البضاعة المزجاة في فقه المعاملات

هوية الکتاب

البضاعة المزجاة في فقه المعاملات

نظام المعاملات

السید علي الخميني

الطبعة الأولى 2022

القياس : 14 x 21

عدد الصفحات: 544

ISBN 978-614-441-363-0

نشر وتوزيع

شركة العارف للأعمال ش.م.م.

بيروت - لبنان

هاتف : 0096170839503

العراق - النجف الأشرف

هاتف :009647801327828

المتبرع الدیجیتالي : جمعیة المساعدة إمام الزمان (عج) في اصفهان

محرر : الآنسة نرگس قمي

اشارة

ص: 1

البَضَاعَة المزجاة

وفِتْه المُعَامَلات

نظام المعاملات

علی الخمینی

ص: 2

البضاعة المزجاة في فقه المعاملات

علي الخميني

الطبعة الأولى 2022

القياس : 14 x 21

عدد الصفحات: 544

ISBN 978-614-441-363-0

نشر وتوزيع

شركة العارف للأعمال ش.م.م.

بيروت - لبنان

هاتف : 0096170839503

العراق - النجف الأشرف

هاتف :009647801327828

www.alaref.net

al-aref@live.com

جميع حقوق النشر محفوظة، ولا يحق لأي شخص أو مؤسسة أو جهة إعادة إصدار هذا الكتاب، أو جزء منه أو نقله بأي شكل أو واسطة من وسائط نقل المعلومات سواء أكانت إلكترونية أو ميكانيكية، بما في ذلك النسخ أو التسجيل أو التخزين والاسترجاع، دون إذن خطي من أصحاب الحقوق.

All rights reserved. No part of this book may be eproduced, or transmitted in any form or by any means, electronic or mechani- cal, including photocopyings, recording or by any information storage retrieval system, without the prior permission in writing of the publisher.

هام جداً: إن جميع الآراء الواردة في الكتاب تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الناشر...

ص: 3

الفهرس الإجمالي

المدخل ...5

المقصد الأوّل الكليات

الفصل الأوّل: نظر إجمالي إلى تنظيم المحقق في الشرائع وتبويبه للأبواب الفقهية ...9

الفصل الثاني: النظر إلى تقسيم أبواب الفقه في كلام الشهيد الصدر ...16

الفصل الثالث : وجهة النظر الصحيحة في فقه المعاملات ...23

الفصل الرابع: النظام الطولي في المعاملات ...35

الفصل الخامس: الموضوع المتأصل والموضوع التابع ...42

الفصل السادس: أسماء المعاملات هل هي موضوعات للأسباب أو للمسببات ...44

الفصل السابع: كيفية تعريف الماهيات الاعتبارية ...54

الفصل الثامن : نظرية روح المعنى في ثوب أصولي ...57

المقصد الثاني

النكات في المضاربة والمزارعة والمساقات إثبات) التلائم بينها وكونها ذات حقيقة واحدة)

فصل : إشارات إلى بعض المسائل المرتبطة بالمضاربة والمزارعة والمساقاة ...67

ص: 4

المقصد الثالث

إزاحة الشبهة عن عقد الشركة إثبات) النظام الطولي العقدي بين الشركة الاكتسابية وبين المضاربة وأخواتها

الفصل الأوّل : عقد الشركة بين النفي والإثبات والإبهام ...105

الفصل الثاني: الاختلاف بين العروة الوثقى وتحرير الوسيلة في تعيين حقيقة عقد الشركة ...108

الفصل الثالث: الشركة في اللغة ...113

الفصل الرابع: تعريف عقد الشركة في الكتب الفقهية ...118

الفصل الخامس : ملخص الإشكال على تعريف العروة وتحرير الوسيلة وطريق الفرار منه ...141

الفصل السادس كلام السنهوري في عقد الشركة ...144

الفصل السابع: إزاحة الشبهة عن عقد الشركة ...148

الفصل الثامن: نكتة في أضرب عقد الشركة ...159

الفصل التاسع : هل عقد البضاعة من أضرب عقد الشركة؟ ...162

الفصل العاشر: نسبة الجعالة والشركة الاكتسابية ...164

الفصل الحادي عشر : اشتراط عدم الشركة في الضرر في الشركة الاكتسابية ...169

المقصد الرابع

الدلالة إلى حقيقة الوكالة عدم ثبوت النظام الطولي العقدي بين الوكالة والمضاربة)

الفصل الأول: النظر إلى كلام السيد الكُلپايگاني ...173

الفصل الثاني: تعريف الفقهاء لعقد الوكالة ...174

ص: 5

الفصل الثالث: تجميع الكلام حول عقد الوكالة ...210

المقصد الخامس

حقيقة الجعالة وجهات سعتها إثبات النظام الطولي العقدي بين الجعالة والإجارة)

الفصل الأوّل: حقيقة الجعالة في كلمات الفقهاء ...219

الفصل الثاني: حقيقة الجعالة عند العامة ...275

الفصل الثالث : جهات السعة الموجودة في الجعالة ...196

الفصل الرابع نسبة الجعالة العقدية والبيع ...420

الفصل الخامس : نسبة الجعالة والشركة ...422

الفصل السادس : نسبة الجعالة وعقد المقاولة ...425

المقصد السادس

الإنارة لأضرب عقد الإجارة

الفصل الأوّل: أضرب الإجارة في كلمات الفقهاء ...431

الفصل الثاني : تعريف الإجارة في كلمات الأصحاب ...459

الفصل الثالث : الفرق بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع ...471

الفصل الرابع: ما يدل على استحالة كون الإجارة من قبيل تمليك المنفعة ...474

المصادر والمراجع ...491

ص: 6

المدخل

أمّا بعد فإنّ هذا الذي بين يديك أيها القارئ الكريم هو بعض ما ذكرته في محاضراتي تحت عنوان «القوانين العامة في فقه المعاملات التي ألقيتُها في النجف الأشرف، ولكنها ليست بهذا النظم الذي تراه في هذا الكتاب الذي سميته ب- : «البضاعة المزجاة في فقه المعاملات». فكان بحثي في تلك المحاضرات مرتكزاً على إثبات النظام الطولي والتركيبي في المعاملات، ولأجل إثبات تلك النظرية ركّزت على عقد المضاربة والمزارعة والمساقاة وقارنتها مع عقود كالإجارة والجعالة والشركة والوكالة كي يستكشف أنّه هل يمكن إثبات النظام الطولي أم لا؟

ولكن بعد إتمام البحث والوصول إلى النتيجة المطلوبة نظرت إلى ما كتبته حول حقيقة العقود التي بحثت عنها وكذلك إلى بعض المفاهيم العامة والمسائل الهامة التي دققت النظر فيها فوجدتها قابلةً للإرائة إلى أولي النهاية مع الاعتراف بأن بضاعتي مزجاة.

وفي الختام أريد أن أشكر الطلبة الأفاضل الذين حضروا محاضراتي وسمعوا إلى ما خطر ببالي. فلولا حضورهم ووعيهم وصبرهم على بعض ما صدر منّي من الإطالة والتطويل في بعض المباحث لما كان هذا الكتاب، فأدعو لهم كما أسأل اللهم تقبل منا ووفقنا لما تحب وترضى.

ص: 7

المقصد الأوّل : الكلّيّات

اشارة

في هذا المقصد جمعتُ بعض المباحث العامة في فقه المعاملات وما يرتبط بشاكلة الفقه ونظمه ونظامه عموماً وبفقه المعاملات خصوصاً، وإليك البيان:

ص: 8

الفصل الأوّل : نظر إجمالي إلى تنظيم المحقق في الشرائع وتبويبه للأبواب الفقهية

نبين المرام في ضمن أقدام

القدم الأول : النظر إلى كتاب الشرائع

إنّ صاحب الشرائع قسم شرائع الإسلام إلى أربعة أقسام، ثمّ ذكر شرائع الإسلام في ضمنها وهي عبارة عن : العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام.

القدم الثاني : النظر إلى شروح الشرائع

إنّ الشهيد الثاني في المسالك بدأ بشرح كلام المحقق من دون نظر أصلاً إلى تقسيم ذكره ونظم دوّن عليه الكتاب. فلم أجد في المسالك توضيحاً لوجه التقسيم وسائر ما يرتبط به أصلاً.

وكذلك الحال في المدارك والجواهر ومصباح الفقيه؛ فإنّهم شرعوا شرحهم من كتاب الطهارة من دون إشارة إلى وجه تقسيم المباحث إلى الأربعة المذكورة.

ص: 9

القدم الثالث: التعجب من غمض العين عن وجه التقسيم في كتب شارحي الشرائع

ثم إنّه من العجيب غمض عين شارحي الشرائع من بيان وجه التقسيم الذي ذكره المحقق مع أنّ المراجع لها وجدهم قد شرحوا الكثير من المباحث التي تكون من حيث الأهمية دون ذلك.

والتعجب صار أكد بعد ما نرى أن صاحب الشرائع في خطبة كتابه صرّح بأنّ كتابه مبني على أقسام أربعة) (1).

وأضف إلى ذلك أنّ المعروف في فضل كتاب الشرائع ووجه صيرورته متناً مهماً للمباحث الفقهية والكتب الاجتهادية هو أسلوبه المميّز وتنظيم مباحثه على شكل منظم بل ربما يقايس الشرائع مع ما عنه كالمقنعة للشيخ المفيد وجعل من امتيازاته عليها ترتيب مباحثه.

وعلى كل حال لم تجد في كلام شارحيه ما يهديك إلى وجه اختياره هذا التقسيم، ولماذا كان أفضل مما دوّن من قبله.

القدم الرابع : النظر إلى كتاب ذكرى الشيعة

الذي قام ببيان وجه التقسيم على ما تتبعتُ هو الشهيد الأوّل :(م) 786 وأنت خبير أنّ تاريخ وفاة صاحب الشرائع هو (676 في كتابه «الذكرى» وقال بعد- بيان أنّ الأقطاب في بحثه أربعة العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام : وتقريب الحصر : أن الحكم إما أن يشترط فيه القربة أو لا والأوّل العبادات والثاني: إمّا ذو صيغة أو

ص: 10


1- شرائع الإسلام 1 5

لا والثاني السياسات والأوّل: إمّا وحدانية أو لا، والأوّل لا، الإيقاعات والثاني العقود (1).

القدم الخامس : النظر إلى كتاب مفتاح الكرامة

إنّ صاحب مفتاح الكرامة أيضاً في شرحه على القواعد قام ببيان وجه التقسيم ومن اللطيف أنّ العلّامة في القواعد لم يذكر مطالبه على وفق هذا التقسيم؛ ولكن شارح كلامه عند شروع البحث عن كتاب المتاجر ذكر أنّ المتاجر هو القسم الثاني من الأقسام الأربعة، ثم أخذ ببيان وجه التقسيم.

ووجه اللطافة هو أنّ شارحي كتاب الشرائع المدوّن على وفق الأقسام الأربعة لم يذكروا وجه التقسيم وشارح القواعد المدوّن على غير الأقسام الأربعة ذكر وجه التقسيم.

وعلى كل حال لا بأس بالنظر إلى كلام صاحب مفتاح الكرامة حيث قال : [كتاب المتاجر ] [و فيه مقاصد]؛ هذا أحد أقسام القسم الثاني من الفقه، لأنّهم قد قسموه إلى أقسام أربعة : عبادات وعقود وإيقاعات وأحكام وإن شئت قلت عبادات وعادات ومعاملات وسياسات.

والوجه في الأوّل أنّ المبحوث عنه فيه إما أن يشترط فيه النية أو لا ، «الأوّل» الأوّل ، والثاني» إمّا أن يعتبر فيه إيجاب وقبول وهو الثاني، أو الأوّل خاصةً وهو الثالث، أو لا يعتبر فيه شيء منهما وهو الرابع» (2).

ص: 11


1- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 63.
2- مفتاح الكرامة :12 87

ثمّ قسّم نفسه الأبواب الفقهية إلى عبادات وعادات ومعاملات وسياسات وقال في وجه هذا التقسيم إنّ المقصود إما انتظام أحوال النشأة الأولى أو الأخرى أو كليهما، فإن كان الثاني فهو الأوّل، أو الأوّل فإمّا أن يتعلّق الغرض ببقاء الشخص أو النوع وهو الثاني، أو المصالح المالية وهو الثالث، أو الثالث فالرابع (1).

القدم السادس : هل نظم الشرائع منبثق من الكتب الروائية؟

معروف أنّ الفرق بين اصطلاح الأصل والكتاب في مصطلح الرجاليين وأصحاب الحديث هو أنّ الأصل عبارة عن مجموعة من الروايات من دون وجود نظم خاص فيه؛ فإنّ صاحب الأصل إنّما كتب ما عنده من الروايات في كتاب من دون نظر إلى الارتباط بينها وتنظيمها. أمّا الكتاب فهو عبارة عن مجموعة من الروايات التي دوّنت مع مراعاة ارتباط ونظم بينها، كما صرّح به في الذريعة (2) ، فليتأمّل.

فبعد عدم وجود الأصول إلا قليلاً منها وعدم النظم فيها، فلا بدّ من النظر إلى الكتب الروائية، والمهم منها هو الكافي والتهذيب والاستبصار والفقيه

فالناظر إلى الكتب الأربعة وجد أموراً

الأوّل : أنّها لا تكون على نسق واحد ونظم فارد.

الثاني : أنه لا توجد في واحد منها تقسيم الأبواب إلى الأربعة الموجودة في الشرائع، فمثلاً مباحث العقد والإيقاع لا تكون بشكل مجزّئ، فمثلاً في التهذيب بحث عن الوقف بعد العتق مع أنّ الوقف

ص: 12


1- مفتاح الكرامة 12 : 8.
2- أنظر الذريعة 2 : 36

على المشهور عقد والعتق إيقاع، وكذلك بحث عن الجهاد في كتاب المزار وبعد الحج وقبل الديون وهكذا...

الثالث: أنّ البحث حول المعاملات لا يكون بالتفصيل الذي نحن اليوم نواجهه في كتبنا الفقهية. وبالنظر الإجمالي والتقريبي يمكن أن يقال :

المباحث المربوطة بالمعاملات في التهذيب في عشر أجزائه تبلغ ،300، صفحة وفي الاستبصار تبلغ 100 صفحة من 4 مجلّد، ويكون كلّ كتاب المعيشة في الكافي 250 صفحة وفي الفقيه 150 صفحة من مجموع أربعة مجلدات.

القدم السابع: إشكالات العلامة الشهيد المطهري على النظم الموجود في الشرائع

يمكن بيان إشكالاته على النظم الموجود بما يلي:

أولاً : أنه بناءً على تقسيم المحقق يلزم وأن يعد كتاب النكاح وكتاب الطلاق من بابين مختلفين مع أنّه لا يخفى على المتأمّل أنّهما حول حقيقة واحدة، فإنّ النكاح هو إيجاد العلاقة، والطلاق عبارة عن انحلالها، فلا ينبغى وأن يبحث عنهما في بابين مختلفين (1) (أقول: وإن كان المحقق بحث عن النكاح في آخر باب العقود وبحث عن الطلاق في أوّل باب الإيقاعات ولكن نفس اختلافهما في التقسيم غير مناسب.

وثانياً : يلزم وأن تعدّ الإجارة والجعالة - مع غاية اشتراكهما من

ص: 13


1- أنظر مدخل إلى العلوم الإسلامية: 111.

حيث الحقيقة يفترقان في الفقه ويبحث عن الإجارة في باب العقود وعن الجعالة في باب الإيقاع (1).

وثالثاً : بحث المحقق عن السبق والرماية في باب الأحكام وعن الجهاد في باب العبادات (2) مع أن السبق والرماية شرعت لإيجاد التهيئ لأجل الجهاد (3).

ورابعاً أنّه بحث عن كتاب الإقرار في باب الإيقاعات مع من توابع كتاب القضاء المبحوث عنه في باب الأحكام (4).

وخامساً : أنّه بحث عن كتاب القضاء وكتاب الأطعمة والأشربة وكتاب الإرث في باب الأحكام مع أنّه لا يوجد بين هذه الكتب أيّ اشتراك (5).

وسادساً : : الإشكال فيما سمّاه بالأحكام؛ فإنّها لا يكون لها مفهوم أصلاً، وما أصلاً، وما هو الفرق بينها وبين سائر الأبواب، هل لا يوجد سائر الأبواب حكم (6) ؟ فلماذا سمّى ما ليس بعقد وإيقاع وعبادة بأحكام (7)؟

ص: 14


1- أنظر مدخل إلى العلوم الإسلامية : 111.
2- بل يمكن التأمل في جعل الجهاد في أبواب العبادات، لأن العبادة لا تتحقق بدون قصد القربة والإتيان بها بدونها لا يوجب سقوط التكليف من الأساس، مع من البعيد التزام ذلك في الجهاد والالتزام بأن من حضر فى الجهاد لأجل الوطن فقط أو لأجل الغنيمة فقط لا يسقط عنه التكليف ويعد عاصياً، فتأمل.
3- أنظر مدخل إلى العلوم الإسلامية: 111.
4- أنظر مدخل إلى العلوم الإسلامية : 111.
5- أنظر مدخل إلى العلوم الإسلامية: 111
6- أنظر مدخل إلى العلوم الإسلامية: 111
7- وقد عرفت أنّ الشهيد الأوّل استفاد بدل الأحكام من عنوان السياسات أيضاً مع أنّه لا يعلم أنّ الجهاد كيف يعد خارجاً منها مع أن البعد السياسي فيه وفي أحكامه أوضح بكثير عن البعد العبادي.

ثمّ إنّ الشهيد العلّامة المطهرى بيّن أنّ التقسيم المطلوب لأبواب هو التقسيم على أساس طبيعة الأبواب والكتب وحقيقتها لا بما لها صيغة أم لا . فذهب إلى أنّه يلزم وأن يُجعل ما لها طبيعة قضائية وحقوقية في باب واحد وما لها حقيقة اقتصادية في باب آخر (1) . ولكن الأسف أنّه نفسه لم تنطبق الكتب الفقهية على مختاره ولنا كلام آخر في البحث عن النظم المنطقي، سيأتي إن شاء الله.

ص: 15


1- أنظر مدخل إلى العلوم الإسلامية: 111.

الفصل الثاني : النظر إلى تقسيم أبواب الفقه في كلام الشهيد الصدر

ونبين المرام في ضمن أقدام

القدم الأول : نقل كلامه :

قال في كتابه المسمّى بالفتاوى الواضحة : تقسيم الأحكام: وأحكام الشريعة على الرغم من ترابطها واتصال بعضها ببعض يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام كما يلي :

1 - العبادات وهي الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والحجّ والعمرة والكفارات.

2 - الأموال وهي على نوعين :

(أ) الأموال العامة ونريد بها كل مال مخصص لمصلحة عامة ؛ ويدخل ضمنها الزكاة والخمس، فإنّهما على الرغم من كونهما عبادتين يعتبر الجانب المالي فيهما أبرز، وكذلك يدخل ضمنها الخراج والأنفال وغير ذلك، والحديث في هذا القسم يدور حول أنواع الأموال العامة وأحكام كل نوع وطريقة إنفاقه.

(ب) الأموال الخاصة ونريد بها ما كان مالاً للأفراد، واستعراض أحكامها في بابين:

ص: 16

الباب الأوّل: في الأسباب الشرعية للتملك أو كسب الحق الخاص، سواء كان المال عينيا أي مالاً خارجياً أو مالاً الذمة وهي الأموال التي تشتغل بها ذمّة شخص لا لآخر، كما في حالات الضمان والغرامة. ويدخل في نطاق هذا الباب أحكام الإحياء والحيازة والصيد والتبعية والميراث والضمانات والغرامات بما في ذلك عقود الضمان والحوالة والقرض والتأمين وغير ذلك.

الباب الثاني: في أحكام التصرّف في المال، ويدخل في نطاق ذلك البيع والصلح والشركة والوقف والوصية وغير ذلك من المعاملات والتصرفات.

3 - السلوك الخاص ونريد به كل سلوك شخصي للفرد لا يتعلّق مباشرةً بالمال ولا يدخل في عبادة الإنسان لربّه. وأحكام السلوك الخاص نوعان:

الأول : ما يرتبط بتنظيم علاقات الرجل مع المرأة ويدخل فيه النكاح والطلاق والخلع والمباراة والظهار والإيلاء وغير ذلك.

الثاني : ما يرتبط بتنظيم السلوك الخاص في غير ذلك المجال ويدخل فيه أحكام الأطعمة والأشربة والملابس والمساكن وآداب المعاشرة وأحكام النذر واليمين والعهد والصيد والذباحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأحكام والمحرّمات والواجبات.

4 - السلوك العام ونريد به سلوك ولي الأمر في مجالات الحكم والقضاء والحرب ومختلف العلاقات الدولية، ويدخل في ذلك

ص: 17

أحكام الولاية العامة والقضاء والشهادات والحدود والجهاد وغير (1) ذلك » . انتهى كلامه (2).

القدم الثاني : تعليقات على تنظيم الشهيد الصدر :

ويمكن التعليق عليه بذكر ما يلي:

التعليق الأوّل : أنّه جعل المقسم في كلماته عنوان أحكام الشريعة، ويرد عليه أن القسم الثاني والثالث والرابع في كلامه لا تكون من جنس الحكم ؛ بل إنّها موضوعات للحكم، كما لا يخفى بل القسم الأوّل أيضاً لا يكون من جنس الحكم، فإنّ العبادة بما هي عبادة إنّما تعدّ موضوعاً للحكم لا نفس الحكم فما قاله أن من الأحكام الشرعية يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام، لا يكون تاماً. ولعلّ أنّ موضوع الأحكام ينقسم إلى أربعة أقسام، لأنّه يصدق على الأربعة أنّها موضوعات للحكم، فتدبّر.

التعليق الثاني : أنّه جعل المقسم عنوان «أحكام الشريعة، مع الكثير من الأحكام الموجودة في الأبواب والفتاوى المذكورة في الكتب الفقهية لا يصدق عليها أنّها حكم الشريعة. فمثلاً أنّ ما يصل إليه المجتهد من طريق الأصول العملية العقلية إنّما هي الوظيفة العملية ولا يمكن انتساب الفتوى إلى الشريعة ولا يصدق عليه أنّه حكم الشريعة. وكذلك ما وصله المجتهد إليه من باب الظنّ على الحكومة فإنّه لا يمكن انتسابه إلى الشارع كما بيناها عند الفحص عن مختار المحقق الخراساني في مقام تعريف علم الأصول (3).

ص: 18


1- الفتاوى الواضحة 46-47.
2- إنه وإن قسم كلّ الفقه ولكن كتاب الفتاوى الواضحة لم يكمل وإنّما بحث فيه حول القسم الأول.
3- أنظر مشكاة الهداية 1 : 47.

والأولى : استبدال المقسم من عنوان أحكام الشريعة) بعنوان موضوع المسائل الفقهية»، فتأمل.

التعليق الثالث : ليت شعري أنّه لماذا لا يبحث عن الأموال الخاصة ذيل عنوان السلوك الخاص حتّى لا يصير مجبوراً لتقييد السلوك الخاص بما ليس متعلقاً بالمال. فيمكنه تقسيم السلوك الشخصي حينئذ بما يتعلّق بالمال وما يتعلّق بعلاقات المرء وزوجه وما يتعلّق بسائر شؤونه الفردية. بل بعد ما رأيت من أنّه لم يكن ملتزماً بالبحث عن العبادات في باب ،واحد فيمكنه البحث عن بعض العبادات أيضاً في ضمن عنوان السلوك الخاص. وكذلك يمكنه جعل البحث عن الأموال العامة في ذيل القسم المبحوث فيه عن السلوك العام أي ما يتعلق بسلوك الولي والحكومة.

التعليق الرابع : أنّه جعل مختلف العلاقات الدولية من قسم السلوك العام، ومع ذلك بحث عن الخراج والأنفال والزكاة في ضمن المباحث حول الأموال مع أنّ جانب تأثير الدولة والحكومة وولي الأمر فيها أقوى، فالأولى البحث عنها في ضمن البحث عن السلوك العام.

التعليق الخامس: لا تخلو الأقسام من التداخل فإنّه جعل القسم الأوّل (((العبادات بنحو مطلق، ومع ذلك بحث عن الخمس والزكاة في قسم الأموال. وما ذكره من التوجيه غير وجيه إلا بعد تقييد القسم الأوّل بما يكون الوجه الغالب فيه العبادية.

وكذلك جعل كتاب الصيد في قسمين: السلوك الخاص والأموال.

التعليق السادس : أنّ في جعل الطهارات من العبادات تأملاً؛ إذ من البيّن أنّ البحث عن غير الطهارات الثلاث لا يكون بحثاً عن

ص: 19

العباديات كما لا يخفى، بل الظاهر أنّ تبيين النجاسات والمطهرات لا يكون داخلاً في واحدٍ من الأقسام التي ذكرها، لأنّها ليست مالاً ولا سلوكاً ولا عبادة والالتزام باستطراديتها مكابرة.

إلا أن نجعل القسم الأوّل: العبادات وما يرتبط بها، ثمّ وجّهنا البحث عن النجاسات بأنّها من موانع العبادة، وعن المطهرات بأنّها موجبة لرفع مانع العبادة.

التعليق السابع : أنّه جعل لقسم الأموال بابين باب حول أسباب التملك وباب حول أحكام التصرّف مع أنّه لا يعلم لماذا بحث عن البيع في الباب الثاني ؛ هل لا يكون البيع سبباً للتمليك والتملك؟ فتأمّل...

وبالجملة أنّ تقسيم الشهيد السعيد يكون أفضل من تقسيم المحقق بمراتب ولكن لا يخلو من شيء.

القدم الثالث : تقسيم الشهيد الصدر في أسلوب ثانِ

قد أشرنا إلى تقسيم أبواب الفقه في كلام الشهيد الصدر وعلّقنا على كلامه بتعليقات سبع، ولا بأس وأن نبين تقسيمه المختار بشكل آخر خالٍ من التعليقات المذكورة وإن كان النظم المختار عندنا يتفاوت عنه بتمام الذات، ففي هذا القدم نقيم بإصلاح التقسيم الموجود في كلام الشهيد السعيد حتى يكون مأخذاً لمن أراد وإن بحث عن حول نظم هو بينه فنقول :

إنّ محور البحث في المسائل الفقهية» ينقسم إلى قسمين أصليين :

القسم الأوّل : السلوك الخاص وهو عبارة عن المباحث التي يكون الوجه الغالب فيها الأمور الشخصية للعباد.

ص: 20

القسم الثاني : السلوك العام وهو عبارة عن المباحث التي يكون الوجه الغالب فيها الأمور الحكومية والدولية. يبحث في ضمنه عن المسائل الحكومية والدولية وما يرتبط بالولي والمولّى عليهم؛ فيندرج في هذا القسم المسائل الفقهية المرتبطة بأصل الحكومة الإسلامية ومشروعيتها، وكذا يدخل في هذا النطاق مسائل الخراج والأنفال والجهاد والقضاء والشهادات والحدود. وكذلك يمكنك وأن تدخل البحث عن الخمس والزكاة في هذا القسم بناءً على أبرزية الجهة المالية فيهما .

وأما القسم الأوّل فينقسم في نفسه إلى أبواب :

الباب الأول : العبادات الشخصية وما يرتبط بها، وفيه يبحث عن الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والحج والعمرة والكفارات؛

وكذلك يمكن البحث في هذا النطاق عن الخمس والزكاة لو ذهبنا إلى أنّ الوجه الغالب فيهما العبادية وإنّما الولي بناءً على وجوب الإيصال إليه - إنّما هو متولّ للقبض والمصرف.

الباب الثاني: ما يرتبط بالشؤون المالية للشخص من الأموال والحقوق وكيفية تملّكها والتصرّف فيها .

ويبحث في هذا الباب عن جميع أبواب المعاملات بالمعنى الأخص، وكذلك يبحث عن أحكام الإرث والصيد لارتباطها الوثيق بالشؤون المالية.

الباب الثالث ما يرتبط بتنظيم علاقات الرجل مع المرأة؛ ويدخل فيه مسائل النكاح والفراق وما يرتبط بهما ويعرض عليهما.

الباب الرابع: ما يدخل في سائر شؤون الحياة الشخصية والاجتماعية المحدودة؛ ويبحث فيه عن أحكام الأطعمة والأشربة

ص: 21

والملابس والمساكن وآداب المعاشرة وأحكام النذر واليمين والعهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويبحث في هذا النطاق عن الواجبات الشرعية غير المرتبطة بالعبادة والمعاملة كوجوب ردّ السلام واستحباب الابتداء به. والمحرّمات والمكروهات الشخصية - وإن كانت لها جهات اجتماعية كحرمة الكذب والغيبة والنميمة إلى غير ذلك من المحرمات والمكروهات غير المرتبطة بالعبادات والمعاملات.

ص: 22

الفصل الثالث : وجهة النظر الصحيحة في فقه المعاملات

ونبين المرام في ضمن أقدام

القدم الأول : بيان المدعى :

أنّ المعاملات في ذاتها تكون من العاديات أي ما يواجهه الإنسان في حياته العادية ويحتاج إليه في معيشته الاجتماعية، وإنّما الشارع تدخل في ذلك لتنظيم الروابط ودفع ما يوجب الاختلاف والاختلال والضرر والغرر والدفاع عن المظلوم في مواجهة النفوس الحيوانية التي لا يكون همّها إلا الغلبة والوصول إلى غايه النفع في كل معاملة ورابطة فكانت وجهة نظر الشارع في مقام تنظيم المعاملات إلى بيان القوانين المنظمة للروابط المتعارفة بتنفيذ بعض الروابط مطلقاً أو مشروطاً ورفض البعض الآخر كذلك. فالناظر إلى أحكام الشارع في دائرة المعاملات يجد أنّ وجهة النظر الأصلية للشارع فيها بيان التأييد والردّ ، أو فقل : التصحيح والإبطال، أو فقل: الإمضاء والرفض، لا بيان الأحكام الخمسة التكليفية حولها.

نعم؛ ؛ قد وضع لبعضها أحكاماً من هذا القبيل أيضاً، ولكن لا يكون النظر الأصيل إلى بيان الأحكام الخمسة التكليفية.

إذا عرفت ذلك : فتجد أنّ النظم الرايج عن البحث عن المعاملات وتقسيمها إلى أقسام ثلاثة كما في الشرايع وغيره أو

ص: 23

خمسة كما في القواعد وغيره غير تمام بل لابد وأن نرتب البحث بشكل يناسب نظر الشارع لها وهو كما عرفت عبارة عن النظر إلى ما فعله الناس من حيث الصحة والفساد مطلقاً أو بوضع قوانين عامة أو خاصة لتنظيم الروابط الموجودة في معاملاتهم.

فالنظام المنطقي لهذه المطالب يغاير تقسيمها بالواجب، كالبيع الذي يضطر إليه لمئونته أو لمئونة عياله والمستحبّ كما يقصد به التوسعة لهم، أو المكروه، كبيع الأكفان كما يقال، والحرام كبيع الخمر.

ويكون الكثير من الإبهامات في بحوث الأعلام ناشئاً من هذا الأسلوب، كخلط الحرمة التكليفية والوضعية، وعدم تحقق الحرمة في بعض الموارد الذي يعدّ من المكاسب المحرّمة، وتفاوت منهج البحث المسائل، وتفاوت الحرمة الثابتة على المكاسب ذاتاً وعدم تناسب المكاسب المحرّمة والمكاسب الواجبة من حيث تعلّق الحكم، إلى آخر ما لا يخفى على المُراجع وصار محل النزاع بين المَراجع (1).

وكثيرا ما سمعت أنّ المباحث المذكورة في ضمن المكاسب المحرّمة، فكثير منها لا يكون من المكاسب أو لا يكون من المحرمات

وقد أقرّ على ذلك أستاذ الكلّ الشيخ الأعظم الأنصاري عند البحث عمّا يحرم الاكتساب ،به حيث قال ما يحرم لكونه عملاً محرّماً في نفسه، وهذا النوع وإن كان أفراده هي جميع الأعمال المحرّمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة والجعالة وغيرهما إلا أنّه جرت عادة الأصحاب بذكر كثير ممّا

ص: 24


1- سيأتي توضيح هذه الإبهامات، فانتظر.

الاكتساب به من المحرّمات بل ولغير ذلك ممّا لم يتعارف الاكتساب به كالغيبة والكذب ونحوهما وكيف كان فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتها» (1) انتهى كلامه رفع في الجنان مقامه.

وهذه العبارة أدلّ دليل على فقدان النظم المنطقي في مباحث الفحول حول المعاملات.

فالطريق القويم والصراط المستقيم هو : البحث عن المعاملات مع رعاية السلسلة الطولية - المذكورة فيما يلي- بالنظر إلى ما صدر من الشريعة الإسلامية الغرّاء من جهة تنظيم الروابط والمعاملات بين الناس في سالف الزمان إلى آخر الدهر بشكل القوانين العامة غالباً أو الخاصة أحياناً.

وما أجمل كلام الشهيد الصدر في كتابه المسمّى ب- «اقتصادنا»، حيث وصف الاقتصاد الإسلامي بأنّه : «ثورة لقلب الواقع الفاسد وتحويله إلى واقع سليم وليس تفسيراً موضوعياً للواقع (2).

القدم الثاني : إشكالات على النظم الجاري في فقه المعاملات:

فإنّه مضافاً إلى اقتضاء التطويل في تكرار الكثير من المباحث، قد يوجب النظم الجاري في فقه المعاملات إشكالات مهمة نشير إلى خمسة منها :

ص: 25


1- كتاب المكاسب 1: 163
2- اقتصادنا : 316

الإشكال الأوّل: خلط الحرمة التكليفية والوضعية :

وكفاك نقل عبارة السيد الخوئي في الاستشكال على الشيخ الأعظم في المسألة الأولى من مسائل النوع الأوّل من المكاسب المحرّمة، وهذا نصّ عبارة السّيد الخوئي : في كلام العلامة الأنصاري هنا وفي المسائل الآتية خلط بين الحرمة التكليفية والحرمة الوضعية، فقد جعل هنا كلّاً من النجاسة والحرمة وعدم جواز الانتفاع أنّ الأوّلين دليلان على الحرمة التكليفية والثالث بها دليلاً عليهما مع دليل على الحرمة الوضعية (1).

وكذا يمكننا الإشارة إلى كلام سماحة الجدّ حيث قال: «حرمة الاكتساب بالأعيان النجسة تكليفية الجهة الأولى وهي المهمّ في المقام في حرمته شرعاً، بمعنى أنّ إيقاع المعاملة عليها محرّم وإن لم يترتب عليها المسبّب ولا يحصل النقل والاستدلال عليها بحرمتها ونجاستها وعدم المنفعة المعتد بها لها ليس على ما ينبغي، لأنها لا تقتضي الحرمة الشرعية لنفس المعاملة، إلا أن يراد بالأوّلين بيان تحقق موضوع الروايات كرواية تحف العقول وغيرها، فالأولى صرف الكلام إليها (2). فذكر الروايات الدالة على الحرمة مثل رواية تحف العقول الظاهر في حرمة بيع وجوه النجس (3) ، واستفاد جدّنا الماجد منها الحرمة التكليفية.

والملفت للنظر هو أنّ السيد الخوئى جعل الدليلين الأولين دليلاً على الحرمة التكليفية للبيع مع أنّ سماحة الجدّ ذكر أن واحداً منها لا يدلّ على الحرمة التكليفية.

ص: 26


1- مصباح الفقاهة 1: 63.
2- المكاسب المحرمة 1 5
3- أنظر تحف العقول عن آل الرسول 333

والخاطر بالبال :هو أنّ كلام جدّنا الماجد أدق من عبارة السيد الخوئي، لأنّ صرف الحرمة والنجاسة لا يكون دليلاً لحرمة المعاملة بل لا بدّ من فحص دليل يدلّ على أنّ النجس يحرم الاكتساب به، كما تدلّ رواية تحف العقول. فكما تفطن إليه سماحة جدّنا أنّ الحرمة والنجاسة إنّما يتحقق بهما موضوع العنوان الذي تعلق به الحرمة التكليفية ولا يكون نفسهما دليلين على حرمة البيع.

وكذا يوجد في كلام السّيد الخوئي أيضاً تهافت من جهة أخرى، فإنّه أوّلاً صرّح بأنّ كلام المصنّف أي) الشيخ الأنصاري مسوق لبيان خصوص الحرمة التكليفية (1) ثمّ عند الفحص عن النوع الأوّل من المكاسب علّق على كلام الشيخ الأعظم وقال: «فقد جعل هنا كلّاً النجاسة والحرمة وعدم جواز الانتفاع بها دليلاً عليهما (2) (أي على الحرمة التكليفية والوضعية مع أنّ الشيخ لم يصرّح بأنّه جعل هذه الأدلّة دليلاً عليهما، فتدبّر.

الإشكال الثاني : تفاوت منهج البحث عن المسائل:

ففي بعضها يبحث عن دليل حرمة المكسب وفي بعض آخر يبحث عن المكوّن لموضوع دليل حرمة المكسب.

فالمراجع إلى كلمات الفحول في المكاسب المحرّمة يصير خبيراً في بعض العناوين أنّ مورد الحرمة هو نفس المعاملة، فتستفاد الحرمة التكليفية من نفس الدليل الدال على الحرمة، وهذا مثل بيع الأعيان النجسة، فقد جهدوا في هذه المسألة لإثبات الحرمة التكليفية حول نفس البيع الواقع على العين النجس، ولذا ترى الفقهاء استدلوا

ص: 27


1- أنظر مصباح الفقاهة 1: 56.
2- مصباح الفقاهة 1: 63.

لإثبات الحرمة برواية تحف العقول (1) الظاهرة في حول وجوه النجس حرام ،محرّم ومن جملة التقلبات هو البيع.

ومثله الاستدلال برواية دعائم الإسلام الدالة على: «ما كان محرّماً ،أصله منهياً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه (2) بناءً على دلالتها على الحرمة التكليفية وكون المراد من المحرّم الأصلي هو الأعيان النجسة أو ما يشملها أيضاً. فحينئذ تدلّ هذه الرواية على حرمة نفس البيع.

ولكن ترى أنّ البحث في بعض المسائل ينقلب ويصير حول إثبات موضوع الحرمة يعنى يكون البحث هو حول حرمة الفعل من دون النظر إلى حكم التجارة به. فمثلاً راجع ما ذكره الشيخ الأعظم في مسألة تصوير صور ذوات الأرواح» (3) فإنّه لم يبحث عن حكم التجارة الواقعة عليها أصلاً من صدر البحث إلى انتهائه، بل بحث عن حكم التصوير التكليفي.

فالظاهر من المسألتين ،واحد لأنّه في واحدة منهما نقول : بيع الخمر حرام وفي أخرى نقول : صنعة التصوير «حرام، ولكنّ الحرمة في الأولى صفة بحال البيع وفي الثاني صفة بحال نفس فعل التصوير لا الكسب به، فتأمل.

وقد مر أنّ البحث عن حرمة التصوير في نفسه وإن كان مكوّناً لموضوع حرمة الكسب به ولكنّه في الحقيقة خارج من البحث عن المكاسب.

ص: 28


1- أنظر تحف العقول عن آل الرسول 333.
2- دعائم الإسلام 2 19
3- كتاب المكاسب 1: 183-198

الإشكال الثالث : تفاوت الحرمة الثابتة على المكاسب ذاتاً :

مع أنّ وحدة العنوان يقتضي وحدة حيثية الإطلاق

ولتبيينه لابد من التنبه إلى أمور:

الأوّل: قد عرفت من السيد الخوئي التصريح بأنّ النجاسة لو كانت دليلاً فهي دليل على الحرمة التكليفية لا الوضعية، بل إنّ الدليل على الحرمة الوضعية هو عدم وجود المنفعة المحلّلة المقصودة.

الثاني : ثمّ اعلم أنّ بعض المحققين من المتأخرين ذهبوا إلى أنّ صرف النجاسة لا يكون دليلاً على حرمة البيع أصلاً.

الثالث: ثمّ افرض فقيهاً عند البحث عن المني وصل إلى أنّ النجاسة لا تكون دليلاً على الحرمة ووصل أيضاً إلى أنّ المني يكون له منفعة محلّلة مقصودة، فأفتى في نهاية بحثه بأنّ بيع المني حرام».

فهذه الفتوى هي مثل الفتوى بأنّ بيع الخمر حرام وكلتاهما ذكرتا في ضمن كتاب المكاسب المحرّمة، مع أنك خبير أن الفتوى الأولى دالّة على الحرمة الوضعية فقط أنّ الثانية دالّة على التكليفية والوضعية معاً لرواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام- قال: «لعن - رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الخمر عشرة غارسها وحارسها وعاصرها ،و،شاربها ،وساقيها ،وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها » (1) ومثلها (2).

الرابع ويمكنك تصوير مورد يصدق عليه الحرمة التكليفية فقط

ص: 29


1- وسائل الشيعة 17 4/224
2- أنظر الكافي 17 : 4/224.

دون الوضعية، كبيع الغرر لو فرض ذكره في ضمن المكاسب المحرّمة فأنّ الشيخ الأنصاري وإن لم يذكره في المكاسب المحرمة ولكن لفقيه وأن يبحث عنه هنا لكونه مشتركاً مع سائر العناوين الموجودة في الكتاب من حيث الملاك إذا فُرض وجود ملاك في البين فافهم.

الإشكال الرابع: عدم تناسب المكاسب المحرمة والمكاسب الواجبة من حيث تعلّق الحكم:

قد عرفت تقسيم المكاسب إلى أقسام ثلاثة أو خمسة فصاحب الشرائع قسمها إلى ثلاثة أقسام من المحرّم والمكروه والمباح مع العلّامة قسمها بانقسام الأحكام الخمسة التكليفية.

فيظهر لك الإشكال بعد التنبه إلى أمور:

الأوّل: النظر إلى عبارة صاحب الشرائع : قال صاحب الشرائع : كتاب التجارة؛ وهو مبني على فصول الأوّل: فيما يكتسب به ؛ وهو ينقسم إلى محرّم ومكروه ومباح (1).

فالحاصل منه تقسيم المكاسب إلى ثلاثة أقسام؛ فمثال المحرّم في كتابه هو بيع الأعيان النجسة، والمكروه بيع الأكفان والمباح ما عدا ذلك.

الثاني : النظر إلى عبارة العلامة : قال العلامة : [الفصل] الأوّل: في أقسامها و هي تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة فمنه واجب :وهو ما يحتاج الإنسان إليه لقوته وقوت عياله ولا وجه له المتجر. ومندوب وهو ما يقصد به التوسعة على العيال أو نفع المحاويج مع حصول قدر الحاجة بغيره . و مباح، وهو: ما يقصد به

ص: 30


1- شرائع الإسلام 2 263

الزيادة في المال لا غير مع الغنى عنه ومكروه، وهو ما اشتمل على وجه نهى الشرع عنه نهي تنزيه كالصرف كالصرف، وبيع الأكفان والطعام والرقيق، واتّخاذ الذبح والنحر صنعة.... ومحظور، وهو ما اشتمل على وجه قبح وهو أقسام .... (1)

الثالث : النظر إلى توجيه الشهيد الثاني: قال الشهيد الثاني: «قد جعل المصنّف الأقسام ثلاثة كما ترى، وذكر جماعة انقسامها إلى الأحكام الخمسة بإضافة الوجوب والندب، وعدّوا من الواجب ما يضطر إليه لمؤونته ومؤونة عياله ومن المندوب ما يقصد به التوسعة عليهم حيث تندفع الحاجة بغيره. وكلّ من التقسيمين حسن، وإن كان ما هنا أحسن، إذ لا خلل في الثلاثة ولا تداخل في الخمسة، فإنّ مورد القسم في الثلاثة ما يكتسب ،به وهو العين والمنفعة وظاهر أنّ الوجوب والندب لا يرد عليهما من حيث إنّهما عين خاصة ومنفعة بل بسبب أمر عارض وهو فعل أمر عارض وهو فعل المكلّف. الخمسة المكلّف. ومورد الاكتساب الذي هو فعل المكلّف، ومن شأنه أن يقبل القسمة إلى الخمسة فيما يمكن فيه تساوي الطرفين باعتبار العوارض اللاحقة له » (2).

الرابع: النظر إلى إشكال صاحب مفتاح الكرامة : قال في مفتاح الكرامة : وقد جعل في «الشرائع الأقسام ثلاثة محرّماً ومباحاً ومكروهاً، واعتذر عنه في «المسالك» بأنّ مورد القسمة هو العين والمنفعة، قال: وظاهر أنّ الوجوب والندب لا يرد عليهما من حيث إنّهما عين خاصة ومنفعة بل بسبب أمرٍ عارض وهو فعل المكلّف»، وقال: ومورد القسمة في الخمسة هو فعل المكلّف .قلت: هذا

ص: 31


1- قواعد الأحكام 2 5-6
2- مسالك الأفهام 3 118

لحظه الشهيد في اللمعة الشهيد في اللمعة ذكر كلا (التقسيمين وعلى ذلك جرى شيخنا صاحب «الرياض» (فإنّه ذكر التقسيمين ولكن جعل الأولى التقسيم الثلاثي و فيه نظر ظاهر، لأنّ المباح والمحرّم والمكروه أيضاً كذلك ؛ فإنّ العين بذاتها لا تكون محرّمةً ولا مكروهةً ولا مباحة بل باعتبار ما يتعلّق بها من فعل المكلّف كما هو ظاهر

جدا » (1).

الخامس : النظر إلى توجيه صاحب الجواهر قال صاحب الجواهر في مقام الدفاع عن جهة تقسيم المكاسب إلى الثلاثة لا الخمسة : «نعم ؛ قد يقال : إن اقتصار المصنّف على الثلاثة هنا باعتبار تعلّقها بالأعيان بالذات ولو من حيث فعل المكلف، ضرورة ثبوت الأعيان التي يحرم التكسب بها ذاتاً، وكذلك الكراهة والإباحة، بخلاف الوجوب والندب؛ فإنّا لا نعرف من الأعيان ما يجب التكسّب به كذلك أو يستحبّ، وثبوت وجوب التكسب في نفسه أعم من وجوبه بالعين المخصوصة من حيث الذات (2) . يعنى أنّ المحرّم يكون التكسب ب- ذات الخمر ولكنّ الواجب لا يكون التكسب بذات الخبز، بل الواجب هو نفس المكسب لكونه مضطراً إليه لأجل مؤونة نفسه أو عياله.

ثمّ نسب صاحب الجواهر هذا التوجيه إلى صاحب المسالك وقال: «لعلّ ذلك هو مراد الشارح، وإن كانت عبارته قاصرةً عنه» (3).

السادس: إثبات المدعى من عدم تناسب المكاسب المحرمة والمكاسب الواجبة من حيث تعلّق الحكم من خلال كلمات صاحب

ص: 32


1- مفتاح الكرامة 12 14
2- جواهر الکلام 22 7
3- جواهر الكلام :22 7

الجواهر ثمّ أعلم أنّ لازم الالتزام بهذا التوجيه هو عدم تناسب المكاسب المحرّمة والواجبة من حيث تعلّق الحكم؛ وهذا النوع من التقسيم لا يقبله الذهن المستقيم إذ حاصله هو انقسام حكم المكاسب إلى الواجبة والمحرّمة مع أنّ في المكاسب المحرمة متعلّق الحكم هو الذات وفي المكاسب الواجبة هو المكسب.

بل إنّ الظاهر من هذا التوجيه أمر آخر وهو أنّ المكاسب بما هی مكاسب غير منقسمة إلى المحرّمة والواجبة، بل المحرّمة هي الأعيان والواجبة هو الكسب، ومعلوم أنّهما لا يحسن بل لا يصح وأن يعدا قسيمين في تقسيم واحد، فتدبر جيّداً.

السابع : لتتميم البحث لابد من النظر إلى إشكال صاحب الجواهر على التوجيه الذي ذكره: ثم لا يخفى عليك أن صاحب الجواهر نفسه لم يخضع لهذا التوجيه وردّه بقوله : ولكن فيه أوّلاً أنّ المصنّف لم يقتصر على ذلك يعنى لم يلتزم في ذكر المحرّمات بذكر الأعيان من حيث فعل المكلّف)، كما لا يخفى على من لاحظ ما ذكره من الأقسام المشتملة على بيع السلاح لأعداء الدين (ففي هذا المثال نفس البيع يتّصف بالحرمة، كما لا يخفى ونحوه، وثانياً : أنّ ذلك إن سلّم في الواجب أمكن منعه في المندوب لإمكان ثبوت استحباب التكسب ببعض الأعيان كالغنم التي جعل جزء من البركة فيها، ونحوها وقد يدفع بأنّ البركة فيها، لا في التكسب بها » (1)

الثامن : بيان أنّ استشكال صاحب الجواهر غير مرتبط بمقصودنا وكلامه غير متوجّه إلى ما نحن بصدد بيانه: لسنا الآن بصدد بيان ما هو الصحيح من بين توجيهات الأعيان رحمة الله عليهم أجمعين). بل

ص: 33


1- جواهر الکلام 22 7-8

إنّ المقصود كلّ المقصود بيان عدم النظم المنطقي، ومن خلال هذه المباحث يظهر بغاية الوضوح ما ذكرنا من عدم تناسب المكاسب المحرّمة والمكاسب الواجبة من حيث تعلّق الحكم. فتبين من خلال المباحث المذكورة أنّه في بعض المكاسب المحرّمة يتعلّق الحرمة بالعين من جهة تعلّق فعل المكلف به وفي المكاسب الواجبة تتعلّق الوجوب (1) بنفس المكسب لا العين وهذا كافٍ في إثبات أن البحث مع وجود التفاوت المهمّ بين الأقسام- لايكاد يكون مناسباً.

التاسع : الاستشكال على كلام صاحب الجواهر في ختام بحثه عن تقسيم المعاملات قال صاحب الجواهر بعد الفحص عن تقسيم المعاملات والإشكال على كلمات الأعلام وعلى كل حال فالأمر ذلك سهل، إنّما الكلام في بيانها » (2).

والظاهر من سائر كلمات الفحول في المقام أيضاً سهلية ذلك الأمر، مع أنا بذلنا غاية جهدنا لإثبات أنّ الأمر هنا ليس سهلاً، بل لابد من الفحص لاصطياد النظم الصحيح لتدوين مباحثنا حول المعاملات فلا تغفل

ص: 34


1- لو تعلّق لأنّ لسماحة جدنا هنا كلاماً لا يسع هذا المقام ذكره.
2- جواهر الكلام :22 8

الفصل الرابع : النظام الطولي في المعاملات

إنّ الكتب المدوّنة حول فقه المعاملات دوّنت بحيث توجب توهّم أنّ عناوينها في عرض واحد ويكون كلّ باب مستقلاً عن باب آخر، كما يكون الأمر كذلك تقريباً في أبواب العبادات أبواب العبادات مع أنّ الأمر في المعاملات ليس كذلك، بل المتتبع في أبواب المعاملات وجد الاندماج الواضح بين الأبواب المختلفة وبعد التأمل فيها وجد نوعاً من الرابطة الطولية بينها بحيث يكون بعضها فوق بعض وبعضها تحت بعض آخر بخلاف العبادات.

أمّا الاندماج يتضح بوضوح فيما ذكره الأصحاب في شراشر فقه المعاملات، لكن لأجل الإشارة إلى مورد خاص فلا بأس بالإشارة إلى ما قاله الشهيد الثاني وغيره في تفسير عقد المضاربة فقال في المسالك: وعقد القراض مركّب من عقود كثيرة، لأنّ العامل مع صحة العقد وعدم ظهور ربح ودعي أمين ومع ظهوره شريك ومع التعدّي غاصب وفي تصرّفه وكيل ومع فساد العقد أجير» (1)

فالظاهر من عبارة المسالك هو : أنّه إذا قال شخص لشخص: خذ مالي واتّجر» فتحقق معنى يمكن أن يكون تحتها معاملات، ولذا قال بأنه في مقام الخارج متحقق ولكن تحت أسام مختلفة : فإذا صح

ص: 35


1- مسالك الأفهام 4 : 344.

العقد تحقق الوديعة إذا لم يظهر ربح ويترتب عليه آثار الوديعة والأمانة، وفي صورة تحقق الربح تتحقق الشراكة ويترتب عليه كلّ ما يترتب على الشراكة، وفي صورة التعدّي يتحقق الغصب وخلع عنوان الأمانة، وعندما تصرّف في المال يتحقق عنوان الوكالة، لأنّه في الحقيقة وكيل عن المالك في تصرّفاته، وفي صورة فساد العقد يتحقق عنوان الأجير المبحوث عنه في باب الإجارة.

وهل تشير هذه العبارة إلى تداخل موضوعات الكتب المختلفة بشكل تام أو بعد تعتقد بأنّ الرابطة بين كتاب الإجارة والمضاربة كالرابطة الموجودة بين الصلاة والصوم أو الحج والجهاد؟

والمؤيد لما استفدنا هو كلام الفاضل المقداد (1) وصاحب الجواهر (2) في هذا المجال، فحاصل كلامهما هو أنّ المضاربة تتحقق معها معنى الوديعة والوكالة ،والشركة فصرّحوا بأنّ المضارب بأخذه المال يصير ودعيا أمينا وبأوّل تصرّف في المال يعدّ وكيلاً وبعد تحقق الربح تتحقق الشراكة بينهما.

وهذا المقدار كافٍ لنا لأجل الإشارة الإجمالية إلى الاندماج الموجود بين الأبواب، وسيأتي إن شاء الله بحث تفصيلي عن هذه الجهة إن شاء الله.

ولا يخفى عليك : أنّ النظام الطولي والرابطة الطولية بين أبواب المعاملات ليس من قبيل ما هو معروف في بعض الأحكام ككفّارة القتل الخطئي والإيلاء وإفطار قضاء صوم رمضان بعد الظهر في مقابل الكفارة العرضية المخيّرة كما في النذر والعهد وإفطار الصوم في

ص: 36


1- أنظر التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2 : 213-214.
2- انظر جواهر الكلام 26 338

رمضان بل هو من قبيل الطولية المفهومية مثل الرابطة الطولية بين مفاهيم الجسم والحيوان والإنسان؛ فإن الجسمية والحيوانية يكونان في طول مفهوم الإنسان بحيث يعدّ كلّ ما يحكم على مصاديق الحيوان أو الجسم فالإنسان أيضاً محكوم به.

فمقصودنا من النظام الطولي في أبواب المعاملات هو كون باب تحت باب آخر ومحكوماً بجميع أحكامه على وفق القاعدة إلا ما خرج ، كما نواجه تلك الرابطة بين الجسم والإنسان؛ فإنّ الإنسان وإن كان من حيث المفهوم مستقلاً، ولكن من البديهي أنّه محكوم بجميع الأحكام العارضة على الجسم.

فلأجل تبيين المرام لا بأس بالإشارة إلى ما قاله بعض الفقهاء بالنسبة إلى المضاربة أيضاً، فبعضهم جعلوها تحت الشركة وبعض آخر احتمل تحتيتها بالنسبة إلى الوكالة أو الجعالة. فاللازم منه كونها محكومة بجميع أحكام الشركة أو الوكالة أو الجعالة، وجريان جميع روايات العقد الفوقاني فيها من دون حاجة إلى قياس أو تنقيح مناط. وسيأتي في الفصول الآتية تفصيل البحث عن هذه الجهة، فلا تعجل.

وكذلك ليس ببعيد دعوى أنّ المضاربة والمزارعة والمساقاة ليست عناوين مستقلة كما يوهمه النظم الموجود في كتبنا المدونة خصوصاً المتأخرة منها. فمن القريب دعوى أنّ كلّها تحت عنوان جامع، وإنّما هي أضرب من أضرب حقيقة أخرى أو عقد ،آخر كما سيأتي إثباتها إن شاء الله.

ومن الأمثلة الواضحة ما ذكره الأصحاب من أضرب عقد الشركة، فإنّهم صرّحوا بوجود أضرب تحت هذا العنوان من شركة العنان والمفاوضة والوجوه والأعمال، كما سيأتي إن شاء الله.

وكذلك الحال في الأضرب المختلفة التي بحث عنها الفقهاء

ص: 37

تحت عنوان البيع مع الاختلافات الكثيرة الموجودة بينها ولكن تلك الاختلافات لم توجب خروج بيع الصرف مثلاً عن تحت عنوان البيع.

وبناءً على ذلك فلو استطعنا أن نبين النظام الطولي بين أبواب من المعاملات فصرنا في غنى عن تكرار بعض الشروط في الكتب المتفاوتة.

ثمّ يجب عليك التفطّن على أنّ لوازم النظام الطولي في الحقائق غير الاعتبارية غير قابلة للتخلّف يعني بعد تحليل الإنسان إلى الحيوانية والناطقية وتحليل الحيوانية إلى الجسمية والنماء والتحرّك بالإرادة، فلا يمكن عقلاً تخلّف زيد عن أحكام الحيوانية والجسمية، فهو قطعاً يكون ذا أبعاد ثلاثة، ولكن هذا الأمر ليس بهذا الشكل في الاعتباريات؛ فإنّ المعتبر بعد تركيب حقيقة من عدة مفاهيم يمكنه سلب بعض أحكام المفاهيم الموجودة في ذاك المركّب، وهذا يكون تحت قدرته بما أنّه يجوز في الاعتبارات ما لا يجوز في غيرها. وهذا واضح عند من تأمّل حول الاعتبار ومعناه وأحكامه وقد أشرنا إلى بعض أحكامه تفصيلا في الإفادات والاستفادات (1).

ثمّ يمكننا تقسيم النظام الطولي إلى النظام الطولي العقدي والنظام الطولي المفهومي.

فالمراد من الأوّل: هو ما إذا كان عقد تحت عقد آخر ومن أضربه كما أشرنا إلى تحققه بين الشركة العقدية الاكتسابية وبين المضاربة والمزارعة والمساقاة والعنان والوجوه والأعمال وغيرها وسيأتي إثباته إن شاء الله. فإنّ الثابت عندنا هو أن عقد الشركة الاكتسابية بما هو عقد يكون فوق عقود ولا يتحقق إلا في ضمن أضربه وقد فصلنا البحث في محله فراجع.

ص: 38


1- أنظر الإفادات والاستفادات 517:1-546.

والمراد من الثاني : هو ما إذا كان العقد مركباً من عدة مفاهيم أنّ العقد بما أنّه مخترع ومركّب اعتباري لا يكون أمراً بسيطاً صرفاً بل هو مركب من عدة مفاهيم قد يحصل كل منها غرضاً ويحصل من مجموع العقد أغراض غالباً.

وبناءً على ذلك يمكن تحليل كلّ عقد إلى عدة مفاهيم كما فعله صاحب المسالك عند النظر إلى مفهوم عقد المضاربة وصرح بأنّها مركبة (1)

ثمّ إنّه بعد تحليل العقد إلى عدّة مفاهيم، ففي كثير من الأحيان نرى لتلك المفاهيم أحكاماً عند الشريعة الإسلامية بحيث يكون ما ذكر من أحكام ذاك العقد إنّما هو مجموع أحكام مفاهيمها التحليلية بضميمة بعض أحكام خاصة بالحالة التركيبية.

فالمراد من النظام الطولي المفهومي هو أنّ هذا العقد المركّب المحلّل إلى مفاهيم متعدّدة يكون لكلّ من تلك المفاهيم بحيثيتها الخاصة أحكام وهي جارية في ذاك العقد المركّب الاعتباري على حسب القاعدة. وقد نعبّر عنه ب- : النظام التركيبي للمعاملات».

فمثلاً لو ذهبنا تبعاً للفحول إلى أنّ المضاربة مركبة من الوديعة والوكالة والشركة - فالمضارب بأخذه المال يصير ودعياً أميناً وبأوّل تصرّف في المال يعدّ وكيلاً وبعد تحقق الربح تتحقق الشركة بينهما - فيمكننا أن نقول: إنّ أحكام المضاربة مركّبة من أحكام هذه العقود أيضاً من دون ادّعاء أنّ المضاربة بما هو عقد يكون تحت واحد منها.

فمثلاً يمكننا وأن نقول : عندما يتحقق فيها معنى الوديعة فيشترط فيها سائر شروط الوديعة وأحكامها أيضاً، فمثلا : إذا تلف المال

ص: 39


1- انظر مسالك الأفهام 4 : 356

بتفريط المضارب صار ضامناً ولا يصح كونه بما هو ودعي طفلاً أو مجنوناً وليس له أن ينتفع به لشخصه قبل الاتجار به ولا تجب إعادة الوديعة على المودّع مع مطالبة المالك.

وعندما يتحقق معنى الوكالة يمكننا وأن نقول : يشترط فيها سائر ما يشترط في الوكالة ومحكومة بسائر أحكام الوكالة، فمثلاً إذا كانت معاملة المال المعطى إلى المضارب واجبة بالنذر على نفس المالك فلا يمكن إعطاءه إلى المضارب الوكيل ولا يصح أن يكون صبياً أو مجنوناً ولا يصح أن يكون غير جائز التصرّف في المال المعطى إليه ولا يصح وأن يكون عبداً من دون رضى ،مولاه، ويستحبّ أن يكون تامّ البصيرة فيما وكلّ فيه وعارفاً باللغة التي يحاور بها في الأرض المتجرة.

وعندما تتحقق الإجارة فيشترط فيها سائر ما يشترط في عقد الإجارة فمثلاً : يشترط أن تكون المنفعة والربح مقدور التسليم ويشترط كون المتعاقدين عاقلين جائز التصرّف ويشترط كون الفعل حلالاً فلا تتحقق الإجارة على بيع الخمر، وكذا إذا تعدّى الأجير يلزمه الضمان ويلحظ في الضمان وقت العدوان أو وقت التلف أو وقت القبض أو أعلى القيم أو أرخصها، وعلى فرض تحقق المضاربة على الدابة بأن اشترط عليه بيعها ثمّ التجارة مع ثمنها فيجب عليه سقيها وعلفها وهل يضمن بالتفريط؟ وكذا يمكن أن نقول : إنه إذا آجر عبده ثم أعتقه تبطل الإجارة.

وعندما تتحقق الشركة يمكننا الالتزام بجريان أحكام الشركة في المضاربة أيضاً فمثلاً : نحكم بتساوي الشريكين في الربح والخسران مع تساويهما في رأس المال ولو كان لأحدهما زيادة كان له من الربح ،زيادة وكذا الحكم في الخسارة. وبعد تحقق الشركة فلا يجوز لأحد الشركاء التصرّف فيه إلا مع إذن الباقين ولكلّ من الشركاء الرجوع في الإذن والمطالبة في القسمة.

ص: 40

هذا كله في المضاربة؛ و يمكنك تحليل عقد الوكالة غير التبرّعية إلى استنابة وإجارة على الأقل، فيمكنك اصطياد أحكامها من هذين المفهومين.

وأوضح من هذا كله تحليل المعاملة إلى ما يحتاج إلى الطرفين وما يكفي فيه الإرادة المنفردة، فالأول محكوم بجميع الأحكام العارضة على العقد والثاني محكوم بجميع الأحكام المحمولة على الإيقاع من دون حاجة إلى التماس دليل خاص في كلّ واحد من مصاديق القسمين.

ص: 41

الفصل الخامس : الموضوع المتأصل والموضوع التابع

ومن الاصطلاحات المهمة التي نحتاج إليها بعد تبيين النظام الطولي هو اصطلاح الموضوع المتأصل والموضوع التابع.

فالموضوع المتأصل هو ما يحمل عليه المحمول بما هو هو و الموضوع التابع هو ما يحمل عليه المحمول بما هو مصداق للموضوع المتأصل لذاك المحمول.

فمثلاً: ذو أبعاد ثلاثة محمول وموضوعه المتأصل هو الجسم، فالجسم ذو أبعاد ثلاثة بما هو جسم. وموضوعه التابع هو الحيوان والإنسان وزيد فإنّها يحمل عليها ذو أبعاد ثلاثة ولكن لا بما هي أنّه أنّها بل بما إنّها مصاديق للجسم الذي قد عرفت هو الموضوع المتأصل لذاك المحمول.

ففي قولك : الإنسان ذو أبعاد (ثلاثة وإن كان المحمول يحمل على الإنسان حقيقةً لا مجازاً، ولكن لا يكون الإنسان موضوعاً متأصلاً له بل الموضوع المتأصل له هو الجسم، فالجسم هو ما يكون ذا أبعاد ثلاثة بالأصالة ولكن حمل ذي أبعاد ثلاثة على الإنسان تابع لكونه جسماً.

ويمكن تطبيق هذين الاصطلاحين على عقد الوكالة بأن نقول : بعد الذهاب إلى أنّ الوكيل إذا اشترط جُعلاً فيجب على الموكّل تسليمه بعد القبول وبعد فعله مورد الوكالة فيمكننا أن نقول: إنّ

ص: 42

الوكالة بالنسبة إلى هذا الحكم موضوع تابع يعني أن الحكم بالأصالة يكون للإجارة وأمّا جريانه في الوكالة فإنّما لأجل وجود مفهوم الإجارة أو الجعالة في الوكالة، لما ثبت من كون الوكالة مركّبة من الاستنابة والإجارة أو الجعالة على حسب ما عرفت منا في توضيح النظام التركيبي. وسيأتي مزيد من التوضيح فانتظر.

ص: 43

الفصل السادس : أسماء المعاملات هل هي موضوعات للأسباب أو للمسببات

قد اشتهر بينهم الخلاف في أن أسماء المعاملات هل هي موضوعات للأسباب أو للمسبّبات. ولكن ليس مرادهم من السبب أو المسبّب واضحاً ؛ فهناك احتمالات نلاحظها منطبقاً على البيع في ضمن أقدام :

القدم الأوّل: احتمالات السبب :

الاحتمال الأوّل : المراد منه هو الإنشاء الإيجابي، وهو الظاهر من تعبير المحقق الهمداني حيث قال : البيع عبارة عن إيجاد الملكية وإنشائها التي هي مدلولة ل- (بعت) إذا كان إنشائياً» (1). فالظاهر منه هو البيع موضوع للسبب والمراد منه الإنشاء الإيجابي. وهكذا يمكن نسبة ذلك إلى من جعل تعريف البيع تمليك «العين أو من جعل تعريف الإجارة تمليك المنفعة، فإنّه لو قلنا بأنّ التمليك عبارة عن فعل الموجب فلعل ظاهر عباراتهم هو وضع البيع أو الإجارة للأسباب، أعنى الإنشاء الإيجابي فقط. والإنشاء القبولي أمر خارج عن التعريف وإن كان له التأثير في تمامية البيع، فتدبّر.

ص: 44


1- حاشية كتاب المكاسب : 9.

الاحتمال الثاني : المراد منه الإنشاء الإيجابي والقبولي معاً كما يستفاد من كلام المحقق في المختصر النافع حيث قال: «أما البيع فهو الإيجاب والقبول اللذان ينتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدّر » (1). فالظاهر منه أنّ البيع موضوع للسبب والمراد من السبب هو المركب من الإنشاء الإيجابي والقبولي.

ثمّ يمكن السؤال في كل من الاحتمالين: هل المراد من السبب السبب المقبول عند الشرع، أو السبب العرفي هو المسمّى في ألفاظ المعاملات؟ فالظاهر من تحرير الأصول الثاني حيث قال: والحق أنّ أسامي المعاملات موضوعة للأسباب الصحيحة العرفية (2) وإن كان يمكن اصطياد غيره من غيره والذهاب إلى أنّ المراد من السبب هو السبب المقبول عند الشرع وإن كان ناشئاً من إمضائه للأثر الحاصل في نظر العرف.

الاحتمال الثالث : المراد منه ليس اللفظ بل المراد من السبب هو الاعتبار القلبي عند المتعاقدين وهذا ما يشمله تبيين الشهيد الصدر للأسباب بقوله :

السبب» فيتكوّن من ثلاثة عناصر :

.1 الإنشاء المتمثل في اللفظ أو ما يقوم مقامه.

.2 المدلول التصديقي للإنشاء، وهو الالتزام الشخصي بمضمونه في أفق النفس، فلو لم يكن جاداً في إنشائه لم يتحقق السبب.

ص: 45


1- المختصر النافع : 118.
2- تحرير الأصول: 212

3. قصد التسبّب بذلك الالتزام إلى المسبب القانوني العقلائي أو الشرعي (1).

وما ذكره في الرقم الثالث وإن كان محل تأمّل إلا أنّه ليس مقصودنا الآن، والمقصود الآن هو الرقم الثاني، فمن الممكن أن يقال إنّ المراد من السبب هو ذاك القرار القلبي، فالعقد في الحقيقة هو لا مبرزه

الاحتمال الرابع: المراد منه هو السبب المعنوي، فإنّ البيع عبارة عن التمليك، فالتمليك سبب ولكن ليس سبباً لفظياً بل سبب معنوي. وهذا ما احتمله المحقق المشكيني في هامشه على الكفاية حيث قال: أسامي المعاملات... إمّا أسام للسبب المعنوي الإنشائي، نظير التمليك والتزويج الإنشائيين وإمّا للسبب اللفظي أو الفعلي الذي يتحقق به الإنشاء، وهو الإيجاب والقبول اللفظيان أو الفعليان» (2).

فالتمليك في هذا الاحتمال بما هو فعل من الأفعال المعنوية يلحظ لا بما هو قرار ،قلبي فيتفاوت هذا الاحتمال مع سابقه. فالتمليك في هذا الاحتمال يحمل على العقد بالحمل الشائع وإن كان مفهوماً غيره .وبعبارة أخرى أنّ قول البائع: «بعت» تلفّظ وتمليك من جهة أخرى، وبناءً عليه ربما أريد من السبب ذاك التفوّه ب- (بعت) وأُخرى أريد منه التمليك بما هو معقول ثانٍ فتدبّر.

القدم الثاني : احتمالات المسبب:

الاحتمال الأوّل : أنّ المراد منه هو الملكية في البيع والزوجية في

ص: 46


1- بحوث في علم الاصول 1 214
2- كفاية الأصول مع حواشي المشكيني 1 : 196.

النكاح، وهكذا في سائر المعاملات وهذا ما قد صرّح به غير واحد من شرّاح الكفاية عند شرح قول المحقق الخراساني: «إن أسامي المعاملات إن كانت موضوعة للمسبّبات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعة للصحيحة أو للأعم» (1) ، فقال في منتهى الدراية في توضيح المسبّبات كالزوجية والملكية، والحرية والرقية وغيرها من الاعتباريات المترتبة على العقود والإيقاعات» (2). وكذا الحال في توضيحات إيضاح الكفاية (3) و....

ولك السؤال منهم : أن البيع إذا كان بمعنى الملكية فما هو الفرق بينه وبين الإجارة؟ ولا مجال لهم إلا أن قالوا إنّ البيع معناه ملكية ،الأعيان والإجارة معناها ملكية المنافع

ثم بقي سؤال وهو: أنّ هذا المعنى حاصل في كثير من الأحيان ولو مع عدم وجود عقد كملكيتك للأعيان الموروث إليك، فلابد لهم أن يقولوا : المراد منه ملكية الأعيان المسبب عن الإنشائين!

وبقي سؤال آخر وهو : أنّ هذا المعنى هل هو أثر البيع أو صرفاً يكون أثره بالنسبة إلى المشتري، ضرورة أنّ أثر البيع بالنسبة إلى المشتري هو ملكية العين، وأما بالنسبة إلى البائع فيمكن أن يكون غير ذلك.

وهكذا يكون الأمر في الإجارة، فإنّها إن كانت بمعنى ملكية المنفعة فهي إنّما إشارة إلى الأثر في جانب المستأجر لا المؤجر.

ثمّ تأمل في الفرق بين جعلهم الملكية أثراً للبيع وجعلهم الزوجية أثراً للنكاح ؛ فإنّ الزوجية صفة للجانبين بخلاف ملكية العين.

ص: 47


1- كفاية الأصول : 32.
2- منتهى الدراية 1: 153
3- أنظر ايضاح الكفاية 1: 254.

اللهم إلا أن يقال: إنّ مراد من جعل البيع اسماً للمسبب جعله بمعنى ملكية العين للمشتري وملكية العوض للبائع وإنّما ذكروا الملكية اختصاراً.

وعلى كل حال لا يخفى بعد هذه النظرية، لأنّه لا يتبادر من البيع الملكية؛ فهنا ميز بين البيع والملكية وبين النكاح والزوجية وجداناً. والذي يسهّل الخطب أنّه لا يوجد قائل بهذه المقالة على الظاهر غير ما يظهر من محكي المبسوط والسرائر والتذكرة وغيرها من تعريفه بأنه: «انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي (1)، فتدبر.

الاحتمال الثاني : المراد منه هو التمليك يعني أن السبب هو التمليك والمسبّب أيضاً هو التمليك. وإلى هذا يومئ كلام الشهيد الصدر حيث قال: إنّه لا تقابل بين المعاملة بمعنى السبب والمعاملة بمعنى المسبب بل يمكن جعلهما فردين من مفهوم واحد، فالبيع مثلاً اسم للتمليك بعوض والبائع عند إنشائه يكون قد أوجد التمليك خارجاً حقيقةً بنفس اعتباره وإنشائه فكلّ من اعتباره وما تسبّب إليه فرد من التمليك إلا أنّ أحدهما التزام شخصي مباشر والآخر التزام قانوني تسبيبي. والدليل عليه صحة إطلاق الاسم عرفاً على كلّ منهما بلا عناية بل لا يبعد دعوى أنه بحسب النظر العرفي المسامحي لا يوجد شيئان بل شيء واحد هو ما يوجده المتعاملان من التمليك بعوض، ويكون تحليل العملية إلى إنشاء معاملي ونتيجة قانونية منشأة به نظير تحليل الموجود الخارجي إلى إيجاد ووجود أمراً دقيقاً» (2).

ص: 48


1- المبسوط :2 76 السرائر :2 240؛ تذكرة الفقهاء 10: 5؛ تلخيص : المرام في معرفة الأحكام: 94؛ التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 22؛ جامع المقاصد 4: 54
2- بحوث في علم الأصول 1 215

والحاصل : أنّ البائع أوجد التمليك فوجد التمليك. فالسبب تمليك والمسبّب أيضاً تمليك. أمّا الملكية فهي شيء آخر خارج عن مقصودنا عن وضع الأسماء للأسباب أو المسببات.

فالتمليك حقيقة واحدة فإذا انتسب إلى فاعله يلحظ سبباً وإذا لوحظ بنفسه بعنوان فعل فيكون مسبّباً.

وهذا الفرق وإن يصعب تصوّره للعرف ولكن بعد تصورهما حكم العرف بالفرق بينهما بالوضوح

ونفس الشهيد السعيد أيضاً اعترف بالفرق بينهما ولكن أحال المسألة إلى التسامح العرفي، ولكنّك خبير أنّ المسألة هنا ليست مسألة عرفيةً حتّى يمكن إرجاعها إلى التسامح العرفي مع ما عرفت أنّ العرف يصعب له تصوّر التفاوت وإلا إذا توجّه بالتفاوت حكم بالفرق بينهما .

وعلى كلّ : إنّ الغرض الأصيل لنا هو الإشارة إلى الإبهام في معنى المسبّب عند الأصحاب، وهذا كافٍ لنا فعلاً، وإن يلزم علينا أخذ المبنى في نفس المسألة.

الاحتمال الثالث : المراد من المسبب هو مفهوم واحد اعتباري على نحو النظام التركيبي الذي بيّناه لك بما لا مزيد عليه فالمسبّب ل-بعت وقبلت الشاملين لجميع الأجزاء والشرائط هو ذاك المفهوم الواحد الاعتباري لا الملكية ولا التمليك.

وهذا هو ما يستفاد من كلمات, منها : كلمات السّيد البروجردي حيث قال في هامشه على الكفاية : إنّ كلّ قسم من المعاملات عبارة عن معنى اعتباري ليس له حقيقة ولا وجود سوى منشأ اعتباره، وهو معنى بسيط له إضافات مثلاً عنوان البيع عبارة عن التمليك الذي ليس له وجود سوى منشئه وله إضافات إضافة إلى البائع، وإضافة

البضاعة المزجاة في فقه المعاملات

ص: 49

إلى المبيع وإضافة إلى المشتري. وهذا المعني لمّا كان من الأمور الانتزاعية المجعولة لا بد له من سبب يكون منشأ لانتزاعه، وبعبارة أخرى المعنى المذكور يكون معلولاً لأمور تكون علة له، بحيث إن اختل جزء منها لم يوجد المعلول» (1).

فالمراد في قوله (البيع عبارة عن التمليك ليس ما عرفت من غيره بل المراد حينئذٍ هو أنّ العرف لما لاحظ عدّة معانٍ مركّبة سمّاها باسم البيع كماهية اعتبارية بالوحدة الاعتبارية.

ولعلّه يرجع إلى هذا المعنى ما قاله صاحب الجواهر بقوله : وهي المعنى الحاصل بالعقد الجامع لمعنى البيع والشراء، واستعماله المعاملة وحملها عليه وتقسيمها إليه وإلى غيره ظاهر معروف وعن المصباح المنير الأصل في البيع مبادلة مال بمال وهذا هو المناسب في نحو قوله تعالى: أَحَلَّ الله الْبَيْعَ (2) وقوله سبحانه : رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ (3) وقوله عزّ وجلّ : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله وذَرُوا الْبَيْعَ (4) وقولهم كتاب البيع وأقسام البيع وأحكام البيع ويوصف البيع بالصحة والفساد واللزوم والجواز واقترانه بالمعاملات كالإجارة والصلح ونحوهما، ويعرف البيع بهذا المعنى بأنّه معاملة موضوعة لتمليك عين بعوض وتملكها به ووجه القيود والاكتفاء بها ظاهر ممّا سبق » (5) .

ثمّ يمكن تكثير الاحتمالات بذكر أنّ أسماء المعاملات هل

ص: 50


1- حاشية على كفاية الأصول - تقرير بحث البروجردي للحجتي- 1 96
2- البقرة (2) : 275.
3- النور (24): 37.
4- الجمعة (62) : 9
5- جواهر الکلام :22 208

موضوعات للمسببات الشرعية أو المسبّبات العرفية أو المسبّبات الفردية والمراجع في كلمات القوم وجد الإشارة إليها وإن لم يكن هناك بحث منقح عن هذه المسألة.

القدم الثالث : المختار في المسألة :

الظاهر أنّ أسامي المعاملات غالباً موضوعات لتلك الحقيقة الاعتبارية كما عرفت منّا في ضمن إشارتنا إلى النظام التركيبي في المعاملات.

فالبيع مثل الصلاة، فكما كانت الصلاة موضوعة لمركب من أجزاء وشرائط (1) ، فالبيع أيضاً موضوع لمركب من أجزاء وشرائط.

وبعبارة أخرى: إن البيع مثل الكرسي فكما أنّ العرف اعتبر عدّة أركان وسمّاه بالكرسي، فكذلك جمع عدة أركان وسماه بالبيع، فكما يصح أن يقال الكرسي فعل النجار وليس هو، فيمكن أن نقول : البيع فعل البائع وليس هو، فتدبّر جيّداً.

وإلى ما ذكرنا يرجع كلام سماحة الجدّ في أوّل كتاب البيع حيث أفاد : «إنّ ما رمناها من ماهية البيع هي التي تترتب عليها أبواب الكتاب من شرائط العوضين والمتبايعين وغير ذلك، وليس ما ذكر هو البيع المقابل للشراء ولو كان ذلك موافقاً للعرف واللغة، بل المراد تحصيل معنى ما هو المصطلح عند الفقهاء وهو المتقوم بالإيجاب والقبول والتمليك والتملك، فتعريفه في المقام بتمليك العين بالعوض أو تبديل مال بمال ونحوهما مما هو فعل البائع غير وجيه. كما أنّ

ص: 51


1- فتدبر في ذلك ، وقد مرّ البحث المفصل عن الموضوع له في الصلاة في مشكاة الهداية عند البحث عن الصحيح أو الأعم) أنظر مشكاة الهداية 1 : .319-509

الظاهر أنّ البيع من مقولة المعنى لا اللفظ فليس الإيجاب والقبول مطلقاً، أو المستعملان استعمالاً إيجادياً، أو المؤثران عرفاً أو شرعاً، بيعاً عرفاً ولغةً وإن أطلق عليهما أحياناً... كما أن الإنشاء أي الاستعمال الإيجادي للإيجاب والقبول ليس بيعاً، وكذا الأثر الحاصل اعتباراً عقيب إنشاء التمليك والتملّك» (1).

وكذلك يرجع إلى ما ذكرنا تعبير الشهيد الأوّل ب-: «الماهية الجعلية حيث قال: «الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود الخ» (2).

وبما ذكرنا تعرف أنّه كم فرق بين حقيقة البيع أو الإجارة وبين ما عرّفه الأصحاب ب-: «التمليك» أو «التبديل» أو «النقل». وكم فرق بين حقيقة البيع وما قاله السيد الخوئي -مستشكلاً على تعريف البيع بوزن -المفاعلة من: أن البيع ليس إلا عبارة عن فعل البائع فقط : وهو تبديل ماله بمال صاحبه ومن البديهي أنّ هذا المعنى غريب عن معنى المفاعلة (3).

ولعلّ الشيخ الأعظم بعد ما ذكره مفصلاً حول تعريف البيع التفت بالمسألة وتنبّه على أنّ ما ذكرنا تعريف للبيع المأخوذ في صيغة «بعت» وغيره من المشتقات» (4) . ثمّ نقل عن صاحب المقابس عدة تعاريف كلّها أجنبية عن حقيقة البيع بما له من الماهية

الاعتبارية (5).

ص: 52


1- كتاب البيع 1: 11-12
2- القواعد والفوائد 1 : 158
3- مصباح الفقاهة 2 30
4- كتاب المكاسب 3 16
5- أنظر كتاب المكاسب 3 1916

وبالجملة؛ إنّا لا ندعي أنّه لا يمكن تعريف الإجارة بالنظر إلى صيغة «آجرت» أو تعريف البيع بالنظر إلى صيغة «بعت»، بل الكلام كلّ الكلام هو أنّ الغرض الأصيل في شروع الكتب تبيين حقيقة الماهية التي وُضع اسم العقد عليها لا تعريف فعل طرف وبيان جزء تحققه. فالمناسب هو ذكر تعريف ما هو ملائم لقولهم كتاب «البيع وأقسام البيع وأحكام البيع، موصوف بالصحة والفساد واللزوم والجواز.

وعلى ضوء ذلك تعرف أنّ تعريف الإجارة بأنّه تمليك المنفعة لو صح فإنّما هو تعريف بالنظر إلى استعمالات صيغة «آجرت»، لا بالنظر إلى تلك الماهية المركّبة التي عرفت الإشارة إليها في ضمن إشارتنا إلى النظام التركيبي للمعاملات إلا بتوجيه يأتي في آخر الفصل الثاني من فصول المقصد السادس، فراجع 249

ص: 53

الفصل السابع : كيفية تعريف الماهيات الاعتبارية

إنّ الماهيات الاعتبارية كما هو مشهور - ليس لها جنس وفصل ،حقيقيان كما يومئ بذلك عبارات القوم في تبيين أركان تعريف المفاهيم الاعتبارية بأنّ القيد الفلاني بمنزلة الجنس ولم يعبّروا عنه بكونه جنساً (1). وكم له من نظير في الفقه والأصول.

فاللازم عليك التدبّر في أنّه كيف يمكننا تعريف الماهيات الاعتبارية؟ وسيأتي إن شاء الله ما يفيدك بعون من الله وقوته في ضمن أقدام وإن كان البحث عن الاعتباريات موكولاً إلى محلّه :

القدم الأوّل: الفرق بين الماهية الاعتبارية والمفهوم الاعتباري

فإنّه بعدما نعرف من أنّ الاعتبارات لا وجود لها في الخارج بل أمور في وعاء الاعتبار، يمكن الميز بين نوعين من الاعتبارات : المفاهيم الاعتبارية مثل مفهوم الملكية أو المال -بناء على بعض المباني ، والماهيات الاعتبارية مثل البيع والصلاة. ولا يخفى عليك أن مرادنا من اعتبارية الإجارة أو البيع هذا المعنى

الأخير؛ يعني ؛ يعني أنّ الإجارة مركب اعتباري وإنّما اعتبره معتبره بعد ضمّ عدة عناصر بعضها ببعض على حسب النظام التركيبي الذي أشرنا إليه.

ص: 54


1- أنظر جامع المقاصد 7 80

القدم الثاني: الفرق بين الاعتبارات النوعية والاعتبارات الجزئية:

بعد ما عرفت من أنّ البيع أو الإجارة أو ما شابههما إنّما هي ماهیات اعتبارية محتاجة إلى اعتبار العقلاء فلا تغفل عن الميز بين الاعتبارات النوعية والجزئية. أمّا الاعتبارات النوعية فمرادنا أصل اعتبار البيع بعنوان معاملة ذات عناصر وذات أغراض، فالبيع في أصل ذاتها ماهية اعتبارية محتاجة لاعتبار مَن له صلاحية لاعتباره كعرف العقلاء أو الشارع المقدّس وأمّا الاعتبارات الجزئية عبارة عن كلّ واحد من أفراد تلك الماهية الكلية؛ فكلّ فرد من أفراد البيع الصادر من زيد وعمرو وخالد أيضاً ماهية اعتبارية لا تتحقق إلا بعد تعلّق اعتبار المعتبر به وبينهما فروق لابد من البحث عنها في مجال موسّع إن شاء الله.

القدم الثالث : طريق تعريف الماهيات الاعتبارية :

يبدو لنا أنّه من طرق تعريف الماهيات الاعتبارية هو تحليلها بحسب عناصرها وأغراضها، فإنّ المعتبر في اعتبار ماهية اعتبارية إنّما ضمّ بعض العناصر ببعض وركبها لأجل الوصول إلى غرض وقد عبّرنا عنه بالنظام التركيبي للمعاملات فلأجل العثور على حقيقة الماهية الاعتبارية التي نواجهها يكفي تحليلها إلى أجزائها وأغراضها، فيتبين لنا تلك الماهية الاعتبارية.

فمثلاً عندما نواجه ماهية اعتبارية باسم الجعالة، فلأجل معرفتها يكفي تحليلها إلى عناصرها وآثارها فمثلاً يكفي العثور على أنّ المعتبر جمع بين عمل من ناحية عامل ومال من ناحية جاعل واعتبر مقابلةٌ بین ذاك العمل وذاك المال فسمّى هذا المركب باسم الجعالة.

وكذا : يمكن النظر إلى الأغراض الموجودة في المعاملة، فتارةً

ص: 55

ننظر إلى غرض طرف العمل من الدخول في المعاملة، فغرضه كسب المال في مقابل كلّ يمينه وتارةً ننظر إلى غرض الجاعل في جعله، فغرضه العثور على ضالته مثلاً وتارةً ننظر إلى غرض من اعتبر الجعالة من عرف أو شرع، فغرضه وصول أفراد الجامعة بأغراضهم وتنظيم ،روابطهم، لأنّه لو لم تعتبر تلك الماهية لعلّه يوجب الاختلاف أكثر من صورة ،اعتبارها فمن يتكفّل لاعتبار هذه الماهية كان غرضه تنظيم وتحديد تلك الأغراض الموجودة في الجامعة من احتياج طرف إلى مال واحتياج طرف آخر إلى وجدان ضالته.

والكلام في هذا المجال مبسوط جداً سيأتي إن شاء الله في زمان مناسب وإنّما أريد إشارةً إلى شيء، وهو أنه في عدّ تلك العناصر يمكن أن تكون ماهية اعتبارية عبارةً عن ماهية اعتبارية أخرى بضميمة قيد ولذا في تحليلها يكفي بيان أنّها عبارة عن تلك الماهية بضميمة هذا. فمثلاً إذا ذهبنا إلى أن إجارة الشخص يكون تحت عقد الجعالة كما يأتى إثباته فيكفي في تبيينها أن نحلّلها ونقول: الإجارة عبارة عن الجعالة بضميمة معلومية العامل والعمل أو الوقت مثلاً.

ثم اعلم أن نظام الاعتبارات ليس نظاماً بسيطاً، بل كلّما صار الإنسان أكثر تمدناً صار عالم الاعتبارات أوسع دائرةً ومع الأسف لم يدوّن إلى الآن علم حوله والأنسب تسميته ب-: «فلسفة الاعتبارات»، وهو من أهم ما يجب على الفقيه والأصولي والحقوقي وغيرهم الإشراف عليه والبحث عنه كما لا يخفى على من تأمّل حولها، فتدبّر جيداً.

ص: 56

الفصل الثامن : نظرية روح المعنى في ثوب أصولي

الحق هو أنّ المعنى في كثير من الموارد عبر عن الموضوع له ورفع وتجاوز عنه ولا يبقى في نفس المعنى الذي وضع الواضع اللفظ في مقابله، فمثلاً كلمة «القفل فلا يبعد دعوى أنّ واضعه في أوّل الأمر إنّما وضعه على قفل بسيط كالقفل الذي يصاغ من النحاس أو ما شابه ذلك، ولكن بعد مرور الزمان وحتّى بدون تحقق كثرة استعمال وجدنا صحّة إطلاق القفل على قفل الكامبيوتر والموبايل وهل هذا الإطلاق الثاني فرع وضع ثانٍ أو فرع تحقق وضع تعيّني؟ لا !

ولا يمكننا أن نقول إنّ الواضع من أوّل الأمر قد وضع اللفظ لروح المعنى، لأنّه إنسان بسيط ذو فكر بسيط، وإنّما هو لأجل ما يفهمه العقل من أنّه في بعض الموارد يوجد للمعنى الموضوع له جوهر من ورائه وإنّما إطلاق اللفظ بحسب ذاك الجوهر يكون إطلاقاً حقيقياً لا مجازياً. وليس مثاله منحصراً في ذلك، بل له أمثلة كثيرة مثل السمع والبصر والميزان والعرش والقلم واللقاء والنظر والسلاح والمشكاة، فلا ريب في أنّ العين في أوّل الأمر موضوع للعضو الخاص ولكن هل يمكن أن نقول إنّه يوجد من ورائه جوهر للمعنى يمكن أن نثبت لله سبحانه وتعالى أيضاً عيناً؟ وكذا العرش لا ريب في أنّ الواضع في بدء الأمر وإن وضعه على معنى عام قابل للصدق على أنحاء مختلفة ولكن لا شكّ في أنّه لم يخطر بذهنه العرش الذي لا

ص: 57

مادّة له ويقبل استقرار الله تعالى عليه ولكن بعد التأمل في جوهر معناه أو فقل روح المعنى نجد أنّ عرش الله أيضاً عرش حقيقة لعبور المعنى عن الموضوع له. وكذا الميزان لو فرض أنّه عَلَمٌ على ما يوزن به كما في الفارسية نقول : (ترازو) وهو اسم خاص، فلا ريب في أنّه في أوّل الأمر وضع لشكل بسيط وليس في ذهن واضعه إلا ذاك الشكل البسيط، ولكن لا شكّ في أنّ صدقه على الميزان الإلكترونيكي أيضاً حقيقة. وهذا يجري بتمامه في القلم والإصبع (1) أيضاً طابق النعل بالنعل

وبعد التأمل فيما ذكرنا تجد أنّ ما عبّر عن هذه النظرية بعنوان وضع الألفاظ الأرواح المعاني ليس تعبيراً دقيقاً، بل الحق هو اللفظ وضع لنفس معناه الابتدائي، فالموضوع له هو نفس المعنى الأولي، ولكن قد عبر المعنى عن الموضوع له وتجاوز عنه.

وهذا ما وجدت من عبّر عنه ويكون خلاف كلمات كلّ القائلين بنظرية روح المعانى فتدبّر تجد إن شاء الله. وحاصله هو أنّ الحقيقة والمجاز مقياسه استعمال اللفظ في المعنى لا الموضوع له، وبما أنّ المعنى قد جاوز عن الموضوع له وارتفع عنه فيكون استعمال تلك الألفاظ في جوهر معانيها استعمالات حقيقية.

وعلى كل حال فقبول هذه النظرية يؤثر في تحليل كثير من المعاني واكتشاف الحقائق المختلفة. ويكفي للإشارة إلى أهمية هذه النظرية نقل كلام سماحة جدّنا معبّراً عنها بقوله: «هل بلغك من تضاعيف إشارات الأولياء عليهم السلام وكلمات العرفاء، رضي الله عنهم أنّ الألفاظ وضعت لأرواح المعاني وحقائقها؟ وهل

ص: 58


1- قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن. أنظر مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 10 394

تدبّرت في ذلك؟ ولعمري إن التدبّر فيه من مصاديق قوله (علیه السلام) : تفكرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِن عِبادَةِ سِتِّينَ سَنَةٌ (1) . فإنّه مفتاح مفاتيح المعرفة وأصل أصول فهم الأسرار القرآنية. ومن ثمرات ذلك التدبّر كشف حقيقة الإنباء والتعليم في النشآت والعوالم فإنّ التعاليم والإنباءات في عالم الروحانيات وعالم الأسماء والصفات غير ما هو شاهد عندنا، أصحاب السجون والقيود وجهنام الطبيعة وأهل الحجاب عن أسرار الوجود» (2).

ثمّ إنّك بعد التدقيق فيما قرّرنا به النظرية، تجد أنّ ما قاله عمنا المحقق في ردّ هذه النظرية غير تام فإنّه قال في مباحثه الأصولية - بعد تقرير نظرية وضع الألفاظ لروح المعاني وجعله من مصاديق الوضع الخاص والموضوع له العامّ إنّ الوضع متوقف على الإنشاء، وحدود الإنشاء إذا كانت مضيّقةً فلا يسري إلى المعنى الأعمّ، ومجرّد فرض السؤال عن الواضع لا يكفي لعموم الموضوع له، بل لا بدّ من لحاظ العموم. فدعوى أنّ هذه الألفاظ موضوعة للمعاني العامة كما صرّح به الحكيم السبزواري قدس سرّه والوالد المحقق مدّ ظلّه في بعض كتبه في بعض العلوم، مطابقة للذوق إلا أنها غير موافقة للبرهان» (3).

وأنت خبير أنّ النظرية وفقاً لما قرّرناها لا يرد عليها ما قال لأنا نقبل أنّ الموضوع له هو ذاك المعنى المضيق، ولكن المدعى هو تجاوز المعنى عن الموضوع له كما يوافقه الذوق السليم في كثير من الألفاظ بدون أي شك.

ص: 59


1- بحار الأنوار 66: 293
2- مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية : 39
3- تحريرات في الأصول 1 : 109-110.

وفي الحقيقة : إن تقريرنا للنظرية يعدّ تقريراً أُصولياً لها ولا غرو في دعوى أنّ حقيقية استعمال الألفاظ في أرواح المعانى يشبه بكثير بما قاله الأصوليون في البحث عن الوضع التعيّني. وهذا محتاج إلى بيان :

بيان ذلك : أنا قد أثبتنا في علم الأصول تبعاً لبعض المحققين - كسماحة جدّنا الماجد أنّ الوضع التعيّني ليس وضعاً ولكن يوجب تحقق المعنى الحقيقي، فتحقق المعنى الحقيقي ليس منحصراً بثبوت وضع وجعل، ولذا في موارد كثرة استعمال اللفظ في معنى يتحقق علقة بينهما وتوجب هذه العلقة أن يكون استعمال اللفظ في المعنى يعدّ من الاستعمالات الحقيقية.

والجدير بالذكر هو : أنّ القائلين بعدم صدق الوضع على الوضع التعيّنى صرّحوا بأنّه كالوضع ولكن لم يصرّحوا بلازم كلامهم وهو أنّه كما لا يصدق على الوضع التعيّني أنّه وضع، فكذلك لا يصدق على الموضوع له بالوضع التعيّني أنّه موضوع له ولذا نرى بوضوح ،له الانفكاك بين الموضوع له والمعنى ؛ فالصلاة - بناءً على ما هو المشهور في أوّل الأمر كانت موضوعة للدعاء ولكن بعد كثرة الاستعمال صارت حقيقةً فى العمل المعهود، ولكن إنّ هذا العمل المخصوص لا يمكن أن نقول هو الموضوع له، لأنها إنما صارت حقيقةً فيه لا بالوضع بل بواسطة كثرة الاستعمال.

إذا عرفت ذلك : فيمكننا أن نقول: إنّه كما توجب كثرة الاستعمال حقيقةً ثانويةً في بعض الموارد لأجل وجود تسانخ بينهما، فكذلك لا غرو في دعوى حصول الحقيقة الثانوية في بعض آخر من الموارد لأجل وجود حقيقة تكوينية مسمّاة بحقيقة المعنى الكائنة وراء الموضوع له.

ص: 60

وهذا بعد التنبه إلى ألفاظ مثل : «القفل» ترازو» و«كليد» يصير واضحاً، فإنّ أسهل طرق توجيه صدق هذه الألفاظ على مصاديقها الجديدة الممتازة عن مصاديقها الأوّلية هو الذهاب إلى هذه النظرية كما لا يخفى على المتأمّل المنصف. ولعلّ هذا المعنى كان في ذهن المحقق الخراساني حيث تفطن الى تحقق الاستعمال الحقيقي في بعض المعاني الجديدة من دون حاجة إلى كثرة الاستعمال فهذا محتاج إلى بيان :

اعلم أنّ المحقق الخراساني في أوّل الكفاية وعند تعريف الوضع قال: «الوضع هو نحو اختصاص للفظ بالمعنى وارتباط بينهما ناشيء من تخصيصه به تارةً ومن كثرة استعماله فيه أخرى » (1).

ففي هذه العبارة صرّح على أنّ منشأ الوضع التعيّني هو كثرة الاستعمال، ولكن في مبحث «الصحيح أو الأعم قال : بل يمكن دعوى صيرورته حقيقةً فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعةً أو دفعات من دون حاجة إلى الكثرة والشهرة للأنس الحاصل من جهة المشابهة في الصورة والمشاركة في التأثير» (2) فتدبّر جيّداً.

نعم؛ بقيت هنا مسألة مهمة وهي : أنّ القائلين بهذه النظرية إنّما استفادوا منها في المسائل التفسيرية والكلامية والفلسفية والعرفانية في خصوص ما إذا لم يمكن حمل اللفظ على معناه الموضوع له، فمثلاً إنّما مالوا إلى هذه النظرية في أسماء الله سبحانه وتعالى وما يرتبط بعالم المجردات في تفسير اليد والعرش والقلم، ولكن سؤالنا هو عن الاستفادة منها في الفقه وفيما إذا أمكن حمل اللفظ على معناه له ! وهذا محتاج إلى جرأة خصوصاً بعد جريان أصلين

ص: 61


1- كفاية الأصول: 9
2- كفاية الأصول : 26-27.

هنا أوّلهما أصالة عدم عبور المعنى عن الموضوع له. ثانيهما : حتى لو فرض قبول العبور في زماننا فأصالة عدم عبوره عنه في زمن الصدور محكّمة، مضافاً إلى أنّه حتى لو فرض عبورها في ذاك الزمان فلدعوى انصراف اللفظ الوارد في لسان الإمام في المصداق المتعارف وجه وجيه

هذا إلا إذا حصل لنا القطع أو الاطمئنان على أنّ الموضوع له ليس محدوداً في أفراده المعروفة بالمشي على طريق إلغاء الخصوصية في الموضوعات الجديدة خصوصاً بعد ملاحظة الموضوع والمحمول وتناسبهما .

فدعنا أن نذكر مورداً خاصاً يمكن التشبث بهذه النظرية في الأحكام الحقوقية، فانظر إلى قوله تعالى: أَوْ مَا مَلَكْتُم مَفَاتِحَهُ (1) ثمّ لو فرض استفادة حكم جواز دخول البيت إذا ملكنا مفتاحه فهل يحتمل أن نقول : المفتاح إنّما منحصر في مصاديقه القديمة الساذجة، وما هو الموضوع له في أوّل الأمر، فالمصاديق المتطوّرة لا يمكن الحكم فيها بالجواز؟ قطعاً لا ! فهل انطباق المفتاح على المفاتيح الاكترونيكية من باب المجاز أو من باب الحقيقة؟

نعم؛ يمكنك أن يستشكل على هذا المثال بأن تقول: إن الموضوع له المفتاح من أوّل الأمر هو معنى عام لكونه اسم آلة دالة على كلّ ما يفتح به، وإنّما المفاتيح السابقة مصاديقها لا الموضوع له فيها وهذا وارد في كلمة المفتاح ولكن في ترجمة المفتاح بالفارسية أو الانجليزية ليس الأمر كذلك، فإنّ كليد) أو (key» موضوعين لنفس المفاتيح الابتدائية، وأولى الوجوه في تحليل صدقهما حقيقةً على المفاتيح الجديدة هو هذه النظرية.

ص: 62


1- النور (24) : 61 .

ولو فرض وضع المفتاح لخصوص المفاتيح الابتدائية، فلو شكّ في أنّ الحكم جارٍ في المصاديق الجديدة أيضاً، فمقتضى الأصلين المذكورين عدم سريان الحكم، ولكن لا أظنّ أن يوجد فقيه يحكم بعدم السريان بعد ملاحظة الحكم والموضوع وتناسبهما. هذا كله لو لم نناقش في أصل الحكم القرآني بأنّه ليس المراد من ملكية المفتاح معناه الحقيقي بل هو كناية عن شيء آخر، فتأمل (1).

ولك أن تقول: إنّ بنيان علم اللغة مبني على عبور المعنى عن الموضوع ،له فإنّ نظام الاشتقاق في اللغة العربية التي يعدّ خصيصة لها (2) ، لا يكون إلا مبنياً على ذلك لما ندري من أنّ العرب من أوّل الأمر لم يضعوا المادة بل يضعون بعض الأصوات والكلمات ثمّ بمرور الزمان تتكوّن الصيغ المختلفة للمواد، وفي نفس الوقت هناك ألفاظ ليس على الصيغ المعروفة ولكن يرجعونها إلى معنى مادتها مثل الباب والمال وآلاف من الألفاظ وكذا فكرة قيمة الحروف الذاتية أو الاكتسابية التي شرحته في الإفادات والاستفادات (3) ينجر إلى أن المهم هو كشف ذات المعنى المكنون في ضمير أهل العربية لا المعنى المقيّد الموجود في ذهن الواضع الابتدائي.

نعم؛ هناك سؤال مهمّ عن مدى حجّية قول اللغوي ولابدّ من التأمل حوله في مجال مناسب له وهذا غير ما هو المذكور في الأصوليين ذيل هذا العنوان من أنّ ديدنهم ليس كشف الحقيقة وامتيازها عن المجاز، فراجع وتدبّر جيّداً.

وهذا المقدار من البحث كافٍ هنا، فتدبّر جيداً.

ص: 63


1- وقد استفدنا من هذه النظرية في تبيين حقيقة المال أيضاً، وسيأتي إن شاء الله في المجلد الثاني.
2- أنظر المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم: 10
3- أنظر الإفادات والاستفادات 205:1-215.

ص: 64

المقصد الثاني : النكات في المضاربة والمزارعة والمساقات

اشارة

إثبات التلائم بينها وكونها ذات حقيقة واحدة

ونبين المقصود في ضمن فصل

ص: 65

ص: 66

الفصل الأول : حال المضاربة والمزارعة والمساقاة في الكتب الخمسة

أعني الكافي والفقيه والمقنعة والتهذيب والشرائع :

ولابد من النظر إلى ما يلي:

النظر الأول إلى الكافي للكليني م (329 فالمراجع إلى الكافي رأى :

أولاً : أنّ جميع المباحث حول هذه العناوين إنّما يكون في كتاب المعيشة ولا يكون لها كتب مخصصة (1).

ثانياً : أنّه لم أجد في أبواب كتاب المعيشة باباً مستقلاً يبحث فيه عن المساقاة أصلاً.

ثالثاً : بل لا أجد باباً باحثاً فيه عن عنوان المضاربة إلا باب يكون عنوانه «ضمان المضاربة» (2).

رابعاً ولكن بحث عن المزارعة في أبواب يمكننا الإشارة إلى موارد

ص: 67


1- أنظر الكافي 5 : 65.
2- أنظر الكافي 5 240

منها : باب فضل الزراعة (1).

منها : باب ما يجوز أن يؤجر به الأرض وما لا يجوز (2).

منها : باب مشاركة الذمي وغيره في المزارعة (3).

منها : باب الرجل يستأجر الأرض أو الدار فيؤاجرها (4).

النظر الثاني إلى من لا يحضره الفقيه (للصدوق م381)

فيمكن تجميع البحث عنه فيما يلي :

أولاً : أنّه لم يجعل للمضاربة بهذا العنوان باباً ولا كتاباً.

ثانياً : بحث عن المزارعة في باب سماه ب-: باب المزارعة والإجارة (5).

ثالثاً: وفيه رواية هذا نصها : عَنْ أَرْضِ يُرِيدُ رَجُلٌ أَن يَتَقَبَّلَهَا فَأَيُّ وُجُوه الْقَبَالَةِ أَحَلُ؟ قَالَ يَتَقَبَّلُ مِنْ أَهْلِهَا بِشَيْءٍ مُسَمَّى إِلى سِنِينَ مُسَمَّاةٍ فَيَعْمُرُ .. (6).

رابعاً وأكثر روايات الباب مربوط بالمزارعة لا الإجارة الاصطلاحية ومنها رواية هي: أَتَقَبَّلُ النّيَابَ أَخِيطهَا فَأُعْطِيهَا الْغِلْمَانَ بالظُّلُتَيْنِ قَالَ أَلَيْسَ تَعْمَلُ فِيهَا قُلْتُ أُقَطْعُهَا وأَشْتَرِي لَهُمُ الْخُيُوط قَالَ لَا بَأْسَ (7)

ص: 68


1- أنظر الكافي 5 : 260 .
2- أنظر الكافي 5 : 264 .
3- أنظر الكافي 5 : 267
4- أنظر الكافي 5 : 271.
5- أنظر يحضره الفقيه 3 244.
6- من لا يحضره الفقيه 3 3899/247
7- من لا يحضره الفقيه :3 3912/252

خامساً : تأمّل في كلمة التقبّل والقبالة.

النظر الثالث إلى المقنعة مفيد م 413)

ويمكن تجميع البحث فيه بما يلي :

أولاً أنّه بحث عن المضاربة في كتاب مستقل مغاير لكتاب التجارة.

ثانياً : أنّه جعل عنوان الكتاب: كتاب الشركة والمضاربة» (1).

ثالثاً : أنّ مجموع مباحثه حولهما يكون أقل من ثلاث صفحات.

رابعاً : ثمّ بعد إتمام كتاب الشركة والمضاربة جعل كتاباً بعنوان : كتاب المزارعة والمساقاة، ثمّ جعل لكلّ واحد من العنوانين باباً (2).

خامساً وفيه تجد التعبير عن المزارعة بالاستيجار حيث قال: وإذا استأجر الإنسان أرضاً » (3).

النظر الرابع: إلى التهذيب (الطوسى م (460 ) :

ويمكن تجميع البحث عنه فيما يلي:

:أولاً ذكر المضاربة في ضمن كتاب التجارة في باب سمّاه ب باب الشركة والمضاربة» (4).

ثانياً : ذكر المزارعة في باب من أبواب كتاب التجارة بعد باب المضاربة (5).

ص: 69


1- أنظر المقنعة: 631.
2- أنظر المقنعة: 635، 636 ، 637.
3- المقنعة : 637.
4- تهذيب الأحكام 7 185
5- تهذيب الأحكام 7 193

ثالثاً : ولم يذكر للمساقاة باباً ولا له بهذا العنوان رواية. وذلك لأنّه ليس في شيء منها تصريح بلفظ المساقاة، كما قاله صاحب الجواهر (1).

النظر الخامس : إلى شرائع الإسلام المحقق الحلي م676) :

والجدير بالذكر فيه ما يلي:

أولاً أنّه بحث عن المضاربة في القسم الثاني من الأقسام الأربعة أي قسم العقود في ضمن كتاب مستقل ممتاز عن كتاب التجارة والشركة والإجارة (2).

ثانياً : أنه جعل للمزارعة والمساقاة كتاباً واحداً، و مع ذلك أدرجفي ضمنه كتابان كتاب المزارعة وكتاب المساقاة (3).

ثالثاً : عدّ من صيغ المساقاة عاملتك (4) وقد عدّه العلامة في التذكرة من صيغ المضاربة (5) ، فتدبّر.

وبالجملة : قد عرفنا بعد المراجعة إلى هذه الكتب أنّه لا يكون البحث عنها فيها بسياق واحد

ففي بعضها الكافي والفقيه يبحث عنها في ضمن كتاب المعيشة من دون اختصاص باب إلى المساقاة والمضاربة

وفي بعضها (المقنعة) يبحث عن المضاربة في كتاب مستقل عن

ص: 70


1- أنظر جواهر الكلام 27 : 50.
2- أنظر شرائع الإسلام :2 381
3- أنظر شرائع الإسلام 2 391 390
4- أنظر شرائع الإسلام 2 396
5- أنظر تذكرة الفقهاء 2 229

كتاب التجارة ويبحث عن كتاب بعنوان المزارعة والمساقاة بعنوانه الخاص.

وفي بعضها: التهذيب) بحث عن المضاربة في ضمن كتاب التجارة مقارناً بعنوان الشركة، وبحث عن المزارعة في ضمن أبواب ولم يبحث عن المساقاة بعنوانه الخاص

وفي بعضها : (الشرائع) يبحث عنها في ضمن كتب مستقلة.

وكذلك عرفنا :

في بعض الموارد أطلق على المزارعة، الإجارة والاستيجار.

وفي بعض آخر أشير إلى المزارعة بكونه من وجوه القبالة.

وفي بعض آخر صرّح بأنّ من صيغ المساقاة «عاملتك».

الفصل الثاني : كلام الشهيد الثاني المشعر بالنظام التركيبي

ونبين المرام في ضمن أقدام:

القدم الأوّل: النظر إلى كلام الشهيد الثاني :

قال تبعاً للعلامة في التذكرة (1) : واعلم أنّ من دفع إلى غيره مالاً ليتجر به فلا يخلو إمّا أن يشترطا كون الربح بينهما أو لأحدهما، أو لا يشترطا شيئاً. فإن شرطاه بينهما فهو قراض، وإن شرطاه للعامل فهو قرض وإن شرطاه للمالك فهو بضاعة (2) ، وإن لم

ص: 71


1- أنظر تذكرة الفقهاء 2 229
2- قال الفاضل المقداد: الإيضاع وهو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالاً ليبتاع له متاعاً ولا حصّة له في ريحه... ثم اعلم أنّ عامل البضاعة حيث لا حصّة له في الربح فإن تبرّع بالعمل فلا أجرة له أيضاً وإلا كان له أجرة مثل عمله في تلك البضاعة. أنظر. كنز العرفان في فقه القرآن 2 75، والمفروض عدم وجود أجرة المسمّى في البين).

يشترطا شيئاً فكذلك إلا أنّ للعامل أجرة المثل» (1).

القدم الثاني : إشارة إلى المقسم في كلماته :

فيكون المقسم في كلماته هو إعطاء المال للتجارة فيكون إعطاء المال للتجارة هو العنوان العام الشامل لجميع ما في ضمنه أعني المضاربة والقرض والبضاعة.

ولا يشمل مثل المزارعة والمساقاة لا لعدم وجود المال بل لعدم صدق التجارة على المزارعة والمساقاة

أما صدق المال عليه فيعلم بعد النظر إلى تعاريف القوم للمال بما هو شامل للأرض والشجر، وأدلّ الدلائل على الشمول هو الإطباق على صحة بي- الأرض والشجرة مع اشتراط كون المعوّض مالاً.

أمّا عدم صدق التجارة عليهما فيعلم بعد النظر إلى كلام اللغويين والفقهاء في تفسير التجارة، فإنّه وإن كان هناك اختلافات في بعض الدقائق حولها كدخل قصد الربح في مفهومها وعدمه ولكن لم أجد اختلافاً في أنّ التجارة لابد فيها من معاوضة المالين وتبادل الملكيتين مع أنّه في المزارعة والمساقاة لا يمكن القول بثبوت المعاوضة والتبادل إلا بتوجيهات باردة.

ولنا مؤيدات :

منها ما قال في مجمع البحرين: «التجارة بالكسر هي شيء مملوك من شخص إلى آخر بعوض مقدّر على جهة التراضي» (2)

ص: 72


1- مسالك الأفهام 4 : 343-344.
2- مجمع البحرين 3 233

وقال في تاج العروس التاجر الذي يَبيعُ ويَشْتَرِي (1).

وفي بعض الكتب اللغوية ما يوجب توهّم شمول التجارة للمزارعة وهو قول العرب الأرض المتجرة) بفتح الميم وكسرها ويقال في معناه : أي الأرض التي يتّجر إليها أو فيها (2).

ويمكن توهّم أنّ تفسيره بالأرض التي يتجر فيها يلائم مع المزارعة، ولكنّ الإنصاف أنّ مرادهم هو الأرض التي يتحقق المعاوضة بين المالين فيها لا الأرض التي يزارع فيها.

ومنها : عدم إطلاق التجارة على المزارعة والمساقاة فيما تقدّمنا من كتب الفقهاء، فإنّه في واحد منها لا يبحث عن المزارعة تحت كتاب التجارة بخلاف المضاربة التي عرفت من الشيخ في التهذيب أنّه ذكر رواياتها في ضمن كتاب التجارة.

ومنها: تصريح ابن فهد الحلي بأنّ «التجارة استرباح بالبيع والشراء» (3).

ومنها : الرواية المعروفة حول التجارة من أنّ : البركة عشرة أجزاء تسعة أعشارها في التجارة والعشر الباقي في الجلود. يعني بالجلود الغنم (4) ، فهي كالصريحة في خروج الغنم ورعايته من التجارة، فلا يكاد يمكن الوصول إلى قدر جامع شامل للزارعة والتسقية وغير شامل للرعاية، فتدبّر.

ص: 73


1- تاج العروس 6 127
2- أنظر العين 6 91؛ الصحاح 2 : 600 لسان العرب 4: 89؛ القاموس ؛ المحيط 1 379 تاج العروس :6: 128 مجمع البحرين : 233 :3؛
3- المهذب البارع :2 333
4- الخصال 444445 وسائل الشيعة .17 21846/10

نعم ؛ يؤيّد الشمول ما عليه الفقهاء من عمومية معنى قوله تعالى: إلا أن تَكُونَ تِجَرَةٌ عَن تَرَاضِ ) (1) ، فليتأمل.

القدم الثالث : إشكال صاحب الجواهر على الشهيد الثاني والعلامة :

ثم في الجواهر ذكر إشكالاً على الكلام المذكور، وهذا نص كلماته مع تلخيص منا : فيه منع تحقق القرض مع فرض صدور ذلك بعنوان المضاربة؛ إذ أقصاه كونها من القسم الفاسد، لا أنّها من القرض المحتاج إلى إنشاء تمليك المال بعوض في الذمة... ولو فرض عدم إرادة الفاضل والشهيد ذلك بل مرادهما أنّ الدفع المجرّد عن عنوان خاص يقتضي الحكم عليه بذلك كان فيه أيضاً منع القرض شرعاً وعرفاً بذلك لما عرفت وأصالة الصحة لا تصلح قرينةً على صرف الظاهر، مع أنّه لا يتمّ في المعلوم خلوّه عن هذا القصد. نعم ؛ ؛ يمكن إرادتهما بيان حال كلّ من القراض، والقرض، والبضاعة حد ،ذاته إلا أنّ المراد تحققه على الوجه المزبور، وحينئذ يخرج عما نحن فيه» (2).

