رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية

هویة الکتاب

اسم الكتاب: رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية

المؤلف : الدكتور عصام علي يحيى العماد .

الناشر: مؤسسة التوحيد في بلجيكا.

الطبعة الأولى 1998م

عدد النسخ: 2000

المتبرع الدیجیتالي : جمعیة المساعدة إمام الزمان (عج) في اصفهان

محرر : الآنسة نرگس قمي

ص: 1

اشارة

هوية الكتاب

اسم الكتاب: رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية

المؤلف : الدكتور عصام علي يحيى العماد .

الناشر: مؤسسة التوحيد في بلجيكا.

الطبعة الأولى 1998م

عدد النسخ: 2000

ص: 2

مقدمة المؤسسة

تهتم مؤسسة التوحيد في " بلجيكا " بالفكر الإسلامي

وتركز على توعية شباب الجيل الجديد ، حتى لا يقعوا

في الفخ الذي نصبه لهم خصوم القرآن الكريم ، وتقوم

المؤسسة بنشر الكتاب الإسلامى الذي يقف أمام الغزو

الفكري .. فلنقرأ معاً كتاب الدكتور عصام العماد " رحلتي

من الوهابية إلى الاثني عشرية " ، لعلنا نجد فيه نافذة

تحلّق بنا في تراثنا الإسلامي الخالد

والسلام

ص: 3

إهداء

إليكَما يا أمام " محمد بن الحسن الطوسي " ويا إمام أحمد بن علي النجاشي ، أرفع لكما هذا الكتاب حينما قرأت لكما تراثكما العظيم عرفت الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعدلتا بي عن طريق كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، إلى الطريق الجديد الذي أسلكه الآن

فإليكما هذا الكتاب ، الذي هو ثمرة إنصافكما ، و وسطيتكما وسعة صدركما ، ولفتاتكما العميقة . والله يرعاكما ويرفع مقامكما

عصام العماد

ص: 4

المقدمة

بذلت جهدي في هذا الكتاب أن تكون رحلتي تبصرة ينتفع بها زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية سواء كنت مصيباً أو جانبني الصواب

السنوات الأولى من دراستي في معهد صنعاء العلمي السلفي ضمت في أجوائها صورة قاتمة عن صورة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولفت نظري كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان الذي تم توزيعه علينا في سكننا الداخلي في المعهد وهو يصف جعفر الصادق علیه السلام بجعفر الكذاب ويساوي بين شخصية أبي الخطاب وشخصية جعفر الصادق علیه السلام ! ، وأصحاب أبي الخطاب وأصحاب جعفر الصادق علیه السلام !! ، فكان لهذا الكتاب أثر على نفسي وعلى مَن حولي فأجدني قريباً من إبراهيم الجبهان أرى رأيه بأن الأولى أن نصف جعفر بالكذاب لا بالصادق علیه السلام ، وأرى أنّه لا فرق بين أبي الخطاب وجعفر الكتاب ، وأن أصحاب جعفر الكذاب هم أصحاب أبي الخطاب .

وهذا الذي فهمناه من كتاب ظهر في معهدنا .. بَيدَ أنّ الأمر لم يدم على هذه الحال . منذ أيام هاجرت من السكن الداخلي في معهد صنعاء العلمي السلفي إلى مدينة الرياض ، وسكنت في السكن الداخلي في جامعة الملك سعود ، وبينما كنت في المكتبة العامة للجامعة رأيت كتاباً للإمام " محمد أبو زهرة " الأزهري المصري ، حول حياة جعفر الكذاب !! ، وحينما قرأت كتابه ، عدل بي عن طريق كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، إلى الطريق الجديد الذي أسلكه الآن ، طريق جعفر الصادق علیه السلام لا طريق جعفر الكذاب .

وفي الختام هذه وصيتي لأخوني السلفيين الذين كتبت هذا الكتاب لأجلهم هي : " امكثوا إنّي آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى [النمل: 7]، و" لا تغضبوا من الحق إذا قيل لكم ، و لا تبغضوا أهل الحق إذا صدعوكم به فإنّ المؤمن لا يغضب من الحق إذا صدع به " كتاب تحف العقول لابن شعبة : 514] ، وقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام " العاملُ على غير بصيرةٍ كالسائر على غير الطريق لا تَزيدُهُ سُرعة السير إلا بعدا " [تحف العقول] .

ولا يفوتني أن اتقدم بالشكر إلى زوجتي العزيزة الفاضلة على العناء الذي تحملته في المدة التي استغرقتها في سفري مع هذا الكتاب ، وشكري لها هو أقل ما استطيع تقديمه، وقد قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - : " لا يشكر الله من لا يشكر الناس " [صحيح سنن الإمام أبي داود للشيخ ناصر الدين الألباني : 3 / 913 ] .

وَآخِرُ كلامي أقول لزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء هذا الكتاب فيه بصائر من ربّكم فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ، وَأفَوِّضُ أَمْرِي إِلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . وأسأله - تعالى - أن يهديكم بهذا الكتاب, وَآخِرُ دَعْوَانا أن الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين

عصام علي يحيى العماد - مدينة قم العلمية - 1993م (1)

ص: 5


1- التاريخ المذكور هو تاريخ أوّل يوم بدأت فيه كتابة هذا الكتاب

ص: 6

المدخل : المعهد العلمي السلفي في صنعاء والرياض

ص: 7

انتشر خبر فتح معهد صنعاء العلمي في كلّ أوساط السلفيين في أرجاء اليمن ، واستقبلناه بالتهليل والتكبير ، ولا عجب فقد كان من المسلّم به عند كل السلفيين فى عهد الرئيس إبراهيم الحمدي أنّ المملكة العربية السعودية هي التي أمرت بفتح هذا المعهد ، ولما جاء عهد الرئيس الحالي لليمن علي عبدالله صالح راحت السعودية تفتح معاهد للسلفية في كل المدن والقرى اليمنية ، وبأن هذه المعاهد كانت المملكة العربية السعودية تنسق برامجها وإدارتها ، وكان الملعلّمون في هذه المعاهد يتقاضوان مرتباتهم الشهرية من المملكة العربية السعودية .

وانبرى كبار التجار فى المملكة العربية السعودية يتبرعون بسخاء من أجل تشييد مباني للمعاهد العلمية السلفية في اليمن

في البداية كان معهدنا العلمي السلفي في صنعاء بجوار جامع حنظل ، وكنت من الطلاب الساكنين في السكن الداخلي للمعهد ، وقد رتبوا ساحة للعب أمام البناء ، وفصلوه بحيث أنّ الدور السفلي منه كان يتسع لمائدة الطعام . أمّا الدور العلوي فهو فسيح يشمل كل غرف النوم ، وكانت صفوف الدراسة في مبنى آخر غير بعيد من محل السكن

في عام [1406ه - 1986م] فارقت المعهد العلمي السلفي في صنعاء ، و اتجهت بعد ذلك للتدريس في معهد روحان العلمي السلفي ، وفي عام [1988-1408م] هاجرت إلى مدينة الرياض

وكان معهد صنعاء العلمي السلفي نسخة طبق الأصل من معهد الرياض العلمي السلفي

.. وتعلّمنا في معهد صنعاء العلمي السلفي نفس ما يتعلماه طالب العلم في معهد الرياض العلمي السلفي ، ونفس ما يتلقاه طالب العلم في جامعة الإمام محمد بن سعود

ومنذ زمن مبكر في حياتي تلقيت ذات العلوم التي يتلقاها طلاب العلم في جامعة الإمام محمد بن سعود

وهذا الأمر جعل العقيدة السلفية تنطبع في ذهني منذ طفولتي بحيث يصعب عليَّ التنازل عنها ، لا سيّما أنّ الذين غرسوا هذه العقيدة في ذهني هم من أعظم مشايخ السلفية .

وكان لمعهد صنعاء العلمي السلفي أثر في حياتي لا أستطيع حصره وتحديده ، فلابد من كلمة ولو عابرة عنه .

ص: 8

من المسلّم به عند سكان اليمن والسعودية ، أنّ المملكة العربية السعودية هي المؤسسة والحامية لذلك المعهد ، وبرامجه العلمية تعتمد برامج المعاهد العلمية السعودية ، كما أنّك لا تجد فرقا بين الكتب المقررة في جامعة الإمام محمد بن سعود والكتب المعتمدة في معهد صنعاء العلمي السلفي

ها أنا الآن في معهد صنعاء العلمي السلفي . لكم سمعت عنه ، ولكم غبطت الذين أسعدهم الحظ بالدراسة فيه ، ولأول مرة اسكن في معهدٍ داخلي ابعدني عن أهلي فأنا لا افارقه ليلاً ولا نهاراً .

كان نسيبنا - زوج بنت عمي - الشيخ الفاضل الزاهد أحمد محرم الشيخ الفاضل الزاهد أحمد محرم - حفظه الله – مدير معهدنا السلفي الدراسي والداخلي ، حسن التدبير

هنا في هذا المعهد العلمي السلفي سوف يتحقق ما تطلعت إليه من معرفة العقيدة السلفية الصحيحة لشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن عبدالوهاب - رضوان الله عليهما – ، فالشعور الذي حملته منذ طفولتي نحو هذين الشيخين أخذ يزداد عمقاً في المعهد

ولكم وجدتني في ساحة المعهد ، أنسلخ بغتة عن رفاقي ، إذ أتخيّل الإمام ابن تيمية والإمام ابن عبدالوهاب - رضوان عليهما - في ساحة الدرس يعلمان التلاميذ ما نقرأه الآن

لقد كنت مؤمناً كما أرادني المعهد أن أؤمن . فما كان يخامرني اقل الشك في الإيمان بعقيدة الشيخين

هكذا آمنت بهما هاديين ومرشدين ، فما إن وجدتني في المعهد الذي انبثق من هديهما وإرشادهما ، حتى راح يستهويني أن اقرأ كلّ ما يتصل بهما من كتب ، وكنت أقول في نفسي من نعمة الله عليَّ أنني ادرس في معهد صنعاء العلمي السلفي نفس الدروس التي يدرسها طالب العلم في جامعة الإمام محمد بن سعود ونفس الدروس التي تدرس في معهد الرياض العلمي السلفي ؛ لأنّ معهدنا هو فرع من المعاهد العلمية السلفية في المملكة العربية السعودية

ص: 9

وفي معهد صنعاء العلمي السلفي تكونت عقيدتي السلفية ، وهي الثوب الذي فصله المعهد لي ، فلبثت متمسكاً بها طيلة أيام صباي وأول شبابي ، ورحت أطرحها على اقربائي واصدقائي وتلاميذي في معهد روحان العلمي السلفي

في بداية سنة 1987م ودّعت معهد صنعاء العلمي السلفي ، وفي قلبي فرحة ، وفي عقلي موضوعات ومعتقدات ورؤى لم تكن هنالك من قبل

إنّها دراسة دامت سنوات عديدة حصلت فيها على ثانوية في القسم الشرعي ، ودرست فيه عند عمالقة السلفية .. من العلماء الذين نهلتُ من علومهم وتربيتهم وأخلاقهم

لن انسى العلامة الشيخ عبدالزاق الشاحذي والشيخ العلامة أحمد سلامة والشيخ العلامة أحمد محرم – حفظهما الله - وغيرهم من مشايخي في المعهد ، فذاكرتي مشدودة إليهم ، ولن انسى العلامة الشيخ عبدالله الوضاف والعلامة الشيخ محمد إسماعيل العمراني والعلامة الشيخ عبدالوهاب الديلمي والعلامة الشيخ عبد المجيد الزنداني وعمي العلامة الشيخ عبدالرحمن العماد والعلامة الشيخ حسن الحكيمي والعلامة الشيخ عمر طرموم والشيخ العلامة محد ناصر بابريك - حفظهم الله جميعاً - ، من الذين استفدت من علمهم وتوجيههم وعبادتهم وأخلاقهم وزهدهم خارج المعهد في حلقات العلم في المساجد و في بيوت المشايخ .. ولا انسى أن اذكر بأنّ اكثر من غرس في نفسي محبّة الإمام ابن تيمية هو شيخي العلامة محمد إسماعيل العمراني .

ولولا المعهد لما كنت بعد شهرين من توديعه اعلم العلوم الشرعية في معهد روحان العلمي السلفي ، واخطب الجمعة في قرية روحان ، وفي جامع الإسطى وجامع باب القاع في مدينة صنعاء ، ولولاء المعهد لما كنت مع جماعة - منهم الشيخ سفرجلة مؤذن الجامع الكبير بصنعاء - نواجه الزيدية ونحاربهم في كل اقسام الجامع الكبير

مضت سنة من توديع المعهد ، وجاء سفري إلى مدينة الرياض ؛ لأجل إستكمال الدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود ؛ لأنّ هذه الجامعة هي نسخة مكبرة من معهدنا العلمي السلفي في صنعاء ، فلن تزدني شيئا غير تعميق الدروس التي درستها في المعهد

ص: 10

وصلت إلى مدينة الرياض عام 1988م ، واستقبلني زميلي في الدراسة عند العلامة عبدالله الوضاف - وابن عمي عادل أحمد العماد ، وسكنت في منطقة الدرعية ، وسكنت فى منطقة الدرعية - بالقرب من مدينة الرياض - التي سمعت عنها اثناء دراستي في معهد صنعاء العلمي السلفي ، وقد انطلقت منها دعوة الإمام الشيخ محمد عبدالوهاب

وقفت في الدرعية ونفسي تتقاذفها الذكريات والإنفعالات ، ففي أرضها ، وفي جدرانها وسقفها أرتفع الإمام محمد عبدالوهاب ، ومن صوته ولدت السلفية من جديد .

من معلوماتي عنها منذ كنت صبياً ، بأنها رفيقة مكة والمدينة في نشر العقيدة السلفية ، وهي تفاخر فبفضلها نشأت المعاهد العلمية السلفية في السعودية واليمن وفي كثير من مناطق العالم

ومن أكبر مفاخرها أنّ كلّ دعاة السلفية - منذ أكثر من قرنين - في المملكة العربية السعودية وسواها من البلدان تعلّموا العقيدة السلفية من إمام سكن فيها

وقفت في درعية الإمام محمد عبدالوهاب الذي علمني العقيدة السلفية ، وكيف لي أن لا أشعر وأنا في الدرعية .

علّمني ساكن الدرعية الإمام محمد عبدالوهاب معتقدات وموضوعات ، لولاها لما أدركت الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله وأهل الشرك .. ولعشت حياتي مشركاً من حيث لا أدري

نحن – الآن - في مكة بالقرب من الحرم المكي – في موسم الحج هناك مسجد يلقي فيه المفتي العام للملكة العربية السعودية الإمام الشيخ عبدالعزيز بن باز – حفظه الله - دروساً عامة ، كنت مقيداً بحضور بعضها ، فطالما سمعتُ وقرأتُ عنه ، وآن الأوان أن أروي عيني بالنظر إلى هذا الإمام الجليل ، وأشبع عقلي من علمه الوفير ومن أخلاقه وزهده وتقواه

لقد كنا نسمع من مشايخنا في معهد صنعاء العلمي السلفي بأنّه من أعظم حماة معهدنا .

الجأتني الضروف أن اسكن في السكن الداخلي لجامعة الملك سعود ، وباتت المطالعة في المكتبة العامة لهذه الجامعة ضرورية اثناء تواجدي في المملكة العربية السعودية ، فلا أشعر بالسعادة إلّا بالمطالعة .

ص: 11

و أريد – هنا – أن يعرف زملائي في معاهدنا العلمية السلفية بأنّ الذي يكتب هذا الكتاب في الدفاع عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه ، كان معتقداً بقول صاحب تبديد الظلام في تعريف شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان على يقين جازم بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو أحد الكذابين المشهورين ، وله مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام قصة طويلة ! وبدأ يقرأ عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في وقت مبكر من عمره وبديهي أنه لم يفهم - كما ينبغي شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

واستوقفني في أثناء تلك الفترة " كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان " ، وغرس في نفسي الكراهية للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والكراهية لأصحابه ، لكن كانت البداية في معرفة – كما ذكرت سابقاً - من كتاب أبي زهرة .

منذ قرأت كتاب تبديد الظلام بدأت تتكوّن لي صورة سلبية عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي حقيقة الأمر أنني في هذه الفترة كنت انتقد الإمام جعفر الصادق علیه السلام واذكر معايبه بنفس المعايب التي قرأتها في كتاب تبديد الظلام

وانقضت تلك الفترة لأعود إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام من جديد ! كنت في هذه في مدينة الرياض واسكن في القسم الداخلي في جامعة الملك سعود ، وفجأة في مكتبة هذه الجامعة وجدت كتاباً اسمه الإمام جعفر الصادق علیه السلام " للإمام محمد أبي زهرة المصري ، وهو يتحدث ويرد بعض المشكلات التي واجهها مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فاستهواني كتاب الإمام أبي زهرة وفاجئني مفاجأة تامة ، وشككني في كل المعايب التي عرفتها عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام من كتاب تبديد الظلام ، كما رسم لي صورة جديدة عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي الجو الذي عشته في مدينة الرياض ، وبدأت أدرك أموراً جديدة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم أكن أدري بها ، ويضع لي مفاتيح حول أسباب مقتي الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فبدأت أراجع معايب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - في نظري - مرة أخرى بوعي جديد

وعدت أبحث عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام من جديد ، على ضوء كتاب الإمام أبي زهرة حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ! .

ص: 12

ولا أستطيع أن أقول أين كانت تقودني قدمي لو لم يحدث هذا المنعطف في حياتي بكتاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام " .

لقد أعطاني هذا الكتاب دفعة هائلة في إتجاه معين لم أكن لأتجه إليه بغير ذلك الكتاب ، وجدت فيه شيئاً جديداً لم أجده من قبل ، ومع كتاب كتاب " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " للشيخ العالم المصري محمد ابي زهرة تبدأ جولة جديدة ومختلفة ومتفاوتة في حياتي الفكرية .

كان الحديث عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام و عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأسلوب محمد زهرة جديداً على حسّي وعلى تفكيري ؛ لأنني كنت – قبل إكتشاف ذلك الكتاب – في كلّ مجالسي اصرّح بأنه من يريد معرفة جعفر الصادق علیه السلام فعلية بمراجعة كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، وقد كان هذا الكتاب يوزع علينا مجانا في المعهد العلمي السلفي

والجديد – حقاً – في هذا الكتاب هو أنّه اثبت بأدلّة علمية عدم وجود علاقة بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب ، وعدم وجود علاقة بين أصحاب أبي الخطّاب وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهكذا رسم لي كتاب " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " للشيخ العالم المصري محمد زهرة صورة جديدة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام غير الصورة المعهودة عندي والمرسومة لديّ من كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، وإذا كنا نشكك في ما رواه أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فإن هذا الكتاب اثبت بأدلة قويّة بأن أكثر ما نقله أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي منقولات ثابتة عنه ، وحينئذٍ عدت من جديد لأدرس روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وشرعت من جديد أدرس شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وابحث عن مدى علاقة ما نقله عنه أصحابه به ، وعدت إلى دراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من جديد ، ورجعت من جديد أدرس الراويات التي نقلوها عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لمحاولة معرفة حقيقة الروايات التي ينسبونها إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

لقد كان عندي أن ما هو موجود في كتب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إنّما هي سخافات واساطير مكذوبة ومنسوبة وضعها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثم نسبوها إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل كنت لا أرى جواز الإعتماد على الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعد أن غرس في نفسي

ص: 13

الطعن فيه صاحب كتاب تبديد الضلام ، وكنّا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء نتلقى ونتعلّم من مشايخنا بأنّ كلّ ما رواه أصحاب جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام سخافات وأساطير ، وكنا نجعل كلام مشايخنا كأنّه كلام منزل من السماء .

من الأمور التي كنا نسميها سخافات وأساطير هي كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كتب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأننا لم نكن ندرك الفرق بين مذهب أبي الخطاب وبين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا نعرف الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ، و لكن قدّم الإمام محمد أبو زهر المصري الأزهري صورة جديدة عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وصورة جديدة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خلال كتابه القيّم " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " ليثبت أنّ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المذاهب الإسلامية المتميزة ، وطرح مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بطريقة لم تخطر على ذهني ، وبالتالي كان كتاب " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " نقطة تحول في تفكيري حيث بدأت من خلال هذا الكتاب أدرك حقيقة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأزال ما في نفسي من كراهية وجفاء للإمام جعفر الصادق علیه السلام .

لقد بدأت تتجمع في ذهني صورة جديدة عن " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " ، وبدأت أدرك حقيقة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعيداً عن كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان

وكان موضوع علاقة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالإمام جعفر الصادق علیه السلام يشغلني دائما لا أستطيع أن أكف عن التفكير فية ؛ لأنّنا في المعاهد العلمية السلفية طالما فصلنا بين المذهب الجعفري وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبدأت أدرس عن " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " وعن علاقة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بنفس الإمام جعفر الصادق علیه السلام به دراسة جديدة تختلف عن دراستي في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء التي فصلت بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام أعتماداً على إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام .

وعلى الرغم من أنّني وصلت إلى مرحلة متقدمة في البحث عن العلاقة بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، إلّا أنّني عدت من جديد ورجعت إلى الخلف ، وانتعشت كراهيتي لمذهب جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ كراهيتي للإمام جعفر الصادق علیه السلام بدأت منذ اليوم الأول الذي قرأتُ كتاب تبديد الظلام، وولدت فكرة الفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 14

وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ذهني من جديد ، وبدأت – الآن – افكر في كتابة كتاباً ضد الإمام جعفر الصادق علیه السلام وضد مذهبه ، و لكن هي كتابة الذي يتقدم خطوة ويتأخر خطوة ؛ لأنّ كتاب ابى زهرة عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن علاقته بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ما تزال ماثلة في ذهني ، لكن إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام الذي كُتِبَ ضد شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ما زال مغروساً في أعماق نفسي و ما زال مغروساً في ذاكرتي وكنت أجد النفرة من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومن نفس شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ترجع إلى ذاكرتي من جديد ؛ حتى دفعتني دفعاً إلى كتابة كتاباً ضد قطب من أقطاب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، قررت الكتابة عنه من أجل الطعن في الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي أصحابه وفي مذهبه من خلال الكتابة ضد شخصية كبيرة خدمت الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهبه ، وهو الشيخ المفيد البغدادي ، وبدأت اجمع كل كتب الشيخ المفيد ، حتى قرأت كل كتب الشيخ المفيد التي تفوق على عشرين مجلداً ، ولكن قرأتي لكتب الشيخ الإمام المفيد – رضوان الله عليه وصحبتي له أخذتني إلى إتجاه آخر لم يخطر على بالي ، لقد أدركت – من خلال كتب الشيخ الإمام المفيد - خصائص الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبدأت أتجه وجهة جديدة في البحث . لم تكن

بذورها موجودة في ما كتبه أبو زهرة عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

بدأت أدرك معنى جديد لما نقل عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام من كلمات وحكم ورسائل في مجال التوحيد ومعرفة الله وفي كل المجالات الأخرى

وبغير ترتيب مقصود قادني الشيخ الإمام المفيد من مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ورحلتي مع ركب سفينة الإمام جعفر الصادق علیه السلام -ع - كان بداية لفهم جديد للفرق بين نظرة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لشخصية هذا الإمام العظيم وبين نظرة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب للإمام جعفر الصادق علیه السلام

و ما دمنا لا نستطيع أن نقلّد صاحب كتاب تبديد الظلام في مطاعنه حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام فلابد أن نختار موقفنا منه حسب تحقيقنا ونفحص فحصاً دقيقاً صادق علیه السلام اً ، ولا نتحرج من الخروج قليلاً من رأي مشايخنا ومن القالب الجامد والإطار الثابت والصورة النمطية التي

ص: 15

رسموها لنا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى حدٍ يحول دون أي تحليل موضوعي لتلك الصورة ، ولابد إذن من بعض الشجاعة والصراحة والشفافية لنعرف على الأقل شيئا عن تركيب صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ذهننا ، هذه الصورة التي سجنا أنفسنا داخلها طول دراستنا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء

رسمت لنا معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء صورة نمطية عن الإمام جعفر

الصادق علیه السلام ونحن في غيبوبة تامة من عقولنا

وأستطيع تحديد تجربتي الخاصة بالإمام جعفر الصادق علیه السلام حتى يستفيد منها طلاب العلم في المعاهد العلمية السلفية من خلال بيان صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ذهني حينما كنت طالبا في معهد صنعاء العلمي السلفي ، وجيلنا كان يتبنى رأي غلاة السلفية في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والمشكلة الأساسية بأنّ هنالك من يخلط بين موقف غلاة السلفية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين موقف علماء السلفية المعتدلة الصحيحة من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك يغيب على طلاب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بأنني في هذا الكتاب أريد تبيين موقف غلاة السلفية في معاهدنا العلمية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ نظرتي عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام سابقا - أخذتها من سلفي مغالي وهو الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان

المطلوب من طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يقرأ كتاب " تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، وهو كتاب يشرح موقف غلاة السلفية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يوجد أحد من زملائي من مشايخ العلم في المعاهد العلمية السلفية يجهله ، فلنتوقف عنده برهة ، وكلّ عبارات هذا الكتاب حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ينبغي أن تقرأ من قبل طلاب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بدقة بالغة ؛ لنستنج بعد ذلك مغزى وفحوى الصورة النمطية المرسومة لنا عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أصحابه.

معنى هذا أنّه لا يجوز لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يبحث عن الصورة النمطية للإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه في جيلنا بعيداً عن النصوص التي ذكرت حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام في هذا الكتاب المهم عند السلفية في جيلنا

ص: 16

إنني حريص دائماً على أن تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدى زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء حتى وإن اختلفت معهم في الرأي ، ولذلك لما تبيّن لي أن الخلط بين موقف غلاة السلفية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين موقف معتدلي السلفية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد وقع فعلاً عند بعض زملائي السلفيين وأنّه أحدث ما أحدث من سوء فهم لديهم لمحاضراتي حول هذا الموضوع ، اشترطت على نفسي في هذا الكتاب أن ابين صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ذهني حينما كنت طالبا في المعاهد العلمية السلفية من خلال عبارات الأستاذ القدير الجبهان في كتابه " تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان " لا من خلال عباراتي ؛ لأجل أنّهم قد يشكّون في عباراتي ، ولكن لا يمكن لهم التشكيك في عبارات الشيخ

الجبيهان حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وسوف اتتبع الصورة التي رسمها الأستاذ القدير إبراهيم الجبيهان عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أصحابه وبثّها في صفحات كتابه " تبديد الظلام صفحات كتابه " تبديد الظلام " ، ولم تراع هذه الصورة تسلسل مراحل حياة الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الميلاد إلى الاستشهاد ، ولم تتعمق في دراسة حياة أصحابه

وهدفي من رسم صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كتاب تبديد الظلام أن يعرف طلاب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام من وجهة نظري بل أن أقول لهم : هذا هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي عرفته في معهدنا العلمي السلفى وهذا هو انطباعي عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسوف تعرفون صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ذهني من خلال عبارات الشيخ الجبيهان في تصويره

أذكر جيداً حين كنت طالباً في معهد صنعاء العلمي السلفي وكنت التقي يومياً مع الأصدقاء ونتحدث عن شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونبدأ كلامنا بالقول بأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يجتمع حوله أمثال أبي الخطاب ومن معه من الخطابية ، وكنا يخيل لنا بأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الذي أمر أبا الخطاب أن أن ينشر الفكر الباطني ؛ لأننا قد تأثرنا بكتاب تبديد الضلام الذي كان يوزع علينا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء .

ص: 17

رحلتي مع موكب الإمام محمد أبي زهرة بعد أن فارقت موكب تبديد الظلام ، وكان ذلك بداية لفهم جديد لسفينة الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ونحن في الطريق نحتاج في طول الطريق إلى معرفة الفرق بين طريقة هذين الشىخىن في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، إما أن نختار طريق صاحب كتاب تبديد الظلام ، أو نختار طريق صاحب كتاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي حقيقة الأمر بأنني لم أدرك الفرق بين منهج الشيخين إلّا في مدينة الرياض ، ومعرفتى للفرق بين منهج الشيخين كان البداية المعرفتي الواقعية بشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

لم نكن في المعاهد العلمية السلفية نميز بين تعامل كتاب تبديد الظلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتعامل الإمام محمد أبي زهرة مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم نكن في معاهدنا السلفية ندرك الفرق بين موقف غلاة السلفية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام وموقف معتدلي السلفية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكن حين سافرت مع ركب الإمام محمد أبي زهرة رأيت أن ركب معتدلي السلفية كان محيطاً بموكب هذا الإمام الأزهري المصري من جميع الجهات ، ومن هنا لأجل مواجهة ركب غلاة السلفية سعى هذا الرجل العظيم إلى تفريغ كل ركبه لبيان ركب معتدلي السلفية وبيان بعده عن ركب غلاة السلفية ، وركّز على إبعاد ركب معتدلي السلفية عن ركب غلاة السلفية وربطهم بركب معتدلي السلفية ، ومن هنا أرى أن طريقة الإمام أبي زهرة في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي أحسن من طريقة صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ طريقة الإمام أبي زهرة تبعدنا عن ركب غلاة السلفية ونظرتهم للإمام جعفر الصادق علیه السلام وتربطنا بركب رؤية معتدلي السلفية في نظرتهم للإمام جعفر

الصادق علیه السلام .

ولقد هيمنت الصورة التي رسمها صاحب كتاب تبديد الظلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام على مخيلتي منذ طفولتي ، وطبعت في في حستي صورة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام فيها جفاء له . و كنت مثل كل المسافرين مع ركب غلاة السلفية أرى أنَّ الإمام أبا زهرة يسير على خطى صاحب كتاب تبديد الظلام ولا يخالفه في الموقف من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكن سفري مع

ص: 18

موكب الإمام أبي زهرة جعلني أدرك بوجود فرق جوهري وكبير بين الصورة التي رسمها صاحب كتاب تبديد الظلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الصورة التي رسمها الإمام أبو زهرة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ الصورة التي رسمها صاحب كتاب تبديد الظلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي صورة رسمها تحت تأثير المخالفة لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والردود عليه ، وبالتالي فهي صورة نتيجت وانبثقت من التعصب المذهبي ضد مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، على خلاف الصورة التي رسمها عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام الإمام أبو زهرة ، لم يرسمها من خلال الرد على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتحت تأثير التعصب الطائفي ؛ بل كانت صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام عند الإمام أبي زهرة منبثقة ومتولّدة من خلال فهمه لشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

في الواقع أنني اكتشفت بأن طريقة صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم تكن تتحمل ظهور طريقة الإمام أبي زهرة في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن المعلوم أن معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء التحقت بركب طريقة صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتركت ركب الإمام أبي زهرة في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويكفي أن نعلم أن الإمام أبا زهرة انتقد طريقة غلاة السلفية في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ومن هنا تجد أنّ معاهدنا العلمية السلفية تنتقد ركب طريقة الإمام أبي زهرة في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام على طول الطريق.

إن الإمام أبا زهرة كان أعظم المدافعين عن ركب ا الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان يحمي هذا الركب من كيد خصوم الطريق ، فدفاعه عن هذا الركب ؛ لأجل أنه لم يكن مصاباً بمرض التعصب المذهبي ؛ بل كان نابعاً من إحساسه بأخطار طريق غلاة السلفية في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومنزلقات هذه الطريق التي تريد أن توهي من ركب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ماهي الركب الذي يجب أن يلتحق بها طالب العلم في معاهدنا السلفية حسب نظرة الإمام أبي زهرة حتى لا يقع في هاوية الطريق

ص: 19

الركب الأول لطالب العلم في معاهدنا السلفية الذي يجب أن يلتحق به هو ركب التصوّر السليم والصحيح لشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام المطابق لصورته الواقعية المعروفة عند كل المسلمين من السلفية المعتدلة الصحيحة ومن أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا الركب يحتوي على قافلتين هامتين هما :

أ - قافلة التعامل مع الكلمات الواردة في وصف الإمام جعفر الصادق علیه السلام وقد وصفوه بطريقة

تختلف عن طريقة وصف صاحب كتاب تبديل الظلام له الذي خالف إجماع الأمة الإسلامية في نظرته الشاذة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهو حكم على الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالإنحراف والزيغ بسبب قول أبي الخطاب وجماعته الخطابية بألوهيته و ربوبيته ، ووفق هذه المنطق الغريب لابد أن نحكم على عيسى بن مريم بالزيغ والإنحراف ؛ لأنّ بولس قال بألوهيته وربوبيته

ب - قافلة طريقة فهم وشرح الكلمات والرسائل المنقولة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مجال التوحيد ومعرفة الله وفي كل قضايا العقيدة والفقه ومكارم الأخلاق، وقد فهمها وفسرها الإمام أبو زهرة وكبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة بطريقة تختلف عن طريقة صاحب كتاب تبديد الظلام في فهمها وتفسيرها

وهنالك الإلتزامات الجديدة التي يجب أن يلتزم به طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء حين يترك ركب طريقة صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويأخذ بركب الطريق التي يهدي إليها الإمام أبو زهرة و يحدد له الإلتزامات التي يجب أن يلتزم بها في طول السفر في هذه الطريق الوعرة ، وهذا الركب يحتوي على قافلة الإلتزام بالإيمان والتسليم المطلق بخصائص الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي وصفه بها كبار أئمة علماء السلفية المعتدلة الصحيحة ، وقد تناول الإمام أبو زهرة خصائص الإمام جعفر الصادق علیه السلام بطريقة مخالفة لطريق صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وبالتالي يجب أن يحرس طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يجعل معرفته بالإمام جعفر الصادق علیه السلام معرفة واقعية حقيقية ويكون الإنصاف ومعرفة الحقيقة هو هدفه ، وقد التزم

ص: 20

الإمام أبو زهرة بالإنصاف ومحاولة الكشف عن حقيقة الإمام جعفر الصادق علیه السلام أكثر من إلتزام صاحب كتاب تبديد الظلام .

وأجد في نهاية الكلام عن ركب الإمام أبي زهرة بأنّه لا غنى لكل طالب من طلّاب معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض من التزود من ركب الإمام أبي زهرة حتى يدرك طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أهميّة مراجعة موقف صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وأخيراً, فأن الخصيصة البارزة للإمام أبي زهرة هي الفهم العميق لشخصية الإمام جعفر

الصادق علیه السلام المنبثقة من الإنصاف وعدم التعصب الطائفي الذي جعله حتّى يشيد ويمدح الشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه - بإعتباره من أعظم الشخصيات التي خدمت مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ولقد درجنا في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء على أن نتلقف من يد إبراهيم الجبهان كل شيء يقوله عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلاقته مع أبي الخطاب ، وكلّ أمرٍ يقوله عن العلاقة بين أصحاب أبى الخطّاب وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، نتلقفه بأخطائه, ومنها الخطاء الكبير في الحكم على الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنه كان من الكاذبين ولم يكن من الصادق علیه السلام ين والظلم العظيم لكبار أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين جعلهم في مستوى واحد مع أصحاب أبي الخطاب

وإنه ليسعدني أن طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية ينظر إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام بنفس إحساس الإمام أبي زهرة ، ويبتعد عن إحساس صاحب كتاب تبديد الظلام تجاه الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وأنا مغتبط بهذه الفرصة الربانية التي أتاحت لي أكتشف حقيقة وجود فرق كبير بين طريق الإمام أبي زهرة وطريق صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعد أن كنت أعتقد أنّهما على طريق واحدة ، ولكن شاء الله أن يكشف لي حقيقة الفرق بين الطريقين في رحلتي الطويلة . إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

ص: 21

والله يعلم بحالي فكم من الشهور والسنين مضت وأنا أبحث – ليلاً ونهاراً - عن حل؛ من أجل تخفيف حدة النزاع الداخلي بين صورتين مخلفتين للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، صورها عنه غرسها في نفسي صاحب كتاب تبديد الظلام وهي صورة من الصعب إزالتها وإقتلاعها من نفسي ؛ لأنّها مغروسة في ذهني منذ زمن طويل ، وبين صورة جديدة للإمام جعفر الصادق علیه السلام لم اكتشفها إلا في مدينة الرياض في المكتبة العامة لجامعة الملك سعود حين عثرت على كتاب الإمام محمد أبي زهرة المصري الأزهري الذي خصصه في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، .وتبين لي بما لا مجال للشك فيه – بعد بحث طويل - بأن صاحب كتاب تبديد الظلام - من دون قصد - قد حمل في نفسه كراهية ونفرة من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّه لم يكن يعرف حقيقة الإمام جعفر الصادق علیه السلام من جهة ، ولم يكن يعرف موقف الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي الخطاب ومن أصحاب أبي الخطاب ، وكان في تصوّره بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان على وفاق تام مع أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب ، وفي حقيقة الأمر أنا كانت عقيدتي في الإمام جعفر الصادق علیه السلام نفس عقيدة صاحب كتات بديد الظلام .

ونصيحتي لزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء هي قرأة

كتاب الإمام أبي زهرة حول الإمام الصادق علیه السلام بتمعن وإتقان، حتى يمكن لهم معرفة العلة التي جعلتهم يخلطون بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب .

وقد لاحظت أنّ الخلط من أخطر الأمراض الفكرية التى تصيب الإنسان، فبدأت بتحليل علله والبحث عن دوائه، والتفكير في كيفية علاج غلاة السلفية منه، بعد أن كنت – سابقاً - أحد ضحايا مشكلة الخلط بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبى الخطّاب ، والخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، ولا يمكن لنا أن نتعرف على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونحن لا نميز بينه وبين أبي الخطاب ، ثم نخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ صاحب كتاب تبديد الظلام غرس في نفوسنا بأنّه لا يوجد فرق بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب

وقد لا يصدق زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية شدّة الألم التي كانت تسوارني أثناء البحث عن العلل التي جعلت غلاة السلفية لا تفصل بين مذهب أبي الخطاب وبين مذهب الإمام

ص: 22

جعفر الصادق علیه السلام ، وجعلتهم لايدركون الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وكنت على يقين وجزم بأنّ الخلط بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعدم التمييز بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب هو السبب الرئيسي والمركزي والأصلي في تلك الفتنة الكبرى بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب في العالم الإسلامي ، وهي السبب في تحقيق المؤامرات الكبرى على أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب من قبل خصوم القرآن الكريم في الشرق والغرب، لا سيما وأنا أتابع دماء المسلمين من أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب التي تسيل في الباكستان ، بعد أن فتنت بين أبناء الأمة الواحدة مشكلة الخلط بين مذهب أبي الخطّاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب - من حيث لا نعلم وكنت أحياناً - من شدّة التأسف على الحالة المأساوية التي وصلت إليها الوحدة الإسلامية المقدسة بسبب مشكلة الخلط تلك - أجد نفسي أبكي في زاوية مكتبتي ، إلى أن أذن الله – جل ثناؤه - لي وعرفت أن وظيفتي الكبرى

أمام الله هي معالجة مشكلة الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب . ومشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب.

لقد انتشرت بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب المئات بل الآلاف من المقالات والمحاضرات والكتب التي تخلط بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وقد تبين لي بأدلة يقينية بأن تلك المقالات والكتب مدعومة من قبل الصهوينية والصليبية التي لا ترغب وجود تواصل وتقارب بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب

إنني أعتقد أنّ أتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب هم إخوان أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا خصومهم، وهم لا يضمرون العداء للمذهب الأصلي الواقعي والحقيقي للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكنهم بسبب الإصابة بمشكلة الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 23

ومذهب أبي الخطّاب ، وبسبب مشكلة الخلط بين اصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب لم يفهموا حقيقة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم يفهموا حقيقة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ومن الواجب عليّ أن استخدم كل وسيلة شرعية حتى يدرك زملائي من أتباع الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه – في السعودية و اليمن وفي باكستان خطورة هذه المشكلة، حينئذٍ سوف يرون كيف ستتحول تلك الخصومة والكراهية لأخوانهم من أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى اخوةٍ إسلامية مستحكمة ، عند ذلك يفرح المؤمنون من أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب الذين يقدسون الوحدة الإسلامية ويشتدّ غيض أعداء القرآن الكريم من الصهيونيين والصليبيين الذين يكرهون الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ويكرهون الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب

* * * *

وهذا الكتاب محاولة للتقريب بين المؤمنين من أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ، إذ الحاجة إلى هذه القضية ضرورية؛ لأن التقريب بين هذين المذهبين العظيمين سيساعد على إفشال المؤامرة الصهيونية التي تريد القضاء على أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب

وأريد أن يعلم طالب العلم في معاهدنا السلفية بأن رحلتي مع ركب سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانت بداية لفهم جديد للفرق بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطاب ، وبداية لفهم جديد للفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وكانت بداية لفهم جديد للثقافة التي أخذتها من المعهد العلمي السلفي في صنعاء من كتاب تبديد الظلام .

ص: 24

وكانت رحلتي من الدرعية في الرياض إلى قم بداية لفهم جديد لما عرفناه عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ المعاهد العلمية السلفية التي أسسها الشيخ محمد إبراهيم آل الشيخ تعتمد على رؤية إبراهيم الجبهان في معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ونحن في معهد صنعاء العلمي السلفي وجدنا أنفسنا نقلّد كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، ولم أجد أي فرق بين المعهد العلمي السلفي في الرياض وبين معهدنا العلمي السلفي في صنعاء فالكل ينهجون طريقة إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ؛ لأجل ذلك يتم توزيع ذلك الكتاب في معهد صنعاء وفي معهد الرياض ، بل كل غلاة السلفية في العالم يتعاملون مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بنفس المنهج الذي رسمه لهم إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ، والحمد لله أنني مكثت كثيراً في المعهد واستفدت من دروسه ومن بركات وعلم مشايخي في المعهد السلفي العلمي في صنعاء ، ولكن العدل والإنصاف للحق والحقيقة يستوجب علينا أن أن نقارن بين رؤية الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و رؤية علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فى الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأن صاحب كتاب تبديد الظلام خلط بين شخصية أبي الخطاب وشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وخلط أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الله وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وما لم نعقد هذه المقارنة بين الرؤيتين فلن نتجنّب الخطأ ونسلك طريق الإنصاف والعدالة .

إنّ الصراع بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب في هذا العصر أضعف الأمة الإسلامية لصالح أعدائها ، لذلك فإن التوجه الإسلامي أنه لا لا يصح أن ينتقل الحوار الفكري بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب إلى صراع سياسي أو عسكري .

ص: 25

إن ما يحدث على الأرض الإسلامية من مؤمرة على المسلمين في أمكنة كثيرة توجب أن ندعم فتوى إمام الأزهر الشريف الشيخ شلتوت في التقريب بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب.

وكنا نرغب أن يكون مشايخ معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء مع حركة الإمام شلتوت ، وإذا بمعاهدنا تظهر أغرب أنواع التعصب المذهبي وتقوم بتوزيع كتاب تبديد الظلام وغيره من الكتب وكلّ شيء أصبح مذهبياً طائفياً متعصباً

وطالب العلم في معاهدنا السلفية يحتاج في طول الطريق إلى تجربة الذين كانوا معه في نفس الطريق ، وتجربتي ترسم له معالم الطريق ، وأريد أن يعلم طالب العلم السلفى بأنني في اثناء تواجدي في مكتبة جامعة الملك سعود حصلت على كتاب الامام جعفر الصادق علیه السلام لمحمد بن ابي زهرة وقد خرجت بنظرة متحيرة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعد اتمامي قراءة الكتاب ، فالكل يعلم بأنّ محمد بن أبي زهرة من كبار فقهاء أهل السنة والجماعة ، لكنه في هذا الكتاب رسم لي صورة جديدة للإمام جعفر الصادق علیه السلام تخالف الصورة عنه التي ارتسمت عنه في ذهني من خلال كتاب تبديد الضلام للجبهان

منّ الله عليّ بالهجرة من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية وشرعت ابحث عن تراث الإمام جعفر الصادق علیه السلام باهتمام شديد وسوف اتحدث في الباب الرابع من هذا الكتاب عن دوره الكبير في مجال التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وكنت أتابع كل شاردة وواردة من أقواله وأفعاله ، وتدارست مع الذين عرفتهم في مدينة قم العلمية المشروع التقريبي للإمام جعفر الصادق علیه السلام مع ضرورة النظر إلى الجو الفكري والسياسي الذي ساد في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ولاحظت أن الحقائق الرئيسية في المنهج التقريبي عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام غائباً كلياً عن ساحتنا الفكرية والسياسية في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء ، وهذه الحقائق الموجودة في المنهج التقريبي للإمام جعفر الصادق علیه السلام لمّا غابت عنا افتقدنا الكثير من الفوائد الكبرى التي لو عرفنا قدرها وآمنا بها لغيّرت مسيرتنا في معاهدنا العلمية السلفية المعادية لمسألة التقريب بين الفرق الموجودة في عالمنا الإسلامي

ص: 26

وكانت رحلتي من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية بداية لفهم جديد للفرق بين نظرة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب للطعن في عدالة كل أصحاب رسول الله وبين نظره أهل التوحيد و معرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين يرون بأن قول أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطّاب بنفي عدالة كلّ أصحاب رسول الله معناه الطعن في القرآن الكريم ؛ لأن القرآن الكريم مدح بعض أصحاب رسول الله وذم بعضهم ، فمن حكم بعدالة كل أصحاب رسول الله فقد طعن في الآيات القرآنية التي تذم بعض أصحابه ، ومن حكم بالطعن في كل أصحاب رسول الله فقد طعن في الآيات القرآنية التي تمدح بعض أصحاب رسول الله

من هنا فنظرة أهل التوحيد و معرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي النظرة التي تحترم كل آيات القرآن الكريم، ونؤمن بالآيات القرآنية التي تذم بعض أصحاب رسول الله كما نؤمن بالآيات القرآنية التي مدحت بعض أصحاب رسول الله .

ونصيحتي لزملائي في المعاهد العلمية في الرياض وصنعاء أن يدركوا بأنّ أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إنّما يرفضون العدالة الكلية لأصحاب رسول الله – ص – لا العدالة الجزئية لهم؛ لأننا في معاهدنا لا ندرك الفرق الجوهري بين من أنكر العدالة الكلية لأصحاب رسول الله وبين من آمن بالعدالة الجزئية لأصحاب رسول الله ،

إنّ مشكلتنا الطويلة والقديمة مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام جلعلتنا لا نستوعب الفرق بين رؤية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية أصحاب أبي الخطاب.

إننا في معاهدنا العلمية السلفية من خلال أحكام مرتكزة في أذهاننا منذ سن مبكر في حياتنا آمنا واستيقنا بأنّ أهل التوحيد و معرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ينفون عدالة كلّ أصحاب رسول الله وسلّمنا بكل ما قاله إبراهيم الجبهان ، وجعلنا لكلامه قيمة كبيرة ، وتجدنا نقيم حرباً شديدة ضد من يرفض رأي إبراهيم الجبهان ، وحين نسمع عن أنّ كتاب الإمام أبي زهرة يتحدّث عن قضية موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بطريقة تخالف طريقة إبراهيم الجبهان حذرنا من كتابه في كتاب كتب حذر منها العلماء ، ثم نعلن حرباً شدية على الإمام محمد أبي زهرة ، ولأجل ذلك نمتنع عن قراءة أي كتاب يفصل موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله عن موقف أصحاب أبي الخطاب من أصحاب

ص: 27

رسول الله فإذا وجدنا كتابا يوافق رؤية إبراهيم الجبهان ويوافق عنوانين وفصول ومحتويات كتاب تبديد الظلام قرأناه بشغف وحب .

ومن هنا نحتاج في البداية أن نعيد النظر في الكتب التي حذرنا منها علماء المعاهد العلمية السلفية بسبب مخالتها لكتاب إبراهيم الجبهان ، وسوف نتناول هذا الموضوع الخطير في الباب الرابع من هذا الكتاب

منهج البحث

ص: 28

ونريد هنا أن نرسم لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء منهج البحث في هذا الكتاب ، ونرسم له صورة نلخص له الأبواب الأربعة في هذا الكتاب بصورة سريعة ، ونرسم له خارطة الطريق ومنهج البحث لكل مباحث هذا الكتاب ، ومنهجنا في عرض ورسم مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب يمر بثلاث مراحل ندرسها في الأبواب الثلاثة الأولى من هذا الكتاب ، ولابد لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية من الالتزام بالترتيب العلمي المنطقي الموجود بين هذه المراحل الثلاث حتى يسلم من مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

ص: 29

والمراحل الثلاث في هذا المنهج الذي اخترته في هذا الكتاب ، من أجل عدم خلط طالب العلم في معاهدنا السلفية بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأصحاب أبي الخطاب ، سوف أعرضها بهذا الترتيب الذي ينبغي لطالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء

مراعاته :

المرحلة الأولى : مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأصحاب أبى الخطّاب ، وسوف ندرس في هذه المرحلة الأولى وفي هذا الباب الأول من هذا الكتاب أسباب وعوامل خلط غلاة السلفية بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، ثم سنذكر النتائج السلبية لمشكلة خلط غلاة السلفية بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

وبعد أن ينتهي طالب العلم في معاهدنا السلفية من دراسة المرحلة الأولى في الباب الأول من هذا الكتاب ، يتناول طالب العلم في معاهدنا السلفية المرحلة في الباب الثاني من هذا الكتاب

المرحلة الثانية : مرحلة المعرفة التحليلية لأفكار أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومرحلة المعرفة التحليلية لأفكار أصحاب أبي الخطاب

في هذه المرحلة الثانية في الباب الثاني من هذا الكتاب نتناول ست حقائق قرآنية هامة نبين الفرق بين موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وموقف أصحاب أبي الخطّاب من هذه الست الحقائق القرآنية الهامة وهي :

الحقيقة القرآنية الأولى: حقيقة التوحيد ومعرفة الله بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب والحقيقة القرآنية الثانية : حقيقة النبوة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب

والحقيقة القرآنية الثالثة : حقيقة يوم القيامة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب.

والحقيقة القرآنية الرابعة : حقيقة الشرائع والأحكام بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

والحقيقة القرآنية الخامسة : حقيقة الأهداف بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

ص: 30

والحقيقة القرآنية السادسة: حقيقة معنى المصطلحات بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

وبعد أن ينتهي طالب العلم في معاهدنا السلفية من دراسة المرحلة الثانية في الباب الثاني من هذا الكتاب يتناول المرحلة الثالثة في الباب الثالث من هذا الكتاب

المرحلة الثالثة : مرحلة المعرفة الجذرية لأفكار أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومرحلة المعرفة الجذرية لأفكار أصحاب أبي الخطاب

وفي هذه المرحلة يتناول طالب العلم في معاهدنا السلفية أربع حقائق هامة وهي :

الحقيقة السابعة : حقيقة المنابع بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

والحقيقة القرآنية الثامنة : حقيقة الإمامة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

والحقيقة التاسعة : حقيقة الهوية بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

الحقيقة العاشرة: حقيقة النشأة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

وبعد أن ينتهي طالب العلم في معاهدنا السلفية من دراسة المراحل الثلاث في الباب الأول والباب الثاني ، والباب الثالث من هذا الكتاب ، سوف ينتقل طالب العلم في معاهدنا السلفية إلى الباب الرابع من هذا الكتاب ويدرس ست خصائص هامة يقارن بين موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الخصائص الست ، وموقف أصحاب أبي الخطّاب من تلك الست

الخصائص ، وهذه الخصائص الست هي

الخاصية القرآنية الأولى خاصية الوسطية في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

الخاصية القرآنية الثانية : خاصية كيفية التعامل مع كتاب الله بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

الخاصية القرآنية الثالثة : خاصية كيفية التعامل مع المخالفين بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

الخاصية القرآنية الرابعة : خاصية القتال في سبيل الله بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

ص: 31

الخاصية القرآنية الخامسة : خاصية النظرة إلى ثورة عاشوراء بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

الخاصية القرآنية السادسة : خاصية الوسطية في التعامل مع أصحاب رسول الله بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

هذه هي مراحل دراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومراحل دراسة أصحاب أبى الخطّاب التي ينبغي لطالب العلم في معاهدنا السلفية ، بل يجب عليه الالتزام بالترتيب المذكور في هذا الكتاب إذا كان يريد معرفة الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب.

والشكل الآتي يبين خلاصة الترتيب المذكور بشكل مختصر

والشكل الآتي يبيّن خلاصة المنهج الجديد في عرض مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 32

الشكل [1]

والمراحل الثلاث

(1) هذا التقسيم الثلاثي - مرحلة المعرفة الانتسابية ومرحلة المعرفة التحليلية ومرحلة المعرفة الجذرية - في دراسة المذاهب الدينية وغير الدينية من أروع التقسيمات التي انتجها البحث العلمي في علم الاجتماع، وهو تقسيم عقلي ومنطقي، أخذ به المفكرون من اتباع الديانات السماوية ومن أتباع المذاهب غير الدينية.

والآن سنشرع في بيان أسباب وعوامل خطأ معاهدنا العلمية السلفية في المرحلة الأولى المعرفة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فالخطأ في هذه المرحلة معناه المساواة بين بولس والسامري من جهة وبين مؤمن آل فرعون وبطرس [شمعون الصفا] من جهة أخرى.

وسوف نبحث – الآن عن أسباب وعوامل خطأ معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، أو بتعبير آخر : أسباب وعوامل مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب وهي ترجع إلى قسمين:

ص: 33

القسم الأول : الأسباب والعوامل التي ترجع إلى جهل معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء وهي ترجع إلى عدة أسباب:

السبب الأول : الجهل بأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والجهل بأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

السبب الثاني : الجهل بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

السبب الثالث : الجهل في معرفة حقيقة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

السبب الرابع : الجهل في معرفة حقيقة شخصية أبي الخطاب

السبب الخامس : الجهل في معرفة حقيقة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

السبب السادس : الجهل في معرفة حقيقة أصحاب أبي الخطاب

السبب السابع : الجهل في معرفة حقيقة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

السبب الثامن : الجهل في معرفة حقيقة المذهب الخطابي الباطني الغنوصي القرمطي

الوثني

السبب التاسع : الجهل في حقيقة علم الرجال عند الجعفرية ، وأنا لم اتمكن من الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، إلّا بعد أن قرأت الكتب الرجالية والكلامية والأصولية والفقهية والحديثية ، وكتابه العظيم التبيان في تفسير القرآن لإمام علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه -

السبب العاشر : الجهل بالمباحث التي طرحها الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول التوحيد ومعرفة الله ونقلها عنه أصحابه ، وقد تعمدت في هذا الكتاب تقديم بعض تلك المباحث ، حتى يعرف أخواني السلفية دور أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في تقديم معالم التوحيد ودورهم في نشر حقائق معرفة الله ، كما أن هذه المباحث تجعل السلفي الباحث عن الحق يفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب الخطاب الذين كان لهم دور كبير في نشر مسالك الشرك

السبب الحادي عشر : الجهل بالمباحث التي طرحها الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول الشرك والمشركين وكشف فيها المزالق التي تقود الإنسان إلى ترك التوحيد ومعرفة الله والدخول في ظلمات الشرك وفي مسالك المشركين ، وقد تعمدت في هذا الكتاب تقديم تلك المباحث ، حتي

ص: 34

يعلم أخواني السلفية دور أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة الشرك والمشركين من أبي الخطاب وأصحابه وغيرهم من أهل الشرك

القسم الثاني : الأسباب والعوامل التي ترجع إلى طبيعة معاهدنا العلمية السلفية ، وهذه الأسباب ترجع إلى سببين رئسيين وهما:

السبب الرابع : الغلو في تقديس طريقة إبراهيم الجبهان في تناوله لشخصية أبي الخطاب ومذهبه ، وفي تناوله لشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهبه ، وفي تناوله لقضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي تناوله لقضية أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض ؛ لأننا أخذنا طريقة إبراهيم الجبهان في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفى التعامل مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتركنا منهج علماء السلف الصالح في القرون الثلاثة في التعامل مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

السبب الخامس : الخروج عن منهج القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة التي لا تخالف كتاب الله في مجال تمييزهما لطريقة التعامل مع أهل التوحيد عن طريقة التعامل مع أهل الشرك ؛ لأنّ الموحد لله والعارف بالله لا يمكن له أن يساوي بن أهل التوحيد وأهل الشرك ، ولكن إبراهيم بن الجبهان لم يفصل بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي كان إمام التوحيد ومعرفة الله في عصر وبين أبي الخطاب الذي كان إمام الشرك والمشركين في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم يفصل ويميز بين كيفية التعامل مع أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين كيفية التعامل مع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وقبل تناول هذه الأسباب بصورة مفصلة - سوف نتناول هذه الأسباب في ثنايا مباحث هذا الكتاب - نريد أن يعرف زملائي الكرام في المعاهد العلمية في الرياض وصنعاء أننا لا نريد من البحث عن - هذه المشكلة مجرد المعرفة الباردة، إنّما نبتغي من زملائنا الكرام من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض و صنعاء أن يدركوا خطورة هذه المشكلة على الوحدة الإسلامية المقدسة بين أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع الإمام محمد عبد الوهاب، ونبتغي أنّ تستحيل معرفتهم لهذه المشكلة إلى قوة تفصلهم وتبعدهم عن الوقوع في حبا لها، ومن ثمَّ آثرنا أن هذه المشكلة على شكل قنبلة يدوية من أجل تجسيم وتصوير شدّة خطرها على وحدة أتباع الإمام محمد عبد الوهاب مع أخوانهم أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهي فهي المشكلة التي وسعت دائرة الخلاف بين أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع الإمام محمد عبد الوهاب.

ص: 35

وحينما ننظر في الشكل رقم (3) كما يُرى في الصورة - يعبّر بوضوح صريح وحاسم عن الارتباط الوثيق بين الأسباب الأحدى عشر التى كونت المشكلة، وبين هذه الأخطاء العشرة الخطيرة التي انبثقت من تلك الأسباب.

وعندما نعيد النظر في الشكل رقم (2) ، ثم ننظر للمرة الثانية إلى الشكل رقم(3) سوف نرى الشكل الثاني الأسهم الأحدى عشر ، التي تعبّر عن الأسباب الأحدى عشر لمشكلة الخلط أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ، وهي تتجه صوب العقل السلفي المغالي لتكوّن هذه المشكلة، أما الشكل الثالث فسوف نلاحظ تلك الاسهم الأحدى عشر تتجه في اتجاه معاكس لاتجاهها في الشكل الثاني ، وفي هذه دلالة صريحة بأن هذه الاخطاء العشرة هي آثار ضرورية لتلك الأسباب الأحدى عشر

وعندما تقارن بين الشكل الثاني والشكل الثالث وتعيد النظر فيهما سوف يتضح لك أنّ الشكل الثالث يرسم انفجاراً شديداً للقنبلة اليدوية التى تم تعبئتها في الشكل الثاني.

وهذا تعبير صريح بأن انفجار المشكلة - بأنّ انفجار المشكلة – التي نتج عنها الاخطاء العشرة الخطيرة – كان مساوياً من حيث القوة لنسبة المواد الأحدى عشر المفجِّرة، أو الأسباب الأحدى عشر الخبيثة التي كوّنت أو وسعت تلك المشكلة التي انفجرت داخل العقل السلفي المغالي المتأثر بكتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، ووسعت من مرض مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية فى الرياض وصنعاء.

وهذه هي صورة المشكلة مع الأسباب الأحدى عشر التي كانت وراء تكوين أو توسيع هذه المشكلة رسمناها بالشكل التالي:

ص: 36

ص: 37

الشكل رقم (2) كما يرى في الصورة يعبّر بوضوح عن خطورة مشكلة الخلط بين بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب، فقد رسمنا العقل السلفي الذي أصيب بهذه المشكلة على صورة قنبلة يدوية وكما ترى في والشكل رقم (2) يصوّر العقل السلفي المغالي وهو يعبأ بالمواد الخطيرة بوسيلة الأسهم الأحدى عشر التي كوّنت مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب في هذا العقل السلفي المغالي ، فصار لا يميز بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب .

وكما ترى في الشكل رقم (2) فإنّنا رسمنا الأسباب الأحدى عشر المكونة أو الموسعة للمشكلة عند معاهدنا السلفية العلمية فى صنعاء والرياض بصورة الأسهم التي تقوم بتعبئة القنبلة اليدوية أو العقل السلفي المغالي بالمواد المفجِّرة ، وهو تعبير حاسم وصريح عن النتائج الخطيرة التي ستنبثق من هذه المشكلة الخبيثة، فعندما يُستكمل تعبئتها سوف تنفجر فتمزق وحدة الصف بين أتباع الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب وبين أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسوف تخلق اختلافاً شديداً بين منهج السلفية في العصر الحديث في تفسير موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الحقائق العشر والخصائص ، وفي تفسير موقف أصحاب أبي الخطاب من تلك الحقائق العشر والخصائص - التي سندرسها في الباب الثاني والباب الثالث من هذا الكتاب وفي تفسير قضية مسالك أصحاب أبي الخطاب وقضية معالم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بين منهج علماء الرجال من السلف الصالح في القرون الثلاثة ومنهج غلاة السلفية في هذا العصر ، ، فمن المدهش أن نخالف علماء الرجال من السلف الصالح في القرون الثلاثة ونأخذ بكتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان الذي تبنّى منهج غلاة السلفية ورفض منهج علماء الرجال من السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى

النتائج السلبية لمشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

سوف نذكر - الآن - لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية الأخطاء التي طرأت على العقل السلفي المغالي في معاهدنا السلفية العلمية في صنعاء والرياض - من حيث لا يعلم – بعد أن تمكنت مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب من السيطرة عليه وهي :

الخطأ في تفسير الحقيقة القرآنية الأولى وهي : حقيقة التوحيد ومعرفة الله في الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله - ، والذي انبثق من الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من

ص: 38

أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الحقيقة وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من هذه الحقيقة الهامة.

الخطأ في تفسير الحقيقة القرآنية الثانية وهي : حقيقة النبوة في الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، والذي انبثق من الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الحقيقة وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من هذه الحقيقة الهامة.

الخطأ في تفسير الحقيقة القرآنية الثالثة وهي : حقيقة يوم القيامة في الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، والذي انبثق من الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الحقيقة وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من هذه الحقيقة الهامة

الخطأ في في تفسير الحقيقة القرآنية الرابعة وهي : حقيقة الشرائع والأحكام في الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، والذي انبثق من الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الحقيقة وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من هذه الحقيقة الهامة .

الخطأ في تفسير الحقيقة القرآنية الخامسة وهي : حقيقة الأهداف والمقاصد والغايات الأساسية التي لا تخالف كتاب الله ، والذي انبثق من الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الحقيقة وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من هذه الحقيقة الهامة.

الخطأ في تفسير الحقيقة القرآنية السادسة وهي : حقيقة معنى المصطلحات القرآنية عند في الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، والذي انبثق من زيادة محتويات ومضامين جديدة وغريبة عن تلك المصطلحات القرآنية ، وانبثق من خلط معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء بين معاني تلك المصطلحات القرآنية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين معانيها عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

الخطأ في تفسير الحقيقة السابعة وهي : حقيقة الفرق الجوهري بين منابع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين منابع مذهب أبي الخطاب ، والذي انبثق عنه الخلط بين منابع مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومنابع مذهب أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب

ص: 39

الخطأ في تفسير الحقيقة القرآنية الثامنة وهي : حقيقة الفرق الجوهري بين مفهوم الإمامة القرآنية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي لا يخالف كتاب الله ، وبين مفهوم الإمامة القرآنية في مذهب أبي الخطاب الذي يناقض مفهوم الإمامة في القرآن الكريم ، والذي انبثق عنه الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الإمامة وبين مذهب أبي الخطاب في الإمامة وبين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – من هذه الحقيقة وموقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من هذه الحقيقة الهامة.

الخطأ في تفسير الحقيقة التاسعة وهي : حقيقة الفرق الجوهري بين الهوية القرآنية لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام المنبثقة من الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، وبين الهوية المجوسية لمذهب أبي الخطاب ، والذي انبثق من الخلط بينهوية مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين هوية مذهب أبي الخطاب ونتج منه الخلط بين هوية مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهوية مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

في تفسير الحقيقة العاشرة وهي : حقيقة النشأة القرآنية لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وعلل هذه النشأة ، وحقيقة النشأة المجوسية لمذهب أبي الخطاب وعلل هذه النشأة ، والذي انبثق عنه الخلط بين نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، والخلط بين علل نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين علل نشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

النتيجة النهائية لهذه الأخطاء العشرة

لقد تولّدَ من هذه الأخطاء العشرة قضية خطيرة وهي : الخطأ في تفسير خصائص وسمات وصفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وخصائص وسمات وصفات أبى الخطاب ، وانبثق عنه الخطأ في تفسير خصائص وسمات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والخطأ في تفسير خصائص وسمات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بمعنى الخلط بين خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وحتى يتضح لزملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية أنّ هذه الأخطاء العشرة الخطيرة في تفسير الحقائق العشر والخصائص الست لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي تفسير الحقائق العشر والخصائص الست عند أبي الخطاب ، ويتضح لهم بأن الخطأ في تفسير خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي تفسير خصائص

ص: 40

أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب قد انبثقت بسبب انفجار مشكلة الخلط بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب ومشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب بعد استكمال أسبابها من السبب الأول إلى السبب الحادي عشر ؛ قمنا برسم صورة تلك المشكلة الخبيثة وهي في حالة الانفجار الخطير، ورسمناها بهذا الشكل

ص: 41

ص: 42

والشكل رقم (3) كما يُرى في الصورة يعبّر بوضوح صريح وحاسم عن الارتباط الوثيق بين الأسباب الأحدى عشر التي كوّنت مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وبين هذه الأخطاء العشرة التي انبثقت من تلك الأسباب

وحينما نعيد النظر في الشكل رقم (2) ، ثم ننظر للمرة الثانية إلى الشكل رقم (3) سوف نرى في الشكل الثاني الأسهم الأحدى عشر ، التي تعبّر عن الأسباب الأحد عشر وهي تتجه صوب العقل السلفي المغالي لتكون في داخل هذا العقل مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، أما الشكل الثالث فسوف نلاحظ تلك الأسهم الأحدى عشر تتجه في اتجاه معاكس لاتجاهها في الشكل الثاني ، وفي هذا دلالة صريحة بأنَّ هذه الأخطاء العشرة هي آثار ضرورية لتلك الأسباب الأحد عشر

وعندما نقارن بين الشكل الثاني والشكل الثالث ونعيد النظر فيهما سوف يتضح لك أنَّ الشكل الثالث يرسم انفجاراً شديداً للقنبلة اليدوية التي تم تعبئتها في الشكل الثاني

وهذا تعبير صريح بأن انفجار مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، التي نتج عنها الاخطاء العشرة الخطيرة ، كان مساوياً من حيث القوة لنسبة المواد الأحد عشر المفجّرة ، أو الأسباب الأحد عشر الخبيثة التي كونت وأوجدت أو وسعت مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب التي انفجرت داخل العقل السلفي المغالي ، ووسعت دائرة الخلاف بين أتباع الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب والإمام جعفر الصادق علیه السلام

ونحن من أجل بيان وتصوير وتجسيم هذا المنهج الجديد في رسم مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب رسمنا هرم لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب بصورة واضحة، تبين كل خطوات هذه المنهج المرسوم؛ من أجل تصحيح منهج غلاة السلفية في معاهدنا العلمية في دراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة أصحاب أبي الخطاب ، ومن أجل التقريب بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب في دراسة هذه المشكلة، وهذه هي صورة المنهج على شكل هندسي هرمي:

ص: 43

ص: 44

وهرم مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب - كما يُرى في الصورة [الشكل الرابع] - يعبّر بوضوح حاسم عن المنهج الذي ذكرناه بلا لبس أو إبهام، ويبين أنّه لا بد لنا قبل البحث عن المرحلة الثانية مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب أن نبدأ بالبحث عن المرحلة الأولى، أي مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب ، والتي نعالج فيها مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب ، حتى نتجنب الخطأ في فهم حقائق مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب ونتجنب الخطأ في فهم خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والخطأ في فهم خصائص أصحاب أبي الخطاب كما ترى في الشكل [الرابع] أنّ المرحلة الأولى تقع في رأس الهرم، تعبيراً عن أهميتها، وتبييناً بأن الخطأ في فهم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي فهم أهل الشرك من أصحاب الخطاب الذين هم في رأس الهرم سوف يؤدي إلى سقوط خطير وانزلاق كبير من أعلى هرم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب إلى أسفله

ولو لاحظنا مرحلة رأس الهرم لاستنقذنا أنفسنا من خطر السقوط فى مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم ولن نقع في إنزلاق خطير من رأس الهرم حتى نهوي إلى قعر الهرم . وهذه المرحلة هي وراء كل أخطاء منهج غلاة السلفية في معاهدنا العلمية في دراساتنا حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ودراستنا حول أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وعند إعادة النظر في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب سوف نرى مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب تقع فى الطبقة الثانية بعد طبقة رأس هرم مشكلة الخلط ، وهو تعبير حاسم عن درجة ومرتبة هذه المعرفة التي لا ينبغي أن تتقدم تتأخر عنها الطبقة الأولى من الهرم أمّا خطر مشكلة الخلط و عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في

ص: 45

الطبقة الأخيرة فشأن هذه المشكلة الخطيرة أقل خطرا بكثير من خطورة مشكلة الخلط و عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في الطبقتين الأولى والثانية من الهرم ونحن نشاهد في الشكل الهرمي الحقائق الأربع التي هي من صميم هذه المرحلة، والتي يجب دراستها وتحليلها في هذه المرحلة.

وعندما نعيد النظر في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب سوف نجد أنّ موضع المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في الطبقة الثالثة ، وهو تعبير صريح عن درجة ومرتبة هذه المعرفة التي لا ينبغي أن تتقدم أو تتأخر عنها، ونشاهد الحقائق الخمس - من الحقيقة السادسة إلى الحقيقة العاشرة - التي هي من صميم هذه المرحلة، والتي يجب تحليلها ودراستها في هذه المرحلة، ونشاهد في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط و عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - أيضاً - أنّ الطبقة الرابعة والأخيرة هي موضع وموقع خصائص مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وموضع وموقع مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهو تعبير صريح في أنّ خصائص مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لا يمكن أن تدرك ما لم نستوعب المراحل الثلاث السالفة، والحقائق العشر المرتبطة بالمرحلتين الأخريتين وما لم نفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

ولا شك أنّ الشكل الهرمي لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بطبقاته الأربع يعبر عن مرتبة ودرجة وأهمية كل مرحلة.

ونحن عندما وضعنا المرحلة الأولى في الطبقة الأولى رأس هرم رأس هرم مشكلة الخلط مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لأجل تبيين وتوضيح تأثير أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في تضعيف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّه لولا مواجهة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم فسوف يسري تأثير أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب على بقية طبقات هرم مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل

ص: 46

التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب وحين ينتصر أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم وبداية التاريخ فسوف يسري شركهم على كل طبقاب الهرم أما أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في قاع الهرم ونهاية التاريخ فخطرهم أقل لأن شركهم لن يسري ويجري على سائر طبقات الهرم ، وحين تقع الحقيقة القرآنية الأولى حقيقة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب فى رأس الطبقة الثانية فإنه تعبير عن أهمية معرفة حقيقة التوحيد وأهمية معرفة حقيقة الشرك ؛ لأن من لم يعرف حقيقة الشرك يقع في الشرك من دون علمه ، وكذلك جعل معرفة حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك في رأس الهرم يعبّر عن سمو مرتبتها التي لا يمكن أن ترتقي إليها بقية الحقائق التسع؛ فليس هنالك حقيقة في هذا الهرم ترتفع إلى مستوى معرفة حقيقة التوحيد ومستوى معرفة حقيقة الشرك ؛ لأنّها تؤكد على الفصل التام بين مقام أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومقام أهل الشرك من أصحاب الخطاب ، وتجريد كل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أي علاقة ولحمة بينهم وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتأكيد على أنَّ حقيقة التوحيد ومعرفة الله هي روح هذ الهرم، ورح كل الحقائق العشر وكلّ الخصائص الست ، وإذا فسدت حقية التوحيد ومعرفة الله كل الحقائق القرآنية الموجودة في الهرم وفسدت كلّ الخصائص الموجودة في الهرم، لجل ذلك نجد أن أصحاب أبي الخطّاب حين خسروا التوحيد فسدت لديهم كل الحقائق القرآنية الأخرى ، وضاعت عندهم كلّ الخصائص الست القرآنية .

وهنالك تنبيه لا بد من ذكره وهو أنّ حقيقة الإمامة القرآنية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة الإمامة القرآنية عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب [الحقيقة القرآنية الثامنة] وضعت في موضع متأخر في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وكان مكانها في القسم الثاني من الطبقة الثالثة، ولا شك أنّها في هذا الموضع والموقع متأخرة - كثيراً - عن الرتبة والدرجة التي تناسب أهميتها وخطورتها، ولا شك أنّها في هذا الموضع والموقع من الهرم جاءت متأخرة - كثيراً – عن الرتبة والدرجة التي تناسب أهميتها وخطورتها ، وقد جعلناها في نهاية هرم مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لأننا أدركنا من خلال انتقالنا من الدراسة في المعاهد العلمية السلفية إلى الدراسة في حوزة قم العلمية الجعفرية وجعلناها في نهاية الهرم ؛ لأن قضية التمييز بين مفهوم الإمامة القرآنية

ص: 47

عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب أبي الخطاب هي من اصعب واعقد الأمور التي أدركتها بعد أن تركت مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه ودخلت في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عليه السلام - ، وطرحنا حقيقة الإمامة القرآنية في موقع وموضع متأخر من الشكل الهرمي ؛ لأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرَّحَ في عشرات الروايات المتواترة عنه بأنَّ الإمامة القرآنية ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيَّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ من ينكر ويرفض إمامة الأئمة الاثني عشر يبقى في دائرة الإسلام الوسيعة ، وهذا هو الأمر الذي جعل موضع وموقع الإمامة في الطبقة السفلى من الهرم ؛ لأنّ الحقائق القرآنية الست الأولى من لم يقبلها خرج من الإسلام ، فجلناها متقدمة على الإمامة القرآنية

وهكذا؛ وضعت حقيقة الفرق بين مفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب أبي الخطاب في آخر هرم مشكلة الخلط مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب ؛ لأنني رسمت هذا المنهج من أجل أن يدركه زملائي من مشايخ معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء ؛ ولأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرَّحَ في عشرات الروايات المتواترة عنه بأنَّ الإمامة القرآنية ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيَّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ من ينكر ويرفض إمامة الأئمة الاثني عشر يبقى في دائرة الإسلام الوسيعة ، وهذا هو الأمر الذي جعل موضع وموقع الإمامة في الطبقة السفلى من الهرم .

ومن خلال تجربتي السابقة فإنني لم استوعب وأدرك حقيقة الفرق بين مفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب أبي الخطاب إلا بعد أن بدأت أدرك الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وحين أدركت الفرق بين مفهوم التوحيد ومعرفة الله عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومفهوم التوحيد ومعرفة الله عند أصحاب أبي الخطاب ، ولم استطع تجاوز مشكلة الخلط بين الإمامة القرآنية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والإمامة القرآنية عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلا بعد أن قرأت في البداية علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لا سيّما بعد أن استوعبت الكتب الرجالية والكلامية والأصولية وكتاب التبيان في تفسير القرآن لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ أحمد الإمام بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - وبعد أن استطعت تجاوز مرحلة المعرفة التحليلية العميقة لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب

ص: 48

من خلال دراسة الحقائق القرآنية الست الكبرى المرتبطة بمرحلة المعرفة الأولي - أي مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط و عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - ، وبعد أن استطعت الخروج من مشكلة الخلط بين المنابع التي اعتمد عليها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والمنابع التي اعتمد عليها أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، أي بعد أن أدركت الحقيقة السابعة من الحقائق العشر الكبرى

وإنّما ذكرت ذلك حتى لا يظن زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية أنني قصدت التقليل من شأن قضية الإمامة القرآنية ، وحتى يعلم طالب العلم في معاهدنا السلفية بأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرَّحَ في عشرات الروايات المتواترة عنه بأنَّ الإمامة القرآنية ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيَّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ من ينكر ويرفض إمامة الأئمة الاثني عشر يبقى في دائرة الإسلام الوسيعة ، وأردت أن يعلم طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بأنني جعلت الإمامة القرآنية في الطبقة السفلى من الهرم إمتثالاً لأمر الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وعندما نعيد النظر في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب سنجد في نهاية الهرم بعض أهل الشرك وهم آخر رموز الشرك من السائرين على نهج أبي الخطاب في نهاية التاريخ وفي آخر الزمان ، حيث جعلنا الأعور الدجال نهاية قافلة أهل الشرك والمشركين ؛ لأجل ذلك جعلناه في قعر هرم مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

من هنا ندرك لماذا حذر الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي الخطاب وأصحابه من الجماعة الخطابية في رأس الهرم أكثر من تحذيره من الأعور الدجال في قعر الهرم ؛ لأنّ أهل الشرك كأبي الخطاب وأصحابه في رأس الهرم أشد خطراً على هذه الأمة من أهل الشرك في قعر الهرم في آخر الزمان ونهاية التاريخ ؛ لأنّ تأثير أهل الشرك في رأس الهرم وفي أوّل الزمان منذ أن ظهر أبو الخطّاب سوف يسري الشرك الذي زرعه من النصف الأول في القرن الثاني إلى نهاية التاريخ وآخر الزمان ، أمّا أهل الشرك في آخر الزمان فتأثيرهم يكون محدوداً في زمن قصير، وبالتالي ففتنة أبي الخطّاب أشدّ من الفتن التي سوف تظهر في نهاية الهرم ونهاية التاريخ وفي آخر الزمان.

وعندما نعيد النظر في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب سوف نلاحظ الخطوط الطولية المتصلة والمتحركة من رأس الهرم إلى قاعدته ونهايته وهذه الخطوط

ص: 49

المتصلة هي تمثيل واضح وراسخ للاتصال الوثيق بين المراحل الثلاث – أي مرحلة المعرفة الانتسابية ومرحلة المعرفة التحليلة ومرحلة المعرفة الجذرية - في هذا المنهج ، والاتصال الوثيق بين الحقائق العشر المعروضة فى المرحلتين الأخيرتين - مرحلة المعرفة التحليلية ومرحلة المعرفة الجذرية - كما تعبر عن الاتصال الوثيق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من رأس الهرم إلى قعره ، وعن الاتصال بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من رأس الهرم إلى اسفله وعن الاتصال بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من رأس الهرم إلى اسفله ، كما أنّ هذه الخطوط الطولية تعبّر تعبيراً صريحاً عن الانبثاق الذاتي للمرحلة الثانية من المرحلة الأولى والمرحلة الثالثة من المرحلة الثانية، وتعبّر - أيضاً - عن انبثاق خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الحقائق العشر ، وانبثاق خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من هذه الحقائق العشر ، وعن انبثاق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في وسط الهرم من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في رأس الهرم ، وعن انبثاق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في وسط الهرم من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم ، وانبثاق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فى اسفل الهرم من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في وسط الهرم وعن انبثاق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في اسفل الهرم من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في وسط الهرم ، كما أنّ هذه الخطوط الطولية قاطعة في الدلالة - على ما قلناه سابقاً - على ضرورة التدرج في دراسة المراحل الثلاث، وفي دراسة الحقائق العشر ، وفي دراسة خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب و على ضرورة التدرج في معرفة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والتدرج في معرفة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب فلا يمكن أن نعرف آخر قافلة لأهل التوحيد ومعرفة الله من السائرين على نهج أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في قعر الهرم ونهاية التاريخ وآخر الزمان ، ما لم نعرف قافلة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في رأس الهرم وبدايات القرن الثاني الهجري ، وكذلك لا يمكن لنا أن نعرف أهل الشرك من السائرين على نهج أصحاب أبي الخطاب في اسفل الهرم ما لم نعرف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم ، كما أنّ تلك الخطوط الطوليةة المتماسكة من رأس الهرم إلى قعر الهرم تدل دلالة صريحة على وجود التماسق بين الحقائق القرآنية العشر وجود التماسك بين الخصائص القرآنية الست ، فلا يصح الفصل والعزل بين الحقائق القرآنية ، كما لا يصح الفصل بين الخصائص القرآنية ؛ فتلك المواضع والمواقع

ص: 50

المعيّنة للمراحل وللحقائق وللخصائص في الهرم لها دلالة صريحة في تجسيم وتصوير ضرورة التدرج في معرفة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي معرفة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وفي عرض المراحل الثلاث لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وفي عرض الحقائق العشر المرتبطة بالمرحلتين الأخيرتين، وفي عرض الخصائص الست ؛ حتى نستطيع التقريب بين الحوزة العلمية في قم والمعاهد السلفية العلمية في الرياض وصنعاء في دراسة وتدريس قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي قضية دراسة وتدريس أصحاب أبي الخطاب ، وحتى نتجنب ونبتعد عن الأخطاء التي انزلق فيها صاحب كتاب تبديد الظلام الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان المعتمد عليه في معاهدنا العلمية في الرياض وصنعا في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة قضية أصحاب أبى الخطاب

وقد انزلقت معاهدنا العلمية السلفية في تلك الأخطاء بسبب أنّ طريقة معاهدنا في دراسة قضية أصحاب أبي الخطاب وفي دراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تعتمد على أمثال صاحب کتاب تبديد الظلام من الذين لا يستندون على نظام فكري واحد ولا على نظام منهجي واحد في دراسة حياة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة حياة أصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك خلطوا بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

ويشاهد زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية الترابط المحكم بين طبقات الهرم وأجزائه، من قمته إلى قاعدته، وفي هذا دلالة صريحة على أنّه يجب أن ينظر إلى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في قعر الهرم كمنظومة واحدة متماسكة فلا نفصل بين آخر أهل الشرك من الذين سوف يتبعون مسالك أصحاب أبي الخطاب - كالأعور الدجال - وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم وفي ذلك دلالة صريحة على أن حقائق مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وخصائصها تمثل وحدة متماسكة مترابطة متحدة، وفي إطار منظومة مشتركة، تدب فيها روح واحدة، ومن ثُمَّ فهي - المراحل والحقائق والخصائص - تشكل مجموعة واحدة ندرك من خلالها أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ونعرف عن طريقها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في رأس الهرم وندرك من خلالها السائرين على نهج أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما ندرك من خلالها السائرين على طريق وخطى أصحاب أبي

ص: 51

الخطاب في قعر الهرم ، كما أنّ في ذلك دلالة بأنّ الحقائق القرآنية والخصائص القرآنية المذكورة من رأس الهرم إلى أسفلة هي منظومة قرآنية واحدة متماسكة فلا نفصل بين آخر حقيقة من الحقائق القرآنية التي ذكرت في أسفل الهرم ونهايته وبين أوّل حقيقة ذكرت في رأس الهرم ، أو نفصل بين خاصية قرآنية ذكرت في الطبقات العلياء من الهرم وبين خاصية قرآنية ذكرت فى نهاية الهرم ، لأن كل الحقائق القرآنية وكل الخصائص القرآنية المذكورة في كل طبقات الهرم تمثل وحدة متماسكة مترابطة متحدة ، وفي أطار منظومة مشتركها ، تدب فيها روح واحدة ، وقد رسمنا تلك الحقائق القرآنية وهذه الخصائص القرآنية كما رسمها الله - جل ثناؤه – في القرآن الكريم

وكل حقيقة من حقائق مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وكل خاصية من خصائصها لا بد أن تنظر في اطار هذه المجموعة المترابطة المتصلة، وإذا لم نفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم فلن نفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله وأهل الشرك في نهاية الهرم وحين ننظر إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وإلى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم أو ننظر إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وإلى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في قعر الهرم سوف ندرك أنه لا فرق بين شخصية أبي الخطاب وشخصية الأعور الدجال فهما من منظومة واحدة وبالتالي ، وجدنا في روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ الأعور الدجال سوف يدّعي الألوهية كما أدعى الألوهية أبو الخطاب ، وكذلك تدل الخطوط المتماسكة في الشكل الهرمي بأنّه لا يمكن لنا أن ندرك حقيقة أبي الخطاب وحده خارج منظومته الممتدة في كل طبقات الهرم أو ننظر إلى رجل واحد من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في رأس الهرم أو رجل واحد من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في قاعدة الهرم وحده خارج إطار منظومة أهل التوحيد ومعرفة الله - من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - المتماسكة فسوف نقع في ضلال كبير وننزلق ونسقط من أعلى الهرم إلى اسفله وكذلك حين ننظر إلى حقيقة واحدة من حقائق مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، أو ننظر إلى خاصية من خصائص هذه المشكلة الخطيرة، بالنظرة الجزئية المفردة المعزولة عن بقية الحقائق والخصائص ؛ فإنّنا لا يمكن أن نُدرك عظمة روح هذه الحقيقة التي نظرنا إليها بمفردها، ولن ندرك ما فيها من صفات الجمال والكمال ، كما أنّ النظرة التجزيئية الفردية لحقيقة من حقائق

ص: 52

مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، أو خاصية من خصائصها دون النظر إلى بقية حقائقها وخصائصها؛ كانت من الأسباب الرئيسية التي جعلتنا نحن السلفية في معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء ننزلق في أخطاء كبيرة في الكثير من أحكامنا على الحقائق والخصائص المرتبطة بقضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و نخلط بينهم وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهذا الأمر يرجع إلى أنّ الحقائق العشر والخصائص الست التي آمن بها أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي حقائق وخصائص مأخوذة من القرآن الكريم ، ومنهج القرآن يقوم على عدم الفصل بين الحقيقة الكبرى والأولى - أي حقيقة التوحيد ومعرفة الله عن بقية الحقائق ؛ لأنّ حقيقة التوحيد ومعرفة الله هي روح كل الحقائق وروح كل الخصائص ، وأي حقيقة من الحقائق أو خاصية من الخصائص إذا عزلناها عن حقيقة التوحيد ومعرفة الله [الحقيقة القرآنية الأولى] سوف تموت وتفقد الحياة ؛ لأجل ذلك نجد أن كل الحقائق وكلّ الخصائص في مذهب أبي الخطاب فقدت الحياة وماتت حين آمنوا بألوهية الإمام جعفر

الصادق علیه السلام وربوبيته ، وهذا هو سرّ وجود الخطوط الطولية المتماسكة في الشكل الهرمي .

