تجربتي مع الامام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

هوية الکتاب

تجربتي مع الامام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

الدكتور عصام العماد

نشر الرافد / 1000 نسخة

1435 ه- - 2014م

ISBN:9786005688887

ص: 1

اشاره

الدكتور عصام العماد

تجْرِبتي مَعَ

لطبعة الأولى

النهج الصحيح في عرضْ حَقِيقَة غَيَّبة الإمام الريري عَلَى الرقابيين

تجْرِيَيَ مَعَ

الامام محمد بن الحسن العسکري علیه السلام

ص: 2

تجربتي مع الامام محمد بن الحسن العسکري علیه السلام

النهج الصحيح في عَرَضَ حَقِيقَة غَيَّبة الإمام المهدي عَلَى الوهابین

الدكتور عصام العماد

ص: 3

تجربتي مع الامام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

الدكتور عصام العماد

نشر الرافد / 1000 نسخة

1435 ه- - 2014م

ISBN:9786005688887

جميع الحقوق مسجلة ومحفوظة *

ص: 4

الأهداءُ

إلى روح الإمام العظيم الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي القحطاني اول من غرس في نفسي حقيقة مهدوية وحقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وقد أقام هاتين الحقيقتين الكبيرتين على أسس نقلية ،وعقلية وكان له من اسلوبه الفريد، وذهنه الواعي ما يوفق به بين هذا وذاك، في وقت مبكر، شديد التبكير. إلى روح ذلك الإمام العظيم الذي له الفضل علي وله الشكر والمنة. أهدي هذا الكتاب.

الصالح العماد

ص: 5

ص: 6

المقدمة

الحمد لله الذي جعل لكل زمان رجالا يحفظون الملة، ويذودون عن حياضها ويذبون عن حريمها، يردّون على أهل الزيغ والعناد زيغهم، ويبصرون الناس بشريعة ربّهم، وأحكام دينهم، ويدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، ويحيون بكتابه الموتى، فهم أحسن الناس هدياً، وأقومهم قيلاً، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، ومن ضال جاهل لا يعلم طريق رشده قد هدوه - عبارة مقتطفة من كتب كثيرة من كتابات ابن القيم الجوزية واصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه المنتجبين.

إن الذي يكتب هذا الكتاب قضى - والله الحمد والمنة - في الصحبة الواعية والدراسة الدقيقة حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام سنوات من عمره، يجول في جنبات الأحاديث النبوية المرتبطة به ويبحث عن الأقوال التي تتعلق به من قبل كل الشخصيات في شتى القرون، ويقرأ في الوقت ذاته كل ما نقل عن أهل البيت حول هذا الإمام العظيم - في كتب أهل السنة وفي كتب الشيعة .. ثم يقارن في نفس الوقت بين صورة هذا الإمام العظيم في النموذج الوهابي وبين صورته كما رسمها أهل البيت ثم يقارن بين الصورتين في الاحاديث النبوية حول ذلك الإمام العظيم ويرى محاولة النموذج الوهابي في

ص: 7

تصوير شخصية ذلك الإمام العظيم بعيدة كل البعد عن تصوير النبي لهذه الشخصية العظيمة.. ويرى ذلك الفيض النبوي الغامر الواسع في وصف ذلك الإمام العظيم، وإلى جانبه تلك البحيرات المنعزلة، وتلك النقر الصغيرة - في ذلك النموذج الوهابي - التي عجزت عن معرفة كنه وحقيقة هذا الإمام العظيم.

وهذا الكتاب يتضمن خلاصة آراء حول تجربتي الفكرية مع مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، حاولت - جاهدا - أن أصل من خلالها إلى الصراط المستقيم حول تلك الشخصية العظيمة، وأن اشرح ما وصلت حول هذه الحقيقة لأقربائي ولأخواني الوهابيين عسى أن يكون لهم في تجربتي مع هذا الإمام العظيم ما يأخذونه أو يكون لهم فيها مصدر للتأمل والتفكير.

لقد أدركت بأن مسألة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ليست كما سرنا عليها في بحثنا عن هذه المسألة في معهد صنعاء العلمي أو في جامعة الإمام محمد بن سعود، حيث كنا نسخر من قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام قبل أن ندرك ونتأمل في الاحاديث النبوية حول هذه الشخصية العظيمة، وادركت أن المسألة - في مهدوية وغيبة هذه الشخصية العظيمة - ليست هي السخرية في من يرى أن هذا الإمام العظيم يعيش منذ اكثر من ألف سنة، إنما المسألة اولا - قبل كل شيء - بالبحث عن الأحاديث النبوية حول

ص: 8

حقيقة هذه الشخصية الفريدة.

ولقد عيّرني بسبب إيماني بمهدوية وغيبة هذه الشخصية العظيمة اقربائي واصدقائي، وعيّرني البعض من زملائي من مشايخ وعلماء الوهابية ومن أبناء العلماء، ونشروا يهاجموني في أكثر من مقالة يصفوني بالسذاجة والضلال.. وتهجموا عليّ لأني اعتقدت بمهدوية وغيبة هذا الإمام العظيم.. وهي عقيدة منبثقة من الأحاديث النبوية وكافحت للبحث حولها، وتناسى هؤلاء أن اولياء الله وعباده الصالحين لا يحكمون على عباد الله إلا بعد استماع حجتهم ودليلهم.. إن هؤلاء يرون بأن الواجب كان يقضي علي أن اقلد شيخ الإسلام ابن تيمية في مقالاته عن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

لقد كنت أعتقد أيام دراستي في معهد صنعاء وفي جامعة الإمام محمد بن سعود بسبب تأثير النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - أن فكرة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هي فكرة يهودية أو مجوسية لا أساس لها في الإسلام ولكنني بعد أن بحثت عنها بحثاً عميقاً وتابعت التحقيق والتنقيب حولها أعتقد الآن أنها تأتي في ضمن المسائل الأساسية والحقائق الرئيسية في الإسلام وقد كان هذا البحث ثمرة قراءتي و تحقيقي حول هذه الشخصية العظيمة.

واشهد أني ادركت بعد التحقيق في قضية مهدوية وغيبة هذا الإمام

ص: 9

العظيم أن الحاجة إلى الإيمان ب- قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هي حاجة العقل والقلب، وحاجة الحياة والواقع وحاجة الأمة المسلمة والبشرية كلها على السواء؛ لأن هذه الشخصية العظيمة هي حلقة الوصل بين الأرض والسماء، بعد انقطاع الوحي من السماء، وبعد أن خُتمت أنوار الأنبياء.. ومن ثَم كان الإيمان بمهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من أهم الخصائص التي تميز المذهب الاثني عشري عن سائر المذاهب الإسلامية الأخرى ومن أهم

الاسباب التي قادتني إلى ترك الوهابية والدخول في الاثني عشرية.

وقد حاولنا رسم هذه الشخصية العظيمة للجماعة الوهابية بصورة جديدة لعلهم يعذرون إخوانهم بسبب إيمانهم بمهدوية وغيبة هذه الشخصية الفريدة.

ويستطيع الإنسان - وهو واثق - أن يقول: إن عقيدة الاثني عشرية بحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حقيقة أساسية وضرورية، أخبر عنها الرسول الأعظم قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائتين وخمسين عاماً، وآمنت بهذه الحقيقة جماعة من المسلمين قبل تحققها، ودونت أحاديث الرسول الأكرم وجمعتها في كتب الحديث، بل أفردت كتباً مستقلة حديثية جمعت الأحاديث الصحيحة حول حقيقة مهدوية وغيبة هذه الشخصية العظيمة، إلى أن تحققت بعد أكثر من مائتي عام مضامين ومحتويات تلك الأحاديث

ص: 10

الصحيحة في عالم الواقع، ولمسها الناس بأنفسهم.

وأخيراً فأن هذا البحث يشرح تجربتي مع حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. كما أنه كتاب يخاطب الوهابيين..

( وقَدْ جَاءَكُم بَصَابِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَنِى فَعَلَيْهَا ﴾ (1)

وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

وأسأله - تعالى - أن ينفع بهذا الكتاب

والله الموفق والهادي والمعين

عصام علي يحيى العماد

صنعاء - 1413ه-

ص: 11


1- سورة الأنعام الآية 104

ص: 12

تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

لمعهد صنعاء العلمي أثر في تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ومع حقيقة مهدويته وغيبته لا أستطيع حصره وتحديده، فلابد من كلمة عابرة عنه.

من المسلَّم به عند سكان اليمن أن السعودية هي الحامية لذلك المعهد، فبرامجه تعتمد برامج المعاهد العلمية السعودية، والآن انبثق من معاهد اليمن والسعودية جامعة الإمام محمد بن سعود.

ها أنا في معهد صنعاء العلمي، لكم سمعت عنه، ولكم غبطت الذين أسعدهم الحظ بالدراسة فيه، ولأول مرة اسكن في معهد داخلي ابعدني عن أهلي.

كان نسيبنا الشيخ أحمد محرم مدير معهدنا الدراسي والداخلي حسن التدبير.

هنا في هذا المعهد سوف يتحقق ما تطلعت إليه من معرفة العقيدة الصحيحة لابن تيمية وابن عبد الوهاب.

فالشعور العميق الذي حملته منذ طفولتي نحو عقيدة هذين الشيخين أخذ يزداد عمقاً في هذا المعهد.

ولكم وجدتني في ساحة المعهد، أنسلخ بغتة عن رفاقي، إذ أتخيل

ص: 13

ابن تيمية وابن عبد الوهاب في ساحة الدرس يعلمان التلاميذ ما نقرأه الآن.

لقد كنت مؤمناً كما أرادني المعهد أن أؤمن. فما كان يخامرني اقل الشك في الإيمان بعقيدة الشيخين.

هكذا آمنت بهما هاديين ومرشدين، فما إن وجدتني في المعهد الذي انبثق من هديهما ؛ حتى راح يستهويني أن اقرأ كل ما يتصل بهما من كتب، وكنت أقول في نفسي من نعمة الله عليّ أنني ادرس في معهد تدرّس فيه دروس المعاهد العلمية في السعودية ؛ لأن معهدنا هو فرغ منها.

وفي ذلك المعهد تكونت عقيدتي السلفية - كما كنت اطلق عليها سابقاً اما الآن فلا اسميها إلا الوهابية - حول حقيقة غيبة الإمام المهدي [ الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وهي الثوب الذي فصله المعهد لي، فلبثت متمسكاً بها أيام صباي وأول شبابي، ورحت أطرحها على أقربائي واصدقائي وتلاميذي.

في بداية سنة 1987م ودعت معهد صنعاء العلمي، وفي قلبي فرحة وفي عقلي موضوعات ومعتقدات ورؤى لم تكن هنالك من قبل.

إنها دراسة دامت سنوات حصلت فيها على ثانوية في القسم الشرعي، ودرست فيه عند عمالقة السلفية - كما كنت اسميهم - من العلماء الذين نهلت من علومهم.

ص: 14

لن انسى عبد الرزاق الشاحذي وأحمد السلامة وغيرهما من مشايخي في المعهد، ولن انسى عبد الله الوضاف ومحمد إسماعيل العمراني وعبد الوهاب الديلمي وعبد المجيد الزنداني وحسن الحكيمي وعمر طرموم وعمي عبد الرحمن العماد من الذين استفدت من علمهم وتوجيههم خارج المعهد، ولا انسى أن اذكر بأن اكثر من غرس في نفسي حب ابن تيمية هو شيخي محمد بن اسماعيل العمراني. ولولا المعهد لما كنت بعد شهرين من توديعه اعلم العلوم الشرعية في معهد روحان العلمي، واخطب الجمعة في جامعها السلفي، وفي جامع الإسطى وجامع باب القاع في صنعاء، ولولا المعهد لما كنت مع جماعة - منهم الشيخ سفرجلة مؤذن الجامع الكبير في صنعاء – نواجه الرافضة الجارودية ونحاربهم في ذلك الجامع الكبير.

مضت سنة من توديع المعهد، وجاء يوم سفري إلى الرياض لأجل الدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود.

وصلت إلى الرياض سنة ،1988م، واستقبلني عادل العماد ابن عمي وزميلي - درست معه عند الشيخ السلفي عبد الله الوضاف - وسكنت في الدرعية التي سمعت عنها منذ طفولتي، وقد انطلقت منها دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب.

وقفت في الدرعية ونفسي تتقاذفها الذكريات والإنفعالات، ففي أرضها، وفي جدرانها وسقفها أرتفع صوت محمد عبد الوهاب، ومن

ص: 15

صوته ولد التوحيد من جديد، بعد أن ساد الشرك والشركيات كل العالم الإسلامي.

من معلوماتي منذ أن كنت صبياً، بأنها رفيقة مكة والمدينة في نشر التوحيد، وهي تفاخر فبفضلها نشأت المعاهد العلمية في السعودية واليمن وفي بعض مناطق العالم. ومن أكبر مفاخرها أن كل دعاة التوحيد - منذ اكثر من قرنين - في السعودية وسواها من البلدان تعلموا التوحيد من رجل سكن فيها.

وقفت في درعية محمد عبد الوهاب الذي علمني توحيد الله سبحانه وتعالى - وكيف لي أن لا أشعر بالسعادة وانا في الدرعية.

علّمني ساكن الدرعية «محمد عبد الوهاب» معتقدات ،وموضوعات لولاها لما أدركت الفرق بين المشركين والموحدين. ولعشت حياتي مشركاً بالله من حيث لا أدري

نحن في مكة بالقرب من الحرم المكي هنالك مسجد يلقي فيه شيخنا مفتي السعودية عبد العزيز بن باز دروساً عامة، كنت مقيداً بحضور بعضها، فطالما سمعت وقرأت عنه، وآن الآوان أن أروي عيني بالنظر إلى هذا الشيخ الجليل، وأشبع عقلي من علمه الوفير.

لقد كنا نسمع من مشايخنا في معهد صنعاء العلمي بأنه من أعظم حماة معهدنا.

إن الذي يكتب هذا الكتاب إنسان عاش فترة طويلة من حياته

ص: 16

كانت عقيدته في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وعقيدته في قضية غيبته منبثقة من دراسته في معهد صنعاء وفي جامعة الإمام محمد بن سعود.. ثم انتقل إلى المذهب الإثنى عشري، فإذا هو يجد كل ما عرفه عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وعرفه عن قضية غيبته ضئيلاً ضئيلاً، إلى جانب حقيقة هذا الإمام العظيم وحقيقة غيبته، وما هو نادم على ما قضى في تلك المعرفة الضئيلة من عمره. فإنما عرف النموذج الوهابي في مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام على حقيقته، وعلى انحرافه، وعلى غروره وادعائه بأنه يمثل كلمة الإسلام الوحيدة في الحكم على الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام والحكم على مهدويته وغيبته كذلك، وعلم علم اليقين أن ذلك الحكم على ذلك الإمام العظيم وعلى مهدويته وغيبته لا يمكن أن يكون ممثلاً للإسلام.. علم ذلك من خلال دراسة طويلة حول حقيقة مهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم.

لقد سمعت عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وعن اعتقاد الاثني عشرية بمهدويته وغيبته حينما كنت ادرس في معهد صنعاء ثم سمعت عنها في جامعة الإمام محمد بن سعود.. ولكن في تلك الفترة كانت نظرة ابن تيمية حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام مهيمنة على مخيلتي.

لقد طبع النموذج الوهابي عن ذلك الإمام العظيم في حسّي - منذ

ص: 17

زمن مبكر في حياتي - صورة نمطية غريبة عن حقيقة ومهدويته وغيبته وكنا نعدهما قضيتين مكذوبتين مخترعتين.

ومن ذكريات فترة دراستي في المعهد التي لا تزال ماثلة في ذهني أننا كنا نجتمع لنتحدث عن الإمام محمد بن العسكري علیه السلام ونصفه بالمعدوم، وبصاحب السرداب الذي اختفى وغاب منذ اكثر من الف سنة ولم يعد ونجزم بعدم ولادته ونسخر من قضية مهدويته ومن قضية غيبته، ونجزم بأن مهدي آخر الزمان هو غير الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، ونصرح بأنه حصل من اعتقاد الاثني عشرية بوجود محمد بن الحسن العسكري علیه السلام واعتقادهم بمهدويته وبغيبته من الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وكنا نقول بأن والده الحسن العسكري علیه السلام لم يكن له نسل ولا عقب بشهادة أهل العلم بالأنساب والتاريخ.

كانت تلك ذكرياتي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في تلك الفترة، وبعد فترة طويلة حصلت على كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية وعلمت بأن ذلك النموذج الوهابي المغ-روس في مخيلتي عن ذلك الإمام العظيم وتلك الصورة النمطية التي انطبعت في ذهني عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ما هي إلا فقرات وعبارات من كتاب منهاج السنة النبوية من تأليف ابن تيمية، فازداد يقيني في إنكار مهدويته وغيبته ؛ لأن مقالات واعتقادات شيخ الإسلام ابن تيمية

هي المهيمنة علي في تلك الفترة.

ص: 18

واعترف بصراحة أن معرفتى بالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبحقيقة مهدويته وغيبته هي اكبر المنن التي أنعم الله عليّ في كل حياتي الفكرية، إنها اكبر من منة الوجود الذي منحه الله ابتداءً لي وسائر ما يتعلق بالوجود من آلاء الرزق والصحة والحياة والمتاع التي وهبني اياها.

إن تحديد النموذج الوهابي في حقيقة الإمام محمد بن العسكري علیه السلام وفي حقيقة مهدويته وفي حقيقة غيبته.. مسألة ضرورية ؛ لأنه لا يمكن معرفة حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وحقيقة مهدويته وحقيقة غيبته، ومعرفة مقومات هذا الإمام العظيم التي يتألف منها ،قوامه ويقوم عليها كيانه، ومعرفة خصائصه التي تتميز بها ملامحه، وتنفرد بها شخصيته إلا عند المقارنة بين النموذج الوهابي في حقيقة ذلك الإمام وبين حقيقة هذا الإمام الواقعية والتاريخية المشهودة، فلا يعرف الحق إلا من عرف الباطل. وضرورية لأنه من خلال معرفة ذلك النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام سوف نتعرف على البنية التحتية الداخلية لهذا النموذج المتمثلة بمقولات ابن تيمية في كتابه منهاج السنة حول ذلك الإمام العظيم.

وضرورية لأننا لن ندرك - من خلال تجربتي مع الوهابية - القضايا الاساسية التي يثيرها علماء الوهابية حول قضية الإمام المهدي إلا إذا ادركنا ذلك النموذج الوهابي حول حقيقة الإمام محمد بن الحسن

ص: 19

العسكري علیه السلام ، فليست القضايا الاساسية - التي تعلمناها في المعهد والجامعة - الا فرعاً من ذلك النموذج الذي ترجع إليه كل تلك القضايا الاساسية مع اعترافي بأنني لم اكن أدرك بنية ذلك النموذج وبأنه ابتنى على مقولات ابن تيمية حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، لأن النموذج الوهابي الذي تعلمناه في معهد صنعاء وفي جامعة الإمام محمد بن سعود حين يتولى الكلام حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام لم يكن يتبين ويتضح لنا بأن ذلك الكلام منبثق من مقولات ابن تيمية. بل كنا نتصور بأن تلك المقولات هي مقولات كل سلف أهل السنة والجماعة، ولكن في مرحلة متأخرة من حياتي الفكرية تبين لي أن بنية تلك المقولات - أي النموذج الكامن فيها - هي فقط مقولات ابن تيمية، ولقد تبين لي كذلك بأننا حين كنا نطرح قضية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وما نثير حوله من اقوال عديدة ومختلفة، لم نكن نطرح تلك الاقوال المتعددة والمختلفة جزافاً، ولم نكن نتناولها أجزاءً وتفاريقاً، بل كان لها نموذج ؛ يرد إليه كافة الأقوال، وترجع إليه عقيدتنا في الإمام محمد الحسن بن العسكري علیه السلام ، ولكن - مما يؤسف له - أن الجماعة الوهابية لا تعلم ولا تدرك حين تطرح النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بأن البنية الداخلية لذلك النموذج ترجع إلى مقالات ابن تيمية بل تتصوّر هذه الجماعة بأن بنية ذلك النموذج ترجع إلى السلف الصالح .. ومن هنا لابد من معرفة هذا

ص: 20

النموذج الوهابي المرسوم حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وكذلك معرفة البنية الداخلية لذلك النموذج - أي مقولات ابن تيمية - حتى ييسر للباحث عن الحق فهم أصول وقواعد العقيدة الوهابية في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، ويسهل عليه أن يرد تلك العقيدة إلى ذلك النموذج ، وأن يرد هذا النموذج إلى بنيته الداخلية، وأن يدرك بدقة عالية خطوط العقيدة الوهابية في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام التي تصرّ اصراراً عجيباً على انكار مهدويته ،وغيبته، ويلحظ أنها متصلة بذلك النموذج لا تنفصل عنه، ولا تقول قولاً إلا وهو منبثق عنه ومتولّد منه.

وضرورية لأن الكثير من المسلمين لا يميزون بين مقولات الوهابية في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبين البنية الداخلية لتلك المقولات - أي النموذج الداخلي الكامن فيها – وهي مقولات ابن تيمية

وضرورية لأن نفس هذه النموذج الفكري الوهابي المرسوم حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام قد تحوّل من نموذج فكري إلى نموذج تفسيري وإلى اداة تحليلية لجميع الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي، وذلك النموذج الفكري حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام قد اصبح نموذجاً [منهجاً] تحليلياً وتفسيرياً، فصار ذلك النموذج الفكري هو نفس النموذج [المنهج التحليلي التفسيري

ص: 21

لقد صار هذا النموذج الفكري يتضمن في تركيبه الذاتي وسيلته الخاصة ونموذجه الخاص ومنهجه الخاص في تفسير وتحليل جميع تلك الاحاديث النبوية في الإمام المهدي، ومن ثم فذلك النموذج الفكري الوهابي ليس بحاجة إلى نموذج [ منهج تحليلي وتفسيري لتلك الأحاديث النبوية في الإمام المهدي من خارج ذاته، وسوف ابين ذلك حين ابين كيف قام ذلك النموذج الفكري الوهابي حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بخلق نموذجاً [منهجاً] خاصاً يقوم بطريقة ذاتية وآلية بتحليل وتفسير جميع الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي من خلال نموذجه الفكري عن ذلك الإمام العظيم الذي يعد هذا النموذج التفسيري والتحليلي جزء من ذات ذلك النموذج الفكري.

إننا لم نذكر بأن النموذج [المنهج] التحليلي التفسيري حول احاديث الإمام المهدي يدخل ضمن التركيب الذاتى للنموذج الفكري الوهابي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، إلا لأن الباحثين عن الحق من الوهابيين يتصورون بأن النموذج [المنهج] الوهابي التحليلي والتفسيري للاحاديث النبوية حول الإمام المهدي منفصل عن النموذج الفكري المرسوم عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، ولا يدركون بأن النموذج الفكري الوهابي المرسوم عن شخصية ذلك الإمام العظيم قد تحوّل إلى نموذج تحليلي وتفسيري لأحاديث النبي في الإمام المهدي، وإلا لأن الباحثين عن الحق من

ص: 22

الوهابيين لا يدركون أن الخصائص التي يطرحها مشايخ الوهابية عن الإمام المهدي - التي تعلمناها في معهد صنعاء وفي جامعة الإمام محمد بن سعود - ما هي إلا فرع من النموذج الفكري الوهابي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وأصبحوا بحاجة إلى من يلفتهم إلى ذلك. ومن ثم ارجو من اخواني الوهابيين أن يتأملوا في خصائص الإمام المهدي المقررة في العقيدة الوهابية – التي سأذكرها في هذا الكتاب - باعتبارها فرع من ذلك الاصل، ولابد عليهم تملّي وتأمل تلك الخصائص فلا يتخطوها حتى لو كانوا ممن يعرفونها من قبل ؛ لأنها في هذا الكتاب تمثل شيئاً آخر.. إنها تمثل كيف يهيمن النموذج الفكري الوهابي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام على الإنسان الوهابي، حين يفسر ويحلل تلك الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي... وفي الحقيقة بأنني لم اتمكن من فهم احاديث النبي في الإمام المهدي الا بعد أن تحررت من ذلك النموذج الفكري الوهابي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وضرورية لأن تجربتي مع ذلك النموذج الفكري الوهابي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام اثبتت لي بأن ذلك النموذج الفكري قد جعلنا نتعامل مع ذلك الإمام العظيم بطريقة ذات طابع خاص متميز ومنفصل عن الجمع الكبير للإمة الإسلامية. وبالتالي فهو نموذج

ص: 23

فكري في الوقت ذاته يعزلنا بشكل تدريجي ومتصاعد عن ساير المسلمين الذين لا ينتمون لهذا النموذج الفكري، ولقد جعلنا ذلك النموذج الفكري - حينما كنت في معهد صنعاء العلمي وفي جامعة الإمام محمد بن سعود - نلعن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ونتبرأ أننا نعتقد بأنه اسطورة وخرافة من اختراع الرافضة ولا وجود له في الواقع الخارجي المشهود ولا علقة له بالمهدي الموعود في آخر الزمان، وكذلك جعلنا ذلك النموذج الفكري نعتقد بأن من يعتقد بمهدويته وغيبته وبوجوده في الواقع الخارجي المشهود فهولا ينتمي إلى الأمة الإسلامية. لقد تم اختزال الأمة الإسلامية عندنا في قالب جماعتنا الوهابية، وجعلنا ذلك النموذج الفكري نشعر ونتحدث بذلك الشعور بأن من اتبع جماعتنا في نموذجها الفكري الخاص حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام فهو مسلم ومن خالفنا فيه فهو غير مسلم، وبهذا الشعور المستمد مباشرة من ذلك النموذج الفكري في ذلك الإمام العظيم تكيفت جماعتنا تكيفت ذلك التكيف الخطير الذي حصرها في الدائرة الصغيرة لتلك الجماعة وفصلها عن الدائرة الكبيرة لهذه الأمة الإسلامية. فصارت لها رؤيتها الشاذة للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام التي سنذكرها كلما تقدم بنا البحث، خالفت في تلك الرؤية الأمة الإسلامية من أهل السنة ومن الاثني عشرية، وكانت أخطر ظاهرة منذ أن تشكل نموذجنا الفكري عن شخصية الإمام محمد بن

ص: 24

الحسن العسكري علیه السلام : ظاهرة السخرية والتحقير والتكبر والتعالي على كل من يعتقد أوكل من يقول من علماء الأمة الإسلامية بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو نفس الإمام المهدي الذي بشر به النبي في آخر الزمان ؛ حتى جعلنا ذلك النموذج الفكري نعيش في برج عاجي، ومن يخالفنا في هذا النموذج الفكري من الأمة الإسلامية يعيش في مكان آخر، واصبح من الصعوبة علينا التعايش والتسامح مع من يعتقد من علماء الأمة الإسلامية بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو الإمام المهدي بل اصبحنا نتصوّر بأن القول بأن الإمام المهدي هو الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هي مؤامرة كبرى تحاك ضد الإسلام، بل أن هذا النموذج الفكري هو الذي جعلنا نفسر احاديث النبي في الإمام المهدي تفسيراً بعيداً وغريباً عن معانيها اللغوية وغريباً عن منهج التعامل مع النصوص كما في علم أصول الفقه.. خوفاً من أن تنطبق تلك الاحاديث النبوية على الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الذي نحمل له الكراهية والعداء الشديدين.

وعلى أي حال فقد جاء هذا الكتاب الذي نقدمه اليوم ما يبين لهذه الجماعة الوهابية خطأ نموذجها الفكري الذي رسمته عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وينقذ هذه الجماعة من التأويلات المتعسفة والمزخرفة للاحاديث النبوية في الإمام المهدي المنبثقة من كراهيتها الشديدة للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

ص: 25

واريد - هنا - أن اشير بأنه لم يكن من الممكن لي في طفولتي التمييز بين البنية الداخلية للنموذج الفكري الوهابي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وهي مقولات ابن تيمية عن تلك الشخصية وبين عناصر وجذور تكوين ذلك النموذج الفكري الوهابي عن تلك الشخصية في مخيلتي - أي العناصر المرتبطة بحياتي الشخصية كدراستي في المعهد وفي جامعة الإمام محمد بن سعود - مع أن هنالك فرق بينهما لأن بنية النموذج الفكري الوهابي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هي بنية قديمة ساكنة في كتب ابن تيمية منذ قرون عديدة، أما عناصر تكوين ذلك النموذج الفكري الوهابي في مخيلتي فهي استقرت في ذهني بسبب ظروفي الشخصية ودراستي في المعهد والجامعة، ولابد من معرفة العلاقة بين الواحد والآخر.

ونحن نكرر الشرح والتوضيح لأننا لا نبغي انشاء كتاباً غامضاً غائماً عن ذلك الإمام العظيم لا يستفيد منه إلا القليل، كما أننا لا نهدف من الكتابة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام مجرد المعرفة الباردة التي تستخدم الكلمات الغائمة.. إنما نحن نبتغي المعرفة الحارة بالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. ونبتغي الحركة من وراء المعرفة.. نبتغي أن تستحيل المعرفة به قوة دافعة لهداية غير المهتدين إلى ذلك الإمام العظيم، لأجل ذلك اسعى لطرح قصة هدايتي إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام لعلها تستنقذ بعض اقربائي وبعض اصدقائي التائهين.

ص: 26

ومن ثم فطرح تجربتي الشخصية الفردية مع النموذج الفكري الوهابي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو محاولة لدعوة البعض إلى إتباع الحق والحقيقة ومحاولة لدعوة البعض إلى الاعتبار بتجربة أحد الضائعين.

وبناء على ما ذكرت فقد تعمدت أن اطلق في هذا الكتاب - لأوّل مرة في تاريخ الكتابة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام – مصطلح نموذج عند ذكر الفكرة الوهابية عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، مع علمي القطعي بأنه لم يطلق على تلك الفكرة الوهابية عن تلك الشخصية - ذلك المصطلح - أحد في كتاب آخر ؛ لأنني أريد من استخدامي لذلك المصطلح الخاص بهذا الكتاب أن يدرك بعض اقربائي واصدقائي من الوهابيين المخلصين مدى هيمنة الفكرة الوهابية المرسومة عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام على مخيلتهم ،واذهانهم، وحتى يتضح لهم عمق سيطرة تلك الفكرة الوهابية عن تلك الشخصية لابد لنا - الآن - من تعريف مصطلح النموذج الذي طالما تكرر في هذا الكتاب في إطار هذه العبارة:

[النموذج الفكري الوهابي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ]. وقصدي ومرادي من هذا المصطلح

هو رؤية تصورية أو خريطة معرفية تتكون في عقل الإنسان - بشكل واع أو غير واع - من الأحداث التي تقع له أو من اشخاص

ص: 27

يلتقي بهم، أو من الدراسات التي يقرؤها. ثم مع مرور الزمان يتصوّر الإنسان بأن العناصر والبذور والجذور المختلفة التي تكون ذلك النموذج أو هذه الخريطة المعرفية أو تلك الصورة المتخيلة في ذهنه تشاكل وتطابق وتساوي عناصر وبذور وجذور الواقع وتساوي الصورة الحقيقية الموجودة في الواقع، وتكون النتيجة أن الإنسان يرصد الواقع ويفسره من خلال نموذجه الفكري المتخيّل في ذهنه، ويحلل الصورة الحقيقية الواقعية من خلال خريطته المعرفية والصورة المتخيلة في ذهنه ]

وانا اعترف بأن مصطلح هذه العبارة: [النموذج الفكري الوهابي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] كان غائماً في ذهني مع أنني آمنت بذلك النموذج الفكري الوهابي عن تلك الشخصية منذ طفولتي.

وأنا اعتقد أن الطفولة مخزن لي ولكل زملائي، لأنها الفترة التي نتلقى فيها صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بتلقائية كاملة وليس من خلال أدلة نقلية أو عقلية مقنعة، وتختلط تلك الصورة ذاكر في وجداننا.. وحملت هذه الصورة معي في ذاكرتي وأنا في شيبوبتي. إن تلك الصورة هي كل شيء عن ذلك الإمام العظيم بالنسبة لي، إنها مثل الصورة الشمسية، ومن الطبيعي أن تكون تلك الصورة منتهى معرفتي عن ذلك الإمام، ولا أشعر أني اتحدث جيداً عن هذا الإمام إلا

ص: 28

عندما اتحدث عن صورته القديمة التي تحولت إلى جزء من كياني.. وتلك الصورة سكنت في ذاكرتي شغلت وجداني لسنوات طويلة فكان التأثير الواضح الذي تجلى في العديد من احاديثي ومحاضراتي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وبالفعل قامت بيني وبين الصورة علقة عضوية متينة وترابط كان له أثره وتأثيره، واعتقد أنه ما زال موجوداً حتى الآن - لولا أنني احارب تلك الصورة القديمة بالصورة النبوية عن ذلك الإمام العظيم ، فكثيراً ما تتحرك ذاكرتي إلى تلك الصورة، وأعود إلى رابطة تلك الصورة بي وهو ترابط عضوي كل ذلك بسبب أن فترة الطفولة هي الفترة الأقوى والأبقى في ذاكرتي لاسيما في محل دراستي الأولى في المعهد، فالانطباع الأول عن صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام يضل له بريقه ووهجه لو استسلم الإنسان لعواطفه ولم يستسلم للصورة النبوية عن ذلك الإمام العظيم ؛ لأن المراحل الأولى في حياة أي إنسان تكون أكثر المراحل تأثيراً في نفسه حتى لو كانت المراحل اللاحقة مراحل طويلة عايش فيها شخصيات أكثر واحتك بأناس أكثر، وأنا طفولتي ونشأتي كانت في المعهد العلمي السلفي .. ومن هنا وجدت صعوبة كبيرة من التحرر من صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، لأنها تمثل لي أكثر من معنى ،عزيز، تمثل لى الصبا، فليس غريباً أن اختار لتلك الصورة عن ذلك الإمام العظيم مصطلح النموذج.. وهو مصطلح يدل دلالة واضحة عن

ص: 29

تأثير مرحلة الطفولة في حياة كل البشر هنالك أناس من زملائي يحسبون أنهم يعرفون كل شيء عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. ولمّا شرحت لهم صورة أخرى جديدة عن هذا الإمام العظيم... قالوا لي انت لا تعرف إلا القليل عن هذه الشخصية .. وانت مخدوع بالتصوير الرافضي عن تلك الشخصية.. وانا اعذرهم في اتهامي بذلك فلا يمكن لهم التنازل عن النموذج المرسوم في اذهانهم منذ مرحلة طفولتهم عن ذلك الإمام العظيم، ومن النادر أن تجد انسان يخرج عن حدود التعاليم التي تلقاها في مرحلة طفولته.. وقد حامت صورة لهذا الإمام العظيم في مخيلات صبانا وشبابنا، بحيث لا يمكن أن يخطر لنا على بال أو يجري لنا في خاطر أن توجد صورة أخرى لذلك الإمام العظيم تخالف صورته التي عندنا ومشيت في طريقي مع زملائي حتى خيل لي أنها الصورة الوحيدة أمامي.. وكنت أظن أنه شخصية اسطورية.. وأن كل ما ذكر حول شخصيته فهي تقرأ للتسلية والضحك، وطبعاً يستقر في نفسك شيء ثم تنفصل عنه بعد ذلك أزمة كبرى بل يعد أخطر مرحلة في حياتك الفكرية.