القدم الرابع: تحليل كلام الجواهر

الظاهر منه بوضوح أنّه لم يخضع بالنظم الهرمي الموجود في كلام العلامة والشهيد الثاني مستدلاً بلزوم الإنشاء المستقل في القرض أنّ الظاهر من كلامهما تحقق القرض بصرف ذكر العنوان العامّ المنطبق عليه فتدبّر.

فالمستفاد من كلامهما هو : أنّ في المقام عنواناً عاماً شاملاً

ص: 74


1- النساء (4) : 29
2- جواهر الكلام :26 337

للثلاثة، ولا يحتاج الثلاثة إلى قصد خاص وإنشاء مخصوص، بل إنّما التسمية هو بالنسبة إلى صنوف الفعل الاقتصادي المزبور الذي كان الأعم من الثلاثة، فتدبّر.

النتيجة ممّا أسلفنا عرفت أنّ الظاهر من كلمات العلامة والشهيد الثاني تجميع المضاربة والقرض والبضاعة تحت عنوان جامع على نحو النظام الهرمي المفهومي.

الفصل الثالث : المضاربة مركبة من عقود؟!

ونبيّن المرام في ضمن أقدام

القدم الأوّل: النظر إلى كلام الشهيد الثاني :

قال في المسالك : وعقد القراض مركّب من عقود كثيرة، لأنّ العامل مع صحّة العقد وعدم ظهور ربح ودعي أمين، ومع ظهوره شريك، ومع التعدّي غاصب وفي تصرفه وكيل، ومع فساد العقد أجيره (1)

القدم الثاني : تحليل كلامه :

أنّه لابد وأن يكون هنا قدر جامع حتّى أمكن الخلع واللبس أو اللبس بعد اللبس وهذا الجامع في تعبير الشهيد الثاني هو عنوان إعطاء المال للتجارة.

فالظاهر من عبارة المسالك هو : أنّه إذا قال شخص لشخص آخر: خذ مالي واتجر فيه فتتحقق معاملة يمكن وأن يكون تحتها معاملات بشكل النظام الهرمي العقدي الذي بيناه؛ فالعنوان الأعم

ص: 75


1- مسالك الأفهام 4 344

هذا العقد الذي لا يكون في كلامه مسمّى باسم خاص ولكن له حقيقة، ولذا قال بأنّه في مقام الخارج متحقق ولكن تحت أسام مختلفة :

(1) فإذا صح العقد تحقق الوديعة إذا لم يظهر ربح، والظاهر أنّ مقصوده ليس صرف تحقق العنوان بل يترتب عليه آثار الوديعة والأمانة.

(2) وفي صورة تحقق الربح يتحقق الشراكة الحقيقية، ويترتب عليها كلّ ما يترتب على الشراكة.

(3) وفي صورة التعدّي يتحقق الغصب أيضاً وخلع عنوان الأمانة.

(4) وعندما تصرّف في المال يتحقق عنوان الوكالة، لأنه في الحقيقة وكيل عن المالك في تصرفاته.

(5) وفي صورة فساد العقد تحقق عنوان الأجير المبحوث عنه في باب الإجارة.

وهل تشير هذه العبارة إلى تداخل موضوعات الكتب المختلفة بشكل تامّ أو بعد أنت معتقد بأنّ الرابطة بين كتاب الإجارة والمضاربة كالرابطة الموجودة بين الصلاة !والجهاد؟؟!!

القدم الثالث : تفسير صاحب الجواهر لكلام المسالك

قال في الجواهر : كيف كان فقد علم ممّا ذكرناه أن المضاربة دفع الإنسان إلى غيره مالاً ليعمل فيه بحصة من ربحه، ولكن يتبعها أحكام عقود كالوكالة والوديعة ،والشركة وغيرها كالغصب وأجرة المثل ،ونحوها والظاهر أنّه المراد ممّا في المسالك من أن عقد القراض مركّب من عقود كثيرة، لأنّ العامل مع صحّة العقد وعدم ظهور ربح ودعي أمين ومع ظهوره شريك، ومع التعدي غاصب،

ص: 76

وفي تصرّفه وكيل، ومع فساد العقد أجير، لا أنّ المراد إنشاء هذه العقود بإنشاء ،عقدها وإلا كان محلاً للنظر » (1).

والحاصل من تفسير صاحب الجواهر هو : أنّ المضاربة مغايرة بتمام الذات عن سائر الكتب وأنّ مقصود الشهيد الثاني من العبارة هو أنّ بعض الأحكام الموجودة في سائر الأبواب يوجد في كتاب المضاربة أيضاً، لا أنّ عناوين الكتب وأحكامها متداخلة.

وأنت خبير أنّ توجيه صاحب الجواهر بالنسبة إلى كلام صاحب المسالك خلاف ظاهر عبارته، ولذا قال في آخر كلامه وإلا كان محلاً للنظر. وإشكاله فارغاً عن وروده أو عدم وروده مربوط بكيفية النظر إلى أبواب المعاملات هل الرابطة طولية أم عرضية، فتدبر جيداً.

والشاهد على أنّ الظاهر من عبارته هو ما استظهرناه هو تصريح المحدّث البحراني بظهور ذلك من العبارة فقال في هامش الحدائق بعد ذكر عبارة المسالك المتقدّمة: «أقول : الظاهر أنّ المراد أنّه يترتب على هذا العقد من اللوازم باعتبار وجود بعض الأمور وعدم بعض يترتب على تلك العقود، لأنّ (2) تلك العقود حاصلة في ضمن العقد كما يشعر به ظاهر الكلام منه رحمه الله» (3).

فظاهر الكلام غير ما جعله ظاهر ،المراد وبين ظاهر المراد وظاهر الكلام ،فرق، فإنّ فهم المراد كما يمكن بالنظر إلى العبارة يمكن بالنظر إلى المباني وغير ذلك، فلا تغفل.

ص: 77


1- جواهر الکلام :26 338
2- هكذا في المصدر والصواب: (لا أنّ).
3- الحدائق الناضرة 21 201

القدم الرابع : إشارة إلى كلام الفاضل المقداد:

قال في التنقيح : إذا دفع الإنسان إلى غيره مالاً ليعمل فيه بالاسترباح فإما أن يشترط الربح فيه للمدفوع إليه، فذاك قرض في المعنى ويكون المال مضموناً على القابض، أو يشترط الربح لنفسه خاصةً دون العامل فذاك بضاعة، فإن قال مع ذلك ولا أجرة لك» فهو توكيل في الاسترباح من غير رجوع عليه بأجرة، وإن قال ولك أجرة كذا فإن عيّن عملاً مضبوطاً بالمدّة أو العمل فذاك إجارة وإن لم يعيّن فجعالة» (1). انتهى كلامه

ثم لا يخفى عليك أنّ قيد في المعنى» في كلامه يشعر بأنّه لم ذلك قرضاً ،بعنوانه، بل المراد هو تحقق حكمه فلذا لا يرد عليه یر الإشكالات التي أوردها صاحب الجواهر على المسالك، ولكن مع ذلك لو تورث هذه العبارة الإذعان بوجود الارتباط الوثيق بين الأبواب المذكورة في ضمن كتب متغايرة فيكفينا فعلاً، ولا نقول بأنّكم لماذا ذهبتم إلا تحقق المعنى من دون تحقق العنوان فاصبر.

القدم الخامس : النظر إلى المهذب البارع

قال: هذا العقد أي المضاربة مركّب من عقود، فهو في الابتداء ،أمين ومع التصرّف وكيل ومع ظهور الربح شريك، ومع فساد العقد أجير، ومع التعدي غاصب (2).

ثمّ قال: «تتمة ويدخل تحت المضاربة البضاعة وهي أن يدفع الإنسان إلى غيره مالاً أمانة يتجر له به، وليس له في فائدته حصة. فعلى هذا إن تبرّع العامل لم يكن له أجرة، وإلا كان له المطالبة

ص: 78


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2 213-214
2- المهذب البارع 2 555

بأجرة المثل. ولا يشتري إلا بالعين ويشتري الصحيح والمعيب، ويردّ بالعيب وليس له في السفر نفقة» (1).

هذا، أمّا صدر العبارة فهو مثل ما أشرنا إليه من الشهيد الثاني والفاضل المقداد مع تفاوت يسير وهذه العبارة مصرّحة بأن تحقق العقود المختلفة أو أحكامها يكون في طول زماني، ففي اللحظة التي يأخذ المال يتحقق الأمانة ثمّ إذا تصرّف صار وكيلاً وفي الآن الذي يتحقق الربح يتغيّر الحال من الوكالة إلى الشراكة. وعلى كل حال أنّ مفاد هذه العبارة يكون في سياق ما ذكرناه فيما سلف، وطبعاً الإشكال الذي ذكره صاحب الجواهر على المسالك لو كان وارداً فيرد على هذه أيضاً.

أما ذيل العبارة فهو مشتمل على مطلب آخر ملائم لما ذكرناه من النظام الطولي غاية الملائمة ؛ لأنّ فيها تصريحاً بأنّ البضاعة يدخل تحت المضاربة، فإنّها وإن كانت بظاهر الأمر مغايرة للمضاربة ، ولكن تكون في نظر الحلّي من صنوف التجارة وهذه العبارة محتاجة إلى مزيد تأمل، فتأمل.

القدم السادس : أسئلة

قد عرفت من عبارات المستشكلين على صاحب المسالك الذهاب إلى أنّ الصحيح هو أن نقول : إنّ المضاربة يتحقق معها معنى الوديعة والوكالة والشراكة والإجارة لا أنّها مركبة من عقود مختلفة وحاصل مرامهم هو : أنّ المضاربة في بعض الشرائط يتحقق فيها أحكام الوديعة والوكالة والشركة، فصرّحوا بأن المضارب بأخذه المال ودعياً أميناً، وبأوّل تصرّف في المال يعد وكيلاً، وبعد تحقق الربح تتحقق الشراكة بينهما . فتفطن إلى أسئلة

ص: 79


1- المهذب البارع 2 556

السؤال الأوّل : هل عندما يتحقق معنى الوديعة يشترط فيها سائر شروط الوديعة وأحكامها أيضاً؟ فمثلاً

1. إذا تلف المال بتفريط المضارب هل صار ضامناً؟

2. هل يصح كونه بما هو ودعي طفلاً أو مجنوناً؟

3. وهل تجب إعادة الوديعة على المودّع مع مطالبة المالك ؟

4. هل له أن ينتفع به لشخصه قبل الاتجار به؟

السؤال الثاني : وعندما يتحقق معنى الوكالة هل يشترط فيها سائر ما يشترط في الوكالة أيضا؟ فمثلاً :

1. إذا كان معاملة المال المعطى إلى المضارب واجبة بالنذر على نفس المالك فهل يمكن إعطائه للمضارب الوكيل؟

2. وهل يصح وأن يكون صبياً أو مجنوناً؟

3. وهل يصح وأن يكون غير جائز التصرف في المال المعطى إليه؟

4. وهل يصح وأن يكون عبداً من دون رضى مولاه؟

5. وهل يستحبّ وأن يكون تامّ البصيرة فيما وكلّ فيه وعارفاً باللغة التي يحاور بها في الأرض المتجرة؟

السؤال الثالث : وعندما تتحقق الإجارة هل يشترط فيها سائر ما يشترط في عقد الإجارة؟ فمثلاً:

1. هل يشترط وأن يكون المنفعة والربح مقدوري التسليم ؟

2. وهل يشترط كون المتعاقدين عاقلين جائز التصرف؟

3. وهل يشترط كون الفعل حلالاً، فمثلا لو كانت الإجارة على بيع الخمر هل تتحقق ؟

.4 إذا تعدّى الأجير هل يلزمه الضمان؟

ص: 80

5. ويلحظ في الضمان وقت العدوان أو وقت التلف أو وقت القبض أو أعلى القيم أو أرخصها ؟

6. على فرض تحقق المضاربة على الدّابة بأن اشترط عليه بيعها ثمّ التجارة مع ثمنها فهل يجب عليه سقيها وعلفها وهل يضمن بالتفريط ؟

7. إذا آجر شخص عبده ثمّ أعتقه هل يبطل الإجارة؟

السؤال الرابع: وعندما تتحقق الشراكة هل يشترط فيها سائر ما يشترط في الشركة أيضا؟ فمثلاً :

.1 هل يتساوي الشريكان في الربح والخسران مع تساويهما في رأس المال ولو كان لأحدهما زيادة كان له من الربح بقدر رأس ماله وكذا عليه من الخسارة.

2. وإذا اشترك المال هل لم يجز لأحد الشركاء التصرف فيه إلا مع إذن الباقين؟

3. هل كان لكلّ من الشركاء الرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة؟

القدم السابع : خاتمة المطاف :

جواب جمیع الأسئلة المطروحة هو «نعم»، يعنى انه بعد تحقیق معنى الوكالة والعارية والإجارة والشراكة يتحقق جميع المنطبقة على ما وقع في المضاربة ؛ فالمعنى حاصل والشروط حاصلة وإن أصرّ الفقهاء على أنّ العقد غير حاصل.

ولا يخفى عليك : أنّ غرضنا ليس صرفاً إثبات تحقق عقود على نحو النظام الهرمي العقدي، بل صرف تبيين اندماج أبواب المعاملات من حيث الحكم الشرعي على نحو النظام الهرمي التركيبي كافٍ لنا أيضاً.

ص: 81

الفصل الرابع : تجميع تعاريف القوم للمضاربة

المستفاد من جميع كتب الفقهاء تعريفهم المضاربة بخمسة تعاريف على حسب ما تتبعتُ :

التعريف الأوّل: هي أن يدفع الإنسان إلى غيره مالاً ليعمل فيه بحصة من ربحه (1)

التعريف الثاني : هو أن يدفع إنسان إلى غيره مالاً ليتجر فيه على أنّ ما رزق الله سبحانه كان ما بينهما على ما يشترطانه» (2).

التعريف الثالث : دفع مال شخصي من النقدين لغيره ليعمل فيه للاسترباح بحصة من ربحه معلومة الكسب (3).

التعريف الرابع: عبارة عن عقد واقع بين شخصين على أن حدهما المال ومن الآخر العمل والربح الحاصل بينهما » (4).

يكون من التعريف الخامس : أن يعطي شخص مالاً إلى الآخر ليعامل فيه ويشتركان في النفع بحصّة معيّنة» (5).

والأفضل من الجميع هو تعريف سماحة الجدّ لتصريحه بالجنس أي بكون المضاربة عقداً لا فعلاً كما يشعر بذلك في المستمسك (6).

ويمكن جعل التعاريف في فريقين فريق استفاد من قيد العمل وفريق استفاد من قيد التجارة والذهاب إلى : أنّ من استفاد من قيد

ص: 82


1- أنظر كشف الرموز 2 12 جواهر الكلام 26 338 :
2- المهذب 1 : 460
3- أنوار الفقاهة 6 281
4- العروة الوثقى تعليق الإمام الخميني 144:5
5- منتخب المسائل فيما تعم به البلوى : 172.
6- أنظر مستمسك العروة 12 : 237

التجارة فشمول تعريفه لمثل المزارعة والمساقاة فرع أمرين من كون «التجارة» و«الربح بمعنى شاملان لهما ولكنّ الذي استفاد من قيد العمل فشمول تعريفه لهما فرع كون الربح» شاملاً.

وأما قيد ليعامل المستفاد في تعريف السيد القمي فشموله لهما أيضاً محتاج إلى أمرين : إطلاق المعاملة على المزارعة والمساقاة وإطلاق الربح على الحاصل منهما، والظاهر أن إطلاق المعاملة عليهما بما هما زرع وسقاية في غاية البعد.

هذا، ولكنّك خبير أنّه بصرف شمول تعريف المضاربة لهما في كلمات القوم لا يمكن الذهاب إلى شمول المضاربة لهما ، لوضوح أنّ التعاريف عند القوم إنّما تكون من قبيل شرح الاسم، فاللازم المراجعة إلى أحكام المضاربة ومظان الشمول وعدم الشمول، والظاهر أنّ هناك محلّين قابلين للبحث حتى يستكشف لنا أنّه هل يوجد هناك رابطة طولية عقدية بين المضاربة والمزارعة والمساقاة أم لا؟ ونبين هذين المحلّين فى الإشارتين الآتيتين:

الفصل الخامس : هل تجوز المضاربة بغير الدرهم والدينار؟

ونبيّن المرام في ضمن أقدام:

القدم الأوّل: النظر إلى الخلاف

:قال مسألة :1: لا يجوز القراض إلا بالأثمان التي هي الدراهم والدنانير وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى: يجوز بكلّ شيء يتموّل. فإن كان مما له مثل كالحبوب والأدهان يرجع إلى مثله حين المفاصلة والربح بعده بينهما نصفين. وإن كان ممّا لا مثل له كالثياب والمتاع والحيوان كان رأس المال قيمته والربح بعد بينهما .

ص: 83

دليلنا أنّ ما اخترناه مجمع على جواز القراض به، وليس على جواز ما قالوه دليل

مسألة :2 : القراض بالفلوس لا يجوز وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف، والشافعي

وقال محمد هو القياس، إلا أنّي أجيزه استحساناً، لأنّها ثمن الأشياء في بعض البلاد.

دليلنا أنّ ما قلناه مجمع على جواز القراض به وما ذكروه ليس عليه دليل والاستحسان عندنا باطل (1)

القدم الثاني : النظر إلى الشرائع :

قال : ومن شرطه أن يكون عيناً وأن يكون دراهم أو دنانير وفي القراض بالنقرة تردّد ولا يصح بالفلوس ولا بالورق المغشوش سواء كان الغش أقل أو أكثر ولا بالعروض ولو دفع آلة الصيد كالشبكة بحصة فاصطاد كان الصيد للصائد وعليه أجرة الآلة» (2).

القدم الثالث : النظر إلى العروة

قال: «الثاني من شروط المضاربة أن يكون رأس المال من

: الذهب أو الفضة المسكوكين بسكّة المعاملة بأن يكون درهماً أو ديناراً، فلا تصح بالفلوس الفلس) هو سكة من فلز لا من جنس الذهب والفضة ولا بالعُروض (أي الأمتعة ؛ كلّ متاع سوى الدرهم والدينار بلا خلاف بينهم، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع، نعم؛ تأمل فيه بعضهم وهو في محلّه لشمول العمومات إلا

ص: 84


1- الخلاف :3 459 - 460
2- شرائع الإسلام :2 383

أن يتحقق الإجماع وليس ببعيد فلا يترك الاحتياط» (1).

القدم الرابع : النظر إلى منهاج الصالحين للسيد الحكيم

قال : لا تصح إلا بالأثمان من الذهب والفضة، فلا تصح بالأوراق النقدية ولا بالفلوس ولا النيكل فلز يشبه بالفضّة) ولا بغيرها من المسكوكات المعدودة من الأثمان، كما لا تصح أيضاً بالعروض، فإذا أريد المعاملة على الفلوس أو النيكل أو العروض أو نحوها قصدا المعاملة بنحو الجعالة فتجري عليها أحكام الجعالة لا المضاربة» (2).

القدم الخامس : النظر إلى تحرير الوسيلة

قال: ويشترط) في رأس المال أن يكون عيناً، فلا تصح بالمنفعة ولا بالدين سواء كان على العامل أو غيره إلا بعد قبضه وأن يكون درهماً وديناراً، فلا تصح بالذهب والفضة غير المسكوكين والسبائك النقرة المذاب والعروض. نعم، جوازها بمثل الأوراق النقدية ونحوها من الأثمان غير الذهب والفضة لا يخلو من قوة وكذا في الفلوس السود» (3).

القدم السادس : النظر إلى فتوى السيد الخوئي

قال : «الأقوى صحة المضاربة بغير الذهب والفضة المسكوكين بسكّة المعاملة من الأوراق النقدية ونحوها وفي صحتها بالمنفعة إشكال، وأمّا الدين فلا تصح المضاربة فيه» (4).

ص: 85


1- العروة الوثقى 5 : 147
2- منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم 2 159
3- تحرير الوسيلة 1 : 608-609
4- منهاج الصالحين (للسيد الخوئي) 2: 125.

القدم السابع : النظر إلى حاشية الإمام الخميني على العروة

قال: «لم يثبت الإجماع في المسألة؛ لعدم تعرّض كثير من القدماء لها، ويظهر من الخلاف والغنية» أنّ المسألة ليست إجماعية ؛ لتمسكهما بعدم الدليل على الصحة دون الإجماع، وإنّما ادّعيا الإجماع وعدم الخلاف في الصحّة مع الدرهم والدينار، بل العلّامة أيضاً بعد نسبة القول بالبطلان إلى علمائنا : أنّ يظهر من الدليل عليه كونها على خلاف ،القاعدة فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن. وإنّما ادعى الإجماع صاحب جامع المقاصد» وتبعه بعض ،آخر بل حجّية الإجماع في مثل تلك المسألة التي ادعى الأعاظم كون الصحّة فيها خلاف القواعد ممنوعة أو مشكلة (الصيرورته مدركياً، فتدبر)، ولو فرض صحة الإجماع وثبوته فالقدر المتيقن منه هو عدم الجواز في غير الأثمان - أي العروض وأما في مثل الدينار العراقي والإسكناس من الأثمان غير الذهب والفضة فغير ثابت، فعليه فصحتها بمثلها لا يخلو من قوّة، للعمومات وكون المعاملة عقلائية وعدم غرريتها، بل عدم ثبوت البطلان بمثل ذلك هذا أنّه لا يبعد إطلاق بعض أدلّة الباب (1).

القدم الثامن : النظر إلى دليل تحرير الوسيلة

فإنّه :

أولاً ذهب الى كفاية إطلاقات نصوص المضاربة لإثبات مشروعيتها وصحتها بمطلق الأثمان بل هي ظاهرة في ذلك حسب الفهم العرفي (2)

ص: 86


1- العروة الوثقى تعليق) الإمام الخميني 5 : 147
2- أنظر دليل تحرير الوسيلة (المضارية): 42.

ثانياً: بيّن أن دعاوي الإجماع الموجودة في كلام القاضي والشيخ إنّما تدلّ على أنّ صحّة المضاربة بالدرهم والدينار جائز، لا على عدم صحة ما ليس فيها درهم ودينار (1) . فالظاهر من دعاوي الإجماع هو عدم حصول الإجماع على صحة المضاربة بغير الدرهم والدينار، لا الإجماع على بطلانها بغيرهما والفرق بين المعقدين واضح.

ثالثاً صرّح بأنّ كشف الإجماع على بطلان المضاربة بغير الدرهم والدينار دون إثباته خرط القتاد (2).

رابعاً: قال: «نعم، لا إشكال في اعتبار كون رأس المال من النقود والأثمان المتمحضة في المالية. وذلك لانصراف أخبار المقام إلى المضاربة بالنقود وظهورها في ذلك؛ حيث ذكر فيها الربح ،والخسران وهذا لا معنى له بالنسبة إلى غير النقود ولا سيّما بلحاظ ما فرض في هذه النصوص من الإنفاق بمال القراض للتجارة وشراء المتاع به؛ لظهور ذلك في كونه من النقود والأثمان» (3) انتهى كلامه.

ولعلك خبير أنّ ما ذكره في الثلاثة الأول لا غبار عليه ولكن يمكن الخدشة فيما استدلّ عليه لإثبات لزوم كون رأس المال من النقود والأثمان المتمحضة في المالية (4). وقد عرفت أنّه استدل بأمرين :

ص: 87


1- أنظر دليل تحرير الوسيلة (المضاربة): 42.
2- انظر دليل تحرير الوسيلة (المضاربة) : 43.
3- دليل تحرير الوسيلة (المضارية) : 43.
4- وفي هذا الإصطلاح نظر، فكأنه لا معنى للتمحض في المالية، فتدبر حتى تصل إلى تحقيق معنى المال وسيأتي التحقيق عنه في المجلد الثاني إن شاء الله

الأوّل: إطلاق الربح في الروايات.

الثاني : كون التجارة مفروضاً في الروايات. وهو موجود في كلمات السيد الخوئي أيضا (1).

والأوّل: يمكن التعليق عليه بأن إطلاق الربح لا ينحصر بالثمن، ولذا قال الفقهاء في متعلقات الخمس أرباح المكاسب من التجارة أو الزراعة أو الغرس (2)

والثاني : لا يمكننا الحكم عليه بعد النظر إلى روايات الباب. والذي يمكننا الاتكال عليه فعلاً هو ما قال آيت الله الشبيري الزنجاني في مجلس درسه فإنّه صرّح بأنّه : این ادعای آقای خویی تمام نیست زیرا ما تمام روایات چهارده باب کتاب مضاربه در وسائل را بررسی کردیم اما اختصاصی که آقای خویی ادعا کرده اند از روایات استفاده نمیشود بله این مقدار که کسب سود از طریق تجارت مضاربه صحیح میباشد از روایات استفاده میشود و مورد بحث و مناقشه نیست اما مفهوم ندارد که اگر مثلا در ضمن قرارداد طرفین توافق کنند که کسب سود از طریق زراعت ،باشد مضاربه صدق نکند»

القدم التاسع : خاتمة المطاف :

قد عرفت أنّه لأجل استكشاف النسبة بين المضاربة والمزارعة والمساقاة لا يكفي النظر إلى شمول تعريف المضاربة في تعريف بعض الفقهاء لهما، لأنّ مثل تلك التعاريف إنّما تكون من قبيل شرح الاسم

ص: 88


1- أنظر شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي) 31 17-18 .
2- أنظر مفاتيح الشرائع 1 224؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 2: 66 ؛ مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع 11 : 37

ولا يمكن إثبات المطلب بالنظر إلى شمولها او عدم شمولها فاللازم هو النظر إلى مظانّ العمومية والخصوصية.

ومن المظان هو ما ذكروه من لزوم كون رأس المال درهماً وديناراً، ونقلنا عدّة عبارات مصرّحة بلزوم كون رأس المال في المضاربة درهماً وديناراً وعليه فلا يمكن الذهاب إلى عمومية المضاربة بالنسبة إلى هذين العنوانين.

ولكن بعدما نظرنا إلى فتاوى المتأخرين واستدلالاتهم رأينا أنّهم عدلوا عن ذاك الانحصار وذهبوا إلى أن رأس المال لا أن يكون نفس الدرهم ،والدينار فانكسر ذلك الانحصار والجزئية التي توهّمت في المضاربة، ولكن هذا المقدار لا يجدينا لأنّ المتأخرين وإن ذهبوا إلى عدم اختصاص المضاربة بالدرهم والدينار ولكن مع ذلك شرطوا كون رأس المال فيه من الأثمان فلا تشمل لمثل المزارعة ،والمساقاة لما لا يخفى

ثم أمعنا النظر في دليل هذا الاشتراط ووصلنا إلى أدلّة :

الدليل الأوّل: الإجماع ؛ ولكن أنّه لا يكون دليلاً في المقام العدمه أولاً واحتمال كونه مدركياً ثانياً وبنائه على صحة المضاربة بالدرهم والدينار لا عدم صحته في غيرها ثالثاً.

الدليل الثاني: تقيد الأدلة بالربح؛ ببيان أنّ الربح لا يجري إلا في التجارة بالأثمان؛ وقد عرفت ما فيه من أنّ الربيع الربح غير مقيّد بالأثمان. وهذا يُكشف أوّلاً بالنظر إلى معنى الربح وثانياً بالنظر إلى إطلاقه في قولهم : أرباح المكاسب على غير التجارة قطعاً كما قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة من موارد وجوب الخمس أرباح المكاسب من تجارة وزراعة وغرس وغيرها ممّا يكتسب (1).

ص: 89


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 2: 66.

الدليل الثالث : مفروض السؤال ؛ ببيان أنّ المفروض في هذه النصوص هو الإنفاق بمال القراض للتجارة وشراء المتاع به، وهذا يناسب الأثمان لا غيرها ولاختصاص المضاربة، على ما يستفاد من نصوصها بالاسترباح بالتجارة (1).

:وفيه أولاً لو كان المفروض كذلك فلا يدلّ إلا على صحة المضاربة بالأثمان لا على فساد غيره لو ذهبنا إلى أصالة الصحة في المقام، كما بيّنه المازندراني في دليل تحرير الوسيلة) (2) أو لو ذهبنا إلى إلغاء الخصوصية في المقام.

وثانياً: ليس مفروض السؤال ذلك بناءً على ما قاله المحقق المدقق السيد الشبيري من نفي ذلك والذهاب إلى أنّه ليس لروايات الباب مفهوم مثبت لأنّه إذا كان هناك عقد بالنسبة إلى كسب الربح عن طريق الزراعة فلا يكون هذا مضاربةً أيضاً، كما أسلفنا.

هذا وللكلام تتمة فلا تعجل

الفصل السادس هل يشترط في المضاربة الاسترباح بالتجارة؟

قد عرفت أنا بصدد الجواب عن سؤال وهو إمكان الذهاب إلى أعمية المضاربة من المزارعة والمساقاة بشكل النظام الطولي ومن ما المظانّ التي توثر في غرضنا هو ذكره الفقهاء من اشتراط كون الاسترباح في المضاربة بالتجارة، فاللازم علينا بسط النظر عن الشرط في ضمن أقدام:

ص: 90


1- أنظر شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي) 31: 18.
2- انظر دليل تحرير الوسيلة (المضارية): 42.

القدم الأول : النظر إلى كلام الشيخ الطوسي

قال الشيخ الطوسي رحمه الله : إن دفع إلى حائك غزلاً وقال: انسجه ثوباً على أن يكون الفضل بيننا، فهو قراض فاسد؛ لأنّ موضوع القراض على أن يتصرّف العامل في رقبة المال ويقلبها ويتجر فيها، فإذا كان غزلاً فهو نفس المال وعينه، فهو كالطعام إذا أعطاه ليطحنه ويكون الفضل بينهما، فيكون الكلّ لربّ المال وللعامل أجرة مثله. وإن أعطاه شبكة وقال : تصطاد بها فما رزق الله من صيد كان ،بيننا كان قراضاً ،فاسداً، لما مضى، فإذا اصطاد شيئاً، كان له دون صاحب الشبكة، لأنّه صيده) (1) .

فالحاصل منه أمران:

الأوّل : إذا كان هناك استرباح بغير التجارة فهو داخل في حقيقة المضاربة، لقوله : فهو قراض.

الثاني : ولكن لا يكون صحيحاً شرعاً، كما قال: «فاسد».

القدم الثاني : النظر إلى كلام العلامة

قال في التذكرة: شرطه (أي العمل أن يكون تجارةً، فلا يصح على الأعمال كالطبخ والخبز وغيرهما من الصنائع، لأنّ هذه أعمال ،مضبوطة، يمكن الاستيجار عليها فاستغني به عن القراض فيها. وإنّما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستيجار عليه وهو التجارة التي لا يمكن ضبطها ولا معرفة قدر العمل فيها ولا قدر العوض والحاجة

ص: 91


1- المبسوط 3 168

داعية إليها ولا يمكن الاستيجار عليها. فللضرورة مع جهالة العوضين شُرّع عقد المضاربة (1).

والحاصل منه أمور:

:أولاً : لزوم كون الاسترباح بالتجارة.

وثانياً : بيان الحكمة تشريع المضاربة.

وثالثاً : إذا كان مراده من الشرط شرط الصحة فيعلم منه أنّ عنوان المضاربة يشمل المزارعة والمساقاة وإن كان المراد شرط تحقق العنوان فيعلم منه عدم شموله لهما، كما لا يخفى.

والظاهر هو : أنّ المراد منه كونه شرط الصحة. وحاصله أنّه إذا تراضيا على المضاربة على صنعة أو زراعة مضاربة فيحصل القراض ،الفاسد، كما صرّح بذلك الشيخ الطوسي فيما أسلفنا (2).

ثم تدبّر في ذهابه إلى أنّ التجارة لا يمكن ضبطها، فعليه هل هو ذاهب إلى عدم وقوع الإجارة عليها لجهالة الفعل؟ مع أنّه ذهب إلى جواز استئجار المرأة لحضانة الولد مع أنّه أيضاً غير مضبوط تقريباً، فتأمل.

القدم الثالث : النظر إلى العروة

قال: أن يكون الاسترباح بالتجارة ؛ وأما إذا كان بغيرها، كأن يدفع إليه ليصرفه في الزراعة مثلاً ويكون الربح بينهما ، يشكل صحّته . إذ القدر المعلوم من الأدلة هو التجارة، ولو فرض صحة غيرها للعمومات، كما لا يبعد لا يكون داخلاً في عنوان المضاربة» (3).

ص: 92


1- تذكرة الفقهاء 2 233
2- أنظر المبسوط 3 168
3- العروة الوثقى 5: 150

والحاصل منه أمران:

أولاً : إذا كان الاسترباح بغير التجارة فلا يصدق عليه المضاربة.

ثانياً : أنّ مدرك الحكم هو الأخذ بالقدر المتيقن، فالظاهر منه وجود الإطلاق في الأدلة.

القدم الرابع : النظر إلى تحرير الوسيلة

قال الإمام الخميني : يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلى الزارع مالاً ليصرفه في الزراعة ويكون الحاصل بينهما، أو إلى الصانع ليصرفه في حرفته وتكون الفائدة بينهما، لم يصح ولم يقع مضاربة» (1).

القدم الخامس بيان نكات حول المسألة:

النكتة الأولى: أنّ مفروض المسألة هو صورة إعطاء صاحب المال ثمناً إلى العامل ولكن لا على أنّه يتجر به بل على أنّه استفاد منه في فعل آخر، مثلاً أن يشتري به شجرة أو مصنعاً أو أرضاً حتّى يصيرا في الربح شريكين. ووجه الانحصار في هذا الفرض هو فيما أسلفوا من اشتراط كون رأس المال ثمناً ولذلك لا يكون نظرهم إلى مورد بحثنا.

ولكن مورد بحثنا أيضاً داخل تحت عباراتهم بأن يعطي المالك إلى العامل أرضاً ليزارع فيه فيكونان شريكين في الربح، وهذا هو الذي نحن بصدده؛ يعنى إذا ذهبنا إلى صحة هذه المعاملة وكونها تحت عنوان المضاربة فثبت مقصودنا من عمومية عنوان المضاربة للمزارعة ؛ كما عرفت من السيد الشبيري ذكرها بقوله: «بله این مقدار

ص: 93


1- تحرير الوسيلة 1 609

که کسب سود از طریق تجارت مضاربه صحیح می باشد از روایات استفاده میشود و مورد بحث و مناقشه نیست، اما مفهوم ندارد که اگر مثلاً در ضمن قرارداد طرفین توافق کنند که کسب سود از طریق زراعت ،باشد مضاربه صدق نکند

النكتة الثانية : مدرك فتاوى القوم على اشتراط التجارة

وبعد النظر الإجمالي إلى كلماتهم يمكن اصطياد أدلّة على الاشتراط المذكور

الدليل الأول : عدم صدق مفهوم المضاربة على ما إذا لم تتحقق التجارة: كما قاله الشيخ الفاضل اللنكراني بقوله : أمّا عدم الوقوع مضاربة فواضح؛ لما عرفت من أنّ حقيقتها الاسترباح بالتجارة والتكسب» (1) . وكذا كلام السيد الخوئى حيث قال: الاختصاص المضاربة، على ما يستفاد من نصوصها بالاسترباح بالتجارة (2).

وفيه ما عرفت من تعاريف القوم وتصريحات البعض على أن ذلك قراض ولكن فاسد فتأمّل وظنّي أنّ مثل هذه الاشتراطات إنّما يكون فرع النظر العرضي إلى أبواب المعاملات الذي هو يناسب النظر الحقوقي لا الفقهي وسيأتي إضافة بيان في ذلك. الدليل الثاني: الإجماع على البطلان إذا لم يكن الاسترباح بالتجارة :

وفيه ما فيه من عدم تحققه.

ص: 94


1- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة 19 24
2- شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي) 31 : 18

الدليل الثالث: أنّ التجارة هو القدر المتعين فنأخذ به؛

وفيه : أنه بناءً على صدق المضاربة على صورة الاسترباح بغير التجارة فلا وجه بالأخذ بالقدر المتعين لما ثبت في محله من أنّه إذا أحرز الصدق عرفاً وشكّ في الصدق شرعاً يصح التمسك بالعمومات والإطلاقات ؛ لأنّ العقود كلّها إمضائية، فمع الصدق العرفي يتمسك بهما مطلقاً في نفي القيدية المشكوكة (1).

الدليل الرابع ما ذكرة العلامة من الحكمة: لأنّ هذه أعمال مضبوطة، يمكن الاستيجار عليها، فاستغني به عن القراض فيها. وإنّما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستيجار عليه وهو التجارة التي لا يمكن ضبطها ولا معرفة قدر العمل فيها ولا قدر العوض، والحاجة داعية إليها ولا يمكن الاستيجار عليها ) (2).

وفيه: أولاً: أنّه لا يكون جميع ما تقع عليه الإجارة أعمالاً مضبوطةً ، فمثلاً أنّه نفسه ذهب إلى صحة الإجارة على حضانة الطفل، فهو أيضاً لا تكون مضبوطةً، ولو تراها مضبوطة فالمضاربة أيضاً مضبوطة.

وثانياً : هل نفسه يلتزم بما قاله؟ يعنى لا يجوز أخذ الأجير على التجارة؟ والظاهر أنّ جوازه مجمع عليه فتدبّر.

وعلى كل حال ترى أنّه ليس في المقام دليل قاطع على ذلك، والخاطر بالبال أنّه إنّما يشترط مثل ذلك لأجل توهّم وجود النظام العرضي كما أسلفنا فاستقرّ في أذهانهم الشريفة لزوم تبيين المضاربة بحيث لا يشمل لمثل المزارعة والمساقاة.

ص: 95


1- أنظر مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 19: 243
2- تذكرة الفقهاء 2 233

مع أنك عرفت بما لا يمكن الارتياب فيه أن أبواب المعاملات ولو لم يكن بينها نظام ،طولي فلا أقل من كونها مندمجة.

الفصل السابع إمكان المزارعة في ضمن المضاربة في كلمات القوم ونبينه في ضمن ثلاثة أقدام

القدم الأول : النظر إلى الشرائع

قال في الشرائع في جملة أحكام المضاربة: ولو شرط أن يشتري أصلاً يشتركان في نمائه كالشجر أو الغنم، قيل: يفسد؛ لأن مقتضاه التصرّف في رأس المال، وفيه تردّد» (1).

القدم الثاني : النظر إلى المسالك

قال في المسالك : واعلم أنّ المنع إنّما هو في حصر الربح في النماء المذكور، كما تقتضيه هذه المعاملة وإلا فلا يمتنع كون النماء بينهما، ويحتسب من جملة الربح على بعض الوجوه، كما إذا اشترى شيئاً له غَلّة فظهرت غلته قبل أن يبيعه فإنّها تكون بينهما من جملة الربح ، إلا أنّ الربح لم يحصراه فيها لإمكان تحصيله من أصل المال

أيضاً ) (2).

القدم الثالث : النظر إلى الاندماج:

فيظهر لك بوضوح إمكان المزارعة في ضمن المضاربة بأن يشتري بالمال أرضاً وأراد بيعها بعد مضي زمان، ففي الزمان الموجود

ص: 96


1- شرائع الإسلام :2 382381
2- مسالك الأفهام 4 : 346

زرع في تلك الأرض أو أعطاها لشخص حتى يزارع فيها و... وعلى كل حال لابد من الفحص عن مثل هذا أيضاً. ولكن ليس مقامنا مقام الفحص عن هذه المسألة.

الفصل الثامن: الميز بين المضاربة والمزارعة والمساقاة في الاسم لا في الحكم

يمكن وأن يختلج إشكال في ذهنك :

الإشكال أنّ المضاربة في أذهان العرف مغاير للمزارعة والمساقاة، ولذا إنّ الذهاب إلى أنّه عنوان أعم بالنسبة إليهما مخالف لما نجد وجداناً من أنّ المضاربة معاملة خاصة لا يصدق على المزارعة عرفاً، وإن كان في عبارات الفقهاء لا يوجد دليل لاختصاصها، ولكن هذا لا يوجب العدول من الفهم الوجداني من التغاير الموجود بينها.

الجواب : إنّا نلتزم بأنّ العرف يرى ما بين هذه العناوين مغايرةً، ورأى المضاربة مختصة ببعض التجارات دون أخذ الأرض والزراعة فيها أو البستان والسقاية فيه ولكن هذا لا يدلّ على عدم وجود نظام طولي بين المعاملات واللازم علينا تبيين المراد في ضمن أقدام:

القدم الأوّل: الفهم العرفي في المقام بمَ يتعلّق؟

ريب في أنّك إذا عرضت مفهوم هذه العناوين الثلاثة إلى العرف وجدهم يحكمون بأنّ ماهية جميعها واحدةً وإنّما يكون نوع الفعل بينها متفاوت وإنّما الاختلاف بينها في التسمية؛ فإنّهم يرون هذه الثلاثة مشتركة من حيث الحقيقة وذهبوا إلى أنّها وإن كان لكلّ واحد منها اسم مخصوص، ولكن في كلّها نواجه رأس المال من طرف والعمل من طرف آخر والربح مشاعاً. كما قيل: ومناسبة المضاربة

ص: 97

للمساقاة والمزارعة ظاهرة؛ لأنك قد عرفت أنهما عقدان بين اثنين: من جانب أحدهما الأرض أو الشجر، ومن جانب الآخر العمل، ولكلّ منهما نصيب في الخارج من الثمر، وكذلك المضاربة فإنّها عقد يتضمّن أن يكون المال من جانب والعمل من جانب آخر ولكلّ من الجانبين نصيب في الربح (1) .

القدم الثاني: التمايز بين العناوين ليس من ناحية الشرع:

فإنّك بعد ما ذكرنا لك إلى هنا صرت مطمئناً أنّه ليس الحكم بتمايز هذه العناوين حكماً شرعياً، وإنما يكون كلّها في ذيل حقيقة واحدة أعمّ من جميعها.

فإنّك لو لم تقنع بأن اسم المضاربة يشمل أختيها، ولكن صرت خبيراً بأنّ جميعها ذات حقيقة واحدة ويكشف لك بوضوح النظر إلى أحكام كلّ واحدة منها، فلا باس علينا بالنظر إلى أحكامها كي يتضح لنا بوضوح اتحاد حقيقها من حيث الحكم الشرعي.

فنجعل كتاب المزارعة متناً ونقايس الشروط الثلاثة المعتبرة فيها مع أختيها، والمنبع هو كتاب الشرائع :

الحكم الأوّل: الإشاعة في الربح

المزارعة : أن يكون النماء مشاعاً بينهما تساويا فيه أو تفاضلا فلو شرطه أحدهما لم يصح » (2)

المساقاة: ولا بد أن يكون للعامل جزء منها مشاعاً، فلو

ص: 98


1- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت 3: 55
2- شرائع الإسلام 2 391

أضرب عن ذكر الحصة بطلت المساقاة وكذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة لم تصح المساقاة» (1).

المضاربة: لا بد أن يكون الربح مشاعاً، فلو قال خذه قراضاً والربح لي فسده (2)

الحكم الثاني : إمكان الانتفاع برأس المال :

المزارعة : أنّ تكون الأرض ممّا يمكن الانتفاع بها (3).

المساقاة: «ما يساقى عليه وهو كلّ أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه» (4).

المضاربة: لم يصرّح به ولكن معلوم اشتراطه فيها بعد ما عرفت من تخصيصهم رأس المال بالدرهم والدينار (5). وإنا بعد إنكارنا لزوم كون رأس المال درهماً أو ديناراً نذهب إلى اشتراط إمكان الانتفاع برأس المال في المضاربة.

الحكم الثالث : تعيين المدة

المزارعة: تعيين المدّة وإذا شرط مدّةً معيّنة بالأيام أو الأشهر صح (6).

ص: 99


1- شرائع الإسلام 2 398
2- شرائع الإسلام :2 384-385
3- شرائع الإسلام 2 393
4- شرائع الإسلام :2 396
5- انظر شرائع الإسلام 2 383
6- شرائع الإسلام :2 392

المساقاة: في المدّة ويعتبر فيها... أن تكون مقدّرةً بزمان لا يحتمل الزيادة والنقصان» (1).

المضاربة : أقول : الظاهر من كلمات الأصحاب هو أنّ المضاربة لا تكون مشروطةً بالزمان وذلك لذهابهم إلى كونها معاملة جائزة وسنبحث عن هذا المطلب، وإن ذهبنا إلى لزومه فاللازم الذهاب إلى اشتراط هذا القيد أيضاً.

القدم الثالث : إشكال وجواب

ثم إنّه يمكن خلجان إشكال في ذهنك نبينه ثمّ نجيب عنه :

أما الإشكال فهو : إنكم ذهبتم إلى أنّ تلك الثلاثة مندرجة تحت حقيقة واحدة ولكن نرى اختلافاً مهماً بينها وهو جواز المضاربة ولزوم المزارعة والمساقاة وهذا يكشف لنا التمايز الذاتي بينهما.

أما الجواب فهو :أولاً أنّ اللزوم والجواز من الأحكام العارضة على العناوين والاختلاف فيها لا يوجب الاختلاف الذاتي بينها، كما أنا نعتقد بأنّ جميع العبادات تحت عنوان واحد وهو عنوان العبادة، فبصرف كون شيء عبادةً تتصف بأحكام كلزوم قصد القربة، أما سائر الاختلافات الأساسية ما بينها لا يوجب خروجها عن تحت تلك الحقيقة الواحدة إذا كانت تلك الحقيقة بحيث تشمل الشتات وتجمعها تحت حقيقته الأعم.

ففي ما نحن فيه . إنّا لو بيّنا الحقيقة الجامعة لجميع هذه العناوين ذاتاً ،وحقيقةً، فالاختلافات العارضة على كلّ منها بحسب يقتضيه عنواناتها الخاصة وشرائطها المخصوصة لا يوجب أي انكسار

ص: 100


1- شرائع الإسلام :2 396-397

في تلك الحقيقة، بل تكون مثل خصائص الصنوف بالنسبة إلى النوع الواحد فالادّعاء كلّ الادّعاء هو الذهاب إلى أن نسبة الثلاثة الحقيقة الفوقانية هي من قبيل نسبة الصنوف مع النوع لا نوع بالنسبة إلى نوع آخر.

وثانياً : يمكننا الذهاب إلى لزوم المضاربة أيضاً بعد التوجّه إلى اشتراكها معهما في الحقيقة الواحدة المقتضية لللزوم كما ذهب إليه من المعاصرين آية الله السبحاني، فإنّه قد بحث عن ذلك بما يمكننا تلخيصه بما يلي:

فالقول باللزوم هو الأقوى والإجماع ليس على نحو يكشف عن دليل وصل إليهم ولم يصل إلينا. نضيف إلى ما ذكرنا ما يلي:

1 - ما الفرق بينها وبين المزارعة والمساقاة حيث صرّحوا باللزوم فيهما ؟

نعم، لو كانت المضاربة خاليةً عن الأجل وقلنا بصحة مثلها، لا محيص عن كونها جائزةً، لأنّ معنى لزومها في هذه الصورة أن يكون مال الغير في يد العامل دائماً ولا يجوز له استرجاعه، كما أن معناه في جانب العامل أن يكون هو ما دام العمر في خدمة ربّ المال ولا يجوز له التحرّر.

2 - الكلام في المضاربة المعمولة التي لا تنفك عن الأجل، فهل هي لازمة أو جائزة؟ يظهر من الأصحاب الجواز ولكن يمكن تقريب اللزوم بالبيان التالي وهو :

أ - أنّ الأصل في العقود هو اللزوم كما هو الأصل المحقق في باب المعاملات والجواز يحتاج إلى الدليل وأمّا الاتفاق فالقدر المتيقن منه هو ما إذا كان مطلقاً لا مؤجّلاً بأجل ، وعلى فرض إطلاقه، فإنّ الإجماع هنا إجماع على القاعدة، لأنّهم جعلوها من

ص: 101

فروع الوكالة في التصرّف في مال الغير (1) فعطفوها عليها ومثل هذا الإجماع لا يكشف عن دليل وصل إليهم ولم يصل إلينا. وذلك لعدم الدليل على الفرعية فضلاً عن وجود دليل واصل إليهم.

ب - أنّ المصلحة الهامة المترتبة على المضاربة من خروج الأموال من الكنوز والصناديق وانجذاب العمّال إلى العمل لا تتحقق إلا إذا كانت هناك ثقة بين الطرفين، حيث يثق ربّ المال بأنّ العامل يعمل بماله إلى مدة محدّدة، ويثق العامل بأنّ رب المال لا يفسخ العقد، وإلا فلو كان جائزاً في المدة المحدّدة وكان لكلِّ فسخ العقد، فلا تبقى ثقة للطرفين، فلا يقومان بها ويكون تشريع المضاربة تشريعاً عاطلاً قليل الفائدة.

ج . أن المضاربة في العرف معاملة ،لازمة وهي تكشف عن كونها كذلك شرعاً، وقد ذكر الشيخ الأنصاري في المتاجر بعد الفراغ من تعريف البيع بأنّه يستكشف من الصحة العرفية، الصحة الشرعية، وعليه يستكشف من اللزوم العرفي، كونها كذلك شرعاً، فالأقوى هو كونها عقداً لازماً إذا كان محدّداً. نعم يجوز للطرفين التفاسخ والإقالة كما هو شأن كل عقد لازم (2).

ص: 102


1- تأمّل في كون المضاربة تحت عقد الوكالة وسيأتي مزيد من البحث، فانتظر.
2- أنظر نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء: 14-15

المقصد الثالث : إزاحة الشبهة عن عقد الشركة

اشارة

إثبات النظام الطولي العقدي بين الشركة الاكتسابية وبين المضاربة وأخواتها وفيه فصول

ص: 103

ص: 104

الفصل الأوّل : عقد الشركة بين النفي والاثبات والإبهام

ونبين المرام في ضمن أقدام

القدم الأوّل: خلق الشرائع عن الإشارة إلى عقد الشركة:

اعلم أنّ صاحب الشرائع لم يُشر إلى عقد الشركة، وإنّما عرّف الشركة بقوله : اجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الإشاعة» (1) فهي في الحقيقة بيان النتيجة والحاصل، ولذا بحث عن سببها كما يقال : سبب الشركة قد يكون إرثاً ، وقد يكون عقداً، وقد يكون مزجاً، وقد يكون حيازة (2).

القدم الثاني : إشكال المسالك على الشرائع :

وقد أشكل عليه الشهيد الثاني بقوله : ما ذكر المصنف في تعريفه من اجتماع الحقوق على الوجه المذكور وهذا المعنى هو المتبادر من معنى الشركة لغةً ،وعرفاً، إلا أنّه لا مدخل له في الحكم الشرعي المترتب على الشركة من كونها من جملة العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول والحكم عليها بالصحة والبطلان، فإنّ هذا الاجتماع يحصل بعقد وغيره بل بغيره أكثر، حتّى لو تعدّى أحدهما

ص: 105


1- شرائع الإسلام :2 374
2- شرائع الإسلام :2 374

ومزج ماله بمال الآخر قهراً بحيث لا يتميّزان تحققت الشركة بهذا المعنى. ومع ذلك لا ترتبط الشركة به بما قبلها ،وبعدها لأنّ هذا معنى من المعاني دخوله في باب الأحكام أولى» (1) .

ثمّ قال: «ولقد كان على المصنّف أن يقدّم تعريفها على ما ذكره، لأنّها المقصود بالذات هنا، أو ينبه عليهما معاً على وجه يزيل الالتباس عن حقيقتهما وأحكامهما، ولكنّه اقتصر على تعريفها بالمعنى الأول (2).

القدم الثالث : دفاع صاحب الحدائق عن المحقق

ثم إنّ صاحب الحدائق قال في مقام الدفاع عن المحقق: «لا يخفى على من تأمّل الأخبار الجارية في هذا المضمار أنّه لا يفهم منها معنى للشركة غير ما ذكره الفاضلان المتقدّمان ونحوهما، كالشهيد في اللمعة ،وغيره وهو المتبادر لغةً وعرفاً من لفظ الشركة، وهذا المعنى الثاني الذي ذكره لا يكاد يشمّ له رائحة منها بالمرّة» (3).

ثم ذكر جملة من روايات الباب وقال: «نعم؛ قد يكون سببها العقد كما تقدّم بأن يشتري اثنان مالاً أنصافاً أو أثلاثاً » (4).

القدم الرابع : إشكال صاحب الرياض على صاحب الحدائق

وحاصل كلامه المفصّل هو الذهاب إلى أن تحقق عقد الشركة إجماعي ولا يمكن ادّعاء عدم وجوده في الشريعة الإسلامية.

ص: 106


1- مسالك الأفهام 4: 301
2- مسالك الأفهام 4 302.
3- الحدائق الناضرة 21 148
4- الحدائق الناضرة 21 149

وفي كلماته ما يناسب ما نحن بصدده من إثبات النظام الطولي حيث قال: فإنكاره أي إنكار عقد الشراكة رأساً فاسد جداً، ولا ينافي التغاير (يعني الذهاب إلى وجود التغاير بين الإطلاقين) دخول الثاني (أي عقد الشراكة في الأوّل (أي ما عرّفه صاحب الشرائع دخول الخاص في العام، وأنه من أفراده أي) بشكل النظام الهرمي المفهومي» (1).

القدم الخامس : إشكال صاحب الجواهر على تعريف الشهيد الثاني لعقد الشراكة

قد عرفت أنّ الشهيد الثاني عرّف عقد الشراكة بقوله : «عقد ثمرته جواز تصرّف الملاك للشيء الواحد على سبيل الشياع فيه (2) ولكن قد أشكل عليه صاحب الجواهر بقوله : «إنّ دعوى كون عقدها ما دلّ على جواز التصرّف من كلّ منهما أو من أحدهما واضح الفساد أيضاً، ضرورة عدم مدخلية ذلك في الشركة بوجه من الوجوه» (3) ثمّ تمسّك بقول العلّامة حيث قال: «أما التصرف، فالإذن فيه والمنع منه فذاك حكم زائد على مفهوم الشركة» (4).

القدم السادس : إعتراف صاحب الجواهر بوجود التشويش في عبارات القوم حول عقد الشركة

قال: ومن ذلك وغيره يعلم التشويش في كلامه وكلام غيره أيضاً » (5).

ص: 107


1- رياض المسائل 9 54
2- مسالك الأفهام 4: 301
3- جواهر الكلام 26: 287-288
4- جواهر الكلام :26 288
5- جواهر الكلام :26 288

الفصل الثاني : الاختلاف بين العروة الوثقى وتحرير الوسيلة في تعيين حقيقة عقد الشركة

ونبين المرام في ضمن أقدام

القدم الأول : النظر إلى عقد الشركة في العروة:

اعلم أنّ السيّد لم يجعل للشركة كتاباً مستقلاً بل بحث عنه في ضمن فصل في خاتمة كتاب المضاربة ويمكن تلخيص كلامه حول حقيقتها في ضمن نكات :

النكتة الأولى : حقيقة الشركة :

هي عبارة عن كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ملكاً أو حقاً » (1).

النكتة الثانية صور الشركة :

وهي :

(1) إمّا واقعية قهرية كما في المال أو الحقِّ الموروث،

(2) وإمّا واقعية اختيارية من غير استناد إلى عقد كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك

ص: 108


1- العروة الوثقى 2 581

3 وإمّا ظاهرية قهرية كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبي بحيث لا يتميّز أحدهما من الآخر سواء كانا جنس واحد كمزج حنطة بحنطة أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير.

(4 وإمّا ظاهرية اختيارية كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة، فإنّ مال كلّ منهما في الواقع ممتاز عن الآخر، ولذا لو فرض تمييزهما اختص كلّ منهما بماله.

(5) وإمّا واقعية مستندة إلى عقد غير عقد الشركة كما إذا ملكا شيئاً واحداً بالشراء.

(6 وإمّا واقعية منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله كما إذا اشترى شيئاً فطلب منه شخص أن يشركه فيه، ويسمّى عندهم بالتشريك وهو صحيح الجملة من الأخبار.

7) وإما واقعية منشأة بتشريك كلّ منهما الآخر في ماله، ويسمّى هذا بالشركة العقدية ومعدود من العقود (1).

النكتة الثالثة : متعلّق الشركة :

ثمّ إنّ الشركة : (1) قد تكون في عين 2) وقد تكون في منفعة، 3) وقد تكون في حق» (2).

القدم الثاني : النظر إلى عقد الشركة في تحرير الوسيلة

ويمكن تنظيم كلامه في ضمن نكات :

ص: 109


1- العروة الوثقى 2 581 582 بتفاوت يسير.
2- العروة الوثقى 2 582

النكتة الأولى: حقيقة الشركة :

إنّ لها إطلاقين ففي الإطلاق الأوّل: هي كون شيء واحد لاثنين أو أزيد» (1).

وفي الإطلاق الثاني : هو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية. وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ويكفي قولهما اشتركنا أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر، ولا يبعد جريان المعاطاة فيها بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به» (2).

النكتة الثانية : متعلّق الشركة في الإطلاق الأول :

إمّا (1) في عين (2) أو دين (3) أو منفعة (4) أو حق» (3).

النكتة الثالثة سبب الشركة في الإطلاق الأول :

(1) قد يكون إرثاً و (2) قد يكون عقداً ناقلاً كما إذا اشترى اثنان معاً مالاً.

ولها سببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان ( أحدهما الحيازة كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرةً مباحة (و 4 ثانيهما الامتزاج كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر سواء وقع قهراً أو عمداً (5) ولها سبب آخر وهو تشريك أحدهما الآخر في ماله، ويسمّى بالتشريك، وهو غير الشركة بإطلاقه الثاني» (4).

ص: 110


1- تحرير الوسيلة 1 622
2- تحرير الوسيلة 1: 623 بتفاوت يسير.
3- تحرير الوسيلة 1 622
4- تحرير الوسيلة 1 : 622 بتفاوت يسير.

النكتة الرابعة ثمرة الشركة في إطلاقها الثاني :

وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسب به، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما» (1).

النكتة الخامسة : متعلق الشركة في إطلاقها الثاني :

لا تصح الشركة العقدية إلا في الأموال نقوداً كانت أو عروضاً » (2).

القدم الثالث : الاختلاف في مفهوم عقد الشركة بين العروة وتحرير الوسيلة

ثم إنّك إن دققت النظر في عبارات العروة وتحرير الوسيلة تجد اختلافاً في تفسير عقد الشركة :

ففي العروة : تكون صورة عقد الشركة هكذا : عقد فردان على أن يكونا شريكين في المالين اللذين يكون أحدهما لأحدهما والآخر للآخر (3).

ولكن في تحرير الوسيلة تكون صورة العقد هكذا التراضي على الاكتساب بالمال المشترك والمعاملة فيه (4) .

ففي العروة يكون عقد الشركة عقداً لإيجاد الشراكة من دون نظر إلى ما أراد الشريكان أن يفعلا في مال الشركة (5) ، ولكن في

ص: 111


1- تحرير الوسيلة 1: 623
2- تحرير الوسيلة 1 624
3- أنظر العروة الوثقى 5: 271-272
4- أنظر تحرير الوسيلة 1: 623
5- أنظر العروة الوثقى 5 : 271-272

التحرير يكون عقد الشركة عقداً لأجل تجويز المعاملة بالمال المشترك، من دون نظر إلى أنّ هذه الشراكة من أين تحققت (1).

وقد نظرتُ إجمالاً على بعض شروح التحرير كتفصيل الشريعة (2) ودليل تحرير الوسيلة (3) ولم أجد في كلماتهم الإشارة إلى هذا الفرق المهم بين العبارتين.

وبعد التتبع تجد هذا الاختلاف في كتب العلامة أيضاً، ويظهر ذلك في تعريفه لشركة العنان حيث عرّفه في التذكرة بقوله : «شركة العنان فهي أن يخرج كلّ مالاً ويمزجاه ويشترطان العمل فيه بأبدانهما » (4) . وعرفّة في التحرير بقوله : شركة العنان وهي الشركة وهي أن يخرج كلّ من المشتركين مالاً ويمزجاه مزجاً يرتفع معه التميّز (5).

فنرى أنّ اشتراط التكسب في الأوّل موجود وفي الثاني مفقود.

ومع ذلك: إنّ تعريف سماحة الجد متفاوت لتعريف التذكرة أيضاً، لأنّه ذكر في التذكرة التكسب بعنوان الشرط، ولكن جعله جدنا الماجد متعلّق العقد كما يظهر من ظاهر عبارته.

فاللازم علينا هنا الرجوع إلى كلمات اللغويين والفقهاء حتى يظهر لنا حقيقة الشركة، ونبحث عن كلا الجانبين في الفصلين الآتيين.

ص: 112


1- أنظر تحرير الوسيلة 1 625
2- أنظر تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة :19 103
3- أنظر دليل تحرير الوسيلة (الشركة والقسمة): 14، 40.
4- تذكرة الفقهاء 2 219
5- تحرير الأحكام 3: 226

الفصل الثالث : الشركة في اللغة

اشارة

وننظر إلى عبارات :

النظر الأوّل إلى : كتاب العين قال: «الشرك : ظلم عظيم. والشركة : مخالطة الشريكين واشتركنا بمعنى تشاركنا ... ) (1).

ويمكن تذييله بنكات

الأولى : الظاهر منه هو أنّه لا تكون في مفهوم الشركة الغاية مأخوذةً من الاكتساب أو غيره.

الثانية: الظاهر عدم تمامية ما قاله حول معنى الشرك بكسر الشين فإنّه مصداق للظلم العظيم لا نفسه، فإنّ الشرك بالله هو الذهاب إلى أنّ معه شريك في الأمور ؛ فلا فرق بين المعنيين، كما لا يخفى. والآية الشريفة (الشِرْكَ لَظُلُمٌ عَظِيمٌ) (2) مسوقة لبيان ما يعرض عليه من الحكم التكويني، لا ما عليه من المعنى اللغوي، كما إذا يقال سبّ الوالدين لظلم عظيم، وهل هو بمعنى صيرورة السب والشرك من المشترك اللفظي !

الثالثة: ما قاله في تفسير الشركة أيضاً لا يخلو من مناقشة، فإنّ

ص: 113


1- العين 5: 293
2- لقمان (31) : 13

إطلاق اختلاط الشريكين غير دقيق، لأنّه قبل تحقق الاختلاط تكويناً أو اعتباراً لا يصدق عنوان الشريكين على المختلطين.

النظر الثاني إلى : المحيط في اللغة قال: «شرك: الشرك معروف والشركة مخالطة الشريكين» (1).

ويعلم ما فيه بالنظر إلى ما ذكرنا ذيل عبارة العين.

النظر الثالث إلى : معجم مقاييس اللغة قال: «شرك الشين والراء والكاف أصلان أحدهما يدلُّ على مقارنة وخلاف انفراد والآخر يدلّ على امتداد واستقامة. فالأوّل الشركة وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما. ويقال: «شاركتُ فلاناً الشيء»، إذا صرت شريكه. وأشركْتُ فلاناً ، إذا جعلته شريكاً لك. قال الله جلّ ثناؤُه في قصَّة موسى: (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِى) (2). ويقال في الدُّعاء : اللهمّ أشركنا في دعاء المؤمنين أي اجعلنا لهم شركاء في ذلك. وشَرِكتُ الرَّجُلَ في الأمر أشْرَكُه.

وأما الأصل الآخر فالشرك : لَقَم الطريق (أي الطريق المستقيم)، وهو شِرَاكُه أيضاً. وشِرَاكَ النَّعْل مشبَّه بهذا . ومنه شَرَكُ الصّائدِ، سمِّي بذلك لامتداده» (3).

هذا ويمكن تذييله بنكات :

الأولى: الظاهر منه أيضاً خلوّ معنى الشركة من الغاية، وهو موافق لتعريف العروة.

الثانية: هو ميّز بين معنى الثلاثي والمزيد؛ فالشركة بمعناه

ص: 114


1- المحيط في اللغة 6 162
2- طه (20) : 32
3- معجم مقاييس اللغة 3: 265

الثلاثي لها معنى لازم، یعنی صرف تحقق مال لفردين، وهو مطابق لما ذكرناه بعنوان المعنى المسبّبي، وأمّا الإشراك فهو إيجاد العلاقة الشراكتية كما أفاد وكذلك كلمة الشراكة التي تكون مصدراً ثانياً لباب المفاعلة فهو أيضاً بمعنى إيجاد الشراكة. وحينئذ، تعبير عقد الشركة يكون من الإضافة اللامية يعنى العقد الذي تكوّن لأجل تحقق الشركة، وتعبير عقد الإشراك أو عقد الشراكة يكون من الإضافة البيانية يعنى العقد الذي هو الإشراك والشراكة.

الثالثة: أنّه أرجع المادّة إلى أصلين ولكنّ الظاهر أنّ للمادة أصلاً واحداً، وهو ما يدلّ على الامتزاج والاختلاط، كما هو المعنى الموجود في شبك وشكر أيضاً. وليس هذا المجال مناسباً لتطويل البحث في هذا المرام.

الرابعة أن تفسيره للشركة على معناه الثلاثي مغاير لما هو المعروف بين اللغويين من تفسيره بقولهم خلط الشريكين»، فتأمل.

النظر الرابع إلى مفردات ألفاظ القرآن قال : «الشِّرْكَةُ والْمُشَارَكَةُ : خلط الملكين، وقيل: هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعداً، عيناً كان ذلك الشيء أو معنى كَمُشَارَكَةِ الإنسان والفرس في الحيوانية (1).

ثم قال: ولفظ الشِّرْكِ من الألفاظ المشتركة، وقوله تعالى: فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صلحا ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (2) محمول على الشركين (3)

ص: 115


1- مفردات ألفاظ القرآن : 451
2- الكهف (18) 110
3- مفردات ألفاظ القرآن : 452.

ويمكن تذييله بنكات :

الأولى : أنّه أيضاً خالٍ من ذكر الغاية.

الثانية: أنّ تفسيره للشركة والمشاركة ب- : خلط المالين» لا يخلو من التأمّل ؛ لأنّ الشركة كما عرفت يكون للإشارة إلى المعنى المسبّبي والمشاركة للإشارة إلى المعنى السببي، فتفسير كليهما بخلط المالين ممّا لا يتمّ.

الثالثة : أنّه بدّل ما هو المعروف بين اللغويين في تفسير الشركة، فإن المتعارف التعبير عنه ب- اختلاط «الشريكين». وقد عرفت منا الإشكال عليه بأنّ الشريكين قبل الاختلاط لا يكونان ،شريكين، ولعلّ لأجل الفرار من ذاك الإشكال عدل إلى التعبير ب-: خلط الملكين».

الرابعة: أنّ ما ذكره من كون لفظ الشرك مشتركاً لفظياً بين الشرك بالله والشركة المعهودة ممّا لا وجه له بعد ما عرفت من كونه مشتركاً معنوياً بينهما. وقد عرفت أنّ صاحب معجم مقاييس اللغة الذي جعل للمادة أصلين لم يذهب إلى افتراق هذين المعنيين. أضف إلى ذلك : أنّ ما قاله ذيلاً للكريمة من أنّ الشرك محمول على الشركين كلام عجيب ؛ هل أراد أنّه محتمل لوجهين؟ أو عند بعض حمل على هذا وعند بعض حمل على ذاك؟ أو كلاهما مراد من باب الاستعمال في الأكثر؟ والظاهر كما عرفت أنّ للمادة معنى جامعاً، كما بينا.

خاتمة الفصل الثالث

الحاصل ممّا أسلفنا أمور

الأوّل: الشركة أو الشراكة لا يؤخذ في معناها المتعلّق والغاية؛

الثاني: أنّ للمادة أصلاً واحداً يدلّ على المزج والخلط. ودلالته على الاستمرار أيضاً عائد إلى ذاك المعنى، كما أرجع لقم

ص: 116

الطريق إليه أيضاً لما يرى في الطريق المنحرف من افتراق وفي الطريق المستقيم من مزج.

الثالث ما ذكرنا إلى هنا لا ينهض للدلالة على عدم تمامية تعريف تحرير الوسيلة لعقد الشركة بعد ما تعلم من كفاية أدنى المناسبات في التسمية، فإنّ ما ذكره في تعريف عقد الشركة من أنّه في الاصطلاح الفقهي عبارة عن : العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بالمال مشترك» (1) لا يعد مغايراً للمعنى اللغوي. نعم لا يكون مطابقاً تمام التطابق أيضاً بعد ما ترى من تفسيرهم للشركة بخلط الشريكين. فحصل على وفق نظره الشريف ما بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي تغاير ولكن لا بحيث يقبح التسمية وجعل الاصطلاح. كما نواجه مثله في الحقائق الاصطلاحية بكثير كما تحقق ذلك في الصلاة والحج والزكاة من التغاير بين المعاني اللغوية والاصطلاحية في الجملة مع وجود ارتباط بينهما مصحح لجعل التسمية، فتأمّل.

ص: 117


1- تحرير الوسيلة 1: 623

الفصل الرابع : تعريف عقد الشركة في الكتب الفقهية

وقبل الخوض في تعريفهم لعقد الشركة لابدّ لنا من التنبيه على أنّ ما ذكروه من كون المال بين الاثنين على نحو الإشاعة لا يجدي في المقام أي مقام القضاوة بين تعريف العروة والتحرير لأنّه كما عرفت تعريف للشركة على معناه المسبّبي ولكنا نكون بصدد المعرفة على المعنى السببي أي عقد الشركة نعم يمكن صوغ قياس لكي ذاك التعريف المعهود بعنوان مؤيّد لتعريف صاحب العروة، أن نقول : أوّلاً إنّ الفقهاء عرّفوا الشركة على وفق المعنى المسبّبي وأجمعوا على وجود عقد لإيجاد الشركة ولم يعرفوه تفصيلاً، فعلم منه أنّ العقد الذي شرّعت هو السبب لإيجاد نفس التعريف المسبّبي، وإلا ليجب عليهم التنبيه عليه.

فتحصل : أنّ التعريف المشهور للشركة يويد تعريف صاحب

ثمّ يجب علينا النظر إلى تعاريف القوم لعقد الشركة أي الشركة بما له من المعنى السببي، واللازم علينا النظر إلى عباراتهم. فلأجل الوصول إلى جمع بين الأقوال والوصول إلى ذهنية الأصحاب بالنسبة إلى عقد الشركة أخذنا التتبع في كلمات الأصحاب من الصدر الأوّل إلى زماننا المعاصر واخترنا سبعة عشر كتاباً من خلال أكثر من 180 كتاب أنّي تفحصت جميعها تقريباً، ومع الأسف لا أجد إشارة إلى

ص: 118

العويصة وجهداً لحلّها إلا في كتب محدودة كالجواهر (1) والمستمسك (2). وإليك النظر في تلك السبعة عشر :

النظر الأوّل إلى ما في دعائم الإسلام

قال : وإذا أراد رجلان أن يشتركا في الأموال فأخرج كلّ واحدٍ منهما مالاً مثل مال صاحبه دنانير أو دراهم، ثمّ خلطا ذلك حتى مالاً واحداً لا يتميّز بعضه من بعض على أن يبيعا ويشتريا ما رأياه من أنواع التجارات فما كان من من فضل كان بينهما، وما كان من ،وضيعةٍ كانت عليهما بالسواء، فهذه شركة صحيحة لا اختلاف علمناه فيها وليس لأحدهما أن يبيع ويشتري إلا مع صاحبه إلا أن يجعل له ذلك» (3).

الظاهر منه أمران :

الأول: أنه بصدد تبيين المعنى السببي والشركة العقدية.

الثاني : أنّه مطابق لتعريف سماحة الجد عنها، كما لا يخفى.

النظر الثاني إلى ما في مجموعة فتاوى ابن الجنيد

قال في تعريف ضرب من أضرب عقد الشركة أعنى شركة الوجوه : ولو اشترك رجلان بغير رأس مال على أن يشتريا ويبيعا بوجوههما جاز ذلك» (4).

ص: 119


1- جواهر الكلام :26 288
2- مستمسك العروة 13 : 25-26
3- دعائم الإسلام 2 85-86
4- فتاوی ابن الجنيد 227

واللازم ذكر أمرين:

الأوّل: أنّه بخلاف ما هو المعروف بل المجمع عليه بين الأصحاب ذهب إلى جواز شركة الوجوه التي ستعرف أنّه من أضرب الشركة.

الثاني: الظاهر منه هو أنّ صورة عقد الشركة مطابقة لما بينه سماحة الجد؛ فإنّه جعل متعلّق الاشتراك البيع والاشتراء بالمال المشترك.

النظر الثالث إلى : ما في المقنعة :

قال في بيان حكم الشركة ما يشعر إلى حقيقتها أيضاً؛ قال: وإن اشترك نفسان في مال فكان كذا) في النسخة ولكن الأولى استبدال الفاء واواً قسط كل واحد منهما مثل قسط صاحبه كان الربح بينهما بالسوية والخسران عليهما كذلك فإن زاد قسط أحدهما على قسط صاحبه كان الربح بينهما بحساب رؤوس أموالهما والخسران عليهما كذلك» (1).

وهذه العبارة يمكن الاستدلال عليها على وفق كلا التعريفين

الأول : تأييد ما في العروة بأن نقول : إنه كان في مقام تصوير عقد الشركة وإنّما أشار إلى الاشتراك في المال من دون النظر إلى متعلّقها وما هو مشروط في ذيلها وهذا يلائم ما في العروة.

الثاني: تأييد ما في تحرير الوسيلة بأن نقول : الاشتراك على التجارة كان مفروغاً عنه وهذا واضح بعد التنبه إلى الحكم الذي ألصقه بها بقوله : كان الربح بينهما الخ»، فتأمّل.

ص: 120


1- المقنعة : 632.

النظر الرابع إلى ما في المراسم :

قال سلّار: «لا شركة إلا بالأموال دون الأبدان. فإن كان مالهما سواء، فالربح بينهما سواء. وكذلك الخسران» (1).

والكلام فيه مثل ما ذكرنا حول كلام المقنعة.

النظر الخامس إلى ما في الخلاف

قال في بيان حكم الشركة التي يستفاد منه حقيقته أيضاً: «لا تنعقد الشركة إلا في مالين مثلين في جميع صفاتهما، ويخلطان، ويأذن كلّ واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف فيه» (2).

فهو بظاهره مؤيّد لتعريف العروة؛ لأنّ حقيقة الشركة على ما يستفاد منه هو صرف إيجاد الشركة وصرف الإذن على التصرف.

اللهم إلا أن يقال :أولاً : أنه لا يمكن اصطياد الحقيقة من خلال ما ذكر لأجل بيان حكم حولها.

وثانياً : أنه لا يغاير ما في تحرير الوسيلة بل يؤيّده بالنظر إلى أنّ حقيقة الشركة على ما بيّنه الشيخ هو الإذن في التصرّف فلو كان المراد هذا التصرّف التصرّف التجاري كما لا يبعد ادعاء ظهوره فيه، فهو ملائم لما في تحرير الوسيلة لا العروة المذكور فيه صرف التشريك الطرفيني، فتأمل.

النظر السادس إلى : المؤتلف من المختلف

قال الطبرسي: «شركة المسلم لليهود والنصارى وسائر الكفّار

ص: 121


1- المراسم العلوية في الأحكام النبوية : 182 .
2- الخلاف :3 327

،مكروهة وبه قال جميع الفقهاء. وقال الحسن البصري: إن كان المتصرّف المسلم لا يكره وإن كان المتصرّف الكافر أو هما كره» (1).

أقول : وهو يؤيد ما في تحرير الوسيلة بعد التنبه إلى أنّ كراهة نفس عنوان الشركة يناط بالتصرّف ويعلم منه أنّ التصرف داخل في حقيقة ،الشركة، وبما أنّ المقام مقام الربح والخسران فيعلم منه أنّ المراد منه التصرّف التجاري لا صرف التصرّف، فتأمّل جيّداً.

النظر السابع إلى : الجامع للشرائع :

استدلّ يحيى بن سعيد الحلّي في أوّل كتاب الشركة برواية السكوني عن الإمام الصادق (عليه السلام أنّه قال: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلا أن تكون تجارةً حاضرة لا يغيب عنها (2).

أقول : هذا أيضاً مؤيّد لتعريف تحرير الوسيلة، إذ الظاهر منه أنّ الشركة لا ينفكّ عن التجارة بل الاشتراك هو على المعاملة.

النظر الثامن إلى تحرير العلامة

قال شركة العنان وهي الشركة الصحيحة، وهي أن يخرج كلّ من المشتركين مالاً ويمزجاه مزجاً يرتفع يرتفع معه التميّز (3).

وهو ظاهر في تعريف العروة إلا أنّ هناك إشكالاً وهو أنّه مع تعريفه لشركة العنان بصرف تحقق المشاركة بين المالين، ولكن عرّف شركة الوجوه بما يلائم تعريف التحرير وقال: «شركة الوجوه وهي

ص: 122


1- المؤتلف من المختلف أئمة السلف 1 : 588
2- الجامع للشرائع : 310.
3- تحرير الأحكام 3: 226

أن يتّفق رجلان على أن يشتركا ولا مال لهما، على أن يبتاعا بجاههما ويبيعا، ويكونان شريكين في الربح (1).

أضف إلى ذلك أنّه قبل تقسيم الشركة إلى أربعة أضرب بيّن أنّ الشركة على ثلاثة أقسام ولم يذكر عقد الشركة أصلاً، فراجع إن شئت (2).

النظر التاسع إلى : التذكرة

قال: فإن يُخرج كل مالاً ويمزجاه ويشترطا العمل فيه بأبدانهما (3).

وهو كالصريح في تعريف تحرير الوسيلة.

النظر العاشر إلى : جامع المقاصد

قال في تعريف عقد الشركة: «إنّها عقد ثمرته جواز تصرّف الملاك للشيء الواحد علي سبيل الشياع» (4) .

ويمكن تذيله بنكات :

الأولى: الظاهر أنّه أوّل من عرّف عقد الشركة بهذا التعريف بين الشيعة، وإن كان كلامه صريحاً في أنّ هذا التعريف ليس من إبداعاته ؛ إذ قال قبل ذكر التعريف : الأحسن ما يقال في تعريفها» (5).

الثانية ثم تبعه في ذكر الشركة السببية وتعريفه بمثل ما عرّفه

ص: 123


1- تحرير الأحكام 3 227
2- أنظر تحرير الأحكام 3: 225
3- تذكرة الفقهاء 2 219
4- جامع المقاصد 8 9
5- جامع المقاصد 8 9

جمع كثير من الفقهاء كالشهيد الثاني في المسالك (1) والمحقق الفائدة (2) والمحقق السبزواري في الكافية (3) الأردبيلي في مجمع وصاحب أنوار اللوامع (4) وصاحب مفتاح الكرامة (5) وصاحب الرياض (6) والسيّد المجاهد في المناهل (7).

النظر الحادي عشر إلى ما في الجواهر

ويمكن تلخيص ما قاله في ضمن أقدام:

القدم الأول : أنّه في أوّل كتاب الشركة شرع البحث عن تعيين ماهية الشركة وبيّن تبعاً للشرائع - تعريف الشركة المسببية بأنّه عبارة عن: اجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الشياع (8). ثمّ فصل البحث حول هذا التعريف بما لسنا الآن بصدد بيانه.

القدم الثاني : ثم أخذ بنقل كلام المسالك تبعاً لجامع المقاصد من وجود الإطلاقين للشركة وهما ما سمّيناهما بالشركة السببية والمسبّبية، وورود الإشكال على المحقق بواسطة عدم تنبيهه بالمعنى السببي (9)، وهذا ما ذكرناه فلا نعيد.

القدم الثالث : ثمّ نقل كلام صاحب الحدائق من إنكار عقد

ص: 124


1- أنظر مسالك الأفهام 4: 301
2- أنظر مجمع الفائدة .10: 195
3- أنظر كفاية الأحكام 1 : 618.
4- أنظر الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع 12: 4.
5- أنظر مفتاح الكرامة 20: 314.
6- أنظر رياض المسائل 9 53
7- أنظر المناهل : 184.
8- جواهر الكلام 26 284
9- أنظر جواهر الكلام 26 284-285

الشركة وذكر إشكال صاحب الرياض عليه من أن وجوده إجماعي وخضع صاحب الجواهر لكلام صاحب الرياض (1) .

القدم الرابع ثمّ أمعن النظر في تعريف عقد الشركة بكونه: عقداً ثمرته جواز تصرّف الملاك للشيء الواحد علي سبيل الشياع (2). وأشكل عليه بقوله : «إنّ دعوى كون عقدها ما دلّ على جواز التصرّف من كلّ منهما، أو من أحدهما واضح الفساد أيضاً (3)، ضرورة عدم مدخلية ذلك في الشركة بوجه من الوجوه بل هو داخل في قسم الوكالة (4).

القدم الخامس: ثمّ أيّد إشكاله بكلام العلامة وقال: «وقد اعترف به في التذكرة، قال فيها: «الشركة قد تقع بالاختيار، وقد تقع بالإجبار، وكلامنا في الأولى وهي قد تحصل بمزج المالين بالاختيار من غير لفظ ، فلو امتزج المالان برضاهما حصل الشركة الاختيارية وإن لم يكن هنا لفظ، وأمّا التصرّف فالإذن فيه والمنع منه فذاك حكم زائد على مفهوم الشركة » » (5) .

القدم السادس: ثم دقق النظر في السرّ الذي يوجب تعريف الشركة السببية بالإشارة إلى ثمرته وحاصل كلامه هو أنّهم لما نظروا إلى أنّ الشركة تحصل بصرف المزج ولو كان ،قهرياً، فأنتجوا بأنّه لا معنى لعقد الشركة إذا أرادوا منها إيجاد الشركة، لأنها كما عرفت تحصل من دون احتياج إلى عقد بل إنّ الفقهاء شرطوا المزج في صحة

ص: 125


1- أنظر جواهر الكلام :26 286-287
2- جامع المقاصد 8 9
3- كما أنّ إنكار عقد الشركة من الأساس واضح الفساد.
4- جواهر الكلام 26: 287-288
5- جواهر الكلام :26 288

عقد الشركة أيضاً وذهبوا إلى أنّ عقد الشركة لا يتم إلا بعد تحقق الخلط والمزج. فحاصل هذا كلّه هو أنّه لا معنى لعقد الشركة إذا أريد منه إيجاد الشركة، فاللازم تفسيره بكونه عقداً لصرف الإذن في تصرف كل من الشريكين في المال المشترك ولذا ذهبوا إلى أن عقد الشركة عقد ثمرته إذن التصرّف حتّى يكون له أثر ومعنى (1).

القدم السابع : ثمّ قام ببيان معنى عقد الشركة حتى ينجي الفقهاء من تفسير عقد الشركة بما ليس ملائماً لحقيقته، وهذا نص توضیحات مزجية وتلخيص غير مخلّ : فالتحقيق أن يقال حينئذ : بعد الإجماع على كونها عقداً أنّ قول اشتركنا لإنشاء تحقيقها (أي لإيجاد الشركة وصيرورة (ممكن أن يكون معطوفاً على تحقيق كما يمكن أن يكون معطوفاً على إنشاء) كلّ من المالين بينهما على الإشاعة وهذا) موافق لتعريف صاحب العروة طابق النعل بالنعل)، إلا أنّه يشترط في صحة ذلك (الإنشاء) تحقق المزج بعده (الإنشاء إن لم يكن فهو حينئذٍ شرط كاشف أو ناقل.. أو أنّه جزء السبب، ومتى حصل مزج بقصد إنشاء الشركة من دون قول ،تحققت وكانت كالمعاطاة...، أمّا المزج القهري والمجرّد عن قصد إرادة إنشاء الشركة فلا يترتب عليه ملك كلّ منهما الحصة المشاعة في نفس الأمر، وإنما يفيد الاشتباه في كلّ من أجزاء المال، إلا أنّ الشارع حكم ظاهراً بكونه بينهما من الصلح القهري... فله حينئذ إيقاع عقد الشركة بعد وقوعه كي يتبدّل الملك ظاهراً بالملك واقعاً بل لو سلّم إفادة المزج القهري الملك في الواقع على نحو المزج الاختياري، كما هو ظاهر كلمات الأصحاب أمكن أن يقال حينئذ: إنّه لا مانع من صيرورته (أي صيرورة المزج جزء سبب...، إذا جيء به لإتمام عقد الشركة...، بل و لا مانع من

ص: 126


1- أنظر جواهر الكلام 26 288

صيرورته سبباً تاماً في ذلك إذا قصد الإنشاء به في المعاطاة، (فتلخص أنّ الشركة يحصل بواسطة العقد مع المزج أو المزج بقصد تحقيقها ولا مانع من اتفاق حصول الشركة به ((بالمزج قهراً؛ فإنّه لا تنافي حينئذ بينهما، ويكفي في العقد تحققه (الشركة) به (بالعقد)، لا أنّه لا تقع الشركة بغيره» (1) .

القدم الثامن ثمّ إنّه بعد ذكر هذه التوجيهات المفصلة الصناعتية حضر بمحكمة الوجدان وقال : لكن الإنصاف عدم خلوّ ذلك من نظر بل منع (2).

القدم التاسع : ثمّ اعترف بعدم قدرته مع ما عليه من المكانة العلمية - على تجميع البحث وتنظيمه ورفع التشويشات واكتفى بهذه المقالة : وعلى كل حال بذلك يظهر لك ما في جميع كلماتهم من التشويش والاضطراب خصوصاً التذكرة وجامع المقاصد، والمسالك، والرياض، وغيرها التي لا يخفي عليك حالها بعد الإحاطة بما ذكرناه (3).

هذا كلامه ويمكن تذييله بنكتتين :

الأولى: الظاهر من كلامه يكشف لك أنّ صورة عقد الشركة التي تكون في ذهنه الشريف هو المطابق لما نقلناه من العروة.

الثانية: أنّه ذكر في طيّات كلامه ما حذفته لأجل عدم ارتباطه بما قبل العبارة وما بعدها ولكن له دخل أساسي بمقامنا، وهو ذكر اصطلاح الشركة الاكتسابية بقوله : (الشركة الاكتسابية التي هي من

ص: 127


1- جواهر الكلام 26: 288-289
2- جواهر الکلام :26 289
3- جواهر الکلام :26 289

أقسام التجارة المبنية على العمل من الشريكين، أو من أحدهما التي قد وردت النصوص بها (1) فاللازم علينا بسط النظر حولها بعد إتمام فحصنا عن كلمات الفقهاء في تفسير الشركة فانتظر.

النظر الثاني عشر إلى ما قاله شيخ أحمد كاشف الغطاء (م 1344)

قال في كتابه المسمى ب- : سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات ما هو جامع لجميع الإشكالات التي ذكرناها إلى الآن جهد لحلّ العويصة، ويمكن نقله مع تنظيم تنظيم منا في ضمن أقدام :

القدم الأول : تعريف الشركة المسببية : وعرّفوها باجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الشياع وجعلوها من العقود (2).

القدم الثاني : الإشكال على كلام الفقهاء : وربما يستشكل فيه من أنّ هذا تعريف الشركة المسبّبية، فلا يكون من العقود وصارت الشركة به من الأحكام فلا بد من توجيه هذا الإشكال بالتشبث إلى معنى سببي (3)

القدم الثالث: التوجيه الأوّل للعقدية بأن نذهب إلى أنّ الشركة عقد باعتبار التعاقد على الاشتراك في الأموال (4) كما عرفنا من كلام صاحب العروة في بحثنا السابق.

القدم الرابع : الإشكال على التوجيه الأوّل: فهو لا يتمّ على ما حكموا من عدم كفاية العقد وحده ما لم ينضمّ إليه الامتزاج، وكفاية الامتزاج وحده وإن لم ينضمّ إليه العقد، إذ الأثر حينئذ للامتزاج،

ص: 128


1- جواهر الكلام :26 288
2- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 33
3- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 33
4- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 33.

والعقد ليس بسبب ولا جزء سبب فلا أثر له ولا معنى (1).

القدم الخامس : التوجيه الثاني للعقدية بأن نذهب إلى أنّ الشركة عقد باعتبار أنّ العقد قد يؤثر شركة مثلما إذا اشتريا داراً أو استأجراها بالاشتراك ؛ فالشركة عقد بهذه الجهة وبهذا المعنى (2).

القدم السادس : الإشكال على التوجيه الثاني : فيه أنّ هذا ليس عقداً للشركة، وإنّما هو شركة ناشئة من عقد البيع أو الإجارة؛ فلا يمكن الذهاب إلى أنّ عقد الشركة هذا (3) .

القدم السابع : التوجيه الثالث للعقدية بأن نذهب إلى أنّ الشركة عقد باعتبار إنشاء التشريك على النحو المذكور في باب البيع أي إنشاء تمليك شخص بالنسبة إلى حصّة من المال على نحو الإشاعة (4).

أقول : الفرق بين هذا التوجيه والتوجيه الأوّل غير بين. اللهم إلا أن نقول : إنّا في التوجيه الأوّل نواجه التشريك في مقابلة التشريك، ولكن في هذا التوجيه نواجه التشريك في مقابل ثمن معيّن فتدبّر وليس الآن موقع التدقيق عن مثل هذه الدقائق، كما لا يخفى.

القدم الثامن : الإشكال على التوجيه الثالث: فيه أنّ هذا كسابقه أي مثل التوجيه الثاني، فإن التشريك المذكور مرجعه إلى بيع مشاعة من مال يعدّ من العقود الذي حاصله الشركة لا العقد الذي مفاده الشركة (5).

ص: 129


1- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 33
2- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 33
3- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4: 33.
4- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4: 33.
5- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4: 33.

القدم التاسع : التوجيه الرابع للعقدية بأن نذهب إلى أنّ الشركة عقد باعتبار تعاقد الشركاء على إذن كلّ للآخر في التصرّف في المال المشترك ؛ يعنى بعد فرض وجود المال المشترك تعاقد الطرفان على أن يجوز على كلّ منهما التصرّف في ذاك المال المشترك الذي يكون الحكم بحسب القاعدة عدم جواز التصرّف فيه من ناحية كلّ واحد منهما (1). وقد عرفته من كلمات صاحب جامع المقاصد وأتباعه.

القدم العاشر : الإشكال على التوجيه الرابع فيه :أولا أنّ هذا ليس هو الشركة بل هو من ،عوارضها نسبته إليها نسبة الحكم إلى موضوعه) (2) ؛ بل يمكن القول بأنّ هذا مفاد الوكالة، كما قاله صاحب الجواهر مؤيداً كلامه بكلام التذكرة.

وثانياً : أنّ الإذن في التصرّف ليس من العقود وإنّما هو من الإيقاعات (3) ، غاية الأمر يتحقق الإيقاع في مقابل الإيقاع، لا العقد الذي هويته محتاجة إلى الطرفين.

القدم الحادي عشر : القيام بذكر المقصود من عقد الشركة يمكن أن نقول : إنّ الشركة التي جعلوها من العقود هي الشركة الاكتسابية التي هي من أقسام التجارة المقصودة بها الاسترباح بالعمل من الشريكين أو أحدهما في المال المشترك وهي التي وردت النصوص فيها وفيمن ينبغي أن يشارك وأن لا يشارك، وأن الربح والخسران فيها الإطلاق على الشريكين بنسبة المالين إلا أن يشترطا غيره في

ص: 130


1- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 33.
2- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 33
3- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 33

قبال المضاربة (1) والبضاعة اللتين يكون الخسران فيهما على صاحب المال إلا مع اشتراط غيره» (2).

القدم الثاني عشر : الشركة السببية هي العنان : والظاهر أنّها المسمّاة عندهم بشركة العنان في قبال شركة الأبدان والوجوه والمفاوضة (3). فالظاهر هو أنّ الفقهاء لمّا عبّروا بالشركة فمرادهم هو الشركة المسببية وللإشارة إلى عقد الشركة وضعوا اصطلاح شركة العنان، فالشركة عقد باعتبار شركة العنان.

القدم الثالث عشر : الإشكال على تعريف جامع المقاصد وأتباعه : قد عرفت أنّ المحقق الكركي عرّف عقد الشركة بأنّه عقد ثمرته الإذن في التصرف (4) ، فكأنّ عقد الشركة هو العقد على إجازة التصرّف ومنشأه هو التصرف (5) ، ولكنّ الحق هو ولكنّ الحق هو أنّه ليس المنشأ فيها هو الإذن في التصرّف حتى يقال إنّها من الإيقاعات كما ذكرنا في القدم التاسع والعاشر.

القدم الرابع عشر: منشأ عقد الشركة هو التعاقد : أنه عقد الشركة أنّا نواجه التعاقد والتعاهد على الاسترباح بالمال المشترك بحدود وقيود وإن كان الإذن في التصرّف من لوازم ذاك التعاقد كما في المضاربة فكما أنّ المضاربة عقد لأجل التجارة فالشركة أيضاً عقد لأجل التجارة (6).

ص: 131


1- هكذا قال وهذا مطابق لتعريف سماحة جدّنا الماجد في تحرير الوسيلة.
2- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 33.
3- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4: 33-34.
4- أنظر جامع المقاصد 8 9
5- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4: 34.
6- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 34، وهذا أيضاً مطابق لتعريف تحرير الوسيلة طابق النعل بالنعل.

القدم الخامس عشر : الشركة المسببية هي المبحوث عنها بعنوان المقدمة: وأمّا الشركة بمعنى اجتماع الحقوق في الشيء الواحد فهي وإن كانت من الأحكام لا العقود إلا أنّهم إنّما بحثوا عنها في كتاب الشركة من حيث كونها من مقدّمات الشركة العقدية؛ فإنّ المال إن كان مشتركاً بسبب سابق فذاك وإلا فلا بدّ من جعله مشتركاً ولو بالمزج . (1) ولذا يكون الاشتراك مقدّمة العقد، لأنّه في عقد الشركة يكون النظر الأصيل إلى التجارة بالمال المشترك لا إلى اشتراك المال بينهما .

انتهى كلامه رفع مقامه، فإنه وإن استفاد من كلمات صاحب الجواهر قطعاً إلا أنّه حلّ العويصة على كل حال.

النظر الثالث عشر إلى : تحرير المجلة

وهو أحد كتب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (2) ؛

وقال : إن عقد الشركة الذي يبحث الفقهاء عنه في كتاب الشركة المندرج في أبواب المعاملات يتوقف على الشركة بمعنى اجتماع المالين وامتزاجهما وليس عقد الشركة سبباً للاختصاص أو الامتزاج أصلاً) (3).

ص: 132


1- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 34:4
2- قال في مقدمة الكتاب : ولما كانت (مجلة العدلية) أو مجلة الأحكام هي الكتاب المقرّر تدريسه في معاهد الحقوق من زمن الأتراك إلى اليوم، نظرت فيه فوجدته مع حسن ترتيبه وتبويبه وغزارة مادته محتاجاً إلى التنقيح والتحرير والإشارة إلى ما فيه من الزيادة والتكرير وبيان مدارك بعض القواعد والفروع وذكر مبانيها حسب الفنّ من الأدلة والأصول» تحرير المجلة 1: 3
3- تحرير المجلة 3 202

وقال : شركة العقد عبارة عن عقد شركة بين اثنين فأكثر على كون رأس المال والربح مشتركاً بينهم... قد ذكرنا أنّ هذه المقصودة بالأصالة من الشركة التي ذكرها الفقهاء في باب المعاملات والعقود. وحيث إنّها موقوفة على امتزاج المالين... ولكن حيث إنّ الشركة المقصود منها الاسترباح والاكتساب عقد والعقد لا يتحقق إلا بالإيجاب والقبول ... » (1) .

وهو ظاهر في تعريف التحرير لا العروة.

النظر الرابع عشر إلى وجيزة الأحكام للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

قال: «الشركة وهي كون المال الواحد أو الأموال للشخصين أو أشخاص على نحو الإشاعة، وتكون إما بسبب قهري كإرث ونحوه أو اختياري كحيازة أو إحياء أو مزج، ومحلّها العين والدين والحق والمنفعة، فإذا امتزج المالان اختياراً أو قهراً بفعلهما أو بفعل أجنبي تحققت الشركة الواقعية إذا صار المالان بحيث لا يتميّز أحدهما عن الآخر كامتزاج المائعين أو الدقيقين أو الدراهم والدنانير صحت الشركة العقدية بينهما، وهي عقد على الاسترباح بالإكساب بعمل الشريكين أو أحدهما في ذلك المال المشترك، ويكون الربح والخسران بينهما على نسبة المالين وهي قريبة الحقيقة من المضاربة ولكن المال هناك من واحد والعمل من آخر والمال هنا كالعمل من

الاثنين وهذه . المعروفة عند أصحابنا بشركة العنان المتفق على صحتها» (2).

وهو صريح في تأييد ما في تحرير الوسيلة.

ص: 133


1- تحرير المجلة 3 265264
2- وجيزة الأحكام 3 36

النظر الخامس عشر إلى المستمسك :

فإنّه بعد ما فصل البحث في بعض ما ذكرنا إلى هنا قال: والمتحصل ممّا ذكرنا : أنّ الشركة العقدية على قسمين :

الأوّل : مجرّد عقد شركة بين المالكين في المالين فقط. وهذه لم يقم دليل على اعتبار المزج فيها.

والثاني : عقد شركة بين المالكين في ماليهما مع الإذن في التصرّف منهما لهما وهي التي يعتبر فيها المزج بين المالين على نحو لا يتميّز أحدهما عن الآخر، بناءً على الإجماع المتقدّم في كلامهم.

بل هناك قسم ثالث يكون في المال الذي يشرك مالكه فيه، كما تضمنته النصوص، فإنّ الشركة فيه عقدية في مال واحد» (1).

ويمكن تذييله بنكات

النكتة الأولى : على حسب تتبعنا أنّ السيد الحكيم هو أوّل من صرّح بوجود الشركة السببية على كلا الطورين وذهب إلى شرعية كليهما .

النكتة الثانية: أنّ القسم الثالث الذي أضافه لعلّه أراد به ذاك القسم الذي بيّنه صاحب العروة بعنوان التشريك، وقد عرفت إشكال كاشف الغطاء عليه من أنه بيع لا شركة (2) ، فتأمل.

النكتة الثالثة: أنّه ذهب إلى عدم اعتبار المزج في عقد الشركة بمعناه الأوّل، ولكن التزم بلزوم المزج فيه بمعناه الثاني مع خبير أنّ الوجه في كليهما ،واحد فلا وجه للالتزام بلزوم المزج في

ص: 134


1- مستمسك العروة .13 : 25-26
2- أنظر سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 33

المعنى الثاني أيضاً بعد خلوّ الأخبار عن اشتراطها، وبعد ما ترى من أنّ ادّعاء الإجماع هو على صحة الشركة بالمزج لا على عدمها بعدمه.

النكتة الرابعة أنّه بعد الذهاب إلى عدم اشتراط المزج من جهة وعدم كون المزج موجباً لتحقق الشركة الحقيقية دائماً يصير بمعزل عن الإشكال الذي بيّنه كاشف الغطاء على عقد الشركة بمعنى إيجاد الشركة من أنّه لا معنى له ولا محصل.

النظر السادس عشر : إلى مباني العروة الوثقى

ومن العجيب في هذا المجال كلمات السيد الخوئي، فهو لم يتنبه على هذه المطالب والتشويشات المذكورة حول حقيقة الشركة وإنّما عرّفه بمثل ما عرّفه السيّد من دون تنبيه إلى الإشكالات والتشويشات والاختلافات، وإنك إذا راجعت كلماته فتجده مهملاً لتلك المباحث من دون حلّ لها (1).

النظر السابع عشر : إلى مهذب الأحكام للسبزواري

فإنّ كلامه أيضاً لا يخلو من تعجب، فإنّه وإن عرّف الشركة العقدية في كتابه الفتوائي المسمّى بجامع الأحكام الشرعية (2) بمثل ما عرّفه جدّنا الماجد في تحرير الوسيلة ولكن في كتابه المسمّى ب-: مهذب) «الأحكام) بين كلام السيّد وشرحه من دون تنبيه إلى أن تعريف الماتن لحقيقة الشركة غير ما هو مختار عنده (3)

ص: 135


1- انظر مباني العروة الوثقى 3: 233-273
2- أنظر جامع الأحكام الشرعية : 339
3- أنظر مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 20 6

خاتمة الفصل الرابع : تجميع البحث

قد عرفت أنّا بعد ما رأينا الاختلاف بين تعريف الشركة بين الأعلام حاولنا كشف حقيقتها حتى نصل إلى تلك الحقيقة التي نريد إثبات شمولها للمضاربة والمزارعة والمساقاة.

وبعد النظر إلى كلمات الفقهاء وجدنا عباراتهم مشوّشة جداً. وقد عرفت الشركة في كلماتهم على ثلاثة أنواع على الأقل النظر عن تعريف الأضرب الأربعة الآتي :

الشركة المسبّبية وهى ما عرّفه المشهور باجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الإشاعة.

الشركة السببية وفي تعريفها اختلاف؛ فبعضهم عرفها بما حاصله إيجاد الشراكة، وما يمكن أن نقول عنه : التشريك في مقابل التشريك»، وهو المستفاد من العروة وقد ذكرنا له مؤيّدات وأهمّها ما أنه ذكرنا من هو ظاهر كل من عرّف الشركة المسبّبية من دون إشارة إلى تعريف الشركة السببية على فرض قبوله لعقد ،الشركة كما أسلفنا (1) .

وبعضهم عرّفها بالتراضي على الاكتساب بالمال المشترك، وهو ما نراه في تحرير الوسيلة وفقاً لظاهر دعائم الإسلام وابن الجنيد والطبرسي في المؤتلف ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع والعلامة في التذكرة.

ثمّ أمعنا النظر في التعاريف الثلاثة وأشكلنا على الشركة المسببية بأنّها خارجة من بحث العقود، فلا يكون محط نظرنا عندما نريد أن

ص: 136


1- تقدم في الصفحة 118 .

نتفحّص عن عقد الشركة هل يكون شاملاً للمضاربة وأخواتها أم لا؟

وكذا يرد على من عرفها بهذا المعنى المسبّبي فقط خروجُ الشركة من العقود كما بينا لك بما لا مزيد عليه فلا نعيد.

وكذلك أشكلنا على التعريف الأوّل للشركة السببية (أي العقد على إيجاد التشريك) بأنّه لا محصل له بعد اشتراط المزج معه وحصول الشراكة بدون العقد. فالإشكال على صاحب العروة باق لأنّه التزم باشتراط المزج (1) ومع ذلك عرّف عقد الشركة بإيجاد الشركة.

وذكرنا أنّ التوجيه الذي ذكره صاحب الجواهر من التفرقة بين الشركة الواقعية والظاهرية لا يقبل عند نفسه أيضاً، فلم نبحث عنه لوضوح فساده بعد ما رأى العرف تحقق الشركة الواقعية بواسطة صرف المزج من دون عقد كما لا يخفى، فتأمّل.

ثم ذكرنا أنّ السيد الحكيم قام بحل العويصة بما لم أرَ من الباحثين للفقه بعده التفطّن عليه مع التعجّب فراجع عباراتهم لعلّ تتبعي ليس بتمام ولأجل أهمية كلامه لا بأس بنقله مجدداً فقال: والمتحصل ممّا ذكرنا : أن الشركة العقدية على قسمين :

ص: 137


1- يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية مضافاً إلى الإيجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه امتزاج المالين سابقاً على العقد أو لاحقاً بحيث لا يتميّز أحدهما من الآخر من النقود كانا أو من العروض بل اشترط جماعة اتحادهما في الجنس والوصف والأظهر عدم اعتباره بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر، كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه، أو امتزج نوع من آخر بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير. العروة الوثقى 5 : 375-376.

الأوّل: مجرّد عقد شركة بين المالكين في المالين فقط. وهذه لم يقم دليل على اعتبار المزج فيها.

والثاني : عقد شركة بين المالكين في ماليهما مع الإذن في التصرّف منهما لهما وهي التي يعتبر فيها المزج بين المالين على نحو لا يتميّز أحدهما عن الآخر، بناءً على الإجماع المتقدّم في كلامهم (1).

ثم ذكرنا أنّه بهذا الوجه يصح تعريف الشركة السببية بمثل ما ذكره صاحب العروة وإلا لا يكاد للشركة العقدية السببية معنى.

أما التعريف الثاني لعقد الشركة الذي عرفت أنها ظاهر كلام كثير من الفقهاء (2) فيكون الاشتراك مفروضاً فيه وإنّما يكون التراضي على التجارة بذاك المال المشترك.

فحقيقة عقد الشركة عبارة عن اتّجار الطرفين بالمال المشترك، وهو ما قاله الأفاضل من أنّ حقيقة عقد الشركة هو الإذن الطرفيني للتصرّف في المال المشترك، وهذا واضح، إلا أنّ في المسألة إشكالاً، وهو أنّهم التزموا بأنّه من الممكن أن يشترط الشريكان على أن يكون العمل منحصراً في طرف فقط، وهذا يوجب مشكلة في المقام، وهو أنّ هذا بعد تعريف عقد الشركة بالاتجار الطرفيني يلزم منه خروج المعاملة من حدّ الشركة العقدية، فيكون مثل ما إذا عقدا على أن تكون الأرض من طرف والعمل على الطرف الآخر ولكن في ضمن العقد اشترطا على أنّ المالك عمل في الأرض دون

ص: 138


1- مستمسك العروة ..13 : 25-26
2- وهو تعريف عقد الشركة بأنّه هو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم. أنظر وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 443.

العامل وإنّما العامل أعطى الأرض؟! أو اشترطا أنّ العامل اتجر بالأرض بأن يبيعها وأو يشتريها. وهذا كما يوجب استبدال حقيقة عقد المزارعة، ففي ما نحن فيه أيضاً الالتزام بأنّ المتعاقدين في عقد الشركة قادران على الاشتراط على أن يكون العامل أحدهما أو غيرهما يوجب تغيير حقيقة عقد الشركة بعد التزامهم بأنّ تعريف عقد الشركة يعني الاتجار الطرفيني بالمال المشترك.

إن قلت : إن مفاد عقد الشركة ليس التجارة الطرفيني بل عقد الشركة هو العقد الذي يتحقق على المال المشترك ومفاده إجازة كلّ منهما لأن يصير هذا المال المشترك محلاً للتجارة بحيث صارت المعاملة به جائزة.

قلنا: إن كان المراد من هذا الكلام هو صيرورة المال قابلاً للاتجار من دون نظر إلى الطرفين وبشكل إجمالي ؛

ففيه أنّ هذا لا يحتاج إلى عقد إذ كل مال قابل للاتجار بحكم العرف والشرع والاشتراك بما هو ليس مانعاً من الاتجار حتى نحتاج إلى عقد، كما لا يخفى.

وإن كان المراد هو : أنّ المال المشترك لما يكون مشتركاً على نحو الإشاعة فالقاعدة تقتضي عدم جواز تصرّف المالكين فيه من دون إذن الشركاء كما هو واضح فعقد الشركة يثمر الإذن للتصرّف ويوجب جواز تصرّف كلّ من الشريكين في المال المشترك كما عرفت من المحقق الكركي والشهيد الثاني تعريفه بأنه: «عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشيء الواحد» (1) ، وكذلك تعلم أنّ انحصار التصرّف في واحد منهم أو ثالث بالشرط لا ينافي اقتضاء الإطلاق في العقد ؛

ص: 139


1- جامع المقاصد :8 9 مسالك الأفهام 4: 301.

ففيه : أنّه مغاير لما قاله نفس القائل في مسألة 8 من كتاب تحرير الوسيلة حيث أفاد لا يقتضي عقد الشركة ولا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسب، إلا إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه كما إذا كانت الشركة حاصلة كالمورّث فأوقعا العقد، ومع عدم الدلالة لا بد من إذن صاحب المال ويتبع في الإطلاق والتقييد» (1). وهو ما صرح به العلامة أيضاً حيث قال: وأمّا التصرّف والإذن فيه والمنع منه فذاك حكم زائد على مفهوم الشركة» (2) ، فتدبر جيداً.

ص: 140


1- تحرير الوسيلة 1 625
2- تذكرة الفقهاء 2 : 221 2:

الفصل الخامس : ملخص الإشكال على تعريف العروة وتحرير الوسيلة وطريق الفرار منه

قد عرفت التهافت الموجود في العروة وتحرير الوسيلة :

أمّا في العروة : فإنّه عرّف عقد الشركة بأنّه عقد لإيجاد الشركة، وحقيقته تشريك كلّ من الطرفين الآخر في المال المشترك (1).

وقد يرد عليه أنّه إذا كان عقد الشركة كما عرفتم، فبعد ما التزمتم به من لزوم المزج فيها صار العقد لغواً غير قابل للاعتبار لدى العقلاء، لأنّ الشركة تحصل بالمزج ولو لم يكن عقد ولا تحصل بالعقد لو لم يكن مزج.

أما في تحرير الوسيلة : فإنّه عرّف عقد الشركة بأنّه التراضي على الاتجار بالمال المشترك وهذا نص عبارته : هو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم (2).

ويرد عليه أنّ عقد الشركة لو كان كما عرفتم، فبعد ما التزمتم به من عدم اقتضاء عقد الشركة جواز التصرّف في المال المشترك صار أمراً بلا محصل كما أشرنا إليه مفصلاً فيما مضى، فتأمّل.

ص: 141


1- أنظر العروة الوثقى 5: 271.
2- تحرير الوسيلة 1: 623

ولا بد لنا في توجيه كلماتهما من الالتزام بما يلي:

أما صاحب العروة: فلو التزم بأن الشركة كما يحصل بالمزج القهري والاختياري يحصل بالمزج الاعتباري أي العقد، فيصير عقد الشركة ذا أثر ويخرج من اللغوية كما ذهب إليه السيد الحكيم (1) مع أن هذا الالتزام صار غريباً بعد المستمسك ولم يشر إليه فيما صنّف بعده على حسب تتبعي.

وأما صاحب تحرير الوسيلة فلو التزم بأن عقد الشركة يقتضي جواز تصرّف كلّ من المالكين في المال المشترك فنجح من الإشكال فتأمل.

والجدير بالتنبيه هنا هو أنّ كتاب تحرير الوسيلة هو في بدء الأمر كان حواشي الإمام الخميني على وسيلة النجاة للسيد أبي الحسن الأصفهاني، وبعد تبعيد سماحة جدنا إلى تركيا قام بإدخال حواشيه في المتن وسمّاه بتحرير الوسيلة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ التهافت الموجود في تحرير الوسيلة غير موجود في وسيلة السيّد، لأنّه عرّف الشركة كما عرفها الإمام الخميني ولكن في المسألة الثامنة صرّح على أن عقد الشركة يقتضى جواز تصرّف كلّ من المالكين في المال المشترك (2) ، ولكن الإمام الخميني عدل عنه وذكر أنّه لا يكون جواز التصرف من مقتضى عقد

الشركة (3).

والعجيب توضيحات شرّاح تحرير الوسيلة كالشيخ الفاضل

ص: 142


1- أنظر مستمسك العروة 13 : 25-26
2- أنظر وسيلة النجاة تعليق الإمام الخميني): 445.
3- أنظر تحرير الوسيلة 1 625

اللنكراني في تفصيل الشريعة، فإنّه أولاً شرح تعريف الإمام وبعده أوضح ما ذكره في المسألة الثامنة من دون أية إشارة إلى هذا التهافت.

قال :أولاً : في مسألة 3 كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم، وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بأحد الأسباب التي تقدم ذكرها، كالإرث واشتراء شيء واحد في بيع واحد والحيازة وغيرها، كذلك تطلق على معنى آخر، وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسب به وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما (1) .

وقال بعدها في مسالة 8: فاعلم أنّه في مورد ثبوت الشركة العقدية أو العنانية يكون الحكم أيضاً كذلك، أي لا يجوز لواحد من الشريكين التصرّف في المال المرتبط بالآخر، لعدم حصول الامتزاج المعتبر في الشركة القهرية بعد أو لكون الامتزاج فيها أعم من الامتزاج المعبّر في القهرية كما عرفت وإيقاع عقد الشركة لا يقتضي الجواز لا مطابقة ولا إطلاقا، إلا إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه، ومثل له في المتن بما إذا كانت الشركة القهرية حاصلة ابتداءً فأوقعا ومع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال والمتبع في الإطلاق والتقييد هو نفس ذلك الإذن، كما أنّ المتبع في جواز التكسب من كلّ منهما أو من أحدهما ذلك» (2). فتدبّر جيّداً.

ص: 143


1- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة :19 99
2- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة 19 : 108

الفصل السادس : كلام السنهوري في عقد الشركة

* الفصل السادس : كلام السنهوري (1) في عقد الشركة

اعلم أن القانون المدني الإيراني عرّف عقد الشركة بالشركة المسبّبية ولم يوجد فيه أثر من تعريف عقد الشركة لا كما قاله السيد (2) ولا كما قاله الإمام الخميني (3) ، فيرد عليه جميع ما ذكرنا إلى هنا، فلا نطيل البحث بالنظر إليه.

وأما ما قاله السنهوري في الوسيط فيلزم علينا أن ننظر فيه، فننقل ما قاله في ضمن أقدام

ص: 144


1- هو من أعظم رجال القانون في الممالك العربية وله تأثيرات عميقة في تدوين القوانين المدنية والدستورات في الممالك العربية من مصر والعراق وسوريا إلى ليبيا والسودان والكويت والإمارات المتحدة العربية. وله كتب ومن أهمها كتابه المسمّى بالوسيط في شرح القانون المدني الجديد فهو شرح للقانون المدني المصري، ولكن أشار نفسه في مقدمة كتابه إلى أنّه أن يكون هذا الشرح للقانون المصري الجديد هو في الوقت ذاته شرحاً للقانون السوري الجديد فما بين القانونين إلا فروق طفيفة أشرت إليها في حواشي هذا الكتاب وهو أيضاً مرجع أساسي لشرح القانون العراقي الجديد، فقد قام هذا القانون على مزاج موفق من الفقه الإسلامي والقانون المصري الجديد. وقد حان الوقت ليتعاون الفقهاء المصريون مع زملائهم فقهاء سوريا وفقهاء العراق ويتكاتفوا جميعاً لإرساء أساس قوي للقانون المدني العربي يكون قوامه الفقه الإسلامي قانون المستقبل لبلاد العروبة جميعاً الوسيط في شرح القانون المدني 1 : و.
2- انظر العروة الوثقى 5: 271-272
3- أنظر تحرير الوسيلة 1: 623

القدم الأوّل: أنّه عرّف عقد الشركة بقوله: «الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كلّ منهم في مشروع مالي بتقديم مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة » (1).