ويلاحظ المشاهد للشكل الهرمي لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب أن هنالك تسلسلاً ظاهراً وصريحاً، وهو تعبير حاسم عن أنّ كل منحرف من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب يكون مقدمة وممهدا لظهور رجل خطابي يأتي من بعد عصر أصحاب أبي الخطاب وهو في نفس الوقت يكون نتيجة لخطابي جديد يأتي في زمن متأخر لكنه يحمل أفكار أبي الخطاب، وفي المقابل نجد أنّ كل رجل من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يكون قدوة ومقدمة لرجل من أهل التوحيد ومعرفة الله من السائرين على خط أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهو في نفس الوقت نتيجة لرجل من أهل التوحيد ومعرفة الله من الذين سبقوه، وكذلك نجد أنَّ أهل التوحيد ومعرفة الله في نهاية التاريخ ونهاية الهرم في آخر الزمان هم نتيجة من نتائج أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في رأس الهرم، ولأعور الدجال في نهاية الهرم ونهاية التاريخ في آخر الزمان هو نتيجة من نتائج أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم وكل حقيقة من الحقائق العشر لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب تكون مقدمة للحقيقة التي بعدها، وفي نفس الوقت تكون نتيجة للحقيقة التي قبلها، والإيمان برجل من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم يستلزم الإيمان برجل من أهل الشرك في قعر الهرم وكذلك الإيمان برجل من أهل

ص: 53

التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الطبقة الأولى من الهرم يستوجب الإيمان بأهل التوحيد ومعرفة الله في كل طبقات الهرم والإيمان بالحقيقة القرآنية الأولى يقتضى الإيمان بالحقيقة القرآنية الثانية .. وهكذا .. وهكذا إلى الحقيقة العاشرة ومن وقف ضد أهل التوحيد والمعرفة في أوّل الزمان ، سوف يقف ضد أهل التوحيد والمعرفة في آخر الزمان ، ومن يميل إلى الشرك من الخطابية في أول الهرم ، سوف يميل إلى أهل الشرك من الخطابية في آخر الزمان ، وسوف يكون مع الأعور الدجال في آخر الزمان ؛ لأنّ الأعور الدجال سيعادي أهل التوحيد ومعرفة الله وينصر أهل الشرك والمشركين

ونحن إذا لم نستطع فهم من هم أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم لن نعرف من هم أصحاب الشرك من خطابية أسفل الهرم وإذا عجزنا عن تحديد من هو من أهل التوحيد ومعرفة الله في بداية الهرم فلن نفهم من هو من أهل التوحيد ومعرفة الله في نهاية الهرم وإذا لم نفهم الحقيقة القرآنية الأولى فإنه ليس بالامكان فهم بقية الحقائق؛ لما عرفت من أنَّ هناك تسلسلاً رياضياً وعلمياً بين تلك الحقائق القرآنية العشر، وإذا لم نفهم الخاصية الأولى من الخصائص القرآنية الست المذكورة في الهرم فلن نفهم سائر الخصائص القرآنية .

وحينما نعيد النظر في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

سوف نلاحظ أنّ هنالك خطوطاً عرضية في هذا الهرم . وهو تعبير حاسم عن قاعدة أساسية في هذا المنهج - الذي رسمناه من أجل تصحيح منهج معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ودراسة قضية أصحاب أبي الخطاب

وهذا المنهج الجديد رسمناه من أجل التقريب بين دراسة هذ القضية في معاهدنا العلمية السلفية مع دراستها في الحوزة العلمية في مدينة قم التي تعتمد على الكتب الرجالية والكلامية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما -

وتلك الخطوط العرضية في هذا الشكل الهرمي تقول لنا : بأنّه يجب التأمل والتدقيق والتعمق والدراسة التحليلية والموضوعية لكل مرحلة من المراحل الثلاث لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ويجب التدبّر في كل حقيقة من حقائق هذه المشكلة الخطيرة ، وفي كلّ خاصية من

ص: 54

خصائص هذه المشكلة؛ فقد لمسنا - عند مراجعة ودراسة الكتب التي كتبت حول قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول قضية أصحاب أبي الخطاب ، وهي كتب كانت توزع علينا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء وكلها كتبت حسب منهج معاهدنا - أن التأمل والتدقيق، ، وعدم التحليل الكامل للمراحل والحقائق والخصائص؛ كان وراء كل الأخطاء التي ارتكبناها في حق أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي حق أصحاب أبي الخطاب

ولو أعاد زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية النظر إلى الشكل الهرمي لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب سوف يرى أننا رسمنا خطوطاً خارجية في السطح الخارجي للهرم، تشمل وتعم كل الهرم وهو تعبير صريح وواضح عن حقيقة هامة في هذا المنهج تقول : بأن هنالك تشابكاً وانسجاماً بين المراحل والحقائق والخصائص، بحيث إن الخطأ في فهم المرحلة الأُولى- التي في رأس الهرم - يقتضي سريان الخطأ إلى المرحلتين الأخيرتين، والإصابة في فهم أول مرحلة يقتضي الإصابة في فهم المرحلتين الأخيرتين، وتبيّن هذه الخطوط الخارجية بأنَّ هنالك تشابكاً وانسجاماً وتعاوناً بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم وأهل الشرك من السائرين على منهج أصحاب أبي الخطاب الذين من بعدهم ؛ لأن شرك أصحاب أبي الخطاب في رأس الهرم يقتضي سريان شركهم إلى كلّ المشركين من المقلدين لأبي الخطاب في كل أقسام الهرم إلى أن يسري ضلالهم إلى أهل الشرك في قاعدة الهرم ونهاية التاريخ ؛ لأنه يوجد في كل عصر رمز من رموز الشرك وسوف يستمر هذا الأمر إلى قعر الهرم في آخر الزمان ونهاية التاريخ حين يخرج الأعور الدجال ، وهو آخر رمز من رموز الحركة الخطّابية المجوسية .

وهكذا ..وهكذا .. في الحقائق العشر وفي الخصائص الست أنّه لا يمكن أن نخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ثُمّ نصيب في مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - أو - المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأن العلاقة بين المعارف الثلاث لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب متشابكة

ص: 55

وإذا أعاد زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية نظره إلى الهرم سوف يرون أن قمته تبدأ ضيقة، ثم تتسع شيئاً فشيئاً كلما اتجهت نحو القاعدة، وهذا الأمر يعبّر عن حقيقة هامة أشرنا أنّه عندما أخطأنا في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة قضية أصحاب أبي الخطاب وقعنا في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - رأس الهرم - أخذت أخطاؤنا في فهم حقائق هذة المشكلة الخطيرة تتسع يوماً بعد يوم؛ كما أنه يعبر أن خلطنا وتخليطنا بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبى الخطاب بدأ ضيقاً ومحدوداً ثم أخذ يتسع يوماً بعد يوم حتى بلغ أوجه في عصرنا من خلال كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، حتى صرنا نخلط بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب ، وصرنا نسمّي الإمام جعفر الصادق علیه السلام بجعفر الكذاب - في أسفل الهرم - وبعبارة أخرى يعبر عن حقيقة هامة وهي أنه عندما أخطأنا في معاهدنا السلفية العلمية ووقعنا في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب أخذت هذه المشكلة الخطيرة تتسع يوما بعد يوم، حتى صرنا لا نميز ولا نفصل ولا نعرف الفرق بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب كما خلط بينهما صاحب كتاب تبديد الظلام حينما اعتبر الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المشركين الخطابيين واعتبره مؤسس الحركة الخطابية ، ورأى بأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الذي أمر أبا الخطاب بنشر فكرة ألوهيته وربوبيته ، ولكن الإمام جعفر الصادق علیه السلام خدع الناس حين تبرأ في الظاهر من أبي الخطاب ، وحقيقة الأمر هي كانت مسرحية وتمثيلية سينمائية بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطّاب .

ولن تستطع معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء معرفة الفرق بين خصائص وسمات وصفات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص وسمات وصفات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلا إذا خالفوا منهج غلاة السلفية من أمثال کتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، حينئذ سوف يدركون الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

***

إلى هنا اتضح لأخوتي من السلفيين بأنّ هذا الكتاب يرسم لهم المنهج السليم في عرض مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، من أجل أن يتحرر طالب العلم في معاهدنا السلفية من كتاب تبديد الظلام، ونحاول في هذا الكتاب تصحيح منهج معاهدنا في دراسة المشكلة؛ كما نحاول طرح

ص: 56

منهج جديدٍ في معالجة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ، كما نبذل جهداً كبيراً من أجل إقناع زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في صنعاء و الرياض بضرورة التأمل في هذه المشكلة الخطيرة حتّى يتم التقريب بين وجهة النظر بين الحوزة العلمية في قم ومعاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء حول هذه المشكلة

ص: 57

الباب الأول : مرحلة المعرفة الانتسابية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولأصحاب أبي الخطاب

المرحلة الأولى : مرحلة المعرفة الانتسابية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولأصحاب أبي الخطاب

تمهید المرحلة الاولی

بعد أن قرأت عن أبي الخطاب وعن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبرهيم الجبهان ، وقلّدته في تحامله على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وجدتني بعد سنوات أدركت الفرق بين الشخصيتين

ولكن الآن أريد قبل الدخول في بيان المرحلة الأولى مرحلة المعرفة الانتسابية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولأصحاب أبي الخطاب أن ابحث هنا لماذا تحاملنا على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؟ ولماذا دمجنا بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطّاب ؟ مع أننا لم نكن في تلك الفترة نعرف الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم نكن نعرف أبا الخطاب ؟ ولماذا قلّدنا أحكام الأستاذ القدير إبرهيم الجبهان على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؟ لماذا خيل إلينا بأنّ هنالك مشتركات تربطهما ؟ لماذا أخذنا برأي الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان حول هاتين الشخصيتين مع أنّه لم يكن على دراية كاملة بهما ؟ وكيف اعتمدنا عليه في تعيين نوع العلاقة التي كانت تربطهما ؟ !!

ص: 58

لقد كنت في مدينة الرياض أرى أن العلاقة بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب – على الرغم من خصومتهما الظاهرة - ، لكنها كانت في الباطن والواقع علاقات مودة وثقة بين الرجلين ، وأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان ابعد من أن يبوح للمجتمع الإسلامي بخبيئة من خبايا نفسه وعلاقاته الخاصة والفريدة مع أبي الخطاب ؛ لعلمه بنفرة المجتمع الإسلامي من وثنية ومجوسية أبي الخطاب ، فدفن الإمام هذه العلاقات مع أبي الخطاب في صدره ولما مات دفنت معه

أريدُ أن أتحدَّثَ إلى إخواني في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء .. ألم نتأثر في تحديد نوعية العلاقة بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب بما كتبه الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان عن هذه العلاقة في كتابه " تبديد الظلام ؟! .

المشكلة الكبرى في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء أننا لم نميز بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهبه من جهة وبين أبي الخطاب ومذهبه من جهة أخرى .

من هنا نجد أنّنا في معهدنا منذ اليوم الأول عرفنا الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه من خلال كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير أبراهيم الجبهان ، الذي كان يقرّر دود تردد أن مؤسس مذهب أبي الخطاب هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام

إنّ أبا الخطاب وليس الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو مؤسس مذهب أبي الخطاب ، ولكن كتاب تبديد الظلام الذي كان يوزعلينا في المعاهد المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء ، وكان يوهمنا بأنّه لا فرق بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب

ونصيحتي الأساسية والمركزية لطلاب العلم في معاهدنا السلفية ولزملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء أن يتركوا تقليد الأستاذ القدير أبراهيم الجبهان فقد التبس عليه الأمر وخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب

إنني سأبذل جهدي في هذا الكتاب لبيان الفرق بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حتى يكون ضميري مستريحا لكشف حقيقة هامة غابت عن زملائي في المعاهد العلمية السلفية .

ص: 59

أُريد أن يحاسب زملائي أنفسهم اليوم قبل أن يحاسبهم الله - جل ثناؤه - يوم القيامة ؛ لأنّهم ظلموا مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين خلطوه بمذهب أبي الخطاب

بعد أن هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية أدركت بصورة يقينية الفرق بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبى الخطاب ، وأريد - الآن - رسم الصورة الحقيقية لأبي الخطاب كما رسم في مدينة قم العلمية لا في مدينة الرياض

منذ أكثر من اثني عشر قرناً ظهر أبو الخطاب ، وكأنّما نجح إبليس في إغوائه حتى كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يتحدّث أنّ الشيطان كان يتمثل له ، فهو في البداية كان مستقيما يشارك في الحضور لدى حلقات العلم التي يقيمها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لكنّه خرج عن مسيرة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وصنع لنفسه مسيرة جديدة اخترعها ولفق عقائدها من وثنيات وخرافات وأساطير بعيدة عن القرآن الكريم ، لا علاقة لها بشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهو لم يكن يستمع نصائح الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين نصحه بترك مجالسة السفلة ، ومع يزعم أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد أخبره بأن يبلغ الناس بألوهيته وربوبيته وأنّه جعله نبياً من الأنبياء وأعطاه الأمر بتبليغ الخطابية المجوسية التي نقضت ما فعله الإمام جعفر الصادق علیه السلام طوال حياته و ناقضت ما كان يؤمن به أبو الخطاب في بداية دراسته عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام . لقد اخترع أبو الخطاب أسطورة ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وطار بهذه الأسطورة في الآفاق . إنّها أسطورة ذهبت برسالة الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي بذل كل وقته في تبليغها ، و رسالته الكبرى تتمثل في كل رسائله وكلماته وخطبه ودروسه التي خلاصتها التوحيد ومعرفة الله حسب منهج القرآن الكريم ، لكن أبا الخطاب أراد طمس معرفة الله والتوحيد بأسم

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وما هي إِنَّا فترة طويلة أو قصيرة حتّى تمكن أبو الخطاب بأسلوب خداع ودجال من جمع مجموعة كبيرة حوله تؤمن بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ومما يثير الدهشة أن أبا الخطاب و أتباعه كانوا يطعنون فى خلّص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّهم كان يطاردون أبا الخطاب وأتباعه ويردون افتراءاته بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يأمره بنشر تلك الأفكار الخطابية المجوسية

ص: 60

كان أبو الخطّاب يريد من هذه الأمة الإسلامية الكبيرة أن تحيا بلا توحيد ولا معرفة الله ولا شريعة ولا قرآن كريم ، ومن ثمّ وضع أبو الخطاب خطة لمحو العقيدة والشريعة على السوء أمّا العقيدة القرآنية فقد محا أبو الخطاب وجودها بجرّة قلم ، وجعل الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الله ولا إله غيره إلا أمام يأتي من بعده من ولده ، ويريد أن نؤمن باثني عشر إلها ، وأمّا الشريعة القرآنية فوضع أبو الخطاب لمحوها سياسة بعيدة المدى ، ورأى لأجل محو الشريعة القرآنية لابد له من تغيير كلّ جزء من أجزاء الشريعة القرآنية ونسف أصل كل جزء ونسيانه ، وصبّه في قالب جديد كل الجدّة بحيث يسير هذا الجزء من شريعة القرآن الكريم لا يحمل الأصل الذي انفصل عنه ، وعلى سبيل المثال جعل أبو الخطاب الصلاة والصيام والحج هي الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وجعل كل المحرمات تعني خصوم الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فاللواط وشرب الخمر والزنا عبارة عن خصوم الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الشخصيات المعادية له التي عاصرته وخاصمته ، وهكذا مع مرور الزمان أراد أبو الخطاب أن تنشأ أجيال الأمة الإسلامية كافرة بتوحيدها ودينها وقرآنها وصلاتها وصيامها و زكاتها ، همها أن تحيا على أي نحو ، لا توحيد لها ولا نبوّة ولا إمامة ولا قرآن كريم ولا سنّة نبوية ولا أهل بيت رسول الله ، ولا أصحاب رسول الله ، ولا حرمة لنساء النبي - ص - ولا فكر ولا ضمير ولا هدف ، تخدع هذه الأمة كلّ هيعة ويمتطيها كل خبيث ، وغايتها شهواتها وعلفها ، وترديد

عبارات المستشرقين في الطعن بالقرآن ، وبالطعن بعرض رسول الله وإتهام زوجته السيدة عائشة بالزنا والفاحشة

وكانت شخصية أبي الخطب من الشخصيات النادرة التي ظهرت في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – ، ونحن نجد له صورة مكررة في كل مجتمع وفي كل جيل

ونريد – هنا – أن نعقد مقارنة سريعة بين أبي الخطاب وبولس النصارى الذي نقل النصارى من التوحيد ومعرفة الله إلى الشرك بالله والتثليث وتأليه عيسى بن مريم ، وسوف نجد أن بين الشخصيتين صفات وسمات مشتركة ، ونجد أنّ أبا الخطاب كان يحمل نفس روحية بولس النصارى تماماً ولا يوجد خلاف بينهما إلّا أن أبا الخطاب نشأ في بيئة كوفية ، وبولس نشأ بيئة أخرى ؛ ومن أجل أن يعرف طلاب العلم في المعاهد العلمية السلفية المشتركات بين شخصية بولس النصارى وشخصية أبي الخطاب بصورة مفصلة سوف نذكر الشذوذ الفكري الذي صار عليه أبو الخطاب في كلّ أفكاره ، وسوف يصوّر لنا ذلك الشذوذ الفكري الحالة

ص: 61

النفسية عند أبي الخطاب بشكل صريح ، ويسمح لي زملائي في المعهد السلفي أن أقول : إنني وجدت أن ذلك الشذوذ الفكري عند أبي الخطاب هو موجود بصورة كاملة عند بولس النصارى ، وهذا الشذوذ الفكري عند أبي الخطاب وعند بولس هو موجود لدى كلّ الشخصيات الشاذة في كل زمان ومكان.

وأنا منذ أن وصلت مدينة قم العلمية وبدأت البحث عن كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ورسائله وتراثه ، وجدت أنّ هذا الإمام العظيم كان كثير الشكوى - طوال حياته المباركة - من أبي الخطاب ، ومن أصحاب أبي الخطّاب ، ولقد هاجرت و استضعفت وتشردتُ لأجل البحث عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والبحث عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فكان من الضروري أن ابحث عن سرّ شكوى الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي الخطاب ، ومن أصحاب أبي الخطاب ، وكان من الضروري أن ابحث عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومن الضروري أن ابحث عن أصحاب أبي الخطاب

والحقيقة التي استيقنت منها بأنّ سرّ شكوى الإمام الصادق علیه السلام من أبي الخطاب ومن أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّه كان يرى بأنّه لن يجد أعداء القرآن الكريم أفضل من أبي الخطاب ومن أصحاب أبي الخطاب في هدم التوحيد ومعرفة الله وفي التشكيك بالقرآن الكريم والقول بتحريفه

وانطلقت باحثاً عن شخصية أبي الخطّاب ، إلى أن تبيّن لي بأنّ هنالك قاسماً مشتركاً بين نظرة بولس النصارى للأمور ونظرة أبي الخطّاب للأمور ، وهذا أمر لمسته بيدي ورأيته بعيني ، بعد أن جالست وعاشرت وحاورت مشائخ الخطّابية في عصرنا ، وعرفت شخصية أبي الخطّاب معرفة عميقة ، ثم تخصصت في دراسة شخصية بولس النصارى ، وكنتُ أريد معرفة ماهو سرّ دعوتهما إلى تأليه البشر.

ولقد اجتهدتُ هنا أن اعقد مقارنة بين أبي الخطاب الذي أسس جماعة شاذة بأسمه سميت بالخطّابية وانفصل من خلال مجموعته عن جماعته الأصلية الجعفرية التي تؤمن بالتوحيد ومعرفة الله ، وبين بولس النصارى الذي أسس جماعة شاذة سميت بأسمه البولسية انفصل من خلال مجموعته عن المسيحية الأصلية التي كانت تؤمن بالتوحيد ومعرفة الله وهذه سمة من خصائص كل الشخصيات الشاذة المتطرفة حيث تسعى إلى تأسيس فرقة جديدة تنفصل من خلالها عن جماعتها الأصلية ، و قد وجدت أن عقيدة أبي الخطاب في المخالفين لعقيدته تتماهى مع عقيدة بولس النصارى في المخالفين لعقيدته

لقد مضى على كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام في وصف شخصية أبي الخطاب أكثر من ألف ومائتين عاما ، و قد وجدت أن الصفات التي ذكرها الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول أبي الخطاب تنطبق تماماً على شخصية بولس النصارى ، ومن المشتركات بين الرجلين تجد أنَّ الذين كانوا

ص: 62

حول بولس يغالون في شخصيتة كما أنّ الذين كانوا حول أبي الخطاب يغالون في شخصية أبى الخطاب

وفي الحقيقة الذي يجعلني المشتركات بين بولس وأبي الخطاب ؛ لأننا كنا في المعاهد السلفية نتخيل بأن المعركة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هي معركة وهمية من مخترعات إمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما

ومن حقي وأنا هاجرت من بلدي وتركت الأقرباء والأصدقاء وعشت مرارة الغربة وعذاب مفارقة الأحبّة ؛ لأجل البحث عن الحقيقة ، ولأجل معالجة همومي ومخاوفي من شخصية أبى الخطاب وأصحاب أبي الخطّاب ، وكنا نتصوّر في المعاهد السلفية بأنّه لافرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب من حيث أن هدفهم واحد ، وهو هدم التوحيد ومعرفة الله ، ونشر الشرك وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والتشكيك في القرآن الكريم من خلال القول بتحريفه ، فكان لابد لي من التحقيق عن الشذود الفكري لدى هاتين الشخصيتين الخطيرتين على التوحيد ومعرفة الله

وأريد الآن في هذا الكتاب ابث فيه نماذج من الشكوى التي في قلبي من أبي الخطاب ومن بولس ، وسوف أذكر الآن نموذجاً محدداً مشتركاً بين أبي الخطاب وبولس : هذا النموذج المشترك بينهما هو من النماذج الخاصة التي قرأت عنها بكثرة وسمعت عنها في مدينة قم العلمية : بُولس الذي يعد القدوة الكبرى لأبي الخطاب في مسألة الشذوذ الفكري ، ولنتأمل الشذوذ الفكري عند هاتين الشخصيتين من خلال شذوذ أبي الخطاب في تعريف الإمامة القرآنية وشذوذ بولس في تعريف التوحيد ومعرفة الله في التوراة .

إِنّ القرآن الكريم تعرّض لمحنة كبرى بسبب تعريف أبي الخطاب للإمامة القرآنية كما

تعرضت التوراة لفتنة عظمى بسبب تعريف بولس للتوحيد ومعرفة الله

وينبغي أن نعرف أنّ شكوى الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي الخطاب ترجع إلى شذوذ أبي الخطاب في تعريف الإمامة القرآنية ؛ لأن معنى الإمامة القرآنية عند أبي الخطاب هو نفس معنى التوحيد ومعرفة الله في القرآن الكريم ؛ لأجل ذلك كان يقول بألوهية الإمام الصادق علیه السلام وربوبيته

لقد قدّم أبو الخطاب نظرية وهمية للإمامة القرآنية تخالف الإمامة القرآنية التي بينها القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة - التي لا تخالف كتاب الله - والإمامة التي تكلّم حولها الإمام جعفر الصادق علیه السلام عليه السلام - ، وطرح إمامة جديدة لا توجد إلا في ذهنيته المريضة ، ونظر

ص: 63

تصوّراً شاذاً عن إمامة مقتبسة من تراث " بُولس " النصارى يخلط بين الإمامة القرآنية

والتوحيد ومعرفة الله ، ويفصل بين الإمامة القرآنية والعبودية للذات الإلهية ، ويرى أنّه

فرق بين الإمامة القرآنية والربوبية ، ولا فصل بين خصائص وسمات التوحيد ومعرفة الله وبين خصائص وسمات الإمامة القرآنية ، ولا تمييز بين أسماء وصفات الله وبين أسماء وصفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهذا يؤكد لنا بأنّ أبا الخطاب كان جاهلاً تماماً الإمامة القرآنية التي سمع الإمام جعفر الصادق علیه السلام يتحدّث عنها .

إن أبا الخطاب – كما قلنا - يلتزم بتصور معين عن الإمامة القرآنية يتماهى مع التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّ الله عنده هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكن أبا الخطاب وجد أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام يتحدث عن الإمامة القرآنية بطريقة تخالف تصوراته .

ومن هنا نجد أنّ أبا الخطاب يرتبك عندما يسمع من الإمام جعفر الصادق علیه السلام يبيّن حقيقة العبودية بقوله : العبودية هي أن " العبد - وفي مقدمتهم الإمام جععفر الصادق علیه السلام – لا " - يرى لنفسه ملكاً فيما خوله الله ؛ لأنّ العبيد ، يرون المال مال الله ، يضعونه حيث أمرهم الله ، وأن لا يرى العبد لنفسه تدبيراً ، وجملة اشتغاله فيما أمره – تعالى - - به ونهاه عنه بحار الأنوار: 124/1] ، وهنا لما وجد أبو الخطاب أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام يذكر بعض صفات الإمام من أئمة أهل البيت وهي أن الإمام يجب أن يعتبر نفسه عبداً الله ، وأن لا يرى الإمام لنفسه ملكاً فيما خوله الله ؛ لأنه : " والله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير " [المائدة: 18] ، وتلك صفة أساسية للإمام استخرجها الإمام جعفر الصادق علیه السلام من القرآن الكريم ، فالإمام لا يملك شيئاً وأنّما خوّله الله وليس لغير الله ملك واقعي وحقيقي ، والصفة الثانية للإمام كما يرى الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو أنّ الإمام من أئمة أهل البيت " لا يرى لنفسه تدبيراً وهنا نجد الإمام جعفر الصادق علیه السلام يواجه أبا الخطاب بصورة علنيه ويقول له : لو أن الله أوكل أمر الإمام من أئمة أهل البيت إلى تدبير نفسه – من دون تدبير الله لم يبق للإمام وجود وأثر ، ولكن الله يتولّى أمر تدبير الإمام في كلّ صغيرة وكبيرة ، ولو ترك الله الإمام لحظة واحدة لوصل الإمام إلى طريق مسدود ، ولا يمكن أن يعيش الإمام من دون تدبير الله لأموره ، ثم ينتقل الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى بيان صفة أساسية للإمام تنسف كل أفكار أبي الخطاب عن الإمامة القرآنية حيث يبيّن أنّ الإمام من أئمة أهل البيت كل وقته يصرفه في تطبيق الشريعة القرآنية بصورة عملية في جميع أموره ويقول " وجمله اشتغاله فيما أمره – تعالى – به ونهاه عنه ولا يمكن لأبي الخطاب أن يتحمل هذه الصفات ؛ لأن أبا الخطاب وضع خطة تستبيح كُلِّ المحرمات وتستهين بكل الواجبات والفرائض والسنن – كما ذكرنا ذلك سابقاً – المذكورة في القرآن الكريم ؛ لأنّه لا قيمة للقرآن الكريم عند أبي الخطّاب ، فالقيمة الأولى والأخرى هي للإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 64

وقد وجد أبو الخطاب متنفسه عندما سمع كلام الإمام الصادق علیه السلام يكمن في التلاعب با لألفاظ ويفسر المفردات القرآنية ، ويفسّر كلمات وعبارات الإمام جعفر الصادق علیه السلام تفسيرا جديدا لا يوجد إلّا في قاموس أبي الخطاب ولا يمكن أن نجده في معاجم وقواميس اللغة العربية ، بل يعتمد على قاموس " بولس " النصارى في تفسير التوراة الأصلية.

إن تفسير أبي الخطاب للإمامة القرآنية هو تفسير صبياني فوضوي عشوائي واعتباطي ، يدل على سخريته من القرآن الكريم ، وسخريته من عبارات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والمشكلة الكبرى أنّنا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء لم نكن نميّز بين تفسير الإمام جعفر الصادق علیه السلام للإمامة القرآنية وتفسير أبي الخطاب للإمامة القرآنية .

والواقع لو أن زملائي من مشايخ المعاهد العلمية في صنعاء وفي الرياض تأملوا قليلاً في تفسير الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأمامته وتفسير أبي الخطاب لإمامة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لأدركوا بعمق خطورة تفسير أبي الخطاب لإمامة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأن تفسير أبي الخطاب لإمامة الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يسوق ما يشاء من النظريات ضد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويتحدث بها في مجلس الإمام الصادق علیه السلام والإمام يسمعه ، ويخترع أبو الخطاب من خلال هذا التفسير ما يشاء من فرضيات ونظريات أخرى يطرحها عند غياب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، تحت غطاء أن الإمام جعفر الصادق علیه السلام تحدّث أمام الناس عن " ظاهر" الإمامة القرآنية وأنّه – أي أبي الخطاب - يتحدّث عن " باطن الإمامة القرآنية ، كما شرح له الإمام جعفر الصادق علیه السلام باطن الإمامة القرآنية بعد خروج الناس ، وهكذا تلاعب أبو الخطاب بالإمامة القرآنية من خلال فصله بين باطن الإمامة القرآنية عن ظاهر الإمامة القرآنية ، وعندما كنت مع بعض مشايخ الخطابية رأيتهم يتحدثون عن الإمامة القرآنية بطريقة تخالف معنى الإمامة القرآنية في القرآن الكريم ، فقالوا لي : حديثنا هو عن باطن الإمامة القرآنية لا عن ظاهر الإمامة القرآنية ، وقالوا لي الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يحدّث أبا الخطاب عن باطن الإمامة القرآنية في مجلس خاص بينهما ، أما أمام الناس فكان حديثه عن ظاهر الإمامة القرآنية وهنا وجدنا أنّ أبا الخطاب يجمع كل الأساطير العجيبة والغريبة والنصرانية والمجوسية والغنوصية واليهودية والوثنية والبوذية ثم يقول لنا بأن كل تلك الأساطير هي باطن الإمامة القرآنية لدى الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهكذا تحت غطاء " باطن الإمامة القرآنية " يريد مشايخ مذهب أبي الخطاب في عصرنا دعوة المسلمين إلى عبادة الأئمة الاثني عشر.

إن أبا الخطاب عطّل الإمامة في القرآن الكريم تحت مقوله معرفة باطن الإمامة القرآنية وتحت مقولة معرفة الباطن جعل أبو الخطاب الحق باطلاً وجعل الباطل حقاً وجعل توحيد الله شركاً والشرك بالله توحيداً ، وجعل الصدق كذباً والكذب صدقاً ، وجعل القرآن الكريم يأمر بالفحشاء ، وجعل من الزنا رجلاً ، ومن الصلاة رجلاً ، وقلب الدين رأساً على عقب ، فلا

ص: 65

أبقى لنا ديناً ولا دنيا ، بل غرق في عالم من الأوهام والخيال تحت شعار علم باطن الإمامة القرآنية

ويبدو لي بشكل يقيني أنّ هبوط أبي الخطاب ومعه بولس في مجال اللغة وعدم التزامهما بضوبط اللغة هو سبب وقوعهما في الشرك وتركهما للتوحيد ومعرفة الله عند تعريفهما للإمامة والتوحيد

إن الأمراض النفسية عند المغالين الخطّابيين تسيطر على مسالكهم ، وهم – باسم الدين يقسمون ظهر التوحيد ويخذلون أهله

إنني – فيما بلوت - رأيت أن مذهب أبي الخطّاب ماحق للدين والدنيا ومهما اختلف بولس مع الخطاب في الأفكار ، لكنهما معاً يلتقيان في السمات الشخصية وفي توهين التوحيد ومعرفة

الله ، وتجد أنَّ بُولس و أبا الخطاب فهما من التوحيد شيئاً واحداً وهو أن الوحى الأعلى نزل ليأمر بتأليه البشر

والعجب بالنفس هو الجريمة التي ارتكبها بولس و أبو الخطاب ، غرتهم أفكارهم التي تفردوا بها فقدّموها للناس مقرونة بتأليه البشر

وقد وجدت أنّ كلا الشخصين لم يباليا بما تتركه أفكارهم من فرقة ، ومن لا يبالي بوحدة الأمة ينبغي الحذر منه وتنبيه الأمة إلى شره ؛ لأنّ من يستهين بالوحدة بين الأمة الواحدة هو يستهين بالقرآن الكريم ، لأجل ذلك وجدتُ من خلال تجربتي بأنّ كلّ من يستهين بالوحدة الإسلامية يعتقد بتحريف القرآن الكريم، ووجدت من خلال تجربتي كلّ يستهين بالقرآن الكريم ويعتقد بوقوع التحريف في القرآن الكريم تجده يدافع عن أفكار أبي الخطاب ، ولو كان يلعنه ، إذ ماهي فائدة لعنه لأبي الخطاب ، إذا كان يلعنه ، لكنه يؤمن بأفكار أبي الخطاب

وتتضح المشتركات بين " بولس " وأبي الخطّاب بصورة أكثر وأكثر عندما نجد أن المؤرخين ذكروا لنا حقيقة موجودة في حياة " بولس " وفي حياة أبي الخطاب وهي أنّ بُولس كان يكذب على عيسى بن مريم ، وكان أبو الخطاب يكذب على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد كشف هذه الحقيقة الخطيرة حفيد الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبيّن الإمام الرضا هذه الحقيقة التاريخية بهذه الصورة : " إن أبا الخطاب كذب على إبي عبد الله – الإمام جعفر الصادق علیه السلام – لعن الله أبا الخطّاب ، وكذلك أصحاب أبى الخطّاب يدسُّونَ هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب

ص: 66

أصحاب أبي عبد الله - يعني كتب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فأنا إن تحدثنا حَدَّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، إنّا عن الله ، وعن رسوله يُحدِّث ولا نقولُ قال فلان وفلان ، فيتناقض كلامنا . إنّ كلام آخرنا مِثلُ كَلامٍ أَوَّلنا ، وكلامَ أَوَّلِنَا مصدِّقٌ لِكلام آخرِنَا ، وإذا أتاكُم من يُحَدَّثُكُم بِخِلافِ ذَلِكَ فَرُدُّ عَلَيْهِ ، وَقُولُوا أَنتَ أَعْلَمُ وَمَا جِئتَ ، فإِنَّ مَعَ كُلِّ قَولِ مِنَّا حقِيقَةٌ ، وَعَلَيهِ نُورٌ فَمَا لَا حقيقةَ مَعَهُ وَلَا نُورَ فَذَلكَ قَولُ الشَّيْطَانِ [بحار الأنوار ، 251/2] .

وحتى يدرك أخواني في معاهدنا العلمية السلفية بأن أبا الخطاب كان له قدرة نفوذية استطاعت أن تزاحم نفس شخصية الإمام الصادق علیه السلام وكانت نظراته الخاصة في جميع المجالات متدوالة قبل أن يرتد من التوحيد إلى الشرك ، فهو في الواقع لم يعلن الردة الا بعد أن صار له قاعدة كبيرة ويجب أن نتذكر نفوذ عبد الله بن أبي – زعيم المنافقين على كثير من أصحاب رسول الله وكيف أرجع الكثير من أصحاب رسول في معارك رسول الله مع المشركين فلا يصح النظر إلى هذه الشخصية الخطيرة بنظرة سطحية والتصور بأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بإمكانه الوقوف أمامه ؛ لأن رسول الله كان عنده قدرة عسكرية ومع ذلك لم يستطع حسم حركة عبد الله بن أبي بشكل كامل ، فكيف يستطيع الإمام الصادق علیه السلام حسم المعركة مع أبي الخطاب وهو مطارد من قبل طغاة عصره ومهدد بالسجن والقتل في كل لحظه من لحظات حياته

وقبل أن نسترسل ونتوسع في طرح هذا الموضوع نحب أن نثبت كلامنا بوثيقة صريحة تدل على صحة ما نريد التأكيد على القدرة النفوذية لأبي الخطاب قبل ردّته وبعد ردّته وخروجه من الإسلام ، نقرأ - هنا - وصفاً نقله معمر بن خلاد عن أبي الحسن : إن أبا الخطاب أفسد الكوفة فصاروا لا يصلّون المغرب حتّى يغيب الشفق ، ولم يكن ذلك إنّما ذاك للمسافر وصاحب العلة " [رجال الكشي / 362]

وعلى ضوء هذه الوثيقة من الإمام – عليه السلام – يتبين لنا بأنه لم يعد في وسع الإمام

مواجهة تأثير أبي الخطاب ، ولا يمكن التخلّص من قاعدته وشعبيته ، فهنالك من كان يعتبر من أبي الخطاب مرجعية كبرى في الفتوى وفي تعيين الوقت الشرعي لصلاة المغرب

ص: 67

لقد قام أبو الخطاب بتكوين قاعدة كبيرة له قبل أن يعلن خروجه من الإسلام ويرتد عن توحيد الله ، وتبين لنا هذه الوثيقة عمل أبي الخطاب حينما كان مسلماً موحداً لله : " قال : علي بن عقبة : كان أبو الخطاب قبل أن يفسد وهو يحمل المسائل لأصحابنا ويجيء بجواباتها " [تهذيب الأحكام للإمام الشيخ الطوسي/ 4/7]

وتوحي هذه الوثيقة بمكانته المرموقة التي كان يتمتع بها بحيث كان المعتمد عليه في معرفة أحكام الحلال والحرام

ومن هنا كان سلاح أبي الخطاب الكبير في ترويج فساده الفكري والعقدي هو إستغلال مكانتة العلمية قبل فساده وردّته .

وقد قرأت عن نفوذه الكثير من الرويات المتواترة ، ولكن لا مجال لذكرها كلّها ، ولعلّ الله - جلّ ثناؤه – يوفقني لكتابة كتاباً كبيراً عن أبي الخطاب ومعركته الكبرى مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ودوره في تأسيس الفرق المنحرفة ، وكيف خلق مشكلات معقدة ما زال العالم الإسلامي يعاني منها إلى يومنا هذا

والأمر الذي وصلت إليه في بحثي المفصل عن شخصية أبي الخطاب بعد أن قررت الكتابة عن بدقةٍ وتحقيق أن أبا الخطاب كان في أول أمره من أهل العلم ومن أهل الفتوى في مجال الفقه والعقيدة ، وحين كنت أخطّ هذا السطور خطر على بالي أن أجد له شبيه من كتاب الله فرأيته يشبه بلعم بن باعور " الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " [سورة الأعراف : 175] .

ومن هنا نجد أنّ شيخ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عصره ، الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه - صرّح بأنّه يأخذ بروايات أبي الخطّاب قبل فساده الفكري ، وفي كلام الشيخ الإمام الطوسي دلالة على وجود روايات نقلت عنه قبل خروجه من الإسلام ، وقد تتبعت رواياته ولكن ذكرها خارج عن موضوع هذا الكتاب ، غاية ما هنالك أنّني وجدت أنّ لديه فتاوى شاذة وغريبة تخالف مذهب الإمام محمد عبد الوهاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكأن شذوذه الفقهي قاده إلى الشذوذ العقدي

وأريد من أخواني وزملائي إذا كانوا من عشاق معرفة حقيقة أبي الخطاب أن يهتموا ببحوث الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في علم الرجال ، وفي علم أصول الفقه ، وفي علم

ص: 68

الكلام ، وفي تفسير القرآن الكريم مع ملاحظة أننا في المعاهد بسب جهلنا المطلق

بشخصية الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، وغربتنا عن كتبه وتراثه ، وعدم إدراكنا لمنهجه في علم الرجال ، وبعد طريقتنا في علم الرجال عن طريق الشيخ الطوسي ، قد نواجه صعوبة في هضم بحوثه وفي إدراك منهجه في مجال علم الرجال ، فكتابه (رجال الطوسي) أو كتابه (فهرست الطوسي) أو كتابه ( المنتخب من رجال الكشي ليست كتباً بسيطة يمكن لطالب علم في معاهدنا العلمية السلفية أن يتناوله بسرعة ، فيقرأ صفحة هنا وصفحة هناك ثم يظن أن قد فهم كلّ معالم منهج الشيخ الطوسي ، وأرى أنّ طالب العلم في معاهدنا ، إذا أراد فهم منهج الشيخ الطوسي في علم الرجال ، لابد له من دراسة كتبه غير الرجالية كدراسة كتابه التبيان في تفسير القرآن ، ودراسة كتابه عدّة الأصول في مجال أصول الفقه ، وكتبه في مجال علم الكلام ككتابه الغيبة : في غيبة الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ، وكتبه الحديثية ككتابه تهذيب الأحكام ، وكتابه الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ومراجعة كتبه الفقهية ككتابه العظيم الخلاف فى الأحكام ، وكتابه الفريد المبسوط ، وكتاب النهاية في مجرد الفقه والفتوى ، كما أن نصيحتي لطالب العلم في معاهدنا السلفية بمراجعة مباحث الشيخ الطوسي حول علم أصول الفقه بشكل خاص ، فهو في كتابه العظيم عدة الأصول في علم أصول الفقه قد رسم صورة لمنهجه المختار في علم الرجال

ومن هنا عندما يتحدث الشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه عن أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطّاب ، فهو يتحدث عن خبرة كاملة بفكرهم وكتبهم ، وسوف نلمس ذلك في ثنايا بحوث هذا الكتاب

ولم تكن سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، إلّا إستمراراً لسفينة أهل التوحيد ومعرفة الله كما رسمها الله - جل ثناؤه - في القرآن الكريم ، ولم يكن موكب الشرك من أصحاب أبى الخطاب إلّا تكراراً لموكب الشرك كما بينه الله – جل ثناؤه - في كتابه العظيم

والزعم بأنّ سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام غير سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله كما رسمها الله - جل ثناؤه – في القرآن الكريم خطأ هكذا الزعم بأنّ

ص: 69

موكب الشرك من أصحاب أبي الخطاب غير موكب الشرك كما بيّنه الله – جل ثناؤه – في كتابه العظيم خطأ ، إنّه خطأ وخطيئة يقع فيها كثير من الناس

وذكر سفينة التوحيد وموكب الشرك في القرآن الكريم هو كمثل سوف يكون له أمثال في عصر ومصر ، وسوف نرى صور من هذا المثل واقعاً حيا نلمسه ونراه ، والقرآن يجري كما تجري الشمس والقمر على حدّ تعبير الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وفي القرآن الكريم بيان كامل لقواعد التوحيد ومعرفة الله ، ورسم صورة تامة رائعة عن

سفينة التوحيد ومعرفة الله ، وكلّ مسلم موحد يشعر أنّه من المسافرين في تلك السفينة يجلس مع آدم وموسى وعيسى وغيرهم من رواد تلك السفينة ، أمّا المشركون في عصرنا فهم مع موكب الشرك ومعهم في هذا الموكب قابيل وبلعم وفرعون وقارون وهامان والسامري

وولاء الموحد العاطفي يمتد حتى يتجاوز حدود أمته وعصره وبلده ويشمل كل الموحدين من أدم إلى آخر موحد في هذا الوجود ، وهكذا ولاء المشرك يمتد حتى يتجاوز أمته وعصره وبلده ويشمل كل المشركين من قابيل إلى آخر مشرك في هذا الوجود

ومن هنا نجد المسيحي المشرك يتعاطف مع المجوسي المشرك ، وتجد الغرب المسيحي المشرك يقف جنباً إلى جنب مع مشايخ الخطابية في هذا العصر ، ومن هذا المنطلق فولائي العاطفي كان لأهل سفينة التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما أنني اكره كراهية شديدة موكب الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وفي هذا الكتاب سيجد طالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء بأنّني اتقرب إلى الله من خلال دفاعي عن سفينة التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، واتقرب إلى الله من خلال هدم قواعد موكب الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، والمعركة بين أهل التوحيد ومعرفة الله وأهل الشرك سوف تستمر إلى يوم القيامة ؛ لأجل ذلك كان أكبر خطأ لدى الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ولدى غلاة السلفية من زملائي في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء أننا كنا نخلط بين سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وموكب الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، مع أننا لا يمكن أن نخلط

ص: 70

بين أهل التوحيد ومعرفة الله كما رسمها الله - جل ثناؤه - في القرآن الكريم ، وبين موكب الشرك كما بيّنه الله - جل ثناؤه – في كتابه العظيم .

ورحلتي من منطقة الدرعية في مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية كانت بداية لفهم جديد للفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهناك في مدينة قم العلمية سوف يتبين لي بالدليل والبرهان كيف أن كتاب تبديد الظلام الذي توزع علينا في صنعاء والرياض لم يميّز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وفي الحقيقة هنا وجدت كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان يعاني من مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهذا البحث هو ردّ على كتابه حول شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول شخصية أبي الخطاب ، وحول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأصحاب أبي الخطاب

ونحن في الطريق من الدرعية إلى قم نحتاج في طول الطريق إلى معرفة هرم مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ من أجل أن نتمكّن من التمييز بين شخصية أبي الخطّاب ، وشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن أجل أن نستطيع الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب ؛ وحتّى نتحرر من تقليد الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، بعد أن انتهينا من هذا التمهيد للمرحلة الأولى في دراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأصحاب أبى الخطاب حان الوقت للدخول في بيان هذه المرحلة الأولى

المرحلة الأولى : مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

هنا في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، سوف يعرف طالب العلم في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء كيف كانت تخلط معاهدنا بين الخصائص والسمات والصفات المختصة بأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والخصائص والسمات والصفات

ص: 71

المختصة بأصحاب أبي الخطاب ، وقد جرّهم هذا الخلط إلى أنهم نسبوا كل خصائص أصحاب أبي الخطاب إلى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكانت النتيجة لهذه النسبة الخاطئة أنّنا كنا في المعاهد العلمية السلفية نكفّر أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك لابد لطالب العلم السلفي من مراجعة مرحلة المعرفة الإنتسابية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي طرحنا فيها ما نسب وكذب وافتري على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خصائص يتصف بها أصحاب أبي الخطاب ، وعمل معاهدنا يشبه عمل الذين نسبوا سمات وخصائص وصفات المدعين للنبوة - من أمثال مسيلمة الكذاب والأسود العنسي - إلى سمات وصفات وخصائص الأنبياء والرسل ، وكانت النتيجة أنّهم كفروا بعيسى وموسى ومحمد - عليهم الصلاة والسلام جميعاً وبكل الانبياء .

وسوف ندرس في هذه المرحلة أسباب وعوامل خطأ غلاة السلفية من معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب أو بتعبير آخر : أسباب وعوامل مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا.

وكانت مشكلتي الكبرى حين كنت في مدينة الرياض هي أنني لم يتبين لي الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، بل كانت مشكلتي الأساسية بأنّني لم أدرك الفرق بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب

وأصارح أخواني من السلفيين أن صاحب كتاب تبديد الظلام الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان هو الذي لبّس عليَّ في أمر عدم تمييزي بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب ، وفي أمر عدم تفريقي بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبى الخطاب

والآن بعد مسيرة طويلة من التحقيق في كتب علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنظر إلى كثير من زملائي في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء فأجدهم ما زالوا يعتمدون على كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان

إنني اتمنى من زملائي أن يتأملوا في كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان وسوف يتأكد لهم أنّه ينسب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى أبي الخطاب ، وينسب أصحاب أبي الخطاب إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهذه هي طريقة المستشرقين الذين ينسبون أصحاب المنافق الكبير عبد الله بن أبي إلى رسول الله وينسبون أصحاب رسول الله إلى عبد الله بن أبي

ص: 72

؛ لأنَّهم لا يميزون بين أصحاب رسول الله وأصحاب عبد الله بن أبي ، ولا يدركون الفرق بين رسول الله وعبد الله بن أبي ، ويرون بأن رسول الله كان دجالاً ادعى النبوة

في عقيدتي أنّ الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام لم يفصل بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب، وكانت نظرته إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام كنظرة المستشرقين المتعصبين إلى رسول الله ، وإذا لم يفصل بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب فكيف يمكنه أن يميّز بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

ولابد لزملائي السلفيين من التريث قليلاً والتوقف مؤقتاً في مرحلة المعرفة الانتسابية من أجل استكمال معرفتهم للفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، فهذه المرحلة هي أهم مرحلة من مراحل معرفة الفرق بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب ، و معرفة الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وإذا لم نميز بينهم في هذه المرحلة فسوف نخلط بينهم في المرحلتين الأخيرتين

والوقع بأنّ طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية لن يتحرر من مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب إلا إذا عرف أسباب وقوع معاهدنا في مشكلة الخلط ، وهذه هي الأسباب بصورة مختصرة :

السبب الأول : طريقة الكتب التي يتم توزيعها في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء لموضوع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولموضوع أصحاب أبي الخطاب المبنية على نهج كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومع أبي الخطاب ، وفي التعامل مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومع أصحاب أبي الخطاب.

السبب الثاني : التعميم في إصدار الحكم فتجد أننا نصدر حكماً عاماً حول الذين كانوا يتوجدون في مجلس الإمام جعفر الصادق علیه السلام من دون أن نلتفت بأن مجلس الإمام الصادق علیه السلام كان عاماً يشارك فيه أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، كما كان مجلس رسول الله - ص- عاماً يشارك فيه أصحاب رسول الله وأصحاب المنافق عبد الله بن أبي

السبب الثالث : الخطأ في دراسة الروايات التاريخية - في كتب علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - التي تتحدث عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والخطأ في دراسة الروايات التاريخية التى تتحدث عن أصحاب أبي الخطاب

السبب الرابع : طريقة طرح كتاب تبديد الظلام للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان – المعتمد عليه لدى معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء في معرفة أصحاب أبي الخطاب وفي معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ودراسة

ص: 73

شخصية أبي الخطاب ، وطريقة طرح الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان لقضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، حيث أنّه يتصوّر بأنّ كلّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على منهج أصحاب أبي الخطاب الذين ينفون التوحيد ومعرفة الله ويقولون بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام فيه طبيعة إلهية ، وكان الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان - رضوان الله عليه – لا يرى جواز أن تطلق كلمة الصادق علیه السلام على الإمام جعفر ، وكنا في معهدنا لانرى أنه يجوز وصفه بالصادق علیه السلام ؛ لأنّ الشكوك تحوم حوله ! .

وقلنا : بأنّ هذه المشكلة تمثل في الحقيقة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ، وذكرنا أن المرحلة الأولى تُمثل رأس الهرم ؛ لأن الخطأ في هذه المرحلة سوف يؤدّي بشكل حتمي إلى سراية الخطأ المرحلة الثانية، أي مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ، وإلى المرحلة الثالثة، أي مرحلة المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء وبالتالي سوف يؤدي الخطأ في المرحلة الأولى إلى عدم إدراك الحقائق العشر لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب والتي سوف ندرسها في المرحلتين الثانية والثالثة، وإلى عدم إدراك خصائص مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعدم إدراك خصائص مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب في رأس الهرم سوف يقود إلى عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب في وسط الهرم وإلى عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب في قعر الهرم .

إذن، فكل الأخطاء التي وقعت في أجزاء وطبقات هرم مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب الخطاب إنما كانت منبثقة ومتولّدة من الخطأ في معرفة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومن

ص: 74

الخطأ في معرفة أهل الشرك من أصحاب الخطاب في رأس الهرم، أي الخطأ في المرحلة الأولى.

* *

ويجب الآن أن اتحدث عن السبب الذي جعل مثل صاحب كتاب تبديد الظلام يشن حملة على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويصرح بأنّه لا يجوز أن يوصف بالصادق علیه السلام ، ثم يشوه صورة على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان صاحب كتاب تبديد الظلام من الذين رأوا أنّ الكتب الرجالية والكلامية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله عليهما - ذكرت بعض المحاسن حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم يتحملوا ذكر محاسن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، واعتبروها دفاعاً على كلّ أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، وأثناء حماسهم في الهجوم عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ضد تلك المحاسن التي كان ينبغي أن يبحثوا عن مدى صحتها قبل إنكارها ، لكنهم أنكروا الكثير من المسلمات التاريخية المرتبطة بمحاسن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ ردة الفعل عندهم جعلتهم يخرجون من الحالة العقلية المنطقية إلى الحالة الانفعالية العاطفية ، فواجهوا تلك المحاسن الثابتة لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام باتهامات لهم تولّدت أثناء حماسة الرد على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهكذا ولدت حركة ردة الفعل عندهم خلطاً وتخليطاً خطيراً بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، حتى صار عندهم من يذكر محاسن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كأنّما يذكر محاسن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وكانت النتيجة أن وجد لديهم الشك والتشكيك في الكتب الرجالية والكلامية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله عليهما بالرغم من علمهم بتخصصهما في معرفة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي معرفة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ومن المؤسف أن تجد في كتبنا التي توزع في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء كتباً تؤمن بأن أبا الخطاب وأصحابه من أهل الشرك كانوا من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، مثل كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، وقد كنا في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء نقلّد ما جاء في كتابه تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، مع أنه من دون شك بأن أبا

ص: 75

الخطاب وأصحابه من أهل الشرك كانوا ضد الإمام جعفر الصادق علیه السلام وضد أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونسبوا إليهم ما ليس فيهم ، لكنني أرى بأنّ صاحب تبديد الظلام فيه سذاجه جعلته يحكم بأن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - الذين اندسوا في صفوف البسطاء من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وظهروا بمظهر المدافع عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وألصقوا أنفسهم في صفوف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام - هم من أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم يلتفت صاحب كتاب تبديد الظلام بأنّ أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب الذين نسبوا أنفسهم إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانوا ليلاً ونهاراً يتهمون أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنواع التهم ، وكتبوا كتباً في نقدهم وتشويه سمعتهم ، وكانوا يسعون إلى تحقيق أهداف خطيرة من خلال تبني شعار الدفاع عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام والدفاع عن المخلصين من أصحابه ؛ لأنّهم من خلال تغلغلهم في صفوف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ينسبون إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام شركيات أبي الخطاب وأصحابه ثم ينشرون هذه الشركيات التي تدعو إلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام بلسان نفس الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو بلسان أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وفي الحقيقة أنّ بعض غلاة السلفية وفي مقدمتهم صاحب كتاب تبديد الظلام طالما تحدثوا عن الشرك عند أبي الخطاب وعند أصحاب أبي الخطاب ويذكرون شركيات ووثنيات الخطابية ويذكرون عقيدة أبي الخطاب في تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتلاعبه في القرآن الكريم ، ولكن تجدهم يعادون أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين ببركتهم فشلت المؤمرة الكبرى من أبي الخطاب ضد التوحيد وأهل التوحيد ، ولو كان مشروع أبي الخطاب لكنَّا اليوم نعبد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لأن سبب عبادة النصارى لعيسى بن مريم هو نجاح مشروع بولس النصارى ، ولا يوجد أي فرق بين مشروع بولس ومشروع أبي الخطاب ، ولكن نجد غلاة السلفية يكفرون أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أنَّ كلَّ منصفٍ يعلم بأنّه بفضل جهودهم وجهادهم فشل مشروع أبي الخطاب وانتصر التوحيد على الشرك

وهنالك جريمة أخرى قام بها صاحب تبديد الظلام وهي جريمة تشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والقول بأنّه لا فرق بينهم وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب، وتصوير أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كأنّهم كلّهم على شاكلة أبي الخطاب ومن نمط أصحاب أبي الخطاب ومن السائرين في طريق الشرك والمشركين ، وفي الحقيقة بأن صاحب تبديد الظلام خدم مشروع أبي

ص: 76

الخطاب وأصحاب أبي الخطاب ، وخدم مشايخ الخطّابية في هذا العصر ؛ لأنّ من أعظم مآربهم الخبيثة تشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، تماماً كما رأينا في تأريخ بولس - الذي هو النسخة الخطابية عند المسيحية – كيف بذل كل جهده في سبيل تشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب عيسى بن مريم ؛ لأنّ بُولس كان يدرك بأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب عيسى بن مريم هم الخطر الكبير الذي يهدد مشروعه الذي يقوم على أساس هدم التوحيد ومعرفة الله وهدم التثليث والشرك بالله ، وقصة أبي الخطاب مع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، هي نفس قصة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب عيسى بن مريم ، ولو أن إبراهيم الجبهان أدرك هذه القضية لكان من أعظم المدافعين عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وليته كان تعمّق في فهم الكتب الرجالية لإمام مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عصره الشيخ محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه - ، وليته كان فهم الخطة الفريدة لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - في كتبهما المتخصصة في علم الرجال التي وضعاها في مواجهة الشرك والمشركين من القائلين بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكن الناس أعداء ما جهلوا ؛ لأجل ذلك تجد أنّ إبرهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام قدم خدمة مجانية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّه فرّغ حياته كلها في سبيل تشويه صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتجده يهجم على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الدعاة إلى الله وإلى توحيد الله ومن العارفين بالله ، وخلط في هجومه بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ویکون مثله مثل من يخلط بين السابقين الأولين من أصحاب رسول الله وبين أصحاب زعيم المنافقين عبد الله بن ابي ، وخلط بين روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عصرنا وروايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ودافع دفاعاً مستميتاً عن أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب ؛ لأنه حين جعلهم في مستوى مع أهل واحد التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهذا يعد بذاته أكبر دفاع عن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

من هنا فنصحيتي لطلاب العلم في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء أن يدركوا بأن القرآن الكريم لم يحذِّر من شيء كما حذر من خطور الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله وأهل الشرك ؛ لأنّ الخلط بينهم يقود إلى هدم التوحيد الذي هو مشروع الله – جل ثناؤه – في

ص: 77

هذه الأرض ويؤدّي إلى الخروج عن الخطة الإلهية التي رسمها الله جل ثناؤه – في القرآن الكريم ؛ لأجل ذلك لم يهتم القرآن الكريم بأمر كما اهتم بقضية رسم معالم التوحيد و بيان مسالك الشرك ، ولكن نجد أنّ كتاب تبديد الظلام خالف منهج القرآن الذي يفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله وأهل الشرك حين لم تفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهذا هو الأمر الذي جعلني افضل كتب إمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - في مجال علم الرجال على كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ؛ لأنّ كتب إمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله عليهما - تؤكّد على ضرورة الفصل بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وأهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا المنهج الذي اتبعه إمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما يوافق منهج القرآن الكريم في قضية الفصل بين أهل الشرك وأهل التوحيد ومعرفة الله ، فنجد أن كتاب الله - جل ثناؤه - من أول سورة فيه إلى آخر سورة يرسم طريقين ، طريق أهل التوحيد ومعرفة الله وهو طريق الملائكة والرسل والأنبياء والأوصاء والشهداء والأولياء والصالحين ، وطريق الشرك والمشركين من عبدة الأصنام ومن النصارى الذين اتخذوا المسيح إلها.

ومن هنا – إمتثالاً لمنهج الله في كتابه الكريم الذي هو في الحقيقة الكتاب الذي يبيّن الصراع بين أهل التوحيد وأهل الشرك - جعلنا كل هذا الكتاب يدور حول أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما بين ذلك إمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - في تراثهما العظيم في مجال علم الرجال وعلم الكلام وعلم أصول الفقه ، وفي مجال الفقه ، وفي مجال تفسير القرآن الكريم ، إذ يعدّ كتاب الإمام الطوسي التبيان في تفسير القرآن أعظم كتاب في تفسير القرآن في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومنذ اليوم الأول من وصولي إلى مدينة قم العلمية شرعت بدراسة كلّ تراث الشيخ محمد بن الحسن الطوسي وتراث الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي وهكذا تبين لطالب العلم في معاهدنا العلمي السلفية بأن المرحلة الأولى هي مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي خطاب إمتثالاً لقول الله - جل ثناؤه -

ص: 78

" ولا تلبسوا الحق بالباطل " [سورة البقرة : من الآية .42] ، وتبيّن لطالب العلم في معاهدنا السلفية بأنَّ أوّل ما يجب عليه مراعاته والالتزام إذا يريد أن يكتب عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويريد أن يكتب عن أصحاب أبي الخطاب أن لا يقع في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، كما وقعنا في هذه المشكلة في معاهدنا العلمية السلفية في صنعا و الرياض، ومن أجل أن يتجنب طالب العلم السلفي التقي جريمة التشويه الحقائق وخصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لابد أن يبدأ قبل الكتابة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وقبل الكتابة عن أصحاب أبي الخطاب بملاحظة هذه المرحلة، ففي هذه المرحلة الهامة والضرورية سوف يدرك أنّه يوجد جفوة أصيلة ومفارقة عميقة بين حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم وبين مشخصات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بين هذه الحقائق والخصائص القرآنية العظيمة التي هي من سمات أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين تلك الصفات الهجينة والمبتذلة لأهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، بين العقيدة الإلهية الإسلامية القرآنية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتلك الأساطير البشرية الجاهلية عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وفي هذه المرحلة الأولى الهامة سوف نتعرف على النتائج الخطيرة التي نشأت من مشكلة الخلط بين الفكر الإسلامي القرآني لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والفكر الجاهلي لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكان لهذا الخلط الأثر الكبير على معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض ، حيث نسبنا لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أموراً غريبةً غرابةً تامةً عنهم وعن وخصائصهم وحيث قمنا بالمساواة بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّنا اعتقدنا بعدم وجود أي فرق بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ولعله مما يحتم الالتزام بهذا المنهج السليم - الذي طرحناه في هذا الكتاب – وجود هذه المرحلة الهامة التي لا بد لنا من إدراكها ، وعدم إدراك طلاب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء و الرياض لهذه المرحلة هو الذي جعلهم ينسبون كل ما سمعوه من مخلفات الجاهلية ومن شطحات الباطنية الصادرة من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان لعدم ادراكهم لهذه المرحلة

ص: 79

الأثر في أن يعرضوا حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم عرضاً مشوهاً مضطرباً .

وإنّني على يقين بأنّ حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم لن تدرك كما هي في صفائها ونقائها إلا عند الالتفات إلى هذه المرحلة الأُولى الهامة والأساسية وهكذا أجد نفسي على يقين بأنّنا في معاهدنا العلمية السلفية لن نترك بدعة المساواة بين الحكم على أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب والحكم على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلا إذا تركنا طريقة إبراهيم الجبهان وشرعنا نبحث ونتأمل في طريقة الإمام الشيخ الطوسي وطريقة الإمام الشيخ النجاشي - رضوان الله عليهما – كما رسماها في كتبهما الرجالية ، بل رسماها في كل تراثهما العظيم ونحن في هذا الكتاب أطلقنا عليها مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّه لا بد لنا قبل أن نشرع في دراسة حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم أن نميز بين ما هو من صميم أئمة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وما هو من صميم أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وعدم التمييز بين هؤلاء وبين أولئك جعلنا في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض ننسب لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الاساطير والخرافات و الجرائم المتعلقة بأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وفي هذه المرحلة سوف نفصل الأُمور التي نُسبت إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهي في حقيقة الأمر من نصيب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ومن ثُمّ فهي مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ولما كانت حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم مستمدة من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة - التي لا تخالف كتاب الله - ، فلا بد أن تتباين وتنفصل عن المقالات المنحرفة والشطحات الباطنية الغنوصية المستمدة من الجاهلية والتي صدرت من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وأرى بأنَّه لن يتم تصحيح دراسات معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض عن حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم إلا في اليوم الذي نتحرر من مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وفي اليوم الذي نتحرر من منهج غلاة السلفية في دراسة تراجم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة تراجم أصحاب أبي الخطاب

ص: 80

وفي هذه المرحلة قمنا في البداية بتوضيح وتبيين مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، عند معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء و الرياض ، وبعد أن انتهينا من تبيينها وتوضيحها قمنا بدراسة علمية للأسباب والعوامل التي كانت وراء ايجاد هذه المشكلة لدى معاهدنا العلمية السلفية.

ولا بد هنا أن ننبه إلى أنّنا سنذكر أقوال كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة الذين طالبوا بضرورة التحرر من هذه المشكلة ، ودافعوا عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وانتقدوا الذين ما زالوا يخلطون بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وقبل استكمال الحديث عن هذه المرحلة لا بد من التحدّث عن حقيقة حتمية في هذا المنهج الذي رسمناه لأجل طالب العلم -السلفي - وهي: أنّ هذا المنهج ينقسم إلى ثلاث مراحل – كما أشرنا إلى ذلك ، ولقد سارت هذه المراحل الثلاث بطريقة خاصة وترتيب معين ، ولا بد من الالتزام بتلك الطريقة وهذا الترتيب دون أدنى تغيير أو تحوير.

وأنا على يقين وجزم بأنّ عدم الالتزام بذلك سوف يفقد هذا المنهج مقوماته الاساسية وهدفه الهام ، وهو تصحيح دراسات معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتصحيح طريقة دراستنا لأصحاب أبي الخطاب، وتبيين الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ من أجل أن نتحرر من إتهام أهل التوحيد ومعرفة الله بالشرك ؛ ومن أجل أن نتحرر من منهج غلاة السلفية في دراسة قضية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ونحن على يقين بأنّه لن تخلّص كتابات معاهدنا العلمية السلفية عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من التشويه والانحراف والمسخ إلا حين تلتزم بهذا المنهج ولن نترك إتهام أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب جعفر الصادق علیه السلام بالشرك إلا إذا فصلنا بينهم وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وحين نلقي صورة مجملة لأسباب نجاح علماء السلفية المعتدلة الصحيحة ، في دراسة الحقائق القرآنية العشر لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي دراسة الخصائص القرآنية الست لأهل التوحيد ومعرفة الله ، وكذلك نلقي صورة مجملة لأسباب نجاح علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في معرفة الفرق بين رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لهذه الحقائق القرآنية العشر ولتلك الخصائص القرآنية الست ،

ص: 81

وبين رؤية أهل الشرك لتلك الحقائق القرآنية العشر ولهذه الخصائص القرآنية الست ، وكذلك حين نلقي نظرة مختصرة لأسباب نجاح علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في معرفة السمات والصفات التي يتصف بها ويتميز من خلالها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ سوف يتبين لنا أنّ العامل الأول في نجاحهم هو أنّهم لم يقعوا في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

إنّ هذه المرحلة - أي مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب – هي مرحلة هامة وضرورية ؛ لأنّه من خلال تصحيح خطأ معاهدنا في المعاهد العلمية السلفية في والرياض في هذه المرحلة سوف يتم تصحيح أخطاء معاهدنا العلمية السلفية في تفسير الحقائق القرآنية العشر لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، وسندرس هذه الحقائق القرآنية العشر في المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة من مراحل هذه المشكلة الخطيرة ، وسوف نبيّن لطالب العلم السلفي خطأ معاهدنا في إتهامهم لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالشرك وبالتالي تكون دراساتهم قائمة على منهج واقعي ونظام علمي ، ولما كان كبار المحققين من علماء السلفية المعتدلة الصحيحة من القدماء والمعاصرين قد ادركوا خطورة الخطأ فى معرفة هذه المرحلة ، نجدهم فسروا حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم بصورة مباينة لتفسير معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض، وأعلنوا رفضهم لتفسير معاهدنا العلمية السلفية لتلك الحقائق وهذه الخصائص، وقرروا موازين علمية يجب أن نرجع إليها نحن في معاهدنا قبل الشروع بتفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، ومن ثُمَّ لم يكن بد من دراسة هذه المرحلة الهامة كي لا تقع معاهدنا العلمية السلفية فى مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب التي انبثق عنها ونتج منها بدعة إتهامنا لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهذه بدعة كبرى ؛ لأنّ من أعظم الأمور التي تغضب الله - جل ثناؤه – أن نتهم الموحدين له والعارفين به بالشرك

ولا يمكن لزملائي من مشايخ و علماء معاهدنا العلمية السلفية أن يدركوا حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم إلا عند التأمل الكامل في خطورة الخطأ في هذه المرحلة ، ومن ثُمَّ فنحن لا نبغي من زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية

ص: 82

في صنعاء و الرياض مجرد القراءة السطحية الساذجة لهذه المرحلة القراءة التي لا تغوص في المعاني والافكار، إنما نحن نبتغي منهم القراءة المتأملة العميقة التي تدرك الهدف من كتابة هذه المرحلة ، ونبتغي استجاشة ضمير زملائي لقراءة هذه المرحلة ؛ لأنّه تولّد من هذه المرحلة كل الاخطاء التي ارتكبوها في تفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم و تولّد من الخطأ في هذه المرحلة تلك البدعة الخطيرة .. بدعة إتهام العارفين بالله من الموحدين بأنّهم من أهل الشرك ومن المشركين.

نبتغي من كتابة هذه المرحلة الهامة أن يعود زملائي في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض إلى المنهج السليم والصحيح في دراسة حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم الذي ينهجه السلفيون المعتدلون ، وهذا المنهج الصحيح هو الذي يريده الله وتفرضه الأمانة الدينية وهو المنهج الوحيد الذي يعالجهم من بدعة الإيمان المساواة بين أهل التوحيد وأهل الشرك وبعدم وجود فرق بين أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من الغارقين في ظلمات الشرك والسائرين على نهج بولس في تأليه عيسى بن مريم من الذين باعوا عقيدة التوحيد ومعرفة الله ، ومن دعاة الشرك الذين يدعوننا إلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعبادته والقول بربوبيته فصاروا على نهج كل المشركين الذين بعث الله الأنبياء والرسل وأنزل الكتب لمواجهة شركهم وقولهم بألوهية غير الله .

ولا يخفى على زملائي من مشايخ معاهدنا العلمية في الرياض و صنعاء أنني لما كنت في معهد صنعاء العلمي وكنت في الرياض لم نكن نعرف مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ولم نكن نعرف الفرق بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي يقوم على أساس التوحيد ومعرفة الله ومذهب أبي الخطاب الذي يقوم على أساس الشرك بالله وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك كنت لا أميز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وبالتالي كفرت الذين كانوا يفصلون بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ و كان نتيجة حتمية لعدم إدراكي لهذه المشكلة ، لأنني اعتمدت على كتابات معاصرة حول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أصحاب أبي الخطاب كتبت على منهج كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان الذي كان من غلاة السلفية ، ولم اعتمد على كتابات قديمة حول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أصحاب أبي الخطاب ككتاب رجال الطوسي وفهرست الطوسي وكتاب المنتخب من رجال الكشي ، وكتاب رجال النجاشي لإمامي علم الرجال في

ص: 83

مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ، ونحن نعلم بأنَّ الإمام الشيخ العظيم النجاشي ، والإمام الشيخ العظيم الطوسي - رضوان الله عليهما – فرّغا كلّ وقتهما وكل حياتهما في دراسة تراجم وروايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة حياة وروايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ومن ثُمَّ فنحن سوف نجعل هذه المشكلة الخطيرة في رأس هرم مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، الذي رسمناه في هذا الكتاب.

لقد كنت – قبل أن أصحو من غفلتي عن هذه المشكلة الهامة والخطيرة – أنسب لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التصورات الخطابية الباطنية الغنوصية الوثنية التي هي في الأصل لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وأنسب إليهم الجرائم الفكرية الرهيبة ، وأنسب إليهم الإنحرافات التي وقعت في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأنسب إليهم كل مجوسيات وشركيات أبي الخطاب وأصحابه وما في أفكاره من لوثة وثنية باطنية تقوم على تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكنت على إيمان جازم وقاطع بأنّه لا فرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وسبب ذلك إعتمادي على الكتابات المختصرة حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب المعتمدة في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض والتي كتبها غلاة السلفية ككتاب تبديد أهل الظلام ولم تكتب من قبل علماء السلفية المعتدلة الصحيحة وبالتالي كنت أساوي بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وأرى أنّهم كلّهم من المشركين الذين يعتقدون بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل كنت بسبب كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان أساوي بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين شخصية أبي الخطاب وأساوي بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، من دون تمييز بين المشركين من الخطابيين والموحدين من الجعفريين ؛ لأنني منذ دراستي في المعهد العلمي السلفي في صنعاء تبنيت منهج غلاة السلفية في التعامل مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي التعامل مع أصحاب أبي الخطاب

لقد كنت اتصوّر وجود صلة وعلاقة بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب ووجود علاقة وصداقة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبى الخطاب وما حدث ما بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب أنّما كان مجرد تمثيل أمام الناس ، وكانت طريقة

ص: 84

تناول شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتناول شخصية أبي الخطاب وتناول أصحاب هاتين الشخصيتين في كتاب تبديد الظلام الذي كان يوزع علينا في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء تقوم على أساس منهج غلاة السلفية في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة شخصية أبي الخطاب وفي دراسة أصحابهما وهذا المنهج المغالي السلفي جعلني وزملائي لا نفصل بين المشركين الخطابيين وبين الموحدين الجعفريين ؛ لأجل ذلك تجد طالب العلم في هذه المعاهد يحسب أنّ كل أنواع الكفر والشرك والفكر الباطني الغنوصي المجوسي الوثني الموجود عند أبي الخطاب وأصحابه توجد عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه ، لكنّ طالب العلم السلفي إذا قام بدراسة طويلة لقضية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه ، ولقضية أبي الخطاب وأصحابه وقام بقراءة الكتب الرجالية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهما بينا كيف تبرأ الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي الخطاب ومن أصحاب أبي الخطاب ومن الخطابية ومن شرك ووثنية وباطنية أبي الخطاب ، ومن تلاعب أبي الخطاب في القرآن الكريم ومن ومن غلوه في القول بتحريف القرآن ، ومن إباحته للمحرمات ومن إستهانته بالصلاة إصراره على إتهام زوجة رسول الله بالزنا حينئذ سوف يتبين لطالب العلم في معاهدنا السلفية الفرق الجوهري بين مفهوم الإمامة القرآنية عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه وبين مفهوم الإمامة القرآنية عند أبي الخطّاب وأصحابه ويتبين له الفرق الهائل بين تفسير القرآن الكريم عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه وبين تفسير القرآن الكريم عند أبي الخطاب وأصحابه وسوف يدرك الفرق الكبير بين موقف الإمام جعفر وأصحابه من أصحاب رسول الله – ص – وبين موقف أبي الخطاب وأصحابه من أصحاب رسول الله ، وسوف يدرك الفرق بين موقف الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه من أهل السنة والجماعة وبين موقف أبي الخطاب وأصحابه من أهل السنة والجماعة ويتبيّن له الفرق الهائل بين طريقة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه في طرح قضية السيرة النبوية وبين طريقة أبي الخطاب وأصحابه في دراسة قضية السيرة النبوية ، لقد كنا ننسب الأفكار الباطنية والشطحات المغالية إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه ، وكنت - ومعي زملائي - أحسب أنني مُصيبٌ في أفكاري ، وبعد أن أدركت هذه المشكلة اكتشفت الخلل المنهجي في معرفتي لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلمت أنّ الخطأ في فهم مرحلة المعرفة الانتسابية لهذه المشكلة يساوي الخلط بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب - كما خلط بينهما صاحب كتاب تبديد الظلام - ويساوي الخلط بين رسول الله - ص - ومسيلمة الكذاب ، ويساوي الخلط بين عيسى بن مريم – ع – وبين بولس ، ويساوي الخلط بين الإمام علي وبين عبد الله بن سبأ ، ويساوي الخلط بين

ص: 85

أصحاب رسول الله وأصحاب المنافق عبد الله بن ابي ، ويساوي الخلط بين المهاجرين والأنصار وبين المشركين ويساوي الخلط بين شهداء الصحابة في معركة بدر وبين قتلى المشركين، وبعد أن تم تصحيح طريقتي في فهم هذه المرحلة - مرحلة المعرفة الانتسابية – أصبحت أميز بين ما نُسب لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - وهو ليس منهم ، وعندئذٍ تغيّرت نظرتي إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه وتغيّرت نظرتي إلى أبي الخطاب وأصحابه وتركت تلك البدعة الخطيرة بدعة المساواة بين الموحدين من الدعاة إلى الله وعبادته وحده وبين المشركين من الدعاة إلى عبادة الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي الخطاب وأصحابه

في ذلك العهد – قبل فهم هذه المشكلة كنت أحسب أنّه لا فرق بين صفات وسمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين صفات وسمات أبى الخطاب ، ولا فرق بين صفات وسمات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وصفات وسمات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ويمكن لنا أن نطلق صفات وسمات أبى الخطاب على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونطلق صفات وسمات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبعد أن أدركت هذه المشكلة استيقنت أن تلك الصفات والسمات إنّما تنطبق على أبي الخطاب ولا يصح تطبيقها على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتنطبق على أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ولا يصح تطبيقها على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما كان لإدراك الخطأ في فهم هذه المشكلة ارتباطاً وثيقاً بتركي لمنهج معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء و الرياض في دراسة قضية شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي قضية دراسة شخصية أبى الخطاب ، وفى معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي معرفة أصحاب أبي الخطاب ، واقتناعي ، بصورة كلية وكاملة بعد أن تبين لي بأنّ معاهدنا العلمية تنهج منهج صاحب كتاب تبديد الظلام ، وغيره من غلاة السلفية في التعامل مع شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي التعامل مع شخصية أبي الخطاب ، وفي أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي التعامل مع أصحاب أبي الخطاب وأنّ نموذجها البارز في معرفة مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو كتاب تبديد الظلام، وكان لتصحيح الخطأ في ادراك هذه المشكلة أثر حاسم في تصحيح وتقويم نظرتي عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتصحيح نظرتي عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان له أثر حاسمٌ في استنقاذي من مشكلة الخلط بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين شخصية أبي الخطاب ، ومشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ التي جعلتني أنسب

ص: 86

للإمام جعفر الصادق علیه السلام سمات أبي الخطاب ، وجعلتني أنسب لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ما هو من نصيب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وفي استنقاذي من بدعة الخلط بين إمام التوحيد ومعرفة الله في عصره - أي الإمام جعفر الصادق علیه السلام - وبين إمام الشرك والمشركين في عصره – أي أبي الخطاب

ولا شك أن للبيئة الفكرية التي نشأت فيها صلةً كبيرة في تكوّن هذه المشكلة عندي ، فقد درست في المعاهد الدينية العلمية السلفية في مدينة صنعاء عاصمة اليمن التي كانت تنشر كتباً حول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أصحاب أبي الخطاب ، ألفها أُناس لا يدركون خطورة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ومن ثُمَّ فهم يخلطون بينهم وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب ، وينسبون الخرافات المجوسية والتصورات الجاهلية والتأويلات الباطنية الغنوصية إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، واثرت عليّ تلك الكتب تأثيراً قوياً

وبعد أن سكنت في الرياض تبيّن لي بأن معهد صنعاء العلمي السلفي نسخة مكررة من معهد الرياض العلمي السلفي ولا فرق بين المعهدين من حيث المنهج في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة قضية أصحاب أبي الخطاب من جهة تبني منهج غلاة السلفية في دراسة تلك القضية الخطيرة ، وهي تكتفي بتلك الكتب التي كتبت حسب منهج يخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ومنهج يرتكب بدعة كبيرة وخطيرة وهي بدعة إتهام أهل التوحيد من العارفين بالله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالشرك والمجوسية والوثنية ، ولم تكن تلك المعاهد العلمية السلفية تسمح بنشر الكتب التي تفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وترفض إتهام أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالشرك والمجوسية والباطنية والغنوصية ، من الكتب التي تعتمد على منهج يخالف منهج معاهدنا العلمية السلفية ، ويرى هذا المنهج المعتدل بأن معاهدنا العلمية السلفية تخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وينسبون المقالات الشركية المجوسية الباطنية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وبعد مرور فترة زمنية تهيأت لي الفرصة لقراءة الكتب الرجالية والأصوليه لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - ، ونحن نعلم أنّ الشيخ الطوسي كتب كتباً

ص: 87

كثيرة رجالية وأصوليه وفقهية وعقدية حول الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبى الخطاب ، وكانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي ؛ لأنني وجدت منهجية الإمامين الشيخ النجاشي الشيخ الطوسي - رضوان الله عليهما - كما رسماها في كتبهما الرجالية تختلف عن منهج معاهدنا العلمية السلفية اختلافاً جوهرياً، وتدرك خطورة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وتختلف عن منهج معاهدنا العلمية السلفية في دراسة حياة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعن منهج معاهدنا في دراسة حياة أصحاب أبي الخطاب ؛ لأن معاهدنا العلمية لا يوجد عندها أدنى تمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ من أجل ذلك أرى بأن طالب العلم السلفي القارئ في لكلّ الكتب التي توزع في معاهدنا السلفية عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو عن أصحاب أبي الخطاب لا يخرج إلى نتيجة معينة تعرفه على حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم .

ويرى كبار المحققين من علماء السلفية المعتدلة الصحيحة أنّ مشايخ معاهدنا العلمية السلفية حينما تبنوا منهج غلاة السلفية في معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة أصحاب أبي الخطاب جعلهم هذا الأمر لا يدركون خطورة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

من هنا ينبغي لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض أن يكون يقظاً في التفرقة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، هؤلاء الذين هاجمهم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحذروا مما يدسونه ، إذ كان من ديدن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب دس الشرك والدعوة إلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام في أصول وكتب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد فضحهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ثم فضحهم بعد ذلك المتخصصون في فهرست كتب أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، کفهرست الإمام العظيم النجاشي ورجال الكشي وفهرست الإمام الكبير الشيخ الطوسي - رضوان الله عليهم جميعاً - ، حيث ذكروا في فهارسهم كتب أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تمكّن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من دّس الشرك وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام فيها بلسان نفس الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد تبيّن لي بأنّ الإمام الشيخ النجاشي والإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليهما عالجا هذه المشكلة في كتبهما الرجالية

ص: 88

والكلامية والأصولية والفقهية والحديثية ، بل وجدت الشيخ الطوسي عالج هذه المشكلة في كتابه العظيم التبيان في تفسير القرآن ، ومن الأمور التي أكد عليها الإمام النجاشي والإمام الطوسي - رضوان الله عليهما - في تراثهما الرجالي العظيم كيف كان أبو الخطاب يدس الشرك والقول بربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كتب وفي أصول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وغرض أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إثبات أنّ الروايات الخطابية الوثنية الباطنية التي تدعوا إلى الشرك و تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام نقلها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كتبهم التي جمعوا فيها الروايات التي سمعوها من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد ذكرنا في بحث من بحوث هذا الكتاب بعض تلك الكتب التي تمكّن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من إضافة الشرك إليها .

ونحن نأسف بأنّه قام أحد غلاة السلفية من السائرين على منهج معاهدنا العلمية السلفية في السعودية واليمن في قضية كيفية التعامل مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهو إبراهيم الجبهان - فى كتاب تبديد الظلام - بمحاكمة علماء الرجال الكبار الذين نسفوا أبا الخطاب وأصحاب أبى الخطّاب كالكشي والإمام الشيخ النجاشي والإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليهم جميعا - ، وانتقدهم ، وانتقدهم ، ولو كان الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان عرف دور علماء الرجال في مواجهة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب لما حاكمهم وشكك فيهم .

وفي الحقيقة بأن صاحب وكتاب تبديد الظلام قدّم خدمة مجانية لأبي الخطاب ولأصحاب أبي الخطاب ، وقدّم خدمة كبرى لمشايخ الخطابية في القرن العشرين ، من خلال طعنه في علماء الرجال الذين تصدوا له ومنعوه من بدعته القائمة على تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأنا رأيت كلّ الكتب التي كانت توزع علينا المعاهد العلمية السلفية قد خلطت بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بعد أن بنهج غلاة السلفية في معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة أصحاب أبي الخطّاب.

