، وسائل الشيعة 20: 161 - 162 / 25310
4- الكافي 5: 2/518 وسائل الشيعة 20: 25309/161

3 - الطاعة بعدم الخروج من البيت

المرأة إحدى المخلوقات اللطيفة التي خلقها الله تعالى، ووهبها قلباً حنوناً؛ فلذلك تكون دائماً عرضة للخطر خارج البيت من أولئك الذين ينصبون شباك الفساد في المجتمع.

فالمجتمع فيه نوع من الرجال المؤمنين لديهم إدراك كبير وتشخيص واسع ودقيق فيما يدور بين الناس من المفاسد، ولديهم معلومات دقيقة حول

النساء خروج من البيت ؛ لذلك أعطى الله تعالى الرجال الحق بمنع خروج زوجاتهم من البيت بدون إذنهم ؛ حتى يحفظونهنّ من خطر الانزلاق نحو الفساد، وكذلك أوجب على النساء إطاعة أزواجهن وكسب رضاهم؛ ليكونن في مأمن من الخطر المحتمل.

إضافة إلى أن خروج المرأة من البيت بدون إذن زوجها ورضاه تضييع لحق الزوجيّة الذي يُعتبر من أهم حقوق الزوج في عنق زوجته؛ فلذلك يجازي الله تعالى النساء اللاتي يحصلن على رضا أزواجهن ولا يخرجن من البيت إلا بإذنهم ثواباً جزيلاً تشجيعاً لهن لحصولهنّ على الكمال.

عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

«إنّ رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم خرج في بعض حوائجه، فعهدَ إلى امرأته أن لا تخرج من بيتها حتَّى يَقْدِم.

قال: وإن أباها قد مَرِضَ، فبَعَثَت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تَسْتَأْذِنه أن تَعُوده فقال : لا ، اجلسي في بيتكِ وأطيعِى زَوْجَكِ .

قال: فَتَقُلَ ، فأرسلت إليه ثانياً بذلك ، فقال : اجلسي في بيتكِ وأطيعي زوجكِ . قال: فمات أبوها، فبعثت إليه إنّ أبي قد مات فتأمرني أن أُصلّى عليه ؟ فقال: لا، اجلسي في بيتكِ وأطيعي زوجكِ.

ص: 332

قال: فَدُفِنَ الرجل، فَبَعَثَ إليها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : إن اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكِ ولأبيكِ بطاعَتِكِ لزوجكِ».(1)

نعم، هذه نتيجة طاعة المرأة لزوجها واحترامها والتزامها بأمر الله تعالى. أما المرأة التي لا تحترم ولا تلتزم بهذا الأمر الربّاني، وتخرج من بيتها بدون إذن ورضا زوجها؛ فتلعنها ملائكة السماء وكلّ شيء في الأرض إلى أن تعود ويرضى عنها زوجها.

عن جعفر بن محمد، عن آبائه علیهم السلام في حديث المناهي - قال :

«نَهَى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن تَخْرُجَ المَرأةُ مِن بَيْتِها بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنْ خَرَجَتْ لَعَنَها كُلُّ مَلَكِ في السماءِ وَكُلُّ شَيْءٍ تَمُرُّ عَلَيهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْأَنْسِ حَتَّىٰ تَرْجِعَ إِلى بَيْتِها».(2)

لعل المراد من لعنة الإنسان في هذه الرواية هي نزول غضب الله تعالى على تلك المرأة بعدد الأشخاص والأشياء التي تمرّ عليها عند خروجها من

بيتها بدون إذن زوجها.

4 - الطاعة في حفظ أموال الزوج ، وعدم صرفها بدون إذنه

إنّ من إحدى الحقوق المسلمة للزوج في عنق زوجته في الحياة المشتركة لهما، أن تكسب الزوجة رضا زوجها بالحفاظ على أمواله، وعدم التبذير والإسراف فيها، فيجب على المرأة أن لا تصرف أي شيء من أموال زوجها بدون إذنه، حتى ولو كانت صدقة إلا من أموالها الشخصيّة التي تُعتبر

ص: 333


1- الكافي 5: 1/513 ، من لا يحضره الفقيه 3: 1333/280 بتفاوت يسير، وسائل الشيعة 20: 174 - 175 / 25350
2- من لا يحضره الفقيه 4: 1/3 ، وسائل الشيعة 20: 161 - 25310/162

من نفقة الزوج على زوجته أو التي تكسبها بنفسها وملكاً شخصيّاً لها.

إن في أحاديث النبي وأهل بيته علیهم السلام التأكيد على رعاية هذا الأمر، حيث يُعتبر من الصفات الجميلة واللائقة في المرأة المسلمة، ويعتبر وجوده فيها رمزاً لاستفادة المرء المسلم على أفضل الفائدة بعد فائدة ،الإسلام وطريقاً لتحصيل خير الدنيا والأخرة!

عن أبي عبدالله ، عن آبائه علیهم السلام قال:

«قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: ما اسْتَفَادَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ فَائِدَةً بَعْدَ الإِسلام أَفْضَلُ مِنْ زَوْجَةٍ مُسْلِمَةٍ تَسُرُّهُ إذا نَظَرَ إليها وتُطيعه إذا أَمَرَها وتَحْفَظُهُ إِذا غَابَ عَنْها فِي نَفْسِها و مَالِهِ».(1)

وعن أبي جعفر علیه السلام قال:

«قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: قال الله عزوجل : إذا أَرَدْتُ أَن أَجْمَعَ للمُسْلِم خَيْرَ الدُّنيا وخَيْرَ الآخِرَةِ جَعَلْتُ لَهُ قَلْباً خَاشِعاً ، ولِسَاناً ذَاكِراً ، وجَسَدَاً على البَلاءِ صَابِراً ، وَزَوْجَةً مُؤْمِنَةً تَسُرُّهُ إِذا نَظَرَ إليها وتَحْفَظُهُ إذا غَابَ عَنْها فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ».(2)

وفي هذا الخصوص عندما يُسئل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عن حق الزوج على المرأة، يقول:

«... أَنْ تُطِيْعَهُ ولا تَعْصِيَهُ، َولا تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ...».(3)

وفي حديث آخر قال صلی الله علیه و آله وسلم:

«... ولا تُعْطِي شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَعَلَيْها الوِزْرُ ولَهُ الأَجْر...».(4)

ص: 334


1- الكافي 5: 1/327 تهذيب الأحكام 7: 1047/240، وسائل الشيعة 20: 40 - 24979/41
2- الكافي 5 : 2/327 ، وسائل الشيعة 24977/40:20
3- الكافي 5 : 506 ضمن ح6 ، وسائل الشيعة 20: 157 - 158 ضمن ح 25300
4- الكافي 5 : 508 ضمن ح8 ، وسائل الشيعة 20 : 158 - 159 ضمن ح25302

5 - اجتناب المرأة الأعمال المنافية لحق الزوج

أحد حقوق الزوج على زوجته هو أن تجتنب بعض الأعمال المستحبّة المنافية لحق زوجها، كالصوم المستحب أو السفر لزيارة العتبات المقدسة أو غيرها، إلا بإذنه .

يجب على المرأة أن تسير في جميع الأمور خلف زوجها تكسب رضاه وتشاركه التفكير في الحياة، وعليها أن تترك أي عمل حتى ولو كان - مستحبّاً -

من شأنه أن یُضيّع حقاً من حقوق زوجها.

عن أبي عبدالله علیه السلام:

«جاءت امرأة إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقالت: يا رسول الله ! ما حق الزوج

على المرأة؟

فقال أكثر من ذلك .

فقالت : خبّرني عن شيءٍ منه .

قال: لَيْسَ لها أن تَصُوم إلا بإِذْنِهِ، يعني تَطَوُّعاً، ولا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِها إلا بإذنه ...».(1)

6 - إرضاء الزوج والابتعاد عما يغضبه

على المرأة أن لا تُغضب زوجها في حياتهما المشتركة : إدارة البيت، وتربية الأطفال، بل عليها أن تصبر وتتحمّل إذا رأت سوء تصرّف من زوجها أو سوء خُلُقٍ ؛ لتحصل على ثواب عظيم أعده الله تعالى لها، وتكون بمأمن من غضبه تعالى وأعمالها عنده مقبولة وذنوبها الماضية مشمولة بغفرانه .

ص: 335


1- الكافي 5 : 8/508 وسائل الشيعة 20: 25301/158

قال أبو عبدالله علیه السلام:

«أَيُّما امرأةٍ بَاتَتْ وزَوْجُها عَلَيْها سَاخِطٌ لَمْ تُقْبَل مِنْها صَلاةٌ حَتَّى يَرضى عَنْها ...».(1)

عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال:

«مَنْ كانَ لَهُ امرأةٌ تُؤْذِيهِ لَمْ يَقْبَلِ الله صَلاتَها ولا حَسَنَةً مِنْ عَمَلِها حَتَّى تُعينَهُ وتُرْضِيَهُ، وإنْ صَامَت الدَّهر وقَامَتْ وأَعْتَقَت الرِّقَابَ وأَنْفَقَتِ الأَموال في سَبيلِ اللهِ، وكانَتْ أَوَّلَ مَنْ تَرِدُ النَّارَ».(2)

لقد وردت روايات كثيرة في فضل خدمة المرأة في بيت زوجها وتدبيرها لأمور منزلها، وقد ذكرنا في ضمن الفضيلة التاسعة والعشرين، وتحت عنوان: «فضيلة المرأة تواجدها في بيتها»، قسماً من هذه الروايات، إذا أهل التحقيق والعلم يبحثوا أكثر وأعمق في المصادر الإسلامية، سيصدِّقون.

بإنّ اتباع المرأة لأوامر زوجها في البيت وخارجه، وكسب رضاه؛ له حيز ومكان كبير في أحاديث النبي وأهل بيته علیهم السلام، وله تأثير كبير في كمال المرأة، ونضج ثمار الإيمان في وجودها، وغفران ذنوبها .

عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

إنّ قوماً أتوا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقالوا: يا رسول الله ! إِنَّا رأَيْنَا أُناساً يَسْجدُ

بَعْضُهُم لِبَعْضٍ.

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: لَوْ أَمَرْتُ أحَداً أن يَسْجُدُ لأحَدٍ لأمَرْتُ المَرأةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها». (3).

ص: 336


1- الكافي 5: 2/507 ، من لا يحضره الفقیه 3: 1320/278 و 1322، وسائل الشيعة 20: 160 / 25305 ، وفيه : يَتَقبل ، بدل تُقبل
2- ثواب الأعمال، عقاب الأعمال للشيخ الصدوق : 335، وسائل الشيعة 163:20/ 25315. (3) الكافي 5 : 6/507 ، وسائل الشيعة 20: 25313/162

لذلك فالمرأة الشيعية التي تتمنّى شفاعة الزهراء سلام الله علیها، والمنازل العظيمة في الجنان مع سيّدة الجنّة سلام الله علیها؛ يجب عليها أن تحرز رضا زوجها في الأمور التي ذُكِرت، وتُطيعه بما يُريد فى الأمور الشرعية.

واجبات الرجل مقابل المرأة!

كما أنّ وظيفة المرأة طاعة زوجها، والابتعاد عن ما يغضبه، لكن بالمقابل هناك واجبات على الزوج يجب رعايتها في قبال زوجته، وهي أن لا يؤذيها، فبعض من الرجال نظر في الروايات المذكورة آنفاً من ناحية وأهمل الناحية الأخرى، وبالنتيجة ضيّعوا حقوق زوجاتهم وظلموهنّ، وكأنّه لم يأمر الله تعالى برعاية حق الزوجة !

في حين أن هناك مجاميع كثيرة من الروايات تشير إلى واجبات الرجل في قبال المرأة، ومن أجل إكمال البحث تشير باختصار إليها:

فى حديث نُقِل عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، بعد أن يُعدّد بعض حقوق الرجل على المرأة يقول:

«وعَلَى الرَّجُل مِثْلُ ذلك الوزر والعَذَاب إذا كان لها مؤذياً ظَالِماً ...».(1)

في حديث آخر يقول صلى الله عليه و آله وسلم في من يضرب المرأة:

«أَيَضِرِبُ أَحَدِكُمُ المَرأةَ ثُمَّ يَظلُّ مُعَانِقُها!».(2)

وأيضاً يقول صلى الله عليه و آله وسلم:

«مَلْعُولٌ مَلْعُونٌ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ يَعُولُ».(3)

ص: 337


1- هذا تتمة الحديث الذي ذكرناه ضمن واجبات المرأة بعنوان: 6 - إرضاء الزوج والابتعاد عن ما يغضبه. وهو فى ثواب الأعمال: 335 - 336 ، وسائل الشيعة 20: 163 - 25315/164
2- الكافي 5: 1/509 وسائل الشيعة 20: 25323/167
3- من لا يحضره الفقيه 3: 417/103 ، وسائل الشيعة 20: 25335/171

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه و آله وسلم:

«أوْصَانِي جبرئيل بالمرأة حتّى ظَنَنتُ أنّه لا يَنْبَغِى طَلاقها إلّا مِنْ فَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ».(1)

حتّى في حالة صدور خطأ وتقصير من المرأة، فوظيفة الرجل غضّ النظر عن ذلك الخطأ والتقصير.

فعندما سُئل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن حق المرأة على الزوج قال :

«يَكْسُوهَا مِنَ العَرِيِّ ويُطْعِمُها مِنَ الجُوع وإذا أذْنَبَتْ غَفَرَ لَها».(2)

وفي أجر الصبر عن سوء خلق الزوجة قال صلى الله عليه و آله وسلم:

«ومَنْ صَبَرَ عَلَى خُلُقِ امْرَأَةٍ سَيِّئَةِ الخُلْقِ واحْتَسَبَ فى ذلك الأَجْرَ؛ أَعْطَاهُ اللهُ ثَوابَ الشَّاكِرِينَ».(3)

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه و آله وسلم:

«وَمَنْ صَبَرَ على سُوءِ خُلْقِ امرأَته واحْتَسَبَهُ؛ أَعْطَاهُ اللهُ تعالى بكل يومٍ وليلةٍ يَصْبِرُ عَلَيها مِنَ الثّوابِ مِثْلَ ما أعْطَى أَيُّوبَ على بلائِه ...».(4)

وفي الإحسان للمرأة قال صلى الله عليه و آله وسلم:

«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي».(5)

وعندما تُقبل الدنيا على الإنسان ويُزاد في رزقه، ففي توسيع الحياة على عياله يقول صلى الله عليه و آله وسلم:

ص: 338


1- الكافي 5 : 6/512 ، وسائل الشيعة 20: 25333/170
2- الكافي 5 : 3/511 ، وسائل الشيعة 20: 25320/166
3- من لا يحضره الفقيه 4: 9 وسائل الشيعة 20: 25348/174
4- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 335 - 339 ، وسائل الشيعة 20: 25315/163 وفيه بدل ما بين القوسين بكل مرة
5- من لا يحضره الفقيه 3: 1721/362 وسائل الشيعة 20: 25337/171

«عِيَالُ الرَّجُلِ أَسراؤُهُ ، فَمَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِ بِنِعْمَةٍ فَلْيُوسْع عَلَى أَسَرَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْشَكَ أَن تَزُولَ تِلْكَ النِّعْمَةُ».(1)

وفى بيان ماهية وجود المرأة وكيفية التعامل معها ، يقول أمير المؤمنين في وصيّته لولده محمد بن الحنفية :

«... فإنَّ المَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ، فَدَارِهَا عَلَىٰ كُلِّ حَالٍ وَأَحْسِنِ الصُّحْبَةَ لَها لِيَصْفُو عَيْشُك ...».(2)

وفي مسألة النكاح، ورعاية حال المرأة ،وإرضائها، وتلبية مطالبها يقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:

«... كُلُّ لَهْوِ المُؤْمِنِ بَاطِلٌ إِلا في ثَلاثٍ : في تَأْدِيْبِهِ الفَرَسَ ، وَرَمْيِهِ عَنِ القَوْسِ، ومُلاعَبَتِهِ امْرَأَتَهُ فَإنّهنَّ حَقٌّ».(3)

وفي هذا الخصوص يقول أمير المؤمنين علي علیه السلام:

«إذا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِي زَوْجَتَهُ فَلا يَعْجَلُها فَإِنَّ لِلنِّساءِ حَوائِجَ».(4)

وفي رواية أُخرى عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأحد أصحابه : أَصْبَحْتَ صَائماً ؟

فقال : لا .

قال: فأطْعَمْتَ مِسْكِيناً؟

قال : لا .

قال فاتَّبَعْتَ جَنَازَةً؟

ص: 339


1- من لا يحضره الفقيه 3: 1723/362 و 4 : 863/287 ، وسائل الشيعة 20: 171/ 25339
2- من لا يحضره الفقيه 4: 280 وسائل الشيعة 20: 25329/169
3- الكافي 5 : 13/50 ، وسائل الشيعة 20 : 118 - 25186/119
4- الخصال ضمن حديث الأربعمائة : 610 - 637 / 10 ، وسائل الشيعة 20: 118/ 25184

قال : لا

قال: فَارْجِع إلى أَهْلِكَ فَأَصِبْهُم».(1)

وعن إسحاق بن إبراهيم الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول :

إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم دَخَلَ بيتَ أم سلمة، فَشَم ريحاً طيبةً .

فقال: أَتَتْكُمْ الحولاء ؟

فقالت: هو ذا هي تشكو زوجها فخرجت عليه الحولاء، فقالت: بأبي

أنت وأُمّى إِن زَوْجِي عَنِّي مُعْرِضٌ.

فقال: زِيْدِيهِ يا حولاء

فقالت: لا أترك شيئاً طيباً مما أَتَطَيَّب لَهُ بهِ، وهو عنّى مُعْرض.

فقال: أَمَا لَوْ يَدْرِي مَا لَهُ بِإقْبَالِهِ عَلَيْكِ !!

قالت: وَمَا لَهُ بِاقْبَالِهِ عَلَى ؟

فقال: أَمَا إِنَّهُ إذا أَقْبَلَ اكْتَنَفَهُ مَلَكَانِ وكان كالشَّاهِرِ سَيْفه في سَبيلِ اللهِ ، فإذا هُوَ جَامَعَ تَحاتَّ عَنْهُ الذُّنوبُ كَما يُتَحَاتُ وَرَقُ الشَّجَرِ، فإذا هُوَ اغْتَسَلَ انْسَلَخَ مِنَ الذُّنُوبِ».(2)

ص: 340


1- الكافي 5 : 2/495 ، من لا يحضره الفقيه 3: 460/109 ، وسائل الشيعة 20: 25160/108
2- الكافي 5 : 4/496، وسائل الشيعة 20 : 108 - 25161/109 الحَوْلاء هي : زينب العطارة، أو : زينب بنت ،تويث، أو : زينب الحولاء. صحابية كانت تبيع العطر ؛ لذلك عندما دخل رسول الله البيت عرف أن الحولاء في البيت من العطر . ترجمتها في : تنقيح المقال - قسم النساء - 3: 80 معجم رجال الحديث 23 : 210 / 15661، الطبقات الكبرى لابن سعد 8: 244

الفضيلة الحادية والثلاثون : أمل المحتاجين

عن الصادق، عن أبيه علیهما السلام، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال:

صَلَّى بِنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم صلاةَ العَصْرِ ، فَلَّما انْقَتَلَ جَلَسَ فِي قَبْلَتِهِ والنَّاسُ حَوْلَهُ، فَبَيْنا هُمْ كَذلِكَ إِذْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ شَيْخُ مِنْ مُهاجَرَةِ العَرَبِ، عَلَيْهِ سَمِلُ قَدْ تَهَلَّلَ وَأَخْلَقَ وهُوَ لا يَكادُ يَتَمَالَكُ كِبَراً وضَعْفاً ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَسْتَحِتُه الخَبَرَ.

فقالَ الشَّيْخُ: يا نَبِيَّ اللهِ! أَنَا جَائِعُ الكَبِدِ فَأَطْعِمْنِي، وعارِيُّ الجَسَدِ فَاكْسِني وفَقِيرُ فَارْشني .

فقال صلى الله عليه و آله وسلم: مَا أَجِدُ لَكَ شَيْئاً وَلَكنَّ الدَّالَّ عَلَى الخِيْرِ كَفَاعِلِهِ، انْطَلِقْ إِلَى مَنْزِلِ مَنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُه ، يُؤْثِرُ اللهِ عَلَى نَفْسِهِ، انْطَلِقْ إِلَى حُجْرَةِ فَاطِمَةَ.

وكانَ بَيْتُها مُلاصِقَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم الذي يَنْفَرِدُ بِهِ لِنَفْسِهِ مِنْ أَزْواجِهِ.

وقالَ: يا بِلالُ ! قُمْ فَقِفْ بِهِ عَلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ .

فَانْطَلَقَ الأَعْرابِيُّ مَعَ بِلال ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى بابِ فاطِمَةَ نادى بأعْلَى صَوْتِهِ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، ومُخْتَلَفَ المَلائِكَةِ ، ومَهْبِطَ جَبْرَئِيلَ الرُّوحِ الأَمِينِ بالتنزيل مِنْ عِنْدِ رَبِّ العالمين !

ص: 341

فقالت فاطِمَةُ : َوعَلَيْكَ السَّلامُ، فَمَنْ أَنْتَ يا هذا ؟

قالَ: شَيْخٌ مِنَ العَرَبِ، أَقْبَلْتُ عَلى أَبِيكِ سَيِّدِ البَشَرِ مُهَاجِراً مِنْ شُقَّةٍ، وَأَنَا يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ عارِيُ الجَسَدِ ، جائعُ الكَبِدِ ، فَواسِيني يَرْحَمُكِ الله .

وكَانَ لِفَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ في تِلْكَ الحالِ وَرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ثَلاثاً ما طَعِمُوا فيها طعاماً، وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِما .

فَعَمَدَتْ فَاطِمَةُ إِلى جِلْدِ كَبْسٍ مَدْبُوعِ بِالقَرَةِ كَانَ يَنامُ عَلَيْهِ الحَسَنُ والحُسَيْنُ، فقالت: خُذ هذا أَيُّها الطَّارِقُ، فَعَسَى أَنْ يَرْتاحَ لَكَ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.

قال الأعرابي : يا بِنْتَ مُحَمَّدٍ ! شَكَوْتُ إِلَيْكِ الجُوعَ فَنَاوَلْتِي جِلْدَ كَبْشِ ؟! ما أَنَا صانعُ بِهِ مَعَ ما أَجِدُ مِنَ السَّغَبِ ؟

قال : فَعَمَدَتْ لَمّا سَمِعَتْ هذا مِنْ قَوْلِهِ إِلَى عِقْدٍ كَانَ فِي عُنُقِهَا أَهْدَتْهُ لَهَا فَاطِمَةٌ بِنْتُ عَمِّها حَمْزَة بن عَبْدِ المُطَّلِب، فَقَطَعَتْهُ مِنْ عُنُقِها ونَبَذَتْهُ إلى الأعرابي، فقالت : خُذْهُ وَبِعْهُ فَعَسَى اللهُ أَنْ يُعَوِّضَكَ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.

فَأَخَذَ الأعرابيُّ العِقْدَ وَانْطَلَقَ إِلى مَسْجِدِ رَسُولِ الله ، والنَّبي جالس في أصْحَابِهِ.

فقال : يا رسُولَ اللهِ! أَعْطَتْنِي فَاطِمَةً [ بنتُ مُحَمَّدٍ ] هذا العِقْدَ، فقالت : بِعْهُ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَصْنَعَ لَكَ.

قال: فَبَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم، وقال : كَيْفَ لا يَصْنَعُ اللهُ لَكَ وَقَدْ أَعْطَتْكَهُ فَاطِمَةُ بنتُ مُحَمَّدٍ سَيِّدَةُ بناتِ آدَمَ .

فَقامَ عَمّار بن ياسر له فقال : يا رسُول الله ! أَتَأْذَنُ لِي بِشِراءِ هذا العِقْدِ؟

قال: اشْتَره يا عَمّار ! فَلَوِ اشْتَرَكَ فيهِ الثَّقَلانِ ما عَذَّبَهُم الله بِالنَّارِ.

فقال عمار: بِكَمِ العِقْدُ يا أعرابيُّ ؟

قالَ: بَشَبْعَةٍ مِنَ الخَبْزِ واللَّحْمِ، وبُرْدَةٍ يَمَانِيِّةٍ أَسْتُرُ بِها عَوْرَتِي وَأُصَلِّي فيها لِرَبِّي ، ودِينَارٍ يُبَلِّغُني إِلَى أَهْلِي.

ص: 342

وكانَ عَمّار قَدْ بَاعَ سَهْمَهُ الذِي نَفَلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم مِنْ خَيْبَرٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْئاً. فقالَ: لَكَ عِشْرُونَ دِيناراً ومِأْنا دِرْهَم هَجَرِيَّةٍ وبُرْدَةً يَمَانِيَّةٌ وَراحِلَتِي تُبَلِّغُكَ أَهْلَكَ وَشِعُكَ مِنْ خُبْزِ البُرِّ واللَّحْمِ.

فقال الأعرابي : ما أَسْخَاكَ بِالمَالِ أَيُّها الرَّجُلُ!

وانْطَلَقَ بِهِ عَمّار، فَوَفَّاهُ ما ضَمِنَ لَهُ، وَعادَ الأعرابي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم: أَشبعْتَ وَاكْتَسَيْتَ ؟

قالَ الأعرابي : نَعَمْ، وَاسْتَغْنَيْتُ بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي !

قال : فَاجْزِ فَاطِمَةَ بِصَنِيعِها .

فقالَ الأعرابي : اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِلهُ مَا اسْتَحْدَثْناكَ ، ولا إِلَهَ لَنَا نَعْبُدُهُ سِواكَ، وَأَنْتَ رازِقُنا عَلَى كُلِّ الجِهاتِ اللّهُمَّ أَعْطِ فاطِمَةَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ .

فَأَمَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم عَلَى دُعَائِهِ، وأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى فَاطِمَةَ فِي الدُّنيا ذلِكَ: أنا أَبُوها وما أحَدٌ مِنَ العالمينَ مِثْلِي، وَعَلَيَّ بَعْلُها وَلَوْلا عَلِيٌّ ما كانَ لِفَاطِمَةَ كُفْقُ أَبَداً، وَأعْطاها الحَسَنَ والحُسَيْنَ وما للعالَمِينَ مِثْلُهُما ، سَيِّدا شَبابِ أَسْبَاطِ الأَنْبِياءِ وسَيّدا شَبابِ أهْلِ الجَنَّةِ -وكانَ بِأزائهِ مِقدادُ وعَمّارُ وسَلمان - فقال : وَأَزْيدُكُمْ ؟

قالوا : نَعَم يا رسولَ اللهِ .

قالَ: أَتَانِي الرُّوحُ - يعني : جَبْرَئِيلُ : أَنها إذا هِيَ قُبِضَتْ وَدُفِنَتْ يَسْأَلُها المَلَكانِ في قَبْرِها : مَنْ رَبُّكِ؟

فَتَقولُ: الله رَبِّي

فيقولان : فَمَنْ نَبِيَّكِ ؟

فَتَقولُ : أَبي.

فيقولان : فَمَنْ وَلْيُكِ ؟

فَتَقولُ: هذا القائِمُ عَلَى شَفيرِ قَبْرِي عَلى بن أبي طالب علیه السلام.

ص: 343

ألا وأَزِيدُكُم مِنْ فَضْلِها إِنَّ اللهَ قَدْ وَكَّلَ بِها رَعيلاً مِنَ المَلائِكَةِ يَحْفَظُونَها مِنْ بَيْنِ يَدَيْها وَمِنْ خَلْفِها وعَنْ يَمِينِها وعَنْ شَمَالِها، وَهُمْ مَعَها فِي حَياتِها وَعِنْدَ قَبْرِها وعِنْدَ مَوْتِهَا يُكْثِرُونَ الصَّلاةَ عَلَيْها وَعَلَى أَبِيها وبَعْلِها وبنيها.

فَمَنْ زَارَنِي بَعْدَ وَفاتِي فَكَأَنَّما زَارَنِي في حَياتِي، وَمَنْ زَارَ فَاطِمَةً فَكَأَنَّما زَارَنِي، ومَنْ زَارَ عَلِيَّ بن أبي طالِبٍ فَكَأَنَّما زَارَ فَاطِمَةَ، وَمَنْ زَارَ الحَسَنَ والحُسَيْنَ فَكَأَنَّما زَارَ عَليّاً ، وَمَنْ زَارَ ذُرِّيَتهما فَكَأَنَّما زَارَهُما .

فَعَمَدَ عَمّار إِلى العِقْدِ فَطَيَّبَهُ بِالْمِسْكِ ولَنَّهُ فِي بُرْدَةٍ يَمَانِيَّةٍ، وَكَانَ لَهُ عَبْدُ اسْمُهُ سَهُمُ ابْتَاعَهُ مِنْ ذلِكَ السَّهْمِ الذي أصَابَهُ بِخَيْبَرَ، فَدَفَعَ العِقْدَ إِلَى المَمْلُوكِ، وقالَ لَهُ: خُذْ هذا العِقْدَ فَادْفَعْهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَنْتَ لَهُ.

فَأَخَذَ المَمْلُوكُ العِقْدَ، فَأَتى بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَخْبَرَهُ بِقَولِ عَمَّارٍ.

فقال النبيُّ صلى الله عليه و آله وسلم: انْطَلِق إلى فاطِمَةَ فَادْفَع إليها العِقْدَ وَأنْتَ لَها.

فَجاءَ المَمْلُوكُ بالعِقْدِ وَأَخْبَرَها بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم، فَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ سلام الله علیها العِقْدَ وأَعْتَقَتِ المَمْلُوكَ.

فَضَحِكَ الغُلامُ.

فقالت : ما يُضحِكُكَ يا غُلام؟

فقالَ: أَضْحَكَنِي عِظَمُ بَرَكَةِ هذا العِقْدِ : أَشْبَعَ جائعاً ، وكَسَى عُرْياناً، وأَغْنَى فَقِيراً، وأعْتَقَ عَبْداً، ورَجَعَ إِلى رَبِّهِ».(1)

إنّ هذا الحديث الجميل وذو معنى يُبيّن قصّة مفصلة تحتوي على نقاط قيمة، وشرح تلك النقاط خارج عن هدف الكتاب ؛ لذلك اكتفينا بنقل متن الحديث فقط، ونترك للمطالع والقارئ الكريم أن يقرأه بدقة ليشخص بنفسه تلك النقاط القيمة .

ص: 344


1- بشارة المصطفى : 44/217 ، بحار الأنوار 43: 50/56

الفضيلة الثانية والثلاثون : الصلاة على فاطمة سلام الله علیها تغفر الذنوب

اشارة

روي عن عليٍّ علیه السلام ، عن فاطمة سلام الله علیها قالت:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: يا فاطمه سلام الله علیها! مَنْ صَلَّى عَلَيْكِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَلْحَقَهُ بِي حَيْثُ كُنتُ مِنَ الجَنَّة».(1)

لقد وصلت إلينا روايات كثيرة في آثار وبركة وفضل الصلاة على النبي وآله، والذين هم فاطمة وأبناؤها سلام الله علیها. ونحن نُشير إلى عناوين عدة آثار من الصلوات مستوحاة من زيارة الجامعة، وتحيل القارئ إلى الكتب التي تتناول آثار وفضائل الصلوات بصورة مفصّلة .

وقبل أن نُبيّن قمّة من قمم زيارة الجامعة، نذكر عدّة مطالب بعنوان مقدّمة :

الظلمات الإنسانيّة

يُبتلى الإنسان بأربع ظلمات، ولا يمكن له أن يصل إلى الكمال ما لم ينجو

ص: 345


1- كشف الغمة 2: 100 ، بحار الأنوار 43: 55و 97: 194 / 10 ، عوالم العلوم 2/11: 893/ 127، مستدرك الوسائل 10: 11877/211 ، الأنوار البهية : 64 ، اللمعة البيضاء : 290

من هذه الظلمات الظلمات الأربع

ظلمة الطينة

إنّ أوّل ظلمة تكتنف الإنسان هي ظلمة الطينة التي يُخلق منها، فتلك الطينة هي التي يُخلق منها كلّ إنسانٍ.