وهذا التعريف مصرّح بأنّ عقد الشركة قابل للانطباق على المضاربة والمزارعة والمساقاة، لتصريحه بأنّ الحصّة الموجودة في المشروع المالي يمكن أن يكون عملاً. فحقيقة عقد الشركة متشكلة التساهم في مال أو عمل والتشارك في الربح أو الخسران. وهذا يشمل المضاربة والمزارعة والمساقاة، كما لا يخفى.

القدم الثاني : ثمّ قال: والحصّة قد تكون نقوداً أو أوراقاً ماليةً أو منقولات أو عقارات أو حق انتفاع أو عملاً أو اسماً تجارياً أو شهادة اختراع أو ديناً في ذمّة الغير، وكلّ ما يصلح أن يكون محلّاً للالتزام يصلح أن تكون حصّةً في الشركة (2).

وهذا يظهر منه أيضاً شمول عقد الشركة بالنسبة إلى المضاربة والمزارعة والمساقاة لأن الحصّة يمكن وأن يكون عملاً ، كما أسلفنا .

القدم الثالث : ثمّ قال: نيّة الاشتراك والتعاون عن طريق قبول أخطار معيّنة. وهذا عنصر نفسي من مقوّمات الشركة، فلا يكفي لقيام شركة أن يكون هناك مال مشترك بين عدد من الأشخاص يستغلونه بحسب طبيعته فالشيوع يتحقق فيه هذا الوصف وليس بشركة (3).

ص: 145


1- الوسيط في شرح القانون المدني 5 : 217
2- الوسيط في شرح القانون المدني 5 : 221
3- الوسيط في شرح القانون المدني 5 : 221

وهذا بظاهره يؤيّد تعريف سماحة الجدّ لعقد الشركة، لأن تعريف صاحب العروة ومتقدّميه وتابعيه لا يكون فيه ما جعله السنهوري عنصراً رئيسياً من قبول أخطار معيّن قبول أخطار معيّنة، فالظاهر منه هو الحضور في الإطارات التجارية أو مثلها فلا يكون عقد الشركة صرف إيجاد الشركة.

القدم الرابع : ثم قال : ويشتبه عقد الإيجار في المزارعة بعقد الشركة، فإذا أعطى صاحب الأرض الزراعية، أو صاحب الأرض المغروسة بالأشجار الأرض مزارعة لشخص آخر في مقابل أخذ صاحب الأرض نسبةً معيّنةً من المحصول، كان العقد مزارعة، أي إيجاراً لا شركة. ذلك أن صاحب الأرض يأخذ أجرة أرضه نسبةً من المحصول، فإذا كان المزارع قد لحقته خسارة، فصاحب الأرض لا يساهم فيها (1).

وهذا لا ينافي ما ذكرناه من شمول عقد الشركة للمزارعة ؛ لأنّ ما ذكره في المتن لا ينطبق على عقد المزارعة المعهودة في فقهنا لتصريحه بأنّ المزارعة هذه لا يشارك صاحب الأرض في الخسران وهذا معلوم خروجه من تحت عنوان الشركة وأمّا صحة ذاك الإيجار أو المزارعة الخاصة المذكورة في المتن لسنا الآن بصدد تبيينها.

وينبغى عليك التنبه إلى أنّ الزراعة يمكن تصويرها في ضمن عقدين على الأقل المزارعة وإيجار الأرض للزراعة. ففي الأوّل كانا شريكين في الربح والخسران بينا في الثاني إنّما يستحق المالك أجرة الأرض على حسب قواعد الإجارة.

وعلى حسب تتبعي لم يجعل هذا المؤلّف لعقد المزارعة المعهودة عندنا عنواناً خاصاً، وهو أيضاً يؤيّد ما ذكرنا من أنّه رأى

ص: 146


1- الوسيط في شرح القانون المدني 5 : 228

المزارعة المعهودة في شرعنا من صنوف عقد الشركة، وهو حسن.

سؤال وجواب :

أمّا السؤال: لماذا رجعتم إلى أقوال الحقوقيين مع أن بحثنا هو اكتشاف المسائل الشرعية وإنّا نعلم بأنّ كلامهم ليس بحجة في فقهنا قطعاً؟

الجواب: إنّك خبير أنّه كما لا يكون كلام الحقوقيين لنا حجّةً لاستفادة حكم الشارع المقدّس، كذلك لا يكون كلام الفقهاء حجّةً، وإنّما الحجّة هو ما ثبتت حجيته من الكتاب والسنة والعقل والإجماع في الإطارات المختصّة بها، ولذلك لا فرق بين كلام الفقهاء والحقوقييين من هذه الجهة هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّا بعد ما راجعنا رواياتنا نرى أن عقد الشركة بل والكثير من العقود الأخرى كالمساقاة وغيرها ليس في رواياتنا تعريف لها ولحدودها، وإنّما يكون حولها روايات مثبتة لوجود أحكام فيها، وإنّ تبويب الأبواب وتقسيم المطالب إنّما يتكوّن بأيدي فقهائنا أو فقهاء العامة.

وبعد التنبه إلى هاتين المقدمتين تصل إلى أنّه لا فرق بين الفقهاء والحقوقيين من هذه الناحية ولذا كما يصح لنا الرجوع إلى الفقهاء في تبيين الموضوعات يمكننا الرجوع إلى الحقوقيين كذلك ثم نرجع إلى الأدلّة لاصطياد أحكام تلك الموضوعات. وفي المسألة دقائق وتأثيرات عميقة سنشير إليها في مجال آخر إن شاء الله.

ص: 147

الفصل السابع : إزاحة الشبهة عن عقد الشركة

اشارة

من مجموع ما رأينا في المقام يمكننا بيان حقيقة الشركة بما يلي والله العالم :

الشركة تكون على قسمين: الشركة المسببية وهي: اجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الإشاعة بناءً على ما عرّفه المشهور، ولسنا الآن في مقام النقض والإبرام حول طرده وعكسه بعد وضوح المقصود.

الشركة السببية وهي على نحوين: الشركة الإيجادية والشركة الاكتسابية.

فصارت الأقسام ثلاثة ولو قبل المجتمع يمكننا تسمية الأولى: بالشركة» والثانية: بالإشراك) والثالثة : بالمشاركة». والأمر في التسمية سهل وصعب كما لا يخفى على أهله.

بسط النظر في عقد الشركة الإيجادية (عقد الإشراك):

وعلينا ذكر مواد حولها :

المادة الأولى : تعريف عقد الشركة الإيجادية

وهو العقد الذي مفاده ايجاد العلاقة الشراكتية بين اثنين أو أكثر سواء في ذلك الشخصيات الحقيقية أو الحقوقية. وهو عقد صحيح

ص: 148

كلّما يقبله العقلاء ويرونه ذا أثر اجتماعي ما لم يرد من الشارع نهي عام أو خاص بالنسبة إليه.

المادة الثانية : صيغته

وصيغته كلّ ما يدلّ على إيجاد الاشتراك بينهما كقولهما اشتركنا أو تشاركنا أو قول أحدهما : «اشتركنا وقول الآخر: «قبلت بل لو تراضيا قبل العقد ثمّ قال أحد الطرفين: «اشتركنا» كفى ذلك. ولا يوجب ذلك خروجه من العقدية، لأنّ ملاك العقدية هو كون المفاد محتاجاً إلى الطرفين والسلطنتين لا كون العقد بحاجة إلى الطرفين. ولذلك فيما إذا كان شخص واحد وكيلاً من ناحية الطرفين لعقد النكاح أو البيع لا يلزم وأن يقول مرّةً: «أنكحت» ومرّةً: «قبلت» أو يقول : «بعت» مرّةً ويقول: «قبلت أخرى، بل إنّه يقول دفعةً واحدةً وبإنشاء واحد : بعت هذا الكتاب من زيد لعمرو بعشرة دراهم، فتمّ هو شرط في العقد من إعمال السلطنتين من دون حاجة إلى كون الصيغة أيضاً ذات طرفين فافهم.

ففي ما نحن فيه كان الأمر أسهل فبعد وجود العلم برضى الطرفين لا يشترط القبول اللفظي بل يكفي وجود الرضا الطرفيني في تحقق الحقيقة بعد اقتضاء صيغة اشتركنا لبيان تحقق المفاد العقدي. هذا كلّه بناءً على لزوم الصيغة وعدم الاكتفاء بالمعاطاة.

نعم ؛ يصح على المقنّن والمشرّع أن يعتبر فيها أموراً أخرى كلزوم الكتابة أو الحضور في الدفاتر الرسمية، ولكن هذه أمور خارجة عن حقيقة العقد في حد ذاته وتكوّنه شرعاً، وإنّما يشترط مثل ذلك المقام الإثبات لا الثبوت.

ففي مقام الثبوت: يتحقق الشركة بصرف إبراز تراضي الطرفين على وقوع الاشتراك بينهما بأن يصير المالان اللذان يكون كلّ واحد

ص: 149

منهما لكلّ واحد من الطرفين مفروزاً - مشتركين للطرفين على نحو الإشاعة.

فمثلاً إذا كان لي بيت ولك بيت فكما يمكننا تبديل ملكيتنا بشكل البيع بأن نجعل حصة من بيتي ثمناً وحصةً من بيتك مثمناً، فكذلك يجوز لنا أن نعقد الشركة بأن نقول تشاركنا في البيتين هكذا، ومفاده تشريكي إيّاك في حصة من داري في مقابل تشريكك إياي في حصة من دارك فيتحقق الشركة العقدية الإيجادية.

المادة الثالثة : الفرق بينه وبين البيع

ويكون الفرق بينه وبين البيع نفس الفرق الذي بيّن الشيخ الأنصاري وجوده بين البيع ،والصلح حيث قال في أوّل كتاب البيع : إنّ حقيقة الصلح ولو تعلّق بالعين ليست هي التمليك على وجه المقابلة والمعاوضة بل معناه الأصلي هو التسالم، ولذا لا يتعدّى بنفسه إلى المال. نعم ؛ هو متضمّن للتمليك إذا تعلّق بعين لا أنّه نفسه» (1).

وبهذا الملاك تصير خبيراً بالفرق بين العقد الشركة الإيجادية وعقد البيع بعد ما عرفت من أنّ حقيقة هذا العقد هو التشريك والإشراك، لا تمليك عين بمال أو مال بمال، فتدبّر.

المادة الرابعة : عدم اشتراط المزج التكويني فيه :

وتحقق هذه الشركة غير مشروط بتحقق المزج الخارجي بل إنّه في الحقيقة مزج اعتباري ولا يشترط فيه المزج الخارجي.

فعدم الاشتراط في الموارد التي لا يمكن المزج كالدارين أو

ص: 150


1- كتاب المكاسب 3 13

أمكن كالحنطة لعدم الدليل على منعه بعد ما رآه العرف مقبولاً، وتدلّ عليه العمومات مثل : الناس مسلّطون على أموالهم» (1) ، و(إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَرَةً عَن تَرَاضِ ) (2) وغيرهما.

وإنّما المانع هو الإجماع الذي ليس بحجّة في مثل المقام لعدم إيراثه أقلّ ظنّ بالنسبة إلى قول المعصوم.

أضف إلى ذلك ما قد عرفت من سيّد المستمسك من الذهاب إلى عدم اشتراط المزج في هذا العقد حيث قال : مجرّد عقد شركة بين المالكين في المالين فقط وهذه لم يقم دليل على اعتبار المزج فيها » (3).

المادة الخامسة : ثمرته :

كان هذا التراضي من العقود وثمرته تحقق الشركة المسبية.

المادة السادسة : القائلون بثبوت هذا العقد

قد عرفت فيما أسلفنا الإشارة إلى عدّة من الفقهاء الذين صرّحوا بوجود هذا العقد كالسيد صاحب العروة (4) والسيد صاحب المستمسك (5) وبعض منهم كانت عباراتهم ظاهرة في شرعية هذا العقد (6)

ص: 151


1- ذكر هذا الحديث في المصادر الفقهية ولم يرد في المصادر الروائية القديمة، الخلاف : 176-177
2- النساء (4) : 29
3- مستمسك العروة 13 : 26
4- أنظر العروة الوثقى 5 : 271-272
5- أنظر مستمسك العروة 13: 25-26.
6- أنظر تحرير الأحكام 3: 226

بل يمكن الذهاب إلى أنّ كلّ من عرّف الشركة المسبّبية ولم يعرّف عقد الشركة لو التزم بوجود عقد الشركة فظاهر كلامه ومقتضى مرامه هو وقوع هذا العقد ،وشرعيته إذ إنّ العقد بعد تعريف الشركة باجتماع الحقوق ظاهره هو العقد الذي يوجد ذاك المعنى المسبّبي، كما لا يخفى

المادة السابعة: تحقق الشركة المسببية غير منحصر بعقد الشركة الإيجادية

ثمّ لا يخفى عليك أنّ الشركة المستبية لا يكون مسبّباً لهذا العقد فقط، بل إنّها كما حصلت بواسطة عقد الشركة الإيجادية، حصلت بأسباب أخرى كالإرث والمزج القهري أو العقود غير عقد الشركة الإيجادية، كما إذا اشتريا داراً أو كما إذا ضاربا أو زارعا أو ساقيا أو حازا إلى آخر الأسباب التي توجب الشركة المسبية.

والفرق بين عقد الشركة هذا وسائر الأسباب هو أنّ سائر الأسباب أمور حاصلها الشركة مع أنّ عقد الشركة عقد مفاده الإشراك فضلاً عن كون حاصله الشركة.

المادة الثامنة : صنوف عقد الشركة الإيجادية :

ويمكن الذهاب إلى أنّ حقيقة عقد الشركة الإيجادية هو إيجاد الشركة في مال سواء في ذلك أنّ هذا التشريك يقابل تشريكاً آخر أو ثمناً أو من دون مقابل أصلاً عطية.

وبهذا الكلام يمكننا إدخال ما قاله صاحب العروة من تشريك المال تحت هذا العنوان وهو ما وصفه صاحب العروة بقوله : «شركة واقعية منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله، كما إذا اشترى شيئاً

ص: 152

فطلب منه شخص أن يشركه فيه، ويسمّى عندهم بالتشريك وهو صحيح لجملة من الأخبار» (1) .

و مراده من الإخبار مثل هذا الخبر عن الرجل يشتري الدابّة وليس عنده نقدها، فأتى رجلاً من أصحابه فقال : يا فلان انقد عنّي ثمن هذه الدابة والربح بيني وبينك، فنقد عنه فنفقت الدابة، قال: ثمنها عليهما لأنّه لو كان ربحا لكان بينهما ) (2) وبمثل هذه الرواية روايات متعددة يوجب الظنّ بشرعية مثل هذه الشركة، فلا احتياج إلى البحث السندي.

وبناءً على ما ذكرنا لا يكون لعقد الشركة ثلاثة معان كما احتمله في المستمسك بقوله : والمتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الشركة العقدية على قسمين :

الأوّل: مجرّد عقد شركة بين المالكين في المالين فقط. وهذه لم يقم دليل على اعتبار المزج فيها.

والثاني: عقد شركة بين المالكين في ماليهما مع الإذن في التصرّف منهما لهما وهي التي يعتبر فيها المزج بين المالين على نحو لا يتميّز أحدهما عن الآخر، بناءً على الإجماع المتقدّم في كلامهم.

بل هناك قسم ثالث يكون في المال الذي يشرّك مالكه فيه، كما تضمنته النصوص، فإن الشركة فيه عقدية في مال واحد (3).

وبما ذكرنا صرت خبيراً أنّ ما احتمله بعنوان الاصطلاح الثالث يكون تحت الاصطلاح الأوّل ؛ أعني التشريك فيما يقبل الشركة مطلقاً

ص: 153


1- العروة الوثقى 5 : 271
2- تهذيب الأحكام 184/437.
3- مستمسك العروة .13 : 25-26

سواء أكان مقابل تشريك أو تمليك ثمن أو فعل كدلالة إلى السلعة أو إعطاء نقد أو بلا مقابل أصلاً من باب العطية والهبة.

بسط النظر في عقد الشركة الاكتسابية (عقد المشاركة)

ونبسط النظر فيه بذكر مواد حوله :

المادة الأولى : تعريفه :

هو التراضي على وقوع العمل التجاري على رأس المال الاشتراكي.

المادة الثانية : أركان عقد الشركة الاكتسابية :

وله أركان

الأوّل: الاشتراك في رأس المال بحصص مشخصة: بأن يكون لكلّ واحد من الأطراف مأتي به قابل للتقييم ولا ينحصر ذلك بالنقود أو العروض، بل يصح وأن يكون رأس المال اسماً تجارياً أو شهادة اختراع أو عملاً معلوماً يتكوّن في طول الزمان. ويلزم وأن تكون حصة كلّ واحد منهم مشخّصةً بأن يعلم أنّ لزيد ثلثاً ولعمرو ثلثين. ومثلاً فيما إذا كان المأتي به عملاً فلا بدّ من تقييم العمل وتبيين الحصّة المتعلّقة بصاحبه بالنسبة إلى مجموع رأس المال.

الثاني: قصد العمل الاكتسابي برأس المال : فركن الشركة الاكتسابية هو اقتضاء وقوع رأس المال في الأعمال الاكتسابية مما يوجب عادة الربح.

وذكرنا قيد الاقتضاء لأجل الإشارة إلى أنه ربما لا يستفاد في بعض الأعمال التجارية من جميع رأس المال، بل إنّما يستفاد من

ص: 154

،بعضها، ولكن مع ذلك يكون الربح والخسران متن ذلك يكون الربح والخسران منتشراً على الكلّ لأجل أنّه كلّه جعل في حيّز الاكتساب ولو فرض استيعاب الخسران للجميع فيشمل الجميع، فكذلك حال الربح.

والمراد من الربح أعم من الربح المالي، فيشمل الأرباح الاعتبارية كازدياد الجاه لأطراف الشركة؛ فهو أيضاً يكون من مصاديق العمل الاكتسابي ويمكن للشركة القيام به.

الثالث : الاشتراك في الربح والخسران بالنسبة إلى الحصة المأتي بها وذلك لأنّ الربح والخسران تابعان لرأس المال، فإذا فرض أنّ الشريكين متساويان في رأس المال فيكونان مشتركين في الربح والخسران

وبما ذكرنا تعرف لماذا لم نقيّد تعريف عقد الشركة الاكتسابية بالاشتراك في الربح والخسران لأنّه من توابع الاشتراك في رأس المال، كما ذكرنا.

المادة الثالثة :

هذا العقد هو عنوان جامع لجميع صنوف عقد الشركة الاكتسابية من عقود المضاربة والمزارعة وغيرهما ولا يمكن إيجاده إلا بضميمة قيود مبيّنة لأصنافه الكثيرة، ولكن هذه الأركان المذكورة لابد من توفّرها في جميع الأصناف الآتية إلا إذا يوجب موجب التخلّف، فيكون هذا العقد هو الموضوع المتأصل لهذه الأركان، وإنّما يجب توفّرها في سائر الأصناف على نحو الموضوع التابع الذي قد عرفت تعريفه (1)

ص: 155


1- تقدم في الصفحة 42-43 .

وبما ذكرنا صرت خبيراً لماذا لم نذكر من أركان هذا العقد الأطراف مع أنّه لا يتحقق عقد الشركة من دون تصوير طرفين أو أطراف حقيقية أو حقوقية، وذلك لأنّ هذا العقد ليس موضوعاً متأصلاً لذاك الشرط بل هو جارٍ في جميع العقود.

المادة الرابعة : صنوف عقد الشركة الاكتسابية :

ولها صنوف كثيرة ويمكن تكثيرها أو تقليلها في ظرف الزمان وما ترى في المجتمع من كثرة أنواع الشركات ليس إلا لأجل تأثير الشركات في ربح الأشخاص تأثيراً كثيراً. وهذا قد أدّى إلى تأسيس الشركات المختلفة، لأنّ الناس لا يقدرون أو لا يربحون في كثير من الأحيان لو قاموا بالأفعال والأعمال من دون مشاركة الآخرين. ولذا تراهم يعتبرون الشركات المختلفة كشركة الأعمال والمفاوضة والوجوه والعنان فيما وجد في آثار فقهائنا بعنوان أضرب الشركة، وكذلك حال المضاربة والمزارعة والمساقاة، وكذلك ما تجده في المجامع التجارية اليوم كشركات السهامي العام والخاص وشركة التضامن وشركة ذات مسؤولية محدودة إلى غير ذلك من أنواع المشاركة التي لا يمكن حدّها الانحصاري، لتغييرها وتبدلها بمرور الزمان.

خاتمة الفصل السابع

والمناسب في ختام البحث عن الشركة تذييله بنكتتين :

النكتة الأولى : قد عرفت أنّ مقصودنا هو الوصول إلى نظام طولي في المعاملات الذي له تأثيرات مهمة في فقهنا الإسلامي ويمكننا الإشارة إلى تأثيرين :

الأوّل: التأثير في استخراج الأحكام، فإنّه بعد ثبوت كون عقد

ص: 156

تحت عقد آخر فيصير محكوماً بجميع أحكام ما فوقه إلا إذا دلّ الدليل على التفرقة في الاعتباريات لا الحقائق.

فمثلاً بعد ما أثبتنا أنّ المضاربة عقد تحت عقد الشركة فبعد مواجهة كلام الشيخ المفيد في المقنعة القائل بأنه: «إذا دفع الإنسان إلى تاجر مالاً ليتجر به له على أنّ الربح بينه وبينه لم ينعقد بذلك بينهما شركة وكان صاحب المال بالخيار إن شاء أعطاه ما شرطه له في الربح وإن شاء منعه منه وكان له عليه أجرة مثله في تجارته. وكذلك إن أعطى إنسان غيره ثوباً ليبيعه له وشرط له فيه نصف الربح أو ثلثه فهو بالخيار إن شاء أمضى شرطه وإن شاء ،فيه وكان رجع عليه لبيع الثوب أجرة مثله في البيع دون ما سواه» (1). فيكفي في ردّه إثبات كون المضاربة من مصاديق الشركة من دون احتياج إلى الرجوع إلى روايات باب المضارية والتمسّك بإطلاقاتها أو وجدان ما هو ظاهر في تحقق الربح بينهما بحيث لا يجوز لربّ المال العدول منه.

الثاني: التأثير في تدوين الفقه، وهو يقتضى اختصار مباحث من جهة وعدم تكرار بعضها وكذلك يوجب تشكيل الفقه بشكل جديد، كما لا يخفى

النكتة الثانية: الظاهر من الراوندي (م) 573) أيضاً شمول الشركة للمضاربة فإنّه بعد تبيين الشركة قال : وأما ما يجري مجرى الشركة فهو المضاربة» (2) ثم فصل البحث عنه.

وكذلك المالكية والحنابلة فقد صرّحوا بأنّ المضاربة من أقسام عقد الشركة (3).

ص: 157


1- المقنعة 632 - 633
2- فقه القرآن 2 67
3- أنظر الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت (علیه السلام) 3: 99-100

ومن المعاصرين قد صرّح بذلك آية الله الشيخ جعفر السبحاني حيث قال: «فالأولى أن يقال : إنّ المضاربة كالمزارعة والمساقاة من مصاديق شركة العمل والمال غاية الأمر، العمل يكون تارةً هو : التجارة وأخرى الزرع وثالثة السقي وعد الجميع من مصاف واحد أولى » (1)

ص: 158


1- نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء: 6.

الفصل الثامن : نكتة في أضرب عقد الشركة

قد ذكر الفقهاء لعقد الشركة أربعة أضرب عنان ومفاوضة وأبدان ووجوه

الضرب الأول : شركة العنان وهي أن يعقدا على أن يكون المال بينهما مشاعاً ويكون الربح والخسران عليهما (1).

الضرب الثاني : شركة المفاوضة ؛ و هي أن يعقدا على أن يكونا في جميع الأرباح والخسارات الواردة على أموالهما مشتركين من دون اشتراك في رأس أموالهما (2).

الضرب الثالث: شركة الأبدان ؛ وهي أن يشترك الصانعان على أنّ ما ارتفع لهما من كسبهما فهو بينهما علي حسب ما يشرطانه وسواء كانا متفقي الصنعة كالنجارين والخبازين أو مختلفي الصنعة مثل النجار والخبّاز (3)

الضرب الرابع: شركة الوجوه ؛ وهي أن يكون رجلان وجيهين في السوق وليس لهما مال فيعقدان الشركة على أن يتصرّف كلّ واحد منهما بجاهه في ذمته ويكون ما يرتفع بينهما (4)

ص: 159


1- أنظر تحرير الأحكام 3: 226
2- أنظر غنية النزوع : 263.
3- أنظر الخلاف 3 330
4- أنظر المبسوط 2 348

ثمّ الظاهر اتفاق فقهائنا على بطلان الجميع ما عدا الأوّل (1) وهذا المطلب ليس مورداً لنظرنا الآن والذي نريد أن نشير إليه أمور :

الأمر الأوّل : إنّه بناءً على ما عرفت في الفصل السابق تكون خبيراً بأنّ أضرب عقد الشركة غير منحصرة بهذه الأضرب بل المضاربة وأخواتها وغيرها أيضاً تعدّ من أضربه.

الأمر الثاني : أنّ ذكر هذه الأضرب الأربعة ووقوع جميعها تحت عنوان واحد شاهد مهمّ لوجود النظام الهرمي العقدي، فإنّ كلّ هذه الأربعة عقد مستقل محكوم بحكم، ولكن مع ذلك أقرّ الفقهاء على كونها تحت عقد فوقاني مسمّى بعقد الشركة، فتدبّر.

الأمر الثالث في تفسير عقد شركة الوجوه ترى الفقهاء اختلفوا وفسّروها بتفاسير قد أشار إليها في جامع المدارك بقوله : شركة الوجوه....المفسّرة...

(1 باشتراك وجهين لا مال لهما بعقد لفظي على أنّ ما يبتاعه كلّ واحد منهما يكون بينهما فيبتاعان ويبيعان ويؤدّيان الأثمان وما فضل فهو لهما.

(2 :وقيل أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوّض بيعه إلى خامل ويشترطا أن يكون الربح بينهما.

(3 وقيل : أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه والربح بينهما.

ص: 160


1- أنظر غنية النزوع : 263 - 264 السرائر :2 399 - 400 ؛ الجامع للشرائع : 313 - 312

(4 وقيل : أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له. انتهى كلام جامع المدارك (1).

ويمكن تصوير وجه آخر أو وجوه أخرى مثل ما إذا اشترك الوجيه الذي له مال مع الوجيه الذي ليس له مال لازدياد وجههما أو الوجيه في سوق بغداد مع الوجيه في سوق النجف، إلى آخر الوجوه المتصوّرة.

والنكتة التي نريد التنبيه عليها هي أنّ هذه الوجوه في تفسير شركة الوجوه هل يكون واحد منها صحيحاً وغيرها خطاً؟ لا! بل الخاطر بالبال هو أن هذه المذكورات من الصنوف المحتملة لعقد الشركة الاكتسابية في ذيل المادة الرابعة.

ص: 161


1- أنظر جامع المدارك 3: 403.

الفصل التاسع : هل عقد البضاعة من أضرب عقد الشركة؟

قال ابن فهد الحلّي: «تتمة : ويدخل تحت المضاربة البضاعة، يدفع الإنسان إلى غيره مالاً أمانة يتجر له به، وليس له في فائدته حصة. فعلى هذا إن تبرّع العامل لم يكن له أجرة وإلا كان له المطالبة بأجرة المثل ) (1).

فالحاصل منه هو أنّ البضاعة تكون من أضرب عقد المضاربة التي عرفت كونها من أضرب عقد الشركة الاكتسابية، وهو ملائم لما نحن بصدد إثباته من النظام الهرمي العقدي للمعاملات.

ولكن الظاهر عدم تمامية ذلك ؛ إذ البضاعة في صورة عدم قصد التبرّع تكون تحت الجعالة لما ترى فيها من مقابلة المال والعمل واستحقاق العامل الأجرة من مال الآمر وهاتان صفتان للجعالة كما سيأتي في المقصد الآتي لا المضاربة التي تكون تحت الشركة الاكتسابية ومن أهمّ أحكامها الاشتراك في الربح، كما عرفت.

وأما ما قاله العلامة أنّه: «إذا دفع الإنسان إلى غيره مالاً من ليتجر فيه فلا يخلو إما أن يشترطا قدر الربح بينهما أو لا، فإن لم يشرطا شيئاً فالربح بأجمعه لصاحب المال، وعليه أجرة المثل للعامل. وإن شرطا، فإن جعلا جميع الربح للعامل كان المال قرضاً ودَيْناً

ص: 162


1- المهذب البارع 2 556

عليه والربح له والخسارة عليه، وإن جعلا الربح بأجمعه للمالك كان بضاعةً، وإن جعلا الربح بينهما فهو القراض الذي عُقد الباب لأجله، وسُمّي المضاربة أيضاً » (1) ، ومثله عبارة الشهيد الثاني (2) وغيره (3) وإن كان الظاهر منه أنّ الثلاثة تكون تحت حقيقة واحدة وهي دفع الإنسان مالاً إلى غيره للتجارة ، إلا أنّ هذه الحقيقة ليست عقداً، ولذلك لا يدخل في بحثنا عن النظام الطولي بين العقود.

نعم ؛ هذا من شواهد النظام الطولي المفهومي، وهو أيضاً في غاية الأهمية لمن بحث حول فقه المعاملات، كما أسلفنا الإشارة إليه. ولكن هذا لا يغاير اختلاف القراض والقرض والبضاعة من جهة ذاتها العقدي، فتدبّر.

ص: 163


1- تذكرة الفقهاء 2 229
2- أنظر مسالك الأفهام 4 : 343-344.
3- أنظر التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 213 - 214 مجمع - الفائدة 10 : 226 كفاية الأحكام 1 624 ؛

الفصل العاشر : نسبة الجعالة والشركة الاكتسابية

قد عرفت ممّا أسلفنا حول الشركة ما حاصله هو أنّ الشركة على ثلاثة معانٍ : الشركة المسبّبية ، الشركة الايجادية والشركة الاكتسابية.

أمّا الشركة المسببية : فهو : اجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد على سبيل الإشاعة بناءً على ما عرّفه المشهور.

أمّا الشركة الإيجادية فهو العقد الذي مفاده إيجاد العلاقة الشراكتية بين اثنين أو أكثر سواء في ذلك الشخصيات الحقيقية أو الحقوقية وثمرته تحقق الشركة المسبّبية.

أمّا الشركة الاكتسابية : فهو التراضي على وقوع العمل التجاري على رأس المال الاشتراكي. وقد عرفت شمولها لمثل المضاربة والمزارعة والمساقاة كما تشمل أضربها المعروفة مثل شركة العنان والمفاوضة والوجوه والأعمال وأضربها غير المعروفة في فقهنا والمعروفة في العوالم التجارية.

وكذلك قد عرفت أنّه يلزم في الشركة الاكتسابية أن يكون لكلّ واحد من الأطراف مأتى به قابل للتقييم ولا ينحصر ذلك بالنقود أو العروض، بل يصح وأن يكون رأس المال اسماً تجارياً أو شهادة اختراع أو عملاً معلوماً يتكوّن في طول الزمان.

ص: 164

ثمّ لا يخفى : أنّ الشركة المسببية والإيجادية لا ربط بينهما وبين الجعالة لعدم مقابلة العمل والمال فيهما.

فالمهم هو بيان النسبة بين هو بيان النسبة بين الشركة الاكتسابية والجعالة ؛ فنقول :

قد عرفت أنا في الجعالة نواجه مقابلة مال وعمل بحيث يكون العمل في مقابل المال والجاعل طلب العمل وأعطى في مقابل العمل عوضاً، كما بيّنا.

ولكنّا في الشركة الاكتسابية لا نواجه مقابلة المال والعمل بل نواجه مقارنة المال والعمل». وهذا هو الميز الأصلي بين الجعالة والشركة الاكتسابية.

ففي الجعالة طلب الجاعل عملاً وعمل العامل ذاك العمل، وطبعاً يستحق العامل أجرةً في مقابل نفس العمل الذي أتى به لا بقصد التبرّع ، وأمّا في المضاربة - مثلاً بما هو ضرب من أضرب عقد الشركة الاكتسابية - فسهم المضارب إنّما هو حاصل مقارنة عمله ومال صاحب المال.

ببيان آخر في المضاربة كان الربح لهما بسبب مقارنة المأتي به من ناحيتهما فحصة العامل له لا لأجل عمله الصرف بل لأجل كونه داخلاً في شركة اكتسابية.

وبعبارة أخرى واضحة : إنّا في المضاربة نواجه ثلاثة أركان

الركن الأوّل : مال قابل للتجارة من ناحية طرف.

الركن الثاني : عمل قابل للتقييم من ناحية طرف.

الركن الثالث : الربح الحاصل من مقارنة المال والعمل.

ثم تفطّن إلى : أنّ عمل العامل المذكور في الركن الثاني لا

ص: 165

يقابل المال المذكور في الركن الأوّل، بل إنّ المال والعمل المذكورين في الركن الأول والثاني بعد حصول المقارنة بينهما ينتجان ربحاً مشتركاً بينهما على نحو الشركة المسبّبية.

ثمّ قايس ذلك مع الجعالة ففي الجعالة نواجه ركنين :

الركن الأوّل : عوض على عاتق الجاعل (1).

الركن الثاني : نفس العمل من العامل.

ثمّ يكون العمل المذكور في الركن الثاني مقابلاً للعوض الموجود في الركن الأوّل، وهذا هو الفرق الأساسي بين الجعالة والمضاربة بنحو خاص والشركة الاكتسابية بقول مطلق.

ثم دعنا نبيّن المطلب بذكر مثال أصعب

إذا قال شخص من ردّ عبدي فله نصفه، فهل هذا جعالة أو شركة اكتسابية؟

نقول : هذا جعالة لا شركة اكتسابية؛ لماذا؟ لأنّ العمل وهو ردّ العبد يقابل مع نصف العبد أيّاً كان فهذا عبارة عن خطر في جعل العوض أمراً مبهماً وهذا فارغاً عن صحته أو بطلانه لا يكون من الشركة الاكتسابية، لمكان المقابلة بين العمل والمال لا المقارنة

بينهما .

وكذلك الحال : إذا قال شخص : من زرع في أرضي فله نصف الأرض ففي هذا المقام أيضاً نقول: هذا جعالة، وإن كان الأرض يتفاوت في طول الزمان حتّى بواسطة وقوع الزراعة فيه، ولكن

ص: 166


1- معلوماً أو مجهولاً على نحو راجع إلى أجرة المثل أو الاعتبار القانوني كما ستأتي الإشارة إليه في المقصد الآتي.

بما أنّ العمل يقابل بمال وهو حصّة من الأرض فهذا جعالة بخلاف ما إذا قال: من زرع في أرضي فله النصف من الثمر، ففي هذا العقد نحن في الحقيقة نواجه اقتران المال وهو الأرض من ناحية المالك والعمل وهو الزراعة من ناحية الزارع ينتج هذا الاقتران ربحاً مشتركا بينهما على نحو الشركة المسببية.

ففي مثال: من زرع أرضي فله نصف الأرض وإن لنا نواجه به من ناحية المالك، ولكنّ العمل من أوّل الامر يقابل بحصة من الأرض.

وأما إذا قال: «من زرع في أرضي فله نصف من الثمر»، فهذا ليس من الجعالة لأنّ الثمر ليس من مال العامل حتى يمكنه إعطاؤه بل الثمر بما أنّه حاصل من الشركة الاكتسابية فهو من أوّل الأمر يكون للعامل بحسب حصّته من رأس المال بعد لحاظ نسبته بالنسبة إلى رأس المال الذي عرفت إمكان تشكيله من الأعمال أو النقود أو العروض أو شهادة الاختراع إلى غير ذلك.

والحاصل ممّا ذكرنا هو : أنّه في الجعالة يقابل العمل مع المال ولكن في المضاربة وأخواتها مثل جميع الشركات الاكتسابية لا نواجه التقابل بل نواجه التقارن.

وببيان :آخر إنّا في الجعالة نواجه ركنين العمل والمال فالعمل الواصل نفعه (المستقيم أو غير المستقيم إلى الجاعل يكون من ناحية العامل والمال الواصل إلى العامل يكون من ناحية الجاعل ولكن في المضاربة - مثلاً بما هو ضرب من أضرب الشركة الاكتسابيه - المال الواصل إلى المضارب بعد انتهاء العمل ليس من مال المالك بل هو ماله من أوّل زمن تحققه يعنى أوّل لحظة تحقق الربح يكون الربح بينهما على الإشاعة.

ص: 167

وبالجملة يمكن بيان التفرقة بين الجعالة والشركة الاكتسابية في أمرين :

الأمر الأول : أنّ الجعالة عبارة عن مقابلة المال والعمل ولكن في الشركة الاكتسابية نواجه مقارنة المال والعمل».

الأمر الثاني : إنّه في الجعالة يصل إلى العامل الأجرة من مال الجاعل ولكن في الشركة الاكتسابية لا يصل من مال الشريك شيء إلى الشريك بل الربح كان بينهما من لحظة تولّد الربح.

ولذلك : تتفاوت الشركة الاكتسابية عن الجعالة من لأنّ المال الواصل إلى العامل في الجعالة هو خارج من ملك الجاعل وواصل إلى العامل لأجل وجود المقابلة بين المال والعمل بخلاف الشركة الاكتسابية فإنّ المال الواصل إلى العامل لا يخرج من مال صاحب المال بل يُنشأ من مقارنة ماله مع عمل العامل.

ص: 168

الفصل الحادى عشر : اشتراط عدم الشركة في الضرر في الشركة الاكتسابية

هل يجوز في الشركة الاكتسابية أن يشترط أحد الشريكين أن يكون داخلاً في الربح ولا يكون شريكاً في الضرر؟

الجواب على حسب القاعدة لا يجوز ذلك، لأنّه لمّا يكون شريكاً في رأس المال فلا معنى لعدم شركته في الوضيعة والضرر. فمثلاً إذا صارا شريكين في دار فلا معنى لأن نقول إذا صعدت قيمة الدار فهي لهما وإن نزلت فليس لشريك شيء. وذلك لما عرفت من الربح والخسران ليسا منظورين مستقلاً في الشركة بل هما تابعان لشراكتهما في رأس المال.

ولكن بما أنّ الإنسان مسلّط على أمواله فيجوز لأحد الشريكين تقبّل الضرر من شريكه بمعنى أنّه بعد ظهور الضرر أعطى الضرر من ماله وهو لو التزم بذلك فلا بُعد في الذهاب إلى لزوم جبرانه عليه.

ويدلّ على ذلك صحيحة رفاعة قال : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ شَارَكَ رَجُلاً فِي جَارِيَةٍ لَهُ وقَالَ إِن رَبِحْنَا فِيهَا فَلَكَ نِصْفُ الرِّبْحِ - وإِنْ كَانَتْ وَضِيعَةٌ فَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَقَالَ: «لَا أَرَى بِهَذَا بَأْساً- إذا طَابَتْ نَفْسُ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ» (1) .

ص: 169


1- الكافي 5 16/212

وقد أشار إلى هذه المسألة السيّد في الانتصار وجعله مما انفرد به الإمامية وبيّن وجه جواز ذلك بقوله : مثال ما نحن فيه هو يقول : ما هلك من هذه البضاعة مع تساوينا فيها فهو من مالي ومالك إلا أنّي قد سمحت ورضيت بأن يكون من مالي خاصّةً، فلا مانع من ذلك» (1).

ص: 170


1- الانتصار (للشريف المرتضى): 472.

المقصد الرابع : الدلالة إلى حقيقة الوكالة

اشارة

(عدم ثبوت النظام الطولي العقدي بين الوكالة والمضاربة)

وفيه فصول

ص: 171

ص: 172

الفصل الأول : النظر إلى كلام السيد الكُلهايكاني

قال السيد الگلپايگاني في تبيين حقيقة المضاربة: «والظاهر أنّ حقيقتها توكيل صاحب المال غيره ليتجر به على أن يكون الربح بينهما، فيكون عقد المضاربة بمنزلة وكالة محدودة» (1) .

ولعل الظاهر منه هو : أنّ المضاربة صنف أصناف عقد الوكالة وتكون تحت ذاك العقد. فاللازم علينا بسط النظر في عقد الوكالة وتبيين حقيقتها حتى يتبيّن لنا أنّها هل هي العقد الجامع الشامل لها أم لا؟

ص: 173


1- العروة الوثقى (تعليق الگلپایگانی) 144 : 5.

الفصل الثاني : تعريف الفقهاء لعقد الوكالة

ولابد لنا من النظر إلى أهمّ العبارات الموجودة في الكتب الفقهية من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا وتحليلها، وإليك ما حصل من جهدنا :

النظر الأوّل إلى : كلام ابن حمزة الطوسي

والظاهر هو أوّل من قام بتعريف الوكالة بين الإمامية حيث قال مع تلخيص : «الوكالة تفويض الأمر إلى الغير على وجه. وتصح بستة شروط : (1) بالإيجاب والقبول و 2 يكون الموكل ممّن يصح منه مباشرة الأمر الذي وكلّه فيه و 3) يكون الأمر الموكّل فيه من حقوق الناس و 4 يكون الوكيل عاقلاً بصيراً بالأمر الموكّل فيه (5) عارفاً باللغة التي يحتاج إليها في المحاورة به و 6 أن يتوكل لمن هو مثله في الدين على من هو مثله فيه أو دونه.

والوكالة ضربان مطلقة ومشروطة. فالمطلقة يقوم فيها الوكيل مقام الموكّل على الإطلاق إلا فيما يقتضيه الإقرار ... والمشروطة لم يكن له فيها التعدّي عمّا له إلى غيره فإن تجاوز كان ضامناً » (1).

ص: 174


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 282-283

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى : أن قيد على وجه لا بد من توضيحه لأنّه بظاهره ،مجمل، ولعلّك تفهم من سائر العبارات الآتية المراد منه، فارتقب.

النكتة الثانية: أنّه كما ترى لا يتأكّد على حق الوكيل وأجرته أصلاً، والنظر إلى سائر الكتب الفقهية أيضاً يكشف لك أنّ أجرة الوكيل ليست مسألة أساسية في الكتب الفقهية بحيث قلّما أشير إلى أجرة الوكيل لأجل وكالته في كتب المتقدمين.

النكتة الثالثة : أنّ الشروط التي ذكرها لا توجد في روايات باب الوكالة، فاللازم للفقيه عند الفحص عن شروط الوكالة من البحث عن مستند هذه الشروط والظاهر أنّ بعض هذه الشروط مما لا وجه له قطعاً مثل الشرط الخامس، فمن الواضح أنّ الوكيل إذا كان قادراً على رفع حوائجه ولو بواسطة مترجم آخر صح له التوكيل، فتدبّر.

النظر الثاني : إلى كلام ابن إدريس الحلي

قال ابن إدريس الحلي: مسألة في الوكالة : من وكل غيره في بستان أو ما أشبهه، ولم يقل الموكّل : «وكّلتك ولا قال الموكّل : «توكّلت»، بل قال له الموكّل : يا فلان أريد أن تنظر لي في الموضع «الفلاني، فأجابه إلى ذلك ونظر فيه أتكون هذه وكالة شرعية أم لا ؟ الجواب وبالله التوفيق : إذا قبل ذلك الوكيل وقام به فقد صار وكيله وإن لم يذكر لفظ الوكالة، فاعلم ذلك» (1).

ص: 175


1- أجوبة مسائل ورسائل في مختلف فنون المعرفة: 198.

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى: أنّ السؤال مبهم لا يظهر في أنّ التوكيل في البستان هل كان لأجل النظر والحفظ من السرقة فقط؟ أو كان المقصود من النظر حفظه بمعنى شامل للسقاية أيضاً. فلو قلنا بأنّ الظاهر منه شموله للسقاية أيضاً فلعله يدلّ على أنّ ابن إدريس الحلّي يرى المساقاة تحت عقد الوكالة، فتدبر.

النكتة الثانية: أنّ هذه العبارة جدّاً مهمّة من جهة أنّ حقيقة العقد غير منوط بالعقد، وإنّما العقد له شأن إبرازي لها. ولذا قال ابن إدريس إنّ الوكيل بصرف قبوله وإدخاله في العمل يصير وكيلاً ويتحقق عقد الوكالة حقيقةً.

النكتة الثاثة بعد التنبه إلى النكتة السابقة فارجع النظر إلى عبارة الشهيد الثاني كرّةً أخرى، فإنّه ذهب إلى أنّ المضاربة مركّبة من عقود (1) ، وقد عرفت أنّ ظاهر كلامه هو تركيبه من عدّة عقود ولكن جمع من الفقهاء أشكلوا عليه فمثلاً قال صاحب الجواهر مستشكلاً عليه كيف كان فقد علم ممّا ذكرناه أنّ المضاربة دفع الإنسان إلى غيره مالاً ليعمل فيه بحصة من ربحه ولكن يتبعها أحكام عقود كالوكالة والوديعة ،والشركة، وغيرها كالغصب وأجرة المثل ونحوها المسالك من أنّ عقد القراض مركّب من عقود كثيرة، لأنّ العامل مع صحة العقد وعدم ظهور ربح ودعي أمين، ومع ظهوره شريك، ومع التعدّي غاصب وفي تصرّفه وكيل، ومع فساد العقد ،أجير لا أنّ المراد إنشاء هذه العقود بإنشاء عقدها، وإلا كان محلّاً للنظر (2).

ص: 176


1- أنظر مسالك الأفهام 4 : 344
2- جواهر الکلام :26 338

والحاصل من تفسير صاحب الجواهر هو أنّ المضاربة مغايرة بتمام الذات عن سائر الكتب وأنّ مقصود الشهيد الثاني من العبارة هو أنّ بعض الأحكام الموجودة في سائر الأبواب يوجد في كتاب المضاربة أيضاً لا أنّ عناوين الكتب وأحكامها متداخلة، فتأمل فقط.

النظر الثالث : إلى كلام المحقق في المختصر النافع

قال: «الوكالة عبارة عن الإيجاب والقبول الدالّين على الاستنابة في التصرّف. ولا حكم لوكالة المتبرّع» (1).

ويمكننا تذييله بنكات

النكتة الأولى: الظاهر من كلامه هو أنّ حقيقة الوكالة هي الاستنابة ويؤيّده كثير من عبارات الفقهاء كقول الشيخ الطوسي في المبسوط : فأمّا الكلام في صحة ما يجوز أن يتوكّل فيه لغيره، فجملته أنّ كلّ ما يصح أن يتصرّف فيه لنفسه صح أن يتوكل فيه لغيره إذا كان ممّا تدخله النيابة» (2).

وكذلك قوله : «فأمّا بيان من يجوز له التوكيل، ومن لا يجوز له التوكيل فكلّ من يصح تصرّفه في شيء مما تدخله النيابة صح التوكيل» (3).

النكتة الثانية : أنّ مراده من قوله لا حكم لوكالة المتبرّع غير واضح ولكن لا شكّ في أنّ فيه إشارة إلى الجهة المالية في الوكالة، يعنى أخذ المال في مقابل الوكالة. وهذا المطلب أي الإشارة إلى

ص: 177


1- المختصر النافع : 154.
2- المبسوط 2 365
3- المبسوط 2 364

الجهة المالية- مفقود في الكتب الفقهية قبله وجعل أمراً غير مهم في الكتب بعده، كما سيأتي النظر إليها.

النكتة الثالثة : أنّ كشف الرموز الذي يكون شرحاً للمختصر النافع أيضاً فاقد لتوضيح حول قوله: «لا حكم لوكالة المتبرّع»، وأيضاً فاقد لشرح حال الجهة المالية (1).

النظر الرابع: إلى الشرائع

صاحب الشرائع أيضاً مصرّح بأنّ حقيقة الوكالة عبارة عن الاستنابة حيث قال : وهو أي عقد الوكالة) استنابة في التصرّف (2). ثمّ قال : ويستحبّ أن يكون الوكيل تامّ البصيرة فيما وكل فيه عارفاً باللغة التي يحاور بها» (3).

ويمكن تذييله بنكتتين :

النكتة الأولى : إنّه جعل ما جعله الشيخ من شروط الوكالة من المستحبّات وإن كان على الباحث أن يبحث عن معنى هذا الاستحباب في محلّه، فتدبّر.

النكتة الثانية : أنّ المحقق أيضاً لم يبحث عن الجهة المالية التي بواسطتها قبل الوكيل الوكالة.

نعم ؛ في المسألة الثانية من الفصل السابع قال: «إذا اختلفا في دفع المال إلى الموكَّل فإن كان بجعل كلّف البينة، لأنّه مدّع، وإن

ص: 178


1- أنظر كشف الرموز 2 36-42
2- شرائع الإسلام 2 425
3- شرائع الإسلام 2 431

كان بغير جعل قيل : القول قوله كالوديعة وهو قول مشهور. وقيل: القول قول المالك...» (1).

وقد شرحه صاحب الجواهر بقوله : «المسألة الثانية : إذا اختلفا في دفع المال الذي هو في يد الوكيل من حيث وكالته إلى الموكل، فإن كانت الوكالة بجُعل كلّف ،البينة لأنّه مدّع وقابض لمصلحة نفسه، فلا يساوي الوديعة وإن كانت بغير جعل قيل : القول قوله كالوديعة في الإحسان وهو قول مشهور» (2).

والانتساب إلى الشهرة يكشف أن المسألة كانت مطروحةً فيما سلف خصوصاً في كتب الشيخ ويمكن وجدانه في المبسوط (3).

وبه يعلم أنّ وجود الجعل وعدمه، يمكن أن يؤثر في بعض الأحكام فيجب على الباحث أن يبحث عن الجواز المعروف وجوده عقد الوكالة، هل هو حكم الوكالة الصرفة أو الحكم كذلك حتّى في الوكالة التي أخذ الوكيل الأجر، فتأمل.

وبه يعلم أيضاً : أنّه يجب على الفقهاء البحث عن هذه الجهة مع أنّ الكثير من كتبهم خالٍ منها.

النظر الخامس : إلى تحرير العلامة

قال الرابع: يجوز التوكيل بجعل وبغير جعل، فإن كانت بجعل استحقه الوكيل بتسليم ما وكل فيه إلى الموكل إن كان ممّا يمكن تسليمه فإن وكله في عمل كثوب ينسجه، أو يقصره، أو

ص: 179


1- شرائع الإسلام 2 439
2- جواهر الكلام :27 432
3- أنظر المبسوط :2 372371

يخيطه، فمتى سلّمه إلى الموكَّل معمولا استحق الأجر، وإن كان في منزل الموكّل. وإن وكل في بيع أو شراء استحقه مع العمل، وإن لم يقبض الثمن في البيع، إلا أن يجعل الأجر في مقابلة البيع والقبض (1).

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى: أنّه أوّل من بحث عن الجُعل على نحو مستقل على حسب تتبعنا الناقص. وما نقلنا عنه هو كل ما قاله في المقام.

النكتة الثانية : الظاهر أنّه لم يُشر إلى أحكام الجعل إلا في ضمن تلك المسألة التي نقلناها عن الشرائع وفي ضمن مسألة أخرى هذا نصها : إذا ادّعى خيانة وكيله لم يسمع إلا مع التعيين، وحينئذ يكون القول قول الوكيل مع يمينه وعدم البيّنة، ويستحق الجعل إن كان شرط له ، ولو نكل ، حلف الموكّل ويثبت الخيانة، وقاصه (أي من الجعل الذي للوكيل على ذمّة الموكّل على ما في هامش الكتاب، فإذا على الظاهر أنّه مسألة على حدة غير مربوطة بصورة الخيانة، والظاهر هو تكرار ما ذكره من قبل وقد نقلناه في صدر النظر الخامس) كان له جعل على البيع كان له المطالبة به من قبل أن يتسلّم الموكل الثمن ، ولو قال: وكلتك في بيع مالي فإذا سلّمت الثمن إلي فلك كذا، استحق الجعل بعد التسليم (2).

النكتة الثالثة : ظاهر كلامه شمول الوكالة للإجارة كما لا يخفى وسيأتي إضافة بيان إن شاء الله.

ص: 180


1- تحرير الأحكام 3 22
2- تحرير الأحكام 3: 45.

النظر السادس : إلى التذكرة

إنّه في مقام إثبات مشروعية الوكالة بعد التمسك بآيات وروايات قال : وقد أجمعت الأمة في جميع الأعصار والأمصار على جواز الوكالة في الجملة. ولأن اشتداد الحاجة الداعية إلى التوكيل ظاهرة، فإنّه لا يمكن كلّ أحد مباشرة جميع ما يحتاج إليه من الأفعال، فدعت الضرورة إلى الاستنابة، فكانت مشروعةً» (1).

والمستفاد منها نكات

النكتة الأولى : أنّ حقيقة الوكالة هي الاستنابة.

النكتة الثانية : أنّ كلّ ما دعت إليه الضرورة في حياة الإنسان الاجتماعية هي مشروعة ؛ وهذه كبرى مهمّة لابد من الفحص عنها.

النكتة الثالثة أن الجهة المالية في الوكالة أمر عرضي بحيث ليس شرط الجعل موجوداً في أكثر ما تمسّك به لإثبات مشروعية الوكالة، فإنّه لأجل إثبات مشروعية الوكالة تمسّك بآيات وروايات وقال :

أما الكتاب :

1) فقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَكِينِ وَالْعَمِلِينَ عَلَيْهَا) (2) ؛ فجوّز العمل [عليها ] (3) وذلك بحكم النيابة عن المستحقين.

(2) وقوله تعالى: (فَابْعَثُوا أَمَلَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ: إِلَى الْمَدِينَةِ

ص: 181


1- تذكرة الفقهاء 2 113
2- التوبة (9) : 60 .
3- ما بين المعقوفتين إضافة اقتضاها السياق.

فلينظر أيها أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِنْهُ) (1) ؛ وهذه وكالة.

3) وقوله تعالى: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ) (2) ؛ وهذه وكالة.

وأما السنة :

فما روی العامّة عن عن جابر بن عبد الله قال : أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وقلت له : إنّي أردتُ الخروج إلى خيبر فقال : إذا لقيت (3) وكيلي فخُذْ منه خمسة عشر وسقاً، فإن ابتغى منك آيةً فضَعْ يدك على ترقوته» (4)

2) وروي أنّه صلى الله عليه وآله وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان

3) ووكل أبا رافع في نكاح ميمونة (5)

4) وروى عروة بن الجعد البارقي قال : عُرض للنبي صلى الله عليه وآله جَلَبُ الجَلَب : ما جُلب من خيل وإبل ومتاع فأعطاني ديناراً، فقال: يا عروة ائت الجَلَب فاشتر لنا شاةً قال : فأتيتُ الجَلَبَ فساوَمْتُ صاحبه فاشتريتُ شاتين بدينار فجئتُ أسوقهما، أو أقودهما ، فلقيني رجل بالطريق فساومني، فبعتُ منه شاةً بدينار وأتيت النبي صلى الله عليه وآله بالدينار والشاة، فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم، قال: «وصنعت كيف؟»

ص: 182


1- الكهف (18) 19.
2- يوسف (12) 93
3- في سنن أبي داود: (إذا اتيت).
4- سنن أبي داود : 3632172
5- أنظر السنن الكبرى :7 139

قال : فحدثته الحديث، فقال: «اللهم بارك في صفقة يمينه (1).

5) وروي أنّه وكل حكيم بن حزام في شراء شاة (2).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام: «مَنْ وكَّل رجلاً على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبداً حتّى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها (3)، وغير ذلك من الأحاديث (4).

وعلى كل حال لا يكون فيها جهة التكسب في الوكيل مورداً للنظر إلا في الآية الأولى، وليس المقام مقام التفصيل من الجهة، فتدبّر.

نعم ؛ يمكننا الإشارة إلى نكتة هنا وهي أن ما تمسك به للوكالة بعضها صريح في عدم تحقق عقد الوكالة بل المتحقق معنى الاستنابة ولعلّ الكبرى الموجودة في أذهان المتمسكين بهذه الأدلة أنّه بعد إثبات مشروعية المفهوم كان العقد الذي يوجدها أيضاً

مشروعاً. فهذه أيضاً كبرى مهمّة لابد من الفحص عنها.

النظر السابع إلى تلخيص المرام

وبعد النظر إلى جميع ما قاله حول الوكالة يمكننا ذكر نكات حولها :

النكتة الأولى : أنّه لم يبحث عن الجهة المالية أصلاً (5).

ص: 183


1- أنظر مسند احمد 4 376 السنن الكبرى 6 112
2- أنظر سنن أبي داود 2 3386/121.
3- من لا يحضره الفقيه 3 3381/83؛ تهذيب الأحكام 6: 502/213
4- تذكرة الفقهاء 2 113
5- أنظر تلخيص المرام في معرفة الأحكام: 121-124

النكتة الثانية : أنّه جعل عقد الوكالة بعنوان ملحقات كتاب الدين. ولا شكّ في أنّ هذا الجعل ليس بالنظر إلى حقيقة الوكالة بل بالنظر إلى أمر عرضي وهو ما رأى من أنّ الوكالة في بعض الأحيان أو كثيرها تكون لأجل قضاء الدين كما إذا قال: اقبض حقي من «فلان» (1) ، وإلا فلا وجه لجعلها فيها، كما لا يخفى.

وقد رأيت المحقق الشعراني أشار بذلك الوجه في تبصرة المتعلّمين وذهب إلى أنّ الوكالة متناسبة للخصومة والخصومة متناسبة للدين (2).

النكتة الثالثة : إذا وصل الكلام إلى هنا فلا بأس بذكر سائر ما جعله بعنوان ملحقات كتاب الدين فإنّه بحث في ضمن كتاب الدين عن ستة فصول: من القرض والرهن والضمان وما يلحق إليه من الحوالة والكفالة والصلح والوكالة والحجر (3)

ومعلوم أنّ دخول هذه الفصول تحت الدين لا يكون بالنظر إلى النظام الطولي الذي نحن بصدده، بل إنّما بحث عنها في ضمن الدين لوجود الارتباط بينهما. فمثلاً بحث عن الصلح لوقوعه في بعض الأحيان في مواضع الاختلاف وانحل به الدين مثلاً.

ولكنك خبير أنّ الأنسب البحث حول كلّ واحد من العناوين ضمن الحقيقة التي تشملها على نحو النظام الطولي، كما بيّنا.

ص: 184


1- تلخيص المرام في معرفة الأحكام: 121
2- أنظر تبصرة المتعلمين في أحكام الدين - ترجمة وشرح: شعراني (فارسي) 2 442.
3- أنظر تلخيص المرام في معرفة الأحكام: 111-129.

النظر الثامن إلى : القواعد

ويمكن ذكر نكات حوله :

النكتة الأولى: أنّ العلامة جعل في القواعد الوكالة تحت الإجارة (1) ، فتكون من أضرب الإجارة على الظاهر. وهذا ما يناسب ما نكون بصدده من إثبات النظام الطولي بين أبواب المعاملات.

النكتة الثانية: وممّا يصلح لتأييد كون الوكالة تحت الإجارة ما ذكره الفقهاء من مسائل الوكالة كما ذكره الشيخ في الخلاف في ضمن مسائلها : «إذا اختلف الخيّاط وصاحب الثوب، فقال صاحب الثوب: أذنت لك في قطعه قميصاً»، وقال الخياط أذنت لي في قطعه قباء، وقد فعلت. فالقول قول الخياط. وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه والثاني: القول قول صاحب الثوب و به قال ابن أبي ليلى (2) انتهى.

وكذلك : يؤيّده ما نقلنا لك من العلامة حيث قال في التحرير «يجوز التوكيل بجعل وبغير جعل... فإن وكله في عمل، كثوب ينسجه، أو يقصره، أو يخيطه فمتى سلّمه إلى الموكّل معمولاً، استحق الأجر » (3). فتدبّر، فإنّ إثبات الرابطة الطولية بين الإجارة والوكالة ليس الآن محط نظرنا.

النكتة الثالثة : أنّ سائر ما جعله تحت عنوان الإجارة عبارة عن المزارعة والمساقاة والشركة والمضاربة والسبق والرمي. ولو تم ذلك، لتحقق نظام طولي أطول في رأينا بحيث يكون الشركة تحت الإجارة

ص: 185


1- أنظر قواعد الأحكام 2 : 349281
2- الخلاف : 348
3- تحرير الأحكام 3 22

كما كانت المضاربة والمزارعة والمساقاة تحت الشركة، فيكون البحث المناسب حينئذٍ بيان الأحكام المشتركة للجميع حين الفحص عن الإجارة ثمّ إضافة الأحكام الاختصاصية في ضمن البحث عن كلّ واحد من العقود التحتانية.

ولكنّه كلّه على فرض تسليم تحتية عقد الشركة بالنسبة إلى الإجارة وهي محتاجة إلى فحص لعلنا نبحث عنه في مباحثنا الآتية.

النظر التاسع إلى التنقيح الرائع :

فإنّ الفاضل المقداد أخذ بتبيين الوكالة من حيث اللغة أولاً وقال: يقال : وكلته توكيلاً، والاسم الوكالة بفتح الواو وكسرها. والوكيل القائم بالوكالة. ويقال له الجريء أيضاً. والتوكيل إظهار العجز والاعتماد على غيرك، والاسم التكلان» (1) .

ثمّ أشار إلى تعريف المحقق للوكالة : الوكالة عبارة عن الإيجاب والقبول الدالين على الاستنابة في التصرّف (2) وقال: «في هذا التعريف نظر من وجوه

الأوّل : إن كانت الوكالة لغةً صفة قائمة بالوكيل والاستنابة صفة قائمة بالموكّل فالمقصود بالتعريف :

(1 إمّا المفهوم اللغوي فهو صفة قائمة بالوكيل كما عرفت فلا يجوز تعريفها بالاستنابة التي هي صفة قائمة بالموكل لتباينهما .

(2 أو العقد الشرعي، وذلك هو التوكيل والتوكيل هو الاستنابة،

ص: 186


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2 : 278
2- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2 278

فيبقي تقدير الكلام التوكيل هو الإيجاب والقبول الدالّين على التوكيل، فيكون تعريفاً للشيء بنفسه.

اللهمّ إلا أن نعني بالإيجاب والقبول لفظهما وبالاستنابة معناها فلا يفسد.

الثاني : أنّ الوكالة كما تكون في الأفعال كذا تكون في الأقوال، وكثير من الأقوال لا يطلق عليه التصرّف عرفاً حقيقةً بل مجازاً، والتعريفات تصان ذلك.

الثالث: أنّ التصرّف أعمّ من الصحيح وهو ظاهر والفاسد كالغصب وشراء الخمر والعقود الفاسدة والمقصود هو الأوّل، فيكون تعريفاً غير مانع.

والأجود في تعريفها: أنّها عقد يفيد نيابة الغير في شيء للمستنيب أن يتولاه بنفسه وبغيره». ف- «الشيء» يعمّ الأقوال والأفعال، وتقييده ب-«ما له أن يتولاه يخرج الفاسد من الأقوال والأفعال وقولنا وبغيره» احتراز عمّا ليس له أن يتولاه بغيره

كالواجبات العينية والنذور والأيمان وغير ذلك (1) انتهى كلامه رفع مقامه .

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى: أما ما ذكره بعنوان المعنى اللغوي للوكالة بما يحتوي على إظهار العجز فليس في معنى التوكيل هذا المعنى ولم أرَ من اللغويين من أشار بذلك إلا في لسان العرب (2) وإن كان فيه أيضاً مناقشة لا يسعها المقام ولكن على كل حال لا يكون في التوكيل

ص: 187


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 279
2- أنظر لسان العرب 11 736

إظهار عجز بل إنّك إذا راجعت كلمات اللغويين ترى أن التكلان أيضاً خالٍ من معنى إظهار الضعف (1).

والخاطر بالبال : أنّ معنى ، لازم عرفي لكثرة الاتكال إلى الغير، فقد أشرب للمادة وليس في ذاتها والكلام في هذه الجهة محتاج إلى التفصيل في محلّ مناسب له.

النكتة الثانية: إطلاق الجريء على الوكيل قد ذكره بعض اللغويين لسان العرب (2) وتاج العروس (3) ووجه التسمية لعلّه يعلم بعد النظر إلى ما قاله الفقهاء من أنّه يكره لذوي المروءات مباشرة الخصومة ويستحبّ لهم التوكيل كما قال الشهيد الثاني في الروضة: ويستحبّ» لذوي المروءات وهم أهل الشرف والرفعة والمروءة التوكيل في المنازعات ويكره أن يتولوها بأنفسهم، لما يتضمّن من الامتهان والوقوع فيما يكره، روي أن علياً عليه السلام وكل عقيلاً في خصومة، وقال: «إن للخصومة تُحماً، وإنّ الشيطان ليحضرها وإنّي لأكره أن أحضرها والقحم بالضمّ المهلكة والمراد هنا أنّها تقحم بصاحبها إلى ما لا يريده» (4).

ولعلنا يمكننا وأن نقول : إنّ إطلاق الجريء له بحسب بعض حالاته لا جميع الحالات كالتوكيل في العقد كما فعله العلماء النجباء، فتأمّل (5).

ص: 188


1- أنظر الصحاح 5 : 1845؛ مجمع البحرين 5: 493.
2- أنظر لسان العرب 11 : 735
3- أنظر تاج العروس 15 786
4- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 377.
5- ويمكن أن نقول : إن التوكيل من جانب أصحاب المروءة ليس بمعنى كون الوكيل جريئاً، بل لعله لأجل أنّ الإنسان بطبيعة حاله قد يصعب له الدخول فی المنازعات لأجل مصلحة شخصه ومنافعه الشخصية بخلاف ما إذا دخل في النزاع لأجل استيفاء حقوق غيره. وعلى ضوء ذلك يمكن الجمع بين كراهة تولي أصحاب المؤوءة وبين عدم كون الوكيل جريئاً، فتأمل.

النكتة الثالثة: أنّ إشكاله الأوّل مبني على مبنى مردّد كما صرّح نفسه أيضاً، فالوكالة لا يعلم كونها اسماً للجهة الموجودة في الوكيل، بل كما يظهر من بعض التعابير هو اسم للتوكيل الذي هو فعل الموكَّل، فالوكالة يمكن أن تكون اسماً للصفة الكائنة في الموكّل. والتعبير الذي ظاهر في ذلك هو ما ذكره نفسه من ذكر الوكالة بعد ذكر باب التفعيل كما قال : وكلتك توكيلاً والاسم الوكالة» (1) كما في الصحاح (2) وتاج العروس (3)

النكتة الرابعة ما قاله في الإشكال الثاني يمكن ردّه بأنه :

أولاً: إطلاق التصرّف على الأقوال إطلاق حقيقي لغةً، وهذا يكفي في المقام. وإن أصرّ على أنّ الإطلاق العرفي هو المهم فيمكننا الاستشكال في تعريفه أيضاً بأن الشيء في العرف لا يشمل القول، فتدبّر.

وثانياً: إجراء العقد ليس صرف قول بل هو تصرف وإيجاد العلاقة خاصة بين الزوجين أو المالكين ولا شكّ في إطلاق التصرّف على مثل ذلك. فإجراء عقد البيع وإن كان قولاً ولكن هو تصرف اعتباري في أموال المالكين، كما لا يخفى. إلا أن يكون مراده من الأقوال صرف إبلاغ السلام ونحوه.

النكتة الخامسة: ما قاله في الإشكال الثالث يمكن دفعه بأنّ

ص: 189


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 278
2- أنظر الصحاح 5 : 1845.
3- أنظر تاج العروس 15 785

وكالة المحرّمات وكالة ولذلك يجب أن يكون التعريف شاملاً لها، أمّا كونها وكالةً باطلة فأمر آخر وهذا واضح. فمثلاً في تعريف البيع إنا عرّفنا البيع بما يشمل بيع الخمر أيضاً مع أنّه حكم ببطلانه وهذا أمر آخر غير دخيل في مقام التعريف.

وبذلك يعلم : أنّ تقييد التعريف بقوله : «للمستنيب أن يتولّه بنفسه أو بغيره (1) غير لازم بل ،قادح لأنّ الوكالة حقيقتها تشمل التوكيل بالنسبة إلى الواجبات أيضاً، وأمّا عدم جواز التوكيل في الواجبات فهو حكم الوكالة لا حقيقتها، كما لا يخفى

النظر العاشر إلى : المهذب البارع

قد نظرنا في النظر الثالث إلى كلام المحقق في المختصر النافع وعند الوصول إلى كلامه ولا حكم لوكالة المتبرع» (2) ذكرنا أنّ هذه العبارة مجملة ولابد من التأمل فيها وقد أشرنا إلى أنّ كاشف الرموز قد أهمل توضيحها وبقي هذا الكلام مجملاً حتى وصلت النوبة إلى ابن الفهد وكتابه المسمّى بالمهذب البارع فقال في شرح كلام

، المحقق: قال المحقق طاب ثراه : ولا حكم لوكالة المتبرّع». :أقول : هذه المسألة من خواص هذا الكتاب واختلف في تفسيرها على قولين [بل :أقوال]: إن تبرّع إنسان فيوكّل آخر عن زيد مثلاً، وتقبل الوكيل هذه الوكالة، فتكون الوكالة هنا بمعنى التوكيل، أي لا حكم لتوكيل المتبرع، بل يقع باطلاً.

أو يكون معناه : إنّ الوكيل تبرّع بقبولها فضولياً، لعلمه بصدورها عن غير مالك، فهو متبرّع

ص: 190


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 279
2- المختصر النافع : 154 .

وبيانه موقوف على مقدّمة، وتقريرها أنّ الوكالة الصحيحة لها حكمان إمضاء التصرّفات الصادرة من الوكيل عن الموكّل واستحقاق الوكيل عند فعل ما وكّل فيه أحد الأمرين، إما الإجارة أو الجُعل، فالمتبرع بقبول الوكالة من غير اشتراط أحد الأمرين لا يستحق أحدهما، فقوله : لا حكم لوكالة المتبرع، يريد به الحكم الثاني الذي هو الاستحقاق، لا الأوّل

ولا نعني بقولنا : من غير اشتراط أحد الأمرين، أن لا يشترط العوض لفظاً، بل أعمّ من اللفظ والنية إذا كان العمل ممّا له أجرة بالعادة، فإنّه وقوعه بأمر المالك يستحق عليه أجرة المثل وإن لم يشارطه، بل التقدير أنّه فعله بنية التبرّع أو كان الفعل ممّا لا يستأجر بمجرى العادة كبريه القلم، فإذا لم يذكر العوض لفظاً لم يكن له أجر وإن نواه لتبرّعه بقبولها والتعبير الأوّل أوجه» (1). انتهى كلامه.

وحاصله هو : أنّ المراد من لا حكم لوكالة المتبرّع (2) أحد الأمرين :

الأوّل : إذا تبرّع شخص ودفع مالاً إلى شخص لأجل توكيله للغير، فالوكالة باطلة.

الثاني : إذا تبرّع شخص للاستنابة من الغير، فلا يستحق الأجرة.

ويمكننا أن نقول : إن الحكم في الاحتمال الثاني واضح لا غبار عليه ولكن

.1 بعد النظر إلى كلمات الأصحاب ورؤية أن الجهة المالية في الوكالة أمر عرضي

ص: 191


1- المهذب البارع 3 31
2- المختصر النافع : 154 .

2. وبعد النظر إلى أنّ عبارة لا حكم لها عنوان مطلق وتخصيصه إلى استحقاق الأجرة صعب،

3. وبعد النظر إلى وضوح هذا المطلب في الفقه فلا يناسب ذكرها مستقلاً،

نصل إلى مروحية الاحتمال الثاني، فنقول : الظاهر أنّ المحقق لم يرد بتلك العبارة هذا الاحتمال.

فبقي الاحتمال الأوّل أي دفع مال تبرّعاً (أي من دون قصد أخذه من شخص آخر إلى وكيل وتوكيله للغير باطل من الأساس. وهذا لا غبار عليه لو تذهب إلى عدم جريان الفضولية في الوكالة وإلا ،فمشكل فتبصر.

النظر الحادي عشر : إلى جامع المقاصد

فإنّه بعد ذكر تعريف العلامة للوكالة بقوله : «العقد أي عقد الوكالة): وهو ما يدلّ على استنابة في التصرّف (1) قال : يندرج في هذا التعريف القراض والشركة والمزارعة والمساقاة بل الوصية ويمكن الاعتناء به بحمل دلالته على الاستنابة على كون المطلوب منه هو الاستنابة، ومعلوم أنّ هذه كعقودٍ الاستنابة فيها أمر ضمني، وليست

الوصية استنابة وإنّما هي نقل ولاية» (2) انتهى كلامه.

هذا ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى : فعلم منه أنّ الاستنابة المفسّر بها الوكالة ليس على نحو عادي بل الوكالة هو ما يكون المطلوب فيه الاستنابة وكم

ص: 192


1- قواعد الاحكام 2 349
2- جامع المقاصد 8 177

فرق بين وجود مفهوم في عقد ومطلوبية مفهوم فيه. وهذا ممّا في غاية الأهمية بالنظر إلى النظام التركيبي الذي عرفت توضيحه على الإجمال.

النكتة الثانية : وعلى كل حال يكشف من هذه العبارة أنّ مفهوم الوكالة موجود في المضاربة أيضاً. وهذا ما يوجبني الإشارة إلى كلام الشهيد الثاني حيث قال المضاربة مركّبة من عقود (1) :

وبعد النظر إلى هاتين العبارتين يمكنك أن تقول : الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة أيضاً مركّبة من عقود، بعد ما عرفت من أنّ من مفهوم الوكالة فيها موجود وهذا لا غرو فيه بعد ما عرفت من أنّه فرق بين التركيب من مفاهيم العقود الذي عبّرنا عنه بالنظام التركيبي أو النظام الطولي المفهومي وبين الوقوع تحت عقد آخر الذي عبرنا عنه بالنظام الهرمي العقدي أو الطولي العقدي.

النكتة الثالثه : لو سلّم وجود الاستنابة في المضاربة وأخواتها، فيمكن الاستفادة ممّا قلناه مكرّراً، والذهاب إلى أنّ الاستنابة إذا كانت لها أحكام في الشريعة الإسلامية فجميع أحكامها يجرى في المضاربة وأخواتها من دون حاجة إلى النظر إلى روايات كتاب المضاربة مثلاً من هذه الجهة. فإذا ورد رواية حول الوكالة وبيّن فيها حكم موضوعه الاستنابة فهو سارٍ في المضاربة أيضاً والاستفادة منها فيها ليس بقياس، فتدبّر جيّداً.

النكتة الرابعة بل يمكننا أن نقول : إنّ الوكالة إذا كانت بجعل، فيتحقق فيها مفهوم الإجارة أو الجعالة أيضاً، لصيرورة الوكيل أجيراً أو عاملاً للموكل، فبواسطة وجود حقيقة الإجارة أو الجعالة في

ص: 193


1- أنظر مسالك الأفهام 4 : 344.

الوكالة غير التبرعية يمكن الذهاب إلى تركيب الوكالة من الإجارة أو الجعالة أيضاً.

وثمرة هذه الاستفادة هو جريان جميع أحكام الإجارة أو الجعالة في الوكالة أيضاً فيما يناسب الموضوع، كما أكدنا عليه غير مرّة في تبيين ثمرة القول بالنظام الطولي بكلا قسميه العقدي والمفهومي.

ولعلّك بالنظر إلى هذه الدقيقة تفهم أنّه لماذا لا ترى في كتب الفقهاء بحثاً عن الجهة المالية في الوكالة أي البحث عن أجرة الوكيل إلا بشكل استطرادي. وهذا يكشف منه أنّ النظام الطولي والتركيبي كان مرتكزاً في أذهانهم وإن لم يعبّروا عنها ولم يصرّحوا

بها.

وممّا يؤيّد ما قلنا من وجود حقيقة الإجارة أو الجعالة في الوكالة ما قاله نفس هذا المحقق في جامع المقاصد في شرح قول العلامة حيث أفاد إنّ أثر الفساد أي فساد عقد الوكالة لا يظهر في الاستنابة ،والإذن بل إنّما يظهر في الجعل إذا كانت الوكالة بجعل (في النسخة يجعل ولكن الصحيح بجعل)، فإنّه يبطل ويستحق الوكيل أجرة المثل» (1). انتهى كلامه.

فنسأل منك: ما هو ملاك الرجوع إلى أجرة المثل؟ إذا لم يكن مفهوم الإجارة في طول ما أراد المتعاقدان إيجاده، فبعد انكشاف البطلان بالنسبة إلى المركّب بما هو كلّ أي عقد الوكالة فما هو الوجه للرجوع إلى الأجرة، فتدبّر جيّداً.

ثمّ اعلم : أنّ الأجرة التي قال الفقهاء بثبوتها في صورة البطلان

ص: 194


1- جامع المقاصد 8: 182

ليس في جميع الأحيان، بل إنّما يستحق الأجير الأجرة إذا كان فعله يحترم عند الشريعة المقدّسة وكان مطابقاً لما استدعاه الموكّل فإذا كان وكيلاً في الغصب أو كان وكيلاً في البيع ولكن اشترى، فمن المستحيل اعتراف الفقهاء باستحقاق الأجرة. وهذا ما نفهمه بسهولة بعد التنبه إلى أنّ استحقاقه الأجرة في زمن فساد عقد الوكالة ليس إلا بجهة وجود مفهوم الإجارة، ولذا تجرى أحكام الإجارة ثبوتاً ونفياً. أن هذه الأحكام الموضوع المتأصل لها هو الإجارة أو الجعالة وإنّما الوكالة موضوع تابع لها، فتدبّر جيّداً.

النكتة الخامسة : هذا كلّه بناءً على التسليم بالنسبة إلى ما ادعاه من وجود الاستنابة في القراض والمزارعة والمساقاة ؛ أنّ الخاطر بالبال خلوّها منها ؛ إذ الاستنابة تكون بمعنى أن فعلك فعلي مع هذا المعنى مفقود في تلك العنوانين كما يحكم به الوجدان، وسيأتي إن شاء الله المزيد من البيان.

النظر الثاني عشر إلى: الروضة البهية

قال الشهيد الثاني : ««الوكالة» بفتح الواو وكسرها وهي استنابة التصرّف بالذات، لئلا يرد الاستنابة في نحو القراض والمزارعة والمساقاة. وخرج بقيد الاستنابة الوصية بالتصرّف فإنّها إحداث ولاية لا استنابة وبالتصرّف الوديعة، فإنّها استنابة في الحفظ خاصة (1) انتهى كلامه.

ويمكن تذييله بنكات

النكتة الأولى: أنّ كلامه شبيه أو ناظر إلى كلام المحقق الكركي في جامع المقاصد.

ص: 195


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 367

النكتة الثانية وفي كلامه ليس أمر زائد على ما في جامع المقاصد إلا أنّ المحقق الكركي وإن بين وجه عدم اندراج القراض وأخواته في الوكالة ولكنّه لم يتصرّف في التعريف، ولكنّ الشهيد الثاني تصرّف فيه وأضاف قيد بالذات»، ومراده منه هو ما بينه المحقق الكركي، ولذا في هامش الروضة كتب في تفسير: بالذات أي بالمقصود الأولي الأصلي (1).

النكتة الثالثة وفيه ما عرفت من إنكار وجود مفهوم الاستنابة في القراض وأخواتها كما مرّ آنفا ولا أفهم كيف رضي الشهيد الثاني (2) والمحقق الكركي (3) وصاحب الجواهر (4) والأنوار اللوامع (5) ومفتاح الكرامة (6) والرياض (7) وغيرهم (8) بوجود معنى الاستنابة فيها، مع المضارب والمزارع والساقي بل الودعي ليس فعلهم فعل صاحب رأس المال فحالها حال الوصية من دون فرق.

النكتة الرابعة : وممّا يؤيّد ما قلنا في تفسير الاستنابة -من عبارة عن حالة يكون فعل الوكيل فعل الموكل ما روي عن الصادق عليه السلام: سُئِلَ الصَّادِقُ عليه السَّلَامُ : عَنْ رَجُلٍ قَبَضَ صَدَاقَ ابْنَتِه مِنْ زَوجها ثُمَّ مَاتَ هَلْ لَهَا أن تُطَالِب زَوجها بِصَدَاقِهَا أو قَبْضُ أَبِيهَا

ص: 196


1- هامش الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 367.
2- انظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 367.
3- أنظر جامع المقاصد 8: 177
4- أنظر جواهر الكلام 27 347
5- أنظر الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع 13: 165
6- أنظر مفتاح الكرامة 21: 8.
7- أنظر رياض المسائل 9 16
8- أنظر مسالك الأفهام 5 : 237؛ العروة الوثقى 6 : 185 المناهل : 406

قَبْضُهَا؟ فَقَالَ: «إِن كَانَتْ وَكَّلَتْه بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوجها فَلَيْسَ لَهَا أَن تطاليه ... (1)

وهو شاهد صدق على أنّ الاستنابة عبارة عن ذاك المعنى الذي استفدنا، والظاهر أنّ هذا المعنى غير موجود في القراض وأخواته.

ولا يسمع إلى السؤال عن سند الرواية أو إلى الإشكال بأنّ المؤيّد يكون في سؤال السائل لا الإمام ؛ إذ غرضنا ليس إثبات المعنى الشرعي للوكالة حتّى نحتاج إلى الحجّة بل المراد هو إثبات المعنى العرفي للاستنابة، وهذا يؤيّد فهمنا منها، كما لا يخفى.

النكتة الخامسة : المؤيّد الآخر بل الدليل على ما ادّعينا هو ما قاله الفقهاء من أنّ الوكالة لا يتحقق في الفعل الذي يجوز للوكيل ولكن لا يجوز للموكّل كما قاله المحقق في الشرائع: يعتبر فيه (أي في الموكل البلوغ وكمال العقل وأن يكون جائز التصرّف فيما وَكَّل فيه ممّا تصح فيه النيابة» (2) .

وقال أيضاً في شروط الوكيل : كلّ ما له أن يليه بنفسه وتصح النيابة فيه صح أن يكون فيه وكيلاً فتصح وكالة المحجور عليه لتبذير أو فلس ولا تصح نيابة المحرم فيما ليس للمحرم أن يفعله كابتياع الصيد وإمساكه وعقد النكاح (3) انتهى كلامه.

وليس هذا إلا لأجل أن تصرّف الوكيل هو تصرّف الموكّل وهذا القيد لا يجري في القراض وأخواته. فمثلاً إذا نذر الموكّل عدم

ص: 197


1- تهذيب الأحكام 6 215-216/ 507؛ الفصول المهمة في أصول الأئمة 1811/302:
2- شرائع الإسلام 2 430
3- شرائع الإسلام 2 432

اشتراء اللحم من الفلاني، فلا يمكنه توكيل الآخر للاشتراء إلا إذا كان نذره مقيّداً من أوّل الأمر بصورة المباشرة، ولكن هذا لا إشكال فيه في المضاربة، فإنّ صاحب المال بعد إعطاء ماله إلى المضارب بيع اللحم منه وليس هذا إلا لأجل أنّ فعل المضارب

فإنّه يجوز له بيع ليس فعل صاحب المال، فتدبّر.

النكتة السادسة فتحصل أنّ قيد بالذات لا نحتاج إليه إلا إذا وجدنا عقداً آخر يوجد فيه الاستنابة غير داخل في ضمن الوكالة فيجب علينا إضافة القيد لإخراجه من تحت الوكالة، فتأمّل.

النظر الثالث عشر إلى : هامش مفتاح الكرامة (1)

اعلم أنه في هامش الكتاب كتب محققه: «لا يخفى عليك أنّ الوكالة تفترق عن النيابة في أمور:

أولاً: أنّ الوكالة إنّما هي ما يجعل في الأمور الشخصية بخلاف النيابة، فإنّها ما جعل في الأمور الاجتماعية من السياسية والاقتصادية ونحوهما.

وثانياً : أنّ الوكالة هي ما يجعل عن الشخص بخلاف النيابة، فإنّها ما يجعل عن المقام والعنوان.

ص: 198


1- إشارة استطرادية إلى نكتة فى حياة السيد محمد جواد الحسينى العاملي صاحب مفتاح الكرامة حكي عن ابنته أنّه ربّما كان يوقظ سبطه للنافلة ولكن لم نجده يقوم للنافلة بنفسه وكان ذلك منه حرصاً على اشتغاله وممّا يؤيد ذلك ما كتبه في آخر مجلد الإقرار من مفتاح الكرامة فقال: كتبت في شهر رمضان من هذه السنة ثمانية أجزاء أو تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء مع هذا التتبع والاستيفاء وذلك أني تركت له سائر الأعمال التي يعملها العاملون في شهر رمضان إلا ما قلّ جدّاً مؤثراً للتحصيل والاشتغال على جميع أعمال شهر رمضان. مفتاح الكرامة 1 : 7.

وثالثاً : أنّ دائرة الوكالة ضيّقة مقيّدة بأمر أو بأمرين بخلاف النيابة، فإنّ دائرتها متسعة غير مقيدة.

وعليه : لا يصحّ أخذ النيابة في تعريف الوكالة ولا الوكالة في تعريف النيابة، ولكلِّ منهما آثار تخصه ومن ذلك تعرف الضعف في كثير من التعاريف المذكورة في المتن ،والشرح، فتأمل» (1) انتهى كلامه

ویرد عليه

أولاً: لا دليل على أنّ الوكالة إنّما تكون في الأمور الشخصية والنيابة للأمور الاجتماعية. فإنّ الظاهر أنّ وكلاء الأئمة ليسوا وكيلاً بالنسبة إلى أمور شخصهم. أمّا الجهات الاجتماعية والسياسية كالمجالس القانونية فليس في رواياتنا التصريح بها لعدم وجود موضوعها، وهذا أيضاً لا يختص بالوكالة بل يجري في النيابة أيضاً. وهذا واضح غير خفي لمن رجع إلى الأخبار والآثار؛ فإنّ النيابة في ثقافتنا العلمية كانت كثيرة الاستعمال في موضعين : الأوّل: في الحج والثاني: في المسائل المرتبطة بالوكالة. ولعلّ الأوّل تحت الثاني. وفي كلا الموضعين لا يناسب ما قاله من ذاك الفرق بينها وبين الوكالة خصوصاً بعد ما ترى بوضوح أنّ النيابة في الحج ليست من الأمور الاجتماعية والسياسية بهذا المعنى.

وثانياً : ما قاله من أنّ الوكالة للشخص والنيابة في المقام ممّا لا دليل من العرف واللغة والشرع عليه ولا يوجد ما يؤيده أو يشعر إليه أو فيه رائحة منه بل الموجود خلافه كالنيابة في الحج. وهذا ليس بمعنى عدم إمكان النيابة أو الوكالة عن المقام كما نراه في نوّاب الرئيس، كما لا يخفي.

ص: 199


1- هامش مفتاح الكرامة 21: 8.

وثالثاً أنّ ما قاله من تضييق دائرة الوكالة وتوسعة دائرة النيابة ليس في الآثار ما يدلّ عليه :

أما عدم تضييق دائرة الوكالة : فواضح بعد فتوى أكثر الفقهاء بجواز أن يكون الوكيل وكيلاً للشخص في جميع أملاكه، بل الأكثر على جواز الوكالة لو وكله على كلّ كبير وصغير، وإن كان هذا المورد محلاً لإشكال بعض ولكن صرّح الشهيد الثاني أنّ الأكثر على الجواز (1) . وأين هذا وما قاله هذا القائل من أنّ الوكالة تكون في أمر أو أمرين.

أما توسعة دائرة النيابة فقد عرفت أنّها تكون كثيرة الاستعمال في ،موضعين ففي الموضع الثاني هو قرين بالوكالة ومحكوم بحكمها وفي الموضع الأوّل تكون مختصة بأمر الحج لا بأمر متسع غير مقيد.

أضف إلى ذلك ما هو المعروف بين الأصحاب من تقسيم الوكالة إلى عامة ،وخاصة وكلّ منهما إلى مطلقة ومقيّدة (2).

النظر الرابع عشر إلى : وسيلة النجاة

قال السيّد: كتاب الوكالة وهي تولية الغير في إمضاء أمر أو استنابته في التصرّف فيما كان له ذلك» (3).

أن ويمكن تذييله بنكتة وهي في عبارته احتمالين :

الاحتمال الأول : أنّ جميع العبارة تعريف واحد للوكالة، وهو حينئذٍ بمعنى أنّ الوكالة أمر ترديدي أي مردد بين التولية والاستنابة.

ص: 200


1- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 368
2- أنظر وجيزة الأحكام 3: 35
3- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 507.

ونظير هذا في تعاريف أهل الفنّ موجود كما وجدنا تعريف المحقق الخراساني لعلم الأصول من هذا القبيل، فإنّه جعل علم الأصول عبارة عن صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل (1) فالقواعد التي يمكن أن تقع في طريق الاستنباط غير القواعد التي ينتهي إليها في مقام العمل ولكن كلاهما جعلهما من علم الأصول.

الاحتمال الثاني : أنّ كلّ واحدة من العبارتين عبارة أخرى عن الأخرى، فذكر في الكتاب تعريفين للوكالة.

ولنصبر حتى نصل إلى ما يؤيد أحد الاحتمالين.

النظر الخامس عشر إلى تحرير المجلة

وفيه نكات مهمّة مربوطة بغرضنا فنذكر عباراته في ضمن أقدام متفرّقة :

القدم الأوّل : فإنّه أوّلاً ذكر التعريف الموجود في المجلّة وأخذ برده وبيان مختاره فقال : الوكالة تفويض أحد أمره لآخر وإقامته مقامه، هذا التعريف كما ترى من الضعف والقصور في الغاية. وكأنّهم نظروا إلى الوكالة بالمعنى العام لا بالمعنى الاصطلاحي عند الفقهاء، فقد عرفها الشهيد قدس سره في (اللمعة) بأنّها استنابة في التصرّف) وزاد فيه السيد الأستاذ رضوان الله عليه الظاهر أراد منه السيد في تكملة العروة، في أمر من الأمور حال حياته، لإخراج الوصاية التي هي استنابة في التصرّف بعد الممات وكلا القيدين لا لزوم فيهما، فإنّ الوصاية ليست استنابة بل نحو ولاية ولذا لا ينعزل إلا

ص: 201


1- كفاية الأصول: 9

بالخيانة، وكيف كان فتعاريف الفريقين لهذه العقود ليست هي الحقيقة (كذا) في النسخة ولعلّ المراد الحقيقية بل شبح منها (1).

القدم الثاني: ثمّ بيّن تعريفه المختار وقال : «أمّا حقيقة الوكالة فهي عقد يفيد تسليط الغير على التصرّف فيما له التصرّف فيه فإن كان في حال الحياة فقط فهو الوكالة وإن كان بعد الموت فهو الوصاية (2).

القدم الثالث : ثمّ قال : إنّ حقيقة الوكالة ليست استنابةً ولا إذناً في التصرّف وإن تشابها أو تشاركا في الأثر وهو حلّية التصرّف أو نفوذه، ولكن تظهر الثمرة في آثار أخرى، فإنّ حاق جوهر الوكالة كما عرفت هو إعطاء سلطة الغير، ومن المعلوم أنّ هذه السلطة لا تكون للغير قهراً عليه بل إنّما تكون له إذا قبلها باختياره» (3).

القدم الرابع ثمّ أخذ ببيان موضع الاشتراك بين الاستنابة والإذن من جهة وتسليط الغير من جهة أخرى فقال: «فلو قال: وكلتك في بيع «داري ،فباع ،صح، لأنّه دلّ بفعله على قبوله، وهنا تتساوى الآثار وتشترك المؤثرات.

ولكن يظهر الفرق بين الاستنابة والإذن وبين الوكالة بالمعنى الذي ذكرناه في مقام الردّ ، فلو قال : وكّلتك في بيع «داري فردّ ولم يقبل لم يصح بعد ذلك بيعه، بخلاف ما لو قال: أذنت لك في بيع داري أو استنبتك في بيعها فردّ؛ فإنّ الردّ لا أثر له، ولو باع بعد من دون إذن جديد صح، وما ذلك إلا من جهة أنّ سنخ الوكالة

ص: 202


1- تحرير المجلة 4:4
2- تحرير المجلة 4 4-5
3- تحرير المجلة 4 5-6

من سنخ العقود وذوات الأسباب الوضعية بخلاف الاستنابة والإذن والتفويض، فإنّها من سنخ الجواز والإباحة اللاحقة بالأحكام التكليفية، وبينهما بون بعيد... فتدبّره» (1) انتهى كلامه.

ويمكن تذييله بنكات

النكتة الأولى : لعلّ الظاهر من تعريفه هو أنّ محدودية الوكالة تكون لأجل محدودية الإذن، يعنى أنّ الوكيل قادر للتصرّف فيما يجوز للموكَّل التصرّف فيه لأجل أنّ الوكيل إنّما أذن له في ذلك، هذا لا يصح ولا ينبغي أن يراد من العبارة، فإنّ محدودية التصرّف بما يجوز لنفس الموكّل فعله ليس من جهة محدودية الإذن، بل يكون لأجل محدودية ذات الوكالة، فإنّ الوكالة بناءً على ما قاله عبارة عن التسليط، ومعلوم أنّ الفاقد للشيء لا يمكنه إعطاؤه.

النكتة الثانية : أنّ ما ذكره في تعريفه يشبه التعريف بالفائدة، مع أنّ الأولى تعريف الحقيقة، فتأمّل. والظاهر أنّه أيضاً كان يريد تعريف الحقيقة وكان غرضه بيان الهوهوية التقريبية بين التسليط والتوكيل، فتدبّر.

النكتة الثالثة يمكن استفادة نظام طولي بين الوكالة والوصاية من عبارته فإنّه جعلهما من حيث الذات أمراً واحداً وإنّما من حيث زمن التأثير فرّق بينهما.

ولذلك يمكننا وأن نقول : إنّ الوصية عقد تحت الوكالة مقيّد بقيد آخر يعنى أنّ الوكالة عبارة عن تسليط الغير على التصرّف فيما يجوز له التصرّف والوصية نفس الشيء بشرط أن يكون التصرف بعد الموت. ويمكن تبيينه بنحو آخر وعلى كل حال المسألة تحتاج

التأمّل، فليتأمّل .

ص: 203


1- تحرير المجلة 4 : 6

النكتة الرابعة : بناءً على كون الوكالة تسليطاً، يمكن دعوى شمولها للمضاربة وأخواتها أيضاً، لأنّها أيضاً يصدق عليها أنّها إعطاء سلطنة إلى الغير للاتجار بالمال.

اللهم إلا أن نقول : إنّه بقيد جواز التصرّف يخرج المضاربة من تحتها، لأنّها كما عرفت يجوز للمضارب وأن يتصرّف في المال بما لا يجوز لصاحب المال التصرّف فيه.

النكتة الخامسة: أنّ ما ذكره لا مجال للمشاحة فيه إلا أنّ الوجدان حاكم على أن الوكالة ليس صرف تسليط الغير بحيث بعد إتمام عملية التسليط تمّ العلاقة بين فعل الوكيل والموكل، بل العرف كما قاله قاطبة الفقهاء والحقوقيون يرى أنّ الوكيل مستنيب عن الموكّل وعمل بحساب الموكّل ، فلا يمكن العدول عن هذه الحقيقة

إلا بحجّة قوى.

النكتة السادسة أما ما ذكره بعنوان افتراق حقيقة الوكالة والاستنابة فغير تام لخلطه بین الاستنابة العقدية والاستنابة الإذنية. فالفرق بين ما إذا قال: وكلتك لبيع مالي وما إذا قال «استنبتك له» - لو فرض صحة ما قاله أنه من في صورة الرّد يجوز للمخاطب البيع في الحالة الثانية دون الأولى فليس ناشئاً من أنّ الوكالة ليست باستنابة، بل سرّه هو أنّ الوكالة لما تكون عقداً، فهي في الحقيقة استنابة عقدية يعني أنّ الموكَّل استناب الوكيل على النحو العقدي المحتاج إلى القبول فبردّه صارت الاستنابة كأن لم تكن وهذا بخلاف الاستنابة ،الإذنية، فإنّها بصرف ردّ المخاطب لا يصير كالعدم إلا إذا علم عدول المالك من رضاه. فما زعمه دليلاً لامتياز الوكالة عن الاستنابة غير تام فلا موجب للعدول عمّا عليه العرف والفقه من أنّ الوكالة ذاتها استنابة فتدبّر.

ص: 204

النظر السادس عشر إلى تحرير الوسيلة :

إنّ الامام الخميني عرّف الوكالة بقوله : وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته، أو إرجاع تمشية أمر من الأمور إليه له حالها» (1).

ويمكن تذييلها بنكات :

النكتة الأولى : أنّه عدل في تعريف الوكالة عن الاستنابة وعرّفها بالتفويض أو إرجاع التمشية.

النكتة الثانية : أنّ تعريفه يكون حاله حال تعريف السيّد صاحب الوسيلة (2) في كونه ترديدياً، فلا يعلم من ظاهره هل المراد تبدّل العبارة أو كلّ العبارة تعريف واحد ترديدي مثل تعريف الآخوند لعلم الأصول (3) ، كما مرّت الإشارة إليه.

وقد أشار الشيخ الفاضل اللنكراني إلى هذين الاحتمالين بقوله: المغايرة بين التعبيرين التي يدلّ عليها العطف بأو، هل هي بلحاظ الاختلاف في حقيقة الوكالة وماهيّتها، أو بلحاظ اختلاف مواردها؟ والفرق بينهما ظاهراً يظهر في مثل ما لو استدعى منه أن المشتري لاشتراء داره مثلا، فعلى الأوّل لا يتحقق معنى الوكالة لعدم التفويض، وعلى الثاني تتحقق ؛ لأنّه أرجع تمشية بيع الدار إليه مع كون المباشر للبيع هو المالك نفسه.

وقوله : ليعمل له حال حياته : إنّما هو لإخراج الوصاية، فإنّها ترتبط بما بعد الموت وتسليط للغير على العمل بعده كما لا يخفى

ص: 205


1- تحرير الوسيلة 2 39
2- انظر وسيلة النجاة تعليق الإمام الخميني): 507.
3- أنظر كفاية الأصول 9

و ممّا ذكرنا ظهر الفرق بين الوكالة وبين العارية والوديعة بل بينها وبين المضاربة، فتدبّر (1).

ولكن لم يبيّن أنّ المراد أي واحد منهما، وكذلك لم يبيّن أنّه لماذا ظهر ممّا ذكره الفرق بين الوكالة وغيرها لأنه يمكن وأن نقول في المضاربة أيضاً إنّها عبارة عن إرجاع تمشية أمر من الأمور له. فوجه الافتراق غير واضح في كلامه.

وعلى كل حال : يبدو من كلام الشارح أنّ التعريف الثاني غير التعريف الأوّل ويكون أعم منه، أنّه يمكن الخدشة في الأعمّية والذهاب إلى أنّ الوكيل في الأوّل وكيل في الوجدان لا في البيع فتدبّر.

النكتة الثالثة : الظاهر أنّ وجه عدول سماحة الجدّ عن تعريف الوكالة بالاستنابة هو عدم ملائمة هذا المعنى مع معنى الوكالة اللغوي، فإنّه في واحد من الكتب اللغة الأصلية -على حسب تتبعي - لم يذكر للوكالة معنى الاستنابة.

فما ذكره اللغويون لمشتقات الوكالة دائر بين التفويض والاتكال والضعف والعجز والاعتماد والتسليم والاجتماع انظر العين (2) والمحيط (3) ، والصحاح (4) ومعجم المقاييس (5) ، وتاج العروس (6) ،

ص: 206


1- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة .19 411-412
2- أنظر العين 5: 405
3- أنظر المحيط في اللغة 6 325
4- أنظر الصحاح 5 : 1844.
5- أنظر معجم مقاييس اللغة 6: 136.
6- أنظر تاج العروس 15 785

ولسان العرب (1) ، وغيرها (2) فلعله لأجل ذلك عدل سماحة الجدّ عمّا هو معروف بين الأصحاب.

النكتة الرابعة أنّ الذي يهمنا هو النظر في الرابطة بين المضاربة وأخواتها وبين الوكالة فاللازم علينا تدقيق النظر في هذه الناحية ونبحث عن أنه بناءً على تعريف سماحة الجدّ هل تشمل الوكالة المضاربة وأخواتها أم لا؟

فنقول : القيد الذي يمكن الذهاب إلى أنّه هو المخرج للمضاربة وأخواتها هو قيد «له»، وإلا فبحذف هذا القيد لا يبقى فرق بين الوكالة ،والمضاربة، لأنّه في المضاربة أيضاً يمكن وأن يقال: إنّها عبارة عن تفويض أمر إلى الغير ليعمل يعني أنّ الأصل الأوّلي العادي هو أن يعمل كلّ شخص في مال نفسه ولكن في المضاربة فوّض المالك العمل إلى غيره.

و الذي يمكن وأن يكون فارقاً هو قيد «له»، بأن نقول: إنّه في الوكالة كان العمل للموكّل بخلاف المضاربة، فإنّه فيها كان العمل للمضارب وإنّما الربح الحاصل من اجتماع العمل والمال- يكون بينهما .

لا يقال : إنّ المضاربة منحصرة بالتجارة والوكالة أعم منها فالفرق بينهما أوضح من أن يخفى.

فإنّا نقول: هذا المقدار من التفاوت لا يضرّ بنظرية النظام الطولي، فإنّ القائل بأنّ المضاربة تكون تحت الوكالة لا يضره إثبات

ص: 207


1- أنظر لسان العرب 11 734
2- انظر مختار الصحاح : 375؛ القاموس المحيط 4 : 66 مجمع البحرين 493 5.

الاختلافات العَرَضية بينهما بل صرف وجود الاشتراك في عقد جامع كاف لمدعي النظام الطولي.

نعم؛ بقي هنا شيء آخر وهو الفرق بين الإجارة والوكالة حينئذ، فإنّ في الإجارة أيضاً يمكن أن نقول: إنّه يتحقق فيها تفويض الأمر إليه ليعمل له. وهذا مسألة أُخرى لابد من الفحص عنها بنحو مستقل، فتأمّل جيّداً.

النظر السابع عشر إلى : مهذب الأحكام

فإنّه قال : حقيقة معناها عند العرف واللغة التفويض والاعتماد ويترتب عليهما الاستنابة في التصرف فيما كان له ذلك».

ثمّ قال مستشكلاً على العلّامة من جهة جعل الاستنابة حقيقةً للوكالة : تقدّم أنّ الاستنابة متفرّعة على أصل التفويض والاعتماد اللذين هما المعنى الحقيقي والعرفي للوكالة أوّلاً وبالذات (1) انتهى كلامه

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى : أنّه كما هو ظاهر كلامه أخذ بالجمع بين ما ه- المرتكز في عقد الوكالة وبين ما هو مذكور في اللغة، فجعل الأصل التفويض والاعتماد وجعل الاستنابة أمراً مترتباً عليهما.

النكتة الثانية: ولكنّ كلامه خالٍ من بيان وجه ترتب الاستنابة على الاعتماد والتفويض، لأنا بالوجدان نرى أنّه في كثير من في كثير من الأحيان يمكن تحقق معنى الاعتماد والتفويض من دون تحقق مفهوم الاستنابة كما في المضاربة، فيمكن ادعاء أنّ المالك فوّض أمر التصرّف في ماله إلى المضارب ولكن ليس المضارب مستنيباً له مفهوماً وحكماً.

ص: 208


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 21: 196.

وكذلك الوديعة فيمكن دعوى تحقق الاعتماد والتفويض ولكنّ الظاهر عدم صدق النائب على الودعي.

وكذلك الحال في الإذن في التصرّف لا على سبيل الوكالة العقدية.

فالاستنابة يمكن دعوى ترتبها على الاعتماد والتفويض حقيقةً ولكن ليس هذا على نحو مطلق بل لابدّ من دليل يدلّ عليه والمفروض أنّه فيما قال : وكّلتك في بيع داري» ليس في البين غير المادّة والصيغة شيء آخر يدل على الاستنابة.

فالظاهر أنّ مثل السيّد السبزواري أيضاً لابد له من الالتزام بأنّ الاستنابة إنّما يفهم من المادّة.

النكتة الثالثة : وعلى كل حال لا مشاحة في ذلك معه فإنّ التزامه بوجود حقيقة الاستنابة في الوكالة كافٍ فعلاً.

النظر الثامن عشر إلى : كلام السيد الگلپايگاني

إنّه أيضاً عرّفها بمثل ما عرّف السيّد صاحب الوسيلة بإضافة قيد آخر ؛ قال السيّد كما مرّت عبارته : كتاب الوكالة وهي تولية الغير في إمضاء أمر أو استنابته في التصرّف فيما كان له ذلك» (1) .

وقيد السيد الگلپايگاني: «تصرف يقبل الاستنابة» (2).

وعلى كل حال الظاهر منه الالتزام بوجود مفهوم الاستنابة في حقيقة الوكالة، ولذا التزم بتحقق عقد الوكالة بصيغة «استنبتك»، فاحفظها.

ص: 209


1- وسيلة النجاة (تعليق السيد الگلپایگانی 2 218
2- هداية العباد 2 113

الفصل الثالث : تجميع الكلام حول عقد الوكالة

بعد النظر التام إلى كلمات الفحول يمكننا تجميع البحث بذكر نکات:

النكتة الأولى : قد عرفت أنا بعد ما أمعنا النظر حول حقيقة الوكالة وجدنا أنّ حقيقتها نفس الاستنابة أو ملائم معها. ويظهر ذلك بالنظر إلى كلام قاطبة الفقهاء ويؤيّده بعض الروايات مثل ما روي عن الصادق عليه السلام: سُئِلَ الصَّادِقُ عليه السَّلَامُ : عَنْ رَجُلٍ قَبَضَ صَدَاقَ ابْنَتِه مِنْ زَوجها ثُمَّ مَاتَ هَلْ لَهَا أن تُطَالِب زَوجها بِصَدَاقِهَا أو قَبْضُ أَبِيهَا قَبْضُهَا؟ فَقَالَ : أَن كَانَتْ وَكَّلَتْه بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوجها فَلَيْسَ لَهَا أن تُطالبه ... (1).

وهو شاهد صدق على أنّ الاستنابة عبارة عن ذاك المعنى الذي استفدناه. والظاهر أنّ هذا المعنى غير موجود في القراض وأخواته.

ولا يسمع إلى السؤال عن سند الرواية أو إلى الإشكال بأنّ المؤيّد يكون في سؤال السائل لا الإمام ؛ إذ غرضنا ليس إثبات المعنى الشرعي للوكالة حتّى نحتاج إلى الحجّة بل المراد هو إثبات المعنى العرفي للاستنابة وهذا يؤيد فهمنا منها، كما لا يخفى.

ص: 210


1- الفصول المهمة في أصول الأئمة 2: 1811/304.

النكتة الثانية وكذلك يمكن نسبة ذلك إلى كلّ من جعل صيغة الوكالة «استنبتك»، فإنّهم بعد التزامهم بأنّ الصيغة لا بد وأن تكون مشيرةً إلى حقيقة العقد بنحو انحصاري، فذهابهم إلى كون «استنبتك» صيغةً لها أقوى شاهد على أنّهم رأوا الوكالة نفس الاستنابة، فتأمل.

وإنك بعد النظر إلى كلمات الأصحاب تجد الكثير منهم ذاهبون إلى أنّ صيغة الوكالة قوله : «استنبتك». ويمكن الإشارة إلى جملة منهم : ابن الجنيد (1) ، والمحقق (2) ، والعلامة في التحرير (3) والتذكرة (4) ، والقواعد (5) ، والمختلف (6) ، وفخر المحققين (7) ، والشهيد في الدروس (8) ، وغاية المراد (9) ، واللمعة (10) ، والفاضل المقداد (11) ، والصيمري (12) والكركي (13) والشهيد الثاني في حاشية الإرشاد (14) ، والروضة (15) ، والمسالك (16) ، والمقدّس

ص: 211


1- أنظر فتاوى ابن الجنيد : 203
2- أنظر شرائع الإسلام 2 425
3- أنظر تحرير الأحكام 3: 35
4- أنظر تذكرة الفقهاء 2 0114
5- أنظر قواعد الأحكام 2: 349.
6- أنظر مختلف الشيعة 6 35
7- أنظر إيضاح الفوائد 2 : 333
8- أنظر الدروس الشرعية في فقه الإمامية 2 66
9- أنظر غاية المراد في شرح نكت الارشاد 2 : 288
10- أنظر اللمعة الدمشقية : 144 .
11- انظر التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 279
12- انظر غاية المرام في شرح شرائع الإسلام 2 350
13- أنظر جامع المقاصد 8 177 رسائل الكركي 1: 196.
14- أنظر موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان) 16: 202.
15- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 367.
16- أنظر مسالك الأفهام 5: 237

الأردبيلي (1) والشيخ البهائي (2) ، والسبزواري (3) ، وصاحب الكفاية (4) ، وكشف اللثام (5) ، وصاحب الحدائق (6) ، وصاحب الأنوار اللوامع (7) وصاحب مفتاح الكرامة (8) ، والسيد المجاهد (9)، وصاحب الجواهر (10) ، وصاحب الوسيلة (11) ، والإمام الخميني (12) ، وجماعة من آل كاشف الغطاء في كتبهم (13) وغيرهم (14) . فمن الممكن ادّعاء الإجماع المحصل على تحقق الوكالة بهذه الصيغة، وهي وجود هذه الحقيقة في الوكالة فتأمل.

ولا ضير في تحقق الوكالة ببعض ألفاظ أخرى ك- «فوّضتك»، إذ وجود المعاني الأخرى فيها لا ينافي ما نحن بصدده من وجود حقيقة الاستنابة فيها.

ص: 212


1- أنظر مجمع الفائدة 9 594
2- أنظر جامع عباسي : 244.
3- أنظر مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 21: 196.
4- أنظر كفاية الأحكام 1: 670.
5- أنظر كشف اللثام 10 : 17.
6- أنظر الحدائق الناضرة 22 77
7- أنظر الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع 13 : 165
8- أنظر مفتاح الكرامة 21 13
9- أنظر المناهل : 406 .
10- أنظر جواهر الكلام 27 348
11- أنظر وسيلة النجاة (تعليق السيد الگلپایگانی 2 218
12- أنظر وسيلة النجاة تعليق) الإمام الخميني): 507.
13- أنظر أنوار الفقاهة : 152؛ سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 60؛ تحرير المجلة 4 : 6.
14- أنظر الدر المنضود في معرفة صيغ النيات والإيقاعات والعقود: 167؛ مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 21 196 ؛ الينابيع الفقهية 16: 74 معالم الدين في فقه آل ياسين 1: 533

وكذلك يدلّ على المطلوب : صيغة فسخ الوكالة، فإنّ الفقهاء مصرحون بتحقق فسخ الوكالة بقوله: «أزلت نيابتك»، كما في الشرائع (1) ، والتحرير (2) والمناهل (3) ، والجواهر (4)

النكتة الثالثة : وكذلك نرى الحقوقيين مصرّحين بوجود معنی الاستنابة في الوكالة كما في القانون المدني الإيراني.

وهنا لابد لنا من النظر إلى كلام السنهوري الذي عرفته بعنوان نابغة الفكر القانوني بين العرب بل في مقياس عالمي، وهو بعد ذكر تعريف الوكالة بأنّه «عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل (5) قام بتوضيح قيد حساب الموكل وشرحه بقوله : هذا التصرّف القانوني يقوم به الوكيل لحساب «الموكّل وليس معنى ذلك أن يقوم به الوكيل حتماً باسم الموكَّل وإن كان هذا هو الغالب، بل يصح أن يقوم به باسمه الشخصي كما يقع في الاسم المستعار وفي الوكالة بالعمولة، ولكن يجب دائماً أن يعمل الوكيل لحساب الموكل لا لحسابه الشخصي، فيقدّم عند انتهاء الوكالة حساباً للموكل عمّا قام به من الأعمال لتنفيذ الوكالة» (6) .

ثمّ قال: ومن هذا نرى كيف تتميّز الوكالة عن النيابة، فهي تارةً تكون مقترنةً بها وتكون الوكالة نيابية عندما يعمل الوكيل باسم الموكّل. وهي تارةً تنفصل عنها وتكون الوكالة غير نيابية عندما يعمل

ص: 213


1- أنظر شرائع الإسلام 2 426
2- أنظر تحرير الأحكام 3: 26.
3- أنظر المناهل 409
4- أنظر جواهر الكلام 27 365
5- الوسيط في شرح القانون المدني 7 372
6- الوسيط في شرح القانون المدني : 373-371

الوكيل باسمه الشخصي وسواء عمل الوكيل باسم الموكل في الوكالة النيابية أو عمل باسمه الشخصي في الوكالة غير النيابية فهو في الحالتين يعمل لحساب الموكّل كما سبق القول» (1) انتهى كلامه.

ويمكننا أن نعلّق على كلامه بأنّه إن كان مراده من الميز بين الوكالة النيابية وغير النيابية صرف جعل الاصطلاح، فلا مشاحة في ذلك، ولكن من حيث الحقيقة، فأنت خبير بأنّ العمل باسم الموكل أو بدون اسمه لا يؤثر في حقيقة الوكالة أصلاً، وأنّ المهم هو العمل لحساب الموكَّل الذي يمكننا إطلاق الاستنابة عليه والذهاب إلى أنّ العمل لحساب الموكَّل عبارة أُخرى عن الاستنابة، فرجع كلامه إلى ما هو المطلوب، فتأمل جيّداً.

النكتة الرابعة وكذلك نرى ذلك في تعاريف أهل السنّة، فإنّهم أيضاً ذكروا في تعريف الوكالة : النيابة والاستنابة فهذا كتاب كنز الدقائق فعرّف فيه الوكالة بأنّ التوكيل عبارة عن : إقامة الغير مقام نفسه في التصرّف ممّن يملكه» (2).

وكذلك : يمكنك الرجوع إلى ما نسب إليهم في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت:

فنسب إلى المالكية أنّهم قالوا : الوكالة هي أن ينيب (يقيم) (3) شخص غيره في حق له [أن] (3) يتصرّف فيه كتصرّفه بدون أن يقيّد الإنابة بما بعد الموت» (4).

ص: 214


1- الوسيط في شرح القانون المدني :3747
2- کنز الدقائق : 483
3- ما بين المعقوفتين إضافة اقتضاها السياق.
4- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت 3: 205

ونسب إلى الحنفية أنهم قالوا : «الوكالة هي أن يقيم شخص غيره مقام نفسه في تصرّف جائز معلوم على أن يكون الموكَّل (بكسر) (الكاف) ممّن يملك التصرّف» (1).

ونسب إلى الشافعية أنّهم قالوا : الوكالة هي عبارة عن أن يفوّض شخص شيئاً إلى غيره ليفعله حال حياته إذا كان للمفوّض الحق في فعل ذلك الشيء وكان ذلك الشيء ممّا يقبل النيابة (2).

ونسب إلى الحنابلة أنّهم قالوا : الوكالة هي استنابة شخص جائز التصرّف شخصاً مثله جائز التصرّف فيما تدخله النيابة من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين» (3).