وقد بذل الإمام محمد ابو زهرة المصري الأزهري - رحمه الله - جهوداً عظيمة مثمرة في تصحيح منهج معاهدنا العلمية السلفية في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبذل جهودا كبيرة في معالجة المصابين بمشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، أو بتعبير أدق : في معالجة المصابين بمشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لهذه المشكلة الخطيرة ، وقد طرح كلّ ذلك في كتابه القيم عن شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولكن لما كان مشايخ معاهدنا العلمية السلفية يخلطون بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك روّج مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض

ص: 89

و صنعاء بأن الإمام محمد ابا زهرة في كتابه عن شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام تأثر بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا لغو قبيح وتزوير شائن فالإمام محمد ابو زهرة هو من الأزهريين ومن كبار أئمة أهل السنة في هذا العصر ، وفي واقع الأمر أنّ منهج غلاة السلفية يقوم على أساس إتهام كبار أئمة أهل السنة بأنّهم تأثروا بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونحن نعجب من أخواني من غلاة السلفية أمّا أن تكون على منهج إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ، وإلا سوف تتهم بالتأثر بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وقد توسع الإمام الشيخ النجاشي والإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليهما – في تراثهما العظيم ، وفي كتبهما الرجالية في نقد أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وبيّا بأنّه ليس من أخلاق القرآن الكريم إلصاق شركيات أبي الخطاب ومذهب أبي الخطاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك تجد أهل الشرك من مشايخ الخطابية في عصرنا يكرهون الإمام الشيخ النجاشي ويكرهون الشيخ الإمام الطوسي رضوان الله عليهما - ويلعنونهما في مجالسهم الخاصة والعامة

وبدون شك بأن هذه المشكلة الخطيرة و سعت شقة الخلاف بين أتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه - وأتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأصبحت الفجوة كبيرة في النزاع بين هذين المذهبين الكبيرين المعروفين في العالم الإسلامي ، وكان لزيادة الفجوة على هذا النحو أثر سلبي على العلاقة الأخوية الموجودة بين أتباع هذين المذهبين.

وفي الحقيقة أننا وجدنا مشايخ المعاهد العلمية السلفية نسبوا عمل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فأحدثوا بذلك أثراً كاذباً في فهم الآخرين بدعاوي لا صحة لها ، مع أننا وجدنا بأنَّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام براء من تلك الدعاوي

وفي الحقيقة أنّ الذي لا يدرك مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب سوف ينسب لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ما ليس له صلة بهم ، وسوف يكون مثل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب الذين بسبب خصومتهم لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام نسبوا إليهم ما يعلمون وما لا يعلمون ولا يكتفي أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل خصومتهم لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بما يسمعون عنهم أو بما يرون من سيرتهم وإنما يضيفون إليهم أكثر مما قالوا وأكثر مما سمعوا، ثُمّ لا يكتفون بذلك بل يكذبون عليهم و ينسبون لهم

ص: 90

روايات في تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام يزعمون سماعهم لها من الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهم فوق ذلك كله واقفون لهم بالمرصاد يدسون في كتبهم عقيدة تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، يحصون عليهم كل ما يقولون ويفعلون، ويضيفون إليهم أكثر مما قالوا ومما فعلوا، ويحملون عليهم الأعاجيب من الأقوال والأفعال ثم يتقدم الزمان فيزداد الأمر تعقيداً وإشكالاً، ثم تختلط الأُمور بعد أن يبعد عهد الناس بعصر أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حتى جاء هذا العصر ورأينا مشايخ الخطابية ينقلون روايات تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ومثلنا الأعلى لتاريخ الصراع بين أهل التوحيد ومعرفة الله من الأنبياء والرسل وبين أهل الشرك من فرعون وهامان وقارون والنمرود هو ما ذكر القرآن الكريم ، وقد بيّن لنا الله - جل ثناؤه - في كتابه كيف أنّ أهل الشرك يجوزون الكذب على أهل التوحيد ومعرفة الله من الأنبياء والرسل ، واشهد الله بأنني رأيت الشبه بل المطابقة بين ما قرأته في القرآن حول الصراع بين أهل التوحيد ومعرفة الله من الأنبياء والرسل وأهل الشرك من السامري والسامريين ، وجدته من خلال تتبعي لتاريخ الصراع بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهذا أمر طبيعي ؛ لأنّ من طبيعة المشركين - في كل مكان وزمان - كراهية الموحدين ، وقد رأيت بنفسي من خلال تتبعي لعلم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّ أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وضعوا روايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام تذم أهل التوحيد ومعرفة من أصحابه ، وتمدح أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وغرضهم من ذلك ترويج أفكارهم المجوسية الشركية من خلال نقل روايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام تمدح أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وتطعن في أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أو تجدهم يضعون روايات تدل على تفضيل الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب على أهل التوحيد ومعرفة الله ، وحينما كنت مع مشايخ الخطابية في عصرنا كانوا يقولون لي بأنّ هذه الروايات التي تعلي من شأن أصحاب أبي الخطاب وتصغر من مقام أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بلسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أنّما تعلى من شأن أصحاب أبي الخطاب لأنهم كانوا أصحاب سر وأسرار الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فقلت لهم معنى ذلك أنّكم تريدون أن تقولوا أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان لا يثق في أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحابه ولا يخبرهم عن الأسرار ، وترون بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يثق بأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ولكن الحقيقة بأنكم لما وقعتم في الشرك بالله كان من الطبيعي أن تجعلوا عقائدكم الشركية والمجوسية من الأسرار ثم يقودكم حبكم للعقائد الخطابية

ص: 91

أن تتصوروا بأن الأحاديث التي وضعها أسلافكم في مدح المشركين من أصحاب أبي الخطاب هي أحاديث لا شك في سلامتها وصحتها ، ولكنكم لا تقبلون أي رواية من الإمام جعفر الصادق علیه السلام في لعن أبي الخطاب ولعن المشركين من أصحابه ، وقد جلست مع كبار مشائخ الخطابية في عصرنا ، وقالوا لي بأنّ كل الروايات المتواترة التي يلعن الإمام جعفر الصادق علیه السلام أبا الخطاب لا أساس لها من الصحة ؛ لأنّ أبا الخطاب عند مشايخ الخطابية من أصحاب الأسرار الذين كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يثق إلّا فيهم ، ورأيت أن مشايخ الخطابية في عصرنا يجعلون العقائد المجوسية والوثنية من أسرار الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي لم يبح بها إلا لأبي الخطاب ولأصحاب أبي الخطاب ، لكنه كتم هذه الأسرار المجوسية عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحابه ، وهذا كله من الأوهام التي توجد في عقول المشركين في كل زمان ومكان ، وقد كان المشركون في عهد رسول الله يرون بأن عقائدهم في الأصنام هي من الأسرار التي لم يدركها رسول الله

وقد ذكرنا - سابقاً - أن من كبار العلماء الذين أدركوا خطورة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب الشيخ محمد " أبو زهرة " ، وقد ذكر في كتابه حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام أمراً كنا غافلين عنها ، وعلى سبيل المثال أننا كنا في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض غافلين عن الطعن الذي وجهه الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأهل الشرك من أبي الخطاب وأصحابه ، وكان ذلك ثمرة طبيعية لمشكلة الخلط عندنا بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب الذين كانوا يتظاهرون بأنّهم من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، مع أنهم من الغارقين في الشرك والوثنية وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونحن نجد بأنّ الإمام أبا زهرة يرفض الذين ما زالوا يحاكمون الموحدين من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى الكتب المعتمدة عندنا في معاهدنا العلمية السلفية ، ولابد أن نحترم وجهة نظر الإمام محمد أبي زهر ، وبالتالي يجب أن نحاكم الكتب التي توزع في معاهدنا إلى الكتب المتخصصة في أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والكتب المتخصصة في أصحاب أبي الخطاب ونراجعها من جديد ، ونصيحتي لكلّ أخواني من السلفين بعد مراجعتهم لكتاب الإمام محمد أبي زهرة في ترجمة حياة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أن يشرعوا بعد ذلك إلى الإمام الشيخ العظيم النجاشي والإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليهما كتبهما الرجالية والأصولية والكلامية والفقهية وإلى كتاب الشيخ الطوسي التبيان في تفسير القرآن ، فهما فرّغا كلّ حياتهما لمعرفة الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ومنهجهما أفضل من منهج

ص: 92

صاحب كتاب تبديد الظلام، ورأيت الإمام محمد أبا زهرة المصري مدح الإمام الشيخ محمد ، - ومن مدح الطوسي لابد أن يمدح الإمام النجاشي إذ لافرق بين منهج الطوسي ومنهج النجاشي في كتابه الذي خصصه لدراسة حياة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبيّن بأنه كان يؤمن بالتقريب والوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية

والغريب أنه كان يقال لنا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض و صتعاء : إن الخلاف بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، مهما بدا في ظاهره كبيراً لا يخرج في أهم أوضاعه من حيز الاجتهاد المسموح به في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهذا الكلام يشبه كلام من يقول بأنّ الخلاف المذكور في القرآن الكريم بين دعاة التوحيد وعبادة الله من الرسل والأنبياء وبين دعاة الشرك من عبّاد الأصنام من الفراعنة هو خلاف لا يخرج من حيّز الاجتهاد المسموح به في دين الله !!

ومن كبار مفكري الذين أدركوا أنّ الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لدى غلاة السلفية في معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء ، العلامة الشيخ محمد الغزالي المصري - حفظه الله - حيث يرى بأن مشكلة الخلط بين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي إحدى المشكلات الرئيسية في فكر غلاة السلفية وقد عالج بعض نواحي هذه المشكلة في كتابه دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، وفي سائر كتبه ، وسوف نذكر كلامه في خاتمة هذ الكتاب ، ونذكر في خاتمة هذا الكتاب كل الكتاب سوء من الكتاب الأزهريين المصريين أو من كبار السلفيين المعتدلين من الذين يعتبرون أن منهج معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي دراسة قضية أصحاب أبي الخطاب قد قادهم إلى الخلط والتخليط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ومن ثم وقعوا في انحراف كبير في مرحلة المعرفة الانتسابية لهذه المشكلة الخطيرة

و من خلال دراستي وتدريسي في المعاهد العلمية السلفية تبيّن لي بأنّ الذين يخلطون بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لابد أن يقعوا فى بدعة تشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خلال زعمهم بأنّهم كانوا مخدوعين بأبي الخطاب ، بل كنا نعتقد بأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان متأثراً ومخدوعاً بأبى الخطاب ؛ لأنّنا تأثرنا بكتاب تبديد الظلام

ص: 93

لإبراهيم الجبهان ؛ و أنا حينما كنت في تلك المعاهد السلفية قادني الوهم وقلة التحقيق إلى الوقوع في أسر تلك المشكلة الخطيرة

ونحن نأسف كثيراً اننا وجدنا معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء تحارب فكرة الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، و يقولون بأن كلا الفريقين سوء فريق أهل التوحيد والموحدين أو فريق أهل الشرك والمشركين كلّهم من المجوسيين الوثنيين ، والغريب من هؤلاء أنهم يتجاهلون الخصومة والمعركة الكبرى الفكرية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وفي الحقيقة بأن عدم التمييز بينهم من البهتان العظيم ! ، والله المستعان على من يصر على عدم الفصل بينهم ، ويصر على الخلط بين مقام أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومقام أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، مع أنّه لا ينبغي لأي مسلم أن يصل بأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى مرتبة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام

وأنا حاولت في هذا الكتاب وفي مباحثي المسجّلة والمرئية دعوة غلاة السلفية إلى الرجوع لمنهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، كما حاولت أن أزيل الضجة التي خلقها غلاة السلفية بسبب مرضهم بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وحوارت الذين ما زالوا مصابين بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، من الذين ما يزالون يتهمون أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالشرك والمجوسية والوثنية وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وأردت - من خلال هذا الكتاب - تفهيم غلاة السلفيين أنّ المقالات و الجرائم التي ينسبوها لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي مقالات لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب الذين حاربهم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفضحوا مقالاتهم المشركة وكشفوا باطنيتهم وغنوصيتهم الوثنية ، وأردت أن ابيّن لهم أنّهم نسبوا تلك المقالات القبيحة وهذه المقالات الفضيعة إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنهم يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية لتلك المشكلة الخطيرة ، ومن ثُمَّ فلا غرابة أن يخلطوا بين حقائق و خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومقالات و شركيات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

ص: 94

وقد اضطريت إلى مهاجمة بعض المعاصرين من غلاة السلفية الذين تأثروا بمنهج القدير إبراهيم الجبهان في دراسة قضية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتجدهم يشككون في منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في التعامل مع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّهم كانوا العقبة الكبرى أمام ضلالات و شركيات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وهنا لابد من التنبيه من خطأ كان له دور في وقوع معاهدنا العلمية السلفية في مشكلة الخلط الخطيرة بين أهل الشرك وأهل التوحيد ، وهي أنّ كلّ من يعرف القرآن الكريم يعلم أنّ الله جل ثناؤه – فصل فصلا مطلقاً فصل فصلا مطلقاً بين أهل التوحيد ومعرفة الله من الأنبياء والرسل وبين أهل الشرك من فرعون وهامان والسامري.

ومن هنا سؤالي الأساسي لماذا خالفنا منهج القرآن القائم على الفصل بين أهل التوحيد وبين أهل الشرك ؟ ! .

وهناك مئات الأقوال لكبار علماء السلفية المعتدلة التي تحذر من مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية من مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لو ذكرناها لتضاعف حجم الكتاب ، وسوف نذكر بعض أقوالهم في خاتمة هذا الكتاب

وبعد أن بيّنا خطورة مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ يتضح لنا أنّه ليس هناك مشكلة اخترعها خصوم القرآن الكريم في سبيل ضرب المسلمين وهدم وحدتهم أعظم من مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وتأتي الخطورة الكبرى في هذه المشكلة أنها من المشكلات غير البارزة والظاهرة التي يمكن كشفها ومعرفتها لأول وهلة، بل هي مشكلة خفية استطاع خصوم القرآن الكريم - بطريقة ماكرة تظهر الخير وتبطن الشر- أن يزرعوها بين المسلمين من أجل تحطيم الوحدة الإسلامية المقدَّسة بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه - ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام -ع -

ومن ثُمّ وقعنا في حبال هذه المشكلة الخبيثة القبيحة لدى غلاة السلفية في معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء ، ولم يكتشف خباياها ومقاصدها الخطيرة إلا كبار علماء السلفية المعتدلين المحققين ، وبفضل جهود كبار علماء السلفى عن المعتدلين بدأت هذه المشكلة تنحصر في إطار جماعة قليلة مهددة بالانقراض

ص: 95

ونحب هنا أنّ ننبه إلى أننا رأينا معاهدنا العلمية السلفية المتأثرة بمنهج غلاة السلفية في أصحاب جعفر الصادق علیه السلام يتهمون العلامة المصري عبد الحليم الجندي بأنه تسامح أصحاب جعفر الصادق علیه السلام وهم لا يدركون أنّه يوجد عندهم مشكلة خلط بين أهل التوحيد

ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، أو مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لتلك المشكلة الخطيرة ، وحقيقة الأمر أن هنالك مشكلة خلط لدى غلاة السلفية فى معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء - بدون علمهم - بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وليست المشكلة ترجع إلى تسامح العلامة عبد الحليم الجندي مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ومن هنا كنا نرى أن العلامة عبد الحليم الجندي مصاب بمشكلة و كنا نبحث عن علل وجود هذه المشكلة عند عبد الحليم الجندي، ونحن لا ندرك أنه كان الأولى لنا أن نبحث عن علل مشكلة الخلط عندنا بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وأنّه ليس هناك مشكلة عند العلامة عبد الحليم الجندي، بل هي مشكلة خلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب أو مشكلة خطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لهذه المشكلة ، وسوف نذكر كلمات العلامة عبد الحليم الجندي - رضوان الله عليه في هذه المشكلة الخطيرة في خاتمة هذا الكتاب

وقد لاحظت أنّنا في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء - من حيث لا نعلم – كنا نبحث و نجهد أنفسنا في البحث عن مشكلة تسامح العلامة عبد الحليم الجندي مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونبحث عن هذه المشكلة عند العلامة عبد الحليم الجندي ، أما السلفيون من المعتدلين فقد اكتشفوا أننا في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء من المصابين بالخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بسبب عدم تأملنا وتدبرنا في كتب علماء السلفية المعتدلة الصحيحة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أصحاب أبي الخطاب ومن ثُمّ اتجه كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة المعاصرين المحققين إلى دراسة علل الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية ، وصرحوا بأنغلاة السلفية يحسبون أنّ هنالك مشكلة لدى الشيخ

العلامة المصري محمد الغزالي في طريقة تعامله مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي كيفية تعامله مع أصحاب أبي الخطاب ، ولا يعرفون أنّ المشكلة فيهم، ولم يدركوا أنّها مشكلة

ص: 96

خلط عندهم بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وتبين لعلماء السلفية المعتدلين أنّ المشكلة ليست في طريقة تعامل محمد الغزالي المصري مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو في منهجه في التعامل مع أصحاب أبي الخطّاب ، وإنّما نحن في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء التبس علينا الأمر ، فلم نميز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الله وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وسوف نذكر أقوال الشيخ محمد الغزالي - رضوان الله علىه - حول هذه المشكلة الخطيرة في خاتمة هذا الكتاب

ونحن بعد دراسة طويلة لمناهج البحث عن حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم، وبعد دراسة مفصلة لمناهج البحث عن حقائق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وخصائصهم ، قد حصرنا هذه المناهج وتلك المناهج في منهجين رئيسين هامين :

المنهج الأول : منهج غلاة السلفية في معاهدنا العلمية في الرياض و صنعاء في دراسة الحقائق القرآنية العشر ، وفي دراسة الخصائص القرآنية الست لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي دراسة الحقائق العشر القرآنية والخصائص القرآنية ومعرفة موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من تللك الحقائق وهذه الخصائص القرآنية

المنهج الثاني : منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة من القدماء ومتأخريهم في دراسة الحقائق القرآنية العشر ، والخصائص القرآنية الست لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي دراسة موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من تلك الحقائق القرآنية العشر ، ومن تلك الخصائص القرآنية الست ، وعلى رأس هؤلاء العلامة سالم البهنساوي في كتابه القيّم السنة المفترى عليهم ، والعلامة عبد الواحد وافي المصري في كتابه الفريد بين الشيعة وأهل السنة ، وشيخ الأزهر الشريف محمود شلتوت ، والعلامة عبد الحليم الجندي المصري في كتابه " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " ، والعلامة الشيخ عمر التلمساني في كتابه ذكريات لا مذكرات ، والعلامة " محمد أبو زهرة المصري الأزهري " في كتابه الإمام الصادق علیه السلام " ، والعلامة مصطفى الشكعة في كتابه إسلام بلا مذاهب ، والعالم المصري فهمي هويدي في كتابه إيران من الداخل ، والعلامة الشيخ محمد الغزالي المصري في كتابه

ص: 97

دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين ، والعلامة الشافعي الحضرمي ابن عقيل الشافعي في كتابه القيم العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ، والعلامة المصري محمد البهي في كتابه الفكر الإسلامي في تطوره ، والعلامة سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، وسوف ننقل أقوالهم في الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب في خاتمة هذا الكتاب

ونحن - في بداية الأمر - كنا نؤمن بمنهج غلاة السلفية في المعاهد العلمية في دراسة حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم وفي دراسة حقائق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وخصائصهم ، ثم تعرفنا على منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة ، وانتقلنا إليه في دراسة حياة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة أصحاب أبي الخطاب، وقد لاحظنا أنّ هنالك تناقضاً في تفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي تفسير حقائق أصحاب أبي الخطاب بين علماء السلفية المعتدلة الصحيحة وبين علماء السلفية المغالية المتطرفة ، ولا شك أنّه من المستحيل أن تكون كل تفسيراتهم صحيحة في الوقت الذي ينعدم الاتفاق بينها ، ولو قلنا بصحتها مع تعارضها وتباينها للزم أن تكون كلها باطلة - بالمعنى المنطقي الموجود عند علماء المنطق والفلسفة - أي غير صحيحة ، ولما استحق أي تفسير يقدّمه علماء غلاة السلفية أو علماء السلفية المعتدلة لحقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، أو لحقائق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وخصائصهم أن ينظر إليه بتقدير واحترام

ومن ثَمّ لا بد أن نقول بصحة بعض تفسيرات حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم وبطلان بعضها ، وسوف نثبت في البحوث القادمة أن تفسير علماء السلفية المعتدلة الصحيحة لحقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم كان تفسيراً مصيباً ، وأن تفسير معاهدنا السلفية العلمية في صنعاء والرياض لحقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم كان بعيداً عن حقيقة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّنا أخذنا منهجنا فى التعامل مع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من غلاة السلفية.

إننا حين نراجع المنهج السلفي المغالي في تفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم نجده عاجزاً عن الاهتداء إلى التفسير الصحيح لحقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، الذي اهتدى إليه

ص: 98

السلفيون المعتدلون ؛ لأنّ تفسير معاهدنا العلمية السلفية لحقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم يقوم على ذلك المنهج الغريب القائم على مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، لأجل ذلك فمنهج المعتدلين من السلفيين يوافق منهج الله – جل ثناؤه الذي فصل في كتابه " القرآن الكريم " بين أهل التوحيد ومعرفة الله من الرسل والأنبياء وأهل الشرك من الذين قالوا بألوهية عيسى بن مريم . من هنا وجدنا بأنّ تفسير علماء السلفية المعتدلة الصحيحة لحقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تفسيراً صحيحاً كما فسرها الإمام محمد أبو زهرة الأزهري . وقد عجزت معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء عن الاهتداء إلى معرفة حقائق وخصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما عجزت معاهدنا العلمية السلفية عن الإهتداء إلى معرفة حقائق وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّها حاولت دائماً أن تفسر هذه الحقائق والخصائص وتلك الحقائق والخصائص تحت نفوذ مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، في حين أن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ليس لهم صلة بأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهل يوجد مسلم يؤمن بالقرآن الكريم يزعم بأن الله – جل ثناؤه جعل صلة ومودة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من الرسل والأنبياء وبين أهل الشرك من عبدة الأصنام البشرية أو من عبدة الأصنام الحجرية ؟.

ويعجب الإنسان أننا في معاهدنا العلمية السلفية لم نبحث عن سبب اختلافنا مع علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في تفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، وفي تفسير حقائق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع اتحاد الموضوع المبحوث عنه – أي اتحاد أي اتحاد موضوع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وموضع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب – ، كما أنّه من الغريب أنّنا في معاهدنا كنا غافلين عن الصراع الكبير والخطير بين تفسيرنا وتفسير علماء السلفية المعتدلة الصحيحة حول حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، وكنا غافلين عن الصراع الكبير والخطير بين تفسيرنا وتفسير علماء السلفية المعتدلة الصحيحة حول حقائق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وخصائصهم

وأريد الآن أن أذكر حقيقة قرآنية وهي أنّه من المستحيل أن يخطأ الأنسان في تفسير حقائق أهل التوحيد من الرسل والأنبياء ، ثم يصيب فى تفسير حقائق أهل الشرك من عبدة الأصنام

ص: 99

البشرية أو الأصنام الحجرية ؛ لأنّ من لم يعرف أهل التوحيد والموحدين من المستحيل أن يعرف أهل الشرك والمشركين ، وفي المقابل من لم يعرف أهل الشرك من عبدة الأصنام البشرية والحجرية من المستحيل أن يعرف أهل التوحيد والموحدين ؛ لأجل ذلك نجد أن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب عجزوا عن إدراك أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد لمست ذلك من خلال تتبعي الكامل والشامل لتاريخ الصراع بينهم الذي استمر عبر أكثر من ألف سنة وما زال هذا الصراع قائم بينهم إلى اليوم ، وعرفت ذلك من خلال مجالستي ومعاشرتي لمشايخ الخطّابية في العصر الحديث ، وسوف يستمر الصراع بين أهل التوحيد ومعرفة الله وبين أهل الشرك إلى يوم القيامة ؛ لأن المعركة بين أهل التوحيد ومعرفة الله وبين أهل الشرك هي معركة موجودة في كل زمان وفي كل مكان وسوف تستمر إلى يوم القيامة ، ولا يوجد كتاب في الأرض والسماء رسم حقيقة المعركة الكبرى المصيرية بين أهل التوحيد ومعرفة الله وبين أهل الشرك ككتاب القرآن الكريم ؛ من أجل ذلك اقتضت حكمة الله الحفاظ على القرآن الكريم ؛ لأنّ في حفظ القرآن الكريم حفظاً للتوحيد ولمعرفة الله

ومن هنا وجدت أن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب يقولون بتحريف وتغيير القرآن الكريم بالزيادة أو النقصان ، وقد تتبعت كتبهم التي تطعن في القرآن الكريم ، ووجدت بأنّ كلّ من يطعن في القرآن الكريم يطعن في التوحيد والموحدين ويميل إلى أهل الشرك والمشركين ، وتأكّد لى بأنّه لو كان أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب يعتقدون بقدسية القرآن وعدم تحريفة لكانوا من أهل التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّ من عرف القرآن الكريم عرف الله ، ومن عرف الله عرف القرآن ، ومشكلة أبي الخطاب ومشكلة أبي الخطاب ، ومشكلة أصحابه ، بل مشكلة مشايخ الخطابية في عصرنا أنّهم يطعنون في القرآن الكريم كما يطعنون في التوحيد وأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ويبدو أنّ هذه المشكلة الخبيثة - مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب كانت وما زالت وراء هذا الصراع الشديد بين معاهدنا العلمية السلفية وبين كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في عصرنا.

وإذا كانت هذه المشكلة سبباً في توسيع مساحة الصراع بين مذاهب أهل السنة وبين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام منذ ظهور هذه المشكلة في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فقد أصبحت هذه المشكلة في عصرنا – سبباً في توسيع مساحة الصراع بين معاهدنا العلمية السلفية وبين كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في عصرنا ، ولا يمكن لنا أن نكشف سر اختلاف

ص: 100

معاهدنا العلمية السلفية مع كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في تفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ما لم ندرك هذه المشكلة.

والذين يخطئون في مرحلة المعرفة الانتسابية لهذه المشكلة ، أو يخلطون بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هم الذين فسروا حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم بصورة مخالفة لتفسير الذين أصابوا في إدراك مرحلة المعرفة الانتسابية لهذه المشكلة، وميزوا بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

ولقد لاحظنا أنّ الكثير من القضايا المثارة المتنازع عليها بين علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين معاهدنا العلمية السلفية حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أصبحت - الآن - قضايا مثارة ومتنازع عليها بين معاهدنا العلمية السلفية وكبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة .

وإنه من الطبيعي أن تثار تلك القضايا بين علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وغلاة السلفية من جهة وبين كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة ومعاهدنا العلمية السلفية من جهة أخرى ؛ لأننا في معاهدنا مصابون بمشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لهذه المشكلة الخطيرة ، وبعبارة أخرى مصابون بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

ومن هنا فهذه المشكلة الخبيثة وسعت الخلاف بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب رضوان الله عليه - ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا هو الذي يفسر لنا سر تحذير كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة من هذه المشكلة الخطيرة ، ويفسر لنا السبب الذي جعلهم يعدونها أكبر مشكلة زرعت من أجل تمزيق الصف بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه - ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل وتمزيق الصف بين غلاة السلفية وبين علماء السلفية المعتدلة الصحيحة الذين لا يقبلون المساواة بين أهل التوحيد ومعرفة الله وبين أهل الشرك من القائلين بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومن القائلين بتحرف القرآن الكريم ؛ لأن اختلاف كبار السلفى عن المعتدلين مع غلاة السلفية حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد خلق صراعاً شديداً بين غلاة السلفية وبين كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة كما رأينا الصراع الكبير بين العلامة المصري علي عبد الواحد وافي والشيخ إحسان الهي ظهير المدوّن في كتاب بين الشيعة وأهل السنة ، ولا يمكن أن يتم التقريب بين كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة وغلاة السلفية من جهة وبين

ص: 101

مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وغلاة السلفية من جهة ثانية وإلا إذا عالجنا هذه المشكلة بين علماء السلفية المعتدلة الصحيحة وبين السلفية المغالية المتطرفة ، وقد عبّر عن دور هذه المشكلة الخطيرة في إيجاذ الصراع الشديد والخلاف الكبير بين علماء السلفية المعتدلة الصحيحة وبين السلفية المغالية المتطرفة أحد كبار السلفيين في العالم الإسلامي وهو الشيخ الدكتور ناصر القفاري - في كتابه أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية [أصول مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] / 1 : فقال : " استرعى انتباهي تضخم الخلاف حول الاثني عشرية [مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لدى الكتاب المعاصرين فمن فريق يرى أنّهم كفرة وأنّ غلوهم تجاوز الحدود الإسلامية ، كما في كتابات الاستاذ محب الدين الخطيب ، وإحسان الهي ظهير ، وإبراهيم الجبهان وغيرهم ، وفريق يرى أنّ الاثنى عشرية [مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] طائفة معتدلة لم تجنح إلى الغلو الذي وقعت فيه الفرق الباطنية ، مثل : كتابات النشار وسليمان دنيا ، ومصطفي الشكعة ، وفريق ثالث التبس عليه الأمر بسبب هذا الصراع الشديد بين فريق إبراهيم الجبهان وفريق مصطفى الشكعة حتى ذهب يستفتي شيوخ الاثني عشرية [مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] فيما كتبه عنهم إحسان الهي ظهير ، ومحب الدين الخطيب ، كما تجد ذلك فيما كتبة البهنساوي في كتابه " السنة المفترى عليها " ، ومن خلال هذه الاختلافات قد تضيع الحقيقة أو تخفى على الكثير

ومن ثُمَّ كان تأكيدي على ضرورة معالجة هذه المشكلة ، فجعلت كتابي هذا كله في معالجة هذه المشكلة ، وبينت أنّ هذه المشكلة هي وراء وجود منهجين متناقضين في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطاب وفي دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة قضية أصحاب أبي الخطاب داخل السلفية.

وأنّني بعد دراسة طويلة للمنهجين المتناقضين حول دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام اللذين ذكرتهما استيقنت بأنّه لا يصح أن يستفاد من منهج غلاة السلفية في دراسة قضية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لا سيما بعد الاختلاف الشديد بين منهج المعتدلين من السلفيين وبين منهج غلاة السلفية في تفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، كما ذكر ذلك الدكتور الشيخ ناصر القفاري في عبارته السابقة .

إن دراسة حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم حسب منهج غلاة السلفية - تتم بطريقة تقتضي أن يُضحى بالموضوع - أي بحقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم - في سبيل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكأن الموضوع - أي حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من

ص: 102

أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم غیر موجودة بصورة مستقلة عن حقائق وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين ينتمي إليهم موضوع الحقائق و الخصائص لا موضوع لهم ولا وجود لهم في الواقع الخارجي ، مع أننا بيّنا وجود أربعة ألف شخصية عرفوا بأنّهم أصحب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فكيف يجوز لنا تجاهل وجود هذا العدد الكبير من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ولا يمكن لمنهج غلاة السلفية في دراسة قضية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أن يخرج من أزمة الصراع مع علماء السلفية المعتدلة الصحيحة حول تفسير حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، إلا عند مراجعة منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في تفسير هذه الحقائق والخصائص، ومن ثُمّ نجد أنّ الشيخ السلفي الكبير إحسان الهي ظهير دخل في معركة كبرى - حول قضية إصراره على عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع العلامة المصري الشيخ علي عبد الواحد وافي الذي كتب كتاباً تحت عنوان " بين الشيعة وأهل السنة " وأكّد في هذا الكتاب على ضرورة الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب وبيّن بأنّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يكفِّرون أصحاب أبي الخطاب ، وأن هنالك مفاصلة وقطيعة مطلقة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ، ولكن الشيخ إحسان الهي ظهير لم يقبل تأكيد العلامة الشيخ المصري علي عبد الواحد وافي على ضرورة الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب فكتب كتابا كاملا في الرد على كتاب العلامة المصري علي عبد الواحد وافي باسم " بين الشيعة

أنه وأهل السنة " بمعنى جعل اسم كتابه بنفس اسم كتاب العلامة المصري علي عبد الواحد وافي ، والحوار الذي دار بين الشيخ إحسان الهي ظهير وبين العلامة المصري الدكتور علي عبد الواحد وافي حول الفرق بين مذهب أبي الخطاب وبين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام طبع في كتاب مشهور و منشور، وعرف الناس كلهم ماذا دار في ذلك الحوار، وسوف نذكر ذلك في خاتمة هذا الكتاب

ونحن اطلعنا عن هذا الحوار و وجدنا أن الحق مع الشيخ العلامة الدكتور علي عبد الواحد وافي ، ووجدنا ووجدنا - أيضاً أيضاً - المفكر الإسلامي المصري عبد الحليم الجندي في كتابه الذي خصصه في دراسة حياة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ودراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يؤكّد على ضرورة الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ويبيّن بأنّ

ص: 103

أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يكفرون أصحاب أبي الخطاب ، وأن هنالك مفاصلة وقطيعة مطلقة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ، ويدعو إلى ضرورة نبذ منهج غلاة السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونبذ طريقتهم في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة قضية أصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك فطريقة العلامة عبد الحليم الجندي تنسجم مع طريقة ومنهج العلامة والدكتور عبد الواحد وافي ، ولا تنسجم مع منهج وطريقة الشيخ إحسان الهي ظهير في دراسته لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسوف نذكر كلمات العلامة علي عبد الواحد وافي ، وكلمات العلامة عبد الحليم الجندي في ضرورة الفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب في خاتمة هذا الكتاب وفي الحقيقة بأنّه يُخطىء كثيراً من يدعي أنه يستطيع أن يقف على حقائق وخصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و يقف على علومهم وآدابهم وهو لا يفصل بينهم وبين خصومهم من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ومثله كمثل الذي يريد أن يعرف خصائص التوحيد ومعرفة الله وهو يساوي بين التوحيد والموحدين وبين

الشرك والمشركين وبين السامري وموسى ، وبين عيسى بن مريم – ع – وبولس ، وبين أبي جهل ومحمد - ص - ، وبين عبد الله بن سبأ والإمام علي ، وبين أبي الخطاب والإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ولكي يدرك زملائي من مشايخ المعاهد العلمية في الرياض وصنعاء الخطورة الكبيرة في منهجيتنا المغالية في بيان حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، نذكر مثالاً هاماً يبين ويوضح مشكلة خلط معاهدنا السلفية العلمية في الرياض وصنعاء بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فقد كنا ندافع عن " الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان " صاحب كتاب تبديد الظلام في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض ؛ لأننا نعتقد أنّ كلّ الذين كانوا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانوا من أصحاب أبى الخطاب ومن الخطابية و لم نكن نلتفت بأنّه كما يوجد حول الإمام الصادق علیه السلام من هم من أهل الشرك ومن أصحاب أبي الخطاب كذلك يوجد حوله الذين هم من أهل التوحيد ومعرفة الله ، وكنا نخلط بين أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ونقول : لا فرق بين الذين حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكلّهم من الخطابية ومن أصحاب أبي الخطاب! ، وكنا نقول : من المعلوم أنّ الذين يفرقون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب وبين أصحاب أبى الخطاب وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هم من المتأثرين بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ص: 104

ونحن بعد دراسة عميقة لكل الكتب التي كتبت عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من كبار علماء المسلمين في القديم والحديث ، ودراستنا للكتب التي كتبت عن أصحاب أبي الخطاب من كبار علماء الإسلام في القديم والحديث ، لم نجد أحد من علماء الإسلام في القرون الثلاثة الأولى يخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب أو يقول بعدم وجود فرق بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مذهب أبى الخطاب أو يرى بأنّه لا فرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، بل وجدنا علماء الجرح والتعديل في كتبهم القديمة والحديثة يصرحون بأنّه لا وجود لأي علاقة بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن ثم يجب علينا أن لا نعتمد على كتاب تبديد الظلام " لإبراهيم الجبهان الذي اعتبر الإمام جعفر الصادق علیه السلام شخصية منحرفة روّجت لأفكار تدعو إلى ألوهيته وربوبيته ، ونحن نأسف لأنّ معاهدنا السلفية العلمية في الرياض تعتمد على كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان في معرفة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع أنّه خالف اجماع علماء السلف والخلف من قدماء السلفية ومن السلفيين المتأخرين في قضية الطعن في نفس شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مسألة تأكيده على عدم الفصل بين سلوكيات وأفكار الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين سلوكيات وأفكار أبى الخطاب.

وهكذا، تتجلى وتتضح لطالب العلم السلفي في هذا الكتاب ضرورة الفصل بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبى الخطّاب ، وضرورة الفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مذهب أبي الخطاب، وى ستبين لطالب العلم السلفي بأن هنالك مفاصلة وقطيعة مطلقة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، ويدرك طالب العلم السلفي كيف كان عدم إهتمام معاهدنا السلفية بهذه المرحلة الهامة والخطيرة سببا في اخفاقات منهج معاهدنا العلمية السلفية في دراسة حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، وكانت سببا في التباين الشديد بين حكم معاهدنا العلمية السلفية وحكم علماء الجرح والتعديل في القرون الثلاثة الأولى حيث كانوا لا يخلطون بين شخصية أبي الخطّاب وشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يخلطون بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ، ويستيقن طالب العلم السلفي بأنَّ مشكلة الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب هي بدعة جديدة ظهرت في كتاب تبديد الظلام ، وتبين لطالب العلم السلفي بأنّه لا يمكن له أن يخالف السلف الصالح من علماء القرون الثلاثة ويأخذ برؤية كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان.

والغرض من توضيح مشكلة الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مذهب أبي الخطاب ، وبين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين

ص: 105

أصحاب أبي الخطاب ، والتي توسعنا عامدين في عرضها من خلال أقوال كبار مفكري السلفى ى ن المعتدلين وعلمائهم - التي سنذكرها في خاتمة هذا الكتاب إنما يعود للأسباب التالية:

أولاً :خطر هذه المشكلة باعتبارها كانت وما زالت السبب الأول في توسيع الاختلاف بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بعد أن اندس خصوم القرآن الكريم في صفوف أتباع مذهب الإمام محمد عبد الوهاب و في صفوف أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ثانياً : خطأ منهج معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء عند دراسة الحقائق القرآنية العشر، والخصائص القرآنية الست لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعند دراسة موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب من تلك الحقائق القرآنية العشر ، ومن الخصائص القرآنية الست ، إنما هو نتيجة حتمية لهذه المشكلة الخطيرة ، ولا شك أنّ خطأ منهج معاهدنا العلمية السلفية في دراسة حياة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة حياة أصحاب أبي الخطاب إنّما كان سببه تقليد معاهدنا العلمية السلفية لكتاب إبراهيم الجبهان ومخالفتنا لمنهج علماء السلف الصالح في القرون الأولى الثلاثة الذين لم يحدث أبداً أن خلطوا بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطّاب ، ولم يحدث أن خلطوا بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب وبين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب.

ثالثاً : معرفة هذه المشكلة بينّت لنا أهمية هذه المرحلة، أي مرحلة المعرفة الانتسابية؛ لأنّها قاعدة رئيسية في هذا المنهج الذي رسمناه من أجل تصحيح منهج معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء في دراسة حياة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهبه ، وتصحيح منهج معاهدنا في دراسة حياة أبي الخطّاب ومذهبه ، وتصحيح منهج معاهدنا في دراسة حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، ودراسة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ومن أجل التقريب بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أخوانهم من أتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ، كما أسلفنا في أوائل البحث عن هذه المرحلة.

رابعاً : يكتسب البحث عن مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب أهمية كبيرة ؛ لأن مشكلة الخلط بين أهل التوحيد وأهل الشرك تمثل أكبر خطر يهدد جميع الديانات والمذاهب الدينية ؛ لأجل ذلك نجد أن ضلال النصارى شرع حين خلطوا بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب عيسى

ص: 106

بن مريم وأهل الشرك الذين الصقوا أنفسهم بعيسى بن مريم وهو بريء منهم بمعنى حين خلطوا بين بطرس - المعروف بشمعون الصفا وبوصي عيسى وبين بولس وكانت النتيجة أن قام بولس بإدخالهم إلى عقيدة التثليث وإبعادهم عن عقيدة التوحيد ؛ وبدون شك بأنّ أهل الشرك في كل الديانات يمثلون أكبر عدو داخلي للديانات والمذاهب الدينية، وبالتالي فمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله وأهل الشرك تشكّل أكبر عدو داخلي يهدد كيان الديانات والمذاهب الدينية ؛ لأن ذلك يجعلها تخرج من نور التوحيد ومعرفة الله إلى ظلمات أهل الشرك وتأليه غير الله ، وإذا كان الفكر المادي يثير الشبهات ضد الديانات والمذاهب الدينية من خارج الديانات ، فإنّ مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله وبين أهل الشرك في الأديان والمذاهب الدينية تهدد الأديان والمذاهب الدينية بالإنتقال من معالم التوحيد ومعرفة الله إلى مسالك الشرك وتأليه البشر كما حدث في الديانة المسيحية حين انتقلت من نور التوحيد إلى ظلمة الشرك والتثليث وبدون شك بأنّ الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله وبين اهل الشرك يعطي صورة مشوهة لكل المذاهب الدينية، وبالتالي فمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله وأهل الشرك تجعل العقل البشري ينفر من الدين - أي دين - ويتجه صوب الإلحاد والمذاهب اللادينية ويقع في ظلمات الشرك ؛ من أجل ذلك نحن نصر على ضرورة الفصل بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطاب والفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، والفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

خامساً : لقد كانت مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، عند معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء هي السبب الأول الذي جعلهم يقولون بأنّ هنالك صلة بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، في حين لا يوجد مذهب في كلّ تاريخ البشرية حارب الخطابية وأبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب كالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

سادساً : إن مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب باعدت بين مذهب الإمام محمد عبد الوهاب وبين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأننا كنا نتصور بأنّ من يدعو للوحدة مع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهو كمن يدعو للوحدة مع مذهب أبي الخطاب ، وشتّان ما بين مذهب أبي الخطاب القائم على المقالات المشركة الوثنية ، والمعتقدات الغنوصية الباطنية ومابين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام القائم على أساس التوحيد ومعرفة الله ، وطالب العلم في معاهدنا السلفية يعلم

ص: 107

أن من أهم القضايا التي أمر الله بها في القرآن الكريم قضية الوحدة بين المسلمين والتقريب وعدم التفرقة والفرقة

سابعاً : إن مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب باعدت بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وجعلت الشيخ السلفي المعاصر ناصر القفاري يكتب كتابا كبيرا في محاربة فكرة التقريب بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب بعنوان [ مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية ] ، مع أنّ من أهم الفرائض التي أمر الله - جل ثناؤه - بها في القرآن الكريم قضية الوحدة والتقريب بين المسلمين وعدم التفرقة والفرقة بينهم

كان هذا توضيحاً وتبييناً للمرحلة الأولى في معرفة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

والآن حان الوقت للبحث عن أسباب وعوامل خلط معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وبعبارة أخرى ما هي أسباب وعوامل تكوين مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبى الخطاب في معاهدنا السلفية العلمية ؟

وقبل البحث عن هذه العوامل والأسباب سوف نذكر تمهيداً هاماً، ثُم نعود إلى دراسة الأسباب الأحدى عشر التي كونت تلك المشكلة.

ولعل من الحتميات التي يجب على طالب العلم في معاهدنا السلفية معرفتها قبل دراسة أسباد هذه المشكلة الخطيرة أن يدرك هذه الحقائق الهامة وهي

الحقيقة الأولى : إنّ مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لدى غلاة السلفية أمثال كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان في معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء - لم تلد فجأة بدون مقدمات وإرهاصات اقتضت ولادتها، بل هي وليدة عوامل وأسباب كثيرة استغرقت فترة زمنية طويلة، وحينما استكملت الأسباب وجدت المشكلة، إذ من الثابت علمياً أنّ المشكلات الدينية ليست وليدة لحظة واحدة، كما هو شأن بعض الاكتشافات العلمية المفاجئة .

ص: 108

الحقيقة الثانية : إنّ عملية تحديد أسباب ظهور المشكلات الدينية عملية شديدة الصعوبة، وليست كعملية اكتشاف أسباب الأمراض البسيطة، ومن ثم سوف يلاحظ زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية أنّ بعض الأسباب التي سوف نذكرها لم تكن سببا في وجود المشكلة، بل كانت سببا في توسيعها.

الحقيقة الثالثة : إنه لا يمكن معرفة أسباب هذه المشكلة الخطيرة إلا بعد دراسة تاريخ المشكلة، ومن ثمّ راجعنا كل الكتب حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ولم نعتمد على الكتب المعاصرة المقررة التي عليها حينما كنت أدرس وأدرس في الحوزة العلمية في مدينة قم بل قرأت الكتب الرجالية القديمة حول أصحاب الأمام جعفر الصادق علیه السلام كالكتب الرجالية للإمام الشيخ النجاشي والإمام الشيخ الطوسي ، واستكشفنا من خلال دراستها تاريخ هذه المشكلة ، ثُمّ تعرفت على أسباب المشكلة بعد معرفة تاريخها، وتبين لنا أنّ جذور هذه المشكلة في فكر غلاة السلفية ترجع إلى التعصب الطائفي، وإلى مشكلة عدم معرفة علم الرجال عند مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كذلك المشكلة ترجع إلى موقف المملكة العربية السعودية من الجمهورية الإسلامية في إيران ، ومن ثَمّ نجد أن المملكة العربية بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران تبنّت مشروعاً جديداً وغريباً وهو مشروع عدم الفصل والتمييز بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعدم الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ويحرص هذا المشروع الجديد يعرف الناس الفرق بين محمد بن مسلم الثقفي وأبي الخطاب ، وهدف السعودية من هذا الخلط تشويه سمعة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنه المذهب الرسمي المعمول به في إيران ، ونحن نجد هذا المشروع يتم تطبيقة من خلال نشر كتاب تبديد الظلام لإبرهيم الجبهان ، وهذا الكتاب يؤكّد على أن مذهب أبى الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مذهب واحد ؛ وهذا الأمر جعلنا في المعاهد العلمية نتصوّر بأن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقوم على أساس الشرك وهدم معالم التوحيد ، والذي أوجد هذا المشكلة هو قضية الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ومن دون شك بأن أصحاب أبي الخطاب هم الذين يحملون عقيدة خطابية مجوسية تقوم على هدم أركان التوحيد و تدمير معالم معرفة الله ، وتقوم على أساس القول بالطعن في سلامة القرآن والطعن في عرض رسول الله من خلال إتهام أحد زوجاته بالزنا ، وكنا نتصور – حين كنت في مدينة الرياض - بأنّ كلّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تشملهم عقيدة أبي الخطاب القائمة على تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتسرب هذا المشروع الجديد للملكة العربية السعودية عن

ص: 109

طريق إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام ، حتى صار عندنا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء بأن ما في كتب علم الجرح والتعديل من وصف أبي الخطاب يشمل ويعم جميع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا يختص بأبى الخطاب وجماعته الخطابية ، لقد تأثرت كل معاهدنا العلمية السلفية بالمشروع السعودي الجديد وصدرت كتبا تلتزم بهذا المشروع الجديد ، ويقف هذا المشروع الجديد السعودي أمام أي مشروع يميّز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكانت رؤية كتاب تبديد الظلام حول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي الرؤية المعتمدة لدى المملكة العربية السعودية ولدى المعهد العلمي السلفي في صنعاء والرياض وهي رؤية تتبنّى مشروع عدم الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ووسعت هذه الرؤية وأمثالها دائرة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء.

وقد ظهر أثر هذا المشروع السعودي الجديد علي إلى أن اتجهت إلى دراسة الكتب القديمة حول أصحاب الأمام جعفر الصادق علیه السلام كالكتب الرجالية والكلامية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - ، وبدأت من خلال التراث العظيم القيم القديم للشيخ الإمام النجاشي والشيخ الإمام الطوسي – وعقيدتي بأنّه لا فرق بين مدرسة الطوسي وبين مدرسة النجاشي ، وبالتالي فأنا أرى بأنّ من قرأ تراث الطوسي عرف تراث النجاشي وتراث الرجلين - النجاشي والطوسي - طرحا فيه موضوع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وطرحا موضوع أصحاب أبي الخطاب ، ومن خلال ذلك التراث العظيم لهذين الإمامين الإمام النجاشي والإمام الطوسي - أدركت الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وظلّت طريقة كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان في تعريف الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي تعريف أصحابه ، وفي تعريف أبي الخطاب وأصحابه هي المؤسسة للمشروع السعودي الجديد مؤثرة على غلاة السلفية من زملائي في المعاهد العلمية إلى اليوم ، وصارت هي الطريقة المعتبرة في معاهدنا العلمية السلفية ؛ لأنّه يمثل منهج غلاة السلفية في معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويعكس مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك فهذا الكتاب صار هو المعتمد عليه لدى معاهدنا العلمية السلفية في الرياض

ص: 110

وصنعاء ، وصار كتابه هو الكتاب الذي يعبّر عن منهج معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي دراسة شخصية أبي الخطّاب وفي معرفة أصحابهما .

و نحن وجدنا أن كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان الذي خصصه في معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يتجاهل الصراع الفكري الخطير الذي دار بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وبالتالي كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان من الكتب التي تخدم أهل الشرك من أصحاب الخطابية ، ولأنّ السعودية تبنّت مشروع عدم الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، كان كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان من الكتب التي تهدى من قبل دعاة الفتنة بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه وتوزع مجاناً ؛ لأن دعاة الفتنة والتفرقة بين مذهب الإمام محمد عبد الوهاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عصرنا يعجبهم الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّهم يدركون بأن أتباع الإمام محمد عبد الوهاب في معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء لو فصلوا بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لخفت حدت الخلاف بين أتباع مذهب الإمام محمد عبد الوهاب في المملكة العربية السعودية وأتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الجمهورية الإسلامية في إيران

ومن هنا حرصنا في كتابنا هذا أن نبين لزملائنا في المعاهد السلفية العلمية الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وأرى بأنّه لا يمكن الفصل بينهم إلّا ببحث عميق وجهدٍ كبير ؛ لأجل ذلك رسمنا أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ؛ ولأجل ذلك نجد أن رؤية إبراهيم الجبهان تخدم خصوم القرآن الكريم في الشرق والغرب الذين يخافون من أي تقارب بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و سوف يتبيّن لنا ذلك من خلال التأمل والتعمق في دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بأنّ من يرى أن كل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على نهج أبي الخطاب في تأليه أئمة الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الطبيعي أن يعادي مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويرفض الوحدة معه

ص: 111

ونحن نجد في عصرنا أنّ إبراهيم الجبهان كان من أكثر المخاصمين لدعاة التقريب بين مذهب الإمام محمد عبد الوهاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والسبب في ذلك أنّه لم يكن يدرك الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وأنا كنت في صنعاء وفي الرياض من أشد المدافعين عن رؤية إبراهيم الجبهان ، التي لا تفصل بين شخصية أبي الخطاب وشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا تفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكنا نوزع كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ، ولكن مرت فترة طويلة من البحث حتى أدركت بأننا في المعاهد السلفية لا يمكن لنا أن نعرف الخلل الموجود في منهج إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام في دراسة تراجم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وندرك حقيقة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ما لم ندرس بعمق وتأمل وتدبر حقيقة رؤية إبراهيم الجبهان التي تخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وكان الغرض من الإطالة في هذه الحقيقة الثالثة من حقائق مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب تعريف زملائي الكرام من مشايخ المعاهد العلمية في الرياض والسعودية بأن كتبنا التي بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب كانت وما زالت تخدم خصوم القرآن الكريم في الشرق والغرب الذين يخافون من أي تقارب بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويخافون من أي تقارب بين الجمهورية الإسلامية في إيران وبين المملكة العربية السعودية

ونحن نأسف نأسف – كثيراً - بأن كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ؛ وإن كانت كُتِبَ قبل الثورة الإسلامية في إيران لكنّ هذا الكتاب لم ينتشر ويوزع مجانا إلا بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران وصار مؤثراً على معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء في قضية عدم الفصل بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطاب ، وعدم الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ونحن في معاهدنا السلفية العلمية ننهج منهجه، ونسير على منواله، ونغض الطرف على أن رؤية إبراهيم الجبهان تخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل

ص: 112

الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهي تخدم الصراع بين المملكة العربية السعودية وبين الجمهورية الإسلامية في إيران.

ولقد كانت المقتضيات السياسية التي وجدت بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران تستوجب وتحتم عدم الفصل والتمييز بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهبه وشخصية أبي الخطّاب ومذهبه ، وعدم الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وخاصة أنّه بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران تولّت المملكة العربية السعودية قضيت دعم الحرب ضد إيران ، لقد شعر خصوم القرآن الكريم بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران بخطر جديد يهدد كيانهم ، وما كان منهم إلا أن صوروا للمملكة العربية السعودية بعد قيام الثورة الإسلامية بأنّ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يشكّل خطراً كبيراً على مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ، وتمكّن خصوم القرآن الكريم من إقناع المملكة العربية السعودية بتبني مشروع الخلط بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومشروع عدم الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، وهكذا ؛ ظهرت مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، مستمدة - ابتداءً- من الظروف السياسية التي وجدت بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران

وكتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان الذي يخلط بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطاب ، ويخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب يحملُ الطابع الإعلامي لا الطابع العلمي التحليلي، ومن المعلوم أنّ الطابع الإعلامي يسعى لتشويه صورة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتبني مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، من خلال رفضه للفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه وبين مذهب أبي الخطاب وأصحابه

وهذا الذي ذكرناه في هذه الحقيقة هو جانب مختصر من تاريخ مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ولكن على زملائي من مشايخ المعاهد العلمية في الرياض وصنعاء أن يرجعوا إلى الادلة القوية المفصلة عن تاريخ هذه المشكلة التي سنذكرها في البحوث القادمة باعتبارها هي الأصل، وهذه الحقيقة الثالثة لم تذكر هنا إلا لمجرد الإشارة السريعة المختصرة إلى هذه الحقيقة الخطيرة .

ص: 113

الحقيقة الرابعة : إنّه لا بد من القيام بدراسة تحليلية تسعى إلى تفكيك وتجزئة عناصر مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ولا بد من دراسة كل جزء وكل عنصر من أجزاء وعناصر هذه المشكلة بصورة منفردة ، ومن ثم قمنا بدراسة - التوحيد ومعرفة الله -، وهو العنصر الأول لهذه المشكلة، ثُمّ درسنا - شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ودرسنا شخصية أبي الخطاب مع دراسة مفصلة لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ودراسة كاملة لأصحاب أبي الخطاب - ، وهو العنصر الثاني لهذه المشكلة، ثُمّ درسنا - نوع العلاقة بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب ، ونوع العلاقة بين أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب -، وهو العنصر الثالث لهذه المشكلة ؛ لنرى أنّه هل توجد علاقة توافق واتفاق بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب وهل توجد علاقة صداقة ومودة ومحبة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب أم أن هنالك اختلافاً عميقاً بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ؟ وما هو موقف الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي الخطاب ؟ وماهو موقف أبي الخطاب من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؟ وما هو موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب أبي الخطاب ؟ ثُمّ درسنا - كيفية تأثرت معاهدنا العلمية في صنعاء والرياض بإبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام في مسألة الخلط بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهبه وشخصية أبي الخطاب ومذهبه ، وفي مسألة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب – وهو العنصر الرابع لهذه المشكلة ، فما هو ميزان معرفة معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء بمشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ؟ هل معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء تجهل حقيقة مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ؟ وما هي طريقة إبراهيم الجبهان المعتمد عليها في معاهدنا العلمية السلفية في مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي التعامل مع أصحاب أبي الخطاب ؟ ومن هم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لدى إبراهيم الجبهان المعتمد على كتابه في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض ؟ وما هو تعريف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب عند إبراهيم الجبهان ؟ وما هو الفرق بين منهج الكتب الرجالية والكلامية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - في التعامل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي التعامل مع أصحاب أبي الخطاب بالقياس إلى منهج الشيخ إبراهيم الجبهان في التعامل مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي التعامل مع أصحاب أبي الخطاب ؟ وما هو تأثير طريقة التفكير عند إبراهيم الجبهان على طريقتنا في معرفة الإمام

ص: 114

جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة أبي الخطاب ، وفي معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي معرفة أصحاب أبي الخطاب ؟ ولماذا تجاهلت معاهدنا العلمية السلفية الكتب الرجالية والكلامية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي – رضوان الله عليهما ؟ مع أنّ الكتب الرجالية والكلامية والأصولية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - هي من الكتب القوية والعلمية التي استنقذتني من مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب

إنّه لا يمكن لنا نحن مشائخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء أن ندرك خطأنا في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلا بعد دراسة علمية تحليلية عميقة لهذه العناصر الأربعة : أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام + أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب + نوع العلاقة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب + كيفية تأثير كتاب إبراهيم الجبهان على معاهدنا العلمية فى الرياض وصنعاء فى إيجاد مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وهذه المشكلة الخطيرة قد جعلتنا ننسب كل شركيات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

الحقيقة الخامسة : بعد قراءة طويلة لطريقة إبراهيم الجبهان التي هي كانت – وما زالت - هي الطريقة الوحيدة لمعرفة كل الذين كانوا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو كانوا حول أبي الخطاب ، ، وقد كنت على منهج كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان في معرفة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة أهل التوحيد ومعرفة الله الذين كانوا حول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، لكنني بعد هجرتي إلى مدينة قم العلمية بدأت من جديد دراسة للذين كانوا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وللذين كانوا حول أبي الخطاب من خلال تتبعي للروايات المنقولة عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتتبعي للروايات المنقولة عن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وبدأت أدرك الخلل الكبير الذي وقع فيه إبراهيم الجبهان في دراسته لشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام والشخصية أبي الخطاب ، والخلل الكبير في دراسته لروايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولروايات أصحاب أبي الخطاب وكنت حريصاً أن اعرف حقيقة

ص: 115

مع

الشخصيات التي حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأن اعرف الشخصيات التي حول أبي الخطاب ، لأنني لا يمكن لي أن أدخل في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إذا كان أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كلّهم من أهل الشرك ومن أصحاب أبى الخطاب ، كما صوّر لنا ذلك إبراهيم الجبهان ، لا سيّما أنّ الذين حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام هم الذين نقلو التراث العقدي والفقهي لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فقررت الإعتكاف على كتب الحديث والرجال وقرأت الموسوعات الكبرى الرجالية عند مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثم شرعت بقراءة الموسوعات الكبرى في المرويات المنقولة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام حينئذ تبيّن لي السطحية والسذاجة في دراسة إبراهيم الجبهان لشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام والشخصية أبي الخطاب ، وفي دراسته للذين حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام وللذين حول أبي الخطاب وكأنّه كتب عن شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن شخصية أبي الخطاب ، وعن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أصحاب أبي الخطاب بصورة مستعجلة لم تكلفه إلا نظرات مقتضبة أخذت من وقته أسبوعاً أو أقل اشتغاله في أعمال كثيرة أخرى ، أما أنا فقد هاجرت إلى مدينة قم العلمية وسكنت فيها وبحثت عن شخصية أبي الخطاب وشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أصحاب أبي الخطاب سنوات عديدة من عمري وفرّغت كلّ وقتي ليلاً ونهاراً لهذا الأمر ، وأرى أنّ هذه السرعة والسطحية عند إبراهيم الجبهان هي وراء اصابته بمرض الخلط بين شخصية أبي الخطاب وشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب فلم يتميّز لديه الخيط الأبيض من الخيط الأسود وخلط الحابل بالنابل والتبس علىه الأمر حتى لم يدرك الفرق بين شخصية أبي الخطاب وشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ، وصار مثل المستشرق الألماني كارل بروكلمان الذي خلط بين رسول الله وبين أبي جهل ، وخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب رسول الله وبين أهل الشرك والنفاق من أصحاب المنافق عبد الله بن ابي في كتابه تاريخ جزيرة العرب ، ومن أجل دفع اللبس عن أخواني السلفيين رأيت أنّ ابيّن لهم بأنّ الذين كانوا حول أبي الخطاب ينقسمون إلى اصناف أربعة

الصنف الأول : من الذين كانوا أحياناً يتظاهرون بأنّهم مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ، واحياناً يتظاهرون بأنّهم مع أبي الخطاب مع أنهم في الباطن من عمال طاغية وطاغوت عصرهم : وهم صنف غفل عن دورهم الخطير إبراهيم الجبهان مع أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام طالما حذر منهم وأرى بأنّ معرفتهم تكشف لنا كثير من الأمور التي كانت تجري في المحيط الذي حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويكشف لنا قضايا هامة كانت تجري في المحيط الذي حول أبي الخطاب

ص: 116

، وهذا الصنف الأول عبّر عنهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالسفلة ، ولا يمكن لنا معرفة الخطاب وأصحاب أبي الخطّاب من الذين قالوا بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام حتى وقعوا في الشرك والشركيات إلّا إذا تأملنا في هذا الصنف الخطير ، وسوف ندرك دور هؤلاء السفلة في إنحراف وشرك أبي الخطاب ، فالإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يقول لأحد أصحابه : " اتق السفلة واحذر السفلة ، فإني نهيت أبا الخطاب فلم يقبل مني " [رجال الكشي] .

وينبغي أن نزيد الأمر وضوحاً فيما فعل هؤلاء السفلة حتّى يعلم زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية دور هؤلاء السفلة في عدم إدراك إبراهيم الجبهان لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّه حسبهم من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فعمل هؤلاء السفلة يشبه عمل سفلة المستشرقين في عصرنا الذين ليس لهم أي غرض إلّا تشويه صورة رسول الله - ص- و تشوية صورة القرآن الكريم ، وتشويه صورة السنة النبوية ، وتشويه صورة زوجات رسول الله ، وتشويه صورة أصحاب رسول الله ، ولم يكن لهؤلاء الذين سمّاهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام " السفلة " أي السفلة " أي دور يذكر إلا تشوية صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ونحن نعلم بأنّ الكثير من المستشرقين كانوا جواسيس للدول الإستعمارية يشتغلون في الأمن السياسي للدول العظمى ، وهكذا كان دور السفلة كانوا جواسيس للحاكم الظالم ، وظيفتهم التجسس على الدعاة إلى التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والتجسس على الدعاة إلى الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ولا يهمهم شأن التوحيد ومعرفة الله ، ولا شأن الشرك وعبادة غير الله ، الذي يهمهم الحفاظ على عرش الحاكم الطاغية الظالم

ومن ثَمّ كانت قضية السفلة قضية مركزية عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام حيث أنّه يرى بأنّ أبا الخطاب حين جلس وعاشر هؤلاء السفلة وقع في الشرك والإنحراف عن طريق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونجد عليه السلام - قد خاف أن يكون مصير بعض أصحابه نفس مصير أبي الخطاب فخاطبه ناصحاً ومحباً له ومشفقاً عليه قائلاً له اتق السفلة واحذر السفلة " ثم التفت إليه وخشي أن لا كما لم يسمع نصيحته قبل ذلك أبو الخطاب فقال عليه السلام - " فأنّي نهيت أبا الخطاب – عن مجالسة السفلة - فلم يقبل مني " [رجال الكشي]

إن المأساة المقلقة للإمام جعفر الصادق علیه السلام تتمثل في هؤلاء السفلة الذين كان لهم دور في إنحراف أبي الخطاب وأصحابه ومنهم تتوالد وتتكاثر الفرقة الخطابية

ص: 117

إنّنا في معاهدنا العلمية السلفية بحاجة إلى يقضة عامة فلا يجوز أن نقلّد إبراهيم الجبهان في معرفة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهبه ، وفي معرفة شخصية أبي الخطاب ومذهبه وفي معرفة الذين كانوا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو الذين كانوا حول أبي الخطاب ؛ لأَنَّني على قناعة لو أنّ إبراهيم الجبهان التفت إلى هؤلاء السفلة لتغيّرت طريقته في تناوله لشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي تناوله لشخصية أبي الخطاب ، وفي تناوله للذين حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والتغيرت طريقته في تناول الذين حول أبي الخطاب وقد شعرتُ أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يريد تحذير كل البشرية من هؤلاء السفلة ؛ لأنهم حاضرون في كل زمان ومكان ووضيفتهم تضليل هذه الأمة لصالح الحكام الطغاة الجبابرة الظلمة ، وذات مرة رأى الإمام جعفر الصادق علیه السلام أحد أصحابه فقال له : " إياك ومخالطة السفلة فإنّ السفلة لا يؤول [ أمرهم ] إلى خير " [رجال الكشي] ، وفي يوم من الأيام دخل عليه - عليه السلام - رجلٌ حسن الهيئة ، فقال له : اتق السفلة " .. يقول ابن أبي يعفور : " فما تقارت الأرض حتى خرجت فسألت عنه - عن هذه الرجل حسن الهيئة - فوجدته غالياً "

O رجال الكشي ].

وليس غريباً أن ينهى الإمام جعفر الصادق علیه السلام رجلاً عن مجالسة السفلة ثم يكتشف الناس من الخطابية ؛ لأنّه طالما أكّد بأنّ الخطابية هم ضحية من ضحايا السفلة

ولقد حان - الآن - أن يتأمل زملائي في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض بأننا في معاهدنا العلمية السلفية نعاني من الغفلة عن وجود صنف خطير - عبّر عنهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالسفلة - وقد سبق ذكرهم بشكل مفصل في هذا الكتاب ؛ لأن هذا الصنف هو العدو الأكبر الله وللتوحيد ؛ وهؤلاء الصنف هم السبب في خروج أبي الخطاب من التوحيد ومعرفة الله وتحوله إلى شخصية ضد أهل التوحيد بعد أن كان من أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا الصنف لهم مسالك عديدة وأساليب خبيثة في إخراج الناس من التوحيد إلى الشرك ، وهؤلاء الصنف هم الذين خدعوا أبا الخطاب وخدعوا أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ هذا الصنف اندسوا في صفوف البسطاء الذين لديهم معرفة بالله ساذجة ولا يمتلكون معرفة كاملة بالتوحيد ولا يمتلكون ثقافة قرآنية ولا معرفة عميقة بمدرسة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا يدركون معاني كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام في معرفة الله والتوحيد ولا يتأملون فى كلماته عن أهل الشرك والمشركين ، وخطورة هؤلاء السفلة أنهم يظهرون بمظهر المدافعين والموالين للإمام جعفر الصادق علیه السلام ويلصقون أنفسهم في صفوف المدافعين عنه من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحابه ، مع أنهم يلعنون الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويلعنون أبا

ص: 118

الخطاب؛ لأنّهم يشتغلون في المؤسسة الأمنية وجهاز المخابرات التابع للدولة الظالمة وطاعتهم المطلقة للطاغية والطاغوت الذي كان في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي عصر أبى الخطاب، ووظيفتهم الرائيسية كتابة التقارير الأمنية ضد أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكتابة التقارير ضد أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فهؤلاء السفلة جماعة إنتهازية لا يهمها أمر التوحيد ومعرفة الله ولا يهمها أمر الشرك والمشركين ، والأمر الذي يهم جماعة السفلة مصلحتهم الدنيوية ومصالحهم المادية وشهواتهم ، والحصول على الثروة والمناصب بأي وسيلة ، وكانوا يسعون إلى تحقيق أهداف خطيرة من خلال تبنّي شعار الدفاع عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الظاهر والطعن في الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الباطن ؛ لأنّهم ينسبون إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام المقالات الباطنية المجوسية لأبي الخطاب ، يتظاهرون بأنهم يدافعون عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أصحابه

هؤلاء مثل الذين يشتغلون في الأمن السياسي في عصرنا ، فهم سفلة لا دين لهم ولا إيمان بوطن ولا مبادىء لهم ولا خلاق لهم يسعون بكل وسيلة للدفاع عن طغاة هذا العصر ؛ لأجل الحصول على الزعامة الدينية و الجاه والشهرة والثروة تحت شعار الدفاع عن التوحيد ومعرفة الله

والمثال الواضح للسفلة الذين ذكر الإمام جعفر الصادق علیه السلام أوصافهم وحذر أهل التوحيد ومعرفة الله منهم في عصرنا هو الشيخ أبوبكر الجزائري الذي سافر من الجزائر واستقر في المملكة العربية السعودية ، وهو يسعى جاهداً لتشويه صورة الدعاة إلى الله ؛ لأجل تبرير دفاعه عن جرائم سلاطين وملوك عصرنا، ويقول : وهيهات هيهات أن يتنكّر آل سعود لمبدأ الحق الذي أقاموا ملكهم عليه ووقفوا حياتهم على حمايته ونصرته ونصرة الدّاعين إليه والهادين إلى مثله .. إنّه لو لم يبق إلّا عجوز واحدة من آل سعود لم يكن لها أن تتنازل عن مبدأ الحق - من كتاب وجاءوا يركضون. -

ويقول : إنه لا يوجد مسلم صحيح الإسلام ولا مؤمن صادق علیه السلام الإيمان وفي أي بلد إسلامي كان إلّا ويتمنّى بكلّ قلبه أن يحكمه ابن سعود وإنّه لو يدعى إلى مبايعته ملكاً أو خليفةً للمسلمين لما تردد طرفة عين . كان ذلك من أجل أنّ هذه الدولة تمثل الإسلام وتقوم به وتدعو إليه - من كتاب الإعلام بأن العزف والغناء حرام.

ويقول : هذه الدولة الّتي كانت معجزة القرن الرابع عشر . هذه الدولة التي لا يواليها إلّا مؤمن ولا يعاديها إلا منافق كافر ما دامت قائمة بأمر الله - المرجع السابق.

ويقول : هذه الدّولة الإسلامية تمثل العدالة الإلهية في الأرض - نفس المرجع السابق.

ص: 119

وهكذا هؤلاء الصنف كان غرضهم في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام تشويه صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ من أجل تبرير وتبييض وتجميل جرائم سلاطين وملوك وطغاة وظلمة عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، تماماً كما شاهدنا هذا العصر كيف أن الشيخ أبا بكر الجزائري يشوه صورة الدعاة إلى الله من أجل الحصول على الجنسية السعودية والحصول على أموال آل سعود.

هؤلاء الصنف سوف يقال لهم يوم القيامة " : ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يُجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً. ، وما زال هذا الصنف من الناس مؤثرين على بسطاء طلاب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض إلى اليوم.

الصنف الثاني : من الذين كانوا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وحول أبي الخطاب ، هم لا بد لطالب العلم في المعاهد العلمية السلفية أن يعرف منشأ العلاقة بين الخطابية وبينهم من خلال معرفة سمات هذا الصنف من الناس ، وهوية هذا الصنف الحقيقية هي جمع الناس حولهم يبحثون عن مريدين لهم ومحبين لهم وذائبين في تقديسهم وتمجيدهم ، ويعشقون الزعامة الدينية ويستخدمون لجذب الأتباع كل أساليب الخداع ، ويعبدون ذواتهم ويريدون من الناس أن يسبحوا بحمدهم ويذكرونهم أشدّ من ذكرهم الله ، يتظاهرون بالدين ولا دين لهم يعبدون الله في المساجد ويرتكبون كبائر المحرمات في البيوت ، ويتلاعبون في كتاب الله وسنة رسول الله وفي روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ القرآن الكريم وسنة رسول الله وكلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام ما هى عندهم إلا مجرد دكاكين لجذب المريدين والمخدوعين بهم ، وقد كان أبو الخطاب من هذا الصنف كان يبحث عن الزعامة الدينية ؛ لأجل ذلك كان يدعي النبوة وكان يرغب بتجميع الناس حولة ، وكان يدّعي أن له مقامات غيبية عالية ، وأنه أصحاب الكرامات والمواهب الربانية ، وأنّه شخصية ألهية متصلة بالسماء وأهل السماء ؛ لأجل ذلك كان الحسن بن علي السجادة يصرح في مجالسه بأن أبا الخطاب أفضل من رسول الله رجال الكشي / ] ، وهكذا نجد أنَّ يونس بن ضبيان طلع في قبر ابنة أبي الخطاب وقال : السلام عليك يا بنت رسول الله " رجال الكشي] .

الصنف الثالث : من الذين كانوا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وحول أبي الخطاب أنّهم يكرهون الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويكرهون أبا الخطاب ، هذا الصنف هم الذين سمّاهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالنواصب ، هؤلاء يكرهون أهل بيت رسول الله ، ويلعنون الإمام علي في السر والعلن ، ولديهم خصومة شديدة مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكانت لهم كراهية شديدة لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولكلّ من يوالي أهل البيت ، ومن ثم نجد هذا الصنف الثالث تدفعهم كراهيتهم لأهل البيت إلى التعامل مع السفلة – الصنف

ص: 120

الأول - ، والإتصال باالشخصيات الأمنية من الصنف الأول الذين يعملون لصالح الجهاز الاستخباراتي لدولة الحاكم الجائر ؛ ولأجل كراهيتهم الشديدة لأهل بيت رسول الله - ص - تجدهم يضعون كلّ قدرتهم تحت طاغوت عصرهم ، ويتلقون التوجيهات من جهاز أمني استخباراتي يخدم الظلمة من السلاطين والملوك، ومن ثَمَّ فهذا الصنف الثالث وقف جنباً إلى جنب مع السياسة الرسمية للدولة الطاغية المعاصرة للإمام جعفر الصادق علیه السلام ولأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وليس لهذا الصنف صلة ومودة ومحبة للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل تجدهم يشتغلون لصالح أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّهم يشتركون مع أبي الخطاب ومع الخطابية ومع الطاغية الحاكم المعاصر للإمام جعفر الصادق علیه السلام في هدف واحد وهو تشويه صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وصورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتشويه صورة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهؤلاء الصنف من النواصب بذلوا كلّ جهدهم ؛ لأجل الخلط وعدم الفصل بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب ؛ لأنّ كراهيتهم للإمام جعفر الصادق علیه السلام أشد من كراهيتهم لأبي الخطاب ، وكراهيتهم لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أشد من كراهيتهم لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وتجدهم يلعنون مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ليلاً ونهاراً وسراً وجهراً ، ولا تجدهم يلعنون مذهب أبي الخطاب ابداً ، وأنا حينما كنت من غلاة السلفية في مدينة الرياض كنت من هذا الصنف الثالث ، وكان الذي جعلني انتمي لهذا الصنف هو إبراهيم الجبهان ، فبعد أن قرأت كتابه تبديد الظلام ، شرعت في ذكر عيوب !! الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكانت كراهيتي للإمام جعفر الصادق علیه السلام أشد من كراهيتي لأبي الخطاب ، وكنت أقول : هو جعفر الكذاب لا جعفر الصادق علیه السلام ، وكراهيتى لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أشد من كراهيتى لأصحاب أبي الخطاب ، وكنت أهاجم وانتقد مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الليل والنهار من دون أدنى ذكر لمذهب أبي الخطاب ، وحتي لو ذكرت مذهب أبي الخطاب فأذكره ؛ لأجل ذم وتشويه صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه ، وتشويه صورة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان لهذا الصنف الحصة الكبرى في توسيع مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأن هذا الخلط يريح قلوبهم المليئة بالكراهية للأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، لا سيّما كراهية النواصب للإمام جعفر الصادق علیه السلام هي أكثر من كراهيتهم لغيره من الأئمة الاثنى عشر ؛ لأن مذهب أهل البيت تسمّى بالمذهب الجعفري نسبة إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهم يبذلون كل جهدهم إلى عدم الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبى الخطاب ؛ من أجل أن يبتعد الناس عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حتى لو دخلوا في مذهب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك كنت في تلك الفترة قررت أن اكتب كتاباً ضد أكبر

ص: 121

شخصية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في القرن الرابع - أعني به الشيخ المفيد – ، وقد ذكرت ذلك في ثنايا بحوث هذا الكتاب ، وتجد غلاة السلفية في عصرنا يكتب الرجل منهم كتب عديدة وينشر عشرات المقالات ضد مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لكنك لا تجده يكتب مقالة واحدة عن مذهب أبي الخطاب، وحتّى إذا كتب عن مذهب أبي الخطاب يذكر في مقالته بأنّ مذهب أبي الخطاب هو عين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من دون أدنى فرق بين المذهبين ، كما شاهدنا ذلك في كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان الذي كان في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء يوزع علينا أكثر من توزيع القرآن الكريم ، ونصيحتي لزملائي من مشائخ غلاة السلفية هي أنه يجب أن تكون مودتنا وحبنا لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأن تكون كراهيتنا لأهل الشرك وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأن في ذلك تقدير للتوحيد وتقديس لمن عرف الله ، وكراهية لأهل الشرك والمشركين

الصنف الرابع : من الذين كانوا حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أبي الخطاب كانوا من

الشخصيات التي لا تتصف بالبساطة والسذاجة، بل تنقصهم الدقة والعمق والدراية ، ومثل هذا الصنف يقعون في الخلط والتخليط بين كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول التوحيد ومعرفة الله التي كان ينشرها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين الروايات الوثنية الخطابية التي كان ينشرها أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكانوا يخلطون بين روايات التوحيد وبين روايات الشرك من حيث لا يعلمون ، وتراهم يقولون : قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا يعلمون أنّها من مقولات أبي الخطاب التي نسبها كذباً وزوراً إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو التي دستها أصحاب أبي الخطاب في كتب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وترى هؤلاء السذج يقبلون كلّ من قال لهم سمعنا الإمام جعفر الصادق علیه السلام من دون دليل أو برهان، وتراهم بسبب سذاجتهم يقبلون بعض التفسيرات الباطنية الغنوصية الخطابية لكلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام بسسب ضعف ثقافتهم القرآنية يسهل على الثقافة الخطابية الباطنية الغنوصية المجوسية أنّ تأثر عليهم ، وهذا الصنف من الشخصيات الساذجة يقعون في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، هذا الصنف كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقول مراراً بأنّه يخشى عليهم من تأثير أبي الخطاب وأصحابه عليهم ؛ بسبب معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام عنهم بأنّهم لا يمتلكون القدرة على التمييز بين الروايات الوثنية المجوسية الشركية فى مذهب أبى الخطاب وبين الروايات التوحيدية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتراهم يخلطون بين طريق أهل التوحيد ومعرفة الله وبين طريق الشرك ، وبين الصراط المستقيم وبين صراط الجحيم ويتهمون من يفصل

ص: 122

بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بالضلال ، وبأنّه يريد الطعن في أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يفصلون بين الإمامة القرآنية وبين الإمامة الباطنية المجوسية ، وبين الثقافة القرآنية والثقافة المجوسية ، لأنّ سذاجة هذا الصنف الرابع تجعلهم لا يميزون بين سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين موكب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

ومن هنا تجدهم يركبون في موكب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وهم يحسبون أنهم ركبوا في سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن ثُمَّ يتهمون الذين يركبون سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالانحراف ؛ بسبب تأثرهم بشائعات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ويحكمون على كثير من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّهم لا يعرفون مقامات وخصاص وسمات وأسرار الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّهم قد تأثروا ببعض معالم الثقافة الخطابية الوثنية التي ترى بأنّ من لم يعتقد بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهو من الذين لا يعرفون مقامات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بعد أن غابت عنهم معالم الثقافة القرآنية ، وتراهم يخلطون بين الكذابين على الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الصدق والتقوى من الرواة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فيتهمون الثقات بالكذب ويعتبرون الكذابين من الثقات ، وتراهم لا يميزون بين الأفكار في مذهب أبي الخطاب الباطني المجوسي وبين الأفكار في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فيحكمون على فكرة باطنية خطابية بالصحة ويقضون على فكرة قرآنية جعفرية

توحيدية بالبطلان والضلال ، وتراهم لا يميزون بين صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين صفات الذات الإلهية بسبب مجالستهم ومعاشرتهم لأبي الخطاب وأصحابه ، مع أن الإمام جعفر الصادق علیه السلام حرّم الجلوس مع أبي الخطاب وأصحابه ، وأنا لدى مجالستي لمشايخ الخطابية في القرن العشرين وجدت غيابهم عن الثقافة القرآنية وقربهم من الثقافة النصرانية .