وبالاعتماد على الروايات المنقولة في المصادر، فإن طينة كلّ إنسان قد عجنت من ماءٍ عذب زلال وماء آسن مالح ممزوج بمادة من عليين في الجنّة، وسجين في جهنّم.(1)

فإنّ كلّ نور وتوفيق يُصيب الإنسان من أثر الماء العذب ومادة عليّين، الذي عُجنت منه طينته وكلّ ظلمة تُخيّم على قلبه وروحه، وتلوّث فكره وعمله هو من أثر الماء الآسن المالح ومادة سجين، والغرض منها أن يُمتحن فيها البشر .

ظلمة الفكر الباطل

الظلمة الثانية ، هي الظلمة التي تُخيّم على الإنسان بسبب الخيال والأفكار الباطلة. مع أنّ الفكر الباطل ليس بذنب، وإذا كان ذنباً فهو مغفور ، لكنّه يؤدّي إلى ظلمة القلب، والابتعاد عن رحمة الله تعالى؛ لأنّ مبدأ ومنشأ أي عملٍ

ص: 346


1- للحصول على الروايات التي تتناول بحث الطيئة، والتي من ضمنها أحاديث معتبرة وصحيحة، ومجموعها بصورة إجمالية مشتركة في محتواها قريبة من حد التواتر، فيُراجع المصادر التالية : الكافي 2: 1/2، بحار الأنوار 5: 225 - 276 باب الطينة والميثاق الأحاديث 6، 16، 17، 18، 21، 23، 24 ، 29، 36 ، 37 ، 45 ، 46 ، 48 49 ، شرح أحاديث الطينة لجمال الدين الخونساري الأحاديث ،1، 2 ، 7، 8، 9 مع شرح وتوضيح للعلامة المجلسي وبقية علماء الشيعة

- خير أو شرّ - هو الفكر والخيال

وعليه فإنّ أي خيانة أو معصية تصدر من العبد لابد وأن تكون مسبوقة بأفكار ووساوس شيطانية، والأفكار الباطلة الشيطانية طالما لم تصل إلى المرحلة العمليّة، فإنّها تُخيّم على القلب بالظلمات.

ظلمة الرذائل الأخلاقيّة

الظلمة الثالثة هي ظلمة الأخلاق المشؤومة والغير مقبولة .

هذه الظلمة تسبب ظهور وارتكاب الذنوب بسهولة ويسر؛ لأنّ الأخلاق السيِّئة الغير مقبولة تُصوَّر في نظر صاحبها بأنّها أعمالاً حسنةً، كما قال تعالى :

«أَفَمَن زُيَّنَ لَهُ سُوَءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا».(1)

على سبيل المثال، فإنّ صفة البخل قد غيّرت ذائقة البخيل، بحيث لا يستلذ بأفضل الأغذية وأطيبها التي هو اشتراها أو هيأها؛ لأن اللذة المعنوية في داخله قد تغيرت ، كما أنه لا يستلذ بالإنفاق في أداء الزكاة وبقية الواجبات المالية، لكنّه يستلذ بعملية الجمع والتوفير ويعتبرها غنيمة.

إذن فالصفات الرذيلة والأخلاق السيّئة تؤثر في ذائقة ونفس وعقل الإنسان، وتُحرمه من اللذة الماديّة والمعنوية، وتُخيّم ظلمة هذه الأخلاق الرذيلة على جسمه وقلبه.

ظلمة الذنوب

الظلمة الرابعة هي ظلمة الذنوب والانحرافات العمليّة.

إن أيّ عملٍ حرامٍ يصدر من الإنسان مع أنه يُسوّد صحيفة عمله، فهو

ص: 347


1- سورة فاطر 35: 8

يؤثّر في قلبه أيضاً، ويُسوّد العمل الحرام - صحيفة قلبه ويجعلها مظلمة.

إذن الطينة تلوّث كلّ إنسان، وتؤثر في أفكاره وتلوثها. فالخيال الباطل والفكر الملوّث يؤثران فى أخلاقه، ويُوجدان الصفات السيئة والأخلاق الرذيلة والصفات السيئة يؤدّيان إلى صدور الذنوب وارتكاب المعاصي، وهذه الذنوب تؤثر وتنعكس في قلبه، وتوجد ظلمة إضافة إلى ظلمة وجوده، فيُوجد في

وجوده ظلمات بعضُها فوق بعض يمثل الله تعالى أعمال الكفّار بقوله:

«وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ»«أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ».(1)

النجاة من الظلمات بالصلاة على فاطمة وآلها علیهما السلام!

اشارة

بعد الذي بيناه بعنوان مقدّمة، يُطرح الآن السؤال التالي: كيف يمكن للإنسان أن ينجو من كلّ هذه الظلمات؟

في الجواب عن هذا السؤال نقول :

كل من يُريد أن ينجو من هذه الظلمات الأربع : يجب عليه التمسك بالحبل الإلهي الممدود بين السماء والأرض ، يعني : أهل بيت رسول الله صلی اله علیه و آله وسلم، وأن يُعطّر شفتاه بذكر الصلاة، التي تبلور الولاية فى وجوده؛ حتّى تشمله رحمة الله تعالى الخاصة، وأن يخرجه من الظلمات إلى النور والسعادة الأبدية.

عن إسحاق بن فروخ مولى آل طلحة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام:

يا إسحاق بن فروخ ! مَنْ صَلَّى على محمّد عَشْراً صَلَّى الله عليه وملائكته

ص: 348


1- سورة النور 24: 39 - 40

مائة مرّة، ومَنْ صَلَّى على محمّد وآل محمّد مائة مرة صَلَّى الله عليه وملائكته ألفاً، أما تسمع قول الله عزوجل : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور وَكَانَ بالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا»(1)».(2)

يُستفاد من هذا الحديث الشريف واستدلال الإمام علیه السلام بالآية الشريفة هو: إن طريق الخروج من الظلمات إلى عالم النور ؛ التوسل بالصلاة على محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم.

وننقل الآن مقطع من مقاطع زيارة الجامعة التي بين فيها الإمام الهادي علیه السلام طريق الخروج من هذه الظلمات الأربع بواسطة محبّة أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم والصلاة عليهم، فيقول :

«وَجَعَلَ صَلَوَاتَنا عَلَيْكُمْ وَمَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ ولا يَتِكُمْ طِيْبَاً لِخَلْقِنا وطَهَارَةً لأَنْفُسِنَا وتَزْكِيَةً لَنا وَكَفَّارَةً لِذُنُوبِنَا».(3)

لذلك فالصلوات لها أربع خواصّ مهمّة :

الأولى : تؤدّي إلى طهارة طينة وخلقة الإنسان

مع أنّ طينة الإنسان مخلوطة لغرض الامتحان مع الطين الآسن ومادة سجين الغير طاهرة، لكن عندما يرتبط الإنسان بولاية أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم، مع الذكر العطر للصلوات تُعجن فيه تطهر تلك الطينة وتُطهر الأرضيّة عن الملوّثات المحتملة.

نعم، فشيعة أمير المؤمنين علیه السلام ومحبّي فاطمة الزهراء سلام الله علیها عليهم بقبول ولاية

ص: 349


1- سورة الأحزاب 33: 43
2- الكافي 2: 14/358 ، وسائل الشيعة 7: 9109/200
3- من لا يحضره الفقيه 2: 370 عيون أخبار الرضا 2: 77

ومحبة أصحاب الولاية يُطهّرون طينتهم، ويُبعدون كل مقومات التلوّث عن ذاتهم وينوّرون أنفسهم بنور ولايتهم . أشار إلى ذلك الإمام الهادي علیهم السلام بجملته : «طيباً لِخَلْقِنَا»، وهي إنّ شيعتنا يُظهرون أنفسهم بالصلاة علی محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم.

الثانية : طهارة النفس من الوساوس والأفكار الشيطانية

إن الإيحاءات المسمومة، والوسواس الخنّاس الذي يلقيها الشيطان ف-ي صدور الشيعة يجعل قلوبهم الطاهرة في ظلمات وتترك على أعمالهم آثاراً سيِّئة. ومن أجل الحفظ من تلك الوساوس أعطى الله تعالى أمراً بأن يُبعد الإنسان ذاته المقدسة عن شرّ الشيطان بقوله :

«رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ».(1)

لأنّ الأفكار السيئة تُغيّر حقيقة الأعمال، وإن كانت في الظاهر جميلة وحسنة. والدليل على ذلك: ترى الشخص الذي يسعى بجد من أجل تحصيل العلوم والمعارف الإلهية، ويقضي ليله ونهاره في البحث والتدقيق والتمحيص في روايات أهل البيت علیهم السلام، لكنه لا يستفاد من هذا النور والسعي ؛ لأن الفكر الذي يحمله والغاية التي يسعها وراءها، كأنها سحابة سوداء تضلل على قلبه وروحه؛ لأنّه يبغي من رواء ذلك : حبُّ المال والجاه، والشهرة، والغلبة على الآخرين، وليس هذا السعى والجدّ موظفاً الخدمة أهل البيت علیهم السلام.

فهذا العمل جميلٌ حسن في الظاهر ، لكنّ الفكر المسلط عليه غيَّر حقيقة عمله وجعله مُظلماً.

يُشير الإمام الهادي علیه السلام لذلك بقوله: «طَهَارَةً لأَنْفُسِنَا»، أي: تطهيراً للنفس

ص: 350


1- سورة المؤمنون 23 : 97

من الأفكار الباطلة، وتصفيةً للنيّة من الخيال الشيطاني، والنية الصافية هي أحد أسباب قبول الأعمال، وهي عامل مهم لدفع الوساوس الشيطانية التي تؤثّر على أعمال الإنسان.

الثالثة : تزكية روح الإنسان من الأخلاق السيئة والصفات الرذيلة

كل الصفات الرذيلة ناشئة من الجهل، فالإنسان الجاهل يرى الحلم والتحمّل بأنّه عجز وضعف، والوقار والعزّة يزعمهما تكبّراً وأنانية والتواضع والخشوع يتصوّرهما ذلّة، والبخل والحرص يحسبهما غنيمة، والإنفاق والسخاء يراهما ضرراً وغرامة والمكر والحيلة يعرفهما بأنّهما تعقل ودراية، والصدق والأمانة يزعمهما سذاجة وحماقة والكذب والحيلة يراهما تدبيراً وسياسة.

نعم، إنّه الشيطان الذي يُصوِّر العمل السيئ في نظر الإنسان بأنه جميل وحَسِن ، ويُدخِله في ظلمات فوق ظلمات، بحيث هو نفسه لا يشعر بأي

نجاسة قد توغّل.

بلا شكّ من يريد النجاة من ظلمات الصفات الرذيلة ؛ يجب عليه أن ينوّر نفسه بنور معرفة أهل البيت علیهم السلام، ويتوسل بهم للنّجاة من شباك الشيطان، ويُزكّي روحه، من ظلمات هذه الصفات، بذكر الصلاة عليهم وهذا معنى الجملة التي أشار إليها الإمام الهادي علیه السلام بقوله: «وتَزْكِيَةً لَنا».

الرابعة : كفّارة الذنوب، والنجاة من الظلمات الحاصلة بارتكابها

إنّ أهمّ أثر للصلاة على محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، هو النجاة من ظلمات التصرّفات السيئة، وغفران الذنوب، والتي أشار إليها الإمام في زيارة الجامعة :بقوله: «كَفَّارَةً لِذُنُوبِنَا»، فالاعتقاد بإمامة وخلافة المعصومين ظلماتعلیهم السلام والصلاة عليهم ؛ حُسِبَت كفارة للذنوب.

ص: 351

وصلت إلينا في هذا الخصوص روايات كثيرة، ففي حديث عن الإمام الرضا علیه السلام يقول فيه :

«مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا يُكَفِّر بهِ ذُنُوبَهُ فَلْيُكثِر مِنَ الصَّلاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ فَإِنَّها تَهْدِمُ الذُّنُوبَ هَدْمَاً».(1)

فضيلة الصلاة على فاطمة سلام الله علیها

والعجيب أنّ الذي ذكرناه في بداية هذه الفضيلة، يُشير النبي صلی الله علیه و آله وسلم في حديثه إلى نقطتين مهمتين في فضل الصلاة على ابنته سلام الله علیها، ولهما ارتباط بما ذكرنا، وهما:

النقطة الأولى: إنّ الأثر والثواب الحاصل من بركة الصلاة على النبي وآله علیهم السلام، والذي أهمّه غفران الذنوب؛ يذكره رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقط بالصلاة على ابنته فاطمة سلام الله علیها.

بعبارة أخرى: عندما قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :

«مَنْ صَلَّى عَلَى مَرَّةً لَمْ يَبْقَ مِنْ ذُنُوبِهِ ذَرَّةً».(2)

فهذا الأثر يتحقق عندما يُضمّ آل النبي صلى الله عليه و آله وسلم في الصلوات معه؛ لأن من إحدى وصايا وشرائط الحصول على بركات الصلوات وثوابها هو الابتعاد عن الصلاة ،البتراء يعني ذكر النبي صلى الله عليه و آله وسلم وحده في الصلاة، بل يجب ضمّ آله إليه أيضاً، وتكون الصلاة هكذا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ».

فالمستفاد من الروايات التي تذكر الصلوات على النبي وآله صلى الله عليه و آله وسلم وثوابها

ص: 352


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 4/68، عيون أخبار الرضا 1: 52/294، وسائل الشيعة 7: 9093/194
2- جامع الأخبار : 345/153 ، بحار الأنوار 91: 63 ، مستدرك الوسائل 5 : 6022/334

وبركاتها، تكون للشخص الذي تتوفّر فيه خصلتان وهما:

أوّلاً: يجب أن يكون معتقداً بإمامة وخلافة الآل الطاهرين وهم من أمير المؤمنين إلى صاحب العصر والزمان علیهم السلام

ثانياً : يجب ضمّ الآل الطاهرين الی النبي صلى الله عليه و آله وسلم عند الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

ففي الرواية التي ذكرناها في بداية هذه الفضيلة بَيَّن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هذه البركات والآثار في الصلاة على ابنته فاطمة سلام الله علیها، حيث يقول صلى الله عليه و آله وسلم: « يا فاطمة، مَنْ صَلَّى عَلَيْكِ غَفَرَ اللهُ لَهُ وأَلْحَقَهُ بى حَيْثُ كُنْتُ مِنَ الجَنَّة»، وهذا الأمر يدل على عظمة فاطمة الزهراء سلام اله علیها، ويبيّن نقطة لطيفة في خصوص معرفة ومكانة ومنزلة ومحبّة سيّدة الخلق ، وهي : إن معرفتها ومحبتها تدلان على الصدق في الإيمان والحبّ لأبيها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .

يعني: الذين يؤمنون برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ويحبّونه عن حقيقة هم الذين يُظهرون الحبّ لابنته فاطمة ويدافعون عنها وعن بعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين .

ومن ناحية أخرى، إن محبة فاطمة سلام الله علیها المزجت بالعداء لأعدائها وأعداء زوجها أمير المؤمنين علیه السلام فعلى هذا، الذين رضوا بخلافة الظالمين لحق فاطمة سلام الله علیها وزوجها ، فلا يمكن أن يكونوا قد أظهروا المحبة الفاطمة سلام الله علیها، وفي نفس الوقت آمنوا وأحبّوا أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

إضافة إلى أنّ من أحبّ فاطمة سلام الله علیها وعرفها وتنفّر من أعدائها؛ فقد حصل على محبّة زوجها وأبنائها ؛ لأنّ معرفة سيّدة الخلق لا تفترق عن معرفة زوجها أمير المؤمنين علیه السلام، واللازم لهذه المعرفة هو معرفة الولاية والإمامة لأبنائهما المعصومين إلى إمام العصر والزمان علیهم السلام.

ومن جانب آخر، فإن الصلاة على فاطمة سلام الله علیها تبلور المحبة لها، والمحبّة لها

ص: 353

هي وليدة المعرفة الصحيحة بتلك الذات المقدسة، والمعرفة بها محكّ

هي الصدق في محبّة أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وممزوجة بالاعتقاد بخلافة زوجها وأبنائها المعصومين؛ لذلك فالصلوات عليها بوحدها لها أثر الصلوات على النبي وآله علیهم السلام.

ومن جهة أخرى، كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في الصلاة عليه : مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً لَمْ يَبْقَ مِنْ ذُنُوبِهِ ذَرَّةً»، فقد قال صلى الله عليه و آله وسلم في الصلاة على ابنته فاطمة سلام الله علیها أيضاً :

«يا فاطمةُ! مَنْ صَلَّى عَلَيْكِ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَأَلْحَقَهُ بِي حَيْثُ كُنْتُ مِنَ الجَنَّةِ».

لا ريب في المقارنة بين هذين الحديثين تستنتج منهما نقاط لطيفة أُخرى، حيث لا مجال لبيانها، فالدّقة وإمعان النظر مع عناية فاطمة الزهراء سلام الله علیها، تحصل - لمن يريد أن يحصل على نقاط مهمة منهما .

النقطة الثانية : إنّ من لوازم الغفران بالصلاة على فاطمة الزهراء سلام الله علیها هو النجاة من الظلمات الثلاث المتقدمة، التي ذكرناها في بداية هذه الفضيلة؛ لأنّ كلّ ذنب مسبوق بإحدى الصفات الرذيلة، وكلّ عادة سيّئة معلولة لإحدى الأفكار الباطلة، ومبدأ كل فكر باطل هي الطينة الملوّثة المخفية في طبيعة البشر.

لو قيل: إنّ غفران الذنب والنجاة من ظلمات الذنوب، مع أنّها ممكنة وتنظف الظلمات الخُلُقية الغير مقبولة، وتؤدّي إلى ذهاب الصفات الرذيلة والظلمات الناشئة من الأفكار الباطلة؛ لكنّها لا تؤدّي بالضرورة إلى ذهاب ظلمة الطينة .

في الجواب نقول : يكون هذا الكلام مقبولاً وفي محله فيما إذا كان أثر الصلوات على فاطمة سلام الله علیها هو غفران الذنوب فقط. ففي هذه الحالة يُغفر

للشخص ببركة الصلاة عليها كما يغفر للشخص التائب من ذنبه ؛ فإنّ المغفرة في هذه الصورة لا ملازمة بينها وبين ذهاب الظلمة الحاكمة على طينته

ص: 354

الملوّثة، لكنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في بيان فضل الصلوات على ابنته فاطمة سلام الله علیها قال:

«يا فاطمةُ! مَنْ صَلَّى عَلَيْكِ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَأَلْحَقَهُ بِي حَيْثُ كُنْتُ مِنَ الجَنَّةِ».

إن من المتيقن به هو أنّ الصلاة على فاطمة أن الصلاة على فاطمة سلام الله علیها تذهب بظلمة طينة المصلي؛ لأن الالتحاق برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في الجنة مع الظلمة والطينة الملوّثة غير ممكنة ؛ لأنّ طينة النبي وأهل بيته الطاهرين علیهم السلام طينة طاهرة ونورانية ، ولا توجد فيها أي نقطة سوداء، و إذا لا تطهر طينة الشخص فلا يمكن أن يلتحق برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في الجنان، يمكن أن تحصل هذه الطهارة والنورانية من بركة الصلاة على فاطمة سلام الله علیها والاستمرار عليها عند الاحتضار أثناء خروج الروح من البدن .

في الحقيقة إن معنى حديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو: إن الصلاة على ابنتي فاطمة سلام الله علیها لا تذهب بظلمة الذنوب والأخلاق الفاسدة والأفكار الباطلة فقط، بل تغسل وتُطهر الطينة الملوّثة وتنوّرها وتهيؤها للالتحاق بي في الجنان.

وفي الصلاة على سيّدة الخلق آثار كبيرة، حتى إن ملائكة الله المقربين تتقرّب أكثر من الله تعالى بالصلاة على فاطمة سلام الله علیها، حيث جعلوا ذكرهم الدائم الصلاة عليها.

وفي حديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال فيه:

«إنَّ اللهَ قَدْ وَكَّل بها رَعِيْلاً مِنَ المَلائِكَةِ يَحْفَظُونَها مِنْ بَيْنَ يَدَيْها وَمِنْ خَلْفِها وعَنْ يَمينِها وعن شِمالِها، وهُمْ مَعَها في حَياتِها وعِنْدَ قَبْرِها وعِنْدَ مَوْتِها، يُكْثِرُونَ الصَّلاة عَلَيْها وعلى أبيها وبَعْلِها وبنيها».(1)

لقد رودت ألفاظ متعدّدة ألفاظ متعدّدة وكثيرة ومفصلة في كتب الأدعية والزيارات في كيفية الصلاة عليها. ومن أجل رعاية الاختصار، نذكر ألفاظ صلاة قصيرة

ص: 355


1- بشارة المصطفى: 220 ، بحار الأنوار 43: 58 و 97 28/122 ، عوالم العلوم 2/11 : 1134

لتلبية حاجات من يؤدّيها فهى مؤثرة ومجربة ألفاظ الصلاة عليها هكذا:

«اللّهُمَّ صَلِّ على فاطِمَةَ وأبيها وبَعْلِها وَبَنِيها بَعَدَدٍ (عَدَدَ) ما أَحاطَ بِهِ عِلْمُكَ».

أوصى بعض العلماء بقراءة هذه الصلوات 530 مرّة.(1)

ينبغي الإشارة إلى أنّ هذه الكيفية للصلاة على الزهراء سلام الله علیها غير صادرة عن الإمام المعصوم علیه السلام، وإذا كانت قد صدرت عن المعصوم فهي مجهولة عندنا لذلك ينبغي أداؤها بقصد الرجاء.

يقول كاتب هذه الأسطر : نقل لي شخص ثقة من أهل العلم قصة توسّله بفاطمة الزهراء سلام الله علیها، وهي : تعرّضت لخطر كبير هدد حياتي بحيث أُغلقت كلّ الطرق أمامي، ورأيت الموت أمام عيني، حتى فجأةً أُلهمت بأن أقرأ هذه الصلوات في مجلس واحد وبهذا العدد، فأديتها بخشوع وانقطاع عن الكل، وتوسلت بفاطمة الزهراء سلام الله علیها. فبعد ساعة فرج الله تعالى عني ذلك الخطر وتحققت حاجتي.

ص: 356


1- كما في كتاب فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 252

الفضيلة الثالثة والثلاثون : فاطمة سلام الله علیها ملجأ المساكين

اشارة

روى المفضَّل بن عمر عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

«إذا كانَتْ لَكَ حَاجَةٌ إلى اللهِ وَضِقْتَ بِهَا ذَرْعاً ، فَصَلِّ رَكعَتَيْنِ ، فَإِذا سَلَّمْتَ كَبرِ اللهَ ثَلاثاً، وَسَبِّحْ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ سلام الله علیها، ثُمَّ اسْجُدْ وَقُلْ مائَة مَرَّةٍ: يَا مَوْلاتِي فَاطِمَةُ أَغِيْتِيني، ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الأيْمَنَ عَلَى الأَرْضِ وقُلْ مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ عُدْ إلى السُّجُودِ وقُلْ ذلِكَ مائَةَ مَرَّةٍ وعَشْرَ مَرَّاتٍ واذْكُرْ حاجَتَكَ فَإِنَّ اللهَ يَقْضِيها».(1)

یا مولاتي يا فاطمة أغيثيني!

هكذا نقل العلّامة المجلسي هذا الحديث. لكن يظهر من هذا النقل أن فيه سقطاً؛ لأنّ هذا الحديث في المصادر الأخرى التي نقلته فيه تكملة، وهي

- بعد أن يضع خده الأيمن على الأرض ويقول الذكر -:

«ثُمَّ ضَعْ خَدَّكَ الأيْسَر على الأرضِ وقل:....»، ومع ذلك فهناك اختلافات

ص: 357


1- بحار الأنوار 91: 30 - 31 ، 99: 12/254 - 13 ، مستدرك الوسائل 6: 891/313

في الألفاظ في نقل هذه الرواية.

ينقل المرحوم الطبرسي في كتابه «مكارم الأخلاق» هذا التوسّل تحت عنوان: صلاة الاستغاثة بالبتول هكذا:

تُصَلِّي ركعتين، ثمّ تسجد وتقول: «يا «فاطمة» مائة مرّة، ثمّ تضع خدَّك الأيمن على الأرض وقل مثل ذلك، وتضع الأيسر على الأرض وتقول مثله،

ثم اسجد وقل ذلك مائة وعشر دفعات وقل:

«يا آمِناً مِنْ كُلِّ شيءٍ وكُلِّ شيءٍ مِنْكَ خائِفٌ حَذِرٌ، أَسْأَلُكَ بِأَمْنِكَ مِنْ كُلِّ وخَوْفِ كُلِّ شَيءٍ مِنْكَ، أن تُصَلِّي عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحمدٍ ، وأن تُعْطِينِي أماناً لِنَفْسِي وأَهْلِي وَمَالِي ووُلدي ؛ حَتَّى لا أَخَافَ أَحَداً ولا أحْذَرَ مِنْ شَيْءٍ أَبَداً إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ».(1)

ورواه الشيخ إبراهيم الكفعمي في «البلد الأمين» هكذا:

تُصلى ركعتين، فإذا سَلَّمت كَبِّر الله ثلاثاً، وسَبِّح تَسْبِيحَ الزهراء سلام الله علیها، واسْجُدْ، وقُلْ مائة مرة:

«يا مَوْلاتِي يا فاطمَةُ أَغَيْتَيْنِي»، ثُمَّ ضَعْ خدّك الأيمن على الأرض وقل كذلك ، ثُمَّ عُد إلى السجود وقل كذلك ، ثمّ ضع خدّك الأيسر على الأرض وقل كذلك، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرّة وعشر مرّات، واذكر حاجتك تُقضى .(2)

يروي المؤرّخ الشهير الميرزا محمد تقي سپهر هذه الطريقة عن الإمام الصادق علیه السلام (3)، والفرق بينهما ليس فيه السجود الثاني بين وضع الخدّ الأيمن

ص: 358


1- مكارم الأخلاق: 330
2- البلد الأمين: 159، مستدرك الوسائل 6: 313، وذكر العلامة المجلسي هذه الطريقة في بحار الأنوار 99: 13/254 عن المرحوم الكفعمي
3- ناسخ التواريخ - قسم فاطمة - 2 : 443

ووضع الخدّ الأيسر على الأرض ، يعني : إن مجموع الذكر المذكور بنقل الكفعمي هو 510 مرّات، ومجموع الذكر المذكور بنقل محمد تقي سپهر هو 410 مرّة.

ويظهر أنّ الأكمل هو ما نقله المرحوم الكفعمي ، وهو أصح النقول؛ خصوصاً وأنّ أخذ النتيجة منه في حلّ المشاكل، قد ثبت ذلك للكثير من أثناء التجربة.

إنّ أهم نقطة في هذا الحديث الذي يبيّن مقام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ويؤدي إلى زيادة معرفة الإنسان بسيدة نساء الخلق - هي أنّ الإمام الصادق علیه السلام يأمر شيعته لحلّ مشاكلهم أن يذكروا جدّته الزهراء سلام الله علیها في حال السجود ويقولوا: «يا مَوْلاتِى يا فاطِمَةُ أَغَيْتَيْنِى»، فى هذا الأمر أسرار خفية لا يتحمل سماعها أي إنسان، إلّا أهلها بالتأمل والتدقيق تحصل منه على عدّة نقاط.

الاستغاثة بالزهراء سلام الله علیها

نعم، إن التوسل بالزهراء سلام الله علیها من العوامل المهمة والأساسية التي تدخل في تغيير ماهيّة الأشياء، وتُبعد البلايا والأمراض المختلفة، وتحلّ المشاكل الكبيرة المعقّدة.

وكيف لا يكون ذلك؟ في حين أنّ الله تعالى أعطى لهذه السيّدة

العظيمة سلام الله علیها الولاية المطلقة، وأئمتنا المعصومون علیهم السلام الذين لهم نفس تلك الولاية يتوسلون بأُمّهم الزهراء في حل مشاكلهم.

نذکر نموذجا بعنوان دليل على ما قلناه

عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي إبراهيم - في حديث - قلت : جُعِلْتُ فِداك ! إِن أَذِنْتَ لِي حدّثتك بحديث عن أبي بصير عن جَدِّكَ : إِنَّه كَانَ إِذا وَعَكَ اسْتَعَانَ بالماء البارد فيكون له ثوبانِ ثوبٌ في الماء البارِدِ وثوبٌ عَلَى جَسَدِهِ يُراوِحُ بينهما ، ثُمَّ يُنادي حَتَّى يُسْمَعُ صَوْتَهُ عَلى باب الدار : « يا فاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ!».

ص: 359

فقال: «صَدَقْتَ».(1)

يُستفاد من هذه الرواية ومن عشرات الروايات الأخرى: بأن الزهراء سلام الله علیها لها مقام عظيم عند الله تعالى؛ فلذلك يتوسّل بها الأئمة المعصومون في حل مشاكلهم.

فشيعة ومحبّي أهل بيت العصمة والطهارة علیهم السلام عليهم أن يتأسوا بأئمتهم في التوسل بسيدة نساء الخلق؛ يحصلوا على شفاعتها عند الله تعالى وتُقضى حوائجهم.

نعم، من اللائق جداً لمحبّى الزهراء سلام الله علیها، بعد الصلاة ركعتين أن يستغيثوا بابنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حل مشاكلهم؛ ليروا عناية سيدة النساء بهم يُزاد في إيمانهم ومحبتهم .

ولقد جرّب الكثير هذا النوع من التوسل ومن هذا الطريق حُلَّت مشاكلهم وتغلبوا على مصاعب حياتهم.

ص: 360


1- الكافي 8: 87/109 وسائل الشيعة 2: 2557/431 ، بحار الأنوار 59 : 31/102

الفضيلة الرابعة والثلاثون : آثار حب سيدة النساء سلام الله علیها

اشارة

عن سلمان عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال :

«يا سَلْمانُ ! مَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ ابْنَتِي فَهُوَ فِي الجَنَّةِ مَعِي وَمَنْ أَبْغَضَهَا فَهُوَ فِي النَّارِ. يا سَلْمَانُ حُبُّ فاطِمَةَ يَنْفَعُ فِي مائةٍ مِنَ المَواطِنِ، أَيْسَرُ تِلْكَ المَواطِنِ: الموتُ والقَبْرُ والمِيزَانُ والصِّرَاطُ والحِسَابُ، فَمَنْ رَضِيَتْ عَنْهُ ابْنَتِي فَاطِمَةً رَضِيْتُ عَنْهُ وَمَنْ رَضِيْتُ عَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ومَنْ غَضِبَتْ عَلَيْهِ ابْنَتِي فَاطِمَةٌ غَضِبْتُ عَلَيْهِ ومَنْ غَضِبْتُ عَلَيْهِ غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ.

يا سَلْمَانُ وَيْلٌ لِمَنْ يَظْلِمُها وَيَظْلِمُ بَعْلَها عَلِيّاً، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَظْلِمُ ذُرِّيَّتَهُما وَشِيْعَتَهُما».(1)

حبّ فاطمة شرط تكامل الأنبياء

إنّ قيمة وآثار محبّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها هو فوق حدّ تصوّرنا؛ لأنّ الإقرار

ص: 361


1- ينابيع المودة للقندوزي 2: 970/332 ، وباختلاف يسير في : مائة منقبة : 128، بحار الأنوار 27: 94/16 ، مجمع النورين: 29

بفضل ومحبة سيّدة نساء العالمين هو شرط لتكامل الأنبياء ووصولهم إلى مقام النبوّة والرسالة، وتقرّبهم الله تعالى ولقد وصل كلّ الأنبياء لمقاماتهم العالية بمعرفتهم ومحبّتهم للزهراء سلام الله علیها.(1)

إذن من الواضح أن محبة الزهراء سلام الله علیها لها آثار للأنبياء والمرسلين، فليس من العجيب أن تكون محبّة الزهراء سلام الله علیها تنفع شيعتها ومحبّيها في مائة موطن أقلها: الموت، والقبر والميزان والصراط والحساب. لكن المهم في هذه الرواية - والتي أشارت ودلّت إليه روايات معتبرة أخرى : هو يجب أن تكون محبّة الزهراء سلام الله علیها محبّة صادقة ؛ حتّى تترتب عليها مثل هذه الآثار.

البراءة من أعداء فاطمة سلام الله علیها شرط لمحبتها

لا ريب أنّ شرط محبّة الزهراء سلام الله علیها الصادقة هو البراءة من أعدائها وظالميها ؛ لأن العداء لفاطمة سلام الله علیها ليس له جزاء غير جهنّم، والولاء لأعداء فاطمة وبعلها سلام الله علیها هو في الواقع عداء لهما، وجزاؤه جهنّم .