ومن هنا لابد من الرفق في التعامل مع الذين غرس في اذهانهم تلك الصورة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حتى تحولت هذه الصورة إلى نموذج كامن في مخيلتهم.. من الصعوبة عليهم التحرر من هذا النموذج.

ص: 30

ولابد لي أن ابين مثالاً - حتى يتضح للقارئ معنى مصطلح نموذج – من تجربتي الشخصية عن كيفية سيطرة النموذج الفكري الوهابي المرسوم عن تلك الشخصية على حياتي، لأن هذا الكتاب يحكي قصة معرفتي الحقيقية والواقعية للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام فانا منذ آمنت بالنموذج الفكري الوهابي المرسوم عن شخصية ذلك الإمام العظيم ، فصرت معتقداً به .. أي تحولت الفكرة الوهابية المرسومة عن ذلك الإمام العظيم في ذهني إلى نموذج - ارجو من القارئ الكريم مراجعة تعريفي لمعنى مصطلح نموذج - فتلك الصورة الموجودة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في ذهني هي مجموعة من صفات وسمات وخصائص ذلك الإمام التي تحولت في ذهني ومخيلتي على شكل صورة شمسية متماسكة شنيعة وقبيحة تكونت في ذهني خلال دراستي في معهد صنعاء وفي جامعة الإمام محمد بن سعود أومن خلال اشخاص التقيت بهم وحدثوني عن ذلك الإمام أو من خلال قراءتي لما كتبه الوهابيون عن هذا الإمام، ثم تترسخ هذه الخريطة المعرفية والصورة المتخيّلة عن ذلك الإمام تدريجاً في ذهني ووجداني ومخيلتي ووعيي ولا وعيي بحيث لا يمكنني أن أرى الواقع المشهود والحقيقي للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلا من خلال تلك الصورة القبيحة عنه المغروسة في ذهني.

ومن تجربتي مع ذلك الإمام العظيم يتبين للقارئ الكريم مرادنا من معنى

ص: 31

مصطلح نموذج.. وسوف يتضح معناه بصورة اتم في المباحث الآتية.

والحاجة إلى جلاء مصطلح نموذج في هذه العبارة (النموذج الفكري الوهابي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هي حاجة ضرورية لأن القارئ لن يدرك تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلا إذا أدرك مرادي من استخدام كلمة نموذج في هذا الكتاب.

وأنا اعلم أن استخدامي لمصطلح نموذج سيقابل بالدهشة – على الأقل – سواء من قبل اصدقائي الوهابيين، أو من قبل المتعاطفين – ولكني استخدمته وأنا على يقين جازم - من خلال تجربتي مع فكرة الوهابية عن هذا الإمام العظيم - بأن فكرة الوهابية عن هذا الإمام العظيم لا يمكن فصلها عن صفة النموذج، وعلى يقين بأنني لن اتمكن من نقل تجربتي مع الفكرة الوهابية عن هذا الإمام العظيم إلى القارئ الوهابي إلا من خلال وصف الفكرة الوهابية عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بصفة النموذج.

ولقد تحدثنا - قبل قليل - عن بذور وجذور تكوين النموذج الفكري الوهابي عن هذا الإمام العظيم في ذهني واعتقادي منذ طفولتي بذلك النموذج - بما فيه الكفاية - وبقي أن نتحدث كيف هيمن علي ذلك النموذج الكامن الخفي، والبنية التحتية لكل المطاعن والتشكيكات في شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

ص: 32

لقد كان والدي هو مؤسس اوّل معهد وهابي في قريتنا الصبار وهو الذي جعل من بيتنا مقرا لأحد المعاهد الوهابية النسائية في مدينة صنعاء - وفي هذه المعاهد الوهابية النسائية درسن وتخرجن كبار أخواتي وبعض صغارهن - حتى أن حفلة عرسي وسكني في الأسبوع الأول من زواجي كانا كانا في ذلك المعهد الوهابي.. وكذلك كان والدي عضوا رئيسيا في جمعية الإصلاح الوهابية وكذلك كان في بداية هجرتي إلى قم عرض علي كل الامكانات المالية كأن يجعلني سفيراً دبلوماسيا في أحد الدول إذا تركت مدينة قم، وعارضني في البداية بشدة حين اقترحت له هجرة بعض اخواني إلى قم.. ثم وافق بعد أن شرط على دراستهم في طهران فى مجالات علمية لا دينية.. كانت كل تلك الأجواء والظروف ذات أثر حاسم في تكوين فكرتي الوهابية عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حتى صارت هذه الفكرة هي النموذج المهيمن علي، ومما زاد في هيمنته أنني كنت لا أعرف إلا النموذج الوهابي عن ذلك الإمام العظيم، فلم يكن قد دخل على حياتي الفكرية فكرة أخرى عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حتى أقوم بالمقارنة بين فكرتين مختلفتين عن شخصية ذلك الإمام واكتشف بعض الخلل في النموذج الذي اتبناه، كما أنني حينما كنت اقرأ عن موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في المعهد والجامعة لم اكن أدرك بنية ذلك الموضوع - أي النموذج الكامن في

ص: 33

موضوع هذا الإمام العظيم – وعلى أية حال فلو كنت في فترة دراستي في معهد صنعاء العلمي قرأت كتباً حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حسب الفكرة الاثني عشرية لما انجذبت إلى تلك الشخصية العظيمة في تلك الفترة، والسبب يعود إلى أن النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كان متمكناً من وجداني وكامناً في كياني ولا يسمح لي أن أدرك رؤية أخرى عن هذا الإمام العظيم غير الرؤية الوهابية عنه. كما أن الدراسة في المعهد كانت بطريقة تجعل الطالب يتصوّر بأن اتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، كأنهم كلهم من أتباع النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

إن تحوّل الفكرة الوهابية عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بالنسبة لي إلى نموذج كامن داخلي وبنية تحتية مغروسة في مخيلتي جعلني أكون متلقياً سلبياً لكل الصفات والمطاعن والتهم التي نوجهها للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الفكر الوهابي من دون علمي في انبثاق وتولد تلك الصفات والمطاعن والتهم من ذلك النموذج الوهابي المهيمن على مخيلتي وجعلني من المنمطين والمدجنين والمسلمين لتلك الصفات من دون علمي كذلك بكمون ذلك النموذج الوهابي في بنية كل الصفات والمطاعن التي نصف بها الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

لا زلت أتذكر بقوة ذلك النموذج الوهابي في التصوير الذي رسم

ص: 34

لي عن صورة شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ودور هذا النموذج في طبع الصورة الذهنية للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في جهازي الفكري.. ويمكنني أن أقول: إن صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام المغروسة في جهازي الفكري والمنبثقة من النموذج الوهابي تتصف بصفتين رئيسيتين وهما صفتان اساسيتان للنموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - كما اكتشفت في مرحلة متأخرة - سرت هاتان الصفتان للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من النموذج الوهابي إلى جهازي الفكري كنت غارقاً في الطريقة الجزئياتية والإرشيفية في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وكنت حريصاً على معرفة الكثير من الجزئيات المرتبطة بهذا الإمام العظيم... لا أسمع عن كتاب جديد في المكتبة الوهابية حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلا واقرأ ما فيه من جزئيات حياة هذا الإمام العظيم ثم كنت كذلك اقرأ كل كتاب صدر عن الإمام المهدي وقرأ كل الاحاديث النبوية الواردة في وصف جزئيات شخصية الإمام المهدي من دون أن احاول الوصول إلى رؤية كلية عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، ومن دون محاولة كذلك إلى الوصول إلى تكوين رؤية كلية عن شخصية الإمام المهدي.. رؤية مترابطة تمام الترابط تربط بين تلك الجزئيات المتناثرة حول شخصية الإمام المهدي وتربط بين الاحاديث النبوية المتفرقة حول هذه الشخصية.

ص: 35

وهذه الطريقة الجزئياتية والإرشيفية في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. جعلتني لا أدرك ما بين هذه الجزئيات والصفات التي نذكرها حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من تضارب وتناقض.. وكذلك تلك الطريقة الجزئياتية والإرشيفية في معرفة الإمام المهدي ومعرفة الاحاديث النبوية حوله.. جعلتني لا أدرك ما بين هذه الجزئيات والصفات التي نذكرها حول شخصية الإمام المهدي وما بين الاحاديث المنسوبة للنبي حول هذه الشخصية من تضارب وتناقض وتعارض.

وحقيقة أقولها بأن هذه الصفة ليست خاصة بي حينما كنت ابحث عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام أو ابحث عن شخصية الإمام المهدي، بل بأن كل انسان يتبنى النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام أو حول الإمام المهدي لابد أن يتصف بهذه الصفة، وهي أخطر صفة في هذا النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام أو حول الإمام المهدي سرت الي، وهذه الصفة لم اكتشفها إلا بعد أن تركت ذلك النموذج، وهذه الصفة بمثابة حيوان مفترس كان ينهش جهازي الفكري ويجعله لا يدرك حقيقة شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ولا حقيقة شخصية الإمام المهدي - نحن في العقيدة الوهابية نميّز بين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبين صورة الإمام المهدي ونرى هنالك فرق كبير

ص: 36

وشاسع بين الصورتين - ؛ لأن هذه الصفة جعلتني استغرق كل وقتي في رغبة عارمة أن اقرأ الاحاديث النبوية المتناثرة حول الإمام المهدي، واقرأ أكبر قدر ممكن من الجزئيات والتفاصيل حول شخصية الإمام المهدي هكذا اقرأ التفاصيل والجزئيات حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من دون أن ارغب أن تكون لي منظومة متناسقة ومترابطة ونظرية متوازنة ومتعادلة حول شخصية الإمام المهدي أو حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، ومن دون أن يكون لي إطار يربط بين تلك الجزئيات والأحاديث والتفاصيل الواردة حول الإمام المهدي ومن دون أن يكون لي رابط يربط بين التفاصيل والجزئيات الواردة في ترجمة شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، أو من دون أن اتعامل مع تلك الجزئيات والتفاصيل والأحاديث النبوية حول الإمام المهدي بنوع من العمق والدقة، لقد تحولتا شخصيتا الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام والإمام المهدي في عقلي إلى بانوراما متسعتان في غاية الاتساع تحتويان على تفاصيل وجزئيات وتفاصيل دقيقة في غاية الدقة واحاديث نبوية متناثرة من دون منظومة أو نظرية تربط بينها ومن دون أن أدرك وجود علاقة بين هاتين الشخصيتين لأن هذا الحيوان المفترس الجزئياتي والإرشيفي جعلني لا اربط بين هاتين الشخصيتين حتى أدرك أن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو نفس الإمام المهدي.. وكان - مع الأسف الشديد - هذا الحيوان المفترس

ص: 37

الجزئياتي قد هجم علي منذ صباي في حلقات العلم الوهابية، فنحن في تلك الحلقات نرغب في تتبع جزئيات وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الكتب القديمة والحديثة، وكذلك نرغب أن نقرأ احاديث النبي في الإمام المهدي في كتب الحديث رواية رواية ولست اريد التقليل من أهمية قراءة احاديث النبي في المهدي رواية رواية ولا التقليل من تتبع جزئيات وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الكتب القديمة والحديثة، ولكنني أريد أن اقول بأن استغراقنا في الجزئيات والتفاصيل وفي دراسة احاديث المهدي رواية رواية واستغراقنا في تتبع جزئيات وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام فى الكتب القديمة والحديثة شغلنا عن التأمل والتفكر والتعقل في تلك الاحاديث النبوية في الإمام المهدي والتأمل والتفكر في تلك الجزئيات والتفاصيل المتعلقة بترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الكتب القديمة والحديثة .. لأجل الخروج بمنظومة متكاملة تربط بين تلك الجزئيات المتناثرة وبين تلك الاحاديث النبوية المتفرقة ومن أجل الخروج بمنظومة متكاملة تربط بين جزئيات وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الكتب القديمة والحديثة حتى نتمكن من معرفة الاتحاد والاندماج بين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبين صورة الإمام المهدي. واذكر أنني - في تلك الايام - كنت اعتبر العالم بحقيقة الإمام المهدي

ص: 38

هو من يحفظ اكثر من غيره احاديث النبي في الإمام المهدي، من دون أن اسأل هل هو يعي ويدرك ما يقرأ، ويمتلك القدرة على حل الجزئيات والاحاديث المتعارضة حول الإمام المهدي، وهذه النزعة الجزئياتية المفترسة هى صفة ذاتية واساسية في النموذج الوهابي حول الإمام المهدي وحول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

لم اكن ادرك أن هذه الصفة مغروسة في وجداني وعقلي بسبب ايماني واعتقادي بالنموذج الفكري الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. إلا أن هنالك اسباب عديدة ساعدتني أن ادرك بأنها صفة خاصة بذلك النموذج انتقلت الي، وحين تركت هذا النموذج قمت بنظرة فاحصة لكل أصدقائي ومشايخي وتلاميذي واستيقنت بأن ذلك الحيوان المفترس المعتمد على الطريقة الجزئياتية والارشيفية في البحث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وفي البحث عن الإمام المهدي قد صرعهم جميعاً أمام ناظري، ومات بعضهم دون أن يكتشف خطورة هذه الصفة المهيمنة عليه حين يريد البحث عن الإمام المهدي أو عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. ولعل الشيخ المحدث الكبير محمد ناصر الدين الالباني مثل فريد على هيمنة تلك الصفة على مشايخ الوهابية.. كان الالباني يعرف كل الجزئيات والتفاصيل والاحاديث النبوية في الإمام المهدي رواية رواية ولكن حينما تجمع كل تعليقاته حول تلك الاحاديث تعرف أنه غرق بالنظرة

ص: 39

الجزئية في كل حديث في المهدي دون أن يبذل جهداً في ايجاد الرابط بين كل تلك الاحاديث للخروج بصورة واضحة ومترابطة ومتكاملة ومتناسقة عن شخصية الإمام المهدي، ودون أن يحل إشكالية التعارض بين بعض تلك الاحاديث.. وكذلك ولعل الشيخ الدكتور ناصر القفاري في كتابه اصول مذهب الشيعة مثل آخر فريد على هيمنة تلك الصفة على مشايخ الوهابية.. كان الشيخ الدكتور ناصر القفاري يعرف كل الجزئيات والتفاصيل التاريخية في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام جزئية جزئية، ولكن حينما تجمع كل تعليقاته حول تلك الجزئيات والتفاصيل تعرف أنه غرق بالنظرة الجزئية في كل قضية مرتبطة بالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام دون أن يبذل جهداً في ايجاد الرابط بين كل تلك الجزئيات والتفاصيل التاريخية للخروج بصورة واضحة ومترابطة ومتكاملة ومتناسقة عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ودون أن يدرك بأن شخصية الإمام المهدي هي نفس وذات شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وهكذا هو شأن شيخي محمد بن اسماعيل العمراني وشيخي عبد العزيز بن باز - مفتي السعودية - في طريقة تعاملهم مع الجزئيات والاحاديث النبوية في الإمام المهدي وفي طريقة تعاملهم مع جزئيات وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. فصفة النزعة الجزئياتية هي صفة موجودة في كل من يؤمن بالنموذج الوهابي حول الإمام محمد بن

ص: 40

الحسن العسكري علیه السلام .

ولست أبتغي أن انتقص من قدر الالباني والعمراني وبن باز والقفاري.. إنما اريد فقط التنبيه إلى أن استغراقهم في الجزئيات المرتبطة بالإمام المهدي وبالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام والحماسة العارمة عندهم إلى الإلمام بالتفاصيل حول هذين الإمامين قد تنشئ انحرافاً في فهم الجزئيات وفي فهم بعض الاحاديث الخاصة بالإمام المهدي وفي فهم تفاصيل وجزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وأن الأولى في منهج البحث هو عرض الجزئيات والتفاصيل والاحاديث حول الإمام المهدي، وعرض تفاصيل وجزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في تكاملها الشامل، وفي تناسقها وترابطها.

والحقيقة أنه استمر النموذج الوهابي الجزئياتي الارشيفي في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وفي معرفة الإمام المهدي متربصاً بي منذ أن كنت في معهد صنعاء، وازداد قليلاً في المملكة العربية السعودية حيث كنت إذا اردت أن ابحث عن موضوع الإمام المهدي أو عن موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حينما كان يثار موضوعهما في معهدنا وجامعتنا كان هذا الحيوان المفترس الجزئياتي مهيمناً عليّ، لم اكن ادرك مخاطر ذلك الحيوان المفترس.. ومن هنا نجح هذا الحيوان المفترس في إفشال بحوثي عن موضوع الإمام محمد

ص: 41

بن الحسن العسكري علیه السلام وبحوثي عن موضوع الإمام المهدي، فالنزعة الجزئياتية الارشيفية هي التي جعلتني لا أدرك حقيقة الإمام المهدي ولا حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وكذلك لا أدرك بأن الإمام المهدي هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

لقد تعلمت من تجربتي بن النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وحول الإمام المهدي أن التحليق البانورامي الجزئياتي الإرشيفي عند البحث عن الاحاديث النبوية في الإمام المهدي وعند البحث في تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كان دائماً - وما زال إلى اليوم - سبب فشل مشايخ الوهابية في ادراك العلاقة الموجودة بين تلك الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي وبين الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وهنالك حقيقة منبثقة من تجربتي مع هذا النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هي أن هناك تلازماً وثيقاً بين طبيعة ذلك النموذج الوهابي الجزئياتي والإرشيفي في البحث عن الاحاديث النبوية في الإمام المهدي وفي البحث عن تفاصيل وجزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبين البساطة والسذاجة والإختزالية في درك تلك الاحاديث النبوية في الإمام المهدي وفي درك تفاصيل وجزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. تلازماً لا ينفصل.. بل أن هناك ما هو أكثر من التلازم.. هناك الإنبثاق الذاتي.. فالبساطة

ص: 42

والسذاجة والإختزالية في إدراك احاديث النبي في الإمام المهدي وفي درك تفاصيل وجزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو فرع النموذج الوهابي الجزئياتي الإرشيفي في طريقة البحث عن تلك الاحاديث النبوية والنموذج الوهابي الجزئياتي الإرشيفي في طريقة البحث عن تلك التفاصيل والجزئيات حول ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام . واذا عاش الإنسان فترة يسير على ذلك النموذج [المنهج التحليلي - لا الفكري - الوهابي الإرشيفي الجزئياتي في البحث عن احاديث النبي في الإمام المهدي وفي البحث عن تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وقع في الانحراف في فهم احاديث النبي في الإمام المهدي وفي فهم تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ؛ لأن البساطة والسذاجة والإختزالية تبعده عن إدراك تلك الاحاديث النبوية وتلك التفاصيل في ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بعمق ودقة لأجل ذلك لم ادرك موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وموضوع الإمام المهدي إلا بعد إحساسي المتزايد بضرورة تبني نموذج [منهج] تحليلي مركب متعدد الأبعاد والمستويات.. ودراسة احاديث النبي في الإمام المهدي وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من خلال هذا النموذج [المنهج التحليلي المركب، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد أن غادرت النموذج التحليلي الوهابي الجزئياتي الإرشيفي، حينئذ بدأت أفهم

ص: 43

موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وموضوع الإمام المهدي وارتباط الاحاديث النبوية في الإمام المهدي بشخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وكلمة أخيرة فى الأمر الذي أريد أن يدركه القارئ من اخواني الوهابيين هو أنه الوهابية لم تكن بالنسبة لي نموذج فكري يرسم لي فكرة عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وعن شخصية الإمام المهدي وحسب، بل كانت الوهابية بالنسبة لي كنموذج [= كمنهج] تحليلي وتفسيري لكل الاحاديث النبوية في الإمام المهدي ولكل تفاصيل وجزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

***

والصفة الثانية لصورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام المغروسة في جهازي الفكري والمنبثقة من النموذج الوهابي وهي صفة اساسية للنموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - كما اكتشفت في مرحلة متأخرة - سرت هذه الصفة للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من النموذج الوهابي إلى جهازي الفكري كنت غارقاً فى العقدة المؤامراتية كلما ذكر عندي أسم الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فقد غرس في نفسي النموذج الوهابي المرسوم عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام عقيدة بأن اكبر مؤامرة في التاريخ الإسلامي هي مؤمرة الاعتقاد بمهدوية الإمام محمد بن الحسن

ص: 44

العسكري علیه السلام والاعتقاد بغيبته على أننا نحب أن ننبه إلى حقيقة أساسية كبيرة.. وهي أن هنالك تلازم بين الصفة الأولى والصفة الثانية، والذين يعانون من الصفة الجزئياتية الإرشيفية عند البحث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وعند البحث عن الإمام المهدي سوف يعانون من الصفة المؤمراتية عند البحث عن مهدوية ذلك الإمام العظيم فالشخصية الجزئياتية الإرشيفية والشخصية المؤامراتية صنوان يعبران عن نفس العقلية وطريقة التفكير ، وقد عانيت من هاتين الصفتين مدة زمنية طويلة من حياتي الفكرية ولهاتين الصفتين رصيد في مشاعري وتجربتي مع النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

ومن ثم لم يكن بد أن نقدم لأصدقائنا الوهابيين هذه الصفة المؤامراتية الملازمة للنموذج الوهابي كلما اراد أن يبحث عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، مصحوبة بالشرح والتوجيه لمساعدتهم على أن يدركوا هذه الصفة، ويلتمسوا لأنفسهم مخرجاً منها ؛ حتى يتحرروا من اعتقادهم بأن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام مؤامرة خطيرة من قبل خصوم الإسلام - انظر حول توصيف هذه المؤامرة في كتب الوهابية إلى كتاب «بروتوكولات علماء قم وكتاب وجاء دور المجوس لتعرف تغلغل صفة المؤامرة في العقلية الوهابية - إننا لا نبغي من استعراض هذه الصفة الخطيرة

ص: 45

ومن عرض الصفة التي قبلها وبيان هيمنتها وسيطرتها على الشخصية الوهابية حينما تبحث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، مجرد المعرفة الثقافية لهذه الصفة الخطيرة. لا نبغي إنشاء كتاب عن المنهج الصحيح في عرض مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام يضاف إلى الكتب التقليدية عن الوهابية. كلا.. إننا لا نهدف إلى مجرد المعرفة الباردة لهذه الصفة الخطيرة، التي تلازم النموذج الوهابي في تعامله مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وتتعايش مع الأذهان التي تتبنى هذا النموذج وتؤمن به.. بل إننا نهدف من استعراض هذه الصفة والتي قبلها معالجة أخوننا من هاتين الصفتين الخطيرتين.

ونحن نذكر - هنا - نقطة الإشتراك بين الشخصية الجزئياتية الإرشيفية والشخصية المؤامراتية المتمثلة في أن تلك الشخصية تحرص على أن تنحصر مهمتها في جمع جزئية بجوار جزئية ورواية بجوار رواية، دون أن ينتظمها إطار. وهكذا شأن الشخصية المؤامراتية تنظر إلى احاديث النبي في الإمام المهدي كشظايا متناثرة وإلى حياة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام المتكاملة المتناسقة المترابطة وكأنها حياة متفرقة متجزئة متناقضة، فتشكك الاحاديث التي تدل على مهدويته وغيبته وتتعبرها تتحدى وتتآمر على نموذجها الفكري حول الإمام المهدي، وتقبل كل فكرة تروق لها وتنسجم مع نموذجها الفكري عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، لأن الشخصية المؤامراتية لا تنظر

ص: 46

إلى أحاديث النبي عن الإمام المهدي كمنظومة متكاملة متناسقة مترابطة.

والنموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام يروج في خطابة نظرية المؤامرة.. وهو يفترض وجود مؤامرة كبرى اثناء تفسيره وتحليله لموضوع مهدوية هذا الإمام ولموضوع غيبته.

وقد تأثرت بذلك، فكنت لا أتناول موضوع مهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام أو موضوع غيبته إلا وافترض – قبل دراسة هذين الموضوعين - وجود مؤامرة.

وقد نشأت هذه الصفة ووجدت في شخصيتي لأنني كنت مستغرقاً في جمع الجزئيات والتفاصيل والأحاديث النبوية حول الإمام المهدي وأرشفتها - وكأنني جهاز كمبيوتر لا امتلك عقلاً بشريا - وبالتالي كنت افهم موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بشكل مبسط وسطحي، وكانت فكرة المؤامرة من خلال مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام تعمّق تلك السطحية الفكرية لديّ، لأن قبولي لفكرة أن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام تعد مؤمرة على فكرة المهدوية في الإسلام يعني تقبل النظرات السطحية حول هذه الشخصية كما هي في كتاب بروتكولات علماء قم ويعني تعاملي مع هذا الإمام العظيم بعد تقبلي لفكرة المؤامرة أن اعتقد بكل المطاعن والشائعات السائدة فى الكتب الوهابية حول شخصية الإمام

ص: 47

محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وحول النواب الأربعة المحيطين به، ويعني الإستسلام لاحكامنا النمطية على ذلك الإمام العظيم وعلى مهدويته وغيبته وعلى نوابه الأربعة، ويعني استقبال البروتوكولات المسبقة الجاهزة والمعلبة التي كانت محيطة بشخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وكانت تطرح علينا تلك البروتوكولات في معهد صنعاء العلمي وفي جامعة الإمام محمد بن سعود، فنقبلها من دون إخضاعها للنقد والبحث والتمحيص

ولا يدرك خطورة هذه الصفة ودورها في ابعاد الإنسان عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلّا إذا عاش في اجواء النفسية المريضة بهاجس المؤامرة.. وقد عشت تلك الاجواء فكنت لا اذكر شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلا وتداعت في مخيلتي بروتوكولات المؤامرة الملتصقة في ذهني بشخصية ذلك الإمام العظيم وكنت امتنع عن البحث عن هذه الشخصية العظيمة بعيداً عن الكتب الوهابية حتى لا أقع في فخ المؤامرة، وكنت إذا ذهبت إلى معرض الكتاب الدولي أعرض عن شراء بعض الكتب غير الوهابية والمرتبطة بالبحث عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ؛ لأنها كتبت عن هذه الشخصية من قبل كتاب متآمرين.

ولن ندرك طبيعة المؤامرة المحيطة بالعقل الوهابي حين تتمثل امامه شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ؛ حتى ندرك النموذج

ص: 48

الفكري الوهابي عن صورة ذلك الإمام العظيم. فليست نظرية المؤامرة والبروتوكولات المنبثقة منها إلا فرعاً من ذلك الأصل الذي ترجع إليه هذه الصفة الجوهرية في الرؤية الوهابية حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وقد استشرى ارتباط شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بمرض المؤامراتية في كل وجداني منذ دخلت معهد صنعاء وجامعة الإمام محمد بن سعود وترك هذا المرض الخطير اثراً علي في تفسير النصوص النبوية في الإمام المهدي ؛ لأنني كنت إذا اطلعت على تفسير لتلك النصوص يوافق مهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ويخالف تفسير النموذج الوهابي الذي يرى بأنه لا علاقة بين تلك النصوص وبين مهدوية ذلك الإمام العظيم.. كنت اتصوّر بأن ذلك التفسير المخالف لنموذجي [لمنهجي] الوهابي يعد مؤامرة خطيرة على نموذجنا [ منهجنا في تفسير وتحليل النصوص النبوية في الإمام المهدي، دون أي محاولة منّي لإثبات هذه المؤامرة بالدليل والبرهان. فعلى سبيل المثال حينما وجدنا العلامة الكبير سبط ابن الجوزي فى كتابه تذكرة الخواص - سوف نتحدث عن هذا الكتاب وعن كاتبه في بحث قادم في هذا الكتاب - تعامل مع النصوص النبوية في الإمام المهدي بطريقة جعلته يعتقد بمهدوية الإمام محمد بن

الحسن العسكري علیه السلام ، وبالتالي فسّر تلك النصوص على خلاف نموذجنا

ص: 49

[ منهجنا] الوهابي التفسيري السائد ارتجف الجميع واعتبروا هذا الكتاب مؤامرة كبرى على النموذج الوهابي، وتم التحذير من كتاب تذكرة الخواص، وتلقيت ذلك القول في هذا الكتاب برحابة صدر بلهاء، دون أن اخضع كتاب تذكرة الخواص للإختبار، ودون أن اسأل نفسي بعض الأسئلة البدهية من أين علمنا بأن العلامة الكبير سبط ابن الجوزي اصبح وكراً للمؤامرة.. وبخروج كتاب: كتب حذر منها العلماء كان كتاب تذكرة الخواص من ضمن الكتب التي ينبغي نحذر منها.. وقد تلقف التآمرييون من المؤمنين بالنموذج الوهابي في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هذا الخبر ليصبح العلامة الكبير سبط ابن الجوزي من خلال كتابه المذكور جزء من مؤامرة خطيرة مرتكزة على مخطط – في تصور التآمريين من اتباع ذلك النموذج الوهابي .. وليس الكتاب مجرّد فهم وتفسير للنصوص النبوية في الإمام المهدي صدر من العلامة الكبير سبط ابن الجوزي، بل هو کتاب مرتبط بظاهرة خطيرة ومؤامرة كبيرة مرتبطة ببروتوكولات

علماء مدينة قم ومخطط رهيب اصدر هذا المخطط الرهيب سلسلة من الكتب منها كتاب الفصول المهمة للعلامة ابن الصباغ المالكي سنتناول هذا الكتاب في البحوث القادمة من هذا الكتاب - وكتاب ينابيع المودة للعلامة القندوزي الحنفي - سنتناول هذا الكتاب في البحوث القادمة من هذا الكتاب - والمئات من الكتب التي تصرح بأن

ص: 50

المهدي هو الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وهذه السلسلة من الكتب تعبّر عن مؤامرة خطيرة على نموذجنا الوهابي.. وهي مؤامرة مرتكزة على خطة مدروسة وهي تعبّر عن شر قد اقترب يهدف ذلك الشر إلى ضرب نموذجنا الفكري فى الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وغزو معهد صنعاء، وتدمير جامعة الإمام محمد بن سعود وضرب مساجدنا، وترويج عميدة الرافضة، وتسقيط علماء ومشايخ المملكة العربية السعودية... إلخ.

وكانت نتيجة ترسّخ صفة المؤامرة في ذهني وفي ذهن المؤمنين بالنموذج الوهابي حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام أن شككنا في كل التراث القديم الذي كتب عن هذه الشخصية القديمة لأننا نراه تراثاً يدخل في دائرة المؤامرة من قبل الذين نصفهم ،بالمتآمرين فقادتنا نظرية المؤامرة أن نعتقد بأن كل ما كتبه أهل السنة والشيعة - كنا نسميهم بالمتآمرين على النموذج الوهابي - خلال المدة الطويلة التي سبقت سنة ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وما بعدها منذ بداية غيبته في اوائل القرن الرابع وإلى هذا العصر من كتب تثبت مهدويته وتثبت غيبته هي كتب متآمرة على نموذجنا السائد حول هذه الشخصية العظيمة.. وسنحتاج - هنا - أن نقتبس من كتابي نقد الشيخ محمد عبد الوهاب من الداخل حيث نقلت فقرات لا غنى عنها من اجل بيان خطورة النموذج الوهابي الذي ضخم من قضية المؤامرة

ص: 51

لدينا فقادنا إلى أن نشكك في كل التراث القديم والحديث الذي كتب عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وهي فقرات من الشيخ العلامة المرحوم سعيد حوى، حيث يقول في كتابه القيّم جولات في الفقهين الكبير والأكبر - من الصفحة 5 إلى الصفحة 12- : [جاء القرن الرابع عشر الهجري - القرن العشرين الميلادي - ووضع المسلمين على غاية من الضعف... وواجه الدعاة العدول... موجة الردّة عن الإسلام.. ثم بيّن بأن النموذج الوهابي والنموذج العلماني يشتركان في نقطة التشكيك في التراث.. حيث قال: [... كان أشدها بعض الإتجاهات السلفية شككت في الإرث الفقهي والثقافي كله.... وإذا بنا أمام تيار يشكك في تراث حق، ويشكك في المدارس الفقهية وفي رجالاتها، وإذا بنا نجد من يسيء الظن بأكثرية الأمة الإسلامية على مر الزمن. فحدث أن تزعزعت الثقة في التراث الإسلامي الذي قدمته العقول المسلمة ... ]

هذه هي حالة كل من يؤمن بالنموذج الوهابي كما رسمها رجل خبير بذلك النموذج عاش معهم ودرس في المعاهد العلمية السعودية ثم كتب في آخر حياته تجربته مع النموذج الوهابي.

وهذه هي نتيجة هيمنة قضية المؤامرة على ذهني فلم نعد نشك بسببها في التراث المرتبط بشخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بل اصبحنا نشك بكل الموروث الفقهي والثقافي للامة الإسلامية منذ

ص: 52

القرن الرابع الهجري ؛ حتى اصبحت مع اصدقائي نسيء الظن بأكثرية الأمة الإسلامية على مر الزمن فحدث أن تزعزعت ثقتنا بالتراث الإسلامي الذي قدّمته العقول المسلمة - على حد تعبير سعيد حوى – لأننا تصوّرنا أن تلك الاكثرية وهذا التراث يتآمران على نموذجنا الوهابي.