ورأيت نفراً من بله غلاة السلفية يشبهونهم فى أمور كثيرة ؛ لأنّهم كذلك لا يمتلكون القدرة على التمييز بين الروايات الوثنية لأصحاب أبي الخطّاب وبين الروايات التوحيدية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يدركون الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وتراهم يخلطون بين الكذابين على الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الصدق والتقوى من الرواة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فيتهمون الثقات بالكذب ويعتبرون الكذابين من الثقات، وتراهم لا يميزون بين الأفكار الخطابية الباطنية وبين الأفكار الجعفرية التوحيدية ، ومن نماذج هؤلاء إبراهيم الجبهان ، فكتابه تبديد الظلام يكشف عن سذاجته وبساطته

ص: 123

وفي الحقيقة أنني أرى أنّ إبراهيم الجبهان وغيره من غلاة السلفية من المتحيزين والمتعصبين ضد أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا يقبلون سماع رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويحملون الكراهية والخصومة لهم بسب عدم علمهم بأنّهم حاربوا أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وتجد أن الكراهية والخصومة لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تمنعهم من سماع مذهب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام القائم على التوحيد ومعرفة الله والمخالف لمذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ أمثال إبراهيم الجبهان من غلاة السلفية الذين يحكمون على مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالضلال والشرك بسب عدم علمهم بأنّ الإمام جعفر وأصحابه بذلوا حياتهم كلّها في سبيل مواجهة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فلديهم أحكام مسبقة ضد أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل معرفتهم ودراسة عقيدتهم في التوحيد

وهؤلاء الغلاة من السلفيين من أمثال إبراهيم الجبهان لا يخافون الله حين يتهمون أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالشرك على رغم أنهم وقفوا سداً منيعاً أمام المؤامرة الكبرى من قبل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ضد التوحيد وضد الموحدين ويحكمون على كلّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين خالفوا أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب بالشرك وهذا يعد من الظلم الكبير ، ومن ثمّ حكموا على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالشرك وكفروهم ؛ لأجل ذلك نجد أنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يحاربون من قبل جبهتين : الجبهة الأولي هي جبهة أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ؛ لأنّ من طبيعة المشرك بالله أنّه يكره الموحد العارف بالله ، والجبهة الثانية جبهة إبراهيم الجبهان وغيره من غلاة السلفية الذين تنقصهم التقوى العلمية ؛ لأن شدّة غلوهم عطّلت بصيرتهم وعقولهم ، حتى صاروا يتهمون أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالشرك ويتجاهلون معركتهم الكبرى مع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

لقد قرأت كثيراً عن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وعن الفرقة الخطابية التي تدافع عن الشرك والمشركين ، ورأيت أن حقدهم كله يتمركز حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأن الحركة الخطابية تكره الدعاة إلى توحيد الله ، ومن شدّة كراهيتهم لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كانوا يخترعون روايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ذمهم ولعنهم ، ولكن كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يفضح أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكل محقق يعلم علم اليقين بأنّ من سلوكيات

ص: 124

الخطابية تجويزهم الكذب على أهل التوحيد ومعرفة الله ، وما دام أنّ أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب يجوزون الكذب على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فمن الطبيعي أن يخترعون عشرات الروايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ذم وفي لعن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ورأيت أنّ غلاة السلفية من أمثال إبراهيم الجبهان الذين يعتمدون على روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في الطعن على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، مع أنّ إبراهيم الجبهان يعلم بأن من أهم المعتقدات المعروفة لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب تجويز الكذب والإفتراء على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتجويز التقول والإفتراء على كلّ من لم يؤمن بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام

والإنسان يعجب من غلاة السلفية الذين يرون أنفسهم هم المدافعون عن أهل التوحيد ومعرفة الله وهم الواقفوان أمام أهل الشرك ، لكنك تجدهم يقفون في صف واحد مع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في سبيل تشويه أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ من أجل ذلك كله نصيحتي لزملائي من مشايخ معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء ، إذا كانوا من الباحثين عن الحقيقة وبالتالي يريدون معرفة كيف ظلم إبراهيم الجبهان الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين رأى بأنّه لا يجوز وصفه بالصادق علیه السلام ، ولم يفصل بينه وبين أبي الخطاب ، ومعرفة كيف ظلم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين لم يفصل بينهم وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فعليهم مراجعة الكتب الرجالية والكلامية والأصولية والفقهية للمحققين العظيمين إمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - فهما من أعظم المدافعين عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعن أهل

التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن أعظم الذين كشفوا لنا حقيقة شخصية أبي الخطاب ، وكشفوا لنا عن حقيقة دور أصحاب أبي الخطاب في الدعوة إلى الشرك بالله وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكشفوا لنا المؤمرة الكبرى من أبي الخطاب وأصحابه على القرآن الكريم ، والطعن والتشكيك فيه وسوف نبيّن هذا الأمر في هذا الكتاب إنّ بعض غلاة السلفية في الرياض وصنعاء استحضروا أمامهم الأدلة القوية والموضوعية والعلمية والعميقة الواردة في الكتب الرجالية والكلامية والأصولية والفقهية والحديثية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما - ، حيث قدّم في تراثهما الفكري والرجالي العظيم الأدلة العميقة التي تبيّن الفصل بين شركيات ووثنيات وباطنيات أهل الشرك من

ص: 125

أصحاب أبي الخطاب وبين مباحث التوحيد وحقائق معرفة الله عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعجزوا عن الجواب عن تلك الأدلة التي قدمها الإمام الشيخ النجاشي والإمام الشيخ الطوسي ، وأدركوا أنّ هنالك نقصاً معيناً في طريقة تعاملهم مع أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي كيفية تعاملهم مع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، واستنفذوا كل جهدهم في دفع تلك الأدلة التي ذكرها الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في كتبهم الرجالية إلى أن استغرقوا كل قوة لديهم دون جدوى حينئذ خلقت ردت الفعل عندهم منهجاً خطيراً يسعى إلى إعادة صياغة شركات وباطنيات ووثنيات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب الباطني الغنوسي الوثني بصورة مشوقة ومشبوهة تؤدّي في نهاية المطاف إلى نسبت تلك الباطنيات والوثنيات والغنوصيات والشركيات إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ الهدف من إعادة صياغة شركات وباطنيات وغنوصيات وشركيات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب قد أصبح أسيراً لردّة الفعل أمام أدلة الإمام الشيخ الجليل أحمد بن علي النجاشي الكوفي والإمام الشيخ الجليل محمد بن الحسن الطوسي ، بحيث أصبح الرد على رجال الإمام النجاشي ورجال الإمام الشيخ الطوسي اللذان قدما الأدلة القوية على الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب – هو المحرك الأول والأخير فيما يبذله بعض غلاة السلفية من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ، وغاب عنهم أثناء الاستغراق في الدفاع عن منهج إبراهيم الجبهان - الذي يخالف منهج الإمامين - الشيخ النجاشي الشيخ الطوسي - ويرى بأنّه لا يوجد فرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك أصحاب أبى الخطاب - بأنَّ القرآن الكريم أمر بالفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله وبين أهل الشرك من دعاة تأليه البشر أو تأليه الحجر

إن غلاة السلفية من زملائي في المعاهد العلمية في الرياض وصنعاء ؛ لأجل شدَّة تعصبهم لمنهج إبراهيم الجبهان لا يمكن لهم القبول بمنهج الإمامين - الشيخ النجاشي الشيخ الطوسي - ؛ لأنّ العلامة الإمام الشيخ النجاشي والعلامة الإمام الشيخ الطوسي في تراثهما العظيم حين يستعرض الوثنيات والغنوصيات والباطنيات والمجوسيات والشركيات التي يذكرها كتاب تبديد الظلام بعنوان أفكار أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبعنوان معتقدات مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، يذكرها العلامة الشيخ الإمام النجاشي والعلامة الشيخ الإمام الطوسي بعنوان أفكار أصحاب أبى الخطاب وبعنوان معتقدات الخطابية الباطنية ، ونحن نجد الشركيات والكفريات في كتاب إبراهيم الجبهان تنسب وتلصق إلى شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وإلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفى المقابل نجد نفس تلك الشركيات

ص: 126

والكفريات تنسب في التراث الرجالى لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله إلى شخصية أبي الخطاب وإلى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ومنهج الشيخ النجاشي والشيخ محمد بن الحسن الطوسي يتفق مع منهج العلامة المصري الشيخ محمد الغزالي الذي كان يرى ضرورة أن نفصل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن أصحاب أبي الخطاب ، وسوف نذكر كلام الشيخ محمد الغزالي في هذا الموضوع في خاتمة هذا الكتاب

الحقيقة السادسة : ومما ساعد على توسيع هذه المشكلة الخطيرة في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء الغموض الشديد الذي اكتنف مسألة الفصل بين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأن الذين سمّاهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالسفله - وذكرناهم بشكل مفصل في هذا الفصل من الكتاب بذلوا كلّ جهدهم من أجل عدم الفصل بين أصحاب أبي الخطاب وبين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل تشويه صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتشويه صورة أهل التوحيد من أصحابه ، و استغل الطغاة من السلاطين العباسيين هذا الغموض الذي أوجده أعوانهم السفلة ، وكان الطغاة لهم فريق من السفلة يضعون روايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام تدعو إلى الشرك بالله وتسوا هذه الروايات في بعض كتب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولما جاء المتأخرون عن عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام التبس على البسطاء والبلهاء الأمر واختلط عليهم كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع الكلام الذي دسته السفلة من عملاء الدولة العباسية فى كتب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بحيث أن هؤلاء البسطاء وقعوا في الشرك بالله ومالوا إلى عقيدة أبي الخطاب بسبب الروايات التي دستها السفلة في كتب أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك جاء في عصر الإمام الصادق علیه السلام وبعد عصره من كانوا متخصصين في الكتب والأصول التي كتبها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ومثل هذه الأجواء هيأت لخصوم الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصوم أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من سلاطين وطغاة الدولة العباسية ومن أتباعهم السفلة أن ينسبوا إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام وإلى أهل التوحيد ومعرفة الله الروايات التي تدعو إلى الفكر الباطني الخطابي وإلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ولا شك بأنّه إذا لم تكن هنالك معرفة دقيقة بالفرق بين الروايات المروية عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تتفق مع التوحيد ومعرفة الله وتوافق القرآن الكريم وبين الروايات المكذوبة على

ص: 127

الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تتفق مع عقيدة أبي الخطاب في الدعوة إلى ألوهية جعفر الصادق علیه السلام وربوبيته والتي تطعن في القرآن الكريم وتعلن تحريفه بالزيادة أو النقصان وتنشر طاغوت التفسير الباطني الخطابي للقرآن على طريقة بولس في تفسيره الباطني الذي جعله ينقل النصارى من عقيدة التوحيد ومعرفة الله إلى عقيدة الشرك والتثليث ، وتطعن في أحد زوجات رسول الله وتتهمها بالزنا ، وتبالغ في الطعن على أصحاب رسول الله ، وتبالغ في معاداة أهل السنة والجماعة .

من هنا ينبغى على طالب العلم فى معاهدنا السلفية الحذر من أن يخلط بين الروايات الثابتة التي صدرت من قبل الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الروايات الخطابية المجوسية المكذوبة على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والمدسوسة في كتب بعض أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ هذه الروايات جعلت معاهدنا العلمية السلفية تخلط بين أصحاب أبي الخطاب وبين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، من أجل ذلك لابد لطالب العلم السلفي التقي من مراجعة القاعدة الأساسية التي ذكرها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونقل عنه هذه القاعدة الأساسية كلُّ علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهذه القاعد الأساسية منقولة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بصورة متواترة ، وجعل الإمام جعفر الصادق علیه السلام هذه القاعدة الأساسية هي المعيار والمقياس والميزان في تمييز الرويات التي صدرت منه عن الرويات التي نسبها إليه أصحاب أبي الخطّاب ، وسنذكر هذه القاعدة الأساسية من خلال هذه الروايات المنقولة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي رسم فيها تلك القاعدة : قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ، فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، ما خالف كتاب الله فردوه " وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي : 27-118] .

وروى الإمام جعفر الصادق علیه السلام بسنده بأن رسول الله - ص - قال : " قد كَثُرت الكذَّابة علينا ، فأيُّ حديثٍ ذُكر يُخالف كتاب الله ، فلا تأخذوه ؛ فليس منا " [رجال الكشي – 489/2] ، قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف " [الكافي للكليني / 69:1] ، وقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله ، فهو باطل " [تفسير العياشي / 9:1] .

وفي نهاية المطاف نختم برواية يصف الإمام جعفر الصادق علیه السلام أحد رموز الخطابية الذين يطعنون في التوحيد ومعرفة الله ، ويستهينون بالقرآن الكريم " ويله ما صغر الله أحداً تصغير هذا الفاجر ، إنه شيطان خرج من البحر ليغوي أصحابي وشيعتي فاحذروه ، وليبلغ الشاهد الغائب أنّي عبد الله بن عبد الله قن ابن أمة ضمتني الأرحام ، وأنّي لميت ، وأنّي لمبعوث ثُمَّ موقوف ثمَّ مسؤول " [جامع أحاديث الشيعة ، البروجردي : 20-541]

ص: 128

وفي الواقع أنّ هذا الكتاب لا يتسع لنقل كل ما جاء عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في رسم تلك القاعدة الأساسية التي رسمها الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أجل التمييز بين روايات أصحاب أبي الخطّاب التي دسها أصحاب أبي الخطّاب في كتب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وخلاصة هذه القاعدة الأساسية تتمثل في ردّ أي رواية نسبت إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام إذا كانت تخالف القرآن الكريم ، حتى لو رواها عنه أهل التوحيد ومعرفة الله من خيرة أصحابه بسند صحيح ؛ لأن الخطابية كانوا يضعون متون ومحتويات تشتمل على معتقدات مجوسية خطابية ، ثم يكذبون بأنّها من كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويدسونها في كتب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ثم يختارون لهذه المحتويات الخطابية المجوسية أفضل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - من خصوم أبي الخطاب - ويزعمون أنه سمعها مباشرة من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وغرضهم من ذلك إرغام أنف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان على عقيدتهم الخطابية المجوسية ، فالقاعدة الإساسية للإمام جعفر الصادق علیه السلام تجعل القرآن الكريم هو الميزان وليس الميزان صحة السند عند علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان لهذه القاعدة الأساسية دور كبير في نشر الثقافة القرآنية عند أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما كان لها دور في القضاء على الثقافة الوثنية الخطابية ، وتلك القاعدة الأساسية القرآنية هي التي قضت على الرويات الخطابية المكذوبة على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فصار منهج عرض الروايات على القرآن مقبولاً عند كل علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك قال الشيخ القديم المفيد - الذي كان لكتبه الدور الأكبر في تركي مذهب الإمام محمد عبد الوهاب ودخولي إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – " ومتى وجدنا حديثاً يخالفه الكتاب [القرآن الكريم ، ولا يصح وفاقه له ، اطرحناه لقضاء الكتاب بذلك [ تصحيح عقائد الإمامية للشيخ المفيد / 49]

.

إنّ منهج الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة الروايات التي يرددها أصحاب أبي الخطاب وينسبونها إليه هو منهج يقوم على تكذيب ما ينقل عنه من روايات تخالف القرآن الكريم حتى ولو كانت الرواية موجودة في كتب أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام بيّن بأن أبا الخطاب كان يكذب عليه ، و كان يدس الروايات في كتب أصحابه ، وقبول الرواية المنقولة عنه إذا خالفت القرآن الكريم سوف يترك هذا مجالاً للمغرضين الخبثاء ، أو المخلطين البسطاء في التلاعب والخلط والتخليط واللبس والتلبيس بين عقيدة التوحيد ومعرفة الله لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين عقيدة الشرك لدى أصحاب أبي الخطاب ؛ ولأنّ قبول الرواية المنقوله عنه المعارضة للقرآن الكريم سوف يكون نتيجته الخلط بين أقوال الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الأقوال التي وضعها أبو

ص: 129

الخطّاب ومن معه من الخطّابية ، وقبول الرواية المنقولة عنه البعيدة عن القرآن الكريم ، سوف يؤدي الى تحول مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من عقيدة التوحيد ومعرفة الله القرآنية إلى عقيدة الشرك الخطابية المجوسية ؛ وسوف تقود إلى الخلط بين معالم التوحيد والموحدين ومسالك الشرك والمشركين

من هنا تجد بأن أصحاب أبي الخطاب والخطابية يرفضون عرض الروايات المنقولة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام على القرآن الكريم ؛ لأنهم على علم بأنّهم لو عرضوا ما عندهم على كتاب الله لضاعت عقيدة أبي الخطاب واندثرت الخطابية ومقالاتها الشركية المجوسية ، وقد جلست مع بعض مشايخ الخطابية في عصرنا ووجدتهم يطعنون في هذه القاعدة الإساسية

وقد قرأت تراث الخطابية وكتبهم المخطوطة والمطبوعة والتي ذكر بعض عنواينها الإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليه – في فهرسه ، وذكر بعضها الإمام الشيخ الجليل النجاشي في فهرسه ، وجلست مع المعاصرين لنا من مشايخ الخطابية ورأيتهم يطعنون في كلّ الروايات المتواترة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي يطالب فيها بعدم قبول أي كلمة أو رواية نسبت إليه وهي تخالف القرآن الكريم ؛ وأرى أن من حق أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب وكل الخطابية من ألاموات ومن الأحياء أن يطعنوا في كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي يؤكّد فيه بأنّه لا يمكن أن يقول قولاً يخالف القرآن الكريم ، ويأمر برمي أي رواية منسوبة إليه تخالف كتاب الله ، ولو كان الذي رواه عنه من خيرة أصحابه ؛ لأنّ معتقدات أبي الخطاب مبنية على أساس مخالفة القرآن الكريم ، وتغطية كلّ الحقائق العشر القرآنية ونسف كل الخصائص الست القرآنية التي طرحناها في هذا الكتاب ، وتعطيل كل المصطلحات القرآنية ، وحلّت محلّ الثقافة القرآنية الثقافة المجوسية الغنوصية عند أبي الخطاب وعند أصحاب أبي الخطّاب ، وترى عند الخطابية ثقافئ مجوسية جديدة يسمونها تفسير باطن القرآن الكريم .

الحقيقة السابعة : ومما ساعد على توسيع هذه المشكلة الخبيثة في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء هو أتباعنا لمنهج غلاة السلفية في تقديس وتنزيه الطغاة الفسقة الظلمة من سلاطين الجور من الملوك الأمويين ومن الملوك الأمويين ، وقولهم يبيّن بشكل صريح بوجوب طاعة الحاكم المسلم ولو كان محارباً لأهل التوحيد ومقربا لأهل الشرك والتثليث

إنّ السلفيين المغالين في تنزيه وتقديس فراعنة هذه الأمة وطواغيتها يعطلون كلّ آيات القرآن الكريم التى تنهى عن الركون إلى الظلمة ، ويجعلون مستقبل الأمة الإسلامة مرهوناً بطغاة هذه الأمه ، ويتجاهلون حقيقة يقينية بأنّ سبب تخلّف المسمين وهزيمنهم أمام الصهيونية المحصورة في شرذمة قليلة منبوذة من قبل أكثرية المجتمعات بما فيهم الكثير من يهود هذا العالم ، لكن تلك الشرذمة لهم تأثيرهم في حكام آل سعود الذين يحمون معاهدنا العلمية السلفية

ص: 130

في صنعاء ونحن نتبنّى منهج وجوب طاعة طغاة آل سعود كما قلنا بوجوب طاعة طغاة بني أمية ووجوب طاعة طغاة بني العباس

وسنثبت بالدليل والبرهان بأنّ أخطر عقيدة تهدم التوحيد ومعرفة الله وتعطّل القرآن الكريم ، وتعطّل إقامة الدولة القرآنية هي عقيدة غلاة السلفية بوجوب طاعة الطغاة والطاغوت من سلاطين الجور الذين هم وراء طاعتنا لدول الشرك والتثليث وخضوعنا للكيان الصهيوني، ولا يمكن لغلاة السلفية أن يحرزوا التوحيد ومعرفة الله وأن يمتلكوا الثقافة القرآنية الكاملة إلا إذا تخلّوا عن عقيدتهم بوجوب طاعة فراعنة هذه الأمة الإسلامية ؛ ولأجل عقيدة غلاة السلفية بوجوب طاعة طغاة هذه الأمة نجدهم كتبوا الكتب ضد مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إمتثالاً لأمر ملوك السعودية الذين يحاربون مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أجل مواجهة الثورة الإسلامية في إيران

والآن حان الوقت لتلخيص المواضيع التي أشرنا إليها حتى تستقر في ذهن طالب العلم في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض :

الموضوع الأول : توضيح وتبيين مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب وأنّ الخطأ في هذه المرحلة سوف يتولد وينبثق عنه أن ننسب المقالات المجوسية والوثنية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الموضوع الثاني : بعد أن انتهينا من توضيح وتبيين المرحلة الأولى لمعرفة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، أشرنا بصورة مختصرة إلى أسباب وعوامل تكوين أو توسيع مشكلة الخلط بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض.

الموضوع الثالث : أشرنا بصورة مختصرة إلى الآثار الخطيرة والنتائج الخبيثة التي نجمت الخطأ في مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فبعد أن انبثقت مشكلة الخلط بين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الخطأ في المرحلة الأولى ، تولّدت من هذه المشكلة الخطيرة تلك النتائج والآثار الخبيثة التي سبق أن ذكرناها بصورة مختصرة ، ولآن حان

ص: 131

الوقت أن نعرض على طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أسباب مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

* *

أسباب مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب

ص: 132

وحان الوقت لتناول أسباب وعوامل تكوين أو توسيع مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب عند معاهدنا العلمية السلفية ، بعد أن ذكرناها بصورة مختصرة:

لا : القسم الأول من الأسباب والعوامل التي ترجع إلى جهل معاهدنا العلمية السلفية

الجهل يتمثل في عدة أسباب:

السبب الأول : الجهل فى معرفة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والجهل في معرفة شخصية أبى الخطاب :

وهذا السبب سبق بيانه في هذا الكتاب إذ أننا لم نكن نتصوّر بأن يوجد فرق بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين أبى الخطاب

السبب الثاني : الجهل بأهل الشرك مثل أبي الخطاب ومثل أصحاب أبي الخطّاب :

السبب الثالث : الجهل بالإمام جعفر الصادق علیه السلام وبأهل التوحيد ومعرفة الله من الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه :

الجهل وهو أمر مرفوض لدى غلاة السلفية ولدى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكراهية الجهل عند غلاة السلفية ولدى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تنبعث من تحذير القرآن والسنّة النبوية - التي لا تخالف كتاب الله لا تخالف كتاب الله - ، إذ بيّنا للمسلمين أن تحول الأديان من عقيدة التوحيد إلى عقيدة الشرك يقترن - دائماً - دائماً - بالجهل.

وتاريخ الشرك بالله مع تاريخ الجهل توأمان، و لهذا فنحن لا نستطيع أن نَجِدَ شركاً بالله من دون أن يكون مبدأه ومنشأه ظهور الجهل.

وهناك شيء مسلّم به من الوجهة التاريخية وهو : إنّ كلّ الفرق التي تنتسب إلى الإسلام - وهي بعيدة عنه - كان الجهل وراء انحرافها عن الإسلام.

ص: 133

ونحن لا نريد هنا أن نذكر كل ما ورد في شأن الجهل في الكتاب والسنّة – التي لا تخالف كتاب الله – ، ولا نحاول هنا أن نبحث عن الآثار الخطيرة للجهل ، فهذه المواضيع لا ترتبط ارتباطاً كاملاً بموضوع هذا الكتاب.

السبب الرابع : الجهل بالفرق بين طريقة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في التعامل مع أصحاب رسول الله وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في التعامل في التعامل مع أصحاب رسول الله

وهذا الجهل جعل معاهدنا العلمية السلفية فى الرياض وصنعاء يتصورون بأنَّ طريقة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في التعامل مع أصحاب رسول الله - ص – ، هي نفس طريقة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وبالتالي قادنا هذا الأمر إلى الوقوع في مشكلة الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله وسوف نبيّن السبب الرابع في الباب الرابع من هذا الكتاب ، ولكن سنبين السبب الرابع - هن – بشكل مختصر ، وسوف نذكر هذا الموضوع بالتفصيل في الباب الرابع من هذا الكتاب عند ذكرنا للخاصية القرآنية السادسة من الخصائص القرآنية الكبرى التي هي من خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

أما الذي نريد أن نبحث عنه ويرتبط بموضوع هذا الكتاب ولم يتم البحث عنه في مكان آخر هو موضوع العلاقة بين الجهل ومشكلة الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله .

وقد أدّى الجهل في معاهدنا العلمية السلفية بقضية الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب إلى إيجاد مشكلة الخلط الغريب بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب من أصحاب رسول الله .

وأذكرُ أنّني عندما كنت أدرس في السعودية ، وكنت يومئذٍ جاهلاً بالفرق بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله وكنا نتعلّم تعليماً غريباً يؤدي إلى تزييف وتشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام

جعفر الصادق علیه السلام ، ويؤدّي إلى تشويه وتزييف موقفهم من أصحاب رسول الله ، ويجب معرفة

ص: 134

بأنّه لمّا كان للقرآن الكريم قيمة كبرى لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، انعكس ذلك في وجود قيمة كبرى في قلوبهم لأصحاب رسول الله - ص مدحهم القرآن الكريم ، وفي المقابل لما هان القرآن الكريم عند أصحاب أبي الخطاب ، هان في قلوبهم قيمة أصحاب رسول الله – ص الذين مدحهم القرآن الكريم .

وكان أسلوب التعليم - في تلك الفترة - هو السبب عندي في جهلي بتاريخ موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله ، وكان لهذا الجهل أثراً خطيراً على نظرتي إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّي كنت اتصوّر بأن عقيدتهم في أصحاب رسول الله هي نفس عقيدة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في أصحاب رسول الله ، ولما هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية ، كنت أريد معرفة موقفهم من أصحاب رسول الله – ص – الذين مدحهم القرآن الكريم ، وبدأت أدرك الفرق الجوهري بين موقف أصحاب الإمام الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله ، وموقف أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله ، وهذ الخلط أمر طبيعي ؛ لأنّ من لم يدرك الفرق بين أصحاب أبي الخطاب وبين أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ، لا يستطيع أن يدرك الفرق الجوهري بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله

وزملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية لا بد لهم أن يعلموا أنّ التباين بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله من البديهيات؛ لأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يحددون موقفهم من أصحاب رسول الله من خلال التأمل والتدبر في ما جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية – التي لا تخالف كتاب الله - حول خصائص أصحاب رسول الله ، فكل من عرف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يعلم علم اليقين أنّهم يتبعون النصوص القرآنية كلمة كلمة ويتمسكون بالسنّة التى لا تخالف كتاب الله ولا يتخطوها سوء فى قضية أصحاب رسول الله أو في غيرها من القضايا الهامة التي عالجها كتاب الله وسنة رسول الله – ص – التي لا تخالف كتاب الله

وهذا البحث إنما كتب للذين لديهم شبهة؛ إذ الشبهة قد تجعل الأمر البديهي الصريح بحاجة إلى توضيح

ص: 135

ولا شك أنّ الذي يتبع منهج كبار علماء السلفى ى ن المعتدلين في العصور القديمة والعصر الحديث لا يحتاج إلى هذا البحث؛ لأنّهم لا يشكون في المفارقة والمباينة بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وموقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله .

إذن، ينبغي لمعاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء أن تلتفت إلى كلمات علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في فصلهم بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله وموقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله وأن تحذر من الوقوع في طريقة غلاة السلفية عند تناولهم لهذه القضية الخطيرة وأن تمارس معاهدنا العلمية السلفية طريقة النقد الذاتي لأسلوبها في طرح هذه القضية الهامة ، وأن تنتقد طرحها لهذه القضية المصيرية و أن تعيد النظر في في ذلك الطرح ؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يعيد النظر في فهمه وإدراكه إلا إذا مارس مرحلة النقد الذاتي لذلك الفهم ، فإذا لم يمارس هذه المرحلة فمن المحال أن يعيد النظر – من جديد من جديد - إلى فهمه وإدراكه السابقين

ويميز الصواب والخطأ فيهما.

*****

لا زال البحث عن اسباب مشكلة الخلط بين أصحاب أبي الخطاب ، وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والآن أتوجه إلى طلاب العلم في معاهدنا السلفية الأكارم أن يراجعوا أنفسهم في موضوع يحتاج منهم إلى تأمل وتدبّر ؛ ولأجل حتّهم على مراجعة أنفسهم عند طرح هذا الموضوع الخطير سوف ارسم له صورة مختصرة عن جهل معاهدنا السلفية بموقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فهذا الجهل هو من أسباب مشكلة الخلط عند معاهدنا العلمية السلفية بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وتلك الصورة هي بالشكل التالي :

الجهل بموقف عبد الله بن أبي يعفور من أبي الخطّاب وأصحاب أبي الخطّاب

ما أظن أنه يوجد في الأرض خطابي من الخطابيين المشركين ليس لديه الإحساس بكراهية عبد الله بن أبي يعفور ؛ لأنّه كان يغلق كلّ منافذ الشرك ، وكان ينشر معالم التوحيد ومعرفة الله ، وكان سداً منيعاً أمام الذين كانوا يلوثون معرفة الله وتوحيده بالأهواء ، ويشوبون نقاء توحيد الله بالخرافات

ص: 136

من هنا نجد أنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يشيد به ، ويقول : " ما وجدت أحداً يقبل وصيتي ويطيع أمري إلّا عبد الله بن أبي يعفور " ، وقال ذات يوم : " ما أحد أدى إلينا ما افترض الله عليه فينا أنا عبد الله بن أبي يعفور " [ رجال الكشي] .

وليس لنا أن ننقل فى هذا الكتاب المختصر كلّ ما ذكره الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الإشادة به ومدحه ، وهنالك أمور استوقفتني في حياة هذا الرجل العظيم ؛ لأنّها تبيّن القلق والحذر عند عبد الله بن أبي يعفور من أي أمر يمس حريم التوحيد ومعرفة الله (الحقيقة القرآنية الأولى) ، أو يطعن في قداسة النبوة (الحقيقة القرآنية (الثانية أو ، أو يطعن في قداسة الإيمان بيوم القيامة (الحقيقة القرآنية الثالثة أو يطعن في قداسة شرائع وأحكام الإسلام ( الحقيقة القرآنية الرابعة ) أو يطعن في قداسة أي حقيققة من الحقائق القرآنية الكبرى العشر ، أو يطعن في قداسة الخصائص القرآنية الست التي رفع من مقامها الله - جل ثناؤه – في القرآن الكريم وسوف أذكر مشهداً من مشاهد دفاعه عبد الله بن أبي يعفور عن حقائق القرآن الكريم ، يحكي هذا المشهد حاوراً بين عبد الله بن أبي يعفور ومعلى بن خنيس حول النبوه الحقيقة القرآنية الثانية) : " قال عبد الله بن أبي يعفور : " الأوصياء [ من آل محمد ] علماء أبرار أتقياء " ، فردّ عليه المعلى بن خنيس قائلاً : " الأصياء أنبياء" !! ، فحكم الإمام جعفر الصادق علیه السلام لصالح عبد الله بن أبي يعفور ، وقال : " أبرأ ممن قال : إنا أنبياء " [رجال الكشي] ، جاء الجواب من الإمام جعفر الصادق علیه السلام حاسماً لا مجاملة ولا مداهنة فيه " أبرأ ممّن قال : إنا أنبياء ؛ لأن القول بأن الأوصياء الاثني عشر لرسول الله كاونوا من الأنبياء فيه طعن بالقرآن الكريم الذي بيّن أن النبوة ختمت برسول الله -ص- ، ومن دون شك بأنَّ العقيدة الخطابية تقوم على أساس وجود أنبياء بعد خاتم الأنبياء ، وبقي عبد الله بن أبي يعفور يدافع عن الحقائق القرآنية إلى آخر يوم في حياته ، وهناك أمور أخرى ترسم لنا دور هذا الرجل العظيم في حماية الحقائق القرآنية العشر الكبرى ، ولكن لا مجال لذكرها في هذا الكتاب المختصر وقد راجعت في تراث الخطابية في عصرنا فوجدتهم ما زالوا يستنقصون من مقام عبد الله بن أبي يعفور إلى اليوم ؛ لأنّه كان من حواري الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين آمنوا بوحدانية الله ، ودعى إلى عبادة الله وحده ناعيا على الذين اتخذوا جعفر الصادق علیه السلام إلها ، وعندما تتعمق في دراسة مواقف عبد الله بن أبي يعفور ضد دعاة الشرك والمشركين من أصحاب أبي الخطاب يتبادر ذهنك إلى الحواريين من أصحاب عيسى بن مريم ، الذين آمنوا بالله ، ورفضوا ألوهية عیسی بن مریم مرددين شعار القرآن الكريم : " إِنَّ مَثَلَ عيسى عِنْدَ الله كمثل آدم . خلقه من تراب ، ثم قال له كن فيكون " [آل عمران : 59] ، وهنالك صورة أخرى من مظاهر جهل معاهدنا العلمية بدور مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في حماية الحقائق العشر القرآنية الكبرى ،

ص: 137

وفي حماية الخصائص القرآنية الست الكبرى ، ويتجلى هذا الجهل في غفلة معاهدنا العلمية السلفية عن موقف الفضل بن شاذان من أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب ، وجهل معاهدنا العلمية السلفية بموقف أحمد بن عيسى الأشعري القمي من أبي الخطاب أصحاب أبي الخطاب ، وجهل معاهدنا العلمية السلفية بموقف عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي من أبي الخطَّاب وأصحاب أبي الخطاب ، وجهل معاهدنا السلفية العلمية بموقف علي بن الحسن بن فضال من أبى الخطَّاب وأصحاب أبي الخطاب ، وجهل معاهدنا العلمية السلفية بموقف أبي النَّضر محمد بن مسعود بن عياش السمرقندي ، المعروف بالعياشي ، من أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطَّاب ، ولقد هام العياشي كالعاشق المهموم في بلادٍ لا تربطه بهم نسب ولا سبب ، ومضى يقطع البلدان بحثاً عن روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبذل كل التركة الكبرى التي تركها له والده في سبيل خدمة التوحيد ومعرفة الله ، قال تلميذه – الكشي سأل شيخه العياشي عن أبي يعقوب إسحاق بن محمد البصري ، فقال الشيخ الإمام العياشي رضوان الله عليه - بأنه كان غالياً ، وصرت إليه إلى بغداد لأكتب عنه ، وسألته كتاباً أنسخه ، فأخرج إليَّ من أحاديث المفضل ابن عمر في التفويض ، فلم أرغب فيه الكشي : 1014] ، لقد سافر الإمام العياشي من بلده إلى بغداد من أجل أن يسمع ويكتب روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أبي يعقوب إسحاق بن محمد البصري ، ولكنّه تحرج أنْ يعتمد عليه ، لمَّا شاهد أنَّه كان مغالياً في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وغفلة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان غفر الله لنا وله عن دور الإمام العياشي في مواجهة أبي الخطّاب وأصحاب أبي الخطاب ودوره في الدفاع عن الحقائق القرآنية العشر الكبرى ، وفي الدفاع عن الخصائص القرآنية الست الكبرى هي التي جعلته لا يفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب ولعلّها كبوة الجواد ، والملام كله على من يتعصبون لخطئه ، ويخاصمون الصواب بعد ما تبيّن و لا أدري لحساب من ؟ ينشر كتاب تبديد الظلام الذي يطعن بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، الذي كان إمام الدعاة إلى توحيد الله ومعرفته في عصره ، ويطعن في أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين بذلوا مهجهم وحياتهم في سبيل الدفاع عن حقيقة التوحيد ومعرفة الله

والآن نعود إلى موضوعنا الأصلي ونذكر جهل معاهدنا العلمية السلفية بموقف علي بن الحسن بن فضال من أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب ، وقد اشتغل علي بن الحسن بن فضال طوال حياته محامياً عن القرآن الكريم في حقيقته الكبرى والأولى حقيقة التوحيد ومعرفة الله ؛ ولأجل كان محامياً عن تلك الحقيقة القرآنية الكبرى وقف بالمرصاد يتتبع مؤمورات أهل الشرك من الذين يمكن أن يشكلوا نواة للثقافة الخطَّابية ، وهذا الأمر من أعظم آلا الله

ص: 138

على علي بن الحسن بن فضال - رضوان الله عليه ، وأنا أعتقد بأنَّ أعظم نعمة للعبدِ أن يشتغل محامياً عن الله وتوحيده ومعرفته - الحقيقة القرآنية الأولى من الحقائق العشر القرآنية في هذا الكتاب - ، ونعمة التوحيد ومعرفة الله توجب علينا أن نقدر قدر الذين صرفوا حياتهم في المحاماة عن نعمة معرفة الله ؛ لأجل ذلك سعيت في هذا الكتاب أن أعلي من شأن حماة التوحيد ومعرفة الله ، وأرى أنَّ علي بن الحسن بن فضال من المظلومين الذين جعلتهم كتبنا في معاهدنا السلفية من دعاة أهل الشرك ومن الدعاة إلى أبي الخطاب وسوف يستبين لطالب العلم السلفي التقي بأنَّ علي بن الحسن بن فضال لم يكن مشركا خطابياً بل كان موحداً جعفرياً ، وقد رأيت بعيني مشايخ الخطابية في القرن العشرين يلعنون علي بن الحسن بن فضال ، ولمست ذلك بيدي ، وسمعت مشايخ الخطابية في عصرنا يلعنونه ، ويطالبون بعدم قبول أقواله في مجال تراجم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي مجال تراجم أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ هذا الرجل لم يكن يجامل أحداً على حساب توحيد الله ، وعلى حساب كتاب الله ، وسوف أذكر نماذجاً تدل على إشتغال علي بن الحسن بن فضال في تتبع مؤمورات أهل الشرك من الذين يمكن أن يشكّلوا نواة للثقافة الخطَّابية المجوسية :

النموذج الأول : روى الكشي حدثني محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن

، عن إسماعيل بن مهران قال : رمي بالغلو رجال الكشي ، 388] .

والنموذج الثاني : روى الكشي ... حدثني محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضال ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، فقال : كذاب ملعون ، رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، إلّا أنّي لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحدا . [رجال الكشي ، 347]

والنموذج الثالث : روى الكشي ... حدثني محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن حسان الهاشمي فقال : هو كذاب " . [رجال الكشي ، 377] .

والنموذج الرابع : روى الكشي ... حدثني محمد بن مسعود قال : سألت علي بن الحسن بن فضال ، عن المنخل بن جميل الكوفي بياع الجوارب فقال : هو لا شيء ، متهم بالغلو رجال الكشي ، 309] ، إنني أعرف أن بعض زملائي في المعاهد العلمية السلفية يوجس خيفة من دفاعي عن علي بن الحسن بن فضال ، ولكن تجاربي في ميدان دور أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة الشرك والمشركين من أصحاب أبي الخطاب تجعلني أدرك مقام وعظمة علي بن الحسن بن فضال ، ولنا في القرآن الكريم قدوة فهو صريح في الدفاع عن دعاة التوحيد ومعرفة الله ، ولا أحد يجهل بأن علي بن الحسن بن فضال كان من كبار الدعاة إلى التوحيد ومعرفة الله في عصره .

ص: 139

ونحن لم نكتب هذا الكتاب إلا لأنّ جهل زملائنا السلفيين في المعاهد بموقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هي من الأسباب الرئيسية لتضخم مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وهذا البحث يتناول سببا من أهم الأسباب التي وسعت مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب عند معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض ، ولا شك أنّ معاهدنا العلمية السلفية لو كانت تعلم موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لما خلطت بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ويشتمل هذا البحث على خمسة أقسام:

القسم الأول : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من التصورات الوثنية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

القسم الثانى : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من التشريعات الوثنية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

والقسم الثالث : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الشخصيات الوثنية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

القسم الرابع : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الروايات الوثنية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

القسم الخامس : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الكتب الوثنية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وفيما يلي صورة للأقسام الخمسة التي تبين وتوضح موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب:

ص: 140

الشكل [0]

موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب أبي الخطاب

القسم الأول : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من التصورات الوثنية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ونحن سوف نتناول هذا القسم الأول عند طرحنا للحقيقة القرآنية الأولى حقيقة التوحيد ومعرفة الله ، لأجل ذلك سوف نذكر صورة مختصرة حول هذا القسم الأول ، وسوف يتبيّن لنا بأنّ لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام دور عظيم في انقاذ المسلمين من العقائد الجاهلية والتصورات الضالة لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ولولا تلك الجهود العظيمة التي بذ لها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لكانت حركة أصحاب أبي الخطاب قد نقلت المسلمين من عبادة الله إلى عبادة الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وسوف يتضح ويتبين لنا الطريقة المنهجية والموضوعية التي اتخذها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، مما جعل تضليل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ينحصر ويتأقلم في شرذمة قليلة تعرف اليوم في العالم الإسلامي بأنها تتبنى عقيدة أبي الخطاب في ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد مع أحدهم وكان حواره معي ؛ لأجل إقناعي بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان إلها ، وعقيدتي بأنّه لولا جهود أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في محاربة تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لكانت فكرة ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام جزء من عقيدة المسلمين ، كما صارت فكرة ألوهية عيسى بن مريم جزء من عقيدة النصارى .

لقد كانت أهم الصور المنحرفة لأصحاب أبي الخطاب وصف الإمام جعفر الصادق علیه السلام بصفة من الصفات الخاصة بالله والتي وقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام منها موقفاً حاسماً من ذلك الشرك الصريح الذي معناه رسم صورة مشوهة عن الذات الألهية

ص: 141

، وقد لخص الإمام الشهرستاني تلك الصورة بعبارة وجيزة وقال : " وهم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربّما شبّهوا واحداً من الأئمة بالإله، وربّما شبهوا الإله بالخلق، وهم على طرفي الغلو والتقصير وإنّما نشأت شبهتهم من مذاهب الحلولية، ومذاهب التناسخية، ومذاهب إليهود والنصارى " كتاب الملل والنحل للإمام أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني الشافعي الأشعري: 87] .

ونستخلص من كلام الإمام الشهرستاني - رضوان الله علیه - : إن الغلو الذي نُقِلَ عَنْ أَبي الخطاب وأصحابه يرتكز على مرتكزين أساسيين:

المرتكز الأول : تإليه الإنسان.

والمرتكز الثاني: أنسَنتُ الإله.

ولا شك أنّ القول باتحاد الذات الإلهية أو حلولها في الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقتضي أنسنت الذات الإلهية؛ كما أنّ القول بقدم الإمام جعفر الصادق علیه السلام يستلزم تإليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام والباحث عن أبي الخطاب وأصحابه ، وعن الفرقة الخطّابية في القرن العشرين يجد أنَّ الشرك بالله عند الخطّابيين بهذا المعنى الذي ذكرناه – يجد أن مقالات الخطَّابية لا تخرج عن هذين المرتكزين الأساسين الخطيرين.

إذن فالشرك بالله الموجود عند الخطّابية ينبثق من تشبيه الله بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أو ينبثق من تشبيه الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالله ، ومن المساواة بين صفات الذات الألهية صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أو وصف الإمام جعفر الصادق علیه السلام بصفات الله ، وهذه من الأمور التي سمعتها بنفسي من أحد الخطابيين المعاصرين ، وتلك الصورة ناشئة من عدم الفصل بين صفات التوحيد ومعرفة الله وصفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين مقام الإله ومقام الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين خصائص الإله وخصائص الإمام جعفر الصادق علیه السلام

لقد بيّن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - في المئات من رواياتهم المدونة في الموسوعات الكبرى المتخصصة في معرفة تراجم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أو المتخصصة في الموسوعات الكبرى المتخصصة في جمع روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بأنّه من المحال أن يتصف الله بخاصية من خصائص الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن المحال أن يتصف الإمام جعفر الصادق علیه السلام بخاصية من خصائص الذات الإلهية ، وكل وروايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي نقلوها عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي استلهام من نصوص القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة الموافقة لكتاب الله ، وهي تبيين لما نزل في القرآن وما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قضية التوحيد

ص: 142

ومعرفة الله ، وفي قضية الشرك وعبادة الأصنام البشرية أو عبادة الأصنام الحجرية ، فلا فرق بين من يقول بألوهية البشر وبين من يقول بألوهية الحجر

ومن هنا تجد أسلوب القرآن الكريم بصورة واضحة وجلية فى كل روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتجد تأثير الثقافة القرآنية بصورة ملموسة في كل رواياتهم التي سمعو الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ولا بد لزملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية من التأمل في رواياتهم عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام حتى يلاحظ انبثاقها وتولّدها من القرآن ومن السنّة النبوية التي لا تخالف كتاب الله .

ونحن نجد في كل رواياتهم عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ما يقتضي تفرده – سبحانه – بصفات من مختصاته، فهي صفات الله – سبحانه – وعبودية لكل ما عداه سبحانه وكل ما عداه فهو لا يتصف بالصفات التي اختص بها - سبحانه - ولأن أساس انحراف النصارى يتمثل ويتجسّم في أنسنة الله أو إعطاء الله – سبحانه – خاصية من خصائص عيسى بن مريم ، أو تأليه عيسى بن مريم وأعطى عيسى خاصية من خصائص الذات الإلهية ؛ لأنّه - كما قلنا مراراً بأن أبا الخطاب أخذ كلّ أفكارة في تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام من بولس الذي اخترع فكرة تأليه عيسى بن مريم ، وقد كثرت روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تأكد على الفصل بين صفات الله عن صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ ولأنّ النصارى ادعوا المشابهة بين الله و وبين عيسى بن مريم هذا الأمر جعلهم يقولون بتأليه عيسى بن مريم - تعالى الله عما يصفون أو ادعوا له سبحانه - خاصية من خصائص عيسى بن مريم تعالى الله عما يصفون ، فقد ركّزت أقوال أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تركيزاً كبيراً على تقرير وتأكيد الفصل بين صفات الله وصفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسلك أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كل المسالك ، واتبعوا شتى أساليب الإبانة والتعبير لتقرير تفرد الله بذاته وبصفاته.

ولقد توسعت روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي نقلوها عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في استعراض حقيقة عدم تشبيه الله – سبحانه - بالإمام جعفر الصادق علیه السلام كل ذلك لأنّ تشبيه الله بالأمام جعفر الصادق علیه السلام هي القاعدة التي يرتكز عليها النصارى في تشبيه الله بعيسى بن مريم ؛ لأجل ذلك كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يؤكد بوجود الشبه بين أصحاب أبي الخطاب وبين النصارى ، ووجدنا بأن القاعدة التي تنبثق منها كل تصوراتهم الضالة المنحرفة عن الذات الإلهية لأبي الخطاب التي قادتهم إلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام نسخة طبق الأصل من التصورات النصرانية عن الذات الإلهية التي قادتهم إلى تأليه

ص: 143

عيسى بن مريم ، ورأينا بأنّ هذه الحقيقة القرآنية احتلت مساحة كبيرة في كتب الموسوعات الكبرى التي جمعت روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة عقيدة أصحاب أبي الخطاب القائمة على أساس القول بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

إنّ حقيقة التمييز بين صفات الله وصفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقررها أهل التوحيد ومعرفة من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مئات الروايات المنقولة عنهم في كتب الموسوعات الكبرى حول تراجم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والموساعات الكبرى التي جمعت رواياتهم عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسنحاول أن نستعرض بعض الروايات الواردة عنهم في تقرير هذه الحقيقة القرآنية ، وعلى زملائي الكرام من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في صنعاء و في الرياض أن لا ينسوا أن يتذكر الأثر الحاسم لروايات أهل التوحيد ومعرفة من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في محو التصورات الضالة للخطابية عن الذات الإلهية.

ونحن نبتغي ونهدف من عرض روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أن يكون قارئ هذا البحث من زملائي في المعاهد العلمية السلفية على علم بأنّ هذه الروايات إنّما تواجه الفكر الخطابي النصراني الذي يشبه الله – سبحانه – بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لكننا نأسف لزملائنا في معاهدنا العلمية السلفية الذين لم يدركوا الفرق بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الأفكار النصرانية حول الذات الإلهية وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من تلك الأفكار، وظنوا أنّ موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الأفكار النصرانية هو نفس موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، كما كنت أرى ذلك بسبب تقليدي لأبراهيم سليمان الجبهان في كتابه تبديد الظلام ، ومن هنا نجد غلاة السلفية في كتاباتهم يذكرون الرويات النصرانية التي وضعها أصحاب أبي الخطاب و التي تشبه الله – سبحانه بالإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّها روايات مقبولة لدي أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من دون بيان محاربة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لتلك الروايات النصرانية المنسوبة - كذباً وزوراً - للإمام جعفر الصادق علیه السلام ولأصحابه

ولو كنا في معاهدنا العلمية السلفية غير مصابين بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لما وقعنا في هذا الخطأ الخطير، لكن لا غرابة في وقوعنا في هذا الخطأ الخطير بعد أن سيطرت علينا مشكلة الخلط فجعلتنا لا نميز بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر

ص: 144

الصادق علیه السلام من الروايات النصرانية وموقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من تلك الروايات النصرانية التى هدفها الأول والأخير القول بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكن بلسان نفس الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والزعم بأنّها في كتب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، تماماً كما صنع النصارى قالوا بألوهية عيسى بن مريم بلسان نفس عيسى بن من مريم من خلال الأقوال التي نسبها بولس إلى عيسى بن مريم وإلى أصحاب عيسى بن مريم كذباً وزوراً ، فأصحاب أبي الخطّاب كذبوا على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما أنّ أصحاب بولس كذبوا على أصحاب عيسى بن مريم ، وهذا أمر طبيعي ؛ لأنّ الذي يريد نقل الناس من التوحيد ومعرفة الله إلى تأليه عيسى بن مريم ، أو إلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام لابد له أن يكذب كثيرا حتى يخدع الناس

القسم الثاني : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من التشريعات الوثنية النصرانية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ونحن سوف نتناول هذا القسم الثاني عند طرحنا للحقيقة القرآنية الرابعة (حقيقة الشرائع والأحكام) في الباب الثاني من الكتاب .

والقسم الثالث : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الشخصيات الوثنية من أصحاب أبي الخطاب ، ونحن قد تناولنا هذا القسم سابقا في هذا الكتاب ، وذكرنا بعض أصحاب أبي الخطاب في هذا الكتب ، ثم ذكرنا موقف أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الشخصيات

القسم الرابع : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الروايات الوثنية النصرانية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

والآن نمضي في عرض كيف واجه أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الروايات الوثنية والنصرانية التي وضعها أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ثم دوها في كتب ومسانيد أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وهذه الحقيقة القرآنية توسع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عرضها ؛ لأنّ أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وضعوا روايات وثنية نصرانية على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يصرح فيها الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّه صاحب مقام الألوهية والربوبية، فهو لا يرى فرق بين معرفة الله وبين معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومعنى معرفة الله عند أصحاب أبي الخطاب هي معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك نجد أن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كشفوا كذبهم على الإمام جعفر

ص: 145

الصادق علیه السلام ، من خلال نقل أصحاب الإمام جعفر الصدق للروايات التوحيدية القرآنية المتواترة والمتخصصة في موجهة تلك الروايات الوثنية النصرانية الخطابية ، ووجدنا بأن تلك الروايات التوحيدية القرآنية تبيّن بأنّ صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام مهما بلغت من الكمال البشري فهو لا ترتقي إلى مقام صفات الله سبحانه.

والآن سوف أذكر نماذج من الروايات التوحيدية القرآنية التي رواها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل مواجهة الروايات الوثنية النصرانية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وسوف يكتشف طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية بأنّ روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كلّها تتحدث عن تلك الحقائق العشر القرآنية التوحيدية العميقة فى معرفة الله ، وتبيّن تلك الحقائق العشر القرآنية الأساسية والرئيسية التي آمن بها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان لها الدور الكبير في إبطال الروايات الوثنية النصرانية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وعندما كنت أراجع الروايات حول التوحيد ومعرفة الله التي نقلها عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحابه كنت أقف متأملاً، وأقوم بتطبيق مضامين ومحتويات هذه الروايات التوحيدية التي تؤكد على الفصل بين صفات الله وصفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع ما ذكره القرآن الكريم حول ضرورة الفصل بين صفات الخالق وصفات المخلوق ، فأجد تمام المطابقة بينهما، وأن ما رواه أهل التوحيد ومعرفة الله عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو عين ما ذكره القرآن الكريم ، حتى أصبح الفصل بين صفات الله وبين صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - من الحقائق الأساسية وأصبحت هذه الحقيقة القرآنية تملي عليهم حياتهم، وتواجههم في كل درب وتعايشهم بالليل والنهار ، وعند ذلك لم يعد للتشبيه بين الله وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام مجال عندهم ، ولم يعد للروايات الوثنية الخطابية النصرانية حول ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وربوبيته مكان.

وقد وضعت الحواجز القوية والمنيعة بين الله جل ثناؤه - في القرآن وفي الروايات التوحيدية المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين الله - جل ثناؤه – في الرويات الوثنية النصرانية الخطابية المشبهة لله بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتلك الحواجز القوية أوجدها أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وصارت الروايات النصرانية المنبوذة وبطلت ومحيت هذه الروايات النصرانية الوثنية الخطابية التي كان يعتقد بها ويروج لها أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وثبت في عالم الواقع الذي عاشه أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حقيقة ردّ الروايات الوثنية الخطابية المخالفة للقرآن الكريم والمخالفة لروايات أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 146

وكان أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يدركون ويؤمنون بما قاله الله في كتابه الكريم حول التوحيد ومعرفة الله ، كما كانوا يدركون بأنّه لا يوجد كتاب في الكون يخافه أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب كالقرآن الكريم ؛ لأجل ذلك نجد أنّ أصحاب أبي الخطّاب وضعوا بلسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام روايات تطعن في القرآن الكريم ، ووضعوا بلسان الأمام جعفر الصادق علیه السلام روايات تطعن في أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ المعرفة أصحاب أبي الخطّاب الكاملة بأنّ من يؤمن بالقرآن لن يقبل بروايات أصحاب أبي الخطاب التي تنص على ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومعرفتهم الكاملة بأن من يؤمن بروايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لن يقبل بروايات أصحاب أبي الخطاب التي تنص على ربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ وقد جلست مع بعض مشایخ الخطّابية المعاصرين وصرحوا لي بأنّ القرآن الكريم مطعون فيه ، ولا يمكن الثقة به ، كما صرحوا لي بأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المطعون فيهم ، ولا يمكن الثقة بهم ، ومن خلال تجربتي لم أجد أحداً يطعن في القرآن الكريم إلّا وسمعته يطعن في أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهذا أمر طبيعي لأن من لم يعرف عظمة القرآن الكريم كيف ننتظر منه أن يعرف عظمة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وقضية الفصل بين الله - جل ثناؤه - وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي القضية الأولى والقضية الكبرى التي فصلت بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقدسون كتاب الله ، ويؤمنون بكل ما ورد في القرآن الكريم ؛ من آيات تفصل الله عن الإنسان ، وتنفي عن الله أي خاصية من خصائص الإنسان ، والإمام جعفر الصادق علیه السلام مهما أرتقى فى الكمالات الإنسانية فهو عبد من عبيد الله

القسم الخامس : يتناول موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الكتب الوثنية الخطابية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وقد قرأت مؤلفات كثيرة كتبها أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الردّ على كتب أتباع أبي ، ووجدت بحوثاً للمشايخ المشتغلين بعلم الجرح والتعديل ، وقد ذكرت كتبهم ، وذكرت بعض المؤلفات القديمة والحديثة للخطابية في ثنايا بحوث هذا الكتاب ، ولولا خوف تضخم حجم الكتاب لذكرت عشرات كتب الخطّابية مع الردود عليها من أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 147

وقد سمعتُ بأذني بعض مشايخ الخطّابية يقول : إنَّ أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام العن من اليهود والنصارى ، ورأيتهم يكرهون الإمام الشيخ الجليل أحمد بن علي النجاشي ، ويكرهون الشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي ، وهذا أكد لي عظمة الإمام النجاشي وعظمة الإمام ؛ لأنك إذا رأيت مشايخ الخطابية في عصرنا يلعنون عالماً من علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهذا يدل على تشدده في الدفاع عن التوحيد ومعرفة الله ، ويدل على دفاعه عن الحقائق العشر والخصائص الست للقرآن الكريم التي شرحناها في هذا الكتاب ، وإذا رأيت مشايخ الخطابية في عصرنا يثيرون لغط حول أحد الرواة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام فاعلم بأنه من أهل التوحيد ومعرفة الله ، ومن المدافعين عن القرآن الكريم .

والغريب أنك تجد مئات الكتب التي كتبها أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الردّ على أتباع مذهب أبي الخطاب ، ولكن مع ذلك تجد في معاهدنا العلمية السلفية من يستميت في إثبات بأنّه لا فرق بين موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الكتب الوثنية الخطابية وموقف أصحاب أبي الخطّاب من تلك الكتب الوثنية الخطابية

ولا ريب أنَّ الكتب التي كتبها أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الردّ على الكتب الوثنية الخطّابية قد أحرزت نجاحاً مبيناً في خدمة التوحيد ومعرفة الله ، وكانت نجده حقيقية للمتعلقين والعاشقين للقرآن الكريم ، والداعين إلى الدفاع عن القرآن الكريم ، ولم تخرج هذه الكتب في الرد على الغلاة وفيها ملامح العمل الرسمي الحكومي الذي قد يرد على الخطابية بدعم من الطاغية المستبد ، بل خرجت وبرزت ردود أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على أصحاب أبي الخطّاب في طابع شعبي صادق علیه السلام شجاع يواجه الطاغية المستبد ، ويوجه الخطابية ، وأقبل على هذه الكتب مئات الألوف من أفراد مجتمعات مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وليس من دافع لهذا الإقبال إلّا أنّهم يرون في الكتب التي ترد على كتب الوثنية الخطّابية ما يريدون من الدفاع عن التوحيد ومعرفة الله ، ومن تعرية الشرك والمشركين بالله ، ويقرؤون في هذه الكتب ما يحبّون من الدفاع عن القرآن الكريم ضد مطاعن أصحاب أبي الخطاب في القديم والحديث ، وقد قرأتُ عشرات الكتب فى الردّ على الكتب الوثنية الخطابية ، ووجدت بأنّه ما كتب أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام كتاباً في الرد على كتب النصرانية الخطابية إلا وأهتم بقضيتين .. قضية الدفاع عن التوحيد ومعرفة الله ، وقضية الدفاع عن القرآن الكريم ، وما أحوج طالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء إلى مراجعة هذه الكتب ، ومن تلك الكتب كتاب " منبه الملحدين في ردّ الغالين القائلين بثبوت صفات الخالق للمخلوقين " تأليف الشيخ محمد كاظم الهزار جریبی

ص: 148

والسؤال الذي نجيب عنه هنا ماهي مضامين ومحتويات كتب أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ردّهم على أتباع أبي الخطاب ؟

وسوف أذكر صورة مقتضبة ومختصرة لمضامين ومحتويات تلك الكتب بصورة مفهرسة سريعة ، تحتوي تلك الكتب الرد على تصورات الخطّابية ، والرد على تشريعاتهم ، وتذكر شخصيات الخطّابية ورجالهم ، وتذكر روايات الخطّابية وكتبهم ، وتذكر موقف علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المعتقدات الوثنية الخطابية ، وتذكر نصوص الأئمة الاثني عشر من أهل البيت في تكفير الخطابية المجوسية ، كما تذكر فتاوی مراجع وعلماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بكفر الخطابية الوثنية ونجاستهم وشركهم بالله ، وتذكر ما جاء عن أصحاب الأئمة الاثني عشر في البراءة من أصحاب أبي الخطّاب ، وتبين بأن بداية انحراف الخطابية كانت ناتجة ومنبثقة من غلوهم في فضائل أهل البيت وغلوهم في ذمّ وقدح أصحاب رسول الله ، وتذكر بعض مظاهر انحرافات الخطّابية الوثنية مثل ظاهرة الغلو في مسألة الباطن والباطنية الذي قادهم إلى الاباحية وتعطيل الشرائع والأحكام القرآنية ، وتبين بأنّ روايات الأئمة الاثني عشر تنافي معتقدات الخطابية ، وتفضح الروايات الخطابية المجوسية التي تنفي حجية ظواهر القرآن الكريم ؛ لأنّ هذه الروايات هي التي جعلت الخطابية تمنع التدبّر في القرآن الكريم بحجة أنّ القرآن الكريم لا يفهمه إلا الأئمة الاثني عشر ، وتذكر كتب الخطابية التي اندثر أكثرها ؛ لأنّها لم تتناقل وتدوال بين الناس بل كانت مخفية في مخازن الخطابية السرية ، وتذكر الأساليب والطرق العلمية المتَّخذة من قبل الأئمة الاثني عشر وأتباعهم في معرفة الروايات الدخيلة الموضوعة والمنسوبة إلى الأئمة الاثني عشر ، وكذلك تذكر صفات أصحاب أبي الخطاب وعلاماتهم حتى يحذر منهم أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتذكر من هو الخطابي عند علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتذكر كيف كان أصحاب الأئمة الاثني عشر يميزون بين الخطابي والجعفري ، وتبين كيف عالج المؤرخون من أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام الظاهرة الخطّابية في العصر القديم والحديث ، وتكشف العلاقة بين الخطّابيين والوضاعين ؛ لأن جزء كبير من الوضاعين الذين اخترعوا رويات على لسان الأئمة الاثني عشر كانوا من الخطابية المجوسية ، وتذكر ماهي طرق الاطمئنان على صحة كتاب من الكتب التي كتبها أصحاب الأئمة الاثني عشر من الدس والتحريف والتلاعب من قبل أصحاب أبى الخطّاب ، وتذكر فتاوى الخطّابية في جواز الكذب على رسول الله – ص – وعلى الأئمة الاثني عشر من آل محمد عليهم السلام ، وتحصر كتب الردود على الخطابية : وتوضح كيف عالج القرآن الكريم المعتقدات النصرانية الخطابية ؛ لأنّ كلّ ردود القرآن الكريم على النصارى في قضية تألية عيسى بن مريم هي في واقع الأمر تعتبر رد القرآن

ص: 149

الكريم على الخطابية في قضية تأليههم للأئمة الاثني عشر من آل محمد ، وتذكر روايات الأئمة الاثني عشر التي تأكد بأنّ من عصى الله لم ينفعه حب آل محمد ولن تناله شفاعتهم ؛ لأن الخطّابية تلاعبوا في قضية الشفاعة من أجل تبرير الفكر الاباحي الذي هو جزء من سلوكهم ، ويذكرون الروايات الدخيلة الخطّابية المجعولة على لسان الأئمة الاثني عشر في لعن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الأئمة الاثني عشر ، ويشرحون العلل الرئيسية التي جعلت بعض مذاهب أهل السنة يخلطون بين مذهب الأئمة الاثني عشر وبين مذهب أبي الخطاب ، ويعالجون قضية الفرق بين كتب الخطابية التي كُتِبَتْ وتم تأليفها قبل تحول مؤلفيها إلى الخطّابية ، وبين كتب الخطّابية التي كُتِبَتْ وتم تأليفها بعد تحول مؤلفيها إلى الخطّابية مثل كتاب التكليف لابن العزاقري ، ويبحثون عن علل انقراض الكثير من كتب أصحاب أبي الخطّاب وبقاء كتب أصحاب الأئمة الاثني عشر ، ويفضحون أساليب وطرق مشايخ الخطّابية في القديم والحديث من أجل تحذير أتباع الأئمة الاثني عشر من خطر الوقوع في حبائل أصحاب أبي الخطاب ، ويذكرون روايات الخطابية في إتهام زوجة رسول الله السيدة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بالفاحشة والزنا ، ويشرحون الأسباب والعلل التي جعلت روايات الخطّابية تتسرب إلى كتب الحديث فى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويذكرون الصلة الكبيرة بين القرامطة والخطّابية ودورهم في هدم الكعبة ، ويذكرون الشخصيات المختلف حولها هل كانت على مذهب الأئمة الاثني عشر أم كانت على مذهب أبي الخطاب ؟ ويذكرون مسألة استثناء روايات الخطابية من كتب ومسانيد أصحاب الأئمة الاثنى عشر ، ويذكرون الرواة عن الأئمة الاثني عشر الذين نصّ علماء الرجال في المذهب الاثني عشري أنّ الخطّابية تلاعبوا في كتابه ومسنده وتدل مرواياته الموجودة في كتب الحديث في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على صدق ودقة علماء الرجال ، ويذكرون دور الخطابية في وضع بعض فضائل ومعجزات الأئمة الاثني عشر ، ويذكرون دور الخطابية في زيادة بعض العبارات على متون زيارات الأئمة الاثني عشر ، ويذكرون من روى عن بعض أصحاب الخطّابية ولم يكن خطّابياً ، ويذكرون اقتران الإيمان بالعقيدة الخطابية بالوضع والتحريف لمعنى الروايات الصحيحة المنقولة عن الأئمة الاثني عشر ، ويذكرون دور الأئمة الاثني عشر وأصحابهم في استنقاذ بعض أفراد الخطّابية من الشرك وهدايتهم إلى طريق التوحيد ومعرفة الله ، ويذكرون الذين اتهموا أنّهم على مذهب أبي الخطّاب وهم على مذهب الأئمة الاثنى عشر ، ويذكرون من أكثر رواة الخطّابية الكذب علية وإن كان من أهل التوحيد ومعرفة الله ولم يكن خطابياً مشركاً ، ويذكرون من روى عن أصحاب أبي الخطاب من أهل التوحيد ومعرفة الله ، ويذكرون الأصول والمسانيد والكتب التي نُسبت إلى الخطّابية وهي من كتب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الأئمة الاثني عشر ، ويذكرون الكتب التي كتبها

ص: 150

الخطابية في حالة استقامتهم على التوحيد ومعرفة الله ، كما نص على ذلك أصحاب فهارس الكتب في مذهب الأئمة الاثني عشر ، وينصون بأنّ رواية الخطّابية عن شخص من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الأئمة الاثني عشر لا يدل على أنّه كان خطّابياً ؛ لأن ديدن الخطابية الكذب على أصحاب الأئمة الاثني عشر ، وكان الخطابية يفترون على الثقات الموحدين ، لأجل تأييد عقيدتهم الشركية المجوسية ، كما أنّ من طبيعة الخطّابية الرواية عن أصحاب الأئمة الاثني عشر ؛ لأجل تأييد عقيدة الشرك بالله وتشوية صورة التوحيد والموحدين من خلال تشويه صورة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الأئمة الاثني عشر ، ويذكرو بأن من الأهداف الكبرى للخطابية تشويه صورة الأئمة الاثني عشر بين المسلمين ، وتشويه صورة أصحاب الأئمة الاثني عشر ، وتشوية صورة أصحاب رسول الله ، وتشويه صورة زوجات رسول الله ، ويذكرون من كان من الخطّابية لكن نص علماء الرجال في مذهب الأئمة الاثني عشر على صحة كتبه ومسنده وأصله لعدم مخالفة محتوى كتبه للقرآن الكريم وللروايات المنقولة عن الأئمة الاثني عشر الموافقة لكتاب الله ، ويردون على المقولات الست للخطابية وهي : القول بتأليه الأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي بحلول الله في الأئمة الاثني عشر ، والقول بتشبيه الله بلأئمة الاثني عشر ، والقول بالتناسخ والكفر بيوم القيامة ، والقول بتحريف القرآن الكريم وأنّ عثمان بن عفان ومن حوله تلاعبوا بكتاب الله بالزيادة والنقصان ، ويذكرون الروايات عن الأئمة الاثنى عشر التي تنص على أنّ الأئمة الاثني عشر لا يحلّون حراماً ، ولا يحرمون حلالاً ، وفي تلك الكتب بيان موقف مشايخ مدينة قم العلمية في عصر حضور الأئمة الاثني عشر من أصحاب أبي الخطاب ومن كتبهم

والقول ومرياتهم ، ووجدت في تلك الكتب روايات الأئمة الاثني عشر في ذم أفكار الخطابية ووجدتها تكرر ذكر هذه الرواية المروية عن والد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حيث تنقل رواية طويلة عن الإمام الباقر في الرد على الخطابية في مقولتهم بأنّ الرجل إذا كان من أهل بيت النبي ومن ذرية رسول الله - ص - استغنى عن عن طاعة الله ولا يحتاج إلى التوحيد ومعرفة الله .. فيقول الإمام الباقر - والد الإمام جعفر الصادق علیه السلام - في الرد على تلك المقولة : " ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب الخلق إلى الله أتقاهم له ، وأعملهم بطاعته ، والله ما يُتقرب إلى الله - عزّ وجلّ ثناءه - إلّا بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحدٍ من حجة ، من كان الله مطيعا فهو لنا ولي ، ومن كان الله عاصيا فهو لنا عدو ، ولا تنال ولايتنا إلّا بالورع والعمل " [أمالي الشيخ الصدوق 3 : 499] ، وغير هذه الروايات التي ينص فيها الأئمة الاثني عشر بأنّ المفاضلة بين الناس هي في طاعة الله ومعرفته والتقوى والورع وليست المفاضلة في أن يكون الرجل من آل محمد ، ومثل هذه الرويات كانت تعكس الثقافة القرآنية التي جعلت الفضيلة في التقوى لا في النسب الهاشمي وتحارب الثقافة الخطابية التي

ص: 151

القيمة لديها هي في الإنتساب إلى أهل بيت رسول الله ولا قيمة لطاعة الله ومعرفته عند الخطابية ، ويردون على دعوى الخطابية على دعوى النسخ للآيات القرآنية والاحاديث النبوية والنسخ لروايات الأئمة الاثني عشر التي تخالف مذهب أبي الخطاب ، وترد على التطبيق الخاطيء لأحاديث غيبة المهدي في كتب الخطابية ، وتبين هذه الكتب التعريف بالخطّابية من خلال نفس كتب الخطابية ، والتعريف بالخطابية من خلال كتب مذهب الأئمة الاثني عشر ، وبيان المشابهة بين أصول أفكار الخطّابية وبين أصول الفلسفات القديمة ، بيان ماهي الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي استدل بها الخطّابية على صحة معتقداتهم ، وماهي روايات الأئمة الاثني عشر التي استدل بها الخطابية على صحة معتقداتهم ، وماهي الأدلة من القرآن الكريم ومن سنة رسول الله ومن رويات الأئمة الاثني عشر التي استندوا عليها في تأييد العقيدة الخطّابية وفي تأييد الفقه الخطّابي ، ثم تبين تلك الكتب أثر الخطابية في تحريف معاني الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وتحريف أقوال الأئمة الاثني عشر ، وبيان التفسير الخطابي لبعض كلمات القرآن ككلمة التوحيد وكلمة الشرك ، وبيان تطبيق الخطابية لكل الآيات الواردة في ذم المشركين على المسلمين ، وبيان أنّ من أساليب الخطابية الخطيرة أنهم ينسبون المعتقدات الخطابية المجوسية إلى أهل التوحيد من أصحاب الأئمة الاثني عشر وفي ذلك يقول الإمام الشيخ المفيد : " واضافوا ما حوته الكتب إلى جمعاعة من شيوخ الحق وتخرصوا الباطل بإضافتها إليهم " [المسائل السروية للشيخ المفيد] .

وفي الحقيقة بأن هدف أصحاب أبي الخطاب في عصر الإمام الصادق علیه السلام ، وهدف مشايخ الخطابية في القرن العشرين هدم التوحيد ومحو القرآن الكريم وتشويه صورة مذهب أهل البيت ( مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ( ؛ ولأجل تحقيق هدفهم وضعوا اخباراً منكرة ومغالية في فضائل ومعجزات الأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي – ص - ص - ليتسنّى لهم تخريب توحيد الله ومعرفته ، وتشويه صورة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ( مذهب أهل البيت ) ؛ ليصدّوا الناس عن أتباعهم ، ولا سبيل للخطّابية لإيقاف انتشار مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ( مذهب أهل البيت ( إِلّا بوضع الأخبار الدخيلة المنكرة الشركية التي تبالغ في فضائل أهل البيت وتبالغ في ذم أصحاب رسول ، وفي ذم زوجات رسول الله ، وقد أدرك الأئمة الاث- ، الاثني عشر من آل محمد ذلك ، فوضع الإمام علي بن موسى بن الإمام جعفر الصادق علیه السلام تقسيماً هاماً والحاجة إلى جلاء هذه الحقيقة القرآنية هي حاجة ضرورية ؛ من أجل معالجة معاهدنا العلمية السلفية التي تتهم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بقبول الصورة الخطابية عن الذات الإلهية - تعالى الله عما يصفون - ، ومن هنا نحن ما كتبنا هذا الكتاب إلا من أجل استنقاذهم من هذه التهمة الخطيرة التي اتهموا بها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب

ص: 152

الإمام جعفر الصادق علیه السلام كما أنّ الحاجة إلى جلاء هذه الحقيقة القرآنية الأساسية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي حاجة ضرورية ؛ من أجل الحفاظ على الوحدة الإسلامية بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أتباع الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه - الذين بذلوا كل حياتهم وجهودهم ؛ من أجل مواجهة الصورة الخطابية عن الذات الإلهية - تعالى الله عما يصفون - التي معناها القول بتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وقبل أن نمضى في عرض الجهد الطويل لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، الذي بذلوه في محاربة الروايات الوثنية الخطابية التي تؤله الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتتلاعب في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة وفي كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام نحبُّ أن نقرر حقيقة تنفعنا فى تجلية موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الروايات الخطابية المجوسية ، وتنفعنا في تجلية دور أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في حفظ المجتمع الإسلامي من الروايات الوثنية الخطابية ، وتنفعنا - أيضاً - في تجلية موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من كل المعتقدات والتصورات الضالة والمنحرفة عن الذات الإلهية، وهذه الحقيقة تقول : إنّ روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في نفي الإشتراك بين صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين صفات الله - تعالى الله عما يصفون - كان لها قوة دافعة في حياة أفراد المجتمع الإسلامي ، وحققت غرضها في استجاشة ضمير أفراد هذه المجتمع ضد كل التصورات والاعتقادات المنحرفة الضالة ، التي لا تتفق مع العقيدة القرآنية حول الذات الإلهية .

ولقد استحالت تلك روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى واقع ملموس ومحسوس، يدركه كل من عاش مع رواياتهم ، وقد مع هذه الروايات التي قادت المجتمع الإسلامي إلى الاعتدال والوسطية القرآنية في كيفية التعامل مع صفات الله صفات الله - جل ثناؤه - ، وفصلت هذه الأقوال بين العقيدة القرآنية في الذات الإلهية وبين أي اعتقادٍ لا يلتقي مع الكتاب والسنّة - التي لا تخالف كتاب الله – ؛ لأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لهم اهتمام شديد بتطبيق رواياتهم حول الذات الإلهية على الكتاب والسنّة - الموافقة للقرآن الكريم – ، بسبب الأدلة والبراهين القوية والنصوص النبوية الصريحة في النصّ على التمسك بالقرآن و السنة النبوية - الموافقة للقرآن الكريم - ؛ ولأن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يقبلون أيّ رواية تخالف القرآن الكريم .

ص: 153

ومن هنا حين نستعرض روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في تقرير الفصل بين صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام وصفات الله - سبحانه إنما نستعرضها وننقلها لأنها ليست مجرد روايات تنقل ، بل هي روايات استقرت في ضمير أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، واستقرت في حياتهم ، وهي ليست مجرد روايات تلفظها شفاه أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وليست روايات بعيدة عن واقع حياة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل استحالت هذه الروايات إلى عقيدة إيجابية آمن بها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام . وأريد هنا أصارح أخواني وزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء بأنّ نظرتنا للصراع بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هو نظرة مماثلة لنظرة المستشرق كارل بروكلمان في كتابه تاريخ جزيرة العرب لقضية الصراع بين أهل التوحيد بزعامة رسول الله – ص – وبين أهل الشرك بزعامة أبي جهل ، حيث أنّه لم يدرك حقيقة ذلك الصراع ورأى بأنّه لا فرق بين فريق أهل التوحيد بزعامة رسول الله - ص - وبين فريق أهل الشرك بزعامة أبي جهل ، ونحن في معاهدنا العلمية السلفية لم ندرك المعركة الكبرى بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ونرى بأنّه لا فرق بين فريق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بزعامة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فريق أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بزعامة أبي الخطاب ، ولم ندرك في معاهدنا السلفية الصراع بين الروايات القرآنية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والروايات النصرانية المجوسية لأصحاب أبي الخطاب ، وكم بذلت جهداً كبيراً في مناظراتي مع أخواني السلفيين من أجل اقناعهم بأنني بعد أن هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية ، وبعد مسيرة طويلة من دراسة حياة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبعد مسيرة طويلة من دراسة حياة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وجدت أن هنالك معركة حقيقية وليس وهمية كما كان يخيل لي حين كنت في مدينة الرياض . إنها معركة خطيرة واقعية وليست وهمية وخيالية . إنني بعد مسيرة طويلة مع تلك المعركة أنظر إليها فأجدها قريبة الشبه بمعركة رسول الله مع أعداء التوحيد من المشركين القرشيين ، بل المعركة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب أخطر بكثير ؛ لأنّ أعداء التوحيد في عهد رسول الله كانوا يعلنون كفرهم بالتوحيد ، في حين مشكلة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنهم دخلوا في

ص: 154

مع أناس يتظاهرون بالتوحيد وهم في الواقع من أهل الشرك بسسب قولهم بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما أن رسول حين قدّم كلمة التوحيد قدمها لأناس كانوا مشركين أما أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهم يقدمون كلمة التوحيد لأناس ينطقون كلمة التوحيد ولكنهم يقولون بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يصرح مراراً بأن أبا الخطاب وأصحابه العن من مشركي قريش

هذا هو حقيقة الصراع بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بَيدَ أن زملائي من السلفيين لا يمكن لهم أن يدركوا معالم هذا الصراع مادام أنّهم تحت قيد التقليد والتقديس لمنهج إبراهيم الجبهان في تصوره بأنّها معركة وهمية اخترعها الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في تراثهما الذي نقل فيه روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام

إنني لا أُكلفهم بتقليد منهج الإمامين - الشيخ النجاشي الشيخ الطوسي ولا أُكلفهم بتقليد الأستاذ القدير أبراهيم الجبهان ولكن اطلب منهم ترك التقليد والبحث بتجرد وموضوعية . ألا ما أعظم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وما أكبر دينهم في ركابنا !!

وإلى هنا نكون قد قدمنا صورة مقتضبة عن المرحلة الأولى في دراسة مشكلة الخلط بين التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي ، ونشرع الآن في تبيين المرحلة الثانية لدراسة هذه المشكلة ، وبذلك نكون قد ختمنا الباب الأول من هذا الكتاب وشرعنا في طرح الباب الثاني من هذا الكتاب الذي خصصناه في المعرفة التحليلية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولأصحاب أبي الخطاب

ص: 155

الباب الثاني : المعرفة التحليلية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولأصحاب أبي الخطاب

تمهيد

المرحلة الثانية : مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب :

وفي هذه المرحلة نتناول الست الحقائق القرآنية الكبرى وهي :

الحقيقة القرآنية الأولى : حقيقة التوحيد ومعرفة الله بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 156

إنّ مقالات أبي الخطّاب تختزل في نفي عبودية الإمام جعفر الصادق علیه السلام لله ، وكانت كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام تقصد أوّل ما تقصد إلى مناهضة هذه المقولة بصور شتّى ، وهذه رواية من تلك الروايات : قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " لعن الله المغيرة بن سعيد أنّه كان يكذب على أبي الإمام الباقر] فأذاقه الله حرّ الحديد ، لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ولعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآلنا ومعادنا وبيده نواصينا " [رجال الكشي / 297]

الحقيقة القرآنية الثانية : حقيقة النبوة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

بعد إعلان أبي الخطاب الردّة من عقيدة التوحيد إلى عقيدة تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، نجده تتابع واستمرار تحريفه في كل مجالات الحقائق القرآنية الست الكبرى ؛ لأن من خسر التوحيد ومعرفة الله (الحقيقة) القرآنية الأولى ( فقد ضيّع كلّ شيء ، فجاء الدور على النبوة ( الحقيقة القرآنية الثالثة ) ، وفي إصرار وعناد جعل الإمام جعفر الصادق علیه السلام نبيا

ولما كانت لأبي الخطاب قدرة ونفوذ بين بعض الذين حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فقد بدأ يروّج في الكوفة بأن جعفر الصادق علیه السلام من الأنبياء ، ومما يدل على تأثير أبي الخطاب أنّ فكرة نبوّة الإمام جعفر الصادق علیه السلام صارت متدوالة في قلب المجتمع ، وتصوّر لنا هذه الرواية تلك الحقيقة المرة : " قال أبو العباس بقباق : تداراء ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس فقال ابن أبي يعفور : الأوصياء علماء أبرار أتقياء ، وقال ابن خنيس : الأوصياء أنبياء . فقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام ابرأ ممن قال أنا أنبياء " [رجال الكشي / 321] .

إن الإمام جعفر الصادق علیه السلام عرف أن بعض الناس يعجبهم كلام أبي الخطاب بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الأنبياء ، وستثبت إلى أذهانهم بأنّ النبوة لم تختم بمحمد – ص – ؛ لأجل ذلك كان القلق يغور في فؤاده من نشر هذه المقولة الخطيرة التي هي بمثابة هدم لبنيان رسالة خاتم الأنبياء ، فكان يلعن من يقول بعدم ختم النبوة برسول الله – ص – في كلّ ساعة وحين آناء الليل وأطراف النهار ، في أنحاء مدينة رسول الله وفي أجواء مدينة الكوفة .

إن أبا الخطّاب وأصحابه لما هان عليهم القرآن الكريم كَذَّبُوه ، وقالوا بأنّ النبوة لم تختم برسول الله - ص - ، وترى الخطّابية لا تجعل قيمة الله - جل ثناؤه – حين يقول : " اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام ديناً " [المائدة:3] ، ويقول : الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ، ولا يخشون أحداً إلّا الله ، وكفى بالله حسيباً ، ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله ، وخاتم النبيين " [الأحزاب:39-40] ، ولما هان على أبي الخطَّاب القرآن الكريم كان من الطبيعي أن يهون عليه كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 157

حين قال : " إِنَّ اللهَ عَزَّ ذكره خَتَمَ بنبيكم النبيين ، فلا نبي بعده أبداً ، وخَتَمَ بكتابكم الكتب ، فلا كتاب بعده أبداً ، وأنزل فيه تبيان كلِّ شيءٍ " [الكافي للكليني] .

إنَّ مصاب القرآن الكريم بأبي الخطّاب وأصحاب أبي الخطّاب أشدّ من مصاب القرآن الكريم من الطغاة الظلمة من جبابرة الحكّام الذين حكموا باسم القرآن الكريم ، والقرآن يلعنهم وكانت مصيبة أبي الخطّاب لأجل إلغاء شريعة القرآن الكريم هو إعلانه بنسخ وإلغاء شريعة القرآن الكريم ، وقامت معركة كبرى بين أصحاب أبي الخطاب وأصحابه والإمام جعفر الصادق علیه السلام حول قضية نسخ شريعة القرآن الكريم ، وقد انعكست هذه المعركة الكبرى على علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فقال الإمام السيد الشريف المرتضي وهو يوجه السهام لأبي الخطاب وأصحابه : " إن المعوّل في أنَّ شريعة نبينا – ص – مؤبّدة لا تنسخ إلى قيام الساعة ، على أنّه قد علم المخالف والموافق ضرورة من دينه أنّه أنّه – ص – كان يدعي ذلك ، ويقضي به ، ويجعل شريعته - ص - بذلك المزيّة على الشرائع المتقدمة ، فإن الملحد الدهري والثنوي المانوي، واليهودي والنصراني ، يعلمون هذا من حاله – ص – ، ، وأنّه - ص - كان يدعيه ، كما يعلم ذلك المسلمون المتبعون ، وإذا دل المعجز على صدقه ، وصحة نبوته ، ثبت بهذين الأمرين أنَّ شرعه مؤبّد

وليس يمكن لليهود أن تدعي أنَّ العلم بتأبيد شرعها ، وأنَّ نبيَّيها موسى – ع – ، معلوم من دينه ذلك ، كما ادعاه المسلمون ، لأنَّ العلم الضروري يجب الإشتراك فيه ، وما يشارك اليهود في هذا العلم إذا ادعوه أحدٌ من مخالفيهم ؛ لأنَّ النصارى يخالفونهم في ذلك ، كما يخالفهم المسلمون فيه ، وكذلك الملحدون والبرهميون النافون للنبوات .

وكلّ هؤلاء مشاركون للمسلمين في العلم بأن نبيهم - ص - أبدَ شرعه وادعى أنَّه لا ينسخ ، فبطل أن يكونوا متساوين للمسلمين في الحكم الذي ذكرناه .

وإذا قيل لنا : فمن أين علمتم كذبهم في هذه الدعوى - أعني أن شريعتهم لا تنسخ – إذا لم تعلموا صحتها ، فليس كل شيء لم يعلم صحته قطع على كذب راويه . قلنا : من حيث كذَّبهم - ص - ودعاهم إلى شريعة هي ناسخة لكلّ شرع تقدّم ، وقد علمنا صدقه بالمعجزات الباهرة .

فلم يبق آخر المسألة من أنا إذا كنا نعلم كذب اليهود فيما يدعونه من تأبيد شرعهم في كلّ زمان فشريعة موسى لا تنسخ أبداً عند اليهود بقول نبينا - ص -

ص: 158

والجواب أنّ طريق معرفة ذلك - أي معرفه بطلان عدم نسخ شريعة موسى – نبوة كل نبي بعد موسى دعى إلى نسخ شريعة موسى ، كعيسى وما يجري مجراه " [رسائل الشريف المرتضى : 1-414] .

وقد تدبَّرت في كتب الخطّابية التي طبعت ، ورأيت من مجالستي لمشايخ مذهب أبي الخطاب في القرن العشرين أنّ أعظم مؤمرة لأبي الخطاب هي مؤمرة القول بنسخ القرآن الكريم وحذفه مطلقا بعد ظهور الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، إذ من خلال ذلك يتم مصادرة الثقافة القرآنية وتغييرها بالثقافة الخطّابية المجوسية ؛ لأنّ الخطّابية لمّا كانت ديانة جديدة ولا شَبَه بين ديانة أبي الخطاب وديانة القرآن الكريم ، فكان لابد لأبي الخطاب أن يعلن موت القرآن الكريم من أجل طرح دينه الجديد

ومن هنا ندرك ماهو سر إهتمام الشريف المرتضى - رضوان الله عليه – ، وسر إهتمام كلّ ، علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالرد على فكرت موت القرآن الكريم ، وسوف نرى في البحوث القادمة بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام عالج فكرة نسخ وموت القرآن ، من خلال كلامه ع - بأن القرآن يجري كما تجري الشمس والقمر ، وسوف يستمر جريانه إلى القامة ، يوم ولا مجال للقول بنسخ القرآن وموته كما زعم أبو الخطاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكما يزعم مشايخ الخطابية في هذا العصر

والآن نستعرض بعض أقوال علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي ترد على فكرة موت القرآن الكريم ، ونسخ الشريعة الإسلامية التي من خلالها دخل الشرك والكفر بالله في مذهب أبي الخطاب .. يقول الشيخ المفيد : " ويجب أن يعتقد أن يعتقد ... أنّ أنّ محمد بن عبد الله خاتمهم وسيّدهم وأفضلهم ، وأنّ شريعته ناسخة لما تقدّمها من الشرائع المخالفة لها ، وأنّه لا نبي بعده ، ولا شريعة بعد شريعته ، وكلّ من أدعى النبوة بعده ، فهو كاذبٌ على الله ، ومن يغيّر شريعته - – ص – فهو ضال كاذب ، من أهل النار " كتاب المقنعة للشيخ المفيد : 30] ، - ويقول المفسر الكبير في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أمين الإسلام الطبرسي في تفسيره العظيم [ مجمع البيان في تفسير القرآن ، وهذا التفسير طبع في مصر بأمر من مشايخ الأزهر الشريف ، وقَدَّم له العالم المصري الإمام أحمد الباقوري] - " عند تفسيره لقوله تعالى - [وخاتم النبيين] أي وآخر النبيين ، ختمت النبوه به ، فشریعته باقية إلى يوم الدين " . إنّ مصاب الإسلام من الخطابية والخطابيين الذي يهدّد التوحيد ومعرفة الله ، هي قولهم بموت القرآن الكريم ؛ لأنّهم يدركون بأنّ التوحيد ومعرفة الله لا يمكن موته طالما كان القرآن خالداً كما تجري الشمس والقمر وكما يجري الليل والنهار حسب تعبير الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ص: 159

نعم

، لقد جمعت الكثير من كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة مؤامرة أصحاب أبي الخطاب على التوحيد وعلى القرآن الكريم ، ولكن حجم الكتاب لا يسمح لي بنشرها كلّها في هذا الكتاب المختصر .

الحقيقة القرآنية الثالثة : حقيقة يوم القيامة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

والحقيقة القرآنية الرابعة : حقيقة الشرائع بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ولعل المثال الذي يحتاج إلى طول تدبر وتأمل هو الصلاة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

نعم ، عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هناك قرآن معطّل وميت ومنسوخ ومستباح والصلاة عندهم مهانة ، حيث أنّ القرآن الكريم عندهم ليس له وظيفة إلا تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

إن المهم عند أصحاب أبي الخطاب هو تأليه وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهذا الأمر معناه تعطيل كلّ آيات القرآن الكريم ، وهذا العطل سيسري إلى الوحي كله ، ويعم الظلام كل الحقائق العشر القرآنية ، وكل الخصائص الست القرآنية ؛ لأنّ ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام تتفانى تحت عظمتها شرائع العبادات والأخلاق وتفنى عندها شرائع المعاملات والجنايات بعد ما تنهار مع وجودها دعائم العقيدة ، وتنقضي آيات التوحيد ، ويجحد اليوم الآخر ، ويكون أمام جماهير المسلمين أحد طريقين إما الإيمان بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وإما الإلحاد والكفر وإنكار ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ومنذ اليوم الأول الذي ظهر أبو الخطاب بتلك الترهات كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يعترض ذلك المسير ويحذر من هول المصير ، يستصرخ أصحابه في كل مكان أن يوقفوا هذه الرِّدَة المجنونة ، وكان يرى أنّ العاصم من هذه الردة العودة المطلقة إلى الصلاة المهجورة !! .