قيل للصادق علیه السلام: إن فلاناً يواليكم إلا أنه يضعف عن البراءة من عدوّكم ، فقال :

«هَيْهَات! كَذِبَ مَنْ ادَعَى مَحَبَّتَنَا وَلَمْ يَتَبَراً مِنْ عَدُوّنا».(1)

وفي حديث آخر: عن هشام بن سالم، عن الصادق علیه السلام قال:

«مَنْ جَالَسَ لَنَا عَائِباً، أو مَدَحَ لَنَا قَالِياً، أو وَاصَلَ قَاطِعَاً، أو قَطَّعَ لَنَا وَاصِلاً، أو وَالَى لَنَا عَدُوّاً، أو عَادَى لَنَا وَلِيّاً ، فَقَدْ كَفَرَ بِالذِي أَنْزَلَ السَّبْعَ المَثَانِي

(1) يمكن الاستدلال لهذا المطلب من مئات الآيات والروايات الواردة في هذا الخصوص ونحن أشرنا إليه في هذا الكتاب في الفضيلة الثامنة عشر ، وتحت عنوان: محبّة فاطمة ال واجبة على كل الخلق فراجع.

ص: 362


1- مستطرفات السرائر : 640 ، بحار الأنوار 27: 18/58

والقُرآن العظيم».(1)

إظهار النبي صلی الله علیه و آله وسلم حبّه لابنته فاطمة سلام الله علیها

بما أنّ قبول ولاية فاطمة سلام الله علیها، وإظهار المحبّة لها هو شرط لتكامل الأنبياء (2)، فقد كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يظهر حُبّه لابنته فاطمة سلام الله علیها، وكان يقول : «من آذاها فقد آذانى»، وكان يستغلّ كلّ مناسبة للتعريف بفضائلها وفضائل بعلها سلام الله علیها.

فلقد كانت محبّة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولا بنته فاطمة سلام الله علیها على لسان محبّيهم و على لسان محبّيهم وأعدائهم كانت عائشة إحدى أعداء بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فقد كانت تظهر منها بين الحين والآخر علامات الحسد لفاطمة سلام الله علیها، وإذا كانت تحصل على فرصة تصرّح بذلك الحسد، وكانت لا تقول أيّ فضيلةٍ سمعتها من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بحق ابنته فاطمة سلام الله علیها، لكن في بعض الأحيان تروي مجبرة بعض المطالب وتقرّ بفضلها ؛ لأنّها لا تستطيع أن تنكر فضائل بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقد كانت

كالشمس في سماء النبوّة والولاية.

عن جميع بن عمير قال : قالت عمّتي لعائشة وأنا أسمع أرأيتِ مسيركِ

ص: 363


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 87/111، مشكاة الأنوار: 157، بحار الأنوار 27: 52 - 4/53، وسائل الشيعة 16: 21523/264 ولقد ذكر للسبع المثاني في اللغة معنيان: أ - سورة الفاتحة، وفيها سبع آياتٍ ب - النبي وأهل بيته المعصومين ، والذي يكون مجموعهم أربعة عشر إماماً ، لكن لهم سبعة أسماء وهي أربعة من المعصومين باسم محمد، وأربعة باسم علي، وواحد منهم :اسمه الحسن وواحد اسمه الحسين وواحد جعفر وواحد موسى، وسيدة النساء اسمها : فاطمة
2- أشرنا إليه في هذا الكتاب ضمن الفضيلة الثامنة عشر، وتحت عنوان: الثالث ولاية فاطمة شرط في نبوّة الأنبياء ، فراجع

إلى عليٍّ علیه السلام ما كان ؟

قالت: دَعِينا، فَوَالله ما كان أحَدٌ مِنَ الرِّجالِ أَحَبَّ إِلى رسولِ الله مِنْ عليٍّ، ولا مِنَ النساءِ أَحَبَّ إِليهِ مِنْ فَاطِمَةَ.(1)

وفي موضع آخر : عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت:

ما رأيتُ من الناسِ أحَداً أشبه كلاماً وحديثاً برسولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم من فاطِمَةَ ، كانت إذا دَخَلَتْ عليهِ رَحّب بها ، وقَبَّل يديها وأجلسها فى مجلسهِ. فإذا دَخَلَ عَليها قامت إليهِ فَرَحّبت بهِ وقَبَّلْت يديهِ.(2)

إنّ مثل هذه المحبّة، التي يُظهرها أوّل شخص في عالم الوجود لسيدة نساء أهل الجنة؛ هي دليل علوّ وعظمة ومحبّة سيّدة الخلق وآثار هذه المحبّة المباركة في حياة الإنسان وبحكم الآية الكريمة: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(3)، والآية الشريفة : «قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(4)، واجب على كلّ المسلمين وأتباع رسول الله أشرنا إليه في هذا الكتاب ضمن الفضيلة الثامنة عشر، وتحت عنوان: الثالث ولاية فاطمة شرط في نبوّة الأنبياء ، فراجع أن يُظهروا بكل وجودهم محبّة بنت رسول الله سلام الله عليهما وعلى آلهما، وأن يتبرؤوا من أعدائها؛ ليحصلوا على كلّ البركات الماديّة والمعنوية لمحبتها .

ص: 364


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 331 - 663/332 ، المناقب لابن شهر آشوب 3: 111، رواه عن الترمذي، بشارة المصطفى : 1/369 ، بحار الانوار 32: 208/268 و 40 : 7/120 ، عوالم العلوم 11: ،59 ، وانظر قريب منه في مصادر العامة : المستدرك للحاكم 3: 154 ينابيع المودة 2: 151 / 422
2- الأمالي للشيخ الطوسي : 892/400، بشارة المصطفى : 1/389 ، حلية الأبرار 1: 187 - 6/188، بحار الأنوار 43: 22/25 ، وقريب منه في الرخصة في تقبيل اليد: 91، المستدرك للحاكم 3: 154 ، السنن الكبرى للبيهقي : 101، المعجم الأوسط للطبراني 4: 242
3- سورة الأحزاب 33: 21
4- سورة الشورى 42: 23

الفضيلة الخامسة والثلاثون : فاطمة سلام الله علیها أشفع الشافعين

اشارة

قال الإمام الصادق علیه السلام: «قال جابر لأبي جعفر علیه السلام: جُعِلْتُ فِداكَ يابن رسُولِ اللهِ حدثني بحديث في فضل جَدَّتكَ فاطِمَةَ سلام الله علیها إذا أنا حدَّثْتُ به الشيعةَ فرحوا بذلِكَ.

قال أبو جعفر علیه السلام: حَدَّثني أبي، عن جدّي، عن رسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قال:

إذا كانَ يَوْم القيامَةِ نُصِبَ لِلأَنْبِياءِ والرُّسُلِ مَنابِرُ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ مِنْبَرِي أَعْلى مَنابِرِهِم يَوْمَ القِيامَةِ، ثُمَّ يقول الله: يا مُحَمَّد أَخْطَبْ فَأَخَطْبُ بِخُطبَةٍ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِياءِ وَالرُّسُلِ بِمِثْلِها.

ثُمَّ يُنْصَبُ للأوصياءِ مَنابِرُ مِنْ نُورٍ ، ويُنْصَبُ لِوَصييّ عَليّ بن أبي طالب في أَوْساطِهِم مِنْبَرُ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ مِنْبَرُهُ أَعْلَى مَنابِرِهِمْ.

ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: يا عَلَي أَخْطُبْ فَيَخْطُبُ بِخُطْبَةٍ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الأَوْصِياءِ بِمِثْلِها .

ثُمَّ يُنْصَبُ لأَوْلادِ الأنبياء والمُرْسَلِينَ مَنابِرُ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ لابْنَيَّ وَسَبْطَيَّ وَرِيْحانَتَيَّ أَيَّامَ حَياتي مِنْبَرُ مِنْ نُورٍ، ثُمَّ يُقالُ لَهُما : أَخْطبا. فَيَخْطبانِ بِخُطبَتَيْنِ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنْ أولاد الأنبياء والمُرسَلينَ بِمِثْلِها .

ص: 365

ثُمَّ يُنادِي المُنادِي، وهو جبرئيل : أَيْنَ فَاطِمَةُ بِنتُ مُحَمَّدٍ ؟ أَيْنَ خَديجَةُ بنتُ خُوَيْلد ؟ أَيْنَ مَرْيَمُ بَنتُ عِمران ؟ أَيْنَ آسِيةُ بنتُ مُزاحِمٍ ؟ أَيْنَ أُمُّ كُلْتُومٍ أُمُّ يَحْيَى ابن زكريا ؟

فَيَقُمْنَ، فيقولُ الله تبارك وتعالى : لِمَنِ الكَرَمُ اليَوْمُ؟

فَيَقُولُ مُحَمَّدُ وعَلِيُّ والحَسَنُ والحُسَيْنُ علیهما السلام: اللهِ الواحِدِ القَهَّارِ .

فيقول الله تعالى : يا أَهْلَ الجَمْعِ ! إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ الكَرَمِ لِمُحَمَّدٍ وَعَلَيَّ والحَسَنِ والحُسَيْنِ ،وفاطِمَةَ، يا أَهْلَ الجَمْع طَاطِئِوا الرُّؤُوسَ ، وغُضُّوا الأَبْصارَ ، فَإِنَّ هذهِ فاطِمَةُ تَسِيرُ إلى الجَنَّةِ.

فَيَأْتِيها جبرئيل بناقَةٍ مِنْ نُوقِ الجَنَّةِ مُدَبَّجَةُ الجَنْبَيْنَ، خُطَامُها مِنَ اللُّوْلوَ الرَّطب، عَلَيْها رَحْلٌ مِنَ المَرْجَان، فتُنَاحُ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَتَرْكَبُها ، فَيَبْعَثُ إِلَيْها مانةٌ أَلْفِ مَلَكٍ فَيَصِيرُونَ عَلَى يَمِيْنِها ويَبْعَثُ إِلَيْها مائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ فَيَصِيْرونَ عَلَى يَسَارِها .

وَيُبْعَثُ إِلَيْها مائَةٌ ألفِ مَلَكٍ يَحْمِلُونَها عَلى أَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يُسَيِّرُونَها عَلَى بابِ الجَنَّةِ.

فإذا صارَتْ عِنْدَ بابِ الجَنَّة تَلْتَفِتُ ، فَيَقولُ الله : يا بِنْتَ حَبيبي ! ما التِفَاتُكِ وقَدْ أَمَرْتُ بِكِ إِلَى جَنَّتِي ؟

فَتَقُولُ: يا رَبِّ أَحْيَيْتُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرِي في مِثْلِ هذا اليَوْمِ.

فَيَقُولُ الله : يا بنتَ حَبِيبِي ! ارْجِعِي فَانْظُري مَنْ كانَ في قَلْبِهِ حُبُّ لَكِ أَوْ لأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكِ خُذِي بِيَدِهِ فَأَدْخِلِيهِ الجَنَّةَ .

قال أبو جعفر علیه السلام: والله يا جابِرٌ ! إِنّها ذلِكَ اليَوْم لَتَلْتَقِطْ شَيْعَتَها ومُحِبيها كَما يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ الجَيّدَ مِنَ الحَبِّ الرّدِيء ، فَإِذا صارَ شِيْعَتُها مَعَها عِنْدَ بابِ الجَنَّةِ، يُلْقِي الله في قُلُوبِهِم أَنْ يَلْتَفِتُوا.

فَإذا التفتوا، فيقولُ الله عزّوجلّ : يا أَحِبَّائِي ! ما التِفاتُكُمْ وقَدْ شَفَّعْتُ فِيْكُمْ فَاطِمَةَ بنت حبيبي ؟

ص: 366

فيقولون: يا رَبِّ أَحْبَبْنا أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُنَا فِي مِثْلِ هذا اليَوْمِ.

فَيَقُولُ اللهُ: يا أَحِبَّانِي ارْجِعُوا وانْظُرُوا مَنْ أَحَبَّكُم لِحُبِّ فَاطِمَةَ، انظروا مَنْ

! أَطْعَمَكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ، انْظُرُوا مَنْ كَسَاكُمْ لِحُبِّ فاطِمَةَ، انظُرُوا مَنْ سَقَاكُمْ شَرْبَةً فِي حب فاطِمَةَ، انظروا مَنْ رَدَّ عَنْكُمْ غِيْبَةً فى حُبِّ فاطِمَةَ، خُذُوا بَيَدِهِ وأدْخِلُوهُ الجَنَّةَ.

قال أبو جعفر علیه السلام: والله لا يبقى فى النَّاسِ إلّا شالاً أو كافِرُ أو مُنافِقٌ .

فإذا صارُوا بَيْنَ الطَّبَقاتِ ، نادُوا كَما قال الله تعالى: «فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ»«وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ».(1)

فيقولُونَ : «فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ».(2)

قال أبو جعفر علیه السلام: هَيْهات ! هَيْهات ! مُنِعُوا ما طَلَبُوا . «وَ لَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(3)».(4)

فاطمة سلام الله علیها السيدة الوحيدة لها كرامة فى يوم القيامة

يُرى في هذا الحديث عدة نقاط لها أهميّة النقطة وهي:

الأولى : لا يستطيع أحد أن يتكلّم في يوم القيامة إلا أن يأذن له الله تعالى؛ لأنه سبحانه يقول : «يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسُ إِلَّا بِإِذْنِهِ».(5)

يُعطي الله تعالى أفضل الإذن للذي لديه مقام الإمامة الكبرى، وليس أحد لديه هذا المقام غير محمّد وآل محمد علیهم السلام؛ فلذلك عندما تحشر الخلائق

ص: 367


1- سورة الشعراء 26 : 100 - 101
2- سورة الشعراء 26: 102
3- سورة الأنعام 6: 28
4- تفسیر فرات الكوفي : 403/298 ، بحار الأنوار : 59/51 ، 43: 57/64، اللمعة البيضاء: 56، مجمع النورين : 164
5- سورة هود 11: 105

ومنهم الأنبياء والمرسلون والملائكة المقربون يسأل الله سبحانه فيقول:

«لِمَن الكَرم يومئذٍ؟».

فالذي لديه الإذن بالإجابة يستطيع أن يُجيب وهم النبي ، وأمير المؤمنين، والإمام الحسن والإمام الحسين علیهم السلام فيقولون: «لله الواحد القهار».

النقطة المهمة في هذا القسم من الحديث هو: إنّ فاطمة الزهراء سلام الله علیها لا تُجيب عن سؤال الله تعالى (1)؛ لعله لا تملك مقام النبوة والإمامة، أما بعد جواب أبيها وبعلها وبنيها علیهم السلام عن سؤال الله تعالى، يقول الله تعالى:

«يا أهل الجمع ! إنّي قَدْ جَعَلْتُ الكَرمَ لمحمّدٍ وعلي والحسن والحسين وفاطمة».(2)

كأنّه يُريد الله تعالى بذلك أن يُفهم أهل المحشر بأن فاطمة سلام الله علیها لم يُعرف قدرها في الدنيا، لكن اليوم مع أبيها وبعلها وبنيها هم أبيها وبعلها وبنيها هم أصحاب كرامتي ، مع أنها كما في الظاهر - ليس لديها منزلة النبوّة والرسالة والإمامة ، أما في الباطن فلها إمامة الخلائق من الأنبياء والملائكة إلى بقية المخلوقات.(3)

الاستقبال الإلهي لورود سيّدة الخلق المحشر

النقطة الثانية : لقد بيّنت الروايات بألفاظ مختلفة كيفيّة ورود سيّدة الخلق إلى المحشر، وكلّ رواية حسب راويها وزمان روايتها بينت زاوية من هذه الكيفية.

ص: 368


1- يذكر العلامة المجلسي الله هذا المطلب في بحار الأنوار، عن نسخة بدل من تفسير فرات الكوفي قائلاً: فاطمة الزهراء أيضاً تُجيب عن سؤال الله تعالى مع أبيها وبعلها وبنيها. هذه الحالة يتّضح جليا عظمة سيدة النساء
2- بحار الأنوار 8: 52 ضمن ح 59
3- لقد ذكرنا مصادر متعدّدة تبيّن هذا المطلب ضمن كتابنا هذا ضمن الفضيلة الثامنة عشر فراجع

تُشير هذه الرواية إلى التحوّل الذي يصير عليه المحشر، والعظمة التي أعطاها الله تعالى للزهراء سلام الله علیها من لحظة بعثها حيّة من قبرها إلى دخولها الجنّة ، والفرح والسرور والوجد الذي يغمر الملائكة .

وفي هذه الأثناء عند دخول سيدة النساء عرصة القيامة يغضّ الخلائق جميعهم أبصارهم وينكسوا رؤوسهم عدا الذين أشارت إليهم الرواية - في حين يأمر الله مجموعة من الملائكة والحور العين أن يسيروا معها إلى الجنّة.

ويُستفاد من روايات أخر إضافة إلى أن الملائكة مأمورين، يكون جبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها يصحبوها ، ويكون أمير المؤمنين علیه السلام بعلها قبالها ، وابناها الحسن والحسين علیهما السلام خلفها ، ويحفظها الله تعالى من جميع الأطراف(1). وفي حديث ثالث يكشف فيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كيفية دخول ابنته عرصة القيامة قائلاً لها :

«... يا بنيّة ! إنّه ليوم عظيم ، ولكن قَدْ أَخبَرَنِي جبرئيل عن الله عزّ وجلّ أنّه قال :

أوّلُ مَنْ يَنشقُ عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثمّ أبي إبراهيم، ثم علي ابن أبي طالب علیه السلام، ثمّ يبعث الله إليكِ جبرئيل في سبعين ألف ملك، فيضرب على قبرك سبع قباب من نورٍ، ثمّ يأتيكِ إسرافيل بثلاثِ حُلَلِ من نورٍ فيقف عند رأسك فيناديك:

يا فاطمة بنت محمد ! قومي إلى محشركِ، فتقومين آمنة روعتكِ، مستورةً عورتكِ .

فيُناولُكِ إسرافيل الحُلَل فتلبسينها، ويأتيكِ روفائيل بنجيبةٍ من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها، وبين

ص: 369


1- عوالم العلوم 2/11: 1158 - 1159

يديكِ سبعون ألف مَلَك بأيديهم ألوية التسبيح.

فإِذا جَدَّ بكِ السير استقبلتكِ سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليكِ، بيدِ كل واحدةٍ منهنَّ مجمرة من نورٍ يسطع منها ريح العود من غير نار وعليهنّ أكاليل الجوهر مرصعة بالزبرجد الأخضر ، فيسرعنّ عن يمينكِ .

فإذا سرتِ من قبركِ استقبلتكِ مريم بنت عمران في مثل من معكِ من الحور العين فتسلّم عليكِ، وتسير هي ومَنْ معها عن يساركِ، ثمّ تستقبلكِ أُمَكِ خديجة بنت خويلد أوّل المؤمنات باللهِ وبرسوله ومعها سبعون ألف مَلَك بأيديهم ألوية التكبير .

فإذا قربتِ من الجمع استقبلتكِ حوّاء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسیران هما ومن معهما معكِ.

فإذا توسطت الجمع وذلك أنّ الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فتستوي بهم الأقدام.

ثُمَّ ينادي منادٍ من تحت العرش يُسمع الخلائق: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد صلی الله علیه و آله وسلم ومن معها، فلا ينظر إليكِ يومئذٍ إِلّا إبراهيم خليل الرحمن وعليّ بن أبي طالب، ويطلب آدم حوّاء فيراها مع أمّك خديجة أمامك.

ثمّ يُنصب لكِ منبرٌ من النور فيه سبع مراق بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة، بأيديهم ألوية النور، ويصطف الحور عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء منكِ عن يساركِ حوّاء وآسيّة .

فإذا صرت في أعلى المنبر أتاكِ جبرئيل فيقول لك: يا فاطمة سلي حاجتك، فتقولين: يا رب أرني الحسن والحسين، فيأتيانكِ وأوداج الحسين تشخبُ دماً، وهو يقول: يا ربِّ خُذْ لي اليوم حقي ممن ظلمني ؛ فيغضب عند

ص: 370

ذلك الجليل، وتغضب لغضبه جهنّم والملائكة أجمعون ، فتزفر جهنّم عند ذلك زفرة، ثمّ يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم، ويقولون يا ربّ إنا لم نحضر الحسين، فيقول الله لزبانية :جهنّم خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين، وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدركِ الأسفل من النارِ ؛ فإنّهم كانوا أشدّ على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه، فتسمعين أشهقتهم في جهنّم.

ثم يقول :جبرئيل : يا فاطمة سلي حاجتكِ، فتقولين : يا ربّ شيعتي، فيقول الله : قَدْ غَفَرْتُ لهم فتقولين : يا ربّ شيعة ولدي، فيقول الله : قَدْ غَفَرْتُ لهم . فتقولين يا ربّ شيعة شيعتي، فيقول الله : انطلقي فَمَنْ اعتصمَ بكِ فهو معكِ فى الجنّة ؛ فعند ذلك تودّ الخلائق أنّهم كانوا فاطمييّن .

فتسيرين ومعكِ شيعتك وشيعة وُلدكِ وشيعة أمير المؤمنين آمنة روعاتهم، مستورة عوراتهم قَدْ ذَهَبَت عنهم الشدائد وسهلت لهم الموارد، يخاف

الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس، وهم لا يظمأون.

فإذا بلغتِ باب الجنّة تلقتكِ اثنا عشر ألف حوراء لم يتلقين أحداً قبلكِ، ولا يتلقين أحداً كان بعدكِ، بأيديهم حراب من نور على نجائب من نور، جلالها من الذهب الأصفر والياقوت، أزمتها من لؤلؤ رطب، على كل نجيب نمرقة من سندس.

فإذا دخلتِ الجنّة تباشر بكِ أهلها، ووُضِعَ لشيعتك موائد من جوهر على عمدٍ من نور فيأكلون منها والناس في الحساب، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ...».(1)

ص: 371


1- تفسير فرات الكوفي : 444 - 587/446 ، بحار الأنوار 8: 52 - 62/54

شفاعة الزهراء سلام الله علیها للشيعة ومحبّي أبنائها

النقطة الثالثة: إن سعة شفاعة الزهراء سلام الله علیها ليس لها مثل، فهي تشفع لكلّ شيعتها ومحبّيها ، بل لكلِّ مَنْ أظهر لها المحبّة حتّى وإن كان من الأمم الأخرى، فهي تأخذهم وتشفع لهم، فيتمنّى كل الخلائق المحشورين يوم

القيامة من الأولين والآخرين أن يكونوا من محبّي فاطمة سلام الله علیها، ففي هذا الحديث الذي يبيّن فيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لابنته سلام الله علیها الكيفية دخولها وحركتها يوم القيامة ، فيقول صلی الله علیه و آله وسلم :

«... ثمّ يقول :جبرئيل : يا فاطمة سلي حاجتك، فتقولين : يا ربّ شيعتي فيقول الله : قَدْ غَفَرْتُ لهم. فتقولين : يا ربّ شيعة ولدي، فيقول الله : قَدْ غَفَرْتُ لهم. فتقولين : يا ربّ شيعة شيعتي، فيقول الله : انطلقي فَمَنْ اعتصم بكِ فهو معكِ في الجنّة ؛ فعند ذلك تودّ الخلائق أنهم كانوا فاطمييّن.

فتسيرين ومعكِ شيعتكِ وشيعة وُلدكِ وشيعة أمير المؤمنين آمنة روعاتهم، مستورة عوراتهم، قَدْ ذَهَبَت عنهم الشدائد ، وسهلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس، وهم لا يظمأون.

فإذا بلغتِ باب الجنّة تلقتكِ اثنا عشر ألف حوراء لم يتلقين أحداً قبلكِ ولا يتلقين أحداً كان بعدكِ، بأيديهم حراب من نور على نجائب من نور، جلالها من الذهب الأصفر والياقوت، أزمتها من لؤلؤ رطب، على كلّ نجيب نمرقة من سندس.

فإذا دخلتِ الجنّة تباشر بكِ أهلها ، ووُضِعَ لشيعتك موائد من جوهر على عمدٍ من نور فيأكلون منها والناس في الحساب وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون ...».(1)

ص: 372


1- تفسير فرات الكوفي : 444 - 587/446 ، بحار الأنوار 8: 52 - 62/54

هل إنّ شفاعة الزهراء سلام الله علیها تشمل أتباع الشيعة والمحبين أيضاً؟

إنّ النقطة التي تظهر بين هاتين الروايتين ولها ارتباط بشفاعة الزهراء سلام الله علیها هي : كما ذُكِرَ فى الرواية السابقة : كلَّ من أظهر المحبّة الشيعة الزهراء تشملهم شفاعتها ويدخلون الجنّة.

ولازم الجمع بين صدر الرواية وذيلها هو : إنّ هذه المجموعة هم من غير شيعة ومحبّي الزهراء سلام الله علیها، لأن شيعتها ومحبيها تنالهم شفاعتها ويدخلون الجنّة بواسطتها، أمّا أُولئك الذين أظهروا المحبّة لشيعتها، فبشفاعة شيعة فاطمة سلام الله علیهايدخلون الجنّة .

ويحتمل المراد من هذه الجملة معنى أوسع من ذلك، وهو:

إنّ شيعة فاطمة سلام الله علیها لهم منزلة أفضل من محبّيها، فالشيعةُ أُناسٌ وضعوا حبّ فاطمة سلام الله علیها علامة على صدورهم يفتخرون به ، وكذلك في أعمالهم أيضاً يتبعون فاطمة وآل فاطمة علیهم السلام. وإحدى فضائلهم يوم القيامة هو شمولهم بالشفاعة من أهل البيت علیهم السلام، فالشيعة أيضاً يشفعون المجموعة ويدخلوهم الجنّة، وهم كلّ من أحب شيعة فاطمة سلام الله علیها، سواء كان معتقد بمقام فاطمة وبعلها علیه السلام أو غير معتقد، لكنه لديه حبّ الفاطمة سلام الله علیها، فأولئك يدخلون الجنّة بشفاعة شيعة فاطمة سلام الله علیها.

فالفرق الوحيد بين المحبّ المعتقد، وغير المعتقد هو : إنّ المحبّ المعتقد بمحبّة فاطمة سلام الله علیها، وإمامة بعلها وبنيها رعلیهم السلام يحصلون على منزلة أعلى في الجنّة. على كل حال، يُستفاد من الرواية السابقة : إنّ الذين تصيبهم شفاعة شيعة الزهراء سلام الله علیها هم أولئك الذين أظهروا المحبة ولبوا حاجات شيعة فاطمة سلام الله علیها، وكان عملهم هذا حبّاً بالزهراء سلام الله علیها ، حتى وإذا لم يكونوا يعتقدوا بما تعتقده الشيعة.

ويُستفاد من الرواية الأخيرة أيضاً : مجموعة يدخلون الجنة بعنوان تابعى

ص: 373

شيعة فاطمة سلام الله علیها فيستفيدوا من شفاعتها.

لذلك فشيعة شيعة فاطمة سلام الله علیها هُم أُناس من غير شيعتها؛ وإلا لكان لفظ : «شيعة شيعَتِي» في كلامها سلام الله علیها لغواً، واللغو في كلامها محالٌ.

بعد أن اتضح المطلبان يكون الكلام في أن هؤلاء من هم بحيث

لا يحسبوا من شيعة فاطمة سلام الله علیها؟ لكنّهم لأجل إظهار المودّة لشيعة الزهراء سلام الله علیها على أساس محبّتها تشملهم شفاعتها وشفاعة شيعتها ويدخلون الجنة.

من هم المحرومون من الشفاعة؟

يُستفاد من مصادر متعدّدة أنّ في يوم القيامة تُحرم عدّة مجاميع من شفاعة الشافعين، وهم :

1 - الكفّار : الذين أُلقيت عليهم الحجّة، لكنّهم بقوا على كفرهم وعلى تلك العقيدة ماتوا.

2 - المنافقون الذين أقروا بالإيمان باللسان فقط، لكنهم خالفوه وعادوه في العمل.

3 - الشاكون فى العقائد الأساسيّة للإسلام - أصول الدين ومذهب التشيع مثل : التوحيد والنبوة والإمامة . . . وغيرها .

هذه الثلاث مجاميع أشار إليها الإمام الباقر علیه السلام في ذيل الحديث المذكور في بداية هذه الفضيلة، حيث يقول:

«واللهِ لا يَبْقَى في الناسِ إِلا شاء أو كافرٌ أو مُنَافِقٌ» .

4 - النواصب: الذين نصبوا العداء لأهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم.

5 - الذين ارتكبوا الذنوب وسُلبت روح الإيمان منهم، وخرجوا عن زمرة المؤمنين كالذي ترك الصلاة أو الزكاة، أو الحج، وأنكرها.

وأشير إلى المجموعتين الأخيرتين في الرواية التي يرويها المرحوم الكليني

ص: 374

عن الإمام الباقر علیه السلام، عن عبد الحميد الوابشي عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له :

إنّ لَنا جاراً ينتهك المحارم كُلَّها، حتّى أنّه ليترك الصلاة، فضلاً عن غيرها؟

فقال: «سُبْحانَ الله وأعْظَمَ ذلك؟ ألا أُخْبِركُم عَمَّنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ؟».

قلت: بلى.

قال : «النَّاصِبُ لَنَا شَرٌّ مِنْهُ . أما إنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُذْكَرُ عِنْدَهُ أهل البيتِ فَيَرِقُ لِذِكْرِنَا إِلَّا مَسَحَتِ المَلائِكَةُ ظَهْرَهُ وَغُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ كُلُّها إلا أن يجى بِذَنْبٍ يُخْرِجُهُ مِنَ الإيمانِ وإِنَّ الشَّفاعةَ لمَقْبولةٌ وما تُقْبَلُ في ناصِبٍ...».(1)

6 - المشركون الذين أشركوا مع الله تعالى في التوحيد والنبوة والإمامة حيث جعلوا الله ورسوله وحجّته شركاء.

في حين أنّ الله تعالى واحد فرد ليس له شريك، ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ليس له شريك في نبوّته، ولا يوجد أي شريك في إمامة كل إمام في كل عصر وزمان.

فالشرك ذنب لا يُغفر يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ».(2)

ويُصرّح تعالى في آية أُخرى:

«إِنَّ الشَّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».(3)

إضافة إلى أن الشرك ذنب عظيمٌ ولا يُغفر ، فالمشرك يكون مصداقاً للظالم، والظالم لا ينال الشفاعة .

7 - الظالمون الذين ظلموا الناس خصوصاً النبي وأوصياءه، وكذلك فاطمة سلام الله علیها وشيعتها .

ص: 375


1- الكافي 8: 72/87
2- سورة النساء 4: 48 ، 116
3- سورة لقمان 31: 13

ذكر الله تعالى صراحةً في القرآن الكريم حرمان الظالمين من الشفاعة، حيث يقول سبحانه:

«مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ».(1)

8 - الذين أطاعوا أعداء أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم وقبلوا بولايتهم، وامتنعوا عن ولاية أهل البيت علیهم السلام.(2)

بعد أن اتضحت المجاميع التي لا تشملها الشفاعة يوم القيامة، نذكر الأحاديث التي لها علاقة بالشفاعة، حيث تقسّم إلى ثلاثة أقسام:

1 - الروايات التي تخص شفاعة الزهراء سلام الله علیها لشيعتها، ففي هذه الروايات إضافة الشيعة الزهراء سلام الله علیها فتشمل شفاعتها لمحبّي شيعتها أيضاً، الذين أظهروا المحبّة أو كانوا عملياً من أتباع شيعتها.

2 - الروايات الواردة في شفاعة أمير المؤمنين وبقيّة الأئمة المعصومين علیهم السلام، والتي تتحدّث عن عن شفاعتهم لشيعتهم فقط .

3 - الآيات والروايات التي تدلّ على عدم قبول الشفاعة في حق المجاميع الثمان التي ذكرت سلفاً.

يُستفاد من الأدلّة التي ذكرت في الصفحات السابقة : يُحرم غير الشيعي الذي تنطبق عليه إحدى المجاميع الثمان المذكورة سابقاً من الشفاعة وتشمل الشفاعة لغير الشيعة من أولئك الذين أظهروا المحبة للزهراء سلام الله علیها، وفي العمل

كانوا من أتباع شيعة الزهراء سلام الله علیها، فأولئك تشملهم روايات القسم الأوّل فتشملهم شفاعة الزهراء سلام الله علیها.