هذه المؤامراتية المهيمنة على اذهاننا - كما قلنا - جعلتنا نسيء الظن إلى الجميع.. وسنحتاج أن نقتبس من كتابي المنهج الصحيح والجديد في الحوار مع الوهابيين عبارة للشيخ العلامة يوسف القرضاوي تشرح تلك الحالة التي كنا عليها، حيث يقول - في كتابه الشيخ الغزالي كما عرفته رحلة نصف قرن في الصفحة 263 : [ إن تشويه الرموز الإسلامية، وتحطيم الأعلام، وتدمير القمم، عمل لا يستفيد منه غير أعداء الإسلام. وهو - للأسف - ما أصبح هواية لبعض المنتمين إلى الدين ( اتباع النموذج الوهابي )، لقد زرت المملكة العربية السعودية في العام الماضي، فوجدت أمراً رابني وساءني: مجموعة من الكتب تتهم العلماء والدعاة، وتوسعهم سباً وقذف... ، لم يكن هؤلاء يدعون عالماً كبيراً، سابقاً أو لاحقاً أو معاصراً، يخالفهم في قضية ما، إلّا كالوا له الذم بأوسع مكيال.

لم يسلم من طول ألسنتهم الباقلاني، ولا إمام الحرمين، ولا الإسفراييني، ولا الغزالي، ولا الرازي ولا النووي ولا ابن

ص: 53

العسقلاني، ولا السيوطي، ولا غيرهم من المتقدمين.

كما لم يسلم من المحدثين الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي ورشيد رضا، وفريد وجدي... وغيرهم من دعاة الإصلاح.

وكذلك لم يسلم منهم من بعدهم من المفكرين والدعاة المودودي، والندوي، وحسن البنا، وسيد قطب، والقرضاوي، ومحمد عمارة، وفهمي هويدي... وغيرهم من الأموات والأحياء].

***

واخيراً فإن هذا البحث ليس كتاباً شاملاً عن الوهابية.. إنه عمل تمليه تجربتي الشخصية مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حينما كنت وهابياً. من هنا لا يهمني أن أذكر صفات أخرى للنموذج الوهابي، طالما أن تلك الصفات لا ترتبط بتجربتي الخاصة مع ذلك الإمام العظيم.

هذا الكتاب محاولة لتحديد النموذج الفكري الوهابي في تعامله مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. لاسيما حينما يتحوّل من نموذج فكري إلى نموذج تحليلي وتفسيري.. يعني حينما يتحول هذا النموذج إلى ممارسة النشاط التفسيري والتحليلي لكل النصوص النبوية الواردة في الإمام المهدي والتي سنعرضها في الفصول القادمة.

وتجربتي مع النموذج الفكري الوهابي حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام اثبتت أننا نستمد تفسير النصوص النبوية في الإمام

ص: 54

المهدي من النموذج الفكري عن ذلك الإمام العظيم بعد أن تحوّل من نموذج فكري إلى نموذج تفسيري وتحليلي. وكل بحث في جانب من جوانب شخصية الإمام المهدي، لا بد له من أن يرتكز أولاً إلى ذلك النموذج فكراً وتفسيراً، ولا يمكن لنا أن ندرك الخطأ في معرفة بحوثنا عن الجوانب التي تناولناها عن شخصية الإمام المهدي ما لم ندرك الخطأ في بنيتها الخلفية - أي مالم ندرك الخطأ في النموذج الكامن فيها والمختفي خلفها - وجلاء ذلك سوف يتضح للقارئ الوهابي الكريم إذا استمر في قراءة الكتاب ؛ لأننا في البحوث القادمة سنبدأ مرحلة تطبيق النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من خلال ذكر بعض الامثلة العينية والتطبيقية عن ذلك النموذج الفكري حينما يتحول إلى نموذج تفسيري وتحليلي للنصوص النبوية الواردة في الإمام المهدي.. مع ذكر مقارنة ذلك النموذج الوهابي مع عقيدتي الجديدة حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حينما آمنت بالمذهب الاثني عشري

ص: 55

ص: 56

بداية تهافت النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

مما ساعد على بداية تهافت النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام على الرغم أنه النموذج السائد عندي وعند كل من حولي ولا يتقبل هذا النموذج أي تحديات جوهرية هو أن معهد صنعاء العلمي - وكل المعاهد والمدارس الوهابية في السعودية وفي غيرها من البلدان – كانت تدرس بعض الكتب من منهج فكري أخر.

لقد كانت المدارس والمعاهد الوهابية في السعودية في فترة دراستي في المعهد تدرّس كتاب التوحيد لمحمد قطب المستخرج من فكر سيد قطب لا من فكر الشيخ محمد عبد الوهاب.

وكان معهد صنعاء العلمي يدرسنا كتاب هذا الدين» لسيد قطب.. ثم - فيما بعد منع التدريس لكتب سيد قطب - لكن هذا المنع لم يصدر إلا بعد أن تركت النموذج الوهابي وانتقلت إلى المذهب الاثني عشري - وكتاب توحيد محمد قطب بعد أن اكتشف علماء ومشايخ المملكة بأن منهج التوحيد عند سيد قطب معاد للنموذج الوهابي في قضية التوحيد.

وكان الطابع العام هو النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن

ص: 57

العسكري علیه السلام - النموذج السائد في معهد صنعاء العلمي والنموذج المهيمن علي - يمنع - في بداية حياتي الفكرية - من انجذابي إلى منهج سيد قطب، ويمنع من ادراكي للتعارض بين النموذج الوهابي في قضية التوحيد وبين منهج سيد قطب في قضية التوحيد، بل كانت طريقة التدريس في معهدنا توحي لنا بالتماهي والتساوي والاندماج بين ذلك النموذج وهذا المنهج.

ولم انجذب إلى منهج سيد قطب في قضية التوحيد إلّا في مرحلة متأخرة تمت بالتدريج.

كان يمكن لي كأي طالب في المعاهد العلمية في السعودية أو في اليمن أن لا أنجذب إلى منهج سيد قطب في قضية التوحيد، وان لا أدرك مغزى ذلك المنهج الذي طرحه، وان لا ألج إلى العالم الفكري لسيد قطب لولم ينعم الله علي بظروف وحوادث واسباب ساعدتني على معرفة سيد قطب الذي قادني إلى معرفة منهج ري وتفسيري أخر يعد بعيداً عن النموذج الفكري والتفسيري الوهابي.. وشكل هذا المنهج القطبي - بالنسبة لي - بدايات ومقدمات تهافت النموذج الوهابي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ولكن عبر مراحل زمنية متدرجة.

***

الحمد الله .. إذ في أيام من أيام الربيع كنت مع استاذي الجليل الشيخ

ص: 58

حسن الحكيمي - إمام جامع الكبسي في صنعاء - وزميلي في المعهد الشيخ محمد المزعقي - كان يخطب الجمعة في مسجد قصعان بالقرب من قرية مزاهر - في لواء إب - واستقر بنا المقام في قرية الذاري، بالقرب من قريتي ومحل ولادتي الصبار - تعد قريتنا هذه صاحبة اكبر مركز للنموذج الوهابي في كل لواء إب، ووالدي هو مؤسس اوّل معهد وهابي فيها ، والمسافة بين القريتين لا تتجاوز السبعة الكيلومترات.. قال لي من له فضل علي حسن الحكيمي : إنه سيكون معنا في سفرنا هذا شخصية فريدة. وبعد يومين ركبنا السيارة إلى القرية التي سبقنا إليها صاحبنا زيد الذاري».

ها هو الشخص الذي اشتقت لرؤيته - بعد أن مجد فيه حسن الحكيمي معنا في السيارة.

- هذا هو الاستاذ عمر طرموم الذي اخبرتك عنه.

- لي الشرف أن اتعرف عليك.

- أتعرفه من قبل ؟.

لا: لا أعرفه.

لم تصرفني علاقتي مع عمر (طرموم عن النموذج الوهابي في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، لكن طريقته المؤثرة جذبتني من حيث أدري ولا يدري وكنت أتتبع بلهفة كل كلمة يفوه بها.

لم اكن محباً ومتعلقاً ومريداً لمنهج سيد قطب قبل معرفتي بعمر

ص: 59

طرموم، لذلك غرس في وجداني المحبة لسيد قطب، وهزني حديثه عن تفسيره في ظلال القرآن».

بعد عودتي من السفر كنت أمشي في «ميدان التحرير» وإذا بي أدخل إلى بائع الكتب، واشتريت منه ذلك التفسير واعتكفت على قرأته إلى نهايته.

لم تطل علاقتي مع عمر طرموم ، ولكنها على قصرها، كانت نقطة تحوّل عظيم في مجرى حياتي الفكرية. فقد دخلت شخصية جديدة في وجداني ذات منهج جديد علي إلى جوار شخصيتي ابن تيمية وابن عبد الوهاب.. وهكذا بين ليلة وضحاها، وبعناية من الله، وبتدبير غير تدبيري، بدأت اقرأ تفسير في ظلال القرآن»، وكنت كلما قرأته

شعرت بأنني وجدت شيئاً جديداً لم أجده في غيره

وبدأت - بالتدريج - أدرك الفرق بين منهج سيد قطب في فهم التوحيد وبين النموذج الوهابي في طرح التوحيد - وقد بينت الفرق بينهما في كتابي نقد الشيخ محمد عبد الوهاب من الداخل - ولعله مما ينبغي ذكره بأنني بعد أن توثقت علاقتي مع عمر طرموم ودعوته إلى منزلنا في صنعاء بدأت اكتشف أنه في واد ومعهدنا في واد أخر حيث كان محمد المؤيد» وعمي عبد الرحمن العماد ينزعجا إذا علما بحضوري في مجالس عمر) طرموم وعلمت أنه على خلاف مع «عبد المجيد الزنداني».. ومع الكثير من أفراد النموذج الوهابي في

ص: 60

الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في اليمن.

وكانت محبتي لعمر طرموم وعلاقتي معه وانجذابي لشخصيته وفكره تجعلني - احياناً - اتضايق من موقف مشايخي وزملائي من عمر ،طرموم، وتلك الأمور كانت بداية مرحلة جديدة في حياتي الفكرية، ومقدمة منهج فكري جديد ينمو في داخلي، لأنني اصبحت من مريدي سيد قطب» و «عمر» (طرموم وهذا خطأ حسب النموذج الوهابي الذي نشأت عليه منذ طفولتي.

وازدادت الفجوة بيني وبين النموذج الوهابي حينما بدأت اميل إلى محمد الغزالي المصري وأقرأ له غير «فقه السيرة» – بتعليق الالباني من كتبه المرفوضة من مشايخ النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وقد بدأت في اقتناء تلك الكتب. وهكذا بدأت اتحرر من القفص الحديدي، لكنني في تلك الفترة كلها لم اتحرر بعد من موقفي من الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ولم اتحرر من موقفي من جده الإمام علي بن ابي طالب.. ولي في ذلك قصة طويلة.

بدأت أقرأ عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في السابعة من عمري وبديهي أنني وبديهي أنني لم أفهم - كما ينبغي - ما قرأته في القرآن والسنة عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بسبب سيطرة النموذج الوهابي التفسيري علي.

ص: 61

واستوقفتني في أثناء تك الفترة آية التطهير»، فعدت أتلوها المرة بعد المرة.. لكن هذه التلاوة لم تجعلني أدرك أية علاقة بين علي وفاطمة والحسنين وبين آية التطهير.. ولست أدري كم مرة قرأت آية المودة وانا طفل، ولكننى أذكر أنه ما من مرة قرأت الآية وأدركت أنه لها علاقة بعلي وفاطمة والحسنين كل ذلك بسبب هيمنة النموذج الوهابي على جهازي التفكيري.

ولست أدري كم مرة سمعت حديث الثقلين» و«حديث الاثني عشر وحديث المنزلة» و«حديث الكساء» و «حديث الغدير ولكني أذكر أنه ما من مرة قرأتها وأدركت أن لها علاقة بأجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبأمامة علي والأحد عشر من ولده ولا يمكن لي أدراك تلك العلاقة طالما مازال ذلك النموذج الوهابي كامناً في مخيلتي.

تلك فترة قد خلت بخيالاتها الطفولة وإدراكها المحدود، ولا مرة كانت تلك الآيات من القرآن ولا هذه الاحاديث من السنة النبوية تلفتني إلى عظمة اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. عظمة علي وفاطمة والحسنين والى عظمة التسعة من ولد الحسين وعظمة آخرهم .. الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

في تلك الفترة - فترة الطفولة - لم يكن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. علي ولا فاطمة ولا الحسن والحسين يجذبوني كما

ص: 62

يجذبني ويهزني عمر بن الخطاب أو عبد الله بن عمر أو ابو هريرة أو عائشة أو عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة.

ومع ذلك في فترة الطفولة - بطبيعة الحال - لم اكن أكره علياً.. ولكن لم يكن - يومئذ - عندي أي قيمة لعلي أمام عمر وعثمان أو الخديجة وفاطمة أمام عائشة أو للحسنين أمام عبد الله بن عمر وأبي هريرة.

ثم كانت فترة الشباب الباكر، وكانت لي جولة أخرى مع اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، جولة مختلفة تماماً عن السابقة.

في هذه الفترة اصبحت لديّ فكرة أخرى عن «الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام مقارنة بالفترة السابقة، إذ كنت الفترة السابقة لا أدرك كنه وتفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في أهل البيت، وكنت اقدم الكثير من الصحابة على أهل البيت، لكن في هذه الفترة بدأت تتكوّن لي سورة شنيعة وسلبية وقبيحة عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. عن علي وعن الحسين .. حقيقة أنني في هذه الفترة بدأت انتقد وأهاجم علياً واذكر معايبه ومطاعنه وشطحاته بنفس المعايب والمطاعن والشطحات التي كنت أسمعها عند بعض مشايخي من اتباع النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وانقضت تلك الفترة وبدأ النموذج الوهابي في الإمام محمد بن

ص: 63

الحسن العسكري علیه السلام يهتز حينما بدأت العودة إلى اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من جديد

كنت في هذه الفترة أدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وفجأة في المكتبة العامة وجدت كتاباً اسمه «العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل - من تأليف ابن عقيل الشافعي - وهو يتحدث ويرد بعض المعايب والمطاعن والشطحات التي واجهنا بها علي فاستهواني ذلك الكتاب وفاجئني مفاجأة تامة.. وشككني في كل المعايب التي سمعتها عن علي في جو معهدنا وجامعتنا.. ومع كتب أخرى وكلمات جديدة تبدأ جولة جديدة مع الإمام علي ذلك» هو كتاب كتب وشخصيات وكتاب العدالة الاجتماعية في الإسلام السيد قطب

وعدت أبحث عن علي من جديد، على ضوء منهج سيد قطب في التعامل مع الإمام علي

ولا أستطيع اليوم أن أقول أين كانت تقودني قدمي لولم يكن هذا المنعطف في حياتي بكتابات سيد قطب وكلماته عن الإمام علي وعن الإمام الحسين - نقلت كلماته في الإمام الحسين في كتابي نقد الشيخ محمد عبد الوهاب من الداخل - ولكن الذي لا شك فيه أن كتاب «العتب الجميل» قد أعطاني دفعة هائلة في اتجاه منهج سيد قطب في التعامل مع الإمام علي لم أكن لأتجه إليه بغير ذلك الكتاب ولا شك أنه

ص: 64

حينما تتغير رؤيتي للإمام علي سوف يتبعها بالتدريج المرحلي تغيير رؤيتي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. ومع كتاب آخر تبدأ جولة جديدة مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ذلك هو كتاب «الإمام جعفر الصادق للشيخ محمد أبي زهرة الذي رسخ في ذهني منهج سيد قطب في التعامل مع الإمام علي وفي التعامل مع الإمام

الحسين.

كان الحديث عن الإمام جعفر الصادق وعن مذهب الجعفرية بأسلوب محمد ابي زهرة جديداً على حسي وعلى تفكيري ؛ لأنني كنت – قبل اكتشاف ذلك الكتاب - اصر بأنه لا وجود لأي مذهب ينتسب إلى أهل البيت - كما تعلمنا في المعهد والجامعة – والجديد عليّ في هذا الكتاب وجود مذهب لاجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وبيّن أبو زهرة أنه عرف هذا المذهب بالمذهب الجعفري وإذا كنا في نموذجنا الوهابي نشكك في ما رواه الجعفرية عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فإن هذا الكتاب اثبت بأدلة قوية بأن أكثر ما نقلته الجعفرية عن أهل البيت هي منقولات ثابتة عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ورفض المنهج التشكيكي الوهابي في كل تراث الجعفرية.. حينئذ عدت من جديد لأدرس روايات الجعفرية عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. عدت إلى دراسة الجعفرية بمنهج جديد بعيد كل البعد عن الصورة المرسومة في

ص: 65

ذهني المنبثقة من النموذج الوهابي.

لقد كان - عندي - أن ما هو موجود في كتب الجعفرية انما سخافات واساطير تنسب إلى اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام . وكنا في معهد صنعاء وجامعة الإمام محمد بن مسعود في الرياض نتلقى تلك التشكيكات في تراث الجعفرية من مشايخنا ونجعل كلامهم وكأنه كلام منزل من السماء لا ينبغي مناقشته.

لقد بدأت تتجمع في ذهني صورة جديدة عن «اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وعن المذهب الجعفري المنتسب إلى اجداده لاسيما أنني أطلعت في المكتبة العامة على فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت حول المذهب الجعفري ولم يكن رأيه في الجعفرية يخطر بذهني.

***

وعلى الرغم من أن النموذج الفكري الوهابي وهكذا النموذج التفسيري الوهابي : يهتز في ذهني وأنني وصلت إلى مرحلة متقدمة في اكتشاف حقيقة اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. إلّا أنني عدت من جديد ورجعت إلى الخلف.. وانتعشت كراهيتي لمذهب اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من جديد بعد أن شكيت في رؤية الشيخ محمد ابي زهرة وفي رؤية الشيخ محمود شلتوت حول الجعفرية وآمنت من جديد برؤيتي الوهابية القديمة عنها وهي نفس

ص: 66

رؤية محب الدين الخطيب واحسان الهي ظهير عن الجعفرية.. ولكن في هذه المرة لم اتنازل عن منهج ابن عقيل الشافعي ومنهج سيد قطب في التعامل مع اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ... مع الإمام علي ومع الإمام الحسين فلم اعد اكره الإمام علياً.. وبدأت الآن افكر في كتابة كتاباً ضد مذهب اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ولكن هي كتابة الذي يقدّم حضوة ويتأخر خطوة.. ؛ لأن فتوى شلتوت في الجعفرية ورأي ابي زهرة فيها ما تزال ماثلة في ذهني.. فكنت متأرجحاً ومتردداً بين منهج محب الدين الخطيب واحسان الهي ظهير في التعامل مع الجعفرية - وهو منهجي القديم – وبين منهج شلتوت وابي زهرة في التعامل معها.. لكن منهجي القديم المهيمن علي منذ طفولتي جذبني إلى الشيخ محب الدين الخطيب والشيخ احسان الهي ظهير في التعامل مع الجعفرية فدفعني دفعاً إلى أن اجمع كل ما قالاه الشيخان - الخطيب وظهير - عن الجعفرية من المعايب والمطاعن من اجل اثبت صحة حكمهما على الجعفرية من خلال توثيقها واسنادها إلى كتب قطب من اقطاب الجعفرية اجمع الجعفرية على عظمته ووثاقته وهو «الشيخ المفيد».. وبدأت اجمع كل كتب الشيخ المفيد التي تفوق علي عشرين مجلداً.. ولكن قراءتي لكل كتب الشيخ المفيد وصحبتي له أخذت مني منحى آخر.

لقد أدركت - من خلال كتبه - خطأ الشيخين - الخطيب وظهير .

ص: 67

في حكمهما على الجعفرية وصواب شلتوت وابي زهرة في رؤيتهما عن الجعفرية، بل أدركت من خلال كتبه ما هو اكبر من ذلك.. أدركت حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام . وبغير ترتيب مقصود قادني الشيخ المفيد من النموذج الوهابي في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلى منهج الاثني عشرية في حقيقة هذا الإمام العظيم.

بغير ترتيب مقصود.. إنما قرأت كتبه لنقد وتكفير المذهب الذي ينتمي إليه.. فكان كل كتاب له يقربني إلى مذهب الشيخ المفيد ويبعدني عن النموذج الوهابي.

وكم هنالك فرق بين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في طفولتي وبين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حينما قرأت تراث وكتب الشيخ المفيد ولكن لابد حتى اكون صادقاً مع القارئ الكريم أنني حتى بعد أن قرأت كل تراث وكتب الشيخ المفيد وجدت نفسي في بداية الأمر امام الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام يبدولي هذا الإمام كما لو كان شخصين مختلفين حلا في شخصية واحدة.. ولكن هذه الشخصية ليست كما بدت لي بل جل ما في الأمر أن لمحمد بن الحسن العسكري علیه السلام الأول يمثل ويصوّر لي صورته التي غرست في مخيلتي في المعهد والجامعة وما أحمل في نفسي من ذكريات عنها لا تنسى، ومحمد بن الحسن العسكري علیه السلام الثاني يمثل

ص: 68

صورة جديدة له.. والتعارض بين الصورتين جعلني اعيش في قلق نفسي وتحيّر .. أي الصورتين انتخب، لاسيّما أنني بدأت المس وجود تيارين في داخل مخيلتي يجريان في اتجاهين متعاكسين أحدهما يدافع عن محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الأول والأخر يتبنى «محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الثاني.

«محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الأول رسمه ابن تيمية في كتابه منهاج السنة ومحمد بن الحسن العسكري علیه السلام الثاني رسمه الشيخ المفيد في تراثه الفكري.. الواقع أن التيارين المتنازعين كان لهما صدى في ایجاد نزاع داخل نفسي ما بين محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الذي رسمه ابن تيمية وغرس في وجداني منذ طفولتي، و«محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الذي اكتشفته في كتب الشيخ المفيد.

لقد اخذت الحيرة تستولي على نفسي... ايمكن أن يكون ما عرفته عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام طوال دراستك في المعهد والجامعة ليس صحيحاً ..؟ وماذا تعرف يا عصام عن تلك الشخصية ..؟ إنك تعرف عنه شيئاً، وابن تيمية يعرف عنه اشياء.. إنك تعرف عنه نتفاً من هنا ومن هناك لو جمعتها لما ارتقت إلى ما عرفه ابن تيمية عن هذه الشخصية ؟ اتراك يا عصام تساوي بين شيخ الإسلام ابن تيمية وبين شيخ من مشايخ الرافضة يدعى بالشيخ المفيد ..؟ ترى ماذا سيحدث لي في جامعة الإمام محمد بن سعود إذا افضيت إليهم بخبر هذا الحدث العظيم

ص: 69

وهم بمذهب ابن تيمية في شأن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وأسرتي واقربائي.. وعمّي - الشيخ عبد الرحمن العماد – الذين في اليمن.. كيف يكون وقع الخبر عليهم ..؟ إن الاتصالات بيني وبين عمّي لم تنقطع طيلة إقامتي في الرياض.

بمثل تلك الأفكار وشبيهاتها عشت تلك الفترة الهامة في حياتي الفكرية، عند هذا الحد كنت أتوقف واتردد. ولئن كنت احياناً اشك في عقيدتي السابقة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. لكننى فى لحظة غير ارادية كنت اختار رأي ابن تيمية في هذه الشخصية واترك رأي غيره

نتصوّر أن زائراً من السماء هبط إلى الأرض، فمن الطبيعي أن يكون عالماً بحقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كما هي في واقعها ؛ لأنه اطلع على واقع هذه الشخصية في العوالم العلياء في السماء، وإن كان حين وصل هذا الزائر السماوي إلى الأرض لا يعلم ما هي رؤية أهل الأرض للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. ولا يعلم هل تنطبق رؤية أهل الأرض مع رؤية أهل السماء عنه.. ولنفترض الآن وفي محيط الفرض الذي وضعناه أن زائرنا السماوي قرر البحث عن رؤية أهل الأرض للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام فاطلع على النموذج الوهابي حول هذا الإمام العظيم ثم اطلع بعد ذلك على صورة ذلك الإمام في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، فسوف يدرك زائرنا

ص: 70

السماوي بأن هنالك عند أهل الأرض لوحتين متعارضتين عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

اللوحة الأولى رسم فيها الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام منفرة، وهي تبعد الناس عن هذا الإمام، واللوحة الثانية لوحة جميلة ترغب الناس في محبة ذلك الإمام، ولكن من الطبيعي أن زائرنا السماوي يعلم ان احدى اللوحتين تتفق مع لوحة أهل السماء عن هذا الإمام ؛ كما أنه يعلم أن لوحة أهل السماء هي اللوحة التي يرتضيها خالق أهل السماء وأهل الأرض.. وهذا ما قمت به لأجل الخروج من القلق النفسي لديّ فبدأت ابحث عن صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام عند أهل السماء من خلال البحث في كتب الأحاديث النبوية حول الإمام المهدي.. ومما سهل علي الأمر تخصصي في مجال علم الحديث.. إلى أن اكتشفت بعد بحث طويل بأن احاديث النبى فى الإمام المهدي تنطبق على الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبالتالي تنسجم مع اللوحة التي رسمها عنه الشيخ المفيد، وهكذا بدأت اتحرر من اللوحة الثانية التي رسمها عن ذلك الإمام العظيم التي رسمها ابن تيمية.

***

لكن مشكلتي الكبرى تكمن بأنه لم تكن لي تجربة للتحقيق والبحث عن عقيدة خارج نموذجنا الفكري عن ذلك الإمام العظيم لكن ثقافتي عن هذا الإمام بدأت تنمو بسبب قراءاتي عنه في تراث

ص: 71

الشيخ المفيد البعيد عن نموذجنا الفكري، ولكن مشكلتي الكبرى أنني لم اتمكن من الاطمئنان من تراث بعيد عن نموذجنا الفكري.. إلا أن رأس الخيط الذي جعلني اطمئن إلى رؤية الشيخ المفيد في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام يرجع إلى تحقيقي وتأملي في بعض أقوال ابن تيمية فكانت هي السبب الأول الذي قادني إلى الإيمان بهذه الرؤية التي اكشفتها في تراث الشيخ المفيد.. وهي أقوال قرأتها في كتاب منهاج السنة لابن تيمية حيث قال: «وكثير من اليهود إذا اسلم يتشيع فظن أن هؤلاء - أي الائمة الاثني عشر عند الاثني عشرية - هم اولئك - أي هم الائمة الاثنا عشر الذين ذكروا في تراث - الاثني عشرية - منهاج السنة ج 8 ص 242 وص 252 - ، ويقول ايضا - : .... الذي ثبت - عن النبي في عدد الاثني عشر مما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي فسمعته يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا... والذي في التوراة يصدق هذا... » منهاج السنة ج 8 ص 242 وص 252 - وأشهد أني وجدت في كتب اليهود والنصارى عين ما ذكره ابن تيمية.. لقد تتبع اليهود والنصارى اخبار الخلفاء الاثني عشر من أهل بيت محمد كما تتبعوا اخبار محمد. لقد ناقشتهم في الجامعة في اقوال ابن تيمية وفي ما جاء في التوراة مما يؤيد رؤية الشيخ المفيد وكان انطباعهم الأول أنني إنسان ساذج غرر بي رجل رافضي.

ص: 72

وبعد أن تأملت في أقوال ابن تيمية وفي التوراة إضافة إلى الأدلة النقلية والعقلية التي ذكرها الشيخ المفيد لم يكن من الممكن لي أن اغمض عيني عن جميع الدلائل التي تشير إلى خلاف ما تعلمناه عن هذه الشخصية في معاهدنا وجامعاتنا ومساجدنا.

لقد بدأت اكتشف حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وكان اكتشافي له حدثاً عظيماً في حياتي الفكرية.

***

تلك قصتي الطويلة مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام والصفحات التالية والماضية هي الخلاصة من هذه القصة الطويلة.. أقدمها إلى كل اخواني الوهابيين الباحثين عن حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وبعد أن انتهينا من بيان بداية تهافت النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. حان الوقت أن نشرع في عرض الأدلة التي كانت هي السبب في تهافت نموذجي الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وهي السبب في إيماني بمهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم.

ص: 73

ص: 74

فهم جديد للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

بعد بحث طويل - كما تبين لنا من خلال البحث الماضي استيقنت بأن القول بحقيقة غيبة الإمام هو تصور اعتقادي مصدره الرسول الأكرم، وأوصياؤه الأثنا عشر لا من غيرهم، ويستطيع الإنسان - وهو واثق - أن يقول: إن عقيدة الاثني عشرية بحقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حقيقة أساسية أخبر عنها الرسول الأكرم قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائتين عاماً، وكان الأئمة الاثنا عشر - من لدن الإمام علي إلى الإمام المهدي - يبينوا للناس هذه الحقيقة ويعرفوهم بأن الإمام الثاني عشر سوف يغيب، ووضحوا لهم ذلك بالنصوص الصريحة المتواترة، حتى أصبحت حقيقة مسلّمة لدى جماعة كبيرة من المسلمين.

وفي الحقيقة أن أهم مشكلة واجهتها في رحلتي الفكرية من الوهابية إلى الاثني عشرية هي قضية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام و مهدويته وغيبته. والواقع أن سبب تلك المشكلة التي واجهتها، لأنني كنت اريد أن أفهم حقيقة الغيبة قبل أن أدرك حقيقة حديث الثقلين، وقبل أن أدرك حقيقة حديث الاثني عشر، وقبل أن ادرك حقيقة آية التطهير، وقبل أن أدرك حقيقة آية المباهلة، وقبل أن أدرك الكثير من

ص: 75

الحقائق التي لا بد لي أن أدركها قبل أن أدرك حقيقة الغيبة.

لقد تبين لي - بعد بحث طويل أنني لا أستطيع أن أفهم حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلا بعد أن أدرك حقيقة الإمامة الربانية لمذهب الاثنى عشرية، فلا شك أن حقيقة الغيبة تنبثق من الإيمان بنص الرسول الأكرم - صلى الله عليه و آله - على إمامة الأئمة الاثني عشر، وقبل أن أؤمن بذلك كان لا يمكن لي أن أدرك هذه الحقيقة ومن هنا حين كنت ابحث عنها، قبل اعتقادي بالنص على الأئمة الاثني عشر كانت نظرتي حول حقيقة غيبة الإمام المهدي [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام قابعة في حدود المعرفة الفكرية الباردة، ومن ثم لم اقتنع بها إلا بعد أن اعتقدت بإمامة الائمة الاثنى عشر؛ لأن هنالك تلازم بين حقيقة الإمامة وحقيقة الغيبة، بل هناك ما هو أكثر من التلازم هناك الانبثاق الذاتي، فحقيقة غيبة الإمام الثاني عشر فرع من حقيقة إمامة الأئمة الاثني عشر لقد أدركت بأن المسألة - فى حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر - ليست كما سرنا عليه في بحثنا عن حقيقة الغيبة في معهد صنعاء وفي جامعة الإمام محمد بن سعود حيث كنا نبحث عن حكمة حقيقة الغيبة من دون أن نبحث هل لهذه الحقيقة وجود في الاحاديث النبوية، وادركت بأن المسألة - في حقيقة الغيبة - ليست هي البحث عن إمكانية أن يعيش الإمام الثاني عشر أكثر من ألف سنة، إنما المسألة ترتبط أولاً - قبل كل شيء -

ص: 76

بالبحث عن الأحاديث النبوية والروايات المتواترة القاطعة الصريحة، التي دونت في كتب الحديث، وانتشرت بين الناس، وكتب حولها الكتب، وارتبطت بعقيدة الناس بعد أن سمعوا من الرسول - صلى الله عليه وآله - حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر - رضوان الله عليه - ، ثم سمعوها من الإمام علي، ثم سمعوها من الإمام الحسن، ثم من الإمام الحسين، ثُمّ من الإمام زين العابدين، ثم من الإمام الباقر، ثم من الإمام الصادق، ثم من الإمام الكاظم، ثم من الإمام الرضا، ثم من الإمام الجواد، ثم من الإمام الهادي، ثم من الإمام الحسن العسكري علیه السلام ، ثم من الإمام المهدي - رضوان الله عليهم جميعاً ، وبتلك الأحاديث والروايات المتواترة، المستمدة مباشرة من الرسول الأكرم، ومن أوصيائه الاثني عشر، تكيفت جماعة من المسلمين وآمنت بحقيقة الغيبة قبل تحققها ودونتها وجمعتها في كتب الحديث، بل أفردت لها كتباً مستقلة قبل تحقيق الغيبة بأكثر من مائتين عاماً - كما سيتضح لنا قريباً - إلى أن تحققت مضامين تلك النصوص في الواقع التاريخي بنفس الصورة التي أخبرت عنها تلك الأحاديث والروايات التي كانت هي المرجع الأوّل للاعتقاد بحقيقة الغيبة، فمنها انبثقت تلك الحقيقة، وكانت مفاجئة كبيرة للذين تحققت حقيقة الغيبة في زمانهم، لأنها تحققت بعد أن أخبر بها النبي الأكرم بأكثر من قرنين من الزمان، فعلموا أن تحققها في الواقع التاريخي إنما كان تطبيقاً حتمياً لخبر النبي الأكرم، وآمنوا أن

ص: 77

أخباره - صلى الله عليه و آله - عن حدث سوف يقع في المستقبل لا بد له أن يظهر في الواقع التاريخي.

ونحن - في هذا الفصل من الكتاب - نحاول عرض الأدلة على حقيقة) غيبة الإمام الثاني عشر [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] مصحوبة بالشرح والتوضيح والتجميع والتبويب، حتى يعرف إخواني الوهابيين اسباب إيماني وتصديقي بتلك الحقيقة الأساسية العظيمة واسباب تركي للنموذج الوهابي في ترسيم تلك الشخصية العظيمة.. ونحن عرضنا تلك الأدلة بهذه الصورة

الدليل الأول: حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في التوراة والانجيل.

والدليل الثاني: حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في القرآن والسنة.

والدليل الثالث: حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في كلمات أهل السنة.

والدليل الرابع: حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في كلمات الوهابية.

والدليل الخامس: حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في كلمات علماء الاثني عشرية.

وهذه هي الأدلة الخمسة التي جعلتني اترك النموذج الوهابي حول

ص: 78

الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام واتبع عقيدة الاثني عشرية في حقيقة مهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم... لكنني حين أذكر تلك الأدلة في هذا الفصل لم التزم بذكرها حسب الترتيب المذكور.