وهو يدعو أبا الخطاب أن يعود إلى الله مرة أخري من خلال الرجوع إلى الصلاة التي هي حجر الزواية في البناء الإسلامي كلّه ، لأنّ المسلم الذي يتجه إلى الله في الصلاة ، لن يقبل ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يريد أن يزيل ذلك الركام العجيب من الباطل والخرافة ، والجنون والجمود ، والشهوة التي رانت على قلوب وعقول أبي الخطاب وأصحابه بعرض جملة من الحقائق التي تنزل بها الوحى الأعلى في القرآن الكريم، فناداه بحقيقة قرآنية عظيمة هي

ص: 160

عمود القرآن الكريم قائلاً له وللخطابية من حوله : " إنّ شَفاعَتَنا لا تَنالُ مُستَخِفّاً بالصَّلاةِ " كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق : 206/1] .

وكانت كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام تكشف مؤامرات أبي الخطاب المخفية تحت ستار الدعوة إلى الولاء للإمام جعفر الصادق علیه السلام

لقد وضع الإمام جعفر الصادق علیه السلام يده على حقائق الكيد الخفي ، وراح يفضح أساليب المكائد التي كانت تصدر يوماً بعد يوم من أبي الخطاب وجماعته الخطابية

وهكذا إنّ العبادات ، من صلاة ، وصيام ، وزكاة ، وحج ، وغير ذلك تسقط كلّها عند أبي الخطاب إذا عرف الإنسان الحق !! ، وكان أبو الخطّاب يقول : سمعت جعفر الصادق علیه السلام يقول : " إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من الخير يقبل منك " [معاني الأخبار للشيخ الصدوق / 181] ، ولكن عندما يلتقي أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فيسألوا الإمام جعفر الصادق علیه السلام : إنّ أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له : إذا عرفت الحق فاعمل ماشئت فقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : لعن الله أبا الخطاب والله ما قلت هكذا ولكنّي قلت له : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من الخير يقبل منك " [معاني الأخبار للشيخ الصدوق / 181] .

وفي الوقت الذي كان أبو الخطاب يعلن بأنَّ ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام تغني عن العمل بالقرآن الكريم كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقول : " الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة " [امالي الصدوق: 53] ، وحين كان يسمع بأنّ أبا الخطّاب يستهين بالقرآن فيعلن بأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام أفضل من القرآن الكريم ، ويعلن بأنَّ القرآن الكريم هو الثقل الأصغر والإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الثقل الأكبر ، كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرفع في مقابل كلام أبي الخطّاب كلام رسول الله – ص – حين قال : " القرآن أفضل كلّ شيء دون الله ، فمن وقّرَ القرآن فقد وقرَ الله " [بحار الأنوار: 19/92] ، وكان - عليه السلام - يقول : " لقد تجلَّى الله لخلقهِ في " كلامه ، ولكنَّهم لا يُبصرون " إبحار الأنوار : 107/92] ، فكان يرى أنَّ مشكلة أبي الخطَّاب هي مع الله ، وحين استهان بالله هان عليه كتاب الله ، وحين لم يوقر الله لم يوقر كتاب الله ، وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يفضح طريقة أبي الخطاب القائمة على التلاعب في تراثه وأقواله ، ويقول : كان أبو الخطّاب أحمق فكنت أحدّثه فكان لا يحفظ ، وكان يزيد من عنده " [رجال

الكشي / 234] .

وعلى أية حال فإنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام أوذي من قبل أبي الخطاب وأصحابه من الخطابية ؛ لأن مقالات الخطابية تهدم القرآن الكريم عروة عروة وآية آية ، وتطلب من المسلم أن يرتد عن ديانته كليّاً ؛ لأجل ذلك نجد أنّ العالم الكبير الإمام النوبختي - رضوان الله عليه – الذي كان

ص: 161

من تلامذة تلاميذ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرسم لنا صورة عن الخطابية كما خبرهم وعاشرهم وجالسهم في كتابه القديم " فرق الشيعه 42 - 44 ] : " إن فرقة من أصحاب أبى الخطاب قالت : إن أبا عبد الله جعفر بن محمد هو الله جلّ وعز وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، وإن أبا الخطاب نبي مرسل أرسله جعفر وأمر بطاعته وأحلّوا المحارم من الزنا والسرقة وشرب الخمر ، وتركوا الزكاة والصلاة والصيام والحج وأباحوا الشهوات بعضهم لبعض ، وقالوا من سأله أخوه ليشهد له على مخالفيه فليصدقه ويشهد له فإنّ ذلك فرض عليه واجب ، وجعلوا الفرائض رجالاً سموهم والفواحش والمعاصي رجالاً وتأولوا على ما استحلوا قول الله عز وجل : " يريد الله أن يخفف عنكم " [النساء: 28] وقالوا : خفّف عنا بأبي الخطاب عنا الأغلال والآصار يعنون الصلاة والزكاة والصيام والحج فمن عرف الإمام جعفر الصادق علیه السلام فليصنع ما أحب ، وأحلّ فرقة منهم الزنا والسرقة وشرب الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ونكاح الأمهات والبنات والأخوات ونكاح الرجال ووضع عن أصحابه غسل الجنابة وقال كيف أغتسل من نطفة خلقت منها وزعم أنّ كلّ شيء أحل الله في القرآن وحرمه فإنما هو أسماء رجال " .

والحقيقة القرآنية الخامسة : حقيقة الأهداف القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

والحقيقة القرآنية السادسة : حقيقة معنى المصطلحات القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ومن أجل توضيح الأمر لطالب العلم في معاهدنا السلفية نقول بأن مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب لن تفهم وتدرك لطالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية إلا إذا راعى طالب العلم والتزم بالتفريق والتمييز بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى ؛ لأنَّ المشكلة الكبرى للأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ، أنَّه كان يتصور بأن رؤية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لتلك الحقائق القرآنية الست الكبرى - التي سنتناولها في هذا الباب الثاني من الكتاب هي نفس رؤية أصحاب أبي الخطّاب لهذه الحقائق القرآنية الست الكبرى ، وحينما يقارن طالب العلم في معاهدنا السلفية بين طريقة الإمامين الجلى لىن - الشيخ أحمد بن علي النجاشي والشيخ محمد بن الحسن الطوسي في بيان موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من هذه الحقائق القرآنية الست الكبري وبين طريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في بيان

ص: 162

موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى يجد هنالك بوناً شاسعا بين طريقة الطوسي وطريقة الجبهان ، ونحن في هذا الباب الثاني من هذا الكتاب سوف نثبت لطالب العلم في معاهدنا السلفية بأنّ طريقة الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه - في تناول موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى أكثر علمية وموضوعية من طريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في تناول موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى ، ولكن نحن في معاهنا المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ، كنا نقلد طريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، ونطعن في طريقة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، وكانت بداية معرفتي بشخصية الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي حينما قرأت كتاب حياة الإمام جعفر الصادق علیه السلام للإمام محمد أبي زهرة المصري الأزهري ، ومن عرف المنهج الرجالي للشيخ الطوسي ، لابد أن يعرف المنهج الرجالي للشيخ النجاشي ، كان الإمام محمد أبو زهرة من المعجبين بمنهج الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، ومن يعجب بمنهج الشيخ الطوسي لابد له أن يعجب بمنهج الشيخ النجاشي ، ومدح الإمام أبو زهرة تراث ومؤلفات وكتب الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، وبالتالي كان الإمام أبو زهرة هو الذي غرس في نفسي محبّة الإمام الطوسي ومحبّة تراثه الفكري ، ومن خلال ذلك كانت بداية لإكتشاف طريقة الإمام الشيخ الطوسي ، وبداية لإكتشاف طريقة الإمام الجليل الشيخ النجاشي ، وبداية لإكتشافي بوجود خلل في طريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، ويجب أن يلتفت طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بأنَّ من النتائج السلبية لتركنا لطريقة الإمامين - الشيخ الشيخ أحمد بن علي النجاشي الأسدي الكوفي والشيخ محمد بن الحسن الطوسي - وتقليدنا لطريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في هذه القضية الخطيرة أنّنا رفضنا مسألة التقريب بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه ؛ لأنَّ الإمام أبا زهرة الأزهري المصري ذكر بأنَّ طريقة الإمام الشيخ الطوسي في تناول الحقائق الست الكبرى في القرآن الكريم تؤدّي إلى التقريب بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين المذاهب الإسلامية الأخرى وحتى لا يتعرض طالب العلم في معاهدنا السلفية للانزلاق والخطأ، وحتى لا يرتكب طالب العلم فى معاهدنا السلفية جريمة التشويه في حق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - من حيث لا يعلم ، اتمنى من طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية أن يقرأ كلام الإمام محمد أبي زهرة في مدح التراث الفكري للشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي ، ثم بعد ذلك يراجع كتابات الإمام الشيخ محمد بن الحسن ، ويراجع كتاب الرجالي الكبير الإمام الشيخ الجليل أحمد بن علي النجاشي الأسدي الكوفي ، حتّى يتأكد له بأنَّ طريقة الإمامين - الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي – أقرب إلى

ص: 163

الصواب من طريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، ونريد من طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يدرك ضرورة دراسة هذه المرحلة الثانية ، بعد أن وضحنا لطالب العلم في معاهدنا السلفية المرحلة الأولى في الباب الأول من هذا الكتاب، كما أنّه لابد الآن أن يدرك طالب العلم في معاهدنا السلفية بأنّه إذا كان هدف المرحلة الأولى يتلخص في تحذير طالب العلم في معاهدنا السلفية من مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وتحقق هذا الهدف عندما بينا لطالب العلم السلفي في المرحلة الأولى الفرق بين الحقائق والخصائص المرتبطة والمتعلقة بأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين الأوهام المرتبطة والمتعلقة بأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وقد شرحنا ذلك في الباب الأول من هذا الكتاب ، أما الهدف الرئيسي لهذه المرحلة - مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب – فهو يتبلور في تحليل ودراسة الحقائق القرآنية الست الكبرى التي أثبتنا - في المرحلة الأولى – ارتباطها وتعلقها بأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالدليل والبرهان، ولا علاقة لها بالأوهام الخطّابية المجوسية التي ثبت لنا عدم انتسابها لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في المرحلة الأولى التي درسناها في الباب الأول من هذا الكتاب -

وفي نهاية المطاف نريد أن يعرف أخواننا السلفية بأن الحقائق الست القرآنية الكبرى التي سوف نقوم بتحليلها ودراستها في هذا الباب الثاني من هذا الكتاب ، ونبين الفرق بين رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لتلك الحقائق القرآنية الست الكبرى ، وبين رؤية أهل الشرك لتلك الحقائق القرآنية الست الكبرى ، ومن دون شك بأنَّ الحقائق الست القرآنية التي نريد طرحها في هذا الباب ، هي نفس الحقائق الكبرى الست الموجودة في الكتب المعتبرة عند كل المذاهب الإسلامية ، ولن تجد مسلماً في الأرض لا يؤمن بالحقائق الست القرآنية التي سوف نطرحها في هذا الباب ؛ لأنّ تلك الحقائق الكبرى الست مستخرجة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية التي لا تخالف كتاب الله

وهذه الحقائق القرآنية الست الكبرى ليست شيئاً آخر سوى الثمرة الطبيعية لما تحتويه الكتب المعتبرة عند كل المذاهب الإسلامية.

وكلمة أُخرى في المنهج الذي نتوخاه في هذا الكتاب وهي أننا قستمنا الحقائق المستخرجة والمستلهمة من كتب معتمدة حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى عشر حقائق ، وفي هذه المرحلة الثانية سوف نتناول ست حقائق من الحقائق القرآنية

ص: 164

الكبرى التي تمسك بها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسنتناول في المرحلة الثالثة - مرحلة المعرفة الجذرية للمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب – الحقائق الأربع المتبقية من الحقائق العشر الكبرى لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

والذي يقرأ هذه المرحلة دون أن يراجع المرحلة الأولى في الباب الأول من هذا الكتاب قد لا يدرك البيان الذي سنقدّمه حول الحقائق الست القرآنية الكبرى التي سنتناولها في هذه المرحلة ، وسنرى هذا بوضوح كلما تقدم بنا البحث في هذا الباب الثاني

وقد أطلقنا على هذه المرحلة بالمرحلة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأننا سوف نقوم في هذه المرحلة بدراسة تحليلية لمحتويات ومضامين الحقائق الست القرآنية الكبرى التي آمن بها كل المذاهب الإسلامية ، وسوف نرسم هذه الحقائق القرآنية الست الكبرى كما عند هي أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكما هي عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ولعله مما يُحتم الالتزام بهذا المنهج الذي وضعناه لغرض تصحيح منهج زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في دراسة موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الحقائق القرآنية الكبرى الست التي من خالفها خرج من الإسلام ، على خلاف الحقائق الأربع التي سندرسها في الباب الثالث في هذا الكتاب التي من خالفها لا يخرج من الإسلام ، بل يبقى في دائرة الإسلام ولو خالفها ، وسوف يدرك طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية بأنّنا لم نذكر الإمامة القرآنية من ضمن الحقائق القرآنية الست الكبرى التي سندرسها في هذا الباب الثاني ، بل جعلنا الإمامة القرآنية في الباب الثالث من هذا الكتاب ، والذي جعل الإمامة القرآنية في هذا الموقع المتأخر عن الحقائق الست القرآنية الكبرى ، هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حينما صرَّحَ في عشرات الروايات المتواترة عنه بأنَّ الإمامة القرآنية ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيَّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ من ينكر ويرفض إمامة الأئمة الاثني عشر يبقى في دائرة الإسلام الوسيعة ، ولا بد لطالب العلم في معاهدنا السلفية من الفصل بين الحقائق الست الأولى من تلك الحقائق العشر وبين الحقائق الأربع المتبقية من تلك الحقائق العشر ، وأنّما ذكرت ضرورة التمييز بين الحقائق الست التي سنتناولها في الباب الثاني من هذا الكتاب ، وبين الحقائق الأربع التي سنتناولها في الباب الثالث من هذا الكتاب ؛ لأنَّ عدم التمييز بين تلك الحقائق القرآنية الست وبين هذه الحقائق الأربع ، سوف يباعد بين

ص: 165

المذاهب الإسلامية ويؤدّي إلى تمزيق الوحدة المقدّسة بين المسلمين ، ويقود إلى تمزيق الوحدة الإسلامية المقدسة بين أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع الإمام محمد عبد الوهاب ، وقد وجدنا أنّ الطابع العام فيما كتبه زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم يكن يستند على الدراسة التحليلية لمضامين ومحتويات روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول الحقائق القرآنية الست الكبرى ، بل وجدنا أنَّ الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان كان يستند على الدراسة التحليلية لمضامين ومحتويات روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب حول الحقائق القرآنية الست الكبرى؛ التي ذكرها الشيخ الإمام الطوسي في تراثه بعنوان روايات أصحاب أبي الخطاب حول الحقائق القرآنية الست الكبرى ، وبالتالي قام الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان بتقديم دراسة تحليلية لمضامين ومحتويات روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب حول تلك الحقائق القرآنية الست ، ثم تصوّر الأستاذ القدير بأنَّ تلك الروايات التي رواها أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هي نفس روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى ، ثم تلقفنا خطأ الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، وحكمنا على روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى من خلال تقليدنا للأستاذ إبراهيم الجبهان ، وكان زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية يحسبون بأنّه لا فرق بين روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول الحقائق القرآنية الست الكبرى وبين روايات أصحاب أبي الخطّاب حول الحقائق القرآنية الست الكبرى

وهكذا اعتمدت معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء على تلك الروايات الوثنية المجوسية حول الحقائق القرآنية الست الكبرى التي نسبها أصحاب أبي الخطاب إلى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد أخبرنا الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأن أصحاب أبي الخطاب يدسون الروايات في كتب أصحابه ، ولكن نحن نأسف من عمل غلاة السلفية من أمثال إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام ؛ لأنه يأتي بالروايات المجوسية التي نسبها أصحاب أبي الخطّاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وينبغي لطالب العلم السلفي في معاهدنا العلمية أن يرجع إلى تراث الإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليه فهو التراث الذي من خلاله يتمكن طالب العلم في معاهدنا السلفية من فصل روايات أصحاب أبى الخطّاب عن روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وقد لاحظت أنّ المحققين من السلفى عن المعتدلين أدركوا هذه الحقيقة الهامة ، ومن ثَمّ رفضوا الروايات المجوسية الخطابية التي نسبتها معاهدنا العلمية السلفية إلى أهل التوحيد ومعرفة الله

ص: 166

من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بعد أن علموا أنّ معاهدنا العلمية السلفية تعتمد على كتب غلاة السلفية من أمثال إبراهيم الجبهان ، فقد كانت معاهدنا توزع علينا كتابه تبديد الظلام وبعد أن أدرك المعتدلون من السلفية بأنّ غلاة السلفية لا يفصلون ويميزون بين الروايات المجوسية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب وبين الروايات القرآنية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونصيحتي لطلاب العلم في معاهدنا السلفية العلمية بأن يشرعوا بدراسة روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حسب منهج السلفيين المعتدلين ، وأن يدرسوا روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعيداً عن روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

وعندما يتأمل ويتدبّر طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في طريقة تعامل الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان مع روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول الحقائق الست القرآنية ، حينئذٍ سوف يدرك سرّ الاختلاف بين رؤية إبراهيم الجبهان إلى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية العلامة المصري عبد الحليم الجندي ، فإبراهيم الجبهان بعد أن نسب الروايات المجوسية والباطنية إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حكم على كل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالكفر والخروج من الإسلام ، وفي المقابل يشاهد طالب العلم في معاهدنا السلفية رؤية العالم المصري الشيخ عبد الحليم الجندي إلى روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول الحقائق القرآنية الست الكبرى ، وقد شرح العلامة عبد الحليم الجندي رؤيته تلك في كتابه الذي خصصه لدراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولدراسة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حيث بيّن في كتابه بأنّ الروايات المجوسية والباطنية المنسوبة إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي في الأصل من نصيب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ثُمَّ بيّن العلامة عبد الحليم الجندي - رضوان الله عليه - براءة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من

تلك الروايات المجوسية والغنوصية ، وقد اعتمد العلامة المصري عبد الحليم الجندي على الدراسة التحليلية لمضامين روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى ، وحكم بضروة الفصل بين الروايات التوحيدية القرآنية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الروايات المجوسية الجاهلية لأئمة أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، أمّا صاحب كتاب تبديد الظلام الأستاذ إبراهيم الجبهان فقد اعتمد على الروايات المجوسية لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب التي حسب بأنّها من نصيب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر

ص: 167

الصادق علیه السلام فحكم بكفر أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن هنا تأتي الأهمية الكبرى لهذه المرحلة الثانية

إنّ المنهج السليم يقتضي أن ندرس مضامين ومحتويات روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول الحقائق القرآنية الست الكبرى قبل الحكم عليهم بالكفر والشرك بالله

ولأترك الكلام العام جانباً ، ولأقلب بعض صفحات كتب تبديد الضلام لأجده لنا بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرى بأن آيات التوحيد ومعرفة الله في القرآن الكريم لا يفهمها إلا الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن ثمّ منع الإمام جعفر الصادق علیه السلام من التدبّر بالآيات القرآنية التي تتحدّث عن التوحيد ومعرفة الله ، وقد وجدت هذه الفكرة في مذهب الخطّابية ، لا في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وحين طرح الخطابية هذه الفكرية أجابهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأن معرفة الله والتوحيد من الأمور الفطرية المغروسة في عمق كل إنسان فكيف يقال لا يعرف التوحيد ولا يعرف الله إلا جعفر الصادق علیه السلام ، وقد سأل الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن معنى قول الله – جل ثناؤه - : " فطرة الله التي فطر الناس عليها " قفال : فطرهم على التوحيد " [بحار الأنوار ، كتاب التوحيد : 3-277]

إنّنا بحاجة في معاهدنا العلمية السلفية أن نطلع على مسانيد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل أن نحكم على مذهبة بأحكام جزافية ، وإذا كانت أحاديث رسول الله مدوّنة حسب أسماء أصحاب رسول الله - ص - ، فقد دوّن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ما سمعوه من الإمام جعفر الصادق علیه السلام على شكل مسانيد أصحاب رسول الله ، ومسانيد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي أربعمائة مسند اشتهرت باسم " الأصول الأربعمائة " ، وقد كان كل تلميذ من تلاميذ الإمام جعفر الصادق علیه السلام يجمع رواياته عن الإمام الصادق علیه السلام في مسندٍ من غير ترتيب الأبواب حسب الموضوعات ، قال امين الإسلام الشيخ الإمام الفضل بن الحسن الطبرسي [وهو صاحب كتاب مجمع البيان في تفسير القرآن ، الذي يعد أعظم كتاب فسر القرآن الكريم حسب منهج الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك وجدت مشايخ الخطابية في عصرنا تكره طريقته في تفسير القرآن الكريم] في شأن مسانيد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " روى عن الإمام الصادق علیه السلام عليه السلام من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان ، وصنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب تُسمّى الأصول " رواها أصحابه وأصحاب ابنه الإمام موسى الكاظم عليهما السلام " كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى ، تأليف الطبرسي : 284] .

والآن بعد مسيرة طويلة مع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وجدتُ أنَّ الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان كتب عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، من دون تأمل في مسانيد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام المعروفة عند كل المحققين منذ القرن الثاني ، وهذه " الأصول الأربعمائة " ،

ص: 168

مبثوثة في تراث الإمام الكبير الشيخ محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه ، ولا أدري كيف حكم الأستاذ القدر بضلال أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل مطالعة مسانيدهم الأربعمائه ، وهذا يذكرني بموقف مشايخ الخطابية من أصحاب رسول الله ، تجد شيخاً من مشايخ الخطّابية يلعن صحابياً جليلاً من أعظم أصحاب رسول الله ، وعندما تحاوره تجده لا يعلم شيئا عن أصحاب رسول الله

وسبق أن أشرنا أنّ قصدنا في هذه المرحلة مرحلة المعرفة التحليلية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب إنما هو عرض الحقائق القرآنية الست الكبرى الهامة ، حول هذه المشكلة الخطيرة ، ولعله يتحتّم أن ندرك هذه الحقائق القرآنية الست الكبرى الهامة بصورة واضحة وجلية ، وسف نشرع الآن بدراسة الحقيقة القرآنية الأولى من تلك الحقائق القرآنية الست الكبرى

ص: 169

الحقيقة القرآنية الأولى : حقيقة التوحيد ومعرفة الله بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 170

الحقيقة القرآنية الأولى : حقيقة التوحيد ومعرفة الله بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

إن أول حقيقة من الحقائق الست القرآنية التي طُرحت لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي : حقيقة التوحيد ومعرفة الله ، واحتلت هذه الحقيقة القرآنية الهامة والأساسية أكبر مجال في فكر أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ويدرك كل من راجع مرويات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّ هذه الحقيقة القرآنية هي موضوع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وغايتهم ، فالموسوعات الكبرى التي نقلت لنا المرويات عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي تعريف لتوحيد الله في صفاته ، وتعني كل روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بضرورة الفصل والتمييز بين خصائص الله وخصائص الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وضرورة تجريد الله من خصائص جعفر الصادق علیه السلام ؛ فالله هو وحده المتفرد بصفات لا يتصف بها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فالإمام جعفر الصادق علیه السلام هو عبد من عبيد الله

إنّ الاهتمام الشديد لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بهذه الضرورة - أي ضرورة الفصل بين الله سبحانه وبين العباد المخلوقين - هو الذي جعل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقفون موقفاً عدائياً من الروايات الوثنية الخطابية

وإذا راجع طالب العلم الكريم في المعاهد العلمية السلفية الكمية الهائلة من الكلمات التي صدرت من الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة أهل الشرك كأبي الخطاب ومن معه من الذين فتحوا مجالاً واسعاً لروايات الخطابية النصرانية ، وقرأ محتويات هذه الكلمات ، يجد أن هذه الكلمات كانت تأكّد على مواجهة الرويات الخطابية النصرانية ؛ لأنّ الروايات الخطابية النصرانية التي روّج لها أبو الخطاب ومن معه اهملت ضرورة الفصل بين مقام صفات الله وبين مقام صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولولا تحذير الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الروايات

ص: 171

النصرانية المجوسية الخطابية لما أصبحت هذه الروايات الوثنية الخطابية منبوذة ومطرودة من قبل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

و من الخير أن يعلم طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية قضية هامة ترتبط بحقيقة التوحيد ومعرفة الله بأنّه كما كانت مشكلة بولس النصارى حول حقيقة التوحيد ومعرفة الله تتمثل في حصره لاسماء الله وصفاته في شخصية عيسى بن مريم فأنَّ مشكلة أبي الخطاب في مجال حقيقة التوحيد ومعرفة الله تتمثل في حصره لاسماء الله وصفاته في شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والذي يتأمل في أفكار بولس النصارى وفي أفكار أبي الخطاب سوف يدرك بأنّ مشكلة هاتين الشخصيتين تكمن في عدم فهمهما لمعنى اسماء الله وصفاته ، ونحن في البداية سوف نتناول مشكلة " بولس " ، فبعد أن مضى " بُولس " في متابعة ضرباته على الذات الإلهية من خلال القول بألوهية عيسى بن مريم جاء الدور على متابعة توجيه ضرباته على هذه الذات المقدسة من خلال عزل الله عن اسمائه وصفاته وكانت النتيجة أن عزل " بولس " الله جل ثناؤه - عن مخلوقاته ؛ لأنّ مخلوقاته لا علاقة لها بالله وعلاقتها الوحيدة هي بعيسى بن مريم

وكان لابد لبولس المسلمين ( أبو الخطاب ( أن يصنع في اسماء الله وصفاته عين ماصنعه " بولس " ، وكان من الطبيعي بعد أن صار الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الله عند أبي الخطاب أن يعزل أبو الخطاب الله عن اسمائه وصفاته وأن يلتزم بتعطيل وإبعاد الله عن اسمائه وصفاته وأفعاله ومخلوقاته مادام أن الله هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكما كان بُولس يريد أن يحصر كلمة الصراط المستقيم وكلّ كلمات ومفردات التوراة في عيسى بن مريم كذلك وجدنا أنَّ أبا الخطاب يريد أن يحصر كلمة الصراط المستقيم وكلّ كلمات القرآن الكريم في الإمام جعفر الصادق علیه السلام يريد - الآن - أن يحصر كل اسماء الله وصفاته في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويحاول أن يميت اسماء الله وصفاته بعد أن بذل جهده في إماتة كلمات القرآن الكريم ؛ لأجل ذلك عندما تجلس عند رجل يرى ألوهية عيسى بن مريم أو يرى ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام - - تجد أن الله منسياً لديهم فلا يذكرون إلا عيسى بن مريم أو الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ومن دون شك بأن هذه الأسماء الله والصفات - التي ذكرت في القرآن أو كتب الحديث – تغرس في قلب الإنسان حب الله – جل ثناؤه – حتى يتفانى في طاعته ، ويبذل كل جهده في طلب رضاه ، ويشعر بلذة لا توصف حين يردد اسماء الله بصوته أو يسمعها من غيره ، ويصير همه وغمّه أن يلهج بذكر الله وصفاته وأسمائه ، ولا يهداء باله ويسكن روعه إلا حين

ص: 172

يتغنى بذكر اسماء الله وصفاته ، ويظل طوال حياته يسعى أن يتخلّق بأسماء الله وصفاته فتكون أسماء الله وصفاته سبباً كبيراً فى تغيير صفات العبد وسلوكه ، فإذا كان من صفات الله الرؤوف فأنّ العبد يكون رؤوفاً بكلّ خلق الله ويتعافى من الكراهية للناس لأجل خلافه في المذهب والعقيدة .

وحين حصر " بولس " النصارى اسماء الله وصفاته في عيسى بن مريم ، وحصر " بولس المسلمين .. " أبو الخطاب " اسماء الله وصفاته في الإمام جعفر الصادق علیه السلام خبت وانطفأت محبة الله – جل ثناؤه - من قلوبهم ، فلا تجد الحب العميق لدى النصارى إلا لعيسى بن مريم - ع و لا تجد الحب الحقيقي لدى الخطابية إلا للإمام جعفر الصادق علیه السلام - ع

ومن هنا لاتجد عند النصارى وعند الخطابية العشق المتيّم ، والانجذاب الكامل نحو الله

واسمائه وصفاته وافعاله ؛ لأنّ هذه الأسماء والصفات لا علاقة لها بالله من قريب و لا من بعيد فإذا ذكرت عند المسيحيين أو عند الخطابيين اسماء الله وصفاته قال لك النصراني لقد ذكّرتني ني بعيسى بن مريم ، وقال لك الخطابي لقد ذكرتني بالإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وكان ذلك كلّه ناشئاً من أنّ النصارى لم يذوقوا محبّة الله ؛ لأنّ الله عندهم هو عيسى بن مريم ، وأنّ الخطابية لم يذوقوا محبة الله ؛ لأن الله عندهم هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – ، فمن كفر بالله وآمن بعيسى بن مريم أو كفر بالله وآمن بالإمام جعفر الصادق علیه السلام كألهين بديلين عن الله فسوف تكون هذين الألهين الجديدين - عيسى بن مريم أو الإمام جعفر الصادق علیه السلام هما موضع الحب الحقيقي الأصيل في قلوبهم ، ولن يجد الله في قلوبهم محبة ومودة .

ولقد طالعنا هذه الحقيقة القرآنية الكبرى والأولى في حياة الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي هو أمام الدعاة إلى التوحيد ومعرفة الله في عصره ، فوجدنا أن سخطه كان هائلاً على أبي الخطاب والخطابيين المشركين ، يمحو شركهم بالله بقوة ثم يعرض هذه الحقيقة القرآنية الأولى ، ويبيّن بأنّ هذه الحقيقة القرآنية هي التي تجعل المسلم يدرك معاني اسماء الله وصفاته ، ثُمّ يكشف مشكلة عدم فهم أبي الخطاب لمعاني الآيات القرآنية التي تسوق قضية اسماء الله وصفاته ، وقد تأملت في كل ما ورد من كلمات للإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – حول اسماء الله وصفاته طويلاً ، وتأكدت من أنّ هنالك فهم خاطىء لكلامه حول اسماء الله وصفاته وقع فيه أبو الخطاب كما وقع في نفس الخطأ - قبل أبي الخطاب - بولس النصارى .

ص: 173

ليس لنا أن نسيء الفهم لكلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول اسماء الله وصفاته ، ولا نفهم كلامه في هذا الموضوع الخطير بعيداً عن خصائص مذهبه ومعالم عقيدته وحقائق أقواله ورسائله

إن لدينا الكم الهائل والعبارات الكثيرة المتواترة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – في ذكر اسماء الله وصفاته ، فإذا أردنا فهم مراد كلامه لابد أن نمشي وفق ما يريد لا وفق ما نريد

وقد تأمت في التاريخ القديم فوجدت أنّ الأمر الموجع أنّ أبا الخطاب قال بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين لم يدرك معاني كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن اسماء الله وصفاته

ولأترك الآن الكلام عن الماضي الموجع الموجود عند أبي الخطاب وعند مشايخ الخطابية في القرن العشرين ، وأقلّب صفحات كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان وهو الكتاب الذي اعتمدنا عليه في الطعن في الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي الطعن بأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومشكلة صاحب كتاب تبديد الظلام تولدت من ذات مشكلة غلاة السلفية في فهمها الخاطيء لكلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن اسماء الله وصفاته .

وقد خدعتني في البداية نظرة غلاة السلفية حول قضية اسماء الله وصفاته في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّني وبسبب مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، لم نكن في معاهدنا العلمية نميّز بين مفهوم صفات الله واسمائه فى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مفهوم صفات الله واسمائه في مذهب أبي الخطاب ، بيد أنني تأملت في كل كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن اسماء الله فكشف لي حقائق هامة كانت غائبة عني ، وأدركت الفرق الجوهري بين رؤية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية أبي الخطّاب عن اسماء الله وصفاته

ومن العجيب أنّ فهم أبي الخطاب حول أسماء الله وصفاته هو نفس فهم " بُولس " بمعنى كما أنّ مشكلة بولس هي حصره الأسماء والصفات المختصة بالله في شخصية عيسى بن مريم كذلك مشكلة أبي الخطاب هي حصر أسماء الله وصفاته في شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

الحق أنّ هذا الفهم الغريب والعجيب لأسماء الله وصفاته فيه ظلم شديد الله – جل ثناؤه - ، وكان من أعظم كراهيتنا للإمام جعفر الصادق علیه السلام ونفرتنا من مذهبه وتكفيرنا لأصحابه

ولا نستطيع في هذا الكتاب ذكر كل كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول اسماء الله وصفاته ، ولا ذكر المعاناة التي كان يلقاها من أبي الخطّاب ومن الخطّابيين المشركين ، فهو قد يستنفد

ص: 174

الجهود لنصحهم وإنقاذهم من وصف غير الله بصفات الله ، وكان في كلامه يبيّن أن فساد الأديان وتحولها من التوحيد ومعرفة الله إلى الشرك يجيء من وصف الإنسان بالصفات الخاصة بالله ، وكان القرآن الكريم هو قدوة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبنى رؤيته في اسماء الله وصفاته من ومضات وبيّنات الكتاب الذي نزل على رسول الله

وهو – عليه السلام – يدرك أن العلاج الناجع الذي يهدي الحيارى من أبي الخطاب

والخطابيين المشركين من شطحاتهم في قضية اسماء الله وصفاته هو عودتهم إلى القرآن الكريم من جديد ، فهو الكتاب الوحيد الذي يفصل بين اسماء وصفات الله وبين اسماء وصفات البشر

ويرى بأن فساد عقيدة أبي الخطاب والخطابيين المشركين وجد منذُ أن هجروا القرآن الكريم ، وتركوا روح القرآن وتمسكوا بخرافات وشركيات وأساطير سموها باطن القرآن الكريم .

بعد تلك الإلماحة السابقة التي ذكرنا فيها المشتركات بين " "بولس النصارى وبين أبي الخطاب ، نريد الآن أن يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية بأنَّ بُولس كان يعلم أن أصل اسماء الله وصفاته فى التوراة الأنجيل - كما أن أصل اسماء الله وصفاته في القرآن الكريم - ؛ لأجل ذلك نجده يعلن بأنّه لا يمكن لنا معرفة اسماء الله وصفاته من خلال لغة التوراة ولغة الأنجيل وعبر قواعد لغة التوراة ولغة الأنجيل ؛ لأنّ قواعد اللغة قد نسخت وماتت وبذلك يكون بولس النصارى قد وجّه ضربة قاضية لمنظومة وقواعد لغة التوراة ولغة الأنجيل ، وحين ضرب بولس لغة التوراة ولغة الأنجيل تمكن من إدخال التثليث وتأليه عيسى في النصرانية ، وكان عمل أبي الخطاب مع اسماء الله وصفاته في القرآن الكريم نفس عمل بولس تماماً

وحين نزل القرآن الكريم ، صار هو المهيمن على التوراة والإنجيل معاً ، ونقى الوحي كلّه من تأويلات بولس الذي هدم الوحي حين استبدل التوحيد بالتثليث واستبدل التشريع بتعطيل كلّ شرائع الوحي ، وظل الأمر هكذا حتى جاء أبو الخطاب وأراد أن يعد ولادة بولس من جديد

لنطوي ذلك الماضي الموجع ، ولندخل في بيان الحقيقة القرآنية الكبرى التي ذكرها الإمام جعفر الصادق علیه السلام لدى طرحه لقضية اسماء الله وصفاته ، لكنّها غابت عن أبي الخطاب وعن بولس ، ولكنّي اعتقد أنّه من الضروري لأجل أن يدرك أخواني في المعاهد العلمية السلفية الفرق بين موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وموقف أصحاب أبي الخطّاب من هذه الحقيقة القرآنية الأولى والكبرى أن نذكر لهم قضية الفرق بين محبة الله عند أصحاب أبي الخطاب و

ص: 175

محبّة الله لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، قصة محبَّة الله بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب ، ومحبَّة الله بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب هي من الأمور التي غابت عن إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام .

وها أنا أضع بين يدي عشاق الحقيقة من زملائي في معاهدنا السفية هذا الموضوع الخطير ليدرك زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء الفرق بين علاقة أصحاب الإمام الصادق علیه السلام بالله وعلاقة أصحاب أبي الخطاب بالله

وقد عنيت بالقياس بين حب الله عند أصحاب أبي الخطاب منذ عصر أبي الخطاب إلى مسألة حبّ الله عند خطّابية القرن العشرين ، وحبّ الله لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام منذ عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى هذا العصر

ومن خلال مجالستي لبعض الخطابيين المعاصرين وتتبعي لكتبهم وعاداتهم وحياتهم ، أدركت أن هجرانهم للقرآن الكريم من أسباب فقدانهم لذوق حلاوة محبَّة الله ؛ لأنَّ القرآن الكريم هو أعظم كتاب يجعل الإنسان يتذوّق محبّة الله في أعماق قلبه ، وبعد أن هجر أصحاب أبي الخطاب القرآن لم تعد تجد خطابياً يحبّ الله كما يحب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام كشف لنا بأنَّ أبا الخطاب وأصحابه حين غرسوا في قلوبهم ألوهيتة وربوبيتة زالت السلامة من قلوبهم وحرموا من تذوّق محبّة الله حيث سئل الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن قول الله - عز وجل - : " إلّا من أتى الله بقلب سليم " ؟ قال : القلب الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه " [الكافي / 17:2] .

إنَّه لا يُرزق محبّة الله إلّا من تَطَّهر من التعلّق بألوهية غير الله ، وخلَّى القلب من الإيمان بربوبية الأغيار ، وقد كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين يرى أن أصحاب أبي الخطاب لا يحبّون الله يبيّن بأنّ من لم يذق حلاوة محبّة الله في عمق قلبه فلا دين الله ويقول : " هل الدِّينِ إِلَّا الحب " الخصال للشيخ الصدوق / 21:1] .

وما فعله " أبو الخطّاب " كان واضح المعنى ، فقد طوى محبة الله من قلوب أصحابه وغرس محلّها محبّة الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تجعله إلها ورباً .

إن محبة الله لا توجد في القلب إلّا بعد معرفة الله ، ولن تجد خطابياً عَرَفَ الله؛ لأن معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام عند الخطابية هي عين معرفة الله

ص: 176

ومع غلبة ولاية أصحاب أبي الخطاب للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعقيدتهم بأن مقام ولاية جعفر الصادق علیه السلام أعلى من مرتبة ولاية الله .

ومع الخلل الكبير الذي أصاب أصحاب أبي الخطاب في معرفة صفات وسمات الله ، إذ لم يعد أصحاب أبي الخطّاب يدركون الفرق الجوهري بين علم الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين العلم المختص بالله ؛ وبالتالي لم يعد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مؤاهلين لإدراك صفات الله ؛ لأنّه لا يدرك صفات الله إلّا من وحدَ الله ، وصفى قلبه من الإيمان بألوهية غير الله

ومن هنا صارت الفجوة والجفوة عميقة بين أصحاب أبي الخطاب وبين الله – جل ثناؤه - وحُرِم أصحاب أبي الخطاب من الوقود الوجداني والعاطفي نحو الله – جل ثناؤه – ، وتجد علاقتهم بالله باردة ميتة ، إذا ذكر الله في مجلس من مجالس الخطابية لاتجد له في قلوبهم إكباراً وإجلاً وحبّاً ، بل تجدهم يستهينون بمن يذكر الله وحده دون ذكر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي واقع الأمر بأنّه من أين لأصحاب أبي الخطاب أن يشموا رائحة لوعة محبَّة الله يجعلون الإمام جعفر الصادق علیه السلام ندا الله

علم الله أخواني في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض بأنَّني انطلقت في موقفي وحديثي عن إبراهيم الجبهان - عند حكمه بأنَّه لا فرق بين أبي الخطّاب والإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا فرق بين أصحاب أبي الخطاب وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – من ميزان القرآن الكريم الذي لم يجعل أهل التوحيد ومعرفة الله كأهل الشرك من الذين اتخذوا عيسى بن ألها ، ولم يجعل القرآن الكريم أهل التوحيد كأهل التثليث

والمهم في الأمر لقد جلست مع أتباع أبي الخطّاب من الخطّابيين المشركين المعاصرين لنا ، ورأيتهم يظلمون الله ويسلبونه صفاته باسم أنّها صفات وسمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولن يحمينا من أفكارهم إلا العودة الحقيقية والواقعية إلى معرفة اسماء الله وصفاته في القرآن الكريم ؛ لأنّ الإسلام الحقيقي هو إسلام القرآن الكريم لا إسلام الروايات النصرانية الخطّابية

كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يؤكد حقيقة أنّه لا نجاة لأبي الخطاب والخطابيين من الشرك إلّا بالقرآن الكريم ، ويعرف أنه لابد من أعادة ترميم ثقتهم بالقرآن الكريم بعد أن رأى الخطابية في أصل هذا القرآن الكريم بسبب شدة غلوهم في كراهية أصحاب رسول الله ، وشدّة غلوهم في كراهية بعض زوجات رسول الله .

ص: 177

من هنا كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام - عليه السلام - علناً وجهراً يصرّح بأنّ هذا القرآن

المعروف بين جميع المسلمين في عصره ، هو ذات المصحف الذي نزل على رسول الله ، وهنالك الروايات المتواترة عن هذا الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تصرح بأنّ القرآن الكريم هو عين هذا المصحف الموجود ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس ، وعدد سوره (114) سورة ، ليس بأكثر من ذلك ولا أقل ، وأنّه لم يزد ولم ينقُص

ولا نستطيع ذكر كل روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي بلغت من الكثرة بحيث وصلت إلى أعلى درجات التواتر ، والتي يصرّح فيها الإمام بأنّ هذا القرآن هو كتاب الله ، وقد بلغه أنّ الخطابية هجروا تلاوة القرآن الكريم وتركوا النظر إلى المصحف ، فكان يقول : " من قرأ القرآن في المصحف مُتّع ببصره وخفَّفَ عن والديه ، وإن كانا كافرين " ، ويقول : " عليكم بتلاوة القرآن ، فإنّ درجات الجنّة على عدد آيات القرآن ، فإذا كان يوم القيامة قيل لقارىء القرآن: اقرأ وارقة ، فكلّما قرأ آيةً يرقى درجةً " .

كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يدرك بأنّ الخطابية لن يتركوا القول بألوهيته وربوبيته ، وأنّه كان عبدا لله مثله مثل سائر البشر جميعاً ، إلا بعودتهم الحقيقية والوقعية للقرآن الكريم ؛ ليروا الآيات القرآنية التي ردّت على الذين جعلوا من عيسى بن مريم إلهاً ، فبين الله أن المسيح كان عبداً ضعيفاً مسكيناً مستكينا لله ، وكان بشراً كسائر البشر جميعاً ، وكان يرى بأنّ من فارق القرآن الكريم سوف يبتعد عن معرفة الله والتوحيد ويدخل في ظلمات الشرك والمشركين

ولي كتاب تحت عنوان التوحيد - معرفة الله - والقرآن الكريم في تراث الإمام جعفر الصادق علیه السلام "عقدت فيه فصلاً كاملاً يبيّن ويشرح المعركة الكبرى بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب التي دارت رحاها حول التوحيد - معرفة الله والقرآن الكريم .

وقد غُصْتُ في بحر أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأنا أُطالع جهودهم الكبري في الدفاع عن حقيقة التوحيد ومعرفة الله الحقيقة القرآنية الأولى ولمست بيدي تلامذة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يشككون في بعض الذين تحوم عليهم التهم دفاعا عن حريم التوحيد ومعرفة الله :

لما كان هذا الكتاب يصارح السلفيين بما لابد منه ، هناك مواقف صدرت من تلاميذ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، إذ أنني عند تتبعي لتراجم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتلاميذ تلامذته من القريبين من عصره ، حصلت على وثائق تدلُّ على أنَّ تلاميذ تلامذة أصحاب

ص: 178

الإمام جعفر الصادق علیه السلام شككوا في بعض رواة تراث الإمام جعف الصادق علیه السلام من الذين يتهمونهم بالبعد عن التوحيد ومعرفة الله ؛ من أجل سدّ الطريق على أهل الشرك والمشركين من القائلين بربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وهذه صورة من بعض الوثائق التي تبيّن بأنّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا مهادنة لديهم من ذلك المخطط الذي كان يسعى إليه الخطابية من أجل هدم التوحيد ومعرفة الله ، وهي وثائق تثبت لنا أنَّ أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام هم حماة التوحيد وتثبت لنا بأنَّ أتباع أبي الخطاب هم حماة الشرك والمشركين . وقررنا الوثائق بما يلي :

الوثيقة الأولى : قال الشيخ الجليل الإمام النجاشي - رضوان الله علىه – في ترجمته لأحمد بن الحسين بن سعيد الأهوازي : " روى عن جميع شيوخ أبيه إلا حماد بن عيسى فيما زعم أصحابنا القميون وضعفوه ، وقالوا هو غال وحديثه يعرف وينكر " [رجال النجاشي / 77]

والوثيقة الثانية : قال الشيخ الجلى ل الإمام النجاشي - رضوان الله علىه – في ترجمته لأحمد بن محمد أبو عبد الله الآملي الطبري : " ضعيف جدا لا يلتفت إليه ، له كتاب الوصول إلى معرفة الأصول ، وكتاب الكشف " [رجال النجاشي /96] .

والوثيقة الثالثة : الشيخ الجلول الإمام النجاشي - رضوان الله علیه - في ترجمته لجعفر بن محمد بن مالك الفزاري : " كان ضعيفاً في الحديث . قال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعاً ، ويروي عن المجاهيل ، وسمعتُ من قال : كان أيضاً فاسد المذهب والرواية .. له كتاب غرر الأخبار ، وكتاب أخبار الأئمة ومواليدهم ، وكتاب الفتن والملاحم " [رجال النجاشي : 122].

والوثيقة الرابعة : قال الشيخ النجاشي في ترجمته للحسن بن العباس بن الحريش الرازي ضعيف جداً . له كتاب " إنَّا أنزلناه في ليلة القدر " ، وهو كتاب ردي الحديث ، مضطرب الألفاظ " رجال النجاشي : 138] .

والوثيقة الخامسة : قال الشيخ الجلى ل الإمام النجاشي - رضوان الله علیه – في ترجمته لداود بن كثير الرقي ضعيف جداً ، والغلاة تروي عنه ، قال أحمد بن عبد الواحد : قل ما رأيت له حديثاً سديداً له كتاب المزار " [رجال النجاشي / 410] .

ص: 179

والوثيقة السادسة : الشيخ الجلول الإمام النجاشي - رضوان الله علیه – في ترجمته لعمرو بن شمر الجعفي : " روى عن أبي عبد الله [ الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] - ع ، ضعيف جدا زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي . [رجال النجاشي : 202]

ونحن موقنون بأنّ الحقيقة القرآنية الأولى (حقيقة التوحيد ومعرفة الله لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أعظم من الحقيقة الثامنة (حقيقة الإمامة القرآنية ، ولكن لمّا كان غرضي من هذا الكتاب هو تقديم تجربتي في قضية الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب لزملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية ، أريد الآن أن يدركوا قضية مفيدة وهي : لقد كان من الأمور التي صارت مسلّمة لدينا نحن السلفية بأن أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقدمون الإمامة القرآنية (الحقيقة الثامنة) على التوحيد ومعرفة الله (الحقيقة) القرآنية الأولى ، ولكن تجربتي مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتجربتي مع أبي الخطاب ومع أصحاب أبي الخطّاب كشفت لي غير ذلك ، ودليلي وبرهاني هو أنني وجدت أن مهاجمة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه لأبي الخطاب والخطابية أشد من مهاجمته للذين ظلموا أهل البيت من بعض الملوك الأمويين والملوك العباسيين ، وهذا فيه دلالة بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه يهتمون بالتوحيد ومعرفة الله (الحقيقة القرآنية الأولى أعظم من إهتمامهم بالإمامة القرآنية (الحقيقة الثامنة) ، ومنذ أن هاجرت من منطقة الدرعية في مدينة الرياض واستقر بي المطاف في مدينة قم العلمية وأنا معتكف في ساحة كتب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – ، وقد تدبّرتُ في كل كلمات وخطب ورسائل وكتب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في جميع المجالات الروحية والتشريعية ، وتتبعت كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن طغاة بني أمية الذين قتلوا الإمام الحسين – ع – واستباحوا حرمة أهل بيت رسول الله وانتقلت بعد ذلك إلى البحث في أقوال الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول طغاة بني العباس الذين قتلوا وظلموا وسجنوا وشردوا أهل البيت ، شرعت متابعة كل ما جاء عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في وصف أبي الخطاب والخطابية والغريب في الأمر أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم يصف قتلة الإمام الحسين – ع – ولا ظلمة أهل البيت من طغاة بني أمية ومن ظلمة بني العباس ، بنفس الصورة القبيحة والشنيعة والمنفرة التي وصف بها أبا الخطاب والخطابية

وقد كشف لنا الإمام جعفر الصادق علیه السلام نفسه لماذا أنّ أبا الخطاب يستحق الذم أكثر من قتلة الإمام الحسين وقتلت أئمة أهل البيت من طغاة بني أمية وبني العباس ، حين بين مراراً

ص: 180

وتكراراً بأن ظلمة بني أمية وبني العباس أنّما ظلموا أهل بيت النبي ظلموا أهل بيت النبي - ص - أما أبو الخطاب والخطابية فأنّهم ظلموا الذات الإلهية المقدسة ، وقد أخذ الإمام جعفر هذا المعنى من القرآن الكريم : " إن الشرك لظلم عظيمٌ " [سورة لقمان : 13] . " إن الله لا يغفِر أَن يُشْرِكَ بِهِ ، ويغفرُ مَا دُونَ ذلكَ لمَن يَشاء " [سورة النساء : 116] .

والمرء لا يمكنه أن يجعل الذين قتلوا الإمام علي والإمام الحسين وظلموا أهل بيت النبي . ص - في مقام الذين أهانوا الله - جل ثناؤه - واستصغروه .

ومن هنا نجد أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام فرّغ حياته كلها لمواجهة الذين طعنوا في الله وربوبيته وألوهيته ، وكان أكثر كلامه في الدفاع عن الذات الإلهية المقدسة ، وقد وجدناه قد تسامح مع قتلت أهل بيت رسول الله - ص - ولكنه لم يتسامح مع أبي الخطاب والخطابية من الظالمين الله والمتجاوزين على سماته وصفاته وخصائصه

إننا نريد من معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض أن يرجعوا إلى الخبراء في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام في العصور القديمة والحديثة سيجدونهم يتفقون بأنَّ الإمام جعفر قد استقل بالإمامة مدة أربعة وثلاثين سنة (114 - 148ه) ، وكان لطول فترة إمامته دور كبير من تمكن الإمام جعفر الصادق علیه السلام من رسم معالم مذهبه ، ودور كبير في كثرة تلامذته الذين عدَّهم الإمام الشيخ المفيد - رضوان الله عليه - بأربعة الاف ، كما ذكر ذلك في كتابه الإرشاد . كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد للشيخ الإمام محمد بن النعمان العكبري البغدادي: 249]

ويكفينا أن نتدبر في كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الذين قتلوا أهل البيت وفي الذين أهانوا الله جل جلاله - حتى يتبين له صدق قولي ، وقد ذكر الكشي في رجاله بعض صفات أبي الخطاب والخطابية ، وسوف نذكر نماذجاً منها حتى نشاهد لحن وصيغة مواجهته لهم التي لا يمكن أن نجده وصف قتلة أهل البيت بتلك السمات والصفات :

الصفة والسمة الأولى لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " اللهم العن أبا الخطاب ، فإنّه خوفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي اللهم أذقه الحديد " ، والصفة والسمة الثانية لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " إني سمعت أبي – الإمام محمد الباقر - يقول : إن شيطاناً يقال له : " المذهب " يأتي في كل صورة ، إلا أنّه لا يأتي في صورة نبي ولا وصيّ نبي ، ولا أحسبه إلا وقد تراءى لصاحبكم ، فاحذروه " ، والصفة

ص: 181

والسمة الثالثة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " لعن الله أبا الخطاب ولعن من قتل معه ولعن من بقي منهم ولعن من دخل قلبه رحمة لهم " ، والصفة والسمة الثالثة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " كان أبو الخطاب أحمق وكنت أُحدّثه وكان لا يحفظ ، وكان يزيد من عنده " ، والصفة والسمة الرابعة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " على أبي الخطّاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، واشهد بالله أنّه كافر فاسق مشرك وأنّه يحشر مع فرعون في أشدّ العذاب غدوّاً وعشيّاً ، والصفة والسمة الخامسة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " لا تقاعدوهم - أي أصحاب أبي الخطاب - ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم " ، والصفة والسمة السادسة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " ولما لبّى القوم - من أصحاب أبي الخطاب - الذين لبوا بالكوفة – وقالوا : لبيك ياجعفر فخر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ساجداً الله ودق جؤجؤه بالأرض وبكى !! وأقبل يلوذ بإصبعه ويقول : " بل عبد الله قن داخر " - مراراً كثيرة - ثمّ رفع رأسه ودموعه تسيل على لحيته ... فقلت - القائل هو مصادف - : وما عليك أنت من ذا ؟ فقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : يا مصادف إنّ عيسى لو سكت عمّا قالت النصارى فيه لكان حقا على الله أن يصمّ

الصادق علیه السلام سمعه ويعمي بصره ، ولو سكت عمّا قال أبو الخطاب لكان حقاً على الله أن يصمّ سمعي ويعمي بصري " ، والصفة والسمة السابعة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : لما بلغه أن أصحاب أبي الخطاب يقولون بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام " هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله " فقال : لا والله لا يأويني وإيّاه سقف بيت أبداً !! هم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، والله ما صغر عظمة الله تصغيرهم شيء قط !! إن عزيزاً جال في صدره ما قالت فيه اليهود فمحا الله اسمه من النبوة ، والله لو أنّ أقرّ بما قالت النصارى لأورثه الله صمماً إلى يوم القيامة !! ولو أقررت بما يقول فيَّ أهل الكوفة لأخذتني الأرض ، وما أنا إلا عبد مملوك لا أقدر على شيء ضر ولا نفع والصفة والسمة الثامنة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " ترائى والله إبليس لأبي الخطّاب على سور المدينة - أو المسجد - فكأني أنظر إليه وهو يقول : إيهاً تضفر الآن !! إيها تظفر الآن " ، والصفة والسمة التاسعة لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " ذكر الإمام جعفر الصادق علیه السلام المغيرة بن سعيد وبزيغاً والسّريّ وأبا الخطّاب ومعمّراً وبشار الشعري وحمزة البربري وصائد النهدي ، فقال : لعنهم الله !!

ص: 182

فإنّا لا نخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأي ، كفانا الله مؤنة كلّ كذَّاب وأذاقهم حرّ الحديد " ، والصفة والعاشرة الأولى لأبي الخطاب والخطابية في لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " وأما أبو الخطاب فكذب عليّ وقال : إنّي أمرته ألّا يصلّي هو وأصحابه المغرب حتى يروا كواكب " .

وما يذكره صاحب كتاب " تبديد الظلام " حول" شركيات ومجوسيات أصحاب جعفر الصادق علیه السلام ما هو إلا خرافات وخيالات ، وأن قبلتها معاهدنا العلمية السلفية ، وسوف نثبت صحة كلامنا من خلال مواجهة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لشركيات ومجوسيات وخرافات وخيالات أصحاب أبي الخطاب ، والآن سوف نرى كيف دافع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن التوحيد ومعرفة الله من خلال مواجهتم لشركيات أبي الخطاب والخطابية ، والمواجهة بين أصحاب أبي الخطاب وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانت بداية لفهم جديد بالنسبة لي لمعرفة دفاع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن التوحيد ؛ لأن مواجهة الخطابية هو في حقيقة الأمر دفاع عن التوحيد وهي تعتبر مواجهة للشرك وإغلاق ذرائع المشركين ، وكانت بداية إدراكي لهذا الموضوع من الشيخ محمد ابي زهرة حيث بين نظرة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه إلى أبي الخطاب وأصحابه في كتابه الذي خصصه عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وقد رأيت في روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تصريحات تبيّن حقيقة هذه المواجهة الكبرى بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب بسبب موقفهم من الذات الإلهية ومن التوحيد

وسوف أذكر نماذجاً من الروايات المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ما يدل على ذلك ، وهنا نجد رواية نقلها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تبيّن لنا بأن الإمام الإمام جعفر الصادق علیه السلام وصف الغلاة بهذه الصورة : " الغلاة [ الخطابية الذين صغروا عظمة الله - تعالى - " .

وقد وجدت بأن الهدف الأساسي والخطير لأصحاب أبى الخطّاب يتمثل فى تضعيف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ في تضعيفهم تقوية لأهل الشرك بالله من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك نجد أن الروايات المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تبيّن بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرّح في مواضع عديدة بأن خطة أبي الخطاب ووأصحابه تتمركز حول هدم التوحيد من خلال سلب خصائص الذات الإلهية وجعلها من

ص: 183

خصائص شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ففكرة الخطابية معاكسة للتوحيد للروايات المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والخطّابيون يستهدفون الخصائص

الرئيسية للتوحيد الذي رسمته الروايات المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والتي تبيّن بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرّح بذم أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وتبيّن أنّ ضرر أصحاب أبي الخطّاب الأكبر يتلخص في نسف المبادىء الأساسية للتوحيد ومعرفة الله

ونحن وجدنا بأن الروايات المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تقف سداً منيعاً أمام مسيرة أصحاب أبي الخطاب ، وأمام روايات أصحاب أبي الخطاب والخطابية الذين كانوا ينقلون روايات شركية ومجوسية ونصرانية ينسبونها إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويسعون من خلال تلك الروايات إلى هدم التوحيد الذي هو الأصل المركزي في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة وهو الأصل المركزي في الروايات المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتكاد أن تدور كل الروايات المنقولة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول التوحيد ومعرفة الله بما لا تترك مجالاً يمكن للروايات الشركية الخطابية أن تنفذ من خلاله

وكانت روايات أصحاب أبي الخطّاب تقف أمام روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنَّ روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول التوحيد ومعرفة الله كانت تقف أمام الروايات الخطابية التي تريد هدم التوحيد وتخريب معرفة الله ، وكان يألم أصحاب أبي الخطاب منهج روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فتلك الروايات كانت تواجه المشكلة الكبرى التي أوجدتها روايات أصحاب أبي الخطاب المتمثلة في إعطاء خصائص الذات الإلهية للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكانت روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تهدف إلى تعريف الناس للتوحيد الخالص وفق الرؤية القرآنية ، ولذلك يعتبر التوحيد ومعرفة الله هو المحور المركزي الذي تدور حوله روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ ووجدنا بأنَّ روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي التي حفظت مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أنواع الشرك الموجود في روايات أصحاب أبي الخطاب ، ورأينا الإمام جعفر الصادق علیه السلام يصرح مراراً وتكراراً وعلناً ونهاراً بأنّ أصحابه لهم دور كبير في حفظ هذا الدين ، وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يخاف من أبي الخطّاب وأصحابه أن يهدموا التوحيد بسب غلوهم فيه كما هدمت النصارى التوحيد بسبب

ص: 184

غلوهم في عيسى ولأجل المحافظة على التوحيد ومعرفة الله نجده تعامل مع الخطابية بحزم وشدة

يقول ابو هاشم الجعفري سألت أبا الحسن الرضا [حفيد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] عن الغلاة [الخطابية ] والمفوضة فقال : " الغلاة [الخطابية] كفار ، والمفوضة مشركون ، من جالسهم أو خالطهم أو آكلهم ، أو شاربهم ، أو واصلهم ، أو زواجهم ، أو تزوج منهم ، أو آمنهم ، أو إئتمنهم على أمانة ، أو صدق حديثهم ، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله - عز وجل – و ولاية الرسول - ص - و ولايتنا أهل البيت و ولايتنا أهل البيت " [ عيون أخبار الإمام الرضا : 201] .

وكان أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرون بأنّة لا يمكن إنقاذ التوحيد من الروايات الخطابية حتى لا يكون مصيره كمصير التوحيد عند النصارى الذين لولا غلوهم في عيسى – ع – لما خسروا التوحيد وقالوا بالتثليث ، لأجل ذلك لم يترك أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وسيلة يمكن تؤثر في القضاء على الروايات الخطابية إلّا استخدموها وسخروا الطرق لنشر الروايات التوحيدية القرآنية التي تحثّ على معرفة الله ، وكانوا يسعون إلى تجذير تلك الروايات التوحيدية القرآنية في وسط المجتمع الإسلامي

وكان أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يلاحقون الروايات الخطابية المجوسية في كل الزوايا التي يمكن أن تدخل من خلالها لهدم روايات التوحيد ومعرفة الله من خلال تمركز الروايات الخطابية حول تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكانت روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تبيّن بأنّ التوحيد عند النصارى لم يهدم إلا بسبب الروايات التي وضعها بولس وأصحابه في تأليه عیسى بن مريم ؛ لأجل ذلك كانت روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تحارب الروايات الخطابية النصرانية التي تصرّح بربوبية وألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان الإمام الرضا حفيد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] يقول : " فمن أحبّهم - إي الخطابية – فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبّنا ، ومن والاهم فقد عادانا ، ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا " عيون أخبار الإمام الرضا للشيخ الصدوق]

ص: 185

ورحلتي مع ركب دفاع روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن التوحيد ومعرفة من خلال مواجهة روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وكان ذلك بداية لفهم جديد لهذا الركب.

ونحن في الطريق نحتاج في طول الطريق إلى الصراط المستقيم وهو صراط روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حتّى لا نقع في منزلقات الطريق فننزلق في روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكانت أول حادثة دعتني لتجديد النظر في رؤيتي وتقييمي لروايات أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي أنّني حصلت على كتاب الإمام الصادق علیه السلام - لمؤلفه محمد أبي زهرة - ، فكان هذا الكتاب أول كتاب ح لي فرصة النظر من زاوية أخرى إلى معرفة دور روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الدفاع عن التوحيد ومعرفة الله أمام روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب التي كانت أعظم خطر يهدّد روايات أهل التوحيد ومعرفة الله وأرى بأنّ كتاب الإمام محمد أبي زهرة المصري الأزهري يمتاز بإسلوب موضوعي في طرح قضية دفاع روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن التوحيد ومعرفة الله من خلال مواجهة روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وكان إسلوبه يختلف عن منهج إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام وغيره من الذين تطفح كتاباتهم بالأساليب غير الموضوعية والفاقدة للاتزان ، ومن هذا المنطلق قررت أن اتبع منهج أبي زهرة في دراستي لموضوع دفاع روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن التوحيد ومعرفة الله من خلال مواجهتهم لروايات أهل الشرك من أصحاب أبي

الخطاب ، فتوجهت إلى البحث عن التوحيد ومعرفة الله لدى روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأسلوب غير متعصب حتى عثرت في المكتبة العامة لجامعة الملك سعود على مجلة رسالة" الإسلام" وهي مجلة مصرية قديمة ، كانت تصدر عن جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وكانت المجلة تحت إشراف الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الشريف في مصر، فوجدت فيها أبحاثاً تتطرق لموضوع التوحيد ومعرفة الله في روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بطريقة جديدة تختلف تماماً عن طريقة معاهدنا العلمية السلفية

ص: 186

في الرياض وصنعاء في تناول موضوع التوحيد ومعرفة الله في روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وأقول لزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء أتحسبون أن روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لو لم تلق حرباً فكرية شرسة وعلمية من روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – كانت ستضعف وتخف سطوتها وجولتها ؟ كلا والله ، لو أنّ روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – سكتت عن روايات أصحاب أبي الخطاب لكان مصير روايات التوحيد ومعرفة الله عند المسلمين كمصير روايات التوحيد ومعرفة الله عند النصارى ، ولو كانت روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عصر بولس النصارى لما تمكن بولس من نقل النصارى من التوحيد ومعرفة الله إلى التثليث والشرك بالله

وكان حقا على رواة روايات التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أن يقفوا أمام فتنة رواة الروايات الشركية الوثنية التي رواها أصحاب أبي الخطاب والتي يراد منها هدم روايات أهل التوحيد ومعرفة الله [الحقيقة القرآنية الأولى التي رواها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد تأملت في تاريخ الأمة الإسلامية طويلاً ووجدت عندما تجتاحها فتنة روايات أهل الشرك التي تهدد روايات أهل التوحيد ومعرفة الله ، لا بد أن يهيأ الله لها من مصلح يستنقذها من فتنة روايات أهل الشرك لتبقى هذه الأمة أُمّة روايات أهل التوحيد ومعرفة الله

ولمّا ظهرت فتنة روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لم تلبث فتنة تلك الروايات إلّا قليلاً حتى هيأ الله لها روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وجعلوها عبرة للروايات الشاذة و للروايات الشركية المجوسية .

وهنا أريد ذكر جهاد رواة روايات التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مقاومة الروايات المجوسية الشركية التي أوجدها أبو الخطاب أصحابه من أجل تضعيف روايات التوحيد ومعرفة الله التي نقلها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأريد أن يعرف

ص: 187

طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء دور روايات أهل التوحيد

ومعرفة الله من

أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في التصدّي لروايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ويعجبني أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل أنا مسحور بكيفية تربية الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأصحابه ، ومعجب بجهادهم معه ومن بعده لا ستبقاء روايات أهل التوحيد ومعرفة الله التي تنسجم مع آيات القرآن الكريم حول التوحيد ومعرفة الله

وبعد بحث طويل حول المسيرة الطويلة التي بذلوها في طريق حفظ روايات التوحيد ومعرفة

الله وقدموا لنا موسوعات روائية كبرى من المعارف التوحيدية القرآنية المتخصصة في

معرفة الله ، والمتخصصة في مواجهة الشرك بالله.

وتلك كتبهم التي جمعوا فيها روايات التوحيد ومعرفة الله قد ذاع أمرها في الدنيا وشاهدها العدو والصديق ، وذكر فهرست كتبهم ابن النديم في فهرسه المشهور ، كما فهرس كتبهم الشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه - في كتابه العظيم المعروف بفهرست الشيخ الطوسي ، وكذلك فهرس كتبهم الإمام الشيخ الجليل النجاشي - رضوان الله عليه – في كتابه الفريد والعظيم المعروف بفهرست النجاشي ، ولولا الخوف من تضخّم حجم الكتاب لذكرت الكتب التي جمع فيها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام روايات التوحيد ومعرفة الله .

ومما يثير الدهشة أن هنالك من الشخصيات المعروفة فى معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء من الذين يرون أنفسهم من المتخصصين في معرفة روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لكنّهم لا يُعَرِّجون من قريب ولا من بعيد إلى دور روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في نشر وحفظ معالم التوحيد ومعرفة الله .

إنه من الظلم الذي وقع فيه زملائي مشايخ المعاهد السلفية في الرياض وصنعاء أننا نشرنا عشرات الكتب عن الروايات الشركية المجوسية التي رواها أصحاب أبي الخطاب ، وذكرنا دور هذه الروايات الشركية المجوسية في نقض وهدم معالم روايات التوحيد ومعرفة الله ، ثم نبخل عن بيان دور روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في نشر حقائق التوحيد ومعرفة الله ولا نكلّف أنفسنا للبحث عن دور روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – في مواجهة شرك روايات أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ الروايات الشركية المجوسية التي رواها أصحاب

ص: 188

أبي الخطاب تعتبر أخطر حركة انقلابية ضد روايات التوحيد ومعرفة الله وضد روايات أسماء الله وصفاته ، ولا تقل عن الروايات الشركية الغنوصية التي رواها بولس ، وتلك الروايات التي رواها بولس النصارى هي التي نقلت النصارى من التوحيد ومعرفة الله إلى الشرك بالله والتثليث ، وروايات أصحاب أبى الخطاب لا تواجه روايات التوحيد ومعرفة الله التي رواها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحدها، بل روايات أصحاب أبي الخطاب تواجه الآيات القرآنية حول التوحيد ومعرفة الله ، ولقد جالست مشايخ الخطابية في عصرنا ووجدتهم يكرهون الآيات القرآنية التي تتحدث عن التوحيد ومعرفة الله ، أو تتحدث عن الشرك بالله والمشركين أشدّ من كراهيتهم لروايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تتحدث عن التوحيد ومعرفة الله ، أو تتحدّث عن الشرك بالله والمشركين

وشعرت بالحزن وأنا أرى زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية ينشرون كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان ؛ لأنّ ذلك الكتاب لا يتحدّث إلا عن الروايات الشركية المجوسية التي رواها أصحاب أبي الخطاب وهي روايات ترفع علم الشرك والشركيات وتهدم معالم التوحيد ومعرفة الله ، ولم يذكر الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام الروايات التوحيدية القرآنية التي رواها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهي روايات ترفع علم التوحيد ومعرفة الله وتهدم مسالك الشرك بالله .

فلنتأمل في أنفسنا كموحدين سلفيين ، إننا ندافع عن الآيات القرآنية حول التوحيد ومعرفة الله ، وندافع عن الروايات التي تتحدث عن التوحيد ومعرفة الله ، فلماذا نرفض ذكر دور أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في نشر الروايات التوحيدية القرآنية التي تتحدث عن حقائق التوحيد وتبيّن معالم معرفة الله ، ولماذا لا نقبل أن نبين دورهم في هدم معالم روايات الشرك و روايات الوثنية المجوسية التي رواها ونشرها أصحاب أبي الخطّاب

وكم وقفت روايات أهل التوحيد ومعرفة الله التي رواها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أمام جريمة روايات أصحاب أبي الخطاب الكبرى التي تريد هدم قلعة التوحيد ومعرفة الله ، وسوف أذكر نماذجاً من مواجهة رواة روايات التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لرواة روايات الشرك بالله التي رواها أصحاب أبي الخطّاب

وحسبنا أن نذكر شخصيات من تلاميذ تلامذة أصحاب الإمام الجعفر الصادق علیه السلام – ع – الذين كان لهم دور في هدم أكبر انقلاب على معالم روايات التوحيد وعلى حقائق معرفة الله

ص: 189

الموجودة في تلك الروايات ، ونجدهم وبذلوا كل حياتهم في مواجهة شرك روايات أصحاب أبي الخطاب ، وكانوا يرون بأنّ الدفاع عن روايات التوحيد ومعرفة الله ، لا يقل عن الدفاع عن الآيات القرآنية التي تتحدث عن التوحيد ومعرفة الله ، والآن سوف نشرع في ذكر تلك النماذج :

الأول : عبد الله بن أبي يعفور ، وهو من المدافعين عن روايات التوحيد ومعرفة الله

الثاني : أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ، وهو من المدافعين عن روايات التوحيد ومعرفة الله

الثالث : الفضل بن شاذان النيسابوري ، وهو من المدافعين عن روايات التوحيد ومعرفة الله ، وله كتاب في الرد على الخطابيه سماه الرد على القرامطة رجال النجاشي - 307] .

الرابع : محمد بن الحسن الوليد ، وهو من المدافعين عن روايات التوحيد ومعرفة الله ، قال الإمام الشيخ الطوسي في وصفه : " جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به [فهرست الطوسي 708] ، ولابد أن يلتفت طالب العلم في معاهدنا العلمية إلى كثرة الكتب التي كتبها أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة الروايات الشركية المجوسية التي رواها أصحاب أبي الخطاب ، ونذكر منها على سبيل المثال كتاب الرد على الغالية وأبي الخطاب ، من تأليف إبراهيم بن أبي حفص " أبو اسحاق " من أصحاب الإمام الحسن العسكري - حفيد الإمام جعفر الصادق علیه السلام رجال النجاشي : 22] ، وكتاب الرد على القرامطه [ الخطابية ] من تأليف علي بن ابي حاتم القزويني ، وكتاب الرد على الباطنية والقرامطة [ الخطابية ] من تأليف الفضل بن شاذان ، وكتاب الرد على رئيس الخطابية من تأليف يونس بن عبد الرحمن اليقطيني .

وسوف يجد طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء جهداً كبيراً هائلا بذلته الروايات الشركية المجوسية لأصحاب أبي الخطاب وتلاميذ أصحاب أبي الخطّاب ومن كانوا على منهجه في معاداة رويات التوحيد ومعرفة الله ، وفي معاداة رواتها من أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم يجد أعداء القرآن الكريم أفضل طريقة لهدم الآيات القرآنية في مجال التوحيد ومعرفة الله من فرصة ترويج الروايات الشركية المجوسية التي نقلها أصحاب أبي الخطاب لبلوغ مآربهم واهدافهم ، وأكبر أهداف خصوم القرآن الكريم تتمثل في دك معالم التوحيد وهدم حقائق معرفة الله ، فانطلقوا خفافاً إلى نشر الروايات الشركية المجوسية التي نقلها أصحاب أبي الخطاب وهي روايات أخذها أصحاب أبي

ص: 190

الخطّاب من روايات بولس النصارى التي هدم من خلالها معالم التوحيد ومعرفة الله وبنى من خلالها مسالك التثليث والشرك الله ، من أجل أن يهدموا التوحيد ومعرفة الله عند المسلمين كما هدموا التوحيد ومعرفة الله عند النصارى ، ولنرى - الآن - كلام علماء الرجال الكبار في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يذكرون لنا كبار السائرين على نهج الروايات الشركية المجوسية لأصحاب أبي الخطاب ، وقد وجدنا علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ذكروا – على سبيل المثال ، محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي ، حيث ذكر لنا الشيخ الجليل الإمام النجاشي - رضوان الله علىه - بأنّ له كتاب " مقتل أبي الخطاب " و كتاب " مناقب أبي الخطاب " رجال النجاشي : 350] ، وهل بقي غموض حول خطر الروايات الشركية المجوسية لأصحاب أبي الخطاب بعد أن جاء محمد الكرخي بعد قرن أو أكثر من وفاة أبي الخطاب ويكتب كتابين حول أبي الخطاب

إن المعركة بين روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب معركة واقعية . إنها معركة بين روايات التوحيد وبين روايات الشرك ، ولا يجوز التشكيك في وجود تلك المعركة الكبرى كما شكك تلك المعركة الكبرى صاحب كتاب تبديد الظلام وكما تصوّر لنا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء بأنّها معركة مفتعلة ، لا توجد إلا في تراث الشيخ أحمد بن علي النجاشي وفي تراث الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، ومششكلتنا في المعاهد العلمية السلفية أنّنا لم ندرس علم المنطق وعلم الفلسفة حتى ندرك الفرق بين الشك العلمي المنهجي المنطقي الفلسفي ) القرآني ) المقبول عند الله - جل ثناؤه - في القرآن الكريم ، وبين الشك غير العلمي والمنطقي والفلسفي وغير المنهجي ( غير قرآني ) الذي حاربه الله – جل ثناؤه – في القرآن الكريم ، وذكر القرآن الكريم بأنّ التشكيك من المشركين في أهل التوحيد من الأنبياء والرسل هو تشكيك غير علمي وغير منهجي وغير فلسفي وغير منطقي ( غير قرآني ) ، ولكن مشكلة معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء أنها كانت تحارب علم المنطق والفلسفة ، ومحاربة علم المنطق والفلسفة جعلنا لا نقدر على التمييز بين الشك المطلوب قرآنيا والشك المرفوض قرآنياً ، وقد رأيت بأن تشكيكنا بالمعركة الكبرى بين روايات أصحاب أبي الخطاب وروايات أصحاب الإمام الصادق علیه السلام هو تشكيك غير منطقي وغير فلسفي وغير علمي ( غير قرآني ) .

ص: 191

والنصارى في عصرنا يؤمنون بروايات أبي الخطاب وأصحابه ويكرهون روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحابه ؛ لأجل بغضهم الشديد للتوحيد ومعرفة الله ، الذين يرون فيه هدماً لعقيدتهم في تأليه عيسى بن مريم ، ويفرحون بروايات أصحاب أبي الخطاب في تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّها تنسجم مع عقيدتهم في تأليه عيسى بن مريم ، ويرون هنالك تقارب وإنسجام بين شخصية بولس وشخصية أبي الخطاب ، و وجدنا علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ذكروا - على سبيل المثال ، يونس بن بهمن ، وقال العلامة الحلي في وصفه : خطابي كوفي يضع الحديث رجال العلامة الحلي : 266] .

تلك كانت صورة مختصر عن الحقيقة القرآنية الأولى والكبرى ) حقيقة التوحيد ومعرفة الله ) ، وحان الوقت لتناول الحقيقة القرآنية الثانية ( حقيقة النبوة )

ص: 192

الحقيقة القرآنية الثانية : حقيقة النبوة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 193

الحقيقة القرآنية الثانية : حقيقة النبوة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبى الخطّاب :

هنا في هذه الحقيقة القرآنية الثانية ( حقيقة النبوة ) ، وهي المعركة الثانية التي خاضها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في وجه أهل الشرك من أصحاب أبي ، بعد أن قامت بينهم المعركة الأولى والكبرى حول تلك الحقيقة القرآنية العظمى ( حقيقة التوحيد ومعرفة الله ).

لقد كان من الطبيعي بأن أبا الخطاب بعد أن استهدف حقيقة التوحيد ومعرفة الله أن يستهدف حقيقة النبوة ؛ لأنّ من استرخص التوحيد ومعرفة الله هانت عليه النبوة ، ومن خلال تتبعي لروايات الخطابية وجدتهم وضعوا روايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام تدعو الناس إلى القول بنبوة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهكذا رأينا القسم الآخر من روايات الوثنية الخطابية هي الروايات التي وضعها أبو الخطاب وأصحابه في نبوّة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونجد أنّ الرويات الوثنية الخطابية أرادت التلاعب في حقيقة النبوة كما تلاعبت في حقيقة التوحيد ومعرفة الله ؛ لأجل ذلك وضعت الخطابية روايات في نبوّة الإمام جعفر الصادق علیه السلام

إننا نعتقد من خلال الدراسة الطويلة لمشكلة الخلط بين حقيقة النبوة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب منذ أن تركت منطقة الدرعية في مدينة الرياض وهاجرت إلى مدينة قم العلمية وأنا غارق في البحث عن الفرق بين رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر لهذه الحقيقة القرآنية الثانية وبين رؤية أئمة الشرك من أبي الخطاب وأصحابه لهذه الحقيقة القرآنية الثانية ، وهي أعمق وأهم حقيقة في القرآن الكريم بعد حقيقة التوحيد ومعرفة الله الكبرى والأولى ، ولم أشرع في دراسة الفرق بين رؤية هؤلاء وبين رؤية اولئك إلا بعد أن أدركت خطورة مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وبعد أن بدأت أدرك أنّ منهج وطريقة أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في طرح قضية النبوة وعرضها مع منهج القرآن في عرض هذه القضية الهامة ، واطلب من زملائي الكرام في المعاهد العلمية السلفية في الرياض و صنعاء أن يرجعوا في معرفة حقيقة النبوة إلى روايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويرجعوا كذلك إلى روايات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب حول حقيقة النبوّة ، وسوف يجدوا بأن هنالك فرق جوهري بين فهم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لحقيقة النبوة وبين فهم أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لحقيقة النبوة

ص: 194

إن طالب العلم السلفي سوف يرى بعينه أن عرض أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لحقيقة النبوة يستند على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ، ونحب أن يكون معروفاً لدى زملائي في المعاهد العلمية السلفية أنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حاربوا أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّهم لم يعتمدوا على القرآن الكريم ولا على السنة النبوية الشريفة - التي لا تخالف كتاب الله - – في معرفة حقيقة النبوة، وخرجوا عن منهج القرآن في تناوله الحقيقة النبوة ، وأنكروا حقيقة قرآنية مسلّمة أنّ قضية النبوة يجب أن تعرف أوّلاً من خلال القرآن الكريم ، وأن سيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يجب أن تعرف في البداية من خلال القرآن الكريم ، ولكن نظرة أهل الشرك من أصحاب الخطاب إلى القرآن الكريم هي نظرة سلبية بعد أن غزت أفكارهم الروايات الخطابية المجوسية التي تطعن في كتاب الله ، فلم يعد بأمكانهم الثقة بالقرآن الكريم في معرفة حقيقة التوحيد ولا في معرفة حقيقة النبوة ، وفي المقابل لما كان أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرون أنّ الروايات التي تطعن في كتاب الله هي من وضع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وبقي القرآن الكريم محفوظاً ومقدساً عندهم ، فكانوا يرجعون إلى القرآن الكريم في معرفة الله وفي معرفة النبوة ؛ لأجل ذلك نلحظ في مرويات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّها تقوم بتجلية ومعرفة حقيقة سيرة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الإستناد إلى كتاب الله - جل ثناؤه -

ومن هنا وجدنا فرقاً جوهرياً بين السيرة النبوية لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين السيرة النبوية لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وقد جلست مع بعض الخطابيين المعاصرين فوجدتهم لا يعرفون السيرة النبوية ، ولكنك تأسف لمّا تجد بأن أخواننا السلفية لا علم لهم بوجود الفرق الجوهري بين السيرة النبوية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين السيرة النبوية عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ومع غياب الله عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، كان من الضروري تغييب رسول الله لدى أصحاب أبي الخطاب ، فمن المستحيل أن تجد مشركاً يعرف رسول الله ؛ لأن رسالة رسول الله روحها التوحيد ومعرفة الله ، فلما أخفق أصحاب أبي الخطاب في معرفة الله عجزوا عن فهم سيرة رسول الله وإدراك أقوال رسول الله ، كما عجزوا عن فهم كتاب الله ؛ لأجل ذلك هجروه وقالوه بتحريفة ثم أدخلوا القرآن في تفسير باطني خطابي مجوسي غنوصي

ص: 195

ونحبُّ في الأخير أن يكون معروفاً لزملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية أنّ هذه الحقيقة القرآنية الثانية عندما عرضت في تراث أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم تعرض بصورة مستقلة عن القرآن والسنة - التي لا تخالف كتاب الله ، بل إن القارئ لتراثهم سوف يجد بصورة صريحة أنّ هذه الحقيقة القرآنية مأخوذة بكاملها وتمامها من نصوص القرآن ومن السنّة الشريفة التي لا تخالف كتاب الله

والآن يجب علينا أن نعرض على طالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء الحقيقة القرآنية الثالثة ( حقيقة يوم القيامة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ) .

ص: 196

الحقيقة القرآنية الثالثة : حقيقة يوم القيامة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 197

الحقيقة القرآنية الثالثة : حقيقة يوم القيامة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب :

من حق كل سلفي يخاف الله أن يفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب ، وهو يرى أن ثلث القرآن الكريم يرسم لنا مشاهد القيامة في القرآن الكريم ، ثُمَّ يجد أن تعاليم الخطابية تنكر الإيمان بيوم القيامة ، وتجعل البديل عنه قضية تناسخ الأروح ، وقد مع أحد الخطابيين ، وحاول أن يقنعني بعقيدتهم في التناسخ، وتعتبر المعركة الكبرى الثالثة بين أصحاب أبي الخطاب وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي المعركة حول حقيقة يوم القيامة ، وقد ثار حول قضية التناسخ جدل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك لم يثر حوله مثله ، وهذا الجدل بين الفريقين حول هذه القضية الخطيرة أحد جوانب الفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ قضية التناسخ تنسف كل آيات القر القرآن الكريم المرتبطة بمسألة الإيمان باليوم الآخر ، ونكاد لا نجد سورة في القرآن الكريم لا تذكر يوم القيامة ، حتى قيل بأن الآيات القرآنية التي تتحدث عن يوم القيامة أكثر من الآيات القرآنية التي تتحدّث عن التوحيد ومعرفة الله ، ولكن لما كنا في المعاهد العلمية السلفية لانميز بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، كانت النتيجة أن تصوّرنا بأن القائلين بالتناسخ هم أصحاب الإمام جعفر ، ولكنّي بعد مطالعتي لعلم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية ، رأيت بعيني أن قضية التناسخ قضية أجنبية عن ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأن ثقافتهم مبتنية على الثقافة القرآنية ، وأدركت أن تهمتنا لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تهمة قائمة على الظن والشك لا على العلم واليقين والدليل ، وقد وقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أمام كل من آمن بالتناسخ ، واطلعت في علم الرجال عند مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على معركة مصيرية تماماً بين فريق أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفريق أصحاب أبي الخطّاب ، أحدهما يستميت في الدفاع عن عقيدة التناسخ ويكتب الكتب في إثباتها والآخر يبذل كل قدرته في إبطال قضية التناسخ ويصرح بأنّ من آمن بالتناسخ فقد طعن في القرآن الكريم ؛ لأن أكثر من ثلث القرآن يتحدّث عن اليوم الآخر ومشاهد يوم القيامة ، ومن المعلوم من آمن بالتناسخ يرفض الإيمان باليوم الآخر وبمشاهد يوم القيامة ، وبالتالي يكون قد أنكر كل الآيات القرآنية التي تذكر اليوم الآخر وتصف مشاهد القيامة في القرآن ، وقد جلست مع بعض الخطابية المعاصرين وسمعتهم يدافعون عن التناسخ ، وأدركت بأنّ من أسباب طعن الخطابية في القرآن الكريم ، وسبب

ص: 198

هجرانهم لكتاب الله ؛ لأنّ أكثر من ثلث القرآن يتحدث عن قضية اليوم الآخر ومشاهد يوم القيامة التي ليست من عقائدهم ، وكانت هذه القضية من الأمور التي شغلتني حين كنت في مدينة الرياض ثم بدأت البحث عنها بشكل واسع بعد هجرتي إلى مدينة قم العلمية ، إلى أن قادني البحث الطويل بأنَّ عقيدة التناسخ جزء من ثقافة أصحاب أبي الخطاب ، ووصلت إلى اليقين الذي لا شك فيه بأنّه لا علاقة بين قضية التناسخ بثقافة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد وصلت إلى هذا اليقين من خلال دراستي لعلم الرجال فى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهو العلم الذي حول حكمنا في معاهدنا العلمية السلفيه عليهم بالقول بالتناسخ إلى سراب ، ولتحكم معاهدنا السلفية على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كيف تشاء ، ولكننا نكون قد هجرنا الثقافة القرآنية التي جعلت الحكم على الناس بالظن من دون علم ويقين ودليل من ركائز ثقافة أهل الشرك والمشركين فقال - جل ثناؤه - لأهل الشرك : " قل : هل من عندكم من علمٍ ، فتخرجوه ؟ ! إن تتبعون إلا الظَّنَّ ، وإن أنتم إلا تَخرُصُونَ !! " [سورة الأنعام : 148 ].