ص: 376


1- سورة غافر 40: 18
2- لقد ذكرنا صورة إجمالية عن هؤلاء ضمن الفضيلة 34 ، وتحت عنوان البراءة من أعداء فاطمة ، فراجع

بلا شكّ لا يتعارض هذا القسم من الروايات مع القسم الثاني ؛ لأن روايات القسم الأوّل تدل على شفاعة الزهراء سلام الله علیها ل-: محبيها، وشيعتها، وأولئك الذين أظهروا المحبّة لها ولشيعتها أو أظهروا المودة لشيعتها واتّبعوهم.

القسم الثاني من الروايات يدلّ على شفاعة الزهراء سلام الله علیها وأبنائها المعصومين لشيعتهم ومحبيهم، بلا ذكر لأتباع شيعتهم. وكلّ قسم من هذين القسمين يثبت الشفاعة في حق مجموعة، وفي علم الأصول ثابت: إن المثبتين لا يتعارضان.

لكن القسم الثالث في البداية يتعارض مع القسم الأوّل ؛ لأنّ القسم الثالث الذي ينفي الشفاعة من مجموعة خاصة، وعنوانه الشامل هو غير الشيعي - يشمل غير الشيعة بعنوان مطلق، حتّى الذي تشملهم روايات القسم الأوّل . ويذهب التعارض بين هذين القسمين الأول والثالث - بالجمع بين دلالتهما، وهذا الجمع هو: إن تصريح روايات القسم الأول بالشفاعة في حق مجموعة بغضّ النظر عن روايات القسم الثالث، وهذه صراحة وقرينة وشاهد على عدم الأخذ بالإطلاق في ظاهر هذه الأدلة.

إذن الذين لم يكونوا شيعة، ومن محبّي فاطمة سلام الله علیها وشيعتها، أو أتباع شيعتها، ولا تنطبق عليهم الأدلّة النافية للشفاعة، وهي: الكافر، والمنافق، والمشرك، والشاك، والذي أُلقيت عليه الحجّة، والذين ساروا مع أعداء أهل البيت علیهم السلام ولم يتبرؤوا منهم ؛ فالذي لا تنطبق عليه هذه الأدلّة، وهو من غير الشيعة فتشمله شفاعة الشافعين، في حال ابتعادهم عن أعداء فاطمة وأبنائها علیهم السلام، إضافة إلى التزامهم الإجمالي بآداب دينهم.

يُستفاد هذا المطلب من مجموع الأدلة المعتبرة الواصلة إلينا في خصوص الشفاعة، وكذلك الروايات في المستضعفين فكرياً.

ص: 377

لأنّ الذين في قلوبهم حبّ فاطمة سلام الله علیها وأبنائها، ويُظهرون لشيعتها ومحبّيها الودّ والمحبة ويقضون حوائجهم وعمليّاً هم أتباع للشيعة أتباع للشيعة مع أنّهم حسب الظاهر - غير معتقدين بعقائدهم؛ فهؤلاء في الحقيقة هم من المستضعفين فكرياً، والحجّة عليهم لم تتمّ، ولو عُرِضَت عليهم العقائد الصحيحة لقبلوها.

فمثل هؤلاء الأشخاص بعد توفيقهم يوم القيامة في الامتحان بالإيمان ومعرفة أهل البيت علیهم السلام، يشملون بشفاعة الزهراء سلام الله علیها وشيعتها، والشفاعة بحق هؤلاء الأشخاص تؤدّي إلى التوفيق في الامتحان الإلهي، وسبب لغفران ما نقص من أعمالهم في دنياهم، ويدخلون الجنّة .

الدليل على ذلك: الروايات المنقولة بخصوص المستضعفين فكريّاً، ومدلولها هم الناس من غير الشيعة والذي لم يُعرض عليهم الحق، أو الذين لم يستطيعوا أن يشخصوا الحق من الباطل، ولم تتم عليهم الحجة، فبعد الاختبار يوم القيامة والتوفيق فيه، يدخلون الجنّة.(1)

ليس من المستبعد أن يكون مثل هؤلاء الأشخاص الذين في عملهم يكونون من أتباع شيعة فاطمة سلام الله علیها، ومن أجل حبّ الزهراء سلام الله علیها يُظهرون الودّ لشيعتها - في آخر لحظات عمرهم تدركهم الرحمة الإلهيّة فيؤمنون بولاية أمير المؤمنين والأئمة الأطهار علیهم السلام خصوصاً الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه وتُعرض عليهم العقائد الصحيحة، وبمجرد قبول تلك العقائد خرجوا من هذه الدنيا، فمثل تلك النماذج ليس بقليل في التاريخ.

نعم، إن مقام الشفاعة الكبرى لفاطمة سلام الله علیها واسع جداً بحيث تشمل كلّ الذين أظهروا المحبّة لذاتها المقدسة، فتشملهم سيّدة المحشر بشفاعتها.

ص: 378


1- انظر الكافي : 381 - 384 و : 404 - 407 ، تفسير العياشي 1: 270 و 2 : 310 ، معاني : الاخبار: 200 - 203 ، بحار الأنوار 6: 260 - 270 و 29 : 17 - 171

هذا المقام العظيم الذي جعله الله تعالى لهذه السيدة الطاهرة والسرّ في هذه العناية الربانية مخفي عنا، مع أن جزءاً منه أُشير إليه في الروايات.

ليس اعتباطاً أن يبيّن الإمام العسكري علیه السلام حديث شفاعة جدته الزهراء سلام الله علیها هكذا:

عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال:

«إِنَّ الله تعالى إذا بَعَثَ الخَلائِقَ مِنَ الأولين والآخِرينَ نَادَى مُنادِي رَبِّنَا مِنْ تَحْتِ عَرشِهِ يا مَعْشَرَ الخلائقِ غُضُّوا أبصارَكُم لِتَجوزَ فَاطِمَةُ بِنتُ مُحمدٍ

سَيِّدَةُ نِساءِ العالمين على الصِّراطِ .

فَتَغْضُّ الخلائِقُ كُلُّهُم أَبْصَارَهُم، فَتَجوز فاطِمَةُ على الصِّراطِ، لا يَبْقَى أَحَدٌ القيامةِ إِلَّا غَضَّ بَصَرَهُ عَنها إِلّا مُحمّد وعلى والحَسَنُ والحُسَينُ والطاهرينَ

مِنْ أولادِهِم، فإنَّهم أولادها.

فَإذا دَخَلَتْ الجَنَّةَ بَقِيَ مُرْطَها مَمْدُوداً عَلَى الصِّراطِ، طَرَفٌ مِنْهُ بِيَدِها وَهِيَ في الجَنَّةِ وطَرَفٌ فِي عَرَصَاتِ القِيامَةِ.

فيُنادِي مُنادِي رَبِّنا يا أَيُّها المُحِبّونَ لِفَاطِمَةَ تَعَلَّقُوا بِأَهْداب مُرْط فاطِمَةَ سيّدة نساء العالمينَ.

فَلا يَبْقى مُحِبُّ لفاطِمَةَ إِلَّا تَعَلَّقَ بِهَدْبَةٍ مِنْ أَهْداب مُرْطِها، حتَّى يَتَعَلَّقَ بها أَكثرُ مِنْ أَلْفِ فِنَامٍ وأَلْفِ فِئَامٍ.

قالوا: وَكَمْ فِئامٌ واحدٌ؟

قال : ألف ألف ينجون بها مِنَ النَّارِ».(1)

وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يبين فيه لحظة دخول ابنته

ص: 379


1- التفسير المنسوب للإمام العسكري : 434 ، بحار الأنوار 8: 12/68 عوالم العلوم 11 / 2: 1154

إلى الجنّة فيقول:

«فإذا دخلت الجنّة ونظرت ما أعدَّ الله لها من الكرامةِ قرأت :

بسم الله الرحمن الرحيم

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورُ شَكُورُ»«الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبُ وَ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ».(1)قال: فَيُوحي الله عزّوجل إليها يا فاطمةُ! سَلِينِي أَعْطِكِ، وَتَمَنَّى عَلَيَّ أُرْضِكِ.

فتقول : إلهي ! أَنْتَ المُنى وفوقَ المُنى أَسأَلُكَ أَنْ لَا تُعَذِّبَ مُحِبِّي وَمُحِبَّ عِتْرَتِي بالنَّارِ.

فيوحي الله إليها : يا فاطمةً وعِزَّتِي وجلالي وارْتِفَاعَ مَكَانِي لَقَدْ أَلَيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنْ قَبْل أن أخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ بألفي عام أن لا أُعَذِّبَ مُحبّيكِ

ومُحِبِّي عِتْرَتِكِ بالنار».(2)

روايات الشفاعة لا تُصيب الشيعة بالغرور والعصيان

إنّ الذي ذُكِرَ إلى الآن يمثل زاوية صغيرة من الروايات التي تتحدّث عن الشفاعة الكبرى لفاطمة الزهراء سلام الله علیها، وكشف الستار عن المقام العالي لها سلام الله علیها في عرصات القيامة. من البديهي أن مثل هذه الروايات لا تصيب الشيعة ومحبّي الزهراء سلام الله علیها أبداً بالجرأة على ارتكاب الذنوب؛ حيث لا يمكن القول بأنّ مثل هذه الروايات تؤدّي بالشيعة إلى ارتكاب الذنوب، وبالنتيجة يؤدّي

ص: 380


1- سورة فاطر 35: 34-35
2- بحار الأنوار 27 : 140 - 141 ضمن ح 144، عوالم العلوم 2/11: 1159 ، تأويل الآيات 2: 12/483

إلى إنكار أصل الروايات.

يمكن إثبات هذا المطلب من عدّة جهات :

1 - إن مثل هذه الروايات المنقولة في أبواب مختلفة وبأسانيد ودلائل معتبرة تُبيّن عظمة وشرف ومقام أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم، خصوصاً الزهراء البتول سلام الله علیها، وهذا دليل على قرب منزلة هذه الذوات المقدسة من الباري تعالى، وتبين هذه الروايات فضل معرفة ومحبّة أهل البيت علیهم السلام الذين هم أسبابُ خَلْق الخَلْقَ .

وكذلك يُستخلَص من هذه الروايات بأنّ الله تعالى يُعرض عظمة وقَدْر ومنزلة الزهراء سلام الله علیها التي لديها الشفاعة الكبرى للخلق من الأولين والآخرين؛ لكي يتضح عِظَم الظلم الذي لَحِقَ بها من الظالمين ، وكذلك يظهر عظمة وقيمة المحبة والتشيّع للزهراء سلام الله علیها، ولا يرفع شيعتها اليد عن ولايتها مهما كان الثمن.

2 - كما جاء في الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن التوبة والوعد من الله تعالى بالمغفرة، وهي تقوّي روح الأمل والرجاء في عباده؛ فهذه الروايات أيضاً تقوّي روح الأمل والرجاء في عباد الله تعالى.

وهذه الآيات والروايات لم تشجّع عباد الله على ارتكاب الذنوب، بل معناها هو يا أيها العبد الذي أذنبت ووصل بك الحال إلى اليأس، وغُلِقَت كلّ الأبواب بوجهك ؛ فلا تيأس من رحمة ومغفرة الله تعالى والرجوع إليه، واعلم أيُّها العبد ، كما أنّ التوبة والاستغفار إحدى أسباب غفران الذنوب؛ فالتوجّه نحو أولياء الله أيضاً يكون سبباً لغفران الذنوب.

يعني: لو أن شخصاً قبل معرفتهم ومحبتهم، واستمد العون من أرواحهم الطاهرة، ودائماً يُظهر المحبة والولاء لهم، ويسعى لأن يكون بخدمتهم؛ يُرجى أن يحصل على شفاعتهم يوم القيامة .

ص: 381

3 - لا ريب أن ارتكاب الكثير من الذنوب يوجب زوال معرفة ومحبّة أهل البيت علیهم السلام، خصوصاً إذا تكرّر ارتكاب الذنب من دون إلحاقه بالتوبة بالنظر لارتكاب الذنب وآثاره فلا يمكن الأمل بالحصول على الشفاعة؛ ففي هذه الحالة تكون الشفاعة ليس لها معنى.

نُقِل في هذه الخصوص حديث عن الإمام الصادق علیه السلام قال :

قال أمير المؤمنين علیه السلام: ما مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ أربعونَ جُنّة، حتّى يعمل أربعين كبيرة ، فإذا عَمَلَ أربعينَ كبيرة ؛ انكشفت عن الجنن .

فتقول الملائكة من الحَفَظَةِ الذين معه : يا رَبِّنا! هذا عَبْدُكَ قَدْ انكشفت عنه الجنن ؛ فيُوحِي الله عزّوجل إليهم أن اسْتُروا عَبْدِي بِأَجْنِحَتِكُم، فَتَسْتُرهُ الملائكة بأجنحتها ، فما يَدَعْ شَيْئاً مِنَ القَبِيح إلا قَارَفَهُ حَتَّى يتمدح إلى الناسِ بفعله القبيح.

فتقول الملائكة: يا ربّ! هذا عَبْدُكَ ما يَدَعْ شَيْئاً إِلَّا رَكِبهُ ، وإِنَّا لَنَسْتَحِي مما يَصْنَع ، فيُوحِي اللهُ عزّوجل إليهم أن ارفَعُوا أَجْنِحَتكُم عنهُ ، فإذا فَعل ذلك أَخَذَ فى بُغْضِنا أهل البيت ، فَعِنْدَ ذلك يَهْتِكَ اللهُ سِترهُ في السماءِ، ويستره في الأرض. فتقول الملائكة: هذا عَبْدُكَ قَدْ بَقِيَ مَهْتُوكَ السِّترِ ، فيُوحى الله إليهم : لو كان لي فيه حاجةٌ ما أَمَرْتُكُم أن تَرْفَعُوا أَجْنِحَتِكُم عَنْهُ».(1)

.إذن فكثرة الذنوب بدون توبة كما ذُكر في هذه الرواية - تخطف من قلب الإنسان جوهرة محبّة أهل البيت علیهم السلام، فيكون غروره ومحبته وابتكار عمله بيد عدوّه الشيطان اللعين، فيرتكب بذلك أي ذنبٍ ؛ فهذا مما لا ترضاه الشيعة أبداً .

4 - إن شيعة ومحبّي أهل البيت علیهم السلام يعرفون توصيات وأوامر أوليائهم في هذا الخصوص الذي أُشير إليه، والذي يقتضي أن يكون من أوّل لحظة

ص: 382


1- الكافي 2: 279 - 9/280 ، علل الشرائع 2: 1/532 ، بحار الأنوار 70: 354 - 61/355

لارتكابه الذنب وبعد مرور سبع ساعات أن يستغفر من ذلك الذنب ويتوب منه، وإذا لم يفعل ذلك؛ فإنّه يُبتلى بالبلايا في الدنيا والآخرة؛ حتى تكون كفّارة لذنوبه .

فهو يعرف - الشيعي - أنّ أثر مثل هذا الذنب هو المرض له أو لأهل بيته ، ويكون الفقر والأسر ،ملازمانه، فيفقد بذلك ماء وجهه، وتذهب النعم التي كانت بيده، أو يُبتلى بجارِ سوء، أو زوجة ذات أخلاق سيئة وغير ذلك من هذا القبيل.

وفي حال كانت ذنوبه كبيرة ولم تُطهرها البلايا الدنيوية، فتُنظّف عند سكرات الموت، وعند خروج الروح من الجسد وصعوبة ذلك، وإذا بكلّ هذا لم يَطْهَر، فعند ضغط القبر والابتلاء بأنواع عذاب القبر في عالم البرزخ يطهر .

الخلاصة : إلى أن يصل إلى لحظة شموله بشفاعة الزهراء سلام الله علیها، فهو قد دفع ثمن ارتكابه الذنب وتطهّر منه .

الشّيعة لاترتكب الذنب برجاء الشّفاعة

فلذلك أنّ الشيعة المهتمين بهذه المسائل لا يرتكبون الذنوب عن عمد وعلم برجاء أن تنالهم الشفاعة، بل يتوبون من ذنوبهم السابقة. ولأجل قبول توبتهم والنجاة من نار جهنّم يوم القيامة ؛ يأملون شمولهم بشفاعة سيّدة النساء وأبنائها المعصومين علیهم السلام.

والدليل على ذلك حديث الإمام الحسن العسكري علیه السلام، عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في ذيل الآية :

«وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً».(1)

ص: 383


1- سورة البقرة 2 : 80

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «إِنَّ وِلايَةَ على حَسَنَةٌ لا يَضُرُّ مَعَها شَيْءٌ مِنَ السَّيِّئاتِ وإن جَلَّت ، إلّا ما يُصيب أهلها مِنَ التَّطهيرِ مِنْها بِمِحَنِ الدُّنيا، وببعض العذابِ في الآخرة إلى أن يَنْجو مِنْها بشَفاعَةِ مُوالِيهِ الطَّيبين الطاهرين.

وانّ ولاية أضدادِ عليّ ومُخالفة عليٍّ علیه السلام سيئّةٌ لا يَنْفَعُ مَعَها شيء، إلا ما الدُّنيا بالنّعَم والصَّحَةِ والسِّعَةِ، فَيَرِدُونَ الآخرة ولا يكون ينفعهم بطاعاتهم في لَهُم إِلّا دائم العذاب.

ثمّ قال : إِنْ مَنْ جَحَدَ ولاية عليَّ لا يَرَى الجَنَّة بعينه أبداً، إلا ما يراه بما يعرف به أنه لو كان يواليه لكان ذلك محله ومأواه ومنزله، فيزدادُ حَسَرات وندامات. وإِنْ مَنْ تَولَّى عليّاً ، وبَرِئ مِنْ أعدائهِ وسَلَّمَ لأوليائه لا يرى النار بعينه أبداً، إلّا ما يراه فيقال له: لو كنتَ على غير هذا لكان ذلك مأواك ، إلا ما يباشره منها إن كان مُسرفاً على نفسه بما دون الكفر إلى أنْ يَنْطَفَ بجهنّم كما يَنْظُف القَذِرَ من بدنه بالحمّامِ الحامي، ثمّ ينتقل منها بشفاعةِ مواليه.

ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم :

اتَّقُوا الله معاشِرَ الشيعة فَإِنَّ الجَنَّة لَنْ تَفُوتُكُمْ وَإِنْ أَبْطَاتْ بها عَنْكُم قَبَائِحُ أعمالِكُم فَتَنَافَسُوا في دَرَجاتِها .

قِيلَ: فَهَلْ يَدْخُل جهنَّمَ أحدٌ مِنْ مُحِبّيك، ومُحبي علي ؟ قال : مَنْ قَدَّرَ نَفْسَهُ بمخالفة محمّد وعلي ، وواقعَ المُحرَّمات ، وظَلَمَ المؤمنين والمؤمنات، وخَالَفَ مارسم له مِنَ الشَّريعاتِ؛ جاءَ يومَ القيامَةِ قَذِراً طفساً، يقول له محمّد وعلى : يا فلان أنتَ قَذِرٌ طفس، لا تَصْلُح لمُرافقةِ مواليك الأخيار، ولا لمعانقة الحور الحِسان، ولا لملائكةِ اللهِ المُقرَّبين، ولا تصل إلى ما هناك إلا بأن يطهر عَنْكَ ما هاهنا - يعني: ما عليه من الذنوب - فيدخل إلى الطبق الأعلى من جهنّم ، فيُعَذِّبُ ببعض ذنوبه .

ص: 384

ومنهم : مَنْ تُصيبه الشدائد في المحشر ببعض ذنوبه، ثمّ يَلْقُطُّهُ من هنا و من هنا من يَبْعَثَهُم إِليه مواليهِ من خيار شيعتهم، كما يَلْقَطُ الطير الحبَّ.

ومن ومنهم: مَنْ تكون ذُنوبه أقل وأخف، فيطهرُ منها بالشدائد والنوائب من الآفاتِ في الأبدان في الدُّنيا لِيَدْلِي في قبره وهو السلاطين ،وغيرهم ومن طاهرٌ من ذنوبِه .

ومنهم مَنْ يَقْربُ موتُهُ، وقد بقيت عليه فيشتد نزعه، ويكفرُ بِهِ عنه، فإن بقي شيءٌ وقويت عليه يكون لَهُ بطرٌ واضطراب في يوم موته، فيقلّ مَ-نْ يحضرة فيلحقه بهِ الذُّلَّ فيكفر عنه، فإن بقي شيء أُتي بهِ ولَمَّا يُلْحَد فيُوضع، فيتفرقون عنه، فيظهر.

فإن كانت ذنوبة أعظم وأكثرُ طَهُرَ مِنها بشدائد عرصات يوم القيامة ، فإن كانت أكثرُ وأعظمُ طَهَّرَ منها في الطَّبَقِ الأعلى من جهنم، وهؤلاء أشدُّ مُحبّينا عذاباً وأعظمهم ذنوباً.

ليس هؤلاء يُسَمَونَ بشيعتنا، ولكنهم يُسَمَّون بمجبينا والموالين لأوليائنا والمعادين لأعدائنا؛ إِنَّ شِيْعَتَنَا مَنْ شَيْعَنَا واتَّبَعَ آثَارَنا واقْتَدَى بأَعْمالِنا».(1)

ص: 385


1- التفسير المنسوب للإمام العسكري : 305 - 148/307 - 149 ، وعنه بحار الأنوار 8: 2/353-352 ، و 68 : 154 صدر الحديث 11

ص: 386

الفضيلة السادسة والثلاثون : فدك حق فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أعطى فاطمة سلام الله علیها فدكاً؟ عليها

قال: «كانَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَقَفَها، فأنزل الله تبارك وتعالى عليه : «فَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(1) ، فَأَعْطَاهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم حقها».

قلت: رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أعطاها ؟

قال: «بَلِ الله تبارك وتعالى أَعْطَاهَا».(2)

فدك القصة الحزينة

قصّة فدك إحدى القصص المليئة بالحوادث في التاريخ الإسلامي، ومن أكثر الأمور حزناً على أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم.

ص: 387


1- سورة الروم 30: 38
2- تفسير العياشي 2: 47/287 ، كشف الغمة 2 : 105 ، بحار الأنوار 29: 119 - 14/120 و 93: 213، تفسير نور الثقلين 3: 163/156 ، اللّمعة البيضاء : 789

قبل كلّ شيء، يجب أن نعرف ما هى فدك، فدك : أرض خضراء عامرة ومباركة فيها عيون ماء عذبة وقلعة ونخيلها أكثر من نخيل خيبر. يسكنها مجموعة من اليهود الذين لهم ارتباط بيهود خيبر، وكان رئيسهم رجلٌ يسمّى: يوشع بن نون سمّيت هذه الأرض باسم رجل اسمه: فدك ابن هام؛ لأنه أوّل رجل سكنها.(1)

كيف صارت فدك لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم؟

في السنة السابعة من الهجرة، وبعد فتح قلعة خيبر، نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهو يحمل أمراً لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بفتح فدك. فعن محمد بن عليّ بن الحسين علیهما السلام قال:

«شدّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم سلاحه وأسرج دابته ، وشدّ عليّ علیه السلام سلاحه وأسرج دابته، ثمّ توجّها في جوف الليل - وعلي علیه السلام لا يعلم حيث يُريد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم - حتى انتهيا إلى فدك .

فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: يا علي تحملني أو أحملك؟

فقال علي علیه السلام: أحملك يا رسول الله .

فقال رسول الله : يا على ! بل أنا أحملك ؛ لأنّى أطول بك ولا تطول بي.

فحمل عليّاً علیه السلام على كتفيه، ثمّ قامَ بهِ، قامَ بهِ، فلم يزل يطول به حتّى علا عليّ سور الحصن ، فصعد عليّ علیه السلام على الحصن ومعه سيف رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فأذَّن على الحصن وكبّر.

فابتدر أهل الحصن إلى باب الحصن هرباً، حتى فتحوه وخرجوا منه فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بجمعهم، ونزل عليّ إليهم، فقتل علي ثمانية عشر

ص: 388


1- كما في معجم البلدان 4: 9053/273

من عظمائهم وكبرائهم ، وأعطى الباقون بأيديهم ، وساق رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ذراريهم ومن بقي منهم وغنائمهم يحملونها على رقابهم إلى المدينة».(1)

وورد في بعض الروايات :

لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من خيبر قذف الله في قلوب أهل فَدَك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يصالحونه على النصف من فدك، فَقَدِمَت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق، أو بعدما قَدِمَ المدينة ، فَقَبِلَ ذلك منهم . فكانت فدك للرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم خالصةً ؛ لأنه لم يُوجِف عليها بخيل ولا رِكَاب، فهي من صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.(2)

على كل حال، فالمسلمين لم يقاتلوا من أجل فتح فدك، ولم يعطوا قتلى

لكي تُحسب من الغنائم لتدخل في بيت المال، بل هي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام، والرعب والوحشة التي قذفهما الله في قلوب اليهود أدى إلى فتح هذه الأرض.

فبصريح القرآن (3) مثل هذه الأرض عبر عنها بالفيء؛ فهي ملكٌ خاصٌ لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وليس للمسلمين حقّ في ذلك.

فدك مُلكٌ شخصيّ أعطاه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لابنته فاطمة سلام الله علیها

نعم، كانت فدك ملكاً شخصياً لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وأي تصرّف في تلك

ص: 389


1- تفسير فرات الكوفي : 473 - 619/474 ، بحار الأنوار 29: 109 - 3/110
2- كما في تاريخ المدينة المنوّرة 1: 194
3- كما في سورة الحشر 59 الايتان 6 - 7 ، وهما : «وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلّط رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»«مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ...»

الأرض كانت من حق رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وحده .

له ومن جانب آخر فرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان يعلم ماذا سيحدث بعد رحيله على فدك ، مجموعة من المنافقين وبالظاهر مسلمين خططوا لإقصاء أمير المؤمنين علیه السلام من الخلافة والإمامة ؛ لتصفى لهم الأمور.

فمن أجل إتمام الحجّة عليهم، والإعلان للمسلمين كافة من صدر الإسلام إلى يوم الخلود وامتثالاً لأمر الله تعالى: «وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(1)، وفي

حضور جمع كبير من ضمنهم أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين ومجموعة من المقربين ونسائهم أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدكاً بأمر من الله لابنته فاطمة سلام الله علیها، وأعطاها الإذن بالتصرف فيها.

وعندما أعطاها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فدكاً ذكرها بأنّها صداق أُمّها خديجة سلام الله علیها بعهدته، ويهبها لابنته وأبنائها.

فقالت فاطمة سلام الله علیها: «لستُ أُحْدِثُ فيها حدثاً وأنْتَ حَيْ، أَنْتَ أولى بي مِنْ نَفْسِي ومالي لَكَ».

فقال: «أكره أن يجعلوها عليكِ سُبَة فَيَمْنَعُوكِ إِيَّاهَا مِنْ بَعْدِي».

فقالت: «أنفذ فيها أمرك» .

فجمع الناس إلى منزلها أخبرهم أنّ هذا المال لفاطمة سلام الله علیها، ففرقه فيهم، وكان كلّ سنة كذلك، ويأخذ منه ،قوتها، فلما دنا وفاته دفعه إليها.(2)فدعا بأديم ، ودعا علي بن أبي طالب علیه السلام ومولى لرسول الله وأُم أيمن، فقال رسول الله: «إنّ أُمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة».

حتّى لا تُتهم بالكذب.

ص: 390


1- سورة الاسراء 17: 26
2- المناقب لابن شهر آشوب 1: 123 ، بحار الأنوار 29: 118

وجاء أهل فدك إلى النبي، فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كلّ سنة.(1)

فكان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يخرج في كل سنة عطاء ابنته فاطمة وأبنائها علیهم السلام من خراج فدك، ويوزّع الباقي على الفقراء والمساكين ؛ حتى يفهم المسلمين بأنه قد وهب فدكاً لفاطمة سلام الله علیها.

غصب فدك هدف مبيت مسبقاً!

بعد أن صارت فدك تحت تصرف بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فكانت بيدها مدة من الزمن. ارتحل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من الدنيا الفانية، وبارتحاله صلى الله عليه و آله وسلم بدأت المصائب تتوالى على ابنته سلام الله علیها.

وفي هذه الأثناء بدأت تحاك دسائس المنافقين والشياطين، فقد خطفوا الخلافة من زوجها أمير المؤمنين علیه السلام، وغصبوا مقام الإمامة منه ، وتربّع أبو بكر على سدّة الخلافة.

فمن بداية جلوسه على سدّة الخلافة أخذ يُخطط بكيفية السيطرة على أرض فدك التي وصل خراجها سنوياً سبعين ألف سكة ذهب، وقيل: مائة وعشرون ألفاً وإخراجها من تحت تصرف فاطمة سلام الله علیها.

فبدأ بمساعدة ساعده الأيمن بوضع الأحاديث المكذوبة والمجعولة على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وتفسيرها حسب وتفسيرها حسب ما تشتهي أنفسهم ؛ استطاعا أن يُخرجا فدكاً من تحت تصرف فاطمة سلام الله علیها، وإخراج عمالها من الأراضي والبساتين، فصارت في تصرّف الخليفة الأوّل.

ص: 391


1- بحار الأنوار 29: 116

علاقة فدك بخلافة أمير المؤمنين علي علیه السلام

بعد إمعان النظر في تاريخ فدك ، يُعلم أن غصب فدك من الزهراء سلام الله علیها ليس له دوافع شخصيّة، بل له علاقة تامة بمسألة الخلافة وإمامة أمير المؤمنين علیه السلام،فيمكن الإشارة إلى ثلاث جهات:

1- من جملة الامتيازات الخاصة التي أقرّها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأهل بيته ، هي منحه فدكاً بأمر مباشر من الله تعالى لفاطمة سلام الله علیها، مما جعل المسلمين يبحثون عن امتيازات أخرى خصها الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم الأهل بيته علیهم السلام.

من البديهى على رأس هذه الامتيازات هي خلافة وإمامة على بن أبي طالب علیه السلام بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وهذا الإحساس بين عامة الناس صار صعباً على غاصبي الخلافة، ومانعاً من وصول المنافقين لأهدافهم التي كانوا يسعون إليها .

2 - لو تحسن الوضع الاقتصادي لأمير المؤمنين علیه السلام من جراء خراج فدك ، وتصرّفه بهذا الخراج ؛ سيجعل الناس يلتفون حوله، مما يساعده في الدفاع عن حقّه.

إضافة إلى أن تكون يده ،مفتوحة، وباستطاعته أن يجمع الناس حوله.

فهؤلاء المنافقون لما علموا أنّ أكثر الناس عقائدهم متزلزلة وأكثرهم عبيد الدنيا بمجرد أن يحسوا بالخطر الماديّ يتنصلون عن دينهم وعقائدهم من أجل المال ، فلهذا أقدموا على غصب فدك وسائر الأموال التي تحت تصرف أمير المؤمنين علیه السلام.

فهؤلاء نفّذوا خططاً شيطانية مشؤومة - مع أنّ تنفيذ هذه الخطط كانت نتائجها غالية عليهم - لكن من أجل الوصول لأهدافهم نفّذوها.

فعن المفضّل بن عمر قال: قال مولاي جعفر الصادق علیه السلام

«لمّا ولى أبو بكر بن أبي قحافة قال له :عمر: إنّ الناس عبيد هذه الدُّنيا

ص: 392

لا يُريدون غَيْرَها ، فامْنَعْ عن عليّ وأَهْلِ بيتهِ الخُمْسَ والفَيءَ وَفَدَكاً ؛ فَإِنَّ شَيعَتَهُ إذا عَلِمُوا ذلك تَرَكوا عَليّاً وأَقْبَلُوا إليكَ رَغْبَةً في الدُّنيا، وإيثاراً ومُحاماة عليها، ففعل أبو بكر ذلك وصَرَفَ عَنْهم جميع ذلك».(1)

3 - إنّ عملية غصب فدك كان هدفها غلق باب التحقيق أمام الناس وإضلالهم، وكذلك التجري على حرمة أمير المؤمنين علیه السلام والقضاء على قدسيّة فاطمة الزهراء سلام الله علیها، واحتواء سدّة الخلافة وغصبها وإبعاد أهلها عنها. لكن الغاصبين عجزوا عن الجواب أمام احتجاج الزهراء سلام الله علیها، وليس لديهم حيلة أمام الناس إلا أن يُرجعوا فدكاً للزهراء سلام الله علیها.