ولقد عيرني بسبب إيماني بهذه الحقيقة اقربائي واصدقائي، عيرني البعض من زملائي من مشائخ وعلماء الوهابية ومن أبناء العلماء، ونشروا يهاجموني في أكثر من مقالة يصفوني بالسذاجة والضلال.. تهجموا علي وهم لا يعلمون بأنني آمنت بحقيقة منبثقة من الأحاديث النبوية وكافحت لأجل الدفاع عن السنة النبوية، وتناسوا أن اولياء الله وعباده الصالحين لا يحكمون على عباد الله إلا بعد استماع حجتهم ودليلهم.. اولئك يرون بأن الواجب يقضي علي في منطقهم أن اقلد شيخ الإسلام ابن تيمية في مقالاته عن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وأريد أن اوجه خطابي إلى الذين تجنوا علي وهاجموني فلهم فضل عليّ لأنهم الذين اجبروني على طرح حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

وقد مضى على هجومهم علي سنوات ولكني دائما اذكرهم واشكرهم على جميلهم ولن أنساه ما حييت

لقد قرأت عشرات الكتب التي كتبت حول حقيقة غيبة الإمام المهدي [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام )، ثم أعدت قرأتها، كنت

ص: 79

أقرأ الكتاب حول الغيبة ثم أعيد قراءته، وإذا عجزت عن فهمه وهضمه أعدته مرة ثانية، ولا شيء أصعب علي من أن اقرأ كتابا جديدا حول حقيقة الغيبة ولم أكن قد فهمت الكتاب السابق، حيث أبقى مشغول الذهن به حتى يتضح لي، وهذا ما كان يضطرني إلى مراجعة الشروح والحواشي حتى أعرف مضامين كتب حقيقة الغيبة.

وعندما آمنت بحقيقة الغيبة ابتدأت بالكتابة حولها، وما زلت أذكر أهم تلك الكتاب مثل كتاب الغيبة للشيخ المفيد، وكتاب الغيبة للشيخ النعماني، وكتاب الغيبة [ = كمال الدين للشيخ الصدوق، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي وغيرها كثيرا.

وحين عدت إلى اليمن دخلت في حوارات مع بعض أخواني الوهابيين حول حقيقة الغيبة فبقيت مكباً اكثر من شهرين ملازما لكتب حقيقة الغيبة في الليل والنهار مطالعة وكتابة.

كنت اعتقد أيام دراستي في السعودية أن فكرة الغيبة هي فكرة يهودية أو مجوسية لا أساس لها في الإسلام، اما بعد أن بحثت عنها بحثا عميقا وتابعت التنقيب والتحقيق حولها اعتقد الآن أنها تأتي في ضمن المسائل الأساسية والحقائق الرئيسية في الإسلام وقد كان هذا البحث ثمرة قراءتي وتحقيقي حول هذه الحقيقة الكبرى في الإسلام. ولعله يحسن - لتكون هذه الحقيقة واضحة وضوحاً يناسب أهميتها أن نذكر ما سبق ذكره في هذا الكتاب - قبل ذلك بأن السبب الأول

ص: 80

الذي قادني إلى الإيمان بهذه الحقيقة هي كلمة قرأتها في كتاب منهاج السنة لابن تيمية حيث قال: وكثير من اليهود إذا اسلم يتشيع فظن أن هؤلاء - أي الائمة الاثني عشر عند الاثني عشرية هم اولئك » - منهاج السنة ج 8 ص 242 وص 252 ، ويقول - ايضا ... الذي ثبت عن النبي : في عدد الاثني عشر مما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي مسمعته يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا... والذي في التوراة يصدق هذا... » - منهاج السنة ج 8 ص 242 وص 252 - وأشهد أني وجدت في كتب اليهود والنصارى عين ما ذكره ابن تيمية.. لقد تتبع اليهود والنصارى اخبار الخلفاء الاثني عشر من أهل بيت محمد كما تتبعوا اخبار محمد

وفي الحقيقة أنني عندما قرأت في كتب اليهود والنصارى وفي كتب أهل السنة - بعد أن قرأت عبارة ابن تيمية السابقة - بدأت ابحث من جديد حول معنى حديث الاثني عشر الذي تعلمنا في المعاهد الوهابية وفي جامعات السعودية أنه يرتبط بخلافة الخلفاء الأربعة وخلافة معاوية ويزيد وغيرهما من الخلفاء الأمويين، واضطربت عقيدتي في تفسير ابن تيمية لهذا الحديث اضطرابا شديدا هز ثقتي بطريقته في دراسة حديث الاثنى عشر.

وأتذكر أني قرأت - يوما - في التوراة عبارة صريحة تبين لي دقة ابن تيمية في التأمل في التوراة... :

ص: 81

.. - 18 - وقال إبراهيم الله ليت إسماعيل يعيش أمامك - 19- فقال الله: بل سارة تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق... - 20 - وأما إسماعيل فقد 1 سمعت لك فيه ها أنا أباركه ،وأثمره واكثره كثيرا جدا. اثني عشر رئيسا يلد، وأجعله أمة كبيرة » - العهد القديم والجديد: ج 1 ص 25 في سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر ..

ومن هنا قال ابن كثير

في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله بشر إبراهيم بإسماعيل، ويجعل من ذريته اثني عشر عظيما » - البداية والنهاية ج 1 ص 102 وانظر تفسير ابن كثير للآية 12 من سورة المائدة.

ولم أكن حينها قد اكتشفت أن الإمام المهدي عند ابن تيمية وعند ابن كثير وعند كبار مشائخ الوهابية في عصرنا هو نفس الخليفة الثاني عشر من اولئك الاثني عشر الذين ذكروا في بشارة التوراة وفي بشارة نبينا محمد.

وفي جامعة الإمام محمد بن سعود انشرحت أمامي تلك الحقيقة بعد أن نشر بيانا بإمضاء مدير إدارة المجمع الفقهي الإسلامي.. والبيان صادر من علماء المملكة العربية السعودية.. وهو يبين أن الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر في حديث الاثنى عشر ، وقد صدر البيان من قبل " رابطة العالم الإسلامي المعروفة باتجاهها الوهابي، وكان بإشراف جماعة من كبار علماء السعودية، مع إمضاء مدير إدارة المجمع الفقهي

ص: 82

الإسلامي محمد المنتصر الكناني، وقام بكتابة هذا البيان فضيلة الشيخ محمد المنتصر الكناني وأقرت به اللجنة المكونة من أصحاب الفضيلة والعلم الشيخ الجليل صالح بن عثيمين وفضيلة الشيخ أحمد محمد جمال وفضيلة أحمد علي وفضيلة الشيخ الجليل عبد الله خياط، وبإشراف الشيخ محمد صالح القزاز مدير الرابطة، والذي يهمني في هذا البيان الطويل هي هذه العبارة المقتطفة: «هو - الإمام المهدي - آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح، وأحاديث المهدي، واردة عن كثير من الصحابة... ».

إنه لم يكن ليخطر ببالي في يوم من الأيام أن أبحث واحقق من جديد حول فهمنا لحديث الاثني عشر ؛ لأني كنت مقلداً لابن تيمية في فهمي لهذا الحديث

وكنت اعتقد بأن فهم الاثني عشرية لهذا الحديث وقولهم بأن الخلفاء الاثنا عشر هم علي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين ليست سوى خرافة من خرافات الرافضة.

ومن المناسب لما نقله ابن تيمية من التوراة حول الخلفاء الاثني عشر بعد النبي الاكرم أن اذكر أنني في أحدى الأيام سمعت أن أحد الشخصيات اليهودية التي اعتنقت مذهب أهل السنة والجماعة قد ترك التسنن ودخل في مذهب الاثني عشرية.. فذهبت إليه وقلت له: لماذا

ص: 83

اسلمت على مذهب التسنن ثم دخلت في المذهب الاثني عشري. ففتح لي التوراة وقرأ لي عين العبارة التي نقلها ابن تيمية من التوراة.. وجعلني هذا اللقاء مع هذه الشخصية ذات الأصول اليهودية اتذكر كلام ابن تيمية عن اليهود الذين اسلموا في عصره كيف كانوا يتركوا التسنن من اجل هذه البشارة السماوية حيث قال: « وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيع ) - منهاج السنة ج 8 ص 242 -

واريد الآن أن اذكر القارئ الوهابي الكريم بأمر قد سبق لي أن ذكرته في فصل سابق وهو حينما ذكرت تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في زمن طفولتي وعند بداية دراستي في المعاهد الدينية الوهابية.. فقد بيّنت بأنه ليس في ذاكرتي في زمن طفولتي عن قناعتي بهذه الحقيقة امر يستحق التدوين فكأي طفل نشأ وعاش في محيط وهابي، يرتسم محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - المهدي عند الاثني عشرية - في مخيلتي الصغيرة كأسطورة وشخصية وهمية مخترعة، ولم يكن هنالك علاقة بين محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في ذهني بالإمام المهدي الثاني عشر - أحد الخلفاء الاثني عشر في عقيدة ابن تيمية وابن كثير - ولكنني حينما قرأت عبارة ابن تيمية - بعد أن تجاوزت مرحلة الطفولة - التي نقلها من التوراة حول الخلفاء الاثني عشر بعد النبي ثم تصريحه بأن المهدي هو الثاني عشر من اولئك الخلفاء المذكورين في التوراة وفي كتب الحديث عند المسلمين بدأت ادرك أن هنالك علاقة

ص: 84

بين مهدي الاثني عشرية وبين مهدي الوهابية، وازداد الأمر وضوحا عندي حينما وجدت هنالك علاقة بين صفات المهدي في كتب اليهود والنصارى وبين صفات الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الكتب التاريخية التي تحدثت عن صفاته وسماته..

اتذكر أنني كنت في جامعة الإمام محمد بن سعود ابحث في مكتبتها العامة وكنت قد بدأت البحث عن المهدي عند الاثني عشرية، وكنت اردد عبارة ابن تيمية.. وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيّع فظن أن هؤلاء [أي الخلفاء الاثني عشر] هم اولئك [أي الذين بشرت بهم التوراة والنبي الأكرم... - منهاج السنة لابن تيمية ج 8 ص 242 -. ثم - ذهبت إلى بعض زملائي في جامعة الإمام محمد بن سعود وبدأت اتحدث معهم عن عبارة ابن تيمية التي لها دور كبير في هدايتي إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وقلت لهم: إن ابن تيمية صرّح بأن الكثير من اليهود في عصره - في النصف الثاني من القرن السابع الهجري والنصف الأول من القرن الثامن - إذا اسلموا يتشيّعوا، ثم بيّن ابن تيمية أن سبب تشيّعهم هو أنهم ظنوا أن الأئمة الاثني عشر الذين بشرت بهم التوراة وبشر بهم النبي هم نفس الأئمة الاثني عشر الذين تقول بهم الاثنا عشرية.

فقال أحدهم: إذا اسلم أحد اليهود ثم ارتد وترفض.

فقلت له: لكن اليس من المهم أن نبحث لماذا اختار الرافضة علينا..

ص: 85

والذي لفتني أنه ترفض بسبب أنه رأى أن صفات الخلفاء الاثني عشر عند الرافضة تنطبق على صفاتهم في كتب اليهود.

وفي الحقيقة أنني بعد معرفتي بعبارة ابن تيمية بدأت اقارن بين صفات الخلفاء الاثني عشر عند الاثني عشرية وبين صفاتهم في كتب اليهود والنصارى، وبدأت ابحث عن اليهود الذين اسلموا ثم ترفضوا.

وحينما تقدّم بي البحث حدثت لي مفاجأة كبرى، ودار بيني وبين اخواني الوهابيين حوار طويل بسبب اهتمامي باليهود والنصارى الذين اسلموا ثم تشيعوا.. ولكنني عندما قرأت عنهم ازداد لدي نموذجي الوهابي اضطراباً، وتضاعفت شكوكي في ردود الشيخ ابن تيمية على الاثني عشرية بخصوص عقيدتهم بمهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وكانت دراستي لحياة اولئك تنفذ في خفة إلى قلبي فتفعل به الأفاعيل.. وأتذكر حينما كنت اقرأ البشارات السماوية الواردة في كتب اليهود والنصارى - التي اشار الى بعضها ابن تيمية - أجدها تهدي إلى المهدي [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] الذي تقول به الاثنا عشرية.. والذين تركوا اليهودية ثم اسلموا ثم ترفضوا هم كثير - كما قال ابن تيمية .. وقد اكتشفت بأنه لا يمكن حصرهم، ولا يعلم إلا الله.. وكنت أثناء مراجعة قصص هؤلاء اقف متسائلاً كيف عددهم ترك اولئك اليهودية والنصرانية ثم تسننوا ثم تشيعوا ..؟ وكيف آمنوا بأن الخلفاء الاثني عشر عند الاثني عشرية هم الذين بشرت بهم

ص: 86

التوراة..؟ وشرعت اقرأ حول ذلك، وابحث في كتبهم، وهنا فقط أدركت كيف تمّ هذا كله.. وعرفت كيف ترك الكثير من أهل الكتاب اليهودية والنصرانية واختاروا التسنن ثم تشيّعوا.

والآن نحب أن نعرف كيف تجلّت حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - المهدي عند الاثني عشرية - في عقول الذين كانوا من كبار الأحبار والرهبان في اليهودية والنصرانية، ثم اسلموا واصبحوا من أهل السنة والجماعة، لكن حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في البشارات السماوية في العهد القديم والعهد الجديد بكل دلائلها وبكل تأثيراتها أجبرتهم أن يجددوا النظر في مذهب أهل السنة.. وهم كثير - كما قال ابن تيمية - وهم كثير نذكر بعض كتبهم التي برهنت وأوردت الحجج القوية على أن احاديث نبي الإسلام عن المهدي هي نفس اخبار كتب اليهود والنصارى عن المهدي، واقرب ما نتمثل به في هذا الموكب الكبير من المهتدين إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام تجربة المسلم العظيم القاضي الساباطي في ذلك الموكب الكريم، وتجربة الإمام الشيخ محمد صادق فخر الإسلام، تجربة العلامة المحقق سعيد أيوب - ذكرت سعيد في سياق هذا الموكب الكبير مع أنه في الأصل كان مسلماً سنياً لأنه كان عالماً متبحراً في القرآن والتوراة والانجيل وكان خبيراً في الأديان السماوية الثلاثة ...

لقد نشأ القاضي الساباطي في عائلة مسيحية وصار قسيساً ثم اعلن

ص: 87

إسلامه وصار عالماً من علماء أهل السنة وردّ على النصارى في كتابه القيم البراهين الساباطية.

وقد بحثت في كتابه عن تجربته مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وفي تجربته بيان لسبب اعتقاده بمهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم.. وهذا السبب الذي ذكره يرجع إلى البشارات السماوية حول الإمام المهدي - التي اشار إليها ابن تيمية - في كتاب «أشعياء»، حيث أن تلك البشارات تنطبق على الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وهذه مقتطفات مختصرة من كتابه يبين فيها تجربته الفريدة مع ذلك الإمام العظيم .... وقد اختلف المسلمون في المهدي، فأما أصحابنا من أهل السنة والجماعة قالوا: إنه رجل من أولاد فاطمة، اسمه محمد واسم أبيه عبد الله واسم امه آمنة. وقال الإماميون بل هو محمد بن العسكري علیه السلام الذي ولد سنة خمس وخمسين ومائتين من جارية للحسن العسكري علیه السلام اسمها نرجس في سرّ من رأى في عصر المعتمد ثم غاب... ولا يرجع بعدها إلا حين يريد الله تعالى.

ولمّا كان قولهم أقرب لما يتناوله هذا النص [ يعني بشارة كتاب أشعياء حول المهدي]، وإن هدفي الدفاع عن أمة محمد مع قطع النظر عن التعصب لمذهب، لذلك ذكرت لك أن ما يدعيه الإمامية يتطابق مع هذا النص.

فهذا المسلم العظيم هو فرد من تلك الكوكبة الكريمة المهتدية إلى

ص: 88

الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وهو يبين تجربته مع هذا الإمام العظيم.. ويذكر بأن بشارة أشعياء هي صفة دقيقة للمهدي الذي بشّر به نبي الإسلام ولا تنطبق هذه الصفة الدقيقة إلا على الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الذي تعتقد بمهدويته وغيبته الاثنا عشرية.

ومن المؤسف أنني حين ذكرت لبعض اخواني الوهابيين تلك البشارة الهامة التي ذكرها القاضي الساباطي واجهت هجمة شرسة من قبلهم.. وأخذوا يرددوا ما تعلمناه في نموذجنا الوهابي عن هذا الإمام العظيم.. ما هو إلا مجرد اسطورة مخترعة من قبل الرافضة.

والآن نعود إلى موضوعنا ونواصل ذكر بعض الذين تركوا اليهودية والنصرانية بسبب تجربتهم مع ذلك الإمام العظيم بعد أن تبين انطباق البشارات السماوية حول مهدي آخر الزمان على الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

ويأتي من افراد هذه القافلة الكريمة التي استقر بها النوى في رحاب هذا الإمام العظيم.. الإمام الشيخ صادق فخر الإسلام.. كان من كبار علماء النصارى - قبل أن يعتنق الإسلام . وقد شرح تجربته مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في ثنايا كتابه الكبير أنيس" الأعلام في نصرة الأعلام.. وصرّح بأن البشارات في كتب اليهود والنصارى عن مهدي آخر الزمان الذي بشر به نبي الإسلام لا تنطبق إلا على الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

ص: 89

وهكذا نجد قافلة الانبياء من موسى إلى عيسى إلى محمد ترسم صورة واحدة ذات سمات خاصة وصفات فريدة لا تنطبق هذه الصفات وتلك السمات إلا على السمات والصفات الموجودة في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

إن تجربتي مع هذا الإمام العظيم جعلتني استيقن بأن الجماعة الوهابية لن تتحرر من الصورة الشنيعة والقبيحة التي رسمتها عن هذا الإمام العظيم إلا أذا تأملت في كلمات موكب المهتدين إلى هذا الإمام العظيم من اليهود والنصارى.. ولا يفوتني - هنا - أن اذكر تجربة العالم الكبير سعيد ايوب المصري مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام التي ذكرها في الكثير من كتبه.. وقد اعتمد في تجربته على فقرات البشارات السماوية.. وهي فقرات ذات مغزى في تجربتي الفكرية مع ذلك الإمام العظيم. إنها فقرات فريدة كان لها دور كبير في انجذابه إلى هذا الإمام العظيم.. وقد ذكر بعض تلك الفقرات في كتابه القيم «المسيح الدجال».. وهذه مقتطفات من تعليقات سعيد ايوب على تلك الفقرات: ... بعد أن نقل عبارة بقوله: يقول كعب مكتوب في أسفار :الأنبياء المهدي ما في عمله عيب.. قال سعيد ايوب معلقاً ... وأشهد أني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده (صلی الله علیه وآله وسلم) ، فدلت أخبار سفر الرؤيا... إلى امرأة اخرى - أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدته .،

ص: 90

وقال السفر: إن هذه المرأة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر بأسم «التنين»، وقال: والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد يبتلع ولدها متى ولدت - سفر والتنين هو رمز للطاغية والحاكم الظالم، وبعض هذه البشارات تشير إلى الطاغية العباسي المعتمد الذي عاصر والد الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وأمر - كما ذكر ابن الاثير المؤرخ السني في تاريخه - بمحاصرة منزل والد ذلك الإمام العظيم من أجل التنقيب عن الحوامل من نسائه] : [3:12].

أي: إن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في تفسيره: عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه». واختطف الله ولدها أي إن الله غيب هذا الطفل كما في قول باركلي... ثم قال باركلي عن نسل المرأة [ يعني بها المرأة الأولى وهي غير المرأة الثانية التي تلد الرجل الأخير.. وتلك المرأة الأولى هي جدة الرجل الأخير .. يرى سعيد ايوب أن صفات المرأة الأولى تنطبق على جدة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. فاطمة الزهراء.. وصفات المرأة الثانية - الأخرى - تنطبق على أم ذلك الإمام العظيم.. نرجس ... عموماً: «إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة الأولى وهو رمز عن السيدة فاطمة الزهراء كما قال في السفر فغضب التنين على المرأة، وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله».

ص: 91

وهنا يبيّن العلامة سعيد ايوب بأن الذي يقرأ كتاب مقاتل الطالبيين لابي الفرج الاصفهاني.. وهكذا يقرأ الكثير من الكتب التي ذكر فيها مقاتل الفاطميين، سوف يعلم بأن المرأة الأولى في تلك البشارة لا تنطبق إلا على فاطمة، وسوف يعلم بأن التنين هو رمز عن طغاة الدولتين الأموية والعباسية حيث شنوا حرب ابادة على باقي نسل المرأة [الأولى] - أي فاطمة -

والآن شرع العلامة سعيد ايوب في ذكر البشارات السماوية عن المرأة الأخرى [وهي نرجس أم الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ... وهي المرأة التي ستلد الرجل الأخير .. وهي التي ذكرت البشارات بأنها ستواجه المخاطر من التنين.. وفي هذا السياق يقول: «ثم أشارت أسفار الأنبياء عند اليهود إلى المخاطر التي ستواجه هذه المرأة التي ستلد الرجل الأخير من الاثني عشر وهو تعبير عن مواقف السلطة العباسية تجاه المولود الموعود ابن الحسن العسكري علیه السلام .

ورمزت أسفار الأنبياء عن الطاغية الذي سيواجه الموعود الأخير المصلح العالمي بالتنين».. فقال في سفر الرؤيا: «والتنين وقف أمام المرأة الأخيرة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت»، وسفر الرؤيا عبر عن الخليفة العباسي الذي حاصر «نرجس» حتى يقتل المهدي بالتنين الذي يريد أن يبتلع ولدها.

وما في «سفر الرؤيا يعد تصريح واضح بالواقع الذي مثله الأئمة

ص: 92

الاثنا عشر من البيت العلوي وما لاقاه اتباع هذا البيت من مطاردات.

جاء في سفر الرؤيا: «إن التنين سيعمل حرباً شرسة على نسل المرأة [الأولى].. [وهو رمز عن فاطمة والمقتولين الفاطميين من ذريتها.

ثم ذكر سفر الرؤيا: فغضب التنين على المرأة وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها [أي: نسل المرأة الأولى] الذين يحفظون وصايا الله».. والمتأمل لهذه النصوص سيجد أن مسألة الاثني عشر من الأئمة من المسائل التي سلّمت بها الديانات السابقة، ولهذا يصرح سفر التكوين وأما اسماعيل فقد سمعت قولك فيه وها أنا اباركه وانميه واكثره جداً جداً، ويلد اثني عشر رئيساً، واجعله أمة عظيمة .. لم يجد هذا العدد تطبيقاً إلّا عند الاثني عشرية... هذه أوصاف المهدي [في أسفار الأنبياء]، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية - انظر إلى كتاب المسلم العظيم سعيد ايوب المصري.. المسيح الدجال من ص 379 إلى ص 380 -

.. وبعد نحن بحاجة ماسة أن نذكر الكثير الكثير من اولئك الذين ذكر ابن تيمية أنهم اسلموا ثم ترفضوا [تشيعوا] بسبب بشارات التوراة وبشارات نبي الإسلام بالإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - ولا غرابة أن نجد الكثير يهتدون بهذا الإمام العظيم لأن تلك البشارات السماوية صريحة في الدلالة على الأئمة الاثني عشر عند الامامية الاثني عشرية - ؛ لأن ذكرهم يفتح طريق الهداية لأتباع

ص: 93

النموذج الوهابي الذي ينكر مهدوية ذلك الإمام العظيم.. ولكن لا مجال في هذا الكتاب الصغير أن نذكر كل اولئك فنكتفي بهؤلاء الثلاثة

***

ونحب الآن أن نذكر حقيقة مسلّمة وهي أنه لم يكن الشيخ ابن تيمية وحده يرى بأن المهدي هو الثاني عشر بل وجدت بأن الحافظ الإمام جلال الدين السيوطي كان يعتقد - ايضاً أن الإمام المهدي هو أحد الاثنى عشر قال في شرحه لحديث الاثني عشر: .... أحدهما المهدي - المنتظر - لأنه من آل بيت محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) (1) ، وكان الإمام ابن كثير الدمشقي - أيضاً - من أئمة أهل السنة الذين يعتقدون أن الإمام المهدي أحد الأئمة الاثني عشر وقد صرّح بذلك في تفسيره (2) وفي تاريخه، (3) ونقل عنه مفتي الديار السعودية شيخنا ابن باز ذلك (4) والأهم من هؤلاء جميعا هو تصريح ابن تيمية في منهاج السنة بأن المهدي هو الإمام الثاني عشر.

ص: 94


1- تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي: 12 ، بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
2- انظر تفسير ابن كثير للآية 12 من سورة المائدة.
3- كتاب النهاية لابن كثير: 1 / 102.
4- راجع البحث الذي قدمه الشيخ عبد المحسن العباد، وعلق عليه الشيخ بن باز تحت عنوان عقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر»، في مجلة الجامعة الإسلامية العدد الثالث السنة الأولى ذو القعدة 1388 ه- ص 39.

وقد كان إمام أهل السنة - أبو داود السجستاني - من الذين يؤمنون بأن الإمام المهدي هو أحد الأئمة الاثني عشر، ومن ثم فقد أورد في سننه أحاديث الأئمة الاثني عشر، في كتاب الإمام المهدي - رضي الله عنه ، وفي هذا يقول الإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي في كتابه «النهاية»: «فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين...

وقد عقد أبو داود السجستاني - رحمه الله - كتاب المهدي مفرداً فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة، عن رسول الله - صلى الله عليه و آله - : «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم تجتمع عليهم الأمة»، وفي رواية «لا يزال الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال فكبر الناس وضجوا، ثم قال كلمه خفيت قلت لأبي ما قال قال كلهم من قريش (1) ،

ويحسن أن يكون مفهوماً إنني آمنت بهذا الأمر؛ لأن النصوص النبوية واستقراء الحوادث المحيطة بها تؤكد صحة هذه النصوص، ولا يمكن أن يهجس في خاطري أن أنسب إلى الإسلام ما هو بريء منه!. إن مثل هذا الخاطر لا يهجس في نفسي أبداً إنما أنا أسير مع النصوص الثابتة، فجنحت إلى هذا الأمر بإيحاء النص واتجاهه.

والمهم الآن - في تجربتي - مع هذه الحقيقة أن أقول: إن الشرارة

ص: 95


1- كتاب النهاية للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثر: 1 / 201.

الأولى التي قادتني إلى الإيمان بحقيقة الإمام المهدي كما هي عند الاثني عشرية هو عقيدة كبار السلفية وكبار الوهابية في القديم والحديث بأن الإمام المهدي هو الخليفة الثاني عشر، وقد كنت أبحث عن السبب الذي جعل الإمام أبا داود السجستاني يقرن بين الاحاديث الواردة في الإمام المهدي وبين الاحاديث الواردة في الخلفاء الاثني عشر إلى أن اكتشفت هذا الدليل بعد بحث طويل، فعرفت سبب ذلك، لكنه يفرض على كل باحث من اخواني الوهابيين أن يتأمل أولا في الأحاديث والروايات التي وردت في الإمام المهدي ، ثم يتأمل ثانيا في الاحاديث والروايات الواردة في خلافة الخلفاء الاثني عشر، وسوف يجد أن الأحاديث والروايات الأولى - حول الإمام المهدي - ذكرت أن (الهرج)) سوف يكون بعد مضى الإمام المهدي - رضي الله عنه ، وإن الروايات الثانية - حول الخلفاء الاثني عشر - ذكرت أن «الهرج» سوف يكون بعد مضي الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الاثني عشر - رضوان الله عليهم -.

ولعله يحسن - ليكون هذا الدليل واضحاً وضوحاً يناسب أهميته - أن نزيد في إيضاحه وبيانه فنقول: إننا عندما نطرح روايات الإمام المهدي، أمام الروايات التي ذكرت أن الخلفاء اثني عشر سوف نلاحظ: إنها تذكر أن الخلفاء الاثني عشر لن تنتهي حياة آخرهم . الخليفة الثاني عشر - إلا قبيل القيامة، ثم يسأل النبي يكون ماذا؟ أي ما الذي سوف يحدث يا رسول الله بعد مضي الخليفة الثاني عشر؟ فيجيب

ص: 96

الرسول الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم يكون الهرج، فالرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) أخبرنا أن الهرج سوف يكون بعد مضي الإمام المهدي، ثم أخبرنا إنه سيكون «الهرج» بعد مضي الخليفة الثاني عشر، فعلمنا من خلال الجمع بين الخبرين أن الإمام المهدي هو الخليفة الثاني عشر، وبعد أن انتقلت من عقيدة الوهابية في الإمام المهدي إلى عقيدة الاثني عشرية فيه رأيت أن هذا الدليل من الأدلة المذكورة في كتب الاثني عشرية، وقد أشار إلى هذا الدليل المحدث الجليل الإمام النعماني (من كبار المحدثين في القرن الرابع الهجري في كتابة القيم «الغيبة».. فبعد أن ذكر احاديث النبي في الخلفاء الاثني عشر - في كتب أهل السنة - قال: «... وفي قوله صلى الله عليه وآله في آخر الحديث الأول (1) : «ثم يكون الهرج : أدلّ دليل على ما جاءت به الروايات متصلة من وقوع الهرج بعد مضي القائم الإمام المهدي عليه السلام بخمسين سنة، وعلى أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لم يرد بذكره الاثني عشر خليفة ألّا الأئمة الذين هم خلفاؤه... (2)

ونحب - هنا - أن نذكر حقيقة مسلّمة تحدثنا عن الكثرة الهائلة من

ص: 97


1- يقصد الحديث الذي رواه - بسنده - عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، فلما رجع إلى منزله أتته قريش... الحديث».
2- كتاب الغيبة للمحدث الإمام النعماني، الباب الرابع: ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماماً، ص: 107.

الروايات المتواترة الصادرة من الأئمة الاثني عشر، التي ينص فيها كل إمام من الأئمة الاثني عشر، على إمامه الإمام الذي بعده، إلى أن ينص الإمام الحادي عشر على إمامة الإمام المهدي آخر الأئمة - رضوان الله عليهم - حتى أصبح نص كل إمام على الإمام الذي بعده قاعدة ضرورية التزم بها كل الأئمة، وننصح أخواننا الوهابية - هداهم الله - أن يتأملوا في تلك الروايات قبل دراسة حقيقة الغيبة وقبل أن ينتقدوها ويسخروا منها، كما ننصحهم أن يتأملوا في الدلائل القوية المتعددة والمتنوعة التي تثبت أن الإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، الذي ولد في سنة 255) ه)، وبعد الإيمان بتلك الحقائق الأساسية السابقة الموثوق بصحتها، والمستمدة من الكتاب والسنة، سيكون الإيمان بحقيقة الغيبة أمراً ضرورياً، والذي يريد أن يؤمن بحقيقة الغيبة قبل التصديق بتلك الحقائق إنما مثله مثل الذي يسعي بأن يسلّم بأن رسالة محمّد - صلى الله عليه وآله - رسالة ربانية قبل التصديق بنبوته، ومن ثم لا بد لمن يريد أن يدرك حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر أن يلتزم بمسألة التدرج في البحث وبمنهج البحث الذي طرحناه في هذا البحث، فلا يمكن الإيمان بحقيقة الغيبة قبل التصديق بالحقائق المتقدمة عليها، عندئذ من السهولة أن نصل إلى الجزم والقطع بحقيقة غيبة الثاني عشر.

والذين يعانون من الإنكار لهذه الحقيقة من أمثال اخواننا الوهابيين

ص: 98

هم الذين يفصلون بين الأحاديث والروايات المتواترة في حقيقة الغيبة، وتلك الحقائق الأساسية المسلّمة المستمدة من السنة القطعية، حقيقة نص الرسول - صلى الله عليه وآله - على إمامة الأئمة الاثني عشر، وحقيقة نص كل إمام على الإمام الذي بعده، وحقيقة أن الإمام الثاني عشر، هو محمّد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وهو المهدي المنتظر الذي ولد في سنة (255ه).

ولما كان قصدنا في هذا البحث عرض حقيقة الغيبة على الوهابية أرى من الضرورة تبيين أن حقيقة الغيبة هي آخر حقيقة من حقائق الاثني عشرية وجدت مكاناً في العقل والقلب، ومن ثم جعلتها آخر حقيقة تطرح على الوهابية.

إنني - من خلال تجربتي مع هذه الحقيقة - قبل التصديق والتسليم بحقيقة غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - رضوان الله عليه - قد اضطررت أن أبحث عن كتب الحديث والروايات القديمة التي ذكرت أحاديث وروايات حقيقة الغيبة قبل أن تتحقق في الواقع التاريخي، وأن أراجع تراجم رواتها، وتراجم كل المؤلفين حول حقيقة غيبة محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، كما إنني لم أعتمد إلا على الراوي الذي أحرزت وتأكدت من عدالته ووثاقته من خلال دراستي الخاصة لاسيما بعد أن تبين لي الأثر المحسوس للخصومة المذهبية على بعض علماء الجرح والتعديل ومن ثمّ لم أسلّم بكل ما ذكروه في جرح بعض

ص: 99

الرواة، خاصة إذا ثبت لي أن منشأ جرح الراوي هو الخصومة المذهبية واعتمدت في الدرجة الأولى على كتب الحديث والرواية التي كتبت قبل تحقق حقيقة الغيبة في واقع الحياة، ثم اعتمدت في الدرجة الثانية على كتب الحديث والرواية التي كتبت في عصر تحقق حقيقة الغيبة، ثم الكتب التي كتبت في الزمان القريب من عصر تحقق حقيقة الغيبة، كما استفدت في معرفة تاريخ تأليف بعض كتب الحديث المتخصصة في جمع أحاديث حقيقة الغيبة على الفهارس القديمة، لاسيما على الفهرست القيم للرجالي الكبير الشيخ النجاشي، وعلى فهرست الإمام المحدث الشيخ الطوسي، ورجعت - أيضاً - إلى فهرست ابن النديم وعقدت مقارنة بين الفهارس القديمة لعلماء الاثني عشرية والفهارس القديمة لعلماء أهل السنة، وبعد المقارنة استيقنت بصدق ما ذكرته فهارس الاثني عشرية، وكانت المقارنة ضرورية بالنسبة لي؛ لأنني لم أكن - في البداية - أطمئن لعلماء الاثني عشرية، ولا شك أن الأمانة العلمية التي وجدتها - بعد بحث طويل - عند المفيد والنجاشي والطوسي، كانت من الأسباب الرئيسية التي خلقت في نفسي الاطمئنان لأقوال المحققين من علماء الاثني عشرية، إنني أؤمن من أنه ليس من المنطق السليم التشكيك في كل أحاديث وروايات الاثني عشرية، قبل دراسة كتبهم الحديثية والروائية بروح علمية بعيدة عن الخصومة المذهبية، ومن ثمّ فأنا أرفض منهج الوهابية في التعامل مع روايات

ص: 100

الاثني عشرية حول حقيقة مهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ولو فتح باب الشك من دون دليل أو برهان ، لما أمكن لنا أن نصدق بأية رواية.