والآن على طالب العلم في معاهدنا السلفية أن يتبع العلم واليقين في هذه المسئلة الخطيرة التي من آمن بها فقد طعن في القرآن الكريم وأنكر اليوم الآخر ويوم القيامة ، ولنقرأ الآن المعركة الكبرى المصيرية بين فريق أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفريق أصحاب أبي الخطاب حول هذه القضية الخطيرة :

الصورة الأولى من صور الصراع بين الفريقن حول قضية التناسخ ، نجد محمد بن علي بن محبوب يشاهد كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن سيّار ويصرح بأنّه في كتابه المذكور قال بالتناسخ رجال العلامة الحلي : 320] ، وقال الشيخ الجلول الإمام النجاشي - رضوان الله علیه - في السياري : " ضعيف الحديث ، فاسد المذهب مجفو الرواية ، كثير المراسيل . له كتب وقع إلينا منها : كتاب ثواب القرآن ، کتاب الطب ، كتاب القراءات " [رجال النجاشي : 192]

والصورة الثانية من صور الصراع بين الفريقين حول قضية التناسخ نجد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقفون أمام الروايات الوثنية الخطيرة للخطابية التي نشر فكرة التناسخ وتتصادم الثقافة القرآنية ، إذ من يؤمن بالتاسخ لابد له من التشكيك فى القرآن الكريم ، لأجل ذلك لم أجد خطابياً يؤمن بالتناسخ إلا ورأيته يعتقد بتحريف القرآن الكريم ، والآن سننقل صورة من هذا الصراع الكبير بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب حول قضية التناسخ الخطيرة : إنني لا أشك لحظة واحدة أنّ الذي جعل الشيخ الجليل الإمام النجاشي - رضوان الله علىه - يحذر من أحمد بن محمد القمي السياري هو الدفاع عن القرآن الكريم ، أمام المؤمرة الخطابية المجوسية التي تقوم على أساس الطعن واتشكيك في القرآن الكريم ،

ص: 199

فتراث أحمد بن محمد بن المعروف بالسيّاري - الذي قال الشيخ الجليل الإمام النجاشي - رضوان الله علیه - فيه : " ضعيف الحديث ، فاسد المذهب مجفو الرواية ، كثير المراسيل . له كتب وقع إلينا منها : كتاب ثواب القرآن ، كتاب الطب ، كتاب القراءات رجال النجاشي : 192] ، يحتوي على روايات تطعن في القرآن الكريم ؛ لأجل ذلك وجدت أن أتباع أبي الخطّاب يطعنون في القرآن إعتماداً على روايات القمي السياري ، ومشكلة أحمد بن محمد القمي السياري روى واعتمد على روايات تشكك في كتاب الله ، وكان موقف أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام من روايات القمي السياري التي تشكك في كتاب الله ، غير موقف أتباع أبي الخطاب من روايته ، ولنسمع كلام الإمام الخوئي - رضوان الله عليه – يصف لنا وجهة نظر أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام في روايات القمي السياري التي تهين القرآن الكريم وتطعن وتشكك فيه بهذه الصورة ، يقول الإمام الحوئي : " أن كثيراً من الروايات ( يعني : الروايات التي تدل على تحريف القرآن ) ، وإن كانت ضعيفة السند ، فإنّ جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السيّاري ، الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه ، وأنّه يقول بالتناسخ " - كتاب البيان في تفسير القرآن للإمام الخوئي / 226 - ، ونجد هنالك صلة كاملة بين الإيمان بالروايات الخطابية المجوسية التي تنكر يوم القيامة وتجعل التناسخ بديلاً عن يوم القيامة ، وبين الإيمان بالرويات التي تطعن وتشكك في القرآن الكريم ، لأجل ذلك نجد أنّ الإمام الخوئي بيّن أنّ أحمد بن محمد القمي السياري جمع بين القول بتحريف القرآن الكريم وبين الإيمان بالتناسخ وإنكار يوم القيامة

لقد جلست مع مشايخ الخطابية فرأيتهم بعيني وسمعتهم بأذني يقول لسنا بحاجة إلى يوم القيامة مع وجود التناسخ .

ومن هنا نجد الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يرى بأن أبا الخطاب وأصحابه حين وضع التناسخ وغيره يكون قد وضع ديناً جديداً في مقابل دين الله ، وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقول في إبي الخطاب وأصحابه من الذين اخترعوا ديناً جديداً في مقابل دين القرآن الكريم : " كان رجل في الزمن الأول ، وطلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، فطلبها من حرام فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال له : يا هذا إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها ، قال الرجل للشيطان : بلى ، قال الشيطان للرجل : وطلبت الدنيا من حرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلك على شيء يكثر به مالك ودنياك ويكثر به تبعك ؟ قال الرجل للشيطان : بلى ، قال الشيطان للرجل : تبدع ديناً وتدعو الناس إليه ، ففعل ، فاستجاب له الناس وأطاعوه وأصاب من الدنيا ثُمّ أَنَّ الرجل فكر فقال : بئس ما صنعت ، ابتدعت دينا ودعوت الناس إليه ، وما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأردّه عنه ، فجعل الرجل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول : إنَّ الذي

ص: 200

دعوتكم إليه باطل ، وإنّما ابتدعته ، فجعلوا يقولون كذبت هو الحق ، ولكنّك شككت في دينك فرجعت عنه ، فلما رأى الرجل ذلك عَمَدَ إلى سلسلة فوتدَ لها وتداً ، ثُمّ جعل السلسلة في ، وقال لا أحلّها حتى يتوب الله - عزّ وجلّ - عليّ ، فأوحى الله إلى نبي من الأنبياء ، قل لفلان وعزتي لو دعوتني حتى ينقطع أوصالك ما استجبت لك حتّى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه " [عقاب الأعمال للشيخ الصدوق : 307] ، وهو كذلك إذ عندما جلست مع مشايخ الخطابية في القرن العشرين وجدت أنَّ إيمانهم بالتناسخ ، وإنكارهم ليوم القيامة قد جعلهم على دين جديد غير دين القرآن الكريم .

بعد أن تناولت تلك الحقيقة الثالثة حان الوقت الآن أن يتم تناول الحقيقة القرآنية الرابعة وهى : حقيقة الشرائع والأحكام بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك كأبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب

ص: 201

الحقيقة القرآنية الرابعة : حقيقة الشرائع والأحكام بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك كأبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب

ص: 202

الحقيقة القرآنية الرابعة : حقيقة الشرائع والأحكام بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك كأبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب :

ولعله مما يميز هذا المنهج الذي رسمناه هو أنه التزم بالترتيب العلمي والمنطقي بين الحقائق العشر التي يتكوّن منها هرم مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بحيث إنه إذا أدركت الحقيقة القرآنية الأُولى فسوف تدرك بقية الحقائق القرآنية فهذه الحقائق القرآنية تسير على نظام فكري ،واحد وأساس منهجي واحد مترتبة بشكل هرمي، وكل حقيقة تسوقنا إلى الحقيقة التي بعدها؛ فمن السذاجة والعبث محاولة الإصابة في إدراك الحقيقة القرآنية التالية إذا لم تحالفنا الإصابة في إدراك الحقيقة القرآنية السابقة.

وإذا كانت الحقيقة القرآنية الأولى ، والحقيقة القرآنية الثانية والحقيقة القرآنية الثالثة تتحدّث عن العقيدة ، وكان الطابع العام لهما هو الحديث عن الجنبة الفكرية في القرآن الكريم ، فإنّ الحقيقة القرآنية الرابعة تتحدث عن جانب عملي ، الحقيقة القرآنية الأولى ، والحقيقة القرآنية الثانية والحقيقة القرآنية الثالثة تتحدثا عن ممارسات العقل كما حدد ممارسته القرآن الكريم ، وهذه الحقيقة القرآنية تتحدث عن ممارسات الجسد ، وهذا هو الفرق بين الحقيقة القرآنية الأولى والحقيقة القرآنية الثانية والحقيقة القرآنية الثالثة من جهة والفرق بين هذه الحقيقة القرآنية الرابعة من جهة أخرى ولا يمكن التفكيك بين الحقائق القرآنية الثلاث السابقة حقيقة التوحيد ومعرفة الله وحقيقة النبوة وحقيقة يوم القيامة - وبين هذه الحقيقة الرابعة القرآنية ، فالإيمان بالحقيقة القرآنية الأولى وبالحقيقة القرآنية الثانية والحقيقة القرآنية الثالثة يقتضى العمل بالحقيقة القرآنية الرابعة .

ومن ثُمّ فالحديث عن هذه الحقيقة القرآنية الرابعة كما هي في تراث أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وإذا لم يكن عند أخواني السلفية وقت لمطالعة تراثهم فعليهم بمطالعة فهرسة مختصرة لتراثهم وكتبهم كما ذكر فهرست كتبهم وتراثهم الإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليه - في فهرسه أو الإمام الشيخ الجليل النجاشي الأسدي الكوفي - رضوان الله عليه في فهرسه حتى تكون لهم صورة مختصرة لعناوين كتبهم المعروفة

ص: 203

والمشهورة وقد راجعتها بنفسي ، كما يمكن لأخوني السلفية بمراجعة فهرسة مختصرة لكتب أصحاب أبي الخطاب من خلال فهرس الإمام الشيخ الجليل النجاشي وفهرس الإمام الشيخ حتى يتمكنوا من معرفة الفرق بين كتب وتراث أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين كتب وتراث أصحاب أبي الخطاب ، وبالتالي لايتم الخلط بين تراث وكتب أهل الشرك وبين تراث وكتب أهل التوحيد ومعرفة الله - لا ينفصل عن الحديث عن الحقيقة القرآنية الأولى والحقيقة القرآنية الثانية ؛ لأنّ هذه الحقيقة القرآنية هى من مقتضيات الحقيقة الأولى حقيقة التوحيد ومعرفة الله ومن مقتضيات الحقيقة القرآنية الثانية .. حقيقة النبوة ، وتنبثق منهما انبثاقاً ذاتياً؛ فإذا كانت الحقيقة القرآنية الأولى عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تقرر أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام ليس هو الله لا في صفاته ولا في ذاته ، بمعنى أنّها تقرر وتثبت بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يكون شريكاً الله في صفاتة ، وتبيّن هذه الحقيقة القرآنية الكبرى بأنّ من أعظم كفريات أبي الخطاب أنّه جعل معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام تعني معرفة الله ، وجعل معرفة الله تساوي معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ثم تأتي الحقيقة القرآنية الثانية - حقيقة النبوة - وتقرر بأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم يكن رسولاً ولا نبياً ؛ لأنّ النبوة ختمت بمحمد رسول الله ، ثم تأتي الحقيقة القرآنية الثالثة وتقرر أنّ القائل بالتناسخ فهو كافر خارج عن الإسلام ؛ لأنّ من آمن بالتناسخ لايؤمن بيوم القيامة ، وتأتي هذه الحقيقة القرآنية الرابعة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتقرر أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يستمد الشرائع والأحكام إلا من القرآن الكريم والسنة الشريفة التي لا تخالف كتاب الله ، وهذا الأمر لا يرتضيه أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّهم بعد أن قالوا بألوهية جعفر الصادق علیه السلام لم يعد بالإمكان أن يدركوا أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام يستمد أحكام الحلال والحرام من القرآن الكريم ومن السنة النبوية التي لا تخالف كتاب الله

ومن ثُمّ فحين يراجع الإنسان كتب الشرائع والأحكام الفقهية في تراث أهل التوحيد ومعرفة الله أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - رجائي لطلاب العلم من السلفيين مراجعة عنواين كتبهم في مجال هذه الحقيقة القرآنية الرابعة في كتاب فهرست الإمام الشيخ الجليل النجاشي رضوان الله عليه - أو كتاب فهرست الإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليه أنّها مستخرجة ومنبثقة ومستنبطة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المنبثقة من القرآن الكريم، وأنّ منهج أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عرض الشرائع والأحكام لا يخالف منهج القرآن والسنّة التي لا تخالف كتاب الله في عرض الشرائع

ص: 204

والأحكام ، ومن ، ومن ثُمّ رتبوا الشرائع والأحكام بنفس الصورة التي عرضها القرآن الكریم، وتعاملوا بصورة مباشرة مع النصوص القرآنية.

وحين رأى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّ أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب انحرفوا في تقرير بعض الشرائع والأحكام عن منهج القرآن والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، وكشف الله - جل ثناؤه - للأمة ضلالهم وانحرافهم في هذا المجال ، ونصيحتي لطالب العلم السلفي أن يراجع كيف وصف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كتب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب التي تعطل الشريعة الإسلامية وتستبيح إرتكاب الكبائر وقد ذكر بعض كتبهم الإمام الشيخ الجليل النجاشي رضي الله عنه - في فهرسه و الإمام الشيخ الطوسي - رضوان الله عليه – في فهرسه . ويندر أن تجد كتاباً من كتب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا تجد فيه هجوماً على أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ بسبب تلاعبهم في شرائع وأحكام القرآن الكريم ، ولأجل أنّهم لايرون قيمة للشرائع والأحكام.

وفي هذه الحقيقة القرآنية سوف نستعرض أيضاً – الفرق الجوهري بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الأحكام الشرعية [ الحقيقة القرآنية الرابعة ] وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من الشرائع والأحكام [ الحقيقة القرآنية الرابعة ] ، ونحن في في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء؛ لأننا نعاني من مشكلة الخلط بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الشرائع والأحكام وموقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من الشرائع والأحكام .

ما فعله " أبو الخطاب " ومعه أصحابه وفرقته الخطابية في هذه الحقيقة القرآنية الرابعة كان واضح المعنى ، فقد طوى الوجود الواقعي لشريعة الإسلام ، ومحا معالم الحرام ومسالك الحرام ، وجعل دين الإسلام كدين النصارى ، ورأى إلغاء شريعة القرآن الكريم ، كما رأى بولس شريعة موسى وعيسى

وفي الوقت الذي أنزل أبو الخطاب وأصحابه بشريعة الإسلام هذه الضربة الشديدة كان أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يحافظون على هذه الشريعة ويدافعون عنها

وبدأت المعركة الكبرى الرابعة العالمية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب حول هذه الحقيقة القرآنية الرابعة العظيمة

ص: 205

فالحرب تدور رحاها بين الفريقين ، وحتى يعرف أخواني أنها حرب حقيقية ، وليست وهمية كما تصوّر أبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ، سوف أذكر حرباً دارت رحاها حول قلب شرائع الإسلام ، حين حاول أصحاب أبي الخطاب سحق فريضة الصلاة تحت أقدامهم .

إِنّ الثقافة المسمومة التي تناولناها عندنا ذكرنا لشخصية أبي الخطاب ، والأحوال المعوجة التي ذكرناها هي التي أزرت بقيمة الصلاة عند الخطابية - مع مرور الزمان مع مرور الزمان - ؛ لأن أحكام القرآن الكريم وكل فرائض القرآن الكريم وسننه ومحرماته و واجباته [ الحقيقة القرآنية الرابعة ] طرحها أبو الخطاب بطريقة جنونية ، وشياطين الإنس والجن يحرسون هذه الطريقة الخطابية حتى تسلم لهم مكاسبهم في تعطيل الصلاة ، و تبيح لهم كل المحرمات والحرمات ، وتضيع كلّ معالم هذه الحقيقة القرآنية الرابعة

ومع إحساس أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بخطورة طريقة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب التي ستقود لسحق الإسلام ؛ لأجل ذاك كانوا يحرصون بضرورة حفظ الدين والصلاة وأحكام القرآن الكريم من أتباع أبي الخطاب .

وإنما دعاني إلى طرح هذا الموضوع ؛ ما ارتكبناه من ظلم كبير في حق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين خذلناهم وجعلناهم من أهل الشرك من أصحاب الخطاب في الموقف من حقيقة الشرائع والأحكام ، رغم الجهد العظيم الذي بذلوه في حفظ الشرائع وأحكام الحلال والحرام في القرآن من التأويلات الباطنية المجوسية لهذه الأحكام من قبل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ليس لطالب العلم في معاهدنا السلفية أن يسيء الظن بأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعد أن

يكتشف وقوفهم ضد إباحة المحرمات وترك الفرائض والواجبات من قبل أصحاب أبي

الخطاب ثم بعد ذلك ينتظر طالب العلم في معاهدنا السلفية من الله الإحسان ، ولا أن ينكر دور أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الدفاع عن التوحيد ومعرفة الله ، ودور أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الدفاع عن القرآن الكريم ، ثم يرقب طالب العلم في معاهدنا السلفية من الله - جل ثناءه – البر والخير

إنّ الثقافة المسمومة التي تناولناها عندنا ذكرنا لشخصية أبي الخطاب ، والأحوال المعوجة التي ذكرناها هي التي أزرت بقيمة الصلاة عند الخطابية - مع مرور الزمان - ؛ لأن أحكام

ص: 206

القرآن الكريم وكلّ فرائض القرآن الكريم وسننه ومحرماته و واجباته طرحها أبو الخطاب بطريقة جنونية ، وشياطين الإنس والجن يحرسون هذه الطريقة الخطابية حتى تسلم لهم مكاسبهم في تعطيل الصلاة ، و تبيح لهم كل المحرمات والحرمات

ومع إحساس المخلصين من أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام بخطورة الطريقة الخطابية كانوا

يحرصون بضرورة حفظ الدين والصلاة وأحكام القرآن الكريم من أتباع أبي الخطاب

وإنما دعاني إلى طرح هذا الموضوع ؛ ما ارتكبناه من ظلم كبير في حق المخلصين للإمام جعفر الصادق علیه السلام حين خذلناهم وجعلناهم من الخطابية رغم الجهد العظيم في حفظ قافلة أحكام الحلال والحرام في القرآن من جنون الخطابية

وسوف اذكر نماذج من جهود المخلصين للإمام جعفر الصادق علیه السلام في حفظ أحكام القرآن الكريم : النموذج الأول : كان المخلصون من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يختبرون من حولهم بقضية الصلاة ؛ لأنّ الخطابية يرون أن ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام تغني الموالي لهم عن أداء الصلاة ، وقد جاءت مرويات شتى في ذلك . روى أحمد بن الحسين الغظائري ، عن الحسن بن محمد بن بندار القمي ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنّ محمد بن أورمة لما طعن عليه بالغلو - أي وجّهت له تهمة الإنتماء للفكر للخطابي - بعث إليه الأشاعرة – من مشائخ قم - ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي الليل من أوله إلى آخره ، ليالي عدة فتوقفوا من اعتقادهم

وعن فلاح السائل لعليّ بن أحمد بن طاووس عن الحسين بن أحمد المالكي قال : قلت لأحمد بن مليك الكرخي عمّا يقال في محمد بن سنان من أمر الغلق - أي الإنتماء للفكر الخطابي فقال : معاذ الله ، وهو والله علمني الطهور

وعنون الكشي في رجاله جمعاً ، منهم علي عبد الله بن مروان وقال : إنه سأل العياشي عنهم فقال : وأمّا علي بن عبد الله بن مروان فإنّ القوم - يعني المتهمين بالتأثر بالفكر الخطابي يمتحنون في أوقات الصلاة ، وعنون الكشي - في رجاله أيضاً – عن المتأثرين بالفكر الخطابي في عصر الإمام الهادي بأنهم يقولون : إن قوله - تعالى - : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " معناها رجل ، لا سجود و لا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال

ص: 207

إنّ غفلة أبي الخطاب والخطابية عن القرآن الكريم والقصور في إدراك معاني أحكام الصلاة والزكاة في القرآن الكريم وعدم الوعي بأهدافه جعل الخطابية في عهد الإمام الهادي – ع – جعلتهم لا يحترمون حرمة الصلاة . وقد قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " احذروا على شبابكم الغلاة - من المتأثرين بالفكر الخطابي - لا يفسدوهم ، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله ... إلينا يرجع الغالي [ الخطابي ] فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصر - في حقنا أهل البيت - فنقبله ، فقيل للإمام جعفر الصادق علیه السلام كيف يرجع الغالي [ الخطابي ] إليكم أهل البيت فلا نقبلوه ، ويرجع إليكم المقصر في حقكم أهل البيت فنقبلوه ؟ ! فأجاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بقوله : الغالي [ الخطابي ] قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج ، فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله - عز وجل - أبداً وإن المقصر عرف – حقوق أهل البيت - عمل وأطاع " [أمالي الشيخ الطوسي : 264]

ونقل الكشي – في رجاله – عن عبد الحميد الحمائي - في كتابه المؤلّف في إثبات إمامة الإمام علي – ع – عن الغلاة عن الغلاة - المتأثرين بالفكر الخطابي - أنّ معرفة الإمام تكفي من الصوم والصلاة

والمطلوب من زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض و صنعاء أن يدركوا أنّ أخوانهم الجعفرية وقفوا أمام أبي الخطاب والخطابية وحافظوا على هذه الأمة من خطر يهدّد الجعفرية والسلفية على السوء

وذلك يفرض علينا إحياء الإخاء الديني بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب، وتنشيط عواطف الحب في الله ، واختصار المسافات أو ردم الفجوات التي تفصل بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب بسبب طريقة كتاب تبديد الظلام في تناوله لشخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وطريقة تناوله لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وسوف اذكر نموذجاً واحداً من جهود أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر

الصادق علیه السلام في حفظ فريضة الصلاة

ص: 208

كان أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يختبرون من حولهم بقضية الصلاة ؛ من أجل معرفة هل هم من أصحاب أبي الخطاب أو من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ أهل الشرك من أصحاب أبى الخطّاب يرون أن القول بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام تغني عن أداء الصلاة ، وقد جاءت مرويات شتى في ذلك أحمد . روى بن الحسين الغظائري ، عن الحسن بن محمد بن بندار القمي ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنّ محمد بن أورمة لما طعن عليه بالغلو - أي وجّهت له تهمة الإنتماء للفكر للخطابي – بعث إليه الأشاعرة - من مشائخ قم - ليقتلوه ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي الليل من أوله إلى آخره ، ليالي عدّة فتوقفوا من اعتقادهم .

وعن فلاح السائل لعليّ بن أحمد بن طاووس عن الحسين بن أحمد المالكي قال : قلت لأحمد بن مليك الكرخي عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلوّ - أي الإنتماء للفكر الخطابي - ، فقال : معاذ الله ، وهو والله علّمني الطهور

وعنون الكشي في رجاله جمعاً ، منهم علي عبد الله بن مروان وقال : إنه سأل العياشي عنهم فقال : وأمّا علي بن عبد الله بن مروان فإنّ القوم - يعني المتهمين بالتأثر بالفكر الخطابي يمتحنون في أوقات الصلاة ، وعنون الكشي – في رجاله أيضاً – عن المتأثرين بالفكر الخطابي في عصر الإمام الهادي بأنهم يقولون : إن قوله - تعالى - : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " معناها رجل ، لا سجود و لا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال

إنّ غفلة أبي الخطاب والخطابية عن القرآن الكريم والقصور في إدراك معاني أحكام الصلاة والزكاة في القرآن الكريم وعدم الوعي بأهدافه جعل الخطابية في عهد الإمام الهادي - حفيد الإمام جعفر الصادق علیه السلام - جعلتهم لا يحترمون حرمة الصلاة . وقد قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " احذروا على شبابكم الغلاة - من المتأثرين بالفكر الخطابي – لا يفسدوهم ، فإنّ الغلاة شر خلق الله إلينا يرجع الغالي [ الخطابي ] فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصر – في حقنا أهل البيت - فنقبله ، فقيل للإمام جعفر الصادق علیه السلام كيف يرجع الغالي [ الخطابي ] إليكم أهل البيت فلا نقبلوه ، ويرجع إليكم المقصر في حقكم أهل البيت فنقبلوه ؟ ! فأجاب

ص: 209

الإمام جعفر الصادق علیه السلام بقوله : الغالي [ الخطابي ] قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام

والحج ، فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله - عزّ وجلّ - أبداً وإن

المقصر عرف - حقوق أهل البيت - عمل وأطاع " [أمالي الشيخ الطوسي : 264] .

ونقل الكشي - في رجاله عن عبد الحميد الحماني - في كتابه المؤلّف في إثبات إمامة

الإمام علي عن الغلاة عن الغلاة - المتأثرين بالفكر الخطابي - أنّ معرفة الإمام تكفي من الصوم والصلاة .

وقد جلست مع بعض الخطّابيين فى عصرنا ووجدتُ لا يعرفون الصلاة ولا يعرفون المساجد ، ودور العبادة في المجتمعات الخطّابية تشبه الكنيسة في المجتمعات المسيحية ، وكما فقدت الكنيسة دورها المؤثّر عند النصارى ، فقد المسجد دوره في المجتمع الخطّابي ؛ لأجل ذلك لمّا مع كثير من الخطابيين الذين تركوا مذهب أبي الخطّاب ودخلوا في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وجدت من أسباب تركهم مذهب أبي الخطّاب ودخولهم إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فشل مذهب أبي الخطاب في اعطائهم إجابات مقنعة لأسئلتهم ، كما أنَّ تركهم للصلاة وغياب المساجد من حياتهم سبب لهم الإرباك والغموض ، لكنني وجدت أنَّ السبب الأصلي لتركهم مذهب أبي الخطاب ؛ لأنَّ المذهب الخطابي يسعى إلى تعريف الإمام جعفر الصادق علیه السلام على طريقة النصارى في تعريف عيسى بن مريم

بعد تلك الإلماحة السابقة التي ذكرنا فيها المشتركات بين " بولس" النصارى وبين أبي الخطاب

إنّ بُولس كان يعلم أنّ أصل الشرائع في التوراة لا في الأنجيل - وهذا الأمر ذكره القرآن في آيات كثيرة - ؛ لأجل ذلك نجده يعلن بأن التوراة قد نسخت وبذلك يكون قد وجّه ضربة قاضية لمنظومة الحلال والحرام عند النصارى

وحين نزل القرآن الكريم ، صار هو المهيمن على التوراة والإنجيل معاً ، ونقى الوحي كلّه من تأويلات بولس الذي هدم الوحي حين استبدل التوحيد بالتثليث واستبدل التشريع بتعطيل كلّ شرائع الوحي ، وظلّ الأمر هكذا حتى جاء أبو الخطاب

والمطلوب من زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض و صنعاء أن يدركوا أنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وقفوا أمام أهل الشرك من

ص: 210

أصحاب أبي الخطاب والخطابية وحافظوا على هذه الأمة من خطر يهدّد الجعفرية والسلفية على السوء .

أرأيتم أخواني السلفية الفرق بين حقيقة الشرائع والأحكام لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، ولولا خوفى من تضخّم حجم الكتاب لذكرت لكم عشرات الأمثلة

ورأيت بأنَّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما اجتهدوا في نصرة القرآن الكريم ، والإخلاص في خدمة كل العلوم المرتبطة بالقرآن الكريم ، ووقفوا أمام دعاة تحريف من أصحاب أبي الخطاب ، نجدهم في ميدان الدفاع عن السنة النبوية وقفوا في وجه هجمات الخطابية المتتابع الأمواج ، والمتلاحقة الزحوف التي تبغي الشك في سنة رسول الله - ص - بعد التشكيك في القرآن الكريم ، وأنا مع ألوف غيري من الدارسين في مدينة قم العلمية قرأنا مئات من الروايات وجدنا رويات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في ميدان الدفاع عن السنة النبوية أمام مؤمرات أصحاب أبي الخطاب على سنة رسول الله ، وأنظر إلى هذه الرواية: " سأل ابن يعفور الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق منهم ومن لا نثق به ؟ فقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله ومن رسول الله - ص - وإلا فالذي جاءكم به أولى به " [الكافي للشيخ الكليني ، باب السنّة وشواهد الكتاب : الرواية رقم 21] ، وقال أيوب بن الحرّ : " سمعت الإمام جعفر

الصادق علیه السلام يقول : " كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، فما لا يوافق كتاب الله فهو زخرف " [الكافي للشيخ الكليني : 69/1] .

وبعد أن عرفنا مشكلة الخلط لدى معاهدنا بين موقف مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وموقف مذهب أبى الخطّاب من حقيقة التوحيد ومعرفة الله [الحقيقة القرآنية الأولى] ، وبعد أن تبين لنا الفرق الجوهري بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من حقيقة النبوة (الحقيقة القرآنية الثانية وموقف مذهب أبى الخطّاب من حقيقة النبوة ، وبعد أن تبيّن لنا الفرق الجوهري بين مذهب الأمام جعفر الصادق علیه السلام من حقيقة يوم القيامة ( الحقيقة القرآنية الثالثة ) وبين موقف مذهب أبي القيامة ، الآن سوف نبيّن مشكلة الخلط لدى معاهدنا بين موقف مذهب الخطّاب من حقيقة يوم الإمام جعفر الصادق علیه السلام من حقيقة الشرائع والأحكام (الحقيقة) القرآنية الرابعة) ، وموقف مذهب

ص: 211

أبي الخطاب من حقيقة الشرائع والأحكام ، ونبين بأنّنا كنا نخلط بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب ، وكلّ عباراتانا في وصف فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي عبارات صادق علیه السلام ة في فقه أبي الخطاب ، لا في وصف فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم نكن في المعاهد العلمية السلفية في الرياض نميّز بين فقه أبي الخطاب وبين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا ندرك الفرق الجوهري بين فقه أبي الخطاب وبين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد ظهر التحامل على فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كتاب إبراهيم الجبهان واضح للعيان ، كان من مجمل ما أثير من نقد عنيف لفقه جعفر الصادق علیه السلام هو أنّه لا فرق بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب

من هنا كنا نتحدّث بأنّه كما لا يوجد فقه لأبي الخطاب كذلك لا يوجد فقه للإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا الأمر جعلنا لانحمل لفقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام التقدير ولا الإعجاب ، ولم يكن يخطر في بالنا بأنّه يمكن أن يكون فقيها من طراز الإمام أحمد بن حنبل أو من طراز الإمام مالك ، فهو عندنا أقل شأناً من ذلك ، فلم نكن نرى تشابهاً بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه الإمامين أحمد بن حنبل ومالك ، بل كنا نؤمن بأنَّ ثَمّة تشابهاً فائق الحدّ بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفقه أبي الخطاب

إنّ تأثير كتاب تبديد الظلام على نظرتنا نحو فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم نسلم منها في أحكامنا على فقهه ، وكنا نحاسب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كلّ الآثار الفقهية المنسوبة إليه فإن كان ما نسب إليه من أحكام فقهية عميقة : لا يمكن أن تكون هذه المسائل الفقهية من إبداع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل هذا الإبداع في مجال الفق نسبه إليه شيعته ؛ لأجل المباهات بفقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام .!

فإذا كان الأمر كذلك صعب علينا أن نقبل بوجود فقه للإمام جعفر الصادق علیه السلام له مذهب فقهي متكامل كما أنّ كما يوجد للإمام مالك فقه.

لقد كنّا نستكثر ونستنكر أن يكون هنالك فقه للإمام جعفر الصادق علیه السلام أن يؤسس مذهباً فقهياً على غرار المذهب الفقهي الذي بناه وصنعه الإمام مالك

ونصيحتي لزملائي في المعاهد السلفية إذا كانوا بحق يريدون معرفة الفرق الجوهري بين فقه وبين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام أن نعيد الثقة بفقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأن

أبي الخطاب نسأل أنفسنا كيف لا نستنكر أو لانستكثر من مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد بن حنبل

ص: 212

أو الإمام الأوزاعي أن يكون لكل واحدٍ منهم مذهب فقهي خاص به ، ولكن إذا سمعنا وجود مذهب فقهي خاص بالإمام جعفر الصادق علیه السلام نستنكر أو نستكثر ذلك ، أليس يعني ذلك أنّنا قد نصبنا صاحب كتاب تبديد الظلام كميزان لمعرفة المذهب الفقهي للإمام جعفر الصادق علیه السلام ؟ ولماذا لا نقبل ميزاناً آخر للمذهب الفقهي للإمام جعفر الصادق علیه السلام غير ميزان إبراهيم الجبهان وكتابه تبديد الظلام ؟ الم ينصب العلامة المصري عبد الحليم الجندي نفسه كميزان لمعرفة فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ووزن فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام بميزان غير ميزان إبراهيم الجبهان ؟ فلماذا قبلنا في معهدنا العلمي السلفي في الرياض وفي صنعاء بميزان إبراهيم الجبهان ولم نقبل بميزان العلامة المصري عبد الحليم الجندي ؟

ولقد قرأت كتاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام للعلامة المصري عبد الحليم الجندي أربع مرات وقرأت كتاب تبديد الظلام لأبراهيم الجبهان سبع مرات فلم أجد ما يدل على تفضيل معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء لميزان الجبهان على ميزان الجندي ؟ !!

ونقول : إذا لم نقبل ميزان العلامة عبد الحليم الجندي الذي رأى وجود فقه كامل للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فلنبحث عن ميزان آخر قدَّم شهادة قيّمة بوجود فقه كامل للإمام جعفر الصادق علیه السلام ولشهادته قيمة كبرى عند كل الباحثين بحكم تخصصه في معرفة كل المذاهب الفقهية الموجودة في العالم الإسلامي ، ولا يوجد أحد في العالم الإسلامي لا يقدر القيمة العلمية لكتاب الإمام محمد أبي زهرة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهو يتحدث في كتابه القيم عن فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم في أمر ، كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق علیه السلام وعلمه ، فأئمة السنة الذين عاصروه تلقوا عنه ، وأخذ عنه مالك ، وأخذ عنه طبقة مالك كسفيان بن عيينة ، وسفيان الثوري ، وغيرهم كثير ، وأخذ عنه مالك ، وأخذ

عنه أبو حنيفة مع تقاربهما في السن ، واعتبره أعلم الناس باختلاف الناس . وقد تلقى عليه رواية الحديث طائفة كبيرة من التابعين ، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ، وأيوب السجستاني ، وأبان بن تغلب ، وأبو عمرو بن العلاء ، وغيرهم من أئمة التابعين في الفقه والحديث ، ذلك فوق الذي رووا عنه ، من تابعي التابعين ، ومن جاء بعدهم من الأئمة والمجتهدين " - الإمام الصادق علیه السلام للإمام " أبو زهرة المصري الأزهري " : 66 - .

إذا لم نقبل ميزان الإمام محمد " أبو زهرة " الذي رأى وجود مذهب فقهي كامل للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فلنبحث عن ميزان آخر قدَّم شهادة قيّمة بوجود مذهب فقهي كامل للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولشهادته قيمة كبرى عند كلّ الباحثين بحكم معرفته الكبرى ودرايته في كلّ المذاهب الإسلامية في العالم الإسلامي ، ولا يوجد أحد في العالم الإسلامي لا يعرف العلامة

ص: 213

الكبير الشيخ وهبة الزحيلي في كتابه القيّم الفقه الإسلامي وأدلته 08:1 ، فهو يتحدث في كتابه القيم عن المذهب الفقهي للإمام جعفر الصادق علیه السلام : " الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق علیه السلام بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ، مؤسس مذهب الإمامية [ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] " وأرى بأنَّ مشكلة الخلط بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطّاب هي التي جعلت صاحب كتاب تبديد الظلام يزن فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام بميزان يخالف ميزان الإمام محمد أبي زهرة ، ومنذ أن هاجرت من مدينة الرياض واستقريت في مدينة قم العلمية بدأت البحث حول لماذا اختلف ميزان إبراهيم الجبهان لفقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن ميزان الإمام محمد " أبو زهرة المصري الأزهري " وألقيت حول ذلك بحوثاً منشورة ومعروفة ، وكان بعض المتصلين لبرنامجي المباشر حول بحوثي في هذا الموضوع : يقول لي ما جدوى معالجة الخلاف بين إبراهيم الجبهان ومحمد " أبو زهرة " حول فقه الإمام جعفر

الصادق علیه السلام ، فلا تضيع وقتك ووقت المشاهدين لبرماجك في هذا الموضوع الغامض الذي لن يوصلك ويصل المشاهدين لك إلا إلى طريق مسدود، ومن تسميهم زملائك في المعاهد السلفية في الرياض وفي صنعاء ، غلبت عليهم شبهات حول فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهم على يقين بصحة رؤية إبراهيم الجبهان حول فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يمكن لعقولهم أن تستسيغ وتستوعب ما يحمله الإمام محمد " أبو زهرة المصري " حول فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكان جوابي لقد عشت فترة من حياتي حينما كنت في معهد صنعاء العلمي السلفي وحينما كنت في مدينة الرياض على يقين برؤية إبراهيم الجبهان ، وكنت معه على إيمان جازم قاطع بأنّه لا فرق بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب ، ولكن من الله عليّ فوجدت كتاب أبي زهرة المصري الأزهري فى المكتبة العامة لجامعة الملك سعود ، وكان كتاباً خصص معظمه للحديث عن فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأزال عن ذلك الركام الهائل الذي ران على قلبي فجعلني لا أرى فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلا على درجة ومستوى فقه أبي الخطاب ، وكنت لأجل بيان الفرق بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب لأخواني السلفيين أذكر لهم الخلاف الفقهي بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب حول وقت أداء صلاة المغرب

هنا سأذكر كيف خلطنا في وقت صلاة المغرب بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب ، وكيف غاب عنا شكوى الإمام جعفر الصادق علیه السلام من فقه أبي الخطاب ، وفي الحقيقة بأنَّ وجود الشك لدي وترددي بين رؤية الإمام محمد " أبو زهرة " وبين رؤية إبراهيم الجبهان حول فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام دفعني إلى أن أهاجر من منطقة الدرعية – مننطقة الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - في مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية - مدينة فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 214

، وقمتُ بدراسة فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعيداً عن رؤية الإمام محمد " أبو زهرة المصري الأزهري " وعن رؤية إبراهيم الجبهان - الرؤية المعتبرة لديّ سابقاً حينما كنت في مدينة الرياض – ، بمعنى أنني شرعت حال وصولي إلى مدينة فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام – مدينة قم العلمية - بدراسة فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة ، باحثاً عن درجة اتفاق بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب والخطابية ، فأدركت أن فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يحتوي على أي مسئلة فقهية واحدة من الفقه المنقول عن أبي الخطاب وعن فقه الخطابية في هذا العصر ، وأدركت أن الصاق فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام بفقه مذهب أبي الخطاب في هذا العصر هو ؛ لأجل إبعاد المسلمين عن دراسة فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ومن هنا هذه الحقيقة القرآنية الرابعة الخطيرة والهامة والمصيرية لا يمكن لزملائي - في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء - أدراكها ما لم يتم الفصل بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب

وقد ذكرت مثالاً واضحاً لأخواني السلفية حول الخلاف الفقهي بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول صلاة المغرب ؛ من أجل أن يدركوا حقيقة هامة وخطيرة غابت عن إبراهيم الجبهان وعن كلّ معاهدنا العلمية السلفية - في الرياض وصنعاء - ، وهذه الحقيقة الهامة هي وهذه الحقيقة الهامة هي أن الإمام جعفر الصادق علیه السلام واجه أبا الخطاب فقهيا كما واجهه عقديا ، فقد كان عند أبي الخطاب شذوذ في مجال العقيدة وفي مجال الفقه على السواء ، وكان الإمام يرشد الذين تأثروا بعقيدة أبي الخطاب ويرشد الذين تأثروا بفقه أبي الخطاب ؛ لأنّه لما ظهر أبو الخطاب انتشرت أحكام وشرائع فقهيه خاصة في بعض مناطق العراق ، وأرد أبو الخطاب أن تحتل أحكامه الفقهيه مكاناً بين بعض العراقيين كبديل للإحكام الفقهية التي نشرها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ ولأجل معرفة أبي الخطاب بمحبة العراقيين للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فكان ينشر أحكامة الفقهية الشاذة - المخالفة للقرآن الكريم وللسنة النبوية ولفقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام - بلسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان الإمام يصحح ويبين ما نسبه إليه في مجال الفقه والشرائع والأحكام ؛ من أجل أن يعود بعض المخدوعين من العراقيين بفقه أبي الخطاب من جديد إلى فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأعظم مثال أذكر لأخونى السلفيين ؛ من أجل إدراك الصراع الشديد والمعركة الكبرى بين فقه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين فقه أبي الخطاب ، ذكرت تلك المعركة الكبرى الفقهية التي دارت بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام نفسه وبين أبي الخطاب نفسه ، حول الوقت الشرعي لصلاة المغرب

ص: 215

وحين ينتهي طالب العلم من التأمل في تلك الحقيقة القرآنية الرابعة يجد نفسه في صدد البحث عن الحقيقة القرآنية الخامسة ) حقيقة أهداف و مقاصد القرآن الكريم بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب )

الحقيقة القرآنية الخامسة : حقيقة أهداف و مقاصد القرآن الكريم بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 216

الحقيقة القرآنية الخامسة : حقيقة أهداف و مقاصد القرآن الكريم بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب :

إنه لا يمكن معرفة نوع أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومعرفة طبيعة أهدافهم إلا عند معرفة نوع اعتقاداتهم بالحقيقة القرآنية الأولى والحقيقة القرآنية الثانية، والحقيقة القرآنية الثالثة ، ومعرفة الشرائع والأحكام لديهم الحقيقة القرآنية الرابعة)

معاهدنا العلمية السلفية فى دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّهم يبحثون عن أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل البحث عن مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وقبل البحث عن الحقائق الأربع السابقة حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن ثُمّ نراهم ينزلقون في مشكلة الخلط بين أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهداف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب أنّ أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا بد أن تنبثق من خلال موقفهم من الحقائق الأربع الأساسية السابقة، فإنه لا يمكن أن نفصل بين أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين عقيدتهم في حقيقة التوحيد ومعرفة الله وفي حقيقة النبوة ونظرتهم إلى إلى يوم القيامة ونظرتهم إلى شرائع وأحكام الإسلام

ولابد لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يعرف هذه الحقيقة القرآنية الخامسة بطريقة جديدة تختلف عن طريقة معاهدنا في عرضها لهذه الحقيقة ، ونحن نجد أن الإمام جعفر

ص: 217

الصادق علیه السلام يقول في الصلاة التي هي أساس هذا الحقيقة القرآنية الرابعة : " وأما أبو الخطاب فكذب عليّ وقال : إنّي أمرته ألّا يصلّي هو وأصحابه المغرب حتى يروا كواكبا " ونجد أن المؤرخين ذكروا لنا حقيقة موجودة في حياة " بولس " وفي حياة أبي الخطاب وهي أنّ بُولس كان يكذب على عيسى بن مريم ، وكان أبو الخطاب يكذب على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد كشف هذه الحقيقة الخطيرة حفيد الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبيّن الإمام الرضا هذه الحقيقة التاريخية بهذه الصورة :

"إن أبا الخطَّابِ كذب على إبي عبد الله - الإمام جعفر الصادق علیه السلام - لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبدِ الله - الإمام جعفر الصادق علیه السلام - ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فأنا تحدثنا حَدَّثنا القرآن وموافقة السنة ، إنّا عن الله ، وعن رسوله تُحدِّث ، ولا نقولُ قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا . إن كلام آخرنا مِثلُ كَلامٍ أَوَّلنا ، وكلامَ أوَّلِنَا مصدّق لكلام آخرِنَا ، وإذا أتاكُم من يُحَدَّثُكُم بِخِلافِ ذَلِكَ فَرُدُّ عَلَيْهِ ، وقولوا أنتَ أَعْلَمُ َومَا جِئتَ ، فَإِنَّ مَعَ كُلِّ قَولِ مِنَّا حَقِيقَةٌ ، وَعَلَيهِ نُورٌ فَمَا لَا حقيقةَ مَعَهُ وَلا نُورَ فَذَلكَ قَولُ الشَّيْطَان " - بحار الأنوار : 250/2

ومن الأهداف الخطيرة للخطابية نشر فكرة التناسخ التي تتصادم مع الثقافة القرآنية ، ويمكن لأخوني السلفية لأجل أدراك هذا الهدف الخطير مراجعة الحقيقة القرآنية الثالثة في هذا الكتاب التي بيّنا فيها الفرق بين موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من حقيقة يوم القيامة وموقف أصحاب أبي الخطّاب من يوم القيامة ؛ لأنّ فكرة التناسخ تنسخ وتنسف يوم القيامة ، وتنسف قضية الحساب والعقاب في يوم القيامة

وقد لاحظنا - أيضاً - أن خطأ أتباع معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء ، في عدم إدراك الفرق الجوهري والحقيقي بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الروايات التي تطعن في القرآن الكريم وموقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من تلك الروايات ، وهذا الأمر قاد معاهدنا السلفية بالضرورة الفكرية إلى في إدراك حقيقة الفرق الجوهري بين أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهداف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب ، ولكن الخطأ الكبير والعميق يتمثل في خطأ معاهدنا السلفية في فهم الفرق بين موقف أصحاب الإمام الصادق علیه السلام من الحقيقة القرآنية الأولى والكبرى [ حقيقة التوحيد ومعرفة الله ] وبين موقف أصحاب أبي الخطّاب من هذه الحقيقة القرآنية ؛ فحطاً معاهدنا في معرفة الفرق بين رأي الفريقين قد قادهم إلى الخطأ في فهم الفرق بين رؤية الفريقين حول كل الحقائق القرآنية التي بعدها.

ص: 218

ولم يكن غريباً على أتباع أبي الخطاب الطعن في القرآن الكريم ، لأنّ أساس الدين هو التوحيد ومعرفة الله ، وإذا وقع الإنسان في الشرك ولم يعرف الله فسدت كل الحقائق القرآنية العشر الكبرى التي يدور حولها دين الله ، وفسدت كل الخصائص القرآنية الست التي سنتناولها في الباب الرابع من هذا الكتاب

ولا يمكن أن تكون أهداف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في صالح الإسلام وعقولهم خالية عن الله ؛ لأن عندهم هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وإذا سمع أصحاب الخطاب اسماء الله وصفاته لا يخطر في بالهم إلا الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد جلست مع بعض الخطابيين المعاصرين فرأيتهم مشغولين عن الأهداف التي رسمها الله للمسلم في كتابه

إن السلفي الذي يخاف الله لايرضي أن يجعل أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، مثل أهداف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، والقرآن الكريم فصل بين أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من الأنبياء والمرسلين ، وبين أهداف أهل الشرك من عبدة الأصنام ، فكيف يجوز لنا أن نحكم على المشركين والموحدين بحكم واحد .. ما لكم كيف تحكمون ؟ !! .

وفي الحقيقة بأن سبب الفتنة بين أهل السنة وبين الشيعة هو وجود أصحاب أبي الخطاب ، إذ عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام نشر أصحاب أبي الخطاب روايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام تبالغ في ذمّ أصحاب رسول الله – ص – ، وانتشرت هذه الروايات في كتاب تبديد الظلام، وفي غيره من الكتب التي كانت توزع على معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ، وهدف أصحاب أبي الخطّاب من وضع روايات على لسان الإمام جعفر في ذمّ أصحاب رسول الله - ص - زرع الخلاف بين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل السنة والجماعة .

ومن الأهداف الخطيرة للخطابية تشوية صورة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومن سار على نهجهم ، وسبب كراهية الخطّابية لهم ؛ لأن ثقافتهم تنسجم مع الثقافة القرآنية ، وقد ذكرنا سابقاً كيف بذل الخطّابية كلّ جهدهم من أجل تشويه صورة الشيخ الجليل الفضل بن شاذان - رضوان الله عليه – بسب شدّة تمسكه بالثقافة القرآنية ومحاربته للثقافة الخطّابية المجوسية

لقد كان أصحاب أبا الخطّاب يصورون للناس بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام على نهجهم ، وأنّهم أهدى من المخلصين المقربين للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، الذين كانوا يلتقون معهم في مدينة الكوفة ، لأنّ المخلصين من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانوا يقولون لأصحاب أبي الخطاب بأنّ الألوهية وخصائصها هي أمر الله وحده ، ليس للإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا لغيره

ص: 219

من أئمة أهل البيت فيها شيء . إنما الله الإله الذي لا إله غيره ، ولا خالق غيره ، ولا رازق غيره ، ولا مشرّع غيره ، بينما كان أصحاب أبي الخطاب يقولون بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام . فلمّا صدرت المفاصلة الحاسمة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبى ، وصدرت أقوال للإمام جعفر الصادق علیه السلام في لعن أبي الخطاب وأصحابه التي الطريق على محاولة أصحاب أبي الخطاب ، وحسمت شبهة أصحاب أبي الخطاب ووضحت أقوال الإمام جعفر الصادق علیه السلام الفرق بين منهج الثقافة الوثنية ومنهج الثقافة القرآنية ، صدرت أقوال الإمام جعفر الصادق علیه السلام في لعن أصحاب أبي الخطاب بذلك الجزم ، وبهذا التوكيد ، وبهذا التكرار ؛ لتننهي كل قول ، وتقطع كلّ مساومة وتفرّق نهائياً بين منهج أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومنهج أصحاب أبي الخطاب ، فقد وجدنا في أقوال الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول أصحاب أبي الخطاب تصفهم بصفتهم بأنَّهم ليسوا على دين الإسلام ، وليسوا بمسلمين بل هم كافرون ، فلا التقاء إذن بين أصحاب أبي الخطاب وأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في طريق

وهكذا توحي كلّ كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام بحقيقة الإنفصال بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وهو إنفصال لا يرجى معه إتصال ، وتكررت أقوال الإمام جعفر الصادق علیه السلام في تكفير أبي الخطاب وفي تكفير أصحاب أبي الخطاب كي لاتبقى مظنّة شبهة عند أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا مجال لمظنة أو شبهة بعد ذلك التكفير المكرر من الإمام جعفر الصادق علیه السلام بكل وسائل التكرار

ثم جاء تلاميد تلاميذ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأكدوا تلك المفاصلة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب ، وكان منهم الشيخ الجليل الإمام الفضل بن شاذان رضوان الله عليه - ، فكان يرى أنَّ تلك المفاصلة ضرورة ، كما كان يوضح ويبين معالم ذلك الإختلاف الجوهري الكامل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب الذي يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق أو في نهاية الطريق . الإختلاف في جوهر الإعتقاد ، وأصل التصوّر ، إن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لهم منهجهم ، ولأصحاب أبي الخطّاب منهج آخر ، ولا يلتقيان .. إصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام منهج يتجه بالإنسان مع الوجود كله - إلى الله وحده لا شريك له ، لا خالق إلّا الله ، ولا رازق إِلَّا الله ، ولا مشرّع إلا الله ، الله وحده وحده وحده بلا شريك ، ويرفض أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التلبّس بالشرك في أيّة صورة من صور الشرك الظاهرة والخفية

وكان أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرون أنَّ المفاصلة بينهم وبين أصحاب أبي الخطاب ضرورية ؛ لأنَّ التصورات الوثنية لأصحاب أبي الخطاب تتلبس بتصورات الولاء للإمام

ص: 220

جعفر الصادق علیه السلام ، وبخاصة في بعض أصحاب أبي الخطاب الذين عرفوا بأنّهم من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من قبل ثم تركوا الإمام جعفر الصادق علیه السلام وانحرفوا عنه ، وهؤلاء هم أعصى من الخطابية المتأخرين الذين ولدوا على الشرك ولم يعرفوا الله والتوحيد كما هو في صورته المستخرجة من القرآن الكريم ، أعصى من الخطّابية الذين لم يعفرفوا الله أصلاً ذلك لأنهم يحسبون يحسبون أنفسهم من أهل التوحيد ومعرفة الله في الوقت الذي تتعقد إنحرافاتهم وتتلوّى ! وإختلاط عقائدهم وأعمالهم بين التوحيد والشرك ، وخلط الصالح بالفاسد في عقيدة اولئك الخطّابية ، كلّ ذلك قد يغري بعض أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالأمل في إجتذابهم إذا اقر الجانب الصالح وحاول تعديل الجانب الفاسد ، وهذا الإغراء في منتهى الخطورة ! . إن الخطابية وثنية ونهج أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام توحید خالص كامل لله ، والفارق بينهما بعيد ، والسبيل هو الخروج من الوثنية الخطّابية بجملتها إلى توحيد أصحاب الإمام الصادق علیه السلام بجملته ، هو الانسلاخ من التصورات الوثنية الخطابية بكل ما فيها والهجرة إلى التصورات التوحيدية القرآنية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بكل ما فيها .

ومن هنا كان خطر أصحاب أبي الخطاب على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أكبر من خطر النواصب الذين يلعنون الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويلعنون كل أهل بيت رسول الله - ص - ؛ لأنَّ الذين يلعنون الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويلعنون أهل بيت رسول الله – ص – كاونوا يبرزون ويظهرون لعنهم لأهل بيت رسول الله أمام الناس ؛ لأنّ الدولة الأموية ومن بعدها العباسية كانت تحميهم وتدعمهم ، أما الذين يؤلهون الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو يؤلّهون أحد أئمة أهل البيت النبوي ، لما كانت الدولة الأموية ومن بعدها العباسية لا تشجعهم كانوا يخفون عقيدتهم بتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويظهرون بمظهر الذين يكفّرون القائلين بتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان أصحاب أبي الخطّاب يعتقدون أنّهم أهدى من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين كانوا يرونهم في الكوفة ، وفي الوقت نفسه نجد من معتقدات أصحاب أبي الخطاب الخطيرة والوثنية المنبثقة من تصورهم بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أنهم كانوا يرون أنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الذي يدير هذا الوجود ، حتّى أنَّهم ينسبون للإمام جعفر الصادق علیه السلام كلّ أفعال الله - تعالى - من الخلق والرزق والإحياء والإماتة ، وقد رأيت من خلال مجالستي لمشايخ الخطّابية في القرن العشرين أن أعظم مشكلة لديهم عدم إيمانهم بتوحيد الله في الفاعلية ، فلا يقبلون توحيد الفاعلية أبداً ، فإذا قلت لهم ، لا فاعل حقيقي وواقعي في هذا الكون إلا الله ، قالوا لك : لا فاعل في هذا الكون إلا الله والأئمة الاثني عشر ، وأرى بأن أخطر أنواع الشرك بالله لدى أصحاب أبي الخطاب هو شركهم في مجال توحيد الفاعلية ، كما أنني رأيت مشايخ الخطّابية في عصرنا يعتقدون أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان هو المشرع لأحكام الحلال

ص: 221

والحرام ؛ لأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام عند أصحاب أبي الخطاب صاحب شريعة جديدة لا تلتزم بشريعة خاتم الأنبياء - ص ، ويرون بأنّ شريعة الإمام جعفر الصادق علیه السلام نسخت وألغت شريعة رسول الله - ص - ، كما أنَّ أصحاب أبي الخطاب كانوا لا يعرفون الله – تعالى بحقيقته التي وصف بها نفسه ، ولا يدركون خصائصه - تعالى - وصفاته التي تفرد بها دون وكانوا يشركون الإمام جعفر الصادق علیه السلام في بعض صفاته وخصائصه – تعالى – ، ولا يقدّرون الله - جل ثناؤه - قدره ، ولا يعرفون الله حق معرفته ؛ لأجل ذلك يزعون أنّ علم الإمام جعفر الصادق علیه السلام كعلم الله

ومن الأهداف الأساسية لأصحاب أبى الخطاب تنفير الناس من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتنفيرهم من كل الأئمة الاثني عشر من أئمة أهل البيت ، ولا شك أنَّ خصوم واعداء الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأعداء كلّ ائمة أهل البيت استغلوا أصحاب أبي الخطاب من أجل تشوية صورة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتشويه صورة كل ائمة أهل البيت ، ونحن على يقين بأنَّ أصحاب أبي الخطاب يكرهون الإمام جعفر الصادق علیه السلام فقد سمعوه علناً جهارا يلعنهم ، وفي نفوسهم الخبيثة كرها للتقلين ( القرآن الكريم وأهل بيت النبي ) ؛ لأجل ذلك نجد أصحاب أبي الخطاب وضعوا الروايات كمحاولة منهم لتغيير الصورة الحقيقية للقرآن الكريم والعترة الطاهرة ، ووضعوا الروايات في إسقاط حجيّة ظواهر القرآن الكريم ، ولا قيمة للقرآن الكريم إذا كانت ظواهره ليست بحجة ، وفيما يتعلّق بالعترة فقد حرَّف أصحاب أبي الخطاب الصورة الحقيقية والواقعية لأهل البيت ، وبالتالي لم يعد لحديث الثقلين أي قيمة عند أصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك كلّه نحن على يقين بأنَّ أكبر أعداء أهل البيت وشيعتهم هم أصحاب أبي الخطاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومشايخ الخطّابية في القرن العشرين ، لكننا نجد غلاة السلفية الذين يجهلون مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ) مذهب أهل البيت ) ، لا يعرفون حقيقة الثقل الثاني الأصغر ) لا يعرفون أهل البيت ) ، ويعدّون مذهب أبي الخطاب هو نفس مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ) مذهب أهل البيت ) .

ومن هنا ففتنة أصحاب أبي الخطاب وأهدافهم هي أعظم فتنة أوقعها خصوم الإسلام بين أهله ، ونحن نأسف بأن فتنة أصحاب أبي الخطاب لم تعالج بحل صحيح في معاهدنا العلمية السلفية ، على ضوء واقع الفتنة كما هي ، واستمرت هذه الفتنة تعمل عملها وتحقق هدفها الأول الذي يتمثل في شق وحدة الصف بين أتباع الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه وبين أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبث روح العداء بين هذين المذهبين العظيمين

وفي الحقيقة أننا وجدنا بأنّ أهداف أصحاب أبي الخطّاب متعددة ، لكن هذه الأهداف تجتمع في إعطاء النبوّة لمن يظهرون حبّه من أئمة أهل البيت ، وكل أهداف أصحاب أبي الخطاب

ص: 222

تتمحور وتجتمع حول محورين وهدفين أساسيين وهما هدم التوحيد ومعرفة الله ، والطعن في القرآن الكريم ، وكل الأهداف الكبرى لأصحاب أبي الخطّاب تدور حول هذين المحورين والهدفين

ويكمن الخطر في أصحاب أبي الخطّاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي مشايخ الخطابية في القرن العشرين أنّهم يندسون في صفوف أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن المسلّمات أنَّ الخطر يتعاظم إذا نبع من الداخل ، أما خطر النواصب وخصوم أهل البت فهم خطر من الخارج، ومن دون شك بأنّ العدو إذا كان في الخارج كان أقل شأناً ، وقد أدرك الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّ خطر أصحاب أبي الخطاب على شيعته أشدّ من خطر النواصب وخصوم أهل البيت على شيعته ؛ لأن مشايخ الخطابية في القرن العشرين هم بمثابة الطابور الخامس الذي يختفي في صفوف شيعة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في هذا العصر ، وفي كل العصور ، وأنا من خلال تجربتي الكبرى وجدتُ أنَّ مشايخ الخطابية مختفين في وسط شيعة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومخلوطين بهم ومندسين في وسطهم ، حتى لو سمعتهم يلعنون أبا الخطاب ، لكن لا قيمة للعنهم لأبي الخطّاب إذا كانوا يدافعون عن المعتقدات الخطابية النصرانية .

ولخص العلامة الشيخ الإمام محمد باقر المجلسي - رضوان الله عليه - مكر وأهداف أصحاب أبى الخطّاب فى هذه العبارة الوجيزة : " اعلم أنَّ الغلو في النبي والأئمة عليهم السلام ، إنما يكون بألوهيتهم ، أو بكونهم شركاء الله - تعالى - في المعبودية ، أو في الخلق والرزق ، أو أنَّ الله حلَّ فيهم ، أو اتحد بهم ، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله - تعالی أو بالقول في الأئمة – عليهم السلام - أنّهم كانوا انبياء ، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول بأنَّ معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ، ولا تكليف معها بترك المعاصي ، والقول بكل منها إلحاد وكفر وخروج عن الدين ، كما دلّت عليه الأدلّة العقلية ، والآيات والأخبار السالفة وغيرها " [بحار الأنوار للمجلسي : 346/25] ، وقال الشيخ الإمام محمد كلاماً مفيداً اختصر فيه أهداف أصحاب بن محمد بن النعمان المفيد - رضوان الله عليه أبي الخطّاب : " الغلاة من المتظاهرين بالإسلام وهم الذين نسبوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وذريته الألوهية والنبوة ، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزا فيه الحدَّ ، وخرجوا عن القصد ، فهم ضلال كفَّار حكم فيهم أمير المؤمنين علي عليه السلام بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمة [الاثناعشر] عليهم بالإكفار والخروج عن الإسلام " [شرح عقائد الصدوق للمفيد ، باب الغلاة ؛ لأجل ذلك قال الإمام علي : " يهلك في اثنان : محب مفرط ، وباهت مفتر " ، قال الشريف الرضي - رضوان الله عليه - ، وهذا مثل قوله عليه السلام : "

ص: 223

18

يهلك في اثنان : محب غال ، ومبغض قال " ، ( مبغض قال : قال : من قلى ، وهو البغض والترك ، قال - تعالى - : " ما ودعك ربك وما قلى " أي ما تركك ولا أبغضك ، إذن فمن ترك الإمام علي وأبغضه فهو من الهالكين " [ نهج البلاغة للشريف الرضي الحكمة رقم : 478] .

ومن النصوص الهامة التي تبيّن لنا أهداف مشايخ الخطّابية في القرن العشرين التي انتشرت أخيراً ، ما ورد عن العالم العظيم المعاصر المتخصص في معرفة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام السيد الجليل هاشم معروف الحسني - رضوان الله عليه - : " ظلَّ الغلو بالأئمة وما يستلزمه من الحلول والتناسخ والإتحاد من اسوأ انواع الكفر والإلحاد عند الشيعة تلك الفرقة أو الفكرة وحتى يومنا هذا كما يبدو ذلك من اوضح الواضحات في مؤلفات الشيعة في الأصول والفروع منذ أقدم العصور " [الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ لهاشم معروف الحسني : 112] ، وهاك وثيقة هامة تعبّر عن أهداف الخطّابية في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي عصرنا صدرت من الشيخ الإمام نصير الدين الطوسي - رضوان الله عليه - : " وأمّا الغلاة فبعضهم قالوا : إنّ الله - تعالى - يظهر في بعض الأوقات في صورة إنسان ، يسمونه نبياً أو إماما ويدعو الناس إلى الدين القويم والصراط المستقيم ، ولولا ذلك لضل الخلق ، وبعضهم قالوا بالحلول أو الاتحاد ، كما يقول بعض المتصوفة " [قواعد العقائد لنصير الدين الطوسي : 112] ، وفي عبارة للعالم المحدّث الجليل الشيخ الإمام فخر الدين الطريحي رسم لنا فيها أهداف الخطّابية في العصر القديم والحديث بأحسن بيان وقال - رضوان الله عليه - : " غلا في قوله تعالى : " لا تغلو في دينكم " [سورة النساء : 171] ، أي لا تجاوزا الحدَّ ، بأن ترفعوا عيسى أن تدعوا له الآلهية ، يقال : غلى في الدين غُلُواً قعد : تصلّب وتشدد حتى تجاوز الحد ... ، ومنه الحديث : " لا تغلوا في صداق النساء " ، وفي حديث الشيعة : " كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي " ، فالغالي من يقول في أهل البيت عليهم السلام ما لا يقولون في أنفسهم كمن يدّعي فيهم النبوة والآلهية ، والتالي المرتاد يريد الخير ليبلغه ليؤجر عليه ، وفي حديث الشيعة : " إنّ فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنا تحريف الغالين " ، أي الذين غلو في الدين ... والغلاة هم الذين يغالون في علي ويجعلونه ربّا ، والتخميس عند الغلاة - لعنهم الله - هو أنَّ سلمان الفارسي والمقداد وأبا ذر وعمّار بن ياسر وعمر بن أمية الضمري هم الموكلون بمصالح العالم ينوبون عن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو رب " [مجمع البحرين للطريحي : 1/ 318-319] ، وقد رسم الإمام محسن الحكيم - رضوان الله عليه - فكرة عن أهداف الخطابية في كل عصر وفي كل مصر في لوحة واضحة وقال : " الغلو أحد المعاني التالية :

إعتقاد الربوبية لأحد الأئمة من أهل البيت.

ص: 224

إعتقاد حلول الله – تعالى – في الأئمة من أهل البيت.

تجاوز الحد في صفات الأنبياء والأئمة ، مثل الاعتقاد بأنّهم خالقون ، أو رازقون ، أو نحو ذلك من الصفات الخاصة بالله تعالى " [مستمسك العروة الوثقى : 376/2] .

ونحن وجدنا القرآن الكريم حارب ذلك الغلو الموجود عند أصحاب أبي الخطاب ، وخاطبت النصوص القرآنية أهل الكتاب : " قل يأهل الكتاب لا تغلو في دينكم غير الحق ، ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلُّوا من قبل ، وأضلُّوا كثيراً ، وضلُّوا عن سواء السبيل " [المائدة : 77] ، ومن أجل نلمس أهمية النهي القرآني عن الغلو في تعظيم غير الله يكفينا أن نتعرف على دور الغلو في انحراف أهل الكتاب ، سواء كان ذلك الانحراف في التصوّر الذي أدى إلى قبول فكرة بعيدة عن العقل والمنطق كفكرة التثليث عند النصرانية ، أو كان هذا الانحراف في السلوك والعمل كرهبانية النصارى التي كان من نتائجها عزل الدين عن الحكم والدولة ، وهو أمرٌ ترفضه فطرة الإنسان السليم ، إذ معنى ذلك جعل الدولة والحكم في يد من لا دين ولا خلق له ، ومن لا يتخلق بأخلاق الله ، وأعظم أخلاق الله العدل وعدم الظلم ، ووجدنا في القرآن الكريم مواجهة عنيفة للتفريط والإهمال تشابه مواجهة القرآن الكريم للغلو ، قال - تعالى - : " قد خسر الذين كذبوا بلفقاء الله ، حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا : يا حسرتا على ما فرطنا

فيها " ، فانبثق عن تفريطهم ، تكذيبهم بلقاء الله ، ونتج عن التكذيب الحسرة الشديدة ، فيعترفون بالتفريط فى الدنيا " يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ، الآن يوم القيامة وقد فات الآوان ، وهذا انحراف وتفريط فى التصوّر ، أمَّا انحراف التفريط فى الجانب السلوكي فمن مصاديقه البارزة الإستهزاء بالدين والرسل ، قال تعالى : " وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن " [الحجر: 11] فالسخرية والاستهزاء والتفريط بالرسل ورسالتهم جعلهم ينحرفون ويتيهون .

ونحن من خلال مجالستنا لمشايخ الخطابية في هذا العصر وجدناهم يجمعون بين الغلو والتفريط ، فتجد مشايخ الخطابية في القرن العشرين قالوا بتأليه الأئمة الاثني عشر ، وكذلك كفروا بيوم القيامة .

ولئن كنت قد وفقت في رسم هذه الحقيقة القرآنية الخامسة فهذا من توفيق الله ، والآن حان الوقت أن يفهم طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية الحقيقة القرآنية السادسة حقيقة معنى المصطلحات القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 225

ص: 226

الحقيقة القرآنية السادسة : حقيقة معنى المصطلحات القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبى الخطّاب

ص: 227

والحقيقة القرآنية السادسة : حقيقة معنى المصطلحات القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب :

إنّ الذي جعلني أهتم بهذه الحقيقة القرآنية هو : أنني رأيت أن منهج زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء لا يفصلون بين مضامين ومحتويات المصطلحات القرآنية لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مضامين ومحتويات المصطلحات القرآنية عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، مع أن هنالك إختلافاً عميقاً بين حقيقة المصطلحات القرآنية بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطّاب ومن هنا نصيحتي لزملائي في المعاهد العلمية السلفية أن يدركوا بأن تلك المصطلحات القرآنية التي ذكرها إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ، قد اختلف حول تعريفها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهذه هي الحقيقة التي غفل عنها إبراهيم الجبهان

ص: 228

وفي الحقيقة أنه لا يمكن التقريب بين معاهدنا العلمية السلفية وبين الحوزة العلمية الجعفرية في النجف وقم إلا من خلال معرفة الفرق الجوهري بين المصطلحات القرآنية في تعريف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين نفس تلك المصطلحات القرآنية في تعريف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، لقد وجدنا تلك المصطلحات القرآنية عند تتفق من حيث اللفظ والغلاف الخارجي، مع وجود الاختلاف العميق بين تعريف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لهذه المصطلحات القرآنية وبين تعريف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لها.

أُريد من زملائي في المعاهد العلمية في صنعاء وفي الرياص أن يدركوا بأن مفهوم ومنظور ومراد أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول المصطلحات القرآنية المتدوالة بين المسلمين غير مفهوم ومنظور ومراد أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من تلك المصطلحات القرآنية المتدوالة بين المسلمين ، وأنا بنفسي قد حاورت بعض الخطابيين المعاصرين و لم يفهم كل واحدٍ منا مراد الآخر

نريد أن يعرف السلفية بأنّ مراد أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب من المصطلحات القرآنية المتدوالة عند المذاهب الإسلامية غير مراد أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك المصطلحات القرآنية ، وما لم نلتفت إلى هذه القضية الخطيرة ، فلن تتحقق لنا المعرفة الواقعية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومعرفة دورهم العظيم في حماية المصطلحات القرآنية من تلاعب أصحاب أبي الخطاب في محتوايتها ، وبالتالي سوف نفرط ونقصر في حق كشف حقيقة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ونظلمهم كما ظلمهم إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام .

وكاتب هذا الكتاب اهتم فى كتاباته ومحاضراته بمعالجة هذه الحقيقة السادسة الخطيرة ، وأرى بأن إدراك هذه الحقيقة القرآنية السادسة سوف يخفف من مشكلة الصراع بين الجعفرية والسلفية ، ويجعلنا نعيد النظر في منهج أمثال إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام في دراستهم لقضية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي دراستهم لقضية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وسوف يساعد على إستنقاذنا من مشكلة الخلط بين حقيقة معنى المصطلحات القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

حينما لا يعرف أصحاب أبي الخطاب الله ، وحين يكون الله عندهم هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بمعنى حين تحطّمت لديهم الحقيقة القرآنية الأولى [ حقيقة التوحيد ومعرفة الله ] من الحقائق القرآنية العشر الكبرى ، وحين داسو بأقدامهم على حقيقة النبو [ الحقيقة القرآنية الثانية ]

ص: 229

واعلنوا نبوة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ثم نسفوا حقيقة يوم القيامة [ الحقيقة القرآنية الثالثة ] بقولهم بالتناسخ ، ثم حطّموا شريعة الإسلام [ الحقيقة القرآنية الرابعة ] ، وقامت لهم اهداف مغايرة للأهداف الكبرى التي جاء بها الإسلام ورسمها الله - جل ثناؤه – في القرآن الكريم [ الحقيقة القرآنية الرابعة ] ، ليس من العجب أن تكون لدى أصحاب أبي الخطاب معاني هابطة المصطلحات القرآنية المتدوالة بين المسلمين [ الحقيقة القرآنية السادسة ]

إن التوحيد ومعرفة الله يعطي الإطار العام للمصطلحات القرآنية ويجعلها متناسقة مع معانيها المنبثقة من القرآن الكريم، وحين غاب الله عن أصحاب أبي الخطاب واتخذوا الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلها ضاعت معاني المصطلحات القرآنية ؛ لأنّ التوحيد ومعرفة الله هو الذي يجعل معاني تلك المصطلحات موصولة بالقرآن الكريم .

بولس وأبو الخطاب من خلال إبطال الصلة بين الكلمات والمعاني قالا بتأليه عيسى بن مريم والإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبطلا كل المحرمات الموجودة في النصوص الدينية

فهنالك طريقة خطيرة استخدمها في البداية بولس فنقل النصارى من التوحيد إلى التثليث ومن الإلتزم بشريعة موسى إلى نسخها وحذفها وجا بعده بولس المسلمين " أبو الخطاب " فاستخدم نفس طريقة بولس وأراد نقل المسلمين من التوحيد إلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومن الإلتزام بشريعة الإسلام إلى نسخها وإباحة جميع المحرمات

إِنّ بُولس عند النصارى وأبا الخطاب عند المسلمين لا حظا أنّ التوحيد ومعرفة الله في التوراة والأنجيل والقرآن وكلام موسى وعيسى ومحمد - ص - وأحكام الحرام وفرائض الشريعة ومسائلها ، إنما عرضت في قالب ألفاظ وعبارات تدل على التوحيد ومعرفة الله وتدل على الشرائع ومسائلها ، وهذا أمر لابد منه في كلّ الرسائل السماوية : " وما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم " - إبراهيم : 4 - وقد تعيّنت الكلمات التي تدل على التوحيد ومعرفة الله والعبارات التي تدل على الشرك عند الخطابية ومخالفة التوحيد ، وتعينت الكلمات تدل على المحرمات و تدل على كل الفرائض والسنن وأدرك الجميع معانيها ومفاهيمها ، وتواتر ذلك عملياً ولفظياً في الأمة ، وعرفته الأمة الإسلامية ، ودوّنت ذلك كلّ كتب اللغة ، وآمن بتلك المعاني والمفاهيم لتلك الكلمات والعبارت كل المسلمين ، فكل من كلمات " إله " و " رب و " عبادة " و " عبودية " و " دين " ، و " حرام " و " حلال " و " صلاة " و "زكاة " و جنة " و " نار " و " صراط و " شرك " و " فاحشة " و " زنا " و " لواط " يؤدي معنى

ص: 230

خاصاً وتفهم منها مفاهيم ومعاني خاصة لا يشك فيها مسلم ، و يتفق حولها علماء اللغة العربية على إختلاف مذاهبهم كما أنّ التوحيد ومعرفة الله والشرك عند الخطابية وكل مسائل الدين من أصوله وفروعه - التي تعبّر عنها هذه الكلمات – كانت معروفة حين نزول القرآن وعرفها كل الذين عاصروا رسول الله - ص - ثم بعد ذلك ظلت محفوظة في محفوظة في الأمة الإسلامية تتوارثها الأجيال عند كل المسلمين في كل زمان ومكان ، ولم تعبث بمعاني تلك الكلمات يد التحريف في عهد موسى وعيسى ورسول الله – ص فإذا أطلقت كلمة " إله " انتقل الذهن إلى معنى خاص محدد يعرفه الجميع و إذا أطلقت كلمة " الصلاة " انتقل الذهن إلى الصلاة المعروفة عند جميع المسلمين من ركوع وسجود .

لقد أدرك " بُولس " بعد عيسى بن مريم وأدرك خليفة " بولس " في الإمة الإسلامية وهو " أبو الخطاب " بمكرهما ، أنّ هذه الصلة القائمة بين الكلمات ومعانيها ومفاهيمها المعروفة والمتواترة ، أساس يقوم عليه التوحيد ومعرفة اللة والشرك عند الخطابية وكلّ أصول الدين وفروعه ، وعرفا بأن الهيكل الفكري للتوحيد ومعرفة الله والأساس العلمي لكلّ الشريعة أنّما يقوم على أساس الصلة بين الكلمات المصطلحات القرآنية ومعانيها المدونة في كتب اللغة ، وإذا انقطعت هذه اصلة بين الكلمات ومعانيها ومفاهيمها المعروفة بين الناس ، وأصبحت تلك الكلمات التي تتحث عن التوحيد وعن معرفة الله لاتدل على معنى خاص ومفهوم معين ، أصبح التوحيد ومعرفة الله في مهب الريح ، وصار التوحيد فريسة لكل دعاة الشرك وتأليه غير الله ، وساغ لكلّ واحدٍ أن يدعي الألوهية والربوبية والنبوة والرسالة

وهذا هو عين ما صنعه " بولس " النصارى و " بولس " المسلمين ، حيث أنّ أبا الخطاب هو النسخة الإسلامية من " بولس " النصارى .. والفرق بينهما هو أنّ " بُولس " فصل بين الكلمات ومعانيها ؛ لأجل تأليه عيسى بن مريم ونسخ وتعطيل شريعة موسى – ع – تماماً أما أبو الخطاب ففصل بين الكلمات ومعانيها ؛ لأجل تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونسخ وتعطيل الشريعة الإسلامية

ص: 231

إنّ هذين الخائنين - بولس و أبو الخطاب - مهدا لسقوط التوحيد ومعرفة الله وسقوط كلّ الشرائع التي بعث الله جل ثناؤه - الأنبياء والرسل لأجلها بإسقاط المعاني المعروفة

والمتعارف عليها لكلمات وعبارات الرسل والأنبياء .

لقد خدع " بولس " النصارى و خدع " أبو الخطاب " بعض المسلمين بأنّ كلمات الأنبياء والرسل غامضة وغير بيّنة و واضحة ، ولكن اللة - جلّ ثناؤه – فضح " " و " أبا الخطاب بقوله : " حم . والكتاب المبين " - الزخرف : 2/1 طسم . تلك آيات الكتاب المبين - الشعراء : 2/1 - .. " وإنّه لتنزيلُ ربّ العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين " - الشعراء : 192/ 195 - .. .

ولا نستعرض كل الآيات القرآنية التي وصف الله - جل ثناءه - كتابه بالإبانة والوضوح

وعدم الغموض ، وأنّ آياته صالحة للإبانة والتفهيم سائغة للتدبّر ، وأن الله - جل ثناؤه -

جعل آيات وكلمات كتابه مفصحة عن مفاهيمها ومدلولاتها ومعانيها في صراحة و وضوح تامین

ولا شك أن آيات وكلمات التوحيد ومعرفة الله وآيات وكلمات الشرك ستكون أكثر وضوحاً وإبانة وسهولة ؛ لأنّ أساس الدين هو الدعوة إلى التوحيد ومعرفة الله والتحذير من الشرك

ومن المكابرة الكاذبة والجحود والكفر بالقرآن الكريم الخروج عن معاني كلماته الواضحة والبيّنة ، والإبتعاد عن مفاهيمه الأصلية كما صنع " بُولس " مع رسالة موسى وعيسى وكما صنع " أبو الخطاب " مع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي لا تخالف كتاب الله ومع كلام العترة الطاهرة غير المخالف لكتاب الله

ونحن على يقين أنّ " بُولس " و " وأبا الخطاب كانا حاقدان على كلمات موسى وعيسى ع - و رسول الله - ص - و كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّهما سلخا كلماتهم عن مفاهيمها ومعانيها ثم غرسا بدلاً منها معاني ومفاهيم ناسفة وناسخة لمعانيها الأصلية ، وهذا الأمر جعل " بولس يجرأ على قوله بأنّ عيسى يرى أنّ نفسه ذات طبيعة ألهية وجعل " أبو الخطاب " يجرأ على قوله بأنّ رسول الله - ص - وآله يرون بأن نفوسهم فيها طبيعة ألهية

ص: 232

وقد نجح " بولس " بعد أن رفع الله - جل ثناؤه – عيسى – ع – إليه في أن يخدع النصارى بأنّ حقيقة التوحيد ومعرفة الله لم يتم بيانها في عهد عيسى ، وبعد مدة قصيرة بيّن لهم بأنّ معنى التوحيد ومعرفة الله تكمن في الثليث وألوهية عيسى بن مريم و إبطال ونسخ وإسقاط شريعة موسى وعيسى .

والواقع أنّ " أبا الخطاب " صار على خطى " بولس " فقال : بأنّ حقيقة التوحيد و معرفة الله من الحقائق القرآنية التي ضلّت خافية على الناس في حياة رسول الله – ص – وبقيت غامضة إلى مدة طويلة إلى أن أذن الله بولادة أبي الخطاب " المسلمين " فبين للناس بأن معنى التوحيد ومعرفة الله هو القول بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونسخ وإبطال الشريعة الإسلامية

وهناك أمر آخر مهم : إن أبا الخطاب " بُولس " المسلمين " يرى أنّ كلّ المسلمين بما فيهم أهل الكساء وكلّ أصحاب رسول الله - ص - قد أخطؤوا في فهم آيات القرآن وأحاديث النبي - ص - في مجال التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّهم لم يفهموا بأنّ آيات وأحاديت التوحيد ومعرفة الله تدلّ على ألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتدلّ على نسخ وإسقاط ونسف كل الشريعة الإسلامية و تدل على إباحة كل المحرمات

ومن هنا يرى " بُولس " المسلمين " " أبا الخطاب " أن مفهوم كلمات " الإله " و " الرب " و العبادة " و الدين " و "الصلاة " لم يعرف أهل الكساء ولا أصحاب رسول الله – ص – معانيها لأنهم فهموها حسب الفهم الشائع بينهم في مدينة رسول الله – ص – ، وطالب أبو الخطاب بأنّ المعاني والمفاهيم الشائعة - بين المسلمين في عهد رسول الله لتلك الكلمات لا يصح الإعتماد عليها ، ولا يصح أن نأخذ معاني كلمات مثل " الألوهية " والربوبية " و " العبودية النبوة " من معانيها الشائعة في المجتمع النبوي في عهد رسول الله – ص وفي عصر نزول القرآن الكريم ؛ لأجل أنّه قد خفي على الناس في عهد نزول القرآن بأن " الإلوهية " و الربوبية " هي من سمات وصفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والذين في عصر نزول القرآن الكريم كان يخيم عليهم حجاب الجهل فحسبوا أنّ " الألوهية " و " الربوبية " من خصائص الذات الإلهية .

ص: 233

ما فعله " أبو الخطاب " كان واضح المعنى ، فقد طوى كل المعاني المعروفة والشائعة حين نزول القرآن الكريم ، وجعل للقرآن الكريم معاني جديدة تنافي معانيه الأصلية ،معاني جديدة تنافي معانيه الأصلية .

والسلفي الذي يحترم دينه وأُمته لا يرى الصواب حكراً على إبراهيم الجبهان في معرفة هذه الحقيقة القرآنية السادسة .

ولا شك أننا إذا أدركنا الحقائق الأربع السابقة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فسوف يكون لدينا اليقين بأنّه لا يمكن أن يكون هنالك مصطلح قرآني عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يتنافى مضمونه ومحتواه مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية .

وكانت المعركة الكبرى بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الخطاب تدور رحاها حول محاولة أبي الخطاب في حصر المصطلحات القرآنية في شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، إذ كان يرى بأن هذة أخطر مؤمرة تهدد المصطلحات القرآنية ، وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يتحدث بأن مؤامرة أبي الخطاب في حصر كلمات القرآن في شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام أخطر مؤامرة تهدد المصطلحات القرآنية ؛ لأنّ سبب وقوع أبي الخطاب في الشرك وتركه لعقيدة التوحيد ، إنما كان بسبب تلاعب أبي الخطاب في المصطلحات القرآنية

من هنا نجد بأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام فى نصيحته لأبى الخطاب بضرورة الإلتزم بمدلول المصطلحات القرآنية ؛ لأنّ سبب الخطأ في فهم المصطلحات القرآنية هو ناتج من عدم التزام أبي الخطاب بمدلول ومعاني المصطلحات القرآنية وناتج عن حصر أبي الخطاب للمصطلحات القرآنية في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، و قد أفادتني كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول تلاعب أبي الخطاب في المصطلحات القرآنية ؛ لأن مشكلة بولس هي الخطأ في فهم مصطلحات التوراة والإنجيل عن التوحيد ومعرفة الله يعني مشكلة بولس هي نفس مشكلة أبي الخطاب لو نظرنا إلى مخالفة بولس للضوابط في تفسير مصطلحات التوراة والإنجيل عن التوحيد هي سبب إنتقال النصارى من التوحيد إلى التثليث وهكذا سبب ضلال أبي الخطاب مخالفته المداليل ومعاني المصطلحات القرآنية.

وفي الحقيقة بأنني اهتميت بكلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول أبي الخطاب على كثرتها وعلى طولها نقلناها لأهميتها في بيان كيفية تحريف بولس لحقيقة التوحيد وهذا التحريف هو يدخل

ص: 234

تحت عنوان الخطأ في فهم مصطلحات التوراة والإنجيل - عن التوحيد ومعرفة الله – ونجد أن كل الفرق التي انحرفت تقع في مشكلة الخطأ في فهم المصطلحات القرآنية .