والغاصبون على كل حال لم يقبلوا باحتجاج الزهراء سلام الله علیها؛ لأن أبا بكر لو أرجع فدكاً للزهراء سلام الله علیها، ففي اليوم الثاني كانت تطالب بحق زوجها في الخلافة الخلافة التي عينها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له علیه السلام.

أبو بكر ورفيقه يعلمان جيّداً أن فاطمة الزهراء سلام الله علیها ليس لها طمعاً في مال الدنيا، ومطالبتها بفدك هي ذريعة للمطالبة بحق أمير المؤمنين علیه السلام؛ فلذلك لم يُصدّقوها عند مطالبتها بفدك، حتى لا يُصدّقوها بمسألة الخلافة والإمامة.

وهذا الكلام لم يُبيّنه علماء الشيعة فقط، بل كبار علماء العامة بيّنوه وأقرّوا به.

فهذا ابن أبي الحديد المعتزلي من كبار علماء العامة يقول في شرحه لنهج البلاغة:

وسألت على بن الفارقى مدرّس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة ؟

:قال: نعم، قلت: فَلِمَ لم يدفع إليها أبو بكر فَدَك وهي عنده صادقة ؟

ص: 393


1- عوالم العلوم 2/11 : 27/633

فتبسّم، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فَدَك بمجرد دعواها لجاءت غداً وادّعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأن-ه ي-ك-ون ق-د أسجل على نفسه أنّها صادقة فيها تدعى كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود.

وهذا كلام صحيح، وإن كان أخرجه مخرج الدُّعابة والهزل.(1)

كلام فاطمة سلام الله علیها مع غاصبي فدك!

في حديث عن الإمام الصادق علیه السلام يبين فيه زاوية من احتجاج فاطمة وأمير المؤمنين علیه السلام مقابل الظلم الذي لَحِقَ بهما من جراء غصب فدك منهما.

ونحن نذكره هنا ليطلع المحققون على تاريخ الإسلام والحوادث التي جرت بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ونترك الحكم للقارئ المحترم. يروي الشيخ المفيد عن الإمام الصادق علیه السلام حديثاً هو :

عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله علیه السلام قال:

«لمّا قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وجلس أبو بكر مجلسه، بعث إلى وكيل فاطمة صلوات الله عليها فأخرجه من فدك.

فأتته فاطمة سلام الله علیها فقالت: يا أبا بكر ! ادعيت خليفة أبي وجلست مجلسه وأنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك وقد تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم صَدَّقَ بها عَلَى، وأن لي بذلك شهوداً .

فقال لها: إنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا يُورّث، فرجعت إلى علي فأخبرته.

فقال: ارجعي إليه وقولي له: زعمت أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لَا يُورث، «وَوَرِثَ

ص: 394


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 284

سُلَيْمَانُ دَاوُدَ»(1)، وَوَرِثَ يحيى زكريا، وكيف لا أرث أنا أبي ؟! فقال عمر: أنت مُعَلَّمَةٌ.

:قالت: وإن كنتُ مَعَلَّمَة فإنَّما عَلَّمَنى ابن عمي وبَعْلِي.

فقال أبو بكر: فإنّ عائشة تشهد وعمر أنّهما سمعا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهو يقول : إنّ النبيّ لا يورِّث .

فقالت: هذا أوّل شهادة زور شهدا بها في الإسلام ، ثمّ قالت: فإنّ فدك إنّما هي صدَّق بها عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ولي بذلك بينة.

فقال لها: هلمّي ببينتكِ.

قال: فجاءت بأم أيمن وعلي علیه السلام، فقال أبو بكر: يا أُم أيمن! إِنَّكِ سمعتِ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول في فاطمة ؟

فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : إنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، ثمّ :قالت أيمن فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنّة تدعى ما ليس لها ؟! وأنا امرأة من أهل الجنّة ما كنتُ لأشهد بما لم أكن سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

فقال عمر: دعينا يا أُم أيمن من هذه القصص، بأي شيءٍ تشهدين؟

فقالت: كنتُ جالسة فى بيت فاطمة سلام الله علیها ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم جالس حتى نزل عليه جبرئیل، فقال: يا محمد! قم فإنّ الله تبارك وتعالى أمرنى أن أخُطُ لك فدكاً ،بجناحي، فقام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مع جبرئيل ، فما لبث أن فقالت رجع فاطمة يا أبة أين ذهبت ؟ فقال : خط جبرئيل لي فدكاً بجناحه وحَدَّ لي حدودها، فقالت: يا أبة ! إنّي أخاف العيلة والحاجة من بعدك، فصدّق بها عَلَيَّ، فقال : هي صدقة عليك، فقبضتها قالت نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : يا أُمّ أيمن اشهدي ويا علي اشهد .

ص: 395


1- سورة النمل 27: 16

فقال عمر : انتِ امرأة ولا تُجيز شهادة امرأة وحدها ، وأما على فيجر إلى نفسه .

قال: فقامت مغضبة وقالت اللّهمَّ إنّهما ظلما ابنة محمد نبيّك حقها فاشدد وطأتك عليهما .

ثم خرجت وحملها عليّ على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار والحسن والحسين علیهما معها، وهي تقول يا معشر المهاجرين والأنصار ! انصروا الله فإنّي ابنة نبيّكم، وقد بايعتم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، فَفُوا لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ببيعتكم.

قال: فما أعانها أحدٌ ولا أجابها ولا نصرها.

قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل فقالت يا معاذ! إنّي قد جئتك مستنصرة، وقد بايعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على أن تنصره وذريته وتمنع مما تمنع منه نفسك وذريتك، وإن أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها ، قال : فمعي غيري؟ قالت : لا ما أجابني أحد ، قال : فأين أبلغ أنا من نصرتك ؟

قال: فخرجت من عنده ودخل ابنه فقال ما جاء بابنة محمد إليك ؟ قال : جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنّه أخذ منها فدكاً، قال : فما أجبتها ؟ قال : قلتُ : ما يبلغ من نصرتي أنا وحدي ، قال : فأبيت أن تنصرها ؟ قال : نعم، فأيُّ شيءٍ قالت لك؟ قال : قالت لي : والله لا نازعتك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، قال : فقال : أنا والله لا نازعتك الفصيح من رأسي حتى أرد على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؛ إذ لم تجب ابنة محمد.

قال: وخرجت فاطمة صلوات الله عليها من عنده وهي تقول: والله لا أكلمك كلمة حتى أجتمع أنا وأنت عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ثم انصرفت

ص: 396

فقال علي علیه السلام لها : انتِ أبا بكر وحده، فإنّه أرق من الآخر، وقولي له : ادعيتَ مجلس أبي وأنك خليفته وجلست مجلسه، ولو كانت فدك لك ثمّ استوهبتها منك لوجب ردّها عليَّ، فلما أتته وقالت له ذلك، قال: صدقتِ، قال: فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك.

قال: فخرجت والكتاب معها فلقيها ،عمر فقال يا بنت محمّد ما هذا الكتاب الذي مَعَكِ؟

فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك، فقال: هلميه إلى ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله - وكانت سلام الله علیها حاملة بابن اسمه المحسن - فأسقطت المحسن من بطنها ، ثمّ لطمها، فكأني أنظر إلى قرط في أنظر إلى قرط في أذنها حين نُقِفَتْ ، ثمّ أخذ الكتاب فخرقه.

فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضةً مما ضربها عمر ثُمَّ قُبِضَت. فلما حضرتها الوفاة دعت عليّاً صلوات الله عليه فقالت: إمّا تضمن وإلا أوصيتُ إلى ابن الزبير، فقال علي علیه السلام: أنا أضمن وصيتكِ يا بنت محمد، قالت: سألتك بحق رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذا أنا مُتَّ أن لا يشهداني ولا يُصلِّيا عَلَيَّ، قال : فلك ذلك.

فلما قبضت صلوات الله عليها دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، وأبو بكر وعمر كذلك، فخرج إليهما عليّ علیه السلام، فقالا له ما فعلتَ بابنة محمد ؟! أخذت في جهازها يا أبا الحسن؟

فقال علي علیه السلام: قد والله دفنتها قالا فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟ قال: هي أمرتني.

فقال عمر: والله لقد همَمْتُ بنبشها والصلاة عليها، فقال عليّ صلوات الله :عليه أما والله ما دام قلبي بين جوانحي وذو الفقار في يدي، إنك لا تصل إلى

ص: 397

نبشها، فأنت أعلم ، فقال أبو بكر : اذهب فإنّه أحقُّ بها منا، وانصرف الناس».(1)

ص: 398


1- الاختصاص للشيخ المفيد : 183 - 185 ، بحار الأنوار 29: 189 - 39/193 تُعتبر هذه الرواية إحدى الأدلة التي حددت وفاة فاطمة الزهراء بخمسة وسبعين يوماً بعد رحيل أبيها. وإحدى النقاط التي تُلفت النظر في هذه الرواية: استبعاد بعض المؤرخين مسألة إسقاط جنين الزهراء ، والتي كان بسبب ضرب عمر فاطمة . ويُستفاد من بعض الروايات الأخر بأن عمر عصرها بين الحائط والباب وأسقطت جنينها. بالتدقيق بين الروايتين يسقط التنافي بينهما ، خصوصاً وأن في هذا الحديث لم تتم الإشارة إلى أنّ إسقاط الجنين كان في الطريق، بل بينت علّة إسقاط الجنين. فالجمع بين المجموعتين من الروايات هو : إن إسقاط جنين فاطمة الله سببان: الأول : بسبب عصرها بين الحائط والباب. والثاني : من أثر ضرب عمر الزهراء له بالطريق. ومن جانب آخر فإنّ المدة الزمنية بين المصيبتين - قصة ضربها وشتمها في الطريق والهجوم على بيت أمير المؤمنين - لم تكن كبيرة . فيُستفاد من الدليلين بأن فاطمة مرضت بشدة من أثر الضربات التي لحقت بها، وأسقطت جنينها. اللهم العن من ضربها وكان السبب في إسقاط جنينها. وفي مكان دفن الزهراء الثلاثة احتمالات: 1 - في البقيع . 2 - بين قبر رسول الله له ومنبره . 3 - في بيتها لكن يُبان من روايات متعدّدة منها هذه الرواية - بأنّ أمير المؤمنين لدفنها في بيتها. ومن أجل حفظ وصيتها بإخفاء قبرها صنع أمير المؤمنين الأربعين قبراً في البقيع ؛ لكي لا يُعرف أيها قبرها. وهذا القول يتوافق مع ظاهر الروايات كثيراً، ويُستفاد من مجموعها: بأن وصية فاطمة ال بإخفاء قبرها عن عامة الناس خصوصاً عن مخالفيها في ذلك الزمان . وفي هذه الروايات بين أئمة أهل البيت الشيعتهم مكان دفن أُمّهم الزهراء . والله العالم

الفضيلة السابعة والثلاثون : أذيّة فاطمة سلام الله علیها أذيّة الله تعالى

اشارة

عن مجاهد قال: خرج النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو آخِذٌ بِيَدِ فاطمة سلام الله علیها فقال :

«مَنْ عَرَفَ هذِهِ فَقَدْ عَرَفَها، ومَنْ لَمْ يَعْرِفُها فَهِيَ فَاطِمَةٌ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَهِيَ بَضْعَةً مِنِّي وَهِيَ قَلْبِي وَرُوْحِيَ الَّتي بَيْنَ جَنْبَيّ، فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ أَذَى الله».(1)

ص: 399


1- كشف الغمة 2: 94 . وهذا الحديث مروي في كتب العامة منها: 1 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 128 2 - نزهة المجالس للشيخ عبد الرحمان الصفوري الشافعي 2 : 228 3 - نور الأبصار للشبلنجي: 41 . 4 - أرجح المطالب للشيخ عبيد الله الحنفي أمر تسري: 245 . 5 - أئمة الهدى للسيّد محمّد عبد الغفار الأفغاني : 82. 6 - تظلّم الزهراء لأبي الحسن الواحدي ، عنه إحقاق الحق 10 : 212 وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 9: 193 قال : وكم قال رسول الله لا مرة : « ؤذيني ما يؤذيها، ويغضبني ما يغضبها ، وأنها بضعة منّي يريبني ما رابها» والنسائي في الخصائص : 120 قال : أخبرنا محمد بن شعيب... إن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول الله وهو على المنبر يقول : «... فإنّما هي بضعة منّي، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها، ومن آذى رسول الله فقد حبط عمله». وهذا هو نفس الحديث الذي أورده مسلم في صحيحه ، لكن من دون الجملة الأخيرة. وبالتالي فإن حديث: «فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني روي بألفاظ مختلفة في المجاميع الحديثية لعلماء أهل العامة منها: 1 - المتقي الهندي في كنز العمال 12: 34241/111. 2 - أحمد بن حنبل في المسند 5: 3959/359 3 - والترمذي في الجامع الصحيح 5: 3959/359، وقال في ذيل الحديث : هذا حديث حسن صحیح 4 - الحاكم النيسابوري في المستدرك 3: 173 ، وقال بعد نقله للحديث: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . 5 - ابن حجر الهيثمي في الصواعق : 188 طبع عبد اللطيف مصر . 6 - ابن الأثير في النهاية : 156. 7 - ابن منظور في لسان العرب 1: 758 - البدخشي في مفتاح النجاة : 101 ، مخطوط . 9 - الأمر تسري في ارجح المطالب : 245. 10 - الشيخ محمد طاهر صديقي في مجمع بحار الأنوار 3: 360 ، طبع لكهنو. 11 - مسلم بن الحجاج في صحيحه 7: 141 12 - البخاري في صحيحه 6: 158 . 13 - أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء 3: 206. 14 - الذهبي في تلخيص المستدرك ، المطبوع في ذيل المستدرك 3: 154 . وعشرات المصادر الأخرى من مصادر العامة، ومن رام المزيد فليرجع إلى إحقاق الحق 10 : 187 وما بعدها

جزاء أذية فاطمة سلام الله علیها

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

ص: 400

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا».(1)

بعد أخذ هذه الآية بنظر الاعتبار، فإنّ الذين يؤذون فاطمة الزهراء لهم في الحقيقة يؤذون الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، ومثل هؤلاء الأشخاص يبتلون باللعنة وعذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة.

بالتدقيق في متون الأحاديث التى نقلها علماء ومفكري الإسلام، يظهر جيداً من هم الذين آذوا فاطمة الزهراء سلام الله علیها ، وعلى مَنْ غضبت فاطمة الزهراء سلام الله علیها؟!

ففي هذا الخصوص نقل ابن قتيبة الدينوري أحد كبار علماء العامّة المتوفي سنة 322 ه-في كتابه الإمامة والسياسة حديثاً في قسم منه هكذا:

قال : وإنّ أبا بكر تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه، فبعث إليهم ،عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب، وقال: والذي نَفْسُ عمر بيدهِ لَتَخرُجُنَّ أو لأُخْرِقَنَها على مَنْ فيها. فقيل :له يا أبا حفص ! إنّ فيها فاطِمَة ؟

قال : وإن !!

فخرجوا فبايعوا إلا عليّاً فإنّه زعم أنه قال: «حَلَفْتُ أن لا أخرُجَ ولا أضعَ ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن.

فوقفت فاطمة رضى الله عنها على بابها فقالت:

«لا عَهْدَ بِقَوْمٍ حَضَرُوا أَسْوَأَ مَحْضَراً مِنْكُم، تَرَكْتُمْ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم جَنازَةً بَيْنَ أَيْدِينَا وَقَطَعْتُم أَمْرَكُم بَيْنَكُم لَمْ تَسْتَأْمرُونا وَلَمْ تَرُدُّوا لَنا حَقَّنا ...».(2)

ص: 401


1- سورة الاحزاب 33: 57
2- الإمامة والسياسة 1: 30 ، وكذا في فضائل الخمسة من الصحاح الستة 3: 187 ، بيت الاحزان 62 - 63

عيادة أبي بكر وعمر لفاطمة سلام الله علیها!

يقول صاحب كتاب الإمامة والسياسة في تكملة هذا الحديث بعد مدة من الواقعة الأليمة وإحراق عمر للباب، وعصر الزهراء سلام الله علیها وراء الباب واسقاطها محسناً-.

فقال عمر لأبي بكر انطلق بنا إلى فاطمة فإنا قد أغضبناها ... فقالت :

«أَرَيْتُكُما إِن حَدَّثْتُكُما حَديثاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه و آله وسلم تَعْرِفَانِهِ وَتَفْعَلانِ بِهِ؟».

قالا : نعم .

فقالت: «نَشَدْتُكُمَا اللهِ! أَلَمْ تَسْمَعًا رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه و آله وسلم يقولُ: رِضا فاطِمَةَ مِنْ رِضايَ، وَسَخَطُ فاطِمَةَ مِنْ سَخَطِي ، فَمَنْ أَحَبَّ فَاطِمَةَ ابْنَتِي فَقَدْ أَحَبّني ، وَمَنْ أَرْضَىٰ فَاطِمَةَ فَقَدْ أَرْضانِي، وَمَنْ أَسْخَطَ فَاطِمَةَ فَقَدْ أَسْخَطَنِي؟».

قال: نعم، سَمَعْناه من رسول الله !!

قالت: «فَإِنِّي أَشْهِدُ الله وملائِكَتَهُ أنَّكُما أَسْخَطْتُمَانِي وَمَا أَرْضَيْتُمَانِي وَلَئِنْ لَقَيْتُ النبي صلی الله علیه و آله وسلم الأشْكُونَكُما إِلَيْهِ».

فقال أبو بكر: أنا عائِذُ باللهِ تعالى مِنْ سَخَطِهِ وَسَخَطِكِ يا فَاطِمَةُ!

ثُمَّ انْتَحَبَ أبو بكر يبكى حتى كادَتْ نَفسه أن تزهَقَ ، وهي تقول: «والله لأدْعُوَنَّ اللهَ عَلَيْكَ فى كُلِّ صَلاةٍ أُصَلِّيها».

ثُمَّ خَرَجَ - يعني أبا بكر - فاجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ فقال لهم: يَبيتُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مُعانِقاً حَلِيْلَتَهُ، مَسْرُوراً بِأهْلِهِ وَتَرَكْتُموني وما أنا فيهِ، لا حاجَةَ لِي في

بَيْعَتِكُمْ أَقِيْلُونِي بَيْعَتِي».(1)

بالتدقيق بهذه الرواية، يُطرح السؤال التالي :

ص: 402


1- الإمامة والسياسة 1: 31 فضائل الخمسة 3: 187

هل صحيح أن أبا بكر سحب يده من بيعة الناس له وترك الخلافة الأمير المؤمنين علي علیه السلام؟ أو أن هذا الكلام هو غطاء لأعماله التي عملها مع رفيقه، وتنصلهم من الظلم الذي ظلما به أمير المؤمنين وزوجته علیهما السلام؟

إذا كان هذا الكلام حقيقة وصدقاً ؛ لماذا عرّف عمر خليفة للناس من بعده؟! ففي ذلك يقول أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة:

«فَيَا عَجَباً ! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها فى حَياتِهِ إِذْ عَقَدَها لَآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، لَشَدَّ ما تَشَطَّرًا ضَرْعَيْها ...».(1)

ص: 403


1- نهج البلاغة الخطبة الثالثة - الشقشقية - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 165

ص: 404

الفضيلة الثامنة والثلاثون : فاطمة سلام الله علیها المدافعة عن أمير المؤمنين علیه السلام

اشارة

عن أبي عبدالله علیه السلام، وعن سلمان الفارسي:

«إنّه لمّا اسْتُخْرِجَ أمير المؤمنين مِنْ مَنْزِلِهِ خَرَجَتْ فَاطِمَةُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى القَبْرِ ، فقالت : خَلُّوا ابن عَمِّي فَوَالذي بَعَثَ مُحمَّداً بالحقِّ ! لَئِنْ لَمْ تُخَلُّوا عَنْهُ لَأَنْفُرَنَّ شَعْرِي وَلَأضَعَنَّ قَميصَ رَسُولِ اللهِ صلی لله علیه و آله وسلم على رأسي ولأصْرُخَنَّ إِلَى اللهِ، فَما نَاقَةُ صالح بأكرم على اللهِ مِنْ وُلْدِي».

قال سلمان فرأيت والله - أساس حيطان المسجد تَقَلَّعَتْ مِنْ أَسفلِها حَتَّى لَوْ أَرادَ رجلٌ أَنْ يَنفُذَ من تَحْتها نفذ، فدنوت منها وقلتُ: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعثَ أَباكِ رحمة فلا تَكُونِي نِقْمَةً.

فرجعت الحيطانٌ حتَّى سَطَعتِ الغَبَرَةُ مِنْ أَسْفَلِها فَدَخَلَتْ في خياشيمنا.(1)

ص: 405


1- المناقب لابن شهر آشوب 3: 118 ، الاحتجاج للطبرسي 1: 113 - 114، بحار الأنوار 28: 25/206 و 43 47 ، عوالم العلوم 1/11 : 1/231، بيت الأحزان: 111

آهات فاطمة سلام الله علیها المؤلمة

النقطة المهمة التي تُرى في هذا الحديث هي: روحيّة دفاع الزهراء سلام الله علیها عن إمام زمانها ، فقد آلت الزهراء سلام الله علیها على نفسها له - مع كل المصائب التي ألمت بها من إسقاط جنينها ذا الستة أشهر إلى كسر ضعلها - أن تدافع عن إمام زمانها وتفديه بنفسها وأبنائها علیهم السلام

ثُمّ إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين علیه السلام، وهو جالس على فراشه، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة سلام الله علیها بينهم وبين بعلها وقالت:

«والله ، لا أَدَعَكُمْ تَجِرُّونَ ابن عمّي ظُلْماً، ويُلُكُمْ! ما أسرع ما خنتُم الله ورسوله فينا أهل البيت وقَدْ أوْصَاكُم رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم باتباعنا ومودتنا والتمسك بنا، فقال تعالى:

«قُل لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1)».

قال الراوي فتركه أكثر القوم لأجلها، فأمر عمر قنفذاً ابن عمه أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف، وكان ذلك الضرب أقوى ضرر في إسقاط جنينها، وقد كان رسول الله صلی لله علیه و آله وسلم سمّاه محسناً، وجعلوا يقودون أمير المؤمنين علیه السلام إلى المسجد، حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر.

فلحقته فاطمة سلام الله علیها إلى المسجد لتخلّصه ، فلم تتمكن من ذلك، فعدلت إلى قبر أبيها ، فأشارت إليه بحرقة ونحيب وهي تقول:

نَفْسِي على زَفَراتِها مَحْبُوسةٌ***يا لَيْتَها خَرَجَتْ مَعَ الزَّفَراتِ

ص: 406


1- سورة الشورى 43: 23

لا خَيْرَ بَعْدَكَ في الحياةِ وإنمّا***أَبْكِي مَخافَةَ أَنْ تَطُولَ حَياتِي

ثم قالت: «وا أَسَفَاً عَلَيْكَ يا أبتاه وأشكل حبيبتك أبو الحسن المؤتمن وأبو سبطيك الحسن والحسين، ومن ربّيته صغيراً وواخيته كبيراً، وأجلّ أحبائك لديك، وأحبّ أصحابك إليك أولهم سبقاً إلى الإسلام، ومهاجرة إليك يا خير الأنام، فها هو يُساق في الأسر كما يُقاد البعير».

ثُمّ أنها أنَّتْ أنْةٌ، وقالت:

«وا محمداه ، واحبيباه ، وا ،أباه وا أبا القاسماه وا أحمداه ، وا قلّة ناصراه، واغوثاه واطول ،کربتاه واحزناه وا مصيبتاه، وأسوأ صباحاه».

وخرّت مغشيةً عليها، فضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وصار المسجد مأتماً.

ثُمّ إنّهم أوقفوا أمير المؤمنين علیه السلام بين يدي أبي بكر، وقالوا له: مُدّ يدك فبایع !! فقال:

«والله ، لا أُبايع، والبَيْعَةُ لِي فِي رِقَابِكُمْ».

فروي عن عدي بن حاتم، أنه قال : والله ما رحمتُ أحداً قط رحمتي على على بن أبي طالب علیه السلام حين أتى به مُلَبَّباً بثوبه، يقودونه إلى أبي بكر، وقالوا : بايع !!

قال: «فإن لم أفعل ؟»، قالوا: نضرب الذي فيه عيناك.

قال فرفع رأسه إلى السماء، وقال:

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهِدُكَ أَنَّهُم أَتَوا أن يَقْتُلُونِي، فإنّي عَبْدُ اللهِ وأخي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم».

فقالوا له: مد يدك فبايع !! فأبى عليهم، فمدوا يده كرهاً فقبض علیه السلام على أنامله فراموا فتحها فلم يقدروا، فمسح عليها أبو بكر وهي مضمومة، وهو يقول وينظر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:

«یا بن عَمَّا إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونِي».(1).

ص: 407


1- بيت الأحزان: 117 - 119

ص: 408

الفضيلة التاسعة والثلاثون : حزن الأئمّة على مصيبة فاطمة سلام الله علیها

اشارة

عن زكريا بن آدم قال : إِنِّي لَعِنْدَ الرّضا إذ جِيئ بِأَبي علیه السلام جَعفرِ وَسِنُّهُ أَقل مِنْ أربع سنينَ، فَضَرَبَ بِيَدِه الأرضَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ فأطَالَ الفِكْرَ.

فقال له الرّضا علیه السلام: « بِنَفْسِي ! فَلِمَ طَالَ فِكْرُكَ ؟». فقال: «فيما صُنع بِأُمِّي فاطمة، أما واللهِ ! لأُخْرِجَنَّهُمَا، ثُمَّ لأَخْرِ قَنَّهُما ، ثُمَّ لأُدْرِيَنَّهُمَا ، ثُمَّ لأَنْسِفَنَّهُمَا فِي اليَمَّ نَسْفَاً».

فَاسْتَدْنَاهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قال:

«بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ! أَنْتَ لَها»، يعني الإمامة.(1)

نعم ليس فقط الإمام الجواد علیه السلام، بل كلّ الأئمة المعصومين علیهم السلام كلّما تذكّروا أُمّهم الزهراء سلام الله علیها لا ينتابهم الهم والحزن وتجري دموعهم حزناً على ما أصابها سلام الله علیها.

ص: 409


1- دلائل الإمامة : 400 - 358/401 ، بحار الأنوار 50: 59 مدينة المعاجز 7: 324 - 2363/325، بيت الاحزان : 124

بكاء أمير المؤمنين علیه السلام على مصيبة زوجته فاطمة سلام الله علیها

قال سليم بن قيس انتهيتُ إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان، وأبي ذرّ والمقداد، ومحمد بن أبي بكر، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة.

فقال العباس لعلي علیه السلام: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع عماله ؟ فنظر علي علیه السلام إلى من حوله، ثُمَّ اغْرورقت عيناه بالدموع، ثُمّ قال:

«شَكَرَ لَهُ ضربةً ضَرَبها فاطمة سلام الله علیها بالسوط ؛ فماتت وفي عَضُدِها أَثَرَهُ كأنه الدُّملج».

ثمّ قال: «والعجب ممّا أُشْرِبَتْ قُلوبُ هذهِ الأُمَةِ مِنْ حُبِّ هذا الرَّجل وصاحبِهِ مِنْ قبلِهِ والتَّسْلِيم لَهُ في كُلِّ شَىءٍ أَحْدَثَهُ».(1)

بكاء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على مصيبة ابنته فاطمة سلام الله علیها

عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال :

«بَيْنَا أَنَا وفَاطِمَة والحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذ التفتَ إلينا فَبَكَى . فقلتُ : ما يُبْكِيَكَ يا رسول الله ؟

فقال : أَبْكِي ممّا يُصْنَعُ بِكُم بَعْدِي، فقلتُ: وما ذاك يا رسول الله ؟

قال: أَبْكِي مِنْ ضَرْبَتِكَ على القرنِ، وَلَطْم فاطِمَةَ خَدَّهَا، وَطَعْنَةِ الحسن في الفَخْذِ ، والسُّمَ الذي يُسْقَى، وقتل الحسين.

قال: فَبَكِى أهل البيت جميعاً، فقلتُ: يا رسول الله ! ما خَلَقَنَا رَبِّنَا إِلَّا للبلاء.

قال: أَبْشِر يا على ! فإنّ الله عزّوجلّ قَدْ عَهِدَ إِلَى أَنَّهُ لا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ،

ص: 410


1- کتاب سليم بن قيس الهلالي 2: 675 - 14/676

ولا يُبْغِضُكَ إِلّا مُنافِقٌ».(1)

بكاء الإمام الصادق علیه السلام الشهادة محسن فاطمة سلام الله علیها

يذكر لنا المفضّل بن عمر بكاء الإمام الصادق علیه السلام عندما يذكر قصة المحسن جنين فاطمة سلام الله علیها ذا الستة أشهر في يوم القيامة؛ للانتقام من قاتليه، فيقول:

سمعت الإمام الصادق علیه السلام يقول:

«... ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أُم أميرالمؤمنين علیه السلام، وهنَّ صارخات وهنَّ صارخات وأمه فاطمة تقول :

«هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ».(2). اليوم «تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا».(3)

قال : فبكى الصادق علیه السلام حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال :

«لا قَرَّتْ عَيْنْ لا تَبْكِي عِنْدَ هذا الذكر».

أجر البكاء لمصيبة الزهراء سلام الله علیها!

قال الراوي وبكى المفضّل بكاءً طويلاً، ثمّ قال: يا مولاي ما ف- الدموع يا مولاي ؟

فقال: «ما لا يُحْصى إذا كان مِنْ مُحِقِّ».

ثُمّ قال :المفضّل يا مولاي ما تقول في قوله تعالى:

«إِذَا الْمَوْهُدَةُ سُئِلَتْ»«بِأَيّ ذَنبٍ قُتِلَتْ»؟(4)

ص: 411


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 208/197، بحار الأنوار 28: 20/51 و 44: 17/149
2- سورة الأنبياء 21 : 103
3- سورة آل عمران 3: 30
4- سورة التكوير 81: 98

قال: «يا مفضّل و «الْمَوْءُدَةُ» والله محسن ؛ لأنّه منا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه».

قال المفضّل يا مولاي ! ثمّ ماذا ؟

قال الصادق علیه السلام: تقوم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فتقول : اللَّهُمَّ أَنْجِزْ وَعْدَكَ ومَوْعِدَكَ لِي فِيمَنْ ظَلَمَنِي وغَصَبَنِي وضَرَبَنِي وجَزَعَنِي بِكُلِّ أَوْلادِي».(1)

وراجع نماذج أخرى لحزن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم المصيبة أُمّهم الزهراء سلام الله علیها في هذا الكتاب في آخر الفضيلة الثالثة، وتحت عنوان: تذكر الأئمة علیهم السلام لأمهم الزهراء سلام الله علیها، فراجع.

ص: 412


1- بحار الأنوار 53 : 23 - 24

الفضيلة الاربعون :رمصائبها سلام الله علیها الكبيرة وعمرها القصير

اشارة

عن عبدالله بن العبّاس قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الوفاة، بكى حتى بَلِّت دموعهُ لِحيته، فقيل: يا رسول الله ! ما يُبكيك؟

قال: «أَبْكِي لِذُرِّيَّتِي ومَا تَصْنَعُ بِهِمْ شَرارُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، كَأَنِّي بِفَاطِمَةَ بِنْتِي وقَدْ ظُلِمَتْ بَعْدِي، وهي تُنادي : يا أَبَنَاهُ يا أَبْنَاهُ! فلا يُعينُها أَحَدٌ مِنْ أُمِّتي».

فَسَمِعَتْ ذلك فاطمة سلام الله علیها فَبَكَتْ فقال لها رسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «لا تبكين يا بُنيّة!».

فقالت : « لَسْتُ أَبْكِي لِما يُصْنَعُ بِي مِنْ بَعْدِكَ ، ولَكِنِّي أَبْكِي لِفِرَاقِكَ يا رَسُولَ الله!».

فقال لها: «أَبْشِري يا بِنْتَ مُحَمَّدٍ بِسُرْعَةِ اللحاقِ بِي، فَإِنَّكِ أَوَّلُ مَنْ يُلْحَقِّ بِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي».(1)

يُشير هذا الحديث إلى نقطتين مهمتين لهما علاقة بالمصائب العظيمة التي

تقع على فاطمة الزهراء سلام الله علیها بعد رحيل أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من الدنيا .