والحاصل من جميع هذه التعاريف وجود حقيقة الاستنابة بعنوان الحقيقة الرئيسية في الوكالة، كما لا يخفى.

النكتة الخامسة : وكذلك قد عرفت أنّ الجهة المالية في المضاربة الجهة الأصلية، مع أنّها في الوكالة جهة عرضية وإنّما يستحقه الوكيل لتحقق مفهوم الإجارة أو الجعالة.

النتيجة : وبالجملة لا يمكن الذهاب إلى أنّ الوكالة بعنوان العقد تكون فوق المضاربة وأخواتها كما هو ظاهر السيد الگلپایگانی (4) وكما يظهر من بعض عبارات القوم، لأنّ حقيقة الوكالة هي الاستنابة، أنّ المضاربة كما عرفت التحقيق حولها - هي وأخواتها خالية من حقيقة الاستنابة وإن ذهب جمع من الفقهاء إلى وجود الاستنابة في

ص: 215


1- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت 3 205
2- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت 3: 205
3- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت 3 206
4- أنظر هداية العباد 2 24 113

المضاربة ،وأخواتها كما رأينا ذلك من عبارات الشهيد الثاني (1) والمحقق الكركي (2)، وصاحبي الجواهر (3) ، والأنوار اللوامع (4) ومفتاح الكرامة (5) ، والرياض (6) وغيرهم (7)

غاية الأمر : لو شككنا في دخول المضاربة تحت الوكالة بما أنا نريد استفادة الأحكام الشرعية وإجراء أحكام العقد الفوقاني في أصنافه فلا يمكننا الذهاب إلى ثبوت النظام الطولي لفقدان الحجّة مع أنّ الأصل عدم الشمول وعدم الطولية، فتدبّر.

ص: 216


1- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 229
2- أنظر رسائل الكركي 1: 193.
3- أنظر جواهر الكلام 27 96
4- أنظر الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع 13 : 6.
5- أنظر مفتاح الكرامة 17 : 199.
6- أنظر رياض المسائل 9 143
7- أنظر مجمع الفائدة 10: 272؛ المناهل : 235؛ كفاية الأحكام 1: 690.

المقصد الخامس : حقيقة الجعالة وجهات سعتها

اشارة

(إثبات النظام الطولي العقدي بين الجعالة والإجارة)

وفيه فصول

ص: 217

ص: 218

الفصل الأوّل : حقيقة الجعالة في كلمات الفقهاء

في هذا الفصل نريد أن نبسط النظر في كلمات الفقهاء حتّى يتبيّن لنا أنّ الجعالة ما هي وما هي مكانتها في النظام الطولي للمعاملات؟ فلابد لنا من النظر إلى كلمات الأصحاب.

وإنّي قد نظرت إلى جميع الكتب الموجودة تقريباً ولكن أذكر لك منها ما له تأثير في تعيين حقيقة الجعالة أو فيها نكتة جديدة، ولذلك قد أغمضت عن الكثير من الكتب التي ليست فيها نكتة جديدة مضافةً إلى ما وصلنا من أسلافها :

النظر الأوّل إلى الوسيلة

قال ابن حمزة فصل في بيان الجعالة وهي عقد جائز من الطرفين وتصح بشرطين تعيين العمل والأجرة، فمن ضل له عبد أو بعير أو فرس أو أبق هذا وندّ أي) هرب ذاك لم يخل إمّا

(1 وافق واحداً على شيء معين على الإطلاق.

(2 أو وافق على أنه يجيء به من موضع كذا

(3 أو قال من جاء به فله كذا.

(4) أو قال لواحد إن جئت به فلك عشرة ، ولآخر إن جئت به فلك خمسة» أو لآخر إن جئت به فلك خمسة عشر».

ص: 219

فالأول : يلزم فيه ما سمّي.

والثاني : إن جاء به من الموضع المسمّى لزم المعين وإن جاء به من نصف الطريق لزم نصف الأجرة وعلى هذا.

والثالث : لزم المسمّى لمن جاء به واحداً كان أو أكثر.

والرابع: إن جاء به واحد لزم له ما سمّاه، وإن جاء به اثنان لزم لكلّ واحد ثلث ما سمّى له، وإن جاء به ثلاثة لزم لكلّ واحد ثلث ما سمّى له.

وإن أبق من الواحد بتفريطه غرم قيمته وإن أبق من غير تفريطه لم يلزمه شيء» (1). انتهى كلامه.

ويمكننا تذييله بنكات

النكتة الأولى: أنّ ما ذكرنا هو تمام كلامه في فصل الجعالة، وفيه تصريح بكون الجعالة عقداً.

النكتة الثانية: الظاهر من كلامه هو أنّ جميع الصور الأربعة المذكورة من أضرب الجعالة، وهذا ممّا يناسب فحصنا حول النظام الطولي، فبعد ما نرى الاختلاف الفاحش في الصيغ وأحكام هذه الصور الأربعة لم نستوحش من جعل جميعها على نحو النظام الطولي تحت عقد واحد هو مسمّى بالجعالة، ولا يتحقق إلا في ضمن أضربه.

النكتة الثالثة: لك أن تسأل منه عن بعض الصور المذكورة أو جميعها ما هو الفرق بينها وبين الإجارة؟ وعلينا أن نتفحّص فيما سيأتي حول حقيقة الإجارة بما هو عقد شامل لعدة عقود على نحو النظام الطولي العقدي أو النظام الطولي المفهومي.

ص: 220


1- الوسيلة : 272

النكتة الرابعة : أنّ في عبارة الكتاب خطأ بالنسبة إلى حكم الصورة الرابعة وهي أنّه إن جاء به اثنان لزم لكلّ واحد ثلث ما سمّي له » (1) والمقصود النصف، إذ لا د النصف، إذ لا وجه للثلث أصلاً كما ، لا يخفى.

النكتة الخامسة : أنّ ما ذكره من حصر الصور فيما بينه ليس على ما ينبغي، فيمكنك تصوّر أضرب أخرى، مثل ما إذا وافق لا على الموضع المعين بل على الكيفية المعيّنة، مثل ما إذا قال: «لو جئت به باليد المغلقة فلك كذا»، أو مثل ما إذا قيد الجُعل بأيام مثل ما إذا قال: «لو جئت به إلى الأسبوع الآتي فلك عشرة ولو جئت به إلى الشهر القادم فلك خمسة هكذا ولك أن تضيف إليها أضرباً أخرى.

النكتة السادسة من القريب وأن نقول : إنّ المسألة التي ذكرها في ختام كلامه الموضوع المتأصل لها هو الوديعة وإنّما يحمل على ما بيد العامل من باب الموضوع التابع، فتدبّر.

النكتة السابعة : أنّه بالنظر إلى هذه العبارة تظهر لك أنّ جهل العمل أو العامل أو المدّة وإن كان جائزاً في الجعالة، ولكن ليس هذا لازماً في تحقق الجعالة، ولعلّ هذا قد يستفاد من كلام الشيخ الطوسي أيضاً حيث قال في ضمن مسائل كتاب اللقطة : من ضاع له ضالة أو سلعة أو متاع يجوز له أن يجعل له جُعلاً لمن جاء به، وهكذا إن قال: «من يبني داري هذه فله كذا، أو يقول: «من يخيط هذا فله كذا فإنّه جائز لقوله تعالى: وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ، زَعِيمُ (2) ، فإذا ثبت هذا فإنّه يجوز أن يكون العمل منه

ص: 221


1- الوسيلة : 272
2- يوسف (12) 72

مجهولاً والمدّة مجهولة» (1) ، انتهى كلامه.

النكتة الثامنة: أنّه في كتب الشيخ (2) ، وابن البرّاج (3) وإن ذكر بعض أحكام والطبرسي (4) و ان ذکر بعض احکام الجعالة، ولكن لم يعنونوا الجعالة بعنوان عقد مستقل، وإنما ذكر أحكامه في ضمن كتب مختلفة، كاللقطة والضمان والسبق والبيع ،وغيرها وهذا لا يعني أنّ الجعالة ليست في نظرهم عقداً على حدة، كما هو واضح لمن رجع إلى عباراتهم.

النظر الثاني إلى : إصباح الشيعة

قال قطب الدين الكيدري: الجعالة من العقود الجائزة فيجوز أن يكون العمل والمدّة مجهولين وأمّا العوض فلا بد أن يكون معلوماً، والمجعول له بعد التلبس بالجعالة مخيّر بين الإتمام والرجوع. ولا رجوع للجاعل بعد التلبّس إلا أن يبذل أجرة ما عمل» (5).

ويمكننا تذييله بنكات

النكتة الأولى : في عبارته تصريح بأنّ الجعالة عقد وليس منوطاً بأن يكون العمل والمدّة مجهولين. وهذا ملائم لما قاله ابن حمزة من أنّه إذا قال من أبق عبده لشخص معيّن : إذا جئت به من المكان الفلاني فلك عشرة دنانير فهو جعالة.

النكتة الثانية : الظاهر أن مراده من جهل العمل هو الجهل في

ص: 222


1- المبسوط 3 332
2- أنظر الخلاف 3 316
3- أنظر المهذب 2 44
4- أنظر المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف 1 585
5- إصباح الشيعة 329

الجملة، بمعنى أنّه إذا قيل له : إذا جئت بعبدي فلك كذا»؛ فإنّه عالم بأنّ الفعل هو مجيء العبد ولكن لا يعلم أنّه في أي بلد وأنّه أي أفعال لا بد له من أن يعمله بالضبط. وهذا بخلاف المدّة فإنّ الجهل بالمدّة بالمرّة جائز. وعلى كل حال يمكنك أن تقول : يجوز في الجعالة وجود الجهل من ناحية العمل في الجملة ومن ناحية العامل والمدة بالجملة، فتأمل.

النكتة الثالثة أنّ ما قاله من وجوب إعطاء أجرة المثل في الجعالة فيه نكتة ظريفة وبعد التنبه إلى النظام التركيبي يظهر لك وجه ما قاله بغاية الوجه؛ فإنّ الجعالة وإن كانت بواسطة فسخ الجاعل ،انفسخت، ولكن لا ينفسخ جميع المفاهيم الموجودة فيها، بل إنّ مفهوم الإجارة الموجودة فيها على نحو النظام الطولي العقدي أو النظام الطولي المفهومي لا ينفسخ بفسخ الكل.

ومن هنا يمكننا النظر إلى ما هو المعروف بين الأصحاب من أنّ المعاملات إذا كانت بالمعنى المسبّبي فإما موجودة وإما معدومة، كما قاله المحقق الخراساني في الكفاية بقوله: «إنّ أسامي المعاملات إن كانت موضوعةً للمسبّبات فلا مجال للنزاع في كونها موضوعةً للصحيحة أو للأعمّ لعدم اتصافها بهما كما لا يخفى بل بالوجود تارةً وبالعدم أخرى » (1). وهذا لو فرض تماميته يكون بالنظر إلى مجموع العقد لا بالنظر إلى مفردات ذاك المركّب، فإنّا بعد ما بينا أن كل عقد يكون على نحو تركيبي، فنلتزم بأنّه من الممكن زوال بعض ذاك المركب مع بقاء بعض المفاهيم.

والشاهد على ما ذكرنا فى هذه العبارة ظاهر وإن كان من نظر إلى

ص: 223


1- كفاية الأصول : 32.

عبارات القوم في شراشر فقه المعاملات يستغني عن التشبث بالشاهد

النظر الثالث : إلى الشرائع

بعد النظر إلى الشرائع لا بد لنا من تذكر نكتتين :

النكتة الأولى : إنّك إذا راجعت ما قاله في صيغة الجعالة فتراه يذكر الصيغة على نحو يصدق على العامل العام الغير المعلوم لأنه ذكر في صيغتها قول الجاعل : من ردّ عبدي أو ضالّتي أو فعل كذا فله كذا » (1). وهذا ما يوجب توهّم أنّ المحقق رأى الجعالة مخصوصاً في صورة كون العامل مجهولاً على نحو العموم.

ولكن التدقيق في عبارته يكشف أنّه أيضاً مثل سلفه معتقد بجواز كون الجعالة مجعولةً على فرد خاص وهذا يكشف بالنظر إلى ذيل عبارته حيث قال : ولو عيّن الجعالة لواحد فردّ غيره كان عمله ضائعاً » (2) فيعلم منه أنّ الجعالة غير مختصة بصورة عموم العامل.

النكتة الثانية : أنّه جعل الجعالة من الإيقاعات وبحث عنه في ضمن أبواب الإيقاعات وذكر لها صيغة الإيجاب فقط. وهذا مغاير لظاهر عبارات أسلافه مثل الشيخ الطوسي (3) وابن حمزة (4) وابن ادريس (5) والكيدري (6) . وهذا ما يجب على الباحث حول الجعالة من أخذ المبنى ،حوله، ولكنّه غير مهم لنا بعد ما أثبتنا

ص: 224


1- شرائع الإسلام 3 706
2- شرائع الإسلام :3 706
3- أنظر المبسوط 2: 197
4- أنظر الوسيلة : 272 .
5- أنظر السرائر 2 : 88
6- أنظر إصباح الشيعة: 329.

العقدية والإيقاعية غير مؤثرتين في تبديل الحقائق تغييراً جوهرياً. ومن الشواهد هو نفس الجعالة ؛ فإنّه وإن جعله المحقق من الإيقاعات ولكن صرّح صاحب الجواهر بأنّها وإن كانت من الإيقاعات ولكن يمكن وقوعها على نحو العقد وقال: «لا تمنع إيقاع الجعالة في بعض أفرادها على نظم العقد المشتمل على الإيجاب والقبول» (1). وهذا شاهد آخر على أنّ الميز بين المعاملات بالنظر إلى الاحتياج إلى القبول وعدمه ممّا لا وجه له.

النظر الرابع إلى : التذكرة

فالمهم لنا منها عبارتان

العبارة الأولى: ما قاله في وجه مشروعية الجعالة بقوله: «لأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك، فإنّ العمل قد يكون مجهولاً، كردّ الأبق والضالة ونحو ذلك، فلا يمكن عقد الإجارة فيه والحاجة داعية إلى ردّهم، وقلّ أن يوجد متبرّع به فدعت الضرورة إلى إباحة بذل الجُغل فيه مع جهالة العمل لأنّها غير لازمةٍ بخلاف الإجارة، فإنّ الإجارة لمّا كانت لازمةً افتقرت إلى تقدير مدّةٍ معينةٍ مضبوطةٍ لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان وأمّا العقود الجائزة كالشركة والوكالة فلا يجب لها ضرب المدّة، ولأنّ كلّ عقد جائز يتمكن كل من المتعاقدين فيه من فسخه وتركه» (2).

العبارة الثانية ما قاله في جملة أحكام الجعالة بقوله : وهل يشترط الجهل في العمل؟ الأصح : العدم، فلو قال: «مَنْ خاط ثوبي فله درهم أو قال: «مَنْ حَجَّ عنّي»، أو «مَنْ ردّ عبدي من بغداد

ص: 225


1- جواهر الكلام 35 191
2- تذكرة الفقهاء 2 : 285-286

فله مائة صح، واستحق العامل الجُغل لأنه إذا جاز مع الجهل فمع العلم أولى لانتفاء الغرر فيه، وهو أصح وجهي الشافعية. ولهم وجه :آخر أنّه لا تجوز الجعالة على العمل المعلوم، وإنما تصح على المجهول ؛ لإمكان التوصل في المعلوم بالإجارة. وهو غير جيّد، لعدم المنافاة، ولا استبعاد في التوصل بأمرين أو أمور (1). »

ويمكن تذييله بنكات

النكتة الأولى : الظاهر من عبارته الأولى هو أنّ الفرق بين الجعالة والإجارة ليس إلا من جهة الغرر والجهل الموجود في العمل وإلا أنّ للجعالة والإجارة حقيقة فوقانية وإنّما الاختلاف في قيد خاص. وهذا ما ينبغي للباحث عن النظام الطولي للمعاملات التأمّل فيه

النكتة الثانية: ينبغي لك التأمل في كلام الشيخ الطوسي في الإجارة أيضاً حيث قال : فالإجارة على ضربين: أحدهما ما يكون المدّة معلومة والعمل مجهولاً والثاني: ما يكون المدّة مجهولة والعمل معلوماً.

فما يكون المدّة معلومة والعمل مجهولاً، مثل أن يقول: آجرتك شهراً لتبني أو تخيط، فهذه مدّة معلومة والعمل مجهول، وما يكون المدّة مجهولة والعمل معلوماً فهو أن يقول: «آجرتك لتخيط ثوبي أو تبني هذه الدار فالمدة مجهولة والعمل معلوم.

فأما إذا كانت المدّة معلومة والعمل معلوماً فلا يصح، لأنه إذا قال : استأجرتك اليوم لتخيط قميصي هذا»، كانت الإجارة باطلة، لأنه ربما يخيط قبل مضي النهار فيبقي بعض المدّة بلا عمل وربما

ص: 226


1- تذكرة الفقهاء 2 : 287

لا يفرغ منه بيوم ويحتاج إلى مدّة أخرى ويحصل العمل بلا مدّة» (1) انتهى كلامه .

ثمّ تأمل في وجود الجهل في العمل في الإجارة وقايس الإجارة والجعالة فيما إذا قال شخص: جئ بعبدي في شهر في مقابل عشرة دنانير فهذا ماذا ؟ جعالة أو إجارة؟ لا يمكن القول بأنّه ليس بإجارة لجهل العمل كما هو معروف بين الأصحاب، لما عرفت من عبارة شيخ الطائفة من جواز كون العمل في الإجارة مجهولاً إن كانت المدّة معلومة! فتأمّل جيّداً. ثمّ تأمّل فيما ذكرنا لك فيما أسلفنا من اندماج أبواب المعاملات بعضها في البعض.

النكتة الثالثة : الظاهر من عبارته الثانية هو أنّ الجعالة يمكن وأن تتبدّل بالإجارة، فإنّه بعد ما عرفت من عبارته الأولى من أنّ الفرق بين الجعالة والإجارة إنّما هو في الجهل الموجود في الجعالة، ففي صورة هذا الجهل فصارت الجعالة مثل الإجارة، غير أنّه قد ذكر الأصحاب لها خصوصيات أخرى من أنّه بعد جائزة وهذا ما يحتاج إلى التأمل.

النكتة الرابعة وأما قوله لا استبعاد في التوصل بأمرين أو أمور (2) فالظاهر منه هو أنّ العقود المختلفة يمكن أن تكون في بعض الحالات مؤثرة في أثر واحد.

ولأجل الإشارة إلى معنى ذلك فلا بأس بالنظر إلى خيط الثوب في الفقه الإسلامي : فإنّهم بحثوا عنه في كتاب الإجارة فيما إذا قال المستأجر : لو خطت ثوبي فلك كذا وفي الجعالة فيما إذا قال

ص: 227


1- المبسوط 3 221
2- تذكرة الفقهاء 2: 287

الجاعل : لو خطت ثوبي فلك ،كذا وفي الوكالة كما إذا قال الموكل : وكّلتك في أن تخيط لي ثوباً في مقابل كذا فنرى بوضوح أنّ الحقيقة واحدة في جميع أن اسم العقد متفاوت.

ولك أن تقول : إنّ مسألة تغاير الأسباب ووحدة المسبّب أمر واضح كما نراه في التكوينيات من تأثير أمور مختلفة في مسبّب واحد مثل تأثير النار والشمس والاصطكاك في حصول الحرارة في الجسم مثلاً. ولكن هنا عويصة وهي أنّ ما نراه فيما نحن فيه هو اتحاد هذه الثلاثة في الحقيقة وإنّما يكون اختلافها في الصيغة، فإنّه في تغاير الأسباب نرى الاصطكاك غير النار والنار غير الشمس في الجملة، ولكن فيما نحن فيه نرى الحقيقة واحدةً فإنّ الحقيقة التي نواجهها هي عبارة عن جُعل مبلغ لخياطة ثوب فكما يمكن إيجاد البيع بصيغة بعتك» أو «ملكتك» من دون تغاير في الحقيقة يمكننا وأن نقول : فيما نحن فيه أيضاً إنّما الاختلاف في الصيغة ولا اختلاف في الحقيقة. بل عرفت اتحاد الصيغة في قوله : جئ بعبدي من بغداد في مقابل عشرة

دراهم».

وحتى لو فرض الاختلاف في بعض الأحكام، فالإنصاف هو الاختلاف في بعض الشقوق لا يكون موجباً للذهاب إلى الاختلاف الماهوي بين العقود فإنّها كما عرفت منا بما لا مزيد عليه مندمجة جداً، فالاختلاف في الأضرب أمر واضح، ولكن هل يكون الاختلاف في الأضرب موجباً للذهاب إلى الاختلاف في الجوهر؟

فإنّك قد عرفت منا اتحاد المضاربة والمزارعة والمساقاة في الحقيقة، فالعرف يرى هذه الثلاثة مشتركةً في حقيقة واحدة وهي اشتراك رأس المال والعمل، ولكن هل هذا يعني أنّ هذه الثلاثة مشتركة الأثر والحكم دائماً ولا اختلاف بينهما أصلاً؟ طبعاً لا ! كما أنّ الفقهاء ذكروا للشركة الاكتسابية أربعة أضرب وحكموا ببطلان ثلاثة

ص: 228

وصحة ،واحد، ومع ذلك لا يوجب هذا الاختلاف الفاحش اختلافاً في الحقيقة، وسيأتي مزيد من البيان.

وفي المقام نكات لابد وأن نبحث عنها عندما نفحص عن حقيقة الإجارة. فاللازم علينا في مجال آخر البحث عن الحقيقة المشتركة بين الوكالة والجعالة والإجارة لعلنا نصل إلى مفهوم جامع لها له أحكام خاصة، فاصبر.

النظر الخامس إلى : القواعد

قال العلامة: وشرطه أي شرط الجعل) أن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد ، ولو كان مجهولاً : كثوب غير معيّن أو دابة مطلقة ثبت بالردّ أجرة المثل. ولو قيل بجواز الجهالة إذا لم يمنع من التسليم كان حسناً كقوله : من ردّ عبدي فله نصفه، ومن ردّ ثوبي فله ثلثه (1).

انتهى كلامه والمرجو ذكر نكتتين :

النكتة الأولى : ما قاله السيد عميد الدين في كنز الفوائد في توجيه كلام العلّامة بقوله : «أقول : أطلق الأصحاب اشتراط العلم في الجعل، فإنّه لو جعل جعلاً مجهولاً كان للعامل أجرة مثل عمله. والمصنّف استحسن التفصيل وهو : أنّه إذا كانت الجهالة مانعةً من التسليم كان الأمر كذلك، وأمّا إذا لم يمنع من التسليم كما لو كان الجعل نصف المردود جاز، فإنّه لا يمنع من تسليمه شيء، وذلك لأنا إنّما منعناه في المجهول لأدائه إلى التنازع وعدم تعيين الواجب، فإنّه لو جعل ثوباً لم يدلّ ذلك على مقداره وصفاته لو طلب كلّ منهما ما

ص: 229


1- قواعد الأحكام 2 216

يوافق وصفه واللفظ لا يساعده على ذلك. أما ما ذكرناه من الفرض فهو عند الاستحقاق يكون العوض معلوماً لهما جميعاً فكان جائزاً» (1).

النكتة الثانية: أنّ هذه العبارة في غاية الأهمية لمن أراد أن يجعل المضاربة تحت الجعالة، فإنّك خبير أنا لو ذهبنا إلى ما هو المشهور من لزوم العلم في الأجرة في الجعالة فمن المستصعب جعل المضاربة تحتها بعد ما نرى من أنّ قوام المضاربة بالاشتراك في الربح، ولكن بعد ذهابك إلى ما احتمله العلامة فصار الأمر أسهل وإن

كان للكلام تتمة.

وعلى كل حال إنّ من جعل المضاربة بمنزلة جعالة مخصوصة لشخص معيّن في عمل خاص بجعل مخصوص (2) لا بد أن يلتزم بهذا الاحتمال.

النظر السادس إلى الإيضاح

قال فخر المحققين : الجعالة لغةً ما يجعل على ما يفعل وشرعاً الصيغة الدالة على الإذن في عمل بعوض التزمه له» (3).

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى : في النسخة الموجودة كان كلامه هكذا: «التزمه ،بله ولكن يحتمل وأن يكون الصحيح ما أثبتُه ، والمراد حينئذ التزم) الجاعل العوض للعامل». ويمكن أن يكون الأصل هكذا: «التزمه بفعله يعنى أنّ الجاعل التزم العوض بواسطة فعل العامل ذاك العمل.

ص: 230


1- كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1: 643
2- کالسید الگلپایگانی
3- إيضاح الفوائد 2 162

واللازم المراجعة إلى النسخ. وفي مثل هذا المقام قواعد ذوقية لترجيح الاحتمالات في النسخ لا مجال لذكرها وبينها اختلاف بالنظر إلى الكتابة بالقلم أو الكتابة بالكيبورد (لوحة المفاتيح).

النكتة الثانية : الظاهر أنّه أوّل من عرّف الجعالة بهذا الشكل بين أصحابنا وتعريفه مشتمل على الجهة اللغوية والجهة الشرعية. وأمّا الجهة اللغوية فسيأتي البحث في الجملة عنها والذي الآن نكون بصدد توضيحه هي الجهة الشرعية.

النكتة الثالثة: لا يخفى عليك أن تعريف الجعالة بهذا الشكل يتناسب ظاهراً مع النظم الطولي، إذ يمكن أن تقول : إنّ الجعالة بهذا التعريف تشمل الإجارة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والوكالة ،وغيرها، إذ في جميع هذه العقود نواجه الإذن في عمل في مقابل عوض. وبهذا البيان تكون الجعالة عنواناً عاماً وتصير جميع هذه العقود من أضربها.

حتى يمكنك أن تقول : عقد النكاح أيضاً يصير من أضربها بناءً على تفسير القوم له من أنّه من المعاملات ويكون البضع في مقابل الصداق، فحينئذٍ يكون النكاح يعني إذن المرأة للعمل في مقابل عوض، فتأمل.

ومن الممكن تأييد عمومية الجعالة بالنظر إلى معناها في اللغة ؛ فإن له أيضاً كما قاله فخر المحققين معنى جامعاً قابلاً للصدق على كثير من العقود بل الإيقاعات.

والحاصل من هذا التحليل هو أنّ العنوان العام للجميع الجعالة، وهي بمنزلة الجنس للجميع وكلّ عقد من أضربها يتمايز عن الآخر بفصل.

هذا؛ ولكن يمكننا أن نقول : إنّ الأمر يمكن وأن يكون كذلك،

ص: 231

ولكن لا يمكن الوصول إلى هذه النتيجة بالنظر إلى تعريف الفقهاء للجعالة، فإنّ ديدنهم في التعاريف ليس بيان الحقيقة على ما هي، على نحو التعريف الحدّي. بل إنّما ذكروا التعريف لأجل كشف الغطاء في الجملة عن العقد الذي أرادوا ذكره. ولذلك لابد من الفحص عن هذه النظرية في مجال مخصوص ولا يمكن نسبتها إلى فخر المحققين أو غيره ممّن عرّف الجعالة بهذا التعريف الوسيع كالشهيد الأوّل في دروسه حيث قال: وهي لغةٌ مال يجعل على عمل وشرعاً صيغة دالّة على الإذن في عمل بعوض» (1)

النكتة الرابعة من المهمّ تركيز النظر إلى قوله : «شرعاً» فما المراد منه؟ ويمكننا بيان السؤال بنحو آخر فإنّا في كثير من الأحيان نرى الفقهاء عرّفوا العقود تعريفاً شرعياً، وهذا مما لا يتلائم مع ما هم عليه من أنّ ألفاظ المعاملات ليست لها معان شرعية والحقيقة الشرعية لو وجدت ففي العبادات فقط.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر تفطن على هذا الإشكال وجهد للجواب عنه وقال: والمراد ما يعتبر فيها شرعاً كما في غيرها من العقود والإيقاعات، إذ لا حقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة) (2).

ولكن الإنصاف أن كلامه غير صحيح صدراً وذيلاً.

أمّا صدر :كلامه أي قوله : أنّ المراد ما يعتبر شرعاً فيرد عليه أنّ الظاهر منه هو أنّ الفقهاء أرادوا في تعريف العقود بيان أحكامها الشرعية مع أنّ الأمر ليس كذلك فإنّه :

أولاً أنّ الأحكام رتبتها بعد الحقيقة فلا وجه لبيان الحكم في مقام التعريف.

ص: 232


1- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 97
2- جواهر الكلام 35 187

وثانياً : أنا نرى بالوجدان أنّهم في تعاريفهم لم يذكروا جميع أحكام العقد، وإنما ذكروا بعضها، ولا يمكنك أن تقول : إنّهم عرفوا فقط الأحكام الدخيلة في حقيقة العقد شرعاً، فإنّ هذا رجوع إلى ما فررتَ منه من أنّه ليس لهذه العقود حقيقة شرعية.

أما ذيل :كلامه أي قوله : لا حقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة فهو أيضاً غير واضح، لأنّ المعاني اللغوية لهذه العقود غير مقصودة في الشرع قطعاً. فإنّه هل صاحب الجواهر ملتزم بأنّ المراد من الجعالة في الشرع هو معناه اللغوي :أي: ما يجعل على ما يفعل » (1) ؟!

فالتحقيق هو أن نقول : إنّ المراد من الشرع ليس الشريعة الإسلامية، فالمراد من الشرع هو ما يقابل اللغة، يعني أنّ الجعالة لها معنى في اللغة ولها معنى في العرف بما هو عقد، أي بما هو من الأفعال الحقوقية، فنفس العرف يرى فرقاً بين الجعالة في اللغة بعنوان وضعها الأولى والجعالة في الحقوق بعنوان عقد مركب من مفاهيم.

ويؤيد ما ذكرنا : لفظ الحجّ بناءً على إنكار الحقيقة الشرعية، فإنّه يمكنك أن تقول له معنى لغوي أي القصد ومعنى اصطلاحي في العرف قبل التشريع. فالعرف يرى له معنيين معنى بما له لغة ومعنى بما له فعل اجتماعي.

وفيما نحن فيه أيضاً يمكننا أن نقول : إنّ الجعالة لها معنى لغوي بما هو الموضوع له ابتداء، ولها معنى بما هو فعل اجتماعي.

ص: 233


1- إيضاح الفوائد 2 162

النظر السابع إلى : اللمعة وشرحه

قال الشهيد الأوّل : وهي صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما » (1).

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى: قال الشهيد الثاني في الروضة في شرح كلامه : لغةً مال يجعل على فعل وشرعاً صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما، أي في العمل والعوض ك- من ردّ عبدي فله «نصفه مع الجهالة به وبمكانه، وبهذا تتميز عن الإجارة على تحصيل منفعة معيّنة، لأنّ التعيين شرط في الإجارة، وكذا عوضها » (2).

النكتة الثانية : فالظاهر من كلامهما هو الجهد لإخراج الإجارة عن تعريف الجعالة بخلاف تعريف الإيضاح المصرّح بعمومية الجعالة لها والحاصل من كلام الشهيدين هو أنّ الفرق بين الجعالة والإجارة إنّما في اشتراط العلم وعدم الاشتراط فما يشترط فيه العلم فهو الإجارة، وما لا يشترط فيه العلم فهو الجعالة.

النكتة الثالثة : ثمّ إنّك عرفت أنّه في الإجارة أيضاً يجوز الجهل بالنسبة إلى العمل بشرط العلم بالمدّة، وكذا يمكن الذهاب إلى جواز الجهل في العوض بهذا الشكل الموجود في كلامهما ؛ يعنى يمكن الذهاب إلى أنّ قوله : من خاط لي في أسبوع فله نصف ما خاطه أو من اتجر لي في هذا الأسبوع فله نصف ما اتجر» جائز.

فقد عرفت من الشيخ الطوسي جواز الإجارة إذا قال : من خاط

ص: 234


1- اللمعة الدمشقية : 151.
2- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 439

لي في يوم فله كذا » (1) ، وكذلك قد عرفت من العلّامة في القواعد (2) والشهيد الأوّل (3) في هذه العبارة جواز كون العوض حصّةً من الحاصل.

وبعد النظر إلى كلام كنز الفوائد (4) وإيضاح الفوائد (5) الاستدلال على وجه كلام العلامة في الجعالة يمكنك الذهاب إلى جواز جهل العوض في الإجارة كذلك، فإنّهما بيّنا أنّ ملاك لزوم العلم في العوض هو المنع من التسليم والتنازع، ومع انتفاء كليهما لا وجه للالتزام بلزومه في العوض. وهذا الوجه يجري في الإجارة أيضاً، فتأمّل.

النكتة الرابعة وحتّى بناءً على لزوم العلم في الإجارة وعدم اللزوم في الجعالة، غير خفي عليك أنّ هذا لا يوجب اختلاف البابين بتمام الذات، فإنّ الإجارة تكون بشرط شيء والجعالة تكون لا بشرط ولذا يمكننا وأن نقول : إنّ الجعالة أعم من الإجارة، فالإجارة تكون من أضرب الجعالة.

ثم اعلم أنه بناءً على ذلك يمكننا الجواب عن السؤال الذي سألناه في بعض الصفحات الماضية، وكان السؤال هو أنّه فيما إذا قال شخص لشخص: جئ بعبدي من بغداد في مقابل عشرة دنانير فما هذا ؟ هل هو جعالة أو إجارة؟ الجواب هو أنّه يكون إجارة وجعالة، لأنّ الإجارة تكون تحت الجعالة؛ ففيما يكون العلم موجوداً فيتحقق الإجارة لأنّه بشرطه ولا يعنى هذا عدم تحقق الجعالة أيضاً.

ص: 235


1- المبسوط 3 : 221
2- أنظر قواعد الأحكام 2 216
3- أنظر اللمعة الدمشقية: 151.
4- أنظر كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1: 643
5- أنظر إيضاح الفوائد 2: 162.

أمّا أنّه وكالة أم لا ؟ يمكننا أن نقول : لا ! لأنّ الوكالة فيها معنى بعيد عن الأذهان وهو الاستنابة، ولذلك لأجل الحكم بتحققها لابد من التوجّه إليها والفرض أنّ التوجه بها مفقود أو غير معلوم فيمكن الذهاب إلى نفيه، فتأمل جيّداً.

والحاصل هو أن الإجارة اسم لحصة خاصة من الجعالة وللكلام تتمّة.

نعم؛ بقي هنا شيء وهو : أنّ العرف لم يسمّ الإجارة جعالة، فكيف تقولون إنّها من أضربها؟ والجواب هو : أنا لا ندعي صدق اسم الجعالة عليها بل المدعى هو أنّها من حيث الحقيقة تكون تحتها ومن أضربها، وهذا في نظام التكوين أيضاً نواجهه، فإنّ العرف لا يقبل إطلاق الحيوان على الإنسان بل من ليس له صلة بالحكمة استنكر إطلاقه عليه كما لا يخفى، وكذلك حال إطلاق الجسم على الإنسان فإنّ أهل العلم ذهنهم مأنوس بإطلاق الجسم على الإنسان ولكنّ العرف لم يقبل هذا، وإنّما أطلقوا الجسم على ما لا حياة له ولكن هذا كلّه لا ينتج عدم كون مفهوم الإنسان تحت مفهومهما ومحكوم بأحكامهما، كما لا يخفى.

ثمّ إنّا بعد النظر إلى الرابطة الطولية بين الجسم والإنسان يمكننا أن نبين لك شيئاً آخر، وهو أنا في عالم التكوين ربما واجهنا بعض الأجسام له اسم كالحيوان والإنسان والبقر إلى غير ذلك من الأجسام المتحيّثة بحيثيات وضع لها اسم في اللغات ولكن مع ذلك يمكن مواجهة بعض أجسام لا اسم له وإنّما أُطلق عليه أنه جسماً صرفاً مع إنّه أيضاً متحيّث بحيثيات قطعاً لأن الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ولأن الكلّي بما هو كلي لا تحقق له، ولكن مع ذلك كلّه نطلق الجسم على ذاك الجسم، لأجل عدم وجود اسم خاص .له. وهذا كثير التحقق في ساحات مختلفة، فمثلاً في نوع الإبل نرى

ص: 236

العرب قد سمّت لصنوفه المختلفة أسماء مختلفة وبعض صنوفه لا اسم له وإنّما أُطلق عليه اسم الإبل. وكذلك الحال في المركبات الاعتبارية؛ فانظر إلى مفهوم «الغرفة»، فبعض الغرف مضافاً إلى إطلاق الغرفة عليه، له اسم آخر كالمطبخ مع أنّ بعضها لا اسم له إلا الغرفة.

إذا تنبهت إلى ذلك فارجع البصر إلى الجعالة وأضربها، فإنّ بعض الأضرب له اسم خاص عند العرف كالإجارة، ولكن توجد هنا أضرب لا اسم لها وإنّما سمّيت باسم الجعالة أنّه في ذاك البعض لا نواجه السعة الموجودة في الجعالة، فمثلاً إذا قال شخص: «من ردّ عبدي فله عشرة دنانير فلا نرى العرف قد وضعوا لهذه الحصّة من

الجعالة اسماً على حدة، كما فعلوا في الإجارة، ولكن مع ذلك نرى هذه الحصة لا توجد فيها جهات السعة الموجودة في الجعالة، فإنّ هذا العقد من جهة العامل بشرط العمومية ومن جهة الأجر بشرط العشرة ومن جهة الفعل بشرط الجهل إلى غير ذلك، فتدبّر جيّداً، وللكلام تتمة.

وعلى ضوء ما ذكرنا يمكن إرجاع النظر إلى الاختلاف بين بعض الشافعية وغيرهم على ما نقله العلامة في التذكرة. ولتبيين المرام لا بدّ من طي أقدام

القدم الأول : النظر إلى كلام التذكرة قال العلامة: وهل يشترط الجهل في العمل؟ الأصح : العدم، فلو قال: «مَنْ خاط ثوبي فله درهم، أو قال مَنْ حَجَّ عنّي»، أو «مَنْ ردّ عبدي من بغداد فله مائة، صح، واستحق العامل الجُغل لأنّه إذا جاز مع الجهل فمع العلم ،أولى لانتفاء الغرر فيه وهو أصح وجهي الشافعية ولهم وجه :آخر أنّه لا تجوز الجعالة على العمل المعلوم، وإنّما تصح على

ص: 237

المجهول، لإمكان التوصل في المعلوم بالإجارة. وهو غير جيّد، لعدم المنافاة، ولا استبعاد في التوصل بأمرين أو أمور (1).

القدم الثاني : النظر إلى ما ذكرناه سابقاً تذييلاً لهذه العبارة: ذكرنا في ذيل عبارته: «أما قوله: «لا استبعاد في التوصل بأمرين أو أُمور فالظاهر منه هو أنّ العقود المختلفة يمكن أن تكون في بعض الحالات موثّرة في أثر واحد ولأجل الإشارة إلى معنى ذلك لا بأس بالنظر إلى خياطة الثوب في الفقه الإسلامى : فإنّهم بحثوا عنه في كتاب الإجارة فيما إذا قال المستأجر : لو خطت ثوبى فلك كذا (2) ، وفي الجعالة فيما إذا قال الجاعل : لو خطت ثوبي فلك كذا» (3)، وفي الوكالة كما إذا قال الموكل : وكَّلتك في أن تخيط لي ثوباً في مقابل كذا » (4) فنرى بوضوح أنّ الحقيقة واحدة في جميع الثلاثة أنّ اسم العقد متفاوت.

ولك أن تقول : إنّ مسألة تغاير الأسباب ووحدة المسبّب أمر ،واضح كما نراه في التكوينيات من تأثير أمور مختلفة في مسبّب ،واحد مثل تأثير النار والشمس والاصطكاك في حصول الحرارة في الجسم مثلاً. ولكن هنا عويصة وهي أنّ ما نراه فيما نحن فيه هو هذه الثلاثة في الحقيقة، وإنّما يكون اختلافها في الصيغة، فإنّه في تغاير الأسباب نرى الاصطكاك غير النار والنار غير الشمس في الجملة، ولكن فيما نحن فيه نرى الحقيقة واحدة؛ فإنّ الحقيقة التي نواجهها هي عبارة عن جعل مبلغ لخياطة ثوب، فكما يمكن إيجاد

ص: 238


1- تذكرة الفقهاء 2 : 287
2- أنظر جواهر الفقه : 135.
3- أنظر تذكرة الفقهاء 2: 289
4- أنظر المبسوط :2 379

البيع بصيغة «بعتك» أو «ملكتك» من دون تغاير في الحقيقة يمكننا وأن نقول : فيما نحن فيه أيضاً إنّما الاختلاف في الصيغة، ولا اختلاف في الحقيقة. بل عرفت اتحاد الصيغة في قوله : جئ بعبدي من بغداد في مقابل عشرة دراهم.

وحتى لو فرض الاختلاف في بعض الأحكام، فالإنصاف هو الاختلاف في بعض الشقوق لا يكون موجباً للذهاب إلى الاختلاف الماهوي بين العقود فإنّها كما عرفت منا بما لا مزيد عليه مندمجة جداً، فالاختلاف في الأضرب أمر واضح، ولكن هل يكون الاختلاف في الأضرب موجباً للذهاب إلى الاختلاف في الجوهر؟

فإنّك قد عرفت منا اتحاد المضاربة والمزارعة والمساقاة في الحقيقة، فالعرف يرى هذه الثلاثة مشتركةً في حقيقة واحدة وهو اشتراك رأس المال والعمل ولكن هل هذا يعني أنّ هذه الثلاثة مشتركة الأثر والحكم دائماً ولا اختلاف بينها أصلاً؟ طبعاً لا ! كما أن الفقهاء ذكروا للشركة الاكتسابية أضرباً، ومع ذلك حكموا ببطلان ثلاثة وصحة ،واحد ومع ذلك لا يوجب هذا الاختلاف الفاحش اختلافاً في الحقيقة وسيأتي مزيد من البيان.

القدم الثالث : مزيد البيان :هنا وقد عرفت أنه نسب إلى بعض الشافعية: «أنّه لا تجوز الجعالة على العمل المعلوم، وإنّما تصح على المجهول، لإمكان التوصل في المعلوم بالإجارة» (1). فيمكننا أن نقول: هذا الوجه الذي ذهب إليه بعض الشافعية فاسد وصحيح

أمّا فاسد؛ بناءً على مبنانا من وجود السعة في الجعالة من هذه الجهة ولذلك تكون الجعالة المطلقة في طول الإجارة، فكلّ إجارة

ص: 239


1- تذكرة الفقهاء 2 : 287

تكون جعالة أيضاً، فلا يمكن الذهاب إلى أنّ هذه إجارة لا جعالة.

اما صحیح ؛ فلأجل أن الإجارة كما عرفت هي حصّصة للجعالة فبعد تحقق مفهومها لا يمكن الذهاب إلى عدم تحقق اسمها، ففي صورة العلم بالعمل والأجر أنّ المفهوم الحاصل هو المفهوم الذي سمّاه العرف باسم الإجارة، ولا يمكن الذهاب إلى أنّه جعالة لا إجارة، كما أصرّ عليه العلامة.

فقول الشافعية بأنّها إجارة لا جعالة وقول العلامة بأنّها جعالة لا إجارة كلاهما غير تامّ والحق هو أنها إجارة وجعالة.

نعم ؛ يمكننا أن نقول: إنّ العقد الذي يتحقق بما هو بشرط الشيء بالنسبة إلى العلم فهي بالصدق الأوّلي إجارة وبالنظر إلى الرابطة الطولية جعالة.

ولعلّ مقصود البعض هو : أنّ هذا العقد الواقع من مصاديق الإجارة لا من مصاديق الجعالة التي في عرض الإجارة ؛ يعني أنّ هذا العقد له اسم خاص وليس بلا اسم كي نطلق عليه اسم نوعه أو جنسه.

وبالجملة : إنّ الجعالة بعد ما تحققت في الخارج مع حصص الإجارة فهي في الصدق الأوّلي إجارة، كما نقول: الجسم إن تحقق في الخارج مع خصوصيات الإنسانية فهو بالصدق الأولي إنسان.

وبعد ما صرت خبيراً بما قلنا فلنرجع إلى السؤال الذي سألنا إذا قال شخص: جئ بعبدي من بغداد في مقابلة عشرة دنانير فهي إجارة أو جعالة؟ ففي المرحلة الأولى ذكرنا السؤال من دون جواب، وفي المرحلة الثانية ذكرنا لك أنّها إجارة وجعالة معاً، وفي هذه المرحلة نقول: إنّها إجارة بالصدق الأولي وجعالة بالصدق الثانوي. ولازم ذلك الالتزام بأنّها لازمة لا ،جائزة لأنّها متحيّثة بخصوصيات الإجارة، ولذلك كما هي محكومة بجميع أحكام

ص: 240

الجعالة، فكذلك محكومة بجميع أحكام الإجارة أيضاً. وبعد الذهاب إلى أنّ الجعالة لا بشرط بالنسبة إلى اللزوم والجواز وسيأتي الاستدلال عليه في الفصل الآتي فاللا بشرط يجتمع مع شرط اللزوم في بعض حصصه، كما لا يخفى.

النظر الثامن إلى : رسائل المحقق الكركي

قال: «الجعالة: عقد جائز من الطرفين ثمرته استحقاق المال المجعول أو المقدّر شرعاً أو عرفاً في مقابل عمل مقصود محلّل » (1)

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى : تجد مثل هذا التعريف في كلمات الشيخ الأنصاري أيضا (2).

النكتة الثانية: الظاهر من كلامه هو أنّ الجعالة بالنظر إلى العوض الذي وصل إلى العامل على ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: ما يكون العامل فيه مستحقاً للعوض المجعول، ومثاله ما إذا قال: جئ بعبدي في مقابل عشرة دنانير فالعامل بعد مجيء العبد يستحق المال المجعول.

القسم الثاني : ما يكون العامل مستحقاً للمقدّر الشرعي وهو فيما جعل الجاعل جُعلاً غير معلوم ويكون المورد عبداً أو بعيراً، فإنّ للشارع تقديراً بالنسبة إليهما، كما قاله المفيد في المقنعة ما هذا نصه : وإذا وجد الإنسان عبداً ابقا أو بعيراً شارداً فردّه على صاحبه كان له على ذلك جُعل : إن كان وجده في المصر فدينار قيمته عشرة دراهم

ص: 241


1- رسائل الكركي 1 194.
2- انظر صيغ العقود والإيقاعات: 105.

جياداً (1) ، وإن كان وجده في غير المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهماً جياداً بذلك ثبتت السنّة عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)» (2). انتهى كلامه.

ولعلّ مستندهم الشهرة أو الإجماع المعاضدين لما ذكره الشيخ في التهذيب : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُونِ الْبَصْرِي عَنْ عَبْدِ الله بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمُ عَنْ مِسْمَعِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ كِرْدِينِ أبِي سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله ع قَالَ : إِن النَّبِيَّ صَ جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَاراً إِذا أَخَذَه فِي مِصْرِه وإِنْ أَخَذَهُ فِي غَيْرِ مِصْرِه فَأَرْبَعَةَ دَنَانِيَرَ» (3). فإنّ هذه الرواية مضافاً إلى ضعف سندها بمحمّد بن الحسن وخصوصاً الأصمّ الذي قال في حقه الحلّي في الخلاصة: «كان من كذابة أهل البصرة» (4) يذكر فيها إلا العبد ولا إشارة فيها إلى حكم البعير.

وغير معلوم مستندهم في إضافة البعير إلى العبد وغير معلوم وجه نسبة المفيد إلى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الجعل بالنسبة إلى البعير لولا ثبوت الإجماع عنده.

ولا بأس بالنظر إلى ما ذكره في مفتاح الكرامة في وجه جَعل الجُعل للعبد حيث قال: وقد يؤيّد قول الشيخين بأن في ذلك حقاً على ردّ الآبق وصيانةً له عن الرجوع إلى دار الحرب والردّ إلى دينهم وتقوية أهل الحرب به، فتأمل» (5) .

ص: 242


1- الجياد مقابل للمغشوشة، كما قال الشهيد في الدروس: لو قبض مغشوشة على أنها جياد الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 305 وسيأتي في المجلد الثاني تفصيل من هذه الجهة فراجع.
2- المقنعة : 648-649
3- تهذيب الأحكام 6 398-43/399
4- خلاصة الأقوال: 372
5- مفتاح الكرامة 17 862.

ولكن روي كذلك عن دَعَائِم الإسلام، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله ع قَالَ: «مَنْ أَتَى بِآبِقِ فَطَلَبَ الْجُعْلَ فَلَيْسَ لَه شَيْءٌ إِلا أَن يَكُونَ جُعِلَ له » (1)

وعلى كل حال ليس هذا المجال مناسباً لبسط النظر حول هذا الحكم ، واللازم البحث عنه حين البحث عن أحكام الجعالة بالنظر إلى كلمات العامة في المقام أيضاً كما أنّه غير بعيد أن يكون من الأحكام الحكومتية للنبي الخاتم (صلی الله علیه وآله وسلم)، فتدبّر.

ولكنّ الذي يجب علينا ذكره هو : أنّ هذا الذي ذكرناه منحصر في صورة قد جعل الجاعل جُعلاً غير معلوم أو معلوم بناءً على جريان الرواية حتى في صورة معلومية الجعل » وإلا ففي صورة عدم الجعل حتى لو ذهبنا إلى ثبوت المقدّر الشرعي ولكن هو غير مربوط يبحث الجعالة بما أنّه عقد، فلا تغفل.

القسم الثالث ما يكون العامل مستحقاً للمقدّر عرفاً، ولعلّ المراد إحدى الصورتين :

الصورة الأولى : فيما إذا جعل الجاعل جعلاً مبهماً غير معلوم فإنّه يثبت حينئذٍ أجرة المثل، إلا إذا كان المورد عبداً أو بعيراً على الاختلاف المذكور.

الصورة الثانية : فيما إذا لم يجعل جعلاً أصلاً وإنّما قال: جئ بعبدي ففي هذه الصورة أيضاً تثبت أجرة المثل إلا في العبد والبعير كذلك.

ولا ينبغى أن يكون المراد ما ذكره بعض الأصحاب من أنه وإن

ص: 243


1- دعائم الإسلام 2 498

لم يجعل وجرت في البلد عادة بشيء استحقه» (1) أو إذا كان هو المعروف بأخذ الأجر وردّ الضوال (2) ، إذ حتى لو ذهبنا بهذا المسلك ولكنّه أجنبي عن الجعالة بما هو عقد، كما لا يخفى.

النكتة الثالثة : والمهم لنا من ذكر كلماته هو الإشارة إلى نكتة وهي عدم اشتراط العلم بالعوض في الجعالة، فإنّ بين الفقهاء في هذا الموضوع ثلاث نظريات:

النظرية الأولى : لزوم كون العوض معلوماً ويمكن نسبته إلى المشهور

النظرية الثانية : جواز كون العوض مجهولاً بشرط أن يكون بشكل قابل للتسليم كما إذا قال: من ردّ عبدي فله نصفه، فقد عرفت هذه النظرية من كلمات العلّامة وتابعيه حيث قال في القواعد: و شرطه أي شرط الجعل أن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد، ولو كان مجهولاً : كثوب غير معيّن أو دابّة مطلقة ثبت بالردّ أجرة المثل. ولو قيل بجواز الجهالة إذا لم يمنع من التسليم كان حسناً كقوله: من ردّ عبدي فله نصفه، ومن ردّ ثوبي فله ثلثه (3)

النظرية الثالثة: جواز كون العوض مجهولاً كما أنّ هذه العبارة مشعرة به.

والجدير بالذكر هنا الإشارة إلى عبارة الشهيد الثاني في المقام حيث قال في حاشية الإرشاد: «إنّما يعتبر العلم بالعوض في تشخيصه وتعيينه لا في صحة الجعالة ،وتحققها فإن أراد ذلك فليذكر جنسه

ص: 244


1- الوسيلة: 277؛ مختلف الشيعة 6 : 113؛ جامع المقاصد 6 : 197.
2- أنظر المبسوط : 332 وإن لم يقبل نفس الشيخ هذا التفصيل.
3- قواعد الأحكام 2 216

ووصفه وقدره، وإلا تثبت بالردّ أجرة المثل، نعم؛ لو قال: «من ردّ عبدي مثلا فله نصفه فالوجه الصحة ولزوم ما عيّن وإن كان مجهولا (1). ومن العجيب ما قاله في المسالك: وحيث كان العوض مجهولاً ولم نقل بصحته فسد العقد، وثبت بالعمل أجرة المثل. ومثله ما لو قال : إن فعلت كذا فأنا أرضيك وأعطيك شيئاً»، ونحو ذلك. وربما قيل بعدم فساد العقد بذلك، وأنّ أجرة المثل حينئذ هي العوض اللازم للعمل بواسطة الجعالة، وهو بعيد» (2). ولا نعلم وجه البعد مع ذهابه في حاشية الإرشاد إليه.

وعلى كل حال : يؤيّد جواز مجهولية الجعل ما رواه في هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة أنّه رُوِيَ : «أنّه يَجُوزُ أن يُعَيِّنَ لِلدَّلالِ قِيمَةٌ من لِلْمَتَاعِ ويَجْعَلَ له مَا زَادَ» (3). فهذا جعالة والأجر فيها مجهول، كما لا يخفى

النظر التاسع إلى : مفتاح الكرامة

فإنّه نقل أوّلاً قول العلّامة ثمّ أوضحه. أما قول العلّامة هو :قوله ولو قال: من ردّ عبدي من العراق في شهر كذا فله كذا، أو من خاط ثوبي في يوم كذا فله كذا صح بخلاف الإجارة للزومها بخلاف الجعالة» (4).

ثمّ وضّحه بقوله: ومرادهم أنّ ذلك إذا قصد تطبيق العمل على الزمان بحيث يبتدئ بابتدائه وينتهي بانتهائه لأنّ الجعالة جائزة فإذا لم

ص: 245


1- موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد (الأذهان 16 217
2- مسالك الأفهام 11: 154
3- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة 7 540
4- قواعد الأحكام 2 215

يتفق انطباق العمل على الزمان لم يخرج العقد عن مقتضاه لأنّ التقدير بالعمل والزمان معاً يقتضي عدم الوثوق بحصول العوض، وهو مغتفر في الجعالة دون الإجارة، لأنّها لازمة، فلم يصح تقديرها بهما معا، لأنّ اتفاقهما نادر فيخل بلزوم العقد، ولأن تطبيق العمل على الزمان غير معلوم التحقق فيكون اشتراطه اشتراطاً لما لا يوثق بالقدرة

عليه فلم يصح (1).

ويمكن تذييله بنكتتين :

النكتة الأولى: قد عرفت كلام الشيخ في هذا المقام حيث قال: «فأمّا إذا كانت المدّة معلومة والعمل معلوماً فلا يصح، لأنه إذا قال : استأجرتك اليوم لتخيط قميصي هذا كانت الإجارة باطلة، لأنّه ربما يخيط قبل مضي النهار فيبقى بعض المدّة بلا عمل، وربما لا يفرغ منه بيوم ويحتاج إلى مدّة أخرى ويحصل العمل بلا مدّة» (2). انتهى كلامه

النكتة الثانية : لكن يمكننا أن نقول : إذا كان المراد بتعيين الوقت والعمل هو ما احتمله الشارح فالظاهر أنّ الجعالة أيضاً لا تتحقق بتلك الصورة وجواز المعاملة ولزومها لا دخل له بذلك أصلاً، فتأمل.

النظر العاشر إلى جواهر الكلام

والمقصود بالنظر إلى كلام الجواهر العود إلى عويصة عقدية الجعالة ،وإيقاعيتها، ثمّ كشف الغطاء عمّا قلنا من سعتها. فاللازم اولا

ص: 246


1- مفتاح الكرامة 17 : 866.
2- المبسوط 3 : 221

النظر إلى فقرات من الجواهر الجامعة لما صدر من الأصحاب في هذا المقام مع تلخيص منا :

الفقرة الأولى: إنّما الكلام في أنّها من العقود المصطلحة أو الإيقاعات ظاهر قول المصنّف وغيره لا يفتقر إلى قبول واقتصاره على ذكر الإيجاب ووضعها في قسم الإيقاع، الثاني، ولعله الأصح، لما تسمعه من :

(1) صحة عمل المميّز بدون إذن وليه بعد ،وضعها، بل قيل : في غير المميّز والمجنون ،وجهان ومن المعلوم عدم صحة ذلك فرض اعتبار القبول فيها ولو فعلاً لسلب قابلية الصبي والمجنون قولاً وفعلاً عن ذلك،

(2 صحتها من غير مخاطب خاص، والعقد يقصد فيه التعاقد من الطرفين وليس هنا، خصوصاً إن قلنا بصحتها ممّن لم يسمع عبارة الجعل بقصد العوض، كما هو أحد الاحتمالين في القواعد، بل في الدروس أنّه الأقرب، وعن الإيضاح أنّه الأصح

(3 مضافاً إلى عدم اعتبار المقارنة بين الإيجاب والقبول وغيرها ممّا يعتبر في العقود

(4 بل يقوى في الظنّ أنّ الجعالة على نحو التسبيب الصادر من الشارع نحو من فعل كذا فله كذا المعلوم كونه غير عقد، وإطلاق اسم العقد عليها وإن وقع من المصنّف وغيره... يمكن حمله على إرادة العهد منه بل ينبغي الجزم به لصدوره ممّن ظاهره أو صريحه الإيقاعية.

(5 ويؤيّده زيادةً على ما ذكرنا ترتب أثرها على من لم يُرد الفعل

ص: 247

أوّلاً ثمّ أراد وفعل حتى لو تلبّس بالعمل ثمّ رفع يداً عاد إليه وإن توقف فيه بعضهم...

(1).

الفقرة الثانية: «لا تمنع إيقاع الجعالة في بعض أفرادها على نظم العقد المشتمل على الإيجاب والقبول إنّما الكلام في أصل مشروعيتها على وجه إذا فقدت بعض ما يعتبر في العقود تكون باطلة (2).

الفقرة الثالثة : قال في المسالك : تظهر الفائدة فيما لو فعل العامل لا بقصد العوض ولا بقصد التبرع بعد الإيجاب، فعلى الأوّل أي (الإيقاعية يستحق العوض، لوجود المقتضي له وهو الصيغة مع العمل، وعلى الثاني (أي العقدية لا يستحق وإن كان قد عمل لأنّ المعتبر من القبول الفعلي ليس هو مجرّد الفعل، بل لا بد معه من انضمام الرضا والرغبة فيه لأجله» (3)...

الفقرة الرابعة : وعلى كل حال، فالأصح عدم اعتبار ما يُعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة بل تصح بدون ذلك، وإن كان له فعلها بكيفية العقد، بل لا يبعد اعتبار ما يعتبر فيه حينئذ» (4). انتهى كلامه رفع مقامه.

وعلى كل حال الظاهر من عبارة صاحب الجواهر هو أنّ ذات الجعالة بحسب أصل مشروعيتها ليس عقداً ولكن يمكن تحققها على نحو العقدية.

ويمكنك أن تقول : إن الإيقاع عبارة عن عدم الاحتياج إلى

ص: 248


1- جواهر الكلام :35 189 190
2- جواهر الکلام 35 191
3- جواهر الکلام 35 191
4- جواهر الكلام 35 191

القبول والعقد عبارة عن الاحتياج إلى القبول، فما هو في حدّ ذاته بشرط لا عن القبول كيف يصير بشرطه؟ هل تبدّل ذاته؟ لا يمكن الذهاب إلى أنّ الإيقاع يكون لا ،بشرط، لأنّ لازمه صيرورة العقد تحت الإيقاع وهو يصعب الذهاب إليه. فالظاهر أنّ الإيقاع بشرط لا والعقد بشرط الشيء، فتأمل جيّداً.

ثمّ أنت بعد التأمل فيما نذكره في الفصل الآتي غني عن العبارات وستصير عالماً بأنّ الجعالة بحسب طبيعتها ذات سعة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية ،والتسبيبية ولا بشرط بالنسبة إليها، وكما يمكن وقوعها عقداً يمكن وقوعها إيقاعاً، وكأنّ صاحب الجواهر زعم أنه لا بد وأن تكون بحسب الذات عقداً أو إيقاعاً أو تسبيباً، وهذا دعاه إلى تحكّم النظر إلى أصل مشروعيتها» الذي لا محصل له.

ومن أهمّ العبارات الموجودة في الجواهر كلّها هي: ما قاله الفقرة الأخيرة من أنّ الجعالة إذا تحققت بصورة العقد لابد من مراعاة ما يعتبر في العقد، وهذا بأعلى وجه يدلّ على وجود رابطة طولية بين المعاملات ولا يمكن تحليله إلا بالتأمل فيما أسلفنا إلى هنا فراجع وتأمل جيداً.

النظر الحادي عشر إلى : سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات

وفيها أربع فقرات مناسبة لبحثنا :

الفقرة الأولى : هي : هي أشبه شيء بالإجارة، فإنّ الجاعل فيها بمنزلة المستأجر والعامل بمنزلة الأجير والعمل بمنزلة المستأجر عليه والجعل بمنزلة الأجرة (1).

ص: 249


1- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4: 2.

الفقرة الثانية: الحق أنّها إن جعلها لشخص معين فقبل فهي عقد وإلا فهي إيقاع (1).

الفقرة الثالثة : فلا يعتبر فيه (أي في (العامل بلوغ ولا رشد ولا اختيار ولا حرية ولا عدم ،فلس فلو عمل الصبي المميّز ولو بغير إذن وليه أو السفيه أو العبد أو المكره أو المفلس استحق، بل وكذا لو كان غير مميّز أو مجنوناً على وجه لا يخلو من قوّة ولا يعتبر فيه التعيين» (2).

الفقرة الرابعة : (وأمّا العمل في النسخة «العامل ولكنّه غلط فيشترط فيه ما يشترط في العمل المستأجر عليه سوى المعلومية فلا تشترط إجماعاً، فلو قال: «من ردّ عبدي فله كذا مع الجهل بالمسافة صح كما يصح مع العلم بها» (3) انتهت الفقرات المناسبة لبحثنا.

والجدير الإشارة إلى نكتتين :

النكتة الأولى من اللطيف عبارة الشيخ محمد الغطاء في الوجيزة من أنّها برزخ بين العقد والإيقاع، فإن وقعت بإيجاب فقط ،فإيقاع وإن كان مع قبول فعقد كالإجارة (4) وإنّها وإن كانت بالشعر أشبه ولكن إن كان مراده ما ذكرنا من كون الجعالة لا بشرط بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية فهو حسن وكذا يجب عليك التفطّن إلى أنّ عبارته أعمّ من عبارة سلفه في السفينة.

النكتة الثانية: لا أدري أنه بعد التنبه إلى بعض جهات اللابشرطية في الجعالة بالنسبة إلى الإجارة، وبعد التنبه إلى غاية الشباهة بينهما،

ص: 250


1- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 2.
2- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4: 3.
3- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 3.
4- وجيزة الأحكام 3: 29

لماذا لم يتفطّن إلى أنّ الرابطة بينهما طولية، فإنّه طي الطريق كله ولم يصل إلى المقصد مع الأسف.

أن الجعالة والإجارة مثلان إلا أنّ فالحاصل من كلامه هو الإجارة مشروط بالعلم والجعالة لا بشرط بالنسبة إليه، وأنّ الإجارة مشروط بكون العامل بالغاً عاقلاً والجعالة لا بشرط بالنسبة إليهما، وأنّ الإجارة مشروط بقبول الأجير والجعالة لا بشرط بالنسبة إليها، ولا يعني هذا إلا عمومية الجعالة للإجارة عمومية اللابشرط للمشروط، فتدبّر جيّداً.

وهذا هو الذي أكّدنا عليه من أن النظام الطولي بين المعاملات كان ثابتاً في أذهان الفقهاء وإن لم يصرّحوا به فهذا الذي نصرّ عليه ليس إيجاداً لفقه حول المعاملات بل هو تبيين للفقه الموجود، فافهم.

النظر الثاني عشر إلى : منهاج الصالحين

قال السيد الحكيم: الجعالة من الإيقاعات لا بد فيها من الإيجاب عاماً مثل : من ردّ عبدي الآبق أو بنى جداري فله كذا وخاصاً مثل : إن خطت ثوبي فلك كذا ولا تحتاج إلى القبول لأنّها لا تجعل عنواناً لغير الجاعل حتى يحتاج إلى قبوله بخلاف المضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوهما. وتصح على كلّ عمل محلّل مقصود عند العقلاء، ويجوز أن يكون أي العمل مجهولاً كما يجوز في العوض أن يكون كذلك أي مجهولاً إذا كان بنحو لا يؤدّي إلى التنازع مثل : من ردّ عبدي فله نصفه أو هذه الصبرة أو هذا الثوب،

: وإذا كان العوض مجهولاً محضاً مثل : من ردّ عبدي فله شيء» بطلت وكان للعامل أجرة المثل (1).

ص: 251


1- منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم) 2: 151.

واللازم ذكر أو تكرار نكات حولها

النكتة الأولى : استدلّ السيد الحكيم على عدم الاحتياج إلى القبول بقوله: «لأنّها لا تجعل عنواناً لغير الجاعل» (1). وإنّك إن راجعت إلى من تأخّر عنه تجد العدول من هذا الاستدلال؛ فقال السيد الخوئي : ولا يحتاج إلى القبول، لأنّها ليست معاملة بین طرفین حتّى يحتاج إلى قبول بخلاف المضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها) (2) وقد تبعه من تأخر عنه كالمحققين الشيخين التبريزي (3) والوحيد (4) والسيدين السيستاني (5) والروحاني (6) . فما هو وجه عدولهم منه إليه؟ ولعلّ الوجه هو ما ذكره الشهيد الصدر بقوله : «مجرّد إيجاد عنوان للآخر لا يجعل المعاملة عقداً ؛ فإنّ الإذن للآخر في وضع يده على المال يجعله أميناً وليس هذا الإذن عقداً بلا إشكال، وإنّما ينبغي أن يربط عدم احتياج المعاملة إلى قبول بعدم الاشتمال على التصرّف فيما يمس سلطان الآخر (7).

النكتة الثانية ولا أدري لماذا لم يُشر الجماعة إلى ما هو معروف قبلهم من سعة الجعالة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية خصوصاً بعد ما عرفت من بعض المتقدمين منهم التصريح بأنّ الجعالة يمكن تحققها على نحو العقد ويعتبر فيها آنذاك شروط العقد أو أنّها برزخ بينهما كما أسلفنا. فإنّه إذا قال : ابن لي بيتاً فلك نصفه وقال الطرف

ص: 252


1- منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم 2 151
2- منهاج الصالحين (للسيد الخوئي 2 : 116.
3- أنظر منهاج الصالحين للميرزا جواد التبريزي) 2: 133.
4- أنظر منهاج الصالحين للشيخ وحيد الخراساني) 3: 136.
5- أنظر منهاج الصالحين (للسيد السيستاني) 2 : 153.
6- أنظر منهاج الصالحين (للسيد محمد صادق الروحاني) 2: 129.
7- هامش منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم 2 151.

المقابل «قبلت»، فأي دليل يدلّ على عدم كون هذا جعالة؟ وأيّ دليل يدلّ على أنّه ليس بعقد؟ وليت شعري ماذا قالوا حول كلام صاحب الجواهر القائل بأنّه : «لا تمنع إيقاع الجعالة في بعض أفرادها على نظم العقد المشتمل علي الإيجاب والقبول (1). فهل في هذه الصورة تتحقق حقيقة المعاملة أم لا ؟ وهل هي جعالة أم لا؟ وكيف؛ كان فبعد تعريفهم للجعالة بما يشمل الإجارة، وبعد ذكر أحكام مطلقة لها كيف صرّحوا بإيقاعيتها؟ لا يعلم!

نعم ؛ الأمثلة المذكورة في المنهاج غير محتاجة إلى القبول، ولكن الكلام حول صورة تحققت فيه القبول ومحتاجة إليه ؛ فأي دليل يخرجها عن كونها جعالة بعد ما عرفت من عمومية تعريفها وشمولية .أحكامها. وللكلام تتمة في هذا المجال.

النكتة الثالثة : صريح عبارته وجود الاختلاف الذاتي بين الجعالة وبين المضاربة وأخواتها. وهذا قد عرفت إنكاره من السيد الگلپايگاني وذهابه إلى أنّ المضاربة جعالة مخصوصة (2) ، وقد عرفت تأييده بالنظر مجهولاً إلى كلمات الفقهاء في بطلان الجعالة في صورة كون العوض مجهو محضاً. وقد عرفت إمكان النقاش فيه خصوصاً بعد ذهاب المحقق الكركي إلى أنّ العوض في الجعالة تارةً يكون مقدّراً عرفياً (3) ، ومثله عبارة الشيخ الأعظم الأنصاري في رسالته الفارسية المسمّى بصيغ العقود والإيقاعات (4) ، وكذلك قد عرفت من الشهيد الثاني أنّه قال: إنّما يعتبر العلم بالعوض في تشخيصه وتعيينه، لا في صحة الجعالة

ص: 253


1- جواهر الکلام 35 191
2- أنظر العروة الوثقى تعليق الگلپایگانی) 5 : 144
3- أنظر رسائل الكركي 1: 194.
4- أنظر صيغ العقود والإيقاعات : 105.

وتحققها ، فإن أراد ذلك فليذكر جنسه ووصفه وقدره، وإلا تثبت بالردّ أجرة المثل، نعم لو قال: من ردّ عبدي مثلاً فله نصفه، فالوجه الصحة ولزوم ما عيّن وإن كان مجهولاً) (1) . وبعد ما قلنا من وجود السعة في مفهوم الجعالة تعريفاً وحكماً فلا استبعاد في ذلك أصلاً هذه الجهة، وإن كان التحقيق يقتضي أمراً آخر نذكره في الفصل الثالث إن شاء الله.

النكتة الرابعة يمكن أن نقول : إن مرادهم من الجعالة ليس ذاك المعنى العام الشامل بل مرادهم تلك الحصّة التي لم تسمّ باسم خاص كما ذكرنا في بعض النكات السابقة. وهذا كلام آخر وتعريف للجعالة ببعض حصصها، وهو حينئذٍ خارج عن مقصدنا وإن كان يمكن بيان إشكال عليهم من هذه الجهة أيضاً.

النظر الثالث عشر إلى : فقه الإمام الصادق (علیه السلام)

قد ذكر المحقق محمد جواد مغنية ستة فروق بين الإجارة والجعالة نذكرها مع ذكر التعليق عليها في كلّ مورد، والجدير بالذكر قبل بیان کلامه نکستان

النكتة الأولى: أنّ أوّل من تصدّى لبيان الفرق بين الإجارة والجعالة بنحو مستقل في ضمن عنوان مستقل هو السيد صاحب الوسيلة وذكر في المسألة الأولى من مسائل كتاب الجعالة: «الفرق بين الجعالة والإجارة...» (2) ولكن لم نشر إلى كلامه مستقلاً لكون كلام مغنية أكمل من كلامه؛ فإنّ السيّد أشار إلى فرق واحد وهذا الشيخ أشار إلى فروق ستة.

ص: 254


1- موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان 16: 217
2- أنظر وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 410.

النكتة الثانية: أنّ وجهة نظرنا في ذكر التعليقات على كلمات مغنية هو إلى أنّه هل يوجب كلّ من الفروق اختلافهما ذاتاً يخرج الإجارة من تحت الجعالة أم لا ؟ ولذا بعض تعليقاتنا ليس إشكالاً على مغنية، إذ إنّه ليس متنبّهاً على الجهة الطولية وإنّما ذكر الافتراقات بينهما مطلقاً :

الفرق الأوّل: قال: «إنّ الإجارة عقد لازم من الجانبين، أمّا الجعالة فجائزة من جانب الجاعل والعامل قبل التلبّس بالعمل، ومن جانب العامل أيضاً إذا كان بعد أن يتلبس بالعمل، فإنّ له الرجوع عنه قبل الإكمال، ولكنّه لا يستحق شيئاً، لأنّ الجاعل قد جعل له العوض في مقابل مجموع العمل لا بعضه. وإذا رجع الجاعل قبل العمل فلا يستحق المجعول له شيئاً لانتفاء ،الموضوع، وإذا رجع بعد الابتداء بالعمل، وقبل الانتهاء منه فللعامل أجرة عمله وإن كان بعد الانتهاء فله الجعل بكامله (1).

التعليق : قد عرفت ممّا أسلفنا نكات :

النكتة الأولى: أنّه قد عرفت أنّ اللزوم والجواز إنّما يكونان من الأحكام العارضة على العهود والتفاوت فيهما لا يلزم منه وجود الاختلاف الماهوي في طبيعة العقد أو الإيقاع، كما رأيت بعضاً من الفقهاء ذهب إلى أنّ المعاطاة بيع ومع ذلك أفتى بجوازها مع البيع في كثير من الأحيان لازم كما لا يخفى. ولذلك أنّ الافتراق بين الجعالة والإجارة من هذه الجهة لا يدلّ على الافتراق الذاتي بينهما .

النكتة الثانية: سيأتي عند البحث عن جهات السعة الموجودة في

ص: 255


1- فقه الإمام جعفر الصادق 4 : 295-296

الجعالة أنّ الظاهر إطلاق الجعالة بالنسبة إلى الجواز واللزوم؛ فهي في بعض صورها لازمة وفي بعضها جائزة. ولذلك إنّا بعد ما ذهبنا إلى أنّ الإجارة حصّة من حصص الجعالة وضرب من أضربها نلتزم بأنّ تلك الحصّة لازمة بخلاف الحصة الأخرى.

الفرق الثاني : قال : يجوز أن يكون العامل مجهولاً في الجعالة، فتقول : من أصلح هذه القطعة، وأزال منها الأحجار والأشواك فله كذا»، ولا يصح أن تقول : آجرتها لكلّ من يزرعها بكذا» (1).

التعليق : أنت خبير أنّ مفاد هذه العبارة أعمّية الجعالة للإجارة، لا التباين بينهما كما أسلفنا فالحاصل منها أنّ الجعالة لا بشرط بالنسبة إلى تعيين العامل بخلاف الإجارة، فإنّه فيها يلزم أن يكون معلوماً.

ثم تدبّر في : أنّه لو قيل في الإجارة: إنّ الأجرة يجوز أن تكون حصّةً من الحاصل كما في الجعالة التي ذهب العلّامة إلى جواز أن يقال: من ردّ عبدي فله نصفه (2) فحينئذٍ لو قال شخص: آجرت الأرض لكلّ من يزرعها ويكون له نصف الحاصل فما هو الفرق بين المزارعة والإجارة؟ فهل يكون الإجارة عنواناً جامعاً للمزارعة أم لا؟ فتأمّل حتى تصل النوبة إلى بيان الحق.

الفرق الثالث: الأجير يملك الأجرة بنفس العقد في الإجارة، سواء استعمله المالك أو تركه بغير عمل، أما في الجعالة فإنّ الطرف الثاني وهو المجعول له لا يستحق شيئاً إلا بعد العمل» (3).

ص: 256


1- فقه الإمام جعفر الصادق 4 : 296-297
2- تذكرة الفقهاء 2 : 287
3- فقه الإمام جعفر الصادق 4: 297

التعليق و المرجو ذكر نكات :

النكتة الأولى: هذا الفرق هو الذي أشار إليه السيّد في الوسيلة أيضاً بقوله: الفرق بين الإجارة على العمل والجعالة : أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير وهو يملك على المستأجر الأجرة بنفس العقد، كما مرّ، بخلافه في الجعالة، حيث إنّه ليس أثرها إلا استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل » (1)

النكتة الثانية: أنّ هذا الفرق أيضاً لا ينافي ما ذكرنا من شمول الجعالة للإجارة فإنّا يمكننا وأن نذهب إلى أنّ الجعالة بطبيعتها لا بشرط بالنسبة إلى الملكية بصرف العقد أو بعد إتمام العمل. وإلا فلا دليل على انحصار الجعالة في ملكية الجعل بعد إتمام العمل مطلقاً. ألا ترى فتوى الفقهاء بأنّ العمل في الجعالة إذا كان من قبيل بناء الدار فيستحق العامل حصّة من الجعل أو أجرة المثل لو فعل بعضه، فتدبّر.

النكتة الثالثة: أنّ كلّية ما قيل في الإجارة من تملك الأجر من العقد محلّ النظر ؛ فإنّه لا بدّ من البحث عن أنّه هل يكون كذلك حتى في صورة تكون الإجارة على العمل بشرط النتيجة أم لا؟ فلا بدّ وأن نفحص عنه في كتاب الإجارة، لكن لا بأس بأن ننظر إلى عبارة العلّامة في المقام حيث قال : وظاهرُ أنّ الجعالة على العمل ليس كالإجارة أيضاً، فلو قال: «مَنْ خاط ثوبي فله درهم، فخاط واحد بعضَه ثمّ أهمل لم يستحق شيئاً، مع احتمال استحقاقه، ولو مات فاحتمال الاستحقاق أقوى» (2). والأظهر الاستحقاق في بعض الصور.

ص: 257


1- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 410.
2- تذكرة الفقهاء 2 : 288

الفرق الرابع : يجوز أن يكون الملتزم غير مالك، مثل أن يقول رجل أجنبي: من ردّ محفظة فلانٍ فله عليّ ،كذا ولا يصح أن يقول: من آجر داره بكذا فعليّ الأجرة» (1).

التعليق : يمكن بيان نكات

النكتة الأولى : حاصله كون الجعالة من هذه الجهة لا بشرط، أنّ الإجارة بناءً على ما هو المشهور بين الأصحاب من هذه الجهة تكون مشروطاً. وبناءً عليه لا يكون هذا الفرق مغايراً لمطلوبنا بل يلائمه ويؤيّده ؛ فإنّ لا بشرطية الجعالة يوجب أعمّيتها للإجارة من هذه الجهة، كما أسلفنا غير مرّة.

النكتة الثانية : لسنا الآن بصدد البحث الفقهي حول اشتراط كون الجاعل من يصل إليه النفع، ولكن ينبغى التنبه إلى أنّه يمكن الالتزام بأنّ الجاعل لا بد وأن يكون فعله عقلائياً، والفعل العقلائي هو يصل إلى فاعله نفع. نعم؛ لا يجب أن يكون الواصل إليه النفع المستقيم من الفعل بل يصح وأن يصل إليه منافع أخرى اعتبارياً أو حقيقياً، دنيوياً أو أخروياً.

وعلى ضوء ذلك: يمكن الالتزام بأنّ المشروط في الإجارة أيضاً يكون هكذا يعنى إن آجر شخص أجيراً لأن يعمل لشخص آخر فهو عقد صحيح لو فرض وصول نفع ما إلى المستأجر ولو كان النفع الواصل إليه غير الفعل الذي فعله الأجير مستقيماً، فتأمل.

النكتة الثالثة وعلى ضوء ما ذكرنا يمكن بيان نكتة دقيقة وهي أنّ النفع الواصل لطرف العقد من العقد يمكن تقسيمه بقسمين :

القسم الأوّل : ما يصل إليه مورد العقد، كما إذا تقول: «من ردّ عبدي

ص: 258


1- فقه الإمام جعفر الصادق 4 : 297

فله عشرة دراهم ؛ ففي هذا قد وصل إلى الجاعل نفع وإلى العامل نفع وكلاهما موردان في العقد، فوصل إليك عبدك وإليه الدراهم.

القسم الثاني : ما يصل إليه أمر خارج من العقد، كما إذا تقول: من كفل هذا اليتيم فله عشرة دنانير في كلّ شهر فالذي وقع مقابل عشرة دنانير أوّلاً يصل إلى اليتيم ولكن قد وصل إلى الجاعل أيضاً نفع دنيوياً أو أخروياً.

وإذا عرفت ذلك : يمكن أن نقول : إنّ العاقد لا بد أن يصل إليه نفع من المعاملة سواء في ذلك القسم الأوّل أو الثاني. وهذا لا يختص بالإجارة بل الجعالة أيضاً مشروطة بهذا الشرط.

بقي شيء؛ بما أنّ الأغراض الخارجة من مورد العقد كثيرة جداً بحيث لا يمكن العثور عليها فيمكننا أن نقول : إنّ اشتراط هذا الشرط في الجعالة أو الإجارة لغو، فلا نشترطه في الإجارة أيضاً. ولا بدّ من البناء على أنّ العاقل الذي يكون طرف الإجارة لا يفعل أمراً ليس له فيه نفع. وكذا لو ادعى المستأجر بعد إتمام العقد أنّه لم يصل إليّ نفع عقلائي لا يسمع منه، فتدبّر.

الفرق الخامس : يجوز أن يكون العامل المجعول له صبياً وسفيهاً، أمّا المستأجر فيشترط فيه البلوغ والرشد» (1).

التعليق : سيأتي هذا الفرع أيضاً فيما نشير إليه من جهات السعة الجعالة، وكذلك ستعرف أنّ هذا لا يغاير ما ذكرنا بل هو يؤيّد المدّعى، لأنّ الجعالة تكون لا بشرط بالنسبة إلى بلوغ العامل ورشده بخلاف الإجارة التي تكون بشرط الشيء، وقد عرفت شمول لا بشرط للمشروط بذاك الشرط.

ص: 259


1- فقه الإمام جعفر الصادق 4 : 297

الفرق السادس: يجوز في الجعالة أن يكون وصف الشيء الذي جعل المال من أجله مجهولاً بما لا يغتفر في الإجارة، فإذا قال: «من ردّ دابتي فله كذا صح ، وإن لم يبيّن أنّها فرس أو حمار، ولا يصح أن يقول : آجرتك دابتي دون أن يميّزها بالوصف» (1) .

التعليق : المرجو ذكر نكات :

النكتة الأولى: غير خفي عليك عدم تغاير هذا الفرق مع مطلوبنا، لأجل أنّ غاية ما ثبت بواسطة هذا الفرق لا بشرطية الجعالة وهو ملائم لمطلوبنا.

النكتة الثانية: الظاهر وقوع الخلط في كلامه، لأنّ المباحث في مقام البحث عن نسبة الجعالة والإجارة هو حول الفرق بين الجعالة وإجارة الأجير لا إجارة الدابّة أو البيت وإلا أنّ الفرق بينهما ممّا لا يحتاج إلى تطويل.

النكتة الثالثة ممّا أردت الإشارة إليه في المباحث الآتية النظام الطولي الموجود في كتاب الإجارة وهو أمر عجيب لمن تأمّل في النظام الطولي وأنكره. فإنّ الفقهاء جمعوا بين عقدين مختلفين مع ماهيتين مختلفتين في كتاب واحد تحت اسم واحد وبحثوا عن كليهما في سياق واحد ومع ذلك أفردوا المساقاة من المزارعة والإجارة من الجعالة مع أنّ الربط الوثيق الموجود بين المساقاة والمزارعة أو الجعالة والإجارة غير قابل للقياس مع ربط إجارة الأجير وإجارة الشيء

وبالجملة : قد عرفت ممّا ذكرنا أنّه ليس واحد من الفروق التي ذكرها هذا المؤلّف قابلاً لردّ ما احتملناه من شمول الجعالة للإجارة.

ص: 260


1- فقه الإمام جعفر الصادق 4 : 297

والجدير بالذكر في ختام هذه الفروق الإشارة إلى الفرق الآخر الذي ذكره جدّنا الماجد (1) بقوله : «منها (أي من جملة الفروق بين الإجارة والجعالة أنّ الإجارة من العقود وهي من الإيقاعات على الأقوى» (2).

وقد عرفت أنّ الجعالة ليست عقداً ولا إيقاعاً، بل لا بشرط بالنسبة إليهما، وسيأتي إضافة بيان إن شاء لله.

النظر الرابع عشر إلى مهذب الأحكام

والمرجوّ النظر إلى فقرات من كلماته :

الفقرة الأولى: «هي : إمّا قولية أو كتبية، كالإعلانات الملصقة على الجدران أو المنتشرة في الصحف المشتملة على جعل شيء لمن وجد الضائعات وردّها إلى صاحبها، وإمّا بنائية : كما إذا كان عند الناس بناءً عرفي على أنّ كلّ من ردّ ما فقد منهم أن يعطوه شيئاً وجرت العادة على التزامهم بهذا البناء بحيث يكون لمن ردّ حقٌّ المطالبة لما جعل ويمكن توسعة الأمر في الجعالة بأكثر ممّا هو المشهور من التوسعة بأن يقال : الجعالة متقوّمة بوجود غرضين صحيحين فيها أحدهما للجاعل وهو وصوله إلى مقصوده والآخر للطرف وهو حصول نفع له» (3).

ص: 261


1- فإنّه أضاف إلى الفرق الذي ذكره السيد فرقاً آخر فالمذكور في تحرير الوسيلة الفرقان بينهما.
2- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني: 410.
3- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18: 201

ويمكننا أن نشير إلى نكات :

النكتة الأولى : الجعالة البنائية تعبير جديد وإن كان منها في آثار الفقهاء أثر ما ، وقد مرّت الإشارة إلى بعضها فيما سبق.

النكتة الثانية وعلى كل حال المراد منه هو أنه لو فرض وجود أمر متعارف بين الناس في أنّه إذا ردّ شخص ضالّة رجل فله مقدار معيّن فهو المتّبع والعامل يستحقه ولكن في ثبوته إشكال وليس له ،مثال خصوصاً بعد مخالفته للأصول والقواعد، إلا إذا كان مراده من البناء العرفي التقنين القانوني، فهو أمر آخر كما لا يخفى، ولا يسع المقام للبحث عنه.

النكتة الثالثة: وفي فرض تمامية ما قاله من شرعية الجعالة البنائية فتدبّر في السعة الموجودة في الجعالة، فإنّه بناء على ذلك أوسع من العقد والإيقاع ويشمل غيرها أيضاً كما في الجعالة البنائية، فالظاهر حينئذ هو تحقق الجعالة ولو من دون تنبّه صاحب المال أصلاً بفقدان ماله

النكتة الرابعة و لتوجيه الجعالة البنائية يمكن أن يقال : الجعالة محتاجة إلى طلب فعل وإلا فلا معنى لدخولها في المعاملات ولكن هذا الطلب تارةً يصدر ممّن يصل إليه النفع وأخرى يصدر من غيره المعيّن وثالثةً يصدر من بناءً عقلائي وأمر متعارف وفي الصورتين الأوليين استحق العامل الجعل في ذمّة الجاعل ، وفي الصورة الأخيرة استحقه في ذمّة من يصل إليه النفع.

اللهم إلا أن نقول : في الصورة الثالثة أيضاً يمكن نسبة الطلب إلى من يصل إليه النفع لكونه داخلاً في العرف الذي يرى للعامل أجراً، ولذلك كان هو أيضاً بانياً على ذلك، فتأمّل. والبحث التفصيلي موكول إلى محلة في باب الجعالة.

ص: 262

النكتة الخامسة و على كل حال ما قاله في جهة التوسعة غير لما قاله أولاً ، فإنّه جعل الغرض الأوّل للجاعل وهو وصوله إلى مقصوده مع تصريحه بفقدان الجاعل في صورة الجعالة البنائية ! فتدبّر.

النكتة السادسة : ثمّ بناءً على الالتزام بما قاله في جهات السعة فغير خفي عليك شمول الجعالة لجمع قفيز من العقود والإيقاعات، ومنها المضاربة وأخواتها بل الشركة الاكتسابية بجميع أضربها، فتأمّل حتى تصل النوبة إلى بيان بعض الافتراقات في الفصل الثالث.

الفقرة الثانية: (أ) اختلفوا في أنّ الجعالة (1) من العقود كما نسب إلى ظاهر المشهور، أو (2) من الإيقاعات كما يظهر عن جمع، أو (3) من التسبيبات العرفية العقلائية، كما في التسبيبات الشرعية، مثل قوله عليه السّلام من تصدّق دفع الله عنه ميتة السوء (1) .. فتكون التسبيبات العرفية العقلائية أيضاً مثل تلك التسبيبات في الجملة

(ب) و الالتزام هو العنوان العام الجامع بين العناوين الثلاثة.

ج) و الثمرة العملية تظهر في ترتب الأثر الخاص لكل عنوان خاص لو استظهر ذلك الأدلّة.

د) و البحث (1) تارةً بحسب الأصل العملي. و2) أخرى: بحسب المرتكزات العرفية. و 3 ثالثة : بحسب الاستظهار الأدلّة الشرعية.

أمّا الأوّل: فمقتضاه عدم اعتبار خصوصيات كل واحد من العقد

ص: 263


1- ونص الحديث في الوسائل عنه عليه السلام قال: (الصدقة تدفع ميتة السوء عن صاحبها. وسائل الشيعة 2 2566/433

والإيقاع فيها مع وجود الإطلاق في البين يصح التمسك به، وأما مع عدم وجوده أي) الاطلاق فمقتضاه عدم ترتب الأثر إلا مع وجود دليل معتبر عليه كما يكون الأمر كذلك في جميع العقود والإيقاعات.

وأما الثاني : فمطلق التسبيبية هو المتيقن في الأذهان، والزائد عليه مشكوك لديهم إلا أن يدلّ دليل عليه.

وأما الثالث: فلا يستفاد من قاعدتي الصحة والسلطنة وما تقدّم من خبر علي بن جعفر أزيد من التسبيب

ه-) ويمكن الاختلاف باختلاف الموارد والخصوصيات (1) فتارةً: ينطبق عليه عنوان العقد و 2 أخري عنوان الإيقاع و 3 ثالثة : مطلق التسبيب ولا بأس باختلاف شيء واحد بحسب الخصوصيات والجهات، فإذا تركب إنشاؤها من الإيجاب والقبول تكون عقداً، وإذا الاكتفاء بمجرّد رضاء الطرف وعدم ردّه تكون إيقاعاً، وإذا أبرزت بعنوان مجرّد جعلها سبباً لإبراز المراد والمقصود مع عدم مراعاة شرائط العقد والإيقاع فيها تكون تسبيباً.

(و) وهذا أيضاً من جهات التوسعة في الجعالة بما لم يوسّع في غيرها، فيصح انطباق عناوين متعدّدة عليها مع قصدها وإنشائها» (1).

والمرجو ذكر نكات ذيلها

النكتة الأولى : أنّ مراده من التسبيب العرفي غير واضح، وفي كلماته اضطراب، ولكن ظاهر عبارته أو الأظهر منها هو أنّه رأى التسبيب أمراً مقابلاً للعقد ،والإيقاع فالتسبيب عنوان غيرهما وفي مقابلهما، فالعلاقة الموجدة بين الفعل والعمل إما أن يكون على نحو الإيقاع وأخرى على نحو العقد وثالثة على نحو التسبيب.

ص: 264


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18 : 202-203

ويمكن ذكر مثال للتسبيب : فإذا قال جاعل : من ردّ عبدي فله عشرة دنانير فهو ليس بعقد لعدم احتياجه إلى قبول على الأظهر، وليس بإيقاع إذا فرضنا أنّ الجاعل لا ينظر إلى الطرف المقابل أصلاً بل جعل العلاقة بين ردّ العبد واستحقاق العشرة، والفرق بين هذه الصورة وصورة الإيقاعية يظهر فيما إذا شرع العامل في العمل ثمّ بيّن عدم إرادة تتميمه العملَ ثم بدا له وأتم العمل وردّ العبد، ففي هذه الصورة بناءً على الإيقاعية أشكل الأمر بخلاف صورة التسبيب.

النكتة الثانية ولكنّ الذي خطر بالبال عدم تمامية ما قال والتسبيب ليس أمراً في مقابل العقد والإيقاع بل هو عنوان يشملهما ك- الالتزام»، فيتحقق إمّا بصورة العقد وإمّا بصورة الإيقاع. وأما ما قاله من أنّه إذا أنشأ الاكتفاء بمجرّد رضاء الطرف وعدم ردّه تكون إيقاعاً » (1) فغير تمام، إذ من الواضح أنّ الإيقاع بما هو إيقاع لا ينوط برضى الطرف الآخر؛ ألا ترى ما في الطلاق والعتق من تحقق الإيقاع ولو في فرض عدم رضى الطرف المقابل ففيما نحن فيه أيضاً أنّ من ذهب إلى أنّ الجعالة إيقاع يكون ملتزماً بتحقق حقيقة الجعالة بصرف إنشاء الجاعل نعم ؛ إنّ الفعل لا يتحقق طبعاً إلا بعد ما فعله العامل، بخلاف الطلاق، ولكن هذا ليس بمعنى عدم تمامية الإنشاء في حدّ ذاته، فتحقَّقُ الردّ وعدم تحققه أمر آخر، كما لا يخفى.

وببيان جريء : أنّ التسبيب الذي ذكره لا يتفاوت مع الإيقاع والإيقاع الذي ذكره ليس بإيقاع، فتدبّر.

النكتة الثالثة : قد عرفت أنّه نسب القول بالتسبيب إلى جمع من الفقهاء حيث قال: «اختلفوا...» مع أنّى لم أجد من ذهب إلى كون ذاك التسبيب الذي بيّنه هذا المحقق، بل الذي ذهب إليه

ص: 265


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18: 203

جمع من الفقهاء كما عرفت هو الذهاب إلى عمومية الجعالة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية ووجود السعة فيها لا أنه شيء في مقابل العقد والإيقاع هو المسمّى بالتسبيب.

ولذلك : يمكنك أن تفسّر التسبيب بقولك : التسبيب هو العنوان العامّ الشامل للعقد والإيقاع، ويجمع معهما، والمقصود صرف إيجاد علاقة بين الفعل والجُعل سواء في ذلك أكان في البين طرف محتاج إلى قبوله أم لا. وبهذا البيان يمكن نسبة التسبيبية إلى الجعالة ولكن هذا خلاف ظاهر عبارته المضطربة.

النكتة الرابعة وعلى كل حال في عبارته المذكورة تصريح بعمومية الجعالة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية حيث قال : و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد» (1) وأصرح منها ما قاله بعد تلك الفقرة بقليل، وهذا نصه: «نعم، لو أريد إنشاؤها بعنوان العقد، يحتاج إلى القبول حينئذ لفرض عدم قصد التسبيب والإيقاع المحض، فيكون ترتب الأثر حينئذٍ على ما لم يقصد وهو باطل، وبذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال بالاحتياج إلى القبول أي فيما إذا قصد ومن قال بعدمه أي فيما إذا لم يقصد (2). ولعلنا نبين فيما سيأتي أنّ الأمر ليس فقط منوطاً بالقصد، فانتظر.

الفقرة الثالثة: الجعالة في الواقع من صغريات قاعدة الاستيفاء، :أي: أنّ كلّ من استوفى عمل الغير يكون ضامناً لما استوفاه إمّا بالعوض الجعلي أو الواقعي كمن أمر غيره بعمل له أجرة. ومدرك هذه القاعدة اتفاق العقلاء فضلاً الفقهاء» (3).

ص: 266


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18: 203
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18: 205.
3- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18: 205.

والجدير بالتنبه هنا الإشارة الصريحة بوجود الرابطة الطولية المفهومية في العقود، وقد بيّنا المراد منها وتفاوتها مع الرابطة الطولية العقدية (1).

النظر الخامس عشر إلى : ما وراء الفقه

وفيها أيضاً فقرات قابلة للتأمل :

الفقرة الأولى : قال : وفي الاصطلاح الفقهي استعمل لفظ الجعالة في سبب حصوله (أي الأجر من حيث إنّ الجعالة هي الأجر، وسببه هو المعاملة التي يستحقها الفرد بموجبها. إذن؛ فكلّ معاملة ذكر فيها جَعل الأجر فهي جعالة، إلا أنّ الفقهاء خصوا هذا اللفظ واصطلحوا به على تلك المعاملة التي لا يكون فيها طرف معيّن أو مخاطب خاص، كقوله : من خاط ثوبي فله كذا، ومن ردّ عبدي الآبق فله كذا و من زرع أرضي فله كذا»، وهكذا. وسنتكلّم عن إمكان كونها ذات خطاب مع فرد معيّن أو جماعة معيّنين (2).

ويمكن تذييله بنكات :

النكتة الأولى: أنّ ما قاله من أنّ كلّ معاملة ذكر فيها جعل الأجر فهي جعالة ملائم لشمول الجعالة من حيث الطبيعة لعدة العقود منها المضاربة والإجارة، كما ذكرنا

النكتة الثانية و يمكن أن نقول : إنّ الجعالة أشمل مما قاله أيضاً ؛ فإنّك عرفت أنّ بعض الفقهاء صرّحوا بكون المعاملة جعالة ولو في صورة عدم ذكر الجعل فيها كما إذا قال: من ردّ عبدي فله

ص: 267


1- تقدم في الصفحة 35-41 .
2- ما وراء الفقه 4 353352

أجر»، بل ومثل قوله مخاطباً لشخص : ابن لي بيتاً»، فإنّه بناء على بعض المباني جعالة صحيحة وإنّما يستحق العامل أجرة المثل. وقد عرفت من الشهيد الثاني : أنّ ذكر الجعل لا ربط له بحقيقة الجعالة حيث قال: «إنّما يعتبر العلم بالعوض في تشخيصه وتعيينه لا في صحة الجعالة وتحققها فإن أراد ذلك فليذكر جنسه ووصفه وقدره، وإلا تثبت بالردّ أجرة المثل » (1) .

النكتة الثالثة و يمكن التعليق على كلامه أيضاً من حيث نسبته إلى الفقهاء أنّهم خصوا هذا اللفظ وضيّقوه واصطلحوا به على تلك المعاملة التي لا يكون فيها طرف معيّن أو مخاطب خاص. ولكنّك بعد النظر إلى ما ذكرنا صرت خبيراً أنّ هذه النسبة نسبة غير صحيحة إليهم ؛ فإنّ صريح الفقهاء من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا شمول الجعالة لما إذا كان المخاطب معلوماً. ولا أدري كيف يمكن النسبة إليهم أنهم ضيقوا الاصطلاح بصورة عدم تعيّن العامل. نعم؛ العرف يرى الجعالة مختصة بصورة عدم معلومية العامل، ولكن هذا غير موجود في كلمات الفقهاء.

الفقرة الثانية: قال في الفرق بين الجعالة والإجارة: من الواضح أنّ طرف الإجارة شخص محدّد هو الأجير، وأمّا الجعالة فطرفها غير محدد (كلي). نعم، إذا قلنا بإمكان جعل الجعالة تجاه شخص محدّد سيتضاءل الفرق بينهما » (2) .

أقول: الظاهر من كلماته هو أنّ الفرق الوحداني بين الإجارة والجعالة في الطرف وهو أيضاً مفقود، ولذلك كان كلامه صريحاً في عدم الفرق بين الإجارة والجعالة. ولكن كلامه خالٍ من تبيين نسبتهما

ص: 268


1- موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان 16: 217
2- ما وراء الفقه 4 354

حينئذ، ولا يأتي في كلامه إشارة إلى هذه الجهة على حسب تتبعي، ولكنّك عرفت أنّ الرابطة بينهما هي الرابطة الطولية، كما ذكرنا .

الفقرة الثالثة : قال في الفرق بين الجعالة والوكالة : يوجد في الوكالة تحويل محدّد للوكيل بالعمل، وهنا يقال : يد الوكيل كيد الأصيل»، ولا يوجد هذا المعنى لا شرعاً ولا عرفاً في الجعالة، ولا يكون العامل وكيلاً بأي وجه عن الجاعل ومن هنا لو استلزم العمل القيام بمعاملات معيّنة نيابةً عن الجاعل لم يجز بمجرد حصول الجعالة» (1).

أقول : التدبّر في عباراته بضميمة التأمّل فيما سيأتي من جهات السعة في الجعالة توصلك إلى أنّ هذا الفرق الذي ذكره ليس بمعنى ،تباينهما بل الظاهر من عبارته عمومية الجعالة للوكالة غير التبرّعية، وقوله : بمجرد حصول الجعالة يشعر بأنّ الوكالة عبارة عن الجعالة بضميمة نيابة ويمكنك أن تقول : إنّ حقيقة الجعالة عبارة عن طلب منفعة غير مجّانٍ وهذا المفهوم لا بشرط بالنسبة إلى قصد العامل الاستنابة وعدمه وإعطاء الجاعل النيابة إلى العامل وعدمه ولذلك تشمل الجعالة الوكالة غير التبرّعية أيضاً، فانّ تلك الوكالة حينئذ تكون عبارةٌ عن مفهوم مركّب من الجعالة والاستنابة. فالوكالة صنف خاص من الجعالة محدود بوجود طرف خاص مع وصف النيابة، كما أسلفنا ، فتأمّل.

الفقرة الرابعة قال : قد تحتوي الجعالة على نتائج بعض المعاملات كالمضاربة لو قال الفرد من تاجر بمالي فله كذا أو فله نصف الربح مثلاً ، وكالمزارعة، إذا قال: «من زرع أرضي فله كذا أو

ص: 269


1- ما وراء الفقه 4 354-355

له نصف الثمرة، وكالمساقاة، لو قال: من اعتنى بزرعي فله كذا أو له نصف الثمرة»، وهكذا ، إلا أنّه من الواضح فقهياً : أنّ إنتاج بعض المعاملات لنتائج بعض آخر لا يعني اندراجها فيها، ولا كونها مشروطة بشرائطها، ومن هنا ذكر المشهور : أنّ الصلح معاملة مستقلة وإن أنتج نتائج غيره كالبيع والإجارة والمضاربة وغيرها، ولا يلزم من ذلك اتصافه بشرائطها وبطلانه عند عدمها، وكذلك الحال في الجعالة تماماً » (1).

أقول : ما جعله من الواضح الفقهي ليس عندنا بمسلّم، بناءً على ما بيّنا من النظام الطولي ؛ فليس في البين مضاربتان مضاربة تحقق باسمها ورسمها ومضاربة محققة برسمها لا باسمها، وهذا ما لا نقبله. ومن المحتمل جدّاً أنّه بعد تحقق حقيقة المضاربة فيشترط فيها جميع ما يشترط في المضاربة المعهودة في الفقه وهذا ملائم لما ذكرنا من النظام الطولي ؛ فإنّ الجعالة لو فرضت (2) عنواناً شاملاً ، فبما أنّ المضاربة تكون من أضربها فإن تحققت حقيقة المضاربة في ضمن الجعالة فتكون هي تلك الحصّة الخاصة من الجعالة التي سمّاها العرف باسم المضاربة لوجود عدة مفاهيم فيها، كما أسلفنا وأما ما جعله متكاً لمطلوبه من كلام الفقهاء في الصلح فهو أوّل الكلام لا بدّ من البحث عنه عند البحث عن حقيقة الصلح.

الفقرة الخامسة : قال : يمكن أن نعلم أنّه يبقى عدة فروق بين الجعالة وبين باقي المعاملات :أولاً أن طرف تلك المعاملات محدّد وهذه طرفها غير محدّد. ثانياً : أن المرتكز العرفي في فهم الجعالة يجعلها ذات كيان مستقل، بغض النظر عن نتائجها. ثالثاً أنّ

ص: 270


1- ما وراء الفقه 4 355
2- سيأتي عدم كون المضاربة تحت الجعالة.

الجعالة غير مشروطة بشروط المعاملة التي تشبهها، فمثلاً بينما تكون المضاربة مشروطة بأن يكون الجُعل بالكسر العشري، كثلث الربح أو نصفه مثلاً، لا يكون هذا ضرورياً في الجعالة. رابعاً : أن أحكام الجعالة تكون شاملة للمعاملة المعترضة، دون أحكام المعاملة المشابهة كالتسلّط على الفسخ وغيره (1) .

والجدير بالذكر نكات حول كلّ من الفروق التي ذكرها :

أمّا الفرق الأوّل: فإن كان مراده من عدم تحديد الطرف في الجعالة كون الجعالة مشروطاً بعدم التحديد فهو كلام عرفت عدم تماميته مفصلاً. أمّا إن كان مراده إطلاق الجعالة بالنسبة إلى معلومية الطرف ومجهوليتها فهو كلام صحيح يؤيّد مطلوبنا، كما لا يخفى.

الفرق الثاني : إن كان مراده أنّ الجعالة لها مفهوم مستقل في قبال الإجارة فلا نخضع له وإن كان مراده هو أنّ الجعالة لها مفهوم مستقل شامل للإجارة كما بينا - فهو كلام متين. ولا بأس هنا بتكرار ما ذكرنا في بعض الصفحات الماضية حيث قلنا : إنا لا ندعي صدق اسم الجعالة عليها بل المدعى هو أنّها من حيث الحقيقة تكون تحتها ومن أضربها، وهذا في نظام التكوين أيضاً نواجهه. فإنّ العرف لا يقبل إطلاق الحيوان على الإنسان بل من ليس له صلة بالحكمة استنكر إطلاقه عليه كما لا يخفى وكذلك حال إطلاق الجسم على الإنسان؛ فإنّ أهل العلم ذهنهم مأنوس بإطلاق الجسم على الإنسان، ولكنّ العرف لم يقبل هذا وإنّما أطلق الجسم على ما لا حياة له، ولكن هذا كله لا ينتج عدم كون مفهوم الإنسان تحت مفهومهما ومحكوماً بأحكامهما ، كما لا يخفى.

ص: 271


1- ما وراء الفقه 4 355-356

ثمّ إنّا بعد النظر إلى الرابطة الطولية بين الجسم والإنسان يمكننا أن نبين لك شيئاً آخر وهو أنّا في عالم التكوين ربما واجهنا بعض الأجسام لها اسم كالحيوان والإنسان والبقر إلى غير ذلك الأجسام المتحيّثة بحيثيات وضع لها اسم في اللغات ولكن مع ذلك يمكن مواجهة بعض أجسام لا اسم لها وإنّما أطلق عليها أنّها أنّها ليس جسماً صرفاً بل إنّها أيضاً متحيّثات بحيثيات قطعاً لأنّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ولأنّ الكلّي بما هو كلي لا تحقق له ولكن ذلك كلّه نطلق الجسم على ذاك الجسم لأجل عدم وجود اسم خاص له. وهذا كثير التحقق في ساحات مختلفة، فمثلاً في نوع الإبل نرى العرب قد سمّوا صنوفه المختلفة بأسماء مختلفة وبعض صنوفه لا اسم له، وإنّما أطلق عليها اسم الإبل وكذلك الحال في المركبات الاعتبارية؛ فانظر إلى مفهوم الغرفة، فبعض الغرف مضافاً إلى إطلاق الغرفة عليها لها اسم آخر كالمطبخ مع أنّ بعضها لا اسم لها إلا الغرفة.

إذا تنبهت إلى ذلك فارجع البصر إلى الجعالة وأضربها، فإنّ بعض الأضرب له اسم خاص عند العرف كالإجارة، ولكن توجد هنا أضرب اسم لها وإنّما سمّيت باسم الجعالة أنّه في ذاك البعض لا نواجه السعة الموجودة في الجعالة، فمثلاً إذا قال شخص: «من ردّ عبدي فله عشرة دنانير فلا نرى العرف قد وضع لهذه الحصة من الجعالة اسماً على حدة كما فعل في الإجارة ولكن ذلك نرى هذه الحصة لا توجد فيها جهات السعة الموجودة في الجعالة، فإنّ هذا العقد من جهة العامل بشرط العمومية ومن جهة الأجر بشرط العشرة ومن جهة الفعل بشرط الجهل إلى غير ذلك، فتدبّر جيّداً.

الفرق الثالث : إن كان مقصوده الإشارة إلى جهات السعة الموجودة في الجعالة وإنّها في طبيعتها غير مشروطة بشروط أضربها

ص: 272

فهو كلام ،متين أمّا إن كان مراده هو أنّ الجاعل إذا عقد ما يشبه المضاربة ولكن بقصد الجعالة فمع ذلك لا يكون عقده محكوماً بأحكام المضاربة الشرعية فلا نلتزمه بل لابد من مراعاة قواعدها آنذاك، ويمكن تأييد المرام بما نقلناه من غير واحد كصاحب الجواهر حيث قال : وعلى كل حال فالأصح عدم اعتبار ما يعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة بل تصح بدون ذلك، وإن كان له فعلها بكيفية العقد، بل لا يبعد اعتبار ما يعتبر فيه حينئذ (1).

الفرق الرابع: الظاهر هو أنّه أراد بهذا الفرق أنّ بيّن أن أحكام الجعالة خاصة بها لا توجد في الإجارة مثلاً، ولكنّك خبير بعد عمومية الجعالة لها على نحو النظام الطولي فجميع أحكام الجعالة جارية في جميع أضربها على وفق القاعدة إلا إذا خرج ضرب خاص من حكم خاص بدليل خاص، وهذا واضح بعد الالتزام بالنظام الطولي

نكتة في تأييد ما قلنا : قد عرفت أنا ذهبنا إلى أنّ الجعالة هي العنوان العام الشامل لعدّة من المعاملات، وبيّنا لك أنّ نسبتها مع سائر المعاملات كنسبة الجسم مع الحيوان والإنسان، وكذلك صرّحنا على أنّها بصورتها الإطلاقية لا تتحقق أبداً، بل إنّما تتحقق في ضمن أضربها، وكذلك أشرنا إلى أنّ العرف في بعض الأحيان وضع لبعض الأضرب اسماً كالوكالة والإجارة .... وقد لم يضع لبعض الأضرب اسماً على حدة بل أطلق عليه اسم الجعالة بعد، وقد عرفت قياسه مع الجسم ببيان أنّ العرف قد وضع لبعض الأجسام اسماً وفي بعض الموارد لم يضع لها اسماً وسماه باسم الجسم. وقد عرفت فيما أسلفنا أنّ إطلاق الجعالة على مثل من ردّ عبدي فله عشرة دنانير لا يكون

ص: 273


1- جواهر الكلام 35 191

إلا من هذا الباب يعني بما أنّ العرف لم يضع له اسماً على حدة سمّاه بذاك الاسم مع أنّ هذا الضرب ليس فيه جهات السعة الموجودة في الجعالة، فإنّه بالنظر إلى العامل يكون بشرط الإبهام وبالنسبة إلى الإيقاعية مشروط بالاحتمال وبالنسبة إلى الجعل مشروط بالوجود والتعيين مع أنّ الجعالة المطلقة مطلقة من جميع هذه الجهات، كما أسلفنا.

هذا كله خلاصة ما ذكرنا إلى هنا في هذه الجهة والتي تؤيّدنا هو الاسم الذي وضعه بعض الحقوقيين لهذا الضرب الخاص من الجعالة وهو اسم «الوعد بالجائزة».

فإنّك إن راجعت إلى كتب الحقوقيين تجدهم عبّروا عن الضرب من الجعالة بهذا الاسم أيضاً. ويكفيك الفحص في القوانين المدنية في أكثر الممالك العربية (1) .

فالحاصل هو : أنّ العرف لما رأى الجعالة هي العنوان العامّ ويمكن تحققه في أضرب مختلفة فوضعوا على هذا الضرب الخاص أيضاً اسماً.

ص: 274


1- انظر الوسيط في شرح القانون المدني 1 : 1300

الفصل الثاني : حقيقة الجعالة عند العامة

نشير إلى عباراتٍ مع مراعاة الاختصار :

العبارة الأولى : السيوطي في الأشباه والنظائر: «ما افترق فيه الإجارة والجعالة؛ افترقا في أمرين أحدهما تعيين العامل، يعتبر في الإجارة دون الجعالة والآخر : العلم بمقدار العمل معتبر في الإجارة دون الجعالة (1).

الحاصل منه عمومية الجعالة للإجارة، كما لا يخفى.

العبارة الثانية : تعريف ابن عرفة للجعالة العرفية: «عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض غير ناشئ عن محله به لا يجب إلا بتمامه» (2).

وفيه نكات

النكتة الأولى : المراد من المعاوضة إن كان وصول النفع الداخلي إلى الجاعل فقد عرفت أنّه غير تمام وإن أراد وصول نفع ولو معنوي إليه فهذا أمر مقبول، وقد مرّت الإشارة إليه فيما أسلفنا (3).

النكتة الثانية ما ذكره من عمل آدمي حسن ويخرج به مثل كراء

ص: 275


1- الأشباه والنظائر : 524-525.
2- شرح مختصر خليل 7 59
3- تقدم في الصفحة 268 .

السفن والسيارات وكذا البيع لأنّه في مثل الكراء، المال يقابل الاستفادة من مال الغير ولا عمله وفي البيع، المال يقابل نفس مال الغير لا عمله. وبعبارة أدق إنّه بقيد العمل يخرج مثل البيع، وبقيد الآدمي يخرج مثل السيّارة وستأتي إضافة بيان إن شاء الله.

النكتة الثالثة : المراد من غير ناشئ من محلّه» (1) إخراج مثل المضاربة والمساقاة وما شابهها ببيان أنّ العوض فيها نشأ من محلّ العمل، ولكن في الجعالة لابد من أن يكون العوض مستقلاً من المحلّ. ولكن قد عرفت من العلّامة وغيره صحة كون الجعالة في مثل قوله : من ردّ عبدي فله نصفه (2) ، وكذا قد عرفت شمول تعاريف بعض المحققين لمثل المضاربة، وقد عرفت منا احتمال سعة الجعالة بالنسبة إلى هذه الجهة أيضاً، وقد مرّ الكلام عن هذه الجهة وستأتي إضافة بيان في ختام البحث إن شاء الله.

النكتة الرابعة : قوله إلا بتمامه» (3) ، قد عرفت الكلام فيه من أنّه لا يمكن الحكم الكلّي في هذه الجهة، ومرّت الإشارة إلى أنّه إن قال شخص لشخص : إن بنيت لى بيتاً فلك كذا فلا يبعد القول باستحقاقه البعض بفعل البعض وسيأتي إضافة بيان إن شاء الله.

العبارة الثالثة ما في نهاية المطلب في دراية المذهب: «ثمّ قد أوضحنا أنّ الجهالة احتملت في الجعالة لمسيس الحاجة، فلو فرض الجعالة حيث لا جهالة مثل أن يقول القائل لمن يخاطبه : إن خطت ثوبي هذا فلك كذا، أو أبهم فقال : من خاط ثوبي هذا فله درهم،

ص: 276


1- شرح مختصر خليل :7 59
2- انظر قواعد الأحكام :2 216؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 439
3- شرح مختصر خليل 7 59

ففي صحة الجعالة حيث لا جهالة ولا حاجة إلى احتمالها وجهان والضابط لمحل الخلاف أنّ ما أمكن الاستيجار عليه على الشرائط المذكورة في الإجارة، ففي عقد الجعالة فيه ما ذكرناه والأصح منعُ الجعالة إذا أمكنت الإجارة» (1) .

وإنما ذكرتُ هذا الفرع هنا، لعدم الإشارة إليه في فقهنا، فإنّه لو جعلنا شرعية الجعالة في مثل المثال لأجل مسيس الحاجة فلو ذهبنا إلى أنّ مسيس الحاجة هو الحيثية التقييدية، فطبيعي الحيثية التقييدية، فطبيعي أنه في صورة عدم الحاجة لا دليل على مشروعيته فبناءً على جريان أصالة الفساد مسیس في المعاملات فلا بعد فيما ادعاه هذا القائل. أما لو ذهبت إلى أنّ الحاجة حيثية تعليلية أو ذهبت إلى أنّ دليل شرعية الجعالة ليس منحصراً به أو ذهبت إلى أنّ الأصل في المعاملات الصحة فلا وجه لبطلانها إلا إذا ادّعى عدم تعلّق غرض عقلائي إليه، وهو أوّل الكلام كما لا يخفى وعلى كل حال البحث عن هذه الجهة موكول إلى محلّه، فتدبّر.