أمّا خطأ بولس فى فهم مصطلحات التوراة والإنجيل فهو ناتج من مشكلة الخلط لديه

بين الثقافة الغنوصية الباطنية الوثنية وبين معانى تلك المصطلحات ، وهذه نفس مشكلة أبي الخطاب مع معاني المصطلحات القرآنية حيث كان يحمل ثقافة غنوصية باطنية وثنية ، وهذا التحريف لمصطلح التوحيد - عند أبي الخطاب - هو تحريف أساء إلى مصطلح التوحيد في القرآن ، وجعل هذا التحريف لمصطلح التوحيد أصحابه وجماعته الخطابية تقع في الشرك بالله والقول بتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، و مصطلح التوحيد هي مصطلح لا يمكن تفسيره من خلال فكر باطني غنوصي وثني، بل لابد من فهمه من خلال قواعد اللغة وضوابطها ، وإلا سيتم التلاعب بالتوحيد إذا اخرجناه من ضوابط اللغة إلى دهاليز الفكر الباطني الغنوصي الوهمي ، فلا يجوز العبث بهذه المصطلحات القرآنية والتجني عليها، وإخضاعها للتفسير الجديد للمصطلحات القرآنية حسب منهج أبي الخطاب في تفسيرها ، والتفسير الجديد لأبي الخطاب للمصطلحات القرآنية هو تفسير لها بالشيء الذي لا ثقة به ولا قرار له ، وما صنعه أبو الخطاب في المصطلحات القرآنية ، صنعه " بولس " في مصطلحات التوراة والإنجيل ، حين قام بتحريف حقائق تلك المصطلحات القرآنية و خالف مقاصدها عند الله – جل ثناؤه - وعند موسى وعيسى ، وكانت طريقة بولس في التلاعب بمصطلحات التوراة والإنجيل تقوم على أساس تعطيل قواعد اللغة من خلال التفسير الباطني الغنوسي لمصطلح التوحيد ، وبالتالي فمسلك بولس هو نفس المسلك هو عين المسلك الذي نهجه أبو الخطاب في تعامله المصطلحات القرآنية حيث أخرجها عن حقائقها ومقاصدها ومعانيها الأصلية ، فأبو الخطاب فسرّ مصطلح التوحيد ومصطلح النبوة ومصطلح القيامة ومصطلح الإمامة القرآنية تفسيراً باطنياً ثم بعد ذلك قام أبو الخطاب في خطوة ثانية، ففر المصطلحات القرآنية التي وجدها في تراث الإمام جعفر الصادق علیه السلام والشرائع الإسلامية وأحكام الحلال والحرام التي سمعها من الإمام جعفر الصادق علیه السلام بما يريد حسب هواه وتفنن في تفسيرها ، وأتى بأفكار لم نجدها إلا عند بولس الباطني الغنوصي ، وحقق بذلك غرضه من إزالة الثقة بهذه الكلمات المتواترة التي هي أسوار الشريعة الإسلامية وحصونها، وشعائرها، ونشر

ص: 235

الفوضى في المجتمع الإسلامي الكوفي ، وقامت معركة كبيرة بينه وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام من جهة وبين أصحاب أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب من جهةٍ أخرى ؛ لأنّ الإمام جعفر وأصحابه كانوا يرون بأنّ الأخذ بمنهج أبي الخطاب وأصحابه في تفسير الكلمات القرآنية سوف يفقد المصطلحات القرآنية معانيها المعروفة فى اللغة وإذا فقدت كلمات القرآن معانيها سوف يضيع القرآن الكريم ؛ لأنّ بُولس أنّما أضاع التوراة بنفس الطريقة التي اتبعها أبو الخطاب ؛ لأجل ذلك أنا دائماً أرى أنّ المعركة بين أهل التوحيد من ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هي معركة حقيقية ، وليست معركة وهمية كما كان يتصور إبرهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام

إن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانوا يرون كيف يفسر أهل الشرك من أبي الخطاب وأصحابه المصطلحات القرآنية حول التوحيد ومعرفة الله وحول النبوة والإمامة ، وحل معرف يوم القيامة والشريعة بطريقة تفرّغها من معانيها التي أرادها الله بحيث تصبح المصطلحات القرآنية غير مفهومة إلا عند أبي الخطاب وأصحابه ، وبعد ذلك يستطيع أبو الخطاب وأصحابه تأسيس دين جديد لا علاقة له بالتوحيد ولا بمعرفة الله وبالفعل لما بحثنا عن تلامذة تلاميذ أبي الخطاب وجدناهم خرجوا بنحلة جديدة منبثقة من أفكار أبي الخطاب وهى نحلة القرامطة بل صارت أفكار أبي الخطاب وأصحابه هي المنبع لكل داع إلى نحلة جديدة، ورأي شاذ، وقول طريف، فقد أصبحت قلعة الإسلام مفتوحة لكل مهاجم ولكل منافق وزالت الثقة بالقرآن والحديث واللغة العربية، وجاز لكل قائل أن يقول ما شاء ويدعو إلى ما شاء، وهذه فتنة لا تساويها فتنة، وخطر لا يكفئه خطر ؛ لأجل ذلك ندرك لماذا اعتبر الإمام جعفر الصادق علیه السلام أخطر من المجوسية ؛ لأنّ المجوسية خطر من خارج الإسلام أمّا الخطابية فهي خطر من داخل الإسلام

ومسلك الخطابية هو نفس مسالك بولس الباطنى النصرانى فالخطابية جعلوا أساس الدين و ركن الدين هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثم أهملوا كل الجوانب الأخري المهمة في الدين الإسلامي و جعلوها هامشية ثانوية بعد ذلك حرّفوا كل المصطلحات القرآنية و مقاصدها حتى تتوافق هذه المصطلحات القرآنية مع تلك القضية الكبرى التي جعلوها ركن الدين و أساسه و فسترو مصطلح الإمامة القرآنية - الذي يعد من أعظم المصطلحات القرآنية - تفسيراً على الطريقة

ص: 236

الجنونية الخطابية التي لا تراعي الضوابط والموازين في تفسير المصطلحات القرآنية بمعنى أنّهم فسروا الإمامة تفسيراً غريباً عن معانيها في القرآن الكريم .

وفي حقيقة الأمر أنّه و منذ زمن أبي الخطاب صار للإمامة معنى نفس معنى التوحيد

ومعرفة الله ، فالتوحيد هو معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومعرفة الله هي معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، و وقع الخطابيون في خطأ جسيم في تعريف ذلك المصطلح القرآني الخطير وهو مصطلح الإمامة القرآنية – كما قلنا - ، وطريقة أبي الخطاب في معالجة مصطلح الإمامة القرآنية تشابه طريقة بولس في معالجة مصطلحات التي التوراة والإنجيل ، لأجل ذلك كان الأمام جعفر الصادق علیه السلام يشبّه الخطابية بالنصرانية .

وبعد ؛ فهذه الحقائق الست أشرنا إليها إشارة مختصرة في هذا العرض السريع لمنهج تفهيم معاهدنا العلمية السلفية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وقبل أن نختم هذا العرض نذكر تنبيهاً ضرورياً في نهاية هذه المرحلة وهو: لقد كان من ضروريات هذا المنهج أن ندرس الحقيقة القرآنية الثامنة حقيقة الإمامة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فى هذه المرحلة مرحلة المعرفة التحليلة لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأن تدرس في المرتبة الرابعة بعد الحقيقة القرآنية الأُولى [ حقيقة التوحيد ومعرفة الله ] ، وبعد الحقيقة القرآنية الثانية [ حقيقة النبوة ] ، وبعد الحقيقة القرآنية الثالثة [ حقيقة يوم القيامة ] ، لكننا نعلم أن معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء لا يمكن أن تستوعب حقيقة الإمامة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلا في مرتبة متأخرة، ومن هنا آثرنا أن نذكر الإمامة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكذلك جعلنا الإمامة القرآنية في هذا الموقع المتأخّر ؛ لأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرَّحَ في عشرات الروايات المتواترة عنه بأنَّ الإمامة القرآنية ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيَّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ من ينكر ويرفض إمامة الأئمة الاثني عشر يبقى في دائرة الإسلام الوسيعة

والآن نكون قد اتممنا الباب الثاني من هذا الكتاب، و حان الوقت للاستعراض السريع للمرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل دراسة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب

ص: 237

الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وقد خصصنا لهذه الرمحلة الثالثة الباب الثالث من هذا الكتاب

ص: 238

الباب الثالث : المعرفة الجذرية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولأصحاب أبى الخطاب

اشارة

تمهيد المرحلة الثالثة : مرحلة المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وفي هذه المرحلة نتناول أربع حقائق هامة وهي:

الحقيقة السابعة : حقيقة منابع مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومنابع مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 239

والحقيقة القرآنية الثامنة : حقيقة الإمامة القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

والحقيقة التاسعة : حقيقة الفرق بين بين هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهوية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب .

والحقيقة العاشرة : حقيقة الفرق بين نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونشأة مذهب أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب.

ومن أجل البيان الواضح لطالب العلم في معاهدنا السلفية نقول بأن مرحلة المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب : سوف نسأل - هنا - أترانا نجد فرقاً بين مرحلة المعرفة الانتسابية ومرحلة المعرفة الجذرية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولأصحاب أبي الخطاب ؟

الجواب : إن الأمر الذي استيقنت منه وجود فرق جوهري بين مرحلة المعرفة الانتسابية ومرحلة المعرفة الجذرية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولأصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ الناس يعرفون بأن مرحلة المعرفة الانتسابية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولأصحاب أبي الخطّاب تعني ما نُسب إلى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - مثل قولهم بأنَّهم يرون ألوهية وربوبية جعفر الصادق علیه السلام - من مقولات وثنية يتصف بها أصحاب أبي الخطّاب ، أما مرحلة المعرفة الجذرية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولأصحاب أبى الخطّاب فهي تتحدث عن البذور الأوالى والجذور الأساسية التي ولدت وتكونت فيها تلك المقولات الوثنية التي آمن بها أصحاب أبي الخطاب ، هل محل ولادة فكرة تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي الوثنية النصرانية أو الوثنية المجوسية ، يعني هل أخذ أبو الخطاب مقولة تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المجوس أو أخذها من النصارى ، فالمعرفة الجذرية لا علاقة لها بالكذب والإفتراء على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بل هي تبحث عن تاريخ تكوين أفكار أصحاب أبي الخطاب ، وعن منابع تلك الأفكار الخطابية

والأمر المهم الذي يجب مراعاته والالتزام به حينما نريد طرح حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم على زملائنا من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض و صنعاء، حتى لا يتعرضوا للانزلاق والخطأ ، وحتى لا يرتكبوا جريمة التشويه فى حق حقائق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائصهم ، وحتى نقنعهم بضرورة التقريب بين الجعفرية والسلفية؛ هو أن ندرس هذه المرحلة بعد ادراك المرحلة الأولى والمرحلة الثانية وسبق أن ذكرنا هدف المرحلتين

ص: 240

السابقتين، أما ا لهدف الرئيسي لهذه المرحلة فيتبلور في معرفة جذور ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ولعله مما يحتم الالتزام بهذا المنهج الذي وضعناه لغرض تصحيح منهج معاهدنا العلمية السلفية في دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولغرض التقريب بين الجعفرية والسلفية - أن ندرك حقيقة هامة، وهي : إننا وجدنا أنّ الطابع العام فيما كتبه الذين ينهجون منهج معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء ؛ نجدهم لا يفصلون بين جذور ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين جذور ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وعدم الفصل بين جذور الثقافتين يرجع إلى أنهم يقفزون إلى المرحلة الثالثة قبل أن يدرس المرحلة الثانية، مع أنّه لا خلاف بين العلماء المحققين أنّ المعرفة الجذرية تنبثق انبثاقاً ذاتياً من المعرفة التحليلية؛ فالمعرفة الجذرية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي فرع عن التحليل الكامل للحقائق والخصائص المرتبطة بأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام المرحلة الثانية في هذا المنهج الجديد في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي دراسة قضية أصحاب أبي الخطاب

وكل دراسة عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أصحاب أبي الخطاب لا تقوم على أساس هذا الترتيب العلمي بين المرحلتين تعتبر دراسة فاشلة وسوف توقع الباحث في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، لا يمكن أن يرتضيها العقل السليم ولا الشرع الحكيم.

إن مشكلتنا في المعاهد العلمية السلفية أنّنا نبحث عن حقيقة نشأة الثقافة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، مع أن هذه الحقيقة من صميم المعرفة الجذرية لقضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا علاقة لها بالمعرفة التحليلية المرتبطة بالحقائق الخمس لدراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولو قاموا بدراسة تحليلية لحقيقة التوحيد ومعرفة الله لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولحقيقة النبوة لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولحقيقة يوم القيامة وحقيقة الشرائع والأحكام لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وحقيقة الأهداف لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة معنى المصطلحات القرآنية الرئيسية لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لما أمكن لهم أن يخلطوا بين نشأة الثقافة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونشأة الثقافة لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، فما دامت تلك الحقائق الست السابقة - عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - مستلهمة من القرآن الكريم والسنّة

ص: 241

الشريفة التي لا تخالف كتاب الله ؛ فلا بد أن تكون جذور ثقافتهم - منابعهم وهويتهم ونشأتهم إسلامية، وإلا سنقع في مشكلة التناقض.

وفي هذه المرحلة سوف ندرس ما تبقى من الحقائق العشر التي أشرنا إليها، وهي الحقائق الأربع التي لم نذكرها.

ونحب أن ننبه – هنا إلى أن الحقائق الثلاث حقيقة منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وحقيقة هويتهم ، وحقيقة نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلل هذه النشأة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعرفة الجذرية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أما. حقيقة الإمامة القرآنية في رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وحقيقة الإمامة القرآنية في رؤية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب فقد سبق أن أشرنا إلى أنّها ترتبط بالمعرفة التحليلة لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبالمعرفة التحليلية لأهل الشرك لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

ولعله مما يحتم هذا المنهج أن ندرك بصورة مختصرة وسريعة هذه الحقائق الأربع الهامة ، وسوف نشرع الآن في بينان الحقيقة السابعة وهي حقيقة منابع مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و منابع مذهب أهل الشرك من أصحاب أبى الخطّاب

ص: 242

الحقيقة السابعة : حقيقة منابع مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام

جعفر الصادق علیه السلام و منابع مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

الحقيقة السابعة : حقيقة منابع مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و منابع مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب

ص: 243

لا أريد الإطالة على زملائي في المعاهد العلمية السلفية في نقد الخطأ الجسيم الفكري والنفسي في فهمنا لهذه الحقيقة السابعة الخطيرة ، وأُحبُّ أن انتقد منهج معاهدنا في التعامل الحقيقة الهامة .

إننا في معاهدنا اعتمدنا على منهج يجعل قيمة للظن حين حكمنا بأنّ منابع ثقافة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ترجع إلى نبع مجوسي فارسي أو إلى نبع نصراني أو إلى نبع جاهلي وثني ؛ وهذا الأمر يجعلنا على غرار المشركين الذين جعلوا الظن من شعائرهم ، في حين أهل التوحيد ومعرفة الله هو منهج قرآني يعتمد على الآيات القرآنية الخالدة التي تتلى علينا ، جهاراً نهاراً ، لتُبصرنا المنهج الصحيح لأهل التوحيد ومعرفة الله الذي لا يمكن أن ينسجم أبداً مع منهج مع منهج أهل الشرك وعبدة الأصنام الوثنية والبشرية

والآيات القرآنية بيّنت أن منهج أهل الشرك المشركين في الحكم على أهل التوحيد ومعرفة الله يقوم على توجيه التهم إليهم وفقا للظن ، وقد كانت تهم كل المشركن التي اتهموا بها أهل التوحيد من الأنبياء والرسل مبنية على شعار المشركين الذي يقدس الظن ويجعل له قيمة في إصدار حكمه على أهل التوحيد ومعرفة الله ، وكانت شكوى القرآن الكبرى من أهل الشرك هي كيف تحكمون على أهل التوحيد ومعرفة الله من الأنبياء والرسل إعتماداً على الظن لا على العلم واليقين والبرهان ؟! .

كل الدعاة إلى التوحيد ومعرفة الله من إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد أقوامهم من أهل الشرك بتهم قبيحة وشنيعة مبنية على الظن لا على العلم واليقين والبرهان والدليل ، لكنّ الله - جل ثناؤه - ما كان ليذرهم ويتركهم دون التحذير من الظن الذي باعد بينهم وبين أهل التوحيد ومعرفة الله ، فقال لأهل الشرك : " قل : هل من عندكم من علم ، فتخرجوه ؟ ! إن تتبعون إلا الظَّنَّ ، وإن أنتم إلا تَخرُصُونَ !! " - سورة الأنعام

― 148.

إن الله - جل ثناؤه جل ثناؤه - كان يدافع عن أهل التوحيد والمعرفة ويرد على حملات أهل الشرك ضدهم ؛ لأنّه كان يعلم أن هدفهم هو القضاء على التوحيد وأهل التوحيد " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم !! إن استطاعوا " - البقرة : 217 - .

وكان الله - جل ثناؤه - طوال فترة الصراع بين أهل الشرك وبين أهل التوحيد والمعرفة يرى بأنّه كلما جاء داعية إلى التوحيد والمعرفة به - تعالى - بهتوه وفق الظن لا وفق العلم واليقين

ص: 244

فبيّن لهم خطر الظن في إبعاد الإنسان عن التوحيد وأهل التوحيد قائلاً لهم : " وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظَّنَّ ، وإنّ الظَّنّ لا يغني من الحق شيئاً " – سورة النجم : 28 – .

وكل الرسالات السماوية المحلية أو العالمية كانت تواجه من أقوامهم بالتهمة على أساس الظن لا على قاعدة القطع والعلم ، وكانت شكوى الأنبياء والرسل من أهل الشرك هي : " اتقولون على الله ما لا تعلمون " - يونس : 68 -

ورأينا إمام الموحدين وسيد العارفين بالله وخاتم الأنبياء كيف بنى أهل الشرك كلّ أراجافيهم عليه على قاعدة الظن بدون برهان ولا علم ولا يقين ولا دليل ، ورأيتُ أنّ رسول الله اشتكى من الظن وأهل الظن وقال : " أياكم والظنّ ، فأنّ الظن أكذب الحديث " - صحيح البخاري : - 1536 .

فلمّا جاء أمام الدعاة إلى التوحيد ومعرفة الله في عصره " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " وجد أنّ التوحيد ومعرفة الله في خطر عظيم من فتنة قد طمت وعمت وكان الناس نيام عن هذه الفتنة التي تفتك بعقيدة التوحيد ومعرفة الله فدافع الإمام جعفر عن التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنه لا قيمة لهذه الأمة الإسلامية الكبيرة من دون التوحيد ، ولكنه كان محاصراً من طاغية عصره ، ولم يلبث أهل الشرك من أبي الخطاب والخطابية - ومعهم فريق من جواسيس الطاغية مع لفيف من النواصب – غير قليل حتى رموا بسهامهم صوب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بتهم شنيعة لا تقل عن التهم وجهها أهل الشرك إلى أهل التوحيد ، والتي ذكره الله جل ثناؤه – في كتابه ، فأصبح الناس يتهمونه بأنواع التهم ، وبقي أثر التهم إلى أن جاء إبرهيم الجبهان فكال عليه التهم الفضيعة في كتاب كان يوزع على معاهدنا - نهاراً وجهراً - فنشأت في ذلك المعهد وأنا أرى أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان زعيم أهل الشرك في عصره، ولم نكن نميّز بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب

فلمّا شعر الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّ التهم التي تحام حوله قائمة على الظن لا على علم ولا قطع ولا يقين ، كان يشكوا من الظن وأهل الظن في كلماته وفي رسائله .. وكان يقول : " من شك أو ظنّ فأقام على أحدهما - أي اعتمد على الشك أو اعتمد على الظن – ، فقد حبط عمله ، أنّ حجة الله هي الحجة الواضحة " - وسائل الشيعة : 27/40 -

والمرء يعجب من كثرة كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن التوحيد ومعرفة الله ، ولكن العجب يزول حين يرى معركة الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع أخطر داعية للشرك في تأريخ الإسلام كله

ص: 245

وتأملت في تاريخ الصراع الطويل بين أهل التوحيد وبين أهل الشرك في كتاب الله ، ثم تأملت في تاريخ الصراع بين أهل الشرك وبين أهل التوحيد في تاريخ هذه الأمة الإسلامية ، وتأكدت أن أكبر معركة بين أهل الشرك وبين أهل التوحيد في كلّ تاريخ هذه الأمة الإسلامية كانت المعركة الكبرى بين إمام التوحيد ومعرفة الله في عصره - الإمام جعفر الصادق علیه السلام – وبين إمام الشرك والمشركين في عصره " أبو الخطاب " ثم استمرت المعركة الكبرى بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بيد أنني لم أدرك تلك المعركة الكبرى إلا بدراسة علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الإمام الصادق علیه السلام ، فهو الوثيقة الوحيدة التي رسمت معالم تلك المعركة الكبرى

ومن هنا نصيحتي للأخوني وزملائي في المعاهد السلفية بأننا بحاجة ماسة إلى دراسة علم الرجال عند الجعفرية ، حتى نغيّر من عقيدتنا في الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي أصحابه وفي مذهبيه وفي تراثه ، وحتى نميز بين عقيدة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين عقيدة أبي الخطاب ومن أجل أن نعرف بأن شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم تكن مثل شخصية أبي الخطاب ، وحتى ندرك بأن منابع أفكار الإمام جعفر الصادق علیه السلام غير منابع أفكار أبي الخطاب

من حكمة الله – تعالى - لأجل أن يقيم على معاهدنا الحجة أنك تجد علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كله يدور حول الفصل بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب مشكلة الخلط لدى معاهدنا السلفية بين مقام علم الرجال عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مقام علم الرجال لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ولما كانت الحقيقة السابعة : هي حقيقة منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و منابع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من أهم الحقائق التي جعلتنا في معاهدنا العلمية السلفية السلفية لا نميز بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ، فكان العلاج الناجع الذي استنقذني من مشكلة الخلط لديّ بين منابع ثقافة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين ثقافة أصحاب أبي الخطاب ، يتمثل بدراستي لعلم الرجال عند الجعفرية ، إذ حينما تعمقت في دراسة علم الرجال عند الجعفرية تبيّن لي بالدليل والبرهان وجود فرق هائل بین منابع ثقافة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين ثقافة أصحاب أبى الخطاب

ص: 246

ويتطلَّبَ من زملائي في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء تجديد النظر إلى علم الرجال لدى الجعفرية ؛ لأنّنا نحمل هذه الصورة النمطية التقليدية عن علم الرجال لدي الجعفرية التي غرسها في نفوسنا شيخ الإسلام ابن تيمية - رضوان الله عليه – حين قال في سیاق ردّ على علامة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في عصر ابن تيمية - : " والرافضة لا خبرة لها بالأسانيد والتمييز بالأسانيد والتمييز بين الثقات وغيرهم ، بل هم في ذلك من أشباه أهل الكتاب كل ما يجدونه منقولاً عن أسلافهم قبلوه ، بخلاف أهل السنة فإنّ لهم من الخبرة بالأسانيد ما يميزون به بين الصدق والكذب " - منهاج السنة النبوية / 5 : 163 / 163 -

وهذه الحقيقة تعد الحقيقة الأولى فى المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

لقد كنا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض و في صنعاء بسبب مشكلة الخلط عندنا بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - : لا نميز بين منابع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب التي ترجع إلى الفكر الجاهلي والمجوسي وبين منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي انبثقت من القرآن الكريم ومن السنة الشريفة التي لا تخالف كتاب الله .

وكان الطابع العام لمنهج معاهدنا العلمية السلفية في دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّنا نتصوّر بأن الأحكام الجاهلية والمعالم المجوسية الموجودة في منابع أئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب هي نفس الأحكام الموجودة في منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل التحليل الكامل لمفاهيم ومحتويات ما نقل عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقبل مطالعة كتبهم وتراثهم المدوّن من قبلهم، ولو درس مشايخ المعاهد العلمية السلفية الحقائق الست السابقة لعلموا أنّه ما دامت عقيدة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مستلهمة من القرآن الكريم والسنة الشريفة التي لا تخالف كتاب الله ، وما دامت الشرائع والأحكام عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مستقاة منهما، وما دام أن أهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مستخرجة من الكتاب والسنّة، وما دامت كل المصطلحات القرآنية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تتفق في مضامينها مع القرآن والسنة التي لا تخالف كتاب اللة .

ص: 247

أقول إذا عرفوا كل هذا فليس من المعقول - بعد كل ذلك - أن يقولوا بأنّ منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تتفق مع منابع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

إن مشكلة مشايخ معاهدنا هي عدم التمييز بين منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين ومنابع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ولو قالوا بأنّ منابع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مستمدة من نبع مجوسي لكانوا مصيبين في ذلك ، لكن نأسف حين نجد أنّ إبراهيم جبهان يصرح بأنّ منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مستمدة من نبع مجوسي .

وهذا الخلط عندنا في معاهدنا العلمية السلفية بين منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين ومنابع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إنّما جاء كنتيجة حتمية لإصابتنا بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب ، وجاء كنتيجة حتمية لتقليدنا لأبراهيم الجبهان .

ومن ثَمّ لا بدّ لهم من مراجعة المرحلة الأولى لمعرفة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل البحث عن منابع ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ فمن الخطأ أن نعالج مشكلة الخلط عند معاهدنا العلمية السلفية بين منابع ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومنابع ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب قبل معالجة المشكلة الأساسية عندهم المتمثلة بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ولا يمكن أن يدرك حقيقة منابع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من لم يدرك الحقائق الخمس السابقة.

وفي هذه الحقيقة سوف نتحدّث بصورة مفصلة عن الفرق الجوهري بين مقام القرآن ومقام السنّة التي لا تخالف كتاب الله في مرويات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مقام القرآن والسنّة لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بعد أن تبين لنا أنّ تلك الحقائق الخمس السابقة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مستقاة من القرآن والسنّة التي لا تخالف كتاب الله .

وحان الوقت أن نتحدّث هن مشكلة الخلط لدى معاهدنا السلفية بين مقام القرآن ومقام السنة النبوية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مقام القرآن

ص: 248

الكريم ومقام السنة النبوية لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب ، فالخطأ الجسيم الذي وقعنا فيه في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء أننا لم ندرك بأنّ المجوسية والوثنية والباطنية الغنوصية والنصرانية هي المنابع التي يستمد منها أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ؛ لأننا لما راجعنا مضامين ومحتويات أفكار أصحاب أبي الخطاب ، وجدنا أنّ محتويات أفكارهم ،مستخرجة من الفكر المجوسي ومن الفكر الباطني الغنوصي ومن الفكر النصراني الوثني بمعنى أن منابع أصحاب أبي الخطاب ترجع إلى الفكر المجوسي والنصرني ، وفي المقابل وجدنا أنّ منابع أفكار أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مستخرجة من الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله

ونحن الآن سوف نشرع بدراسة الحقيقة الثامنة حقيقة الإمامة القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بعد أن درسنا الحقيقة السابعة .

ص: 249

الحقيقة الثامنة : حقيقة الإمامة القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 250

الحقيقة الثامنة : حقيقة الإمامة القرآنية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب :

وهذه الحقيقة القرآنية تعدّ الحقيقة الثانية في مرحلة المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب. وفى حقيقة الأمر أنّه و منذ زمن أبي الخطاب صار للإمامة معنى نفس معنى التوحيد ومعرفة الله ، وكنت عندما اتحدث مع الخطابية عن التوحيد ومعرفة الله يحدثوني بأن التوحيد هو معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده ، ومعرفة الله تعني معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده ، و وقع الخطابيون في خطأ جسيم في تعريف ذلك المصطلح القرآني الخطير وهو مصطلح الإمامة القرآنية كما قلنا وطريقة أبي الخطاب في معالجة مصطلح الإمامة القرآنية تشابه طريقة بولس في معالجة مصطلحات التي التوراة والإنجيل ، لأجل ذلك كان الأمام جعفر الصادق علیه السلام يشبه الخطابية بالنصرانية ؛ لأنّ من التوحيد عند النصارى هو نفس معنى التثليث وتأليه عيسى ، ومعرفة الله عند النصارى تعني معرفة عيسى بن مريم، وتأليه عيسى عند النصارى هو التوحيد الحقيقي ، وكذلك تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام عند الخطابية هو التأليه الحقيقي

وهنالك ظاهرة لابد من ذكرها وهي ظاهرة كثرة المنتقلين في عصرنا من مذهب أبي الخطاب إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والواقع أنّني من خلال مجالستي لهؤلاء الخطابية الذين انتقلوا إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، يرجع إلى مفهوم الإمامة في مذهب أبي الخطاب ؛ لأنّ الإمامة عند أبي الخطاب فقدت البعد الاجتماعي والسياسي ، وتم الفصل بين الإمامة والدولة والحكم كالنصرانية تماماً ، وأخذ مشايخ الخطّابية في عصرنا بمبدأ دع ما الله الله وما لقيصر لقيصر ، وحصر الخطّابية الإمامة في البعد الشخصي فقط ؛ لأجل ذلك نجد أن الغرب يدعم الخطّابية ، ويصرح الغربيون بأنّه يعجبهم في الخطّابية أنّها تؤمن بعقيدة النصارى في وجوب فصل الدين على الدولة ، ويشتركون معنا في محاربة كل الحركات الإسلامية التي تؤمن بأنّ الإمامة من مهامها في هذا العصر ، وفي كل عصر إقامة الدولة القرآنية تحت قيادة الإمام المسلم العادل ، وفي المقابل تجد في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مفهوم الإمامة لا يعني فصل الدين عن الدولة ، بل الحكم والدولة جزء مهم من مهام الإمام ، ولا تنحصر إقامة الدولة بوجود الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا بوجود الأئمة الاثني عشر ، بل تأسيس الدولة القرآنية في كل عصر وفي كلّ مصر هو أمر مطلوب أكّد عليه القرآن الكريم ، والسنة النبوية

ص: 251

، وأكّد عليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكلّ الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، ولا يمكن الفصل بين الدولة والإمامة في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وهنالك تنبيه لا بد من ذكره وهو أنّ حقيقة الإمامة القرآنية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة الإمامة القرآنية عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - الحقيقة الثامنة - وضعت في موضع متأخر في الشكل الهرمي لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب الخطاب وكان مكانها في القسم الثاني من الطبقة الثالثة، ولا شك أنها في هذا الموضع والموقع متأخرة - كثيراً - عن الرتبة والدرجة التي تناسب أهميتها وخطورتها، ولا شك أنّها في هذا الموضع والموقع من الهرم جاءت متأخرة - كثيراً - عن الرتبة والدرجة التي تناسب أهميتها وخطورتها ، وقد جعلناها في نهاية هرم مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب الخطاب ؛ لأننا أدركنا - من خلال انتقالنا من الدراسة في المعاهد العلمية السلفية إلى الدراسة في حوزة قم العلمية الجعفرية وجعلناها في نهاية الهرم ؛ لأن قضية التمييز بين مفهوم الإمامة عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مفهوم الإمامة عند أصحاب أبي الخطاب هي من اصعب واعقد الأمور التي أدركتها بعد أن تركت السلفية ودخلت في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ ولأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرَّحَ في عشرات الروايات المتواترة عنه بأنَّ الإمامة القرآنية ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيَّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ من ينكر ويرفض إمامة الأئمة الاثني عشر يبقى في دائرة الإسلام الوسيعة

وهكذا؛ وضعت حقيقة الفرق بين مفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مفهوم الإمامة عند أصحاب أبي الخطاب في آخر هرم مشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب الخطاب ؛ لأنني رسمت هذا المنهج من أجل أن يدركه زملائي من مشايخ معاهدنا العلمية في الرياض وصنعاء.

ومن خلال تجربتي السابقة فإنّني لم استوعب وأدرك حقيقة الفرق بين مفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مفهوم الإمامة القرآنية عند أصحاب أبي الخطاب إلّا بعد أن بدأت أدرك الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أصحاب أبي الخطاب ، وحين أدركت الفرق بين مفهوم التوحيد والنبوة عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مفهوم التوحيد والنبوة عند أصحاب أبي الخطاب ، وفي الحقيقة بأنّني لم استطع تجاوز مشكلة الخلط بين الإمامة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الإمامة عند

ص: 252

-

أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلّا بعد أن قرأت في البداية علم الرجال في المرحلة الأولى ، لا سيّما بعد أن استوعبت الكتب الرجالية والكلامية والأصولية والفقهية والحديثية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام أحمد بن علي النجاشي ، وبعد أن استطعت تجاوز والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي – رضوان الله عليهما مرحلة المعرفة التحليلية العميقة لمشكلة الخلط وعدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب الخطاب من خلال دراسة الحقائق الأربع المرتبطة بمرحلة المعرفة الأولي - أي مرحلة المعرفة الانتسابية لمشكلة الخلط و عدم التمييز بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب الخطاب ، وبعد أن استطعت الخروج من مشكلة الخلط - عندي – بين المنابع التي اعتمد عليها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين المنابع التي اعتمد عليها أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، أي بعد أن أدركت الحقيقة

السابعة .

وإنما ذكرت ذلك حتى لا يظن زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية أنني قصدت التقليل من شأن قضية الإمامة ، وكذلك جعلنا الإمامة القرآنية في هذا الموقع المتأخّر ؛ لأنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام صرَّحَ في عشرات الروايات المتواترة عنه بأنَّ الإمامة القرآنية ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيَّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنَّ من ينكر ويرفض إمامة الأئمة الاثني عشر يبقى في دائرة الإسلام الوسيعة

إنّ الذي يراجع موضوع إمامة الأئمة الاثني عشر عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ويطلع على أدلتهم القوية من النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة؛ سوف يعلم بأن قضية إمامة الائمة الاثني عشر من آل محمد تعدّ هبة خالصة من الله للبشر في رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعرفوا الإمامة لهؤلاء الاثني عشر من آل محمد عن طريق تدوينهم في كتبهم الخاصة للنص على هؤلاء الاثني عشر من رسول الله عليهم الصلاة والسلام - بشكل مباشر ولم تكن الإمامة من صنع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - كما يحسب غلاة السلفية في معاهدنا ، ولا قالوا بها بسبب الظلم الذي حل على أهل البيت النبوي؛ فقد جاء النص الصحيح – منذ فجر الإسلام - على الإمامة للأئمة الاثني عشر ، بصورة كاملة حاسمة، قبل أن يتعرض البيت النبوي للظلم ونقل النص على هؤلاء الاثني عشر كبار أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كتبهم الخاصة المعروفة والمشهورة .

ص: 253

إنّ من الخطأ أن يقال في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض و صنعاء : إن عقيدة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في النصّ على الأئمة الاثني عشر لم تعرف إلا في القرن الرابع

أجمع المسلمون من أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع الإمام محمد عبد الوهاب أنّ الرسول الكريم قد أوصى لاثني عشر خليفة من بعده، كما ذكر ذلك الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه، والإمام مسلم – رحمه الله في صحيحه وعشرات من كبار محدثي السلفى ىن المعتدلين والجعفريين والكثير من هذه الكتب كانت موجودة قبل القرن الرابع

إنّ الأمر ليس كذلك أبداً، إنّما كانت عقيدة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في النصّ على الأئمة الاثني عشر تنتشر بين الناس تدريجاً، مرحلة بعد مرحلة، وكان حديث الاثني عشر موجوداً في الكتب والمجاميع الحديثية السنية ؛ في صحيح البخاري وغيره ، قبل القرن الرابع وقبل أنّ يستكمل عدد الأئمة، وكان الناس يتقبلون النصّ على إمامتهم بعد أن يقرؤوا الأحاديث الصحيحة الدالة على امامتهم، ويدخلون في الاثني عشرية فوجا بعد فوج، وكان كل إمام من الأئمة الاثني عشر يترك أثراً في ضمير هذه الأمة، ويخلق استعداداً أكبر لقبول عقيدة النص على الأئمة الاثني عشر ، وكان الترقي في هذا الاستعداد ينمو كلما تهيأ للأُمة المزيد من المعرفة، لا سيما أنّ كبار المحدّثين من السلفيين المعتدلين كان لهم دور كبير في التأكيد على إمامة الأئمة الاثني عشر ؛ فقد اثبتوا أحاديث النصّ على الأئمة الاثني عشر في كتبهم التي كتبوها في القرون الثلاثة الأولى .. وكان. لكتب الحديث عند السلفى المعتدلين دور كبير في استعداد الناس لقبول عقيدة النص على الأئمة الاثني عشر، وكان عدد أتباع الأئمة الاثني عشر يزداد، ومجال عقيدة الإيمان بإمامتهم يتسع ، وكانت هنالك - دائما – مهاجمة ومحاربة للنصّ على إمامة الأئمة الاثني عشر من قبل الحكّام المعاصرين للأئمة الاثني عشر؛ خوفاً أن تهدد هذه العقيدة عروشهم وكان خط هذه العقيدة يبرز ويظهر عندما يضعف الحكام، ويأخذ بالهبوط والانحسار عندما تقوى شوكتهم.

وسوف نقدم الأدلة القوية على إمامة الأئمة الاثني عشر عندما استعرضنا هذه الحقيقة في مباحث هذا الكتاب ، لكن الذي يهمنا في هذه الدراسة المختصرة والفكرية أن ننبه على حقيقة هامة وهي : إننا وجدنا أن زملائنا في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء و في الرياض بسبب الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - لم يدركوا دور أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في تعريف الناس بعقيدة النصّ على إمامة الأئمة الاثني عشر من آل محمد، فيطبقون مسألة النصّ على إمامة الأئمة الاثني عشر على أئمة الضلال من سلاطين و ملوك بني أمية،

ص: 254

كما صرّح بذلك الشيخ محب الدين الخطيب في كتبه المعتمدة لدى معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء.

وقد أخطأ منهج معاهدنا العلمية السلفية عند حديثه عن عقيدة النص على إمامة الأئمة الاثني عشر، وغفل عن الدراسة العميقة للحديث الذي أجمع عليه كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا يزال الدين محفوضاً ما وليهم اثنا عشر . . كما أنّهم لم يكلفوا أنفسهم بمراجعة محتويات ومضامين الأدلة القوية من الكتاب والسنّة التي لا تخالف كتاب الله التي يقدمها مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لإثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر ، ثم يقولون - من دون علم - إنّ هذا الحديث يبشِّر بإمامة وخلافة سلاطين وحكّام بني أمية!!

إننا نعتقد أنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قاموا بخدمة حديثين هامين من أحاديث رسول الله:

الحديث الأول : حديث الثقلين.

قال الكاتب السلفي الذائع الصيت الدكتور محمد علي البار - حفظه الله - في كتابه الإمام علي الرضا ورسالته الطبية تحت عنوان : حديث الثقلين:

وقد أخرج مسلم في صحيحه حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فينا خطيباً بماء يدعى خمّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد؛ ألا أيها الناس فإنّما أنا بشرّ يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين : أو لهما كتاب الله فيه ا لهدى والنور؛ فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال : وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ، وحديث الثقلين هذا قد ورد في سنن الترمذي عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أثقل من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض؛ فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، والغريب حقاً أن حديث الثقلين هذا، رغم وروده في صحيح مسلم وفي سنن الترمذي، وحسّنه الحاكم النيسابوري في المستدرك ومسند الإمام أحمد، إلا أنّ معظم المعاصرين من العلماء والخطباء يجهله أو يتجاهله، ويوردون بدلاً عنه حديث إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً : كتاب الله، وسنتي . وهو في موطأ الإمام مالك، وفي

سنده ضعف وانقطاع، وإن كان متنه ومعناه صحيحا وكان من الواجب إيراد الحديثين كلاهما

ص: 255

=

معاً لاهميتهما في الباب، أما كتمان هذا الحديث الشريف الصحيح فهو من كتمان العلم الذي هدّد الله ورسولَهُ فاعله ، وقال العلامة الحافظ محمد ناصر الدين الألباني - رضوان الله عليه -: " حديث العترة وبعض طرقه : يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي.

ثم قال الألباني : الحديث صحيح ، فإن له شاهداً من حديث زيد بن أرقم أخرجه مسلم والطحاوي في مشكل الآثار ، وأحمد - وابن أبي عاصم في السنة، والطبراني من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه، ثُمّ أخرجه أحمد والطبراني والطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال : لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له : أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي؟ قال : نعم واسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح، وله طرق أخرى عند الطبراني - وبعضها عند الحاكم أو ، وصحح هو والذهبي بعضها وشاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي؛ الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض أخرجه أحمد ، وابن أبي عاصم والطبراني والديلمي ، وهو إسناد حسن في الشواهد، وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني والخطيب في الفقيه وابن عباس عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، ثم ذكر الإمام الألباني - رضوان الله عليه – تخريجات كثيرة للحديث وقال : بعد تخريج الحديث بزمن بعيد كتب عليّ أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثُمّ أن أسافر منها إلى الإمارات العربية ..فلقيت في قطر بعض الاساتذة والدكاترة الطيبين، فأهدى إلي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين ذكرتهما له

الأولى : إنّه اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة، ولذلك قصر تقصيراً في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق والأسانيد التى هى بذاتها صحيحة أو حسنة فضلاً عن الشواهد والمتابعات، كما يبدو لكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا.

الثانية : إنّه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء، ولا إلى قاعدتهم التي ذكروها في مصطلح الحديث : إن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق ، فوقع في هذا الخطأ الفادح من تضعيف الحديث الصحيح . وكان قد نمي إليّ قبل الالتقاء به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في الكويت يضعف هذا الحديث، وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك عليَّ إيرادي الحديث في صحيح الجامع الصغير ؛ لأن الدكتور المشار

ص: 256

إليه قد ضعفه، وأن هذا استغرب مني تصحيحه ويرجوا الأخ المشار إليه أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديث، وقد فعلت ذلك احتياطاً، فلعله يجد فيه ما يدل على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه واعتماده عليه، وعدم تنبهه للفرق بين ناشئ في هذا العلم ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيراً من الناس الذين يتبعون كل مَنْ كتب في هذا المجال، وليست له قدم راسخة فيه .والله المستعان " [سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الإمام الالباني]

وإنما ذكرت كلام الإمام الألباني حول حديث الثقلين بتمامه لأنني رأيت أن زملائي في المعاهد العلمية السلفية ما زالوا يطبعون ويوزعون كتاب الدكتور علي أحمد السالوس حول تضعيف حديث الثقلين، وهم يعلمون أنّ هذا الدكتور لا علم له بالحديث ولا برجاله، وهم يعلمون أيضاً - أن الألباني لم يذكر هذا الكلام بطوله إلا للرد على الدكتور علي أحمد السالوس.

وما لم تدرك معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء هذين الحديثين لا يمكن لها أن تفهم حقائق وخصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتدرك الفرق بين رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لهذين الحديثين ، وبين نظرة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لهذين الحديثين ، وقد قرأت كلاماً لأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب حول حديث الاثني عشر وحول حديث الثقلين يدل على زندقتهم ومجوسيتهم وعلى تلاعبهم في ضوابط اللغة العربية ، ونحن لا نتوقع من أهل الشرك والمشركين أن يدركوا معنى حديث الثقلين أو معنى حديث الاثني عشر ، فمن لم يعرف الله - جل ثناؤه - لن يجيد فهم كلام رسول الله

والمرء لا يسعه إلا الحزن لمصائر أصحاب أبي الخطاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي عصرنا الذين أهانوا حديث الثقلين واغتالوا حديث الاثني عشر بسبب فهمهم الباطني الغنوصي لهذين الحديثين ، ومع غياب الله عن مذهب أبي الخطّاب وقولهم بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المستحيل أن يفهموا كلام الله وكلام رسول الله .

ويعجب كُلِّ مسلم يحترم ضوابط اللغة العربية وهو يطالع شرح مذهب أبي الخطاب في عصرنا الحديث الثقلين أو لحديث الاثني عشر ، كيف يلعبون ويمرحون في فهم مفردات اللغة العربية ، ويعرف لماذا أحسّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالخطر المحدق بالأمة الإسلامية من أبي الخطاب ، ويدرك لماذا هب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لمحاربة أصحاب أبي الخطاب ، وما تزال المعركة قائمة بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب إلى اليوم وستبقى إلى يوم القيامة ، لأن المواجهة بين أهل الشرك وبين أهل التوحيد ومعرفة الله ، شرعت بين الشيطان وبين آدم ، فالشرك من الأمراض القديمة الحديثة ، فلابد أن نتساند صفاً واحداً في مواجهة أتباع مذهب أبي الخطاب في عصرنا الذين رأيتهم وجلست

ص: 257

معهم ورأيت قلوبهم مشغوفة بحب أبي الخطاب وملهوثة بمودة أصحاب أبي الخطاب وتجدهم يقبلون الطعن في القرآن الكريم ، ولكن لا يقبلون الطعن في أبي الخطاب ، ويقبلون الطعن في الله ولا يقبلون الطعن في الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ولم يجد أعداء الإسلام أفضل من فرصة للطعن في القرآن الكريم أفضل من الترويج لروايات الخطابية ، فانطلق أعداء الإسلام في عصرنا خفافاً إلى تراث أبي الخطاب وإلى طباعة كتب أصحاب أبى الخطاب يحطمون - من خلال كتب الخطابية حقيقة التوحيد ومعرفة الله ويغتالون حقيقة النبوة ويسخرون من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة التي لا تخالف كتاب الله ، وينسفون حقيقة يوم القيامة من خلال عقيدتهم بتناسخ الأرواح ، ويغالون في الطعن على أصحاب رسول الله ، ومع أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام استمات هو أصحابه في مواجهة أبي الخطاب والخطابية ، وتحملوا التشويه الذي نالهم من أصحاب أبي الخطاب ، ، أننا ما زلنا بحاجة لمواجهة الخطابية الجدد الذين يوزعون كتب أصحاب أبي الخطاب بعد أن طبعت بطباعات فاخرة ، ويتم توزيع كتبهم بصورة مجانية ، وهنالك رغبة من قبل الصهيونية لأحياء تراث الخطابية ؛ لأن كراهية الخطابية لأهل التوحيد ومعرفة الله من المسلمين جعلتهم يقفون في صف واحد مع الصهاينة في عدواة الإسلام والمسلمين ؛ ولأن النصارى يحبّون الخطابية ؛ لأنهم يرون أنّ معنى التوحيد ومعرفة الله عند الخطابية هو نفس معنى التوحيد ومعرفة الله في الكنيسة المسيحية

وإذا كنّا نحب أهل التوحيد ومعرفة الله فلابد لنا أن نفصل بين مفهوم حقيقة الإمامة القرآنية لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مفهوم حقيقة الإمامة القرآنية عند أئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، لكنك حين تطالع أمثال كتاب تبديد الظلام من الكتب التي كانت توزع في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض تجد أن هذه الكتب خلطت بين مقالتين متباينتين؛ المقالة الأولى ترسم صورة وثنية باطنية مجوسية عن الإمامة القرآنية لا علاقة لها بأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذه المقالة الأولى هي من المقالات التي روّج لها أهل الشرك من أبي الخطاب وأصحابه ؛ لأنّهم تأثروا بخرافات وأساطير المشركين والوثنيين والمجوسيين والمسيحيين فالإمامة القرآنية عندهم تعني التوحيد ومعرفة الله وتعني الألوهية والربوبية للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن آمن بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهو عند الخطابية من أهل التوحيد ومن الذين عرفوا الله حق المعرفة ، ومن أنكر ألوهية جعفر الصادق علیه السلام فقد أنكر ألوهية الله ، وكتب في سجل الكفار والمشركين ، فالمشرك عند الخطابية من الموحدين العارفين بالله ، والموحد عند الخطابية من المشركين الذين لا يعرفون الله ولا اسماء الله الحسنى ؛ في حين نجد بأن الإمامة القرآنية عند

ص: 258

أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا علاقة لها بالتوحيد ومعرفة الله ولا بالإلوهية ولا بالربوبية ؛ لأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم يكن إلها ولا رباً بل كان عبداً مطيعاً لله - جلّ ثناؤه - و لكن معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء و الرياض لم تميّز بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الإمامة القرآنية وبين موقف أهل الشرك من من أصحاب أبى الخطاب من الإمامة القرآنية

وإنّ على طالب العلم السلفي أن يدرك بأنّه لا يوجد أدنى خلاف بين حقيقة الإمامة في الكتاب والسنّة التي لا تخالف كتاب الله وحقيقة الإمامة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يمكن التفكيك بين الإمامة لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الإمامة القرآنية ، كما على أخواني السلفيين أن يدركوا قضية جوهرية في الفرق بين تفسير أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين تفسير الإمام لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وهو أن أصحاب أبي الخطاب فسروا الإمامة تفسيراً باطنياً غنوصياً ، في حين تفسير الإمام عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تفسيراً ملتزماً بقواعد وضوابط اللغة العربية .

ولا نريد أن نطيل في الحقيقة القرآنية الثامنة ؛ لأجل ذلك سوف نشرع بدراسة الحقيقة التاسعة حقيقة هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهوية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 259

الحقيقة التاسعة : حقيقة هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهوية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 260

الحقيقة التاسعة : حقيقة هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهوية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب :

ولقد كان أعظم المقربين للإمام علي من أهل اليمن ، وكان منهم من شارك مع الإمام الحسين في كربلاء ، وكان من اليمنيين كبار أهل العلم الذين عرفوا بالتسليم المطلق لما جاء عن أهل البيت ، وعُرف الكثر من أهل اليمن بتضحيتهم لأهل بيت العصمة والطهارة .

إنّ معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء كانت توزع الكتب التي تصف مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالمذهب الفارسي ، وكانت مشاعرنا منذ بداية نشأتنا بأنّ التشيّع هويته فارسية ، وبأن كل من ينتمي لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهو من أصول إيرانية ، ولا يوجد صلة بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين القبائل العربية

رحلتي مع ركب سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .. كان بداية لفهم جديد للفرق بين هوية ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و بين هوية ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ونحن في الطريق نحتاج في طول الطريق إلى محطة الشيخ الوائلي التي استنقذتني بعد أن خرجت من الشيعة الاثني عشرية لفترة قصيرة ثم رجعت من جديد بعد إكتشافي لكتاب هويّة التشيّع فلهذا الشيخ عظيم فضل عليّ عظيم في طول هذه الطريق ؛ لأن مشكلة هوية التشيّع الفارسية ما زالت تستحوذ عليّ بسبب الكتابات التي كانت توزع علينا في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض ، لكن إكتشافي لكتاب " هوية التشيّع " عالج تلك المشكلة وأنار لي الطريق إلى معرفة الهوية الواقعية لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأرشدني الشيخ أحمد الوائلي حفظه الله - إلى مهنجية جديدة في دراسة هوية الشيعة والتشيع

ص: 261

لقد كنا في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء نعتقد بأنّ الشيعة والتشيّع من تأسيس الفرس ، ولا علاقة لأهل البيت في تأسيس التشيّع وكذلك لا علاقة للقبائل العربية في تأسيس التشيع من قريب أو من بعيد ، بل التشيع ولد في إيران وتم تأسيسه من قبل شخصيات إيرانية

حقاً لقد كنت في حيرة من أمري هل مذهب التشيع الاثني عشري من تأسيس الفرس أو من تأسيس أهل البيت ، وهل رجال الشيعة في القرون الثلاثة الأولى من الفرس أو من العرب ، وكنا نقول بأنّ كلّ الشيعة في القرون الثلاثة الأولى كانوا كلّهم من الفرس ، وهكذا كنا نقول أحد يوجد في القرون الثلاثة الأولى من أهل البيت من كان على مذهب التشيع وحينما علم بعض الأصدقاء وبعض الأقرباء بأنّني انتقلت من مذهب الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قالوا لقد دخلت في المذهب الفارسي الإيراني

وأنا كنت أرى بأن معنى أن تكون شيعيا هو أن تكون فارسيا إيرانيا ، ولم يكن يخطر ببالي أبداً أنَّ القبائل العربية في القرون الثلاثة الأولى هي التي ساهمت في تأسيس التشيع وفي تدوین مذهب أهل البيت

وصلت أهل اليمن بتدوين مذهب أهل البيت قديمة بدأت منذ بدأ تدوينه ، وسوف نذكرة صورة مختصرة عن أصحاب الأئمة الاثني عشر من القبائل اليمنية بشكل خاص وسنذكر بعض القبائل العربية الحجازية .

أَوَّلاً : الشخصيات اليمنية من القبائل النخعية من أصحاب الأئمة الاثني عشر من أئمة أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى .. نذكر منهم مالك الأشتر النخعي ، وكميل بن زياد النخعي وهو الذي روى أشهر دعاء في مذهب أهل البيت المعروف بدعاء كميل ، ومنهم إبراهيم بن الأشتر النخعي ، ومنهم بنو دراج أبي الصبيح بن عبد الله ، وكان أعظمهم جميل بن دراج النخعي ، وهو من أصحاب الإجماع الذين أجمع علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على تصحيح الروايات المنقولة من طريقهم ، وروى الرجالي الكبير الإمام الشيخ الكشي عن الفضل بن شاذان قال : دخلت على محمد بن أبي عمير وهو ساجد فأطال السجود ، فلما رفع رأسه ذكرله طول سجوده قال : كيف لو رأيت جميل بن دراج ؟ ثم حدثه أنه دخل على

ص: 262

جميل بن دراج فوجده ساجداً فأطال السجود جداً فلما رفع رأسه : قال محمد بن أطلت السجود ، فقال : لو رأيت معروف بن خربوذ " .، وقال الإمام الشيخ النجاشي في شأن جميل بن دراج النخعي - رضوان الله عليه : " قال ابن فضال : أبو محمد ، شيخنا ووجه الطائفة ، ثقة روى عن أبي عبد الله [ الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] وأبي الحسن [ الإمام موسى الكاظم ] ، وأخذ عن زرارة . وأخو نوح بن دراج القاضي كان أيضاً من أصحابنا وكان يُخفي أمره ، وكان جميل أكبر من نوح ، وعمي في أخر عمره ومات في أيام الرضا له كتاب رواه عنه جماعات من الناس وطرقه كثيرة ، وأنا على ما ذكرته في هذا الكتاب لا أذكر إلا طريقاً أو طريقين حتى لا يكبر الكتاب " [ رجال النجاشي : 328] .

ولولا الخوف من تضخّم حجب الكتب لذكرت كلّ أصحاب المصنفات في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من قبيلة النّخع مع تراجمهم في كتب الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي كتب الرجال عند أهل السنة والجماعة ؛ لأجل ذلك سوف أذكر بعض العلماء والرواة النخعيين من أصحاب الأئمة الاثني عشر من أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى من دون ذكر تراجمهم .. سيف بن عميرة النخعي ، وسنان بن مالك النخعي ، وأيوب بن نوح بن دراج النخعي ، ونوح بن دراج النخعي ، وعائذ بن مدرك النخعي ، وداود بن عيسى النخعي ، وعبد الملك بن عتبة الصيرفي النخعي ، وطفيل بن مالك بن المقداد النخعي ، ومحمد بن سكين بن عمار النخعي ، وحفص بن غياث النخعي ، وبكير بن أحمد النخعي ، وموسى بن هلال النخعي ، وعبيد الله بن العريان بن الهيثم النخعي ، ومحمد بن حبيب النخعي ، وإبراهيم بن يزيد النخعي ، والحارث بن همام النخعي ، ومحمد بن مدرك النخعي وهنالك الكثير الكثير من المصنفين والعلماء والرواة الكبار في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، قد ذكرت كتبهم ومصنفاتهم التي كتبوها في القرون الثلاثة الأولى في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يوجد

طالب من طلاب العلم في معاهدنا العلمية السلفية ، لا يدرك بأنّ النّخع يسكنون في اليمن في واد خصب يسمّى بيشة ، وبعضهم يسكن في الدثينة ، وقال رسول الله – ص – في شأنهم - اللهم بارك في النّخع ، ونسبهم كما ذكر علما الأنساب هو : " النخع بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج بن عامر بن زيد بن كهلان بن سبأ [ الإنباه على قبائل الرواة لابن عبد البر : 121 ]

ص: 263

وهكذا نجد أهل اليمن بمذهب أهل البيت قديمة منذ القرن الأول الهجري ، ولكن غلاة السلفية هم الذين أشاعوا بأنّ الفرس هم الأصل في مذهب أهل البيت ، مع أنّ الفرس لم يعرفوا مذهب أهل البيت إلّا من خلال القبائل اليمنية ،، والآن نوصل ذكر دور القبائل اليمنية في تدوين مذهب أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى

ثانياً : الشخصيات اليمنية من قبيلة حمير من أصحاب الأئمة الاثني عشر من أئمة أهل البيت القرون الثلاثة الأولى .. نذكر منهم. على سبيل المثال شاعر أهل البيت السيد الحميري إسماعيل بن محمد بن يزيد ، وقد ذكر نسبه في شعره فقال :

إني امرؤ حميري حين تنسبني

لذي رعين وأخوالي ذووا يزن

ثم الولاء الذي أرجو النجاة به

يوم القيامة للهادي أبو الحسن

وقال فيه الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " سمتك أمك سيداً ووفقت في ذلك ، أنت سيد الشعراء " [ رجال الشيخ الكشي : 573] . ، كان قد طبّق أحاديث رسول الله - ص - ص - في غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري، في محمد بن الحنفية ، حتى لقي الإمام جعفر الصادق علیه السلام فبيّن له خطأه في فهم أحاديث غيبة محمد بن الحسن العسكري - سوف ندرس أحاديث غيبة الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري في الباب الخامس من هذا الكتاب فهم الغلاة الكيسانية لها ، فعرف حقيقة أحاديث الغيبة وانتقل من مذهب الغلاة الكيسانية إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على يد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وشكر للإمام جعفر الصادق علیه السلام بعد أنَّ استنقذه من الغلو في أهل البيت ومن الخطأ في معرفة أحاديث رسول الله في غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وقال :

تجعفرت بسم الله والله أكبر

وأيقنت أنّ الله يعفو ويغفرُ

ودنت بدين غير ما كنت دائنا

به ونهاني واحد الناس جعفر

ص: 264

فلست بغال ما حييت وارجع

إلى ما عليه كنت أخفي وأضمر

[ شرح العينية الحميرية للفاضل الهندي : 67 ] ، ومن قبيلة حمير عبد الله بن جعفر

الحميري ، صاحب الكتاب الشهير عند علماء مدينة قم العلمية ، وهو كتاب قرب الإسناد وهو من المصنفين اليمنيين الذين ساهموا في إثراء مكتبة أهل البيت في القرون الثلاثة الأولي قال الإمام الشيخ النجاشي : " عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري أبو العباس القمي . شيخ القميين وجههم ، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين ، وسمع أهلها منه ، فاكثروا ، وصنّف كتباً كثيرة ، يعرف منها : كتاب الإمامة ، كتاب الدلائل ، كتاب العظمة والتوحيد ، كتاب الغيبة والحيرة ، كتاب فضل العرب كتاب فضل العرب ... كتب قرب الاسناد إلى الرضا [ الإمام علي بن موسى الرضا ] ، كتاب قرب الاسناد إلى أبي جعفر الرضا [ الإمام الجواد ] ... ، مسائل الرجال ومكاتباتهم أبا الحسن الثالث [ الإمام علي الهادي ] ، مسائل لأبي محمد الحسن [ الإمام الحسن العسكري ] على يد محمد بن عثمان العَمْرِي ، كتاب قرب الاسناد إلى صاحب الأمر [ الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري ] ... أخبرنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن يحيى العطّار عنه بجميع كتبه " [ فهرست مصنفات الشيعة للإمام النجاشي : 573 ] ، ومن قبيلة حمير محمد بن عبد الله الحميري ، قال الإمام الشيخ النجاشي : " محمد بن عبد الله .. الحميري .. كان ثقة وجهاً ، كاتب صاحب الأمر [ الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ] ، وسأله مسائل في أبواب الشريعة .. " [ فهرست مصنفات الشيعة للإمام النجاشي : 949 ] . ، وقد ذكر الإمام النجاشي مصنفاته حول مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكن لا مجال في هذا الكتاب المختصر أن أذكر مئات الكتب التي كتبها كبار العلماء اليمنيين في القرون الثلاثة الأولى حول مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك أرى بأنّ على طالب العلم في معاهدنا السلفية أن يرجع إلى كتاب فهرست مصنفات

الشيعة للإمام الشيخ النجاشي وفهرست مصنفات الشيعة للإمام الشيخ الطوسي ، وفهرست ابن النديم ، حينئذ سوف يصل إلى اليقين بأنّ هوية مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عربية ، وسوف يعرف بأن أكثر المصنفات حول مذهب أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى كانوا من أهل اليمن ، أمّا إيران فلم تدخل في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلّا في عصر متأخر من القرن

ص: 265

العاشر وما بعده ؛ لأجل ذلك نجد بأنّ الكتب الستة عند أهل السنة صنفت من شخصيات فارسية إيرانية ، وأنا منذ هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية تبين لي بأن هوية المذاهب السنية فارسية إيرانية ، وهوية مذهب أهل البيت عربية يمنية ، ونحن منذ نشأنا المعاهد العلمية في الرياض وصنعاء غرس في عقولنا بأنّ هنالك تناقض بين التشيع والعروبة ولكنني حينما هاجرت إلى مدينة قم العلمية وتركت مدينة الرياض ، وشرعت بدراسة علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، تبين لي بأن هنالك صلة وثيقة بين العروبة والتشيع وأنّ معاهدنا العلمية السلفية لم تقرأ علم الرجال في مذهب أهل البيت فتخيل لهم بأن رجال الشيعة في القرون الثلاثة الأولى من الفرس الإيرانيين ، وأنا قمت بدراسة عميقة لمصنفات وكتب العرب حول مذهب أهل البيت في القرون الثلاثة ، ورسمت قاموساً كبيرا لمصنفاتهم وذكرت بلدانهم في اليمن وفي شمال الجزيرة العربية ، ووجدت بأنّ المصنفين في مذهب أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى أما من القبائل العربية اليمنية القحطانية أو من القبائل العربية العدنانية ، وتبين لي بأن القول بأنّ التشيع فارسي النشأة ، هي مقولة أسطورية وهمية خيالية صلة لها بالواقع والآن نعود إلى موضوعونا الأصلي حول دور اليمنيين بشكل خاص والعرب بشكل عام في تدوين مذهب أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى ، ونذكر بأنّ الشخصيات العلمائية الحميرية التي كتبت كتباً في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في القرون الثلاثة الأولي كثيرة جداً ولا يمكن لي ذكر تراجمهم وكتبهم ودورهم ؛ لأجل ذلك سنذكر بعض اسمائهم ، منهم أحمد بن جعفر الحميري [ انظر مستدركات علم رجال الحديث ] .

ولا يمكن لهذا الكتب المختصر أن يشمل على ذكر كل القبائل اليمنية التي كانت على علاقة بالأئمة الأثني عشر من أهل البيت ، فلو ذكرت عن دور قبيلة الأشاعرة في تدوين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لاحتجت إلى مجلدٍ كامل ؛ لأجل ذلك نصيحتي لطالب العلم في معاهدنا السلفية أن يرجع إلى كتاب ( هوية التشيع ) للعلامة الشيخ أحمد الوائلي

وهنا أريد أن يلتفت طالب العلم فى معاهدنا العلمية السلفية إلى حقيقة غابت عنا أننا

وهي حينما نشاهد الآن أن أكثر الشيعة من الفرس نتصوّر بأنّ المؤسسين للتشيع في القرون الثلاثة الأولى من الفرس ، وهذا خطأ كبير ؛ لأنّ الفرس كانوا من أهل السنة ولم يدخلوا إلى التشيّع إلا في العصور المتأخرة لا سيّما في عصر الدولة الصفوية ، أما في القرون الثلاثة الأولى

ص: 266

فكان الفرس من أهل السنة ، وكان الشيعة الأوائل في القرون الثلاثة الأولى من عرب الشمال أو من عرب الجنوب ، والتاريخ يثبت بأنّ التشيع لم يدخل إلى إيران إلّا عبر مدينة قم العلمية ، وقد ذكر كلّ المؤرخين بأنّ مدينة قم العلمية كانت في القرون الأولى مدينة يمنية ولا وجود للفرس فيها ، ونجد أنّ ياقوت الحموي يقول عن مدينة قم العلمية في عصره : " إن قم مدينة مستحدثة إسلامية عربية لا أثر للأعاجم فيها ، وأول من قصدها طلحة بن الأحوص الأشعري اليماني .. وأهلها كلّهم شيعة إمامية ، وكان بدء تمصيرها في أيام الحجاج بن يوسف سنة ) 83 هجرية ) ، ولما انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل منهزماً كان معه عبد الله بن سعد بن مالك بن عامر الأشعري اليمني ، وكان له ولد قدري في الكوفة ، فانتقل من الكوفة إلى قم وكان إمامياً ، وهو الذي نقل التشيّع إلى أهل قم فلا يوجد بها سنّي قط " [ معجم البلدان للحموي : 7-159] .

وأنا أكتب في هذا الموضوع وجدت أنّ الحموي يبيّن أنّ التشيع لم يدخل مدينة الري [ وهي الآن المعروفة بمدينة طهران العاصمة الفعلية لإيران ] إلّا في العصور المتأخرة ، وفي زمن المعتمد العباسي ، ويقول : " وكان أهل الري [ أهل طهران ] أهل سنة وجماعة ، إلى أن تغلّب أحمد بن الحسن المادراتي على الري [ طهران ] ، فأظهر التشيع وأكرم أهل التشيع وقربهم ، فتقرب الناس إليه ، فصنف له عبد الرحمن بن أبي حاتم كتاباً في فضائل أهل البيت وغيره " [ معجم البلدان للحموي : 1213]

والذين يعرفون تاريخ المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة يدركون بأن من المسلمات التاريخية بأنّ الفرس كانوا في القرون الأولى من أهل السنة والجماعة ، فنجد أن المقدسي يذكر بأن الفرس كانوا شافعية أو حنفية ولم يذكر وجود للتشيع بين الفرس في القرون الأولى ، ويقول : " ولم أر السواد الأعظم إلّا أربعة مذاهب : أصحاب أبي حنيفة بالشرق ، وأصحاب مالك بالمغرب ، وأصحاب الشافعي بالشام وخزائن نيسابور ... وبالكوفة الشيعة " [ أحسن التقاسيم للمقدسي : 137] .

ولينظر طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية إلى المؤرخين غير المسلمين حيث أجمعت كلمتهم على تأييد المؤرخين المسلمين بأنّ الشيعة أوائل الشيعة كانوا من الفرس لا من العرب

ص: 267

، وأنّ الموالي [الفرس] أنّما دخلوا التشيع على يد العرب ، وفي ذلك يقول جولد تسهير : " إنّ من الخطأ القول إنّ التشيّع في منشئه ومراحل نموه يمثل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الأمم الإيرانية في الإسلام بعد أن اعتنقته وخضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية ، وهذا الوهم الشائع مبني على سوء فهم الحوادث التاريخية ، فالحركة العلوية [ التشيّع ] نشأت أرض عربية بحتة [ العقيدة والشريعة لجولد تسيهر : 204 ] ، ويقول آدم متز : " إنّ مذهب الشيعة لا كما يعتقد البعض ردّ فعل من جانب الروح الإيرانية تخالف الإسلام ، فقد كانت جزيرة العرب كلّها عدى المدن الكبرى كمكة وتهامة وصنعاء ، وكان للشيعة غلبة في بعض المدن مثل عمان وهجر وصعدة وفي بلاد خوزستان التي تلي العراق ، فكان نصف أهلها على مذهب الشيعة ، أمّا إيران فكانت سنيّة عدى مدينة قم ، وكان أهل أصفهان يغالون في معاوية " [ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع لآدم متز : 101] .، ويقول فلهزون : " أمّا أن آراء الشيعة تلائم الإيرانيين فهذا مما لا شك فيه ، وأمّا كون هذه الآراء انبعثت من

الإيرانيين فليست تلك الملائمة دليلا عليه ، بل الروايات التاريخية تقول عكس ذلك إذ تقول إنّ التشيّع الواضح والصريح كان قائماً أوّلاً في الدوائر العربية ثم انتقل من الدوائر العربية إلى الموالي " [ الشيعة والخوارج لفهوزن : 241 ] ، ويقول نولدکه : " ظلّت فارس في أجزاء كبيرة منها تدين بالمذهب السني واستمر ذلك حتى سنة 1500م عندما أعلن التشيع مذهباً رسميا فيها بقيام الدولة الصفوية " [ كتاب دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية لعرفان عبد الحميد : 326 ] ، ويقول كيب : " إنّ الفكرة الخاطئة والتي لا زالت منتشرة التي تقول بأنّ بلاد فارس كانت الموطن الأصلي للتشيّع لا أصل لها بل الروايات التاريخية تثبت بأنّ الزرادشتيين [ المجوس ] كانوا أميل عموماً لاعتناق المذهب السني " [ كتاب دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية لعرفان عبد الحميد : 3 ] .

واستوقفتني قضية خطيرة كانت من الأمور المعروفة والمشهورة حينما كنت في مدينة

الرياض وهي قضية كراهية التشيّع للعرب والعروبة واللحظارة العربية ، وشغلتني هذه القضية بعد أن هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية ، وقد عالج هذه القضية الخطير العلامة الدكتور أحمد الوائلي تحت عنوان ( رمي التشيّع بالشعوبية ) ، وقال – رضوان الله عليه - : " ماهي علاقة الشعوبية بالتشيّع [ ماهي علاقة كراهية العرب والعروبة بالتشيع ] ؟!

ص: 268

وما هو منشأ رمي التشيع بالشعوبية [ الشعوبية تعني كراهية العرب والعروبة ] الأمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين أن يقول : " وأمّا التشيع فقد كان عش الشعوبية [ عش كراهية العرب والعروبة ] " [ ضحى الإسلام لأحمد أمين : 1-63 ] .

إِنّ رمي التشيّع بالشعوبية [ بكراهية العرب ] أمر يدعو لاستغراب فليس هناك أي علاقة بين الشعوبية [ كراهية العرب ] والتشيّع ، وسنحاول استقصاء الأمور التي تكون علامة أو منشأ للشعوبية [ كراهية العرب ] لنرى أين مكان الشيعة من هذه الأمور ، وبالتالي ماهي قيمة تهمة التشيّع بكراهية العرب :

ا . من علامات كراهية العرب الأصل غير العربي :

لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم من الموالي [ الفرس ] أو من أي عنصر غير العنصر العربي

2 . مواقف الشيعة ازاء العروبة :

لقد وقف مؤلفوا ومفكروا الشيعة إزاء العروبة والعرب موقفاً جليلاً في تكريم العرب وتكريم الفكر العربي والإشادة بإسهامه في خدمة الشريعة مبرهنين على أنّ الله تعالى كرّم العرب بحملهم للرسالة وجعل لغة القرآن الكريم لغتهم ، واعتبر أرضهم مهداً لانطلاق الدعوة والذود عن حياضها 3 . موقف الشيعة من حضارة العرب :

لم يكن للشيعة موقف سلبي إزاء حضارة العرب بل العكس فالشيعة هم الرواد الأوائل في خدمة الحضارة العربية في مختلف أبعادها وإليك شريحة من أعلام الشيعة الذين خدموا في ميادين الثقافة ، فمن الروّاد الشيعة في علم السير والتواريخ عبد الله بن أبي رافع صاحب كتاب من شهد من الصحابة مع علي ( ع ) ، ومحمد بن اسحاق صاحب السيرة النبوية وجابر بن يزيد الجعفي ، ومن روّاد الشيعة في علم النحو : أبو الأسود الدؤلي ، والخليل بن أحمد إمام البصريين ، ومحمد بن الحسين الرواسي إمام الكوفيين وأستاذ الكسائي ، والفراء ، وعطاء بن أبي الأسود الدؤلي ، ويحيى المبرد بن يعمر العدواني ، ويحيى بن زياد الفراء وبكر بن محمد أبو عثمان المازني ، ومحمد بن يزيد أبو العباس المبرد ، وثعلبة بن ميمون أبو إسحاق النحوي ، ومحمد بن يحيى أبو بكر الصولي ، وأبو علي الفارسي الحسن بن علي

ص: 269

، والأخفش الأول أحمد بن عمران ، ومحمد بن العباس أبو بكر الخوارزمي الذي يقول عنه الثعالي في يتيمة الدهر : نابغة الدهر وبحر الأدب وعيلم النظم والنثر وعالم الظرف والفضل ، كان يجمع بين الفصاحة والبلاغة ، ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ، ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر ، والتنوخي علي بن محمد ، والمرزباني محمد بن عمران صاحب التصانيف الرائعة في علوم العربية ، وملك النحاة الحسن بن هاني ، ومعاذ الهراء واضع علم التصريف ، وعثمان بن جني أبو الفتح ، وأبان بن عثمان الأحمر ، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق ، وأبو بكر بن دريد صاحب الجمهرة ، ومحمد بن عمران المرزباني صاحب المفصل في علم البيان ، وصفي الدين الحلّي صاحب الكفاية في البديع ، والخالع النحوي الحسين بن محمد صاحب كتاب صنعة الشعر ، و الخ .. هذه مجموعة بسيطة أردت منها أن تكون مجرد مؤشّر إلى سبق الشيعة في خدمة الفكر العربي والإشادة به " [ هوية التشيع للشيخ الوائلي : 211 ]

وفي الحقيقة بأنّني منذ أن هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية واعتكفت على الدراسة والتدريس في مدينة قم العلمية استيقنت بأن هنالك دوراً كبيراً لليمنيين في حفظ تعاليم ومرويات الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، وكل ذلك جعلني أهتم بقضية بيان العلاقة بين أهل البيت وبين أهل اليمن

وعندما وقف أهل اليمن في صف أهل البيت نجد أنّهم تعرضوا للظلم والاضطهاد على مر التاريخ ، ولا يجهل أحد مجزرة بسر بن أرطاه - والي معاوية بن أبي سفيان – في حق أهل اليمن بسبب ولايتهم للإمام علي

وأحب أن أشير بأنّه لمّا كان أهل اليمن من المحبين لأهل البيت نجد أن اليمن تعتبر من أعظم البلدان التي فرّ إليها أبناء الرسول الأعظم ، فتجد فيها كثرة السادة الحسنيين والحسينيين الذين الذين هاجروا من المدينة واستقروا في اليمن ومما يبيّن لنا بأن هوية التشيع عربية وبالأخص يمنية هذه الحقائق :

الحقيقة الأولى : حقيقة دور اليمنيين في نشر مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في العراق وإيران وغيرهما من البلدان الإسلامية

ص: 270

الحقيقة الثانية : عندما تقرأ فهرست مصنفات الشيعة للإمام الشيخ النجاشي ، أو فهرست مصنفات الشيعة للإمام الشيخ الطوسي ، أو فهرست ابن النديم تجد دور اليمنيين في كتابة المصنفات التي حفظت تراث مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكذلك نجد أن كثير من مروايات مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، رويت عن طريق رواة يمنيين ، ولولا خوفا من تضخم حجم الكتاب لذكرت لذكرت أسماء الرواة اليمنيين الذين ساهموا في حفظ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولذكرت أسماء اليمنيين الذين كتبوا كتباً فى مجال التوحيد ومعرفة الله ، وفي مجال تفسير القرآن الكريم ، وفي مجال علم الحديث وغيرها من المجالات المرتبطة بالعلوم الإسلامية

الحقيقة الثالثة : إنّ الباحث يجد بأن القبائل اليمنية التي سكنت في العراق وإيران هي التي جعلت من مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مذهبا عالميا

هذه الحقيقة تعد الحقيقة الثالثة في مرحلة المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ولابد لطالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية أن يدرك حقيقة الفرق الجوهري بين الهوية الإسلامية لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام المنبثقة من الكتاب والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، وبين الهوية المجوسية لمذهب أبي الخطاب ، والذي انبثق من الخلط بينهوية مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين هوية مذهب أبي الخطاب ونتج منه الخلط بين هوية مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهوية مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ولا بد من التنبيه إلى حقيقة هامة وهي : إنه لا يمكن معرفة نوع الهوية الفكرية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل الدراسة التحليلية العميقة لمحتويات ومضامين كلماتهم ومروياتهم المذكورة في الموسوعات الكبرى المتخصصة في أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولقد سار منهج معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء في طريق يخالف هذه الحقيقة الهامة، فقالوا - ابتداء من دون بحث في كتب الموسوعات الكبرى المتخصصة في أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر : إنّ لا فرق بين هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و بین هویة اهل الشرک من اصحاب ابی الخطاب.

إننا أخرنا البحث عن هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في هذا المنهج الجديد في دراسة قضية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ الترتيب العقلي والعلمي

ص: 271

يفرض علينا أن لا نتحدّث عن هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر

الصادق علیه السلام إلا بعد دراسته عبر الحقائق الست السابقة.

ونحن سنثبت بالدليل أنّ هنالك فوارق كبرى بين هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين هوية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

إنّه ما دام قد ثبت لنا أن حقيقة التوحيد ومعرفة الله عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تتفق اتفاقاً كاملاً مع الكتاب والسنّة التي لا تخالف كتاب الله ، وثبت لنا بعد الدراسة التحليلية أنّ يوم القيامة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عين يوم القيامة التي ذكرها القرآن الكريم والسنة التي لا تخالف كتاب الله ، وثبت لنا بعد الدراسة التحليلية أنّ شرائع وأحكام أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عين شرائع وأحكام القرآن والسنّة التي لا تخالف كتاب الله ، وتبين لنا بالدليل والبرهان بأنّه لا يمكن الفصل بين الأهداف التي رسمها القرآن والسنة التي لا تخالف كتاب الله وأهداف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وما دام قد ثبت أنّ منابع ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هما الكتاب والسنّة الشريفة التي لا تخالف كتاب الله ، وقد عرفنا أنّه لا يوجد أدنى خلاف بين حقيقة الإمامة في الكتاب والسنّة وحقيقة الإمامة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ..بعد أن ثبت كل هذا فستكون النتيجة الضرورية والحتمية بأنّه لا يمكن التفكيك بين لهوية الفكرية للإسلام والهوية الفكرية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ولعله مما يحتم الوصول إلى هذه النتيجة أن نلتفت إلى ضرورة التدرج في دراسة هذه الحقائق حسب الترتيب العلمي والفكري في هذا المنهج الجديد في دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والذين يبحثون عن هذه الحقيقة هوية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل البحث عن المرحلة الأولى، وقبل البحث عن الحقائق السبع السابقة سوف ينزلقون في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ونحن نسلّم أن هوية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب جاهلية ومجوسية أما هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهي إسلامية قرآنية.

ص: 272

والغريب أننا في معاهدنا العلمية السلفية نعتمد على كتاب وجاء دور المجوس في حكمه بمجوسيو هوية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، مع أنه على روايات لا قيمة لها عند علماء الرجال في مذهب الإمام جفر الصادق علیه السلام ، وسوف أذكر رواية واحدة تمسك بها صاحب وجاء دور المجوس لأجل التأكيد على مجوسية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حتّى يتبيّن لطالب العلم في المعاهد العلمية السلفية بأنّ لا يعتمد على الكتب التي يتم توزيعها في معاهدنا حول مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

لقد قرأت هذه الرواية التي جعلناها من دلائل مجوسية مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهي رواية يصرّح فيها يزدجر بن شهريار زعيم الامبراطورية المجوسية بعد هزيمة دولته المجوسية في معركته مع المسلمين بأنّ الإمام المهدي سوف يكون من ولده ، وسوف ينتقم في آخر الزمان من المسلمين الذين حاربو جده يزدجر بن شهريار المجوسي في معركة القادسية . وهذا هو متن الرواية التي لا قيمة لها عند علماء الرجال في مذهب الإمام جفر الصادق علیه السلام

اجلی الفرس عن القادسية ، وبلغ يزدجر بن شهريار ( زعيم) الدولة المجوسية) ما كان من رستم القائد العسكري الأول للامبراطورية المجوسية وإدالة العرب عليه (هزيمة الدولة المجوسية أمام قدرة الدولة الإسلامية) ، وظنّ يزدجر أنّ رستم قد هلك والفرس جميعاً ، وجاء رستم مبادراً ، وأخبر يزدجر بيوم القادسية وانجلائها بمقتل خمسين ألف قتيل من المجوس ، فخرج يزدجر هارباً في أهل بيته ، ووقف بباب الإيون ، وقال السلام عليك أيها الإيوان ( يوجّه سلامه لمهدي آخر الزمان الذي سيكون من ذريته ، ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك ، أنا ورجل من ولدي (وهو الإمام المهدي) ، ولم يدنُ زمانه ، ولا أن أوانه

قال الرواي للروية : فدخلت على الإمام جعفر الصادق علیه السلام فسألته عن هذه الرواية ، وقلت له : ما قول ملك المجوس يزدجر بن شهريار أنّ مهدي آخر الزمان سوف يكون من ولده ؟ قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : ذلك صاحبكم المهدي القائم بأمر الله - عزّ وجلّ – السادس من ولدي ، وقد ولده يزدجر بن شهريار فهو والده "

ومرة أخرى نلفت نظر زملائي من السلفيين بأنّ معاهدنا العلمية في صنعاء والريض تستند في قناعتها بأنّ هوية مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مجوسية على هذه الرواية التي نقلها صاحب كتاب وجاء دور المجوس ، ولآن لنا وقفات مع هذه الرواية :

الوقفة الألى : نقلها صاحب كتاب وجاء دور المجوس من كتب الأخبار الدخيلة والموضوعة التي لا قيمة لها عند علماء الرجال في مذهب الإمام جفر الصادق علیه السلام ، وأنا اشتريت بعد أن هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية من مكتبات مدينة قم العلمية مجموعة من

ص: 273

الكتب المتخصصة في الأخبار الدخيلة والموضوعة حسب رأي علماء الحديث في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ووجدت فيها .

الحلّي : 1265 - .

والسلفي التقي لا يحكم بمجوسية مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل رواية تخيلها الواهمون من المجوس ، ثم زعموا بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل هذه الرواية المجوسية .

وإذا كان علماء الحديث في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم يقبلوا هذه الرواية ، فهل يجوز أن نحكم على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّ هويته مجوسية ؛ لأجل رواية شاعت بين الضعفاء ، ومن الغريب أنّ عدد من المؤلفين المقبولين في معاهدنا السلفية اعتمد على هذه الرواية وانتشرت هذه الرواية التي تطعن في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتصوّره بأنه كان يقبل الروايات المجوسية ، وكيف ننسب إلى هذا الإمام العظيم أن يقبل مثل هذه الأسطورة المجوسية ، وقد صان علماء الرجال مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بنفيهم هذه الرواية .

ومما يؤخذ على المؤلفين السلفيين حول مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنهم لا يحترمون رأي علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الروايات المنسوبة والمكذوبة على الإمام جعفر الصادق علیه السلام

بأي حق نأخذ برواية مخترعة مجوسية مرفوضة عند علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثم نحكم بمجوسية هذا المذهب العظيم ؟!

وأنّه ليحزنني أن تعتمد معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء على هذه الرواية العجيبة الغريبة المجوسية المكذوبة على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثم نجعلها هي الحكم في بيان هوية مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

والآن حان الوقت أندرس الحقيقة العاشرة وهي حقيقة نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلل هذه النشأة وحقية نشأة مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وعلل هذه النشأة .