إنّما يكون الشك مفيداً عندما يبعثنا على البحث عن الرواية من حيث المتن ،والسند أما إذا جعلنا نرفض أي رواية دون بحث وتحقيق، فسوف يكون مرضاً فكرياً خطيراً، ومن البديهيات أن الشك ليس غاية بل هو وسيلة، وليس محلاً للبقاء بل هو مقدمة للحركة الفكرية.

ومنهجنا عند البحث عن روايات الاثني عشرية أن لا نسلّم أونشكك بأي رواية إلا بعد التحقيق والبحث في متنها وسندها، وحتى الرواية الضعيفة من حيث السند التي نشك فيها، فنحن لا نقبل متنها إلا إذا صحت لدينا بسند آخر، فمن ثم فالأحاديث والروايات التي سنذكرها في خاصية الغيبة قد أحرزنا ثبوتها بصورة مجملة، وإذا ذكرنا رواية ضعيفة من حيث السند إنما نذكرها لأننا تأكدنا من صحتها بأسانيد أخرى صحيحة، ومن هنا فأنا أرفض تشكيك أخواني الوهابيين بكل روايات الاثني عشرية، حيث رأيتهم يكذبون كلما رواه الاثنا عشريون، فقد وجدت أن الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة مهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري علیه السلام قد تواترت من حيث المعنى واللفظ ، وتناقلها المحدثون في كتب الحديث والروايات قبل تحقق حقيقة الغيبة في الواقع الخارجي التاريخي، ثم تحققت مضامينها

ص: 101

ومعانيها بنفس الصورة التي رسمتها، ومن ثم فلم نحتاج إلى حذف الرواية الضعيفة من حيث السند.

فلنترك الشك الذي غرس في نفوسنا بسبب النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ؛ لأنه لا يستند على دليل ولنقدر تبعتنا الخطيرة تجاه تلك الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة العظيمة، وقد تبين لي أن منبع الشك في روايات الاثني عشرية كان عندي قبل التحرر من النموذج الوهابي وهو عند الوهابيين حالياً، إنما يرجع هذا الشك إلى إنني وجدت أنه في القرن الرابع الهجري -

بعد تحقق حقيقة الغيبة الكبرى للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام انتشرت روايات الأئمة الاثني عشرية - التي تذكر حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر - في وسط علماء أهل السنة حتى شك بعضهم فيها، بحجة واهية، وهي أن روايات الأئمة الاثني عشر في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، لماذا اختفت في القرون الثلاثة الأولى؟!! وفي هذا التساؤل - الذي كان مهيمناً علي حينما كنت معتقداً بالنموذج الوهابي - تجاهلاً لما حدث لروايات أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى، ونحن نعلم عبارة ابن تيمية في كتابه منهاج السنة التي بين فيها أن أهل السنة لم يأخذوا عن أهل البيت وكذلك عرفنا دور بني أمية في عزلنا عن روايات أهل البيت.. لقد اكتشفت من خلال تجربتي الفكرية مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بأنه قد أتى على روايات أهل البيت المطهرين - أي: الائمة الاثني عشر - وغير المطهرين وقت

ص: 102

حكم عليها فيه بالحرق والإعدام، وكان اقتناء شيء منها يعد جريمة لا يعلم عقوبتها إلا الله، بل أن مجرد ذكر اسم أحد الأئمة الاثني عشر، أو الإشارة إلى رواياتهم، أو الاستفادة منها في كتاب من كتب الحديث لدى المذهب السني، أو حتى مجرد ذكر اسم أحد الرواة من اتباع الأئمة الاثني عشر، كان يعتبر جناية يعاقب عليها صاحبها، وكان إذا أجبرت الضرورة أحد المحدثين - من أهل السنة - على أن يذكر في كتابه رواية واحدة من روايات أهل البيت المطهرين، أو حتى روايات أهل البيت غير المطهرين، كان يبتعد كل البعد عن التصريح بأسمائهم (1) ، ويكتفي بأن يطلق عليهم اسماً لا يعرفه الحكام، بل الأكثر من ذلك، أن بعض المحدثين - من أهل السنة - الذين عاشوا في عصر محنة الأئمة الاثني عشر اضطروا أن يحذفوا روايات الأئمة الاثني عشر، من الكتب التي جمعوا فيها الأحاديث الصحيحة، لاسيما وإن كتب الحديث - في المذهب السني - جمعت في عصر محنة الأئمة الاثني عشر - رضوان الله عليهم ، ومن ثم فقد اكتفوا بمجرد الإشارة إلى الأئمة الاثني عشر في كتب الحديث وحذف الجزء الخاص بذكر أسماءهم!! واختفت روايات الأئمة الاثني عشر من كتب محدثي أهل

ص: 103


1- قال يونس بن عبيد سألت الحسن البصري إنك تقول: قال رسول الله، وإنك لم تدركه؟ فقال: «.. كل شيء سمعتني أقوله قال رسول الله، فهو عن علي بن أبي طالب، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً». انظر كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث لإمام أهل السنة في الديار الشامية، الشيخ محمد جمال الدين القاسمي: 147 - 148 .

السنة بسبب هذه الظروف تماماً، كما بين الإمام الصنعاني أن أهل السنة حذفوا الصلاة على الآل خوفاً من بني أمية، وتضاعفت المسؤولية على أصحاب الأئمة الاثني عشر، وعلى شيعتهم المتمسكين بحديث الرسول - صلى الله عليه وآله - في الأئمة الاثني عشر، وبذلوا كل جهدهم في سبيل حفظ وتدوين روايات الأئمة الاثني عشر، ولكن شدة المحنة التي مرت فيها روايات الأئمة الاثني عشر فرضت على شيعتهم الصعوبات، والتعرض لهجوم السلطان وصل أحياناً إلى إعدام بعض الذين جمعوا روايات أهل البيت أو تعرضوا لتشويه السمعة حتى عدوهم من المجروحين بعد أن عرف السلطان اتصالهم بأهل البيت وسوف اذكر واحدة من محاولات السلطان في إحراق وإعدام روايات الأئمة الاثني عشر، عندما حاول السلطان أن يبطش بأحد كبار محدثي الاثني عشرية المهتمين بجمع روايات أهل البيت وهو المحدث الخبير محمّد بن عمير الأزدي (1) حتى اضطرت أخته أن تدفن كتبه (2)، التي تضمنت بعض روايات الأئمة الاثني عشر ، ولا شك أن محنة أهل البيت تعد من الضروريات والبديهيات التاريخية التي أجمع عليها المؤرخون السنة والشيعة ووافقهم الكثير من الوهابيين المعتدلين، وفي محنة الأئمة الاثني عشر يقول العالم والمفكر السني المشهور، الشيخ محمّد الغزالي:

ص: 104


1- عاش - رضي الله عنه - في عصر محنة أهل البيت قال الرجالي الكبير المحقق النجاشي: إنه مات سنة (217 ه). رجال النجاشي: 326 - 327 ، رقم (887) .
2- نفس المصدر : 326

كان تنقل أهل البيت في أقطار الأرض، إثر ما وقع عليهم قديماً من حيف، وفي العصر الأول ذهب الإمام جعفر الصادق (1) إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتزل بها من الفتن ويبتعد بدينه عن مؤامرات السلطة وإرهاب العباسيين، وجعفر الصادق رجل مطارد من حكومة ذلك العصر، يرقب في أية لحظة أن يقاد إلى مصرعه، كما اقتيد غيره من آل البيت النبوي ) . (2)

وفي القرن الرابع الهجري كانت الدولة العباسية - بسبب ضعف الخليفة العباسي الذي عجز عن السيطرة على مدينة بغداد (3) وأعمالها فضلاً عن غيرها من بلدان العالم الإسلامي - قد رفعت الحصار على روايات الأئمة الاثني عشر ، فكان من الطبيعي أن تظهر روايات الأئمة الاثني عشر بعد أن انتهى عصر محنتهم!! وبعد أن أمن شيعتهم من بطش السلطان ومن ثم أخرجوا كتب الحديث والروايات التي اختفت في عصر المحنة، وبذلك نكون قد أجبنا على السؤال الذي طالما كان يطرح في نموذجنا الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. لقد كنا نردد في كتبنا هذا السؤال.. وهو لماذا اختفت

ص: 105


1- الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر.
2- ركائز الإيمان بين العقل والقلب للمفكر الإسلامي المعاصر الشيخ محمد 153 و 159 .
3- كانت بغداد تحت نفوذ البويهيين، ومن ثمّ فسح المجال لروايات الأئمة الاثني عشر وفتح الحصار عليها.

روايات الأئمة الاثني عشر في حقيقة مهدوية وغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلى أن ظهرت في القرن الرابع ؟ (1).

وسنرى بوضوح كيف تم تدوين أحاديث وروايات الغيبة في عصر المحنة، ولكن منهج السير في هذا البحث يقتضي أن نذكر - قبل ذلك - أقوال المحدثين القدماء في الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - فسوف تسهل لنا معرفة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة - ولقد كان الإمام الشيخ الصدوق

ص: 106


1- يقول أحد الوهابيين المشككين - وهو من الذين تأثرت بهم قديماً - بأحاديث الغيبة: كيف يستقيم للشيعة الاثني عشرية صحة القول بالغيبة مع علمهم إن بعض الفرق المنحرفة تقول بالغيبة؟! وهذا الكلام أضعف ما قرأته من كلمات المشككين من الوهابيين في روايات الغيبة فمن المعلوم أن الكثير من الفرق المنحرفة آمنوا ببعض أصول وفروع الإسلام، ولكن استقام للمسلمين صحة القول بتلك الأصول والفروع، ولو حكمنا بالبطلان على أمر يقول به المنحرفون لسلبنا الصحة على بعض أصول الإسلام وفروعه. و يقول: إن الإمام الصادق قد تبرأ من اعتقادات الغلاة مثل عقيدتهم... والغيبة !! وصاحب هذا الكلام من الوهابيين المصابين بمشكلة الخلط بين الاثني عشرية وفرق الغلاة، فمن المعلوم بالضرورة أن الإمام الصادق تبرأ من اعتقادات الغلاة لا من اعتقادات الاثني عشرية، فقد تبرأ من الذين لا يميزون بين مقام المخلوق ومقام الخالق ومن الذين يعتقدون بالحلول والتشبيه. أمّا حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر فهي من الحقائق الثابتة بالكتاب و السنة، بل إنني لاحظت بالتتبع أن أكثر الروايات في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر رويت عن الإمام الصادق - عليه السلام ، فكيف يتبرأ منها وهو من رواتها؟!

(شيخ المحدثين في القرن الرابع ) (1) يبذل جهداً عظيماً في جمع أحاديث وروايات الغيبة، كان ثمرته كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة، ويقول في هذه الأحاديث والروايات: إن الأئمة عليهم السلام - قد أخبروا بغيبته - عليه السلام - ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة - عليهم السلام - إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصنّفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأصول، مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد - صلى الله عليه وآله - من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب :[ يعني: كتاب إكمال الدين في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء

ص: 107


1- وكان والده علي بن الحسين من أعظم المحدثين المقربين من الإمام الثاني عشر، وأريد هنا أن أنبه أن بعض الكتاب المعاصرين زعم أن والد الشيخ الصدوق لم يشر في كتابه الإمامة والتبصرة من الحيرة إلى حقيقة الغيبة، ونحن نطلب منه أن يكلّف نفسه بقراءة مقدمة والد الصدوق لكتابه فسوف يعلم إنه كتب كتابه في موضوع الحيرة التي هي نتيجة لتحقق الغيبة، ولو رجع إلى روايات الأئمة الاثني عشر، سوف يجد أنهم كانوا يحذرون من الحيرة التي سوف تقع بعد الغيبة، ومن ثم فإن الكثير من الكتب التي كتبت حول غيبة الإمام الثاني عشر كانت تذكر كلمة «الحيرة» بعد ذكر كلمة «الغيبة»، مثل كتاب الشيخ أبي الحسن الأرزي سلامة بن محمّد (ت339) له كتاب الغيبة وكشف الحيرة» ذكره النجاشي وكذلك الشيخ محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة له كتاب الغيبة وكشف الحيرة»، فكيف يزعم أن كتاباً كتب لأجل الغيبة لم يذكر الغيبة؟!.

الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا قد أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقق كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم و اختلاف آرائهم و تباين أقطارهم ومحالهم وهذا - أيضاً - محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دوتوه في كتبهم وألفوه في أصولهم، وبذلك وشبهه فلح الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً) (1)

ويقول - أيضاً - : « قد صح بالأخبار الكثيرة الواردة الصحيحة عن والأئمة - صلوات الله عليهم - من أمر القائم الثاني عشر من الأئمة وغيبته حتى يطول الأمد، وتقسو القلوب، ويقع اليأس من ظهوره، ثم يطلعه الله، وتشرق الأرض بنوره، ويرتفع الظلم والجور بعدله (2)

وفي تلك الحقيقة الكبيرة والأساسية، وفي تلك الروايات الصريحة الصحيحة التي أخبرتنا عن غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، يقول الإمام أمين الإسلام المحدث الخبير الطبرسي

ص: 108


1- مقدمة الشيخ الصدوق لكتابة إكمال الدين: 19
2- كمال الدين للشيخ الصدوق: 2 / 638 - 639.

وخلّدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلّفة في أيام السيّدين الباقر والصادق عليهما السلام، وآثروها عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد (1).

ومن جملة كبار المحققين القدماء الذين ذكروا أحاديث وروايات الغيبة، وتركوا لأجلها مذهب أهل السنة ودخلوا في مذهب الاثني عشرية الشيخ الإمام أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي (2) ، كان من أهل السنة قبل معرفته لأحاديث وروايات الغيبة، قال في تلك الأحاديث والروايات: «نقل إليهم أسلافهم حاله الإمام الثاني عشر وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر» (3)

وأمثال هذه الأقوال الصادرة من المحدثين والمحققين كثيرة والمهم الآن أن نقول: إن هناك اتفاقاً بين سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة وبين هذه الأقوال التي نقلناها عن المحدثين - رضوان الله عليهم ، فنحن وجدنا بعد الرجوع إلى عشرات الكتب الحديثية والروائية ودراستها في أكثر من عشر سنوات مصداقية وحقانية تلك الأقوال، وسوف نثبت ذلك بالأدلة القوية عندما يتقدم بنا البحث في هذه

ص: 109


1- إعلام الورى بأعلام الهدى لأمين الإسلام الطبرسي : 2 / 258 الطبعة المحققة في مؤسسة آل البيت.
2- كان رضي الله عنه من كبار أعلام الغيبة الصغرى ( 260 - 329 ه).
3- كمال الدين: 1 / 107.

الحقيقة الهائلة.

وفي هذا القول نجد مواجهة الإمام الأقدم إسماعيل بن علي بن أبي سهل - رضوان الله عليه ، لشبهات بعض المنكرين لحقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، أو الغافلين عن الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة، والذين أغلقوا على أنفسهم باب البحث في متونها ورواتها، ويبيّن الفرق بين الروايات التي يرفضها ويحاربها السلطان، والروايات التي يسعى ويرغب أن تنشر بين الناس، ثم يذكر تلك الحقيقة المسلّمة، حقيقة نص كل إمام من الأئمة الاثني عشر على الإمام الذي بعده، قال - رضي الله عنه - في كتابه «التنبيه والإمامة» (1) فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السلام على ما شرحت وإنّه قد غاب، كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشيعة تتوقعها وتترجاها» (2).

أخبار الشيع [ يعني الشيعة الاثني عشرية ] أوكد من أخبار غيرهم من المسلمين؛ لأنه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة، وإنما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك، وإذا صح بنقل الشيعة النص من النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام صح بمثل ذلك النص من

ص: 110


1- راجع فهرست النجاشي: 31 ، رقم (68).
2- نقلنا من كتابه بواسطة كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق: 94 ، من مقدمة كتابه.

علي على الحسن، ومن الحسن على الحسين، ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن علي، ثمّ على الغائب الإمام بعده عليه السلام؛ لأن رجال أبيه الحسن عليه السلام الثقات كلّهم قد شهدوا له بالإمامة وغاب عليه السلام؛ لأن السلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكل بمنازله وحرمه سنتين. (1)

وليست هذه الحقيقة تعبر عن رأي أصحاب تلك الأقوال، كما إنها ليست رأياً لغيرهم من العلماء، إنما هي النصوص القاطعة التي لا مجال لتأويلها.

ونؤثر أن ننقل لأخواني الوهابيين ما كتبه عنها المحدث الخبير (شيخ المحدثين في القرن الخامس الإمام محمد بن الحسن الطوسي، كتابه القيم «الغيبة» فهو أدق ما يكون، قال بعد أن بيّن بياناً قاطعاً من نصوص السنة في كتب أهل السنة، وكتب الاثني عشرية، أن أوصياء الرسول الأكرم هم الأئمة الاثنا عشر: «ويدل أيضاً على إمامة ابن الحسن [الإمام الثاني عشر المهدي عليه السلام] وصحة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه عليهم السلام قبل هذه الأوقات بزمان طويل، من أن لصاحب هذا الأمر غيبة، وصفة غيبته وما يجري فيها من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وإنّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، وإن الأولى يعرف فيها خبره، والثانية لا يعرف فيها أخباره فوافق ذلك على ما تضمنته الأخبار، ولولا

ص: 111


1- نفس المصدر : 89 - 90

صحتها وصحة إمامته لما وافق ذلك، لأنه لا يكون إلا بإعلام الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه و آله، ونحن نذكر من الأخبار التي تضمنت ذلك طرفاً؛ ليعلم صحة ما قلناه، لأن استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول، وهو موجود في كتب الأخبار . (1)

وقال بعد أن بيّن بياناً كاملاً من الأحاديث المتواترة عن الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - ومن الروايات المتواترة عن الأئمة الاثني عشر، أن حقيقة غيبة الإمام الثانى عشر من الحقائق القطعية والحتمية: والأخبار في هذا المعنى [أي في غيبة الإمام المهدي رضوان الله عليه ] أكثر من أن تحصى ذكرنا طرفاً منها لئلا يطول به الكتاب على أن هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنى، وأمّا اللفظ فإن الشيعة تواترت بكل خبر منه، وأمّا المعنى فإن كثرة الأخبار واختلاف جهاتها وتباين طرقها وتباعد رواتها يدلّ على صحتها» (2)

واعتبر الإمام الجليل الشيخ المفيد - الذي كان السبب في معرفتي المهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم - حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من الحقائق الكبرى في الإسلام، فلننظر كيف وصف - رضي الله عنه - تلك الحقيقة ورسمها بما يناسب شأنها الكبير فى السنة النبوية القطعية، قال: وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر من نبي الهدى

ص: 112


1- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 157 - 158 .
2- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 173 - 174.

صلى الله عليه وآله ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ونص عليه الأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد إلى أبيه الحسن عليه السلام ونص أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته) (1).

وكان الخبر بغيبته [الإمام المهدي] ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار » (2).

والأخبار بذلك أي بغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] موجودة في مصنفات الشيعة الامامية قبل مولد أبي محمد [الإمام الحسن العسكري علیه السلام ] وأبيه [الإمام علي الهادي] وجده [الإمام محمد الجواد، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء، الذين سميناهم - رحمهم الله - وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى.

وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الامامية، ودانت به في معناه - من كتاب الشيخ المفيد الفصول العشرة في الغيبة، ص18.

و آخر ما ننقله من أقوال كبار المحدثين القدماء في شأن الأحاديث والروايات التي ذكرت حقيقة الغيبة، ما قاله المحدّث الكبير الإمام النعماني في كتابه القيم والعظيم: «الغيبة»، قال بعد أن ذكر النصوص والروايات المتواترة في إمامة الأئمة الاثني عشر، وفي حقيقة غيبة

ص: 113


1- الإرشاد للشيخ المفيد المتوفى سنة (413 ه) : 2 / 339 - 440 ، طبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
2- الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 340.

الإمام الثاني عشر، وبعد أن شرحها بدقة وعمق: «هذا الأحاديث التي يذكر فيها، أن للقائم عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحت عندنا بحمد الله، وأوضح الله قول الأئمة الاثني عشر عليهم وأظهر برهان صدقهم فيها، فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم ، والأجوبة عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة (1) التي انقضت أيامها وتصرّمت مدتها، والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدعي هذا الأمر كما قال عز وجل: ﴿مَا كانَ اللهُ لِيَذَرِ المؤمنينَ على ما أنتُم عليهِ حتّى يَميزَ الخبيثَ مِن الطيِّبِ، وما كان الله ليُطلِعَكُم على الغَيبِ ...(2). وهذا زمان ذلك قد ،حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحق، وممن لا يخرج في غربال ،الفتنة فهذا معنى قولنا له غيبتان» (3)

ص: 114


1- كانت سنة 329 هي نهاية الغيبة القصيرة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام وبداية الغيبة الكبرى.
2- آل عمران 179
3- كتاب الغيبة للمحدث الجليل محمد بن إبراهيم النعماني من أعلام القرن الرابع، ص: 173 - 174 .

للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله صلى الله عليه وآله ذكرها وتقدّم من أمير المؤمنين عليه السلام خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من كلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الأئمة من ولده عليهم السلام واحد بعد واحد أخبارها حتى ما منهم أحد إلا وقد قدم القول فيها، ووصف امتحان الله تبارك وتعالى اسمه خلقه بها» (1).

ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة المهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في البشارات السماوية في كتب اليهود والنصارى وفي كتب الحديث والروايات القول بأن هذه الحقيقة العظيمة - حتى تستقر في العقل والقلب - بحاجة إلى بيان سير تدوينها في كتب الحديث.. وقد تبين لنا بالأدلة القطعية بأن احاديث غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كانت في البداية في صحيفة الإمام علي التي أملاها عليه النبي الأكرم، ثم نقلت إلى كتب الأصول القديمة - التي جمعت روايات الأئمة الاثني عشر من صحيفة الإمام علي - ثم نقلت في كتب مستقلة - سنذكرها عندما يتقدم بنا الحوار - وكل ذلك تم قبل تحقق غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الواقع التاريخي المشهود، وعندما تحققت غيبته - بعد أن كان الرسول الأكرم وأوصيائه الاثنا عشر يبينون للناس حتمية وضرورة وقوعها في المستقبل - قام

ص: 115


1- من مقدمته لكتابه الغيبة: 21

المحدثون بجمع الروايات من كتب الحديث، وجمع كتب الغيبة الحديثية الصغيرة - التي كتبت قبل الغيبة - في كتب كبيرة، أشمل من تلك الكتب الصغيرة، فبعد تحقق الغيبة في واقع الحياة المشهود، قام المحدث الخبير الشيخ الأقدم محمّد بن إبراهيم النعماني - من أعلام القرن الرابع الهجري - بتأليف كتابه الكبير القيم الذي ضم الكثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة بغيبة الإمام الثاني عشر، ثم قام في نفس القرن المحدّث الجليل الشيخ الصدوق بتأليف كتابه الكبير حول الغيبة، وفي النصف الأول من القرن الخامس كتب الشيخ المحدث محمد بن الحسن الطوسي كتاباً كبيراً حول الغيبة.

وبعد هذا العرض السريع المختصر في بيان كيفية تدوين أحاديث وروايات الغيبة، سوف نوضح ونبين ذلك بصورة واسعة ومشروحة لعل اخواننا من مشايخ الوهابية يتركوا نموذجهم في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام القائم على التشكيك في كل دليل يثبت مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فنقول: إن هذه

الحقيقة ظهرت ابتداء من خلال

أولاً : البشارات السماوية في التوراة والانجيل التي اشارت إلى مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ... وقد سبق لنا ذكرها في بداية هذا الفصل.

ثانياً: أحاديث مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في

ص: 116

صحيفة الإمام علي - كرم الله وجهه - بإملاء الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله ، وهي أقدم مجموعة حديثية دونت في حياة الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله ، واتفق على القيمة العظيمة والهائلة لتلك الصحيفة كبار محدثي أهل السنة وكبار محدثي الاثني عشرية أما الذين ذكروها من أهل السنة فهم كثير نشير إلى بعضهم، وفي هذه الصحيفة ينقل الدكتور محمد عجاج الخطيب - من كبار أهل السنة المهتمين في علم الحديث - عن محدثي أهل السنة القدماء قولهم في أن خبر صحيفة علي رضي الله عنه (مشهور) (1) ، أما الباحث السني المعاصر الدكتور رفعت فيقول في كتابه «صحيفة علي بن أبي طالب: «إن هذه الصحيفة [ صحيفة الإمام علي ] فيها أمور كثيرة وموضوعات متعددة» (2)

وقد تحدث عن أهمية «صحيفة علي» كبار علماء أهل السنة في العصور القديمة والحديثة (3)، واكتسبت تلك الأهمية لوجود الروايات - في كتب الحديث السنية - التي بينت اهتمام الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - بإملائها على الإمام علي فكان - صلى الله عليه وآله - هو

ص: 117


1- السنة النبوية قبل التدوين الدكتور محمد عجاج الخطيب: 317
2- صحيفة علي بن أبي طالب الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، ص: 41 ، دار السلام، حلب 1406
3- راجع دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث للدكتور امتياز أحمد: 420 - 423، علوم الحديث للشيخ الدكتور صبحي الصالح: 30 ، أصول الحديث للدكتور محمد عجاج الخطيب: 88 - 189 ، ومنهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر: 46.

السبب في إيجاد «صحيفة الإمام علي، وفي هذا نذكر الروايات السنيّة التالية التي تبين ما ذكرنا ولا تدع مجالاً للشك في اهتمام الرسول في تدوين تلك الصحيفة:

1 - روى كبار محدثي أهل السنة بإسنادهم عن عائشة رضي الله عنها: «دعا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علياً بأديم ودواة، فأملى عليه، وكتب حتى ملاء الأديم» (1).

2 - وروى أئمة أهل السنة عن أم سلمة - رضي الله عنها - إنها قالت: دعا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بأديم ، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه عنده، فلم يزل رسول الله يملي، وعلي يكتب، حتى ملأ بطن الأديم، وظهره، وأكارعه» (2).

وبالتأمل في الروايتين نجد إنهما تقررا - أيضاً - أن صحيفة الإمام علي واسعة من حيث المساحة ومن حيث اشتمالها على أحاديث ذات مواضيع متعددة، ومن ثمّ يعبّر عنها بالكتاب والجامعة.

وليس هنا مكان تفصيل كلما جاء في هذه الصحيفة، فنكتفي بهذا

ص: 118


1- محاسن الاصطلاح على مقدمة ابن صلاح للحافظ البلقيني بتحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ»: ص 300.
2- أدب الإملاء والاستملاء للإمام السمعاني : 12 - 13 ، وانظر كتاب المحدث الفاضل بين الراوي والواعي للإمام الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت (360) بتحقيق الدكتور محمّد عجاج الخطيب: 601 ، ح 868

القدر، على إنه ينبغي أن نشير أن كبار محدثي أهل السنة إنما نقلوا (1) جزاء يسيراً من صحيفة الإمام علي - رضي الله عنه - بسبب المنع والحصار الذي فرضه السلطان على روايات الإمام علي - كما سبق أن ذكرنا في هذا البحث عن دور بني أمية في عزلنا عن أهل البيت - والجزء الأعظم من الصحيفة روي عن طريق الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي الذين لم يخضعوا لأمر السلطان، وقاموا بنشر روايات الإمام علي بين جماعة من أصحابهم وشيعتهم، ومن ثم يتضح السبب في اختلاف السنة والاثني عشرية في أمر الصحيفة من حيث حجمها ومضمونها.

وحتى تتضح الصورة الكاملة ل«صحيفة الإمام علي، سوف نستعرض - على سبيل الاختصار - نظرة الاثني عشرية إلى تلك الصحيفة العظيمة.

وفي شأن هذه الصحيفة نؤثر أن ننقل بعض ما روي في شأنها الإمام الأعظم الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين ابن بابويه (من كبار أعلام الغيبة الصغرى 260 - 329 ه- شيخ المحدثين في زمانه وأعلمهم بشأن

ص: 119


1- قد نقل كبار محدثي أهل السنة بعض ما ورد في تلك الصحيفة، مثل البخاري في صحيحه ذكر في الأحاديث التالية : حديث رقم ( 6374) وحديث (1771) وحديث «3001» وحديث (3008» وحديث « 6870) وحديث ( 2882» وحديث (6507 ، وصحيح مسلم في الأحاديث التالية : حديث رقم ( 1360»، «1370»، «1978»، وسنن أبي داود، كتاب الحج، باب في تحريم المدينة، وسنن النسائي ج 8 باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، ومسند أحمد: 1 / 102 و 119.

الصحيفة:

1 - روی بسنده عن أم سلمة قالت: «أقعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علياً (علیه السلام) في بيته، ثم دعا بجلد شاة فكتب فيه حتى أكارعه...» (1)

2 - وروى بسنده عن الإمام الباقر - رضوان الله عليه - عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين - كرم الله وجهه أكتب ما أملي عليك....» (2)

وفي الوقت الذي يترك بعض المسلمين روايات الإمام علي يكون حينئذ من الطبيعي أن يتركوا الجزء الأعظم مما في تلك الصحيفة؛ المحنة التي مرّت فيها روايات الإمام علي، في حين إننا وجدنا الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي يبذلون حياتهم، ويعرضون أنفسهم لخطر السلطان من أجل تعليم أصحابهم وشيعتهم بما في تلك الصحيفة (3) ، ويشعر المتدبر في روايات الأئمة الإحدى عشر حول تلك الصحيفة أنها تحتل عندهم مكانة عظيمة لا يمكن أن يسمو و إليها أي

ص: 120


1- کتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة: 174 / 28 للشيخ المحدث الكبير الجليل أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى ابن بابوية القمي.
2- نفس المصدر : 183 / 38.
3- حول محنة روايات الأئمة الاثني عشر، يقول فقيه أهل السنة في العصر الحديث الإمام محمد أبو زهرة - رضوان الله عليه : وظل علم علي في بيته، نتيجة اضطهاد الأمويين للعلويين واقتصار الأمويين على نقل أحكام أبي بكر وقضاء عمر، دون نقل أحكام وأقضية علي، مما جعلها بعيدة عن اهتمام علماء السنة ولذا توارث العلويون تراث علي الإمام أبو زهرة، كتاب الإمام الصادق: 91

کتاب آخر من كتب الحديث، ومنهج الأئمة الأحد عشر في التعريف بتلك الصحيفة وما فيها من المواضيع يختلف عن منهج غيرهم اختلافاً تاماً، وكنت - وأنا أراجع روايات الأئمة الأحد عشر في الصحيفة - أقف أمام إكبارهم وتعظيمهم لشأن تلك الصحيفة حتى أصبحت حية حاضرة في قلوبهم وحياتهم، ولم يحدث قط أن فارقوا تلك الصحيفة، ومن ثم لا يبلغ قول قائل في وصف تلك الصحيفة ولا في تبيين حجمها وتجلية محتواها ما يبلغه الأئمة الأحد عشر. لذلك نؤثر أن نعرض نماذج من تلك الروايات الفريدة، في تعريف الناس بحقيقة الصحيفة، حتى يسمعوا ما قاله أوصياء الرسول الأكرم في شأنها:

1 - قال الإمام الباقر - الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر - في صحيفة الإمام علي»: «هذا خطّ علي وإملاء رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) » (1)

2 - وقال الإمام الصادق - الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر - رضوان الله عليهم: «الكتاب (2) الذي هو إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطه علي رضي الله عنه بيده» (3)

3 - وقال الإمام الهادي علي بن محمد بن علي بن موسى - الإمام

ص: 121


1- رجال النجاشي: 360 ، رقم (966) ترجمة محمد بن عذافر.
2- يعبر عن الصحيفة بالكتاب وعن الكتاب بالصحيفة لسان العرب لابن منظور مادة كتب»، ومن ثم فقد أطلق أصحاب الفهارس القديمة من علماء الحديث عند الاثني عشرية «كلمة» صحيفة على كتاب سليم بن قيس الهلالي.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه: 4 / 2 - 11.

العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم - : «إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله) (1).

إن المتمرس في روايات الأئمة الأحد عشر - الذين توارثوا تراث الإمام علي - يجد أن منبعها تلك الصحيفة (2) ، وحتى نثبت ذلك بالأدلة نذكر بعض ما جاء عن الأئمة الأحد عشر - رضوان الله عليهم - في تبيين مصدر ومنبع أقوالهم

1 - قال أبو دعامة : أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم] عائداً له في في علّته علته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلما هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة : قد وَجَبَ حقك، أفلا أحدثك بحديث تسربه؟ فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله، قال: حدثني محمد بن علي [الإمام التاسع رضي الله عنه ] قال: حدثني أبي علي بن موسى [الإمام الثامن رضي الله عنه ] قال: حدثني أبي موسى بن جعفر [الإمام السابع رضي الله عنه ] قال حدثني أبي جعفر بن محمد [الإمام السادس رضي الله عنه ] قال: حدثني أبي محمد بن علي [الإمام الخامس رضي الله عنه قال: حدثني أبي علي بن الحسين [الإمام الرابع رضي الله عنه ] قال: حدثني أبي الحسين بن علي [الإمام الثالث رضي الله عنه ] قال: حدثني أبي علي

ص: 122


1- مروج الذهب للمسعودي 5 / 2 - 83 رقم (3079).
2- راجع على سبيل المثال وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) للإمام الشيخ الحر العاملي: 24 / 130، 26 / 73، 74، 81 125، 128، 170، 178، 186.

بن أبي طالب [الإمام الأول من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - : أكتب يا علي

فقلت: ما أكتب؟

قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب وصدقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان وحلّت به المناكح.

قال أبو دعامة فقلت: يا ابن رسول الله، ما أدري -- والله - أيهما أحسن؟ الحديث أم الإسناد؟ (1).