العبارة الرابعة ما في الموسوعة الكويتية، وفيها فقرات تناسب المقام

الفقرة الأولى وعرفها المالكية بأن (1) يجعل الرّجل للرّجل أجراً معلوماً (2 ولا ينقده إيّاه (3 على أن يعمل له (4 في زمن ، معلوم أو مجهول (5) ممّا فيه منفعة للجاعل ، (6 على أنّه إن أكمل العمل كان له الجعل وإن لم يتمه فلا شيء له ، م ممّا لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه وعرفها الشافعية بأنّها (1) التزام عوض معلوم (2 على عمل (3) معيّن ،معلوم أو مجهول يعسر ضبطه وعرفها

ص: 277


1- نهاية المطلب في دراية المذهب 8: 496

الحنابلة بأنّها (1) تسمية مالٍ معلوم (2 لمن يعمل للجاعل (3 عملاً مباحاً (4 ولو كان مجهولاً (5) أو لمن يعمل له مدة ولو كانت مجهولة» (1)

ويمكن بيان نكات حولها

النكتة الأولى : الظاهر أنّ عدم ذكر تعريف الحنفية لها يكون لأجل عدم شرعيتها عندهم مع أنّ هذا لا يكون دليلاً مناسباً لعدم تعريفهم لها أو عدم ذكر تعريفهم هنا، لأنّ الحكم بالصحة والبطلان أمر عارض على الطبيعة ولا ينافي تعريفها، كما لا يخفى. النكتة الثانية : أنّ تعريف المالكية للجعالة فيها ستة قيود يمكن تذييل كلّ واحدٍ منها بشيء :

أمّا القيد الأوّل: فقد عرفت منا أنّ معلومية الأجر غير مشروطة فی صحة الجعالة، كما قال الشهيد الثاني في حاشيته على الإرشاد إنّما يعتبر العلم بالعوض في تشخيصه وتعيينه لا في صحة الجعالة وتحققها ، فإن أراد ذلك فليذكر جنسه ووصفه وقدره (2).

أما القيد الثاني : الظاهر أنّ المراد منه عدم إعطاء الأجر له إلا بعد العمل، وهذا إن كان المراد عدم الاستحقاق من أوّل الأمر فكلام صحيح في الجملة، ولكن إن كان إشارةً إلى محذورية الإعطاء ولو بعنوان الأمانة أو مثل ذلك فلا وجه له، وعلى أي حال، الأولى العدول عن هذا القيد إلا إذا كان مرادهم شيئاً آخر.

أمّا القيد الثالث: فبهذا القيد يمكن القول بالتفرقة بين الجعالة والبيع وسائر المعاملات التي لا يكون فيها العوض في مقابل العمل،

ص: 278


1- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 208
2- موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد (الأذهان 16 217

والظاهر تمامية ذلك، وأنّ الجعالة في المتفاهم الفقهي عبارة عن جعل عوض في مقابل عمل وسيأتي إضافة بيان إن شاء الله.

أما القيد الرابع : فهو أيضاً مشير إلى وجود سعة في الجعالة بالنسبة إلى المدّة، والظاهر عدم الحاجة لذكرها في التعريف لأنّ الذكر يدلّ على الإطلاق بنفسه.

أمّا القيد الخامس : قد عرفت أن المنفعة لا يجب أن يكون أمراً داخلاً في الجعالة، بل يجوز أن يكون خارجةً، كما بيّنا لك فيما أسلفنا بقولنا : إن النفع الواصل لطرف العقد من العقد يمكن تقسيمه بقسمين :

القسم الأوّل : ما يصل إليه مورد العقد كما إذا تقول : «من ردّ عبدي فله عشرة دراهم، ففي هذا قد يصل إلى الجاعل نفع وإلى العامل نفع وكلاهما موردان في العقد، فوصل إليك عبدك وإليه الدراهم.

القسم الثاني: ما يصل إليه أمرٌ خارج من العقد كما إذا تقول: من كفل هذا اليتيم فله عشرة دنانير في كلّ شهر، فالذي وقع مقابل عشرة دنانير أوّلاً يصل إلى اليتيم ولكن قد وصل إلى الجاعل أيضاً نفع دنيوي أو أخروي.

وإذا عرفت ذلك يمكن أن نقول : إنّ العاقد لا بد وأن يصل إليه نفع من المعاملة سواء في ذلك القسم الأوّل أو الثاني. وهذا لا يختص بالإجارة بل الجعالة أيضاً مشروطة بهذا الشرط.

أما القيد السادس: المهم في القيد السادس هو قولهم: «مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فيه لِلْجَاعِل إلا بَعْدَ تَمَامِهِ» (1) ، فإنّه إن كان مرادهم منه هو العامل قبل إتمام العمل لا يستحق الأجر إلا في صورة يصل إلى

ص: 279


1- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 208

الجاعل منفعة من العمل الناقص، فيستحق من الثمن بنسبة عمله فهو كلام تام وقد عرفت التأكيد عليه في كلماتنا الماضية، وإن كان المراد منه تقييد العمل المطلوب في الجعالة بما لا يصل منه إلى الجاعل منفعة إلا بعد تمامه فلا وجه له. وعلى كل حال لا تخلو العبارة من إبهام من هذه الجهة.

النكتة الثالثة : أنّ تعريف الشافعية ذو ثلاثة قيود لا بأس بتذييلها بما يلي:

أما القيد الأول : فقد عرفت عدم لزوم كون العوض معلوماً، بل يجوز في مثل قوله من ردّ عبدي فله نصفه، بل يجوز حتّى في صورة عدم التعيين فيرجع إلى أجرة المثل من دون بطلان الجعالة. وقد عرفت الكلام في هذه الجهة وسيأتي إضافة بيان في الفصل الآتى.

أمّا القيد الثاني: فكلام ،مقبول وبه يخرج من التعريف مثل كراء السفن والبيع وبعبارة أتمّ فيخرج من التعريف كلّ معاوضة لا يقابل العوض العمل.

أمّا القيد الثالث: فقد عرفت أنّهم قيدوا صورة جهل العمل بما إذا يُعسر ،ضبطه، ولازمه هو أنّه فيما إذا لم يعسر الضبط لا يجوز الجهل، فمثلاً إذا علم الجاعل أنّ عبده لم يخرج من البلد فلا يجوز له إطلاق الصيغة بل لابد له من الإخبار بأنّ عبده داخل المدينة، وهذا كلام حسن بظاهره لا بدّ من التأمّل حوله في كتاب الجعالة. ومنشأه هو النظر إلى مدى مانعية الغرر ومدى الدليل الدال على الاغتفار في الجعالة أو غير ذلك وقد عرفت بعض الكلام في ذيل العبارة الثالثة.

النكتة الرابعة : أنّ تعريف الحنابلة له خمسة قيود لا بأس بالنظر إليها فيما يلي :

ص: 280

أمّا القيد الأوّل: فحاصله اشتراط معلومية العمل، وقد عرفت الكلام فيه ولا بأس هنا بالإشارة إلى كلام المحقق الكركي مجدّداً حيث صرّح بجواز كون العوض مقدّراً عرفياً. وقد عرفت استظهارنا له بأنّ المراد هو أجرة المثل. وهذا نص عبارته في رسائله: «عقد جائز من الطرفين ثمرته استحقاق المال المجعول أو المقدّر شرعاً أو عرفاً في مقابل عمل مقصود محلّل» (1).

وكذا عرفت تصريح الشهيد الثاني على اعتبار العلم بالعوض في تعيينه لا في صحّة الجعالة فضلاً عن اعتباره في حقيقة الجعالة (2)، فافهم.

وفي المقام كلام آخر وهو : الإشكال في جواز الإبهام الراجع إلى أجرة المثل في العقود والإيقاعات من حيث انجرار أجرة المثل إلى النزاع والخلاف، ولكن هو أمر آخر لابد من البحث عنه في مجال آخر.

أمّا القيد الثاني: فظاهره مقابلة العوض للعمل، وهو كلام حسن وبه تتفاوت الجعالة عن البيع وسائر المعاملات التي لا تكون المقابلة فيها بين العوض والعمل، كما عرفت. وأما قولهم: للجاعل (3)، فقد عرفت الكلام ،حوله، فإنّ اللازم هو إيصال نفع إلى الجاعل بحيث يوجب خروج فعله من السفاهة، ولا يلزم أن يكون النفع الداخلي واصلاً ،إليه، كما إذا قال: من تكفّل هذا اليتيم في هذه السنة فله كذا فمن الواضح أنّه لم يصل إلى الجاعل النفع الداخلي للجعالة، فإنّ المنفعتين الموجودتين فيها واصلتين إلى اليتيم وإلى

ص: 281


1- رسائل الكركي 1 194
2- انظر موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان 16: 217
3- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 208

العامل المتكفّل، ولكن لما يرى العرف للجاعل أيضاً منفعة معنوية دنيوية أو أخروية فهذه الجعالة تعدّ صحيحة.

أمّا القيد الثالث : فلا إشكال في وجوب كون العمل المطلوب في الجعالة مباحاً، وكذا يمكننا إضافة قيد آخر، وهو لزوم كون العمل المطلوب غير واجب على الجاعل في الجملة. ولكن هذان الشرطان إنّما يعدّان من أحكام الجعالة غير داخلين في حقيقتها، فإنّ طلب عمل محرّم مثل أن يقال: من صنع لي خمراً فله كذا فهو جعالة فاسدة ولكن جعل لزوم الإباحة في التعريف يلزم منه عدم صدق الجعالة على هذا القول، ولا يمكن الالتزام به. فهذا القيد زائد لا بدّ من العدول عنه كما لا يخفى.

أمّا القيد الرابع : ففيه إشارة إلى جواز كون العمل مجهول لاً، وسيأتى بيان سعة الجعالة من هذه الجهة. وأيضاً عرفت أنّ الجهالة لا بد أن لا يضرّ بتعلّق الغرض العقلائي بالطلب وبالعمل، فالمراد من الجهالة المغتفرة هو في مثل قوله : من ردّ عبدي فله كذا المجهول فيه مكان العبد، فلا تجوز الجعالة لو قال: من عمل لي عملاً فله كذا إلا إذا فرض له غرض عقلائي. وبما أنّ الأغراض العقلائية كثيرة جداً ويمكن أن تكون خارجةً من نفس المعاملة قد عرفت منا احتمال الذهاب إلى تصحيح هذا النحو أيضاً والذهاب إلى أنّ المعاملة السفهية أيضاً صحيحة، وإنّما الممنوع من المعاملة هو السفيه لا المعاملة السفهية ،بظاهر، فتأمّل جدّاً ولا بد لنا من البحث عنه في مجال آخر.

أما القيد الخامس : ففيه إشارة إلى أنّه يمكن في الجعالة أن لا يكون المطلوب هو العمل الخاص بل يمكن أن يكون المطلوب هو مدة عمل كما نواجهه في الإجارة أيضاً. والظاهر في هذا المجال تقابل العوض مع العمل، ولكن لا العمل الخاص بل العمل في مدّة خاصة، وهذا صحيح عقلائي.

ص: 282

فلا يقال : إنّكم ذهبتم إلى أنّ الجعالة في الحقيقة عبارة عن مقابلة العوض بالعمل مع أنّ في هذه الصورة تكون المقابلة بين المال والمدة.

فإنا نقول: في هذه الصورة أيضاً تكون المقابلة بين المال والعمل، ولكن لا على العمل المشخّص من حيث الكيفية بل على العمل المشخّص من حيث الكمية الزمانية، فلا تغفل.

النكتة الخامسة : بعد التنبه إلى تعاريفهم نرى أنّهم جعلوا من قيود التعريف لزوم معلومية العوض، وهذا يمكن أن يوجب بظاهره خروج المضاربة وأخواتها من تحت تعريف الجعالة ببيان أنّ فيها لا يكون العوض معلوماً بل هو عبارة عن نسبة معلومة من الربح.

والذي يمكن أن نقول هنا :أمور:

الأوّل: قد عرفت من كلمات العلّامة (1) وجمع آخر آخر من فقهائنا (2) جواز كون العوض نسبةً من العبد فيما إذا يقال: من ردّ عبدي فله نصفه وبعد الالتزام بذلك تصير الجعالة شاملة للمضاربة وأخواتها أيضاً كما بينا (3).

الثاني : بل قد عرفت من فقهائنا كالشهيد الثاني عدم دخل معلومية العوض في حقيقة الجعالة (4) ، فطبعاً تشمل الجعالة للمضاربة أيضاً من دون إشكال.

ص: 283


1- أنظر قواعد الأحكام 2 216
2- انظر كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1: 643 الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 439؛ سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 3 منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم 2 151.
3- ستعرف الفرق الموجود بين الجعالة والمضاربة.
4- أنظر موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان 16 : 217

الثالث: بل يمكن أن نقول : إنّ مراد العامة من لزوم معلومية العوض عبارة عن عدم جواز الجهل في العوض، وأمّا معلومية العوض بالنسبة إلى النسبة المقدّرة المعلومة، فليست مخالفة لكلامهم، ولذلك يمكننا أن نقول : إنّ الجعالة في نظر العامة أيضاً لها عمومية بالنسبة إلى المضاربة وأخواتها.

ويؤيد هذا الاحتمال كلام ابن عرفة الماضي ذكره؛ فإنّه لاجل إخراج المضاربة وأخواتها من تحت التعريف تشبّث بقيد غير ناشئ محلّه» (1) ، فلو كان قيد معلومية العوض كافياً لإخراج المضاربة لاستغنى عن هذا القيد كما لا يخفى وإنّما عبّرنا بالتأييد لأنّه في تعريفه لم يصرّح بلزوم معلومية العوض، فراجع وتدبّر.

الفقرة الثانية : وقال الحنفيّة : بعدم جوازها في غير جعل العبد الآبق، ودليل المنع عندهم ما في الجعالة من تعليق التملك على الخطر أي) التّردّد بين الوجود والعدم كما أن الجعالة التي لم توجه إلى معيّن لم يوجد فيها من يقبل العقد فانتفى العقد (2).

الحاصل من كلام الحنفية في المقام ثلاث ادعاءات يمكن تبيينها بما يلي:

الادعاء الأوّل: عدم شرعية الجعالة مطلقاً لوجود الغرر فيها ؛

وقد عرفت الإجماع بين الإمامية وغير الحنفية على اغتفار الغرر في الجعالة لمسيس الحاجة أو لقوله سبحانه وتعالى : حِمْلُ بَعِيرِ (3) إلى آخر أدلّةِ شرعية الجعالة المذكورة في عبارات الفقهاء. مضافاً إلى

ص: 284


1- شرح مختصر خليل :7 59
2- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 209
3- يوسف (12) 72

احتمال الذهاب إلى عدم مانعية عنوان الغرر مطلقاً أو عدم مانعيته إلا في البيع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وعلى كل حال ليس المطلوب التطويل من هذه الناحية، والبحث موكول إلى محلّه في ضمن القانون الذي نبحث عن الغرر إن شاء الله لا في ضمن كتاب البيع الذي هو مجال تطبيقه لا إثباته والفحص عنه، فافهم.

الادعاء الثاني: عدم شرعية الجعالة في الضرب الذي يكون العامل مجهولاً لعدم وجود طرف للعقد ؛

وهذا الدليل في الحقيقة هو الدليل المؤكّد لعدم مشروعية الجعالة في الضرب الذي لا يكون العامل فيه معلوماً بعد جريان دليل الغرر فيه أيضاً.

والجدير بالذكر في التعليق على هذا الدليل هو أن نقول : إنّ هذا الإشكال مبني على جعل الجعالة عقداً، ومبني على لزوم كون القبول في العقد قولياً أو متوالياً للايجاب والكلّ غير مقبول، لأنه أولاً : قد عرفت ذهاب جمع من فقهائنا إلى كونه إيقاعاً فلا يحتاج إلى القبول أصلاً وثانياً : قد عرفت منا جعلها مطلقةً فلا يحتاج إلى القبول في الضرب الذي لا قابل فيه وثالثاً : قد عرفت من مشهور الشيعة أنّ القبول الفعلي فيها موجود وهذا يكفي في تمامية أركان العقد والكلّ مذكور فيما أسلفنا ، فلا نعيد.

الادعاء الثالث : شرعية الجعالة فيما إذا كان الجعل لأجل إعادة العبد الآبق، ولعلّه للاتكاء على ما روي عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من أنّه جعل أربعة دنانير لإرجاع العبد من خارج المصر وديناراً واحداً لإرجاعه من داخله (1) ، وإنّما أجازوه على الإطلاق بعد إلغاء الخصوصية عن

ص: 285


1- أنظر تهذيب الأحكام 6: 398 - 43/399، الرواية منقولة بالمعنى.

المقدار فقط، لا إلغاء الخصوصية عن العبد وهو مردود وقد عرفت منا أنّ الرواية الدالة على ذلك لا سند لها عندنا مضافاً إلى أنّه يمكننا إلغاء الخصوصية من الجانبين، والذهاب إلى أنّ الجعالة شرعية في كلّ ما يضاع. أمّا تعيين العدد في زمن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) إنّما هو حكم قانوني حكومتي لإرجاع العبيد الهاربين وعدم فرارهم إلى دار الحرب كما عرفت ذكره في كلمات مفتاح الكرامة حيث قال: وقد يؤيّد قول الشيخين بأنّ في ذلك حقاً على ردّ الآبق وصيانة له عن الرجوع إلى دار الحرب والردّ إلى دينهم وتقوية أهل الحرب به فتأمل» (1) وعلى كلّ حال فلا وجه لحصر شرعية الجعالة في مورد العبد فقط.

الفقرة الثالثة: والجعالة تختلف عن الإجارة - عند الشافعية وغيرهم من المذاهب المجيزة لها - في بعض الأحكام وهي يلي : الأول : صحة الجعالة على عمل مجهول يعسر ضبطه وتعيينه كرد مال ضائع. الثاني: صحة الجعالة مع عامل غير معين الثالث كون العامل لا يستحق الجعل إلا بعد تمام العمل. الرابع: لا يشترط في الجعالة تلفّظ العامل بالقبول الخامس : جهالة العوض في الجعالة في بعض الأحوال السادس: يشترط في الجعالة عدم التأقيت لمدة العمل السابع: الجعالة عقد غير لازم الثامن : سقوط كل العوض بفسخ العامل قبل تمام العمل المجاعل عليه. وزاد ابن عرفة من المالكيّة : أن الجعالة تتميّز أيضاً عن المساقاة والمضاربة والمزارعة بأنّ العوض فيها غير ناشئ عن محل العمل. وزاد الحنابلة : أنه يصح في الجعالة الجمع بين تقدير المدّة والعمل، بخلاف الإجارة» (2) .

ص: 286


1- مفتاح الكرامة 17 862.
2- الموسوعة الفقهية الكويتية 105 209 - 210

ويمكننا أن نقول :

أمّا الفرق الأول والثاني والرابع والخامس: لو سلّمت فلا تغاير مدعانا، لأنّ حاصلها لا بشرطية الجعالة ومشروطية الإجارة، وهذا يلائم شمول الجعالة للإجارة شمول اللا بشرط للمشروط، كما بيّناه فيما أسلفناه.

أمّا الفرق الثالث : فقد عرفت عدم تماميته لأنّ الجعالة لا بشرط من هذه الجهة وذكرنا لك أنّه إن قال شخص: من ردّ عبدي فله «كذا لا يستحق العامل إلا بعد المجيء بالعبد، ولكن إذا قال: من بنى بيتي فله عشرة دنانير وشرع واحد وبنى نصفه، لا يبعد القول باستحقاقه الخمسة، وقد عرفت الكلام من هذه الناحية فيما أسلفنا. وكذلك عرفت تقييد المالكية عدم الاستحقاق بصورة عدم وصول النفع إلى الجاعل حيث قالوا : وإن لم يتمّه فلا شيء له، ممّا لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه (1) بعدما استظهرناه من أنّ المراد من قولهم: «مما هو الزمان الذي...

أما الفرق السادس فلا يتمّ لما عرفت من جواز التوقيت في الجعالة بلا إشكال فكما يصح القول بأنّ من ردّ عبدي فله كذا يصح القول: «في هذه السنة فله كذا وأظهر منه جواز الجعالة فيما إذا قال: من ردّ سيّارتي في ضمن خمس سنوات فله كذا وإلا فليس له شيء ء الصيرورة السيّارة خارجة عن محلّ الانتفاع مثلاً بل يمكن أن يقول : من ردّ سيّارتي في هذه السنة فله عشرة وإن ردّها في السنة الآتية فله ثمانية ولو ردّها في السنة الثالثة فله خمسة». وهذه جعالة صحيحة لا إشكال فيها إلا من جهة أنّ العامل يمكن أن يعمل ولم

ص: 287


1- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 208

يصل إلى المدّة المعيّنة فصار عمله لغواً، فنقول : أوّلاً هذا لا إشكال فيه، فإنّ مقتضى الجعالة بل مقتضى كلّ تراض ذلك، فمثلاً لو قال شخص لشخص : آجرتك لأن تخيط لي قباء ثمّ إنّه يعمل ويخرّب الثوب فلا شيء له إجماعاً لعدم موافقته لموضوع التراضي، وأما إن خاط له قميصاً فلا يستحق أجرة المسمّى قطعاً، ولكن يمكن أن نقول : المالك مختار بين قبول القميص وإعطاء أجرة المثل وعدم قبول القميص وإعطاء ثمن الثوب إليه، وفي المسألة فروض أُخرى لسنا الآن بصدد تبيينها.

وبالجملة ففي الجعالة أيضاً يمكن أن نقول : إذا قال شخص: من بنى بيتي في هذه السنة فله كذا ثم بنى له البيت لكن ليس في هذه السنة، يمكن الالتزام بأنّ العامل لا يستحق المسمى، بل يستحق أجرة المثل أو الأقل من أجرة المثل وأجرة المسمّى، وعلى كل حال المسألة لا تخلو من دقة، ولكن ليس مجال الفحص عنها هنا.

وإنّما الذي يهمّنا الآن هو ذهابنا إلى أنّه في الجعالة لا ضير في التأقيت مع تعيين العمل.

ثمّ إنّه بناءً على تمامية ما قاله في الفرق السادس، يمكننا أن نقول: هذا لا يصلح لأن يكون فرقاً بينهما لما عرفت من الشيخ الطوسي أنّه ذهب إلى عدم جواز توقيت العمل مع تعيين المدّة في الإجارة أيضاً» (1) فحينئذ لا يصلح هذا الفرق لأن يكون فارقاً بينهما، فتدبّر جيّداً.

أمّا الفرق السابع : وقد عرفت ما قلنا من أنّ الجعالة لا بشرط بالنسبة إلى اللزوم والجواز مع أنّ اللزوم والجواز لا يصلح لأن

ص: 288


1- انظر المبسوط 3 : 221

يكونا فارقين اساسيين بين العقدين وإلا يلزم منه أن يكون البيع منشعباً إلى حقائق لكونه في بعض أضربه جائزاً كما في المعاطاة بناءً على كونه بيعاً جائزاً.

أضف إلى ذلك أنّ الجعالة عند المالكية عقد لازم من الطرفين كالإجارة (1).

وأما ما زاده ابن عرفة : فقد عرفت الكلام حوله في ذيل عبارته التي ذكرناها. وقد سبق أنّ العلّامة (2) وغيره (3) ذهبوا إلى صحة كون الجعالة في مثل قوله : من ردّ عبدي فله نصفه». وكذا قد عرفت شمول تعاريف بعض المحققين بل قاطبتهم لمثل المضاربة، ولذا لا يبقى في البين ما يوجب هذا القيد إلا توهّم وجوب الميز بين الجعالة وغيرها، وليس هذا التوهّم إلا منشأ من النظر العرضي إلى أبواب المعاملات، وأمّا وفقاً للنظام الطولي فلا وجه لهذا القيد وفاقاً للجمهور، كما لا يخفى

وأما ما زاده الحنابلة : فإنّه لو فرض تماميته فيرجع إلى لا بشرطية الجعالة ومشروطية الإجارة فلا ينافي مطلوبنا، كما عرفت غير مرّة.

ثمّ لا بأس لأجل بيان وجه كلام الحنابلة بالإشارة إلى ما قاله الشيخ في تبيين فتواه المطابقة لفتوى الحنابلة قال الشيخ الطوسى في المبسوط ما هذا نصه: «فأمّا إذا كانت المدّة معلومة والعمل معلوماً فلا يصح، لأنّه إذا قال : استأجرتك اليوم لتخيط قميصي هذا كانت

ص: 289


1- أنظر الموسوعة الفقهية الكويتية 15: 211
2- أنظر قواعد الأحكام 2 216
3- أنظر كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1: 643؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 439؛ سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 3؛ منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم 2 151.

الإجارة باطلة لأنّه ربما يخيط قبل مضي النهار، فيبقى بعض المدة بلا عمل وربما لا يفرغ منه بيوم ويحتاج إلى مدة أخرى ويحصل العمل بلا مدّة (1) انتهى كلامه ومحلّ التدقيق حوله هو في كتاب الإجارة.

الفقرة الرابعة : يشترط في العامل المعيّن أهليّته للعمل بأن يكون قادراً عليه فلا يصح العقد من عاجز عن العمل، كصغير، وضعيف لا يقدر عليه، لأنّ منفعته معدومة. أمّا إذا كان العامل غير معين فيكفي علمه بإعلان الجاعل ولا يشترط قدرته على العمل أصلاً، ويكفي أن يأذن أو يوكّل من يعمل. ولا يشترط في العامل بنوعيه معيّناً أو غير معيّن بلوغ ولا عقل ولا رشد ولا حريّة، ولا إذن وليّ أو سيّد، من صبي ومجنون له نوع تمييز و محجور عليه بسفه وعبد على الراجح» (2).

ويمكن التعليق عليه بنكات :

النكتة الأولى قوله : كصغير وضعيف لا يقدر عليه : وجه عدم الأهلية في الصغير بناءً على الظاهر من العبارة هو عدم قدرته فقيد لا يقدر عليه قيد للضعيف والصغير معاً، فالأولى عدم ذكر الصغير لأنّ العنوان حينئذٍ هو الذي لا يقدر على العمل ولا خصوصية للصغير، كما لا يخفى. اللهمّ إلا أن يكون القيد للضعيف، كما يمكن استظهاره أيضاً.

النكتة الثانية : الظاهر من العبارة الميز بين ضربين من الجعالة بالنسبة إلى اشتراط الأهلية للعمل فيشترط القدرة بلا واسطة

ص: 290


1- المبسوط 3 : 221
2- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 212

والأهلية النفسية فيما إذا كان الطرف معيّناً، وكفاية القدرة الواسطة فيما إذا كان الطرف غير معيّن وهذا ما لا نعلم له وجهاً ؛ فإنّ الأهلية هي القدرة على العمل ولو بنحو مع الواسطة فيجوز العقد من شخص نعلم أنّه أرسل عبده واستفاد منه للعمل.

نعم ؛ لك أن تقول: هذا راجع إلى أنّ طرف العقد هل يجوز له إيكال العمل على الغير أو توكيل الغير للعمل أو استئجار الغير له أم لا؟ فهذه مسألة أخرى غير مربوطة بقيد الأهلية، كما لا يخفى على المتأمّل المدقق.

وبالجملة : أنّ القدرة على العمل لازمة في الجعالة ولكن القدرة مع الواسطة أيضاً كافية، كما لا ينبغي الشكّ في إطلاق القادر على الأمير الذي لا يقدر نفسه على بناء قصر ولكن يطلق عليه بالنظر إلى قدرته لاستعمال من هو قادر عليه وهذا لا ينبغي الشكّ فيه من ناحية إمكان وروده في المعاملة وإن جاز لك الشكّ في إطلاق القادر عليه حقيقةً، فتدبّر.

بل يمكننا أن نقول : إنّ القدرة لا تشترط في صحة العقد، لأنها في مقام الإثبات غير معلومة، فلا يناسب لمقام التقنين اشتراط شرط لا يمكن احرازه فنذهب إلى أنّ العقد غير مشروط بها. نعم؛ أنّ غير القادر لا يعمل العمل وطبعاً لا يستحق الأجر، فتدبّر. وهذا ما لا بدّ من البحث عنه عند البحث عن القدرة على العمل في المعاملات.

النكتة الثالثة أمّا ذهابهم إلى عدم اشتراط البلوغ ومثله في المقام فلا يناسب عقدية الجعالة، لأنّ العقد أمر قائم بالطرفين والإلزام لا يكفي فيه الإرادة المنفردة فيصعب جداً الذهاب إلى جواز كون طرف العقد سفيهاً أو غير مميّز.

لا يقال : إنّكم أنفسكم ذهبتم إلى لا بشرطية الجعالة بالنسبة إلى بلوغ العامل وعقله !

ص: 291

فإنّا نقول : إنّا ذهبنا إليه بعد ما ذهبنا إلى لا بشرطية الجعالة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية، وهذا أمر حسن لأنّ الجعالة في ضرب الإيقاعية أمر يحصل بصرف إرادة منفردة، فطبعاً لا ينظر فيه إلى العامل وشروطه وهذا بخلاف ضرب العقدية المشترط فيه جميع يشترط في العقد. فالإشكال كلّ الإشكال عليهم هو في ذهابهم إلى العقدية مع عدم اشتراط ما لا بدّ من اشتراطه في العقد، فافهم.

النكتة الرابعة انظر إلى ما وراء هذه العبارات من ارتكاز نظام طولي في الجعالة نفسها، فإنّك ترى في نظر الفقهاء وجود الرابطة الطولية في الجعالة بحيث يشمل الجعالة ضربين من المعاملة : المعاملة التي يكون لها طرف معيّن والمعاملة التي لا يكون له طرف معيّن، فتدبّر.

الفقرة الخامسة : وقال المالكيّة العمل المجاعل عليه أنواع :

أ - فبعضه تصح فيه الجعالة والإجارة وهو كثير، ولا يشترط فيه أن يكون مجهولاً، وذلك كأن يتعاقدا على بيع سلع قليلةٍ وشراء السلع القليلة والكثيرة، واقتضاء الديون، وحفر البئر في أرض مباحة للعامة؛ لأنهما إن تعاقدا على مقدار مخصوص من الأذرع كان إجارة، وإن تعاقدا على ظهور الماء في البئر كان جعالة.

ب - وبعضه تصح فيه الجعالة دون الإجارة، وذلك كأن يتعاقدا على الإتيان بالبعير الشّارد أو العبد الآبق ونحوهما من كل ما يكون العمل فيه مجهولاً، فتشترط الجهالة بالعمل هنا تحصيلاً لمصلحة العقد ؛ لأنّ معلوميّته للمتعاقدين أو لأحدهما توجب الغرر فيه، كأن لا يجد البعير الشّارد مثلاً في المكان المعلوم المتعاقد على الإتيان به منه فيذهب عمله مجانًا وتضيع مصلحة العقد.

ج - وبعضه تصح فيه الإجارة دون الجعالة وهو كثير أيضاً،

ص: 292

كأن يتعاقدا على عمل في أرض مملوكة للجاعل كحفر بئر التعاقد على خياطة ثوب أو خدمة شهرٍ أو بيع سلع كثيرة، وما أشبه ذلك ممّا يبقى للجاعل فيه منفعة إن لم يتمّ العامل العمل (1).

ويمكننا التعليق عليه بذكر نكتتين:

النكتة الأولى: أنّ المطلب كلّه غير تام لبنائه على النظم العرضي بين الجعالة والإجارة، ولعلّ ما جعله في مقابل الإجارة هو ضرب خاص من الجعالة الذي يمكننا أن نسمّيه بالوعد بالجائزة، كما عرفت.

النكتة الثانية : وأمّا ما قاله في «ج» غير تام لما عرفت من الجعالة لا بشرط بالنسبة إلى ما يكون من قبيل شرط النتيجة أو ما يكون مثل قوله من بنى لي حائطاً فله كذا، فلا نعيد بعد ما ترى من أنّ غير المالكية من الشافعية والحنابلة أيضاً لم يجعلوا للجعالة هذا الشرط.

الفقرة السادسة : قال الشافعية والحنابلة : يشترط في العمل المتعاقد عليه في عقد الجعالة أن يكون ممّا فيه تعب ومشقة أو مؤنة، كردّ آبقٍ، أو ضالة أو دلالة على شيء من غير من بيده الشّيء، أو إخبار عن شيء بشرط أن يكون فيه تعب وأن يكون المخبر صادقاً في إخباره، وأن يكون للمستخبر غرض في المخبر به وقيّد الأذرعي هذا بما إذا كانت المشقة حادثة بعد عقد الجعالة، فإن كانت قبله فلا عبرة بها لأنها محض تبرع حينئذ (2).

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام لا دليل عليه أصلاً، فإنّ المهم تعلق

ص: 293


1- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 21213
2- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 214

غرض الجاعل على شيء من دون نظر إلى أنّ هذا العمل صعب بالنسبة إلى العامل أو الجاعل أو كليهما أم لا؟ فهذا يكون أوضح، بعدما عرفت منا من إمكان تعلّق الغرض بنفع خارج عن المعاملة، فمن الممكن أن يطلب شخص عملاً سهلاً من شخص آخر بأجر كثير لأجل غرض معنوي أخروي أو دنيوي خارج عن النفع الداخلي، كما

بينا

وأما ما قاله الأذرعي فلم أفهم له وجهاً أصلاً، فإنّ المشار إليه «هذا يمكن أن يكون أصل اشتراط التعب ويمكن أن يكون «مسألة»، الإخبار وفي كلتا الصورتين لا أجد له وجهاً إلا أن نقول : إنّه رأى العمل السهل غير محترم وغير قابل لأن يقابل بالمال، ولذا إذا تحققت الجعالة على عمل كان صعباً في زمن العقد ولكن صار سهلاً بعد العقد يلزم من هذا القول بطلان العقد، لصيرورة ما يقابل العوض غير قابل للمقابلة، مثل ما إذا باع الحليب الطاهر فصار نجساً قبل القبض لو فرض عدم انتقال الملكية إلا بعد القبض. وعلى كلّ حال فشرط التعب ممّا لا وجه له.

الفقرة السابعة : قال الشافعية وهو الرّاجح عند المالكية : يشترط أن يكون للجاعل في العمل المجاعل عليه غرض ومنفعة تعود عليه بتحققه فلو قال من أخبرني بكذا فله دينار، صح العقد بالشّرائط السابقة. ولو جاعل شخص شخصاً آخر على أن يصعد هذا الجبل وينزل منه مثلاً من غير أن يكون للجاعل فيه منفعة بإتيان حاجة منه لا يصح العقد » (1)

وأنت خبير بما فيه بعد التنبه إلى ما قلنا مكرّراً من أنّه لا يجب

ص: 294


1- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 216

وأن يكون النفع الواصل إلى الجاعل هو النفع الداخلي، بل يجوز أن يصل إليه نفع خارجي كما بيّنا وبعد التنبه إلى أن المنافع الخارجية كثيرة جداً قد عرفت منا احتمال عدم بطلان العقد السفهي وأنّ الممنوع هو التعاقد مع السفيه، فتأمّل السفيه، فتأمّل حتّى تصل النوبة إلى التحقيق حول هذه الجهة. ولذا نلتزم بصحة الجعالة حتّى في الصورة التي جاءت في الفقرة السابعة لأنا لسنا في ذهن الجاعل فلعله نفعه به.

ص: 295

الفصل الثالث : جهات السعة الموجودة في الجعالة

إنّك إن راجعت إلى كلمات الفقهاء تجدهم يعبّرون عن الجعالة بعنوان معاملة ذات سعة بين المعاملات بحيث يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها (1) والذي يهمّني في هذا الفصل هو ذكر بعض الفروعات التي ذكرت في باب الجعالة من باب وجود السعة فيها كي يبين لنا بعد النظر إليها مكانتها في النظام الطولي للمعاملات.

فما نذكر في هذا الفصل ليس صرف ذكر جهات سعة فرضية بل إنّما نشير إلى جهات السعة التي ترى في آثار الفقهاء منها أثراً وإلا فتصوّر جهات السعة الفرضية ربما يصير أكثر من ذلك، ولعله ليس في كثيرها فائدة فإنّا نشير إلى هذه الجهات حتى يتبين لنا في ختام البحث مكانة الجعالة في النظام الطولي، وإنّها هل تكون في طول بعض العقود بحيث يصير ذاك البعض من أضربها ومحكوماً بأحكامها أم لا.

ص: 296


1- انظر شرائع الإسلام3 706 جامع المقاصد 6: 189؛ مسالك الأفهام 11 152

ففي هذا الفصل نبحث عن كلّ جهة بنحو مستقل وعلى المتعال الاتكال.

الجهة الأولى : معلومية العمل

المدعى : أنّ الجعالة عند الفقهاء موسعة من جهة العلم بالعمل فكما يجوز أن يكون العمل معلوماً يمكن أن يكون مجهولاً.

ولأجل إثبات ذلك لا بأس بالإشارة إلى ما يلي:

الإشارة الأولى إلى عدة تصريحات في المقام :

الأول : قال الكيدري في إصباح الشيعة: الجعالة من العقود الجائزة فيجوز أن يكون العمل والمدة مجهولين» (1).

الثاني : قال المحقق في الشرائع : يصح على كلّ عمل مقصود محلّل، ويجوز أن يكون العمل مجهولاً ، لأنّه عقد جائز كالمضاربة» (2).

الثالث: قال العلامة في الإرشاد وهي تصح على كل عمل مقصود محلّل معلوماً كان أو مجهولاً (3).

الرابع : وقال العلامة في التبصرة : ويجوز على كل عمل محلّل مقصود وإن كان مجهولاً » (4).

الخامس: وقال في التحرير: تصح على كل عمل مقصود محلّل، سواء كان معلوماً مثل من خاط ثوبي أو حجّ عنّي فله دينار

ص: 297


1- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة .329
2- شرائع الإسلام 3 706
3- إرشاد الأذهان 1: 430
4- تبصرة المتعلمين في أحكام الدين : 136

أو مجهولاً مثل من ردّ عبدي، فإنّ مسافة الردّ مجهولة» (1).

السادس : وقال في التذكرة في وجه مشروعية الجعالة : «ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك، فإنّ العمل قد يكون مجهولاً، كردّ الأبق والضالة ونحو ذلك، فلا يمكن عقد الإجارة فيه، والحاجة داعية إلى ردّهم، وقلّ أن يوجد متبرّع به فدعت الضرورة إلى إباحة بذل الجُعل جهالة العمل، لأنّها غير لازمةٍ بخلاف الإجارة، فإنّ الإجارة لمّا كانت لازمةً افتقرت إلى تقدير مدّةٍ معيّنة مضبوطة لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان، وأمّا العقود -الجائزة كالشركة والوكالة فلا يجب لها ضرب المدّة، ولأنّ كلّ عقد جائز يتمكن كل من المتعاقدين فيه من فسخه وتركه» (2).

السابع : قال الشهيد في الدروس : وهي (أي الجعالة) لغةٌ مال يجعل على عمل، وشرعاً صيغة دالة علي الإذن في عمل بعوض ولا يشترط فيها العلم (3).

الثامن : وقال في اللمعة : وهي صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما » (4) .

التاسع : وقال في المسالك : لمّا كان الغرض من مشروعية الجعالة تحصيل الأعمال المجهولة غالباً، كردّ الآبق والضالة، ومسافة ردّ الآبق لا تعرف غالباً اغتفرت الجهالة في العمل المسيس الحاجة، كما دعت إلى احتمالها في عامل المضاربة (5).

ص: 298


1- تحرير الأحكام 4 441
2- تذكرة الفقهاء 2 285-286
3- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 97
4- اللمعة الدمشقية : 151.
5- مسالك الأفهام 11: 152

العاشر : وقال السبزواري في كفاية الأحكام والظاهر أنّه يجوز أن يكون العمل مجهولاً) (1).

تلك عشرة كاملة وسائر العبارات أيضاً تكون في هذا السياق، ولذلك يمكن أن ندعي أن جواز الجهل في العمل في الجعالة ممّا أجمع عليه الفقهاء. نعم ؛ يجب علينا الإشارة إلى كلمات موهمة للخلاف، فنبحث عنها في الإشارة الآتية :

الإشارة الثانية إلى : كلمات موهمة لاشتراط العلم في العمل :

قد عرفت دعوى عدم الخلاف في جواز وجود الجهل في الجعالة بالنسبة إلى العمل، ولكن ربما يوهم كسر هذا الإجماع عبارات :

الأولى ما قاله ابن حمزة في الوسيلة: «فصل في بيان الجعالة: عقد جائز من الطرفين وتصح بشرطين تعيين العمل والأجرة (2).

ومستنداً إلى هذه العبارة قال في مفتاح الكرامة: وفي «الروضة» عدم اشتراط العلم بالعمل هنا موضع وفاق. قلت: لا أجد فيه خلافاً إلا من صاحب «الوسيلة) قال: وتصحّ بشرطين تعيين العمل والأجرة) (3) ، انتهى فتأمل.

الثانية : ما قاله جلّ الفقهاء من لزوم كون العمل في الجعالة مقصوداً كما قال في مفتاح الكرامة : ونص فيها (أي في التذكرة وفي الشرائع والتحرير والإرشاد واللمعة والدروس وفي غيرها على اشتراط

ص: 299


1- كفاية الأحكام 2 513
2- الوسيلة : 272
3- مفتاح الكرامة :17 871

كون العمل مقصوداً للعقلاء» (1) انتهى كلامه

وهذا لعله يوهم أنّ العمل إن كان مجهولاً كيف يمكن الحكم عليه بأنّه مقصود أم لا ؟ فمن الواجب كون العمل معلوماً.

الثالثة : ما قاله المحقق الكركي من أنّه : «يكفي في إيجابها (أي إيجاب (الجعالة ما دلّ على العمل المخصوص بعوض» (2) . فتصريحه بالعمل المخصوص يغاير ما قالوه من جواز الجهل في العمل.

والتحقيق أن نقول : الظاهر أن مرادهم من جهل العمل هو الجهل في الجملة بمعنى أنه إذا قيل له : إذا جئت بعبدي فلك كذا» فإنّه عالم بأنّ المقصود هو مجيء العبد ولكن لا يعلم أنّه في أي بلد وأنّه أي أفعال لا بد له من أن يعمله بالضبط، وليس المراد الجهل المطلق بحيث لا يدري العامل لا بد وأن يفعل ماذا ؟

ويمكنك العثور على ما قلنا من خلال كلماتهم في تبيين معنى الجهل في العمل ؛ فإنّهم مثلوا بردّ العبد فمن المعلوم أن ردّ العبد فعل معلوم ولكن توجد فيه جهالة من حيث إنّ العامل لعله لا يدري أفي البصرة العبد أم بالكوفة، وهذا المقدار من الجهل معفوّ في الجعالة.

وقد عرفت ذلك من كلمات التحرير حيث قال: «تصح على كلّ عمل مقصود محلّل، سواء كان معلوماً مثل: من خاط ثوبي أو حجّ عنّي فله دينار أو مجهولا مثل: من ردّ عبدي، فإنّ مسافة الردّ مجهولة» (3). فإن خياطة الثوب أمر معلوم بخلاف ردّ العبد الآبق الذي لا يعلم أنّه هرب إلى أي مكان من العالم.

ص: 300


1- مفتاح الكرامة 17 869
2- رسائل الكركي 1 194.
3- تحرير الأحكام 4 441

وعلى ضوء ذلك تفهم : مقصود الفقهاء من لزوم كون العمل مقصوداً وأنّه لا يعارض ما قالوه من جواز الجهل في العمل. وكذا يمكن توجيه كلمات ابن حمزة، فإنّ المعلومية في كلامه يكون في مقابل الجهل المطلق.

فما قالوه في الجعالة من جواز مجهولية العمل يكون في مقابل الإجارة، وإنّما أرادوا بهذا البيان بيان التفرقة بين الإجارة والجعالة كما عرفت في الفصل الأول والثاني إشارات إلى هذه الجهة، فقد صرّحوا في الإجارة بلزوم كون العمل معلوماً بالضبط وهذا بخلاف الجعالة، ففيها لا نحتاج إلى ذاك القدر من المعلومية.

وبهذا البيان تكشف مراد المحقق الكركي خصوصاً بعد ما مثل بعد ذاك الكلام (1) بقول الجاعل : من ردّ عبدي فله كذا فأنت خبير أنّ ردّ العبد هو الذي ذكره الفقهاء بعنوان العمل الذي يوجد فيه الجهالة.

فمثلاً بناءً على كلام الفقهاء يجوز أن يقال: من خاط قماشي فله كذا جعالة ولا يجوز إجارة، لأنّ العمل غير معلوم هنا، إذ لا يعلم أنّ الخياطة المطلوبة هي خياطة القميص أو القباء أو السروال، فتأمل. ومزيد البيان محتاج إلى بحث مطوّل في مسائل كتاب الجعالة والإجارة، وهذا المقدار كفانا هنا في هذه الإشارة.

ولنا كلام آخر في توجيه جواز الجهل المطلق في العمل سيأتي إن شاء الله فيما يأتي فاصبر.

ص: 301


1- أنظر رسائل الكركي 1: 194.

الإشارة الثالثة إلى : دليل هذه السعة :

قد دلّ على جواز الجهل في الجعالة أدلّة :

منها الإجماع وقد عرفت حاله ولا بعد في دعواه بعد تصريح الفحول وعدم وجدان الخلاف.

ومنها: الآية الكريمة التي كثيراً ما استدلّ بها لأجل إثبات مشروعية أصل الجعالة وهي قوله تعالى في قصة يوسف : (قَالُواْ وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حمل بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ، زَعِيمُ ) (1) وكثيراً ما استدلّ بهذه الآية لإثبات مشروعية الجعالة أصلها، وهذا لو تمّ في تلك المسألة ليمكن الاستدلال بها لمسألتنا هذه، بعد الذهاب إلى أنّ الصواع المفقود لا يعلم مكانه، فلا يعلم العمل الذي يقابل الجُعل.

اللهم إلا أن يقال: أنّ الصواع لمّا فقد في نفس ذاك الزمان وذاك المكان فلا يعدّ ردّه من العمل المجهول، إذ الجهل الذي كنا بصدده هو في مثل ردّ العبد المجهول كونه في البصرة أو الكوفة بل يمكن وجوده في آفريقيا فلا يمكن الاستدلال له بهذه الآية فتدبّر جيداً.

ومنها صحيحة علي بن جعفر عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ جُعْل الْآبِقِ والضَّالَّةِ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ (2).

ومن الواضح : أنّ ردّ الآبق والضالة هو نفس ما كنا بصدده من إثبات جواز الجهل في العمل، اذ العبد الآبق والضالة لا يعلم مكانه حتى يدعى معلومية العمل فيها، ومع ذلك نفى الإمام عنه البأس.

ص: 302


1- يوسف (12): 71-72
2- الكافي :6 9/2012؛ وسائل الشيعة 23 : 86-29164/87

ومنها قول العلّامة لأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك، فإنّ العمل قد يكون مجهولاً، كرة الآبق والضالة ونحو ذلك، فلا يمكن عقد الإجارة فيه والحاجة داعية إلى ردّهم، وقلّ أن يوجد متبرّع ،به فدعت الضرورة إلى إباحة بذل الجُعل فيه مع جهالة العمل» (1)

الإشارة الرابعة : السعة من حيث الجهل

لا يخفى عليك أنّه لا يجب في الجعالة أن يكون العمل مجهولاً، كما صرّح بذلك غير واحد من فقهائنا كالعلامة بقوله : وهل يشترط الجهل في العمل؟ الأصح : العدم، فلو قال: «مَنْ خاط ثوبي فله درهم، أو قال: «مَنْ حَجَّ عنّي»، أو «مَنْ ردّ عبدي من بغداد فله مائة صح واستحق العامل الجُغل لأنّه إذا جاز مع الجهل فمع العلم أولى لانتفاء الغرر فيه» (2) . والشهيد الثاني بقوله: «وكما تصح الجعالة على العمل المجهول تصحّ علي العمل المعلوم بطريق أولى » (3).

ويؤيده أنّه لا دليل في المقام يوجب حصر الجعالة في المجهول، كما لا يخفى

نعم؛ هناك نكتتان لابد من ذكرهما هنا :

النكتة الأولى : كلام بعض الشافعية في المقام:

قد نسب العلامة إلى بعض الشافعية أنّه ذهب إلى: «أنّه لا تجوز الجعالة على العمل المعلوم، وإنّما تصح على المجهول، لإمكان

ص: 303


1- تذكرة الفقهاء 2 : 285
2- تذكرة الفقهاء 2: 287
3- مسالك الأفهام 11 : 152

التوصل في المعلوم بالإجارة. وهو غير جيّد، لعدم المنافاة ولا استبعاد في التوصل بأمرين أو أمور (1).

وقد عرفت في الفصل الأوّل بعض الكلام حول كلامهم، وقد عرفت أنّ كلامهم تامّ من جهة وناقص من جهة، وقد صرت خبيراً بأهمية هذه العبارة في النظام الطولي، فلا نعيد ما قلنا مفصلاً فارجع إلى الفصل الأوّل مجدداً ثمّ تأمّل.

وحاصل ما قلنا هنا :هو الذهاب إلى أنّ هذا الوجه الذي ذهب إليه بعض الشافعية فاسد وصحيح:

أمّا فاسد بناءً على مبنانا من وجود السعة في الجعالة من الجهة، ولذلك تكون الجعالة المطلقة في طول الإجارة، فكلّ إجارة تكون جعالةً أيضاً فلا يمكن الذهاب إلى أنّ هذه إجارة لا جعالة.

أمّا صحيح ؛ فلأجل أنّ الإجارة كما عرفت هي حصة للجعالة، فبعد تحقق مفهومها لا يمكن الذهاب إلى عدم تحقق اسمها، ففي صورة العلم بالعمل والأجر أنّ المفهوم الحاصل هو المفهوم الذي سمّاه العرف باسم الإجارة، ولا يمكن الذهاب إلى أنّه جعالة لا ،إجارة، كما أصرّ عليه العلامة (2).

فقول الشافعية بأنّها إجارة لا جعالة وقول العلامة بأنّها جعالة لا ،إجارة، كلاهما غير تامّ والحق هو أنها إجارة وجعالة.

نعم ؛ يمكننا أن نقول: إن العقد الذي يتحقق بما هو بشرط الشيء بالنسبة إلى العلم فهي بالصدق الأولي إجارة وبالنظر إلى الرابطة الطولية جعالة.

ص: 304


1- تذكرة الفقهاء 2 : 287
2- أنظر تذكرة الفقهاء 2: 287

ولعلّ مقصود البعض هو أنّ هذا العقد الواقع من مصاديق الإجارة لا من مصاديق الجعالة التي في عرض الإجارة، يعني أنّ هذا العقد له اسم خاص وليس بلا اسم كي نطلق عليه اسم نوعه أو جنسه.

وبالجملة: إنّ الجعالة بعد ما تحقق في الخارج في حصة الإجارة فهي في الصدق الأوّلي إجارة، كما نقول : الجسم إن تحقق في الخارج مع خصوصيات الإنسانية فهو بالصدق الأولي إنسان.

هذا كلّه بناءً على شمول الجعالة للإجارة على نحو النظام الطولي. ومزيد البيان موكول إلى محلّه.

النكتة الثانية : قال العلّامة في القواعد في بيان العمل الذي يجوز تحقق الجعالة عليه: هو كلّ ما يصح الاستيجار عليه، وهو كلّ عمل مقصود محلّل وإن كان مجهولاً » (1) .

وقد توهم هذه العبارة أنّه كما يجوز الجهل في الجعالة يجوز في الإجارة أيضاً مع أنّه لا يلتزم بذلك، ولذا أشكل عليه في جامع المقاصد حيث قال: كلّ ما صح الاستيجار عليه صحت الجعالة عليه، ولا يشترط التطابق في الأوصاف، فتصح الجعالة على المجهول، لأنّها عقد جائز لا يمتنع فيه الغرر، لكن قوله : وإن كان مجهولاً مقتضاه صحة الاستيجار على العمل وإن كان مجهو الا، حيث إنّ ذلك وصلي للعمل المجعول عليه، وصريح عبارته أنّ المجعول عليه هو الذي يصح الاستيجار عليه. وأجيب عنه بأنّ المجهول تصح الإجارة عليه لا من حيث أنّه مجهول ويرد عليه أنّ الوصلي في العبارة مقتضاها استواء الإجارة والجعالة فيه على أيّ

ص: 305


1- قواعد الأحكام 2 216

تقدير كان. وربما أجيب بأنّ المراد الحكم بالتساوي في ذوات الأعمال خاصةً، لكن الوهم بحاله إذ ليس في العبارة ما يدلّ على اختصاص الجهالة بالجعالة» (1). انتهى كلامه.

ولا يناسبنا البحث في هذه الجهة لأنّ بحثنا هو في جواز الجهل في الجعالة وهذه العبارة لا تعارضه. أما كون الإجارة أيضاً وجدت فيها هذه السعة أم لا فمربوط بذاك الباب والكتاب وإن كان مهمّاً للباحث عن النظم الطولي التنبه إليه.

وإلى هنا عرفت أنّ الجعالة فيها سعة بالنسبة إلى الجهل أو العلم بالعمل.

الجهة الثانية : معلومية العامل :

المدّعى : إنّ الجعالة في نظر الفقهاء موسعة من حيث العلم بالعامل، بمعنى أنّه كما يجوز أن يكون عامل العمل معلوماً كذلك يمكن أن يكون مجهولاً.

ولأجل تبيين المطلب لا بأس بذكر إشارات:

الإشارة الأولى إلى : جملة من كلمات الأصحاب المصرّحة بهذه الجهة وكفانا ما يلي:

الأول : قال ابن سعيد الحلّي: «الجعالة: عقد جائز من الطرفين فهي أن يقول لشخص : إن جئت بعبدي الآبق أو فرسي أو بعيري وشبه ذلك فلك درهم أو دينار أو هذا الثوب أو ثوب موصوف في ملكه أو ذمّته». فإن جاء به غيره لم يجب له شيء. ويجوز أن

ص: 306


1- جامع المقاصد 6 192

يقول من جاء بعبدي فله ذلك»، فإن جاء به الواحد فله ذلك وإن جاء به جماعة فذلك بينهم (1)

وهذه العبارة صريحة في جواز كون العامل معلوماً خاصاً أو مجهولاً مبهماً، كما لا يخفى.

الثاني : : قال العلامة في التحرير: ولا يشترط تعيين العامل» (2).

الثالث : وقال في التذكرة : لا يشترط تعيين العامل، فيجوز أن يكون شخصاً معيناً أو جماعةً معيّنين مثل أن يقول : إن ردّ زيد عبدي فله كذا وإن ردّ زيد وعمرو وخالد فلهم كذا، ويجوز أن يكون مجهولاً، كقوله (3) : مَنْ ردّ عبدي من هؤلاء العشرة فله كذا، أو : مَنْ ردّ عبدي مطلقاً فله كذا لأنّ الغرض ردّ الأبق، ولا تعلّق للمالك بخصوصية الراد، فلم يكن شرطاً، ولأنّ ردّ الآبق وما في معناه قد لا يتمكّن منه معيّن ومَنْ يتمكّن منه ربما ] (4) لا يكون ،حاضراً، وربما لا يعرفه المالك، فإذا أطلق الاشتراط وشاع ذلك سارع مَنْ تمكّن منه إلى تحصيله فيحصل الغرض، فاقتضت مصلحة العقد احتمال التجهيل فيه» (5) .

الرابع: قال الشهيد في الدروس: ولا يشترط فيها أي) في الجعالة العلم، ولا تعيين المأذون مثل «من ردّ عبدي فله كذا» (6)

وقوله : لا تعيين المأذون صريح في المطلب، خصوصاً بعد ما

ص: 307


1- الجامع للشرائع : 326.
2- تحرير الأحكام 4: 441.
3- في المصدر: (كغيره).
4- ما بين المعقوفتين إضافة اقتضاها السياق.
5- تذكرة الفقهاء 2 286
6- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 97

عرفت من أنه عرّف الجعالة بأنّها صيغة دالة على الإذن في عمل بعوض» (1)

الخامس : وقال في اللمعة : ولا تفتقر إلى قبول ولا إلى مخاطبة شخص معيّن. فلو قال : من ردّ عبدي أو خاط ثوبي فله كذا صح» (2) ومن الواضح أنّ عدم الافتقار يكون بمعنى السعة فيها ؛ يعنى كما يجوز أن يكون المخاطب غير معلوم يجوز أن يكون معلوماً.

السادس: قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة: ولا فرق في صيغة المالك بين أن يقول : من ردّ عبدي، أو يقول: «إن ردّ إنسان عبدي، أو يقول : إن رددت عبدي»» (3).

السابع : ما قاله صاحب الجواهر بعد ذكر كلمات الأصحاب في صيغة الإيجاب وهذا نصه : إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على تحقيق صيغتها بكل لفظ من غير فرق بين من ردّ» و«إن رددتَ» وغيرهما (4) ومعلوم أن في قوله : (من ردّ يكون العامل مبهماً، وفي قوله : إن رددتَ يكون العامل معلوماً.

الثامن: قال السيّد في الوسيلة : ويفتقر إلى الإيجاب، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام وهو إمّا عام كما إذا قال: من ردّ عبدي أو دابتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي مثلاً فله كذا»، وإما خاص كما إذا قال لشخص : إن رددتَ عبدي أو دابتي مثلاً فلك كذا »» (5) .

التاسع : قال السيد الحكيم في منهاج الصالحين: «الجعالة من

ص: 308


1- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 97
2- اللمعة الدمشقية : 151.
3- مفتاح الكرامة 17: 860
4- جواهر الکلام 35 189
5- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 410.

الإيقاعات لا بد فيها من الإيجاب عاماً مثل : من رد عبدي الآبق أو بنى جداري فله كذا، وخاصاً مثل : إن خطت ثوبي فلك كذا»» (1).

العاشر : وقال سماحة الجدّ في تحرير الوسيلة: وتفتقر إلى الإيجاب، وهو كلّ لفظ أفاد ذلك الالتزام، وهو إما عام كما إذا قال: من ردّ دابتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي مثلاً فله كذا وإمّا خاص كما إذا قال لشخص : إن رددتَ دابتي مثلا فلك كذا »» (2).

وهذه جملة من التصريحات بسعة الجعالة من هذه الناحية والذي يرجع إلى عباراتهم يجدهم مطبقين على وجود هذه السعة. وهذا واضح حتى في عبارات من لم يصرّح بهذه السعة.

الإشارة الثانية إلى : ما يوهم عدم وجود السعة في الجعالة من هذه الجهة

إنّ المراجع إلى كلمات الأصحاب يجد أن جواز الإبهام في الجعالة ممّا لا يمكن الخدشة فيه وهذا ممّا أجمع عليه الأصحاب ولكن من المحتمل أن يتوهم عدم السعة فيها من جهة العلم بالعامل يعنى من الممكن أن يتوهّم أنّ الجعالة لا بد وأن يكون العامل فيها مبهماً، ولا تتحقق الجعالة إلا في صورة مجهولية العامل، وقد نسب ذلك إلى الفقهاء في «ما وراء الفقه» وقال: «إنّ الفقهاء خصوا هذا اللفظ (أي (الجعالة واصطلحوا به على تلك المعاملة التي لا يكون فيها طرف معيّن أو مخاطب خاص. كقوله : «من خاط ثوبي فله كذا»، ومن ردّ عبدي الآبق فله كذا، ومن زرع أرضي فله كذا» (3).

ص: 309


1- منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم 2 151.
2- تحرير الوسيلة 1 586
3- ما وراء الفقه 4 353352

وأنت بعد ما نظرت إلى العبارات التي نقلتُ لك خبير بأنّ هذا الكلام غير صحيح، ونسبة الاختصاص إلى الفقهاء لا يمكن أبداً، بعد تصريحاتهم بذلك، وهذا واضح من عباراتهم من الصدر الأوّل إلى زماننا الحاضر، ولا بأس هنا بالإشارة إلى كلام الشيخ الطوسي أيضاً حيث قال في مبسوطه في جملة أحكام الجعالة ما هذا نصه: «إن قال لواحد : إن جئتني بعبدي فلك دينار فجاء به هو وغيره فإنّ هذا الذي عينه يستحق نصف الدينار ولا يستحق للآخر شيئاً، لأنه تطوّع به (1) .

ولعلّ هذا المحقق نظر إلى صدر بعض العبارات كالشرائع حيث قال: «أما الإيجاب فهو أن يقول من ردّ عبدي أو ضالّتي أو فعل كذا فله كذا (2) والقواعد حيث قال: «الصيغة كقوله: «من ردّ عبدي أو فعل كذا أو ما أشبهه من اللفظ الدال على العمل - فله کذا » (3) و مجمع الفائدة حيث قال : وصيغتها كلّ لفظ دالّ على الإذن ومجمع في العمل بعوض، مثل من ردّ عبدي فله كذا (4) وغفل عن ذيل كلماتهم.

فالمحقق وإن قال في صدر الشرائع ما يوهم انحصار الجعالة فيما إذا أبهم العامل، ولكن قال في ذيلها ما هذا نصه: ولو عيّن الجعالة لواحد فردّ غيره كان عمله ضائعاً (5) فيعلم منه أنّ الجعالة غير » مختصة بصورة عموم العامل في نظره.

وكذلك العلامة، وإن ذكر في تعيين صيغة الإيجاب التي يكون

ص: 310


1- المبسوط 3 334
2- شرائع الإسلام :3 706
3- قواعد الأحكام 2 215
4- مجمع الفائدة .10: 145
5- شرائع الإسلام 3 706

العامل فيها مبهماً، ولكن صرّح في ذيل كلماته بجواز تعيين العامل (1) ، كما أسلفنا.

كذلك حال مجمع الفائدة، فإنّه وإن ذكر في صفحة 145 الصيغ المنحصرة بصورة إبهام العامل، ولكن قال: «إذا أمر صبيّاً مثلاً بردّ عبده بعوض، فردّ الظاهر أنّه يلزمه العوض» (2). وهذا صريح في جواز كون العامل معيناً.

وبالجملة ؛ لا شك في أنّ نسبة هذه السعة إلى الأصحاب ممّا لا ريب فيه فدعوى الإجماع المحصل فيه ليس ببعيد.

نعم ؛ ذهب في جامع المقاصد إلى أنّ الأصل والغالب جهالة العامل، لأنّ المطلوب في الجعالة تعيين عوض على عمل (3). وهذا لا ينافي ما نحن بصدده وإن كان فيه تأمّل أيضاً خصوصاً بعدما عرفت من أنّ الجعالة هي العنوان العامّ الشامل لعدة أضرب، ولكن في بعض أضربها كالإجارة بناءً على كونها تحت الجعالة فلا شكّ في لزوم تعيين العامل كما أطبق عليه الفقهاء.

لا يقال : كيف تذهبون إلى أنّ الإجارة تكون تحت الجعالة أنّ الجعالة لا بشرط من حيث تعيين العامل والإجارة مشروط

فإنّا نقول : إن قضية النظام الطولي تكون هكذا ولابد أن يكون ما وقع في فوق العقود الأخرى لها جهات سعة بالنسبة إليها، كما بيّنا لك عند تبيين النظام الطولي.

ص: 311


1- أنظر قواعد الأحكام 2 215
2- مجمع الفائدة 10 152.
3- أنظر جامع المقاصد 6: 192.

الإشارة الثالثة : عدم تلائم هذه الجهة مع عقدية الجعالة

قد عرفت فيما أسلفنا في الفصل الأوّل أنّه اختلف الفقهاء في عقدية الجعالة أو إيقاعيتها، وستعرف سعتها من هذه الجهة أيضاً، ولكنّ الذي يهمّ الإشارة إليه هنا أنّ الظاهر أنّ وجود السعة للجعالة من حيث معلومية العامل ربما لا يلائم عقديتها، لأنّ العقد كما تعلم منوط بإعمال السلطنتين وبعد الذهاب إلى عدم لزوم معلومية طرف وإلى تحقق الجعالة ولو في صورة عدم معلومية العامل فيشكل أمر عقدية الجعالة. وليكن هذا في ذهنك حتّى نصل إلى الجهة التي نبحث فيها عن سعة الجعالة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية فانتظر.

الإشارة الرابعة : الأدلة الدالة على هذه الجهة :

إنّه يمكن التمسك بأدلّة لإثبات وجود هذه السعة في الجعالة :

منها الإجماع؛ وقد عرفت قرب دعوى الإجماع المحصل في هذه الجهة من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا.

ومنها : التمسّك بإطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة الدالة على نفي البأس عن جُعل الآبق والضالة (1) ، فهي بإطلاقها تشمل ما إذا كان المجعول له مبهماً أو مشخّصاً.

ومنها : النظر التركيبي إلى آية (وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ) (2) الدالة على جواز الإبهام في العامل وإلى ما ذكره صاحب الجواهر من جملة ما تدلّ على شرعية الجعالة، مثل ما نقله من أنه سئل الباقر

ص: 312


1- انظر وسائل الشيعة 23 29164/8786
2- يوسف (12) 72

عليه السلام عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً فقال: لا بأس، وعن الرجل يرشو الرشوة على أن يتحوّل من منزله فيسكنه، فقال : لا بأس به وخبر عبد الله بن سنان قال : سمعت أبي سأل أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع فقال : ربما أمرنا الرجل فيشتري لنا الأرض والغلام والدار والجارية فنجعل له جعلاً، قال: لا بأس (1) ثمّ قال صاحب الجواهر : إلى غير ذلك ممّا يمرّ عليك بل وما مرّ في الإجارة ممّا هو منزّل على الجعالة» (2). وحاصلها هو أنّ الروايات الدالّة على شرعية الإجارة منزّل على باب الجعالة أيضا.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر استفاد منها لإثبات شرعية الجعالة، ولكنا استفدنا منها لإثبات جواز كون العامل خاصاً، ولا شكّ مثل هذه الاستفادة أهون ممّا استفاد صاحب الجواهر منها ، كما لا يخفى

بل يمكننا استفادة هذا الجواز ممّا رواه صاحب الوسائل في ذيل كتاب الجعالة ممّا هو بباب الإجارة أشبه مثل ما رواه ذيل باب) حكم ما يجعل للحجام والنائحة والماشطة والخافضة والمغنّية ومن وجد اللقطة» (3) أو ذيل باب حكم من يتقبل بالعمل ثمّ يقبله من غيره وجملة من أحكام الجعالة » (4) أو ذيل باب أنّه لا بأس بجعل الدلال أو السمسار» (5) أو ذيل باب جواز الجعالة على تعليم العمل وعلى الشركة » (6) فلا ريب في أنّ الطرف في العقد في هذه الأبواب

ص: 313


1- جواهر الكلام :35 188
2- جواهر الكلام 35 188
3- وسائل الشيعة 23 190
4- وسائل الشيعة 23 : 191
5- وسائل الشيعة 23 : 191
6- وسائل الشيعة 23 : 193

معلوم، ومع ذلك جعله صاحب الوسائل في ذيل أبواب الجعالة.

ثم اعلم أنّه ربما يمكن أن يستشكل على صاحب الوسائل من جهة جعل هذه الأبواب في كتاب الجعالة، لأنّ الظاهر منها تحقق الإجارة، ولكنّا في غنى عن هذه الأبحاث بعد ما جعلنا الجعالة أوسع من الإجارة وفي رتبة فوقانية من الإجارة كما ذكرنا ما يدل عليه في الفصل الأوّل والثاني (1).

ومنها ما ذكره في مستدرك الوسائل عن دعائم الإسلام عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: من أتي بآبقٍ فطلب الجعل فليس له شيء إلا أن يكون جعل له (2) فيمكن الاستفادة من قوله : «له» لإثبات جواز كون المجعول له معلوماً ولا أقل من استفادة ذلك من إطلاقه.

ومنها ما قاله العلامة في التذكرة من أنّه : «لا يشترط تعيين العامل، فيجوز أن يكون شخصاً معيناً أو جماعة معيّنين، مثل أن يقول : إن ردّ زيد عبدي فله كذا وإن ردّ زيد وعمرو وخالد فلهم كذا، ويجوز أن يكون مجهولاً ، كقوله (3) : مَنْ ردّ عبدي من هؤلاء العشرة فله كذا أو : مَنْ ردّ عبدي مطلقاً فله كذا ؛ لأنّ الغرض ردّ الآبق، ولا تعلّق للمالك بخصوصية الراد، فلم يكن شرطاً، ولأنّ ردّ الآبق وما في معناه قد لا يتمكّن منه معيّن ومَنْ يتمكّن منه [ ربما ] (4) لا يكون حاضراً، وربما لا يعرفه المالك، فإذا أطلق الاشتراط وشاع ذلك سارع مَنْ تمكّن منه إلى تحصيله فيحصل الغرض، فاقتضت مصلحة العقد احتمال التجهيل فيه (5) . وهذا هو الدليل على جواز الإبهام.

ص: 314


1- تقدم في الصفحة 219-296 .
2- مستدرك الوسائل 15: 18912/177
3- في المصدر: (كغيره).
4- ما بين المعقوفتين إضافة اقتضاها السياق.
5- تذكرة الفقهاء 2 286

ويمكن التمسّك بجواز التعيين بطريق الأولوية، كما صدر من الشهيد الثاني في المسألة السابقة تبعاً للعلامة في القواعد ؛ فإنّه استدلّ على جواز معلومية العمل في الجعالة بطريق الأولوية بعد إثبات جواز مجهوليتها ، فتأمل (1). مع أنّه يمكن أن يقال إن الإشكال هو في ناحية جهل العامل وقد عرفت تصريح الكريمة بجوازها، أما صورة العلم بالعامل فلا ريب في صحتها، فتدبّر.

وعلى كل حال مسألة جواز الإبهام والتعيين بالنسبة إلى العامل ممّا لا إشكال فيه، وإن يمكن الخدشة في بعض الأدلة.

الجهة الثالثة : معلومية المدّة

المدعى : أن في الجعالة سعةً من حيث المدة، فيجوز فيها تعيين المدة، وكذلك يجوز فيها عدم تعيين المدّة، فكما يجوز أن يقول: من ردّ عبدي فله كذا يجوز أن يقول : من ردّ عبدي في هذا الشهر فله كذا وإلا فلا.

ولتبيين المرام لا بأس بالإشارة إلى ما يلي:

الإشارة الأولى إلى : كلمات الأصحاب الدالة على وجود هذه السعة الجعالة

وكفانا النظر إلى كلام من صرّح بوجود هذه الجهة في الجعالة :

الأوّل : قال الشيخ الطوسي في المبسوط في كتاب اللقطة: «من ضاع له ضالة أو سلعة أو متاع يجوز له أن يجعل له جعلاً لمن جاء ،به وهكذا إن قال: من يبني داري هذه فله كذا، أو يقول: «من

ص: 315


1- أنظر مسالك الأفهام 11: 152.

يخيط ثوبي هذا فله كذا فإنّه جائز لقوله تعالى وَلِمَنْ جاءَ به حِمْلُ بَعِيرٍ وأَنَا به زَعِيمٌ) (1) فإذا ثبت هذا فإنّه يجوز أن يكون العمل منه مجهولاً والمدة مجهولة (2).

الثاني : : قال المحقق الكيدري في الإصباح: الجعالة من العقود الجائزة فيجوز أن يكون العمل والمدّة مجهولين (3).

ومن الواضح أن جواز الجهل في المدة يعنى أنه كما يجوز عدم تعيين المدّة يجوز تعيين المدة كذلك.

الثالث : قال العلامة في التحرير : ولو قرن الجعالة بمدة صح مثل : من ردّ عبدي اليوم فله كذا، أو من بنى هذا الحائط في شهر فله كذا، بخلاف الإجارة)» (4).

الرابع : وقال في التذكرة في وجه مشروعية الجعالة: «ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك، فإنّ العمل قد يكون مجهولاً، كردّ الأبق والضالة ونحو ذلك، فلا يمكن عقد الإجارة فيه والحاجة داعية إلى ردّهم، وقلّ أن يوجد متبرّع به فدعت الضرورة إلى إباحة بذل الجُعل فيه مع جهالة العمل، لأنّها غير لازمةٍ بخلاف الإجارة، فإنّ الإجارة لمّا كانت لازمةً افتقرت إلى تقدير مدّةٍ معيّنةٍ مضبوطةٍ لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان وأمّا العقود -الجائزة كالشركة والوكالة فلا يجب لها ضرب المدّة، ولأنّ كلّ عقد جائز يتمكّن كل من المتعاقدين فيه فسخه وتركه» (5).

ص: 316


1- يوسف (12) 72
2- المبسوط 3 332
3- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة 329
4- تحرير الأحكام 4 444 :
5- تذكرة الفقهاء 2 : 285-286

الخامس: وقال في التذكرة: ولو قيّد المعلوم بالمدة المعلومة، فقال: مَنْ ردّ عبدي الآبق من البصرة في الشهر فله كذا»، فالأقرب الجواز» (1). فالمستفاد منه هو أنّ معلومية العوض في صورة معلومية العمل فيه إشكال، ولكنّ الأقرب فيه الجواز، وسيأتي تفصيل ذلك فيما يأتي.

السادس : قال الشهيد في الدروس: ويجوز الجمع في الجعالة المدّة ،والعمل، مثل: «من ردّ عبدي من مصر في شهر (2) والمستفاد منه بوضوح جواز تعيين المدّة مطلقاً، إذ كما عرفت وستعرف أنّ الإشكال إنّما في صورة تعيين العمل والمدّة فبعد ذهابه إلى جواز الجمع بينهما فالحكم بذهابه إلى تعيين المدة منفردة واضح جداً.

السابع : قال السيد الروحاني في فقه الصادق : لو قيّد كلّ منهما بزمان أو مكان غير ما قيّد الأخرى به كما لو قال: «من ردّ ضالّتي إلى آخر هذا الأسبوع فله كذا ثمّ قال: من ردّها إلى آخر الشهر فله نصف ذلك الجعل تبقى الجعالتان على حالهما، وله الجعل المسمّى على كل من التقديرين) (3).

وبالجملة إنّ المتتبع في كتب الفقهاء يكشف أنّ التصريح بجواز التوقيت في الجعالة وإن كان غير دارج في كتبهم إلا أنّه لا يوجد مخالف في البين.

بل تجد الحنابلة صرّحوا بهذه السعة في تعريف الجعالة حيث

ص: 317


1- تذكرة الفقهاء 2 : 287
2- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 98
3- فقه الصادق (علیه السلام) 19 : 226

عرّفها الحنابلة : بأنّها تسمية مالٍ معلوم لمن يعمل للجاعل عملاً مباحاً ولو كان مجهولاً أو لمن يعمل له مدّة ولو كانت مجهولة» (1).

الإشارة الثانية إلى : ما يوهم عدم وجود السعة في الجعالة من هذه الجهة

ونشير إلى عبارتين :

الأولى : قال الفاضل المقداد في التنقيح في كتاب المضاربة : إذا دفع الإنسان إلى غيره مالاً ليعمل فيه بالاسترباح: فإما أن يشترط الربح فيه للمدفوع إليه فذاك قرض في المعنى ويكون المال مضموناً على القابض، أو يشترط الربح لنفسه خاصةً دون العامل فذاك بضاعة، فإن قال مع ذلك ولا أجرة لك فهو توكيل في الاسترباح من غير رجوع عليه بأجره وإن قال و لك أجرة كذا فان عيّن عملاً مضبوطاً بالمدّة أو العمل فذاك إجارة وإن لم يعيّن فجعالة) (2).

ولعلّ الظاهر منه أنّ الفرق بين الجعالة والإجارة هو في تعيين المدّة أو العمل يعنى أنّ الجاعل إن عيّن المدّة أو العمل فهي إجارة وإن لم يعيّن فهي جعالة.

فالمستفاد منه هو : أنّ الجعالة يشترط فيها عدم تعيين المدّة أو العمل، مع عرفت أنّ صريح القوم جواز تعيين العمل والمدّة في الجعالة، وقد نقلنا عباراتهم الصريحة في كون الجعالة موسعةً من هاتين الجهتين يعنى كما يمكن جهلهما فيها يجوز العلم بهما كذلك.

وكلامه خال من استدلال على هذا التحديد، ومن المحتمل أنّه

ص: 318


1- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 208
2- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2 213-214

أراد بذلك اشتراط التعيين ؛ يعني أنّه في الإجارة يشترط تعيين المدّة أو العمل، ولكن الجعالة لا يكون مشروطاً بالتعيين، وهذا ملائم لكلمات الأصحاب وإن كان مغايراً لظاهر كلامه.

وعلى كل حال بعد النظر إلى أن بحثه هو في كتاب المضاربة وليس شروط الإجارة أو الجعالة محط نظره لا يمكنني نسبة مخالفة القوم إليه، فتدبّر. ولم أجد في التنقيح ما يرتبط بهذا المقام كي يكون متكاً لنا أو علينا، فراجع إن شئت.

الثانية ما في الموسوعة الكويتية منتسباً إلى الشافعية وغيرها من المذاهب المجيزة للجعالة : أنّه يشترط في الجعالة عدم التأقيت لمدة العمل» (1). وهذا ما لا يلائم مع كلمات أصحابنا كما عرفت، ولا يدلّ عليه دليل بل لا يلائم مع م نسب إلى الحنابلة في نفس المنبع من ذهابهم إلى: «أنّه يصح في الجعالة الجمع بين تقدير المدّة والعمل، بخلاف الإجارة (2). وسيأتي في الإشارة الرابعة ما يغنيك إن شاء الله.

الإشارة الثالثة إلى : الفرق بين جهل المدّة وجهل العمل في كلام الأصحاب

ثم لا يخفى عليك أن هناك فرقاً بين ذهاب الأصحاب إلى جواز الجهل في المدّة ما أسلفنا من جواز الجهل في العمل. فالظاهر من عباراتهم كما أسلفنا- هو أنّ مرادهم من جهل العمل هو الجهل في الجملة، بمعنى أنّه إذا قيل له : إذا جئت بعبدي فلك كذا فإنّه عالم بأنّ الفعل هو مجيء العبد، ولكن لا يعلم أنّه في أي بلد وأنّه أيّ

ص: 319


1- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 210
2- الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 210

أفعال لابد له أن يعمله بالضبط. وهذا بخلاف المدّة، فإنّ الجهل بالمدّة بالمرّة جائز. وعلى كل حال يمكنك أن تقول : يجوز في الجعالة وجود الجهل من ناحية العمل في الجملة ومن ناحية العامل والمدة بالجملة.

نعم ؛ يمكننا الذهاب إلى جواز الجهل بالعمل على نحو مطلق في صورتين :

الأولى : فيما إذا : فيما إذا عيّن المدّة فمثلاً إذا قال: من عمل لي في هذا اليوم بما آمره فله كذا».

الثانية: إذا قال: «من عمل لي ما آمره فله كذا من دون تعيين أيّ ،عمل وهذا يمكن تصويره فيما إذا ورد شخص في سوق ولا يكون مورداً لوثوق الكسبة، وإنّما أراد أن يعمل له شخص بأي عمل شاء لأن يدخل في جملة أفراد السوق فإنّ نظره الأصلي يكون إلى عمل شخص له لا إلى كيفيته أو كميته. ويمكن تصويره أكثر عقلائية في هذا الزمان، فمثلاً لو قام مستكبر بتحريم شخص في السوق ويمنع الآخرين للعمل له، ففي هذه الصورة ليست كيفية العمل لذاك الشخص مهمّة وإنّما المهمّ له أن يعمل له شخص بأي عمل شاء رغماً لأنف المستكبر ولذا من الممكن أن يقول : من عمل لي في هذا اليوم عملاً فله أجرة مثل عمله».

وعلى كل حال لسنا الآن بصدد إثبات هاتين الصورتين، وإنّما المراد الإشارة إلى إمكان سعة الجعالة من حيث جهالة العمل على نحو مطلق بعد شمول المطلقات لها، فتدبّر.

الإشارة الرابعة عويصة الجمع بين المدة والعمل

قد عرفت من بعض العبارات السابقة أنّه يجوز في الجعالة

ص: 320

الجمع بين المدة والعمل بخلاف الإجارة، وقد مرّ فيما أسلفنا في الفصل الأوّل الإشارة إلى كلام الشيخ الطوسي وغيره من العامة والشيعة حيث أشكلوا في تعيين المدّة والعمل في الإجارة ولابأس بتجميع البحث في هذا المجال بطي أقدام

القدم الأوّل: كلام الشيخ الطوسي في بيان وجه عدم جواز الجمع بين المدّة والعمل في الإجارة:

قال في المبسوط في كتاب الإجارة: الإجارة على ضربين: أحدهما ما يكون المدّة معلومة والعمل مجهولاً، والثاني : ما يكون المدّة مجهولةً والعمل معلوماً. فما يكون المدّة معلومةٌ والعمل مجهولاً، مثل أن يقول : آجرتك شهرا لتبني أو تخيط»، فهذه مدّة ،معلومة والعمل ،مجهول، وما يكون المدّة مجهولة والعمل معلوماً فهو أن يقول : آجرتك لتخيط ثوبي أو تبني هذه الدار فالمدة مجهولة والعمل معلوم.

فأمّا إذا كانت المدّة معلومة والعمل معلوماً فلا يصح، لأنّه إذا قال: استأجرتك اليوم لتخيط قميصي هذا»، كانت الإجارة باطلة، لأنه ربما يخيط قبل مضي النهار فيبقى بعض المدّة بلا عمل وربما لا يفرغ منه بيوم ويحتاج إلى مدة أخرى ويحصل العمل بلا مدّة» (1). انتهى كلامه

القدم الثاني : تصريح بعض المحققين بجواز ذلك في الجعالة بخلاف الإجارة ؛ كالعلامة في التذكرة (2) ، والشهيد في الدروس (3) وقد سبقت عبارتهما كصاحب الجواهر حيث قال: وكيف كان

ص: 321


1- المبسوط 3 : 221
2- أنظر تذكرة الفقهاء 2: 287
3- أنظر الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 98

فيجوز الجمع في الجعالة بين المدّة ،والعمل مثل: «من ردّ عبدي من ، مصر في شهر فله كذا لإطلاق الأدلة وإن لم نقل بجوازه في الإجارة، كما صرّح به هنا في الدروس (1) . وقد عرفت من الحنابلة أيضاً الذهاب إلى الجواز في الجعالة (2).

القدم الثالث : كلام الشهيد في اللمعة في كتاب الإجارة ولو جمع بين المدّة والعمل فالأقرب البطلان إن قصد التطبيق» (3). ومثله عبارة الفقعاني في الدرّ المنضود (4) .

القدم الرابع كلام الشهيد الثاني في توضيح كلام الشهيد ؛ قال في الروضة: «ولو جمع بين المدة والعمل كخياطة الثوب في هذا اليوم فالأقرب البطلان إن قصد التطبيق بين العمل والزمان بحيث يبتدئ بابتدائه وينتهي بانتهائه، لأن ذلك ممّا لا يتفق غالباً، بل يمكن انتهاء الزمان قبل إنهاء العمل ،وبالعكس فإن أمر بالإكمال في الأوّل لزم العمل في غير المدة المشروطة، وإلا كان تاركاً للعمل الذي وقع عليه العقد، وإن أمر في الثاني بالعمل إلى أن تنتهي المدّة لزم الزيادة على ما وقع عليه العقد، وإن لم يعمل كان تاركاً للعمل في المدّة المشروطة. ولو قصد مجرّد وقوع الفعل في ذلك الزمان صح مع إمكان وقوعه فيه، ثمّ إن وقع فيه ملك الأجرة، لحصول الغرض، وإن خرجت المدّة ،قبله فإن كان قبل الشروع فيه بطلت، وإن خرجت في أثنائه استحق المسمّى لما فعل وفي بطلانها في الباقي أو تخيير المستأجر بين الفسخ في الباقي أو الإجازة فيكمل خارجه ويستحق

ص: 322


1- جواهر الكلام 35 196
2- أنظر الموسوعة الفقهية الكويتية 15 : 208
3- اللمعة الدمشقية : 141
4- أنظر الدر المنضود في معرفة صيغ النيات والإيقاعات والعقود: 158.

المسمّى وجهان. وقيل : يستحق مع الفسخ أجرة مثل ما عمل لا .المسمى والأوسط أجوده (1).

القدم الخامس : إشارة إلى أنّه ليس البحث حول هذه المسألة مقصودنا : اعلم أنّ البحث عن هذه المسألة وأنه هل يجوز الجمع في الإجارة أم لا يجوز أو يجوز مقيّداً ليس محط نظرنا كما لا يخفى وإنّما لابد لنا من النظر إلى الجعالة وأنّه هل يجوز في الجعالة الجمع المدّة والعمل أم لا؟ فنقول :

القدم السادس : وجه جواز الجمع في الجعالة : أنّه من المحتمل أن نقول : إنّ دليل عدم جواز الجمع في الإجارة هو ما عرفت من الشيخ (2) والشهيد الثاني (3) من بقاء الأجير بدون العمل أو العمل بدون الأمد، وهذا في الإجارة مع كونها عقداً لازماً يوجب إشكالاً. وأمّا في الجعالة فلا يعد إشكالاً، إذ لو فرض طلب مطابقة الوقت والعمل على نحو الانطباق كان ذلك من أوّل الامر معلوماً عليهما والعامل بوروده في العمل قبل ذلك وفي كل وقت إذا أراد الخروج من موقع الالتزام فهو في سعة من هذه الجهة لجواز الجعالة بخلاف الإجارة، فلا إشكال في الجعالة من هذه الجهة.

وظنّي: أنّ وجه ذهاب الفقهاء إلى جواز الجمع في الجعالة بخلاف الإجارة إنّما يرجع إلى جواز الجعالة ولزوم الإجارة، كما يظهر ذلك من استدلال المحقق الكركي حيث قال: «لما كانت الإجارة لازمة لم يصح تقدير المنفعة بالعمل والزمان معاً، لأنّ اتفاقهما نادر فيخلّ بلزوم العقد، ولأنّ تطبيق العمل على الزمان غير

ص: 323


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 341-343.
2- أنظر المبسوط 3 221
3- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 341-343.

معلوم التحقق، فيكون اشتراطه اشتراطاً لما لا يوثق بالقدرة عليه، فلم يصح . أمّا الجعالة فإنّها جائزة، فإذا لم يتفق انطباق العمل على الزمان لم يخرج العقد عن مقتضاه. وفرق أيضاً بأنّ التقدير بالأمرين معاً يقتضي عدم الوثوق بحصول العوض، وهو مغتفر في الجعالة دون الإجارة (1).

أضف إلى ذلك أنّ الالتزام بهذا الحكم في الإجارة أيضاً محلّ تأمّل خصوصاً بعد ما نعلم من أن تعيين الوقت في العرف لا يكون على وجه الانطباق بل يكون مثل تعيين الوقت للدين، فمن الواضح أنّ إعطاء الدين قبل الأجل مطلوب، فتدبّر جيّداً.

وعلى كل حال مع عدم وجود الخلاف في الجعالة في جواز الجمع بين المدّة والعمل فلا وجه لتفصيل البحث هنا، كما أشرنا.

الإشارة الخامسة إلى ما يدلّ على وجود هذه السعة في الجعالة :

أنّه قد استدلّ صاحب الجواهر لأجل إثبات هذه السعة بإطلاق الادلة حيث قال: وكيف كان فيجوز الجمع في الجعالة بين المدّة والعمل، مثل من ردّ عبدي من مصر في شهر فله كذا لإطلاق الأدلة (2)».

وهذه الاستفادة إن تمّت في مسألة الجمع بين المدة والعمل فاستفادته لما نحن بصدده أسهل، كما لا يخفى.

ولذلك يمكننا التمسك بإطلاق صحيحة عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيه أبِي الْحَسَنِ ع قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ والضَّالَّةِ قَالَ: لَا بَأْسَ

ص: 324


1- جامع المقاصد 6: 191
2- جواهر الکلام 35 196

به (1). فكما يجوز تعيين الجعل على نحو المطلق يجوز تعيينه مقيّداً بزمان ومدة.

وكذا يمكننا أن نقول : إنّه كما أثبت الفقهاء أصل مشروعية الجعالة بالنظر إلى اقتضاء الحاجة إليها وكما أثبتوا جواز الجهل في العامل والعمل بالتمسّك إلى هذا الاقتضاء، فيمكننا استفادة هذه السعة في الجعالة بالتمسّك إلى هذا الاقتضاء، فأنّه كما تقتضي الحاجة في بعض الأحيان عدم التأقيت فكذلك ربما تقتضى التأقيت كما لا يخفى

أضف إلى جميع ذلك ما عرفت من عدم الخلاف بين الأصحاب في هذه الجهة فالمسألة واضحة غير محتاجة إلى بسط النظر، خصوصاً بعد جريان العمومات والإطلاقات في المقام من دون وجود معارض.

الجهة الرابعة : معلومية العوض

والمرجوّ تجميع البحث عن هذه الجهة في ضمن إشارات:

الإشارة الأولى إلى: الأقوال في المسألة

إنّ المتتبع في كلمات الأصحاب وجد ثلاثة أقوال في المقام ننقل كلّ واحد منها بذكر بعض كلماتهم :

القول الأوّل : لزوم تعيين العوض بالضبط، وهو المشهور بین الأصحاب قبل العلّامة كما صرّح به في المبسوط (2)

ص: 325


1- الكافي :6 9/2018 وسائل الشيعة 23 6- 29164/87
2- أنظر المبسوط 3 332.

والوسيلة (1) ، والإصباح (2) ، ويمكن نسبته إلى الشرائع (3)، والإرشاد (4). وسيأتي وجه الترديد في نسبة هذا القول إليهما وإلى غيرهما، فاصبر.

القول الثاني: كفاية تعيين العوض ولو بنحو النسبة من الضالة المجهول ،قدرها، وهو ما حسّنه العلّامة في التحرير والقواعد، وجعله الأقوى في التذكرة، وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه.

فقال في التحرير : أمّا العوض فلا بد وأن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد إن كان من أحدها ولو كان مجهولاً مثل : من ردّ عبدي فله شيء أو ثوب أو عبد ، ثبت بالردّ أجرة المثل، ولو قيل بجواز الجعل المجهول إذا لم يمنع الجهالة التسليم ، مثل من ردّ عبدي فله نصفه»، ومن ردّ ضالّتي فله ثلثها، كان حسناً » (5). وقال في التذكرة: «ولو قال: «مَنْ ردّ عبدي فله نصفه أو ربعه، فالأقوى الجواز » (6) .

وممّن تبعه على ذلك يمكن الإشارة إلى فخر المحققين (7) ، وشمس الدين الحلّي (8) ، والمحقق الكركي (9) والشهيد الثاني (10) والسيّد المجاهد (11) ، وصاحب الجواهر على احتمال (12) ، و...

ص: 326


1- أنظر الوسيلة : 272.
2- أنظر إصباح الشيعة : 329
3- أنظر شرائع الإسلام 3 706
4- أنظر إرشاد الأذهان 1: 430
5- تحرير الأحكام 4 : 441
6- تذكرة الفقهاء 2 : 287
7- أنظر إيضاح الفوائد 2: 163.
8- أنظر معالم الدين في فقه آل ياسين 1: 504.
9- أنظر جامع المقاصد 6: 193.
10- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 441.
11- أنظر المناهل : 612.
12- أنظر جواهر الكلام 35: 195.

القول الثالث : عدم لزوم تعيين العوض مطلقاً، فهو المستفاد عدّة كلمات لعلّ الأكثر تصريحاً منها ما قاله الشهيدان والكركي.

فقال الشهيد الأوّل في اللمعة: «فلو قال : «من ردّ عبدي أو خاط ثوبي فله كذا صح أو فله مال أو شيء»، صح إذ العلم بالعوض غير شرط في تحقق الجعالة وإنّما هو في تشخصه ،وتعيّنه فإن أراد ذلك فليذكر جنسه وقدره وإلا ثبت بالردّ أجرة المثل (1) . وللشهيد الثاني مثل هذه العبارة في حاشيته على الإرشاد (2) وإن كان له في الروضة (3) كلمات مشعرة بالتأمل في هذا المعنى.

وأما المحقق الكركي : فقد عرفت أنّه قال في تعريف الجعالة: الجعالة : عقد جائز من الطرفين ثمرته استحقاق المال المجعول أو المقدّر شرعاً أو عرفاً في مقابل عمل مقصود محلّل، ولا بدّ من صيغة، ويكفي في إيجابها ما دل على العمل المخصوص بعوض، مثل: من ردّ ،عبدي، أو دخل داري، أو بنى جداري، أو من ردّ عبدي من بلد كذا وفي يوم كذا فله كذا، أو فله عوض (4). فالمستفاد أنّه إذا قال شخص من ردّ عبدي فله عوض فتتحقق الجعالة، ويثبت بالرد المقدّر العرفي، وقد سبق تفصيل البحث حوله في الفصل الأوّل (5)

ولذلك : يمكن نسبة الذهاب إلى هذا القول إلى الشيخ الأعظم الأنصاري أيضاً، لأنّه في رسالته المسماة ب- «صيغ العقود

ص: 327


1- اللمعة الدمشقية : 151.
2- أنظر موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد (الأذهان 16: 217
3- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 440
4- رسائل الكركي 1 194
5- تقدم في الصفحة 241-219.

والإيقاعات» (1) عرّف الجعالة بمثل تعريف المحقق الكركي، فيلزمه ما صرّح به الكركي.

وإن شئت فاجعل عبارة العلّامة في كتاب الإجارة من التذكرة أيضاً تأييداً لهذا القول، حيث قال : ولو قال: «من حجّ عنّي فله عبد أو دينار أو عشرة دراهم إن كان عقد إجارة بطل، لجهالة العوض، وإن كان جعالة صح، ويتخيّر المستأجر في دفع أيها شاء» (2). فلعلّ العبارة ظاهرة في جواز الجهل في الجعالة لا الجهل المقيّد بكونه مردّداً بين ،أفراد فتكون هذه المسألة من مصاديق الجهل الجائز في الجعالة، فتدبّر.

نعم ؛ للعلّامة في كتاب الغصب وتوابعه» عبارة صريحة في اعتبار العلم بالعوض وعدم جواز الجهل مطلقاً، حيث قال : ولو قال له : اعمل ولك نصف الخارج بطل لجهالة العوض إجارة وجعالة، فالحاصل للمالك وعليه الأجرة» (3).

بل يمكنك الرجوع إلى كلام الفيض الكاشاني حيث قال: «مبنى الجعالة على الجهالة في العمل والجعل » (4) وإن كان ظاهر مرامه في كتاب الجعالة ملائم للقول الثاني (5)

الإشارة الثانية إلى : عويصة الرجوع إلى أجرة المثل

وممّا يؤثر كثيراً في فهم مراد الأصحاب هو النظر إلى مسألة

ص: 328


1- انظر صيغ العقود والإيقاعات : 105.
2- تذكرة الفقهاء 1 : 317
3- قواعد الأحكام 2 273
4- مفاتيح الشرائع 3: 109
5- أنظر مفاتيح الشرائع 3: 116.

الرجوع إلى أجرة المثل، ففي كثير من عبارات الفقهاء ترى التصريح بأنّه لو لم يعيّن الجاعل العوض فلو فعله شخص استحق أجرة المثل.

فما هو مقصودهم من هذه العبارة؟ هل المقصود هو بطلان الجعالة والرجوع إلى أجرة المثل لاحترام فعل العامل الذي فعله لا بقصد التبرّع أو المقصود هو أنّ الجعالة صحيحة ولكنّ الأجرة لما لم يعيّن فيثبت أجرة المثل بعنوان العوض والجعل؟

والنظر إلى عبارات الأصحاب يكشف أنّ عباراتهم على ثلاثة صنوف :

الصنف الأوّل : العبارات التي ظاهرها صحة الجعالة في صورة الرجوع إلى أجرة المثل. ومنها عبارة الشهيدين (1) والمحقق الكركي (2) والشيخ الأنصاري (3) فإنّه بعد ذهابهم إلى عدم لزوم العلم بالعوض في الجعالة فمن الواضح أنّ الرجوع إلى أجرة المثل في نظرهم ليس لأجل بطلان الجعالة، بل يكون لأجل عدم تعيين العوض.

الصنف الثاني: العبارات التي فيها تصريح ببطلان الجعالة في تلك الصورة مثل كلام العلّامة في التذكرة حيث صرّح بأنّه : يجب أن يكون [العوض] معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد إن كانت العادة جاريةٌ ،بعده ،كالأجرة، فلو كان مجهولاً فسد العقد، ووجب بالعمل أجرة المثل» (4) ومثله كلام الشهيد في غاية المراد حيث نسب إلى المختلف ما هذا نصه: لو قيل إنّه جعالة كان قوياً، وردّه

ص: 329


1- أنظر اللمعة الدمشقية : 151؛ موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان) 217 :16.
2- انظر رسائل الكركي 1 194.
3- انظر صيغ العقود والإيقاعات : 105.
4- تذكرة الفقهاء 2 : 287

المصنف في المختلف، بأنّ الجعالة تفتقر إلى تعيين الجعل أيضاً فتبطل (1)

الصنف الثالث : العبارات الظاهرة في بطلان ،الجعالة وهي العبارات التي صرّح فيها باشتراط معلومية العوض أو عدم جواز مجهوليته، مثل ما نسب إلى الأصحاب في مفتاح الكرامة بقوله : «وقد اشترط في الجعل هنا أن يكون معلوماً كما هو خيرة المبسوط والوسيلة والشرائع والتحرير والتذكرة والإرشاد وجامع المقاصد، وقال: «في الأخير أطلق الأصحاب عدم جواز كون الجعل مجهولاً، وفي الإيضاح ومجمع البرهان نسبه ذلك إلى الأصحاب وفي المسالك والكفاية وكذا المفاتيح أنّ المشهور اشتراط كون العوض معلوماً في صحة الجعالة مطلقاً كما يشترط ذلك في عوض الإجارة، وقد صرّح هنا بكونه معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد كما في الشرائع والإرشاد والتذكرة (2) فإنّ الاشتراط ظاهره هو أن صحة الجعالة مشروطة بمعلومية العوض، فإذا كان العوض مجهولاً فتبطل الجعالة لفقدان الشرط.

ولكن ادّعى فخر المحققين أنّ مراد القوم من الاشتراط هو اشتراط صحة المسمّى ؛ نقل في مفتاح الكرامة عنه بقوله : وقال ولد المصنّف فيما كتب على «الإيضاح : أن المانع من جهالته لا يقول: إنّه يبطل أصل العقد وإنّما يبطل المسمّى ، فلو جعل له جعلاً مجهولاً صحت الجعالة وكانت له أجرة المثل» (3)

ص: 330


1- غاية المراد في شرح نكت الارشاد 2 312
2- مفتاح الكرامة :17 872-873
3- مفتاح الكرامة 17 873

وربما يؤيد هذا التوجيه بعض العبارات :

منها ما قاله ابن ادريس تبعاً للحلبي (1) في جملة أحكام المزارعة والمساقاة وهذا نصه : وشرطه أن يكون جزءً مشاعاً الخارج، فلو عامله على وزن معيّن منه، أو على غلّة مكان مخصوص من الأرض، أو على تمر نخلات بعينها بطل العقد، بلا خلاف بين أجاز المزارعة والمساقاة، ولأنّه قد لا يسلم إلا ما عيّنه فيبقى ربّ الأرض والنخل بلا شيء، وقد لا يعطب إلا غلّة ما عيّنه، فيبقى العامل بغير شيء، وإذا تمّم المزارع أو المساقي عمله على هذا الشرط بطل المسمّى ،له واستحق أجرة المثل» (2). فمن الممكن أن تقول : إنّه وإن صرّح في صدر العبارة ببطلان العقد ولكن فسره في ذيلها ببطلان المسمّى.

ومنها ما قاله العلامة في مسائل النكاح بقوله : «أمّا النكاح ، فإن أصدق المرأة المال الحرام بعينه بطل المسمّى وصح النكاح ووجب مهر المثل (3). والظاهر أنّه لا خلاف في المسألة إلا للشيخ في النهاية (4).

وفي كليهما :نظر أمّا كلام ابن ادريس فصريح في بطلان العقد وما قاله في الذيل ليس مغايراً لبطلان العقد حتّى يكون مفسّراً له بما هو مغاير لتصريحه فإنّه لا منافاة بين بطلان العقد والمسمّى ، كما لا يخفى

وأما مسألة النكاح فلا ربط لها بما نحن فيه، لأنّ الظاهر من

ص: 331


1- غنية النزوع : 290
2- السرائر 2 442
3- أجوبة المسائل المهنائية : 166.
4- أنظر النهاية ونكتها 2 49

الأصحاب أنّ معلومية المهر ليس شرطاً في صحة العقد، بخلاف تصريحهم فيما نحن فيه باشتراط الجعالة بمعلومية الجعل.

فالحاصل أن توجيه فخر المحققين مخالف لظاهر كلمات الأصحاب إلا أنّه ادّعى الشهيد الثاني إطباق الفقهاء على عدم بطلان الجعالة في صورة عدم تعيين الجعل ؛ قال : ولإطباقهم على صحة الجعالة مع عدم تعيين الجعل ولزوم أجرة المثل (1) ولكنّك عرفت منهم من صرّح بالبطلان وإن ذهب إلى الرجوع إلى أجرة المثل. وستأتي إضافة بيان إن شاء الله.

ولا بأس هنا بالإشارة إلى كلام العلامة في التذكرة حيث قال في كتاب الإجارة: «الأجرة وهي لازمة في العقد وركن فيه فلو أخلّ بها لم تصح ولزمه مع استيفاء المنفعة أجرة المثل، وكذا لو بطل العقد في كلّ موضع فإنّه تثبت أجرة المثل، سواء زاد على المسمّى أو ساواه أو نقص (2) ولعله ظاهر في أنّ الأصحاب رجعوا إلى أجرة المثل في صورة بطلان العقد.

نعم؛ بقي هنا شيء وهو أنه في عقد الإجارة المطلقة في صورة عدم معلومية الأجر والرجوع إلى أجرة المثل، فما هو الفرق بين القول بعدم البطلان والرجوع إلى أجرة المثل والقول بالبطلان والرجوع إلى أجرة المثل؟ فتدبر جيداً.

نعم ؛ تظهر الثمرة فيما إذا كان العقد مشروطاً بشروط أخرى بين المتعاقدين ففي صورة عدم البطلان يمكن القول بلزوم مراعاة سائر الشروط، فافهم.

ص: 332


1- مسالك الأفهام 11: 153
2- تحرير الأحكام 3: 80

الإشارة الثالثة إلى وجه القول الأول :

قد عرفت أنّه ذهب الكثير من الفقهاء إلى لزوم كون العوض في الجعالة معلوماً ، فالجعالة ليست فيها سعة من هذه الجهة بناءً على هذا المبنى. ولعلّ وجه ذهابهم إلى هذا اللزوم أمور:

منها : التمسك بنهي النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الغرر، فإنّه هو المحكّم إلا إذا خرج غرر بواسطة دليل، ففي الجعالة أنّ جهل العمل والعامل خارجان بواسطة الدليل، وأمّا جهل العوض فلا يدلّ على خروجه دليل فيبقى تحت النهي الدال على الفساد.

ويمكنك أن تقول :

أوّلاً: إنّ هذا الاستدلال إنّما يتمّ في فرض شمول نهي النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الغرر لغير البيع، مع أنّ هذا لا يكون أمراً ثابتاً، بل قال صاحب الجواهر: إلا أنا لم نتحققه في غير البيع والإجارة الملحقة به كما ذكرناه في الصلح» (1).

وثانياً : إنّ الجعالة لما يكون مبنياً على الغرر، فكما يجوز الجهل في أحد الطرفين فيجوز في الطرف الآخر كذلك، لأنّه كما يستدعي الحاجة تارةً الجهل في العمل، فكذلك تستدعيه في العوض. وهذا ما مال إليه الشهيد الثاني في المسالك حيث قال: «المشهور بين الأصحاب اشتراط كون العوض معلوماً في صحة الجعالة مطلقاً، كما يشترط ذلك في عوض الإجارة، لأنّه لا حاجة إلى احتمال الجهالة فيه بخلاف العمل، ولأنّه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم بالجعل، فلا يحصل مقصود العقد. وفيه نظر، لأنّ مبنى الجعالة على الجهالة في أحد العوضين قطعاً، فصار أمرها مبنياً على احتمال

ص: 333


1- جواهر الكلام 35 195

الغرر، وكما تمس الحاجة إلى جهالة العمل قد تمس إلى جهالة العوض، بأن لا يريد بذل شيء آخر غير المجعول عليه، إذ لا يتفق ذلك، بأن يريد تحصيل الآبق ببعضه وعمل الزرع ببعضه، ونحو ذلك. ولا نسلّم أنّ ذلك ممّا لا يرغب فيه، بل العادة مطردة بالرغبة في أعمال كثيرة مجهولة بجزء منها مجهول وإنّما التوقف في صحة ذلك » (1) .

نعم ؛ هذا الاستدلال الذي عرفت من الشهيد الثاني إنّما يدلّ على جواز الجهل في الجملة، ولذا قال في نهاية كلامه : «إنّما التوقف في صحة ذلك وهو عجيب منه بعد ما عرفت من أنّه نفسه ذهب في حاشيته على الإرشاد إلى جواز الجهل المطلق في العوض (2) فلا وجه لما قاله هنا من أنّه إنّما التوقف في صحة الجهل الخاص، فتدبّر. ومنها : أصالة الفساد في المعاملات؛ فإنّ كل معاملة يشكّ في صحتها فمحكومة بالبطلان، بناءً على الأصل المحكم عندهم في جميع المعاملات.

ولك أن تقول : أوّلاً إنّ أصل هذه القاعدة أوّل الكلام ولا نلتزم به وثانياً : إنّما هو تمام لو لم يدل دليل على صحتها، وسيأتي يغنيك إن شاء الله.

ومنها الاستدلال بأنّ الجعالة كما يفهم من لفظها رهن وجود جعل فمتى لا يوجد جعل أو أبهم فلا يتحقق العنوان والموضوع حتى تصل النوبة إلى الحكم بالصحة أو الفساد.

ولك أن تقول : إنّه إذا لم يجعل شخص شيئاً أصلاً وإنّما طلب

ص: 334


1- مسالك الأفهام 11: 152-153
2- انظر موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان 16 : 217

من الآخر أو الآخرين أمراً، فيمكن الالتزام بذلك، ولازمه الذهاب إلى عدم استحقاق العامل شيئاً أو استحقاقه أجرة المثل مع تأمل. وعلى أي حال لا ضير في دعوى عدم تحقق الجعالة مع تأمّل. ولكن في صورة ضرب الجعل المجهول فلا وجه لهذا الدليل، إذ بعد جعل شيء مثل ما إذا قال: من ردّ سيّارتي فله أجر» فمن الواضح تحقق حقيقة الجعالة.

ومنها : أنّ العوض لو لم يكن معيّناً لا يكاد يرغب شخص لأن يعمل العمل المطلوب فمقتضى الحكمة أن يكون العوض معلوماً حتى يرغب الناس في العمل.

وهذا ما أنكره غير واحد من الفحول كالشهيد الثاني في المسالك حيث قال: «لا نسلّم أنّ ذلك مما لا يرغب فيه، بل العادة مطردة بالرغبة في أعمال كثيرة مجهولة بجزء منها مجهول» (1).

ومنها: التمسك بالإجماع، كما تمسّك به السيد السبزواري بقوله : وأمّا اعتبار العوض المعلوم فهو مجمع عليه عندهم بل من المسلّمات العرفية العقلائية، إذ ليست الجعالة من الأمور المجانية لدى العقلاء فضلاً عن الفقهاء» (2)

:وفيه أوّلاً أنّ الذهاب إلى أنّ هذا القول هو مجمع عليه مما لا ينقضي التعجب منه بعد ما عرفت من وجود أقوال في المسألة، فكيف رضي بأن نسب إلى الفقهاء أجمعهم هذا القول؟!

وثانياً : لا أفهم وجه الارتباط بين كون الجعالة من الأمور الغير المجانية وبين لزوم معلومية العوض فلا يمكن الاستدلال على لزوم

ص: 335


1- مسالك الأفهام 11: 153.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18: 203

معلومية العوض بصرف إثبات كون الجعالة من الأمور الغير المجانية، كما لا يخفى.

الإشارة الرابعة إلى وجه القول الثاني

الظاهر من عبارات القائلين بالقول الثاني هو أنّهم رأوا ملاك المنع من جهالة العوض إيجاد الاختلاف بين العامل والجاعل ولذا ذهبوا إلى أنه لو كان الجهل بحيث يمنع من الاختلاف لا بأس به، وهذا بوضوح يظهر منه أنّ القائلين بالقول الثاني لم يقبلوا الأدلّة العامة المتوهّم جريانها في المقام. وقد سبق ما يغنيك من هذه الجهة.

وربما يستدلّ على هذا القول بقول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) : «من قتل قتيلاً فله سلبه» (1) وهذا عين ما إذا قيل : من ردّ عبدي فله نصفه من حيث الجهالة غير المفضية إلى الاختلاف، بل إنّ الجهالة في قتل القتيل أكثر، لأنّه من المحتمل أن لا يكون له سلب مع أنّ العبد إذا أتى بها ملك نصفه بلا ترديد.

إلا أنّ هذه الرواية غير ثابتة من طرقنا وإنّما نقله العامّة مضافاً الممكن أن لا يكون على سبيل الجعالة، بل لعله حكم شرعي مخصوص بباب الجهاد مثل ما إذا يقال: من حاز ملك فتدبّر.

الإشارة الخامسة إلى : وجه القول الثالث

والعمدة في هذا القول هو ردّ ما يدل على اشتراط التعيين، وقد عرفت أنّ أدلّة القول بلزوم تعيين العوض غير تامة ولا إجماع في

ص: 336


1- أنظر صحيح البخاري :4 57 ؛ سنن الترمذي :3 62 1609 السنن الكبرى 6 307

المقام، ولا رواية، بل يمكن أن نستدل بالعمومات لتصحيح الجعالة التي لا يعيّن فيها العوض ك- (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) وغيره. مع ما استقرّ في ذهننا من كون الأصل الأوّلي في المعاملة الصحة.

ومن المحتمل التمسك بإطلاق صحيحة علي بن جعفر عن من نفي البأس عن جعل الآبق ؛ فإنّ الجعل كما يمكن أن يكون معلوماً يمكن أن يكون مجهولاً مبهماً.

فإذا كان الجعل مجهولاً الظاهر رجوع الجعل إلى أجرة المثل لو لم يتحقق بينهما مصالحة.

ثم اعلم أنه في كثير من الأحيان يرغب الناس في العمل المجهول أجرته على نحو مطلق، خصوصاً فيما إذا كان العمل سهلاً، فإذا قال الوالد لأولاده : من قرأ سورة الحمد في هذا اليوم فله شيء أوجائزة فالأولاد يرغبون في ذلك، لعلمهم بأنّ ما يعطيهم الأب أكثر من استحقاقهم وكذلك إذا قال شخص محترم من وجد خاتمي الضائع في هذا البيت فله شيء من البديهى أنّ الشباب يفحصون عنه، لعلمهم بأنّ ما يعطيهم أكثر من أجرة مثل هذا العمل. وهذا الأمر العقلائي لا وجه للذهاب إلى بطلانه أو عدم صدق الجعالة عليه عرفاً أو شرعاً.

ولك أن تسأل عمّا أعطى الجاعل أقل من أجرة المثل؟ ففيه وجهان من عدم استحقاق الأكثر لإقدام العامل نفسه، ومن رجوعه إلى أجرة المثل، والأقرب الثاني، خصوصاً بعد نقل الإجماع في المقام من الرجوع إلى أجرة المثل والناقل له هو الشهيد الأوّل حيث صرّح بأنّه : لو كان مجهولاً فأجرة المثل قولاً واحداً» (2) .

ص: 337


1- المائدة (5) : 1.
2- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 99

وكيف كان ؛ ربما يستدلّ بجواز جهل العوض بآية : (وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير ) (1) مستدلاً بأنّ حمل البعير أمر مجهول مفض إلى التعارض ،والاختلاف فلا ينطبق إلا على القول الثالث ولكن من المحتمل أن يكون حمل البعير في ذاك الزمان واحداً معلوماً، فلا يمكن الاستدلال به لإجمال الآية (2).

والجدير بالذكر هنا ما في مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، وهذا نص عبارته: «لا يقال : هذه الآية لا يصح لكم الاستدلال بها، لأنّ حمل البعير ،مجهول، ولأنّها جعالة ولأنّه حكاية عن منادي يوسف، ولا يلزمنا شرعه لأنّا نقول : حمل البعير معروف عندهم، ولهذا سموه وسقاً وعلّق عليه النبي صلى الله عليه وآله نصاب الغلات (3).

فالمتبع هو ما قاله الشهيد الأوّل في اللمعة من أنّه: «لو قال: من ردّ عبدي أو خاط ثوبي فله كذا صح أو فله مال أو شيء» صح، إذ العلم بالعوض غير شرط في تحقق الجعالة وإنّما هو في تشخّصه وتعيّنه، فإن أراد ذلك فليذكر جنسه وقدره، وإلا ثبت بالردّ أجرة المثل» (4) .

الإشارة السادسة : المختار في المقام :

فالحاصل من جميع ما ذكرنا إثبات سعة الجعالة من حيث تعيين العوض وعدم تعيينه.

ص: 338


1- يوسف (12) 72
2- أنظر المناهل : 611.
3- مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 3 79
4- اللمعة الدمشقية : 151.

ويمكن بيان المختار في ضمن ثلاث مسائل :

الأولى : أنّه إذا قال الجاعل : من ردّ عبدي فله عشرة دنانير»، فجعالته ،صحيحة، فيستحق الراد العشرة.

الثانية : لو قال الجاعل : من ردّ عبدي فله نصفه، فجعالته صحيحة، ويستحق النصف، لأنّ التراضي وقع عليه، ولا يدلّ على بطلانه دليل، ولا يوجب الرجوع إلى أجرة المثل إلا توهّم الإجماع الذي نقله الشهيد الأوّل، ولكن يمكن أن نقول : إنّ النصف لما يكون معلوماً بحسب الواقع فلا يشمله الإجماع القائم على الرجوع إلى أجرة المثل في المجهول خصوصاً بعد التنبه بلبية الإجماع. وفي المسألة للتأمّل ،مجال خصوصاً فيما إذا كان النصف أقل من أجرة المثل بكثير.

الثالثة: لو قال الجاعل : من ردّ عبدي فله ،مال فجعالته صحيحة، ويستحق أجرة المثل لولا التصالح.