ص: 413


1- الأمالي للشيخ الطوسي: 316/188، بحار الأنوار 28: 4/41 و 31: 620 - 103/621 و 43: 2/156

بكاء النبي صلى الله عليه و آله وسلم عند تذكره مصائب فاطمة سلام الله علیها

النقطة الأولى : بكاء ونحيب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عندما يتذكر مصائب ابنته .

فعندما يبكي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تبكي معه جميع الملائكة ومخلوقات السماء والأرض على مصيبة سيّدة الخلق، وهذا البكاء هو دليل على وقوع المصائب على ابنته من بعده، وخصوصاً وأنه صلى الله عليه و آله وسلم أخبرها بسرعة اللحاق به، وهي أوّل أهل بيته لحوقاً به.

وكذلك دموع وحزن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تبيّن فضل البكاء والحزن على مصائب السيّدة المظلومة، واللازم على جميع المسلمين التأسي برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وأن يتّبعوا عمله في حياتهم، وكلما تذكروا مصائب السيّدة الجليلة المؤلمة بكوا وأظهروا المودة لها ولأهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم؛ ليستفيدوا من بركاتهم المعنوية .

ظَلَمَة حق فاطمة سلام الله علیها أسوأ الظالمين!

النقطة الثانية : الذين ظلموا فاطمة ، وكانوا السبب فى شهادتها عرّفهم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في حديثه بأنّهم شرار أُمته .

وهذا يُوضح الخط الفكري للذين يريدون الحكم عن التاريخ الإسلامي، بنظرة منفتحة، وتبرير أعمال وتصرفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من بعده.

الروايات أهم سند تاريخي!

من أجل توضيح أكثر للنقطتين السابقتين، تشير إلى بعض الروايات المنقولة عن طريق الشيعة والسنة؛ على أمل أن ينتبه - وبعد ألف وأربعمائة ع-ام- الذين لا زالوا يشككون ويتردّدون في قبول ما جرى على بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم المظلومة، وكأنّهم لم يصدقوا ما صدر من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم مثل هذه الأعمال.

ص: 414

والتصرّفات من بعده.

لعلّ إحدى أسباب هؤلاء، هو إنّهم من أجل أن يتحققوا من تلك المسائل يرجعون إلى كتب تأريخيّة كتابها ليس لديهم اطلاع كافٍ بما جرى من الحوادث في تلك الفترة، فضلاً عن أنّهم من الذين يضمرون الحقد والكراهيّة، ويكتمون الحقائق التاريخيّة ويحرِّفوها.

بلا شكّ من يستند في مراجعاته على مثل هذه المصادر التاريخية - التي تحتوي على نقولات ناقصة ليس لها أساس - ويسلّمون بما كُتب فيها من دون سؤال واستفسار، ويجعلوها من مصادرهم الأساسية في كتاباتهم؛ يوجهون بذلك ضربة قاسيّة لعقائد المسلمين .

ومن جانب آخر، بما أن مثل هؤلاء الأشخاص ليس لهم علاقة تامة بخلافة وإمامة عليّ بن أبي طالب علیه السلام، وعندما يصلون إلى تاريخ النبي ووصيه وابنته علیهم السلام يشككون ويتردّدون، ولا يقبلون الشهادة التاريخيّة لرسول الله وأبنائه الطاهرين وأصحابه العدول، ويبرّرون الظلم الذي وقع على أهل البيت علیهم السلام بتبريرات شيطانية؛ من أجل أهداف شيطانيّة مشؤومة، ويغضّوا النظر عن استشهاد بنت رسول الله ، وإسقاط جنينها ذا الستة أشهر ؛ وبذلك يُشركون أنفسهم مع الظلمة الذين ظلموا أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم.

من البديهي أنّ مثل أولئك الأشخاص لو لم ينتبهوا من نوم الغفلة الذي هم فيه - وينظروا بإمعان وإنصاف في التاريخ الصحيح المعتبر، ويدققوا بماضيهم الدامي ويُجبروه؛ فإنّهم يأتون يوم الخلود خجلين من أعمالهم وكتاباتهم- - أمام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ولا نتيجة لذلك غير عقاب الله تعالى لهم .

والآن نُشير إلى وصايا رسول الله وأبنائه الطاهرين صلوات الله عليهم ؛ لنرفع بذلك السِّتار عن الظلم الذي لَحِقَ بأهل البيت علیهم السلام بعد رحيل

ص: 415

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، والتي تُخبر بوقوع المصائب على ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

في البداية تُبيّن بعض الروايات التي نقلت في كتب العامة، وبعدها ننقل الروايات المعتبرة التي رواها كبار محدثي الشيعة.

مصائب فاطمة عن لسان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في كتب العامة

ينقل الشيخ إبراهيم بن محمد الجويني أحد كبار علماء العامة، ومن شيوخ وأساتذة الذهبي، ويُعتبر عند علماء العامة من المحدثين والرواة المعتبرين، والمتوفى سنة 722 ه -(1)- حديثاً مفصلاً بخصوص المصائب التي

جرت على أهل بيت النبي علیهم السلام، عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، إلى أن يقول:

«... وأمّا ابْنَتِى فاطِمَةُ فَإِنَّها سَيِّدةُ نِساء العالمينَ مِنَ الأوَّلين والآخِرينَ، وهِيَ بَضْعَةٌ مِنّي، وهِيَ نُورُ عَيْنِي، وهِيَ ثَمَرةً فُؤادِي، وَهِيَ رُوحِيَ التي بَيْنَ جَنْبَيَّ، وهِىَ الحَوْراءُ الإِنْسِيَّةُ ....

وإِنِّي لَمّا رَأَيْتُهَا ، ذَكَرْتُ ما يُصْنَعُ بِها بَعْدِي، كَأَنِّي بِها وقَدْ دَخَلَ الذُّلُّ بَيْتَها وانتُهكَتْ حُرْمَتُها وغُصِبَ حَقَّها ومُنِعَتْ إرْثَها وكُسِرَ جَنْبُها وأَسْقَطَتْ جَنينَها ،

وهي تُنادِي يا مُحَمَّداه فَلا تُجابُ وتَسْتَغِيتُ فلا تُغَاثُ .

فلا تَزالُ بَعْدِي مَحْزُونَةً مَكْرُوبَةً باكِيَةً فَتَذْكُرُ انْقِطاعَ الوَحْيِ مِنْ بَيْتِها مَرَّةً، وتَتَذَكَّرُ فَراقِى أُخْرى، تَسْتَوْحِشُ إِذا جَنَّهَا اللَّيْلُ لِفَقْدِ صَوْتِي الذي كانَتْ تَسْتَمِعُ إلَيْهِ إذا تَهَجَّدتُ بالقرآن، ثُمَّ تَرى نَفْسَها ذَلِيلةً بَعْدَ أَنْ كانَتْ في أَيَّامٍ أبيها عَزِيزَةً وعِنْدَ ذلِكَ يُؤنِسُهَا اللهُ تَعَالَى فَيُنَادِيها بما نادَى بِهِ مَرْيَمَ بنتُ عِمْران فيقولُ :

يا فاطِمَةُ! إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفَاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمينَ، يا فَاطِمَةُ !

ص: 416


1- كما في : الدرر الكامنة لابن حجر 1: 181/67 ، الوافي بالوفيات للصفدي 6: 141 / 2585 تذكرة الحفاظ لابن عقدة 4: 1505 ، معجم شيوخ الذهبي : 156/125

اقْتَتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعي مَعَ الرَّاكِعِينَ.

ثُمَّ يَبْتَدِئ بها الوَجَعُ فَتَمْرَضُ، فَيَبْعَثُ اللهَ عَزَّوجلَّ إِلَيْهَا مَرْيَمَ ابنةَ عِمْران تُمَرْضُها وتُؤنِسُها في عِلَّتِها .

فَتَقُولُ عِنْدَ ذلك: يا رَبِّ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ الحَياةَ وتَبَرَّمْتُ بِأَهْلِ الدُّنيا فَالْحِقْنِي بِأبي، فَيُلْحِقُهَا اللهُ عزَّ وجلَّ بِي، فَتَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَلْحَقْنِي مِنْ أهْلِ بَيْتِي ، فَتَقْدِمُ عَلَيَّ مَحْرُونَةً مَكْرُوبَةً مَعْمُومَةً مَعْصُوبَةً مَقْتُولَةٌ .

يقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عند ذلِكَ : اللَّهُمَّ الْعَنْ مَنْ ظَلَمَها وعَاقِبْ مَنْ غَصَبَها وَذَلّل مَنْ أَذَلَّها وخَلَّدْ فى نارِكَ مَنْ ضَرَبَ جَنْبَها حَتَّى أَلْقَتْ وَلَدَها، فتقول الملائِكَةُ عِنْدَ ذلِكَ : آمين».(1)

يُعتبر هذا الحديث إحدى معاجز رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، حيث أخبر به عن حياة فاطمة والمصائب التي تقع عليها من بعده، فيحدثنا التاريخ والروايات المعتبرة المسندة بأنّ كلّ الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قد وقع على ابنته فاطمة سلام الله علیها.

ذكر مصائب فاطمة سلام الله علیها في المعراج

نعم، ليس رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو وحده ذكر المصائب التي تقع على ابنته كما في هذه الرواية - من بعده وبكى عليها، بل الله تعالى أخبره في ليلة المعراج بما يجري على حبيبته أثناء عمرها القصير، الذي هو بسبب عِظَم المصائب التي جرت عليها وآلامها . فالتدقيق بعبارات هذا الحديث توضح للإنسان الكثير من المطالب التي لم يُشر إليها .

فعن الإمام الصادق علیه السلام قال :

« لمَا أُسْرِيَ بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم قيل له : إن الله مُخْتَبِرُكَ في ثلاث؛ لينظر كيف صبرك ؟

ص: 417


1- فرائد السمطين 2: 34 - 35 ضمن ح 371

قال : أُسَلِّمُ لأَمْرِكَ يا ربِّ، ولا قُوَّةَ لِي على الصِّبرِ إِلَّا بِكَ...».

إلى أن قال :

«وأمّا الثالثَةُ : فَما يَلْقَى أهلُ بَيْتِكَ مِنْ بَعْدِكَ مِنَ القَتْلِ:

أمّا أخُوكَ فَيَلْقَى مِنْ أُمَّتِكَ الشَّتم ، والتَّعْنِيفُ ، والتَّوْبِيحُ، والحرمان ، والجهد، والظَّلم، وآخر ذلك القتل.

فقال : يا رَبِّ سَلَّمتُ وقَبِلْتُ، ومِنْكَ التَّوفيقُ والصَّبرُ .

وأما ابْنَتَكَ فَتُظْلَمُ، وتُحْرَمُ، ويُؤْخَذُ حَقُها غَصْبَاً الذي تَجْعَلَهُ لَها، وتُضْرَبُ وهي حامل، ويُدْخَلُ عَلى حَرِيمِها ومَنْزِلِها بِغَيْرِ ،إذن، ثُمَّ يَمَسُّها هَوانٌ وذُلُّ ، ثُمَّ لا تَجِدُ مانِعاً، وتَطْرَحُ ما في بَطْنِها مِنَ الضَّرْبِ وتَموتُ مِنْ ذلِكَ الضَّرْبِ .

قال: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(1)قَبلتُ يا ربِّ وسَلَّمتُ ومِنْكَ التوفيق والصبر».(2)

ندم أبي بكر من انتهاك حرمة بيت فاطمة سلام الله علیها!

حدیث آخر رواه کبار علماء العامة وبسند معتبر في هذا الخصوص، ودليل محكم على صحة الرواية السابقة، هو حديث هجوم أبي بكر وعمر ومأموريهما على بيت فاطمة سلام الله علیها، وتأييده من قبلهم؛ مما لا مجالاً للشك والترديد في قوع هذه الحادثة على بيت الزهراء سلام الله علیها.

عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه، فسلّمت عليه وسألته كيف أصبحت؟ فاستوى جالساً فقال:.... إلى

ص: 418


1- سورة البقرة 2: 156
2- كامل الزيارات : 332 - 334 تأويل الآيات: 838 الجواهر السنية 3: 215 ، بحار الأنوار 28: 61 - 62 ضمن ح 24

أن قال : أما إنّي لا آسي على شيء إلا على ثلاث فعلتهن وددتُ أنّي لم أفعلهن.... .

فأما الثلاث اللاتي وددتُ أني لم أفْعَلْهنَّ فوددت أني لم أكُن كَشَفْتُ بَيْتَ فاطمة وتركتُهُ وإنْ أُعْلِقَ عَلَى الحرب ...(1)

إن هذا التأسف من أبى بكر دليل على الهجوم الذي وقع على بيت فاطمة سلام الله علیها من قبل مأموريه، بعد رحيل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وإشارة إلى المصائب التي أوردها هو ورفيقه عمر بن الخطاب على سيدة نساء أهل الجنة.

الضربة التي أسقطت جنين الزهراء سلام الله علیها

إِنَّ قصّة الهجوم على بيت بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وضربها وشتمها قد تم بلا وازع من شيءٍ، وكانت هذه القصة في عصرها كالشمس في رابعة النهار ، حيثُ صارت حديث الساعة لكلِّ المحافل آنذاك ؛ مما لم تترك فرصة لأي محدِّثٍ أو مؤرّخ إنكارها، إلا أولئك الحاقدين والمعاندين. فليس اعتباطاً أن يتحدّث بحرقة بعض علماء العامة حول هذه القصّة.

فالشهرستاني ينقل عن إبراهيم النظام أحد علماء العامة، الذي يعتبره الخطيب البغدادي من كبار المتكلمين وأهل الرأي(2) - فيقول:

(2)

إِن عُمر ضَرَبَ بطن فاطمة - سلام الله علیها - يوم البيعة ، حتى أَلْقَتْ الجَنينَ مِنْ بطنها، وكانَ يَصيحُ : احرِقُوا دارَها بِمَنْ فيها، وما كان في الدارِ غير علي وفاطمة والحسن والحسين سلام الله علیهم.(3)

ص: 419


1- المعجم الكبير للطبراني 1: 43/62 ، تاريخ الطبري 3: 215 ميزان الاعتدال 3: 5763/108، لسان الميزان 4: 5752/706 ، تاريخ الإسلام للذهبي - عصر الخلفاء الراشدين : 117 - 118 ، مسند فاطمة الله للسيوطي : 34 - 35 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 47، وغيرها
2- تاریخ بغداد 6: 96
3- الملل والنحل للشهرستاني 1: 57

اليعقوبي - وهو أحد العلماء المتقدمين المتوفي سنة 292 ه، ومن مؤرخي العامة - يؤرّخ الهجوم على بيت فاطمة سلام الله علیها قائلاً:

وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب - علیه السلام - في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار، وخرج عليّ ومعه السيف ، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه وكسر سيفه ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت:

«واللهِ لَتَخْرِجُنَّ أَو لأكْشِفَنَّ شَعْرِي وَلأَعِجَنَّ إِلَى اللَّهِ».(1)

إن علماء العامة سعوا إلى عدم نقل قصّة الهجوم على بيت فاطمة سلام الله علیها وإحراق باب الدار ، وإذا نقلوها فبصورة مختصرة محرّفة . وإذا رواها أيُّ راوٍ بصورة كاملة ؛ تناوشوه بالجرح والتضعيف والخدش بصحّته .

لكن شمس الحقيقة لا يمكن أن يحجبها سحاب العناد. فقد أذعن واعترف بهذه الحقيقة بعضهم وهذا الاعتراف مسجّل بين طيات الكتب الحديثية والتاريخيّة، كما أشرنا إلى البعض منها.

إن المهم في هذا الخصوص، والذي ينبغي أن يُعرف، هو إنّنا لا نتوقع من علماء ومؤرّخي العامّة أن ينقلوا كلّ الذي جرى على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنة رسول الله سلام الله علیهما؛ لأنهم لو نقلوا ذلك يكونوا كالذين أوقدوا النار في مذهبهم الذي ينتمون إليه، فلو احتاجوا إلى بعض التفاسير المزيفة، أو تنقطع بهم السبل والحجج التاريخيّة؛ تراهم يُقرون ويُشيرون لذلك في بعض الموارد.

غضب فاطمة سلام الله علیها على أبي بكر وعمر

يعترف ابن أبي الحديد المعتزلي بشكل واضح وصريح بالظلم الذي أورده

ص: 420


1- تاريخ اليعقوبي 2: 126

أبو بكر وعمر على الزهراء سلام الله علیها، ولكنه يبرّر اعترافه هذا بصورة مضحكة فيقول: والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت ألا يُصلِّيا عليها وذلك عند أصحابنا من الأمور المغفورة لهما، وكان الأولى بهما إكرامها واحترام منزلها ، لكنّهما خافا الفُرقة وأشفقا من الفتنة ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنهما !!!

فإنّ هذا لو ثبت أنّه خطأ لم يكن كبيرة، بل كان من باب الصغائر التي لا تقتضي التبرُّؤ، ولا توجب التولِّى.(1)

تقسم عليك بالله ! أنصفوا فاطمة سلام الله علیها التي قال عنها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «... فَمَنْ آذاها فَقَدْ آذاني، ومَنْ آذاني فَقَدْ آذى الله»(2)، ومن آذى الله ورسوله فقد استحق اللعنة (3)، فهل مثل هكذا شخص المؤذي يكون بعمله قد ارتكب ذنباً صغيراً والله تعالى يغفر له؟!

فكيف يمكن أن من آذى فاطمة سلام الله علیها، وارتكب الذنب، وصار ملعوناً في الدنيا والآخرة ، يكون ذنبه صغيراً؟!

فهل إنّ فاطمة - التي قال لها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «إن اللهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ ويَرْضَى لِرِضَاكِ»(4)، ومن يغضب عليه الله تعالى يهلك(5) - من يُغضبها يكون قد ارتكب ذنباً صغيراً ومغفوراً له ؟!

ألا يكون ذلك من الذنوب الكبيرة التي ليس فوقها ذنب أكبر منه ؟!!

ص: 421


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 50
2- انظر الفضيلة 37
3- إشارة الآية 57 من سورة الأحزاب 33 ، وهي : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»
4- لقد أوردنا هذا الحديث ومصادره في الفضيلة 19
5- كما في قوله تعالى : «وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى» ، سورة طه 81:20

ألم يكن الأفضل لابن أبي الحديد أن ينكر هذه الحقيقة التاريخية من أن يبررها ويوجهها هذا التوجيه المخالف للعقل، والمغاير للنقل المعتبر من القرآن والسنة ؟! إذن كما لاحظت أنّ كبار علماء العامة يُقرّون بما جرى من مصائب على ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم - وبعلها أمير المؤمنين علیه السلام، والتي أدت إلى شهادتها عن عمرٍ مبكر لا يتجاوز 18 سنة - من قبل أبي بكر وعمر؛ فلذلك خرجت سلام الله علیها من الدنيا وهي غضبى عليهما .

فمن الواضح إن كتبة التاريخ الذين يتطابق خطهم الفكري مع أولئك الذين أغضبوا الزهراء سلام الله علیها - ومن أجل حفظ ماء وجه أسيادهم - امتنعوا عن ذكر ما جرى عليها خلف الباب ؛ لكي لا يُبتلوا بعواقب لا تحمد.

صحة ما نقله علماء الشيعة في مصائب الزهراء سلام الله علیها!

من هنا نرى صحة ما نقله علماء الشيعة لأنّ علماء ومفكّري العامة اعترفوا بصحة ذلك، لكن نقل تلك الحقائق من قبل علماء العامة - يؤدّي إلى هتك حرمة خلفائهم؛ فلذلك سعوا إلى إخفاء تلك الحقائق، فنقلوها بصورة مجملة شاملة .

في حين أنّ علماء الشيعة نقلوا تلك الحقائق التاريخيّة بصورة مفصلة ، والكثير من رواياتهم تمتاز بأسانيد معتبرة وصحيحة.

والآن تشير إلى بعض الأحاديث التي رواها أجلاء محدثي الشيعة، بأسانيد معتبرة، ونُحيل التحقيق فيها إلى الكتب المختصّة في هذا المجال(1)؛ لكي

ص: 422


1- يُمكن مراجعة الكتب التالية : الهجوم على بيت فاطمة العبد الزهراء مهدي، مأساة الزهراء للسيد جعفر مرتضى العاملي، كتاب سليم بن قيس الهلالي الجزء الثاني، بحار الأنوار الجزء 43 والجزء 28 الباب الرابع

يعثر أُولئك الذين يبحثون عن الحقيقة على مبتغاهم بين كلام رسول الله وآله الطاهرين علیهم السلام، وأن يرتووا من شراب معرفة السيدة المظلومة، وأن يتعرّفوا على أعدائها وأعداء زوجها ويشمئزوا منهم، كما اشمأز الله ورسوله وأبناؤه المعصومون علیهم السلام منهم .

لعنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على قتلة فاطمة سلام الله علیها

قال عبدالله بن عبّاس : عندما حضرت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الوفاة، وفي آخرلحظات عمره الشريف، أقبل على ابنته فقال:

«إِنَّكِ أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقْنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وأَنْتِ سَيْدةُ نِساءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وسَتَرَيْنَ بَعْدِي ظُلْماً وغَيْظاً حَتَّى تُضْرَبي ويُكْسَرُ ضِلْحٌ مِنْ أَضْلاعِكِ! لَعَنَ اللهُ قاتِلَكِ ولَعَنَ الآمِرَ والرَّاضِى والمُعِينَ والمُظَاهِرَ عَلَيْكِ وَظَالِمَ بَعْلِكِ وَابْنَيْكِ».(1)

الأمر بالهجوم على بيت فاطمة سلام الله علیها

يروي سلمان المحمدي المصيبة الزهراء سلام الله علیها لسليم بن قيس فيقول :

فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيَّاه وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه ؛ لزم بيته.

فقال عمر لأبي بكر ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنّه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما

وأدهاهما وأبعدهما غوراً ، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما.

فقال أبو بكر: مَنْ تُرسل إليه ؟ فقال عمر: تُرسل إليه قنفذاً، وهو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب.

ص: 423


1- كتاب سليم بن قيس 2: 907 - 908

فأرسله إليه وأرسل معه أعواناً، وانطلق فاستأذن على عليٍّ علیه السلام ، فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما - فقالوا: لم يأذن لنا .

فقال عمر: اذهبوا ، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن !! فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة سلام الله علیها:

«أُحَرِّج عَلَيْكُم أَنْ تَدْخِلُوا عَلَيَّ بَيْنِي بِغَيْرِ إِذْنِ». فرجعوا، وثبت قنفذ الملعون. فقالوا: إنّ فاطمة قالت كذا وكذا، فتحرَّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن.

فغضب عمر وقال ما لنا وللنساء !!

ثُم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابنيهما علیهم السلام. ثم نادى عمر حتى أسمع عليّاً وفاطمة سلام الله علیهما :

والله، لتخرجنَّ يا على ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك النار .

فقالت فاطمة سلام الله علیها: يا عمر ما لَنا ولَك ؟» .

فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم !!

فقالت: «یا عمر، أما تَتَّقِي الله تَدْخُلُ عَلَيَّ بَيْتِي؟!».

فأبى أن ينصرف.

إضرام النار على بيت فاطمة سلام الله علیها

ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثمّ دفعه فدخَلَ فاستقبلته فاطمة سلام الله علیها، وصاحت:

«يا أبتاه! يا رسول الله » .

فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجاً به جنبها ، فصرخت: «یا أبتاه!».

ص: 424

فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت

«يا رسولَ الله لَبِئْسَ ما خَلْفَكَ أبو بكر وعمر!».

فوثب علي علیه السلام فأخذ بتلابيبه ثمّ نتره ، فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وما أوصاه به، فقال:

« والذي كَرَّمَ مُحمَّداً بالنُّبوَّة - يابن صهاك - لولا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَق، وعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لا تَدْخُلُ بَيْتِى».

فأرسل عمر يستغيث ، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار ، وثار علي علیه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج علي إليه بسيفه ؛ لما قد عرف من بأسه وشدّته.

فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم النار .

فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلاً!!

وحالت بينهم وبينه فاطمة سلام الله علیها عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وإن عَضُدَها كمثل الدملج من ضربته، لعنه الله ولعن من بعث به.(1)

إقرار ابن عبد ربة الأندلسي بما جرى على فاطمة سلام الله علیها!

إن هذه الرواية التي رواها سليم بن قيس عن سلمان . هي. نفس الرواية

ص: 425


1- کتاب سليم بن قيس 2: 584 - 586 ، الاحتجاج للطبرسي 21: 82 - 83 بتفاوت يسير، بحار الأنوار 28 : 28 - 270

التي أشار إلى قسم منها علماء العامة، لكن حفظاً لماء الوجه تنصلوا عن ذكر التفاصيل، من جملة الذين أشاروا إلى هذه القصة: ابن عبد ربة الأندلسي، أحد كبار علماء العامة، وأحد أبرز علماء الرجال لديهم، فهو عالم عندهم، وثقة، بل يعتبروه على رأس العلماء.(1)

فهو يلخّص القصّة هكذا

فأقبل بقبسٍ مِنْ نارٍ على أن يضرم عليهم الدارَ ، فَلَقِيَتْهُ فاطمة، فقالت : «يابن الخطاب ! أجنتَ لِتُحْرقَ دارنا ؟!»

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دَخَلَتْ فيه الأُمة.(2)

إلى هنا تنتهي أربعون فضيلة من فضائل الزهراء سلام الله علیها، وبما أنّ الفضيلة الثالثة والثلاثين تختص بمسألة التوسل بالزهراء سلام الله علیها، رأيت من المناسب أن أذكر إحدى هذه التوسلات التي جرى على قراءتها شيعة ومحبّي فاطمة الزهراء سلام الله علیها، وبذلك نختم الكتاب.

ص: 426


1- كما في سير أعلام النبلاء 15 : 283 مرآة الجنان 2 ،295 ، الوافي بالوفيات 8: 3416/10، البداية والنهاية 11: 206
2- العقد الفريد 4: 259 - 260 ، ونُقِلَ أيضاً في تاريخ أبي الفداء 1: 156 ، أعلام النساء 4: 115 - 116 ، الطرائف : 239

حديث الكساء

وآثار تلاوته في مجالس شيعة فاطمة سلام الله علیها

حديث الكساء، حديث ذو متن معتبر واسع المعاني، تداوله كبار الشيعة على مر العصور في مجالسهم ومحافلهم ومناسباتهم واهتموا به اهتماماً بليغاً . فقراءة هذا الحديث المبارك له أثار عجيبة ومعاجز عظيمة في حلّ المشاكل ودفع الضرر وشفاء المرضى الذين ابتلوا بأمراض صعبة، كلّ ذلك حصل عن طريق التجربة، إضافة إلى أنّه قد صُرِّح في متن الحديث على آثار تلاوته، فقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأمير المؤمنين علیه السلام:

«يا علي ! والذي بَعَثَنِي بالحَقِّ نَبِيّاً، واصْطَفَانِي بالرِّسالَةِ نَجِيَّاً، ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا في مَحْفَلٍ مِنْ مَحافِلِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَفِيهِ جَمْعُ مِنْ شِيْعَتِنَا وَمُحِيِّينَا، وَفِيهِمْ مَهْمُومُ إِلَّا وَفَرَّجَ اللَّهُ هَمَّهُ، ولا مَغْمُومُ إِلَّا وَكَشَفَ اللهُ غَمَّهُ، ولا طَالِبٌ حَاجَةٍ إِلَّا وَقَضَى اللَّهُ حَاجَتَهُ».

وأما الآن فنقدّم إليكم متن الحديث (1):

ص: 427


1- لقد أورد المحدّث الكبير الشيخ عبدالله البحراني المتن الكامل للحديث مع سند معتبر شخصياته كلهم من العلماء المشهورين وأصحاب الإجازة، ونحن أيضاً نذكر سلسلة الرواة للحديث؛ لكي لا يبقى مجال للشبهة، ولمن يريد أن يتعرّف على شخصيات سند الحديث. يذكر المرحوم البحراني في عوالم العلوم 2/11 930 سند الحديث قائلاً: رأيت بخط الشيخ الجليل السيد هاشم ، عن شيخه السيّد ماجد البحراني، عن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني عن شيخه المقدّس الأردبيلي، عن شيخه علي ابن عبدالعالي الكركي، عن الشيخ علي بن هلال الجزائري عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخ عليّ بن الخازن الحائري، عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد الأول، عن أبيه، عن فخر المحققين، عن شيخه العلامة الحلّي، عن شيخه المحقق عن شيخه ابن نما الحلّي، عن شيخه محمد بن إدريس الحلي، عن ابن حمزة الطوسي صاحب الثاقب في المناقب ، عن شيخه الجليل الحسن بن محمد ابن الحسن الطوسي، عن الشيخ الجليل محمد بن شهر آشوب، عن الطبر الطائفة، صاحب «الاحتجاج»، عن أبيه شيخ عن شيخه المفيد، عن شيخه ابن قولويه القمي، عن شيخه الكليني، عن عليّ بن إبراهيم - عن أبيه إبراهيم - بن هاشم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي، عن أبي بصير، عن أبان بن تغلب البكري، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، عن فاطمة الزهراء بنت رسول الله

عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن فاطمة الزهراء سلام الله علیها بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : سَمِعْتُ فَاطَمَةَ أَنَّها قَالَتْ :

« دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم في بَعْضِ الأيّامِ فَقالَ : السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطمةُ .

فَقُلْتُ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ.

قالَ : إِنِّي أَجِدُ فِي بَدَنِي ضُعْفَاً.

فَقُلْتُ لَهُ : أَعِيدك بالله يا أَبَنَاهُ مِنَ الضُّعْفِ.

فَقالَ : يا فاطِمَةُ : ائتينى بالكِساءِ اليَمَانِي فَغَطِّينِي به.

فَأَتَيْتُهُ بالكِساءِ اليَمَانِي فَغَطَّيْتُهُ بِهِ وَصِرْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وإِذا وَجْهُهُ يَتَلَالا

ص: 428

كأَنَّهُ البَدْرُ فِي لَيْلَةِ تَمَامِهِ وَكَمَالِهِ .

فَما كانَتْ إِلَّا ساعَةً وإِذا بَوَلَدِي الحَسَنُ علیه السلام قَدْ أَقْبَلَ ، وَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يا أُمَّاه!

فَقُلْتُ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا قُرَّةَ عَيْنِي وَثَمَرَةَ فُؤادِي !

فَقَالَ لِي : يا أُمَّاهُ : إِنِّي أَشَمُ عِنْدَكِ رَائِحَةً طَيِّبَةً ، كَأَنَّهَا رَائِحَةُ جَدِّي رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم

فَقُلْتُ : نَعَمْ ، إِنَّ جَدَّكَ تَحْتَ الكِساءِ .

فَأَقْبَلَ الحَسَنُ علیه السلام نَحْوَ الكِساءِ ، وقال : السَّلامُ عَلَيْكَ يا جَدَّاه ي-ا رَسُولَ الله : أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ تَحْتَ الكِساءِ ؟

قالَ صلى الله عليه و آله وسلم : وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا وَلَدِي وَيا َصاحِبَ حَوْضِي قَدْ أَذِنْتُ لَكَ فَدَخَلَ مَعَهُ تَحْتَ الكِساءِ .

فَما كانَتْ إِلَّا سَاعَةً وإِذا بَوَلَدِي الحُسَيْن علیه السلام قَدْ أَقْبَلَ ، وَقالَ : السَّلامُ عَلَيْكِ يا أُمَّاهُ!

فَقُلْتُ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا وَلَدِي ويا قُرَّةَ عَيْنِي وَثَمَرَةٌ فُؤادِي !

فَقَالَ لِي : يا أُمَّاهُ إِنِّي أَشَمُ عِنْدَكِ رائِحَةً طَيِّبَةً ، كَأَنَّها رَائِحَةُ جَدّي رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم .

فَقُلْتُ : نَعَمْ ، إِنَّ جَدَّكَ وَأَخَاكَ تَحْتَ الكِساءِ .