فقال: إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب، بإملاء رسول الله - صلى الله عليه وآله ، نتوارثها صاغراً عن كابر (2)

2 - يقول الإمام الصادق - رضوان الله عليه : حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله قول الله عز وجل (3).

والآن - بعد هذا البيان - نستطيع أن نقول:

ص: 123


1- قال الإمام أحمد بن حنبل - رضوان الله عليه - في هذا الإسناد «لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة: 122 ، الطبعة الميمنية.
2- مروج الذهب للمسعودي: 5 / 82 - 83 .
3- منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للفقيه العظيم زين الدين بن علي العاملي المشهور بالشهيد الثاني)، ص: 193.

إنما ذكرنا كتاب الإمام علي لأن هنالك تلازماً وثيقاً بين روايات الغيبة وكتاب علي - كرم الله وجهه ، بل هناك ما هو أكثر من التلازم هناك الانبثاق فأحاديث غيبة الثاني عشر هي فرع من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وآله - في كتاب علي، ومن ثم فمعرفة كتاب علي ضرورة يفرضها منهج البحث عن حقيقة الغيبة.

وهنالك حقيقة لها أدلتها القوية تقول: - ولا بد من الالتفات إلى الحقيقة السابق ذكرها التي تقول إن روايات الأئمة الأحد عشر في حقيقة الغيبة مصدرها ومنبعها كتاب علي - كرم الله وجهه - إن روايات الأئمة الأحد عشر المستخرجة من صحيفة الإمام علي جمعت من قبل أصحاب الأئمة وشيعتهم في الأصول والمدونات الأولية القديمة، التي تم كتابتها في عصر المحنة لأهل بيت النبوة قبل الغيبة، ومن ثم فهناك تلازم وثيق بين كتاب على وبين روايات الأئمة الأحد عشر من جهة، كما أن هناك تلازماً وثيقاً بين رواياتهم وبين الأصول والمدونات الأولية القديمة الحديثية من جهة أخرى - مثل الأصول الأربعمائة المشهورة - التي جمع أصحاب الأئمة وشيعتهم روايات الأئمة من كتاب الإمام علي - رضوان الله عليه - في تلك الأصول.

ولقد تضمنت الأصول الأولية القديمة - المصنفة قبل غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - روايات الأئمة في حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم - رضوان الله عليه ، وتعتبر رواياتهم شرحاً وتوضيحاً لحقيقة

ص: 124

الغيبة المرسومة من الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - في صحيفة الإمام علي - رضوان الله عليه -

تأمّل قول الإمام زين العابدين في رواية عنه من روايات الغيبة: «إي وربّي إِنَّ ذلك مكتوب عندنا في الصحيفة» لتعلم أن منبع روايات الأئمة الأحد عشر في حقيقة الغيبة، هي صحيفة الإمام علي - رضي الله عنه - بإملاء رسول الله - صلى الله عليه و آله -

ثالثاً: مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الأصول الأولية القديمة الحديثية:

سبق أن ذكرنا أن الأصول الأولية هي المدونات الحديثية التي ضمت روايات الأئمة الإحدى عشر من صحيفة الإمام علي ونحب أن نتحدث أنه ليس هناك كالأصول الأولية في التعريف بنصوص حقيقة الغيبة، وفي هذا يقول الإمام المحدث الخبير أبوالفتح محمد بن عثمان الكراجكي - رضوان الله عليه - المتوفى سنة (588 ه) في كتابه الاستنصار في النص على الأئمة الاثني عشر الأطهار كلاماً عميقاً، يستند على أدلة قوية سبق أن ذكرناها، ويبيّن حقيقة تاريخية مسلمة تقول: إن الأصول الأولية كتبت قبل الغيبة، وأدنى مراجعة لتراجمهم تثبت لنا أن مؤلفيها ماتوا قبل الغيبة، ثم يذكر أن الإخبار بالغيبة يرتبط بالنبي - صلى الله عليه وآله - ، ثم في النهاية يذكر الشيخ لفتة عميقة ذات قيمة كبيرة، تفرق بين الرواية الدخيلة الموضوعة والرواية الصحيحة، فالرواية الكذوبة عندما تخبر عن أمر سوف يقع في

ص: 125

المستقبل لا بد أن يخذلها ويكشف زيفها المستقبل نفسه، أما الروايات الصحيحة الواردة في الغيبة، فقد وصفت الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بمائتين عاماً ثم نصرها الواقع، ولا شك أن الإخبار عن أمور الغيب لا يكون إلا من الله سبحانه، ويمضي الشيخ فيقول في حقيقة جمع أحاديث وروايات الغيبة في الأصول المدونة قبل تحقق الغيبة: إن هذه الأخبار [أي الأخبار التي ذكرت حقيقة الغيبة مضمنة في كتب سلفهم المعروفة بالأصول عندهم، مما قد مات مؤلفوها قبل الغيبة وكمال عدة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وكان الأمر موافقاً لما رووه من غير اختلاف والإخبار بالكائن قبل كونه لا يكون إلا من الله سبحانه وتعالى، ويؤخذ عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، وهذا مقنع لمن أنصف من نفسه» (1)

ويقول الشيخ الإمام محمّد بن النعمان المفيد - رضوان الله عليه - في بعض تلك الأصول القديمة: صنفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عصر أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام عليه السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول (2)

ومن المسلمات التاريخية، أنه لم يؤلف شيء من هذا الأصول بعد الإمام الحادي عشر أبو محمد الحسن العسكري علیه السلام ، ومقتضى ذلك إنها

ص: 126


1- كتاب الاستنصار في النص على الأئمة الأطهار 20 ، الطبعة الثانية (1405 ها، دار الأضواء بيروت.
2- کتاب معالم العلماء فهرست كتب الشيعة للحافظ محمد بن شهر آشوب المتوفى سنة (588)، ص: : 3 ، من مقدمته لكتابه.

كتبت قبل تحقق الغيبة، وقد كانت أحاديث الغيبة موزعة في تلك الأصول الحديثية قبل تحقق الغيبة، وفي هذا يقول إمام المحدثين في القرن الرابع الهجري الشيخ الصدوق - رضوان الله عليه : «إن الأئمة عليه السلام قد أخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أكثر ، فليس أحد من أتباع الأئمة عليهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في ،مصنفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأصول، مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل بما ذكرنا من السنين (1)

وأحب هنا أن أشير إلى أن حقيقة الغيبة لم تنحصر بذكرها الأصول الأربعمائة، بل ذكرت - أيضاً - في مئات الأصول والمصنفات والكتب التي مات مؤلفوها قبل الغيبة والتي لا تقل شأنا عن الأصول الأربعمائة، ومن المعروف لدى القدماء والمتأخرين من أئمة علم الحديث أن الأصول والكتب والمصنفات التي دونها الاثنا عشرية قبل تحقق الغيبة، بسبب كثرتها وانتشارها في البلدان قد أعجزت العلماء، ومن ثم لم يستطيعوا حصرها في عدد معين وفي هذا يقول الإمام المحدث الشيخ الطوسي - رضوان الله عليه - المتوفى سنة 460 ه)، في مقدمة فهرسته ولم أضمن أن أستوفى ذلك إلى آخره [أي لم يضمن ذكر

ص: 127


1- كمال الدين وإتمام النعمة في إثبات وكشف الحيرة من مقدمة مؤلفه الإمام الشيخ الصدوق رضوان الله عليه.

كل أصول ومصنفات وكتب الشيعة فإن تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض». (1)

ويتحدث الإمام الأكبر السيد محسن الأمين - رحمه الله - عن ذلك ويقول: «وصنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للأئمة الاثني عشر» من عهد أمير المؤمنين إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام من الأحاديث المروية من طريق أهل البيت عليهم السلام ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب مذكورة في كتب الرجال على ما ذكره الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي صاحب الوسائل (2)

وهذا العدد المذكور تقريبي واجتهادي في نظري؛ لأننا وجدنا أصحاب الفهارس القديمة قد عجزوا عن حصرها بعدد معين، وكتب الرجال لم تتكفل بذكر كل الكتب التي كتبها المعاصرون للأئمة الاثني عشر - رضوان الله عليهم - وحتى نزيد الأمر إيضاحاً، سوف نذكر بعض تلك الأصول والمصنفات والكتب، التي كتبت قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، وتضمنت روايات الغيبة.

ولعله يحسن - ليكون الأمر بيناً وواضحاً بما يناسب أهميته - أن نذكر أثناء استعراضنا لهذه الأصول والمصنفات والكتب القديمة التي تضمنت روايات غيبة الإمام الثاني عشر - رضوان الله عليه ، نذكر بعض

ص: 128


1- فهرست الشيخ الطوسي، المقدمة، ص 33 من مقدمته لكتابه.
2- أعيان الشيعة للسيد العلامة محسن الأمين: 1 / 140.

ما جاء حول تلك الأصول.

1 - كتاب (1) المشيخة (2) : تصنيف الحسن بن محبوب السراد - رضي الله عنه - صاحب الإمام الرضا (الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر)، وهو من الأصول الحديثية القديمة التي ذكرت أحاديث الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائة عام، وفي هذا الكتاب القيم يقول المحدث الخبير أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي - رضوان الله عليه - ( من كبار أعلام الإسلام في القرن السادس الهجري): ومن جملة ثقات المحدثين والمصنّفين من الشيعة الحسن بن محبوب

ص: 129


1- يطلق أحياناً على الأصل كلمة «كتاب كما هو معلوم من كتب علوم الحديث عند الاثني عشر.
2- فهرست النجاشي: 158 ، رقم (416) ، قال الإمام الشيخ النجاشي: «وهو - داود بن كوره - الذي بوب..، وكتاب المشيخة للحسن بن محبوب السراد...» وانظر فهرست الإمام الشيخ الطوسي: 91 ، رقم (162) وقد قام بتلخيصه الشهيد الثاني الشيخ زين الدين رضوان الله عليه قال المحدث الخبير الحر العاملي رضوان الله عليه: «ورأيت بخطه [أي خط الشهيد الثاني] كتاباً فيه أحاديث انتخبها من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب...»، أمل الآمل: 1/ 87 ، وقد انتخب بعض أحاديثه الشيخ الفقيه محمد بن أحمد بن إدريس الحلّي رضوان الله عليه المتوفى سنة (598 ه) في آخر كتابه السرائر وذكره المجلسي الأول في كتابه روضة المتقين: 14 / 329، وذكره المحدث الجليل علي بن طاووس رضوان الله عليه في كتابه الملاحم والفتن 351 وانظر الذريعة : 19 / 57 رقم (296)، وراجع ترجمة الحسن بن محبوب في رجال السيد الخوئي: 5 / 90 ، وراجع فهرست ابن النديم: 276 ، الفن الخامس من السادسة، أخبار فقهاء الشيعة وأسماء ما صنفوه من الكتب.

الزراد، وقد صنف كتاب المشيخة، الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله، قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر، وحصل كل ما تضمّنه الخبر بلا اختلاف.

2 - كتاب الغيبة للشيخ الجليل العباس بن هشام الناشري الأسدي، والمتوفى سنة (219) ه)، كان - رضي الله عنه - من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام - الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر .... وكان من الذين اهتموا بتعريف الناس بحقيقة الغيبة قبل تحقق الغيبة.

3 - كتاب الغيبة للفضل بن شاذان بن الخليل الأزدي النيشابوري المتوفى سنة ( 260) ه)، وقد ذكر فيه أحاديث الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي، ثم اختصره (1) بهاء الدين علي بن غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي، وما يزال الكتاب موجوداً إلى زماننا ولما كان لا يمكن لنا في هذا البحث المختصر أن نذكر كل الأدلة القوي التي جعلتني اترك النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. وهي كلها ادلة قوية وقطعية تثبت حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فمن هنا نرجو من اخواني الوهابيين أن يراجعوا هذه الكتب ويتأملوا تلك الروايات، وينبغي أن يلتفت اخواننا الوهابيين أننا ذكرنا في البداية البشارات السماوية في كتب

ص: 130


1- ذكره صاحب الذريعة تحت عنوان مختصر كتاب الغيبة 1 / 201 ، رقم ( 2574 ) .

اليهود والنصارى في حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، ثم ذكرنا أحاديث الرسول في حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم، ثم ذكرنا بعد ذلك روايات الأئمة الاثني عشر في تلك الحقيقة، وقصدنا من هذا تبيين أن روايات الأئمة الاثني عشر - رضي الله عنهم ، ما هي إلا شرح وتوضيح لما ورد في صحف وكتب بشارات الأنبياء، ولما ورد عن الرسول الأكرم في شأن غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - رضوان الله عليه - ولا يمكن أن تختلف مع وصف الأنبياء، ووصف الرسول الأكرم لغيبة ذلك الإمام العظيم، وفي هذا يقول الإمام الرضا رضي الله عنه - الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر : الأنا لا ترخص في ما لم يرخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وآله - فأما أن نستحل ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو نحرم ما استحل رسول الله فلا يكون ذلك أبداً، لأنا تابعون لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مسلّمون له كما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تابعاً لأمر ربه مسلّما له، وقال الله عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .(1)

بتلك البشارات السماوية في كتب اليهود والنصارى، وبهذه الأصول والمصنفات والكتب الحديثية كلها يستشعر المسلم أهمية حقيقة

ص: 131


1- عيون الأخبار: 2/ 20 ، حديث (45) ، وسائل الشيعة 18 / 81 - 86 ، حدیث (21).

مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فليست أمراً ثانوياً، إنما هي من الحقائق الأولية المرسومة في كتب وصحف الأنبياء، والمذكورة منذ حياة النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم ، وعندما يتصورها المسلم على هذا النحو، لا جرم سوف ترتفع قيمتها في نفسه، وسوف يبحث عنها بجدية ويرفع من اهتمامه في دراستها، ومن هنا كانت حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية من أهم الأسباب التي جعلتني أترك الوهابية وانتقل إلى الاثني عشرية.

ومرة أخرى نتناول بعض كتب الغيبة الحديثية، لكننا في هذه المرة سوف نتحدث عن الكتب التي كتبت بعد الغيبتين الكبرى أو الصغرى.

1 - كتاب الغيبة والحيرة (1) للشيخ الجليل أبي العباس عبد الله بن : جعفر الحميري، من أصحاب الإمام الهادي (2) [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر ] - رضوان الله عليهم ، والإمام الحسن العسكري علیه السلام (3) [الإمام الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر] يشتمل كتابه على رواياته في حقيقة الغيبة، التي جمعها بعد تحقق الغيبة الصغرى وقبل تحقق الغيبة

ص: 132


1- ذكره الشيخ المحدث الجليل الإمام أبو غالب الزراري المتوفى سنة (368 ه)، من ضمن فهرست ما رواه من الكتب في رسالته المعروفة باسمه، ص: 171 ، رقم (59) بتحقيق العلامة محمّد رضا الجلالي، وانظر فهرست النجاشي: 219 - 220 ، رقم (573)، وانظر الذريعة : 83/6 ، رقم (415).
2- رجال الطوسي : 389 ، رقم (5727).
3- رجال الطوسي: 400 ، رقم (5857).

الكبرى.

روى بسنده عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن آبائه - رضوان الله عليهم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - في الإمام المهدي: تكون له غيبة وحيرة (1).

2 - كتاب الغيبة وكشف الحيرة (2) : للشيخ الجليل والفقيه الفاضل، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صفوان الجمال وقعت الغيبة في زمانه، وكان من أعلام الغيبة الصغرى ( 260 - 329 ه)، وعندما رأى - رحمه الله - الغيبة قد تحققت في الواقع التاريخي بعد أن كان من رواة أحاديثها ، أظهر البهجة والفرحة، بعد أن صدق الله - سبحانه وتعالى - نبيه الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - وصدق أوصياءه.

وفي نهاية البحث عن سير تدوين أحاديث الغيبة سأذكر هذه الثلاثة الكتب الأخيرة في الغيبة، وهي «الغيبة» للنعماني و«وإكمال الدين في الغيبة» للصدوق، و«الغيبة للطوسي، وأريد هنا أن أبين أن أصحاب الكتب الأخيرة كانوا ينقلون من الأصول والكتب والمصنفات في القرن الأول والثاني والثالث، التي ذكرت النص على الأئمة الاثني عشر، وذكرت أحاديث المهدي وأحاديث الغيبة، ومن هنا نجدهم في موارد عديدة يصرحون بأسماء تلك المصنفات والكتب والأصول

ص: 133


1- إكمال الدين للشيخ الإمام الصدوق: 1 / 287.
2- فهرست الإمام النجاشي: 393 ، رقم (1050) ، والذريعة 16 / 84 ، رقم ( 420 ) .

ويبينون إنها موجودة بين أيديهم ويكفي أن نراجع ما قاله الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه»، وهكذا ما قاله الشيخ الطوسي في كتابه تهذيب الأحكام فسوف نستيقن أنهم نقلوا من الكتب التي كتبت في القرون الثلاثة الأولى والتي ما يزال بعضها موجوداً إلى زماننا، وقد راجعتها وطابقت بين تلك الكتب القديمة وبين ما نقلة أصحاب الكتب الثلاثة، فوجدت لديهم الدقة والأمانة العلمية والتحري القوي الذي يبين مصداقية علماء هذا المذهب العظيم.

3 - كتاب الغيبة للشيخ المحدث الجليل الإمام محمد بن إبراهيم النعماني ( من أعلام القرن الرابع الهجري وأحسن من يتحدث عن هذا الكتاب القيم، هو الإمام الشيخ المفيد - رضوان الله عليه - من أعلام الإسلام في القرن الرابع الهجري (1) ، قال بعد أن ذكر الروايات الواردة في النص على إمامة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - رضي الله عنه - : وهذا طرف يسير مما جاء في النصوص على الثاني عشر من الأئمة رضوان الله عليهم، والروايات في ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم، فممن أثبتها على الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنى أبا عبد الله النعماني في

ص: 134


1- للشيخ المفيد الفضل الأكبر علي حيث أنه كان السبب الأول الذي عرفت من خلاله حقيقة المذهب الاثني عشري ووجدت في كتبه العلاج الكافي لكل الشبهات التي كانت في رأسي ضد الاثني عشرية.

كتابه الذي صنفه في الغيبة (1)

وتأتي أهمية الكتاب أنه كتب في عصر المحنة التي وقعت بعد تحقق الغيبة، وقد أشار إلى هذا شيخنا الإمام النعماني - رضوان الله عليه - في مقدمة كتابه، قال: «وشكوا جميعاً إلا القليل في إمام زمانهم [أي الإمام الثاني عشر] وولي أمرهم وحجة ربّهم التي اختارها بعلمه، كما قال جل وعز: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة (2)، للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله ذكرها (3).

ولقد كان لكتابه أثراً كبيراً في معالجة تلك المحنة، وفي الحقيقة أن كتاب الغيبة للنعماني - بعد كتاب الشيخ المفيد حول الغيبة - هو من الكتب التي جعلتني أسلّم لحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام بعد أن كنت من أشد المنكرين لهما، ويعد منذ قرون عديدة مرجعاً للمحدثين ولكل الباحثين عن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر في أحاديث الرسول الأكرم وروايات أوصيائه ولا أدري أي حديث أو رواية أنقل من هذا الكتاب لكثرتها وصغر حجم هذا البحث، فليراجع إخواني من الوهابيين الروايات التي ذكرها الإمام النعماني في كتابه.

4 - كمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف

ص: 135


1- الإرشاد للشيخ المفيد: 2 / 345.
2- سورة القصص، آية 68
3- مقدمته لكتابه الغيبة : 20 - 21

الحيرة (1) الشيخ المحدثين الإمام الصدوق المتوفى سنة (381ه)، ويعد الموسوعة الثانية - بعد كتاب الغيبة للنعماني - التي جمعت الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر، ويتحد كتاب الغيبة للمحدث الإمام النعماني - رضوان الله عليه - في الغاية تأليفه، فبعد وفاة علي بن محمد السمري في سنة (328) أو 329 ه) وتحقق الغيبة الكبرى في الواقع التاريخي، شك بعض الضعفاء في حقيقة الغيبة، وكتب خصوم الاثني عشرية كتباً في رد الغيبة، فتصدى لهؤلاء الإمام الصدوق، وبذل جهداً عظيماً في إحياء حقيقة الغيبة وإنهاضها.

والحاجة إلى جلاء تلك الحقيقة الأساسية تقتضي القراءة العميقة لكتابه مع ملاحظة أن المؤلّف لم يقصد جمع الأحاديث الصحيحة في حقيقة الغيبة فحسب، بل ذكر في كتابه كلما روي في حقيقة الغيبة من رواية صحيحة وضعيفة، لكنه في مقام الاستدلال لم يستند إلا على الرواية الصحيحة، وفي هذا يقول - رضوان الله عليه - في كتابه المذكور: «إنّما صحت لي (غيبة الإمام الثاني عشر بما صح عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة الاثني عشر ) من ذلك بالأخبار التي بمثلها صح

ص: 136


1- هذا هو الاسم الكامل للكتاب كما ذكر ذلك مصنفه في كتابه الخصال: 1 / 186 ، الباب 3 - 257 وقد رويت هذا الخبر من طرق كثيرة، قد أخرجتها في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة ، وانظر الذريعة: 2 / 283، رقم (1147).

الإسلام وشرائعه وأحكامه» (1)

وأريد التنبيه أنه عندما تثبت حقيقة بالأحاديث المتواترة، وتصبح من الحقائق اليقينية، فلا غرابة من مجرد ذكر الرواية الضعيفة لأنها حينئذ ستذكر على سبيل الاستشهاد، لا على سبيل الاستدلال

وأخيراً قد كنا نرغب أن نذكر - هنا - بعض ما رواه في كتابه بشأن حقيقة الغيبة ونذكر ما قاله فيها، لكنا لسنا بحاجة إلى ذلك؛ لأن الكتاب موجود في كل مكان من أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي.

5 - كتاب الغيبة (2) للشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - - رضوان الله عليه - المتوفى سنة ( 460 ه)، وهو شيخ المحدثين في ،زمانه ويعد كتابه الموسوعة الثالثة بعد كتابي الشيخ الإمام النعماني والشيخ الإمام الصدوق، والكتاب جمع جمع الأحاديث والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت في الغيبة. وتصدّى للرد على إشكالات المنكرين والمشككين فيها، وفي هذا الكتاب القيم يقول الشيخ الطهراني (3) وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي هذا هو من الكتب القديمة الذي يمتاز على غيره فإنه قد تضمن أقوى الحجج والبراهين العقلية والنقلية على وجود الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن صاحب الزمان عليه السلام

ص: 137


1- كمال الدين: 2 / 638 - 369.
2- فهرست الطوسي: 242 ، رقم (714) ، والذريعة: 16 / 79 ، رقم (399)
3- كان الشيخ الطهراني أعلم الباحثين - في القرن الماضي - بما يرتبط بالأصول والكتب والمصنفات القديمة والحديثة

وعلى غيبته في هذا العصر، ثم ظهوره في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلما وجوراً». (1)

وبعد قد تضمّن هذا البحث الأدلة القوية على حقيقة الغيبة، ومن يرغب التوسع فليراجع الكتب المتخصصة في حقيقة الغيبة، وهي كثيرة حسب تتبعنا حتى أننا وجدنا مصداقية قول العلامة المجلسي في أكثر أصحاب الكتب من أصحابنا أفردوا كتاباً في الغيبة (2)، وعلى القارئ لهذا البحث أن يلتمس هذه الحقيقة في الموسوعات الحديثية الثلاث التي سبق أن ذكرناها (3) ، وفي الكتب الكبيرة التي كتبت في حقيقة الغيبة وهي كثيرة، قال فيها العلامة المحقق الطهراني - رضوان الله عليه - صاحب كتاب الذريعة: «قد كَتَبَ في غيبة الإمام الثاني عشر كثير من الأعلام الخاصة والعامة من المتقدمين والمتأخرين منها مخطوط، ومنها مطبوع). (4)

وأخيراً فإننا سنحاول تلخيص سير ذكر بشارات مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وسير تدوين أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الاثني عشر في كتب الحديث، بعد أن تحدثنا عنها بصورة واسعة وطويلة، ولا شك أن جلاء ومعرفة سير ذكر بشارات

ص: 138


1- من مقدمة الشيخ الطهراني لكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 24.
2- المجلد الثالث عشر من الطبعة القديمة ص: 150.
3- کتاب الغيبة للنعماني، وكتاب كمال الدين للصدوق، وكتاب الغيبة للطوسي
4- مقدمة العلامة الطهراني لكتابه الغيبة للشيخ الإمام الطوسي: 24.

مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وسير تدوين أحاديث وروايات الغيبة سوف تكشف لنا عن الحقائق الست الأساسية التالية:

الأولى حقيقة أن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كانت في البداية في البشارات السماوية الموجودة في صحف وكتب الأنبياء قبل نبي الإسلام

الثانية حقيقة أن أحاديث مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام انتقلت في البداية في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول الأكرم.

والثالثة: حقيقة أن روايات الأئمة الأحد عشر في مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، كان منبعها ومصدرها صحيفة الإمام علي

والرابعة : حقيقة أن أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الأحد عشر في مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام جمعت في الأصول والمدونات القديمة، التي مات مؤلفوها قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي.

والخامسة: حقيقة أنها جمعت في كتب مستقلة صغيرة - قبل غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - بعد أن كانت موزعة في الأصول والمدونات القديمة.

والسادسة: حقيقة أنها جمعت في كتب مستقلة كبيرة بعد تحقق غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في الواقع المشهود التاريخي

ص: 139

بزمان قصير

وبعد فتلك الحقائق الست هي خلاصة ذكر بشارات مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في صحف وكتب الأنبياء قبل البعثة النبوية المحمدية، وكذلك هي خلاصة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة، وبعد أن انتهينا من دارسة ذكر بشارات مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في التوراة والانجيل، وكذلك من دراسة سير تدوين أحاديث وروايات حقيقة الغيبة في كتب الحديث نحب أن نعرف كيف تجلّت حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في عقل وقلب الذين كانوا من علماء أهل السنة، لكن تلك الحقيقة بكل دلائلها، وبكل تأثيراتها أجبرتهم أن يتركوا مذهب أهل السنة ويدخلوا مذهب الاثني عشرية وهم كثير ، وسوف نذكر بعض كتبهم التي برهنت وأوردت الحجج القوية على غيبة الإمام الثاني عشر

محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - رضي الله عنه

1 - صاحب كتاب الغيبة الشيخ الجليل محمد بن مسعود العياشي (1)

ص: 140


1- كان من كبار أعلام الغيبة الصغرى (260 - 329ه) أي إنّه عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وذكر بعض المعاصرين أن وفاته كانت في سنة (320ه) انظر معجم المفسرين ل«عادل نويهض»: 2 / 636 ، وانظر أعلام الزركلي: 7 / 65، * وتاريخ التراث العربي لسزكين 1 / 99 ، وعندما ترك المذهب السني و دخل المذهب الاثني عشري بذل كل أمواله - وقد كان غنياً - في خدمة المذهب الاثني عشري.

- رضوان الله عليه - ، ذكره الشيخ النجاشي (1) وابن النديم (2) والشيخ الطوسي (3) ولقد كان - رضي الله عنه - من أهل السنة لكن حقيقة الغيبة أصبحت حاضرة في عقله وقلبه، بعد أن قرأ وجمع النصوص النبوية التي توجب الإيمان والتصديق بها.

وفي الحقيقة إنني كنت - أثناء مراجعة تراجم بعض قدماء أهل السنة الذين دخلوا مذهب الاثني عشرية - أقف متسائلاً كيف ترك أولئك الأعلام مذهبهم السني؟ وكيف أصبح المذهب الاثنا عشري حاضراً في عقولهم وقلوبهم وفي حياتهم على هذا النحو العجيب؟

كيف امتلأت قلوبهم وعقولهم بهذه الحقيقة - حقيقة غيبة الإمام - هذا الامتلاء ؟ ولكن لم أكن أدرك كيف تم هذا؟! حتى عدت إلى البشارات السماوية في صحف وكتب الأنبياء قبل خاتمهم وسيدهم، وعدت إلى الأحاديث النبوية الصريحة أقرأها وأبحث فيها

حقيقة الغيبة، فوجدتها تتحدث عن حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وصفتها بشكل صريح، وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله وعرفت لماذا ترك بعض علماء اليهود والنصارى دينهم واسلموا ثم دخلوا في المذهب الاثني عشري - وقد ذكرنا تراجم بعض

ص: 141


1- فهرست النجاشي: 325 ، رقم (944 ) .
2- الفهرست لابن النديم: 245
3- فهرست الطوسي: 213 ، رقم (604).

اولئك في بداية هذا الفصل ... وهكذا عرفت لماذا ترك بعض أهل السنة مذهبهم واتبعوا مذهب الاثنى عشرية ؟! إنهم كانوا غافلين عن البشارات السماوية في كتب وصحف الأنبياء قبل نبي الإسلام، وكانوا كذلك غافلين عن أحاديث الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - في الأئمة الاثني عشر وفي مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن

العسكري علیه السلام ، ولما ذهبت عنهم الغفلة آمنوا بمهدويته وبغيبتة.

والآن نعود إلى موضوعنا وحسبنا في هذه العجالة ما ذكرناه ونرجع القارئ لهذا البحث إلى البشارات السماوية في التوراة - التي اشار إليها ابن تيمية - وإلى الأحاديث والروايات التي ذكرت في المصادر التي ذكرناها في ثنايا هذا البحث، وللإمام العياشي أحاديث كثيرة رواها بسنده عن النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله ، وروايات متعددة رواها بسنده عن الأئمة الاثني عشر، ذكرت وشرحت حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام يمكن مراجعتها في الكتب المتخصصة التي سبق أن ذكرناها في ثنايا هذا الفصل من كتابنا.

2 - ومنهم الإمام العظيم أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي - رضوان الله عليه - كان من كبار علماء أهل السنة الذين عاشوا في فترة الغيبة الصغرى ( 260 ه- - 329 ه) لكنه بعد أن عرف الحق اتبعه وقال كلمته المشهورة بين العلماء المحققين: «نقل إليهم أسلافهم - أي أسلاف الاثني عشرية - حالة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن

ص: 142

العسكري علیه السلام ) وغيبته، وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر» (1)

أما الذين تركوا المذهب السني ورحلوا إلى المذهب الاثني عشري في القرن العشرين، فلا يمكن لنا حصرهم ولا يعلم عددهم إلا الله، حتى إنه يمكن أن نسمي هذا القرن قرن معرفة الاثني عشرية، وفي هذا يقول الكاتب الوهابي المعروف الأستاذ ربيع بن محمد السعودي أثناء ذكره لانتشار الاثنى عشرية في مصر وبعد: ففي زيارة لمصر بعد انقطاع عنها بدأت أحس باتجاه جديد ومما زاد عجبي أن إخواناً لنا ومنهم أبناء أحد العلماء الكبار المشهورين في مصر، ومنهم طلاب علم طالما جلسوا معنا في حلقات العلم، ومنهم بعض الإخوان، سلكوا هذا الدرب، وهذا الاتجاه الجديد وهو التشيع (2)

ونحن نقول: إن ظاهرة انتشار الاثني عشرية لم تنحصر في مصر وحدها، بل هي ظاهرة عمّت كل العالم، وأنا أعرف أن هنالك المئات من أهل اليمن الذين انتقلوا إلى المذهب الاثنى عشري، ويقول الكاتب

ص: 143


1- انظر إكمال الدين: 1 / 107.
2- الشيعة الإمامية الاثني عشرية في ميزان الإسلام للكاتب الوهابي ربيع بن السعودي: مقدمة الكتاب ص 5 مكتبة ابن تيمية القاهرة الطبعة الثانية سنة (1414ه). وقد أثبتنا في كتابنا المستقبل للمذهب الاثني عشري» أن المستقبل للتشيع من خلال تنبؤات أهل السنة والسلفية و الوهابية في هذا القرن.

الوهابي الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري: وقد تشيع الكثير، ومن يطالع كتاب «عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد يجد قبائل بأكملها قد تشيعت (1) والله الموفق والهادي والمعين لمعرفة الحق المبين.

ويقول والكاتب الوهابي المعاصر الدكتور علي أحمد السالوس والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة (2)، وعندما نبحث عن الأسباب التي جعلت أهل السنة يتركون المذهب السني ويدخلون المذهب الاثني عشري حتى أصبح ذلك المذهب أكبر المذاهب الإسلامية المعاصرة، سوف نجد لهذه الخاصيه - خاصية الغيبة - العظيمة دوراً كبيراً في الدخول إلى المذهب الاثني عشري، ويصوّر الكاتب الوهابي المعاصر مجدي محمد علي محمّد حالة أحد أهل السنة الذين جذبته خصائص المذهب الاثني عشري، وبدأ يشك في مذهبه السابق ويقول: جاءني شاب من أهل السنة حيران، وسبب حيرته أنه قد امتدت إليه أيدي الشيعة، حتى ظن المسكين أنهم (يعني الاثني عشرية ملائكة الرحمة وفرسان الحق إلى أن يقول - لم يفلح ذلك كله مع صاحبي (3)، لقد غابت عن فضيلة الشيخ مجدي حقيقة عظيمة، تقول: إن من عرف خصائص الاثني عشرية فمن العبث أن تحاول أن ترجعه إلى مذهبه السابق.

ص: 144


1- أصول مذهب الشيعة الاثني عشرية، للدكتور القفاري: 1/ 9.
2- مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع، للدكتور السالوس: 21/1.
3- عبارات مقتطفة کتاب «انتصار الحق مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية».