الجهة الخامسة : العقدية والإيقاعية

إنّ الناظر إلى كلمات الأصحاب وجد أنّه وقع اختلاف بينهم في كون الجعالة عقداً أو إيقاعاً أو برزخاً بينهما. ولبيان المطلوب نشير إلى ما يلي :

الإشارة الأولى إلى : الأقوال في المقام

إنّ المتبع بين كلمات الفقهاء وجد أربعة أقوال في المقام القول الأوّل: عقدية الجعالة، وهو مختار المتقدمين من

ص: 339

الأصحاب، مثل الشيخ الطوسي (1) وابن حمزة (2) ، وابن ادريس (3) والكيدري (4).

القول الثاني : إيقاعية الجعالة وهو مختار المحقق في الشرایع (5) ، فإنّه جعل الجعالة من الإيقاعات وبحث عنه في ضمن أبواب الإيقاعات، وذكر لها صيغة الإيجاب فقط. وتبعه على ذلك جملة ممّن تأخّر منه كما يستظهر من عبارات العلّامة في التحرير (6) ، والشهيد في اللمعة (7) ، كما صرّح بها السيد الحكيم في المنهاج (8) وسماحة الجد في التحرير (9).

نعم ؛ قد يستشكل على المحقق من أنّه وإن بحث عنها في الإيقاعات وأفتى بعدم افتقارها إلى القبول، ولكن صرّح في ذيل عبارته بأنّها عقد جائز كالمضاربة. وهذا نص كلامه أمّا الإيجاب فهو أن يقول: من ردّ عبدي أو ضالّتي أو فعل كذا فله كذا ولا يفتقر إلى قبول، ويصح على كلّ عمل مقصود محلّل، ويجوز أن يكون العمل مجهولاً ، لأنّه عقد جائز كالمضاربة (10). ففي عبارته تهافت من حيث تصريحه بعدم احتياجها إلى القبول وتأكيده في نفس العبارة بكونها عقداً.

ص: 340


1- أنظر المبسوط 2 367
2- أنظر الوسيلة : 272.
3- أنظر السرائر 2 : 88
4- أنظر إصباح الشيعة بمصباح الشريعة : 329.
5- أنظر شرائع الإسلام :3 706
6- أنظر تحرير الأحكام 4: 441 .
7- أنظر اللمعة الدمشقية: 151.
8- أنظر منهاج الصالحين (للسيد محسن الحكيم) 2 : 151.
9- أنظر تحرير الوسيلة 1 586
10- شرائع الإسلام 3 706

وفي مقابلنا احتمالان إمّا الذهاب إلى أنّ مراده من العقد هو العهد وهو الاحتمال الذي ذكره الشهيد الثاني.

وإمّا الذهاب إلى أنّ مراده من عدم الاحتياج إلى القبول هو عدم الاحتياج إلى القبول اللفظي كما سيأتي نسبة ذلك إلى أصحاب القول الثاني (1)

وظنّي : أنّ مراده هو الاحتمال ،الأوّل، خصوصاً بعد النظر إلى بحثه عنها في ضمن أبواب الإيقاعات فإنّه وإن بحث في الإيقاعات عن المكاتبة لأجل ارتباطها بأختيها أعنى العتق والتدبير)، ولكن لا في أنّ الظاهر أنّ ما جعله في جملة الإيقاعات فهو من الإيقاعات في نظره (2).

القول الثالث : تسبيبية الجعالة، وقد ذهب إليه صاحب الجواهر، فإنّه وإن صرّح في أوّل المسألة بأنّ الإيقاعية لعلّها هي الأصح (3) إلا أنّه في ختام البحث جعلها من باب التسبيب (4) أو بالتسبيب أشبه (5).

وقد بيّن المبنى السيّد السبزواري بقوله : اختلفوا في أنّ الجعالة من العقود كما نسب إلى ظاهر المشهور، أو من الإيقاعات كما يظهر عن جمع، أو من التسبيبات العرفية العقلائية كما في التسبيبات الشرعية مثل قوله (عليه السلام) من تصدّق دفع الله عنه ميتة السوء» (6) ، أو قوله (عليه السلام) فيمن صلّى نافلة الليل: «طاب ريحه

ص: 341


1- أنظر مسالك الأفهام 11: 150.
2- أنظر مسالك الأفهام 11: 150
3- أنظر جواهر الكلام 35: 189
4- أنظر جواهر الكلام 35: 190.
5- أنظر جواهر الکلام 35: 191
6- نص الحديث في الوسائل عنه عليه السلام قال: (الصدقة تدفع ميتة السوء عن صاحبها). وسائل الشيعة 2 2566/433.

وكثر رزقه وابيض وجهه » (1) ، أو له من الثواب كذا وكذا، أو فيمن صام الأيام البيض فله كذا إلى غير ذلك مما ورد في الترغيب إلى فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرّمات والمكروهات والآداب والمجاملات ممّا لا يحصى ولا يستقصى، فتكون التسبيبات العرفية العقلائية أيضاً مثل تلك التسبيبات في الجملة، والالتزام هو العنوان العام الجامع بين العناوين الثلاثة» (2).

فالظاهر من عبارته : أنّ القول بكون الجعالة تسبيباً يكون يكون في مقابل القول بعقديتها وإيقاعيتها ولم أجد من المتأخرين عنهما من ذهب بمسلكهما، وقد عرفت بعض التدقيقات حوله في الفصل الأوّل وستأتي إضافة بيان فيما يأتي إن شاء الله.

القول الرابع : سعة الجعالة بالنسبة إلى الإيقاعية والعقدية كما صرّح به كاشف الغطاء في سفينة النجاة بقوله : الحق أنّها إن جعلها لشخص معين فقبل فهي عقد وإلا فهي إيقاع » (3) وتبعه في ذلك الشيخ محمد حسين الغطاء في وجيزة الأحكام بقوله : وهي برزخ بين العقد والإيقاع، فإن وقعت بإيجاب فقط ،فإيقاع وإن كان مع قبول فعقد» (4).

الإشارة الثانية إلى : وجه القول الأوّل:

إنّ القائلين بعقدية الجعالة لم يستدلّوا على عقديتها، وكأنّه كان أمراً واضحاً عندهم غير محتاج إلى استدلال ودليل. ولعلّ متكأهم هو الإجماع المتراءى بين الشيعة والسنّة.

ص: 342


1- لم نعثر على هذه الرواية.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18 : 202.
3- سفينة النجاة 4 : 2 .
4- وجيزة الأحكام 3 29

إن قلت : إنّه بعد ذهابهم إلى جواز كون العامل مجهولاً كيف يمكنهم الالتزام بكونه عقداً، أنّ العامل المجهول لا يكاد يقبل العقد في موارد الجعالة؟

قلت: إنّهم ذاهبون إلى جواز القبول الفعلي في الجعالة وعدم حاجتها إلى القبول اللفظي، كما نسب إليهم في المسالك بقوله : ومنهم من جعلها من العقود، وجعل القبول الفعلي كافياً فيها كالوكالة (1). وقد صرّح العلامة في التذكرة بذلك، حيث قال: «لا يشترط القبول لفظاً، فلو قال : مَنْ ردّ عبدي فله كذا فاشتغل واحد بالردّ من غير أن يقول: «قبلت»، أو : «أنا أرد» صح العقد وتم، سواء كان العامل معيناً أو غير معين (2).

ويمكن الاستدلال للقول الأوّل بنقل العلامة الإجماع، حيث قال: «الجعالة عقد جائز من الطرفين إجماعاً » (3) .

ولكنّ الإنصاف أنّ مراده الإجماع على جوازه لا على عقديته كما يظهر ذلك من النظر إلى ذيل عبارته حيث قال: «لكل منهما فسخها قبل التلبس بالعمل وبعده قبل ،تمامه لأنّ الجعالة تشبه الوصية من حيث إنّها تعليق استحقاق بشرط والرجوع عن الوصية جائز، وكذا ما يشبهها » (4) .

بل يمكن اصطياد عدم إجماع الطرفين على عقديتها بما نقله العلّامة عن الشافعية بقوله : وقالت الشافعية : إذا لم يكن العامل معيناً فلا يتصوّر للعقد ،قبول وإن كان معيّناً فلا يشترط قبوله أيضاً على

ص: 343


1- مسالك الأفهام 11: 150
2- تذكرة الفقهاء 2 286
3- تذكرة الفقهاء 2 : 288
4- تذكرة الفقهاء 2 : 288

المشهور، ويكفي الإتيان بالعمل، كما ذهبنا إليه» (1). حيث نسب إليهم أنّهم قائلون بأنّه إذا لم يكن العامل معيّناً فلا يتصوّر للعقد قبول، فلعله ظاهر في أنّ الجعالة لا تكون عقداً فيما إذا لم يكن العامل معيناً إلا أن تقول : إنّ ما قالوا في ذيل العبارة من أنّه يكفي الإتيان «بالعمل قيد لكلتا الحالتين أعني حالة عدم تعيين العامل وحالة تعيينه) و مرادهم كفاية القبول الفعلي بعد عدم تصوّر القبول اللفظي في الحالة الأولى وعدم اشتراطه في الحالة الثانية، فتدبّر.

ثم اعلم أنّه ربما استدلّ على عقديتها بصحيحة علي بن جعفر أخيه عليه السلام): سألته عن رجل قال لرجل : أعطيك عشرة دراهم وتعلمني عملك وتشاركني هل يحلّ ذلك له ؟ قال : إذا رضي فلا بأس (2) بتقريب أنّه عليه السلام) نفى البأس بشرط رضى صاحب الجاعل الذي هو عبارة عن القبول المقتضي بمفهومه ثبوت مع عدم رضاه ولا شيء من الإيقاعات يعتبر فيه رضى صاحب الموقع (3) وقد جهد صاحب الجواهر لتوجيهه فقال: «لا يراد منه القبول العقدي، بل المراد منه عدم البأس مع تراضيهما على ذلك» (4) وفيه تأمل سيجيء توضيحه فيما يأتي إن شاء الله (5).

وكذا يمكن الاستدلال بما نقله صاحب الوسائل في باب حكم) من يتقبّل بالعمل ثمّ يقبله من غيره بربح وجملة من أحكام الجعالة والرواية التي نقلها هي ما نقله محمد بن مسلم عن بن مسلم عن أحدهما في الصحيح: أنّه سئل عن الرجل يتقبّل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى

ص: 344


1- تذكرة الفقهاء 2 286
2- وسائل الشيعة 23 29352/193
3- غاية الآمال 2 276
4- جواهر الکلام 35 190
5- تقدم في الصفحة 345-346.

آخر فيربح فيه قال : لا إلا أن يكون قد عمل فيه شيئاً» (1).

وكيفية الاستدلال هو أنّه إذا كانت الجعالة إيقاعاً أو تسبيباً فلا وجه لعدم جواز ذلك بعد عدم معنى للتقبل في الإيقاع، فالظاهر من الصحيحة هو أنّ الإشكال وقع في صورة التقبّل والتقبّل من خصوصيات العقد لا الإيقاع، فتأمّل حتى تصل النوبة إلى توضيحها.

ويمكن تأييد هذا القول بأصالة الفساد في المعاملات، فإنّه إذا شك في كون معاملة صحيحةً أم فاسدةً، فبمقتضى أصالة الفساد يحكم بفسادها ؛ ففي الجعالة أيضاً إذا شكّ في أنّه هل يكفي فيها الإيجاب الصرف أم تحتاج إلى القبول حتى تصحح، يمكن الذهاب إلى لزوم القبول، لأنّه هو المتيقن والحكم بفساد الإيجاب الصرف إلا إذا وجد في المقام إطلاق أو نذهب إلى أنّ الأصل في المعاملات العقلائية الصحة، فتأمل.

الإشارة الثالثة إلى وجه القول الثاني :

وأكمل العبارات في مقام توجيه القول الثاني هو كلام صاحب الجواهر، ويمكن تنظيمه وتلخيصه بما يلي:

ويدلّ على إيقاعية الجعالة أدلّة الأوّل: ما تسمعه من صحّة عمل المميز بدون إذن وليه بعد وضعها بل قيل في غير المميّز والمجنون وجهان ومن المعلوم عدم صحة ذلك مع فرض اعتبار القبول فيها ولو فعلاً لسلب قابلية الصبي والمجنون قولاً وفعلاً عن ذلك، ولذا لا يجوز معه عقد من العقود الجائزة.

الثاني: يدلّ على الإيقاعية صحتها من غير مخاطب خاص

ص: 345


1- وسائل الشيعة 23: 29349/191.

والعقد يقصد فيه التعاقد من الطرفين وليس هنا، خصوصاً إن قلنا بصحتها ممّن لم يسمع عبارة الجعل بقصد العوض، كما هو أحد الاحتمالين في القواعد، بل في الدروس أنّه الأقرب وعن الإيضاح أنّه الأصح.

الثالث : وعلى كل حال فوجه الإيقاعية هو صدق عنوان الجعالة مع فرض كون الصيغة تشمل العامل وقصده الرجوع فالمقتضي حينئذٍ موجود والمانع مفقود ودعوى اعتبار قصده بالعمل جواباً لإيجابه في الرجوع بالعوض لا دليل عليها، بل مقتضى إطلاق الأدلّة خلافها، بل ظاهر الفاضل في القواعد احتمال الاكتفاء في الرجوع بالردّ لا على قصد التبرع ولا الاستحقاق.

الرابع : مضافاً إلى عدم اعتبار المقارنة بين الإيجاب والقبول وغيرها ممّا يعتبر في العقود مع أنّه لا دليل علي إخراجها عنها كالوكالة (1).

ويمكن الاستدلال له بإطلاق صحيحة علي بن جعفر عن اخیه (2) بل بإطلاق كريمة : وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (3) إلا أن يقال إنّهما ليستا في مقام بيان طرف القبول، فلا إطلاق.

وللكلام تتمة تأتي إن شاء الله.

الإشارة الرابعة إلى : وجه القول الثالث :

وهو كما عرفت مختار صاحب الجواهر، وعمدة دليله ذهابه إلى صحة الجعالة فيما ليس حائزاً لشروط العقد والإيقاع ؛ قال في

ص: 346


1- أنظر جواهر الکلام 35 189-190
2- الكافي :6 9/2010؛ وسائل الشيعة 23 : 86-29164/87
3- یوسف (12) 72

الجواهر ترتب أثرها على من لم يرد الفعل أولاً ثمّ أراد وفعل حتى لو تلبّس بالعمل ثمّ رفع يداً عنه ثم عاد إليه وإن توقف فيه بعضهم بل بناءً على العقدية والإيقاعية. لكن التحقيق صحته للصدق، وليس ذلك إلا لأنّها من باب التسبيب وإلا فمع فرض كونها ذلك فسخاً أو كالفسخ لا بد من إيجاب جديد... على أنّ القبول هنا في الصيغة العامة إذا كان العمل قابلاً للتكرار يقتضي كونها بمنزلة عقود متعدّدة حتى يكون الفسخ من بعضهم مختصاً به دون غيره. وبالجملة، فالتأمّل التامّ خصوصاً بعد ما تسمعه من الأحكام التي لا توافق قواعد العقود العامّة مع فرض عدم دليل مخرج لها يقتضي أنّها بالتسبيب أشبه (1).

فملخص كلامه هو : أنّ الجعالة مجرّد تسبيب لأنّها صحت في صورة لا يصح فيها عقد ولا إيقاع، ولأنّه لو لم يكن تسبيباً فيلزم منه ما لا يمكن الالتزام به.

وقال في ختام عبارته ما نذكره في الإشارة الخامسة فلا تغفل

ثم اعلم أنّه على حسب تتبعي - لم يخضع أحد ممن تأخر من صاحب الجواهر بمرامه إلا السيد السبزواري، فصرّح في تعريف الجعالة بأنّها هي التسبيب لعمل بعوض (2)

بل لم يتعرّض إلى كلامه من تأخر منه غير السيد السبزواري - وقد عرفت عبارته في تبيين المبنى والسيّد الخرازي حيث قال بعد نقل كلامه ما هذا لفظه : ولا يخفى ما فيه فإنّ التسبيب الشرعي

ص: 347


1- جواهر الكلام 35 190-191
2- جامع الأحكام الشرعية: 335

بعيد لظهور الروايات والكلمات في أنّ الجعالة من الإنشاءات والإيقاعات العقلائية (1).

وأنت خبير أنّ ما نسب إليه من ذهابه إلى التسبيب الشرعي ليس مقصود صاحب الجواهر، فإنّ المستشكل نسب إلى صاحب الجواهر ما لم يكن ملتزماً به ثمّ أشكل عليه وجعل إشكاله ممّا لا يخفى! ولكنّ الناظر إلى كلمات صاحب الجواهر والسيّد السبزواري رأى بوضوح أنّ مرادهم من التسبيب ليس تسبيباً شرعياً وإنّما ذكرا التسبيبات الشرعية لأجل تقريب المعنى إلى الذهن، فلا تغفل.

وللكلام تتمّة.

الإشارة الخامسة إلى وجه القول الرابع:

عرفت من غير واحد من الفقهاء ذهابهم إلى سعة الجعالة من حيث العقدية ،والإيقاعية، ويمكن تكميل هذا القول بأن نقول : الجعالة فيها سعة من حيث العقدية والإيقاعية والتسبيبية. فهي حقيقة شاملة للجميع ، والدليل على هذه النظرية هو أدلّة الأقوال الماضية من حيث إثباتها لأنفسها، لا نفيها لغيرها.

فمحصل هذا القول : هو أنّه إذا كانت صورة المعاملة الواقعة على وجه صورة العقد -يعني على نحو محتاج إلى التراضي من الطرفين فهي عقد محكومة بجميع أحكام العقدية، وإذا وقعت على نحو قائم بالإرادة المنفردة فهي إيقاع محكومة بأحكامه، وإذا كان على نحو التسبيب الصرف فهي صرف تسبيب غير محكومة بأحكام العقد أو

الإيقاع

ص: 348


1- مجلة فقه أهل البيت عليهم السلام العدد 41: 65.

ومن الممكن أن نقول : إنّ مختار صاحب الجواهر أيضاً هو القول، لأنّه قال في ختام كلماته ومن هنا لا تمنع إيقاع الجعالة في بعض أفرادها على نظم العقد المشتمل على الإيجاب والقبول. إنّما الكلام في أصل مشروعيتها على وجه إذا فقدت بعض ما يعتبر في العقود تكون باطلةٌ» (1).

فإنّه وإن صرّح بأنّ الجعالة تسبيب إلا أنا بعد النظر إلى قول الجاعل : إن ردّ زيد سيارتي فله عشرة وإن ردّ عمرو فله خمسة»، نستبعد أن مراد الجاعل إيجاد الرابطة التسبيبية بين الردّ والعشرة من دون النظر إلى العامل وجهة ،التعاقد خصوصاً فيما إذا قال زيد: «قبلت»!

وقد عرفت من صاحب الجواهر : تقوية أنّ الجعالة إذا كانت بصورة العقد فيجب فيها مراعاة شروط العقد حيث قال : وعلى كلّ حال، فالأصح عدم اعتبار ما يعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة، بل تصح بدون ذلك، وإن كان له فعلها بكيفية العقد، بل لا يبعد اعتبار ما يعتبر فيه حينئذ (2) فكيف هذا مع القول بأنّها في جميع الموارد تسبيب عرفي من قبيل التسبيبات الشرعية؟

وعلى ضوء ما قلنا تكشف أنّ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) سألته عن رجل قال لرجل : أعطيك عشرة دراهم وتعلمني عملك وتشاركني هل يحل له ذلك؟ قال : إذا رضي فلا بأس» (3) يدلّ على لزوم القبول وعدم تأثير صرف الإنشاء في ذاك المقام، ولكن هذا الاشتراط إنّما هو موجود فيما إذا كانت الجعالة محتاجةً إلى الإرادتين لا إرادة واحدة.

ص: 349


1- جواهر الکلام 35 191
2- جواهر الکلام 35 191
3- وسائل الشيعة 23 29352/193

وبذلك صرت خبيراً بما يمكن أن يقال حول ما نقله محمد بن مسلم عن أحدهما (1) ؛ فإنّها مخصوصة بصورة وجود التقبّل، ولكن لا دلالة فيها على لزوم القبول في جميع الموارد.

إن قلت : إن مفاد هذا القول هو نفس ما قاله صاحب الجواهر ؛ فإنّه جعل أصل مشروعيتها من قبيل التسبيب ثمّ خضع لإمكان وقوعها على سبيل العقد أو الإيقاع.

قلت حاصل القول الرابع هو سعتها من حيث أصل التشريع لا أنّ الجعالة من جهة أصل التشريع وضعت على نحو التسبيب ثمّ تغيّرت بتغييرات الموارد الذي لا يكاد له محصل إن تأملت فيه! فالشارع رأى من أوّل الأمر الجعالة حقيقةً فيها سعة فيمكن وقوعها على نحو التسبيب أو العقد أو الإيقاع.

فمن اللازم على القول الرابع: بيان حقيقة جامعة للعقدية والإيقاعية والتسبيبية؛ فلعل الجامع لجميعها هو ذاك التعريف الذي بيناه من أنّ الجعالة عبارة عن مقابلة مال وعمل أو مقابلة مال ومنفعة؛ فتارةً محتاجة إلى القبول وأخرى لا، وتارةً يضمحل بانصراف العامل وأخرى لا .

إن قلت : إنّ كلام صاحب الجواهر أيضاً راجع إلى ذلك؛ فإنّ التسبيب بذاته عنوان شامل للعقد والإيقاع.

قلت أولاً بناءً على كلام السيّد السبزواري قد عرفت التصريح على مقابلة التسبيب مع العقد والإيقاع، وجعل الالتزام هو العنوان العام للثلاثة.

مضافاً إلى أنّ التأمّل في معنى التسبيب أيضاً لعله يكشف لنا أنّ

ص: 350


1- أنظر وسائل الشيعة 23 29349/1918

التسبيب يعني صرف إيجاد الربط بين عمل وأجرة من دون النظر إلى العامل ومن دون دلالة على طلب من أيّ شحص إلا على نحو الدلالة الالتزامية، يعني أنّي بعد ما أعلم أنّك تريد العشرة أقول بين هذا العمل والعشرة أوجدت الرابطة التسبيبية، ولكن هذا بالدلالة المطابقية لا يوجد فيه طلب أصلاً مع أنه في بعض الموارد لا يكون نظر الجاعل إلى التسبيب بل طلب من العامل الخاص أو العام شيئاً، وطبعاً يدري بأنّه يلزمه في مقابل ذاك العمل المحترم أن يعطي إلى العامل شيئاً.

والذي يؤيّد المقصود هو : التوجّه إلى ما أثبتنا في الجهات الماضية من أنّه لا يشترط في الجعالة تعيين العوض، فهذا لا يلائم مع التسبيب، فتدبّر.

وكيف كان؛ فلو أصررت على أنّ كلام صاحب الجواهر راجع إلى هذا القول، فلا ننازعك ونقول لك : مرحباً بناصرنا.

نعم ؛ يمكن أن نقول : إنّ نتيجة ما أثبته صاحب الجواهر راجع إلى هذا القول، لأنّ حاصل القول الرابع هو أن الجعالة إذا وقعت على نحو العقد فهو عقد يلزم مراعاة أحكامه، وهو ما قوّاه صاحب الجواهر أيضاً، كما عرفت.

وبالجملة ؛ الظاهر أنّ الجعالة فيها سعة من حيث العقدية والإيقاعية ،والتسبيبية، وهو المطلوب.

الإشارة السادسة إلى ثمرة النزاع في المسألة:

والمرجوّ بيان المرام بذكر أقدام

القدم الأوّل: ما قاله الشهيد الثاني في المسالك: وتظهر الفائدة فيما لو فعل العامل بغير قصد العوض ولا قصد التبرّع بعد الإيجاب.

ص: 351

فعلى الأوّل أي بناءً على الإيقاعية يستحق العوض، لوجود المقتضي وهو الصيغة مع العمل. وعلى الثاني أي بناءً على العقدية لا ، وإن كان قد عمل لأنّ المعتبر من القبول الفعلي ليس هو مجرّد الفعل، بل لا بدّ معه من انضمام الرضا والرغبة فيه لأجله» (1). القدم الثاني : ما قاله في مفتاح الكرامة إشكالاً على الثمرة التي ذكرها الشهيد الثاني وهذا نصه من ردّ لا على قصد التبرّع ولا على قصد العوض متبرّع وإن لم يقصد التبرّع فلا فائدة» (2). وهذا ما لا دليل عليه، ولعلّ فيما يأتي ما يغنيك.

القدم الثالث : وتظهر الفائدة بين العقدية والإيقاعية فيما إذا كانت المعاملة غير شاملة لشروط العقد، فمثلاً إذا كان الطرف صبياً، فبناءً على العقدية فسدت المعاملة بخلاف القول بالإيقاعية، فتدبّر.

القدم الرابع: جريان الثمرة بناءً على القول الثالث : فبناءً على القول الثالث أيضاً إذا عمل شخص لا على قصد العوض ولا على قصد التبرّع فيستحق العوض، بل من المحتمل دعوى أنه بناءً على نظرية التسبيب ولو في صورة قصد التبرّع أيضاً يستحق العامل العوض، لأنّ الجاعل جعل التسبيب بينهما فإذا كان تسبيبه محترماً عند الشارع فيصير العوض مثل الأثر الوضعي للعمل، فإن عمل العامل بقصد التبرّع ولكن علم بأنّ الجاعل جعل له شيئاً فلا يبعد القول باستحقاقه له خصوصاً إذا كان علمه بالجعل بعد العمل.

بل يمكن تسديد هذا الاحتمال حتى بناءً على الإيقاعية، فإنّ العامل لو عمل بقصد التبرّع، فما هو وجه الذهاب إلى عدم استحقاقه للجعل بعد جعل الجعالة من الإيقاعات؟ فتأمّل جيّداً.

ص: 352


1- مسالك الأفهام 11: 150
2- مفتاح الكرامة 17 : 858

القدم الخامس : جريان الثمرة بناءً على المختار : لو خاطب صبياً وقال له : إن رددتَ ثوبي فلك كذا فكانت جعالة باطلة ويستحق الصبي أجرة مثل عمله خصوصاً لو كان المسمّى أقل من أجرة المثل، بخلاف ما إذا خاطب بالغاً، فإنّه بالردّ يستحق المسمّى، وإن كان أقل من أجرة المثل بكثير. ولكن لو أبهم العامل وقال : من ردّ سيارتي فله كذا فردّه صبي - يستحق المسمّى لكون الجعالة حينئذ إيقاعاً.

وبالجملة : بناءً على المختار لابد وأن ننظر إلى الضرب الذي تحقق من أضرب الجعالة فيحكم عليه بحكمه.

ثمّ بناءً على كون الجعالة أعمّ من الإجارة، فمثلاً لو تحققت الجعالة في ضربها المسمّى بالإجارة فلابد من مراعاة ما يعتبر في الإجارة، كما أسلفنا

الجهة السادسة : القبول اللفظي والفعلي

إِنَّا فی الجهة الخامسة ذهبنا إلى أنّ الجعالة فيها سعة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية والتسبيبية، وقد عرفت ذهابنا إلى أنّ اللازم في كلّ ،مورد النظر إلى المورد فإن كان عقداً فلا بدّ فيه من مراعاة شروط العقد، وإن كان إيقاعاً فاللازم مراعاة شروط الإيقاع.

ثمّ في هذه الجهة السادسة نريد أن نشير إلى أن الجعالة في ضربها العقدي فيها سعة بالنسبة إلى القبول اللفظي والقبول الفعلي. فيفيد هذه الجهة لمبنيين :

الأوّل من ذهب إلى أن الجعالة عقد كما هو مستفاد من عبارات كثير من القدماء، كما أسلفنا.

الثاني : من ذهب إلى أنّ الجعالة لا بشرط بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية والتسبيبية، كما ذهبنا إليه.

ص: 353

وعلى كلا المبنيين هذه الجهة ذات تأثير ولا بدّ من الفحص عنها.

أمّا بناءً على القول بالإيقاعية والتسبيبية فمن الواضح عدم حاجة الجعالة إلى القبول فضلاً عن لفظيه

ثمّ اعلم أنه بناءً على المختار من أنّ الجعالة إذا تحققت لباس العقد فتكون عقداً، فالقاعدة المحكمة عندنا بناءً على النظام الطولي المفهومي هو أنّه كلّ ما يشترط في العقد يشترط في الجعالة أيضاً، وكل ما لا يشترط في العقد لا يشترط في الجعالة كذلك إلا ما خرج بالدليل، فلو فُرض أنّ الدليل المخرج للجعالة العقدية عن نطاق الحكم الكلي للعقود مفقود فحكمنا على الجعالة العقدية منوط بحكم سائر العقود، فبناءً على مختارنا لا بد للحكم بكفاية القبول الفعلي هذا من النظر إلى القبول الفعلي في سائر العقود الجائزة واللازمة فيصير البحث خارجاً عن نطاق بحثنا هذا، وإن كان المستقر في ذهننا هو كفاية القبول الفعلي في جميع العقود إلا ما خرج بالدليل الخاص وإن كان الظاهر من عبارات القوم الحاجة إلى القبول اللفظي في العقود خصوصاً اللازمة منها، فراجع وتدبّر.

أمّا بناءً على عقدية الجعالة في جميع أضربها كما هو ظاهر الشيخ الطوسي (1) ، وابن حمزة (2) ، وابن ادريس (3) ، والكيدري (4) فيمكن اصطياد كفاية القبول الفعلي من الإجماع على عدم حاجة الجعالة إلى القبول اللفظي.

ص: 354


1- أنظر المبسوط 2 367
2- أنظر الوسيلة : 272.
3- أنظر السرائر 2 : 88
4- أنظر إصباح الشيعة بمصباح الشريعة : 329.

فهذا الإجماع لا غرو في دعواه إن ثبت إجماعهم على عقدية الجعالة، لأنّها إن كانت عقداً فلا ريب في أنّه في بعض مصاديقها لا يوجد قابل في ضمن العقد، ولا يوجد قبول لفظي في كثير من ذلك أفتى الفقهاء بصحة الجعالة في تلك الموارد، المصاديق، ومع فلا وجه لها إلا كفاية القبول الفعلي في الجعالة.

ولكنّ الإشكال هو في ناحية ثبوت الإجماع على العقدية، وقد عرفت أنّه لا إجماع في المسألة، ولذلك يمكننا أن نقول في الموارد التي لا يوجد قبول فليس ملاك صحة الجعالة كفاية القبول الفعلي، بل الملاك هو عدم كونها عقداً في ذاك المورد.

فمثلاً إذا قال شخص من ردّ عبدي فله كذا فإنّ عدم اشتراط القبول اللفظي فيه ليس لأجل كفاية القبول الفعلي، بل إنّما يكون لأجل كون هذا الإنشاء إيقاعاً لا عقداً فغير محتاج إلى القبول من الأساس.

نعم ؛ بقي الكلام فيما إذا قال: إن رددتَ عبدي فلك كذا ؛ وقد عرفت أنّه من الممكن دعوى كونها عقداً لا إيقاعاً ؛ فإنّه بناءً على كونه عقداً هل يكفي القبول الفعلي أم لا؟

فنقول : نفس هذه الصيغة لا يعلم كونها عقداً، لأنّها قابلة للإيقاعية، كما عرفت من كثير من الفقهاء وإنّما تكون عقداً إذا قال المخاطب قبلت»، فتصير عقداً جائزاً أو واجباً على حسب الموارد التي سيأتي توضيحها إن شاء الله.

فعقدية هذه الصيغة منوطة بوجود إيجاب وقبول بحيث يصير الطرفين، وهو مراد صاحب الجواهر حيث قال : وعلى كلّ حال، فالأصح عدم اعتبار ما يعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة،

ص: 355

بل تصح بدون ذلك وإن كان له فعلها بكيفية العقد، بل لا يبعد اعتبار ما يعتبر فيه حينئذ» (1) . فصرّح بعدم البعد في الذهاب إلى أنّ المورد إذا كان من قبيل العقد فيشترط فيه شرائط العقد.

والذي أضفنا إليه هو : أنّه في بعض الموارد لا يعلم العقدية أو الإيقاعية بالنظر إلى كلام المنشئ، بل يعلم الحال بعد النظر إلى حال الجاعل والعامل فلابد حينئذ من النظر إلى مجموعة ما حصل حتى نتمكن من بيان ،حكمه فتأمّل جيّداً.

نعم ؛ لك أن تسأل : إذا قال شخص: استعملتك لردّ عبدي، فهل هذه الجعالة محتاجة للقبول اللفظي أم لا؟ فالجواب عنه محتاج إلى النظر إلى ما يشترط في سائر العقود، كما أشرنا إليه.

ولا يقال : إنّ هذه الصيغة إجارة لا جعالة، فخارجة عن محط بحثنا ،

فإنّا نقول : أوّلاً قد عرفت احتمال عمومية الجعالة للإجارة، فليست مصاديق الإجارة خارجةً من مسألتنا.

وثانياً : إنّها ليست إجارةً لعدم معلومية العمل فيها، لأنّ العبد لا يعلم أنّه ببغداد أم بالبصرة، فتأمل.

تنبيه القبول في فقهنا :

قد عرفت أنّ البحث عن القبول الفعلي محتاج إلى بحث تفصيلي، ولكن لا بأس هنا بالإشارة إلى أنّ الاحتياج إلى القبول في فقهنا على ثلاثة أوجه على الأقلّ :

الأوّل ما يكفي فيه القبول الفعلي، وقد صرّح بكفايته في

ص: 356


1- جواهر الكلام 35 191

الجعالة والوكالة وغيرهما غير واحد من الفقهاء، كما مرّت الإشارة إلى بعضهم فيما أسلفنا (1) .

الثاني: ما لا يكفي فيه القبول الفعلي ومحتاج إلى القبول اللفظي، وقد صرّحوا به في مواضع مثل قول الشهيد الثاني في الإقالة حيث قال : وصورتها أن يقولا : تقايلنا أو تفاسخنا أو أقَلْتُك فيقبل الآخر على الفور، ولا يكفي عن القبول الالتماس ولا القبول الفعلي» (2)

الثالث: ما لا يكفي فيه القبول اللفظي بل محتاج بالقبول الفعلي، وهو مستفاد من شرح الشهيد الثاني لكلام المحقق، قال الشهيد الثاني: قوله أي قول المحقق في الشرائع: «ولو طرح الوديعة عنده لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها المراد بالقبول هنا القبول الفعلي خاصّةً، لأنّ القبول اللفظي غير كافٍ في تحقق الوديعة ، بل لا بد معه من الإيجاب، ولم يحصل هنا بمجرّد الطرح. وأما الفعلي فيجب معه الحفظ سواء تحققت به الوديعة أم لا ؛ نظراً إلى ثبوت حكم اليد وحيث يحصل القبول الفعلي هنا إنما يجب حفظها، لأنّها تصير وديعةً لأنّ طرح المالك لها أعمّ من اقترانه بما يوجب الإيجاب، وهو الإتيان بما يدلّ على الاستنابة لكن لمّا كان الإيجاب يحصل بالقول الصريح والإشارة والتلويح نُظر هنا : إن حصل مع الطرح ما يفيد ذلك كان القبول في قول المصنّف أعم من كونه قولياً وفعلياً، وإن لم يحصل معه ما يدلّ على الإيجاب، فالمعتبر في الحفظ القبول الفعلي خاصّةً. لكن قوله : طرح «الوديعة لا

ص: 357


1- أنظر تذكرة الفقهاء :2 286؛ الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3: 98؛ رسائل الكركي 1 194.
2- حاشية إرشاد الأذهان (موسوعة الشهيد الثاني 16: 165.

يخلو من قرينة أن يريد بالطرح الإيداع؛ بواسطة تسميتها وديعةً لغةً وعرفاً، أو نقول : إنّ القبول يستدعي سبق الإيجاب، فيؤذن بأنه استفاد من الطرح الإيجاب، وأمّا تسليمها بالفعل فلا يسمّى قبولاً من دون سبق إيجاب، وإن وجب حفظها لذلك» (1).

وإذا انجز الكلام إلى هنا فلا بأس بأن نقول: إنّ القبول إنّما هو حالة نفسانية واللفظ والفعل إنّما هما مبرزان له والكلام في المعاملات في تعيين المبرز لتلك الحالة النفسانية. ولعلّ هذا المعنى هو تكميل ما فهمناه من عبارة العلّامة في التذكرة حيث قال: «والقبول يُطلق على معنيين : أحدهما : الرضا والرغبة فيما فوّضه إليه ونقيضه الردّ. والثاني : اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات» (2)

هذا ؛ وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه ومع الأسف، لأجل فقدان النظم المنطقي في فقهنا لا يبحث عن هذه الجهات في فقهنا إلا في المباحث المتفرّقة، وأنت خبير أنه لو يبين له نظام منطقي فقد بحث لكلّ مسألة في المكان المناسب لها.

الجهة السابعة وصف العامل من حيث الصبابة والجنون

المدعى : كما يجوز أن يكون العامل في الجعالة عاقلاً بالغاً فكذلك يجوز كونه مميّزاً بل صبياً بل مجنوناً.

ولا يخفى عليك أن المدعى هو حول العامل، وأمّا الجاعل فلا إشكال ظاهراً في لزوم كونه عاقلاً بالغاً كما نفى الخلاف عنه

ص: 358


1- حاشية شرائع الاسلام: 472.
2- تذكرة الفقهاء 2: 114

العلّامة في التذكرة بقوله : فلا ينفذ جعل الصبي والمجنون والسفيه والمحجور عليه لفلس والمكره وغير القاصد، ولا نعلم فيه خلافاً» (1).

فلتبيين المرام لا بد من اشارات:

الإشارة الأولى إلى : اقتضاء القواعد العامة هنا :

لا يخفى عليك أنه بناءً على كون الجعالة عقداً فمقتضى القواعد عدم سعة الجعالة بالنسبة إلى المميّز والصبي والمجنون لأنّ المستفاد كلمات الأصحاب هو أنّ طرف العقد لا بد وأن يكون عاقلاً بالغاً. وهذا واضح لمن رجع إلى كلمات القوم في شراشر الفقه، كما أكّد عليه السيّد الحكيم في المستمسك عند ذكر شرط البلوغ والعقل في المضاربة هذه الأمور شروط في عموم تصرّفات الإنسان في و نفسه» (2)

فبناءً على ذلك : فيبطل العقد إذا كان طرفه صبياً أو مجنوناً على وفق القاعدة.

أما بناءً على كونها ايقاعاً أو تسبيباً فأمكن القول بصحة الجعالة على وفق القاعدة.

الإشارة الثانية إلى كلمات الأصحاب في المسألة :

ومقصودنا هنا الإشارة إلى الكلمات الصريحة في هذه الجهة وإليك عباراتهم :

الأولى : قال العلامة في التذكرة: «لو قال : مَنْ ردّ عبدي فله

ص: 359


1- تذكرة الفقهاء 2 286
2- مستمسك العروة 12 : 241

كذا ... يدخل تحته الرجل والمرأة والحُرّ والعبد والصبي والمسلم والكافر قطعاً في غير ردّ العبد المسلم وعلى إشكال فيه. ويدخل تحته الصبي والمجنون على إشكال ينشأ من عدم اشتراط التبرّع المشروط بالقصد المشروط بالعقل، ومن اشتراط عدم التبرع (1).

وبالتدبّر في العبارة يظهر لنا :

أولاً أنّ المراد من الصبي في أوّل العبارة هو المميز، إذ بين حكمه بقوله : «قطعاً» بدون وجود إشكال، والمراد من الصبي الذي أشكل الأمر فيه هو غير المميز.

ثانياً : أنّ مراده من الوجهين هو أنّه إذا قلنا بأنّ العامل يستحق الجعل إن قصده فإنّه لا يستحقه المجنون وغير المميّز بناءً على عدم تحقق القصد عندهما وأمّا إن قلنا بأنّ العامل يستحق الجعل إلا إذا قصد التبرّع فهما مستحقان لإتيانهما الفعل وعدم تحقق القصد عندهما.

ثم لا يخفى عليك أن هذين الوجهين مبنيان على عدم تحقق القصد عند غير المميز والمجنون كما صرّح النراقي: بأنّ غير المميّز والمجنون لا قصد لهما» (2) ، فتدبّر.

الثانية: قال الشهيد في الدروس: ولو ردّه الصبي المميّز أو المرأة استحقا وفي المجنون وغير المميز وجهان من عدم تحقق القصد، ووقوع «العمل». (3) ومثله عبارة الشهيد الثاني في الروضة إلا أنّه صرّح فيها أنّ المميّز يستحق ولو فيما إذا عمل بدون إذن وليه (4).

ص: 360


1- تذكرة الفقهاء 2 286-287
2- الحاشية على الروضة البهية : 715
3- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 98
4- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 442.

وكذا عبارته في المسالك (1) . فالوجه الذي يتمسك به في عبارتهما هو . عدم تحقق القصد في المجنون وغير المميّز، والظاهر أنّ المراد من القصد قصد الأجرة أو قصد العمل لأجل طلب العامل، كما يستفاد من عبارة النراقي، فتدبّر..

ومثل هذه العبارات عبارة المحقق السبزواري في الكفاية (2).

الثالثة : قال المحقق الأردبيلي : ولا يبعد عدم اعتبار جواز تصرّفه الذي قلناه في العاقد، لأنّ الغرض حصول هذا العمل، وقد يمكن من الصبي المميّز ، وكأنّه لذلك سكت عنه في التذكرة وفيه تأمل من حيث أنّه عقد، فيحتاج إلى كون طرفه مثل أطراف سائر العقود، ولعلّ العاقد الذي ذكره في التذكرة أعمّ فتأمّل (3)

لا يخفى عليك أولاً أنّه لم يشر إلى قضية المجنون وغير المميّز.

وثانياً : جعل الإشكال في المميّز الذي عرفت من العلامة دعوى القطع بجواز كونه عاملاً (4).

الرابعة : قال في الأنوار اللوامع: «فلو ردّ الصبي المميز لها ولو بغير إذن وليه والمحجور عليه لسفه أو تفلّس استحق الجعل أمّا المجنون وغير المميّز ففيه قولان مبنيّان على وجهين وهو حصول الغرض وعدم القصد إلى العوض والظاهر عدم الاستحقاق لعدم القصد» (5) . فأفتى باستحقاق المميّز ورجّح عدم الجواز في غير المميّز

ص: 361


1- أنظر مسالك الأفهام 11: 154
2- أنظر كفاية الأحكام 2 513
3- مجمع الفائدة 10 147
4- أنظر تذكرة الفقهاء :2 287286
5- الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع 12 205

والمجنون. والذي يهمنا في عبارته هو نسبة الوجهين إلى القولين مع أني لم أجد قبله من صرّح بجواز الجعالة فيما إذا كان العامل مجنوناً أو غير مميّز.

الخامسة : قال في عيون الحقائق : وقد اختلف الأصحاب فيما يعتبر من الشرائط في الحامل كذا) والأصح العامل من مراعاة البلوغ والكمال ،وعدمه والمقطوع به ما مرّ وإن كان المشهور عدم اشتراط الكمال بالبلوغ والتمييز. فلو ردّ الصبي المميّز ولو بدون إذن وليه والمحجور عليه استحق الجعل وإن كان الخلاف في غير المميّز والمجنون أظهر وأجلى، لأنّ الغرض منها حصول المجعول عليه وعدم مراعاة القصد إلى العوض» (1).

والجدير بالتوجّه في هذه العبارة هو : أنّه فسّر كلام الشهيدين. لأنّهما أطلقا كلمة القصد وقالا : من عدم تحقق القصد» (2) ولكنّ البحراني صرّح بأنّ وجه عدم الجواز هو عدم القصد إلى العوض، وكذلك الحال في مناهل السيّد المجاهد (3) فافهم.

السادسة : قال في مفتاح الكرامة : قال في التذكرة: يشترط فيه أن يكون من أهل الاستيجار مطلق التصرّف، فلا ينفذ جعل الصبي والمجنون والسفيه والمحجور عليه لفلس والمكره وغير القاصد ولا نعلم فيه خلافاً». انتهى. ولا يعتبر ذلك في العامل، لأنّ ركنها الجاعل ، فلو ردّ الصبي المميّز ولو بدون إذن وليه والمحجور عليه استحق الجعل كما قطع به في التذكرة في الصبي بقوله: «قطعا» الجاري مجرى الإجماع. ويشكل بأنّها إذا كانت عقداً كان باطلاً

ص: 362


1- عيون الحقائق الناظرة في تتمة الحدائق الناضرة 2: 118.
2- الدروس الشرعية في فقه الإمامية :3: 98؛ مسالك الأفهام 11 154
3- أنظر المناهل : 613.

فيستحق أجرة المثل لا العوض إلا أن تقول: إنّ الغرض الأقصى منها تحصيل العمل، فبني الأمر فيها على المسامحة في العامل والعمل في الجهالة وغيرها، وفي غير المميز والمجنون وجهان: من عدم تحقق القصد ووقوع العمل» (1).

فالمهم لنا هو تصريحه بأنّ هذا الحكم يكون لأجل السعة في الجعالة.

السابعة : قال السيّد المجاهد في المناهل : ما صاروا إليه من عدم اشتراط البلوغ في العامل وأنّه يستحق الجعل حيث يكون قاصداً للعمل ولو كان صبيّاً مميزاً مطلقاً ولو بدون إذن وليه في غاية القوّة. وأمّا غير المميّز ففي إلحاقه بالمميّز في ذلك إشكال، ويظهر من الروضة والمسالك والكفاية التوقف هنا وعندي أنّ احتمال الإلحاق لا يخلو عن قوّة إن قلنا بأنّ الجعالة ليست من العقود. وأما على تقدير كونها من العقود فاحتمال عدم الإلحاق لا يخلو عن قوّة. وكيف كان فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه بل وفي المميز أيضاً» (2).

الثامنة : قال الشيخ أحمد كاشف الغطاء في سفينة النجاة: «وأمّا العامل فلا يعتبر فيه بلوغ ولا رشد ولا اختيار ولا حرّية ولا عدم ،فلس، فلو عمل الصبي المميز ولو بغير إذن وليه أو السفيه أو العبد المكره أو المفلس استحق، بل وكذا لو كان غير مميّز أو مجنوناً على وجه لا يخلو من قوة» (3).

التاسعة : قال السيّد في الوسيلة : يجوز أن يكون صبياً مميزاً ولو بغير إذن الوليّ، بل ولو كان غير مميّز أو مجنون على الأظهر،

ص: 363


1- مفتاح الكرامة 17 : 867866
2- المناهل : 613
3- سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 : 3.

فجميع هؤلاء يستحقون الجعل المقرّر بعملهم» (1). ثمّ أشكل عليه سماحة جدّنا بأنّ هذه الفتوى مغايرة لما قاله بعد ذلك من أنّه : «إنّما يستحق العامل الجعل المقرّر لو كان عمله لأجل ذلك» (2) والسرّ ما عرفت من أنّ ظاهر عباراتهم هو أنّ المجنون وغير المميّز لا قصد لهما.

وعلى كلّ حال : ذهب سماحة الجدّ إلى أنّه : لو عمله خطاً وغفلةٌ بل من غير تمييز كالطفل الغير المميّز والمجنون فالظاهر استحقاقه له» (3)

الإشارة الثالثة إلى وجه الجواز في الصبي والمجنون

أنّه بناءً على المختار من سعة الجعالة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية لا بد لنا في الحكم بجواز كون العامل صبياً أو مجنوناً النظر إلى الأضرب المختلفة، ففي كلّ ضرب لعلّ الحكم يتفاوت عن الضرب الآخر، ولكن هنا أولاً نشير إلى ما يدل على الجواز في

الجملة وفي آخر البحث نذكر ما يوافق التحقيق إن شاء الله.

أما أدلة جواز كون العامل مميزاً فيمكن الإشارة إلى ما ذكره السيّد المجاهد وحاصله ما يلي :

الأوّل: ظهور الاتفاق فيه بعد ما عرفت من عبارات الفقهاء وعدم وجدان المخالف فيه، وبعد ما عرفت من دعوى العلامة القطع بذلك. كذا عرفت من مفتاح الكرامة أنّ دعوى القطع من ناحية العلامة نازلة منزلة نقل الإجماع (4) .

ص: 364


1- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني) 411.
2- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني) 412.
3- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني) 412.
4- أنظر مفتاح الكرامة 17 : 867866.

الثاني عموم: وَلِمَن جَاءَ بِهِ حَملُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ، زَعِيمُ ) (1) إذ إنّه من الممكن أن يأتي به صبي.

الثالث : عموم: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) (2) بناءً على كون الجعالة عقداً أو كون العقد في الآية بمعنى العهد والمراد منها حينئذ أنّ الجاعل بعد ما جعل الجعل لعمل فإذا عمله مميّز فالجاعل يلزمه الوفاء بمقتضى الكريمة.

الرابع : الأخبار الدالّة على أنّ المؤمنين عند شروطهم (3)

الخامس فحوى ما دلّ على جواز استیجار الصبي؛ فإذا كان الاستيجار جائزاً مع عدم وجود التوسعة في الإجارة بمثل الجعالة فالجعالة أولى بالجواز (4) .

وعلى كل حال لا تكون المسألة مشكلة.

أمّا ادلّة جواز كون العامل صبياً غير مميز :

فالإنصاف هو أنّ الأدلّة المذكورة في إثبات الجواز للمميّز يجري في غير المميّز أيضاً غير دعوى الاتفاق.

مضافاً إلى : ما استدلّ عليه من أنّ العامل لا يعتبر فيه سوى إمكان تحصيل العمل عقلاً وشرعاً وذلك لتمامية الجعالة قبل العمل

ص: 365


1- يوسف (12) 72
2- المائدة (5) : 1.
3- نصّ الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (المؤمنون عند شروطهم، أنظر تهذيب الأحكام 7 1503371؛ الاستبصار 3 232 835 ؛ وسائل الشيعة 21 27081/276
4- أنظر المناهل : 613.

بلا دخل للعامل فيها، وانطباق موضوع الحكم على فرده قهري (1). وهذا الدليل مفروضه إيقاعية الجعالة. وبناءً على المختار يفيد في الضروب التي تتكوّن على نحو الإيقاع.

وكذلك يمكن الاستدلال بالجواز بما في مهذب الأحكام من أنّه عمل الصبي صحيح في ذاته وليس فيه مانع عقلي أو شرعي والمفروض أن مورد الجعالة العمل الصحيح وإمكان تحصيل العمل كما صرّح به جمع منهم المحقق في الشرائع، وهو صادق بالنسبة إلى الصبي، فتصح الجعالة عليه. وإذن الولي ليس شرطاً في صحة ما يملكه الصبي من ماله وعمله فهو مالك لعمله وإن لم يأذن فيه الولي. ويملك بالحيازة وإن كانت بغير إذن الولي. ويجوز له أخذ عوض عمله أيضاً كذلك. وكذا جميع حوائجه المتعارفة، كقيامه وقعوده وأكله وشربه. فالجعالة مع الصبي تكون كحيازة الصبي للمباحات وكما يصح له في الثانية الحيازة ويملك ما حازه ولو بدون إذن الولي فكذا

ولى. نعم؛ مع المفسدة لا بدّ المفسدة لا بدّ من مداخلة الولي وإعمال ولايته» (2).

وبالجملة : أنّ المقتضي في غير المميّز تمام إذا كانت الجعالة إيقاعاً أو تسبيباً، ولا مانع في البين إلا ما قد عرفت من المتوقفين من عدم تحقق القصد له، وقد أجاب السيد السبزواري عنه بقوله: «إن قيل: المشهور أنّ قصد الصبي كالعدم، فيكون فعله وعمله وقع بلا قصد فيصير لغواً وباطلاً ، فلا وجه لترتّب الأثر عليه. يقال: لا لاعتبار هذه الشهرة وعلى فرض الاعتبار تعبّداً فالمتيقن منه خصوص عقوده ،وإيقاعاته، لا كلّ فعل اختياري يحصل منه، وإلا يكون خلاف

ص: 366


1- أنظر فقه الصادق (علیه السلام) 19 : 220.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18 : 207 208

الوجدان وخلاف القاعدة العقلية من أنّ كلّ فعل اختياري مسبوق بالإرادة والاختيار» (1).

بل قد عرفت من سماحة الجدّ ما صرّح عليه أنّ العمل لو صدر من خطأ أو غفلة فيستحق عامله فضلاً عن عمل الصبي والمجنون في صورة قصدهما (2).

بقي هنا شيء وهو حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون فمن الممكن أن يقال : مقتضى إطلاق حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون رفع كل حكم تكليفي أو وضعي عن الصبي، كان سببه فعله القصدي أو غير القصدي، كان في رفعه منّة على الأمة أم لم يكن كان ترتّب الأثر منوطاً بكمال العقل واستشعار الفاعل أم لم يكن. وعلى ذلك فيشكل القول باستحقاق الجعل بردّ الصبي المميز من غير إذن وليه» (3)

والانصاف أنّ الأمر لو كان كذلك فتمّ في فرض العقدية، ولكن في فرض الإيقاعية أو التسبيبية فلا يتمّ هذا الاستدلال، لأنّ العمل وقع منه والغرض يحصل من عمله فلا وجه لعدم استحقاقه الجعل، ولا يمكن استفادة ذلك من قول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) المبني على الشهرة رفع القلم عن الطفل حتّى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق (4) خصوصاً بعد النظر إلى فتاوى القوم:

ص: 367


1- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام 18: 208
2- أنظر وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني) 412.
3- فقه الصادق (علیه السلام) 19: 220
4- وهذه الرواية لم ترد في طرقنا ولكن معاضدة بالشهرة العظيمة فمجبورة بها سنداً مع أنّ دلالتها مؤيّدة بالإجماع على مفادها فلا شك في معناه كما لا يخفى. أمّا الاستفادة من إطلاقها فلا يخلو من الإشكال.

منها قولهم : إذا التقط الصبي انتزعه الولي من يده ويتملّك له بعد مدة التعريف» (1) وفتواهم على أنّه : «لو أتلف الصبي ضمن من ماله لو كان له مال

وقد أجاد في تمهيد القواعد حيث قال: «ما لو أتلف الصبي المجنون مالاً، فعلى مغايرة الحكم الوضعي للشرعي لا إشكال فيتعلّق بهما الضمان لأنّ إتلاف مال الغير المحترم سبب في ضمانه والحكم الوضعي لا يعتبر في متعلّقه التكليف، ولكن لا يجب عليهما أداؤه ما داما ناقصين، لأنّ الوجوب حكم شرعي. نعم؛ يجب على وليّهما دفعه من مالهما ولا فرق بين أن يكون لهما مال حال الإتلاف وعدمه » (2).

وبالجملة : إنّه إذا تحققت الجعالة في لباس العقدية، فبما أنّ العقد متقوّم بالطرفين فأشكل الحكم بصحتها، إلا إذا قلنا في العقد بجواز كون الطرف مميّزاً مطلقاً أو في بعض العقود. أما في صورة تحقق الجعالة في الضرب الإيقاعي والتسبيبى فلا ريب في استحقاق العامل الجعل ولو كان مميّزاً أو سفيهاً أو غير مميّز أو مجنون أو ساه

أو غافل

نعم ؛ إذا جعل جاعل مبلغاً يسيراً لعمل صعب وكثير، فلو عمله صبي أو سفيه ففي استحقاقه لأجرة المسمّى نظر، فتدبّر.

الجهة الثامنة : اللزوم والجواز :

في بدء الأمر تكون مسألة جواز الجعالة أمراً واضحاً ولكن

ص: 368


1- تحرير الأحكام 4 : 467.
2- تمهيد القواعد (موسوعة الشهيد الثاني) 5: 8.

لابد من بسط النظر فيها من ناحيتين: الأولى : من جهة لزومها بالنسبة إلى الجاعل بعد شروع العامل بالعمل.

والثانية من جهة لزومها في بعض أضربه، فبناءً على شمولها للإجارة فمن الواضح كونها لازمةً في تلك الصورة. ولا غرو في هذه الدعوى بعد ما عرفت من أنّ اللزوم والجواز ليسا من العناصر الأصلية للهويات المعاملية، ضرورة أنّه من الممكن أن يكون البيع في بعض أضربه لازماً وفي بعض أضربه جائزاً كالمعاطاة عند من رآها في حقيقة البيع ومع ذلك حكم بجوازها، وقد مرّت الإشارة إلى بعض الدقائق في هذه الناحية.

هذا إجمال البحث ويمكن تفصيله في ضمن إشارات:

الإشارة الأولى إلى : كلمات الأصحاب الصريحة في جواز الجعالة

إنّك إن راجعت كلمات الأصحاب لا تجد خلافاً بينهم في أنّ الجعالة جائزة ، ويكون التصريح بجوازها ممّا لا يحصى نواجهه في عبارات ابن حمزة (1) وابن ادريس (2) والشيخ (3)، بل ادعى العلامة الإجماع قائلاً: «الجعالة عقد جائز من الطرفين إجماعاً (4) .

ولا فرق بين من جعلها من العقود كابن حمزة حيث قال في الوسيلة: «العقود تنقسم ثلاثة أقسام إمّا يكون العقد لازماً من الطرفين مثل الإجارة والمساقاة ،والمزارعة أو جائزاً من الطرفين مثل الشركة والمضاربة والجعالة، أو لازماً من طرف وجائزاً من آخر مثل

ص: 369


1- أنظر الوسيلة : 272
2- أنظر السرائر 2 : 88
3- أنظر المبسوط 2: 197.
4- تذكرة الفقهاء 2 : 288

الرهن، فإنّه لازم من جهة الراهن جائز من جهة المرتهن (1)

وبين من جعلها من الإيقاعات كالمحقق في الشرائع (2) أو التسبيبات كصاحب الجواهر حيث صرّح والجعالة جائزة من الطرفين، سواء قلنا بكونها عقداً أو إيقاعاً بلا خلاف أجده» (3) وقد تبع في هذه العبارة الشهيدَ الثاني في المسالك (4).

وهذه عبارة مهمّة من جهة دلالتها على أن التقسيم إلى الجواز واللزوم ليس منحصراً بالعقود بل يمكن جريانه في الإيقاعات أيضاً.

وبالجملة لا يوجد في المسألة خلاف إلا ما نسب في المختلف إلى ابن الجنيد أنّه قال : «لو جعل عاماً لمن جاء بالأبق فخرج الناس عند عمومهم بما جعل من الجعل فأشهد المولى على نفسه بأنّه قد فسخ ما كان جعله لم ينفسخ ذلك» (5) .

ولكن يمكن توجيهه بأنّ مراده هو ما أفتى به الجمهور من أنّ الجاعل لو فسخ ولم يسمع العامل فأتى به يستحق. (6) وقد وجه صاحب الجواهر بهذا التوجيه كلامه قائلاً: ويمكن إرادته أي إرادة ابن (الجنيد ما صرّح به في التذكرة والدروس وجامع المقاصد والمسالك من أنّ العقد إنّما ينفسخ إذا علم العامل بالفسخ من الجاعل، وإلا فهو على حكم (7) ؛ فلا ينافي كلامه لكلامهم. وأما لو

ص: 370


1- الوسيلة : 262
2- أنظر شرائع الإسلام 3: 706
3- جواهر الکلام 35 198
4- أنظر مسالك الأفهام 11: 156
5- مختلف الشيعة 6 113
6- أنظر تذكرة الفقهاء 2 : 288
7- جواهر الکلام :35 198

كان التنافي موجوداً فهو بين جعلهم الجعالة جائزةً من الطرفين مطلقاً وحكمهم باللزوم في تلك المسألة ولا تنحصر هذه الفتوى بابن الجنيد، فتأمّل.

وعلى كل حال فلا بد لنا من تبيين دائرة الجواز من طرف العامل والجاعل فنقول :

الإشارة الثانية إلى دائرة الجواز من طرف العامل

أمّا من طرف العامل فقد صرّح الأصحاب بأنّ الجعالة جائزة من طرفه دائماً یعنی أنّه لو شرع في العمل فيجوز له ترك العمل في أيّ وقت شاء. وقد صرّح بذلك المحقق في الشرائع بقوله: «الجعالة جائزة قبل التلبّس (فإن تلبس) فالجواز باقٍ في طرف العامل» (1). وكذا الحال في الإرشاد (2)، والتبصرة (3) ، والتحرير (4) ، والتذكرة (5) ، وتلخيص المرام (6) ، والقواعد (7) ، واللمعة (8) ، والدر المنضود (9) ، ورسائل المحقق الكركي (10) والروضة (11) ، والمسالك (12)، إلى غير ذلك من

ص: 371


1- شرائع الإسلام 3 707
2- أنظر إرشاد الأذهان 1: 340
3- أنظر تبصرة المتعلمين في أحكام الدين: 136.
4- أنظر تحرير الأحكام 4 : 443.
5- أنظر تذكرة الفقهاء 2 : 288
6- أنظر تلخيص المرام في معرفة الأحكام: 147-148
7- أنظر قواعد الأحكام 2: 216
8- أنظر اللمعة الدمشقية: 151.
9- أنظر الدر المنضود في معرفة صيغ النيات والإيقاعات والعقود: 150.
10- أنظر رسائل الكركي 1: 194.
11- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 443.
12- أنظر مسالك الأفهام 11: 156

عبارات الأصحاب الصريحة في أنّ العامل في الجعالة له الترك والفسخ مطلقاً، أي سواء تلبس بالعمل أم لا

ولك التأمل في إطلاق كلامهم فيما إذا كان في تركه ضرر للجاعل، كما إذا أخذ من الجاعل الثوب وخاطه أو شرع في العملية الجراحية ولم يتمها، فيمكن الذهاب إلى أنّه لا يجوز العدول في مثل هذه الموارد كما أفتى به صريحاً المحقق الشعراني في شرحه على التبصرة (1) وسماحة الجدّ في تحريره (2) وغيرهما في غيرهما . فلتكن في ذهنك حتى تصل النوبة إلى بيان التحقيق من سعة الجعالة بالنسبة إلى اللزوم والجواز.

ولعلّ الموجود في ذهن الأصحاب هو : مثل ردّ العبد لا ما ذكرنا بل يمكنك الخدشة في ذاك المثال أيضاً من جهة أنّه بعد التسلّط على العبد لا يمكنه ترك العبد لأنّ إرسال العبد يوجب فراره وهو يكون من قبيل إتلاف مال ،الغير خصوصاً بعد ما عرفت من الأصحاب أفتوا بأنّه إن كان المال قبل الجعل في يد شخص فهو لا يستحق الجعل، فتدبّر.

والأولى بالإشكال هو : فيما إذا كان الضالة غير ذي الروح الذي لا مؤونة في حفظها، فالظاهر أنّه إذا قال: من ردّ ضالّتي فله كذا فلا يجوز له الفسخ بعد وجدان العامل لها وصيرورتها في يد العامل، ولقد أشار المحقق الثاني إلى هذا الإشكال بقوله : «إنّه إذا جعل له على ردّ الضالة، ثمّ فسخ وقد صارت بيده ، فإنّه لا يكاد يتحقق للفسخ معنى حينئذ، إذ لا يجوز له تركها وتسليمها إلى وكيل المالك أو الحاكم بمنزلة ردّها، وكذا لو لم يجد واحداً منهما، فإنّه لا بدّ من تسليمها إلى المالك أو وكيله فيكون هذا الفسخ بعد حصول ما

ص: 372


1- أنظر تبصرة المتعلمين في أحكام الدين (فارسي مترجم: الشعراني) 2 : 327
2- أنظر تحرير الوسيلة :1 589-590

يستلزم الرد فهو في حكمه» (1) . وقد أجاب عنه الشهيد الثاني بقوله : يمكن دفعه بأنّ فائدة البطلان عدم سلامة جميع العوض له على هذا التقدير، بل يستحق لما سبق بنسبته ويبقى له فيما بعد ذلك أجرة المثل على ما يعمله إلى أن يتسلّمه المالك وهو حفظه عنده ونحوه، إذ لا يجب عليه حينئذٍ ردّه على المالك، بل تمكينه منه إن كان قد علم بوصوله إلى يده، وإن لم يعلم وجب إعلامه» (2).

وكذلك يمكن التأمّل فيما هو ظاهرهم من أنّ العامل لو فسخ في وسط العمل لا يستحق شيئاً، لأنّه نفسه أسقط حقه (3). وسيأتي زيادة بيان في هذا الفرع في الجهة الآتية التي نبحث فيها عن سعة الجعالة بالنسبة إلى نوع العمل، فاصبر.

الإشارة الثالثة إلى دائرة الجواز من ناحية الجاعل :

إنّه لا خلاف في أنّ الجاعل إذا جعل يجوز له العدول عن جعله فيما إذا لم يشرع عامل بالعمل. وكذلك لا خلاف بل لا معنى للعدول بعد إتيان العامل بالعمل وإتمامه إياه والظاهر أنّه لا إشكال في تغيير الجعل قبل الشروع في العمل وفي ازدياده في الجملة أو بالجملة.

أمّا العدول عن الجعل بعد شروع العامل بالعمل فهناك قولان:

الأوّل: يجوز له العدول ولكن يجب عليه إعطاء أجرة مثل عمل العامل بحسب ما عمل

الثاني: يجوز له العدول ولكن يجب عليه إعطاء أجرة المسمّى على حسب نسبة عمله بكل العمل.

ص: 373


1- أنظر جامع المقاصد 6: 195.
2- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 444.
3- نظر قواعد الأحكام :2 216 مسالك الأفهام 11: 156.

أما الأول : فقد صرّح به العلامة في التذكرة (1) والشهيد الثاني (2). ويمكن نسبته إلى المحقق حيث قال: «الجعالة جائزة قبل التلبس (فإن تلبّس فالجواز باقٍ في طرف العامل ولازم من طرف الجاعل إلا أن يدفع أجرة ما عمل للعامل (3). إذ الظاهر منه أنّ ما يتحقق من ناحية ) الجاعل هو الفسخ والفسخ إذا كان سائغاً فمتعلّقه هو نفس الإنشاء، فلا معنى للرجوع إلى أجرة المسمّى.

وأظهر منه عبارة العلامة في الإرشاد حيث صرّح بالفسخ بقوله : هي أي) الجعالة جائزة قبل التلبّس، ومعه ليس للجاعل الفسخ إلا مع بذل أجرة ما عمل » (4) وكيف كان فيمكن نسبة هذا القول إلى كلّ من صرّح بجواز فسخ الجعالة، إذ بالفسخ لا يكاد يبقى ظهور في أجرة المسمّى فافهم.

وأما الثاني فقد صرّح به الشهيد الثاني في الروضة (5) والمسالك (6) ورجّحه صاحب الكفاية (7) . ويمكن نسبته إلى الشهيد في اللمعة حيث قال: «أمّا بعده (أي بعد التلبّس فجائزة بالنسبة إلى ما بقي من العمل أمّا الماضي فعليه أجرته، ولو رجع و) لم يعلم العامل رجوعه فله كمال الأجرة (8) . ولعلّ هذه العبارة ظاهرة في أجرة المسمّى، إذ نسب الجواز إلى ما بقي من العمل، فالعمل الماضي

ص: 374


1- أنظر تذكرة الفقهاء 2 288
2- أنظر موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد الأذهان 16 : 217
3- شرائع الإسلام 3 707
4- إرشاد الأذهان 1: 430
5- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 443.
6- أنظر مسالك الأفهام 11: 156.
7- أنظر كفاية الأحكام 2 514
8- اللمعة الدمشقية : 151.

كأنّه بقي تحت الإنشاء السابق. وكذا فتواه في ذيل العبارة الظاهر منها استحقاق العامل المسمّى لا المثل فلا بد وأن يكون صدر العبارة أيضاً هكذا.

وبهذا التوجيه يمكن نسبة هذا الوجه إلى الفقعاني في الدر المنضود (1) إذ عبارته مثل عبارة الشهيد.

وكيف كان فيمكن نسبة هذا الوجه إلى كلّ من عبّر عن الجواز بالجواز بالنسبة إلى ما بقي لا بالنسبة إلى أصل المعاملة، فتدبّر.

والذي يسهل لنا نسبة هذا القول إلى أول الشهيدين ما قاله ثانيهما في الروضة تفسيراً لعبارة اللمعة، وهذا نصه: «وأمّا الجاعل فجائزة من طرفه قبل التلبّس بالعمل، وأمّا بعده فجائزة بالنسبة إلى ما بقي من العمل، فإذا فسخ فيه انتفى عنه بنسبته من العوض أمّا الماضي فعليه أجرته... فينبغي أن يقال: إنّها جائزة مطلقاً لكن إذا كان الفسخ من المالك ثبت للعامل بنسبة ما سبق من العمل إلى المسمّى على الأقوى. وقيل : أجرة مثله» (2). ثمّ الظاهر أن فتوى الشهيد الثاني في الروضة مغاير لما صرّح به في حاشيته على الإرشاد (3)، كما لا يخفى.

وقد أشار في المسالك إلى القولين ووجههما بقوله: وهل العوض الواجب له أي للجاعل حينئذٍ أجرة مثل ما عمل أم بنسبة ما فعل إلى المجموع من العوض المبذول؟ وجهان؛ أظهرهما الثاني، لأنّه العوض الذي اتفقا عليه. ووجه الأوّل: أنّه بالفسخ بطل حكم

ص: 375


1- انظر الدر المنضود في معرفة صيغ النيات والإيقاعات والعقود: 150
2- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4: 443
3- أنظر موسوعة الشهيد الثاني (حاشية إرشاد (الأذهان 16: 217

العقد، ولمّا كان العمل محترماً جبر بأجرة المثل، كما لو فسخ المالك القراض. وفيه : ما مرّ من أنّ تراضيهما إنّما وقع على العوض المعيّن فلا يلزم غيره، خصوصاً خصوصاً مع زيادة أجرة المثل عنه، لقدومه حينئذٍ على أن لا يستحق سواه. والفرق بينه وبين عامل القراض ،واضح لأنّ المشروط للعامل في القراض جزء من الربح، فقبل ظهوره لا وجود له ولا معلومية حتّى ينسب إليه ما فعل بخلاف جعل عامل الجعالة، فإنّه مضبوط على وجه يمكن الاعتماد على نسبته (1).

ولكن التحقيق هو : أنّه إذا قلنا بجواز الفسخ في الجعالة فمعناه إمكان فسخ ذاك التراضي الذي وقع بينهما وهو يقتضي صيرورة التراضي على المسمّى كأن لم يكن، وهذا يلزم منه الذهاب إلى أجرة المثل.

نعم؛ إن ذهبنا إلى أن الجاعل ليس له فسخ المعاملة بل إنّما له الرجوع بالنسبة إلى ما بقي فالذهاب إلى القول الثاني، وجيه كما عرفته من عبارة الشهيد الأوّل.

والإنصاف : أنّ ظاهر الحكم بجواز كل معاملة هو جواز ،فسخها أمّا جواز تبعضها وإن كان ممكناً ولكن لا شكّ في كونه خلاف ظاهر العبارة فاللازم على الذاهب إليه التصريح به، كما نواجهه في عبارة الشيخ الشهيد.

فبناءً على ما قلنا يمكن القول بأنّ ظاهر كلّ من أطلق القول بجواز الجعالة في أثناء العمل هو الرجوع إلى أجرة المثل، فتدبّر.

وأما الذي يساعده الاعتبار فهو الرجوع إلى أُجرة المسمّى وملاحظة نسبة العمل من المجموع خصوصاً بعد التوجه إلى أنّه في

ص: 376


1- مسالك الأفهام 11 157

كثير من الأحيان لا يكون للعمل المجعول عليه أجرة مثل مناسب كما إذا قال الأب لأولاده : من قرأ القرآن بأجمعه فله عشرة دنانير ورجع في أثناء قرائتهم، فما هو أجرة مثل هذا العمل؟ وهل يمكن القول بالرجوع إلى ما يعطى للمحتاجين لقراءة القرآن على القبور ؟ خصوصاً فيما إذا كان المسمّى أكثر بكثير عن تلك الأجرة القليلة التي يقبلها المحتاجون اضطراراً؟ أو إذا قال: من أكرمني بالسلام في كلّ يوم من شعبان فله كذا فإذا رجع عنه في أثناء الشهر، فما هي أجرة المثل في مثل هذا العمل ؟ أو إذا قال لابنه : إن وصلت إلى 90 كيلو فلك كذا ثم شرع الابن الذي له 120 كيلو بالرياضة ووصل إلى 100 كيلو ثم رجع الأب، فما هي أجرة مثل هذا العمل الذي يفيد الابن نفسه؟ فالأولى اختيار ما هو أقل اختلافاً وأوفق بالتراضي وأنسب بالعدالة وهو نسبة العمل بالمسمّى. وإن كان مقتضى أصالة براءة الذمّة ثبوت أقلّ الأمرين، ومقتضى الاحتياط دفع أكثر الأمرين (1)، والله العالم.

هذا ؛ وقد احتمل سماحة الجدّ التفصيل بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل وبين ما كان مثل ردّ الضالة ممّا كان التلبّس به بإيجاد مقدّماته الخارجية وقال : ويحتمل الفرق في الصورتين إذا كان الفسخ من الجاعل فيقال: إنّ للعامل من المسمّى بالنسبة في الأولى، وله أجرة المثل في الثانية فإذا كان العمل مثل الخياطة والبناء فأوجد بعضه فرجع الجاعل فللعامل من المسمّى بالنسبة، وإذا كان مثل ردّ الضالة وكذا إتمام الخياطة فله أجرة المثل» (2).

ص: 377


1- أنظر المناهل : 617.
2- تحرير الوسيلة 1: 590

ولعلّ وجهه هو : أنّ التراضي في الصورة الثانية لما لم يكن إلا على النتيجة ففي صورة عدم التكميل لا معنى للتقسيم على أجزاء العمل، إذ الأجر إنّما يكون على النتيجة. ولكن في الصورة الأولى لمّا يكون الأجر في الحقيقة منتشراً على الأجزاء فالقول باستحقاق النسبة من الكلّ وجيه.

ولكن الأولى : ما قلنا من مراعاة النسبة مع أجرة المسمّى، لما قلنا وإن كان الحكم في الصورة الأولى أوضح. وعلى كل حال لا تخلو المسألة من الإشكال، كما أقرّ بذلك سماحة الجد قائلاً: والمسألة محل إشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على أي حال» (1) . وسيأتي فيما يأتي إشارة إلى طرفي التفصيل إن شاء الله.

الإشارة الرابعة إلى القول بلزوم الجعالة مطلقاً والاستدلال عليه

قد عرفت في الإشارة الأولى تصريحات الفقهاء على كون الجعالة من العقود الجائزة، بل قد عرفت دعوى الإجماع عليه ولكن قد وجدتُ في هامش مفتاح الكرامة استدلال محققه الشيخ محمد باقر الخالصي على لزومها مطلقاً، ولابد لنا من النظر إليه :

قال: لا يخفى أنّ كلّ عقد لا بدّ منه من إيجاب وقبول فالإيجاب ما يوجبه الموجب على نفسه سواء كان الموجب بيعاً أو هبةً أو إجارة أو صلحاً أو غيرها ؛ يعني أنّه يجعل على نفسه الالتزام بما أوجبه وأوجده. والقبول هو ما يقبل هذا الايجاب ويلتزم بما التزم به الموجب وعليه فكلّ من التزم بشيء سواء كان بإيجاب أو بقبول لا بد أن يكون ملتزماً بما التزم به، فإنّه عقد وعهد يجب الوفاء به

ص: 378


1- تحرير الوسيلة 1 : 590

بمقتضى العقل والشرع، إلا أن يخرجه دليل قاطع عن ذلك، وليس في المقام دليل قاطع إلا دعوى الإجماع الموهون عند أهل التحقيق كما بيّناه في هذه التعليقات مراراً وقد أوضحناه في كتابنا سيرى در معارف اسلامی

هذا مضافا إلى ما حكاه الشارح عن أبي علي وعن ظاهر الشرائع والدروس وجامع المقاصد، فإنّ ذلك كافٍ في نفي الإجماع لو كان معتبراً.

إن قلت : لا شكّ في أنّ الجاعل مختار في انصرافه عن جعله ولا سيّما قبل قبول الجعالة من القابل . قلت : هذا حال جميع العقود اللازمة وغير اللازمة وحال جميع الإيجابات قبل مجيء قبولها ولا يفترق الجعالة عنها بوجه والكلام في جوازها وعدم جوازها إنّما هو فيما إذا تمّت بالإيجاب والقبول وأنّه هل يجوز للجاعل بعد ما قبلها القابل الرجوع عمّا عهد به من الجعل على العمل المعهود أم لا يجوز؟ فتأمّل جيّداً» (1) .

ويمكن تجميعه فيما يلي:

الأوّل: الجعالة عقد لا إيقاع ولا تسبيب (2) ولكن يكفي فيه القبول الفعلي.

الثاني : فالجعالة قبل شروع العامل فيها لم تتمّ لعدم تحقق القبول، فلا معنى لجوازها حينئذ، فإنّ حالها حال البيع الذي لم يأتِ قبوله بعد.

ص: 379


1- مفتاح الكرامة :17 878
2- فإنّه صرّح بعقديتها في بعض هوامشه أنظر مفتاح الكرامة 17: 857.

الثالث : وأمّا بعد الشروع في العمل فصارت لازمةٌ لعموم (أَوْفُواْ بِالْعُقُود) (1) وما شابهه.

الرابع : ولا دليل على الجواز إلا الإجماع فهو موهون أصلاً ومصداقاً.

الخامس فاللازم من استدلاله الذهاب إلى اللزوم من ناحية العامل أيضاً، لأنّه طرف القبول فيلزمه التزامه بمقتضى : (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) (2) كالبيع بعد عدم الدليل على الجواز من ناحيته إلا الإجماع الموهون.

هذا ولكنّك خبير:

أوّلاً أنّ عقدية الجعالة ليست أمراً واضحاً كما توهمه وقد مرّ الكلام حوله. فاستدلاله بالنسبة إلى الجواز قبل الشروع فإنّما يناسب ضرب العقد من أضرب الجعالة. فاللازم منه الذهاب إلى لزوم الجعالة حتى قبل شروع العمل بناءً على الإيقاعية والتسبيبية.

وثانياً : أنّ وهن الإجماع أصلاً لا نلتزمه بل نراه من أهم ما يمكن للفقيه التمسك به، خصوصاً على مسلكنا المختار من تراكم الظنون. نعم؛ لا نراه بعنوان الدليل التام الذي لا يمكن التخطي عنه مطلقاً. والبحث التام موكول إلى محله.

وثالثاً : أما ما قاله من وهن الإجماع في خصوص المورد متشبثاً بكلام أبي على والمحقق والشهيد والكركي فغير تام.

أما بالنسبة إلى غير أبي علي فلا شكّ في أنّهم ذاهبون إلى

ص: 380


1- المائدة (5) : 1
2- المائدة (5) : 1.

الجواز بالنسبة إلى العامل وبالنسبة إلى الجاعل قبل العمل، وبالنسبة إلى الجاعل بعد الشروع بعد إعطاء أجرة ما عمله العامل فهم قائلون بالجواز مطلقاً. وأما حكمهم بأنّ الجاعل لا بدّ له من إعطاء الأجرة إلى العامل فليس بمعنى لزوم الجعالة، كما صرّح بذلك الشهيد الثاني مفسّراً لكلام المحقق أو مستشكلاً عليه حكم المصنّف بلزومها من

: طرف الجاعل بعد التلبّس من حيث ثبوت أجرة ما مضى من العمل عليه لا يقتضي اللزوم، لأنّ المراد من العقد الجائز والإيقاع جواز تسلّط كلّ منهما على فسخه سواء ترتب على ذلك لزوم عوض في مقابلة العمل أم لا، والأمر هنا كذلك ومجرّد افتراق الحكم في فسخه من قبلهما بوجوب العوض إذا كان الفاسخ المالك دون العامل لا يقتضي اللزوم من طرف كما في القراض، فإنّه عقد جائز اتفاقا أنّ المالك لو فسخ قبل ظهور الربح فعليه أجرة المثل للعامل، ولا يخرج القراض بذلك عن الجواز من طرفه. فالأولى أن يقال : إنّه جائز من الطرفين لكنّ الحكم يختلف بما ذكر» (1).

وأما بالنسبة إلى أبي علي -وهو ابن الجنيد : فقد عرفت توجيه كلامه بما يلائم فتوى الجمهور في الإشارة الأُولى.

وبالجملة ؛ إنّ الإجماع في كون الجعالة في الجملة من الجائزة محكّم ولا يمكننا العدول منه بعد عدم وجود صارف نعم؛ إنّه لا إجماع في جميع الأضرب أو الحالات على الجواز، كما مرّت الإشارة إليها فيما أسلفنا خصوصاً بعد التنبه إلى أنّ الإجماع دليل لبّي إنّما يؤخذ بالمتيقن منه.

ص: 381


1- مسالك الأفهام 11: 157-158.

الإشارة الخامسة إلى : مسألة الرجوع إلى العمل بعد الفسخ

ومن المسائل المشكلة في هذه الجهة هي مسألة عمل العامل بعد فسخه؛ بمعنى أنّ العامل إذا فسخ الجعالة هل يمكنه الرجوع إلى العمل، وبعد الرجوع هل يستحق أجرة المثل أو المسمّى أم لا؟

ونبين المرام في ضمن أقدام:

القدم الأول : كلام المحقق الثاني في المقام: قال: «واعلم أنّه لو فسخ العامل ثمّ أراد العمل بالجعل فهل ينفسخ العقد، أو يقال: إنّ العبرة بإيجاب الجاعل وهو باقٍ بحاله ولا يتعيّن القبول فمتى ردّها ،استحق، سواء فسخ ثمّ ردّ أم لا، لأنّ اللفظ شامل (1).

القدم الثاني : كلام صاحب المسالك في المقام قال: «لو فسخ العامل ثمّ أراد العمل بالجعل فهل ينفسخ العقد أم يستمرّ إيجاب الجاعل؟ يبنى على أنّ الجعالة هل هي عقد أم لا ؟ فعلى الأوّل: يحتمل الانفساخ ، لأنّ ذلك هو قضية العقد الجائز، فلا يستحق بالعمل بعد ذلك شيئاً، سواء علم المالك بفسخه أم لا. ويحتمل عدمه، لأنّ العبرة بإيجاب المالك وإذنه في العمل بعوض، وذلك أمر لا قدرة للعامل على فسخه وإنّما تركه للعمل في معنى الفسخ ومثله ما لو فسخ الوكيل الوكالة ثمّ فعل مقتضاها. ويمكن الفرق بين ما لو عمل قبل علم المالك بفسخه وبعده. ومثل هذا الخلاف جارٍ في الوكالة. وعلى الثاني: يتّجه عدم ،بطلانها لفسخه واستحقاقه العوض بالفعل، لأنّها عبارة عن الإيجاب والإذن في الفعل، وحكمه بيد الآذن لا بيد غيره. ومعنى قولهم: يجوز للعامل الفسخ»، أنّه لا يجب عليه

ص: 382


1- جامع المقاصد 6: 195.

الوفاء بالعمل، سواء شرع فيه أم لا ، بل يجوز له تركه متى شاء وإن بقي حكم الآذن (1).

القدم الثالث : كلام صاحب الجواهر في المقام قال: «لو فسخ العامل ثمّ أراد العمل بالجعل فهل ينفسخ العقد أم يستمرّ إيجاب الجاعل؟ وجهان لا ترجيح بينهما، وفي جامع المقاصد والمسالك يبنى على أنّ الجعالة هل هي عقد أم لا ؟ (2).

وقد عرفت أنّ الظاهر من كلام جامع المقاصد عدم الإشارة إلى ابتناء المسألة على العقدية ،والإيقاعية فالنسبة إليه غير صحيحة، فتأمل.

القدم الرابع : ابتناء المسألة على العقدية والإيقاعية : ثمّ الظاهر أنّ الأمر كما قاله الشهيد الثاني في المسالك (3) مبني على عقدية الجعالة وعدمها ؛ فإنّها إذا كانت عقداً فمقتضى القواعد أنّه بفسخ العامل ينفسخ العقد وصار الإيجاب كأن لم يكن إلا إذا كان في المقام دليل على بقاء العقد، وهو مفقود في المقام أمّا بناءً على الإيقاعية أو التسبيبية فمقتضى القاعدة عدم دخل للعامل في ربط العمل بالجعل، فلا تأثير لفسخه، كسائر الإيقاعات والتسبيبات، إلا إذا يوجد دليل خاص لزواله، وهو مفقود فيما نحن فيه.

ولا أفهم وجه احتمال الاستمرار بناءً على العقدية الذي عرفت من جامع المقاصد والمسالك احتمالها بقولهما : إنّ العبرة بإيجاب الجاعل» (4) بعد وضوح عدم تحقق العقد إلا بالإرادتين وعدم العبرة

ص: 383


1- مسالك الأفهام 11: 159-160
2- جواهر الكلام :35 201
3- أنظر مسالك الأفهام 11: 157-158.
4- جامع المقاصد 6 195؛ مسالك الأفهام 11: 160.

بالإرادة المنفردة، فتدبّر. اللهم الا أن يقال: إنّ القبول لمّا كان فعلياً، فكما صحح العقد قبل الفسخ فيصحح العقد بعد الفسخ أيضاً، فتدبّر.

القدم الخامس : المختار في المقام على ضوء ما ذكرنا فيما أسلفنا من احتمال تلبّس الجعالة بلباس العقدية والإيقاعية والتسبيبية فالمختار هو أنّها محكومة بحكم كلّ واحد منها فيما إذا كانت متلبسةً بكلّ منها.

ففي صورة العقدية بعد الفسخ لا يستحق العامل شيئاً، وهذا موافق للقواعد إلا إذا كان هناك قوانين حكومية، كما احتملناه في جعل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) للابق.

نعم ؛ في بعض الأضرب أشكل الأمر، مثل ما إذا خاط بقماشه قميصاً له فيمكن الذهاب إلى أنّه مختار بين القبول وإعطاء أجرة المثل أو الردّ وأخذ قيمة قماشه كما يمكن الذهاب إلى أنّه لا يستحق شيئاً، وهو الأظهر، فيدخل تحت قول العلامة : ولو عَمِل العامل بعد الفسخ من المالك مع علمه بالفسخ فإنّه لا يستحق في العمل بعد الفسخ شيئاً، لأنّه متبرّع فيه» (1) بعد التنبه إلى أنّ الملاك هو العلم بالفسخ ولا خصوصية في فسخ المالك لو لم يكن فسخ العامل أولى.

وعلى كل حال هذه مسألة أخرى لا بدّ من التأمل فيها في مقام آخر.

الإشارة السابعة إلى سعة الجعالة من حيث اللزوم والجواز

إنّك قد عرفت فيما أسلفنا أنّ اللزوم والجواز ليسا من الأركان الدخيلة في هوية المعاملات فلا ملزم لنا للذهاب إلى جواز الجعالة أضربها في جميع . ، كما لا ملزم في البيع للقول باللزوم في جميع الموارد.

ص: 384


1- تذكرة الفقهاء 2 : 288

فالمتأمل في الأضرب المختلفة للجعالة يرى أنّ الجعالة لها سعة بالنسبة إلى اللزوم والجواز، ففي بعض الأحيان لا ضير في الذهاب إلى لزومها من حيث العامل أو الجاعل.

أمّا مثال لزوم الجعالة بالنسبة إلى العامل : فقد عرفت ذهاب كثير من الفحول إلى لزوم الجعالة من ناحية العامل إذا كان في ترك العمل ضرر بحال الجاعل ، كما إذا قال الجاعل : (من عمل عملية طبية عليّ فله كذا فلا يمكن للطبيب الذي هو عامل في المثال ترك العمل في أثناء العملية، وقد عرفت من سماحة جدّنا الفتوى بذلك صريحاً تبعاً لأسلافه وقال: «ما ذكرناه من أنّ للعامل الرجوع عن عمله على أيّ حال ولو بعد التلبّس والاشتغال إنّما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل وإلا يجب عليه بعد الشروع في العمل إتمامه، مثلاً لو وقعت الجعالة على قص عينه أو بعض العمليات المتداولة بين الأطباء في هذه الأزمنة لا يجوز له رفع اليد عن العمل بعد التلبس به والشروع فيه حيث إنّ الصلاح والعلاج مترتب على تكميلها وفي عدمه فساد (1).

ويمكن تصوير اللزوم في طرف الجاعل في نفس المثال فمثلاً إذا قال طبيب لأجل تجربة عملية خاصة : من رضي بهذه العملية فله كذا فلا يجوز له الرجوع في أثناء العملية، كما لا يخفى.

ولا يقال : إنّ ذات الجعالة جائزة إلا ما خرج بالدليل، إذ قد عرفت أنّ اللزوم والجواز ليسا في مرتبة ،الذات، بل هما من الأحكام العارضة على الجعالة، وذاتها ملائم لكلّ منهما، كما أنّ العقدية أو الإيقاعية أيضاً ليس ملاكاً مناسباً لتقسيم أبواب الفقه، كما أثبتناه في

ص: 385


1- تحرير الوسيلة 1 : 590

بعض تحقيقاتنا. فهذه جعالة قد عرفت إمكان تحققها بالصورة العقدية والإيقاعية والتسبيبية من دون محدودية في هذه المجالات، ومن دون حاجة للتغيير في اسم الجعالة ومسمّاها .

وكيف كان فهذه السعة لا مفرّ منها، خصوصاً بناءً على ما قوّيناه واكتشفناه من خلال كلمات القوم من عمومية الجعالة بالنسبة إلى الإجارة المجمع على لزومها، فتدبر جيداً.

وبناءً على ذلك : أنّه لو قال شخص لشخص: جئ بعبدي من بغداد في مقابل عشرة دنانير وقال المخاطب: «قبلت»، فيلزم بذلك لو فرض لزومه بذلك في الإجارة.

الجهة التاسعة : نوع العمل

المدعى : أنّه كما يمكن أن يكون العمل المطلوب من قبيل شرط النتيجة فكذلك يجوز أن يكون من قبيل ما للعامل الأجرة بحسب ما عمل.

والأوّل مثل ما إذا قال الجاعل : من ردّ عبدي فله كذا»، والثاني مثل ما إذا قال الجاعل : من بنى لي حائطاً فله كذا». وفي المثالين دقائق نبينها فيما يأتي إن شاء الله.

ولتبيين هذه الجهة لا بد من إشارات:

الإشارة الأولى: تصريحات الأصحاب بوجود هذه السعة في الجعالة

وكفانا ما قاله المحقق العاملي في مفتاح الكرامة في ذيل مسألة جواز الجعالة، وهذا نصه : قوله أي قول العلامة): «فللعامل الفسخ قبل إتمام العمل ولا شيء له لأنّه أسقط حقه» وأبطل المنفعة على نفسه كما في المبسوط والتحرير والروضة، وكذا في التذكرة

ص: 386

والدروس وجامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان والكفاية والمفاتيح. وفي الكفاية أنّه المشهور لأن المالك لم يجعل له العوض إلا في مقابلة مجموع العمل، ولم يحصل غرضه، ولم يأت العامل بما شرط عليه العوض، ولما كانت جائزةً لم يثبت فيها شيء إلا بالشرط، بخلاف الإجارة فإنّها لازمة تستقرّ الأجرة شيئاً فشيئاً. واحتمل في السبعة المتأخرة أنّه لو كان الجعل على نحو خياطة ثوب فخاط بعضه وجوب ،حصّته قالوا ويقوى الاحتمال لو مات أو شغله ظالم. ثمّ إنّ بعضهم استظهر ذلك كالمولى الأردبيلي وبعضهم نفى عنه البأس كالشهيد الثاني وغيره والمدار عندهم على العمل الذي تقابل أجزاؤه بالأجرة كبناء الحائط وتعليم القرآن بل احتمل المحقق الثاني ثبوت الحصّة مطلقاً ، لكن قال الشهيد الثاني : إنّه لا إشكال في عدم استحقاق شيء في نحو ردّ العبد لأنّه أمر واحد لا يتقسّط العوض على أجزائه ونحوه ما في الكفاية والمفاتيح (1).

والمهم لنا من هذه العبارة هو ما احتمل في السبعة المتأخّرة؛ فإنّ عبارتهم في تلك المسألة صريحة في سعة الجعالة من هذه الجهة التي نكون بصدد إثباتها ومراده من السبعة هو عبارات العلامة (2) والشهيد الأول (3) والمحقق الكركى (4) والشهيد الثاني (5) والمحقق الأردبيلي (6) والمحقق السبزواري (7) والفيض الكاشاني (8).

ص: 387


1- مفتاح الكرامة :17 880879
2- أنظر تذكرة الفقهاء 2 : 288
3- أنظر الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3: 100
4- أنظر جامع المقاصد 6: 194.
5- أنظر مسالك الأفهام 11: 159
6- أنظر مجمع الفائدة 10: 153.
7- أنظر كفاية الأحكام 2 514
8- أنظر مفاتيح الشرائع 3: 115.

فالمستفاد من عباراتهم هو : أنّه كما يجوز وأن يكون المطلوب هو النتيجة كذا يجوز أن يكون العمل بمثل العمل المطلوب في متعارف الإجارات.

وفي ختام هذه الإشارة لا بأس بالنظر إلى كلام العلامة في التذكرة حيث قال: ولو قال: إن خطتَ لي هذا القميص فلك ، فخاط بعضه، فإن تلف في يد الخيّاط لم يستحق شيئاً، وإن تلف في يد ربّ الثوب بعد ما سلّمه إليه استحق من الأجرة بنسبة ما عَمِل» (1). فلعلها صريحة في أنّ المطلوب في تلك الجعالة ليست النتيجة، وإلا لا وجه للرجوع إلى الأجرة المسماة بالنسبة إلى ما عمل، كما هو ظاهر العبارة بمقتضى قوله : «الأجرة» الظاهر من اللام العهدية.

الإشارة الثانية إلى : الثمرة بين العملين

وتظهر الثمرة بين النوعين من العمل في صورة فسخ العامل للجعالة، فالمتتبع بين كلمات الأصحاب يرى الاختلاف بينهم في هذه المسألة :

فمنهم من أفتى بأنّ العامل إذا فسخ ورجع لا يستحق شيئاً مطلقاً، وهو ما أفتى به الشيخ الطوسي (2).

ومنهم من أفتى بأنّه إذا كان العمل من قبيل خياطة الثوب فيستحق بنسبة ما عمل وإن كان من قبيل ردّ العبد فلا يستحق شيئاً، وهذا ما احتمله الشهيد في الدروس (3).

ص: 388


1- تذكرة الفقهاء 2: 289
2- أنظر المبسوط 3 332
3- أنظر الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3: 100

وقد عرفت البحث في أنّه هل يستحق أجرة المثل أو النسبة من المسمّى، فلا نعيد.

والإنصاف : أنّ ما قاله الشهيد أوفق بالاعتبار؛ فمثلاً لو بنى العامل لك نصف بيتك وتوقف ولم يتمّه، فمن المستبعد الالتزام بأنّه لا يستحق شيئاً، بل لا يمكن الالتزام به لوضوح أنّه قد أوصل بواسطة عمله للجاعل ،نفعاً والذهاب إلى عدم استحقاقه مطلقاً ظلم بين.

ولعلّ من أفتى بعدم الاستحقاق كان نظره إلى نحو الأوّل من العمل لا الثاني.

وبهذا البيان تكشف ما في كلام السيّد في الوسيلة وتابعيه كالإمام الخمينى والسيد (الگلپايگاني من أنّه «إنّما يستحق العامل الجعل بعد تسليم العمل» (1) فإنّه إن كان المراد استحقاق تمام الجعل أو الاستحقاق في مثل ردّ العبد ،فتمام ولكن لو كان مرادهم عدم الاستحقاق مطلقاً ففيه إشكال.

ويؤيد كون نظرهم إلى النحو الأوّل ما مثلوا به بعد هذا الفرع بمثال العبد فراجع.

الإشارة الثالثة: هل قصد إتمام العمل في الجعالة يؤثر في استحقاق العامل أم لا؟

توضيح السؤال : قد أثبتنا أنّ العمل في الجعالة يمكن أن يكون من قبيل شرط النتيجة ويمكن أن لا يكون والسؤال الذي نكون بصدد جوابه هو أنّ هذين النوعين من العمل هل يكون تحققهما فرع قصد

ص: 389


1- وسيلة النجاة تعليق الإمام الخميني: 412؛ وسيلة النجاة (تعليق الگلپایگانی) 2 : 111

الجاعل أم لا؟ فمثلاً إذا قال الجاعل : «لو خاط ثوبي فهل لا بدّ لنا من الرجوع إلى قصد الجاعل فإن كان مقصوده إتمام الخياطة فهو من قبيل النوع الأوّل، وإن كان مقصوده من قبيل النوع الثاني فيكون من النوع الثاني، أو لا رجوع إلى قصد الجاعل ولابد من النظر إلى ذات العمل حتى يتبيّن لنا أنّه من أيّ ،النوعين أو يكون الأمر منوطاً اشتراط عدم الاستحقاق في صورة الترك في أثناء العمل؟

فهنا ثلاثة احتمالات

الأوّل : أنّه إذا طلب الجاعل إتمام العمل فلا يستحق العامل شيئاً لو ترك العمل في الأثناء، وإذا طلب العمل بنحو انتشار الأجرة على أجزاء العمل فيستحق العامل النسبة في صورة الترك في الأثناء.

الثاني: أنّه لا فرق بين طلب الإتمام وعدمه، بل اللازم النظر إلى ذات العمل ؛ فإن كان ممّا يصل إلى الجاعل بأجزائه نفع فيستحق العامل لو ترك في الأثناء مع مراعاة النسبة، وإلا فلا إلا إذا شرط الاستحقاق في صورة عدم الإتمام.

الثالث : أنّه إذا رجع العامل في الأثناء لا يستحق شيئاً مطلقاً.

أمّا الاحتمال الثالث : فقد عرفت عدم التزامنا به في الإشارة السابقة. فبقي هنا التأمل في الأولين فنقول :

الظاهر من عبارة سماحة الجدّ في تحرير الوسيلة الأوّل، حيث ما إذا كان الجعل على خياطة الثوب وما إذا كان الجعل على إتمام الخياطة، فحكم باستحقاق العامل لو رجع في أثناء العمل بالنسبة إلى المسمّى في الأوّل وأفتى بعدم استحقاق شيء مطلقاً في الثاني. وهذا نص كلامه يحتمل الفرق في الأوّل - وهو ما كان الرجوع من العامل بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل، وبين ما كان

ص: 390

مثل ردّ الضالة ممّا كان التلبّس به بإيجاد بعض مقدماته الخارجية، فله من المسمّى بالنسبة إلى ما عمل في الأوّل بخلاف الثاني، فإنّه لم يستحق شيئاً، لكن هذا لو لم يكن الجعل في مثل خياطة الثوب وبناء الحائط على إتمام العمل وإلا يكون الحكم كرة الضالة» (1).

فالمستفاد منه هو : أنّ الحكم منوط بقصد الجاعل فإن جعل الجُعل على الإتمام فيكون على النحو الأوّل وإن جعله على نفس الفعل فيصير على النحو الثاني. ففي نفس الخياطة إن قال : من خاط «ثوبي وقصد الإتمام فيفترق الحكم مع ما إذا قال: «من خاط ثوبي ولم يرد الإتمام.

هذا ؛ ولكنّ الخاطر بالبال أنّ الأمر ليس منوطاً بقصد الجاعل من جهة قصد الإتمام أو عدم قصد الإتمام، بل لابد من النظر إلى ذات العمل ؛ فإن كان العمل ممّا وصل بأجزائه نفع إلى الجاعل فلا بد من القول بتقسيط المسمّى على الأجزاء، وإن كان مما لم يصل إليه نفع إلا بتمام العمل فنقول بأنّ الجعل إنّما يتعلّق بالعامل بعد إتمام العمل. نعم ؛ قضية اشتراط عدم الإعطاء في أثناء العمل شيء آخر نبينه في ختام هذه الإشارة.

وبالجملة فلا بأس بالذهاب إلى أنّ خياطة الثوب ممّا ينتشر الجعل في أجزاء العمل وإن كان الجعل على إتمام العمل.

وبناءً على ما قوّيناه حتى في مثل ردّ العبد إذا أتى العامل العبد إلى البلد ثمّ ينصرف ولم يهرب العبد وبقي في جنبه فلا بدّ للجاعل أن يعطي إليه أجرةً لأجل إيصاله العبد من البلاد البعيدة إلى بلده، ولا ينافيه ما قاله الفقهاء من أنّ العامل يستحق الجعل بالتسليم، فلو جاء

ص: 391


1- تحرير الوسيلة 1 589-590

به إلى البلد فهرب لم يستحق الجعل (1) . فإنّ القيد الذي يوجب عدم الاستحقاق هو ،فراره فمعناه أنّه لم يصل إلى الجاعل نفع من فعله أصلاً فلا شيء له طبعاً.

فتدبّر في أنّه إذا جعل جاعل جعلاً لتمام بناء دار ذات عشر طوابق فاشتغل شخص وبنى نصفه ثمّ مُنع أو انصرف، فهل تلتزم بأنه لا شيء للعامل لأنّ الجعالة وقعت على تمام العمل؟ وهل يمكننا نسبة هذه الفتوى إلى فقهائنا ؟

ولذلك : لا يُعد في دعوى أنّ مراد العلامة من قوله: استحقاق العامل للجعل موقوف على تمام العمل (2) هو استحقاقه تمام الجعل كما هو قضية «ال» ، لا بعض الجعل بداهة أنّ نفي الكل لا يستلزم نفي الجزء.

ولكن الإنصاف : أنّه يصعب نسبة ذلك إلى العلّامة، لأنّه صرّح بعد تلك العبارة بقوله: «فلو سعى في طلب الآبق فردّه فمات في الطريق أو على باب دار المالك أو هرب أو غصبه غاصبٌ أو تركه العامل ورجع بنفسه فلا شيء للعامل؛ لتعلّق الاستحقاق بالردّ، وهو المقصود ولم يحصل (3) فإنّ قوله تركه العامل ورجع بنفسه مغاير لما قلنا إذ بناءً على ما قوّيناه أنّه إن أتى العامل بالعبد إلى البلد ثمّ ترکه ورجع بنفسه إلى مولاه فاللازم على المولى إعطاء الأجرة إلى العامل مع مراعاة نسبة عمله للكلّ. إلا إذا قلنا أنه بعد تركه صار عمله باطلاً ولا ينسب إليه ردّ ،العبد كما إذا تركه فهرب، فهذه المسألة

ص: 392


1- انظر شرائع الإسلام :3 707 تحرير الاحكام :4 : 442 قواعد الأحكام 2 216؛ مسالك الأفهام 11: 155؛ وغيرهم.
2- تذكرة الفقهاء 2 : 288
3- تذكرة الفقهاء 2 : 288

محل إشكال. أمّا إذا أتى به إلى البلد ثمّ لم يوصله إلى الجاعل بل الجاعل جاء ،وأخذه فلا إشكال في الاستحقاق بناءً على المختار وكذا لا إشكال في الاستحقاق لو أتى به إلى البلد ثم أخذه شخص آخر وردّه إلى الجاعل ، فإنّ المسمّى لا بد من تقسيمه بينهما، فتدبر

وكيف كان يؤيّد المختار بل يدلّ عليه قاعدة احترام عمل الإنسان أو المسلم بضميمة ما أسلفنا من أنّ الأولى الرجوع إلى المسمّى في مثل المقام لا المثل، فتدبّر.

فالحاصل هو أنّه إن وصل بواسطة عمل العامل نفع إلى الجاعل في العمل الذي جعل الجعل له فلا بدّ للجاعل دفع الأجرة إلى العامل، وإن لم يصل إليه نفع فلا شيء له.

نعم ؛ إذا قال الوالد للمعلّم : «لو نجح ولدي في الامتحانات النهائية فلك كذا وعلمه الأستاذ ولم ينجح، يمكن القول بأنّ الأستاذ لا يستحق شيئاً، وذلك لأنّ هذا المورد مثل هرب العبد الواصل إلى جنب الباب لا مثل بناء الدار وخياطة الثوب. وهذا بعد حكم الوجدان به یمکن توجیهه ببيان الفرق بين الموردين بأن نقول : إنّ إتيان العبد من البلاد البعيدة إلى بلد المولى هو جزء العمل المطلوب (أي ردّ (العبد كما أنّ بناء خمسة طوابق هو جزء للعمل المطلوب (أي بناء دار ذات عشرة طوابق، وهذا بخلاف التعليم والنجاح؛ فإنّ التعليم ليس جزءً للنجاح، وإن كان مقدّمة له، وبذلك يمكن التفرقة بينهما

وما أحسن السيد في الوسيلة : حيث فرّق بين ما كان العمل مثل خياطة الثوب وبناء الحائط ونحوهما ممّا كان تلبّس العامل به بإيجاد بعض العمل، وبين ما كان مثل ردّ الضالة... ممّا كان التلبس به بإيجاد

ص: 393

بعض مقدّماته الخارجية، فله من المسمّى بالنسبة إلى ما عمل في الأوّل بخلاف الثاني، فإنّه لم يستحق شيئاً (1).

وإنّما تعليقنا عليه هو أنّ إيصال العبد إلى البلد ليس هو من المقدّمات الخارجية، بل هو من قبيل جزء العمل، إذ الردّ لا معنى إلا إيصال العبد من البلد الفلاني إلى يد الفلاني، فتدبّر جيّداً.

ثمّ إنّه ربما أشكل علينا أن عملية تعليم الابن حينئذ صار بلا أجرة فكيف يجمع بينه وبين قاعدة احترام العمل؟ فنقول : إنّه ليس كلّ من أوصل إلى شخص آخر نفعاً يستحق أجرةً، فمثلاً لو أتى شخص بضالتي من دون طلب مني فلا يستحق شيئاً علي، لأنّه ليس عمل لأجل طلبي حتّى يستحق شيئاً عليّ، فيكون الأمر في هذا الفرع كذلك، لأنّ المطلوب هو النجاح لا التعليم، فالتعليم هو أمر خارج وإن كان من مقدماته، فتأمّل جيّداً، فإنّ المسألة مشكلة كما صرّح به سماحة الجدّ تبعاً للسيد بقوله : المسألة محلّ إشكال، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالتراضي والتصالح على كل حال» (2).

هذا كلّه في فرض الإطلاق مثل من خاط ثوبي أو فرض طلب تمام العمل مطلقاً مثل «من أتمّ لي عشرة طوابق» أمّا إذا اشترط الجاعل عدم إعطاء شيء على نصفه، فمن القريب دعوى عدم الاستحقاق مطلقاً لإقدام العامل نفسه على هذا الضرر، كما إذا قال الوالد للمعلّم : «لو علمت ولدي القرآن كله فلك كذا ولا أعطيك شيئاً لو علمته أقلّ من «الكلّ فهذا أمر آخر، فالظاهر اعتبار الشرط.

ص: 394


1- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 413.
2- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 413.

وكذا الحال فيما إذا كان الظاهر من الإطلاق اشتراط عدم إعطاء شيء في صورة عدم التمامية.

فالذي قوّى في الذهن في العمل الذي يصل بأجزائه نفع إلى العامل هو أنه في حالة الإطلاق العامل يستحق الجعل بنسبة ما عمل إلا إذا قبل عدم الاستحقاق، خلافاً لصاحب الجواهر؛ فإنّ ظاهره هو في حالة الإطلاق تنصرف الجعالة إلى إرادة تمام العمل ولا يستحق العامل شيئاً (1).

وتعليقنا على كلامه هو أنّه أوّلاً لا انصراف في المقام بنحو كلي، فلا يمكن الحكم كلّياً، وثانياً : حتى لو فرض انصراف الجعالة إلى الإتمام فقد عرفت أنّ الملاك هو وصول النفع إلى الجاعل إلا إذا اشترط عدم الإعطاء وأقدم العامل نفسه، فلا اعتبار بطلب الإتمام أو عدمه.

فمحصل الكلام بعد اللتيا والتي يظهر في فروع:

الأوّل : إذا قال شخص من ردّ عبدي فله كذا فأتى العامل العبد إلى جنب الباب ثمّ هرب أو مات فلا شيء له.

الثاني : إذا قال شخص من ردّ عبدي فله «كذا فأتاه العامل إلى بلد المولى ثم العبد نفسه ذهب إلى بيت مولاه فهو يستحق الأجر بملاحظة نسبة عمله المجموع من المسمّى، مع تأمل فيه.

الثالث : إذا قال: من بنى لي بيتاً كاملاً فله كذا وبني العامل نصفه وانصرف أو مُنع أو مات فيستحق النصف من المسمّى.

الرابع : إذا قال: من بنى لى بيتاً كاملاً فله كذا ولا أعطي شيئاً

ص: 395


1- أنظر جواهر الكلام 35 200

لمن شرع وترك أو مُنع أو مات في أثناء العمل فلا يستحق العامل شيئاً في فرض الترك والمنع والموت.

وبهذا البيان نصل إلى أنّ تعيين النوعين من العمل يكون باختيار الجاعل ويمكن تعيين ما أراد ولكن في صورة الإطلاق لا بدّ من النظر إلى ذات العمل فإن وصل إلى الجاعل نفع فلا بدّ من إعطاء الأجرة بالنسبة وإلا فلا.

الجهة العاشرة : مالكية الجاعل

المدعى : أنّه كما يجوز أن يجعل الجاعل جعلاً لأجل عمل يصل إليه نفعه يجوز أن يجعل جعلاً على عمل لا يصل إليه نفعه بل يصل إلى غيره.

ولتبيين المرام لا بد من ذكر إشارات:

الإشارة الأولى إلى : كلمات الأصحاب الصريحة في وجود هذه السعة في الجعالة

فالمتتبع في كلماتهم وجد التصريح بتلك الجهة في غير واحد من الكتب الفقهية، وإليك بعضها :

الأوّل : قال العلامة في التذكرة ولا يشترط أن يكون الملتزم المالك، ولا أن يقع العمل في ملكه فلو قال شخص : «مَنْ ردّ عبد فلانٍ فله كذا استحقة الرادّ عليه لأنّه التزمه فلزمه، بخلاف ما إذا التزم الثمن في بيع غيره والثواب على هبة غيره لأنّه عوض تمليك فلا يتصوّر وجوبه على غير مَنْ حصل له والجُغل ليس عوض تمليك» (1).

ص: 396


1- تذكرة الفقهاء 2 286

الثاني : قال الشهيد في اللمعة وتجوز الجعالة من الأجنبي ويجب عليه الجعل مع العمل المشروط» (1).

الثالث : قال المحقق الكركي في جامع المقاصد: «لا ريب في صحة الجعل من الأجنبي على العمل وإن كان العمل لا يرجع بفائدة للتوسع في الجعالة» (2).

الإشارة الثانية إلى النفع الداخلي والنفع الخارجي

قد قصصنا لك في الفصل الأوّل الميز بين النفع الداخلي والنفع الخارجي في المعاملات (3) ، وقد عرفت أنه كما يصح وأن يقول الجاعل : من ردّ ضالتي فله كذا يصح أن يقول : من كفل هذا اليتيم فله كذا والفرق بينهما هو في وصول النفع الداخلى، ففي الأوّل وصل النفع الداخلي إلى طرفي المعاملة أعنى الجاعل الذي وجد ضالّته والعامل الذي أخذ أجرته ولكن في الثاني أنّ الجاعل لم يصل إليه النفع الداخلي من المعاملة لأنّ فائدة التكفّل وصلت إلى اليتيم، والأجرة وصلت إلى العامل المتكفّل. ولكنّ النفع الخارجي فهو واصل إلى الجاعل على القاعدة، بمعنى أنّه من جهة كونه عاقلاً ، فطبعاً لا يعمل ما لم يصدّق بفائدته بل بفائدته لنفسه.

وبالجملة: يمكننا تقسيم المنافع الموجودة في المعاملات إلى المنافع الداخلية والخارجية والخارجية إلى المادية والمعنوية والمعنوية إلى الدنيوية والأخروية :

أمّا المنفعة الداخلية كالأجرة الواصلة إلى العامل والضالة

ص: 397


1- اللمعة الدمشقية: 151.
2- جامع المقاصد 6: 191.
3- تقدم في الصفحة 258-259.

الواصلة إلى الجاعل فيما إذا قال المالك : من ردّ ضالّتي فله كذا».

أمّا المنفعة الخارجية المادية : كما إذا قال: من تكفّل يتيماً فإنّي أعطيه كذا فيما إذا حوسب هذا المبلغ الذي أعطاه للمتكفّل بعنوان مالياته. فالمنفعة الواصلة إلى المتكفّل هي المنفعة الداخلية للمعاملة والمنفعة الواصلة للجاعل هي منفعة ماديّة ولكن غير داخلة في نفس الإنشاء.

أمّا المنفعة الخارجية المعنوية الدنيوية فهي في نفس مثال اليتيم فيما إذا فرض أنّ أهل السوق يعلمون بهذا الإكرام ويحصل له جاه في السوق، ومن الواضح أنّ الجاه وتقويته من أهم المنافع السوقية وقد أشار الفقهاء إليه في عدة مواضع كشركة الوجوه في كتاب الشركة (1).

أمّا المنفعة الخارجية المعنوية الأخروية هي في نفس المثال فيما إذا فرض أن قصد الجاعل من جعالته هو عمل خير وثواب.

ويمكن تطبيق هذه المنافع في شراشر المعاملات ؛ فمثلاً فيما إذا اشترى رجل من يتيم شيئاً بأكثر من قيمته بكثير، فالمشتري أراد من معاملته وحيازة نفع خارج عن المعاملة ولا يمكننا القول بأنّ معاملته سفهي إذ السفاهة تعلم بعد الوقوف على ما أعطاه الرجل وما اكتسبه وبعد ما عرفت من عدم انحصار المنافع بالمنافع الداخلية فمن المستصعب جداً الحكم الواضح بكون معاملة سفهية، لأننا لسنا في قلب البايع أو المشتري أو الجاعل أو العامل حتى نصير واقفاً بما أعطاه وما اكتسب بعد التنبه إلى أنّ الأغراض كثيرة جداً لا يمكن إحصاؤها أبداً.

ولعلّ بالتنبه إلى ما قلنا علّق سماحة الجدّ على قول السيد في

ص: 398


1- أنظر المبسوط 2 348

الوسيلة: لا تصح الجعالة على ما يكون لغواً عند العقلاء، وبذل المال بإزائه سفهاً كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة والصعود على الجبال الشاهقة والأبنية المرتفعة والوثبة من موضع إلى موضع آخر ونحو ذلك» (1) ، بقوله : إذا لم تكن فيه وفي سائر المذكورات أغراض عقلائية» (2).

وعلى ضوء ما ذكرنا ونبّهنا عليه يمكنك الذهاب إلى أنّ المعاملة السفهية غير باطلة لعدم العثور عليها لعدم الوقوف على أغراض المتعاملين، وأنّ الذي يمنع منه هو معاملة السفيه، فالسفيه هو الممنوع من العاملة لا أنّ المعاملة التي بظاهرها سفهية كانت باطلة، فافهم.

فما عرّف السفيه في بعض الروايات المعتبرة من أنّ السفيه هو «الَّذِي يَشْتَرِي الدَّرْهَمَ بِأَضْعَافِهِ» (3) فالمراد من دون غرض عقلائي ،آخر، كما يقتضيه الإطلاق، ويؤيّده تعريف الفاضل الآبي للسفيه في كشف الرموز حيث قال : والسفيه هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة» (4) فلا تغفل.