فَدَنَا الحُسَيْنُ علیه السلام نَحْوَ الكِساء ، وَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يا جَدَّاهِ يا مَنْ اخْتَارَهُ الله ! أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أَدْخُلَ مَعَكُمَا تَحْتَ الكِساءِ ؟

قال : وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا وَلَدِي وَشَافِعَ أُمَّتِي قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ، فَدَخَلَ مَعَهُمَا تَحْتَ الكِساءِ .

ص: 429

فَأَقْبَلَ عِنْدَ ذلِكَ أَبُو الحَسَن عَلى بن أبى طالب علیه السلام، وَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ الله !

فَقُلْتُ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا أبا الحَسَن وَيا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ !

فَقالَ: يا فَاطِمَةُ : إِنِّي أَشَمُ عِنْدَكِ رَائِحَةً طَيِّبَةً ، كَأَنَّهَا رَائِحَةُ أَخِي وَابن عمِّى رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم .

فَقُلْتُ : نَعَمْ ، ها هُوَ مَعَ وَلَدَيْكَ تَحْتَ الكِساءِ .

فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ نَحْوَ الكِساءِ ، وَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله ! أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَكُونَ مَعَكُمْ تَحْتَ الكِساءِ ؟

قالَ لَهُ : وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا أخِي وَيا وَصنِّي ! وَخَلِيقَتِي وَصاحِبَ لوائي ! قَدْ أَذِنْتُ لَكَ .

فَدَخَلَ عَلِيٌّ تَحْتَ الكِساءِ .

ثُمَّ أَتَيْتُ نَحْوَ الكِساءِ ، وَقُلْتُ : السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَتَاهُ يا رَسُولَ الله !

أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَكُونَ مَعَكُمْ تَحْتَ الكِساءِ ؟

قالَ : وَعَلَيْكِ السَّلامُ يا بِنْتِي وَيا بِضْعَتِي قَدْ أَذِنْتُ لَكِ .

فَدَخَلْتُ تَحْتَ الكِساءِ.

فَلَمَّا اكْتَمَلْنا جَمِيعاً تَحْتَ الكِساءِ أَخَذَ أَبِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَطَرَفَي الكِساءِ وَأَوْمَاً بيَدِهِ اليُمْنى إِلَى السَّماءِ وَقالَ :

اللَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخاصَّتِي وَحَامَّتِي ، لَحْمُهُمْ لَحْمِي ، وَدَمُهُمْ دَمي ، يُؤْلِمُنِي ما يُؤْلِمُهُمْ وَيُحْزِنُنِي ما يُحْزِنُهُمْ ، أَنَا حَرْبُ لِمَنْ حَارَبَهُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاهُمْ وَمُحِبُّ لِمَنْ أَحَبَّهُمْ ، إِنَّهُمْ مِنّي وأنا منهم ، فَاجْعَلْ صَلَواتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَغُفْرَانَكَ وَرِضْوَانَكَ

ص: 430

عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ وَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطهيراً .

فَقالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ : يا مَلائِكَتِي وَيا سُكَانَ سَمَاواتِي ! إِنِّي مَا خَلَقْتُ سَماءً مَبْنِيَّةً وَلا أَرْضَاً مَدْحِيَّةً ، وَلا قَمَراً منيراً ولا شَمْساً مُضيئَةً ، ولا فَلَكاً يَدُورُ ولا بَحْراً يَجْري ولا فُلكاً تَسْرِي ، إِلَّا فِي مَحَبَّةِ هَؤُلاءِ الخَمْسَةِ الذِينَ هُمْ تَحْتَ الكِساءِ .

فَقالَ الأمينُ جبرائيل : يا رَبِّ ! وَمَنْ تَحْتَ الكِساء ؟

فَقالَ عَزَّوجَلَّ : هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبوَّةِ وَمَعْدِنُ الرِّسالَةِ ، هُمْ : فاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعْلُها وَبَنُوها .

فَقالَ جبرائيل : يا رَبِّ أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أَهْبِطَ إِلى الأَرْضِ لَأَكُونَ مَعَهُمْ سادساً ؟

فَقالَ الله : نَعَمْ ، قَدْ أَذِنْتُ لَكَ.

فَهَبَطَ الأَمِينُ جبرائيل ، وَقالَ : السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله : العَلِّيِّ الأَعْلَى يُقْرِؤُكَ السَّلامَ وَيَخْضُكَ بالتَّحِيَّةِ والإِكْرامِ ، ويقولُ لَكَ : وَعِزَّتِي وَجَلالِي إِنِّي ما خَلَقْتُ سَماءً مَبْنِيَّةً ولا أَرْضَاً مَدْحِيَّةً ، ولا قَمَراً مُنِيراً ولا شَمْساً مُضيئَةً ولا فَلَكاً يَدُورُ ولا بَحْراً يَجْري ولا فُلكاً تَسْرِي، إلا لأجْلِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ ، وقَدْ أذِنَ لِي أَنْ أَدْخُلَ مَعَكُمْ فَهَلْ تَأْذَنُ لِي يا رَسُولَ الله ؟

فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : وَعَلَيْكَ السَّلامُ يا أَمِينَ وَحْيِ الله : نَعَمْ ، قَدْ أذنت لك.

فَدَخَلَ جبرائيل مَعَنا تَحْتَ الكِساءِ ، فَقالَ لأبي : إِنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ قَدْ أَوْحَى إِلَيْكُمْ يَقُولُ: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ

ص: 431

أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».(1)

فَقالَ عَلِيٌّ علیه السلام: يا رَسُولَ الله : أَخْبِرْنِي ما لِجُلُوسِنَا هذا تَحْتَ الكِساءِ مِنَ الفَضْلِ عِنْدَ الله ؟

فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم : وَالذِي بَعَثَنِي بالحَقِّ نَبيَّاً ، وَاصْطَفَانِي بِالرِّسالَةِ نَجِيَّاً ، ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا فِي مَحْفِلِ مِنْ مَحافِلِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَفِيهِ جَمْعُ مِنْ شِيعَتِنا وَمُحِبِّينا ، إِلَّا وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْ بِهِم المَلائِكَةُ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقُوا .

فَقالَ عَلِيُّ : إذا واللهِ ، فُزْنَا وَفَازَ شِيْعَتُنا وَرَبِّ الكَعْبَةِ .

فَقالَ أَبي رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : يا عَليّ ! والذِي بَعَثَنِي بالحَقِّ نَبِيَّاً ، واصْطَفَانِي بالرِّسالَةِ نَجِيَّاً ، ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا فى مَحْفِلِ مِنْ مَحَافِلِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَفِيهِ جَمْعُ مِنْ شَيْعَتِنا وَمُحِبِّينا وَفِيهِمْ مَهْمُومُ إِلَّا وَفَرَّجَ الله هَمَّهُ ، وَلا مَعْمُومُ إِلّا وَكَشَفَ اللهُ غَمَّهُ ، وَلا طَالِبُ حاجَةٍ إِلَّا وَقَضَى اللَّهُ حَاجَتَهُ . فَقالَ عَلَيَّ : إذا واللهِ ، فُزْنا وَسُعِدْنا ، وَكَذلِكَ شِيْعَتُنا فازُوا وَسُعِدُوا فى الدُّنْيا وَالآخِرَة وَرَبِّ الكَعْبَةِ».(2)

ص: 432


1- سورة الاحزاب 33: 33
2- عوالم العلوم 2/11: 930

1 - فهرس الآيات القرآنية

الآية/رقمها/الصفحة

سورة الفاتحة (1)

«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»/6 / 229

«صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ....»/7 / 229

سورة البقرة (2)

«فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ»/37 / 153 ، 211

«وَقَالُوا لَن تَمَسُنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً»/80 / 383

«وَإِذِ أَبْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ...»/124 / 153 ، 211 ، 254

«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ...»/143 / 214

«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ»/152 / 418

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»/156 / 259

«وَلَا تَنكِحُوا الْمَشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنُ ....»/221 / 259

«وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ ....»/222 / 81

ص: 433

الآية/رقمها/الصفحة

«وَءَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ...»/253 / 207

سورة آل عمران (3)

«وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ ...»/7 / 147، 152

«تَجِدُ كُلُّ نَفْس مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ ...»/30 / 411

«إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي»/31 /46، 252

«أَلَّا تُكَلِمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً»/41 / 105

«يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَ طَهَّرَكِ»/42 / 82، 110

«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ ... وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ....»/61 / 191، 261

سورة النساء (4)

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ...»/48، 116 / 375

«إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا ...»/163 / 105

سورة المائدة (5)

«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ ...»/3 / 22، 200

«إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»/27 / 306

«وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»/32 / 173

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهَ وَرَسُولُهُ ...»/55 / 261

«وَإِذْ أَوْ حَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ ءَامِنُوا...»/111 / 105

سورة الأنعام (6)

«وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ»/59 / 147

ص: 434

الآية/رقمها/الصفحة

«وَ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ...»/28 / 367

«وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ»/92، 155 / 156

«شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِى...»/112 / 105

سورة الأعراف (7)

«خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ»/12 / 226

«وَلَكِنَّهُ أَخَلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ»/176 / 233

«وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم ...»/182 / 36

سورة الأنفال (8)

«وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِم»/33 / 12

«وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ...»/39 / 202

سورة التوبة (9)

«قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ...»/24 / 19

«فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ»/24 / 21

«هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ...»/33 / 202

سورة هود (11)

«إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ»/90 / 16

«وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ...عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ...»/69 - 70 / 80، 110

«وَ امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ ...قَالَتْ يَا وَيْلَتَي...»/71 - 72 / 110، 287

«يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ»/105 / 367

ص: 435

الآية/رقمها/الصفحة

سورة يوسف (12)

«واذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ»/42 / 224

سورة الرعد (13)

«إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ»/19 / 229

«أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»/28 / 304

سورة إبراهيم (14)

«لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»/7 / 23

«وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»/48 / 232

سورة الحجر (15)

«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِى ...»/29 / 188

سورة النحل (16)

«وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»/60 / 167

«وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى ...»/68 / 105

«تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»/89 / 147

سورة الاسراء (17)

«وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»/26 / 390

«وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا»/29 / 236

«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي»/85 / 207

ص: 436

الآية/رقمها/الصفحة

سورة مريم (19)

«فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ...»/5 - 6 / 61

«فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَاب...»/11 / 105

«وَ أذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ... أَمْرًا مُقْضِيَّا»/16 - 21 / 80، 110، 135

«وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا»/51 / 113

سورة طه (20)

«طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ ...»/1 - 3 / 235

«وَ مَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى»/81 / 228، 421

سورة الأنبياء (21)

«يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَ سَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»/69 / 80

«وجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرنَا ...»/73 / 105، 106، 254

«وَذَا النُّونِ إِذ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ ...»/87 / 411

«هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ»/103 / 411

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ ...»/105 / 202

سورة الحج (22)

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ»/52 / 112

سورة المؤمنون (23)

«فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»/14 / 181

«رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ»/97 /350

ص: 437

الآية/رقمها/الصفحة

سورة النور (24)

«الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً...»/3 / 258

«قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ...»/30 / 310

«وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ...»/31 / 310

«الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»/35 / 91، 163، 164

«وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ... أَوْ كَظُلُمَاتٍ ...»/39 - 40 / 348

«وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ...»/55 / 202

سورة الفرقان (25)

«الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ ...»/34 / 232

«وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا...»/54 / 265

«قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ ...»/57/ 13

سورة الشعراء (26)

«فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ»«وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»/100 - 101/ 367

«فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»/102/ 367

«وَ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ...»/109 / 15

«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمينُ»«عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ ...»/193 - 194 / 106

سورة النمل (27)

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ»/16 / 395

سورة القصص (28)

«وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ...»/7 / 105

ص: 438

الآية/رقمها/الصفحة

«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَارُ ...»/68 / 253

سورة العنكبوت (29)

«بَلْ هُوَ ايَاتٌ بَيْنَاتٌ فِي صُدُورِ ...»/ 49/ 147

سورة الروم (30)

«وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ الله ...»/4 - 5 / 92

«وَ مِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا»/21 / 17، 258

«فَئَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»/38 / 387

سورة لقمان (31)

«إِنَّ الشَّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»/13 / 375

«وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»/20 / 22

سورة السجدة (32)

«وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ...»/24 / 254

سورة الأحزاب (33)

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»/21 / 214، 252، 364

«فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى...»/32 / 321

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ ...»/33/ 82، 146، 206، 328، 432

«وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ ...»/36 / 253

«اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»/41 / 303

ص: 439

الآية/رقمها/الصفحة

«هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَنَّهُ...»/43 / 349

«وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَادِعًا فَسْأَلُوهُنَّ مِن ...»/53/ 319، 320

«إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...»/57 / 401، 421

«يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ...»/59 / 319، 320

سورة فاطر (35)

«الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...»/1 / 135

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ ... الَّذِى أَحَلَّنَا ...»/34 - 35 / 380

سورة الصافات (37)

«فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ»«لَلَبِثَ»/143 - 144 / 223

سورة ص (38)

«وَخَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ»/76 / 226

سورة غافر ( 40 )

«مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ»/18 / 376

«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»/60 / 287

سورة فصلت (41)

«وَقَدْرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ...»/10 / 105

«وَأَوْحَى فِى كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ...»/12 / 105

ص: 440

الآية/رقمها/الصفحة

سورة الشورى (42)

«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»/11 / 167

«قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»/23 / 9، 12، 364

«وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...»/26 / 282

سورة الدخان (44)

«حمَ»«وَ الْكِتَابِ الْمُبِينِ»«إِنَّا... أَمْرٍ حَكِيمٍ»/1 - 4 / 150

سورة الجاثية (45)

«أَفَرَءَ يْتَ مَن اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ»/23 / 233

سورة الحجرات (49)

«قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا...»/14 / 259

سورة ق (50)

«الْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلِّ كَفَّارِ عَنِيدٍ»/24 / 99

«إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ...»/37 / 23

سورة الذاريات (51)

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»/56 / 202

سورة النجم (53)

«وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»/3 - 4 / 151، 223، 237

ص: 441

الآية/رقمها/الصفحة

«وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنثَى»/45 / 190

سورة الرحمن (55)

«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ ...»/19 - 20 / 145، 265

«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجَان»/22 / 145

سورة الواقعة (56)

«لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»/79 / 146

سورة الحديد (57)

«اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا»/17 / 203

سورة الحشر (59)

«وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى... * ما أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ...»/6 - 7 / 389

سورة الصف (61)

«هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ...»/9 / 202

سورة التحريم (66)

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ...»/6 / 59

سورة الحاقة (69)

«عِيشَةٍ رَّاضِيَة»/21 / 74

ص: 442

الآية/رقمها/الصفحة

سورة القيامة (75)

«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»/22 - 23 / 223

سورة التكوير (81)

«وَإِذَا الْمَوْءُ دَةُ سُئِلَتْ»/8 /411

«بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ»/9 / 7، 411

سورة البروح (85)

«وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ»/14 / 16

سورة الطارق (86)

«خلِقَ مِن ماءٍ دَافِقٍ»/6 / 74

«يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ»/9 / 232

سورة القدر (97)

«إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»/1 / 149

«تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِاذْنِ...سلامٌ...»4 - 5 / 108، 120، 157

سورة الزلزلة (99)

«فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَ مَن ...»/7 - 8 / 239

سورة القارعة ( 101)

«خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ»/7 / 74

ص: 443

ص: 444

2 - فهرس الاحادیث

ص: 445

الصورة

ص: 446

الصورة

ص: 447

الصورة

ص: 448

الصورة

ص: 449

الصورة

ص: 450

الصورة

ص: 451

الصورة

ص: 452

الصورة

ص: 453

الصورة

ص: 454

الصورة

ص: 455

الصورة

ص: 456

الصورة

ص: 457

الصورة

ص: 458

الصورة

ص: 459

الصورة

ص: 460

الصورة

ص: 461

الصورة

ص: 462

3 - فهرس المصادر

1 - القرآن الكريم .

2 - الاحتجاج لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت (56)، تحقيق : محمد باقر الخرسان، نشر: دار النعمان

3 - إحقاق الحق للقاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري (ت 1019 ه) مع تعليقات السيد شهاب الدين المرعشي منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم .

4 - اختيار معرفة الرجال : لمحمّد بن الحسن الطوسي (ت 460) ، دانشکده الهيات - مشهد 1348 .

5 - الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين : لمحمّد طاهر الشيرازي (ت 1098ه)، تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، الناشر : المحقق ، الطبعة الأولى 1418ه.

6 - أرجح المطالب في عد مناقب أسد الله الغالب : لعبيد الله الحنفي الأمر تسري ، طبع لاهور.

7 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد للشيخ المفيد، محمد بن النعمان العكبري (ت 413ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت ، نشر : دار المفيد

8 - الاستيعاب : ليوسف بن عبد البر القرطبي (ت 463) ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، نشر : دار الجيل - بيروت 1412ه.

9 - أُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ، علي بن محمد الجزري (ت (630) ، نشر : إسماعليان - طهران.

ص: 463

10 - إسعاف الراغبين : لمحمد بن علي الصبان ، المطبوع بهامش نور الأبصار للشبلنجي ، طبع : دار الفكر.

11 - أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب : لمحمّد بن محمّد بن محمد الجزري الدمشقي الشافعي (ت 833ه) ، طبع : مكة المكرمة 1324 ه-.

12 - الإصابة في تمييز الصحابة لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852) ، تحقيق : عادل : أحمد نشر دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1415ه.

13 - الاعتقادات : لمحمد بن علي بن بابويه الصدوق ت (381)، تحقيق : عصام عبد السيد ، نشر : دار المفيد، الطبعة الثانية 1414ه.

14 - أعلام النساء : لعمر رضا كحالة ، طبع مؤسسة الرسالة ، الطبعة الخامسة 1404ه.

15 - إعلام الورى بأعلام الهدى للفضل بن الحسن الطبرسي (ق 6) ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم 1417 .

16 - أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين (ت 1371 ه). دار التعارف - بيروت 1406 .

17 - إقبال الأعمال : لعلي بن موسى بن جعفر بن طاؤس الحلي (ت 664) ، مؤسسة الأعلمي - بيروت 1417 .

18 - الإمامة والتبصرة من الحيرة : لعلي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 329) ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - بيروت 407 .

19 - الإمامة والسياسة : لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276ه)، تحقيق : علي شيري، نشر: انتشارات الشريف الرضي - قم ، الطبعة الأولى 1413ه.

20 - الأمالي : لمحمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق : مؤسسة البعثة - قم 1414ه.

21 - الأمالي : لمحمّد بن عليّ بن بابويه الصدوق (ت 381ه). تحقيق ونشر : مؤسسة البعثة - قم 1417 .

22 - الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهيّة : للشيخ عباس القمي (ت 1359 ه)، تحقيق ونشر : جماعة المدرسين - قم ، الطبعة الأولى 1417ه.

22 - الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة : للسيد عبد الله شبر (ت 1242 ه). مؤسسة البعثة - مشهد 1407 .

ص: 464

24 - بحار الأنوار: لمحمّد باقر المجلسي (ت 1110) ، نشر : مؤسسة الوفاء - بيروت، الطبعة الثانية 1403 ه.

25 - البرهان في تفسير القرآن للعلامة السيد هاشم الحسيني البحراني (ت 1107 ه)، تحقيق ونشر : مؤسسة البعثة - قم ، الطبعة الأولى 1415ه.

26 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : لأبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري (ت 525 ه) ، تحقيق : جواد القيومي، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1420ه.

27 - بصائر الدرجات : لمحمد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت 290 ه) . الحيدرية - قم 1426 ه.

28 - بيت الأحزان : للشيخ عباس القمي (ت 1359 ه) ، نشر : دار الحكمة - قم ، الطبعة الأولى 1412ه.

29 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : للسيد علي الحسيني الاسترآبادي (ق 10) ، مدرسة الإمام المهدي - قم 1407 .

30 - تاج العروس: لمحمد مرتضى الزبيدي (ت 1205ه) ، نشر : مكتبة الحياة - بيروت.

31 - تاريخ أبي الفداء - المختصر في أخبار البشر : الإسماعيل بن عليّ ، أبو الفداء (ت 732 ه) نشر: مكتبة المتنبي - القاهرة .

32 - تاريخ الإسلام لمحمد بن أحمد الذهبي (ت 748ه) ، نشر : دار الكتاب العربي - بيروت 1407ه.

33 - تاريخ بغداد : لأحمد بن علي الخطيب (ت 463 ه) ، نشر : دار الكتاب العربي - بيروت.

34 - تاريخ الأمم والملوك : لمحمد بن جرير الطبري (ت 310ه) ، طبعة دار الاستقامة - مصر .

35 - تاریخ دمشق : لعلي بن الحسن بن عساكر الشافعي (ت 571 ه) ، نشر : دار الفكر - بيروت 1415ه.

36 - تاريخ المدينة المنوّرة : لعمر بن شبة النميري البصري (ت 262 ه)، تحقيق : فهيم محمد شلتوت، نشر: دار الفکر، ایران - قم 1410ه.

37 - تاريخ اليعقوبي : لأحمد بن إسحاق بن جعفر اليعقوبي (ت 284 ه) نشر : دار صادر - بيروت.

38 - التحصين : للسيد علي بن طاؤس الحلّي (ت 664 ه)، تحقيق : الأنصاري ، نشر : مؤسسة دار الكتاب، الطبعة الأولى 1413

ص: 465

39 - تحف العقول : للحسن بن علي بن شعبة الحراني (ق 4)، تحقيق : علي أكبر غفاري ، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1404ه.

40 - التدوين في أخبار قزوين : لعبد الكريم بن محمد الرافعي (ت 622 ه).

41 - تذكرة الحفاظ : لمحمد بن أحمد الذهبي (ت 748ه) ، نشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت .

42 - تذكرة الخواص من الأمة ليوسف بن قرغلي البغدادي ، سبط ابن الجوزي (ت 654ه) ، المجمع العالمي لأهل البيت - قم 1426ه.

43 - تذكرة الفقهاء : للعلامة الحسن بن يوسف الحلّي (ت 726ه)، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم 1414ه.

44 - تذهيب التهذيب : لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه) ، طبع حیدر آباد.

45 - تراجم أعلام النساء للشيخ محمد حسين الأعلمي الحائري (ت 1391 ه) ، نشر : مؤسسة الاعلمي - بيروت، الطبعة الأولى 1407ه.

46 - تفسير العياشي : لمحمد بن مسعود بن عياش (ت 320 ه)، تحقيق : هاشم الرسولي ، نشر : المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

47 - تفسیر فرات : لفرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (ق 3) ، نشر : وزارة الإرشاد - طهران 1410ه.

48 - تفسير القرطبي - تفسير الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671ه) ، نشر : مؤسسة التاريخ العربي - بيروت 1405ه.

49 - تفسير القمي : لعلي بن إبراهيم القمي (ت 329ه)، تحقيق : السيد طيب الجزائري ، نشر : مؤسسة دار الكتاب - قم 1404ه.

50 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري : (ت 260ه)، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأولى 1409ه.

51 - تخليص المستدرك : لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه) ، طبع حيدرآباد .

52 - تنقيح المقال في علم الرجال : لعبد الله بن محمد حسن المامقاني (ت 1351 ه)، نشر : المطبعة المرتضوية - النجف الأشرف 1352 ه.

ص: 466

53 - تهذيب الأحكام لمحمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق : السيد حسن الخرسان، نشر : دار الكتب الإسلامية ، الطبعة الرابعة 1365ش.

54 - تهذيب التهذيب : لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 528 ه) ، طبع حيدرآباد .

55 - تيسير الوصول إلى جامع الأصول للعلامة الشيباني ، طبع نول کشور.

56 - الثاقب في المناقب: لابن حمزة الطوسي (ت 560 ه)، تحقيق : نبیل رضا علوان، نشر : مؤسسة أنصاريان - قم ، الطبعة الثانية 1412ه.

57 - الثغور الباسمة : لعبد الرحمن السيوطي (ت 911 ه) ، طبع حیدر آباد .

58 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : لمحمد بن على الصدوق (ت 381) نشر منشورات الرضي - قم ، الطبعة الثانية 1368ش.

59 - جامع الأخبار : لمحمد بن محمد السبزواري (ق 6) ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم، الطبعة الأولى 1414ه.

60 - جامع البيان لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 ه) ، نشر : دار المعرفة - بيروت 1400ه.

61 - الجامع الصغير: لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه) ، نشر : دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى 1401ه.

62 - جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع : للسيد علي بن موسى بن طاؤس (ت 664 ه) ، تحقيق : جواد القیومی، نشر اختر شمال ، الطبعة الأولى 1371 ش.

63 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية : لمحمد بن الحسن بن علي الحر العاملي (ت 1104 ه)، نشر : مكتبة المفيد.

64 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : للشيخ محمد حسن النجفي (ت 1266 ه)، نشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت.

65 - جواهر العقدين : لعلي بن عبد الله الحسني السمهودي (911 ه) ، طبع إسلامبول.

66 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة للشيخ يوسف البحراني (ت 1186ه) ، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين - قم .

67 - حلية الأبرار في فضائل محمّد وآله الأطهار : لهاشم بن سليمان البحراني (ت 1107 ه)، نشر : مؤسسة الأعلمي - بيروت 1413ه.

ص: 467

68 - الخرائج والجرائح : السعيد بن هبة الله الراوندي ، قطب الدين (ت 573 ه)، تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي - قم 1409ه.

69 - خصائص الأئمة : لمحمّد بن الحسين الشريف الرضي (ت 406 ه)، تحقيق : محمد هادي الأميني ، نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد 1406 ه.

70 - الخصائص الفاطمية : للشيخ محمد باقر الكجوري (ت 1255ه)، تحقيق وترجمة : سيد علي جمال ، نشر : انتشارات الشريف الرضي ، الطبعة الأولى 1380 ش.

71 - الخصائص الكبرى : لعبد الرحمن السيوطي (911 ه) ، طبع حيدر آباد .

72 - الخصال : لمحمد بن علي بن الحسين الصدوق (ت 381ه) ، جماعة المدرسين - قم 1403ه.

73 - الدرجات الرفيعة : للسيد علي خان بن أحمد الشيرازي (ت 1120 ه)، مكتبة بصيرتي - قم 1397ه.

74 - الدر المنثور : لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه) ، نشر : دار المعرفة - جدة ، الطبعة الأولى 1365 ه.

75 - الدر النظيم لابن حاتم العاملي (ت 664ه) ، نشر : جماعة المدرسين - قم .

76 - الدرر الكامنة : لأحمد بن علي العسقلاني (ت 852ه) ، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

77 - دعائم الإسلام للقاضي النّعمان بن محمد التميمي (ت 363 ه) ، دار المعارف - القاهرة 1383ه.

78 - دلائل الإمامة : للشيخ أبي جعفر محمد بن جریر بن رستم الطبري (ق 5) ، تحقيق ونشر : مؤسسة البعثة - قم ، الطبعة الأولى 1413ه.

79 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : لأحمد بن عبد الله الطبري (ت 694 ه) ، نشر : مكتبة القدسي - القاهرة 1365 ه.

80 - الرخصة في تقبيل اليد لمحمد بن إبراهيم بن المقري (ت 381ه)، تحقيق : محمود محمد الحداد نشر: دار العاصمة - الرياض ، الطبعة الأولى 1408ه.

81 - الرسائل العشر : لابن فهد الحلّي (ت 841ه)، تحقيق : مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي - قم ، الطبعة الأولى 1409 ه.

82 - رشفة الصادي : لأبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد العلوي الحضرمي (ت 1341ه) طبع مصر.

ص: 468

83 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان : للشيخ زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني (ت 965 ه)، تحقيق : مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، نشر : بوستان کتاب - قم ، الطبعة الأولى 1422ه.

84 - روضة الأحباب : لعطاء الله بن فضل الله بن عبد الرحمن الحسيني الدشتگي (ت 953 ه) ، مخطوط.

85 - روضة الواعظين : لمحمد بن القتال النيشابوري (ت 508 ش) ، نشر : دليل ما - قم 1423ه.

86 - رياحين الشريعة (فارسي) للشيخ ذبيح الله محلاتي ، نشر : دار الكتب الإسلامية - طهران ، الطبعة الرابعة 1364ش .

87 - سبل الهدى والرشاد لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942 ه)، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود ، نشر : دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1414ه.

88 - السرائر : لمحمد بن منصور بن إدريس الحلي (ت 598ه) ، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي قم 1410ه.

89 - السقيفة وفدك : لأحمد بن عبد العزيز الجوهري (ت 323 ه) ، نشر : مكتبة نينوى - طهران.

90 - سليم بن قيس الكوفي (كتاب) : لسليم بن قيس الهلالي (ت 90 ه)، تحقيق : الشيخ محمد باقر الأنصاري ، نشر الهادي - قم ، الطبعة الأولى 1415ه.

91 - السنّة (كتاب) : لعمرو بن عاصم (ت 287 ه)، تحقيق : محمد ناصر الألباني، نشر : المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثالثة 1413ه.

92 - سنن ابن ماجة : لمحمد بن يزيد القزويني (ت 275ه)، تحقيق : محمود محمد محمود، نشر: دار الفكر - بيروت.

93 - سنن أبي داؤد : لسليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275ه)، تحقيق : عزت عبيد و عادل السيد، نشر : دار ابن حزم - بيروت، الطبعة الأولى 1418ه.

94 - سنن الترمذي : لمحمّد بن عيسى الترمذي (ت) 379ه-)، تحقيق : عبد الوهاب عبد

اللطيف ، نشر : دار الفكر - بيروت- 1413ه-.

95 - السنن الكبرى : لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458 ه) ، دار الفكر - بيروت

ص: 469

470

96 - السنن الكبرى للنسائي : لأحمد بن شعيب بن علي النسائي (ت 303ه)، دار الفكر بيروت 1348ه.

97 - سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد الذهبي (ت 748ه) ، مؤسسة الرسالة - بيروت 1405 ه.

98 - السيرة الحلبية : لعلي بن إبراهيم الحلبي الشافعي (ت 1044ه) نشر: المكتبة الإسلامية - بيروت.

99 - شرح الأخبار: للقاضي النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت 363 ه)، تحقيق : السيد محمد الحسيني الجلالي، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1409ه.

100 - شرح أصول الكافي : لمحمد صالح المازندراني (ت 1086ه) ، نشر: المكتبة الإسلامية - طهران 1382 ش.

101 - شرح مائة كلمة : لميثم بن علي البحراني (ت 679 ه)، تحقيق : جلال الدين الحسيني نشر : جماعة المدرسين - قم 1390 .

102 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي أبي الحديد المعتزلي (ت 656ه)، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم .

103 - الشرف المؤبد لآل محمّد : للشيخ يوسف النبهاني الحلبي، طبع مصر .

104 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : لعبيد الله بن عبدالله الحنفي ، الحاكم الحسكاني ، (ق5) ، تحقيق : محمد باقر المحمودي ، نشر : مجمع الثقافة الإسلامية - ايران، الطبعة الأولى 1411ه.

105 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 392ه)، تحقيق : أحمد بن عبد الغفور عطار ، نشر : دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة الرابعة 1407 ه.

106 - صحيح البخاري : لمحمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256ه) ، نشر : دار الفكر - بيروت 1401ه.

107 - صحیح مسلم : المسلم بن الحجاج القشيري النيشابوري (ت 261 ه) ، دار الفكر - بيروت 1398ه.

108 - الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم لزين الدين علي بن يونس العاملي النباطي (ت 877 ه) ، نشر: المكتبة المرتضوية - طهران، الطبعة الأولى 1384ش.

ص: 470

109 - الصلاة : للسيد الخوئي (ت 1411ه) ، نشر : دار الهادي - قم ، الطبعة الثالثة 1410ه.

110 - ضلح الإخوان : لداؤد بن سليمان الخالدي النقشبندي (ت 1299 ه) ، طبع بومبي .

111 - الصواعق المحرقة : لابن حجر الهيتمي (ت 973 ه) ، طبع دار الوطن - الرياض 1417ه.

112 - صحيفة الإمام الرضا : تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي - قم 1408ه.

113 - الطبقات الكبرى : لابن سعد، محمد بن منيع الزهري (ت230) ، دار إحياء التراث العربي - بيروت 1417ه.

114 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : للسيد علي بن طاؤس الحسني (ت 664 ه) ، الخيام - قم 1400 ه.