وقد حدثت لي قصة قريبة من القصة التي ذكرها الشيخ مجدي فبعد انتقالي من الوهابية إلى الاثني عشرية كان عمي - وهو الشيخ عبد الرحمن العماد من كبار مشايخ الوهابية المتعصبين للنموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - يتلطف معي ويقول أنا على يقين إنك لا يمكن أن تصبح اثني عشرياً لاسيما وأنت قرأت عند العلماء ولست من الجاهلين ونشأت وتربيت في معاهدنا العلمية السلفية، وبذل كل جهده من أجل أن أعود من جديد إلى الوهابية، وبعد حوار طويل بيني وبينه، وهو حوار الابن مع أبيه، قال لي يا بني إن كان لديك إشكالاً فتحاور مع شيخك الدكتور عبد الوهاب الديلمي (1)، ودار بيني وبين شيخي الدكتور حواراً طويلاً، وكان عمّي يراقب الحوار، ثم دار في نفس المجلس بيني وبين الأخ الشيخ عبد الله صعتر حواراً، وحين شعر عمي إنه لا جدوى في الحوار، خرج من إطار الحوار إلى إطار التهديد بالقتل والخطف ويقول مهدداً لي لن اسمح لك تدنّس وتنجس بيت العماد بمذهب الشيعة، وبدأ يحذر أقربائي وأصدقائي من ،معاشرتي، ولكن الذي أدرك خصائص الاثنى عشرية، وآمن بحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وآمن بالأئمة الاثني عشر، لا يمكن لأي قوة - مهما بلغت - أن تفصل بينه وبين الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ؛ لأن هذا الإمام العظيم يجذب الإنسان إليه

ص: 145


1- الدكتور العلامة عبد الوهاب الديلمي هو شيخي ويعد أعلم الوهابيين في اليمن وقد درس وتخرج من المملكة العربية السعودية وعاش هناك فترة طويلة.

بحركة لا شعورية، وما يدري بنفسه إلا وقد أصبح عاشقاً ومحباً ومتفانياً في هذه الشخصية السماوية الفريدة التي حرص الأنبياء على التبشير بمهدويته كما حرصوا على التبشير بنبوة جده.. وحين يعرف الإنسان عظمة تلك الشخصية سوف يقبل أن يضحي بنفسه وحياته وسمعته وشخصيته ومكانته؛ من أجل تلك الشخصية الربانية، ومن المحال أن يستطيع أن يتخلى عن هذا الإمام العظيم، وحينئذ تصبح كل معانات الغربة والبعد عن الأقرباء، وكل التهديدات والإهانات، ويصبح انعدام التأمين على حياته وفقدان كل آماله التي كان يحلم بها سابقاً، ومفارقة الأصدقاء بل مخاصمتهم، تصبح كل تلك المعانات ملذات يأنس بها أكثر مما كان يأنس بالأقرباء والأصدقاء وبالمكانة الاجتماعية أو الوظيفة الدنيوية؛ لأن هذه الشخصية الربانية قد أصبحت أعز عليه من كل قريب وصديق، وأعزّ عليه من أبيه وأمه ومن نفسه وسمعته ومستقبله ووظيفته ومكانته؛ لأنه يشعر بعد أن عرف الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. أنه صار يمتلك كل شيء، فليعتقد بهذه الشخصية السماوية، وبعد ذلك فليخسر كل أمر يرتبط بهذه الدار الفانية، لأنه أصبح يشعر بلذة ربانية وسماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الدنيا الفانية.

إنه أصبح يقف في أعلى هرم في العالم (أعني : هرم الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وينظر من أعلى نقطة في هذا العالم إلى ذلك النموذج الوهابي الذي كان ينتمي إليه، كما ينظر الرجل العظيم للطفل الصغير، ليس استعلاء وكبرياء على نموذجه السابق، ولكن لأنه أصبح يقف في أعلى

ص: 146

نقطة في هذا العالم.. ومن المعلوم أن هذا الهرم العظيم من عجائب العالم. إنه لا يمكن أن يدرك عظمه الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام إلا من عاش في جو النموذج الوهابي في التعامل مع ذلك الإمام العظيم كما أنه لا يمكن لنا أن ندرك خاصية النور إلا إذا عشنا في الظلام.

والآن سوف نذكر بعض علماء أهل السنة الذين تركوا التعصب لمذهبهم، وأذعنوا للحق بعد أن اطلعوا على الأدلة القوية التي تثبت حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ؛ من أجل أن يدرك كل اخواننا الوهابيين أن هنالك الكثير من العلماء الذين سبقوني للدخول إلى الاثني عشرية بسبب هذا الإمام العظيم، ولا يمكن لنا أن نذكرهم جميعاً حتى لا يتضخم حجم هذا البحث الذي أردت منه مجرد عرض تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام على اخواننا الوهابيين.

1 - منهم صاحب كتاب ( تذكرة الخواص): تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة » (1)، العلامة يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي - رضوان الله عليه - سبط أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (2)

ص: 147


1- انظر حول الكتاب «هدية العارفين لأسماء المؤلفين و آثار المصنفين» لإسماعيل باشا البغدادي: 2 / 54 ، وقد سمّاه تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة».
2- يخطأ بعض الباحثين عندما يخلط بين كتب سبط ابن الجوزي عندما كان من أهل السنة، وبين كتابه «تذكرة خواص الأمة» الذي كتبه بعد أن ترك مذهب أهل السنة * ودخل في المذهب الاثني عشري، ولكنه لم يستطع أن يصرح بهذا التحول خوفاً على حياته، تماماً كما هو شأن بعض علماء أهل السنة في زماننا.

المتوفى سنة ( 654 ه)، وقد كان من أبزر علماء أهل السنة الذين جذبتهم الأدلة القوية الواردة في حقيقة الغيبة، وذكر في كتابه النصوص النبوية الصريحة في النص على الأئمة الاثني عشر، والنصوص النبوية الصريحة في وجوب الإيمان والتصديق بغيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر - رضوان الله عليه - ولم يستطع هذا العالم العظيم أن يخفي الحق الذي عرفه، ونذكر الآن بعض من أثنى عليه من علماء أهل السنة. قال فيه العلامة محمد عبد الحي في كتابه «الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية»: «تفقه وبرع وسمع من جده لأمه ابن الجوزي، وكان عالماً فقيهاً وكان ،واعظاً، حسن المجالسة، مليح المحاورة فارساً في البحث مفرطاً في الذكاء له تصانيف ...... (1) منها شرح صحيح مسلم (2)

ومن يتأمّل في كتابه تذكرة الخواص، سوف يعرف أنه في هذا الكتاب يثبت إمامة الأئمة الاثني عشر، ويثبت غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، ومن خلال بعض مقتطفاتنا منه سوف يتبين صدق ما ذكرناه، فبعد أن ذكر الأئمة الإحدى عشر من الأئمة الاثني عشر عقد فصلاً في ذكر الإمام الثاني عشر ثم قال: «فصل في ذكر الحجة المهدي، هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي

ص: 148


1- الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية للعلامة محمد عبد الحي، ص: 230.
2- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: للشيخ محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم، ص: 1 / 295

الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم - وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان، القائم والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة، أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزاز عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي وهذا حديث مشهور (1)

وقال في موضع آخر: «وقد جمع الأئمة - أي الأئمة الاثني عشر - أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي في قصيدته المشهورة التي أنشدنيها جماعة من مشايخنا ببغداد:

هم الحياةُ اعرقوا أم اشأموا *** أم اتهموا أم أيمنوا أم أنجدوا

ليهنهم طيب الكَرَى فإنّهُ *** حظَّهُمْ وَحظَ عَيْني السَّهَدُ

هُمْ تَوَلَّوا بالفؤادِ وَالكَرَى *** فأين صبري بَعدَهُم والجَلَدُ

لولا الضنا جَحَدْتُ وَجْدى بهم *** لكن تُحولي بِالغَرامِ يَشْهَدُ

تلهفاً يا جور حُكام الهَوَى *** وَمَا لمَن يَظلم فيهم مُسعد

ليس عَلى المُتْلَفِ غَرَمٌ عِندَهم *** وَلا عَلى القاتِل ظُلماً قَوَدُ

وسائل عن حُبِّ أهل البيته ل *** إقرأ إعلاناً به أم إجحد

هيهات ممزوج بلحمي وَدَمي *** حُبُّهم، وهو الهدى والرّشَدُ

حَيدَرَة والحَنانِ بَعدَهُ *** ثم علي وابنه محمّد

ص: 149


1- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 363 - 364

وَجَعفر الصادق وابن جعفر *** موسى، ويتلوه علي السيد

أعني الرّضا، ثم ابنه محمّد *** ثمّ علي وابنه المُسَدَّدُ

الحَسَنُ التالي وَيَتلُوتلوه *** محمّد بن الحسن المفتَقَدُ

فإنهم أئمتي وسادتي *** وإن لحَانِي مَعشرٌ وَفَنّدوا

أئِمَةً أكرم بهم أئمة *** أسماؤهُم مَسرودَةٌ لا تُطرَدُ

هم حُجَجُ الله عَلى عِبادِهِ *** وَهُم إِلَيْهِ مَنْهجٌ وَمَقَصد

كل النَّهارِ صَوْمٌ لِرَبِّهِم *** وَفي الدياجي رُكَعَ وَسُجَدُ

قوم أتى في هل أتى (1) مديحهم *** هَل شَك في ذلك إلّا مُلحِدُ

قومٌ لَهُم في كل أرض مَشهَدٌ *** لا بَل لَهُم في كل قلب مشهد ،

قوم منی (2) والمَشْعَرَ إِن لَهمُ *** والمَروتان لهم والمسجِدُ

قوم لهم مَكَةُ وَالأبطَح (3) وال *** خيف (4) وجمع (5) والبقيع (6) الفرقدُ

قومُ لهم فَضل وَمَجد باذخ *** يعرفُهُ المُشرك والمُوَحّد

ثم ذكر سبط ابن الجوزي الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله -

ص: 150


1- أي في سورة الإنسان، وهو يشير إلى الآيات التي نزلت في أهل البيت عليهم السلام.
2- موضع بالقرب من مكة.
3- الأبطح مسيل قريب من منى ومكة.
4- المراد به خيف منى ويقع فيه مسجد الخيف.
5- المراد به المزدلفة بالقرب من منى.
6- البقيع مقبرة أهل المدينة في زمن الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله -

وأوصياءه في بيتين، قال: وقال آخر

بأربعة أسماء كلهم محمد *** وأربعة أسماء كلهم علي

وبالحسنين السيدين وجعفر *** وموسى أجرني إنني لهم ولي (1)

2 - وصاحب كتاب الفصول المهمة فى معرفة أحوال الأئمة: (2) وهو الإمام العلامة علي بن محمد بن أحمد الشهير بابن الصباغ المالكي - رضوان الله عليه - المتوفى سنة ( 855) ه) كان من كبار علماء أهل السنة في القرن التاسع الهجري، وهو من الذين اطلعوا على النصوص الصريحة في الأئمة الاثني عشر والنصوص الصريحة في غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وقد كتب كتابه «الفصول المهمة في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر وإثبات غيبة الإمام الثاني عشر، ويكفينا في الدلالة على هذا أنه في هذا الكتاب، بعد أن ذكر الأدلة النقلية والعقلية في النص على إمامة الأئمة الاثني عشر، قال: الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر، وتاريخ ولادته ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته ومدة قيام دولته وذكر

ص: 151


1- تذكرة الخواص: 365 - 367.
2- قال الإمام السخاوي: «وله مؤلفات منها الفصول المهمة لمعرفة الأئمة الضوء اللامع 5 / 283 ، وذكر هذا الكتاب الزركلي في الإعلام 8/5 ، وعمر كحاله في معجم المؤلفين : 187/7

كنيته ونسبه، وغير ذلك مما يتصل به. (1) ثم نقل رحمه الله كلاماً للشيخ الإمام المفيد - رضي الله عنه - على سبيل الإقرار والتسليم به قال: «قال صاحب الإرشاد الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان - رحمه الله : كان الإمام بعد أبي محمد الحسن ابنه محمّداً ولم يخلف أبوه ولداً غيره، وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر ] في ملة الإسلام من النبي محمد صلى الله عليه وآله وكذلك من جده علي بن أبي طالب ومن بقية آبائه أهل الشرف ،والمراتب وهو صاحب السيف القائم المنتظر، كما ورد ذلك في صحيح الخبر، وله قبل قيامه غيبتان أحدهما أطول من الأخرى» (2)

وفي الحقيقة إن من تأمل في الفصول المهمة سوف يستيقن أن هذا الكتاب يحكي تحولاً مذهبياً عند الإمام ابن الصباغ المالكي . رضوان الله عليه - ، ومن ثم فأنا أعتبره من المستبصرين الذين دخلوا في المذهب الاثنى عشري

3 - وصاحب كتاب (فرائد السمطين) في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم، وهو شيخ الإسلام المحدث الكبير إبراهيم بن محمد ابن المؤيد الجويني الشافعي - رضوان الله عليه

ص: 152


1- الفصول المهمة 291
2- نفس المصدر: 291

المتوفى سنة ( 730 ه) (1) ، ينتهي نسبه إلى الصحابي العظيم أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، كان من أعلام أهل السنة، وعندما عرف أحاديث النص على إمامة الأئمة الاثني عشر وأحاديث الغيبة ترك العصبية المذهبية، وأذعن للحق وانتقل من مذهب أهل السنة إلى مذهب الاثني عشرية، وبإمكانكم أن ترجعوا إلى رواياته عن الغيبة بسنده، فبعد أن رواها وذكرها وأقرّ بها نقل - رحمه الله - كلاماً للإمام الطبرسي، على سبيل الإقرار والتسليم ،به قال: «قال الطبرسي: هذا بعض الأخبار من طرق المخالفين ورواياتهم في النص على عدد الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم، وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت كما نقلته الإمامية ولم تنكر ما تضمنه الخبر، فهو أدلّ دليل على أن الله تعالى هو الذي سخَّرهم لروايته إقامة لحجته وإعلاء لكلمته، وما هذا الأمر إلا كالخارق للعادة والخارج عن الأمور المعتادة، ولا يقدر عليه إلا الله سبحانه الذي يذلّل الصعب ويقلب القلب، ويسهل العسير وهو على كل شيء قدير» (2)

ص: 153


1- انظر ترجمته في خاتمة تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي: 4 / 1505 ، وقال فيه ابن حجر: وكان ديناً وقوراً مليح الشكل جيد القراءة و على يده أسلم غازان الملك»، الدرر الكامنة: 1/ 69 ، حرف الألف الرقم (181) وانظر ترجمته في الوافي بالوفيات: 6 / 141 ، وطبقات الشافعية للأسنوي: 1 / 454.
2- فرائد السمطين 2 / 329 ، رقم (579).

4 - وصاحب كتاب ينابيع المودة (1) الشيخ الحافظ سليمان بن إبراهيم - القندوزي الحنفي (2) - رضوان الله عليه - توفي سنة 1294) ه)، كان من کبار علماء أهل السنة الذين عرفوا حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وقد روى في كتابه ما يدل عليها ولا يتسع الوقت إلى ذكرها، وبعد أن ذكر رواياته عن الغيبة قال - رضي الله عنه - ناقلا ومقراً ومصدقاً: قال بعض المحققين إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن لأن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن نحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :قال كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجح هذه الرواية؛ لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أن نحمله على الملوك

ص: 154


1- ذكره أصحاب فهارس الكتب، إيضاح المكنون: 2 / 721 ، هدية العارفين: 1 / 408 ، معجم المطبوعات: 586
2- انظر ترجمته في أعلام الزركلي: 186/3

العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية: ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمُوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) وحديث الكساء، فلا بد أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً، وكانت علومهم عن أبائهم متصلة بجدهم صلى الله عليه وآله وسلم وبالوراثة واللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق، ويؤيد هذا المعنى - أي إن مراد النبي في أن الأئمة الاثني عشر من أهل بيته - ويشهد له ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب وغيره، وأما قوله (صلی الله علیه وآله وسلم) كلهم يجتمع عليه الأمة، في رواية عن جابر بن سمرة، فمراده صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة تجتمع على الإقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم» (2)

أرجو من كل قارئ لهذا البحث أن يتأمّل ويتعمق فيما نقله وأقرّ به وأن يعيد قراءته من جديد، فما ذكره يعد من أعظم ما قيل في توضيح وشرح معنى الحديث الذي أجمع على صحته كل علماء الإسلام (3).

وهكذا. وهكذا.. هناك المئات من أهل السنة الذين لم يتعصبوا

ص: 155


1- سورة الشورى، الآية: 23.
2- ينابيع المودة، ص: 535 - 536 .
3- أي حديث الرسول الأكرم: «الخلفاء بعدي اثنا عشر.....

لمذهبهم وأذعنوا للحق لما عرفوا الأحاديث التي يستند عليها وعندما أدركوا أن حقيقة مهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري علیه السلام مستمدة من السنة النبوية، ونستكفي بمن ذكرناهم حتى لا يتضخّم حجم هذا البحث، فلا شك أن تقرير حقيقة مهدوية وغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام تشغل مساحة واسعة في كتب بعض أهل السنة الذين ثبتت لهم تلك الحقيقة بالأحاديث والروايات المتواترة القطعية، فمن أراد التفصيل الكامل فليرجع إلى الكتب والموسوعات التي تخصصت في البحث عن حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في كتب القدماء، الذين تركوا مذهب أهل السنة واتبعوا مذهب الاثني عشرية.

ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - وهي حقيقة هامة وهائلة من حقائق كل الاديان السماوية - أن نقول - ونحن في نهاية البحث عن هذه الحقيقة - إن هذه الحقيقة الهامة قد آمنت بها بعض الفرق الإسلامية المخالفة للاثني عشرية، بل ودوتوا ما ورد فيها من الروايات فى كتب مستقلة قبل تحقق الغيبة - وإنما ذكرت ذلك، لأن الوهابيين شنعوا على عقيدة الغيبة بسبب إنها

عقيدة بعض المخالفين للاثني عشرية - تذكر بعض تلك الكتب:

1 - كتاب نصرة الواقفة: لعلي بن أحمد الموسوي، وقد كان من المخالفين للاثني عشرية، وروى في كتابه بعض روايات الغيبة، قبل

ص: 156

تحققها بأكثر من مائة عام (1).

ونذكر هنا أن صاحب الكتاب من الذين وضعوا الغيبة في غير موضعها وخالفوا الاثني عشرية الذين التزموا بالأحاديث والروايات المتواترة، التي تنص على أن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر، وقد اشتهر بين المسلمين في القرون القديمة أن جمهور الشيعة يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر وأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر، وإن الذين خالفوهم ووضعوا الغيبة في غير موضعها - أي قالوا بغيبة غير الإمام الثاني عشر - كانوا شرذمة قليلة انقرضوا في العصور القديمة وفي هذا يقول المؤرّخ الكبير القديم المسعودي الذي تحققت الغيبة الكبرى في زمانه (2) «في سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام - أي الإمام الحادي عشر - في خلافة المعتمد وهو ابن تسع وعشرين، وهو أبو المهدي المنتظر

ص: 157


1- کتاب نصرة الواقفة انظر كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 61 ، وانظر الذريعة: 24 / 178، رقم ( 924) ، وقاموس الرجال للمحقق العظيم المعاصر محمد تقي التستري: 7 / 359 - 360 ، رقم ( 5020 ) .
2- فمن المعلوم أن المسعودي توفي في عام 346) ه- ، والغيبة الكبرى كانت في عام (329 ه) راجع ترجمة المسعودي في كتاب فوات الوفيات لابن شاكر 2 / 94، و فهرست ابن النديم 219 ، الطبعة المصرية، وكتاب تاريخ اللغة العربية لجورج زیدان 313/2

والإمام الثاني عشر عند القطعية من الامامية وهم جمهور (الشيعة) (1).

وحبذا لو تأمل اخواننا الوهابية في عبارات ذلك المؤرخ الكبير حتى لا يقولوا: إن جمهور الشيعة خالفوا الاثني عشرية وهم جمهور «الشيعة ليعلموا أن جمهور الشيعة منذ القرون القديمة كانوا يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر ويعتقدون أن الثاني عشر من الأئمة - محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - هو الإمام المهدي المنتظر وهو صاحب الغيبة، أما الذين خالفوا جمهور الشيعة من الذين كانوا يزعمون أنهم من الشيعة، ثم يضعون الغيبة في غير موضعها، وينسبونها لغير صاحبها - الإمام الثاني عشر - من غير دليل أو حجة، فقد انقرضوا في زمان قريب من زمان ظهورهم - كما سبق أن ذكرنا - وكان منهم صاحب كتاب «نصرة الواقفة»، كما كانت مشكلة بعض أولئك تتعلق بالخطأ في فهم بعض أحاديث وروايات الغيبة، ومن ثم عندما رجعنا إلى تراجم الكثير منهم وجدناهم كانوا عندما يعرفون الحقيقة يلتحقون بجمهور الشيعة من الاثني عشرية، بعد أن يستبين لهم بالدليل القطعي أن الأحاديث والروايات المتواترة صريحة وقاطعة بأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام لا الشخص الذي اختاروه من عند أنفسهم، وهذه الرواية تصوّر لنا دور الأئمة الاثني عشر في توضيح و تبيين من هو صاحب الغيبة ، وقد كان لذلك التوضيح والتبيين ثمرة

ص: 158


1- مروج الذهب للمسعودي

كبيرة في هداية الذين لم يصيبوا في معرفة صاحب الغيبة.

روى المحدث الجليل الإمام الشيخ الصدوق - بسنده - عن السيد الحميري قال: قلت للصادق جعفر بن محمد یا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدى وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق، بقية الله في أرضه، وصاحب الزمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً (1).

فالذين وضعوا الغيبة في غير موضعها ونسبوها لغير صاحبها قد خالفوا النصوص الصريحة إما عمداً أو خطاً لكنهم لم يستطيعوا إنكار أصل أحاديث الغيبة الواردة عن الرسول الأكرم؛ لأنها كانت من الأمور المسلّمة عند الجميع، ومن ثم قال شيخ المحدثين في القرن الرابع الإمام الشيخ الصدوق - رضي الله عنه - وقد كان قريباً من عصر تحقق الغيبة الكبرى: إن الناس لما صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه، وضع كثير منهم الغيبة في غير موضعها» (2).

ص: 159


1- إكمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: 2 / 342 ، رقم (23).
2- إكمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: 1 / 30.

2 - كتاب الغيبة (1) : الذي ألفه قبل تحقق الغيبة بأكثر من مائة عام الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم البطائني، وقد كان من المخالفين لمذهب الاثني عشرية، وذكر في كتابه بعض أحاديث الغيبة وقد كان معاصراً للإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر [أعني الإمام الرضا رضي الله عنه]

3 - كتاب الصفة في الغيبة (2) : كتبه عبد الله بن جبلة بن حيان كان فقيهاً ثقة مشهوراً، توفي سنة (219) ه)، وهو من الكتب التي كتبت قبل الغيبة بأكثر من مائة عام.

ولا نستطيع في هذا البحث المختصر أن نذكر جميع كتب المخالفين للاثني عشرية في هذه الحقيقة الأساسية - حقيقة الغيبة ، وليس هذا الذي نحاوله في هذا البحث، لذلك نؤثر أن نقتصر بذكر تلك الكتب.

وبعد ؛ هذه هي مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هي في حقيقتها وواقعها، وعندما نقرأها كما هي في صحف وكتب الأنبياء قبل نبينا وكما هي في الاحاديث النبوية، ندرك حقيقتها وواقعها في حين الذي يقرأ هذه الحقيقة كما رسمها النموذج الوهابي بطريقة شنيعة فسوف ينفر من هذه الحقيقة العظيمة والفريدة.

وهكذا نأتي إلى نهاية هذا البحث ونحن نعرض حقيقة مهدوية

ص: 160


1- فهرست النجاشي: 36 - 37 ، رقم (73) ، الذريعة: 16 / 76 ، رقم (382).
2- فهرست النجاشي: 216 ، رقم (563) ، الذريعة: 15 / 45 ، رقم (292)

وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، بعد أن تجلت لنا حقيقة مهدويته وغيبته - بأدلتها - في بشارات الأنبياء - قبل نبينا - وفي أحاديث النبي وروايات الأئمة، وقد بذلنا قصارى جهدنا في تبيينها وتوضيحها، ومهما يكن حجم جهدنا قليلاً لكنه بداية الطريق لمن يريد التعرف على هذه الحقيقة ويصل إلى نهاية الطريق بعيداً عن مزالق ومنعرجات الطريق، فأما حين يرغب أن تتسع معرفته عن هذا الإمام العظيم، فلن يستغني عن الكتب المتخصصة في تلك الشخصية الربانية، ويلاحظ القارئ لهذا البحث أن أدلة حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام قوية إذا أدركت أما الذين يدركون تلك الأدلة ثم يجحدونها فليس لنا معهم الجدل الجاد وإنّما هو المرء الذي لا يستحق الاحترام

وقبل أن نختم ننبه إلى زوبعة صدرت من قبل اتباع النموذج الوهابى فى التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في كتبهم تقول: إن احاديث وروايات غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كانت لأجل تبرير تحقق الغيبة في الواقع التاريخي المشهود، ونقول في جواب هذه الزوبعة: إن أحاديث وروايات غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، لو كانت كما يزعمون لكان يجب عليهم إثبات أن غيبته تحققت في الواقع التاريخي المشهود قبل وجود أحاديث وروايات الغيبة، ولا يمكن لهم إثبات ذلك، فقد أثبتنا بالأدلة القوية القاطعة أن

ص: 161

بشارات غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كانت في صحف وكتب الأنبياء - قبل نبينا ، وأثبتنا لهم كذلك بأن أحاديث الغيبة كانت في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول ومن ثم فوجودها في هذه الصحيفة كان قبل الغيبة بأكثر من مائتين عاماً ، وكان ينبغي لهم معرفة إنّما هى الأحاديث الدخيلة والموضوعة التي تأتي لتبرير ما وقع في التاريخ الواقعي الملموس والمشهود وصبغته بالصبغة الشرعية وتكون متأخرة زمناً من الحدث التاريخي الذي تبرره، أما الأحاديث والروايات المتواترة القطعية التي تحدثنا عن المستقبل القريب أو البعيد - مثل أحاديث وروايات غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام - فإنها توجد قبل الحدث التاريخي المشهود وعندما تحقق في الواقع التاريخي تكون من معجزات خاتم الأنبياء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. وبعد أن انتهينا من عرض الأدلة التي قادتني إلى الايمان بالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. حان الوقت الآن لذكر قضية هامة في منتهى الأهمية لمست اهميتها بالتجربة والعيان.. وهي قضية العلاقة بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبين الحقائق الدينية الأخرى المرتبطة بتلك الحقيقة.

ص: 162

العلاقة بين حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبين الحقائق الأخرى

لما كان هدفي في هذا أن اكتب قصتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام لأقرب المقربين إلي من أهلي وأصدقائي وأنسابي ومشايخي وتلامذتي وكل من يحمل النموذج الوهابي في التعامل مع ذلك الإمام العظيم واريد أن ابين لهم أن الطريق إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو طريق طويل وخطير.. في هذه الطريق الطويل منعرجات ومنزلقات .. وهذه المنعرجات وتلك المنزلقات سوف نقع فيها – أقول ذلك من خلال تجربة عشتها وأدركتها - مالم ندرك بأن مذهب أهل البيت يشتمل على مجموعة من الحقائق العقيدية الأساسية .. وحقيقة الغيبة تعد واحدة من تلك الحقائق الأساسية.

وإن تلك الحقائق هي حقائق متكاملة ومتناسقة.. إنها ليست مجموعة حقائق منفصلة ومنعزلة.. إن كل حقيقة من الحقائق التي يقوم عليها مذهب أهل البيت.. تؤدي دورها في هذا الكل المتناسق المتكامل. وهي تفقد قوامها وجمالها وروحها وعظمتها حين تنفصل من هذا الكل.. إن مذهب أهل البيت ليس أجزاء وتفاريق يمكن تناول أي جزء منه وحده، بعيدا عن بقية الجوانب المنسوقة.. إن انفصال هذا

ص: 163

الجزء يذهب بجماله، ويذهب بجمال الكل بل يذهب بحقيقته وحقيقة الكل أيضا.

ومن ثم فإنه لا يمكن تناول حقيقة بمفردها من حقائق مذهب أهل البيت.. لعرضها وحدها في عزلة عن سائر الحقائق.. ولا يمكن ايضاً - عقد موازنة بين حقيقة معزولة عن غيرها من حقائق مذهب أهل البيت وبين حقيقة تقابلها في المذاهب الإسلامية الأخرى.. لأن هذه الحقيقة المعزولة لا تمثل ذاتها كما في الكل. ولا تعطي حقيقتها كما هي في الكل أيضا.

فإذا نحن عمدنا - هنا - إلى حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام فعز لناها عن بقية حقائق مذهب أهل البيت لم تتجل لنا قط بصورتها الجميلة المؤثرة الموحية، ولم تكن هي - كما هي - في مذهب أهل البيت.

إن المنهج النبوي - ويتبعه منهج أهل البيت - يجلي ويبين حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام في سياق الحديث عن بقية الحقائق الأخرى الكبرى فى الإسلام.

ولزيادة التوضيح.. الأحاديث النبوية عند أهل السنة والشيعة والروايات المنقولة عن أهل البيت تربط بين حقيقة الإمامة وبين حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. لنأخذ مثلاً واحداً فندكر حديثاً واحداً من الاحاديث الواردة في الإمامة وحديثاً واحداً من الاحاديث

ص: 164

الواردة في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام حتى ندرك كيف ربط النبي بين حقيقة الإمامة وبين حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

إن النبي عرض حقيقة الإمامة على هذا النحو:

حديث جابر بن سمرة، عن رسول الله - صلى الله عليه آله -: «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليهم الأمة»، وفي رواية لا يزال الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، فسأل رسول الله ثم يكون ماذا - أي ماذا سوف يحدث بعد مضي الخليفة الثاني عشر [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام من هؤلاء الخلفاء عشر - فأجاب السائل بقوله - صلى الله عليه وآله - «ثم يكون

الاثني الهرج».

وبذلك بين لنا النبي أنه بعد الخليفة الثاني عشر [= محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] سوف يكون الهرج.

ثم أن النبي عرض حقيقة الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] على هذا النحو

«المهدي من ولدي، فسأل رسول الله ثم يكون ماذا - أي ماذا سوف يحدث بعد مضي الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن [= العسكري علیه السلام ] - فأجاب السائل بقوله - صلى الله عليه وآله - «ثم يكون الهرج». وبذلك بين لنا النبي أنه بعد الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] يكون الهرج.

ص: 165

اليس كل واحد منا يستطيع أن يقول بعد هذا البيان النبوي الصريح بأن النبي قال الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو [= الخليفة الثاني عشر ..؟ - سبق أن شرحنا المنهج النبوي في الربط بين الإمامة في ثنايا هذا الكتاب -

لكننا في نموذجنا الوهابي لمّا فصلنا بين حقيقة الخليفة الثاني عشر وبين حقيقة الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فتصورنا كلا منهما مقطوع الصلة بالآخر ؟ ثم رحنا نحاول فهم حقيقة الخليفة الثاني عشر [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] بدون نظر إلى حقيقة الإمام المهدي ؟.

إننا حينئذ لا يكاد يبقى في أيدينا شيء من حقيقة الإمام المهدي كما هي في الاحاديث النبوية.

ولا نعود نملك أن نفسر حقيقة الإمام المهدي تفسيرا صحيحا.. إن الإمام المهدي سيبدو لنا خلوا من حقيقته - كما هي في الاحاديث النبوية ..

إن حقيقة الإمام المهدي وحقيقة الخليفة الثاني عشر هما يعبران عن شخصية واحدة في المنهج النبوي.

وإن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام هو «المهدي » الحق الذي هدى إليه نبي الإسلام وبعض الأنبياء الذين سبقوه.

وإذا كان المنهج النبوي لا يفصل بين حقيقة الإمامة وبين حقيقة

ص: 166

الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فالنبي حين يتحدث عن الإمامة فحديثه يشمل إمامة الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وكذلك الشأن حديث النبي عن الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ] يشمل الحديث عن الإمامة.

ولقد كان فى الإمكان أن اتحدث عن حقيقة الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وغيبته في سياق الحديث عن حقيقة الإمامة وأن لا افصل في هذا الكتاب حقيقة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وغيبته عن حقيقة الإمامة، كما وجدنا الاحاديث النبوية لا تفصل بين هاتين الحقيقتين.. ولكنني الذي ارغمني في هذا البحث أن اتحدث عن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وغيبته بصورة منفصلة عن الحديث عن حقيقة الإمامة ؛ لأن حقيقة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ومهدويته وغيبته أخذت في تاريخ معتقداتنا الوهابية مكانا عريضاً، ووقع فيها الضلال والتخبط في التيه في نموذجنا الوهابي عن هذه الحقيقة، مما يجعل الأفضل إفرادها ببيان مستقل عن حقيقة الإمامة.

لقد عجزنا حينما كنا ندرس في جامعة الإمام محمد بن سعود عن الاهتداء إلى حقيقة الإمام المهدي لأننا حاولنا فهم هذه الحقيقة بعيدا عن حقيقة الخليفة الثانى عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

ص: 167

إن الإمام المهدي الذي كنا نبحث عنه هو بعيد عن حقيقة الإمام المهدي الذي اراده رسول الله.

لذلك عجز النموذج الوهابي الذي اعتكفنا عليها سنوات عن الاهتداء إلى حقيقة العلاقة بين الإمام المهدي وبين الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، لذلك كان ما تصورناه عن الإمام المهدي مختلاً، لأن القاعدة التي قام عليها ذلك التصور هي قاعدة مختلة.

وبمثل هذا العجز عالج النموذج الوهابي حقيقة غيبة الإمام المهدي. وضربت في التيه في هذه الحقيقة كما ضربت في التيه في حقيقة الإمام المهدي وسارت في هاتين الحقيقتين في دروب مسدودة.

وترتب عن ابتعادنا عن المنهج النبوي في طرح قضية الإمام المهدي نتائجاً خطيرة دفعت بنا إلى وعثاء ومزالق الطريق.. كل ذلك لأننا ابتعدنا عن معالم الطريق النبوي في رسم خارطة الإمام المهدي. وكانت اخطر نتيجة من ابتعادنا عن تلك المعالم النبوية أن حفل نموذجنا حول الإمام المهدي - كما تعلمناه في الجامعات الوهابية - بالتصورات الغامضة عن شخصية الإمام المهدي، وقد انبثق من جراء تلك التصورات الغامضة حول شخصية الإمام المهدي أن ظهر على مدار عدة قرون كما ظهر - ايضاً - في عصرنا في المملكة العربية السعودية من يتقمص شخصية الإمام المهدي ويدعي المهدوية ويخلق ازمة كبيرة في وسط المجتمع السعودي.