الإشارة الثالثة: هل هذه الجهة ثابتة من جهة الاغتفار في الجعالة أو تكون على وفق القاعدة

الظاهر من عبارة جامع المقاصد المذكور في الإشارة الأولى أنّ هذه الجهة إنّما تتحقق في الجعالة من جهة السعة في الجعالة، وكأنّ ظاهر عبارته أنّ هذه السعة ليست على وفق القاعدة، وإنّما تجوّز

ص: 399


1- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 410.
2- وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 410.
3- تهذيب الأحكام :9 731182 وسائل الشيعة 19: 24768/363
4- كشف الرموز 1: 553

لأجل وجود الاغتفار في الجعالة. فانظر إلى عبارته كرّة أخرى: «لا ريب في صحة الجعل من الأجنبي على العمل وإن كان العمل لا يرجع عليه بفائدة للتوسع في الجعالة» (1) . بينما أنّ الظاهر من عبارة التذكرة أنّ هذه السعة تكون على وفق القاعدة، وإنّما لا يصح ذلك في البيع لأجل اختلاف حقيقة البيع والجعالة (2).

والظاهر أنّ هذه السعة ليست لاجل الاغتفار في الجعالة، بل تكون على وفق القاعدة ولا مانع يمنع عنها.

بل لك أن تقول : إنّ كلام المحقق الكركي أيضاً غير ظاهر في الاغتفار، بل مصرّح بالتوسع، والمراد من التوسع هو التوسع الموجود في حقيقة الجعالة الذي يلزم منه وجود هذه الجهة فيها، فتدبّر.

الإشارة الرابعة إلى : وجه هذه الجهة

والدليل الذي يمكن التشبّث به قبل الاتفاق وبعد العمومات الدالّة على وجوب الوفاء بالعهود أمور:

منها: إطلاق صحيحة علي بن جعفر عن أخيه من نفي البأس عن جعل الآبق (3) سواء في ذلك أن يكون الجعل من قبل المالك أم لا ، إلا أن ينكر الإطلاق لمكان الانصراف إلى المالك.

ومنها ما قاله العلامة في تعليل حكمه بالجواز من أنّه ضامن قال في القواعد: «ولو تبرّع المخبر وقال: «من ردّ عبد فلان فله «درهم لزمه لأنّه «ضامن» (4). ولم أجد الاستدلال بهذا الدليل في كتب

ص: 400


1- جامع المقاصد 6: 191.
2- أنظر تذكرة الفقهاء 2 286
3- أنظر الكافي :6 9/201 وسائل الشيعة 23 86-29164/87
4- قواعد الأحكام 2 215

القوم. وأما ما قاله في مفتاح الكرامة في شرح قول العلّامة: «قوله : ولو تبرّع المخبر فقال: من ردّ عبد فلان فله درهم لزمه، لأنه ضامن» كما في الشرائع والتذكرة والتحرير والإرشاد والمسالك والروضة ومجمع البرهان والكفاية والمفاتيح (1) فإنّما أراد الفتوى بذلك، لا موافقتهم له في الاستدلال فإنّه ليس موجوداً في واحدٍ منها هذا الاستدلال، فراجع إن شئت.

وعلى كل حال الظاهر من العلّامة جعل هذا المورد من صغريات ما ذكروه في كتاب الضمان وهو كما في التحرير - عبارة عن التعهد بالمال أو النفس» (2) وقد استدلّ على شرعيتها في المبسوط (3) بكريمة: (وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ، زَعِيمُ (4) وهذا ربما يستشمّ منه أعمية الضمان للجعالة، فتدبّر جيّداً.

نعم؛ يمكن أن يستشكل على كون الجعالة من صغريات الضمان بالنظر إلى ما ذكره في الشرائع من أنّ الضمان عقد محتاج إلى القبول (5) ، فيشكل الأمر فيما نحن فيه بناءً على الذهاب إلى سعة الجعالة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية، كما عرفت

وكذلك يمكن المناقشة بالنسبة إلى ما يشترط في الضمان من كون الضامن غنياً في زمن الضمان أو كون الطرف عالماً بإعساره (6) أنّ الظاهر عدم اشتراط الجعالة بهذا الشرط.

ص: 401


1- مفتاح الكرامة 17 865
2- تحرير الأحكام 2 549.
3- أنظر المبسوط 2 325
4- يوسف (12) 72
5- انظر شرائع الإسلام 2 355
6- أنظر شرائع الإسلام 2 356

ويمكن المناقشة من جهات أخرى، ولعلّ بالنظر إليها لم يستدلّ الأصحاب بما استدلّ به العلامة فافهم.

اللهم إلا : أن يتمسّك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ ضَمِنَ لِأَخِيه

حَاجَةٌ لَمْ يَنْظُرِ الله عَزَّ َوجَلَّ فِي حَاجَتِه حَتَّى يَقْضِيَهَا (1) ، فتأمل.

وكيف كان : إنّ المسألة غير مشكلة ولا مانع من القول بجواز ذلك بعد ما عرفت من أنّ حقيقة الجعالة تقبل ذلك، وشرعيتها كافية في المقصود من دون حاجة إلى إثبات الشرعية بالتمسّك إلى كتاب الضمان أو غيره، وكفانا عدم الخلاف في المسألة بعد شمول حقيقة الجعالة لها من دون أن تكون أمراً مخالفاً للقاعدة محتاجاً لإثبات الاغتفار فيها ، فلا نحتاج إلى دليل زائد على أدلّة اعتبار الجعالة.

الجهة الحادية عشر: نشأة الجعل من داخل العمل أو خارجه

المدعى : كما يجوز وأن يكون الجعل أمراً خارجاً عن محلّ العمل يجوز وأن يكون داخلاً في محلّ العمل.

ولتبيين الحال لا بدّ من النظر إلى ما قد أسلفنا من تعريف ابن عرفة للجعالة حيث عرّفها بقوله : «عقد معاوضة على عمل آدميّ بعوض غير ناشئ عن محله به لا لا يجب إلا بتمامه (2).

وقد عرفت أنّ مراده من قيد غير ناشئ من محلّه إخراج المضاربة والمساقاة ،والمزارعة لأنّ العوض فيها ناشئ من محلّ العمل بخلاف الجعالة، فالجعالة لا ينشأ الجعل فيها عن محلّ العمل، بل هو عوض خارج عن محلّ العمل يتعلّق بالعامل بواسطة عمله.

ص: 402


1- وسائل الشيعة 18: 23966/423
2- شرح مختصر خليل 7 59

ولكن يمكن أن يقال : إنّه يجوز أن يكون العوض ناشئاً من نفس المحلّ من دون اختلاط بين الجعالة وتلك الثلاثة، وذلك لأنّ نسبة محلّ العمل والعوض على أنحاء :

الأوّل: مثل ما إذا قال: من ردّ عبدي فله نصفه، فلا ريب في كون العوض داخلاً في محلّ العمل ولا شكّ في عدم إطلاق المضاربة وأخواتها عليه. وقد عرفت من العلامة (1) وغيره (2) صحة هذه الجعالة.

الثاني: مثل ما إذا قال: من زرع لي أرضي فله عشرة كيلو من دون تقييد الحنطة بما حصل من المزرعة. ثمّ لو أعطى الجاعل العوض من الحنطة الحاصلة من الأرض فيصير العوض ناشئاً من محلّ العمل، ولكن لا يكون مزارعةً، لأنّه في المزارعة لا بدّ من أن يكون الربح الحاصل من الزراعة وزّع على المالك والعامل شراكة على نحو تعيين العوض المعلوم، كما لا يخفى.

الثالث : مثل ما إذا قال: من اتّجر بمالي فله الثلث من الربح ففي هذه الصورة تتحقق المضاربة.

وعلى ضوء ذلك تعرف أن قيد غير ناشئ من محلّ العمل يوجب إخراج ما هو داخل في الجعالة عن تحت الجعالة وهو النحوين الأول والثاني.

اللهم إلا أن يوجّه الأوّل بأن يقال : إنّ الجعل في قوله: «من ردّ عبدي فله نصفه ليس ناشئاً من المحل، بل يكون جزءً من المحلّ، وهذا لا يصدق عليه النشأة فداخل تحت الجعالة، لأنّه

ص: 403


1- انظر قواعد الأحكام 2 : 216.
2- انظر كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1: 643؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 439؛ سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات 4 3

بواسطة القيد إنّما يخرج ما إذا كان الجعل ناشئاً من المحلّ بمثل ما حصل في المزارعة وأخواتها، فإنّ الجعل إنّما نشأ من الأرض بعد ما لم يكن، وهذا بخلاف نصف العبد، فإنّه موجود من بدء الأمر سواء علم بقيمته أم لم يعلم.

وكذلك يمكن توجيه الثاني بأن نقول : إنّ العوض فيه ليس أمراً من محلّ العوض، وإنّما مصداقه أعطي ممّا أُنشئ من المحلّ، وبينهما فرق فارق ؛ فإنّ قيد غير ناشئ من محلّ العوض» (1) إنّما يراد به عدم كون العوض من المحل لا كون العوض شيئاً معلوماً كلياً وإنّما في وقت الإعطاء أعطي ممّا نشأ من المحل.

فالظاهر : أنّه بواسطة هذا القيد يخرج ما ليس بجعالة ويدخل ما هو داخل فيها، فاللازم الاستفادة من هذا القيد في تعريف الجعالة إلا في إحدى صورتين :

الأولى : إخراج المضاربة وأخواتها بواسطة قيود أخرى من غير حاجة إلى هذا القيد وسيأتي في الفصل الآتي إشارة إلى وجه خروج المضاربة وأخواتها عن تحت الجعالة فانتظر.

الثانية : الذهاب إلى أعميّة الجعالة بالنسبة إليها، فلا نحتاج إلى إخراجها بل لا بدّ من حذف القيود التي مفادها إخراجها. وسيأتي في الفصل الآتي بيان النسبة الموجودة بين الجعالة وبين المضاربة وأخواتها، فانتظر.

الجهة الثانية عشر : قصد العامل للأجر

المدعى كما يستحق العامل للجعل فيما إذا قصده كذلك يستحقه فيما إذا لم يقصده في الجملة.

ص: 404


1- شرح مختصر خليل 7 59

اعلم : أنّ لمسألة قصد العامل للجعل وعدم قصده فروضاً : وذلك لأنّ العامل إمّا سمع الجعل أم لم يسمع، وفي كليهما إما قصد الأجر أم قصد التبرّع أم لم يقصد كليهما وفي صورة سماع الجعل إمّا سمعه من الجاعل أم سمعه من المخبر، وفي الأخير إمّا يكون المخبر صادقاً أم كاذباً، وفي صورة عدم سماع الجعل تارة جعل جعلاً في الواقع ولم يصل إليه وأخرى لم يجعل شيئاً.

وهكذا يمكن تشقيق الشقوق والفروض بأكثر من ذلك، ولكن ما ذكرنا هنا كلها مذكور في كلمات الأصحاب لو تتبعت بالدقة. فاللازم علينا بيان الحكم في كلّ واحد من الفروض حتى يتبين لنا سعة الجعالة أو عدمها بالنسبة إليها .

وإليك بعض الفروع ولعله يفهم منها حكم سائر الفروض :

الفرع الأوّل: ما إذا جعل الجاعل وسمع العامل منه وعمل بقصد الأجر :

فمن البديهي استحقاقه الأجر، فلا نطيل.

الفرع الثاني : ما إذا جعل الجاعل وسمعه العامل منه ولكن عمل بقصد التبرع :

فهنا :احتمالان

الأوّل: الذهاب إلى عدم استحقاقه مطلقاً كما في الشرائع (1) والجامع للشرائع (2) ، التحرير (3)

ص: 405


1- أنظر شرائع الإسلام 3 707
2- أنظر الجامع للشرائع : 326.
3- أنظر تحرير الأحكام 4: 441

ص: 406

والتصريح بأن المتبرع لا استحقاق له عند من ذهب إلى عقدية الجعالة وجيه كما قلنا ولكن لا أدري لماذا ذهب إلى عدم الاستحقاق من جعله إيقاعاً كالمحقق في الشرائع حيث صرّح بأنّه : لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أوّلاً، ولو حصلت في يد إنسان قبل الجعل لزمه التسليم ولا أجرة، وكذا لو سعى في التحصيل تبرعاً (1)

ومن العجيب ما في الجواهر في شرح هذه الفقرة من العبارة حيث قال: وكذا لو سعى في التحصيل تبرّعاً لما سمعت» (2). ولم أجد فيما أسلف توضيحاً لذلك، بل لعلّ ما أسلف مغاير له، لأنّه لمّا جعل الجعالة من قبيل التسبيب فما هو وجه عدم الاستحقاق بصرف قصد التبرع، فتدبّر جيّداً.

فالأولى هو الثاني : ولعله مستفاد من كلمات الجد الماجد حيث حكم بالاستحقاق حتى في صورة عمل العامل غفلة فقال في تحرير الوسيلة: «لو عمله خطاً وغفلةً بل من غير تمييز كالطفل الغير المميّز والمجنون فالظاهر استحقاقه له» (3). فبعد التنبه إلى أنّ قصد العامل في صورة الإيقاعية والتسبيبية لا اعتبار له فالذهاب إلى الاستحقاق في من قصد التبرّع لا يخلو من وجه والله العالم.

الفرع الثالث : ما إذا سمع العامل ولم يقصده ولم يقصد التبرع، بل عمل بلا قصد من جهة الجعل :

وقد عرفت بعض الكلام حول هذا الفرع، وقد نقلنا لك ما قاله

ص: 407


1- شرائع الإسلام 3 707
2- جواهر الكلام 35 205
3- تحرير الوسيلة 1 : 588

الشهيد الثاني في ثمرة القول بالإيقاعية والعقدية من أنّه : «تظهر الفائدة فيما لو فعل العامل بغير قصد العوض ولا قصد التبرّع بعد الإيجاب. فعلى الأوّل أي) بناءً على الإيقاعية يستحق العوض، لوجود المقتضي له وهو الصيغة مع العمل. وعلى الثاني أي) بناءً على العقدية لا ، وإن كان قد عمل لأن المعتبر من القبول الفعلي ليس هو مجرّد الفعل، بل لا بد معه من انضمام الرضا والرغبة فيه لأجله» (1).

وهو حسن بعد تطبيقه على ما ذهبنا إليه من سعة الجعالة بالنسبة إلى الإيقاعية والعقدية، وقد مرّ الكلام في هذه الجهة بما لا مزيد عليه.

أما ما قاله في مفتاح الكرامة من أنّه ليس هناك حد وسط، لأنه من ردّ لا على قصد التبرّع ولا على قصد العوض متبرّع وإن لم يقصد التبرّع» (2) غير مطابق للوجدان، لأنّه من المحتمل عدم توجه الشخص إلى الأجرة حين العمل وليس هو بمتبرّع عرفاً ولا واقعاً.

وعلى كلّ حال كان الأمر لنا سهلاً بعد ما عرفت من استحقاق المتبرّع أيضاً في الأضرب الإيقاعية والتسبيبية.

الفرع الرابع : ما إذا جعل الجاعل ولم يسمعه العامل ولكن عمل بقصد الاجرة

فهناك وجوه من استحقاق المسمّى أو المثل أو عدم الاستحقاق مطلقاً.

فإن ذهبنا إلى أنّ الجعالة إيقاع أو تسبيب فلا إشكال في

ص: 408


1- مسالك الأفهام 11: 150
2- مفتاح الكرامة 17 : 858

استحقاق المسمّى لما عرفت ولكن في ضرب العقدية فأشكل الأمر، بعد عدم تحقق العقد فلا معنى للرجوع إلى المسمّى ظاهراً. والرجوع حينئذ إلى المثل مشكل أيضاً لما ثبت عندنا من أنّ العامل لو عمل بلا طلب من الجاعل فلا شيء له في الجملة.

ولكن يمكن أن يقال: إنّه في هذا المورد قد أقدم الجاعل على إعطاء شيء وقد قصد العامل عدم التبرّع فلا ضير في الذهاب إلى استحقاقه المسمّى ولو كان بأقل من المثل.

وقد اعترف العلامة بالإشكال في المسألة، وبين مراده في كنز الفوائد بدون ترجيح بين طرفي الإشكال بقوله : يريد أنّه لو جعل المالك جعلاً لمن يرد ضالته فردّها من لم يسمع الجعالة لا بقصد التبرّع ، ففي استحقاقه الجعل إشكال ينشأ أنه لم يسمع الجعالة، فلم يجر معه عقد، فردّه يكون كابتداء الردّ من دون الجعل بالنسبة إلى أنّ ردّها غير متبرّع (كذا) في المنبع ولعلّ الأولى : أن من ردّها غير متبرع أو أن ردّها غير تبرعي، وقد جعل المالك الجعل في مقابلة ذلك العمل فكان مستحقاً له» (1).

وقد رجح الاستحاق في إيضاح الفوائد قائلاً: «سبب الاستحقاق صدور الإيجاب من الموجب والفعل من القابل والأصحّ عندي الأوّل أي) احتمال الاستحقاق) (2). وهذا وإن كان موافقاً لمختارنا في الجملة ولكن لا يناسب مع ظاهر عبارته حيث قال: «لما احتيج إلى هذا العقد لردّ الضوال والإباق ذكره المصنّف عقيب اللقطة» (3).

ص: 409


1- كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 1 642
2- إيضاح الفوائد 2 162.
3- إيضاح الفوائد 2 162.

فالمستفاد منه كونه ممّن رأى الجعالة من العقود فكيف رضي بهذا البيان ممّا لا أفهم له وجهاً إلا أن نقول : إنّ مراده من العقد هو العهد وليس ببعيد بعد عدم وجود تصريح بالعقدية أو الإيقاعية في عباراته فراجع إن شئت.

وكيف كان فوفقاً للمختار ليس الأمر صعباً، لكون الجعالة في هذا المثال متلبساً بلباس الإيقاعية أو التسبيبية، فلا ريب في استحقاق المسمّى عندنا.

هذا؛ ولكن فصل البحث في الروضة بقوله : وكذا لا عوض له مطلقاً لو ردّ من لم يسمع الجعالة على قصد التبرع، أو بقصد يغاير ما بذله المالك جنساً أو وصفاً، ولو ردّ بنية العوض مطلقاً وكان ممّن يدخل في عموم الصيغة أو إطلاقها ففي استحقاقه قولان، منشأهما: فعله متعلّق الجعل مطابقاً لصدوره من المالك على وجه يشمله، وأنّه عمل محترم لم يقصد به فاعله التبرّع وقد وقع بإذن الجاعل فقد وجد المقتضي والمانع ليس إلا عدم علمه بصدور الجعل، ومثله يُشكّ في ما نعيته لعدم الدليل عليه فيعمل المقتضي عمله، ومن أنّه بالنسبة إلى اعتقاده متبرّع إذ لا عبرة بقصده من دون جُعل المالك، وعدم سماعه في قوّة عدمه عنده وفصّل ثالث ففرّق بين من ردّ كذلك عالماً بأنّ العمل بدون الجُعل تبرّع وإن قصد العامل العوض، وبين غيره لأنّ الأوّل متبرّع محضاً، بخلاف الثاني واستقرب المصنّف الأوّل والتفصيل متجه» (1).

ويمكن التعليق عليه بما يلي:

قوله : على قصد التبرع : قد عرفت أنّ قصد التبرع لا اعتبار له

ص: 410


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 446-447.

في صورة الإيقاعية والتسبيبية من دون فرق بين ما إذا سمع بالجعل أم لم يسمع.

وقوله : بقصد يغاير ما بذله المالك جنساً أو وصفاً : فمراده من المغايرة في الجنس هو ما إذا قال الجاعل : من ردّ عبدي فله عشر كيلو من الحنطة ولكن قصد العامل عشرة دنانير. والمراد من المغايرة في الوصف هو فيما إذا قال الجاعل : من ردّ عبدي فله عشرة دنانير ولكن قصد العامل سبعة أو عشرين.

ويمكن أن يكون المراد هو : التغاير فيما إذا قال المالك: «من ردّ عبدي فله عشرة رز إيراني وقصد العامل الرز الهندي.

أمّا بناءً على الإيقاعية أو التسبيبة : فلا اعتبار بقصد العامل بل هو يستحق المسمّى مطلقاً.

أما بناءً على العقدية : فلا ريب في عدم استحقاقه ما قصده نفسه، لأنّه لا اعتبار به أمّا عدم استحقاقه المسمّى، فظنّي أنّه لا يمكن الحكم القاطع عليه، ولا بأس بإجراء الاحتمالات الموجودة في الفرع الآتي أي) ما لو ردّ بنية العوض مطلقاً فيها أيضاً، فتدبّر جيداً.

قوله : كان يدخل في عموم الصيغة هذا القيد إنّما يفيد على فرض الإيقاعية أو التسبيبية. وأمّا بناءً على العقدية فلا دخل للعموم وعدمه لاحتياج العقد إلى القبول فافهم.

قوله : ومثله يشك في مانعيته أما بناءً على العقدية فيمكن الحكم بالمانعية، إذ القبول ليس إلا قبول مفاد الإنشاء فبعد عدم سماعه للإنشاء كيف يعقل فرض القبول ولو فعلاً، خصوصاً بعدما عرفت من الشهيد الثاني نفسه أنّ القبول الفعلي لابد فيه من رضا

ص: 411

بالإنشاء لا صرف الفعل (1) . وأما بناءً على الإيقاعية أو التسبيبية أيضاً فيمكن القول بأنّه لا شكّ في عدم المانعية، إذ بناءً عليهما لا دخل للإرادة الثانية في تحقق الجعالة أصلاً، كما بينا.

وقوله من : أنّه بالنسبة إلى اعتقادة متبرع»: لا يخفى عليك أنّه ليس مراد الشهيد من هذه العبارة ما يبدو منه؛ فإنّ العامل على حسب الفرض غير متبرع قطعاً، بل المراد هو أنّه لمّا يعلم أن قصده غير معتبر ففي الحقيقة يعلم أنه يعدّ في عالم التشريع متبرّعاً.

وقوله : عدم سماعه في قوة العدم عنده : ممّا يمكن الخدشة فيه فإنّه من الممكن أن يفعل برجاء وجود جعل مع قصده وهذا لا بعد فيه فلا يصعب تصوّر شخص يعمل عملاً برجاء وجود جعل وعلى كل لا يكون عدم السماع في قوة عدم الجعل عنده.

وقوله : وفصل ثالث».. وفيه أنّ التبرّع المحض وغير المحض ممّا لا محصل له فإنّه إمّا متبرّع أم لا ، فلا معنى لمحضية التبرّع كما زعم.

وعلى كل حال فالأولى ما ذهبنا إليه من أنّه في مثل هذه الموارد لما تكون الجعالة متلبسة بلباس الإيقاعية أو التسبيبية فيستحق العامل المسمّى مطلقاً، سواء في ذلك سماعه أو عدم سماعه، وسواء في ذلك قصده التبرّع أو عدم قصده بل سواء في ذلك محضية قصد التبرع أو عدم محضيته !

نعم؛ لو فرض تحقق الجعالة على نحو العقد، مثل ما إذا قال الجاعل لمخاطب خاص: إنّ رددتَ عبدي فلك كذا»، فلو ردّه الشخص الآخر فلا شيء له. وهذا مطابق لما أصررنا عليه من أنّ

ص: 412


1- انظر مسالك الأفهام 11: 150.

الجعالة ذات سعة بالنسبة إلى العقدية والإيقاعية، ولابد في كلّ مورد من النظر إلى الضرب الواقع هل هو من أضرب الإيقاع أو العقد أو التسبيب فيتفاوت الحكم كما أسلفنا ولله الحمد.

الفرع الخامس: ما إذا لم يجعل الجاعل ولكن أخبر كاذب بالجعل وعمل العامل

وقد أجاد السيّد المجاهد في بيان شقوق هذا الفرع وبعض الأقوال فيه والأدلّة القابلة للاستدلال في مناهله ولا يمكن غمض العين عنه فهذا نصه : لو قال أحد إنّ فلاناً قال: من ردّ عليّ عبدي أو ضالّتي فله ألف درهم ،مثلاً ، فاعتمد على قوله بعض، فردّ

» على المالك العبد أو الضالة، ثمّ ظهر كذب المخبر على المالك، فهل يستحق الرّاد الألف من المالك أو من المخبر الكاذب أو لا يستحق شيئاً منهما؟ صرّح بالأخير في القواعد والتحرير، وكذا صرّح به في التذكرة قائلاً لو قال فضولي : قال فلان من ردّ عبدي فله كذا لم يستحق الرادّ على الفضولي شيئاً، لأنّه لم يلتزم أقصى ما في الباب أنّه كذب وهو لا يوجب الضمان. وأمّا المالك فإن كان الفضولي قد كذب عليه لم يكن شيء (عليه) أيضاً، وكان من حق الراد أن يثبت ويتفحّص ويسأل فالتفريط وقع منه. وإن كان قد صدق فالأقوى وجوب المال عليه خلافاً لبعض الشافعية حيث قال بذلك إن كان المخبر ممّن يعتمد على قوله وإلا فهو كما لو ردّ غير عالم بإذنه والتزامه. ونبّه على ما ذكره هنا في القواعد والتحرير قائلاً : لو كذب المخبر الفضولي فقال : قال فلان من ردّ ضالّتي فله كذا لم يستحق الراد على المالك ولا على الفضولي المخبر، لأنّه لم يضمن وفيما ذكره نظر والتحقيق أن يقال : إنّ المالك إن لم يرضَ بما كذب عليه بعد سماعه فليس عليه شيء للأصل السليم عن المعارض ولعموم نفي

ص: 413

الضرر وكذلك الكاذب المخبر ليس عليه شيء حيث لم يثبت صدقه ولو ببينة شرعية ولم يكن قوله موجباً لتغرير أو ضرر على العامل، كما إذا كان قوله بتوهّم منه أو في مقام مجرّد الحكاية. وبالجملة : لم يكن قصده إخداع العامل. وإن كان قصده خداع العامل وإضراره وكان قوله ممّا يجوز الاعتماد عليه بظاهر الشرع ففي استحقاقه حينئذ من الكاذب إشكال من الأصل وعدم الدليل وقدرة العامل على دفع الضرر والخدعة عن نفسه في بعض الصور وإقدامه عليهما فيه ومن عموم نفي الضرر وأنّ الاعتماد على الكاذب قد ثبت جوازه شرعاً إما باعتبار الاعتقاد بصدقه أو باعتبار البيئة الشرعية المجوّزة للاعتماد عليه فلا يكون العامل قادراً على دفع الضرر والخدعة عن نفسه ولا يعد مقدماً عليهما عادةً. وفيما ذكر نظر، ولعلّ الأقرب أنّ العامل لا يستحق حينئذ من الكاذب شيئاً أيضاً، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط. وإن رضي المالك بما كذب عليه وأجازه كالمالك الذي يجيز بيع الفضولي فهل يلزمه حينئذ ما كذب عليه فيكون قول الفضولي هنا معتبراً أو لا فلا يكون قوله معتبراً؟ فيه إشكال، ولو على المختار من صحة الجعالة الفضولية بل الأقرب عدم الصحّة، للأصل وعدم تحقق إيجاب الجعالة الذي هو ركن من أركانها، لأنّ ما صدر من المخبر هو خبر كذب لا إنشاء إيجاب، كما لا يخفى» (1). انتهى كلامه في المناهل

وهذا البيان كافٍ في إثبات كون المسألة من المشكلات، ولذلك ترى في كلمات الأصحاب اختلافاً. ولأجل الوصول إلى الحق يجب علينا تفكيك كلّ شقّ من شقوق المسألة وبيان نسبة كلّ من الثلاثة المالك والكاذب والعامل مع الآخر، فنقول :

ص: 414


1- المناهل : 614-615 .

أما نسبة العامل والجاعل : فهناك فروض :

الأوّل : إذا كان المالك غير عالم بالكذب ولم يجعل ولم يرض بالجعل فلا ريب في عدم استحقاق العامل عليه شيئاً، لأنّه لم يطلبه.

نعم ؛ أشكل الأمر فيما إذا كذب المخبر وأخبر بالخياط الذي في يده قماش المالك فقال له : قال المالك إن خطت لي قباء فلك كذا ففي هذه الصورة يمكن أن نقول : يكون المالك مختاراً بين قبول القباء وإعطاء أجرة المثل أو المسمّى فيما إذا كان المسمّى أقل من المثل مع تأمّل وعدم قبول القباء والرجوع إلى قيمة القماش وأمّا نسبة الخياط والكاذب يعلم ممّا يأتي.

الثاني : إذا كان المالك غير عالم بالكذب ولم يجعل ولكن يرضى به قبل العمل فمن القريب دعوى أنّ رضاه إنشاء من قبله فلابد له من التزامه بالجعل نعم ؛ يمكن أن يقال: إن صرف الرضا ليس بإنشاء، ولكنّه بعيد.

الثالث : إذا كان المالك غير عالم بالكذب ولم يجعل ويرضى به ولكن بعد عمل العامل فمن المشكل الذهاب إلى تحقق الجعالة، إذ بناءً على العقدية والإيقاعية لا يتحقق إنشاء بعد إتمام العمل بناءً على نظرية النقل في عقد الفضولي. أمّا بناءً على نظرية الكشف أو بناءً على كون الجعالة تسبيبياً فلا يبعد القول بالاستحقاق على المالك. ومن العجيب من صاحب الجواهر الذاهب إلى تسبيبية الجعالة لم يحتمل ذلك أصلاً، وحكم بعدم استحقاق العامل مطلقاً لا على المالك ولا على الكاذب (1) أنّه . مع بناءً على التسبيب لا ضير في إيجاد التسبيب بين الأمرين الواقعين اعتباراً، فتدبّر.

ص: 415


1- أنظر جواهر الكلام 35 191.

الرابع: إذا كان المالك عالماً بكذب المخبر ولم يرض به ولم يُعلن عدم رضايته فالأمر مشكل ولعله يكون حكم المالك في الصورة كحكم الكاذب الآتي، إذ من المستصعب الحكم بأنّه عدم إعلامه المخالفة يكون منشأ لمثل ما كذبه الكاذب.

الخامس (1) : إذا كان المالك جعل جعلاً ولكن كذب المخبر في مقدار الجعل كمّاً أو كيفاً: فإنّه بناءً على الإيقاعية أو التسبيبية فلا إشكال في استحقاق العامل الجعل، وأمّا بناءً على العقدية فأشكل الأمر من جهة احتياج العقد إلى القبول وهو منفي هنا، إذ قبول العامل إنّما يكون على المبلغ الذي كذبه الكاذب، فلا يمكن القول بتحقق العقد بين المالك والعامل كما لا يمكن الذهاب إلى تحقق البيع بين الموجب إذا قال: بعت هذا بعشرة دنانير وقال المشتري قبلته بسبعة». وعلى كل حال الحكم على صورة العقدية مشكل من هذه الجهات، وقد عرفت بعض الكلام فيما مضى.

ثم بناءً على الإيقاعية أو التسبيبية إن كان المقدار الذي أخبره الكاذب أقلّ ممّا جعله المالك فلا اختلاف في البين، وأمّا إذا كان أكثر فدخل هذا في صور نسبة العامل والكاذب، وستأتي.

وأما نسبة العامل والكاذب : فهناك فروض أيضاً :

الأول : إذا كان الكاذب متعمّداً ولم يكن ممن يصح الاعتماد بكلامه فظاهر غير واحد من الأصحاب أنّ العامل لا يستحق شيئاً على الكاذب، وإنّما هو المقصر في قبول قول من لا يصح الاعتماد

ص: 416


1- اعلم أنّ هذا الرقم الخامس خارج من المقسم لأنّ المقسم هو ما ذكرناه في الفرع الخامس، وهو ما إذا لم يجعل الجاعل جعلاً. وإنما ذكرناه هنا تتميماً للبحث.

،عليه خصوصاً بعد معاضدة الأصل له وعدم كون الكذب بما هو كذب موجباً للضمان.

وأما الاستدلال بقاعدة الغرور : فلم يخضع له صاحب الجواهر مستدلاً بأنّ التفريط وقع منه بتركه التثبت والتفحص وتعويله على خبره .(1) مضافاً إلى أنّ هذه القاعدة ليست نص رواية حتّى يمكننا التشبّث بإطلاقها، بل الأصل فيها هو الإجماع، والبحث عنها موكول إلى محلّ آخر.

وكيف كان فقد أفتى بعدم الاستحقاق في هذا الفرض في التحرير (2) والتذكرة (3)، والقواعد (4) ، وجامع المقاصد (5) ومفتاح الكرامة (6) ، والجواهر (7)، والوسيلة (8) ، وتحرير الوسيلة (9) ، بل لم أجد مخالفاً في هذه المسألة.

الثاني : إذا كان الكاذب متعمّداً وكان ممن يصح الاعتماد بكلامه في نظر العامل أمّا المانع من ضمان الكاذب وهو تقصير العامل وتفريطه فممنوع، لأنّ المفروض كون المخبر ممّن يصح الاعتماد به شرعاً فلا يجب عليه التثبت لا شرعاً ولا عرفاً. فلا يمكن نسبة التقصير والتفريط إليه، كما لا يخفى.

ص: 417


1- أنظر جواهر الکلام 35: 191
2- أنظر تحرير الأحكام 4: 441.
3- أنظر تذكرة الفقهاء 2 286
4- أنظر قواعد الأحكام 2 215
5- أنظر جامع المقاصد 6: 190.
6- أنظر مفتاح الكرامة 17 : 864.
7- أنظر جواهر الكلام 35 191
8- أنظر وسيلة النجاة (تعليق الإمام الخميني): 412.
9- أنظر تحرير الوسيلة 1 588

بقي الكلام بالنسبة إلى المقتضي : فمن الممكن دعوى عدم وجود المقتضي للضمان لأنّه نفسه لم يضمن ذلك بل إنّما أخبر عن ضمان المالك للمسمّى فلا ضمان من ناحية نفسه وإنّما كذب والكذب لا يوجب الضمان بتصريح العلامة في التذكرة حيث قال: «لو قال فضولي : قال فلانٌ: مَنْ ردّ عبدي فله كذا، لم يستحق (1) الراد على الفضولي شيئاً، لأنّه لم يلتزم أقصى ما في الباب أنّه كذب، وهو لا يوجب الضمان» (2).

ويؤيّد عدم ضمان الكاذب : مطابقته لأصالة عدم الضمان.

إلا أن يستدلّ بقاعدة ،الغرور وقد عرفت أنّه لابد من فيه بقدر المتيقن فلا يبعد القول بخروج ما نحن فيه عن تحتها.

أمّا الاستدلال بقاعدة الضرر : فيمكن دفعه بأنّ مفروض المسألة عدم تحقق ضرر للعامل، وإنّما عمل بلا مقابل. اللهم إلا أن يقال: إنّ هذا المقدار يصدق عليه الضرر. فالمسألة مشكلة، وقد عرفت من السيّد المجاهد التوصية بالاحتياط بعد تقوية القول بعدم ضمان الكاذب (3).

الثالث : إذا كان الكاذب متعمّداً وكان ممن يصح الاعتماد عليه وقد توجّه إلى العامل ضرر بواسطة إخباره فحينئذ يمكن القول بضمان المخبر، لأنّ الضرر منسوب إليه ، فإذا دفع العامل مبلغاً لأجل الوصول إلى الضالة وإرجاعها أو صادف في الطريق وخسرت سيارته، فالكاذب ضامن له على الظاهر.

ص: 418


1- في المصدر: (من يستحق).
2- تذكرة الفقهاء 2 286
3- أنظر المناهل : 614-615 .

نعم ؛ فيما إذا دفع العامل مبلغاً ولم ينجح ولم يأت بالضالة إلى صاحبه فيمكن دعوى عدم الضمان لإقدام العامل نفسه فكما لا يضمن المالك في صورة الصدق لا يضمن الكاذب كذلك. وهذا قوي بضميمة موافقته للأصل.

الرابع: إذا كان الكاذب غير متعمّد للكذب : فعدم ضمانه أولى إلا فيما إذا كان ممّن يصح الاعتماد عليه وقد واجه العامل ضرراً، فيمكن الذهاب إلى ضمانه لأنّ الضرر منسوب إليه مع عدم إناطة الضمان بالقصد.

ص: 419

الفصل الرابع : نسبة الجعالة العقدية والبيع

قد عرفت ممّا أسلفنا إلى هنا أنّ عقد الجعالة عبارة عن إيجاد مقابلة المال والعمل، أو قل : هي عقد دالّ على طلب عمل لا على التبرّع (1) ، وبهذا البيان يفترق الجعالة عن البيع، لأنّ البيع حقيقته مقابلة عين بمال أو مال بمال، كما يقال : إنشاء تمليك عين بمال» (2)، كما عرفه الشيخ الأنصاري، أو «بمبادلة مال بمال» (3) كما عن المصباح. وعلى كل حال ليست المقابلة بين العمل والمال وبهذا البيان يفترق الجعالة عن البيع ولا تشمله.

أما ما قاله المحقق الأصفهاني في تعريف البيع من أنّه عبارة عن جعل شيء بإزاء شيء (4) فظاهره أعمّية البيع للجعالة أيضاً، لأنّ الشيء شامل للعمل أيضاً، كما لا يخفى.

ولكن الإنصاف : عدم إمكان الالتزام به بعد الرجوع إلى المتفاهم والمتبادر العرفي، فهو نفسه التزم بأنّ تعريفه مغاير للمتفاهم

ص: 420


1- المراد طلب الجاعل العمل مجاناً، وليس المراد من قصد التبرع قصد العامل التبرّع لما عرفت فيما أسلفنا من سعة الجعالة بالنسبة إلى قصد التبرع وعدمه من ناحية العامل فراجع.
2- كتاب المكاسب 3 11
3- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي 1 69
4- أنظر حاشية المكاسب (للشيخ الاصفهاني 1 : 66

العرفي، ولكن عرّف البيع بذاك التعريف لما زعمه من أنّه تابع لحكم البرهان.

ولا بأس هنا بذكر كلام جدنا الماجد نقلاً وردّاً لكلامه حيث قال : والعجب منه حيث قال : هذا المسلك وإن كان غير معروف ولا مألوف، إلا أنّ المتبع هو البرهان وفيه أن كون ما ذكر خلاف المعروف والمألوف لدى العقلاء جميعاً أقوى دليل على بطلانه ؛ فإنّ البيع من المعاني العرفية الاعتبارية ولا سبيل للبرهان فيه إن كان مراده البرهان الاصطلاحي، ولو أراد أن معناه عرفاً ولدى العقلاء ذلك، فلا معنى لعدم معروفيتة ومألوفيته مع أنّ ما ذكر ليس معناه العرفي والعقلائي جزماً » (1) . ومزيد البيان موكول إلى محله.

ص: 421


1- كتاب البيع (للإمام الخميني 1 : 68 .

الفصل الخامس : نسبة الجعالة والشركة

فبما بحثنا عن هذه المسألة في المقصد الذي أمعنا النظر عن الشركة فلا وجه لإعادة المطلب، وإنّما نرجعك إلى ما قلناه سابقاً (1).

وما يمكننا إضافته هنا هو الإشارة إلى بعض جهات السعة الممكن تصوّرها في الجعالة الموهم لشمولها لعقد الشركة الاكتسابية خصوصاً للمضاربة وأخواتها فنقول :

بناءً على ما ذكرنا في وجه الميز بين الجعالة والشركة الاكتسابية فلا يمكن الذهاب إلى عمومية الجعالة بالنسبة إلى الشركة الاكتسابية، فبقي النظر إلى بعض جهات السعة التي يمكن القول بوجودها في الجعالة الموهمة لشمولها لها فلا بدّ من النظر إليها هنا (2) فنقول :

ص: 422


1- وحاصل ما قلناه هنا في وجه الميز بين البابين أمران: الأوّل: أنّ الجعالة عبارة عن مقابلة المال والعمل، ولكن في الشركة الاكتسابية نواجه مقارنة المال والعمل ؛ الثاني : أنه في الجعالة يصل إلى العامل الأجرةُ من مال الجاعل ولكن في الشركة الاكتسابية لا يصل من مال الشريك بل الربح كان بينهما في لحظة تولّد الربح، ولذلك تتفاوت الشركة الاكتسابية عن الجعالة من الأساس.
2- ثم لا يخفى عليك أنا أشرنا هنا إلى ثلاثة جهات موهمة لشمول الجعالة للمضاربة ونجيب عن الوهم، ولم تذكر بعض هذه الجهات في عداد تلك الجهات التي بينا لك في الفصل الماضي، لأنّ الجهات التي بحثنا حولها في ذلك المقام هو الجهات المعروفة بين الأصحاب المستفادة من تصريحات الفقهاء، ولكن بعض هذه الجهات التي ذكرناها لك في هذه الإشارة إنّما هي جهات يمكن القول بها بالنظر الى ذات الجعالة ولم يكن تصريحات الأصحاب إشارة إليها، فتدبر.

الأولى : سعتها من جهة وجود رأس مال في البين وعدمه فهذا أمر نقبله ونلتزم بأنّ الجعالة فيها سعة من هذه الجهة ولكن المراد منه شمول الجعالة لأضرب :

الضرب الأوّل : أنّه كما يجوز للجاعل أن يقول : من ردّ عبدي فله كذا يجوز له إعطاء سيّارة أيضاً لأجل تسهيل أمر الإرجاع.

الضرب الثاني : أنّه كما يجوز للجاعل أن يقول : من ردّ عبدي فله كذا يجوز أن يعطي إلى العامل الأرْض ويقول : من زرع لي في أرضي فله عشرة دنانير فنرى في البين رأس مال ومع ذلك لا يخرج هذا عن كونه جعالة.

ولكن إذا كان رأس المال بحيث يوجد فيه مقارنة بين المال والعمل فلا نلتزم بكونه جعالة لكونه شركة اكتسابية، وقد بينا لك الميز الذاتي بينهما بما لا مزيد عليه.

الثانية : سعتها من جهة وجود قصد المشاركة وعدمه فنقبلها أيضاً والمراد شمول الجعالة للضربين الآتيين مثلاً :

الضرب الأوّل : ما إذا تراضيا على صيرورة العامل بعد العمل شريكاً في مال من أموال الجاعل مثل ما إذا قال: «من ردّ عبدي فله نصفه فهذا هو جعالة لا شركة كما أسلفنا ومع ذلك يكون قصد الشركة فيها موجود.

ص: 423

الضرب الثاني : ما إذا تراضيا على العمل الاشتراكي، كما إذا قال من شاركني في زراعة أرضي فله عشرة دنانير فهذه جعالة لتقابل عمل العامل بالمال، وكون العمل على نحو الاشتراك لا صيرورة العقد من الشركة الاكتسابية، كما لا يخفى على من صار

خبيراً بما قلنا في الفرق بينهما.

الثالثة: سعتها من جهة كون العوض ناشئاً من محل العمل وعدمه : فنلتزم به فيما إذا قال الجاعل : من ردّ عبدي فله نصفه أو إذا قال الجاعل : «من زرع لي في أرضي فله عشرين ألف كيلو أو شيء» ثمّ أعطاه من نفس الثمر فلا ضير في ذلك. وقد عرفت تفصيل البحث عنها فيما أسلفنا (1).

وبالجملة إنّ هذه الجهات وإن يمكن الالتزام بوجودها في الجعالة ولكن لا توجب وجود نظم طولي بين الجعالة والشركة الاكتسابية، لما عرفت من حكم الوجدان بوجود الميز الذاتي بينهما في الجهتين اللتين أشرنا إليهما.

ص: 424


1- تقدم في الصفحة 276 .

الفصل السادس : نسبة الجعالة وعقد المقاولة

من الاصطلاحات الجديدة في القوانين الممالك العربية تبعاً لبعض القوانين الغربية هو عقد المقاولة واللازم علينا في هذه الإشارة بيان نسبته مع الجعالة ونبين المطلوب في ضمن أقدام:

القدم الأول : تعريف المقاولة : هي عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن شيئاً أو أن يؤدّي عملاً لقاء أجر يتعهد به المتعاقد الآخر (1) وهذا هو تعريف المقاولة في القانون المصري. وسائر القوانين المدنية أيضاً تعاريفهم مضاهية لهذا التعريف.

القدم الثاني : العنصران الأصليان في المقاولة : بين السنهوري في شرحه على القانون المدني أنه يقع التراضي في عقد المقاولة على عنصرين اثنين : الشيء المطلوب صنعه أو العمل المطلوب تأديته من أحد المتعاقدين، والأجر الذي يتعهد به ربّ العمل وهو

المقاول وهو المتعاقد الآخر (2).

القدم الثالث : انفصال عقد المقاولة عن عقدين : قال السنهوري: انفصل عقد المقاولة بهذا التعريف عن عقدين آخرين كانا مختلطين به في التقنين المدني القديم ولا يزالان مختلطين به في التقنين المدني

ص: 425


1- انظر الوسيط في شرح القانون المدني 7 5
2- انظر الوسيط في شرح القانون المدني 7: 6.

الفرنسي، وهما عقد الإيجار وعقد العمل. فقد كان التقنين المدني القديم يجمع بين هذه العقود الثلاثة تحت اسم الإيجار، ثمّ يسمّى عقد الإيجار بإجارة الأشياء وعقد العمل بإجارة الأشخاص وعقد المقاولة بإجارة أرباب الصنائع (1).

القدم الرابع: الميز بين عقد المقاولة وعقد العمل في كلام السنهوري : المستفاد من كلامه هو أنّ الفرق بين عقد العمل والمقاولة يظهر بالنظر إلى ذات العمل أو النتيجة ففي عقد العمل ينظر إلى ذات العمل بخلاف عقد المقاولة الوارد على العمل باعتبار النتيجة (2) .

القدم الخامس : بيان المختار في المقام ثمّ إنّك بعد التأمل فيما أسلفنا، وبما ترى في المقاولة مقابلة المال والعمل لا مقارنتها تصير خبيراً بأنّ المقاولة عقد من أضرب الجعالة، والجعالة تشملها خصوصاً بعد ما عرفت من جهات السعة التي بينا وجودها في الجعالة، ومنها ما ذكرنا من سعتها من جهة نوع العمل، فكما يمكن أن يكون من قبيل شرط النتيجة يمكن أن يكون من قبيل ما له الأجر بالنسبة إلى كلّ حصّة من الفعل، فالأوّل مثل قوله : من جاء بعبدي فله كذا فإن جاء العامل بالعبد إلى قرب باب صاحبه فهرب فلا شيء عليه. والثاني مثل من قال: من بنى لي حائطاً فله كذا، فإنّ العامل لو ابتدأ بالعمل ولم يتم العمل فله الجُعل بحسب الحصّة التي فعلها على الظاهر.

القدم السادس : تعليقة على كلام بعض الحقوقيين وبعد ما عرفت من الميز الذاتي بين الجعالة والشركة الاكتسابية وكذا شمول الجعالة للمقاولة تجد ما في كلام بعض الحقوقيين من يجوز تحديد

ص: 426


1- الوسيط في شرح القانون المدني 7: 6.
2- أنظر الوسيط في شرح القانون المدني 7 8-13.

البدل في المقاولة على حسب نسبة الربح (1) . فهذا وإن كان صحيحاً، ولكن لا يبقى العقد على صورة المقاولة بل تبدّل بالشركة الاكتسابية، وصار محكوماً بأحكامها، لما عرفت من الميز بينها وبين الجعالة من جهة المقابلة والمقارنة ومن جهة أنّ المال الواصل إلى العامل في الشركة ليس من مال شريكه فلا يقابل عمله ماله، كما بينا.

إن قلت: إنّ المقاولة المتعارفة في الأسواق هي أن يقبل شخص بناء دار من أوّلها إلى آخرها فقبض في مقابل مجموع عمله من استخدام أشخاص مختلفين ذوي صنائع وحرف متفاوتة، فأعطى لجميعهم أجورهم وبقي له ما بقي من الأجرة التي وقع التراضي بها المالك، وهذا لا يخلو من الشبهة لأنّ أجرته مبهمة وغير معلومة، وما أخَذه لا يكون أجرةً له لما عرفت من إعطائه إلى غيره لأجل تكميل البناء مثلاً.

قلت : أوّلاً: إنّ المقاولة على أضرب مختلفة كثيرة، ومنها ما لا يجوز فيه استخدام الغير في العمل وما يجوز، ومنها ما كان الموادّ لربّ العمل وما كان للعامل.

وثانياً : أنّ هذا الإبهام لا يوجب بطلان المقاولة، وذلك لأنّ هذا النحو من الإبهام موجود فيما يجمع على صحتها، كما إذا قال: من ردّ عبدي فله عشرة دنانير»، فإنّ هذه العشرة لم تصل إلى العامل خالصةً، لأنّ بعضها يصرف في نفقة رحيله ومجيئه بالعبد، كما لا يخفى. وبما أنا أثبتنا كون المقاولة تحت الجعالة فلا نشكّ في اغتفار هذا الجهل في المقاولة أيضاً لا من باب القياس أو إلغاء الخصوصية، بل على حسب

القاعدة.

ص: 427


1- أنظر مقالة الدكتور محمد جبر جبر الألفي

وإلى هنا تمّ بعض ما يمكننا التكلّم حوله في باب الجعالة حقيقتها وجهات سعتها ومكانتها في النظام الطولي للمعاملات والحمد لله أوّلاً وآخراً.

ص: 428

المقصد السادس : الإنارة لأضرب عقد الإجارة

اشارة

إنّه بعد ما ثبت عندنا وجود النظام الطولي العقدي بين الجعالة وإجارة الاشخاص، فمن البديهى تولّد سوال عن حقيقة عقد الإجارة وأضربها في فقهنا المدوّن، فلعله المستبعد الانفكاك بين إجارة الشخص وغيرها من أمثلة عقد الإجارة المعروفة بين الفقهاء من إجارة الدابة والبيت وما شابههما .

وعلى ضوء ذلك : فيجب علينا طبعاً- فتح باب للبحث عن حقيقة عقد الإجارة وأضربها، وما تراه في هذا المقصد هو جهدنا في هذه الجهة فلعلّك بعد النظر إلى ما يأتي تقنع بكثير مما قلناه مراراً من وجود الاندماج بين ما يسمّى بالمعاملات في الحقوق وفقهنا المدوّن. وهذا ليس إشكالاً بل إنّما تفسير لواقع الأمر، فلعلنا بعد التنبه لهذه الواقعية نصل إلى نظرية أخرى في تبيين فقه المعاملات.

وعلى كل حال ففي هذا الفصل نركّز على عقد الإجارة، ونبحث عنه ضمن فصول:

ص: 429

ص: 430

الفصل الأوّل : أضرب الإجارة في كلمات الفقهاء

فإليك النظر إلى عباراتهم في هذا المجال:

النظر الأوّل إلى : المقنعة

ويمكن تجميع البحث حول ما في المقنعة بذكر نكات :

النكتة الأولى: عندما ننظر إلى ما كتبه الشيخ المفيد في كتاب الإجارة 640) إلى (643) نرى كأنّه رأى عقد الإجارة منحصراً في إجارة المنافع ، ولم يُشر إلى الرابطة بين الأجير والمستأجر بعنوان النسبة الموجودة بين العمل والمال.

ولا بأس هنا بذكر الصيغة التي اقترحها للناس لأجل إيجاد الإجارة بعنوان خلاصة كتاب الإجارة المذكورة في ختام كتاب المقنعة وهذا نصّ عبارته : مختصر كتاب إجارة: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه فلان بن فلان لفلان بن فلان في صحة من عقله وبدنه وجواز من أمره طائعاً غير مكره لا يولّى على مثله : إنّي اجرتك الدار التي بموضع كذا من موضع كذا من قبيلة كذا وأحد حدود جماعة هذه الدار ينتهي إلى كذا والحدّ الثاني والثالث والرابع ينتهي إلى كذا آجرتك جميع هذه الدار بأرضها وبنائها ومرافقها اثنا عشر شهراً أوّل هذه الشهور شهر كذا من سنة كذا وآخرها كذا وكذا من شهر كذا سنة كذا بكذا وكذا ديناراً مثاقيل وازنة جياداً ودفعت

ص: 431

إلي هذه الدنانير كلّها وافيةً وبرئت إلي منها، ودفعت إليك هذه الدار الموصوفة في هذا الكتاب في هلال شهر كذا من سنة كذا بعدما عرفت أنا وأنت جميع ما فيها ولها من بناء وحق ووقفنا عليه، فهي بيدك بهذا الكراء إلى انقضاء هذه المدّة الموصوفة في هذا الكتاب تسكنها بنفسك وأهلك وغيرهم وتسكنها من شئت، وليس لك أن تسكنها حدّاداً ولا قصاراً ولا طحاناً بدابة ولا سكنى تضر بالبناء، ودفعتها إليك وقبضتها مني على هذه الشروط الموصوفة في هذا الكتاب. شهد الشهود المسمّون فيه على إقرار فلان بن فلان وفلان بن بجميع ما ضمنه بعد أن قرئ عليهما. وأقرأ بفهمه ومعرفته في صحة منهما وجواز أمر. وذلك في شهر كذا من سنة كذا. وإن كانت الإجارة بورق فليذكر بنوعه. وإن كانت الإجارة للطحن أو القصارة أو عمل الحديد لم يستثن إن شاء الله لما قدمناه وجاز ذكره في الكتاب للاستيثاق.

مختصر كتاب إجارة أرض بِسْم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم هذا كتاب كتبه فلان فلان في صحّة من عقله وجواز من أمره طائعاً غير مكره في صحة بن لا يولّى على مثله لفلان بن فلان إنني قد آجرتك الأرض المعروفة بكذا التي في موضع من رستاق كذا وهي كذا وكذا جريباً بالهاشمي وأحد حدودها ينتهي إلى موضع كذا والحد الثاني والثالث والرابع ينتهي إلى كذا بعد معرفتنا جميعاً بها وإحاطة علمنا بصفتها كذا وكذا سنة أوّلها مستهل شهر كذا وآخرها انسلاخ شهر كذا نجم كلّ سنة من هذه السنين كذا وكذا تؤديه إلى وقت كذا وكذا على أن تزرعها ما شئت من الغلات الشتوية والصيفية وتقوم بذلك وبعمارتها له بنفسك وأجرائك وعواملك وتؤدي إلى السلطان حقه ممّا تخرجه هذه الأرض من غير مؤنة تلزمني فيه ولا تبعة فقبلت هذه الإجارة على هذه الشرائط المذكورة وسلّمت هذه الأرض إليك فتسلمتها منّي. شهد الشهود المسمّون في هذا الكتاب على إقرار فلان بن فلان بذلك

ص: 432

وقبول فلان بن فلان ذلك بعد أن قرئ عليهما، فأقرأ بفهمه ومعرفة جميعه في صحة منهما وجواز أمر طائعين غير مكرهين لا يولّى علی مثلهما، في شهر كذا من سنة کذا» (1)

وهذا بوضوح يكشف منه أنّ عقد الإجارة عنده كأنه منحصر في إجارة المنافع.

النكتة الثانية: نعم؛ إنّه ذكر في ختام كتاب الإجارة ما هذا نصه : باب) تضمين الصُنّاع : والقَصار من قصر الثوب والخياط والصباغ وأشباههم من الصُنّاع ضامنون لما جنته أيديهم على السلع (2).

وهذا يدلّ على أنّ الرابطة بين الأجير والمستجير أيضاً داخل في الإجارة.

النكتة الثالثة وعلى كل حال كان السؤال باقياً من أنّ المفيد إن رأى إجارة الأجير أيضاً داخلاً في الإجارة فلماذا لم يبينها عند تبيين حقيقة الإجارة وأحكامها، وإنّما ذكره في ذكر حكم ضمان الصُنّاع.

النكتة الرابعة تدبّر في الصيغة التي استفاد منها لإيجاد عقد الإجارة بقوله : آجرتك جميع هذه الدار» (3) وبقوله : آجرتك الأرض المعروفة» (4) فمتعلّق الإجارة تكون نفس الدار والأرض لا منافعهما، فتدبّر حتى تصل النوبة إلى بسط النظر في هذه الناحية.

ص: 433


1- المقنعة : 841-0842
2- المقنعة : 643.
3- المقنعة : 641.
4- المقنعة : 642.

النظر الثاني إلى الكافي في الفقه :

ويمكن تجميع ما قاله في كتاب الإجارة فيما يلى : فإنّه أوّلاً: عرّف الإجارة بقوله : «الإجارة سبب يمنع المالك من التصرّف في الملك، ويبيحه للمستأجر، ويوجب استحقاق الأجر له (أي للمالك) عليه (أي على المستأجر ) » (1).

ثم ذكر للإجارة أضرباً ثلاثة :

الضرب الأوّل: إجارة الرباع أي المنازل والأرض؛ ولا بدّ فيها من تعيين الأجر والمستأجر (2) ووصفه وتحديده والأجل والتسليم.

الضرب الثاني : إجارة الدابة والسفينة. وصحتها موقوفة على بيان المدّة أو المسافة.

الضرب الثالث: استيجار الغير ليعمل عملاً أو يحمل شيئاً أو يقطع مسافة بنفسه أو دابته أو يبيع له أو يبتاع إلى غير ذلك الأغراض. فلا بدّ في هذه الإجارة تعيين ما أي العمل الذي انعقدت عليه ووصفه بما يبيّن به وتعيين الأجر (3)

ويمكن التعليق عليه بأن نقول: إنّه يمكن الالتزام بشمول تعريفه للضرب الأوّل والثاني ولكن الالتزام بشمول تعريفه للضرب الثالث مشكل ؛ إلا أن نبينه بهذا الشكل الإجارة سبب يمنع المالك (أي الأجير) من التصرف في الملك (أي عمله بناءً على أنّ العمل الذي كان ملكاً للأجير بواسطة الإجارة صار ملكاً لربّ العمل، ولذلك لا يجوز للأجير التصرف فيه!)، ويبيحه (أي يبيح الأجير التصرّف في

ص: 434


1- الكافي في الفقه : 345.
2- والمراد من المستأجر من أخذ الدار من المالك ليسكن فيه مثلاً .
3- الكافي في الفقه : 345-347

ملكه للمستأجر (وهو ربّ العمل، ويوجب هذا السبب استحقاق الأجر له أي) للمالك الذي عرفت هو الأجير) عليه (أي على المستأجر، ، وهو الذي طلب الفعل من الأجير. وهذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه شمول التعريف للأضرب وأنت خبير بما فيه من البعد والاستهجان

والغرض : التأكيد على الميز الذاتي بين الضرب الثالث والضربين الأوّلين فتدبّر حتّى تجيئك زيادة بيان.

النظر الثالث إلى المراسم :

ويمكننا ذكر نكتتين حول ما ذكره في المراسم :

النكتة الأولى : فإنّ كلامه حول الإجارة من جهة عدم التعرّض للرابطة بين العمل والمال والأجير والمستأجر مثل كلام الشيخ المفيد حيث بين أحكام الإجارة بالنسبة إلى إجارة المنازل والدواب من دون إشارة إلى الأجير، ثم ذكر بعد إتمام أحكام الإجارة مسألة تضمين الصُنّاع من دون إشارة إلى أحكام هذا الضرب من الإجارة (1).

ويمكن : استفادة أنّه أيضاً رأى هذا الضرب من أضرب الإجارة كما هو ظاهر كلمات الشيخ المفيد، كما ذكرنا (2)، ولكن يمكن أن نقول : إنّه لم ير الرابطة بين الأجير وربّ العمل تحت الإجارة، لأنّ سياق كلامه يتفاوت عن سياق كلام المفيد وهذا ما يحتاج إلى بيان:

إنّ الشيخ المفيد أشار إلى مسألة تضمين الصُنّاع في ختام كتاب الإجارة، وبعد ذكر هذه المسألة شرع كتاب اللقطة. فالظاهر منه هو

ص: 435


1- المراسم العلوية في الأحكام النبوية : 199-200
2- أنظر المقنعة : 643.

مسألة تضمين الصنّاع يكون باباً لكتاب الإجارة، إذ إنّه بعد الشروع في كتاب الإجارة قال: كتاب الإجارة باب الإجارات» (1) ثمّ بيّن أحكام إجارة الأراضي والمنازل، ثمّ قال: «باب تضمين الصناع» (2) وظاهره هو إدخال عمل الصُنّاع في كتاب الإجارة.

أمّا السلار فذكر مسألة تضمين الصنّاع تحت عنوان «ذكر»، وهذا العنوان هو العنوان الذي جعله لصدر الكتب؛ فمثلاً قال قبل هذه المسألة: «ذكر: أحكام الإجارات (3) وقبله قال: «ذكر: أحكام المزارعة والمساقاة» (4) وقبله قال : «ذكر : أحكام العارية (5) ، وبعد ذكر مسألة تضمين الصُنّاع أيضاً قال : ذكر الصلح» (6) وبعده قال: ذكر: أحكام الوقوف والصدقات (7) . وعلى ضوء ذلك يمكن أن نقول : إنّه لم ير إجارة الشخص الذي يكون من باب مقابلة المال والعمل تحت الإجارة التي تكون من باب مقابلة منفعة الشيء والعمل، فتدبّر جيّداً، وللكلام تتمة.

النكتة الثانية ثمّ أضاف واعلم أن لواجد البعير الشارد والعبد الآبق إن وجده في المصر ديناراً قيمته عشرة دراهم فضةً، وإن وجده في غير مصر أربعة دنانير قيمته أربعون درهما فأما غير البعير والعبد، فليس فيهما شيء موظف بل له أجر على عادة القوم» (8) .

ص: 436


1- المقنعة : 639 - 640
2- المقنعة : 643.
3- المراسم العلوية في الأحكام النبوية : 199
4- المراسم العلوية في الأحكام النبوية : 198.
5- المراسم العلوية في الأحكام النبوية : 197.
6- المراسم العلوية في الأحكام النبوية : 200
7- المراسم العلوية في الأحكام النبوية: 200
8- المراسم العلوية في الأحكام النبوية : 200

وقد بحثنا عن هذه المسألة، ولا بد من التأمل في أنّه هل يمكن جعل مثل هذا تحت عقد الإجارة، بعد عدم تعاقد وتراض على إرجاع العبد وخصوصاً غير العبد؟ فهل هذا يدلّ على أنّ الإجارة لا يشترط في تحققها تحقق عقد بين الطرفين ومعلومية العامل وسائر جهات السعة التي ذكرناها حول الجعالة، فتدبّر حتّى تصل النوبة إلى الفحص

التفصيلي.

النظر الرابع إلى : كتب الشيخ الطوسي :

إنّ الراجع إلى الاستبصار والتهذيب والخلاف يجد أنه بحث عن إجارة الشخص والملك والسفينة مختلطاً من دون استقلال كلّ واحد منها بالبحث.

فمثلاً في التهذيب ذكر في باب الإجارات 62 رواية تكون أقلّ من عشرين رواية منها حول إجارة الملك والدابة، وسائر الروايات يكون حول إجارة الشخص (1) ، وهذا غير ما ذكره في سائر الأبواب كالروايات التي ذكرها في باب أجر السمسار والدلال (2).

نعم؛ في النهاية بحث عن إجارة الأشياء أوّلاً ثمّ بحث عن إجارة الأشخاص من دون إشارة إلى أوجه الميز بينهما (3) .

وعلى كل حال لا يوجد في كتبه الميز بين هذه الأضرب الثلاثة أو الإشارة إلى جهات افتراقها وجهات اشتراكها واختلاف حقيقتها أو عدمه

نعم ؛ ؛ قال في المبسوط ما يبين لك وجه جعل الفقهاء البحث

ص: 437


1- أنظر تهذيب الأحكام 7 209-223
2- أنظر تهذيب الأحكام 7 156-157
3- أنظر النهاية في مجرد الفقه والفتاوى : 443-449

عن إجارة الشخص في سياق البحث عن إجارة المنافع ورأوها حقيقةً واحدةً شاملةً لهما ؛ قال : كلّ ما يستباح بعقد العارية، يجوز أن يستباح بعقد الإجارة من إجارة الرجل نفسه وعبيده وثيابه و داره وعقاره بلا خلاف (1).

فحقيقة جميع الأضرب الثلاثة ،واحدة من حيث إنّ طرف العقد في جميعها أعطى شيئاً لينتفع الطرف الآخر منه، وسواء في ذلك أن يكون الشيء المعطى نفسه أو بيته أو سفينته.

وبهذا الوجه تكون الإجارة حقيقةً جارية في الجميع لأنا في الأضرب نواجه مقابلة المال والمنفعة؛ وهذا في إجارة الدار وكراء الدابة ،واضح وفي إجارة الشخص أيضاً يظهر بعد التأمّل في أنّ المالك أعطى نفسه إلى الغير لينتفع به منفعةً مخصوصة.

فبالجملة : نحن نواجه في الإجارة ثلاثة أركان

الركن الأوّل : العين و هو البيت أو السفينة أو النفس.

الركن الثاني : منفعة العين وهو في البيت سكناه وفي الدابة حمله وفي الإنسان فعله.

الركن الثالث : الأجر وهو ما يقابل المنفعة التي استفاد منها مَن أخذ العين.

وهذه الاركان الثلاثة موجودة في جميع الأضرب، ولذلك تكون الإجارة هي العنوان العام لجميع الأضرب الثلاثة المذكورة في كلام أبي الصلاح (2)

ص: 438


1- المبسوط 3 : 221
2- أنظر الكافي في الفقه : 345-347.

اللهم إلا أن تقول : إنّ الحقيقة الموجودة في إجارة الأشخاص ليست بهذا الشكل ولا يكون المرتكز في الأذهان أنّ الأجير أعطى نفسه إلى الغير لينتفع بها، بل في الحقيقة هو عقد مع شخص ليعمل له في مقابل ماله. ولا يستقرّ في الأذهان أنّ الأجير أوّلاً أعطى نفسه إلى الغير حتّى ينتفع بها بعد حفظ أصل العين.

وببيان :آخر لا يقبل الذهن العرفي أنّه في إجارة الاشخاص أعطى الأجير نفسه إلى الغير بل المتفاهم منه أنّه هو عمل للغير.

ولذلك ترى أنّ نفسه كانت عنده وهو ينتفع بها ويعيش معها بخلاف إجارة الدابة والبيت ولعمري الميز بينهما واضح.

وبالجملة : إنّ ما ذكره الشيخ وإن يصلح لأن يكون توجيهاً، ولكن ليس مطابقاً للمرتكز العرفي من الرابطة الموجودة بين الأجير والمستأجر ، فتأمّل حتى تصل النوبة إلى مزيد بيان.

أضف إلى ذلك كلّه أنّ اللازم من كلامه جواز إعارة النفس أنّه أمر غريب لا يكون في فقهنا أثر منه. فهذا كتاب العارية من المبسوط (1) ، فإنّي قرأته من أوله إلى آخره، فلا يبحث فيه عن الأمر العجيب أعني إعارة النفس أصلاً.

نعم قال يكره استعارة الأبوين للخدمة، لأنّه يكره استخدامهما، وإن استعارهما ليرفه عنهما ويخفّف عن خدمتهما لسيّدهما كان ذلك مستحبّاً» (2) . والظاهر أنّ استعارتهما تكون من باب أنّهما عبدان لشخص وقضية العبد يتفاوت لأنّ حكمه مع الاسف يكون كالدابة في الثقافة الجاهلية التي اضمحلت بالإسلام بمرور

ص: 439


1- أنظر المبسوط 3 5849
2- المبسوط 3 57

الزمان، وهذا غير إعارة الحرّ، فإنّه كما لا معنى لإجارة الحرّ بمعنى إعطاء نفسه بعنوان العين حتى يستفاد منها كذلك حال الإعارة، فتأمل.

وممّا يشعر بذاك التفاوت بين الأضرب ما ترى من اختلاف الاصطلاحات فيها، ففي إجارة البيت والدابة نواجه اصطلاحات

الأوّل: المستأجر بصيغة الفاعل : يطلق المستأجر على من استأجر الدار لينتفع بها.

الثاني : المستأجر بصيغة المفعول : يطلق على الدار التي ينتفع منها.

الثالث : المستأجر منه أو المؤجر : يطلق على صاحب الدار الذي استئجرتَ منه الدار.

ولكن في إجارة الأشخاص نواجه اصطلاحين:

الأوّل: الأجير وهو الذي عمل لشخص آخر، وإن شئت فقل : هو الذي آجر نفسه لشخص آخر.

الثاني : المستأجر بصيغة الفاعل وهو الذي عمل الأجير له وأعطى إليه المال.

ولا يوجد في البين عنوان المستأجر منه أو المؤجر، لا لأجل أنّ عنوان المستأجر منه مشترك لعنوان الأجير، بل لأنّ الوجدان يحكم بفقدان هذا المعنى، لأنّ الأجير لم يعط نفسه بوزان الذي واجهناه في إجارة البيت.

ولذلك ترى : الأجير فعيل بمعنى مفعول، مع أنّ المؤجر اسم فاعل وهذا يكون مشيراً للفرق الذاتي بينهما، فتدبّر.

ص: 440

ويؤيد ما قلنا من الفرق الذاتي بين إجارة الشخص وإجارة البيت أنّه في الثاني أنت استخرجت من الدار النفع ولكن في إجارة الشخص أنّ ذاك الشخص هو الذي استخرج المنفعة أي عمله لا أنت فتدبّر جيّداً.

وبالجملة : إن ذهبت إلى الفرق بين العمل والمنفعة فصارت المسألة ،واضحةً لأنّا في إجارة البيت نواجه مقابلة المال والمنفعة، وفي إجارة الشخص نواجه مقابلة المال والعمل. ولكن إن ذهبت إلى أنّ العمل أيضاً يصدق عليه أنّه منفعة، فنكتفي بما ذكرنا قبل ذلك التفاوت الذاتي بينه وبينها، فتأمل فللكلام تتمة.

وكذلك: تكون المسألة واضحةً لو ذهبت إلى أنّ الشخص ليس مملوكاً لنفسه بالملكية الاعتبارية وكذا ليس عمل الشخص من مملوكاته بالمعنى الذي نقول : إنّ الدار أو الدابة كانتا مملوكتين له، فبناءً عليه إنّ الأجير لا يعطي ولا يمكنه إعطاء نفسه أو عمله إلى غيره كما يمكنه إعطاء داره أو دابته إلى الغير، فتأمل.

النظر الخامس إلى : الوسيلة

وننظر إلى فقرات من عباراته :

الفقرة الأولى : قال : «الإجارة عقد على منفعة بعوض، ولا يصح فيه تعيين الأجل والعمل معاً فإن عيّنا بطل والأجير منفرد ومشترك... (1)

يمكنني الإشارة إلى نكات :

النكتة الأولى: أنّ هذا التعريف لعلّه أوّل تعريف للإجارة بين

ص: 441


1- الوسيلة : 267 .

الشيعة على حسب تتبعي الناقص، وهو صريح في أنّ الإجارة عبارة عن مقابلة المال والمنفعة، وكذا صريح في أن عمل الأجير منفعة واصلة إلى المستأجر.

النكتة الثانية : أما ما ذكر من أنّه لا يصح فيه تعيين الأجل والعمل، فهو مختص بإجارة الأجير، إذ لا يجري في إجارة الدار هذا المعنى بوجه إذ إنّ العمل غير مورد للنظر في إجارة الدار مثلاً. وإن أصررت على أنّه يمكن لصاحب الدار اشتراط عمل أو عدم عمل في داره فهذا أيضاً لا يصحح كلامه، إذ كما عرفت أنّ ابن حمزة صرّح بعدم جواز تعيين المدّة ،والعمل مع أنّ تعيينهما على هذا الوجه صحيح بلا ريب فعبارته مختصة بالضرب الذي نواجه أجيراً ومستأجراً.

وبالجملة تعريف الإجارة بأمر جامع للأضرب الثلاثة ثمّ شروع البحث ببيان حكم لا يجري في جميع الأضرب لا يناسب مقام التأليف على الأقل، فتدبّر.

الفقرة الثانية ثمّ قال: تبطل الإجارة بستة أشياء (1) : كليهما و (2) بموت أحدهما و 3 بهلاك المستأجر قبل التسليم و4) بمنعه قبل القبض من التصرّف و 5 بخروج الأجرة مستحقة إذا كانت مشاهدةً و 6 بأن يشرط في عقد الإجارة تسليم ما وقع عليه عقد الإجارة بعد أيام من وقت العقد (1).

وأنت خبير : أنّ هذه المبطلات ليست على سياق واحد بالنظر إلى الأضرب الثلاثة فالأوّل والثاني يمكن القول بجريانهما في جميع الأضرب، ولكن الثالث لا يجرى في الضرب الثالث أي إجارة

ص: 442


1- الوسيلة : 267 .

الأشخاص، إذ إن كان المراد من المستأجر الأجير فقد سبقت الإشارة إليه في الأوّلين. وأمّا الرابع فظهوره في إجارة البيت ،والدابة وإن يمكننا توجيهه بالنسبة إلى إجارة الشخص بأن نقول : إنّه إذا صار غير جائز التصرّف لا يمكنه أخذ الأجير، ولكن هذا أمر آخر لا يناسب المقام، فتدبّر. وأمّا الخامس فالظاهر جريانه في جميع الأضرب وأمّا

السادس فظاهر في الضرب الأوّل والثاني، كما لا يخفى.

وبالجملة : إنّ اختلاف الحقيقة بين الأضرب المختلفة يوجب مثل هذه الاختلالات في البحث عن الإجارة كما لا يخفى فلا نطوّل البحث من هذه الجهة والأولى لو سلّم شمول الإجارة - للثلاثة - تمييز البحث عن كلّ منها لا اختلاط البحث بهذا الشكل.

النظر السادس إلى : فقه القرآن للراوندي

قد عرفت أنه قد ذكر الأصحاب للإجارة ثلاثة أضرب من إجارة البيوت والدابة والأشخاص، وننظر إلى كلام الراوندي في مرحلتين : مرحلة تبيين كلامه ومرحلة التعليق عليه :

المرحلة الأولى :

المستفاد من فقه القرآن أنّ الضرب الأوّل له آية دالة على اعتباره وشرعيته وهي قوله في قصة موسى : ﴿قَالَتْ إِحْدَتْهُمَا يَتَأَبَتِ اسْتَجِرْةُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَتَجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ (1) حيث قال شعيب لموسى: قَالَ إِلى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَى هَتَيْنِ عَلَى أَن تَأجُرَنى ثَمَنى حِجَجٌ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ) (2). قال الراوندي: «يدل (قوله تعالى في هذه الآية على صحة الإجارة زائداً على السنة

ص: 443


1- القصص (28) : 26
2- القصص (28) 27

والإجماع من أنّ كل ما يستباح بعقد العارية يجوز أن يستباح بعقد الإجارة من إجارة الرجل نفسه وعبيده و داره وعقاره بلا خلاف» (1).

وأمّا الضرب الثاني : فقد تمسّك لإثبات شرعيته من القرآن بآيتين:

أولاهما : قوله سبحانه وتعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (2). قال: «والبهائم والحيوان تكترى للركوب وللحمولة وللعمل عليها بدلالة قوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةٌ ) (3)

ثانيتهما : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ) (4). قال: وعن ابن عباس في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ، فقال : المعنى لا جناح عليكم أن تحجّوا أو تكرهوا (5) الجمال للركوب والعمل (6).

وأمّا الضرب الأوّل: أي إجارة البيوت والأراضي فليس في القرآن آية دالة عليه.

المرحلة الثانية :

أمّا تعليقنا على ما استفاد من قصة موسى فهو : أنّه بعد ما شككنا في كون جميع الأضرب تحت حقيقة واحدة فلا يمكن استفادة جواز إجارة الدابة والبيت من الكريمة الدالة على صحة إجارة الشخص.

ص: 444


1- فقه القرآن 2 63.
2- النحل (16) 8.
3- فقه القرآن 2 64
4- البقرة (2) : 198
5- هكذا في الأصل، والصحيح أن تكروا.
6- فقه القرآن 2 63

فقوله: من إجارة الرجل نفسه وعبيده و داره وعقاره (1) ليس بتمام إلا بدعوى الأولوية ببيان أنّه إذا كانت إجارة الرجل نفسه للعمل جائزاً فإجارته داره أو دابته أولى بالجواز، وهو بعيد جداً، كما لا يخفى

وأما تعليقنا على ما استفاد من آية النحل فهو : أن الكريمة إنّما تدلّ على جواز الركوب ولا دلالة فيها على جواز الإيجار، ولا أدري كيف استفاد جواز إيجار الدواب منها تبعاً للشيخ في المبسوط (2)

ولعلّ استفادة جواز الإيجار من آية 5 أسهل، حيث قال تبارك وتعالى: (وَالْأَنْعَمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَتَفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) (3) فإنّ استفادة جواز الإيجار من قوله: «منافع» أسهل الآية ، مع أنّه أيضاً محلّ تأمّل لأجل عدم دلالة «منافع على العموم، فتدبّر.

وأما تعليقنا على ما استفاد من آية البقرة فيعلم بعد النظر إلى التفاسير ؛ فملخص الكلام هو أنّ الآية بظاهرها لا تدلّ على ذلك، وإنّما لابد من استفادة الجواز بالتشبث بالروايات التفسيرية والرجوع إليها يكشف لنا أنّها ليست متفقةً على هذا المعنى، وليس ما نقل عن ابن عبّاس منقولاً في جوامعنا بل الموجود في جوامعنا شيء آخر. فتبقى الآية غير قابلة للاستدلال على جواز الاستيجار.

والدليل على ذلك هو ما يلي:

ص: 445


1- فقه القرآن 2 63.
2- المبسوط 3 226
3- النحل (16) : 5.

الأوّل: ما رواه الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِه عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله ع فِي قَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ) (1) قَالَ: يَعْنِي الرِّزْقَ إِذا أَحَلَّ الرَّجُلُ مِنْ إِحْرَامِه وقَضَى نُسُكَه فَلْيَشْتَرِ ولتبغ فِي الْمَوْسِمِ (2) .

الثاني : قد جعل السيد البروجردي هذه الآية في باب ما ورد في طلب الرزق وتركه ومذمّة من يلوم طالب قوته (3).

الثالث : قال الشيخ في الخلاف وعبد بن عباس وابن عمر فروي عنهما أنهما قالا في تأويل قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ) (4) قالا : معناه أن يحج ويؤاجر نفسه» (5).

الرابع: جعل العلامة هذه الآية دالّة على شرعية عقد البيع، حيث قال : قيل: كانت عكاظ وجحفة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا فيه فأنزلت لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ) (6) في مراسم الحج (7) .

الخامس: جعل الشهيد في الدروس هذه الآية في صدر كتاب المكاسب، وقال: قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ) (8) ، نزلت في تجارة الحج (9).

ص: 446


1- البقرة (2) : 198
2- تفسير العياشي 1 96
3- جامع أحاديث الشيعة 17 : 1.
4- البقرة (2) 198.
5- الخلاف 3 487.
6- البقرة (2) 198
7- نهاية الإحكام 2 447
8- البقرة (2) : 198 .
9- الدروس الشرعية في فقه الإمامية 3 159

لا يقال : إنّ التجارة أو طلب الرزق بل الاشتراء والبيع لها معنى عام شامل للاستيجار أيضاً فتم المقصود.

فإنّه يقال : المقام هو مقام إثبات شرعية معاملة خاصة أعني استيجار الدابة فلا يمكن الحكم بشرعيتها بناءً على هذه الآية، ولأنّها إنّما تكون في مقام بيان جواز ما يجوز من المعاملات مطلقاً في موسم الحج لا جواز مطلق المعاملات مطلقاً. ولذلك لا تدلّ هذه الآية بعمومها على جواز بيع الخمر حتى نحتاج بإخراجه عن تحتها بالتخصيص، كما لا يخفى فتدبّر جيّداً.

النظر السابع إلى : غنية النزوع

ونذكر لك نكات حوله :

النكتة الأولى : والحال فيها لا يتفاوت عن حال المقنعة، فإنّه أوّلاً بحث عن الضربين الأوّلين مفصلاً، ثمّ بحث عن ضمان الصنّاع من دون تعرّض إلى الميز الموجود بين الأضرب.

النكتة الثانية : قال في جملة ما ذكره حول إجارة الأشخاص ما هذا نصه : «وأجر ردّ الضالة على حسب ما يبذله مالكها فإن لم يعيّن شيئاً كان أجر ردّ العبد أو الأمة أو البعير في المصر عشرة دراهم ومن غير المصر أربعين درهماً وما عدا ذلك يقضى فيه بالصلح» (1). وكذلك حال السرائر (2). وهذا من الجعالة لا الإجارة، فتأمّل مرّةً أخرى في الاندماج الموجود بين أبواب المعاملات والنظام الذي ذكرناه واحتملناه.

ص: 447


1- غنية النزوع : 289
2- السرائر 2 463

ولا يمكن الذهاب إلى عمومية الإجارة بالنسبة إلى الجعالة بعد ما عرفت من كلمات الأصحاب في جهات السعة الموجودة في الجعالة وتصريحاتهم بكون الجعالة تشمل الإجارة وتكون الرابطة بينهما رابطة اللابشرط مع بشرط الشيء.

النكتة الثالثة : أنّه مفصلاً بحث عن شروط الإجارة في الضربين الأوّلين، ولكن لم يذكر شرط الصحة في الضرب الأخير (1) كما نواجه في المقنعة (2) وغيرها ممّا أسلفنا فكأنّ إجارة الأشخاص أمر عرضي ولا بد من تبيين أحكامها في موضع آخر، وإنّما يكون محط النظر في كتاب الإجارة عن ضمانه لا أحكامه خصوصاً بعد النظر إلى الشروط التي ذكرها الأصحاب، ومنهم ابن زهرة؛ فإنّها شروط للضربين الأولين وتطبيقها على الضرب الثالث محتاج بالتأويل، والشاهد على ذلك أنّه في الغنية إنّما طبّق الشروط على الضربين الأوّلين لا الضرب الثالث (3) ، فتدبّر جيّداً.

تنبيه :

المعروف بين الأصحاب أنّ الإجارة على نحوين (4) ، فقال الشيخ الطوسي في المبسوط (5) ، وابن البرّاج في المهذب (6) ، والراوندي في فقه القرآن (7) ، وابن ادريس في السرائر (8)،

ص: 448


1- أنظر السرائر 2: 456
2- أنظر المقنعة 640-643.
3- أنظر غنية النزوع : 285.
4- وقد عبّروا عنهما بضربين، فتفطن حتى لا تخلط بين هذين وتلك الضروب الثلاثة.
5- أنظر المبسوط 3: 221
6- أنظر المهذب 1 471
7- أنظر فقه القرآن 2 : 64
8- أنظر السرائر 2 457

وغيرهم (1) أنّ للإجارة ،ضربين وقد بيّناهما في جملة من مباحث الجعالة، ونذكرهما مكرّراً لجهة أخرى:

قال الشيخ الطوسي : الإجارة على ضربين أحدهما ما يكون المدّة معلومة والعمل مجهولاً والثاني: ما يكون المدّة مجهولة والعمل معلوماً. فما يكون المدّة معلومة والعمل مجهولاً، مثل أن يقول : آجرتك شهراً لتبني أو تخيط، فهذه مدّة معلومة والعمل مجهول، وما يكون المدّة مجهولة والعمل معلوماً فهو أن يقول: آجرتك لتخيط ثوبي أو تبني هذه الدار، فالمدة مجهولة والعمل معلوم. فأما إذا كانت المدّة معلومة والعمل معلوماً فلا يصح، لأنه إذا قال: استأجرتك اليوم لتخيط قميصي هذا»، كانت الإجارة باطلة، لأنه ربما يخيط قبل مضي النهار فيبقى بعض المدّة بلا عمل وربما يفرغ منه بيوم ويحتاج إلى مدّة أخرى ويحصل العمل بلا مدّة» (2).

وهكذا ذكر هذان الضربان في الكتب الأخرى؛ فمثلاً في السرائر (3) بعد بيان جواز الإجارة أخذ ببيان هذين الضربين، كأنّ ذات الإجارة تنقسم إلى هذين ،الضربين مع أنّ المثال الذي ذكروه كلّهم هو حول إجارة الشخص لا إجارة الدار والدابة؛ ولذلك يمكن الذهاب إلى أنّ هذين النحوين إنّما يكونان من انقسامات الضرب الثالث، ولا يجري في الضربين الأولين لأنّه فيهما وخصوصاً الأوّل منهما لا عمل حتى يقال كان العمل معلوماً، وقد صرّح بذلك في

ص: 449


1- أنظر الوسيلة 267؛ المختصر النافع : 152 ؛ غاية المرام في شرح شرائع الإسلام :2 321
2- المبسوط 3 : 221
3- أنظر السرائر 2 457

السرائر، حيث قال : «العقار لا يتقدّر منفعته إلا بتقدير المدّة، لأنّه لا عمل لها، فيقدّر في نفسه (1) .

فببيان جامع، يمكن القول بأنّ المعقود عليه في الإجارة لا بدّ وأن يكون معلوماً، وهذا لا إشكال فيه وإنّما الكلام في كيفية المعلومية :

أما في إجارة الأشخاص : تارةً يجوز وأن تكون المدّة معلومةً والعمل مجهولاً، كما إذا قال للأجير استأجرتك لتعمل لي يومين، وتارةً يجوز وأن يكون العمل معلوماً والمدّة غير معلومة، مثل أن قال : استأجرتك لتخيط لي ثوباً وهذان لا إشكال فيهما، وإن كان في كلّ واحد منهما أحكام موكول بيانها إلى محلّها.

أما في إجارة البيت فلا بد من تعيين الوقت ولا معنى لتعيين العمل، لأنّه كما قاله ابن ادريس لا عمل حتى يمكن تقدير الإجارة به (2).

إن قلت : يمكنه أن يقول : أسكنتك داري في مدة كونك أجيري أو في مدة خياطتك لي مئة ثوب وهذا يكون من قبيل تعيين العمل وجهل المدّة في إسكان الدار، وكذا إذا قال المالك للمستأجر : أسكنتك داري في مدة بيعك الخبز فيه أياً كان».

قلت أمّا في المثال الأوّل أي فيما إذا قال: أسكنتك داري في مدة كونك أجيري» ففي الحقيقة يصير المستأجر في نفس الوقت أجيراً وكان أجرة عمله مساوياً لأجرة إسكانه في الدار، وهذا لا إشكال فيه ولكن في الحقيقة معلومية العمل راجع إلى كونه أجيراً،

ص: 450


1- السرائر 2 457
2- أنظر السرائر 2: 457.

ولا ربط له بإجارة البيت نعم؛ على كل حال يمكن دعوى كونه من قبیل معلومية العمل وعدم معلومية المدّة، فتدبّر.

أمّا في المثال الثاني : أي فيما إذا قال: «أسكنتك داري في مدة خياطتك لي مئة ثوب مضافاً إلى ما قلنا أنّ من تعيين المدّة إنّما رجع إلى حيثية إجارة الشخص لا إجارة البيت يمكن القول ببطلان الإجارة، لأنّ صاحب العمل يمكنه تأخير العمل إلى غير النهاية وهذا لا يمكن الالتزام به، إلا أن تقول إنّه إذا كان هناك زمان متعارف لخياطة مئة ثوب يصح في ذلك الزمان، ففي الحقيقة أنّ المقصود تعيين مدّة إجارة البيت ولكن أشير إليها بتعيين عمل خاص، وهذا لا إشكال فيه.

أمّا في المثال الثالث: أي فيما إذا قال المالك للمستأجر : أسكنتك داري في مدة بيعك الخبز فيه أياً كان فالظاهر أنّه لا إشكال فيه، ويمكن القول بأنّه يكون من قبيل الجهل بالمدة والعلم بالعمل، ولا يرد عليه أنّه لا يصل إلى المالك نفع من هذه الإجارة، لأنّ اللازم وصول نفع ل- ، لا نفع داخلي، وهذا لعلّه موجود كما إذا كان له غرض يحصله وجود مخبز في المحلة ، وقد بحثنا مفصلاً ذلك فلا نعيد.

أما في إجارة الدواب : أيضاً يمكن تكلّف جريان الضربين، بأن نقول : كما يمكن إيجاره لعمل معلوم مثل حمل مئة كيلو حنطة إلى هنا كذلك يمكن إيجاره لمدّة معلومة.

اللهم إلا أن تقول : إنّ شرط إجارة الدواب معلومية الحمل، فلا يمكن تعيينه بحسب المدّة فلا يجري ضرب معلومية المدّة ومجهولية العمل في الدواب.

وبالجملة ؛ ففي إجارة الأشخاص يجري الضربان بوضوح، وقد

ص: 451

مثل الأصحاب بها لأجل تبيين ،المرام ولكن في إجارة البيوت فأشكل أمر معلومية العمل مع مجهولية المدة، وفي إجارة الدواب فأشكل مجهولية العمل مع معلومية المدّة.

وعلى كلّ حال ؛ كان مقصودنا الإشارة إلى التفاوت الموجود الأضرب، ولو ثبت بواسطة هذه الكلمات لك شيء من المقصود فهو كافٍ لنا .

تنبيه آخر

قد أشرنا فيما أسلفنا إلى عبارة الشيخ الطوسي حيث قال: كلّ ما يستباح بعقد العارية يجوز أن يستباح بعقد الإجارة من إجارة الرجل نفسه وعبيده وثيابه و داره وعقاره بلا خلاف» (1) . وهذه العبارة كثيراً ما كرّرت في كتب الفقهاء، وكفاك النظر إلى مفتاح الكرامة حيث قال في شرح قول العلامة : كلّ عين تصحّ إعارتها تصح إجارتها (2) ما هذا نصه بلا خلاف كما في المبسوط والسرائر، وبلا خلاف ممن يعتد به كما في الغنية وإجماعاً كما في الغنية أيضاً. وظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع. وفي فقه الراوندي كلّ ما يستباح بعقد العارية يجوز أن يستباح بعقد الإجارة بلا خلاف... وقد صرّح بالحكم في الشرائع والنافع والتذكرة والتحرير والإرشاد وغيرها. وفي جامع المقاصد أنّ هذا أكثري، إذ الشاة تصح إعارتها للحلب ولا تصح إجارتها. وقيّد في التنقيح» عبارة النافع فقال : كل عين تصح إعارتها مع بقاء عينه تصح إجارته ونحوه ما في المسالك في تقييد عبارة الشرائع من قوله: «تصح إعارته بحسب الأصل أي القاعدة وفي مجمع البرهان والكفاية كل ما تصح إعارته من الأعيان للانتفاع به

ص: 452


1- المبسوط 3 221
2- قواعد الأحكام 2 282

بالمنفعة التي لا تكون عيناً تصح إجارته. وفي اللمعة كلّ ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إعارته وإجارته» (1) انتهى.

ثم اعلم : أنّ جميع هذه الاختلافات في القيود يكون لأجل إخراج الشاة، كما عرفت من جامع المقاصد (2) وما يشبهه، وهذا ليس محط نظرنا كما تعلم ولكنّ الذي خلج في ذهننا هو الإشكال في ناحية شمول هذه القاعدة بالنسبة إلى إجارة الشخص نفسه، وأنّه لا معنى لعارية النفس كما أشرنا إليه سابقاً في الجملة، ولا شكّ في أنّك إن تعمل مجاناً لشخص لا يطلق عليك أنك أعرت نفسك إليه وإن يمكن توجيهه بتكلف إلا أنّ مثل هذه المسائل مسائل عرفية، والصدق وعدم الصدق تابع لهم في الجملة.

والشاهد على ذلك : أنّ الفقهاء لم يشيروا إلى أحكام إعارة النفس أصلاً على حسب ما تتبعت، ولم يستعملوا عبارة إعارة النفس أو عارية النفس أو ما يشبه ذلك.

والعرف أيضاً يستوحش من القول بأنّه إذا عمل شخص لشخص آخر مجاناً ففي الحقيقة أعار نفسه.

هذا والذي وجدته فصل البحث في هذه الناحية هو المحقق الإمامي الخوانساري في حاشيته على المكاسب وقال ما حاصله جرت عادة الأصحاب في كتاب الإجارة بعد بيانهم لماهيّتها والحكم المترتب عليها من حيث الجواز واللزوم ذكر الضابطة المعروفة لمورد الإجارة ومتعلّقها وإن عبّروا عنها بعبارات مختلفة كقول المحقق في الشرائع : وكل ما صح إعارته صح إجارته»... إلى غير ذلك ممّا يرجع

ص: 453


1- مفتاح الكرامة 19 256-257
2- أنظر جامع المقاصد 7 87

إلى معنى واحد ولم يذكروا هذه الضابطة في طي الشرائط وأركان الإجارة، وأوّل من صنع ذلك الشيخ في المبسوط (1). ويستشكل في هذه الضابطة تارةً بأنّه لا وجه يقتضي لجعل مورد العارية ضابطةً لتشخيص مورد الإجارة، إذ لم يرد به نص ولم يدلّ عليه دليل وما ذكره بعضهم من التعليل بأنّ الإجارة لمّا كانت لنقل المنافع دون الأعيان فلا بد أن يكون موردها كمورد العارية... فغايته أنّهما سيّان في اعتبار ذلك، وأنّهما معلولان لأمر ثالث ويبقي سؤال الوجه عن جعل أحدهما أصلاً والآخر فرعاً له. وما يتخيّل من أنّ الوجه هو سبق كتاب العارية على الإجارة وإن كان الحكم في موردهما واحداً وكأنّهم استغنوا بهذه الضابطة عن إعادة ما ذكروه في العارية فيدفعه أنّه لو تمّ فإنّما يصح وجهاً لمن قدّم تدوين كتاب العارية على الإجارة كالشيخ وابن ادريس والمحقق، لا من قدّم كتاب الإجارة وجعل الضابطة فيها ذلك كالمحكي عن العلّامة في الإرشاد والتحرير وتارةً بأنّها منتقضةً عكساً (2) وطرداً (3). وما يذكر بعنوان الميزان والضابطة من الواضح أنّه ليس من قبيل العام والقاعدة كي لا يضرّ بها خروج بعض الأفراد، بل لا بد أن يكون كالحدّ والمعرف الحقيقي غير قابل للنقض عليه أصلاً؛ فإنّ معنى الضابطة هو ما كان محيطاً بجميع أفراد الشيء من حيث الحكم... وعلى هذا فلا بدّ من جريان الإجارة في كل مورد تجري فيه العارية وعدم جريانها في كلّ مورد لا تجري فيه العارية.... ثمّ إن

ص: 454


1- أقول: هذا كلام صحيح وبين أهل السنة ايضاً أني لم أجد من ذكر هذه الضابطة، فليتتبع.
2- المراد أن بعض الموارد يجوز إعارتها ولكن لا يجوز إجارتها كالشاة التي عرفت.
3- فيكون المراد أنّ بعض الموارد يجوز إجارته ولا يجوز إعارته، هذا هو مقصودنا ، فانتظر.

المتعرضين من الأصحاب لبيان النقض سلكوا سبيلاً غير ما عرفته (1) وأوردوه بموارد مخصوصة فأوردوا على عكس الضابطة بعارية المنحة، وعلى طردها بإجارة الحرّ نفسه والمرضعة نفسها الجائزة بالإجماع والنص. وأجابوا عن هذه النقوض تارةً بأنّ الضابطة مبنية على الغالب، وأخرى بأنّ الغرض منها هو بيان التلازم بين مورد العارية والإجارة بالنظر إلى الأصل، ولا ينافي التخلّف من جهة قيام الدليل من إجماع أو غيره وفيهما ما لا يخفى على المتأمل» (2) انتهى كلامه.

وعلى ضوء ما ذكرنا يمكن النظر إلى كلام الكيدري في إصباح الشيعة حيث قال : يستباح بعقد الإجارة نفس الإنسان وعبده وثوبه وداره وعقاره (3) من دون إشارة إلى كتاب العارية وموردها، فتدبّر.

النظر الثامن : إصباح الشيعة :

في كتابه أيضاً لا ترى تمايزاً بين الأضرب المختلفة، بل بحث عن الكلِّ من دون إشارة إلى وجود الأضرب المختلفة، وبحث عن ضمان الأجير وغيرها في ختام بحثه (4).

وعلى كل حال الإشكال عليه هو الإشكال على غيره من على فرض وجود جميع الأضرب الثلاثة تحت حقيقة واحدة، ولكن لا يناسب البحث عنهما بشكل مندمج لما عرفت من أنّه قلما توجد قاعدة أو ضابطة أو مسألة أو فرع يجمع فيها الأضرب الثلاثة ويستقيم أمرها.

ص: 455


1- ولم تذكر كلامه المفصل لكونه خارجاً عن محط بحثنا.
2- الحاشية الثانية على المكاسب للخوانساري : 464-466 بتصرف.
3- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة 275
4- أنظر إصباح الشيعة بمصباح الشريعة : 275-282

ففي هذا الكتاب أيضاً : لو راجعت وطبقت الأحكام المذكورة حول الإجارة المطلقة ترى أنّ كل حكم ممّا ذكره إما مربوط بالضربين الأولين بحيث يصعب تطبيقه على الضرب الثالث، أو مربوط بالضرب الثالث ويصعب تطبيقه على الضربين الأوّلين.

النظر التاسع : كشف الرموز

ابتدأ الفاضل الآبي كتاب الإجارة تبعاً للمختصر النافع بمسألة بطلان الإجارة بالموت وقال : قال (دام ظلّه) وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان ،نعم، وقال المرتضى رحمه الله لا تبطل وهو أشبه. أقول : للأصحاب في هذه المسألة ثلاثة أقوال؛ فمذهب المفيد وسلار وابن البرّاج والشيخ في النهاية والخلاف أنّها تبطل. وتردّد في المبسوط فقال والأظهر عند الأصحاب أن تبطل بموت المستأجر ولا تبطل بموت المؤجر، واختاره صاحب البشرى ومذهب المرتضى وأبي الصلاح والمتأخّر وشيخنا أنّها لا تبطل بموت أحدهما، وهو المختار لنا النصّ والنظر، أمّا الأوّل: فقوله تعالى: (أَوْفُواْ بِالْعُقُود) (1) وهذا عقد يجب الوفاء به، وقولهم عليهم السلام المؤمنون عند شروطهم (2). وأمّا الثاني: فإنّ المنفعة كانت حقاً للمؤجر، وهو جائز التصرّف، وتصرّف بعقد لازم، فلا يجوز إبطاله، ثمّ انتقل إلى المستأجر، فإن مات يرثه وارثه كسائر الحقوق، واستدل الشيخ في الخلاف بالإجماع، وبأنّه صار ملكاً للورثة، واستيفاء من ملك الغير غير جائز. أمّا الإجماع فغير ثابت. وأما أنّ

ص: 456


1- المائدة (5) : 1.
2- تهذيب الأحكام : 371 1503 الاستبصار : 835/232؛ وسائل الشيعة 21 27081/276

استيفاء المنفعة من ملك الغير غير جائز، فهو ممنوع، لأن تملك الرقبة لا يستلزم تملّك المنفعة، انتهى كلامه (1).

ثم اعلم أن صاحب الجواهر بعد ذكر الأقوال والمحاكمة بينها قال: و كيف كان فقد استثنى القائل بعدم الانفساخ موت الأجير الخاص» (2) أنّك مع لم تر هذا الاستثناء في كلمات الآبي الذاكر للأقوال بل جعل العلّامة مسألة موت الأجير خارجاً عن البحث وصرّح بأنّ قياس موت الأجير بموت المستأجر قياس باطل وقال «القياس على موت الأجير باطل، لأن انفساخ الإجارة بموت الأجير كان من جهة أنّه مورد العقد لا من جهة أنّه عاقد (3) » (4).

فالظاهر أنّ من بحث عن الأضرب الثلاثة وقام بتطبيق الأقوال على جميعها قد ،خلط فاللازم على الباحث البحث عن الضرب الثالث على نحو مستقل. فإنّ ظاهر عبارات المتقدمين خصوصاً بعد عدم تعبيرهم عن موت الأجير بموت المؤجر والمستأجر اللذين عرفت أنّهما من اصطلاحات الضربين -الأوّلين يكشف لنا أن نظرهم كان على الضربين الأوّلين وإدخال الثالث فيهما من حيث البحث لا يوجب إلا خلطاً، كما لا يخفى على المراجع المنصف.

ثمّ لو صدقتني في مقالتي من أنّ نظر الفقهاء المتقدمين في مسألة الانفساخ بالموت كان على الضربين الأوّلين فتفطن إلى أنّه في شروع الكتاب يكون إطلاق بطلان الإجارة ظاهراً في أنّ هذا الحكم يكون حول حقيقة الإجارة، كما إذا يقال : البيع يبطل بكذا» أو «الشركة

ص: 457


1- كشف الرموز 2 30 31
2- جواهر الکلام :27 212
3- في المصدر : (عاقل).
4- تذكرة الفقهاء 2: 325

تبطل بكذا ولكن هذا الحكم ليس حكماً لحقيقة الإجارة بما هي حقيقة فوقانية للأضرب الثلاثة، بل هذا الفرع كلّه مربوط بالضربين الأوّلين كما ذكرنا فتدبّر جيّداً.

ثم اعلم : أنّ الفقهاء المعاصرين بحثوا إجمالاً عن مسألة موت الأجير في كتاب الحج في ذيل المسألة رقم 11 من مسائل النيابة في كتاب العروة، وقد صرّح هناك أيضاً السيّد الخوئي بما يلائم مقصودنا، حيث قال فيما إذا مات الأجير للحج: «في العبارة تشويش والصحيح أن يقال : إنّ الإجارة إذا كانت مقيّدة بالمباشرة فهي تنفسخ بالموت من غير فرق بين أن تكون الإجارة في سنة معيّنة أو كانت مطلقةً، وأمّا إذا لم يقيّد الإجارة بالمباشرة وجب الاستئجار من تركة الأجير من غير فرق أيضاً السنة المعينة وغيرها (1).

فالظاهر منه : أنّ الضرب الثالث من الإجارة ينفسخ بالموت فيما إذا كان الأجير خاصاً بالمعنى الذي ذكره، ولا ينفسخ فيما إذا لم يقيّد بالمباشرة، والظاهر أنّ إجارة الأجير الأصل فيه اشتراط المباشرة إلا إذا صرّح بعدم المباشرة أو بطلب النتيجة.

وعلى كل حال إنّ هذا المقدار يكفي في إثبات أن كيفية البحث عن إجارة الشخص في هذه المسألة أيضاً يتفاوت بكثير، وعدم التوجّه إلى هذا التفاوت يوجب التشويش في سائر المسائل المرتبطة. وهذا مؤيّد آخر لما أصررنا عليه من أنّ الضرب الثالث من الإجارة يتفاوت مع الضربين الأوّلين ومع ذلك بحث الفقهاء عنها جميعاً في كتاب، وفي نفس الوقت ميّزوا بين كتاب الشركة والمضاربة والمزارعة والمساقاة! فتدبّر جيّداً.

ص: 458


1- شرح العروة الوثقى الحج (موسوعة الإمام الخوئي 27 : 33.

الفصل الثاني : تعريف الإجارة في كلمات الأصحاب

اعلم أنّ المحقق عرّف الإجارة ببيان ثمرتها، حيث قال: كتاب الإجارة وفيه فصول أربعة الأوّل في العقد وثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم» (1).

وقد عرفت تعريف الوسيلة، بأنّها عبارة عن : عقد على منفعة بعوض» (2). وفي الحقيقة كان تعريف المحقق تكميلاً لتعريف الوسيلة من جهتين :

الأولى : بيان لزوم معلومية العوض، وهو غير مهم لنا فعلاً.

والثانية : بيان أنّ الإجارة عبارة عن تمليك المنفعة.

فالظاهر من كلام المحقق : أنّ الإجارة كالبيع، غير أنه يوجد في البيع تمليك العين في مقابل ثمن، وفي الإجارة يوجد تمليك المنفعة مع بقاء العين في ملكية مالكه.

والمهم هنا هو التكلّم حول قضية التمليك الموجود في الإجارة، فنجمع البحث في هذا الفصل في ضمن أقدام:

ص: 459


1- شرائع الإسلام 2 413
2- الوسيلة : 267 .

القدم الأول : بحث تاريخي:

قد ظننتُ في أوّل الأمر أنّ أوّل من عبّر عن اصطلاح تمليك بین أصحابنا هو المحقق الحلي المتوفى سنة 676 في أمّا بين أهل السنة فقد وجدته في بعض كتبهم مثل قواعد الأحكام لعزّ الدين بن عبد السلام المتوفي سنة 660 (1) ، فهو متقدّم على المحقق بيسير، والقرافي (684) في الفروق (2) فهو متأخّر عن المحقق بيسير. ولكن وجدت في كتاب المبسوط للسرخسي المتوفى سنة 490 أو 483 تعريفه للعارية بقوله : «العارية : تمليك المنفعة بغير عوض» (3) وكذا وجدته في كتاب تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي المتولّد سنة 450 حيث قال : التمليك أنواع ثلاثة فلا بد لكل نوع من اسم خاص ليتميّز عن صاحبه فالبيع اسم لتمليك عين المال بعوض في حالة الحياة والهبة والصدقة تمليك عين المال بغير عوض في حالة الحياة بطريق التبرّع والعارية تمليك المنفعة بطريق التبرع في حالة الحياة فيكون الوصيّة اسما لتمليك المال بعد الموت بطريق التبرّع في العين والمنافع جميعاً ) (4) ولم يُشر إلى صورة تمليك المنفعة بالعوض، فتكون الأقسام أكثر من الثلاثة.

وبعد التوجه إلى هذه العبارة ؛ تجد ما في بعض كتبهم الأخرى أنّ : التمليك هو جعل الرجل مالكاً وهو على أربعة أنحاء: الأوّل تمليك العين بالعوض وهو البيع. الثاني تمليك العين بلا عوض وهي الهبة والثالث تمليك المنفعة بالعوض وهي الإجارة، والرابع تمليك

ص: 460


1- أنظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام 2 91
2- أنظر الفروق 1 : 187
3- المبسوط للسرخسي 11 133
4- تحفة الفقهاء 3: 205-206

المنفعة بلا عوض وهي العارية» (1) فإنّه خالٍ عن الإشارة بالوصية التي هي أعم من تمليك العين أو المنفعة وإن كان في عد الوصية في زمرة هذه تأمّل ليس موضع شرحه هنا.

وعلى كل حال : فبعد النظر إلى هذه العبارات لا نشكّ في المحقق أخذ هذا التعريف من غيره ولكن لم يكن لي فرصة للعثور على أوّل من ذكر هذا التعريف للعارية والإجارة، وليس بمهم لنا فعلاً كما لا يخفى

نعم؛ يمكن استفادة هذا التعريف من كلمات الشيخ الطوسي أيضاً حول كتاب الصلح وحقيقته، فالشيخ متقدّم على من ذكرتُه من العامّة فيما أسلفتُ لأنّه متوفى سنة 460 ، وكيفية الاستفادة نذكرها بالنظر إلى كلمات الفاضل المقداد حيث قال: «إنّ الصلح عقد مستقل بنفسه ليس ببيع ولا يفرع على غيره من العقود، كما هو المشهور لأصالة عدم الفرعية، ولأنّه لو كان بيعاً أو فرعاً عليه لما صح إلا حيث يصح، واللازم باطل، فكذا ،الملزوم والملازمة ظاهرة. وأمّا بطلان اللازم فإنّه يصح مع الجهل ومع الإنكار. وللشيخ هنا قولان: أحدهما : أنّه بيع والآخر : أنّه فرع على عقود خمسة، هي البيع والصرف والإجارة والعارية والهبة وعلى الإبراء، وذلك لأنّه إن اقتضى إسقاطاً فهو فرع الإبراء، وإن اقتضى تمليكاً فإما لعين أو لمنفعة، وعلى التقديرين فإمّا بعوض أو بغيره. فهذه أربعة وتمليك العين بعوض إما أن يكون العوضان من الأثمان أو لا، فالأقسام حينئذ خمسة (1) تمليك بعوض وهما من الأثمان، وهو فرع الصرف. : (2) تمليك بعوض وليسا من الأثمان وهو فرع البيع بقول مطلق. (3) تمليك العين بغير عوض وهو فرع الهبة. (4) تمليك المنفعة بعوض،

ص: 461


1- قواعد الفقه : 218

وهو فرع الإجارة. (5) تمليك المنفعة بغير عوض، وهو فرع العارية» (1).

وبالجملة : إنّ تعريف الإجارة أو بيان ثمرتها بذكر التمليك يكون متداولاً بين أصحابنا بعد المحقق كما تجده في التبصرة (2) ، والتحرير (3) ، والتذكرة (4)، واللمعة (5)، وغيرها (6).

والظاهر : أنّ تعبير العلامة في القواعد من أنّ الإجارة عبارة عن عقد ثمرته نقل المنافع بعوض معلوم، مع بقاء الملك على أصله» (7) ، ليس مغايراً للتعبير عن تمليك المنفعة فإنّ نقل المنافع مع بقاء العين ليس له معنى مغاير لما عليه غيره من أنّها تمليك المنفعة.

القدم الثاني : الإشكال على جعل التمليك هو التعريف للإجاره:

أنّ جعل «التمليك هو التعريف للإجارة كما- نواجهه في بعض العبارات كعبارة ابن فهد الحلي في المهذب البارع حيث قال: الإجارة... في الشريعة تمليك المنفعة مدّة معيّنة بعوض مالي (8) وكلام الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : «الإجارة من الألفاظ المنقولة شرعاً عن موضوعها لغةً، لأنّها في الشرع عبارة عن تمليك

ص: 462


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 199-200
2- أنظر تبصرة المتعلمين في أحكام الدين : 133.
3- أنظر تحرير الأحكام 3 67.
4- أنظر تذكرة الفقهاء .2 290
5- أنظر اللمعة الدمشقية : 140
6- أنظر الجامع للشرائع : 292؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 327؛ مفتاح الكرامة :19 219
7- قواعد الأحكام 2 281
8- المهذب البارع 3 : 17 .

المنفعة خاصة بعوض (1) وكلام المحقق الكركي حيث عرّف الإجارة بأنّها عبارة عن تمليك المنفعة المعيّنة، مدة معينة، بعوض معلوم (2) مغاير لكون الإجارة اسماً لعقد لانّ التمليك بالمعنى المعلوم هو فعل الموجب لا عقد الإجارة؛ ولذلك إنّ الإجارة على حسب تعريفها بأنّها تمليك ليس ينبغي أن يكون اسماً للعقد.

وهذا ما نواجهه في البيع أيضاً ؛ فإنّ التعبير بأنّ البيع هو إنشاء تمليك عين بمال (3) كما قاله الشيخ الأعظم - فليس تعريفاً للعقد، بل هو تبيين لفعل الموجب، ولذا أو لغيره - أشكل سماحة الجدّ على تعريف الشيخ من حيث الاستفادة من قيد الإنشاء بقوله : «إنّ الإنشاء غير البيع؛ فإنّ حقيقته نفس التبديل لا إنشاؤه» (4). ومن الممكن السؤال عن سماحة الجدّ أيضاً من أنّ عقد البيع هل هو نفس التبديل بالمعنى المتعدّي أو التبديل هو فعل الموجب؟

والقول بأنّ الركن الأصلي للعقد هو الموجب وأنّ القابل صرفاً يقبل ما أنشأه الموجب.

لا يصحح الإشكال، لأنّ العقد بما هو عقد عبارة عن شيء متقوم بإرادتين لا الإرادة المنفردة.

فلعله لذلك ترى العلّامة قال في تعريف الإجارة: «عقد ثمرته نقل المنافع بعوض معلوم (5) وكذا حال تعريف المحقق الماضي ذكره

ص: 463


1- مسالك الأفهام 5: 171
2- جامع المقاصد 7 80
3- كتاب المكاسب 3: 11
4- كتاب البيع (للإمام الخميني 1 : 66 .
5- قواعد الأحكام 2 281

أنّ ثمرته تمليك المنفعة» (1) . ومثله تعبير العلامة في التحرير والتذكرة من أنه عقد يقتضي تمليك المنفعة» (2).

والمترائى منهم : الإمساك عن جعل الإجارة نفس التمليك بل جعلوها شيئاً ثمرته التمليك.

القدم الثالث : الإشكال على جعل التمليك ثمرة للإجاره:

قد عرفت أنّ جمعاً من الفقهاء كالمحقق (3) أمسكوا عن جعل الإجارة نفس التمليك، بل جعلوها شيئاً ثمرته تمليك المنفعة.

ثمّ تدبّر في أنّه هل تكون ثمرة الإجارة هي تمليك المنفعة من ناحية المؤجر أو ثمرتها هي تملك المنافع من ناحية المستأجر؟ فلقائل أن يقول : الأنسب في بيان الثمرة هو ذكر الحاصل من التمليك وهو التملك، فافهم.

إن قلت: إنّ هذا البيان هو التوجيه المناسب لوجه عدول العلامة (4) من تعريف المحقق ؛ فإنّ المحقق كما- عرفت ذهب إلى أنّ الإجارة هي عقد ثمرته تمليك المنفعة (5) ، ولكن قال العلامة إنّها عقد ثمرته نقل المنافع (6) . فلعل النقل أنسب من التمليك.

قلنا الإنصاف أنّ النقل أيضاً له معنى متعدّ كالتمليك ؛ فكما لازم التمليك هو التملك، فكذلك لازم النقل هو الانتقال، ولذا من هذه الناحية لا فرق بين العبارتين فتدبّر

ص: 464


1- شرائع الإسلام 2 413
2- تحرير الأحكام 3 67 تذكرة الفقهاء 2 290
3- انظر شرائع الإسلام 2 413.
4- أنظر قواعد الأحكام 2 281
5- أنظر شرائع الإسلام 2 413.
6- أنظر قواعد الأحكام 2 : 281

ولعلّ الشهيد الأوّل لأجل ذلك عدل عن التعبيرين، وذهب إلى أنّ الإجارة هي العقد على تمليك المنفعة (1) .

القدم الرابع الإشكال على جعل الإجارة هي العقد على تمليك المنفعة :

قال الشهيد الأوّل في تعريف الإجارة: وهي العقد على تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم» (2).

وقال الشهيد الثاني في توضيح العبارة ما هذا نصه : الإجارة العقد على تملّك المنفعة المعلومة بعوض معلوم؛ فالعقد بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود، وخرج بتعلّقه بالمنفعة البيع والصلح المتعلّق بالأعيان وبالعوض الوصية بالمنفعة، وبالمعلوم إصداقها، إذ ليس في مقابلها عوض معلوم وإنّما هو البضع» (3).

ويمكن تذييله بما يلي:

أوّلاً: أن نسخة اللمعة الموجودة في البرنامج ثبت فيها «التمليك، بينما في النسختين من الروضة الموجودتين فيه ثبت التملك بدل التمليك (أعنى المحشّى للكلانتر والمحشّى لسلطان العلماء). ولكنّ الظاهر أنّ الصحيح هو «التمليك» لموافقته لنسخة اللمعة، ولتصريح القوم بالتمليك دون التملك، فلو كان تعبير الشهيد هو التملك لصار محلّ التوجه، فافهم.