115 - عبقرية عمر بن الخطاب : لعباس محمود العقاد، طبع المكتبة العصرية ، الطبعة الأولى 1437ه.

116 - عدّة الداعي ونجاح الساعي لأحمد بن فهد الحلي (ت 841ه)، تحقيق : أحمد الموحدي ، نشر : مكتبة الوجداني -قم

117 - العدد القوية للعلامة عليّ بن يوسف بن المطهر الحلّي (ت 726ه)، تحقيق : مهدي الرجائي ، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي العامة، الطبعة الأولى 1408ه.

118 - العقد الفريد : لأحمد بن عبدربة الأندلسي (ت 328ه) ، نشر : دار الكتاب العربي - بيروت 1403ه.

119 - علل الشرائع للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، نشر: المكتبة الحيدرية 1386ه.

120 - عمدة عيون صحاح الأخبار : لابن البطريق ، يحيى بن الحسن الأسدي الحلي (ت 600 ه)، النشر الإسلامي - قم 1407ه.

121 - عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال للشيخ عبدالله البحراني الأصفهاني، تحقيق ونشر : مؤسسة الإمام المهدي قم ، الطبعة الأولى 1415ه.

122 - عوالي اللئالي : لمحمد بن علي الإحسائي (ت 940 ه) ، مطبعة سيد الشهداء - قم 1403ه.

123 - العين : للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175ه-)، تحقيق : مهدي المخزومي وإبراهيم

السامرائي، نشر : مؤسسة الهجرة - قم ، الطبعة الثانية 1409ه-.

124 - عيون أخبار الرضا لمحمد بن علي بن الحسين ، الشيخ الصدوق (ت 381ه)، تحقيق : الشيخ حسين الأعلمي ، نشر : مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الأولى 1404ه.

ص: 471

125 - عيون الحكم والمواعظ : لعلي بن محمد الليثي الواسطي (ق 6) ، تحقيق : حسين البير جندي ، نشر : دار الحديث، الطبعة الأولى 1376 ش .

126 - عيون المعجزات : حسين بن عبد الوهاب (ق5) ، نشر : مكتبة الداوري - قم .

127 - الغارات : إبراهيم بن محمد الثقفي (ت 283 ه)، تحقيق : جلال الدين المحدّث ، طبع : مطبعة بهمن .

128 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب : للشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني (ت 1393ه)، نشر : دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الرابعة 1397

129 - الغيبة : للشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق : عبدالله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح ، نشر : مؤسسة المعارف الإسلامية - قم ، الطبعة الأولى 1411ه.

130 - فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : للشيخ أحمد الرحماني الهمداني. 131 - فتح الأبواب : لعلي بن موسى بن طاؤس الحسيني الحلّي (ت 664ه)، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم 1409ه.

132 - فرائد السمطين : لإبراهيم بن محمد الجويني الخراساني ، (ت 730 ه)، تحقيق : الشيخ محمّد باقر المحمودي ، نشر : مؤسسة المحمودي - بيروت، الطبعة الأولى 1398ه.

133 - الفصول المهمة في أصول الأئمة : لمحمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه)، تحقيق : محمد حسين القائيني ، نشر : مؤسسة معارف إسلامي ، الطبعة الأولى 1418ه.

134 - الفضائل : لشاذان بن جبرئيل القمي (ت 660 ه) ، نشر: المكتبة الحيدرية - النجف 1381 ه.

135 - فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق (ت 381ه)، تحقيق : میرزا غلام رضا عرفانیان ، نشر: دار المحجة البيضاء ، الطبعة الثانية 1412ه.

136 - فضائل الخمسة من الصحاح السنّة : للسيد مرتضى الحسني الفيروزآبادي، طبع بيروت.

137 - فلاح السائل : لعلي بن موسى بن طاؤس الحلّي، رضي الدين (ت 664 ه) ، مكتب الإعلام الإسلامي - قم 1419

138 - فيض القدير في شرح الجامع الصغير : لمحمد المناوي (ت 1331 ه)، تحقيق : أحمد عبد السلام نشر دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1415ه.

ص: 472

139 - القاموس المحيط : المحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 718ه) ، نشر : دار الفكر - بيروت 1403ه.

140 - قرب الإسناد : لعبد الله بن جعفر الحميري (ق4) ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم ، الطبعة الأولى .1413ه.

141 - قصص الأنبياء : للسعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ه)، تحقيق : غلام رضا عرفانیان، نشر : مؤسسة الهادي - قم ، الطبعة الأولى 1418ه.

142 - الكافي : لمحمّد بن يعقوب الكليني (ت 329 ه) ، دار الكتب الإسلامية - طهران ، الطبعة الثالثة 1388.

143 - كامل الزيارات : لجعفر بن محمد بن قولويه القمي (ت 367 ه)، المرتضوية - النجف الأشرف 1356 ه.

144 - الكامل في التاريخ: لعلي بن محمد بن محمد الشيباني ، ابن الأثير (ت 630 ه) ، نشر : دار صادر - بيروت- 1399ه

145 - الكامل في ضعفاء الرجال : لعبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 ه)، تحقيق : سهيل زكار ، نشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة الثالثة 1409

146 - كشف الغمّة في معرفة الأئمة: لعلي بن عيسى الإريلي (ت 693 ه)، نشر : دار الأضواء - بيروت، الطبعة الثانية 1405ه.

147 - كشف اللثام عن قواعد الأحكام للشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني (ت 1137 ه)، تحقيق ونشر : جامعة المدرسين - قم ، الطبعة الأولى 1416ه.

148 - كشف المحجّة لثمرة المهجة : لعلي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاؤس (ت 664 ه) ، نشر : المطبعة الحيدرية - النجف 1370ه.

149 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين : للحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (ت 726 ه)، تحقیق: حسین الدرگاهي ، الطبعة الأولى 1411ه.

150 - كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر : لعلي بن محمد بن علي الخزاز القمي (ق 4) تحقيق : عبد اللطيف الحسيني ، نشر : بيدار - قم 1401 ه.

151 - كفاية الطالب : لمحمّد بن يوسف بن محمد القرشي ، طبع الغري.

ص: 473

152 - كمال الدين وتمام النعمة : لمحمد بن علي بن الحسين الصدوق (ت 381ه)، تحقيق : عليّ أكبر غفاري ، نشر : جماعة المدرسين - قم 1405 ه.

153 - كنز الدقائق : للميرزا محمد المشهدي القمي (ت 1125ه)، تحقيق : آقا مجتبى العراقي نشر: جماعة المدرسين - قم ، الطبعة الأولى 1407ه.

154 - كنز العمال: لعلي المتقي الهندي (ت 975 ه)، تحقيق : بكري حياني وصفوة السقا ، نشر : مؤسسة الرسالة - بيروت 1405

155 - كنز الفوائد : لمحمد بن علي الكراجكي (ت 449 ه) ، نشر : مكتبة المطفوي - قم الطبعة الثانية 1410ه.

156 - لسان العرب : لمحمّد بن مكرم بن علي المصري ، ابن منظور (ت 711 ه) ، نشر : أدب الحوزة - قم 1405 ه.

157 - لسان الميزان : لأحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (ت 852ه) ، نشر : مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الثانية 1390 ه.

158 - مائة منقبة : للشيخ محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي ، ابن شاذان (ق 5) ، تحقيق : نبیل رضا علوان ، نشر : أنصاريان - قم .

159 - مجمع البيان في تفسير القرآن : للفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه) ، نشر : دار التقريب طهران- 1417ه.

160 - المجروحين : لمحمّد بن حبان البستي (ت 354 ه)، تحقيق : محمود إبراهيم زايد .

161 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه-) ، نشر : دار الكتب العلميّة - بيروت 1408 ه.

162 - المجموع في شرح المهذب : لمحي الدين بن شرف النووي (ت 676 ه) ، نشر : دار الفكر - بيروت.

16 - المحاسن : لأحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274ه)، نشر : دار الكتب الإسلامية - قم .

164 - المحاسن المجتمعة : مخطوط ، نسخة المكتبة الظاهرية - دمشق .

165 - المحتضر : للحسن بن سليمان الحلّي (ق 9) ، نشر المطبعة الحيدرية - النجف ، الطبعة الأولى 1370 ه.

ص: 474

166 - المحيط في اللغة : للصاحب ، إسماعيل بن عباد ت (385ه)، تحقيق : الشيخ محمد حسن آل ياسين ، نشر : عالم الكتب، الطبعة الأولى 1414ه.

167 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول : للشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه)، نشر : دار الكتب الإسلامية - طهران ، الطبعة الثانية 1404ه.

168 - المزار الكبير للشيخ محمد بن المشهدي (ت 601ه)، تحقيق : جواد القيومي ، نشر : القيومي ، الطبعة الأولى 1419ه.

169 - المزار : للشيخ المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه)، تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي - قم، الطبعة الأولى.

170 - مسائل عليّ بن جعفر : لعليّ بن الإمام جعفر الصادق (ت 147 ه)، تحقيق : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، نشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا ، الطبعة الأولى 1409ه.

171 - مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت 1405ه)، تحقيق : الشيخ حسن بن عليّ النمازي ، نشر : جامعة المدرسين - قم 1419ه.

172 - المستدرك على الصحيحين : لمحمد بن محمد الحاكم النيسابوري (ت 405 ه)، تحقيق : الدكتور يوسف المرعشلي، نشر : دار المعرفة - بيروت- 1406 ه.

173 - مستدرك وسائل الشيعة : الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي (ت 1320 ه)، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم ، الطبعة الأولى 1408ه.

174 - المسترشد في إمامة أمير المؤمنين : لمحمد بن جرير الطبري الإمامي (ت 310ه) ، تحقيق : الشيخ أحمد المحمودي ، نشر : مؤسسة الثقافة الإسلامية - لكوشانبور، الطبعة الأُولى.

175 - مستطرفات السرائر لمحمد بن أحمد بن إدريس الحلّي (ت 598 ه) ، مدرسة الإمام المهدي - قم 1408ه.

176 - مسند أبي داود الطيالسي : لسليمان بن داؤد بن الجارود الفارسي الطيالسي (ت 204ه) ، نشر دار الحديث - بيروت.

177 - مسند أحمد بن حنبل : لأحمد بن حنبل (ت 241ه)، نشر : دار صادر - بيروت.

178 - مسند زيد بن عليّ : لزيد بن علي بن الحسين ، الشهيد (ت 120 ه) ، نشر : دار الحياة - بيروت .

ص: 475

179 - مسند فاطمة : لجلال الدين السيوطي (ت 911ه) .

180 - مشكاة الأنوار: لعلي بن الحسن الطبرسي ( ق ) ، نشر: المكتبة الحيدرية - النجف 1385 ه.

181 - مصباح المتهجد لمحمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) نشر : مؤسسة فقه الشيعة - بيروت، الطبعة الأولى 1411ه.

182 - المصنف : لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (ت 235ه) ، نشر : دار قرطبة - بيروت 1427ه.

183 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : لمحمد بن طلحة القرشي (ت 652 ه) ، نشر : مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر - قم 1420ه.

184 - المعجم الأوسط : لسليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 ه)، تحقيق : إبراهيم الحسيني نشر دار الحرمين 1415ه.

185 - معجم البلدان : لياقوت بن عبدالله الحموي (ت 626ه)، تحقيق : فريد عبد العزيز الجندي، نشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

186 - معجم رجال الحديث : للسيد أبو القاسم الخوئي (ت 1413ه) ، نشر : مدينة العلم - قم 1403ه.

187 - معجم شيوخ الذهبي : لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، تحقيق : روحيّة عبد الرحمن ، نشر : دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى 1410ه.

188 - المعجم الكبير لسليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (ت 360 ه)، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي، نشر : مكتبة ابن تيمية - القاهرة ، الطبعة الثانية .

189 - مفتاح النجاة للبدخشي - مخطوط.

190 - المفردات في غريب القرآن : للراغب الأصفهاني (ت 502 ه) ، نشر : دفتر نشر کتاب ، الطبعة الأولى 1404ه.

191 - مقتضب الأثر : للشيخ أحمد بن عبيد الله بن عياش الجوهري (ت 401 ه)، نشر : مكتبة الطباطبائي -قم .

192 - مقتل الحسين : للموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي (ت 568 ه)، تحقيق : محمد السماوي ، نشر : مكتبة المفيد - قم .

ص: 476

193 - مكارم الأخلاق : للحسن بن الفضل الطبرسي (ت 548ه) ، نشر الشريف الرضي ، الطبعة السادسة 1392ه.

194 - الملل والنحل : لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 ه) ، الرضي - قم 1364ش .

195 - من لا يحضره الفقيه : للشيخ الصدوق (ت 381ه) ، نشر : جامعة المدرسين - قم . الطبعة الثانية 1404ه.

196 - منازل الآخرة للمحدّث الشيخ عباس القمي (ت 1359ه) ، نشر : جامعة المدرسين - قم الطبعة الأولى 1419ه.

197 - المناقب : لعلي بن محمد المغازلي (ت 483 ه)، نشر : دار الأضواء - بيروت 1403ه.

198 - مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ه) ، المطبعة الحيدرية النجف الأشرف 1376 ه.

199 - مناقب الإمام أمير المؤمنين : المحمد بن سليمان الكوفي القاضي (ق 3) ، تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي ، نشر : مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم 1412ه.

200 - منتهى الآمال : للشيخ عباس القمي (ت 1359ه)، تحقيق : ناصر باقري بیدهندی ، نشر : انتشارات دليل ما ، الطبعة الأولى 1387 ش.

201 - منبة المريد في أدب المفيد والمستفيد : لزين الدين بن علي بن أحمد العاملي (ت 965ه)، تحقيق : رضا مختاري ، نشر : مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى 1409ه.

202 - المواعظ العددية : لمحمد بن الحسن الحسيني العاملي، تحرير : علي المشكيني الأردبيلي ، شرح : الشيخ علي الميانجي . نشر الهادي - قم ، الطبعة السادسة 1419ه.

203 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال: لمحمد بن أحمد الذهبي (ت 748ه)، تحقيق : علي محمد البجاوي ، نشر : دار المعرفة - بيروت، الطبعة الأولى 1382ه.

204 - الميزان في تفسير القرآن : للسيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1402ه) ، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي -قم

205 - النزاع والتخاصم : لأحمد بن علي المقريزي (ت 845ه)، تحقيق: علي عاشور

206 - نزهة المجالس : لعبد الرحمن الصفوري الشافعي (ت 884 ه) ، طبع القاهرة.

ص: 477

207 - النص والاجتهاد : للسيد عبد الحسین شرف الدین (ت 1277 ه)، تحقيق : أبو مجتبى ، الطبعة الأولى 1404ه.

208 - نظم درر السمطين لمحمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي (ت 750 ه) ، نشر : مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة - النجف ، الطبعة الأولى 1377 ه.

209 - النهاية في غريب الحديث والأثر : لابن الأثير (ت 606 ه)، تحقيق : طاهر أحمد ومحمود محمد ، نشر مؤسسة إسماعليان - قم ، الطبعة الرابعة 1364ش.

210 - نهج الإيمان : لعلي بن يوسف بن جبر (ق) ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني ، نشر : مجتمع الإمام الهادي - مشهد ، الطبعة الأولى 1418ه.

211 - نهج البلاغة: شرح محمّد عبده ، نشر : دار المعرفة - بيروت.

212 - نوادر المعجزات المحمّد بن جرير الطبري الإمامي (ق4) ، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي - قم ، الطبعة الأولى 1410ه.

213 - نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار: للشيخ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي ، نشر : دار الفكر .

214 - الوافي بالوفيات لصلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي (ت 764ه) ، نشر : دار ترانز شتاينر - 1381ه .

215 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : لمحمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104ه) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - قم 1409ه.

216 - وسيلة المآل : للحضرمي - مخطوط، المكتبة الظاهرية - دمشق .

217 - ينابيع المعاجز للسيد هاشم البحراني (ت 1107 ه) ، نشر : المطبعة العلمية - قم.

218 - ينابيع المودة : لسليمان بن إبراهيم القندوزي (ت 1294ه)، تحقيق : سيد علي جمال أشرف ، الناشر : دار الأسوة - قم 1416ه.

* * *

ص: 478

4 - الفهرس الموضوعي

كلمة المترجم....5

الإهداء....7

مقدِّمة المؤلّف....9

المحبّة أو المودّة !....9

محبة أهل البيت الجوهرة نفيسة....10

حبّ أهل البيت أجر الرسالة....11

الفرق بين المحبّة والمودة....15

المودّة هبة الله....16

محبة أهل البيتفوق كلّ محبّة....18

تخويف شديد من أجل المودة !....19

نحن ومحبة أهل البيت....20

نحو درجات المحبّة العالية....21

1 - شكر النعمة ....22

2 - اكتساب المعرفة....24

3 - قراءة تاريخ أهل البيت....26

ص: 479

شرح فضائل فاطمة الزهراء....28

ثواب نشر فضائل أهل البيت وأقوالهم!....28

سبب تأليف الكتاب....30

الفضيلة الأولى : اسم فاطمة لن ينفي الفقر....33

بركات اسم فاطمة....33

الغنى مع أسباب الفقر....35

أسباب الفقر....37

الفضيلة الثانية : العناية الإلهيّة بأسماء فاطمة وأهل البيت....43

الأسماء الجميلة لفاطمة !....43

عناية الله وأهل البيت بالاسم الجميل....44

الاسم المقدَّس وبركاته !....45

اسم فاطمة في الاسر في الأسرة النبوية....51

الفضيلة الثالثة : احترام اسم فاطمة....55

سلوك الجاهلية مع البنات !....56

تربية البنات في الإسلام....57

تربية الأبناء فى مدرسة أهل البيت !....59

تذكر الأئمة لأمهم الزهراء....64

الفضيلة الرابعة : أسرار اسم فاطمة....67

لماذا اسم فاطمة ؟....68

فاطمة تَفْطُم شيعتها ومحبيها من النار....68

فاطمة فُطِمَت من الشرّ....71

فاطمة قاطعة طمع الكفّار والمنافقين.....71

عَجْرُ الخَلْق عن معرفة فاطمة....72

فاطمة طاهرة عن كل رجس....72

فاطمة شُبِّعَت بالعلم الإلهي....72

ص: 480

أعداء فاطمة محرومون من محبتها....73

تحقيق في اسم فاطمة....73

اسم «فاطمة» ومعانيه....76

سُمِّيت فاطمة بفاطمة....77

الفضيلة الخامسة : فاطمة الطاهرة....79

السنن والقوانين الطبيعية.....79

فاطمة وطهارتها الخاصة....82

الفضيلة السادسة : فاطمة ل كالشَّمْسِ الضَّاحِيَّةِ....87

أسرار اسم الزهراء....87

الفضيلة السابعة : تجلّي نور فاطمة في السماوات والأرض....89

أفضلية فاطمة على الأنبياء والأوصياء !....89

تجليات نور فاطمة من بداية الخَلْق إلى ولادتها !....90

الفضيلة الثامنة : تلألو نور فاطمة....97

إضاءة نور فاطمة للملائكة !....97

إضاءة نور فاطمة للناس !....99

الفضيلة التاسعة : نور فاطمة يسطع لأهل الجنّة....101

سطوع نور فاطمة لأهل الجنة !....101

تلألو نور فاطمة لآدم وحواء في الجنة....102

الفضيلة العاشرة : فاطمة والملائكة .....103

تواصل فاطمة مع الملائكة المقربين !....103

أقسام الوحى فى القرآن.....104

أي وحي قُطِعَ بعد رسول الله ؟....106

هل ينزل الوحي على الإمام ؟....107

الأئمة الأطهار مُحَدَّثون....109

نزول الملائكة على غير الأنبياء في القرآن !....109

ص: 481

نزول الملائكة على الأئمة....111

الفرق بين النبي ، والرسول، والمُحدَّث....113

هل يرى الإمام الملائكة ؟....113

الزهراء والأئمة يرون الملائكة....119

رأي العلامة المجلسي....123

فاطمة المُحَدَّثَة....123

الفضيلة الحادية عشر : مُصْحَف فاطمة....127

من أين جاء مصحف فاطمة ؟....129

المبعوثُ مَلَكٌ أم جبرئيل ؟....134

كيف وصل مُصْحَف فاطمة إليها ؟....135

ماذا يحتوي مصحف فاطمة....136

مصحف فاطمة عند الإمام صاحب العصر ....138

الفضيلة الثانية عشر: علم فاطمة....141

لماذا تعجب أمير المؤمنين من علم زوجته ؟....142

الفضيلة الثالثة عشر: فاطمة بحر عميق من العلم....145

كيفية تأويل الآيات....145

عليّ وفاطمة مصداق البحرين....148

الفضيلة الرابعة عشر: فاطمة ليلة القدر....149

تفسير الليلة المباركة بفاطمة....149

الأولى: فاطمة وعاءٌ لعلوم القرآن....151

الثانية : فاطمة وجود لا تعرف حقيقته....152

الثالثة : فاطمة ليلة قدر الأنبياء والأولياء....152

الرابعة : فاطمة له سببُ الخَلْقِ ، وواسطة للفيض الإلهي....154

الخامسة : أثر معرفة فاطمة على الأعمال....155

السادسة : وجود فاطمة أساس البركة لكلّ الموجودات....155

ص: 482

السابعة: ارتباط فاطمة بالملائكة....157

الثامنة : فاطمة السبب في تفعيل كمالات الإمامة ....158

التاسعة : عُمْرُ فاطمة القصير المبارك....159

العاشرة : فاطمة فيها روح القدس....160

الفضيلة الخامسة عشر: فاطمةُ مَثَلُ نور الله....163

الأولى: فاطمة مَثَلُ نور الله !....166

الثانية : فاطمة الحافظة لشمس النبوة، ومحطّ لأنوار الإمامة....168

الثالثة : فاطمة ضياءُ مصباح الولاية....169

الرابعة : فاطمة كوكب دري لبيت النبوة....170

نور ملاءة فاطمة....171

الفضيلة السادسة عشر: فاطمة حوراء إنسية....175

مقارنة بين مكوّنات بدن الزهراء مع مكوّنات أبدان سائر الناس.175

ارتباط الروح بالبدن.....176

طيئة أبدان الأئمة وأمهم الزهراء ....176

مراحل تكوّن فاطمة الزهراء....179

إعطاء المادّة النورانية الجسمانية لفاطمة إلى النبي في ليلة المعراج....181

أكل رسول الله لتفاحة الجنة في الأرض....182

خديجة تأكل من تُفاحة الجنّة أيضاً....183

انتقال نور الزهراء كاملاً إلى صلب رسول الله....183

فاطمة الزهراء مؤنسة وحدة أُمّها خديجة....186

أكمل الأرواح تحتاج إلى أفضل الأبدان....187

فاطمة سيدة بلا نظير !....189

فاطمة نظيرة للنبي وعلي !....190

أسئلة نطرحها على علماء ومفكري العامة....191

ص: 483

الفضيلة السابعة عشر: فاطمة علة خَلْقِ العالم....195

هل إنّ فاطمة أفضل من رسول الله وأمير المؤمنين ؟....196

الأولى : اتحاد أنوار فاطمة مع رسول الله وأمير المؤمنين....198

والثانية دور فاطمة الزهراء له في حفظ الرسالة والإمامة....199

لو لم تكن فاطمة ل فالأئمة المعصومون من ذريتها لم يكونوا أيضاً !....200

أهم نتائج بركة وجود فاطمة الزهراء ....201

الفضيلة الثامنة عشر: فاطمة سيدة النساء....205

أفضلية فاطمة على كل المخلوقات !....205

الطهارة العظيمة الفاطمة....206

فاطمة كأبيها وبعلها مؤيّدة بروح القدس !....207

إعانة فاطمة للأنبياء والأوصياء....210

محبّة وطاعة فاطمة الزهراء واجبة على كلّ الخلق....211

ولاية فاطمة شرط في نبوّة الأنبياء !....212

فاطمة أفضل من جميع الرجال !....213

فاطمة حجة الله على الأئمة....213

فاطمة أسوة لإمام الزمان !....214

فاطمة هي الروح النازلة على النبي....216

مثليّة أمير المؤمنين وفاطمة....217

أقدمية وجود فاطمة على كلّ المخلوقات....217

فاطمة أوّل من يدخل الجنّة....218

الفضيلة التاسعة عشر: رضى وغضب الله لرضى وغضب فاطمة....219

لا يمكن أن يُقاس أحد بفاطمة....225

مَنْ هُم الذين أغضبوا فاطمة ؟....227

على مَنْ غضبت فاطمة الزهراء ودَعَتْ عليه ؟....228

ص: 484

الفضيلة العشرون : فاطمة أوّل من يدخل الجنة....231

الفرق بين عالمي الدنيا والآخرة....231

من هو أول شخص يدخل الجنة ؟....234

لماذا أوّل من يدخل الجنّة فاطمة الزهراء ؟....234

كيفية دخول فاطمة إلى الجنة ....238

الفضيلة الحادية والعشرون : خير الرجال عليّ ، وخير النساء فاطمة....241

زوج فاطمة أفضل فرد بعد رسول الله....241

عليٌّ أفضل وأحسن الصحابة بعد رسول الله....242

مَنْ لديه الكفاءة لخلافة رسول الله ؟....249

عظمة الزهراء في زوجيتها لأمير المؤمنين....254

الفضيلة الثانية والعشرون: أمير المؤمنين كفؤ فاطمة....257

مراعاة الكفؤ في الحياة المشتركة....258

من هو مَثَلُ فاطمة ؟....259

الفضيلة الثالثة والعشرون : زواج الزهراء من أمير المؤمنين في السماء....263

الزواج الذي بعث النشاط والحيوية في الخلق....263

الفضيلة الرابعة والعشرون : الملائكة خَدَمُ بيت فاطمة....269

علم وكمال الملائكة من فاطمة وبعلها وبنيها....270

نموذج آخر من خدمة الملائكة في بيت فاطمة ....272

الفضيلة الخامسة والعشرون : اهتمام فاطمة بالدعاء للآخرين....275

اهتمام فاطمة بالدعاء في ليلة الجمعة...275

فضل يوم الجمعة....278

اهتمام الزهراء بالدعاء في يوم الجمعة....280

اهتمام فاطمة بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات....281

آثار وبركات الدعاء للأخوة والأخوات المؤمنين....281

الدعاء لصاحب العصر وبركاته !....285

ص: 485

الفضيلة السادسة والعشرون : تسبيح الزهراء وآثاره...293

تسبيح فاطمة....293

منشأ ظهور تسبيح فاطمة....294

تسبيح فاطمة بعد الصلاة وقبل النوم !....296

ترتيب الأذكار في تسبيح الزهراء....297

نتيجة البحث....300

آثار و بركات تسبيح فاطمة !....300

تسبيح الزهراء بالتربة الحسينية وآثاره !....304

الفضيلة السابعة والعشرون : حجاب فاطمة....309

النقطة الأولى : غضّ البصر وآثاره....309

وصيّة فاطمة بستر جسدها عن الأجانب....312

النقطة الثانية : استعمال الطّيب في مذهب أهل البيت....313

استعمال الطيب للنساء !....314

الفضيلة الثامنة والعشرون : أفضل عمل النساء....317

سرّ عدم جواب أمير المؤمنين عن سؤال النبي !....318

أفضل عمل للمرأة هو رعاية الحجاب الكامل....318

جزاء النساء اللاتي لا يراعن الحجاب !....321

خطاب أمير المؤمنين للرجال الغيارى !322

الفضيلة التاسعة والعشرون: فضيلة المخدرات في مدرسة الزهراء....325

فضيلة المرأة تواجدها في بيتها....325

امرأة صالحة خيرٌ من ألف رجل !....326

الفضيلة الثلاثون النساء اللاتي تشملهنّ شفاعة الزهراء....329

طاعة المرأة لزوجها علامة شمولها بشفاعة الزهراء....329

1 - مسألة النكاح....330

2 - تجميل المرأة نفسها لزوجها.....331

ص: 486

3 - الطاعة بعدم الخروج من البيت....332

4 - الطاعة في حفظ أموال الزوج، وعدم صرفها بدون إذنه....333

5 - اجتناب المرأة الأعمال المنافية لحق الزوج....335

6 - إرضاء الزوج والابتعاد عما يغضبه....335

واجبات الرجل مقابل المرأة !....337

الفضيلة الحادية والثلاثون : أمل المحتاجين....341

الفضيلة الثانية والثلاثون : الصلاة على فاطمة تغفر الذنوب....345

الظلمات الإنسانية.....345

ظلمة الطينة....346

ظلمة الفكر الباطل....346

ظلمة الرذائل الأخلاقية....347

ظلمة الذنوب....347

النجاة من الظلمات بالصلاة على فاطمة وآلها !....348

الأولى : تؤدّي إلى طهارة طينة وخلقة الإنسان....349

الثانية : طهارة النفس من الوساوس والأفكار الشيطانية....350

الثالثة : تزكية روح الإنسان من الأخلاق السيئة والصفات الرذيلة....351

فضيلة الصلاة على فاطمة....352

الفضيلة الثالثة والثلاثون : فاطمة ملجأ المساكين....357

يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني !....357

الاستغاثة بالزهراء....359

الفضيلة الرابعة والثلاثون : آثار حب سيدة النساء....361

حب فاطمة شرط تكامل الأنبياء !....361

البراءة من أعداء فاطمة شرط لمحبتها....362

إظهار النبي الله حبه لابنته فاطمة....363

ص: 487

الفضيلة الخامسة والثلاثون : فاطمة أشفع الشافعين....365

فاطمة السيّدة الوحيدة لها كرامة في يوم القيامة !....367

الاستقبال الإلهي لورود سيّدة الخلق المحشر....368

شفاعة الزهراء الشيعة ومحبّي أبنائها....372

هل إنّ شفاعة الزهراء تشمل أتباع الشيعة والمحبين أيضاً؟....373

من هم المحرومون من الشفاعة ؟....374

روايات الشفاعة لا تصيب الشيعة بالغرور والعصيان....380

الشيعة لا ترتكب الذنب برجاء الشفاعة.....383

الفضيلة السادسة والثلاثون : فدك حق فاطمة.....387

فدك ، القصّة الحزينة ! ....387

كيف صارت فدك لرسول الله ؟...388

فدك مُلْكُ شخصي شخصي أعطاه رسول الله لابنته فاطمة....389

غصب فدك هدف مبيت مسبقاً !....391

علاقة فدك بخلافة أمير المؤمنين علي....392

كلام فاطمة مع غاصبي فدك !....394

الفضيلة السابعة والثلاثون أذيّة فاطمة أذيّة الله تعالى....399

جزاء أذية فاطمة....400

عيادة أبي بكر وعمر لفاطمة !....402

الفضيلة الثامنة والثلاثون : فاطمة المدافعة عن أمير المؤمنين....405

آهات فاطمة المؤلمة !....406

الفضيلة التاسعة والثلاثون: حزن الأئمة على مصيبة فاطمة....409

بكاء أمير المؤمنين على مصيبة زوجته فاطمة....410

بكاء رسول الله على مصيبة ابنته فاطمة....410

بكاء الإمام الصادق الشهادة محسن فاطمة....411

أجر البكاء لمصيبة الزهراء !....411

ص: 488

الفضيلة الأربعون : مصائبها الكبيرة وعمرها القصير....413

بكاء النبي عند تذكره مصائب فاطمة....414

ظَلَمَة حق فاطمة أسوأ الظالمين !....414

الروايات أهم سند تاريخي....414

مصائب فاطمة عن لسان رسول الله في كتب العامة....416

ذکر مصائب فاطمة في المعراج....417

ندم أبي بكر من انتهاك حرمة بيت فاطمة !....418

الضربة التي أسقطت جنين الزهراء....419

غضب فاطمة على أبي بكر وعمر....420

صحة ما نقله علماء الشيعة في مصائب الزهراء!....422

لعنة رسول الله على قتلة فاطمة ....423

الأمر بالهجوم على بيت فاطمة....423

إضرام النار على بيت فاطمة .....424

إقرار ابن عبد ربة الأندلسي بما جرى على فاطمة !....425

حديث الكساء وآثار تلاوته في مجالس شيعة فاطمة....427

فهرس الآيات القرآنية....433

فهرس الأحاديث....445

فهرس المصادر....463

الفهرس الموضوعي....479

ص: 489

ص: 490

الصورة

ص: 491

الصورة

ص: 492

الصورة

ص: 493

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.