ص: 168

والتصور النبوي عن الإمام المهدي هو الحل الوحيد لمعالجة تلك الأزمة الكبيرة في وسط المجتمع السعودي، لأن التصور النبوي عن الإمام المهدي جعل للإمام المهدي شخصيته المستقلة، وطبيعته الخاصة، التي لا يمكن أن تلتبس بشخصية أخرى.

إنني حين اطالع الأزمات الكبرى في مجتمعاتنا الوهابية ومنها المأساة الكبرى والمذبحة الرهيبة التي ارتكبت في الحرم المكي في عصرنا بسبب اعتقاد بعض اتباع نموذجنا بمهدوية الذي ظهر في ادرك حينئذ لماذا احتوت صحف وكتب الأنبياء في موكبهم الممتد الطويل صورة واضحة عن الإمام المهدي.. ولماذا كثرت الاحاديث النبوية التي تبين حقيقة المهدي بصورة دقيقة.. ولماذا اصر الأئمة الأحد عشر على الإكثار من التحدث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. إنه لا يمكن معالجة مجتمعاتنا من كل تلك المشكلات إلا إذا تحررنا من نموذجنا الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

ومن ثم لم يكن بد - وقد ابعدنا النموذج الوهابي عن حقيقة غيبة الإمام المهدي ببعده عن المنهج النبوي في عرض هذه الحقيقة - أن نقدم لاتباع ذلك النموذج الوهابي خصائص المنهج النبوي الصحيح في عرض حقيقة مهدوية غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام لنساعدهم على فهم هذه الحقيقة كما هي في كلام نبي الإسلام

والبحث القادم سيتناول عرض خصائص ذلك المنهج الصحيح.

ص: 169

ص: 170

خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي على الوهابيين

بعد أن عرضنا في فصل «فهم جديد للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام الصورة العملية والتطبيقية للمنهج الصحيح في عرض قضية المهدوية على اتباع النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. عرضنا ذلك المنهج الصحيح من خلال استعراضنا للأدلة التي كانت السبب في انهيار نموذجي الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وهكذا السبب في إيماني بمهدوية وغيبة هذا الإمام العظيم..... وهكذا بعد أن استعرضنا العلاقة بين حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم وبين الحقائق الدينية المرتبطة بهذه الحقيقة.. حان الوقت الآن أن نتناول من خلال تجربتي الطويلة مع النموذج عن الوهابي الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام موضوع خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم على اتباع النموذج الوهابي .

واجد من الضرورة - هنا - أن انصح القارئ الكريم أن يقرأ فصل فهم جديد للإمام الإمام محمد بن الحسن العسكرى قبل أن يقرأ هذا الفصل ؛ حتي يتسنى له معرفة خصائص المنهج الصحيح في عرض غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وحتى يمكن له درك الفرق بين المنهج النبوي

ص: 171

في عرض قضية المهدوية وبين النموذج الوهابي في عرضها.

لقد ادركت من خلال تلك التجربة الطويلة مع الإمام محمد بن العسكري علیه السلام بأن اتباع النموذج الوهابي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ما لم يتبعوا معالم الطريق النبوي الصحيح في عرض الحقيقة المهدوية التي سأذكرها عند طرحي لهم لخصائص ذلك المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم فلا يمكنهم

التحرر من نموذجهم عن ذلك الإمام العظيم .. ومن هنا لابد لهم أن كانوا من الباحثين عن الحق والحقيقة من معرفة ثمان خصائص هامة مرتبطة بالبحث عن منهج عرض هذه الحقيقة وهي:

الأولى : إن الطريقة المثلى في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي من أجل معالجة مشكلات النموذج الوهابي في كيفية عرضه الحقيقة غيبة الإمام المهدي، ينبغي أن تكون من خلال عرض هذه الحقيقة عبر مرحلتين رئيسيتين لا بد من الالتزام بترتيب هاتين المرحلتين، وإلا فلن يتم معالجة النموذج الوهابي في كيفية عرضه لهذه الحقيقة، ولن يتسنّى للوهابيين أن يدركوا هذه الحقيقة.

كما يجب أن نبين للوهابيين أن عدم ملاحظة هاتين المرحلتين وعدم الالتزام بترتيبها هو الذي جعل منهجهم في دراسة حقيقة غيبة الإمام المهدي ينحرف عن المنهج النبوي في دراستها.

وبسبب خروج الوهابية عن المنهج النبوي في دراستها لقضية

ص: 172

المهدوية ؛ رسمت الوهابية صورة لغيبة الإمام المهدي لا صلة بينها وبين الصورة التي رسمها المنهج النبوي عنها.

وتأتي أهمية هذه الدراسة من أنني لم أجد بحثاً علمياً يتناول موضوع (المنهج الجديد والصحيح في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي على الوهابية ( أو يتناول موضوع (الفرق بين منهج الوهابية في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي وبين المنهج النبوي في عرضها). ولا بد أن هناك سبباً للخلاف الشديد في تعريف (حقيقة غيبة الإمام المهدي بين المنهج الوهابي في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي وبين المنهج النبوي في عرضها.

ونحن لا نشك بأن سبب اختلاف المنهجين إنّما يعود إلى اختلاف (طبيعة) منهج الوهابية عن (طبيعة ) المنهج النبوي. ومما لا ريب فيه أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين طبيعة المنهج الذي تبنته الوهابية وطبيعة الصورة التي رسموها ل- (حقيقة غيبة الإمام المهدي)؛ فقد يتم التأويل الباطل لها بحيث يجعلها بعيدة عن صورتها ورسمها الواقعي ويلحقها التحريف والتشويه حينما تعرض بطريقة ومنهج غير علمي، يحمل في طبيعته مغالطة خفية.

ولا يمكن لنا أن ندرك دور ( طبيعة المنهج في التأثير على رسم وعرض حقيقة غيبة الإمام المهدي ؛ إلا إذا قمنا بدراسة علمية تعتمد على المقارنة بين (حقيقة غيبة الإمام المهدي التي رسمها الوهابية و (حقيقة غيبة الإمام المهدي التي رسمها المنهج النبوي.

ص: 173

إن الباحث المنصف عن حقيقة غيبة الإمام المهدي ينبغي أن يميز بين حقيقة غيبة الإمام المهدي كما هي في حقيقتها وواقعها، وبين مناهج دراستها وأساليب قراءتها التي وقعت في أخطاء كبيرة، ومن ثم أوقعتنا في انحراف عن درك حقيقة غيبة الإمام المهدي. ويجب أن نعرف الفرق بين حقيقة غيبة الإمام المهدي نفسها وبين مناهج دراستها، ومن هنا تأتي أهمية طرح (المنهج الصحيح والسليم في دراسة حقيقة غيبة الإمام المهدي

ونحن نخالف (منهج الوهابية في دراسة حقيقة غيبة الإمام المهدي، ونرى ضرورة عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي حسب المنهج النبوي في عرضها

ومنهجنا في عرض ورسم (حقيقة غيبة الإمام المهدي يمر بمرحلتين، لا بد من الالتزام بها حتى نسلم من الاخطاء التي انزلق فيها اتباع الوهابية أثناء عرضهم ورسمهم ل- (حقيقة غيبة الإمام المهدي)

والمرحلتان - في هذا المنهج الذي اخترته - من أجل عرض غيبة الإمام المهدي على الوهابيين حتى يتمكنوا من فهمها ودركها - عرضتها بهذا الترتيب الذي ينبغي مراعاته: المرحلة الأولى: (مرحلة المعرفة الانتسابية لحقيقة غيبة الإمام المهدي

وبينا أنه يجب أن ندرس في هذه المرحلة أسباب وعوامل خطأ الوهابية في مرحلة المعرفة الانتسابية لحقيقة غيبة الإمام المهدي.

وهذه الأسباب هي:

ص: 174

السبب الأول: غفلة الوهابية عن العلاقة بين حقيقة الإمام المهدي وبين حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كما وردت في السنة النبوية.

السبب الثاني: عدم معرفة الوهابية بحقيقة الإمام المهدي كما وردت في السنة النبوية.

السبب الثالث: جهل اتباع الوهابية بحقيقة غيبة الإمام المهدي كما وردت في السنة النبوية.

واريد هنا ابين التسلسل المنطقي بين هذه الاسباب.. لقد غفل النموذج الوهابي - قضية العلاقة بين حقيقة الإمام المهدي وبين حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كما وردت في السنة النبوية فانبثق عن هذه الغفلة عدم المعرفة بحقيقة الإمام المهدي كما وردت في السنة النبوية.. ومن لم يعرف حقيقته لا يمكن له أن يدرك حقيقة غيبته كما وردت في السنة النبوية. لذلك حينما ادركت وجود العلاقة بين حقيقة الإمام المهدي وبين حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام كما وردت في السنة النبوية تبين لي حقيقة الإمام المهدي السنة النبوية ثم بعد ذلك ادركت حقيقة غيبة الإمام المهدي كما وردت في كما وردت في السنة النبوية.

ونريد توضيح هذه الخاصية الأولى ببيان أن منهجنا يرى بأنه لابد من عرض حقيقة الإمام المهدي على الوهابيين في بداية الأمر عبر هذه

ص: 175

المرحلة الأولى ولا يصح أن ننتقل إلى - المرحلة الثانية (مرحلة المعرفة التحليلية لحقيقة غيبة الإمام المهدي إلا بعد الانتهاء من البحث عن المرحلة الأولى - أيّ مرحلة المعرفة الانتسابية لحقيقة غيبة الإمام المهدي - والتي نعالج فيها مشكلة الخلط عند اتباع النموذج الوهابي.. بين حقيقة غيبة الإمام المهدي عند الاثني عشرية وبين حقيقة غيبة الإمام المهدي عند فرق الغلاة، حتى نتجنب الخطأ في فهم حقيقة غيبة الإمام المهدي

وكما هو واضح من ذلك المنهج الذي رسمناه يتبين لنا أن المرحلة الأولى لها الأولوية في هذا المنهج، تعبيراً عن أهميتها، وتبييناً بأن الخطأ فيها سوف يؤدي إلى سقوط خطير وانزلاق كبير من أعلى حقيقة غيبة الإمام المهدي كما هي عند الاثني عشري إلى أسفل حقيقة غيبة الإمام المهدي كما هي عند فرق الغلاة، ولو لاحظنا المرحلة الأولى لاستنقذنا أنفسنا من خطر السقوط في هاوية الطريق.. وهذه المرحلة هي وراء بعض أخطاء أتباع المنهج الوهابي في دراساتهم عن حقيقة غيبة الإمام المهدي.

وعند إعادة النظر في المنهج الذي رسمناه لعرض حقيقة غيبة الإمام المهدي على الوهابيين سوف نرى أن المرحلة الثانية ) أي: مرحلة المعرفة التحليلية لحقيقة غيبة الإمام المهدي) تقع في الطبقة الثانية في ذلك المنهج بعد طبقة رأس ذلك المنهج، وهو تعبير حاسم عن درجة ومرتبة هذه المعرفة التي لا ينبغي أن تتقدم أو تتأخر عنها. ونحن نشاهد في هذا المنهج الحقائق الخمس - سوف نذكرها عندما

ص: 176

نذكر المرحلة الثانية - التي هي من صميم المرحلة الثانية، والتي يجب دراستها وتحليلها في هذه المرحلة. وهو تعبير صريح عن درجة ومرتبة هذه المعرفة التي لا ينبغي أن تتقدم أو تتأخر عنها.

ونحن عندما وضعنا المرحلة الأولى في الطبقة الأولى من هذا المنهج لأجل تبيين وتوضيح تأثيرها الخطير والكبير على المرحلة الثانية.

وهكذا؛ وضعت هذا المنهج بما يتناسب مع العقل الوهابي. ومن خلال تجربتي السابقة فإنّني لم استوعب وأدرك حقيقة غيبة الإمام المهدي) إلا بعد أن استطعت تجاوز مشكلة الخلط بين حقيقة غيبة الإمام المهدي عند الاثني عشرية وحقيقة غيبة الإمام المهدي عند الغلاة المرحلة الأولى)، ثم بعد ذلك استطعت أن افهم مرحلة المعرفة التحليلية العميقة للحقائق الخمس حول غيبة الإمام المهدي (المرحلة الثانية).

وبعد أن انتهينا من دراسة (المرحلة الأولى) تناولنا (المرحلة الثانية).

المرحلة الثانية: (مرحلة المعرفة التحليلية لحقيقة غيبة الإمام المهدي).

وفي هذه المرحلة تناولنا خمس حقائق هامة وهي:

الحقيقة الأولى: حقيقة غيبة الإمام المهدي في التوراة والأنجيل.

والحقيقة الثانية: حقيقة غيبة الإمام المهدي في القرآن والسنة.

والحقيقة الثالثة: حقيقة غيبة الإمام المهدي في كلمات أهل السنة.

والحقيقة الرابعة حقيقة غيبة الإمام المهدي في كلمات الوهابية.

والحقيقة الخامسة: حقيقة غيبة الإمام المهدي في كلمات علماء

ص: 177

الاثني عشرية.

هذه هي مراحل دراسة حقيقة غيبة الإمام المهدي التي ينبغي بل يجب الالتزام بالترتيب المذكور عند طرح هذه الحقيقة للوهابيين.

وهنا اجدد نصحي للقارئ الكريم أن يرجع إلى فصل: «فهم جديد للإمام الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، حتى يتسنى له معرفة الفرق بين المنهج النبوي في عرض قضية المهدوية وبين النموذج الوهابي في عرضها... وحتى يدرك هذه الخاصية الأولى من خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي.

والثانية: إنّه لا يمكن أن ندرك حقيقة غيبة الإمام المهدي عند الاثني عشرية إلا إذا أدركنا حقائق الاثني عشرية، ومن ثم يجب معرفة حقائق الاثنى عشرية قبل البحث عن حقيقة غيبة الإمام المهدي .. وحتى ندرك اهمية هذه الخاصية ننصح القارئ بمراجعة الفصل الماضي في هذا الكتاب الذي تناولنا فيه موضوع العلاقة بين حقيقة الغيبة وبين الحقائق الدينية الأخرى.

والثالثة: إن مشكلة أتباع الجماعة الوهابية أنهم لم يميزوا بين حقيقة غيبة الإمام المهدي التي أثبتتها ورسمتها النصوص النبوية في كتب أهل السنة وكتب الوهابية وكتب الاثني عشرية، وبين حقيقة الغيبة الغريبة التي تفردوا بإثباتها ورسمها في نموذجهم الغريب والشاذ مع أن الأولى موجودة في كتب كل المسلمين من السنة والوهابية

ص: 178

والاثني عشرية، أما الثانية فقد تفرّد بإثباتها الجماعة الوهابية في نموذجهم لا في كتبهم المتخصصة في جمع الأحاديث النبوية ؛ كما أنهم خلطوا بين حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية وبين حقيقة الغيبة عند الفرق المغالية، وقد جرّهم هذا الخلط إلى اتهام الاثني عشرية بسبب هذه الحقيقة بالانحراف والضلال والغلو، وهذا ناتج بسبب أنهم ل-م يميزوا بين حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية وبين (حقيقة الغيبة عند

فرق الغلاة)، ومن ثَمّ نسبوا بعض سمات وصفات حقيقة الغيبة عند فرق الغلاة إلى حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية . ومشكلتهم الكبرى ترجع إلى مشكلة الخلط بين حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية وبين حقيقة الغيبة عند فرق الغلاة.

والرابعة لابد أن يدرك أخواني الوهابيين عند بحثهم حول حقيقة غيبة الإمام المهدي بأن هنالك الترابط المحكم بين كل طبقات المذهب الاثني عشري وأجزائه من قمته إلى قاعدته، وفي هذا دلالة صريحة على أنه يجب أن ينظر إلى حقائق الاثني عشرية كوحدة متماسكة مترابطة متحدة، وفي إطار منظومة مشتركة، تدب فيها روح واحدة، ومن ثَمَّ فهي (الحقائق) تشكل مجموعة واحدة.

وكل حقيقة من حقائق الاثني عشرية لا بد أن تنظر في اطار هذه المجموعة المترابطة المتصلة، وحين ننظر إلى حقيقة واحدة من حقائق الاثني عشرية بالنظرة الجزئية المفردة المعزولة عن بقية الحقائق ؛ فإننا

ص: 179

لا يمكن أن نُدرك عظمة روح هذه الحقيقة التي نظرنا إليها بمفردها، ولن ندرك ما فيها من صفات الجمال والكمال. كما أن النظرة التجزيئية الفردية لحقيقة من حقائق الاثني عشرية، دون النظر إلى بقية حقائقها ؛ كانت من الأسباب الرئيسية التي جعلت أتباع المنهج الوهابي ينزلقون في أخطاء كبيرة في الكثير من أحكامهم على حقيقة غيبة الإمام المهدي.

والخامسة : لابد أن يدرك أخواني الوهابيين عند بحثهم حول حقيقة غيبة الإمام المهدي بأن ينبغي لهم ملاحظة أن هنالك تسلسلاً ظاهراً وصريحاً بين حقائق المذهب الاثني عشري، وهو تعبير حاسم عن أن كل حقيقة من الحقائق المرتبطة بالمذهب الاثني عشري تكون مقدمة للحقيقة التي بعدها، وفي نفس الوقت تكون نتيجة للحقيقة التي ،قبلها، والإيمان بالحقيقة الأولى يقتضى الإيمان بالحقيقة الثانية.. وهكذا.. وهكذا؛ إلى الحقيقة الأخيرة.

ونحن إذا لم نستطع فهم الحقيقة الأولى فإنه ليس بامكاننا فهم بقية الحقائق؛ لما عرفت من أن هناك تسلسلاً رياضياً وعلمياً بينها.

ومن هنا لا يمكن لأخواني الوهابيين أن يفهموا حقيقة غيبة الإمام المهدي مالم يدركوا الحقائق التي تتقدم عليها.

والسادسة: لابد أن يدرك أخواني الوهابيين عند بحثهم حول حقيقة غيبة الإمام المهدي بأن هنالك حقيقة هامة تقول بأن هنالك تشابكاً وانسجاماً بين المرحلتين والحقائق، بحيث إن الخطأ في فهم المرحلة

ص: 180

الأولى - التي في هذا المنهج - يقتضي سريان الخطأ إلى المرحلة الثانية، والإصابة في فهم أول مرحلة يقتضي الإصابة في فهم المرحلة الثانية..

وهكذا.. وهكذا.. في الحقائق المرتبطة بالمذهب الاثني عشري أنه لا يمكن أن نخطئ في مرحلة المعرفة الانتسابية لحقيقة غيبة الإمام المهدي)، ثُمَّ نصيب فى مرحلة المعرفة التحليلية لحقيقة غيبة الإمام المهدي) ؛ لأن العلاقة بين المرحلتين متشابكة.. وعندما أخطأ أتباع المنهج الوهابي في مشكلة الخلط بين حقيقة غيبة الإمام المهدي عند الاثني عشرية وعند الغلاة - في المرحلة الأولى - كان من الطبيعي أن يسري هذا الخطأ إلى فهم حقائق الاثني عشرية الأخرى.

والسابعة لابد أن يدرك أخواني الوهابيين عند بحثهم حول حقيقة غيبة الإمام المهدي بأن هنالك حقيقة هامة تقول بأنهم لا يمكن لهم أن يدركوا حقيقة غيبة الإمام المهدي عند الاثني عشرية الا اذا تأملوا بعمق في النصوص النبوية حول هذه الحقيقة في كتب الحديث عند أهل السنة وفي كتب الحديث عند الوهابية وابتعدوا عن النموذج الوهابي التحليلي في شرح وتفسير هذه النصوص

والثامنة هي أنني ادركت أن لدينا رؤية شنيعة وقبيحة وسلبية لفكرة الغيبة - بغض النظر عن الشخصية الغائبة عن الانظار .... لأننا في العقيدة الوهابية لا يوجد لهذه الفكرة أي امتداد ففكرة الغيبة غريبة وبعيدة عن عقولنا وقلوبنا.. بل نعتبر الغيبة بذاتها قضية منحرفة.. ومن ثم لا تسطيع عقولنا أن تتمثل وتتصور مفهوم الغيبة.. لأجل ذلك

ص: 181

انصح اخواني الوهابيين – من خلال تجربتي الطويلة مع فكرة الغيبة ... إذا ارادوا معرفة حقيقة غيبة الإمام المهدي كما رسمت في المنهج النبوي.. أن يصبروا ويتحملوا ويرابطوا عند سماع فكرة الغيبة حتى ينتهوا من الاطلاع الكامل عن المنهج النبوي في عرض فكرة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. إن النموذج الوهابي في عرض غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام جعلنا لا نطيق حتى سماع كلمة الغيبة.. وهذا الأمر قادنا - من حيث لا نعلم - أن نحارب المهدي الواقعي والنبوي وأن نهرب منه لنصنع لنا - من حيث لا نعلم - مهدياً وهمياً لا وجود له إلا في نموذجنا الخاص وفي خيالنا الشاذ.. وقد لمست هذه الحقيقة حينما كنت وهابياً حيث قادتني كراهتي لفكرة الغيبة إلى كراهية ذكر اسم الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ؛ لأن هنالك تلازما وثيقا بين كراهية فكرة الغيبة وبين كراهية الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .. بل هناك ما هو أكثر من التلازم.. هناك الانبثاق الذاتي.

ومن هنا نجد أن الطعن في فكرة الغيبة قادنا - في الجامعات والمناهج الوهابية - إلى الطعن في الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام .

والآن بعد أن انتهينا من بيان خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي على الوهابيين.. حان الوقت أن نشرع في بيان الواقع التاريخي المشهود والمحسوس للذين آمنوا بالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ومهدويته وغيبته.

ص: 182

الواقع المشهود للذين آمنوا بالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

إن الإنسان ليدهش لأولئك الذين آمنوا بحقيقة الغيبة ثقة واطمئانا بما جاء عنها في احاديث.. ليدهش حين يرى لحظة استعلان حقيقة الغيبة.. يدهش حين يرى مجموعة قليلة ذليلة تواجه بهذه الحقيقة قوما غلاظا شدادا.. يبلغ بهم الجهل أن يعتقدوا بضلال من يؤمن بهذه الحقيقة، ويروا - وهم الاكثرية المقتدرة الحاكمة - الإيمان بحقيقة

الغيبة هذيانا وخرافة وضلالة.. يدهش لمجموعة قليلة ضعيفة هؤلاء الذين يمتلكون كل القوى المادية ويسيطرون على كل القوى الدينية ويسفهون كل من يؤمن بتلك الحقيقة.. يدهش حين يرى هؤلاء القلة الضعيفة الذليلة تقارع وتؤنب كل من ينكر هذه الحقيقة، ثم يواجهون الاكثرية القوية الحاكمة بالتحدي برد هذه الحقيقة وينشرون الكتب التي تحمل عنوان حقيقة الغيبة.

إن الإنسان ليدهش لعصبة قليلة مستضعفة تقتحم هذا الاقتحام الصعب على قوم غلاظ شداد.. وتزداد هذه الدهشة حين يعلم أنهم يدركون خطورة الاستعلان بهذه الحقيقة.. وهذه هي اقوالهم - سوف ننقل منها مقتطفات ذكروها في كتبهم بعد قليل - تشهد أنهم يدركون

ص: 183

خطورة ومحنة مواجهة الكثرة والقوة والسلطة بهذه الحقيقة.. يدهش وهو يرى الوحشة والحيرة والغربة التي اصابت مجموعة من هذه القلة الضعيفة عند مواجهة الكثرة والسلطة والقوة التي تزدري هذه الحقيقة.. فتلك الوحشة من سخرية الكثرة الحاكمة كانت حاضرة وسط مجموعة من تلك القلة المستضعفة.. وكانت الوحشة والحيرة والغربة واقعا تتملاه عيون وقلوب هذه القلة الضعيفة المطاردة.. وسنحتاج أن نقتبس فقرات في بيان الوحشة والمحنة والحيرة التي واجهت مجموعة من تلك القلة حين آمنت بهذه الحقيقة فتلقت السهام القاتلة من الاكثرية الحاكمة.. لاغنى عن اقتباسها لمعرفة حركة حقيقة الغيبة في التاريخ وفي الواقع المشهود كذلك لا غنى عنها لقارئ يريد رؤية واضحة دقيقة لهذا الموضوع الخطير العميق في معرفة الملابسات الواقعية المشهودة المحاطة بالذين آمنوا بهذه الحقيقة الكبيرة.

ونبدأ في بيان طبيعة هذه المحنة الواقعية المشهودة بسبب إيمان تلك القلة الضعيفة بهذه الحقيقة الكبيرة بعبارة أمدنا بها المسلم العظيم القديم الشيخ أبو الحسن بن بابويه القمي - من الذين عاصروا زمان تحقق الغيبة في التاريخ والواقع المشهود في كتابه القيّم: «الإمامة والتبصرة من الحيرة

ورأيت كثيرا ممن صح عقيدته، وثبت على دين الله وطأته وظهرت في الله خشيته، قد أحاطته الغيبة، وطال عليه الأمد حتى دخلته

ص: 184

الوحشة» - من مقدمته لكتابه ص 9 -

وعلى ضوء هذه العبارة التي تبين طبيعة الوحشة التي تواجه مجموعة من القلة المستضعفة من ضغط وهجوم الكثرة الحاكمة القوية.. نستطيع أن نمضي كذلك في ذكر عبارات أخرى مقتطفة تصور لنا حركة حقيقة الغيبة في المجتمع القديم الذي عاصر تحقق الغيبة في التاريخ والواقع المشهود.. هناك عبارة هامة قديمة يمدنا بها المسلم العظيم القديم الشيخ الأجل ابن أبي زينب محمد بن إبراهيم النعماني من الذين كانوا قريبا من عصر زمان تحقق الغيبة في التاريخ والوقع المشهود في كتابه القيم الغيبة - من ص 20 إلى 23 - .

ص: 185

ص: 186

الخاتمة

تبين لنا بعد تتبعنا لحقيقة الغيبة كما وردت في احاديث الرسول كم هو الفرق بين نتائج استعراض تلك الأحاديث لها وبين نتائج استعراضها في كتب الوهابية..

وهذا الاختلاف في النتائج انما كان بسبب الفرق بين المنهج النبوي في عرض الحقيقة وبين المنهج الوهابي في عرضها..

خطأ المنهج الوهابي في عرض حقيقة الغيبة؛ لأنه اهمل منهج النبي بدون قصد في استعراض هذه الحقيقة..

والوهابيون لم يبحثوا عن المنهج النبوي في عرض هذه الحقيقة، بل بحثوا عن هذه الحقيقة على أساس العداء والرفض لمنهج الرافضة في استعراض حقيقة الوهابية ؛ بسبب ما ثار بين الاثني عشرية والوهابية من عداء. فبدأ المنهج الوهابي في استعراض حقيقة الغيبة وليس في عزمهم أن يصلوا إلى معرفة حقيقة الغيبة في المنهج النبوي بل في عزمهم أن يصلوا إلى ما يكذب منهج الاثني عشرية في استعراض حقيقة الغيبة من اساسه للوصول إلى تحطيم الاثني عشرية ذاتها، ومن أجل هذا ابتعد منهجهم عن المنهج النبوي - من حيث لا يعلمون - ؛ لأنه يعتمد سلفا على نتائج معينة حول حقيقة الغيبة، قبل

ص: 187

البدء بالبحث عن النتائج المنبثقة من الاحاديث النبوية.

وحتى حين يكتشف الوهابيون تطابق نتائج المنهج الاثني عشري في استعراض حقيقة الغيبة مع المنهج النبوي في استعراضها فأن منهجهم يستمر في طريقه لأنه لم يستطع أن يتخلص من أساسه الذي قام عليه والتخلص من المقالات التي قامت على هذا الأساس، حتى صارت من أصول المنهج الوهابي في استعراض حقيقة الغيبة.

أما خطأ النتائج فهو ضرورة حتمية لخطأ المنهج من أساسه. هذا الخطأ الذي طبع نتائج هذا المنهج بهذا الطابع.. على أنه ايا كان المنهج وايا كانت النتائج التي يصل إليها ذلك المنهج حول حقيقة الغيبة، فإن تقريراته حول هذه الحقيقة مخالفة مخالفة أساسية للتقريرات النبوية حول حقيقة الغيبة - كما بينا ذلك في هذا الكتاب ... وإذا جاز لغير المسلم أن يأخذ بنتائج حول حقيقة الغيبة تخالف مخالفة صريحة أقوال رسول الله حول هذه الحقيقة، فأنه لا يجوز لباحث حول حقيقة الغيبة يقدم بحثه حولها للناس على أنه مسلم أن يأخذ بتلك النتائج.. لاسيما بعد أن تبين لنا من خلال هذا الكتاب بأن التقريرات النبوية حول حقيقة الغيبة صريحة وقاطعة وغير قابلة للتأويل فهي مما يقال عنه: إنه معلوم من الدين بالضرورة. وعلى المسلم أن يختار بين قول

رسول الله حول حقيقة الغيبة وبين قول علماء الوهابية.

ص: 188

فهرس المراجع والمصادر

القرآن الكريم

.1 أدب الإملاء والاستملاء، السمعاني.

.2 الاستنصار في النص على الأئمة الاثني عشر الأطهار، أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي.

3. أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية ناصر القفاري

.4 إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي.

5. الأعلام، الزركلي.

6. أعيان الشيعة، محسن الأمين.

7. إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة الشيخ الصدوق.

8 الإمام الصادق محمد أبو زهرة

9. الإمامة والتبصرة من الحيرة علي بن الحسين بن بابوية .

10. أمل الآمل، الحر العاملي.

11. انتصار الحق مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية، مجدي محمد علي محمد.

ص: 189

12. بحار الأنوار المجلسي.

.13 البداية والنهاية ابن كثير .

.14 بيان رابطة العالم الإسلامي حول المهدي، محمد المنتصر الكناني

.15 تاريخ الخلفاء، السيوطي: تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد

.16. تاريخ اللغة العربية، جورج زيدان.

17. تحقيق عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، محاسن الاصطلاح على مقدمة ابن صلاح للحافظ البلقيني.

18. تذكرة الحفاظ، الذهبي .

19. تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة، سبط أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.

20. تفسير القرآن ابن كثير .

21 التنبيه والإمامة، إسماعيل بن علي بن أبي سهل.

.22 تهذيب الأحكام الطوسي

23 جولات في الفقهين الكبير والأكبر، سعيد حوى.

.24 الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني.

.25 دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث، امتياز أحمد

26. الذريعة، الشيخ الطهراني.

ص: 190

27. ركائز الإيمان بين العقل والقلب، محمد الغزالي المصري.

28. روضة المتقين، محمد باقر المجلسي.

.29 السرائر، محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي.

.30 السنة النبوية قبل التدوين محمّد عجاج الخطيب.

31 السنن أبو داود السجستاني.

32 السنن النسائي

33 الشيخ المفيد، الإرشاد.

.34 الشيعة الإمامية الاثني عشرية في ميزان الإسلام ربيع بن محمد السعودي.

.35 صبحي الصالح، علوم الحديث.

.36 الصحيح البخاري.

37. الصحيح، مسلم

38. صحيفة علي بن أبي طالب، رفعت فوزي عبد المطلب.

.39 الصواعق المحرقة ابن حجر الهيتمي.

.40 الضوء اللامع السخاوي.

41 عادل نويهض، معجم المفسرين العربي لسزكين.

.42 عقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر، الشيخ عبد المحسن العباد، وتعليق الشيخ بن باز.

ص: 191

43. عيون الأخبار، الشيخ الصدوق

.44 غيبة الإمام المهدي النعماني

.45. الغيبة وكشف الحيرة، أبو الحسن الأرزي سلامة بن محمد.

.46 الغيبة وكشف الحيرة، محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة.

47. الغيبة، محمد بن الحسن الطوسي.

.48 فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم، إبراهيم بن محمد ابن المؤيد الجويني الشافعي.

49. الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، ابن الصباغ المالكي.

50 الفهرست، أبو غالب الزراري تحقيق محمد رضا الجلالي.

.51 الفهرست الفهرست ابن النديم

.52 ،الفهرست الفهرست الطوسي.

.53 الفهرست النجاشي.

54 الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية محمد عبد الحي.

.55 فوات الوفيات ابن شاكر .

56. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي.

.57 كتاب الغيبة والحيرة، أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري.

.58 كتاب الغيبة وكشف الحيرة ، محمد بن أحمد بن صفوان الجمال.

ص: 192

.59 كتاب الغيبة العباس بن هشام الناشري.

60. كتاب الغيبة، الفضل بن شاذان الأزدي.

.61 كتاب الغيبة، محمد بن مسعود سعود العياشي.

.62 كتاب المشيخة الحسن بن محبوب السراد.

63. لسان العرب، ابن منظور.

64 المحدث الفاضل بين الراوي والواعي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب

.65. محمّد عجاج الخطيب أصول الحديث

66. مختصر كتاب الغيبة علي بن غياث الدين النيلي.

.67 مروج الذهب المسعودي

68. المستقبل للمذهب الاثني عشري، عصام عصام العماد.

69. مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع، السالوس.

70. معالم العلماء (فهرست كتب الشيعة)، محمّد بن شهر آشوب

71. معجم الرجال، الخوئي.

.72. معجم المؤلفين، عمر كحاله.

73. المعجم الوسيط .73

74 معجم لاروس.

.75 مقدمته للغيبة للشيخ الطوسي، الشيخ الطهراني.

ص: 193

.76 الملاحم والفتن علي بن طاووس

77. من لا يحضره الفقيه الشيخ الصدوق .

78 منهاج السنة ابن تيمية.

.79 منية المريد في آداب المفيد والمستفيد الشهيد الثاني.

80 نقد الشيخ محمد عبد الوهاب من الداخل، عصام العماد.

81 نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث.

82 هدية العارفين لأسماء المؤلفين وآثار المصنفين إسماعيل باشا البغدادي

83 الوافي بالوفيات، وطبقات الشافعية الأسنوي

84 و تاريخ التراث، سزكين.

85 وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الحر العاملي.

86 ينابيع المودة، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي.

ص: 194

الفهرس

الاهداء ...5

المقدمة ...7

تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ... 13

بداية تهافت النموذج الوهابي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ...57

فهم جديد للإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ...75

العلاقة بین حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام وبين الحقائق الأخرى .... 163

خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة الإمام المهدي على الوهابيين .. 171

الواقع المشهود للذين آمنوا بالإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ...183

الخاتمة ...187

فهرس المراجع والمصادر...189

الفهرس ...195

ص: 195

ص: 196

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.