ثانياً : أن الشهيد الثاني كما رأيت لم يشر إلى قيد التمليك في

ص: 465


1- أنظر اللمعة الدمشقية: 140
2- اللمعة الدمشقية : 140
3- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 327

توضيحاته، فكأنّه قيد لغو ولا يتفاوت حال الإجارة بين ما إذا تقول العقد على تمليك المنفعة أو العقد على المنفعة، فتدبّر.

ثالثاً : إذا كان المراد من العقد هو طرف الموجب فقط فهو، أمّا بناءً على الصحيح من أنّ العقد متقوّم بالطرفين، وأنّه اسم للماهية الاعتبارية، فذكرُ التمليك المشعر إلى طرف الإيجاب غير تام، كما عرفت.

وكذا الحال في فرض كون العبارة «التملك»، فإنّها حينئذ مشعرة بطرف القبول فقط . وهو أشكل.

فلعل الأولى حذف قيد التمليك، لأنّ الذهاب إلى أنّ الإجارة العقد على المنفعة المعلومة خالٍ عن هذا الإشكال، فتدبّر حتى تصل النوبة إلى مزيد البيان.

القدم الخامس : تجميع التعاريف وتوجيهها قد عرفت من مجموع العبارات إلى هنا ثلاثة تعبيرات عن التمليك في تعريف الإجارة

فبعضهم : جعلوها نفس التمليك،

وبعض آخر : جعلوا ثمرتها التمليك

وبعض آخر : جعلوها العقد على التمليك.

وعلى كلّها يرد إشكال النظر إلى الإيجاب فقط . وقد تفطن إليه الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : تمليك المنفعة المذكورة ليس ثمرة العقد، بل ثمرة الإيجاب، لأنّ المؤجر هو المملك لا المستأجر، فإنّ التمليك مصدر ملّك بالتشديد - لا ملك أو تملك، لأنّ مصدرهما الملك والتملّك. ويمكن اندفاعه بأنّ الإيجاب لمّا كان جزء السبب المصحح للتمليك نسبت الثمرة إليهما، فإنّ التمليك وإن

ص: 466

وقع من الموجب خاصةً إلا أنّه لا يتمّ ثمرته بانفراده، بل لا بد من مصاحبته لبقية الشرائط وغيرها مما تتوقف عليه الصحة» (1) .

فالظاهر : أنّ إشكاله في محلّه وأمّا جهده للدفاع غير تام، كما لا يخفى. فنسبة الثمرة إلى الإيجاب والقبول باعتبار جزئية الإيجاب لا تكون من الحقيقة قطعاً، ولعلّه توجيه بعد جعل أمر التعاريف سهلاً.

لا يقال : إنّ التمليك والتملك مثل الكسر والانكسار، فالتملك في الحقيقة نفس التمليك بالنظر إلى جانب التأثر، كما أنّ التمليك نفس التملّك بالنظر إلى جانب التأثير، كما نواجهه في الكسر والانكسار فإنّ الكسر نفس الانكسار بالنظر إلى جانب التأثير، والانكسار نفس الكسر لكن بالنظر إلى المبدأ التأثري. وعلى ضوء ذلك ففي جعل ثمرة العقد هي التمليك في الحقيقة إشارة إلى التملّك أيضاً، فكلاهما في الثمرة ،ملحوظان، لكن يلحظ الجانب التأثيري بالأصالة وجانب التأثري بالتبع كما كان الأمر كذلك في حقيقة العقد أيضاً ؛ فإنّ قوام العقد بالموجب أكثر من قوامه بالقابل، كما عرفت من تحقيق الحال في الإنشاء والقبول فالفقهاء استفادوا من التمليك بدقة.

فإنّه يقال: إنّ الامر في التمليك والتملك الاعتباريين ليس مثل الكسر والانكسار لأنّ المراد من التمليك هو التمليك الإنشائي، ولا ريب في أنّ تمليك الموجب لا يورث تملك القابل إلا بعد قبوله، وبعد مراعاة سائر شروط الباب.

ويكفيك هنا: الرجوع إلى كلام المحقق الهمداني في البيع حيث قال: «ثمّ إنّه لا خفاء ولا إشكال في أن لفظ التمليك ظاهر في تحقق

ص: 467


1- مسالك الأفهام 5: 171-172

الملكية الواقعية وحصولها في الواقع، فلفظ ملكت» بظاهره يدلّ على حصول الملكية في الواقع المستلزم لتملك الطرف المقابل، نظير لفظ «التعليم» حيث إنّ تحققه مستلزم لتعلّم الطرف المقابل، فلا يصدق علّمته عند انتفاء التعلّم، وكذا الملكية عند انتفاء التملك، وقضية التمليك الواقعي ثبوت التملك الواقعي وانتفائه بانتفائه، ولا ريب أنّ البيع ليس عبارةً عن التمليك بهذا النحو، أعني التمليك الواقعي، بل البيع عبارة عن إيجاد الملكية وإنشائها التي هي مدلولة ل- ( بعت) إذا كان إنشائياً، بخلاف الأوّل، فإنّه مدلوله الإخباري، وحينئذ لو تعقب الإنشاء القبول تحصل الملكية ،الواقعية وإلا فلا يترتب على إنشائها أثر، وهذا هو الوجه في اعتبار لفظ الإنشاء في التعريف حيث عرّف بأنّه : إنشاء تمليك عين بمال » (1).

اللهم إلا أن توجه كلام القوم بقولك : أمّا إنّ من عبّر عن الإجارة بقوله: الإجارة هي تمليك المنفعة (2) فعبّر عن الإجارة الصحيحة، وليس مراده التمليك الإنشائي، بل بعد الذهاب إلى أنّ الإجارة اسم للمسبّب فهي التمليك الحقيقي للمنافع وقد عرفت تلازمه وتساوقه للتملك. وأظهر منه كلام من جعل التمليك ثمرةً لعقد الإجارة (3) ؛ فإنّ التمليك المجعول بعنوان الثمرة ليس صرف إنشائه، بل هو حقيقته الواقعة المساوقة للتملك. فالإجارة اسم للمسبب في نظرهم لا السبب.

ولكن هذا التوجيه غير وجيه بعد ما عرفت منّا في المقصد

ص: 468


1- حاشية كتاب المكاسب (للهمداني): 9
2- أنظر المهذب البارع :3 17 جامع المقاصد :7 80؛ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 327
3- انظر شرائع الإسلام :2: 413 قواعد الأحكام 2 : 281؛ جامع المقاصد 8.9

الأوّل من وضع أسامي المعاملات للماهيات الاعتبارية لا للمسبّبات بهذا المعنى.

فالتوجيه المختار لكلام القوم في تعريف الإجارة وغيرها من العقود يظهر بعد التأمّل فيما ذكرنا في المقصد الأوّل في الفصل الذي بحثنا فيه عن كيفية تعريف الماهيات الاعتبارية وقلنا هنا إنّه من طرق تعريف الماهيات الاعتبارية هو تحليلها بحسب عناصرها وأغراضها، فإنّ المعتبر في اعتبار ماهية اعتبارية إنّما ضمّ بعض العناصر ببعض وركبها لأجل الوصول إلى غرض وقد عبّرنا عنه بالنظام التركيبي للمعاملات فلأجل العثور على حقيقة الماهية الاعتبارية التي نواجهها يكفي تحليلها إلى أجزائها وأغراضها فيتبين لنا تلك الماهية الاعتبارية.

وعلى ضوء ذلك : يمكننا أن نوجه تعاريف الفقهاء بأن نقول : إنّه لمّا ثبت عندهم أنّ الركن الأصلي في الإجارة هو الموجب، وإنّما القابل يقبل الاعتبار الجزئي الصادر من الموجب، فلعلهم أحسوا بأنّ ذكر طرف الموجب وفهم ما صدر منه كفى في ميز تلك الماهية التي كانوا بصدد تعريفها عن غيرها.

ولولا هذا التوجيه لما تستقيم التعاريف الثلاثة :

أما تعريفها بأنّها نفس التمليك، فيرد عليه أنّ التمليك هو فعل المؤجر، وليس هو تبيين لماهية الإجارة الاعتبارية.

وتعريفها بأنّها عقد ثمرته تمليك المنفعة ناقص، لأنّه إنّما يكون ناظراً إلى ثمرة الإجارة للمستأجر لا المؤجر.

وتعريفها بأنّها العقد على التمليك، فيرد عليه أنّ الإجارة ليست بمعنى الإيجاب والقبول، بل هي ماهية اعتبارية لعلّها مشروطة

ص: 469

في تحققها بتكوّن العقد، ولذا صرّح الشهيد الثاني بأنّ إطلاقه عليه مجاز، لعلاقة السببية (1) ، فتدبّر.

خاتمة الفصل الثاني: على ضوء ما ذكرنا صرت خبيراً أنّ الفقهاء وإن كانوا مختلفين في أنحاء التعبير ولكنّهم كأنهم متفقون على أنّه من العناصر الأساسية لمفهوم الإجارة وعقدها هو تمليك المنفعة وما ذكرنا إلى هنا هو صرف اختلافات صورية وتمايزات ظاهرية، ولكن الذين مرّت الإشارة إليهم لا خلاف بينهم في هذا المعنى أعنى وجود عنصر تمليك المنفعة في الإجارة، ويكون من الأركان الأساسية لهذه الماهية الاعتبارية. فاللازم علينا بسط النظر في ذلك والسؤال عن أنّه هل نواجه في الإجارة تمليك المنفعة أم لا؟ فنبسط النظر في ذلك فی الفصول الآتية بعون الله تبارك وتعالى.

ص: 470


1- انظر مسالك الأفهام 3: 144

الفصل الثالث : الفرق بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع

من الأمور التي ينبغي علينا التنبه إليها في مقامنا هذا هو الميز بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع ولأجل تبيين المطلب نشير إلى ما يلي:

الإشارة الأولى: ما ذكره القرافي في الفروق، قال:

الفرق الثلاثون بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة : فتمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط، وتمليك هو أعم وأشمل فيباشر بنفسه ويمكن غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة وبغير عوض كالعارية.

مثال الأوّل سكنى المدارس والرباط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسك كالمطاف والمسعى ونحو ذلك فله أن ينتفع بنفسه فقط ولو حاول أن يؤاجر بيت المدرسة أو يسكّن غيره أو يعاوض عليه بطريق من طرق المعاوضات امتنع ذلك وكذلك بقيّة النظائر المذكورة معه وأمّا مالك المنفعة فكمن استأجر داراً أو استعارها فله أن يؤاجرها من غيره أو يسكنه بغير عوض ويتصرّف في هذه المنفعة تصرّف الملاك في أملاكهم على جري العادة على الوجه الذي ملكه فهو تمليك مطلق في زمن خاص حسبما تناوله عقد الإجارة)» (1). ثمّ جعل النكاح من باب تمليك الانتفاع، والوكالة بعوض

ص: 471


1- الفروق 1 : 187

من باب تمليك المنفعة، والقراض وأخواته من باب تمليك الانتفاع والوقف على أنحاء... (1).

هذا ؛ وتطابقه كلمات بعض فقهائنا المعاصرين كالسيّد الخوئي (2) بل المتقدمين كالشهيد الأوّل (3).

الإشارة الثانية ما قاله المحقق الامامي الخوانساري في حاشيته الثانية على المكاسب وهذا نصه : «أن الإجارة إضافة خاصة حاصلة العقد توجب تارةً تمليك المنفعة وأخرى تمليك الانتفاع والمنفعة عبارة عن أمر وحداني اعتباري عقلائي والانتفاع عبارة عن أمر تدريجي الحصول بتعاقب الآنات، فهو كنفس الزمان ينصرم في كلّ آن ويتحصل له وجود آخر، ولأجل هذا يستحق الأجرة في مورد تمليك المنفعة تماماً بمجرّد القبض ويستحقها آناً فاناً في تمليك الانتفاع وما كان من قبيل سكنى الدار كان من تمليك المنفعة وما كان من قبيل عمل الحرّ كان من تمليك الانتفاع وما كان من قبيل عمل الدابة فإن كانت الإجارة على نحو يلزمها كون العين في يد المستأجر كان من تمليك ،المنفعة وإلا كانت من تمليك الانتفاع ... » (4).

وأنت خبير بين التعريفين بون بعيد ولم أجد لهذا التعريف الأخير مؤيّداً بل منشاً، مع ما فيه من التأمل.

والذي لابد وأن يستقر في ذهنك هو الميز الموجود بين إجارة الشخص وإجارة البيت، فتدبّر جيّداً.

ص: 472


1- أنظر الفروق :1 : 187-188
2- أنظر مباني العروة الوثقى 3 315
3- أنظر القواعد والفوائد 1 349 702
4- الحاشية الثانية على المكاسب للخوانساري : 125-126.

الإشارة الثالثة ما قاله السيّد الحائري في فقه العقود، وهذا نصه وأمّا ملكية الانتفاع وتمليكه فالظاهر أنّها عين ملكية المنفعة وتمليكها وليسا شيئين غاية ما هناك أنّه تارةً تملك المنفعة - أو قل : الانتفاع بجميع أنحائها المتبادلة من سكنى فلان أو إسكانه المجاني أو الإسكان بالإيجار وغير ذلك مثلاً، وأخرى يملك نحو واحد من أنحائها وهو سكناه مثلاً من دون أن يحق له إسكان غيره ولا بأس بتسمية الأوّل بتمليك المنفعة، والثاني بتمليك الانتفاع، فإنّه لا مشاحة في الاصطلاح» (1)

ص: 473


1- فقه العقود 1 : 72

الفصل الرابع : ما يدل على استحالة كون الإجارة من قبيل تمليك المنفعة

اشارة

قد عرفت ممّا أسلفنا أنّ جلّ الفقهاء ذاهبون إلى أنّه من الرئيسة في عقد الإجارة هو تمليك المنفعة، ولكن هناك إشكالات حاصلها استحالة كون الإجارة من قبيل تمليك المنفعة، وإليك البيان والجهد لنقدها :

الإشكال الأوّل : معدومية المنفعة حين العقد :

ونبين المرام في ضمن أقدام:

القدم الأوّل: كلام الفاضل المقداد في بيان الإشكال

قال في التنقيح المنفعة معدومة ولا شيء من المعدوم يتعلّق به الملك، فلا شيء من المنفعة يتعلّق به الملك. أما الصغرى فظاهرة، إذ المعقود عليه هو المنافع المستقبلة. وأمّا الكبرى فلأنّ الملك نسبة بین مالك ومملوك يتوقف ثبوته على ثبوت المنتسبين» (1).

ويمكن تلخيصه كما ورد في مصباح الفقاهة: إنّ المنفعة

ص: 474


1- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 270

معدومة حال الإجارة ومن البيّن الذي لا ريب فيه أنّ المعدوم غير قابل للتمليك» (1).

القدم الثاني : جواب الفاضل المقداد عن الإشكال :

قال في التنقيح الجواب موقوف على تقرير مقدّمة وهي الموجود المركّب على قسمين: أحدهما : موجود توجد أجزاؤه دفعةً واحدةً كالجسم، وثانيهما موجود توجد أجزاؤه شيئاً فشيئاً كالزمان وما توجد فيه أي) في (الزمان من الحركة. ويسمّى الأوّل دفعي الوجود، والثاني تدريجي الوجود والمنافع من القسم الثاني وهي وإن كانت معدومةً في الحال إلا أنّ لها قسطاً من الوجود في الجملة، وليست معدومةً على الإطلاق. والشارع اعتبر هذا النحو من الموجود وجعل حكمه حكم الموجود الأوّل في إجراء الأحكام عليه إذا وجد جزء منه لا مطلقاً، ولم يعتبر وجوده بجميع أجزائه لاستحالته... وحينئذٍ نقول : قوله المنفعة معدومة، إن أراد بها ما كان معدوماً أجزائه فممنوع، وإن أراد ببعض أجزائه فمسلّم، وقوله في الكبرى ولا شيء من المعدوم يتعلّق به الملك»، إن أراد به الأوّل فمسلّم، وإن أراد الثاني فممنوع وسند المنع ما ذكرناه من اعتبار الشارع ما هذا شأنه (2).

وحاصله : أنّه فيما يكون من قبيل تدريجي الوجود لا بأس به إذا كان بعض أجزائه موجوداً.

ص: 475


1- مصباح الفقاهة 2: 18
2- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 2: 270

القدم الثالث : جواب المحقق الاصفهاني :

قال في كتاب الإجارة: إنّ الملكية الشرعية ليست من المقولات الواقعية حتى يتوقف العرض منها على موضوع محقق في الخارج، بل من الاعتباريات بمعنى اعتبار معنى مقولي. فالمعنى المقولي موجود بوجوده الاعتباري لا بوجوده الحقيقي المتوقف على موضوع محقق خارجاً، وقد أقمنا البراهين القاطعة عليه في بحث الأحكام الوضعية من الأصول فراجع واعتبار الملكية لا يحتاج إلا إلى طرف في أفق الاعتبار، وهو كما يمكن أن يكون عيناً موجودةً في الخارج، كذلك يمكن أن يكون كلّياً في الذمة، بل ربما يكون أوسع من ذلك، كما في اعتبار الملكية لكلّي الفقير والسيّد في الزكاة والخمس، ومن الواضح أنّ المنافع وإن كانت معدومة في الخارج، لكنّها مقدّرة الوجود بتبع وجود العين القابلة لاستيفاء المنافع منها » (1) .

القدم الرابع : الفرق بين جواب الفاضل المقداد والمحقق الاصفهاني:

ثمّ إنك إن دققت النظر في الجوابين اللذين ذكرتهما في القدم الثاني والثالث تجد الفرق بينهما والنقطة الأصلية في الفرق هي أنّه في نظر الأصفهاني يصح الإجارة ولو في فرض انعدام الطرف ،بالمرّة ولكنّ الفاضل المقداد رأى لزوم وجود جزء من

موجودة.

والحق مع الأصفهاني، إذ دائرة الاعتبارات أوسع.

و بالجملة : أنّه ليس ملاك جواز تمليك شيء وجوده في الخارج ولو في الجملة بل الملاك اعتبار العقلاء له المالية والقيمة

ص: 476


1- الاجارة (للأصفهاني): 4-5

والمفروض أنه موجود في الإجارة. فهذا الإشكال لا ينفع للقول بأنّ الإجارة لا يمكن وأن تكون من قبيل تمليك المنفعة.

ويمكننا تلخيص الإشكال والجواب بهذا الشكل : وأمّا الإشكال على معدومية المنافع فمردود لعدم انعدامها في وعاء الاعتبار.

الإشكال الثاني : كون السكنى من أعراض الساكن

ونبين المرام في ضمن أقدام:

القدم الأول : تقرير الإشكال :

قال في مصباح الفقاهة تقريراً للإشكال (1) : «إنّ منفعة الدار مثلاً سكناها، ولا ريب أنّ السكنى من أعراض الساكن دون إنّما هي الدار. وعليه فإذا صح تملك السكنى كان مالكها هو الساكن، لأنّه موضوعها لا صاحب الدار. ومن البيّن أنّ ما لم يملكه المؤجر -وهو المالك - كيف يملكه للمستأجر، وقد ثبت في محلّه أنّ فاقد الشيء لا يكون معطياً له» (2).

وهذا الإشكال قد قرّره المحقق الأصفهاني أيضاً بقوله : «إنّ منفعة الدار سكناها وهي من أعراض الساكن لا من أعراض الدار وعرض الساكن لو كان مملوكاً لكان لموضوعه لا لغيره، ومتى لم يملكه المؤجر فكيف يملكه المستأجر » (3).

ص: 477


1- اعلم أن هذا الإشكال موجود في كلمات المحقق الأصفهاني، وهو أيضاً صرّح بأن هذا الإشكال ذكره غيره ولم أجد من كان الإشكال له ولكن تقريره في مصباح الفقاهة أوضح من سائر التقارير.
2- مصباح الفقاهة 2 : 18
3- الاجارة (للأصفهاني): 4.

والحاصل أنّ السكنى لا تكون للمالك فلا يمكن تمليكه ؛ فإنّ السكنى التي للمالك في حين استفادته من العين غير السكنى التي استفاد منها المستأجر، فتدبّر.

القدم الثاني : الجواب الأول:

قال المحقق الأصفهاني مجيباً عن الإشكال : إن سكنى الدار مبدأ لعنوان الساكنية المنتزع من ذات الساكن كذلك هو مبدأ لعنوان المسكونية المنتزع (1) من الدار ، كما في كل عنوانين متضايفين فما هو من شؤون الدار وحيثياتها الموجودة بوجودها هي حيثية المسكونية، لا حيثية الساكنية التي هي من أعراض المستأجر. غاية الأمر، أنّ حيثية المسكونية وجودها بوجود الدار على حدّ وجود المقبول بوجود القابل وفعليتها بفعلية مضائفها (أي الساكنية) القائم بالمستأجر في مقام الاستيفاء، وشؤون العين قابلة لعروض الملكية لها كنفس العين (2).

ولعلّ جواب السيد الخوئي أيضاً راجع إلى هذا، حيث أفاد : «إنّ لسكنى الدار إضافتين وهما إضافتها إلى نفس الدار، وإضافتها إلى ساكنها. ومن البيّن أنّ تلك الدار مملوكة لمالكها بجميع شؤونها وجهاتها وما يضاف إليها. وإذن فمالك الدار مسلّط على تمليك الدار نفسها، وتمليك جهاتها التي منها سكناها وعلى الجملة أنّ المستأجر إنّما يتملّك من المؤجر الجهة المتعلقة بالعين المستأجرة. وتلك الجهة تختلف حسب اختلاف الأعيان والأغراض. وعليه فلا محذور في تعريف الإجارة بأنّها تمليك المنفعة بعوض» (3)

ص: 478


1- في المصدر: (المنزع).
2- الاجارة (للأصفهاني): 5.
3- مصباح الفقاهة 2: 19

القدم الثالث : الجواب الثاني:

قال المحقق الأصفهاني : مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ حقيقة السكنى المبدئي وإن كانت عين الكون في الدار وهو عرض لذات الكائن لا للدار نعم؛ الكون الأيني من الأعراض النسبية التي لها نسبة غير نسبتها إلى موضوعها، إلا أنّ هذا العرض حيث إن له نسبةً إلى الدار يكون زمام أمره بيد مالك الدار ، ولا نعني بالملكية إلا ذلك » (1).

القدم الرابع : الفرق بين الجواب الأول والثاني :

في الحقيقة أنّ الجواب الثاني ورد في فرض عدم قبول الجواب الأوّل، لأنّ الجواب الأوّل يمكن أن يستفاد منه أنّه مبني على كون السكنى من الأمور الإضافية التي لها طرفان: طرف منتسب بالساكن وطرف منتسب بالمسكون، ولكن لقائل أن يذهب إلى أنّ السكنى بما هي عرض من الأعراض - ليس لها إلا جهة واحدة وهي منتسبة بالساكن، وأما كون الساكن في مكانٍ فليس بمعنى عروض العرض على ذاك المكان أيضاً. ويظهر هذا الإشكال بعد التنبه إلى أنّ الأعراض في الحكمة لها وجود في الخارج في وجود معروضاتها، فحينئذٍ فالقائل بكون السكنى عرضاً نسبياً ذاهب إلى أنّه موجود الساكن والمسكون وأجاب عن الإشكال من جهة كونه عرضاً للمسكون. ولكن المستشكل يمكنه الذهاب إلى أنّ عرض السكني إنّما هو قائم بذات الساكن لا بذات المسكون وإنّما نفس الساكن بما هو واقع في مكان له نسبة مع المكان وهي المسمّاة بعرض الأين. ولذا إن تحقق السكنى في الدار لا يوجب كون العرض مقوّماً بالدار،

ص: 479


1- الاجارة (للأصفهاني): 5.

كما أنّه إذا كان زيد ضارباً في الدار لا نقول : إنّ الضرب متقوّم بالدار أيضاً، ولذا إنّ صرف وجود السكنى في الدار لا يوجب كون السكني من الأعراض ذات الإضافة كالفوقية والأبوّة.

ولعلّ المحقق الأصفهاني لأجل الفرار عن هذا الإشكال ذهب في الجواب الثاني إلى أنّه بما أنّ الكون الأيني أي حضور الساكن في المكان يكون في الدار، وبما أنّ الدار للمالك، فصرف حضور الساكن المعبّر عنه بالكون الأيني - موقوف على إجازة المالك. ولذا هناك ربط بين السكنى والدار، وأمر السكنى يكون بيد مالك الدار وبهذا اللحاظ يجوز تمليك المنفعة.

ولكنّ الانصاف: أنّ الجواب الثاني غير ،تمام وكأنه نسيان لأصل الإشكال، لأنّه وإن كان الكون الأيني موقوفاً على إجازة المالك، ولكن هل يصح التعبير عنه بتمليك السكنى؟ أو هو إنّما يكون إجازة للسكونة؟ وليس في هذا الجواب تركيز على صحة التمليك.

وأيضاً لا يمكن الالتزام بالجواب الأوّل، لو كان المراد منه صيرورة السكنى من الأعراض ذات الإضافة لما سبقت الإشارة إليه.

القدم الخامس : جوابنا عن الإشكال

أنّ كلام المحقق الأصفهاني لا يركز على الجهة الأصلية، وإن يمكن استخراجها منه وعلى كل حال يمكننا أن نجيب عن الإشكال بما يلي:

كان كلام المستشكل هو أنّ السكنى عرض متقوّم بالساكن فلا يكون للمالك حتى ملكها. والجواب هو أنّ المستشكل خلط بين وجود السكنى خارجاً ووجوده في وعاء الاعتبار، والذي يملك في الحقيقة

ص: 480

هو وجودها في وعاء الاعتبار وإن كان معدوماً بالفعل في الخارج، وذلك لأنّ العرف يرى للسكنى منفعة قابلة للتمليك والتملّك. وليس الجواب فرع إثبات كون السكنى ذات الإضافة أو من الأعراض النسبية.

القدم السادس : سؤال وجواب :

بقي هنا سؤال، وهو أنّ تلك المنفعة المستقرة في وعاء الاعتبار هي نسبتها نسبتها مع مالك الدار ؟

فنقول : بما أنّ تلك المنفعة من شؤون الدار - يعنى أنّ منشأ انتزاع تلك المنفعة هي الدار وإن لا تكون من عوارضه ولذلك لو كان الدار مملوكاً لشخص، فتمام شؤونه أيضاً مربوط به ومملوك له بنفس ملكيته للدار.

القدم السابع : سؤال آخر وجوابه

إنّكم ذهبتم إلى أن ملكية صاحب الدار بالنسبة إلى المنافع متقوّمة بنفس ملكيته للدار، فكيف يمكن انفكاك المنافع من الدار؟

الجواب : أنّه بعد ثبوت وجود المالية المستقلة لشأن خاص في وعاء الاعتبار فالعقلاء قادرون على انفكاك كلّ شأن من شأن آخر وانتقاله إلى شخص آخر دون انتقال سائر الشؤون أو دون انتقال أصل العين.

القدم الثامن : خلاصة الإشكال ولبّ الجواب :

و الحاصل هو أنّ المستشكل زعم أنّ كون السكنى عرضاً للساكن يوجب كونها مملوكة له مع أنّ الأمر ليس كذلك، بل لمّا يكون منشأ السكنى هو الدار فتكون السكنى من شؤونه. ولذلك تعدّ

ص: 481

مملوكة لصاحب الدار بتبع تملّكه للدار. ولذا لا نقول : صاحب الدار مالك للدار ولسكنى يوم السبت والأحد والاثنين «الخ، لأنّ تملكه لها إنّما يكون في ضمن تملكه الدار أمّا لو فرض تفكيك تملك الدار وتملك السكنى، كما نواجهه في الإجارة، فلا محذور في الذهاب إلى إمكان تمليك المنفعة على نحو مستقل، بعد ما نرى من

عقلائي.

وعلى كل حال ؛ المسألة دقيقة، فليتأمل.

الإشكال الثالث: تمليك المنفعة في الأجير المطلق:

إنّ المحقق الكركي نقل في جامع المقاصد إشكالاً وجواباً، ونبينهما في ضمن أقدام

القدم الأوّل : كلام المحقق الكركي في بيان الإشكال :

قال : قيل: يرد على عكسه أي على شمول التعريف لجميع أفراده الأجير المطلق، فإنّه لا انتقال لمنافعه» (1).

القدم الثاني : توضيح اصطلاح الأجير المطلق:

اعلم أنّ الأجير ينقسم في الفقه إلى مقيّد ومطلق؛ أمّا الأجير المقيّد ( وقد عبّر عنه بالخاص) فهو ما يشترط عليه المباشرة أو المدّة أو كليهما، وأمّا الأجير المطلق (وقد عبّر عنه بالمشترك فهو ما لا يشترط فيه واحد منها، وإنّما أجير لدفع نتيجة العمل، مثل ما إذا قال المستأجر له آجرتك لتخيط لي ثوباً»، فالمطلوب منه إنّما هو الحاصل من خياطة الثوب من دون شرط المباشرة أو المدّة، وإنّما

ص: 482


1- جامع المقاصد 7 81

أراد المستأجر الثوب لا شيئاً آخر بخلاف الأجير الخاص، كما إذا قال المستأجر : آجرتك لخياطة الثوب في هذا الزمان أو بالمباشرة أو في هذا الزمان بالمباشرة (1).

القدم الثالث : توضيح الإشكال :

ثمّ إنّ المستشكل أشكل على صدق تمليك المنفعة على إجارة الأجير المطلق لأنّه بما أنّ عمله (وهو منفعته) لا يملك للمستأجر، لا بحسب الزمان ولا بحسب المباشرة، فلا يمكن أن نقول في حقه إنّه ملك منفعته إلى الغير.

القدم الرابع : جواب المحقق الكركي عن الإشكال

قال المحقق الكركي: ردّ بأنّ المستأجر حينئذٍ مالك في ذمّة الأجير منفعة مطلقة والمنافع شاملة لها» (2).

القدم الخامس الإبهام في كلام المحقق الكركي :

ثمّ لقائل أن يستشكل على المحقق الكركي بما يلي : أنا نقبل أن مورد المعاوضة في عقد الإجارة هو المنفعة بوجودها الاعتباري لا بوجودها التكويني الخارجي، ولكن في الأجير المطلق لما لا يشترط في حقه المباشرة، ففي صورة إعطائه العمل إلى الغير فالسؤال هو الأجير ماذا ملك؟ هل ملك عمل الغير؟ فما هو ارتباطه بعمل الغير

كي يكون قادراً لتمليكه؟

فمثلاً لو فرض أنّ المستأجر أراد خياطة ثوب من أجير على

ص: 483


1- أنظر الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 4 : 348
2- جامع المقاصد 7 81

الإطلاق أي) لا بشرط المباشرة ففي فرض إعطاء الأجير القماش إلى أحد عماله المسمّى بزيد مثلاً، فنسأل أنّ الأجير كيف ملك خياطة زيد للمستأجر، أنّ المفروض أنّ كلّ عامل مالك لعمله لا لعمل غیره؟

والظاهر أنّ كلام الكركي ما كشف الغطاء عن هذا الابهام لأنّه بصرف بيان أنّ المستأجر مالك للمنفعة المطلقة في ذمّة الأجير يندفع به الإشكال، لأنّ الإشكال هو في أنّ عمل زيد كيف يكون من مملوكات الأجير المطلق كي يقدر على تمليكه؟

القدم السادس : جهد للوصول إلى جواب:

و لعلّ الأولى في الجواب عن هذا الإشكال هو الذهاب إلى أنّ المنفعة المقابلة للمال في الإجارة على طورين : تارةً : تكون المنفعة ملكاً ذاتياً للأجير وهو فيما إذا كانت المنفعة فعله، فهذا لا إشكال فيه هذه الناحية و أخرى تكون المنفعة ملكاً اكتسابياً للأجير وهو فيما إذا كانت المنفعة عمل الغير المملوك (صفة) للعمل) للأجير بواسطة إجارة أخرى، كما إذا كان رجل أجيراً لرجل آخر أو بواسطة آخر، كما إذا كان رجل عبداً للآخر.

توضيح الطور الثاني: الطور الثاني يوضح بالنظر إلى ما لو فرض شخص صاحب معمل، وطبعاً يكون تحت أمره عمّال، ففي الحقيقة العمّال كلّهم أجيرون له بواسطة عقد إجارة جارٍ بينهم، فيكون صاحب المعمل مالكاً لمنافعهم على حسب ذاك العقد، ففي هذه الصورة إذا رجع شخص إلى صاحب المعمل وطلب منه خياطة قماش في معمله، ففي الحقيقة يكون صاحب المعمل أجيراً مطلقاً، ولكن أخذ المال لا في مقابلة المنفعة التي هي ملكها الذاتي بل في مقابل المنفعة التي هي ملكها الاكتسابي، وهي أعمال عماله التي هي له بواسطة عقد

ص: 484

الإجارة فيما بينهم. وبهذا التوجيه يكون الأجير المطلق أجيراً أي مملكاً للمنفعة، ويكون المستأجر مالكاً في ذمته منفعة مطلقة.

القدم السابع : بقي هنا شيء :

إنّ ما قلنا لو فرضت تماميتة فإنّما يصح في صورة كون الأجير مالكاً لذمّة غيره بالفعل حتى يجوز له تمليك ما هو مالکه اعتباراً، ولكن فيما إذا لم يكن الأجير المطلق مالكاً بالفعل لذمة غيره، فكيف يجوز له تمليك عمل الغير للمستأجر؟ والحال أنّه في كثير من الأحيان، الأجير المطلق أوّلاً أنشأ العقد مع المستأجر، ثمّ قام باستخدام غيره للعمل ففي حين عقد الإجارة ليس الأجير مالكاً لعمل الغير حتّى يصدر منه تمليك المنفعة. إلا إذا تشبّثنا بالإجارة الفضولية بأن نذهب إلى أنّ الأجير المطلق إذا استأجر في فرض عدم المباشرة فصحة إجارته موكولة باستخدام الغير والإنصاف أن الالتزام بمثل هذه التوجيهات صعب جداً.

القدم الثامن: جواب آخر :

- ولعلّه أولى من الجواب السابق : الخاطر بالبال في مقام الجواب هو الذهاب إلى أن الأجير المطلق في صورة إعطاء العمل إلى الغير ليس أجيراً لذاك العمل (الخياطة (مثلاً) بل إنّما يكون أجيراً في استخدام الغير فإنّ استخدام الغير فعل من أفعال الإنسان، كما لا يخفى. ففي صورة الإجارة المطلقة في فرض إعطاء العمل إلى الغير ، يكون الأجير مملكاً للمستأجر هذا الفعل أي (الاستخدام لا الخياطة، فالأجير الذي أخذ القماش لإعطائه إلى خياط، ففي الحقيقة أجير لاستخدام الغير لا للخياطة ومن الواضح أن استخدام الغير يكون عمله القابل للتمليك فيكون المورد من قبيل الطور الأوّل لا الثاني.

ص: 485

ففي صورة الإجارة المصرّحة بالاطلاق، ففي الحقيقة عقد الإجارة يكون هكذا : آجرتك لتخيط ثوبي أو لتستخدم خيّاطاً»، ومن الواضح أنّ كلا الطرفين عمل الأجير ويقبل التمليك.

وهذا لا إشكال فيه من هذه الناحية.

القدم التاسع: هذا كله فيما إذا لوحظ العمل مقابلاً للمال لا النتيجة: فتأمل جيداً.

الإشكال الرابع عمل الحر ليس مالاً مملوكاً :

ونبين المرام في ضمن أقدام

القدم الأوّل: بيان الإشكال في ضمن قياس:

الصغرى: عمل الحرّ ليس مالاً ولا مملوكاً مطلقاً

الكبرى ما ليس مالاً أو مملوكاً لا يمكن تمليكه أو تملكه

النتيجة عمل الحرّ لا يمكن تمليكه أو تملكه لازم النتيجة أن إجارة الشخص لا يمكن أن تكون من قبيل تمليك المنفعة، وهذا لا يتحقق مطلقاً، لا من طرف المملك ولا من المملك ولا من طرف المملك:

أمّا من طرف المملك أي) المؤجر وهو الأجير في إجارة الأشخاص كما بيّنّا لأنّ عمل الحرّ كما ذكرنا ليس مالاً ولا مملوكاً لنفس الحرّ أيضاً، فما ليس الحرّ مالكه كيف يجوز له تمليكه وما ليس بمال كيف يمكن تمليكه.

أمّا من طرف المملك (وهو) المستأجر)، لأنّ عمل الحرّ لا يكون مالاً ولا قابلاً للمملوكية، فما لا يقبل المملوكية لا يدخل في ملك المستأجر.

ص: 486

وهذا ما نواجهه في البيع أيضاً؛ فيشكل جعل عوض البيع عمل الحرّ، كما صرّح الشيخ الأنصاري بوجود الإشكال فيه قائلاً: «وأمّا عمل الحرّ، فإن قلنا : إنّه قبل المعاوضة عليه من الأموال فلا إشكال، وإلا ففيه إشكال؛ من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع مالاً قبل المعاوضة، كما يدلّ عليه ما تقدّم عن المصباح» (1). وهو - كما ترى لم يتبين لنا نظره الشريف في هذا المقام، وإنّما بين طرفي الاحتمال والظاهر أنّ هذا الاحتمال أعنى عدم مالية عمل الحرّ وعدم مملوكيته قوي في ذهنه الشريف. وصارت هذه العبارة منشأ لبحوث مفيدة جداً في هذه الناحية، فراجع وتدبّر.

القدم الثاني : طريق الجواب عن الإشكال الرابع :

اعلم أن من أراد الذهاب إلى أنّ الإجارة هي من قبيل تمليك المنفعة لابد له من الخدشة في واحد من الصغرى أو الكبرى أو كلتيهما، يعنى لابد له لابد له من إثبات الأمور التالية كلّها أو بعضها : الأوّل: كون عمل الحرّ مالاً

الثاني : كون عمل الحرّ مملوكاً له

الثالث : جواز تمليك ما ليس بمال

الرابع جواز تمليك ما ليس بملك.

وإنا قد فصلنا البحث عن هذه الجهات وأقوال الفحول في هذه المجالات في الفصل الذي بحثنا عن أعمال الأحرار (2) ولكن يكفي هنا الإشارة إلى ما هو كافٍ للجواب عن هذا الإشكال، فيكفيك النظر

ص: 487


1- كتاب المكاسب 3 8
2- يأتي في المجلدات الآتية إن شاء الله.

إلى القدم الآتي، وإن أردت الزيادة لابد لك من النظر إلى ذاك المقام

القدم الثالث : الجواب عن الإشكال بالذهاب إلى كون عمل الحرّ مالاً :

إنّ بعض الفقهاء صرّحوا بأنّ عمل الحرّ مال؛ ونشير إلى عبارات في هذا المجال :

العبارة الأولى : ما قاله المحقق الخراساني: قال في حاشيته على المكاسب : «لا إشكال أنّه من الأموال بداهة أنّ حاله حال عمل العبد في كونه ممّا يرغب فيه ويبذل بإزائه المال، وإن كان قبل المعاوضة لا يكون ملكاً بخلاف عمل العبد لأنه ملك لسيّده بتبعه، ولا شبهة في عدم اعتبار الملكية ،قبلها لوضوح جعل الكلّي عوضاً في البيع مع عدم كونه ملكاً قبله وبالجملة المالية والملكية من الاعتبارات العقلائية الصحيحة، ولكلِّ منهما منشأ انتزاع وبينهما بحسب الموارد عموم من وجه يفترقان في الكلّي المتعهد به مال) لا (ملك)، والمباحات قبل الحيازة (مال) لا (ملك)، وفي مثل حبّة من الحنطة ملك لا (مال والماء على الشط ملك لا مال ومراده الماء الذي في إنائك في جنب الشط ولا الماء في الشط فتدبّر)، والثلج في الشتاء ملك لا مال إلى غير ذلك. فانقدح أنّه يجوز جعل عمل الحرّ عوضاً، وإن قيل باعتبار كون العوضين مالاً قبل المعاوضة، فتدبّر جيّداً » (1).

العبارة الثانية : ما قاله الإمام الخميني قال في كتاب البيع إنّ عمل الحرّ مال سواء كان كسوباً أم لا ؛ ضرورة أنّ خياطة الثوب

ص: 488


1- حاشية المكاسب (للآخوند الخراساني) 3.

أو حفر النهر، مال يبذل بإزائه الثمن، وليس المال إلا ما يكون مورداً الرغبة العقلاء ،وطلبهم ومعه يبذلون بإزائه الثمن. نعم؛ ماليته باعتبار توقع حصوله ووجوده، لكن لا بمعنى أنّه قيد لها، بل بمعنى كونه مالاً بلحاظه فيكون ذلك كجهة تعليلية لذلك» (1).

العبارة الثالثة: ما قاله المحقق المروّج : قال في هامش هدى الطالب: المسألة ذات وجوه أحدها كون عمله مالاً مطلقاً سواء أكان قبل المعاوضة عليه أم بعدها كما يظهر من تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه ثانيها : عدمه كذلك. ثالثها : التفصيل بين وقوع المعاوضة عليه ،وعدمه، كما في المتن رابعها التفصيل بين عمل الكسوب ،وغيره كما مال إليه السيّد قدّس سرّه ولا يبعد أن يقال بمالية عمله مطلقاً لصدق حدّ المال عليه من كونه شيئاً يُبذل بإزائه المال» (2). فاختار في النهاية ماليته كما لا يخفى.

خاتمة الفصل الرابع

وعلى ضوء ما ذكرنا إلى هنا يظهر لك أنّ الذهاب إلى أنّ الإجارة عبارة عن تمليك المنفعة ليس أمراً مستحيلاً، ولكن هذا لا يعني أنّها في مقام الثبوت عبارة عن ذلك، كما لا يخفى، فاللازم علينا التأمّل في هذه الناحية، حتى نستكشف هل العرف والشرع مؤيّدان لهذا التفسير أم لا ؟ وهذا ما يجب التأمّل فيه في موضع آخر. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ص: 489


1- كتاب البيع (للإمام الخميني 1 : 37
2- هدى الطالب إلى شرح المكاسب 1: 71

ص: 490

فهرس الآيات الكريمة

أَحَلَّ الله البَيْعَ البقرة 2 50

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوه عَلى... يوسف 12 182

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ النساء 4 74 151

إنّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والْمَساكِينِ... التوبة 9 181

إِنِّي أُرِيدُ أن أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ... القصص 28 443

أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ النور 24 62

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة 5 337 365 380 456

حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف 12 284

رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله النور 24 50

الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان 31 113

فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِه إلى الْمَدِينَةِ... الكهف 18 182

فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ الجمعة 62 50

فَمَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً ... الكهف 18 115

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْه إِنّ خَيْرَ مَنِ... القصص 28 443

قَالُوا وأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ يوسف 12 303

لِمَنْ جاءَ به حِمْلُ بَعِيرٍ يوسف 12 313 338

لِمَنْ جاءَ به حِمْلُ بَعِيرٍ وأَنَا به زَعِيمٌ يوسف 12 221

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً... البقرة 2 444

وأَشْرِكْه فِي أَمْرِي طه 20 114

ص: 491

وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ... النحل 16 445 446

وَالْخَيْلَ َوالْبِغالَ والْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها ... النحل 16 444

وَلِمَنْ جَاءَ به حِمْلُ بَعِيرٍ یوسف 12 346

وَلِمَنْ جاءَ به حِمْلُ بَعِيرٍ وأَنَا بِه زَعِيمٌ یوسف 12 316 365 401

ص: 492

فهرس الأحاديث الشريفة

إذا رضي فلا بأس الكاظم (علیه السلام) 344 349

إذا لقيت وكيلي فخُذْ منه خمسة عشر النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) 182

أَلَيسَ تَعمَلُ فِيهَا ... لَا بَأْسَ الصادق (علیه السلام) 68

إن النبيَّ (صلی الله علیه وآله وسلم) جَعَلَ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَاراً إِذا أَخَذَه الصادق (علیه السلام) 242

إن أمير المؤمنين عليه السلام كره مشاركة اليهودي الصادق (علیه السلام) 122

إن كَانَتْ وَكَلَتْه بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوجها فَلَيْسَ أنّه يَجُوزُ أن يُعَيِّنَ لِلدلالِ قِيمَةٌ لِلْمَتَاعِ ويَجْعَلَ له مَا زَادَ الصادق (علیه السلام) 197 210

البركة عشرة أجزاء تسعة أعشارها في التجارة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) 73

تفكرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِن عِبادَةِ سِتِّينَ سَنَةً علی (علیه السلام) 59

ثمنها عليهما لأنّه لو كان ربحا لكان بينهما الباقر (علیه السلام) 153

الذي يَشْتَرِي الدّرهمَ بِأَضعَافه الصادق (علیه السلام) 399

طاب ريحه وكثر رزقه وابيض وجهه 341

لَا أَرَى بِهَذَا بَأساً- إذا طَابَت نَفسُ صاحبِ الکاظم (علیه السلام) 169

لا إلا أن يكون قد عمل فيه شيئاً احدهما (علیه السلام) 345

لا بَأْسَ الصادق (علیه السلام) 313

لَا بَأسَ بِهِ الباقر (علیه السلام) 313

لَا بَأسَ بِهِ الکاظم (علیه السلام) 302 324

لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الخمر عشرة الباقر (علیه السلام) 29

مَن أتَى بِابِقٍ فَطَلَبَ الجعلَ فَليس له شَيء إلا أن يَكُونَ الصادق (علیه السلام) 243 314

من تصدق دفع الله عنه ميتة الباقر (علیه السلام) 341 263

مَنْ ضَمِنَ لأَخِيهِ حَاجَةٌ النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) 402

ص: 493

من قتل قتيلاً فله سلبه النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) 336

مَنْ وكَّل رجلاً على إمضاء أمر من الأمور الصادق (علیه السلام) 183

المؤمنون عند شروطهم النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) 456

الناس مسلّطون على أموالهم النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) 151

يا عروة انت الجَلَب فاشتر لنا شاةً النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) 182

يَتَقَبَّلُ مِنْ أَهْلِهَا بِشَيْءٍ مُسَمّى إِلى سِنِينَ مُسَمَّاهُ فَيَعْمُرُ الصادق (علیه السلام) 68

ص: 494

فهرس المعصومين

ص: 495

فهرس الأعلام

ص: 496

ص: 497

ص: 498

ص: 499

فهرس الكتب

ص: 500

ص: 501

ص: 502

ص: 503

ص: 504

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1 الاجارة، محمّد حسين الاصفهاني (1361ه-.ق)، تحقيق لجنة التحقيق، الطبعة

الثانية، قم، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، 1409ه-.ق.

2 . أجوبة المسائل المهنائية جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (648-726ه-.ق)، قم، الخيام، 1401ه-.ق.

3. أجوبة مسائل ورسائل في مختلف فنون المعرفة، محمد بن أحمد بن إدريس العجلي الحلّي (598 ه-.ق)، تحقيق وتقديم السيّد محمّد مهدي الموسوي الخرسان، الطبعة الأولى، النجف الأشرف الناشر العتبة العلوية المقدسة، 1429ه-.ق - 2008م.

4. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (648 - 726ه-.ق)، تحقيق الشيخ فارس الحسون، مجلّدان، الطبعة الأولى، قم، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، 1410ه-.ق.

5. ،الاستبصار شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385-460 ه-.ق)، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان 4 مجلّدات، الطبعة الرابعة، طهران، خورشید 1363 ش.

6. الأشباه والنظائر عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي (911 ه-.ق)، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411ه-.ق 1990م.

7. إصباح الشيعة بمصباح الشريعة قطب الدين البيهقي الكيدري (ق6ه-)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الأولى، قم، اعتماد، 1416ه-.ق.

8. الإفادات والاستفادات تقريرات آية الله السيد حسن الخميني، السيد علي الخميني، طبع منه حتى الآن ،مجلّدان طهران مطبعة مؤسسة العروج، 1392ه-

9. اقتصادنا، محمد باقر الصدر (1400ه-.ق)، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي فرع خراسان، الطبعة الثانية ،قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1425ه-. ق -1382ش.

.10 الانتصار الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي البغدادي (355 - 360 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، 1415ه-.ق.

.11 انوار البروق في أنواء الفروق أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي القرافي

(684 ه-.ق) ، 4 مجلّدات، مطبعة عالم الكتب.

ص: 505

.12 أنوار الفقاهة الشيخ حسن بن جعفر كاشف الغطاء (1201-1262ه-.ق)، تحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، 10 مجلدات، الطبعة الأولى، طهران، المركز العالي للعلوم والثقافة، 1436ه-.ق-2015م.

.13 الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع الشيخ حسين آل عصفور البحراني (1216 ه-.ق)، تحقيق الميرزا محسن آل عصفور، 6مجلدات، قم، امير.

14 إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد فخر المحققين الشيخ أبي طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (682 - 771 ه-.ق)، تحقيق وتعليق السيد حسين الموسوي والشيخ علي پناه الاشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي،

4 مجلدات، الطبعة الأولى، قم، المطبعة العلمية، 1387ه-.ق.

15 إيضاح الكفاية، الشيخ محمّد فاضل موحدي لنكراني (1428ه-.ق)، 6 مجلّدات،

الطبعة الخامسة، قم، نوح، 1385ش.

.16 بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي (1111 ه-.ق)، 110 مجلد الطبعة الثانية بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403ه-.ق

1983م.

.17 بحوث في علم الأصول تقرير بحث السيّد محمّد باقر الصدر، السيد محمود الشاهرودي (1400 ه-.ق)، مجلّدات، الطبعة الثالثة، قم، محمد، 1426ه-.ق 2005م

.18 تاج العروس من جواهر القاموس محب الدين أبي فيض السيّد محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي (1205ه-.ق)، تحقيق علي شيري، 20 مجلداً، بيروت، دار الفكر 1414ه-.ق - 1994م.

.19 تبصرة المتعلمين في أحكام الدين جمال الدين ابي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (648 - 726ه-.ق)، تحقيق السيد أحمد الحسيني، والشيخ هادي اليوسفي، الطبعة الأولى، طهران ،احمدي 1386ش.

.20 تبصرة المتعلمين في أحكام الدين ،فارسي جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (648-726ه-.ق)، تحقيق وترجمة الشيخ أبو الحسن

شعراني، مجلّدان الطبعة السادسة، تهران اسلامية، 1385ش.

.21 تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية جمال الدين أبي منصور الحسن بن

يوسف بن المطهر الحلّي (648-726ه-.ق)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري 5 مجلّدات، الطبعة الأولى، قم، اعتماد، 1420ه-.ق.

22 تحریر الأصول، السيّد محمّد علي الموسوي الجزائري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم.

23 تحرير المجلة، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1373 ه-.ق)، همجلّدات،

النجف الأشرف المطبعة الحيدرية، 1359 ه-.ق.

24. تحرير الوسيلة السيد روح الله الموسوي الخميني (1410ه-.ق)، مجلّدان، الطبعة

الثانية، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1390 ه-.ق.

ص: 506

.25 تحريرات في الأصول، السيد مصطفى الخميني (1309-1398 ه-.ق)، 8مجلدات،

الطبعة الأولى، مطبعة مؤسسة العروج، 1418ه-.ق-1376ش.

26. تحف العقول عن آل الرسول ابو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني ( ق 4 ه-.ق)، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1404ه-.ق 1363ش.

.27 تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي (539 ه-.ق)، مجلدات، الطبعة الثانية،

بیروت، دار الكتب العلمية، 1414ه-.ق 1993م.

28 تفسير العياشي، محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي (320ه-.ق)، تحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي ،مجلّدان طهران المكتبة العلمية الإسلامية.

.29 تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (1428ه-.ق)، تحقيق مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام ، 28 مجلّداً ، الطبعة الأولى ،اسوه 1433 ه-.ق- 1390ش.

.30 تلخيص المرام في معرفة الأحكام جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (648-726ه-.ق)، تحقيق هادي القبيسي، الطبعة الأولى، قم، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، 1421ه- ق-1379ش.

31 تمهيد القواعد - موسوعة الشهيد الثاني - زين الدين بن علي العاملي (911 965 ه-.ق)، تحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، 29 مجلّداً، الطبعة الأولى، قم، مطبعة الباقري 1434 ه-.ق - 2013م.

.32 التنقيح الرائع لمختصر الشرائع جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي (826 ه-.ق)، تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري، 4 مجلدات، قم، مطبعة الخيام، 1404ه-.ق.

33 تهذيب الأحكام شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 460 ه-.ق)، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، 10مجلدات، الطبعة الثالثة ،طهران خورشید 1364ش.

.34 جامع أحاديث الشيعة السيد حسين الطباطبائي البروجردي (1383ه-.ق)، 25 مجلداً، قم المطبعة العلمية، 1399ه-.ق.

.35 جامع الأحكام الشرعية السيّد عبد الأعلى الموسوي السبزواري (1414ه-.ق)

الطبعة التاسعة، قم، باقري

.36 جامع المدارك في شرح المختصر النافع السيد أحمد الخوانساري (1405ه-.ق)، مجلدات، الطبعة الثانية، طهران، مكتبة الصدوق، 1405ه-.ق - 1364ش.

37 جامع المقاصد في شرح القواعد المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (940ه-.ق)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 13 مجلداً،

الطبعة الأولى، قم، المهدية، 1408ه-.ق.

.38 جامع عباسي فارسي، الشيخ بهاء الدين العاملي (1031 ه-.ق)، طهران، مؤسسة

انتشارات فرهاني

ص: 507

39. الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلي (601-690 ه-.ق)، تحقيق جمع من

الفضلاء ،قم المطبعة العلمية، 1405ه-.ق.

40 جواهر الفقه القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي (400-481ه-.ق)، تحقيق إبراهيم بهادري، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411ه-.ق.

.41 جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام الشيخ محمد حسن النجفي (1266ه-.ق)، تحقيق وتعليق الشيخ عباس القوچاني 43 مجلّداً، الطبعة الثانية، طهران، خورشيد،

1365ش.

.42 حاشية إرشاد الأذهان - موسوعة الشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي (911-965 ه-.ق)، تحقيق مركز إحياء التراث الإسلامي، 29 مجلّداً، الطبعة الأولى، قم، مطبعة الباقري، 1434ه-.ق-2013م.

43 الحاشية الثانية على المكاسب محمد امامي الخوانساري (1332 ه-.ق)، أصفهان،

مركز القائمين.

.44 حاشية المكاسب المولى محمّد كاظم الآخوند الخراساني (1329 ه-. ق)، تصحيح وتعليق سيد مهدي شمس الدين الطبعة الأولى، وزارت ارشاد إسلامي، 1406.

45 حاشية شرائع الاسلام الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (911 965 ه-.ق)، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قسم إحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى، قم، مكتبة مكتب الإعلام الإسلامي، 1422ه-.ق 1380ش.

46 الحاشية على الروضة البهية أحمد بن محمد مهدي النراقي (1185-1245ه-.ق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.

47 حاشية على كفاية الأصول الشيخ بهاء الدين الحجتي البروجردي (1383ه-.ق)،

مجلدان، الطبعة الأولى، قم، مطبعة الصدر، 1412ه-.ق.

.48 حاشية كتاب المكاسب الشيخ آقا رضا الهمداني (1322 ه-.ق)، تحقيق الشيخ

محمد رضا الأنصاري القمّي، الطبعة الأولى، قم، 1420ه-.ق.

.49 حاشية كتاب المكاسب، الشيخ محمّد حسين الاصفهاني (1361ه-.ق) تحقيق الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي مجلدات، الطبعة الأولى، علمية، 1418ه-.ق.

50. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني (1186ه-.ق)،

25 مجلّداً، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم.

51 الخصال الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (381ه-.ق)، تحقيق وتعليق علي أكبر الغفّاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم 1403 ه-. ق 1362ش.

.52 خلاصة الأقوال جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (648-726ه-.ق)، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417ه-.ق.

53 الخلاف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385-460 ه-.ق)،

ص: 508

تحقيق جماعة من المحققين 6مجلدات، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1407ه-.ق.

54 الدر المنضود في معرفة صيغ النيات والإيقاعات ،والعقود زين الدين علي بن علي بن محمد بن طي الفقعاني (855ه-.ق)، تحقيق وتعليق محمد بركت، الطبعة الأولى، قم، أمير، 1418ه-.ق.

55 الدروس الشرعية في فقه الإمامية الشهيد الاوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (734-786ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، 3 مجلدات، الطبعة

الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1417ه-.ق.

.56 دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي (363ه-.ق)، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، مجلّدان القاهرة، دار المعارف، 1383ه- . ق - 1963م.

.57 دليل تحرير الوسيلة (الشركة والقسمة علي أكبر سيفي المازندراني، الطبعة الأولى، طهران مؤسسة تنظيم و نشر آثار امام خميني قدس سره 1427ه-.ق.

.58 دليل تحرير الوسيلة (المضاربة)، علي أكبر سيفي المازندراني، الطبعة الأولى،

طهران مؤسسة تنظيم و نشر آثار امام خميني قدس سره، 1427ه-.ق.

.59 الذريعة إلى تصانيف الشيعة آغا بزرك محمّد محسن بن علي بن محمد رضا الطهراني (1389) ه-.ق)، 29 مجلّداً، الطبعة الثالثة، بيروت، دار الأضواء، 1403 ه-.ق - 1983م.

.60. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة الشهيد الاوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (734-786ه-.ق)، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیه السلام) لإحياء التراث، 4 مجلدات، الطبعة الأولى، قم، ستاره، 1419ه-.ق.

.61 رسائل الكركي، المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (940ه-.ق)، تحقيق الشيخ محمّد الحسون ، مجلدات ، الطبعة الأولى، قم، مطبعة الخيام، 1409ه-.ق.

62. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (911 - (165 ه- ق)، تحقيق وتعليق السيّد محمّد كلانتر 10 مجلّدات، الطبعة الأولى - الثانية ، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1386-1398ه-.ق.

63 رياض المسائل السيد علي الطباطبائي (1231 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم 16 مجلّداً ، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412ه-.ق.

64 وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي

(1104 ه-.ق)، 30 مجلّداً، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث 30 مجلّداً ، الطبعة الثانية، قم، مهر، 1414ه-.ق.

65. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

ص: 509

(598 ه-.ق)، تحقيق لجنة التحقيق، مجلّدات، الطبعة الثانية، قم، مطبعة مؤسسة 3 النشر الإسلامي، 1410ه-.ق.

.66 سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات، الشيخ أحمد بن علي بن محمد

رضا كاشف الغطاء (1344ه-.ق) ، 4 مجلدات النجف الأشرف، مطبعة الغري 1364ه-. ق.

67. سنن أبي داود ابو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275ه-.ق)، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام الطبعة الأولى، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1410ه-.ق-1990م.

68. سنن الترمذي محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209-279ه-.ق)، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف 5مجلّدات، الطبعة الثانية بيروت دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1403ه-.ق - 1983م.

.69 السنن الكبرى، أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق د. عبد الغفار سليمان البنداري وسید كسروي ،حسن 6 مجلدات، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411ه- ق - 1991م.

70 شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلّي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (676 ه-.ق) ، 4 مجلّدات، الطبعة الثانية، قم، أمير، 1409ه-.ق.

71 شرح العروة الوثقى موسوعة الإمام الخوئي، تقرير بحث السيد الخوئي للسيد محمّد تقي الخوئي (1415ه-.ق) ، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة إحياء آثار الامام الخوئي، 1426ه-.ق - 2005م.

.72 شرح مختصر خليل محمد بن عبد الله الخرشي المالكي (1101 ه-.ق)، 8 ،مجلّدات، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

73 الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية إسماعيل بن حمّاد الجوهري (393ه-.ق)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، 6 مجلّدات، الطبعة الرابعة، بيروت، دار العلم للملايين، 1407ه-.ق-1987م.

74 صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزية البخاري الجعفي (256 ه-.ق) ، 8 مجلدات، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401ه-. ق 1981م.

.75 صيغ العقود والإيقاعات فارسي دزفولي مرتضى بن محمّد أمين الانصاري (1214 1281 ه-.ق)، تحقيق ملا محمد يوسف استرآبادي، الطبعة الأولى، قم، مجمع اندیشه اسلامي، 1421ه-.ق.

76 العروة الوثقى السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (1337 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم 6 مجلّدات، الطبعة الأولى، قم، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، 1417ه-.ق.

77 العين الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175ه-. ق)، تحقيق الدكتور مهدي

ص: 510

المخزومي، والدكتور إبراهيم السامرائي ،8 مجلدات، الطبعة الثانية، قم، 1409 ه-.ق.

78 عيون الحقائق الناظرة في تتمة الحدائق الناضرة الشيخ حسين البحراني آل عصفور (1216ه-.ق)، مجلّدان، الطبعة الأولى، قم، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، 1410ه-.ق.

.79 غاية الآمال في شرح كتاب المكاسب الشيخ محمد حسن المامقاني (1323 ه-.ق)

3 مجلّدات، طبعة حجرية.

.80 غاية المرام في شرح شرائع الإسلام الشيخ المفلح الصميري البحراني 900 -.ق)، تحقيق الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، 4 مجلّدات ، الطبعة الأولى، بيروت دار الهادي، 1420ه-.ق-1999م.

81. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي (511-585ه-.ق)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الأولى، قم، اعتماد،

1417ه- ق .

.82 فتاوى ابن الجنيد الشيخ علي بناه الاشتهاردي، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر

الإسلامي، 1416ه-.ق.

083 الفتاوى الواضحة، السيّد محمّد باقر الصدر (1400 ه-.ق) ، النجف الأشرف، مطبعة الآداب

84 الفصول المهمة في أصول الأئمة الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي (1104ه-.ق)، تحقيق محمّد بن محمّد الحسين القائيني مجلدات، الطبعة ،الاولی ،قم ،نگین، 1415ه-.ق 1376ش.

85. فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام عرض واستدلال محمد جواد مغنية (1400 ه-.ق)، 6 مجلدات، الطبعة الثانية، قم ،الصدر، 1421ه-. ق 1379 ش.

86 فقه الصادق (علیه السلام)، السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، 26مجلداً، الطبعة الثالثة قم العلمية، 1412ه-.ق.

87. فقه العقود السيد كاظم الحسيني الحائري مجلّدان الطبعة الثالثة، قم، خاتم الانبياء 1428ه-.ق.

88. فقه القرآن قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (573ه-.ق)، تحقيق السيد أحمد الحسيني مجلدان الطبعة الثانية، قم، مطبعة الولاية، 1405 ه-. ق.

89. الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت عبد الرحمن الجزيري، وعلى مذهب أهل البيت (علیه السلام) السيّد محمّد الغروي والشيخ ياسر مازح، 5 مجلدات، الطبعة الأولى، بيروت، دار الثقلين، 1419ه-. ق 1998م.

.90 القاموس المحيط والقابوس الوسيط في اللغة مجد الدين محمد بن يعقوب

الفيروزآبادي (817ه-.ق) ، 4 مجلّدات، بيروت، دار العلم للجميع.

.91 قواعد الأحكام في مصالح الأنام عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي

ص: 511

( 660 ه-.ق)، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، 3 مجلّدات، القاهرة، مكتبة الكليات الازهرية، 1414ه-.ق 1991م.

.92 قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (648-726ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، مجلدات، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1413ه-.ق.

.93 قواعد الفقه في فقه الامام أبي حنيفة النعمان عميم المجدّدي (1395ه-.ق)، تحقيق محمد أحمد الحقاني الافغاني، بيروت، دار الكتب العلمية، 2019م.

94 القواعد والفوائد الشهيد الاوّل محمّد بن مكّي العاملي (734-786ه-.ق)، تحقيق

السيد عبد الهادي ،الحكيم ،مجلّدان ،قم، منشورات مكتبة المفيد.

.95 الكافي ثقة الاسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (329ه-. ق) ،مجلّدات، الطبعة الخامسة طهران حيدري، 1363ش.

96. الكافي في الفقه، تقي الدين ابي الصلاح الحلبي (374 - 447 ه-. ق)، تحقيق رضا استادي، ،اصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) العامة، 1403ه-.ق.

97 كتاب البيع السيد روح الله الموسوي الخميني (1410ه-.ق)، تحقيق مؤسسة تنظيم و نشر آثار الامام الخميني 5 مجلدات، الطبعة الأولى، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني، 1421ه-.ق.

.98 كتاب المكاسب دزفولي مرتضى بن محمّد أمين الانصاري (1214-1281ه-.ق)، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، 6 مجلدات، الطبعة الأولى، قم، باقري،

1415ه-. ق.

.99 كشف الرموز في شرح المختصر النافع الفاضل الآبي زين الدين أبي علي الحسن

بن أبي طالب ابن ابي المجد اليوسفي (690 ه-.ق) ، الشيخ علي بناه الاشتهاردي والحاج آغا حسين اليزدي مجلدان، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1408ه-.ق.

.100 كشف اللثام عن قواعد الأحكام الفاضل الهندي بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني (1062 - 1137 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، 11مجلّداً، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم 1416ه-.ق.

.101 كفاية الأحكام المولى محمد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري (1017 1. 1090 ه-.ق)، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، مجلّدان، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1423ه-.ق.

102. كفاية الأصول، الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني (1329ه-.ق)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث الطبعة الأولى، قم، مهر، 1409 ه-.ق.

.103. كفاية الأصول مع حواشي المشكيني، الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني

ص: 512

(1329 ه-. ق) حواشي المحقق الميرزا أبي الحسن المشكيني (1317 ه-.ق)، تحقيق الشيخ سامي الخفاجي 5 مجلّدات، الطبعة الثالثة، قم، غدير 1427ه-.ق 1384ش.

.104 كنز الدقائق عبد الله بن أحمد النسفي (710 ه-.ق)، تحقيق أ.د سائد بكداش

الطبعة الأولى، بيروت، دار البشائر الإسلامية، 1432ه-.ق -2011م.

.105 كنز العرفان في فقه القرآن جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري (826ه-.ق)، تحقيق وتعليق الشيخ محمّد باقر شريف ،زاده ومحمّد باقر البهبودي مجلّدان ،طهران ،حيدري 1384 ه-.ق - 1343ش.

106. كنز الفوائد في حل مشكلات ،القواعد السيد عميد الدين عبد المطلب بن محمد الأعرج (681-754 ه-.ق) ، مؤسسة النشر الإسلامي، مجلدات، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1416ه-.ق.

107. لسان العرب جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (711ه-.ق)، 15 مجلّداً، قم، نشر أدب الحوزة، 1405ه-.ق-1363ش.

.108 اللمعة الدمشقية الشهيد الاوّل شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (734 786 ه-.ق) ، الطبعة الأولى، قم، قدس، 1411ه-.ق.

.109 ما وراء الفقه السيّد محمّد بن محمّد صادق الصدر، 10 مجلدات، الطبعة الثالثة،

مطبعة ،قلم، 1427ه- . ق - 2007م.

.110 مباني العروة الوثقى، تقرير بحث السيد الخوئي للسيّد محمّد تقي الخوئي،

مجلدات النجف الأشرف الآداب، 1406 ه-.ق - 1986م.

111. المبسوط، شمس الدين محمد بن أحمد بن السرخسي (483 ه-.ق)، 30مجلداً، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، 1406ه-.ق 1986م.

.112 المبسوط في فقه الإمامية، شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385 460 ه-.ق)، 8 مجلّدات طهران المطبعة الحيدرية، 1387 ه-.ق.

.113 مجمع البحرين الشيخ فخر الدين الطريحي (1085ه-.ق)، تحقيق السيد أحمد

الحسيني، 6 مجلدات، الطبعة الثانية چاپخانه طراوت، 1362ش.

.114 مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان المولى أحمد الأردبيلي

(993 ه-.ق)، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي والشيخ علي بناه الاشتهاردي والحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، 14مجلّداً، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم.

.115 المحيط في اللغة الصاحب إسماعيل بن عبّاد (326 - 385 ه-.ق)، تحقيق محمد حسن آل ياسين 11 مجلّداً، الطبعة الأولى بيروت عالم الكتب، 1414ه-.ق 1994م.

116 مختار الصحاح محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الرازي (721 ه-.ق)، الطبعة

الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415ه-.ق - 1994م.

117. المختصر النافع المحقق الحلّي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن

ص: 513

(676ه-.ق)، الطبعة الثالثة طهران قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة،

1410ه-.ق.

.118 مختلف الشيعة في أحكام الشريعة جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (648 - 726 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، 9 مجلدات، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، 1413ه-.ق.

.119 مدخل الى العلوم الاسلامية العلامة الشهيد مرتضى مطهري (1979م)، الطبعة

الأولى، قم، مطبعة ستار 1428ه-.ق 2007م.

.120 مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، الشيخ محمّد باقر المجلسي (1111ه-.ق)، 26 مجلداً، تحقيق السيد هاشم الرسولي، الطبعة الثانية، مطبعة الحيدري

1398ه-.ق.

.121 المراسم العلوية في الأحكام النبوية الشيخ حمزة بن عبد العزيز الديلمي (448 ه-.ق)، تحقيق السيد محسن الحسيني الأميني، قم، أمير، 1414ه-.ق.

.122 مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام الشيخ ابو عبد الله محمد الجواد شمس الدين الكاظمي (ق11 ه-.ق)، تحقيق وتعليق الشيخ محمّد باقر زاده 4 مجلدات، چاپخانه حيدري

.123 مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (911-965 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية، 15مجلّداً، الطبعة الأولى، ،قم بهمن 1413ه-.ق.

.124 مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل الميرزا حسين النوري الطبرسي (1320 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث 18 مجلّدا، الطبعة الأولى، بيروت، مؤسسة آل البيت (علیه السلام) لإحياء التراث، 1408ه-.ق - 1987م.

125 مستمسك العروة، السيد محسن الطباطبائي الحكيم (1390ه-.ق)، 14 مجلّداً، قم، منشورات آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1404ه-.ق.

126. مسند احمد ابو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني (241ه-.ق)، 6مجلدات،

بیروت، دار صادر

127 مشكاة الهداية في الشرح والتعليق على الكفاية السيد علي الخميني، مجلدان،

الطبعة الأولى، قم، مطبعة مؤسسة بوستان كتاب، 1443 ه-.ق - 1400ش.

128 مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع، الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبهاني

(1117 - 1205ه-.ق)، تحقيق مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني رحمه الله 11 مجلّداً، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني رحمه الله، 1424ه-.ق.

.129 مصباح الفقاهة تقرير أبحاث السيد الخوئي ، الشيخ محمد علي التوحيدي

ه مجلدات، الطبعة الأولى، قم، العلمية.

.130 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي أحمد بن محمد بن علي المقري

ص: 514

الفيومي (770 ه-.ق) ،مجلّدان، بيروت، دار الفكر للطبعة والنشر والتوزيع.

131 مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية السيد روح الله الخميني (1410ه-.ق)، الطبعة السادسة، طهران، مؤسسة تنظيم و نشر آثار امام خميني قدس سره، 1386ش. .132 معالم الدين في فقه آل ياسين شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي (ق9)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ،مجلدان، الطبعة الأولى، مطبعة مؤسسة الإمام

الصادق، 1424ه-.ق.

.133. المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، محمد حسن حسن جبل، الطبعة الأولى، القاهرة، مكتبة الآداب، 2010م.

134 معجم مقاييس اللغة ابو الحسين اللغة ابو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (395 ه-.ق)، تحقيق عبد السلام محمد هارون ،6 مجلدات مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404ه-.ق.

.135 مفاتيح الشرائع، محمّد محسن الفيض الكاشاني (1091 ه-.ق)، تحقيق السيد مهدي رجائي ، مجلدات ،قم، مطبعة الخيام، 1401ه-.ق.

136 مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1226ه-.ق)، تحقيق وتعليق الشيخ محمّد باقر الخالصي، 21 مجلّداً، الطبعة الأولى، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1419ه-.ق.

.137 مفردات ألفاظ القرآن الراغب الأصفهاني (425 ه-.ق)، تحقيق صفوان عدنان

داوودي، الطبعة الثانية سليمانزاده 1427ه-.ق.

138 ،المقنعة الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (413ه-.ق)، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1410ه-.ق.

.139 المكاسب المحرمة السيد روح الله الموسوي الخميني (1410ه-.ق)، مجلّدان، الطبعة الثالثة، قم، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، 1410ه-.ق 1386ش.

.140 من لا يحضره الفقيه الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (381 ه-.ق)، تحقيق وتعليق علي أكبر الغفاري 4 مجلّدات، الطبعة الثانية، قم،

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم.

141 . المناهل، السيّد محمّد بن علي الطباطبائي (1241ه-.ق).

142 منتخب المسائل فيما تعم به البلوى الحاج آقا حسين القمّي، النجف الأشرف، دار النشر، 1365ه-.ق.

.143 منتهى الدراية في توضيح الكفاية، السيّد محمّد جعفر الجزائري المروج 8 مجلّدات، الطبعة السادسة، غدير 1415ه-.ق.

144. منهاج الصالحين، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مجلدان، الطبعة الثامنة

والعشرون ،قم، مهر 1410ه-.ق.

145 منهاج الصالحين، السيد علي الحسيني السيستاني مجلدات، الطبعة الأولى، قم،

،مهر 1414ه-.ق.

ص: 515

146. منهاج الصالحين، السيد محسن الطباطبائي الحكيم (1390ه-.ق)، مجلدان،

بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1410ه-.ق- 1990م.

.147 منهاج الصالحين، السيّد محمّد صادق الحسيني الروحاني (1418ه-.ق)، مجلّدان، الطبعة الثانية، الكويت، مكتبة الألفين، 1414ه-. ق 1994م.

148 منهاج الصالحين، الشيخ وحيد الخراساني مجلدات.

149 منهاج الصالحين، الميرزا جواد التبريزي (1427ه-.ق) ، مجلّدان، الطبعة الأولى، ،قم، مطبعة ،سرور، 1426 ه-.ق - 2005م.

.150 المهذب القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي (400-481ه-.ق)، مجلّدان، تحقيق مؤسسة سيد الشهداء العلمية، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1406ه-.ق.

.151 مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري (1414ه- ق) ، 30 مجلّداً، الطبعة الرابعة ،فروردين 1413ه-.ق.

.152. المهذب البارع في شرح المختصر النافع جمال الدين أبي العباس أحمد بن فهد الحلّي (757 -841ه-.ق)، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، 5 مجلدات، قم، ه مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، 1407ه-.ق.

153 المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف أمين الإسلام فضل بن الحسن الطبرسي (548 ه-.ق)، تحقيق جمع الأساتذة، مجلّدان، الطبعة الأولى، مطبعة سيد الشهداء

(علیه السلام)، 1410ه-.ق.

154 . الموسوعة الفقهية الكويتية، مجموعة من المؤلفين 45 مجلّداً، الطبعة الثانية، الكويت دار السلاسل، 1427ه-.ق.

.155 نظام المضاربة في الشريعة الإسلامية الغراء، الشيخ جعفر السبحاني، الطبعة

الأولى، قم، اعتماد، 1416ه-.ق.

.156 نهاية الإحكام في معرفة الأحكام جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648 - 726 ه-.ق) مجلدان، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الطبعة الثانية ،قم، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، 1410ه-.ق.

.157 نهاية المطلب في دراية المذهب ابو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (478 ه-.ق)، تحقيق أ.د عبد العظيم محمود الديب، 20 مجلداً، الطبعة الأولى، دار المنهاج، 1428ه-.ق 2007م.

.158 النهاية في مجرد الفقه والفتاوى شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385-460 ه-.ق)، قم، انتشارات قدس محمدي.

.159 النهاية ونكتها محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه-.ق)، والمحقق الحلّي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (676 ه-.ق)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي مجلّدان، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم 1412ه-.ق.

.160 هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي

ص: 516

(1033 - 1104ه-.ق)، تحقيق قسم الحديث في مجمع البحوث الإسلامية مجلّدات، الطبعة الأولى، مشهد، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدسة، 1412ه-.ق.

161 هداية العباد الشيخ لطف الله الصافي ،الگلپایگانی، مجلّدان، الطبعة الأولى، سپهر، 1416ه-.ق.

.162 هدى الطالب إلى شرح المكاسب السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج، مجلدات، الطبعة الثانية قم الجزائري، 1383ش.

163. وجيزة الأحكام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1373 ه-.ق)، 6 مجلدات،

الطبعة الثالثة النجف الأشرف، المرتضوية، 1366ه-.ق.

.164 وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (1033 - 1104ه-.ق)، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

30 مجلّداً، الطبعة الثانية، قم، مهر، 1414ه-.ق.

.165. الوسيط في شرح القانون المدني، عبد الرزّاق احمد السنهوري (1971م)، 10 أجزاء في 12 مجلداً، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

166 وسيلة النجاة مع تعاليق الإمام الخميني، السيد أبو الحسن الاصفهاني (1365ه-.ق)، تحقيق مؤسسة تنظيم و نشر آثار الامام الخميني، الطبعة الأولى، طهران مؤسسة تنظيم و نشر آثار الامام الخميني، 1422ه-.ق.

.167 وسيلة النجاة مع تعليق السيّد محمّد رضا الگلپايگاني السيد أبو الحسن الاصفهاني (1365 ه-.ق)، 3 مجلدات، الطبعة الأولى، قم، مهر استوار، 1393ه-.ق.

.168 الوسيلة إلى نيل الفضيلة ابن حمزة محمّد بن علي الطوسي (560 ه-.ق)، تحقيق الشيخ محمّد الحسون الطبعة الأولى، قم، مطبعة الخيام، 1408ه-.ق.

.169 الينابيع الفقهية، علي أصغر مرواريد 45 مجلّداً، الطبعة الأولى، بيروت، دار التراث ، 1410ه-ق- 1990م.

مجلة فقه أهل البيت عليهم السلام مجلة فصلية متخصصة في الفقه الإسلامي، العدد الحادي ،والأربعون السنة الحادية عشرة، 1427ه-.ق - 2006م.

مقالة الدكتور محمد جبر الألفي تاريخ النشر (2017/1/13 /www.alukah.net

web/al-alfi/11775/page/2/

ص: 517

ص: 518

فهرس المطالب

المدخل...5

المقصد الأوّل: الكليات ...7

الفصل الأوّل: نظر إجمالي إلى تنظيم المحقق في الشرائع وتبويبه للأبواب الفقهية ...9

القدم الأوّل: النظر إلى كتاب الشرائع ...9

القدم الثاني : النظر إلى شروح الشرائع ...9

القدم الثالث : التعجب من غمض العين عن وجه التقسيم في كتب شارحي الشرائع ...10

القدم الرابع : النظر إلى كتاب ذكرى الشيعة ...10

القدم الخامس : النظر إلى كتاب مفتاح الكرامة ...11

القدم السادس : هل نظم الشرائع منبثق من الكتب الروائية ...12

القدم السابع : إشكالات العلّامة الشهيد المطهري على النظم الموجود في الشرائع ...13

الفصل الثاني: النظر إلى تقسيم أبواب الفقه في كلام الشهيد الصدر ...16

القدم الأوّل: نقل كلامه ...16

الأموال العامة ...16

الأموال الخاصة ...16

الباب الأوّل: في الأسباب الشرعية للتملك ...17

الباب الثاني: في أحكام التصرّف في المال ...17

القدم الثاني : تعليقات على تنظيم الشهيد الصدر ...18

التعليق الأوّل ...18

التعليق الثاني ...18

التعليق الثالث ...19

التعليق الرابع ...19

ص: 519

التعليق الخامس ...19

التعليق السادس ...19

التعليق السابع ...20

القدم الثالث: تقسيم الشهيد الصدر في أُسلوب ثان ...20

القسم الأوّل: السلوك الخاص ...20

القسم الثاني : السلوك العام ...21

القسم الأوّل: الباب الأوّل ...21

القسم الأوّل: الباب الثاني ...21

القسم الأوّل الباب الثالث ...21

القسم الأوّل الباب الرابع ...21

الفصل الثالث : وجهة النظر الصحيحة في فقه المعاملات ...23

القدم الأوّل: بيان المدعي ...23

القدم الثاني : إشكالات على النظم الجاري في فقه المعاملات ...25

الإشكال الأوّل: خلط الحرمة التكليفية والوضعية ...26

الإشكال الثاني : تفاوت منهج البحث عن المسائل ...27

الإشكال الثالث : تفاوت الحرمة الثابتة على المكاسب ذاتاً ...29

الإشكال الرابع: عدم تناسب المكاسب المحرمة والمكاسب الواجبة من حيث تعلّق الحكم ...30

الأوّل : النظر إلى عبارة صاحب الشرائع ...30

الثاني : النظر إلى عبارة العلّامة ...30

الثالث : النظر إلى توجيه الشهيد الثاني ...31

الرابع: النظر إلى إشكال صاحب مفتاح الكرامة ...31

الخامس : النظر إلى توجيه صاحب الجواهر ...32

الفصل الرابع: النظام الطولي في المعاملات ...35

مقصودنا من النظام الطولي في أبواب المعاملات ...37

المراد من الأوّل: إذا كان عقد تحت عقد آخر ومن أضربه ...38

المراد من الثاني : إذا كان العقد مركبا من عدّة مفا مفاهیم ...39

المراد من النظام الطولي المفهومي ...39

الفصل الخامس : الموضوع المتأصل والموضوع التابع ...42

الموضوع المتأصل ...42

ص: 520

الموضوع التابع ...42

الفصل السادس: أسماء المعاملات هل هى موضوعات للأسباب أو للمستيات ...44

القدم الأوّل: احتمالات السبب ...444

الاحتمال الأوّل: الإنشاء الإيجابي ...44

الاحتمال الثاني: الإنشاء الإيجابي والقبولي معاً ...45

الاحتمال الثالث: المراد منه ليس اللفظ بل المراد من السبب هو الاعتبار القلبي ...45

الاحتمال الرابع: المراد منه هو السبب المعنوي ...46

القدم الثاني : احتمالات المسبب ...46

الاحتمال الأوّل: المراد منه هو الملكية ...46

الاحتمال الثاني : المراد منه هو التمليك ...48

الاحتمال الثالث: المراد من المسبب هو مفهوم واحد اعتباري ...49

القدم الثالث : المختار في المسألة ...51

الفصل السابع: كيفية تعريف الماهيات الاعتبارية ...54

القدم الأوّل: الفرق بين الماهية الاعتبارية والمفهوم الاعتباري ...54

القدم الثاني : الفرق بين الاعتبارات النوعية والاعتبارات الجزئية ...55

القدم الثالث : طريق تعريف الماهيات الاعتبارية ...55

الفصل الثامن : نظرية روح المعنى في ثوب أصولي ...57

المقصد الثاني : النكات في المضاربة والمزارعة والمساقات ...65

فصل : إشارات إلى بعض المسائل المرتبطة بالمضاربة والمزارعة والمساقاة ...67

الإشارة الأولى: حال المضاربة والمزارعة والمساقاة في الكتب الخمسة ...67

النظر الأوّل : إلى الكافي للكليني م (329 ) ...67

النظر الثاني : إلى من لا يحضره الفقيه (للصدوق (م381) ...68

النظر الثالث : إلى المقنعة مفيد م 413) ...69

النظر الرابع : إلى التهذيب (الطوسي م 460) ...69

النظر الخامس : إلى شرائع الإسلام (المحقق الحلّي م676) ...70

الإشارة الثانية : كلام الشهيد الثاني المشعر بالنظام التركيبي ...71

القدم الأوّل: النظر إلى كلام الشهيد الثاني ...71

القدم الثاني : إشارة إلى المقسم في كلماته ...72

ص: 521

القدم الثالث : إشكال صاحب الجواهر على الشهيد الثاني والعلّامة ...74

القدم الرابع : تحليل كلام الجواهر ...74

الإشارة الثالثة: المضاربة مركبة من عقود ...75

القدم الأوّل : النظر إلى كلام الشهيد الثاني ...75

القدم الثاني : تحليل كلامه ...75

القدم الثالث : تفسير صاحب الجواهر لكلام المسالك ...76

القدم الرابع : إشارة إلى كلام الفاضل المقداد ...78

القدم الخامس : النظر إلى المهذب البارع ...78

القدم السادس: أسئلة ...79

السؤال الأول ...80

السؤال الثاني ...80

السؤال الثالث ...80

السؤال الرابع ...81

القدم السابع : خاتمة المطاف ...81

الإشارة الرابعة : تجميع تعاريف القوم للمضاربة ...82

التعريف الأوّل ...82

التعريف الثاني ...82

التعريف الثالث ...82

التعريف الرابع ...82

التعريف الخامس ...82

الإشارة الخامسة : هل تجوز المضاربة بغير الدرهم والدينار ...83

القدم الأوّل: النظر إلى الخلاف ...83

مسألة 1 ...83

دليلنا ...84

مسألة 2 ...84

دليلنا ...84

القدم الثاني : النظر إلى الشرائع ...84

القدم الثالث : النظر إلى العروة ...84

القدم الرابع : النظر إلى منهاج الصالحين للسيد الحكيم ...85

القدم الخامس : النظر إلى تحرير الوسيلة ...85

ص: 522

القدم السادس : النظر إلى فتوى السيد الخوئي ...85

القدم السابع : النظر إلى حاشية الإمام الخميني على العروة ...86

القدم الثامن : النظر إلى دليل تحرير الوسيلة ...86

القدم التاسع : خاتمة المطاف ...88

ومن المظان ...89

الدليل الأول : الإجماع ...89

الدليل الثاني: تقيد الأدلة بالربح ...89

الدليل الثالث : مفروض السؤال ...90

الإشارة السادسة : هل يشترط في المضاربة الاسترباح بالتجارة ...90

القدم الأوّل : النظر إلى كلام الشيخ الطوسي ...91

القدم الثاني : النظر إلى كلام العلّامة ...91

القدم الثالث : النظر إلى العروة ...92

القدم الرابع : النظر إلى تحرير الوسيلة ...93

القدم الخامس : بيان نكات حول المسألة ...93

النكتة الأولى : إعطاء صاحب المال ثمناً إلى العامل ...93

النكتة الثانية : مدرك فتاوى القوم على اشتراط التجارة ...94

الدليل الأوّل: عدم صدق مفهوم المضاربة على ما إذا لم تتحقق التجارة ...94

الدليل الثاني : الإجماع على البطلان إذا لم يكن الاسترباح بالتجارة ...94

الدليل الثالث: أنّ التجارة هو القدر المتعين فنأخذ به ...95

الدليل الرابع : ما ذكرة العلّامة الحكمة ...95

من الإشارة السابعة إمكان المزارعة في ضمن المضاربة في كلمات القوم ...96

القدم الأوّل: النظر إلى الشرائع ...96

القدم الثاني : النظر إلى المسالك ...96

القدم الثالث : النظر إلى الاندماج ...96

الإشارة الثامنة : الميز بين المضاربة والمزارعة والمساقاة في الاسم لا في الحكم ...97

القدم الأوّل : الفهم العرفي في المقام بم يتعلّق ...97

القدم الثاني: التمايز بين العناوين ليس من ناحية الشرع ...98

الحكم الأوّل: الإشاعة في الربح ...98

الحكم الثاني : إمكان الانتفاع برأس المال ...99

ص: 523

الحكم الثالث : تعيين المدة ...99

القدم الثالث : إشكال وجواب ...100

المقصد الثالث : إزاحة الشبهة عن عقد الشركة ...103

إثبات النظام الطولي العقدي بين الشركة الاكتسابية وبين المضاربة وأخواتها ... 103

الفصل الأوّل: عقد الشركة بين النفي والإثبات والإبهام ...105

القدم الأوّل: خلوّ الشرائع عن الإشارة إلى عقد الشركة ...105

القدم الثاني : إشكال المسالك على الشرائع ...105

القدم الثالث : دفاع صاحب الحدائق عن المحقق ...106

القدم الرابع : إشكال صاحب الرياض على صاحب الحدائق ...106

القدم الخامس : إشكال صاحب الجواهر على تعريف الشهيد الثاني لعقد الشراكة ...107

القدم السادس: إعتراف صاحب الجواهر بوجود التشويش

في عبارات القوم حول عقد الشركة ...107

الفصل الثاني : الاختلاف بين العروة الوثقى وتحرير الوسيلة

في تعيين حقيقة عقد الشركة ...108

القدم الأوّل: النظر إلى عقد الشركة في العروة ...108

النكتة الأولى: حقيقة الشركة ...108

النكتة الثانية : صور الشركة ...108

النكتة الثالثة : متعلّق الشركة ...109

القدم الثاني : النظر إلى عقد الشركة في تحرير الوسيلة ...109

النكتة الأولى: حقيقة الشركة ...110

النكتة الثانية : متعلّق الشركة في الإطلاق الأوّل ...110

النكتة الثالثة سبب الشركة في الإطلاق الأوّل ...110

النكتة الرابعة ثمرة الشركة في إطلاقها الثاني ...111

النكتة الخامسة : متعلّق الشركة في إطلاقها الثاني ...111

القدم الثالث : الاختلاف في مفهوم عقد الشركة بين العروة وتحرير الوسيلة .. 111

الفصل الثالث: الشركة في اللغة ...113

النظر الأوّل إلى : كتاب العين ...113

النظر الثاني إلى المحيط في اللغة ...114

النظر الثالث إلى : معجم مقاييس اللغة ...114

ص: 524

النظر الرابع إلى : مفردات ألفاظ القرآن ...115

خاتمة الفصل الثالث ...116

الفصل الرابع: تعريف عقد الشركة في الكتب الفقهية ...118

النظر الأوّل إلى : ما في دعائم الإسلام ...119

النظر الثاني إلى ما في مجموعة فتاوى ابن الجنيد ...119

النظر الثالث إلى ما في المقنعة ...120

النظر الرابع إلى : ما في المراسم ...121

النظر الخامس إلى ما في الخلاف ...121

النظر السادس إلى : المؤتلف من المختلف ...121

النظر السابع إلى : الجامع للشرائع ...122

النظر الثامن إلى : تحرير العلامة ...122

النظر التاسع إلى : التذكرة ...123

النظر العاشر إلى : جامع المقاصد ...123

النظر الحادي عشر إلى ما في الجواهر ...123

القدم الأوّل ...124

القدم الثاني ...124

القدم الثالث ...124

القدم الرابع ...125

القدم الخامس ..125

القدم السادس ...125

القدم السابع ...126

القدم الثامن ...127

القدم التاسع ...127

النظر الثاني عشر إلى ما قاله شيخ أحمد كاشف الغطاء (م 1344) .......... 128

القدم الأوّل: تعريف الشركة المسبّبية ...128

القدم الثاني : الإشكال على كلام الفقهاء ...128

القدم الثالث : التوجيه الأول للعقدية ...128

القدم الرابع : الإشكال على التوجيه الأوّل ...128

القدم الخامس : التوجيه الثاني للعقدية ...129

القدم السادس : الإشكال على التوجيه الثاني ...129

ص: 525

القدم السابع : التوجيه الثالث للعقدية ...129

القدم الثامن : الإشكال على التوجيه الثالث ...129

القدم التاسع : التوجيه الرابع للعقدية ...130

القدم العاشر : الإشكال على التوجيه الرابع ...130

القدم الحادي عشر : القيام بذكر المقصود من عقد الشركة ...130

القدم الثاني عشر : الشركة السبية هي العنان ...131

القدم الثالث عشر : الإشكال على تعريف جامع المقاصد وأتباعه ...131

القدم الرابع عشر: منشأ عقد الشركة هو التعاقد ...131

القدم الخامس عشر : الشركة المسبّبية المبحوث عنها بعنوان المقدّمة ...132

النظر الثالث عشر إلى : تحرير المجلة ...132

النظر الرابع عشر إلى وجيزة الأحكام للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ... 133

النظر الخامس عشر إلى المستمسك ...134

النكتة الأولى ...134

النكتة الثانية ...134

النكتة الثالثة ...134

النكتة الرابعة ...135

النظر السادس عشر إلى مباني العروة الوثقى ...135

النظر السابع عشر : إلى مهذب الأحكام للسبزواري ...135

خاتمة الفصل الرابع: تجميع البحث ...136

الفصل الخامس: ملخص الإشكال على تعريف العروة وتحرير

الوسيلة وطريق الفرار منه ...141

الفصل السادس كلام السنهوري في عقد الشركة ...144

القدم الأوّل ...145

القدم الثاني ...145

القدم الثالث ...145

القدم الرابع ...146

الفصل السابع: إزاحة الشبهة عن عقد الشركة ...148

المادة الأولى : تعريف عقد الشركة الإيجادية ...148

المادة الثانية : صيغته ...149

المادة الثالثة : الفرق بينه وبين البيع ...150

ص: 526

المادة الرابعة : عدم اشتراط المزج التكويني فيه ...150

المادة الخامسة : ثمرته ...151

المادة السادسة : القائلون بثبوت هذا العقد ... 151

المادة السابعة : تحقق الشركة المسببية غير منحصر بعقد الشركة الإيجادية ...152

المادة الثامنة : صنوف عقد الشركة الإيجادية ...152

بسط النظر في عقد الشركة الاكتسابية عقد المشاركة) ...154

المادة الأولى : تعريفه ...154

المادة الثانية : أركان عقد الشركة الاكتسابية ...154

المادة الثالثة : هذا العقد هو عنوان جامع لجميع صنوف عقد الشركة ...155

المادة الرابعة : صنوف عقد الشركة الاكتسابية ...156

خاتمة الفصل السابع ...156

النكتة الأولى ...156

النكتة الثانية ...157

الفصل الثامن: نكتة في أضرب عقد الشركة ...159

الضرب الأوّل : شركة العنان ...159

الضرب الثاني: شركة المفاوضة ...159

الضرب الثالث: شركة الأبدان ...159

الضرب الرابع: شركة الوجوه ...159

الفصل التاسع: هل عقد البضاعة من أضرب عقد الشركة ...162

الفصل العاشر: نسبة الجعالة والشركة الاكتسابية ...164

التفرقة بين الجعالة والشركة الاكتسابية ...168

الأمر الأوّل ...168

الأمر الثاني ...168

الفصل الحادي عشر : اشتراط عدم الشركة في الضرر في الشركة الاكتسابية ... 169

المقصد الرابع : الدلالة إلى حقيقة الوكالة ...171

عدم ثبوت النظام الطولي العقدي بين الوكالة والمضاربة ...172

الفصل الأوّل: النظر إلى كلام السيد الگلپايگاني ...173

الفصل الثاني: تعريف الفقهاء لعقد الوكالة ...174

النظر الأوّل : إلى كلام ابن حمزة الطوسي ...174

النظر الثاني : إلى كلام ابن إدريس الحلّي ...175

ص: 527

النكتة الأولى ...176

النكتة الثانية ...176

النكتة الثالثة ...176

النظر الثالث : إلى كلام المحقق في المختصر النافع ...177

النكتة الأولى ...177

النكتة الثانية ...177

النكتة الثالثة ...178

النظر الرابع : إلى الشرائع ...178

النكتة الأولى ...178

النكتة الثانية ...178

النظر الخامس إلى : تحرير العلّامة ...179

النكتة الأولى ...180

النكتة الثانية ...180

النكتة الثالثة ...180

النظر السادس إلى : التذكرة ...181

النكتة الأولى ...181

النكتة الثانية ...181

النكتة الثالثة ...181

النظر السابع إلى : تلخيص المرام ...183

النكتة الأولى ...184

النكتة الثانية ...184

النكتة الثالثة ...184

النظر الثامن إلى : القواعد ...185

النكتة الأولى ...185

النكتة الثانية ...185

النكتة الثالثة ...185

النظر التاسع إلى التنقيح الرائع ...186

النكتة الأولى ...187

النكتة الثانية ...188

النكتة الثالثة ...189

ص: 528

النكتة الرابعة ...189

النكتة الخامسة ...189

النظر العاشر إلى : المهذب البارع ...190

النظر الحادي عشر إلى : جامع المقاصد ...192

النكتة الأولى ...192

النكتة الثانية ...193

النكتة الثالثة ...194

النكتة الرابعة ...194

النظر الثاني عشر إلى: الروضة البهية ...195

النكتة الأُولى ...195

النكتة الثانية ...196

النكتة الثالثة ...196

النكتة الرابعة ...196

النظر الثالث عشر إلى : هامش مفتاح الكرامة ...198

النظر الرابع عشر إلى وسيلة النجاة ...200

النظر الخامس عشر إلى تحرير المجلة ...201

القدم الأوّل ...201

القدم الثاني ...202

القدم الثالث ...202

القدم الرابع ...202

النكتة الأولى ...203

النكتة الثانية ...203

النكتة الثالثة ...203

النكتة الرابعة ...204

النكتة الخامسة ...204

النكتة السادسة ...204

النظر السادس عشر : إلى تحرير الوسيلة ...205

النكتة الأولى ...205

النكتة الثانية ...205

النكتة الثالثة ...206

ص: 529

النكتة الرابعة ...207

النظر السابع عشر إلى : مهذب الأحكام ...208

النكتة الأولى ...208

النكتة الثانية ...208

النكتة الثالثة ...209

النظر الثامن عشر إلى كلام السيد الگلپايگاني ...209

الفصل الثالث: تجميع الكلام حول عقد الوكالة ...210

النكتة الأولى ...210

النكتة الثانية ...211

النكتة الثالثة ...213

النكتة الرابعة ...214

النكتة الخامسة ...215

المقصد الخامس : حقيقة الجعالة وجهات سعتها ...217

إثبات النظام الطولي العقدي بين الجعالة والإجارة ...217

الفصل الأوّل: حقيقة الجعالة في كلمات الفقهاء ...219

النظر الأوّل إلى : الوسيلة ...219

النكتة الأولى ...220

النكتة الثانية ...220

النكتة الثالثة ...220

النكتة الرابعة ...221

النكتة الخامسة ...221

النكتة السادسة ...221

النكتة السابعة ...221

النكتة الثامنة ...222

النظر الثاني إلى : إصباح الشيعة ...22

النكتة الأولى ...222

النكتة الثانية ...222

النكتة الثالثة ...223

النظر الثالث : إلى الشرائع ...224

النكتة الأولى ...224

ص: 530

النكتة الثانية ...224

النظر الرابع إلى : التذكرة ...225

العبارة الأولى ...225

العبارة الثانية ...225

النكتة الأولى ...226

النكتة الثانية ...226

النكتة الثالثة ...227

النكتة الرابعة ...227

النظر الخامس إلى : القواعد ...229

النكتة الأُولى ...229

النكتة الثانية ...230

النظر السادس إلى : الإيضاح ...230

النكتة الأولى ...230

النكتة الثانية ...231

النكتة الثالثة ...231

النكتة الرابعة ...232

النظر السابع إلى : اللمعة وشرحه ...234

النكتة الأولى ...234

النكتة الثانية ...234

النكتة الثالثة ...234

النكتة الرابعة ...235

القدم الأوّل: النظر إلى كلام التذكرة ...237

القدم الثاني : النظر إلى ما ذكرناه سابقاً تذييلاً لهذه العبارة ...238

القدم الثالث : مزيد البيان ...239

النظر الثامن إلى : رسائل المحقق الكركي ...241

النكتة الأولى ...241

النكتة الثانية ...241

النكتة الثالثة ...244

النظر التاسع إلى : مفتاح الكرامة ...245

النكتة الأولى ...246

ص: 531

النكتة الثانية ...246

النظر العاشر إلى جواهر الكلام ...246

النظر الحادي عشر إلى : سفينة النجاة ومشكاة الهدى ومصباح السعادات ... 249

النكتة الأولى ...250

النكتة الثانية ...250

النظر الثاني عشر إلى : منهاج الصالحين للسيد الحكيم ...251

النكتة الأولى ...252

النكتة الثانية ...252

النكتة الثالثة ...253

النكتة الرابعة ...254

النظر الثالث عشر إلى : فقه الإمام الصادق (علیه السلام) ...254

النكتة الأولى ...254

النكتة الثانية ...255

النظر الرابع عشر إلى : مهذب الأحكام ...261

الفقرة الأُولى ...261

النكتة الأولى ...262

النكتة الثانية ...262

النكتة الثالثة ...262

النكتة الرابعة ...262

النكتة الخامسة ...263

النكتة السادسة ...263

الفقرة الثانية ...263

النكتة الأولى ...264

النكتة الثانية ...265

النكتة الثالثة ...265

النكتة الرابعة ...266

الفقرة الثالثة ...266

النظر الخامس عشر إلى : ما وراء الفقه ...267

الفقرة الأولى ...267

النكتة الأولى ...267

ص: 532

النكتة الثانية ...267

النكتة الثالثة ...268

الفقرة الثانية ...268

الفقرة الثالثة ...269

الفقرة الرابعة ...269

الفقرة الخامسة ...270

الفصل الثاني : حقيقة الجعالة عند العامة ...275

العبارة الأولى : السيوطي في الأشباه والنظائر ...275

العبارة الثانية : تعريف ابن عَرَفَة للجعالة ...275

النكتة الأولى ...275

النكتة الثانية ...275

النكتة الثالثة ...276

النكتة الرابعة ...276

العبارة الثالثة : ما في نهاية المطلب في دراية المذهب ...276

العبارة الرابعة ما في الموسوعة الكويتية ...277

الفقرة الأولى ...277

النكتة الأولى ...278

النكتة الثانية ...278

النكتة الثالثة ...280

النكتة الرابعة ...280

النكتة الخامسة ...283

الفقرة الثانية ...284

الادعاء الأوّل: عدم شرعية الجعالة مطلقاً لوجود الغرر فيها ...284

الادّعاء الثاني : عدم شرعية الجعالة في الضرب الذي يكون العامل مجهولاً ... 285 الادعاء الثالث : شرعية الجعالة فيما إذا كان الجعل لأجل إعادة العبد الآبق ...285

الفقرة الثالثة ...286

الفقرة الرابعة ...290

النكتة الأولى ...290

النكتة الثانية ...290

النكتة الثالثة ...291

ص: 533

النكتة الرابعة ...292

الفقرة الخامسة ...292

النكتة الأولى ...293

النكتة الثانية ...293

الفقرة السادسة ...293

الفقرة السابعة ...294

الفصل الثالث : جهات السعة الموجودة في الجعالة ...296

الجهة الأولى : معلومية العمل ...297

الإشارة الأولى إلى : عدّة تصريحات في المقام ...297

الأوّل: الكيدري في إصباح الشيعة ...297

الثاني : المحقق في الشرائع ...297

الثالث : العلّامة في الإرشاد ...297

الرابع: العلامة في التبصرة ...297

الخامس : العلّامة في التحرير ...297

السادس: العلّامة في التذكرة ...298

السابع: الشهيد الأوّل في الدروس ...298

الثامن : الشهيد الأوّل في اللمعة ...298

التاسع : الشهيد الثاني في المسالك ...298

العاشر: السبزواري في كفاية الأحكام ...299

الإشارة الثانية إلى كلمات موهمة لاشتراط العلم في العمل ...299

الأولى : ابن حمزة في الوسيلة ...299

الثانية : ما قاله جلّ الفقهاء ...299

الثالثة : ما قاله المحقق الكركي ...300

الإشارة الثالثة إلى : دليل هذه السعة ...302

الإشارة الرابعة : السعة من حيث الجهل ...303

النكتة الأولى : كلام بعض الشافعية في المقام ...303

النكتة الثانية : كلام العلّامة في القواعد ...305

الجهة الثانية : معلومية العامل ...306

الإشارة الأولى إلى : جملة من كلمات الأصحاب المصرّحة بهذه الجهة ...306

الإشارة الثانية إلى : ما يوهم عدم وجود السعة في الجعالة ...309

ص: 534

الإشارة الثالثة : عدم تلائم هذه الجهة عقدية الجعالة ...312

الإشارة الرابعة: الأدلّة الدالة على هذه الجهة ...312

الجهة الثالثة: معلومية المدة ...315

الإشارة الأولى إلى : كلمات الأصحاب الدالة على وجود هذه السعة في الجعالة ...315

الإشارة الثانية إلى ما يوهم عدم وجود السعة في الجعالة من هذه الجهة ...318

الإشارة الثالثة إلى : الفرق بين جهل المدّة وجهل العمل في كلام الأصحاب 319

الإشارة الرابعة : عويصة الجمع بين المدة والعمل ...320

القدم الأوّل: كلام الشيخ الطوسي في بيان وجه عدم جواز الجمع

بین المدّة والعمل في الإجارة ...321

القدم الثاني : تصريح بعض المحققين بجواز ذلك في الجعالة

بخلاف الإجارة ...321

القدم الثالث : كلام الشهيد في اللمعة في كتاب الإجارة ...322

القدم الرابع كلام الشهيد الثاني في توضيح كلام الشهيد ...322

القدم الخامس : إشارة إلى أنه ليس البحث حول هذه المسألة مقصودنا ...323

القدم السادس : وجه جواز الجمع في الجعالة ...323

الإشارة الخامسة إلى ما يدلّ على وجود هذه السعة في الجعالة ...324

الجهة الرابعة : معلومية العوض ...325

الإشارة الأولى إلى : الأقوال في المسألة ...325

القول الأوّل: لزوم تعيين العوض بالضبط ...325

القول الثاني: كفاية تعيين العوض ...326

القول الثالث: عدم لزوم تعيين العوض مطلقاً ...327

الإشارة الثانية إلى : عويصة الرجوع إلى أجرة المثل ...328

الصنف الأوّل : العبارات التي ظاهرها صحة الجعالة في صورة

الرجوع إلى أجرة المثل ...329

الصنف الثاني : العبارات التي فيها تصريح ببطلان الجعالة في تلك الصورة .. 329

الصنف الثالث : العبارات الظاهرة في بطلان الجعالة ...330

الإشارة الثالثة إلى : وجه القول الأوّل ...333

الإشارة الرابعة إلى وجه القول الثاني ...336

الإشارة الخامسة إلى : وجه القول الثالث ...336

ص: 535

الإشارة السادسة إلى : المختار في المقام ...338

الجهة الخامسة : العقدية والإيقاعية ...339

الإشارة الأولى إلى : الأقوال في المقام ...339

القول الأوّل: عقدية الجعالة ...339

القول الثاني: إيقاعية الجعالة ...340

القول الثالث : تسبيبية الجعالة ...341

القول الرابع : سعة الجعالة بالنسبة إلى الإيقاعية والعقدية ...342

الإشارة الثانية إلى : وجه القول الأوّل ...342

الإشارة الثالثة إلى وجه القول الثاني ...345

الإشارة الرابعة إلى : وجه القول الثالث ...346

الإشارة الخامسة إلى وجه القول الرابع ...348

الإشارة السادسة إلى : ثمرة النزاع في المسألة ...351

القدم الأوّل: ما قاله الشهيد الثاني في المسالك ...351

القدم الثاني : ما قاله في مفتاح الكرامة ...352

القدم الثالث : الفائدة بين العقدية والإيقاعية ...352

القدم الرابع: جريان الثمرة بناءً على القول الثالث ...352

القدم الخامس : جريان الثمرة بناءً عليه ...353

الجهة السادسة : القبول اللفظي والفعلي ...353

الجهة السابعة وصف العامل من حيث الصبابة والجنون ...358

الإشارة الأولى إلى : اقتضاء القواعد العامة ...359

الإشارة الثانية إلى كلمات الأصحاب في المسألة ...359

الإشارة الثالثة إلى : وجه الجواز في الصبي والمجنون ...364

الجهة الثامنة : اللزوم والجواز ...368

الإشارة الأولى إلى : كلمات الأصحاب الصريحة في جواز الجعالة ........... 369

الإشارة الثانية إلى : دائرة الجواز من طرف العامل ...371

الإشارة الثالثة إلى : دائرة الجواز من ناحية الجاعل ...373

الإشارة الرابعة إلى : القول بلزوم الجعالة مطلقاً والاستدلال عليه ...378

الإشارة الخامسة إلى : مسألة الرجوع إلى العمل بعد الفسخ ...382

القدم الأوّل: كلام المحقق الثاني في المقام ...382

القدم الثاني : كلام صاحب المسالك في المقام ...382

ص: 536

القدم الثالث : كلام صاحب الجواهر في المقام ...383

القدم الرابع : ابتناء المسألة على العقدية والإيقاعية ...383

القدم الخامس : المختار في المقام ...384

الإشارة السابعة إلى سعة الجعالة من حيث اللزوم والجواز ...384

الجهة التاسعة : نوع العمل ...386

الإشارة الأولى: تصريحات الأصحاب بوجود هذه السعة في الجعالة ...386

الإشارة الثانية إلى : الثمرة بين العملين ...388

الإشارة الثالثة : هل قصد إتمام العمل في الجعالة يؤثر

في استحقاق العامل أم لا ...389

الجهة العاشرة : مالكية الجاعل ...396

الإشارة الأولى إلى : كلمات الأصحاب الصريحة في وجود هذه السعة في الجعالة ...396

الإشارة الثانية إلى : النفع الداخلي والنفع الخارجي ...397

الإشارة الثالثة : هل هذه الجهة ثابتة من جهة الاغتفار في الجعالة

أو تكون على وفق القاعدة ...399

الإشارة الرابعة إلى : وجه هذه الجهة ...400

الجهة الحادية عشر: نشأة الجعل من داخل العمل أو خارجه ...402

الجهة الثانية عشر : قصد العامل للأجر ...404

الفرع الأوّل ...405

الفرع الثاني ...405

الفرع الثالث ...407

الفرع الرابع ...408

الفرع الخامس ...413

الفصل الرابع نسبة الجعالة العقدية والبيع ...420

الفصل الخامس : نسبة الجعالة والشركة ...422

الأولى : سعتها من جهة وجود رأس مال في البين وعدمه ...423

الضرب الأوّل ...423

الضرب الثاني ...423

الثانية: سعتها من جهة وجود قصد المشاركة وعدمه ...423

الضرب الأوّل ...423

ص: 537

الضرب الثاني ...424

الثالثة: سعتها من جهة كون العوض ناشئاً من محلّ العمل وعدمه ...424

الفصل السادس : نسبة الجعالة وعقد المقاولة ...425

القدم الأوّل: تعريف المقاولة ...425

القدم الثاني: العنصران الأصليان في المقاولة ...425

القدم الثالث : انفصال عقد المقاولة عن عقدين ...425

القدم الرابع : الميز بين عقد المقاولة وعقد العمل في كلام السنهوري ...426

القدم الخامس بيان المختار في المقام ...426

القدم السادس : تعليقة على كلام بعض الحقوقيين ...426

المقصد السادس : الإنارة لأضرب عقد الإجارة ...429

الفصل الأوّل: أضرب الإجارة في كلمات الفقهاء ...431

النظر الأوّل إلى : المقنعة ...431

النكتة الأولى ....431

النكتة الثانية ...433

النكتة الثالثة ...433

النكتة الرابعة ...433

النظر الثاني إلى الكافي في الفقه ...434

الضرب الأوّل : إجارة الرباع والأرض ...434

الضرب الثاني : إجارة الدابة والسفينة ...434

الضرب الثالث: استيجار الغير ليعمل عملاً أو يحمل شيئاً ...434

النظر الثالث إلى : المراسم ...435

النكتة الأولى ...435

النكتة الثانية ...436

النظر الرابع إلى : كتب الشيخ الطوسي ...437

الركن الأوّل : العين ...438

الركن الثاني : منفعة العين ...438

الركن الثالث : الأجر ...438

النظر الخامس إلى الوسيلة ...441

الفقرة الأولى ...441

النكتة الأولى ...441

ص: 538

النكتة الثانية ...442

الفقرة الثانية ...442

النظر السادس إلى : فقه القرآن للراوندي ...443

المرحلة الأولى ...443

المرحلة الثانية ...444

النظر السابع إلى : غنية النزوع ...447

النكتة الأولى ...447

النكتة الثانية ...447

النكتة الثالثة ...448

النظر الثامن : إصباح الشيعة ...455

النظر التاسع : كشف الرموز ...456

الفصل الثاني : تعريف الإجارة في كلمات الأصحاب ...459

القدم الأوّل: بحث تاريخي ...460

القدم الثاني : الإشكال على جعل التمليك هو التعريف للإجاره ...462

القدم الثالث : الإشكال على جعل التمليك ثمرة للإجاره ...464

القدم الرابع : الإشكال على جعل الإجارة هي العقد على تمليك المنفعة ...465

القدم الخامس : تجميع التعاريف وتوجيهها ...466

خاتمة الفصل الثاني ...470

الفصل الثالث : الفرق بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع ...471

الإشارة الأولى ما ذكره القرافي في الفروق ...471

الإشارة الثانية : ما قاله المحقق الامامي الخوانساري

في حاشيته الثانية على المكاسب ...472

الإشارة الثالثة : إلى ما قاله السيد الحائري في فقه العقود ...473

الفصل الرابع: ما يدلّ على استحالة كون الإجارة من قبيل تمليك المنفعة .... 474

الإشكال الأوّل : معدومية المنفعة العقد ...474

القدم الأوّل : كلام الفاضل المقداد في بيان الإشكال ...474

القدم الثاني : جواب الفاضل المقداد عن الإشكال ...475

القدم الثالث : جواب المحقق الاصفهاني ...476

القدم الرابع : الفرق بين جواب الفاضل المقداد والمحقق الاصفهاني ...476

الإشكال الثاني : كون السكنى من أعراض الساكن ...477

ص: 539

القدم الأوّل: تقرير الإشكال ...477

القدم الثاني : الجواب الأوّل ...478

القدم الثالث: الجواب الثاني ...479

القدم الرابع: الفرق بين الجواب الأول والثاني ...479

القدم الخامس : جوابنا عن الإشكال ...480

القدم السادس : سؤال وجواب ...481

القدم السابع : سؤال آخر وجوابه ...481

القدم الثامن : خلاصة الإشكال ولبّ الجواب ...481

الإشكال الثالث : تمليك المنفعة في الأجير المطلق ...482

القدم الأوّل: كلام المحقق الكركي في بيان الإشكال ...482

القدم الثاني : توضيح اصطلاح الأجير المطلق ...482

القدم الثالث: توضيح الإشكال ...483

القدم الرابع: جواب المحقق الكركي عن الإشكال ...483

القدم الخامس : الإبهام في كلام المحقق الكركي ...483

القدم السادس : جهد للوصول إلى جواب ...484

القدم السابع : بقي هنا شيء ...485

القدم الثامن: جواب آخر ...485

القدم التاسع : هذا كله فيما إذا لوحظ العمل مقابلاً للمال لا النتيجة ...486

الإشكال الرابع: عمل الحرّ ليس مالاً مملوكاً ...486

القدم الأوّل: بيان الإشكال في ضمن قياس ...486

القدم الثاني : طريق الجواب عن الإشكال الرابع ...487

القدم الثالث: الجواب عن الإشكال بالذهاب إلى كون عمل الحرّ مالاً ...488

العبارة الأولى : ما قاله المحقق الخراساني ...488

العبارة الثانية ما قاله الإمام الخميني ...488

العبارة الثالثة: ما قاله المحقق المروّج ...489

خاتمة الفصل الرابع ...489

المصادر والمراجع ...491

ص: 540

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.