ص: 274

الحقيقة العاشرة : حقيقة نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلل هذه النشأة وحقية نشأة مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وعلل هذه النشأة

ص: 275

الحقيقة العاشرة : حقيقة تاريخ نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلل هذه النشأة وحقيقة تاريخ نشأة مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وعلل هذه النشأة

في هذة الحقيقة سوف نهتم بالبعد التاريخي ، وسوف ندرس تاريخ نشأة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتاريخ نشأة أصحاب أبي الخطاب ، وسوف ندرس في القسم الأول : تاريخ نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتاريخ نشأة مذهب أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ؛ لأنَّ المؤرخين الذين نعتمد عليهم في المعاهد السلفية العلمية في الرياض وصنعاء لا يفصلون بين تاريخ نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتاريخ نشأة مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بمعنى أنَّ الخطأ الكبير الذي وقع فيه المؤرخون الذين تعتمد عليهم معاهدنا هو ربط تاريخ أصحاب أبي الخطّاب بتاريخ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكان هذا الأمر هو سبب إثارة المحقق الكبير أسد حيدر فكتب مقالة تحت عنوان : " المؤرخون ومشكلة الغلاة " ، وقال - رضوان الله عليه - : " يأبى كثيرٌ من المؤرخين إلّا أنْ يتأثروا بالدعايات الكاذبة ، ويأخذوا بأقوال المنحرفين عن الحقِّ، الذين أصبحوا آلة طيّعة بيد الحكّام دفعتهم شهواتهم وحرصهم على سلطان الإستبداد بأمور الأمة ، ألّا يروا فضيلة لأهل البيت إلّا ضيّعوها ، ولا مكرمة إلّا أخفوها ، حسداً منهم ، وخوفاً على سلطانهم ، نعم يأبى كثير من المؤرّخين إِلَّا أَنْ يسيروا مع التيّار الجارف من آراء قوم يصعب عليهم وحدة الصف ، ويثقل على أنفسهم جمع فتعمدوا إثارة الفتن ، وتشويه الحقائق بالدس والافتراء والتقول بالباطل ، وهدفهم في ذلك أنّهم لا يريدون أن يحصل صفاءً بين المسلمين ، فربطوا تاريخ الغلاة [تاريخ أصحاب أبي

ص: 276

الخطاب] بتاريخ الشيعة [تاريخ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] ... إن مشكلة الغلاة [الخطّابية] هي أعظم مشكلة أوقعها خصوم الإسلام بين أهله، ولم تعالج هذه المشكلة بحل صحيح ، على ضوء الواقع من حيث هو ، بل استمرت تعمل عملها ، وتؤثر في شق وحدة الصف وبث روح العداء بين المسلمين

إنَّ أكثر المؤرخين لم يدرسوا الظروف التي نشأت فيها طوائف الغلاة [الخطّابية] ، ولم يعرفوا أسباب ذلك ، كما أنّهم لم يقفوا على العوامل التي بعثت النشاط في دعوتهم فأثرت أثرها في تفريق الصفوف ، وإيقاد نار البغضاء في القلوب ، وإثارة الفتن في المجتمع ، ولو أنَّ اولئك المؤرخين الذين ربطوا تارخ الغلاة [أصحاب أبي الخطاب] بتاريخ الشيعة [أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] ، واستعملوا الأقيسة المعكوسة ، درسوا ظروف نشأة تلك الافكار ، وأسباب ذلك الاعتقاد ، وبواعث ذلك النشاط ، لوجدوا أنفسهم خاطئين في سلوكهم ، بعيدين عن الواقع ، ولا تضح لهم البون الشاسع بين الغلاة [أصحاب أبي الخطاب] وبين الشيعة [أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] ، وبذلك تظهر الحقيقة في البحث - إن كانوا يطلبونها - وإذا ظهرت الحقيقة بطلت الأوهام .

إنّ خصوم الإسلام في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد عظم عليهم موقفه في نشر

الدعوة الإسلامية ، عندما نشطت الحركة العلمية ، حيث اتجه الناس إلى التدوين والبحث وظهر علم الكلام والفلسفة ، وبرزت مدرسة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في نشر العلم وبث التعاليم ، وكثر المنتمون إليها ، وانتشر ذكرها في جميع الأقطار الإسلامية ، وقام أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأداء الرسالة ، وكان للكوفة النصيب الأوفى من حملة العلم ، ورجال الإصلاح ، المنتسبين لمدرسة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فكان عدد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الكوفة يربو على الألف ، منهم تسعمائة محدّث في مسجد الكوفة ، كلِّ يقول :حدثني جعفر بن محمد

وحيث كانت الكوفة مركزاً هاماً للتجارة والصناعة ملحوظاً في حياة المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري ، وازدهرت فيها المنسوجات الحريرية وهي ما سموها عمل الوشي والخز ، وكانت هذه المصنوعات تلقى رواجاً في الأقطار الإسلامية [الأغاني لأبي الفرج الاصفهانی : 2 / 172] ، وكانت الكوفة محاطة بقرى كثيرة ، وفيها عدد كبير من غير المسلمين كالنصرانية في الحيرة وغيرها ، ووفد على الكوفة أربعة آلاف من رعايا الفرس عرفوا بحمراء الديلم [فتوح البلدان للبلاذري : 289] ، كما كثر الهجرة إلى الكوفة من الأقطار النائية من ذوي العقائد الفاسدة والآراء الشاذة ، واختلطوا بمجتمع الكوفة ، فكان نشاطهم محسوسا في

ص: 277

استغلال الفرص لبث آرائهم ونشر عقائدهم داخل المجتمع الكوفي ، وربطها بالعقائد الإسلامية عن طريق الخداع والتضليل حقداً على الإسلام وأهله ، واندس البعض في حلقات العلم مدعياً انتماءه لمدرسة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهم يكذبون على الإمام جعفر الصادق علیه السلام فيما ينسبونه إليه ، وغرضهم في ذلك هو الطعن على أهل البيت ، وتشويه سمعة أولياء أهل البيت ، لكي ينفّروا ا القلوب ، ويثيروا البغضاء ؛ لتقع الفرقة بين صفوف المسلمين

فكان الأجدر بالمؤرخين والكتاب أن يتحروا حقيقة الأشخاص الذين بثّوا تلك الأفكار [الخطّابية ودعوا إلى تلك العقائد [الخطابية ] ، ويخضعوا أقوالهم وأفعالهم للنقد والتمحيص تى يتبينوا الدوافع والأغراض التي تكمن وراء نشاطهم . وإن استعصى عليهم ذلك فما أسهل الإصغاء إلى مواقف أئمة الشيعة وآراء رجالهم في دحض تلك الآراء وفضح تلك العقائد وكانت للنصرانية قوة في الشمال ولها أتباع منبثون في مهد الدعوة ، ولليهود قوة في بلد الهجرة ، وللمجوس دولة ومعابد ... فتظاهر الكل بالعداء للإسلام ... وبعد أن عجزوا عن مقابلة الإسلام وجها لوجه راحوا يعملون من وراء الستار بأيد عابثة

وعلى كل حال فلا تعنينا حركة خصوم الإسلام في العهد الأموي ... إنّما الأمر الذي يهمنا هو التعرص لحركة خصوم الإسلام في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأثر براءته منهم ، وإعلان ذلك للملاء ، وكيف أثر ذلك فى إبادتهم ومحوهم من صفحة الوجود ، ولم يبق منهم إلا صوراً خيالية ينظر إليها من أكل الغيظ قلبه

فقد يتنكر اليهودي في ثوب الإسلام ويدعي لنفسه أهداف المسلمين وأساليبهم ... وكذلك غير اليهودي من نصراني ومجوسي ووثني ومشرك ، وكل من في قلوبهم حقد على الإسلام وأهله ، فهم يدعون إلى الإسلام من جهة ، ويعملون على هدمه من جهة أخرى ، ولهم أساليب كثيرة يتوسلون بها لتحقيق أهدافهم وتحصيل أمانيهم ... ، نود أن نشير إلى إلى أبطال حركة الغلاة [الخطّابية في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومعارضة الغلاة [الخطابية] للدعوة الإصلاحية للإمام جعفر الصادق علیه السلام ... ظهر أبو الخطاب في الكوفة ، وكان المجتمع يموج بالتيارات السياسية ، والدعوة العباسية تشق طريقها إلى النجاح بسرعة ، فاستغل أبو الخطاب ذلك الظرف الذي يأمل فيه نجاح مهمته في نشر دعوته الإلحادية ، فدعى إلى عقيدة عرف أتباعها بالخطّابية ، وساعدته الظروف المواتية أن يجمع حوله تلاميذ يلقنهم تعاليمه ، ويرسم لهم خطط الدعوة والتجمع والظهور ، وكانت حركنهم سرية محكمة وهي حركة سياسية من جهة وعقائدية من جهة أخرى ، وتلتقيان في نقطة العداء للإسلام .

ص: 278

وقد اتسعت حركة أبي الخطاب في ذلك الجو المضطرب ، واستغل أبو الخطاب فرصة الدعوة إلى أهل البيت ، والانتقام من أعدائهم ، فأعلن مبدأه وأظهر عقيدته المخالفة لروح الإسلام ، والتي لا تتصل بأهل البيت بأي صلة ، ولما بلغ ذلك إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام اهتم غاية الاهتمام بفتنة أبي الخطاب ، وخاف عاقبتها السيئة التي تعود على صفوف المسلمين بالفرقة وعلى جمعهم بالشتات وهو في ذلك العصر يبذل جهده في التوجيه إلى الالتزام بتعاليم الدين لتجتمع كلمة المسلمين ، فيكونوا صفاً واحداً يردّون كلّ خطر يهدد المجتمع الإسلامي

ووقف الإمام جعفر الصادق علیه السلام تجاه هذه الدعوة الإلحادية موقفاً مهماً ، وأعلن استنكاره على أبي الخطاب ، فكان موقف الإمام جعفر الصادق علیه السلام صدمة لموجة الغلو الجامحة ، وقضاء مبرماً على مزاعم الملحدين

عرفنا أنَّ هذه الفئة الضالة ، تكمن وراء قوة الدّس والوقعية والتفرقة ، وبعث الشك والريبة في النفوس ، ولو طال بها الزمن لاستطاعت أن تؤثر ، بطريق مباشر أو غير مباشر ، على ذوي العقول الضعيفة ، وتجرفهم بتيارها ، ولكن لم يثبت التاريخ أنّهم أثروا على أحد ممن له صلة بأهل البيت ، فمال إلى أقوالهم

وليس في مقدور أحد أن يغفل حقيقة هامة ، وهي أنَّ هؤلاء [الخطّابية] المتدخلين في صفوف الأمة ، قد دفعهم بغضهم للإسلام على أي لون كان ، وأنَّ الذين انتحلوا حب أهل البيت منهم إنما كان البعث لانتحالهم لحبّ أهل البيت هو العداء لأهل البيت ، وبغض دعوتهم الإصلاحية ، وهم يعلمون ما لأهل البيت من أثر في نفوس المسلمين ، وإنّ اتساع شهرة الإمام جعفر الصادق علیه السلام العلمية ، وكثرة الوفود على مدرسته لانتهال العلم ، إنّما هو دليل قاطع على قوّة تمسك المسلمين بمبادئهم وهذا الأمر لا يروق لفئة [خطّابية تحاول محو تلك المبادىء ، وتضليل الناس . وإنهم اتخذوا الكوفة مقراً لنشر الدعوة الإلحادية ؛ لأنَّ في الكوفة نشاطاً شيعيا ، وحركة فكرية ، وفيها مايزيد عن ألف محدّث ، يحدّث عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفيها من العناصر المختلفة ، من غير المسلمين ، ولكن الكوفة ، بصفتها العامة ، عربية مسلمة ، توالي

أهل البيت ؛ لهذا جعلت الدعوة [الخطّابية] في مركز من المراكز الحسّاسة ، لكي يبثّوا سمومهم ، وينشروا آرائهم وعقائدهم الفاسدة ، فيتناقلها الناس ومصدرها الكوفة . والكوفة . شيعية فتسجل تلك العقائد على سجل الشيعة [أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] ، الذين هم شوكة في عيون السلطة ، التي يحلو لها أن توسّع هذه الشقة وتؤيد هذه الدعاية .

ص: 279

ولقد راح أولئك الخصوم [من الخطّابية يشيعون الأكاذيب ويتقولون الأقاويل على أهل البيت طبقا للمخطط الذي رسموه في محاربة الدعوة الإصلاحية، التي قام بها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد وجدوا العون والحماية ، من قوم يروق لهم ذلك ، وتحلو لهم الوقيعة لشيعة علي – ع – عندما ترتبط الزمرة [الخطّابية] الملحدة بعجلة التشيع ويتم ربط أفكار أصحاب الخطاب بأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] ، فيكون ذلك دليلاً على ما يتقولونه في ذمّ الشيعة ، وشل نشاط حركتهم ، في عصر تحرر الفكر وازدهار العلم

ولا يفوتنا أن نقول بأنَّ هذا التعاون مع خصوم أهل البيت قد بقي إلى العصور المتأخرة ، فهم ينشرون تلك الافتراءات [الخطابية] البالية ، ويلبسونها ثوباً جديداً ، تضليلاً للناس وحباً في إثارة الشغب، فكلما أراد المصلحون حلّ مشكلة الفرقة والدعوة إلى التقارب ، ذهب الكثيرون - ممن لا يروق لهم الصفاء والتقارب - إلى زيادة التعقيد ، واتساع شقة الخلاف . بحيث يجعلون من المستحيل على القوى المتخاصمة أن تتفق أو تتعاون

إنّهم يريدون أن نبقى متخاصمين إلى أن يحطّم أحدنا الآخر ، وهذا هو ما يصبو إليه أعداء الإسلام ويسعون بكل جهدهم لتحقيقه

إنهم يريدون أن يبقى المسلم لا يطمئن إلى أخيه المسلم ولا يتعاون معه

إننا أمام تيارات دولية ، وأطماع استعمارية ، وأعاصير فكرية ، فهل ننتبه لهذه الأخطار

المحيطة بنا ، ويكفينا ما حل بنا من وراء المنازعات الطائفية " [الإمام الصادق علیه السلام والمذاهب الأربعة لأسد حيدر : 351/2-374] .

ولم نجد من علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كتب عن تاريخ نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتاريخ نشأة مذهب أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب [ الحقيقة العاشرة ] مثل العلامة المحقق الكبير أسد حيدر – رضوان الله عليه فى كتابه القيم الفريد " الإمام الصادق علیه السلام والمذاهب الأربعة " ؛ لأجل ذلك نقلنا عبارته بصورة كاملة مع تصرف يسير وحذف بسيط للعبارات غير المرتبطة بموضوع هذا الكتاب هذه الحقيقة تعد الحقيقة الرابعة فى المعرفة الجذرية لمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أئمة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

حقيقة تاريخ نشأة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلل تاريخ هذه النشأة ، وحقيقة تاريخ مذهب أبي الخطاب وعلل تاريخ هذه النشأة ، والذي انبثق عنه الخلط بين تاريخ نشأة مذهب

ص: 280

أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتاريخ نشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، والخلط بين علل تاريخ نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين علل تاريخ نشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

وإنّ عملية التوفيق بين تاريخ نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتاريخ نشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب عندنا في المعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض كانت تنم عن سذاجة كبيرة، وجهل بطبيعة تاريخ نشأة فكر أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وعناصره الجاهلية والباطنية ، وعدم استقامته على نظام فكري واحد، وأساس منهجي ،واحد مما يخالف تاريخ نشأة فكر أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي يتحد بصورة كاملة مع تاريخ نشأة الفكر الإسلامي.

إنّ تاريخ فكر الشرك نشأ في وسط ملوث مشحون بالأفكار الجاهلية والباطنية ، واستمد أهل الشرك من أصحاب أبى جذورهم من هذه الأفكار الجاهلية والباطنية ؛ فمن السذاجة والعبث محاولة التوفيق بين تاريخ نشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب ، وبين تاريخ نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، القائمة على أساس النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.

ومن هنا نجد القرآن الكريم فصل بين تارخ نشأة أهل التوحيد ومعرفة الله من الأنبياء والرسل والصالحين وبين تاريخ نشأة أهل الشرك من بلعم والسامري وغيرهما من المشركين ، وفي نهاية التاريخ وآخر الزمان لا يمكن أن نخلط بين تاريخ الإمام المهدي وتاريخ الأعور الدجال

ويجب على طالب العلم في المعاهد العلمية السلفية أن يدرك بأن تاريخ نشأة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ينسجم مع تأريخ نشأة رسول الله وكل الأنبياء والرسل الذين رسموا معالم التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يحملون الثقافة القرآنية التي رسمت تاريخ نشأة الأنبياء والرسل ، ولكن تاريخ نشأة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب حين انفصل عن الثقافة القرآنية انفصل أصحاب أبي الخطاب عن تاريخ رسول الله ، وعن تاريخ كلّ الأنبياء والرسل ، وهذا أمر طبيعي إذ حين ترك أصحاب أبي الخطاب التوحيد ومعرفة الله ، وحين ترك أصحاب أبي الخطاب القرآن الكريم ، انفصلوا عن رسول الله ، وانفصلوا عن كل الأنبياء والرسل ، ولقد جلست مع مشايخ الخطابية في القرن العشرين ولم أجدهم يذكرون رسول الله أبدا ، ولا تجدهم يذكرون الرسل والأنبياء ، وهذه

ص: 281

طبيعة كلّ من وقع في ظلمات الشرك وفرق نور التوحيد ومعرفة الله ، ومن لم يعرف الله كيف ينتظر منه أن يعرف رسل الله

لكن معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض بسبب فهمهم الخاطئ - خلطوا بين تاريخ نشأة أفكار أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تاريخ نشأة أفكار أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ نتيجة دراستهم السطحية والساذجة للكتب التي كتبت على طريقة معاهدنا العلمية السلفية في تناول موضوع تاريخ نشأة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي تناول موضوع تاريخ نشأة أصحاب أبي الخطاب ، فنسبوا تاريخ نشأة مقالات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى تاريخ نشأة مقالات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأخذوا – من حيث لا يعلمون من حيث لا يعلمون - بعملية توفيق متعسفة بين تاريخ نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تاريخ نشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

إنّ معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء وفي الرياض خلطت بين تاريخ نشأة مقالتين متباينتين؛ المقالة الأولى ترسم تاريخ نشأة صورة وثنية باطنية مجوسية عن الإمامة لا علاقة لها بالقرآن الكريم ولا بالسنة النبوية التي لا تخالف كتاب الله ولا بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتعتبر تلك المقولة الأولى هي من المقولات التي روّج لها أهل الشرك من أبي الخطاب وأصحابه ؛ لأنّهم تأثروا بخرافات وأساطير المشركين والوثنيين والمجوسيين والمسيحيين فالإمامة القرآنية عندهم تعني التوحيد ومعرفة الله وتعني الألوهية والربوبية للإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ في حين نجد بأنّ الإمامة القرآنية التي نشأ عليها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا علاقة لها بالإلوهية ولا بالربوبية بل الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان عبدا مطيعا الله - جل ثناؤه - و لكن معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء و الرياض لم تميّز بين تاريخ نشأة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تاريخ نشأة أهل الشرك من من أصحاب أبى الخطاب من الإمامة القرآنية

ولقد سارت معاهدنا العلمية السلفية في دراسة قضية معرفة تاريخ نشأة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي قضية معرفة تاريخ نشأة أصحاب أبي الخطاب - أثناء البحث عن حقيقة نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلل تاريخ هذه النشأة – على نفس المنهج الذي اعتمدوا عليه في البحث عن الحقائق العشر السالفة المرتبطة بمعرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهو منهج لا يستقيم على نظام فكري واحد، ولا على أساس منهجي واحد، ولا يعتمد على ملاحظة المرحلة الأولى من دراسة قضية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حسب المنهج الجديد في دراسة قضية أصحاب الإمام

ص: 282

جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يعتمد على الدراسة التحليلية العميقة لمفاهيم ومحتويات كلمات ومروايات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل البحث عن تاريخ نشأة ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لكننا لمسنا أن المحققين من السلفى ى ن المعتدلين ، قد أدركوا أنّ مشايخ معاهدنا العلمية السلفية يخلطون بين تاريخ ثقافة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تاريخ نشأة ثقافة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب.

والقسم الثاني : علل تاريخ نشأة مذهب أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و علل تاريخ نشأة مذهب أهل الشرك أصحاب أبي الخطّاب

لقد ثبت لنا في الحقيقة الثامنة حقيقة الإمامة القرآنية في مفهوم أهل التوحيد ومعرفة الله من أصاحب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والإمامة القرآنية فى مفهوم أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بالأدلة النقلية من الكتاب والسنّة التي لا تخالف كتاب الله أن علل وأسباب تمسك أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالأئمة الاثني عشر يرجع إلى الأدلة القوية من الكتاب والسنّة التي لا تخالف كتاب الله ، ومن ثَمّ فمن السذاجة أن نبحث عن تاريخ نشأة علل ولاء أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام للأئمة الاثني عشر قبل دراسة الحقيقة القرآنية الثامنة . ومشكلة منهج غلاة السلفية في دراسة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّهم يبحثون عن هذه الحقيقة العاشرة قبل البحث عن الحقيقة القرآنية الثامنة.

إنه إذا ثبت أنّ قضية التشيع والولاء والتمسك بالأئمة الاثني عشر ثابتة بحديث الثقلين وحديث الاثني عشر ، وثبت أنّ التمسك بهم يأتي في الدرجة الثانية بعد التمسك بالقرآن والسنة التي لا تخالف كتاب الله ؛ فلا بد من التمييز بين تاريخ نشأة علل تشيع وولاء أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام للأئمة الاثني عشر، وبين تاريخ نشأة علل الشرك عند أصحاب أبي الخطاب وقولهم بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام و قولهم بربوبيته والذين لا يميزون بين هذين النوعين المختلفين من العلل هم المصابون بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الخطابية ، ومن ثم فهم بحاجة إلى دراسة المرحلة الأولى من هذا الكتاب قبل أن يبحثوا عن علل تشيع وولاء أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام للأئمة الاثني عشر ، ومن هنا يأتي أهمية الترتيب الفكري

والمنهجي في هذا الكتاب

بعد أن ثبت لنا من خلال الحقائق العشر السابقة أنّ أدلة أهل التوحيد ومعرفة الله من

أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ترجع إلى الكتاب و السنة التي لا تخالف كتاب الله ، ويكفي أن

ص: 283

نقرأ الكتب التي كتبها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام سوف تجعلنا هذه الأدلة نؤمن بأنّ القرآن الكريم هو الأساس الأول في طرح كل تلك الحقائق السبع عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتأتي بعد القرآن الأحاديث الصحيحة وما دام أنّه قد ثبت في الحقيقة القرآنية الأُولى حقيقة التوحيد ومعرفة الله عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنها مستلهمة من القرآن والسنّة، وهكذا فى الحقيقة القرآنية الثانية حقيقة يوم القيامة ثبت أنّها مستخرجة من القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما دام أنّ الحقيقة القرآنية الثالثة وهي حقيقة أن الشرائع والأحكام مستلهمة من القرآن والسنة، وهكذا ؛ إلى الحقيقة العاشرة ..بعد أن ثبت كل ذلك فلا بد أن يتبين ويتضح لنا نوع تاريخ نشأة علل ولاء أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام للأئمة الاثني عشر التي تتفق مع سنخية القرآن والسنّة ، وبذلك يتبيّن لنا الفرق بين تاريخ نشأة حقيقة الإمامة القرآنية عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تاريخ نشأة حقيقة الإمامة القرآنية عند أصحاب أبي الخطاب.

وفي نهاية بيان الحقائق الأربع أجد من الضروري قبل أن نختم الباب الثالث أنْ نبيَّن الأسباب التي جعلت أبا الخطاب يقول بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وربوبيته ، وعندما بذلت جهداً كبيراً في دراسة حياة أبي الخطّاب ودراسة حياة أصحابه ، وسعيت إلى تتبع كتابات أصحاب أبي الخطاب المخطوطة والمطبوعة حتى تجمعت لدي في مكتبيتي الشخصية مكتبة عن تراث الفرقة الخطابية من الأموات ومن المعاصرين الأحياء ، انتتقدني البعض وقال لي : لا أرى ثمرة مفيدة من ضياع وقتك في تتبع تراث أبي الخطاب والخطابية وحشد كتبهم القديمة والحديثة ، وقال لي : إليس الأولى لك أن تشتغل في دراسة تراث الإمام جعفر الصادق علیه السلام بدلاً من ضياع وقتك في نقد معتقدات أبي الخطاب ، فأريد أن أذَكِّرَه بأنني لم أجد أحد بذل جهده ووقته في مواجهة أبي الخطاب والخطابية مثل الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فلو كان بذل الجهد في مواجهة الخطابية مضيعة للوقت فهل أضاع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وقته حين بذل جهده ووقته في مواجهة أبي الخطاب والخطابية ؟ !!

والأمر على العكس تماماً فالمواضيع التي خطيتها في سطور هذا الكتاب في نقد أبي الخطاب والخطابية هي مواضيع أخذتها وتعلمتها من ملازمتي الطويلة لتراث الإمام جعفر الصادق علیه السلام فقد تعلّمتُ من الإمام جعفر الصادق علیه السلام عندما كان في المدينة النبوية وفي الكوفة يواجه

ص: 284

أبي الخطاب والخطابية بأنّ خطر أبي الخطاب والخطابية على الدين الإسلامي كلّه ، لأنّ دين الإسلام كله بني على التوحيد ومعرفة الله ؛ فإذا سقط التوحيد زال دين الإسلام

وكانت كل جهودي في مواجهة أبي الخطّاب تقصد أوّل ما تقصد الدفاع عن التوحيد ومعرفة الله أولاً والدفاع عن القرآن الكريم ثانياً والدفاع عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثالثاً ؛ لأن أبا الخطاب ظلم الله – جل ثناؤه - وظلم القرآن الكريم ثم ظلم الإمام جعفر الصادق علیه السلام

وفي هذا الباب من هذا الكتاب سوف اتناول الأسباب التي جعلت أبا الخطاب يقول بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وربوبيته :

السبب الأول: خطأ أبي الخطاب الخطابية في عصرنا أنّهم عزلوا الله – جل ثناؤه - عن

اسمائه الحسنى ، ثم بعد أن عزلوه عن اسمائه الحسنى عزلوا بين الله والناس ، حتى صار الله في وادٍ والناس في وادٍ آخر ، ثم بعد ذلك عزلوا الناس عن الله فلا شأن لهم الله ، ثم أمروا الناس أن يتجهوا إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام في حياته أو إلى الأئمة من ولده بعد وفاته .

ونحن نريد ننصح أخواني من السلفيين أن يتأملوا في خطأ أصحاب الخطاب والخطابية في مجال اسماء الله الحسنى ؛ من أجل أن يدركوا الفرق الجوهري بين رؤية أصحاب الإمام الصادق علیه السلام إلى اسماء الله الحسنى وبين رؤية أصحاب أبى الخطاب إلى اسماء الله وصفاته .

قال لي أحد الشيوخ الكبار للخطابية : إن وظيفة اسماء الله عندنا هي سوق الناس إلى ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده .

ولا غرابة فى كلامه ؛ لأنّ الخطابية حين عزلوا الله عن اسمائه الحسنى ، بمعنى لم يعد

وظيفة اسماء الله أن تسوقنا إلى معرفة الله وإلى التوحيد ، بل وظيفتها تسوقنا إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده وأن تدلنا إلى معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

يعني سار الغاية الكبرى من اسماء الله الحسنى عند أبي الخطاب والخطابية هي تعريف

الإنسان بالإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده ، وليس الغاية من اسماء الله تعريف الإنسان بالله ، وهذا معنى قولنا أنّ الفرقة الخطابية فصلت بين اسماء الله الحسنى وبين الله ، ومن خلال تجربتي ومجالستي للخطابية أدركت بأنّ من يعزل بين الله وبين الأسماء الحسنى سوف

ص: 285

يغفل عن الله ، ولن تجد الله أي وجود في قلبه ووجدانه ، ولا في حايته ، ولا تجده يحمل محبّة ومودّة الله ؛ لأنّ اسماء الله الحسنى هو التى تغرس فى قلب الإنسان الحب الله

من هنا وجدت الخطابية يحبّون الإمام جعفر الصادق علیه السلام أكثر من حبّهم الله ؛ لأنّهم حين وصفوه باسماء الله الحسنى وجدت محبته في قلوبهم ، وفي المقابل حين فصلوا بين الله وبين الاسماء الحسنى خرجت محبّة الله من قلوبهم

وقد كنت - أول أمري - لا أرى فرقاً بين بين رؤية أصحاب الإمام الصادق علیه السلام إلى اسماء الله الحسنى وبين رؤية أصحاب أبي الخطاب إلى اسماء الله وصفاته ، ولكن تبين لي غير ذلك وأنا منذ اليوم الأول الذي هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية ، وقفت أمام الذين يغالون في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وانضممت بروحي وبفؤادي وجوارحي مع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين يعادون الغلو والغلاة في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويعترضون مساربه الجلية والخفية .

بيد أنّي شعرت بجزع وألم عندما أرى بأن الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان يصف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالغلو ، ورفضت هذا الظلم الشديد لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وأعلن أن رؤيتي حول اسماء الله الحسنى هي أبداً مع القرآن والسنة الوافقة له

من أجل ذلك شعرت بشيء من التوقف لما قال الأستاذ إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام بأنّه لا فرق بين نظرة أصحاب أبي الخطّاب إلى اسماء الله ونظرة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى اسماء الله

إنني مع احترامي الكبير للأساذ إبراهيم الجبهان أرى أن هذا الكلام يحتاج إلى مراجعة وتدقيق . اسماء الله الحسنى ليست قضية هامشية بل هي قضية ترتبط بالتوحيد ومعرفة الله ، ومن الغلط أن نجعل موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من اسماء الله الحسنى كموقف أهل الشرك من اسماء الله الحسنى

لقد درست القرآن الكريم وعرفت الله واسماء الله الحسنى من القرآن الكريم ، ولم أجد أن نظرة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى اسماء الله الحسنى تنافي القرآن الكريم ، فنظرتهم إلى

ص: 286

اسماء الله الحسنى تصل المخلوق بالخالق ، وتعرفنا بالله الواحد ، فلا يصح أن نجعل نظرتهم لأسماء الله الحسنى كنظرة أصحاب أبي الخطاب والخطابية في عصرنا الذين رأيتهم وتحاورت معهم.

لقد قادت النظرة الخطابية حول اسماء الله الحسنى إلى الشرك والبعد عن الله ، أمّا نظرة أصحاب أبي الخطاب فتقود إلى التوحيد ومعرفة الله ، وشعرت وأنا أقرأ كلام الخطابية حول اسماء الله الحسنى بأنهم لم يعرفوا اسماء الله الحسنى ؛ لأنّهم يتصورون بأنّه لا يوجد أدنى علاقة بين الله وبين الاسماء الحسنى ، ويرون أنَّ بأن موضوع اسماء الله الحسنى ليس هو الله ، بل موضوع هذه الأسماء هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده ، وبالتالي الخطابية يفصلون بين الله وبين جميع اسماء الله الحسنى ولا يستثنون اسماً واحداً من اسماء الله ، حتّى اسم الجلالة (الله) ليس عندهم من اسماء الله ؛ لأجل ذلك يرى الخطابية بأن اسم (الله) يطلق على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأن عندهم الله أعظم من أن يطلق على اسم ( الله ) ؛ ويرون بأنّ الله ليس له أي اسم ولا يجوز أن نطلق عليه أي اسم من اسماء الله الحسنى

ومن هنا عندما كنت مع بعض مشايخ الخطَّابية كان يقول لي الله عندنا هو اسم من اسماء جعفر الصادق علیه السلام وليس من اسماء الله ، وقد جلست مع الخطابية وعاشرتهم فوجدتهم حين عزلوا بين الله وبين اسماء الله الحسنى جعلوا بينهم وبين الله حجابا حتى صارت لديهم ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده أهم من ولاية الله ، وصار كل مشايخهم الذين عرفتهم يدعون الناس إلى ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده ، ولا تجدا أحداً من مشايخ الخطابية في عصرنا يدعوا إلى ولاية الله ، والغريب أنهم كيف فصلوا بين ولاية أولياء الله من آل محمد وبين ولاية الله ؛ لأنّ من يوالي اولياء الله لابد أن يوالى الله .

وفي بحوث الخطابية تلاعباً واضحاً في كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فوجدتهم حين يقول الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " اسم الله غير الله ، وكل شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله ، فأما ما عبّرته الألسن أو عملت الأيدي فهو مخلوق ، والله غاية من غاياته ، والمغيّى غير الغاية ، والغاية موصوفة وكلّ موصوف مصنوع وصانع الاشياء غير موصوف بحد مسمّى ، لم يتكوّن فتعرف كينونيته بصُنع غيره ، ولم يتناه إلى غاية إلّا كانت غيره ، لا يذل من فهم

ص: 287

هذا الحكم أبدا ، وهو التوحيد الخاص ، فارعوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله ، من زعم

يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك ؛ لأنّ حجابه ومثاله وصورته غيره ،

وإنّما هو واحدٌ موحد ، فكيف يوحده من زعم إنّه عرفه بغيره وإنّما عرف الله من عرفه بالله ، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يعرف غيره ، ليس بين الخالق والمخلوق شيء والله خلق الأشياء لا من شيء كان ، والله يسمّي بأسمائه والأسماء غيره " . - اصول الكافي / 113:1

وقد درست مباحث حول اسماء الله ولا يوجد أحد تكلّم عن اسماء الله كما تكلم عنها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكن التلاعب كان هنا فالخطابية يقولون مادام أنّ ( اسم الله غير الله ) و مادام أنّ ( الله يسمّى بأسمائه والأسماء غيره ( كما يقول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ فنحن نقول مادام اسم الله هو غير الله ، فيجوز لنا إطلاق اسم الله على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأرى أن الخطابية قد وقعوا في الشرك وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثم شرعوا في البحث عن مبررات لهذا الشرك ، كما صع النصارى وقعوا في تأليه عيسى بن مريم ثم شرعوا في البحث عن الدليل على أنّهم لم يخالفوا التوحيد ، وتراهيم يقيمون الأدلة على أن التثليث هو التوحيد والتوحيد هو الثليث

هل إذن الله لكم أو إذن لكم الإمام جعفر الصادق علیه السلام أن تصفوا جعفر الصادق علیه السلام باسماء الله وصفاته كما سمعناكم مراراً وتكراراً تقولون : جعفر الصادق علیه السلام هو الله الواحد القهار ، الرزاق المصوّر ، الباري ، الربّ ، الغفور، السميع العليم ، الخالق ، الأحد ، الفرد ، الصمد ، الظاهر ، الباطن ، الأول الآخر ، الواحد ، العلي ، الضيم ، الجبّار ، المتكبّر ، وهو بكل شيء عليم ، وجعفر الصادق علیه السلام هو الذي سمك السماء ، وسطح الأرض ، وأجرى انهارها ، وانبت اشجارها ، يبرىء الأكمه والأبرص ، وينبئهم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم ، وجعفر الصادق علیه السلام هو الذي نبأ المرسلين وأوحى إليهم ، وانزل الكتب ، وانزل الحديد ، وانزل الملائكة ، وكلّ عالم الطبيعة بين يديه كالكرة الملقاة لا يخفى عليه منها خافية ، وهو الذي رفع السماء من دون عمد ، وبيده الحساب والعقاب ، وهو إله السماء والأرض ، وهو اللوح المحفوض وهو الذي اهلك الأولى ، لم يلد ولم يولد ، وهو حي لا يموت ابداً ،

ص: 288

وأساس سورة التوحيد (سورة الأخلاص هو ذكر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأن الله أنزل هذه السورة لتبيين صفات الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا علاقة بين الله وسورة التوحيد ، ومن الطبيعي أن تفصل الخطابية بين الله وبين سورة التوحيد ؛ لأنّهم حين فصلوا بين اسماء الله الحسنى وبين الله كان من الضروروي أن يفصلوا بين القرآن الكريم وبين الله ؛ لأجل ذلك تجد أن الخطابية يسوقون كل آيات التوحيد ومعرفة الله في القرآن الكريم إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكلّ آيه ورد فيها لفظ الجلاله (الله) فالمراد بها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لأن الله من اسماء الله الحسنى ، ولمّا لا يجوز عند الخطابية أن تطلق اسماء الله الحسنى على الذات الإلهية ، كان من الضروري عندهم حينئذ أن كلّ آية ذكرت لفظ الجلالة (الله) فهي تعني الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا تعني الله

هؤلاء الخطابية جعلوا من القرآن الكريم - الذي هو اعظم كتاب في معرفة الله - كتاباً أنزله الله لأجل تعريف الناس بالإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده ، فشابهوا النصارى الذين جعلوا من التوراة والأنجيل كتابين في معرفة عيسى بن مريم لا في معرفة الله .

وهم بهذا المسلك في فهم اسماء الله الحسنى وفهم آيات معرفة الله في القرآن الكريم صاروا من الغافلين عن الله ، وإن كان الشيطان يوحي لهم بأنّهم من الذاكرين الله ، وكيف يقبل موحد وعارف بالله بمقولة الخطابية بأنّ من ذكر الإمام جعفر الصادق علیه السلام فقد ذكر الله ولم يكتب من الغافلين عن الله ، ولا يقبل مثل هذا الهراء إلّا من صار في مسالك أهل الشرك والمشركين وترك معالم التوحيد والموحدين .

ومن لم يدرك المعنى الحقيقي للتوحيد ويدرك المعنى الحقيقي للشرك بالله من المستحيل أن يصيب في تفسير الآيات القرآنية التي تتحدّث عن اسماء الله الحسنى

إنّ مشكلة الخطابية أنهم اغلقوا على أنفسهم باب معرفة الله ؛ لأجل ذلك قالوا بأن الغاية والهدف الذي يمكن تحققه هو معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهكذا صنعوا حجابا بينهم وبين معرفة الله ، وصنعوا حجابا بينهم وبين معرفة اسماء الله والحسنى ، وحينا تجلس معهم يمنعونك عن الحديث عن معرفة الله وعن معرفة اسماء الله ، ويقول لك عقولنا عاجزة عن معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام فكيف تريد منا الحديث عن معرفة الله ، ولما اغلقوا على أنسهم

ص: 289

باب معرفة الله وقعوا في مسالك الشرك ؛ لأن من لم يعرف الله ويعرف التوحيد سوف ينخدع بمنطق الشرك والمشركين ، ويقول لك الخطابية أنّه لا فائدة من الحديث عن معرفة الله وعن معرفة اسماء الله ، فطريق معرفة الله مسدودة ومغلقة أما طريق معرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهي مفتوحة ، وبهذا المنطق يأخذونك إلى سراب الشرك بعد أن فصلوا بينك وبين معرفة الله ، وخدعوك بأنه البحث عن معرفة الله هو بحث لا طائل فية ، وإذا قلت لهم بأنّه لو كان البحث عن معرفة الله لا فائدة منه فلماذا حينما سأل المشركون من رسول الله أن يعرفهم من هو الله نزلت سورة التوحيد (سورة الإخلاص ، وحسب المنطق الخطابي كان على رسول الله أن يقول لهم : إن طريق معرفة الله مغلقة ومسدودة ، ولقد ترك إغلاقهم باب معرفة الله سلبيات كثيرة فى حياة الخطابية ، فهم حين تصيبهم كارثة يستغيثون بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فإذا سألتهم لماذا لا تستغيثون بالله قالوا لك الله أعلى واجل أن نستغيث به ، وهكذا عزلوا بين الله وبين خلقه ، فهو لا شأن له بخلقه وشأنه أعظم من أن يهتم بخلقه !! ، وبالتالي تجد أنّهم

يرون أن الإمام جعفر الصادق علیه السلام له قدرة مستقلة عن قدرة الله ، وله علم مستقل عن علم الله ، وسبب ذلك ؛ لأنهم يرون أنّ الله قد انعزل عن الكون وعن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبالتالي صار مستقلا ومنفصلا عن الله ، وصار للإمام جعفر الصادق علیه السلام علما خاصا منفصلا عن الله ، ولا شأن الله في علم جعفر الصادق علیه السلام ، فالله أعلى أن يتدخل في شأن مخلوقاته ، وهكذا لم تسألهم لماذا تعبدون جعفر الصادق علیه السلام ولا تعبدون الله يقولون لك الله أعلى من أن نعبده ، وفي ذات يوم حضر بعض الذين عرفتهم ولي معهم صداقة خاصة عند مريض خطابي وكان على فراش الموت فكان يصيح بأعلى صوته يا جعفر الصادق علیه السلام وكان صديقي يلقنه كلمة التوحيد ويقول له قل : لا إله إلّا الله ، لكن المريض الخطابي كان يقول (يا) جعفر الصادق علیه السلام ) ، وكان أحد مشايخ الخطابية في عصرنا جالسا ، فاعترض على صاحبنا وقال له : قول المريض ياجعفر الصادق علیه السلام أفضل من قوله يا الله ، لأن الله أعلى وأجل من يستغاث به ، وهكذا تجد كل الخطابيين حين أغلقوا على أنفسهم باب معرفة الله وفصلوا بين الله وبين اسمائه الحسنى تم تغييب الله عن حياتهم بصورة مطلقه حتى في حالة سكرات الموت ومن هنا تجد أن الخطابية يحاربون الكتب التي تتحدث عن معرفة الله وعن توحيد الله بسبب تصورهم الغريب بأنه لا مجال للإنسان أن يعرف الله ، وهذ هو سبب غفلتهم عن الله ونسيانهم

ص: 290

الله حتى وهم على فراش الموت ، ولو كانوا عرفوا لذة البحث حول التوحيد وحول معرفة الله لما حاربوا كتب معرفة الله .

وبعد أن هاجرت من الرياض تعرفت على بعض مشايخ الخطابية في عصرنا ثم تعرفت على مشايخ مذهب الغمام جعفر الصادق علیه السلام في مدينة قم العلمية ، وبدأت أدرك الفرق بن معرفة الله عند مشايخ مدينة قم العلمية وبين معرفة الله عند مشائخ الخطابية ، وتعجبت كيف نتهم مشايخ مدينة قم العلمية بعدم معرفة الله ، مع أنني لم أجد أحد كتب عن التوحيد ومعرفة الله أكثر من مشايخ مدينة قم العلمية ، ولم أجد أحد ردّ على شرك مشايخ الخطابية في عصرنا أكثر من مشايخ مدينة قم العلمية في القرن العشرين ، كنا في الرياض نتصوّر بأن مشايخ مدينة قم العلمية في القرن العشرين من الغافلين عن البحث في معرفة الله والتوحيد ؛ لأن معرفته للإمام جعفر الصادق علیه السلام جعلتهم يستغنون عن معرفة الله ، وحينما دخلت مدينة قم وعشت معهم وباحثت مشايخ مدينة قم العلمية ، ورأيت مباحث التوحيد ومعرفة الله هي المباحث التي تستغرق أكثر وقت مشايخ مدينة قم العلمية ، ووجدت أنّ مشايخ مدينة قم العلمية في هذا العصر - على خلاف مشايخ الخطابية في عصرنا - يرون أن ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام تحت ولاية الله ودون ولاية الله ، ولا يرون بأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام له و لاية مستقلة ومنفصلة عن ولاية الله - كما يرى مشايخ الخطابية في عصرنا - ، بل يرون أنّ ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي مجرد وسيلة من وسائل ولاية الله ، ومجرد طريق من الطرق العديدة التي توصل إلى معرفة الله ، وطُرق الوصول إلى معرفة الله بعدد أنفاس الخلق لا حصر لها في عددٍ معين ومحدود ، وعلى هذا الأساس فأن دعوة مشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا لولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي غير دعوة مشايخ الخطابية في عصرنا لولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام – وهذا الأمر غاب عنِّي حين كنت في مدينة الرياض - ، وهنالك فرق جوهري بين هاتين الدعوتين ؛ لأن مشايخ الخطابية في عصرنا يرون بأنّ ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي محور ومركز الولاية ، وأنّ ولاية الله تقع في هامش ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا هو الشرك بالله بذاته وبعينه ، وفي المقابل يرى مشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا خلاف رأي مشايخ الخطابية في عصرنا ، حيث يرون بأنّ ولاية الله هي المحور والمركز أمّا الولاية لإمام جعفر الصادق علیه السلام فهي كولاية

سائر أولياء الله تقع في هامش ولاية الله ، ويرى مشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا بأنّ ولاية

ص: 291

الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّما تكون شرعية وغير شركية ومقبوله عند الله عندما لا تكون للإمام جعفر الصادق علیه السلام ولاية مستقلة ومنفصلة عن ولاية الله ، وعندما لا نجعل ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام على مستوى واحد مع ولاية الله

ورأيت عند مقارنتي بين حقيقة التوحيد ومعرفة الله بين مشايخ الخطابية في عصرنا ومشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا بأن التوحيد ومعرفة الله لا وجود له في قلوب مشايخ الخطابية في عصرنا ولا في كلامهم ولا في كتبهم ؛ لأن عقيدة مشايخ الخطابية في عصرنا بأنّه لا يمكن معرفة الله ولا معرفة اسماء الله الحسنى ؛ لأجل تجد أنَّ معرفة الله وتوحيد الله تغيب عن إدراكهم ، وبالتالي ماتت معرفة الله في عقولهم وغاب الذكر اللساني الله عن حياتهم وتجد أن توحيد الله عندهم قد دفن بركامٍ هائل من الشركيات والمجوسيات التي ملأت فكرهم وحياتهم ، وصاروا لا يسمعون حقيقة توحيد الله ، وصارت السنتهم لا تطيق ذكر الله ، وصار الذي يرددون اسمه ليلاً ونهاراً هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو الأئمة من ولده ، ولو كان مشايخ الخطابية في عصرنا يفهمون كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام في التوحيد لكانوا من أعظم الدعاة لتوحيد الله ، كما هو حال مشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا حيث تجد في كتبهم حول كلمة " لا إله إلا الله " المعنى الحقيقي للتوحيد ولمعرفة الله ، وتجد أنّ التوحيد الذي كتبه مشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا هو عين التوحيد الموجود في كتاب الله ، وتجد كلمات الإمام جعفر

الصادق علیه السلام في التوحيد اصبحت جزء من حياتهم العلمية والفكرية ، وكتبهم مليئة بالآيات القرآنية وكلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول التوحيد ومعرفة الله بشكل مستمر بستفيدون من آيات القرآن في التوحيد ومن كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام في معرفة الله ، وكتب مشايخ مدينة قم العلمية في هذا العصر حول التوحيد منتشرة في كل المكتبات العامة والخاصة في جميع حارات مدينة قم العلمية ، حتى صارت مدينة قم العلمية هي مدينة التوحيد ومعرفة الله في القرن العشرين

لم يأخذ مشايخ الخطابية في عصرنا فكرة منع البحث عن معرفة الله وعن توحيد الله ، وفكرة أن الطريق إلى معرفة الله مسدودة ومغلقة لا من القرآن الكريم ولا من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ القرآن هو كتاب توحيد الله وكتاب معرفة الله ، وهو من أوله إلى آخرة يتحدث عن معرفة وهكذا لم يأخذوا هذه الفكرة من الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومنذ أن هاجرت من مدينة

ص: 292

الرياض إلى مدينة قم العلمية اعتكفت على كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام في معرفة الله وفي توحيد الله ، وقد لفت نظري بعد أن قرأت رواياته ورسائله بأنّ كلّ حياته العلمية والفكرية تدور حول معرفة الله ومعرفة اسماء الله الحسنى ، وبالتالي فمشايخ الخطابية في عصرنا خالفوا الإمام جعفر الصادق علیه السلام بقولهم بأن البحث في مجال معرفة الله لا فائدة فيه ، ولا طائل منه ، ونحن نأسف بأنّنا لما لم نعرف الفرق بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كذلك خلطنا في هذا العصر بين مشايخ مدينة قم العلمية - التي هي مدينة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في هذا العصر - وبين مشايخ الخطّابية في عصرنا ، وكنا في المعاهد العلمية نوزع كتاباً تحت عنوان بروتوكولات علماء قم ، وعندما تراجع الكتاب تجده يتحدث عن مشايخ الخطابية في عصرنا ، ولم نكن نتأمل ونتدبّر في وجود الفرق الجوهري بين التوحيد ومعرفة الله عند مشايخ مدينة قم العلمية في هذا القرن العشرين ، وبين التوحيد ومعرفة الله لدى مشايخ الخطّابية في هذا العصر الحديث ، ولولا أنّ الله من عليَّ و تعرفت على مشايخ الخطابية من خلال المعاشرة والمباحثة والمجالسة سكنت في مدينة قم العلمية وتعرفت على مشايخ مدينة قم العلمية في القرن العشرين ، وكان ذلك هو السبب الرئيسي في معرفتي بوجود الفرق الكبير الجوهري بين مشايخ الخطابية في عصرنا ومشايخ مدينة قم العلمية في القرن العشرين .

وقد بقيت فترة طويلة كان هنالك ميل في نفسي إلى جذوري القديمة .. فالمعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض غرست في نفوسنا بأنّه لا فرق بين مشايخ الخطابية في عصرنا ومشايخ مدينة قم العلمية في القرن العشرين ، ولكن حين ناقشت مشايخ الخطابية في عصرنا وقرأت تراثهم وكتبهم وناقشت مشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا وقرأت تراثهم وكتبهم ، وجدت بأنه لا يمكن لنا أن نقارن بين تراث هؤلاء وبين تراث أولئك

وفي الحقيقة أن معاهدنا العلمية السلفية تحت تأثير الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام قاموا بتحريف صورة " علماء مدينة قم العلمية " الذين هم على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والذين صاروا على نهج أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فصوروا للناس بأنّ علماء مدينة قم العلمية على مذهب أبي الخطاب ، وعلى خطى

ص: 293

أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكانت النتيجة أننا في هذا القرن العشرين لم نفصل بين مشايخ مذهب أبي الخطاب ومشايخ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مدينة قم العلمية .

لقد عشت حالة العزلة في بدابة وصولي مدينة قم العلمية ؛ لأنني كنتُ ما زالت ثقافتي القديمة المتأصلة في ذهني ، وكنت إذا رأيت معماً يخيل لي بأنّه من أتباع مذهب أبي الخطاب ، ولم اكن اقترب منهم في بداية وصولي مدينة قم العلمية ولا اعتمد على كلامهم ولا اشارك في مجالسهم ولا اشارك في جنائزهم ، وكان من الصعب عليّ أن افصل بين مشايخ مذهب أبي الخطاب وبين مشايخ مدينة قم العلمية ، إلى أن شرعت بالبحث العلمي واموضوعي فبدأت اتخلّى شيئاً فشيئاً وبالتدرج البطيء عن عقيدتي السابقة في عدم الفصل بين مشايخ الخطابية في عصرنا ومشايخ مدينة قم العلمية في القرن العشرين

المصيبة الكبرى - التي حلت بي حين هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية أنني كيف اقنع زملائي في المعاهد العلمية في صنعاء والرياض بأنّ مشايخ مدينة قم العلمية في هذا العصر هم غير مشايخ مذهب أبي الخطاب في عصرنا ؛ لأنّ المرتكز في ذهنهم بسسب تأثير كتاب تبديد الظلام بأنّه لا فرق بين مشايخ مدينة قم العلمية وبين مشايخ مذهب أبي الخطاب ، وهذا الأمر منعني من الرجوع إلى مدينة الرياض أو مدينة صنعاء ؛ لأنّ زملائي كانوا يسألوني هل صرت شيخاً من مشايخ مذهب أبي الخطاب ، ولمّا كنتُ أقول لهم بأنّ مشايخ مدينة قم العلمية لا صلة بينهم وبين مشايخ مذهب أبي الخطاب ، كانوا يقولون هل بدأنت تستخدم التقية ؛ لأجل تخدعنا ؟! .

وفي الحقيقة أنني كنت في البداية في محاضراتي الموجه إليهم أريد أن يفصلوا بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، وبعد ذلك يمكنهم الفصل بين مشايخ مدينة قم العلمية ومشايخ مذهب أبي الخطاب ، وكنت أقول لهم ألستم تهتمون بالتوحيد ومعرفة الله ؟ ! فلماذا لا نزن مشايخ مدينة قم ومشايخ الخطابية في عصرنا بميزان التوحيد ومعرفة الله ؟ فمن كان مخلصاً الله في توحيده .. لا يمكن أن نجعله في مستوى من كان مشركاً بالله !! ألم يفصل الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب بين أهل التوحيد ومعرفة وأهل الشرك ؟ فلماذا أنتم تريدون منّي المساواة بين أهل التوحيد ومعرفة الله من مشايخ مدينة قم العلمية وبين أهل

ص: 294

الشرك من مشايخ مذهب أبي الخطاب ، وأنا وزنت مشايخ مدينة قم العلمية في هذا العصر بميزان التوحيد ومعرفة الله ، ووزنت مشايخ الخطابية في القرن العشرين بميزان التوحيد ومعرفة الله ، وبالتالي أنا التزمت بالميزان الذي كان يراه الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه - ، إذ كان يقول أن الميزان في معرفة الناس هو ميزان التوحيد ، وأنا لم اعتمد على مشايخ مدينة قم في هذا العصر إلّا بعد أن أجريت عليهم الميزان الذي تعلمناه من الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ؛ لأجل ذلك منذ اليوم الأول من وصولي مدينة قم العلمية بدأت ابحث عن كتب مشايخ مدينة قم العلمية في مجال التوحيد ومعرفة الله ، وقرأت الكثير من كتبهم حول التوحيد ومعرفة الله إلى أن وصلت إلى اليقن أنّهم من أهل التوحيد ومعرفة الله ، وقرأت بحوثهم حول اسماء الله الحسنى ، وأدركت بأنهم لم يخالفوا منهج القرآن في تعريف اسماء الله الحسنى ، وقرأت لهم عشرات البحوث في الرد على أبي الخطاب وعلى أهل الشرك من أصحابه وردودهم على مشايخ الخطابية في عصرنا وفي عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولولا ذلك لما سكنت في مدينة قم العلمية ، وكنت رجعت إلى مدينة الرياض من جديد وكتبت كتاباً في بيان شركيات وبدع مشايخ مدينة قم في القرن العشرين

ونحن في الرياض كنا نطعن في مشايخ مدينة قم ، ونتهمهم بالشرك بالله ؛ لأننا لم نفصل بين مشايخ الخطابية في عصرنا وبين مشايخ مدينة قم العلمية في القرن العشرين ، والسلفي التقي

لا يساوي بين المشركين والموحدين

السبب الثاني : يرجع إلى تعريف أبي الخطّاب والخطابية في عصرنا للشرك بالله ، وقد

سمعتهم عندما كنت التقي معهم في بيوتهم وفي مراكزهم ، وقرآت في كتبهم المعروفة والمشهورة أنّهم يرون بأن الشرك بالله هو الدعوة إلى غير الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لا الدعوة إلى غير الله ؛ لأجل ذلك لم يعد الخطابية فى عصرنا يدركون المعنى القرآني للشرك

إنه حين التبس أمر توحيد الله لدى الخطابية ، وحين لم يدركوا حقيقة اسماء الله الحسنى ، فمن الطبيعي أن يلتبس عليهم أمر الشرك بالله ، ومن لا يعرف معنى توحيد الله لا يمكن له أن يدرك معنى الشرك بالله

ص: 295

السبب الثالث: تأثر أبو الخطاب با لأساطير المجوسية وبعقيد بولس في عيسى بن مريم -ع - إن عقيدة أبي الخطاب الخاصة بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ترجع جذورها إلى عقيدة بولس بعيسى . إن عيسى هو إله آخر بجوار الله عند بولس والإمام جعفر الصادق علیه السلام هو إله آخر بجوار الله . ونمضي في مهزلة عقيدة أبي الخطاب فنلحظ أنّ أبا الخطاب يرى وجود مؤثّرين وخالقين لكلّ واحد منهما إستقلالية مطلقة ، وقد أخذ أبو الخطاب هذه الفكرة من المجوسية الذين قولوا بوجود مؤثرين وخالقين : أحدهما : يزدان ، والآخر : أهريمن

وتحكي كتبنا لما ظهر بعض غلاة المعتزلة في عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام فوجد الإمام بعض المعتزلة جعل للإنسان قدرة في مستوى قدرة الله فرأى الإمام هذا من إرهاصات جعل الإنسان شريكا الله فقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " لعن الله المعتزلة ، أرادت أن توحد فأ لحدت " - بحار الأنوار 8/5 -

ولكي يكون مراد الإمام جعفر الصادق علیه السلام واضحاً بين حفيده الإمام الرضا المراد من قول جده الإمام جعفر الصادق علیه السلام بقوله : " مساكين القدرية [المعتزلة ] أرادوا أن يصفوا الله - عزّ وجلّ - بعدله فأخرجوه من قدرته وسلطانه " - بحار الأنوار 52/5 - .

والمهم أن كلام الإمامين - الصادق علیه السلام والرضا - هو شرح وتوضيح و إفصاح لقول رسول الله - ص - : " القدرية مجوس هذه الأمة " - التوحيد للشيخ الصدوق / 382 - .

و إنما دعاني إلى دخول هذا المبحث ؛ لأجل بيان المماثلة والمشابهة بين الخطابية والمجوسية لندرك أنّ أبا الخطاب كان يؤمن بأفكار تضرب جذورها في الأساطير المجوسية ، ولا علاقة لأفكاره بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لا سيّما بأن أبا الخطاب كان يزعم بأن كل أفكاره أخذها من الإمام جعفر الصادق علیه السلام

كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرى أنّ الثقافة التي تنتشر في العالم الإسلام بأسم الإسلام بحاجة إلى تنقية كاملة ، وكان يرى أنّه يجب غربلتها من الأساطير المجوسية ومن الشركيات النصرانية

وفي هذا الكتاب سوف نختار نماذج محددة لهوم وشكاوى الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 296

لم بعد مسيرة طويلة من البحث والتنقيب وجدت الإمام جعفر الصادق علیه السلام - ع لن نعرف هذا الإمام العظيم إلا من خلال التأمل في كلماته ورسائله التي بثّها بين أتباعه

مما يثير الدهشة أنّنا كنا نتصوّر في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء بأنّه لم يقدم شيئاً يذكر لا فى مجال التوحيد ومعرفة الله ، ولم نكن نعرف شيئاً عن محاسن كلامة ورسائله ولا نعرج إليها من قريب و لا من بعيد .

و من هنا ليس غريباً أن نوزع كتاب تبديد الظلام لإبراهيم الجبهان الذي يطعن فيه ويرى بأنّ لا فرق بين أبي الخطاب وبين الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا فرق بين أصحاب أبي الخطاب وأصحاب الإمام الصادق علیه السلام

ما دام الأمر كذلك فقد أردت في هذا الكتاب أن يكون مزيّناً بمحاس ومعالم كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام

و ليس سلفياً حقيقياً من يجهل معالم ومحاسن كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام ثم يحكم عليه بأنه لم يقدم شيئاً لهذه الأمة تقليداً لصاحب كتاب تبديد الظلام .

السبب الرابع : لقد مضى بولس في طريق ذكر عيسى حتى غاب عنه ذكر الله ، و سلك أبو الخطاب نفس المسيرة غرق في ذكر الإمام جعفر الصادق علیه السلام فنسي ذكر الله

والكلام عن ذكر الله له مناحي عديدة ، ولكنّ الذي يهمني هنا دور عدم ذكر الله في ميلاد إنحراف أبي الخطاب ، وقد أحس الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّ عدم ذكر الله ورث أبو الخطاب تحليل ما حرم الله وإهمال ما أوجبه فقال – ع – لمن حوله :

" مِن أَشَدَّ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ ذِكر الله كثيراً خَلْقِهِ ذِكر الله كثيراً ... لا أعني سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ، و إن كانَ مائة مرة ، و لكن ذكر الله عندَ ما أحلّ وحرم ، فإن كان طاعةً عمل بها ، و إن كان معصيةً ترَكَها الكافي : باب إجتناب محارم الله - .

لقد أصابت أبو الخطاب غيبوبة بعد تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام أضعفت لديه وجود الله وذكره ، فانهارت محارم الله - جل ثناؤه - عنده ، فعادت الصلاة الله لا قيمة لها لديه ، و انخفض شأن الأذان عنده ، و زال عشق الله من قلبه ، واستيقظ حبّ الشيطان في وعيه .

ص: 297

لقد تلاشى كلّ شيء في دين الله عند أبي الخطاب منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه ألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام

السبب الخامس : استهانتته بأحكام الشريعة الإسلامية .

وقد انساق مع بولس النصارى في هذا الانحراف فاستباح من شريعة الإسلام ما كان محظورا محرماً ، ثم ما زال الخطابية على خطتهم في الإستهانة في أحكام الحلال والحرام على مرّ الأيام ، وأصبح في نهاية الأمر من أركان الخطابية استباحت المحرمات

ولا ننسى أنّ أبا الخطاب كان يسخر من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – الذين كان

لديهم إهتمام خاص بنقل روايات الحلال والحرام ، و كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – يدافع عنهم أمام هجوم أبي الخطاب والذين حوله و يبيّن أنّهم حماة الدين والشريعة أمام أبي الخطاب والخطابية ، و هذه صورة عن دفاع رواة أحكام الشريعة الإسلامية الغراء :

" يقول أحد أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - وهو جميل بن دراج – كنا نعرف أصحاب أبي الخطاب ببغض هؤلاء - أي ببغض رواة الشريعة الإسلامية الذين نقلوا عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام أحكام الحلال - نعم كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرى أنّه لابد كشف القناع عن هذا الخداع ، حتّى يدافع عن الشريعة المستباحة من أبي الخطاب والخطابية ، " ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيًا من حي عن بيّنةٍ " - الأنفال : 42 - .

أريد في هذه السطور أن أبين لزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء حقيقة الصراع الشديد بين رواة الحلال والحرام من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين يعملون لحساب أبي الخطاب ويحامي عن مشروع الشيطان و لا يؤمن بشريعة القرآن

نريد أن نعرف من له دين ينتسب إليه حقاً ، ويحامي عنه ويؤمن بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن لا دين له ويبيع دينه لأبي الخطاب و أصحابه

والحق أنَّ معالم الخطابية التي تكونت على يد أبي الخطاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لا علاقة لها بوحي ، وتهدم شريعة النبي الخاتم ، وبيّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّها شيء يغاير كل المغايرة رسالة نبي الإسلام – ص

ص: 298

وقد ظل أئمة أهل البيت بعد الإمام جعفر الصادق علیه السلام حتي جاء الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري

وقد تدبَّرت في كلمات ألأئمة أهل البيت من الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر – الإمام جعفر الصادق علیه السلام - إلى الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري – ع – فوجدتهم يؤكدون أن الخطابية قررت الإجهاز على هذا الدين و الخلاص منه بأي ثمن

وكان أئمة أهل البيت يكشفون مؤمرات رؤوساء الخطابية بين فترة وأخرى ، ويكشفوا للناس الخلاف الواسع بين القيم الجعفرية ، والمسالك الخطابية

وكراهية الخطابية لأئمة أهل البيت معروفة ، فهم يرونهم يطاردونهم ويفضحون مخططاتهم ضد الإسلام والمسلمين

وكراهية أبي الخطاب والخطابية للإسلام ولرواة أحكام الحلال والحرام من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام معروفة ، فهم يرون هؤلاء الرواة أكبر مانع لتنفيذ مخططاتهم

ومن نجد أنّ الحقد على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين نقلوا عنه أحكام الشريعة

الإسلامية ومسائل الحلال والحرام جزء من تعاليم الخطابية كما بيّن ذلك صاحب الإمام جعفر الصادق علیه السلام جميل بن دراج النخعي

إن كلام جميل بن دراج علّمنا أنّ السخرية من رواة الحلال والحرام كان ديدن أبي الخطاب وجماعته الخطابية ؛ لأنّ ابا الخطاب كان شروع إنحرافه من كراهية الفقه [ فقه الحلال والحرام] والفقهاء من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

السبب السادس : تلاعب أبي الخطاب بنصوص القرآن ونصوص كتب الحديث النبوي ونصوص كتب كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام

إن النصوص المنقولة عن أبي الخطاب وعن كل الجماعة الخطابية التي نشرها علماء الحديث وعلماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والتي تناولها الشيخ الإمام النجاشي والشيخ الإمام الطوسي في تراثهما الرجالي العظيم تبيّن مدى تلاعب أبي الخطاب والخطابية في آيات القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية وفي كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 299

إنك تجد أن أبا الخطاب والخطابية يتلون القرآن الكريم ويستفتحون كلامهم بكلمت الإمام جعفر الصادق علیه السلام وينقلون خطبه وحكمه وما جاء عنه في الشرائع والأحكام ، لكنهم أسلوبهم في تناولها يقود إلى استئصالها والفتك بها

إن أسلوبهم في فهم نصوص الإسلام غير طريقة نبي الإسلام وغير منهج الإمام جعفر

الصادق علیه السلام ، وقد جنى الإمام جعفر الصادق علیه السلام من بعده العلقم من طريقتهم في التعامل مع نصوص القرآن والسنة التي لا تخالف كتاب الله وطريقة تعاملهم مع كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي لا يخالف كتاب الله .

إنني الآن انظر في كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكلمات الإمام الكاظم وكلمات الإمام الرضا وكلمات الإمام الجواد وكلمات الإمام الهادي وكلمات الإمام الحسن العسكري وكلمات الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري حول أبي الخطاب والخطابية فأرى أنّ أئمة أهل البيت يرون أنّ خطر أبي الخطاب والخطابية أشدّ من خصومهم من الحكّام الظلمة في عصرهم ؛ لأنّ هؤلاء الحكام الطغاة الظلمة يبتغون التصفية الجسدية لهم أما أبو الخطاب والخطابية فالمنهج الذي اتبعوه في فهم القرآن والحديث وفهم روايات أئمة العترة يؤدي إلى محو الإسلام وتصفيته فلا يبقى له عين و لا أثر

وقد بيّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكلّ أئمة أهل البت من بعده بأنّ انسلاخ أبي الخطاب والخطابية عن التوحيد ومعرفة الله ودخولهم في مسالك الشرك طريقتهم الغريبة في فهم الآيات والأحاديث والرويات التي قادتهم إلى تبنّي اراء شاذة لم يتم استنباطها من القرآن ولا من السنة التي لا تخالف كتاب الله ولا من كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي لا يخالف القرآن الكريم ، و صارت بهم الى معاني لا صلة لها با لقرآن ولا بأهدافه بل يبغون سوق معاني القرآن وأهدافه إلى أهدافهم المعروفة وإلى اهوائهم النفسية .

لقد أدرك أبو الخطاب والخطابية أنّ الوعي با لقرآن الكريم يعطي السياج الذي يحمي رسالة الإسلام ، ويحافظ على هذا الدين وتثبيت قواعده وأركانه في عصر ومصر ؛ لأجل ذلك سعى أبو الخطاب جاهداً لهدم الوعي بكتاب الله ، لكن الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – واجه أبي الخطاب والخطابية بشكل صريح لا مداهنة فيه ولا مجاملة .

ص: 300

والروايات التي وردت عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن أئمة أهل البيت من بعده عن أبي

الخطاب بلغت من الكثرة بمكان بحيث لا يمكن لي حصرها وذكرها في هذا الكتاب ، لكن كل تلك الرويات تبيّن أن حركة أبي الخطاب والخطابية هي أخطر إنقلاب فكر يهدّد التوحيد ومعرفة الله لدى هذه الأمة .

السبب السابع : حب الرئاسة الدينية والزعامة المعنوية الروحية لدى أبي الخطاب

إن طلاب الآخرة لا يقدمون على صناعة حركة شيطانية بأسم دين الله ، أمّا طلاب الرئاسة الدينية والزعامة المعنوية الروحية فيهمهم أسر العقول والنفوس وجذب الرجال والنسوان والأطفال حولهم يسبحون بحمدهم ويقدسونهم

إنّ شياطين الأنس والجن يتمثلون لطالب الزعامة الروحية والمعنوية وعاشق الرئاسة الدينية بأشكال عديدة ، وفي يوم دخل أبو الخطاب مع أصحابه الخطابية على مجلس الإمام جعفر ، وأراد الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّ يحذر الناس منه بأنّه من طلاب وعشاق الرئاسة الدينية الروحية والتفت إليهم قائلاً : " من فضائل المسلم أن يقال له : فلان قارىء عزّ وجل - ، وفلان ذو حظ من ورع ، وفلان يجتهد في عبادته لربه ، فهذه

فضائل المسلم ، فما لكم وللرئا سات ! ... فإني سمعت أبي - الإمام الباقر – يقول : " إنّ شيطانا يقال له المذهب يأتي في كل صورة ، إلا أنّه لا يأتي في صورة نبي ولا نبي ،

ولا أحسبه إلا وقد تراءى لصاحبكم - أبي الخطاب - فاحذروه " - رجال الكشي

السبب الثامن : تعطيل أبى الخطاب والخطابية لقواعد اللغة العربية وضوابطها عند تناولهم لكلمات القرآن الكريم وكلمات السنة النبوية الشريفة التي لا تخالف كتاب الله وعند تناولهم لكلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي لا يخالف كتاب الله .

يقف هذا السبب الثامن على رأس الأسباب التي جعلت أبا الخطاب والخطابية يعتقدون بألوهية وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فقد كشف لي دراسة تراث الخطابية من القدماء ومن المعاصرين الذين جالستهم بأنّهم لا يهتمون بلغة القرآن الكريم ، ولم أجد في تتبعي لتراث الخطابية ومؤلفاتهم كتاباً في لغة القرآن الكريم ، وليس ذلك غريباً منهم ؛ لأنّهم لما طعن

ص: 301

الخطابية في القرآن القرآن الكريم وقالوا بتحريفه بالزيادة في آياته وسوره ، وتحريفه بنقصان بعض سوره وآياته ، كان ذلك الطعن هو سبب إعراضهم عن الإهتمام بلغة القرآن الكريم ومن هنا وجدت أن الخطابية لا يشترطون على علمائهم معرفة اللغة العربية ، ولا يرون بأنّ اللغة العربية آله من آلات فهم المصطلحات القرآنية ، ولن تجد في الدنيا كلّها خطابياً له دراية في علوم اللغة العربية وقواعدها يؤهله لفهم المصطلحات القرآنية

ومن الواضح أن جهلهم في علوم اللغة العربيه هو سبب هبوطهم في فهم القرآن الكريم ، وكلّ الفرق الضالة في تاريخ الإسلام كان سبب فسادها الفكري عدم معرفتها بعلوم اللغة العربية ونحن نجد بأنّه منذ اليوم الأول الذي ابتعد أبو الخطاب عن اللغة العربية في فهم القرآن الكريم ساء معتقده وانتقل من التوحيد ومعرفة الله إلى الشرك وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وصدرت منه الشطحات الباطنية الغنوسية والطامات الوثنية المجوسية

ومن نجد أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام حثّ على أهمية اللغة العربية ، وأمر بتعلّمها قائلاً :

تعلموا العربية ، فإنّها كلام الله الذي يكلِّم به خلقه " - الخصال للشيخ الصدوق / 258 -

يُعدُّ نفي أبي الخطاب والخطابية أن تكون اللغة العربية أداة من أدوات فهم المصطلحات القرآنية هو الخطوة الأولى لتدرج أبي الخطاب إلى تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهو رأى بأنه لا يمكن له إثبات إلوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام من القرآن الكريم إلا بنفي أن تكون اللغة العربية آلة من آلات فهم القرآن الكريم ، فلما أدرك أبو الخطاب خطورة الإعتماد على اللغة العربية في نفي عقيدته بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حمل أبو الخطابية والخطابية الأحياء والأموات رأية نفي أن تكون اللغة العربية أداة من أدوات فهم المصطلحات القرآنية ، وصار الخطابية يشنّونَ حرباً شعواء على من يعتمد على اللغة العربية في فهم القرآن الكريم ، وقد وجدت بأنّ كلّ من يرفض التوحيد ومعرفة الله ويؤمن بالشرك وتأليه غير الله لابد أن يستميت في نفي أن تكون اللغة العربية أداة من أدوات فهم المصطلحات القرآنية

أخيراً وجد أبو الخطاب والخطابية سلاحاً يقضي على اللغة العربية كي لا يستفاد منها في فهم القرآن الكريم ، فحضي الفهم الباطني للقرآن الكريم بقيمة كبرى لدى أبي الخطاب والخطابية وقام أبو الخطاب وكلّ الخطابية بكل قدرتهم وعددهم وعدتهم بالتخلّص من اللغة العربية من

ص: 302

خلال قولهم أن القرآن الكريم لم يقم على أساس اللغة اللعربية بل قام أداة جديدة لا توجد في اللغة العربية ، وقوانين لغة القرآن غير قوانين اللغة العربية ، ولغة التفاهم في القرآن ليست ذات لغة التفاهم في اللغة العربية

وحدث بالفعل الفصل عند أبي الخطاب والخطابية بين لغة القرآن الكريم وبين اللغة القرآنية ، وبين أساليب القرآن في الكلام وأساليب اللغة العربية في الكلام ، والقرآن الكريم له طريقة خاصة في فهمه ، ولا علاقة بفهم اللغة الخاصة بالقرآن بقواعد اللغة العربية ، وتم زحزحت قواعد اللغة العربية ، والتفريط بكل علوم اللغة العربية

وبديه أن تختفي كل المصطلحات القرآنية في هذا الجو الذي أوجده أبو الخطاب والخطابية ، ولكن أبا الخطاب والخطابية بعد أن قرروا بأنّ القرآ الكريم لا تفهم معانية من خلال اللغة العربية ، قالوا بأن المصطلحات القرآنية كلّها مبهمة وغامضة ، ومن المحال فك غموضها من خلال اللغة العربية ، ولكن أبا الخطاب والخطابية لما وجدوا أن القرآن الكريم يردّ عليهم حين وصف نفسه بأنه " مبين " ووصف آياته بأنّها " بينات " و " مفصلات " فالقرآن نفسه يبيّن بأنّه يفهم بالفهم العادي المبني على قواعد اللغة العربية ، فأجاب أبو الخطاب والخطابية القرآن مبين " للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وآيات القرآن " بيّنات " و " مفصلات " للإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أمّا لغير الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهو " مبهمات" و " طلاسم

أراد أبو الخطاب من قوله بأن القرآن لايفهم بالفهم العادي أن الأمة تهجر القرآن الكريم ، وتدرك التدبر في المصطلحات القرآنية ؛ لأجل أن يتحقق حلم أبي الخطاب أن تترك الأمة الإسلامية التوحيد ومعرفة الله ، وتتجه إلى الشرك وتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام

والمرءُ لا يسعه إلّا أن يقول بأنّ أبا الخطّاب لا غيرة لدية على التوحيد ومعرفة الله ولا على القرآن الكريم .

ولم يكن أبو الخطاب يحسب أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي عبده وجعله ربّاً وإلهاً سوف يتتبع تراثة كلمة كلمة ويرد عليه بقوةٍ وصرامة ، ولما رأي الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّ أبا الخطاب يريد هدم اللغة العربية كلّها حذر منه ، وحثّ على أهمية اللغة العربية ، وأمر بتعلّمها قائلاً : " تعلموا العربية ، فإنّها كلام الله الذي يكلّم به خلقه " - الخصال للشيخ الصدوق / 258 -

ص: 303

وهكذا نبّه الإمام جعفر الصادق علیه السلام الأمة الإسلامية من مؤامرة أبي الخطاب على لغة القرآن الكريم ، وبيّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأن أبا الخطاب نصر مسالك الشرك وهدم معالم التوحيد على أساس تخريب لغة القرآن الكريم وتفسير المصطلحات القرآنية تفسيراً عجيباً انطلي على بعض جماعته الخطابية

ومع غياب قواعد اللغة العربية المتينة ودورها في فهم القرآن الكريم فتح المجال لأبي

الخطاب والخطابية تحميل القرآن أواهام وأحلام أبي الخطّاب باسم معرفة باطن المصطلحات القرآنية ، دون أن يتقيّد أبو الخطاب والخطابية بأي ضابط من قواعد اللغة العربية أو أصول الدلالات أو قواعد تفسير النصوص

والغريب أنّ المستشرقين يعجبهم أبا الخطاب والخطابية ويفرحون ويمرحون بكلّ تراث أبي الخطاب والخطابية حول أوهام سموها باطن القرآن الكريم ، فوجدناهم يجمعون كل شطحات أبي الخطاب والخطابية في مؤلفاتهم ، ثم ينسبون كلّ تلك الأوهام الخطابية إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وغرضهم من كل ذلك هو الطعن فى القرآن الكريم ، والطعن في الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لكن الأمر المهم الذي جعل الكثير من المستشرقين يدافعون عن أبي الخطاب وعن الخطابية ويطبعون كتب الخطابية في العواصم الأوربية النصرانية ، ويدعمونهم بالأموال الضخمة ، هو أنّ هؤلاء المستشرقين يرون المشابهة بين النصرانية والخطابية ؛ لأنّ الركن الأساسي المشترك بينهم هو القول بألوهية غير الله ؛ لأجل ذلك فتح للخطابية مراكز كبرى في العواصم الأوربية

السبب التاسع : الخلاف الشديد بين معنى التوسل لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومعنى التوسل عند أصحاب أبى الخطّاب ، والتوسل الموجود عند الخطابية في عصرنا مرفوض باتفاق أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ التوسل على الطريقة الخطابية يقودهم إلى باب الشرك بالله

لا ريب أن التوسل ثابت في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ومشكلة الخطابية أنّهم خالفوا التوسل المشروع ، ووقع في سلك توسل أهل الشرك والمشركين قبل البعثة النبوية ، ونقطة انحراف الخطابية في عصرنا أنّهم خالفوا المعنى اللغوي للتوسّل ، فمعنى أن اتوسل بالإمام

ص: 304

جعفر الصادق علیه السلام إلى الله هو أن اتوسل بطريقة توسل الرجل الذي تعلّم من رسول الله دعاء فيه توسل برسول الله ، فلما دعا الرجل ربه بدعا التوسل بالصيغة التي تعلمها من رسول الله رجع إليه بصره بعد أن كان أعمي ، وقد جاء توسل هذا الرجل من طرق تزيد على العشرة ، إلّا أن مشكلة التوسل عند الخطابية أنهم لم يقبلوا أن يكون الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الوسيلة والواسطة لطي وقطع الطريق التي توصلنا في نهاية الطريق إ إلى الله ، وأن يكون الإمام جعفر الصادق علیه السلام وسيلتنا للوصول إلى الله ، بمعنى أن يكون الإمام جعفر الصادق علیه السلام مجرد واسطة ووسيلة إلى الله ، ويكون الغاية الكبرى بعد طي الطريق هو الوصول إلى الله ، والطرق إلى الله كثيرة فنحن نصل إلى الله عند طريق الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أو عن طريق غيره ،ولا يقبل أن يكون جعفر الصادق علیه السلام وسيلة ، ويكون الهدف والغاية هو اوصول إلى الله بل يرون أن الغاية والهدف المقصد هو الوصول إلى جعفر الصادق علیه السلام ، وصار الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الغاية وليس مجرد وسيلة للوصول إلى الله ، وانكروا أن يكون الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الوسيلة إلى الله (الطريق للوصول إلى الله ، مثلاً لأجل وصول هذه السيارة من الرياض إلى منطقة الدرعية احتاج إلى وسيلة وهي الطريق (الوسيله) التي تربط بين منطقة الدرعية وبين الرياض ، فغايتي وهدفي هو الوصول إلى مدينة الرياض عبر الطريق (الوسيلة) التي توصل وتربط بينهما ، لكن الخطابة قالوا لي نحن لا نرى أن هدفك وغايتك هو الوصول إلى مدينة الرياض ، بل هدفك وغايتك هو نفس هذه الطريق المعبدة التي توصل بين الدرعية والرياض

، يعني غايتنا وهدفنا هي نفس هذه الطريق المعبدة اصبحت الغاية هي نفس الوسيله واختلط الحابل على النابل عند الخطابية) ، وصار هدفنا وغايتنا أن نصل إلى الطريق المؤدي إلى الرياض وليس غايتنا وهدفنا الوصول إلى مدينة الرياض ، ثم سكنا في الطرق إلى الرياض بدلاً أن نسكن في نفس مدينة الرياض وغفلنا عن مقصدنا ونسينا مدينة الرياض ، وهكذا أمر الخطابية نسوا الله الذي هو الغاية وتمسكوا بالإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي هو مجرد وسيله وطريق من الطرق التي توصلنا إلى الله

وهنالك فرق جوهري بين توسّل مشايخ مدينة قم العلمية بالإمام جعفر الصادق علیه السلام في القرن العشرين وبين توسل مشايخ الخطابية في عصرنا بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فالتوسل بالإمام جعفر الصادق علیه السلام عند مشايخ مدينة قم العلمية في هذا العصر ليس معناه أنَّ النفع أو الضرر الذي

ص: 305

من

يصيبنا من الإمام جعفر الصادق علیه السلام بل النفع أو الضرر الذي يصيبنا هو من الله وبقدرة الله

وقدرة الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مقابل قدرة الله صفر لا قيمة لها ، أما التوسل عند مشايخ الخطابية في عصرنا ليس كذلك ؛ لأنّ مشايخ الخطّابية في عصرنا جعلوا للإمام جعفر الصادق علیه السلام قدرة خاصة ومستقلة مقابل قدرة الله ، وبالتالي وجدت أن التوسل عندهم بالإمام جعفر الصادق علیه السلام هو توسل بمن لديه قدرة كبرى في مقابل قدرة الله ، وكأننا أمام الهين اثنين لا أمام مخلوق ومعبود، ويرى مشايخ الخطابية في عصرنا بأننا لا يصح أن نطلب حاجاتنا من الله مباشرة ، بل لابد أن نطلبها بواسطة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ الطريق إلى الله مسدودة ومغلقة أمام المتوسلين بالله ، بينما الطريق إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام مفتوحة المتوسلين بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فمشايخ الخطابية في عصرنا عزلوا الله في زواية بعيدة ، ويرون بأنّه الستحيل وصول توسل المتوسلين إليه بشكل مباشر ، ويرون بأن التمسك بحبل الله من المستحيلات وبالتالي لابد من التمسك بحبل الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ومن المكابرة الكاذبة في مذهب أبي الخطاب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي عصرنا

قولهم بأنّ الإنسان يحتاج إلى التوسل بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ويغنيه ذلك عن التوكل على الله ، وتأكيد مشايخ الخطّابية الذين عرفتهم بأنّ التوسل يغلق باب التوكل ، وفي مجالس الخطابية يقولون معنى التوسل للإمام جعفر الصادق علیه السلام هو أن نتوكل على جعفر الصادق علیه السلام ، فتجد خطابية عصرنا يتوكلون على جعفر الصادق علیه السلام ويسمون التوكل على جعفر الصادق علیه السلام بالتوسل بجعفر الصادق علیه السلام ، والخلط بين التوسل بجعفر الصادق علیه السلام والتوكل على جعفر الصادق علیه السلام هو الذي قاد الخطابية إلى الشرك بالله ؛ لأنّ من خلط بين التوسل بجعفر الصادق علیه السلام والتوكل على جعفر الصادق علیه السلام ولم يفصل بين التوكل على جعفر الصادق علیه السلام والتوسل بجعفر الصادق علیه السلام سلك مسالك المشركين ؛ لأجل ذلك نجد أن الله جل ثناؤه – في القرآن الكريم جعل حقيقة التوحيد ومعرفة الله [الحقيقة القرآنية الأولى] مبنية ومنبثقة ومتولّدة من التوكل " ومن يتوكل على الله ، فإنّ الله عزيز حكيم " [الأنفال: 49] ؛ لأنّ روح التوكل معناه أن تلجأ إلى الله ، وتلوذ به ، وتحتمي بحماة ، وتلجأ إلى ذمامه ، ولا تستجير بمن سواه من عبيده كالإمام جعفر الصادق علیه السلام أو غير من العبيد المخلوقين ؛ لأنّه " إنّ الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم " [الأعرف:194] ، " ، فكلّ ما سوى الله ، عبد ، ذلیل ، ضعيف ، وحين نتوسل بالإمام جعفر الصادق علیه السلام مع

ص: 306

التوكل ندرك بأن حاجته إلى الله كحاجتنا ، فكيف نتوكل على جعفر الصادق علیه السلام ، وكيف نتوكل على عبدٍ مثلنا ، ونترك التوكل على الله ، والله أمرنا بالتوسل بجعفر الصادق علیه السلام ولم يأمرنا بالتوكل على جعفر الصادق علیه السلام ، وكل آيات القرآن الكريم تحصر التوكل على الله ، وتفتح باب التوسل بولي الله ، ولكن الخطابية المجوسية لا يفصلون بين التوكل على الله والتوكل على جعفر الصادق علیه السلام ، مع أنّ كل أدعية الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي تنبيه على قطع التوكل عن غير الله ، وحصر التوكل بالله ، وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام ينادي بهذا الدعاء الذي فيه توكل على الله لا توكل على غير الله : " اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام ، واكنفنا بركنك الذي لا يرام ، وأعزنا بسلطانك لا يضام ، وارحمنا بقدرتك علينا ، ولا تهلكنا وأنت الرجاء ربّ كم من نعمة أنعمت بها عليَّ قَلّ لك عندها شكري . وكم من بليةٍ ابتليتني بها قُلْ لَكَ عندها صبري . فيا من قل عند نعمه شكري فلم يحرمني . ويا من قل عند بلائه صبري فلم يخذلني ، فيا من رآني على المعاصي فلم يفضحني

[بحار الأنوار : 405-91] .

مشكلة مشايخ الخطابية في عصرنا بأنّهم لا يملكون صورة دقيقة عن التوكل ؛ لأنَّ التوسل بالإمام جعفر الصادق علیه السلام والأئمة من ولده تضخم عند مشايخ الخطّابية ، ويمكن القول بأنَّ مشايخ الخطّابية لديهم حالة تشبه حالة المصاب بسوء التغذية ، إذ لابد من توازن العناصر الغذائية التى تكون الجسم ، ولا بد من التوازن بين العناصر التي تتكون منها حقيقة التوكل وحقيقة التوسل ، وقد رأيت أنَّ جهل مشايخ الخطابية في عصرنا بالقرآن الكريم هو وراء إختلال التوازن لديهم بين عناصر حقيقة التوكل وعناصر حقيقة التوسل ، إذ غابت عندهم عناصر التوكل على الله بعد أنْ تَضَخَّمَ لديهم التوسل بالإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وصار توكّل مشايخ الخطّابية واعتمادهم واستعانتهم بالإمام جعفر الصادق علیه السلام أعظم من توكلهم واعتمادهم واستعانتهم بالله وغدى يقينهم بما عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام أكثر من يقينهم بما عند الله ، وترى من أعرض تضخم التوسل عند الخطابية في عصرنا يظهر جلياً فى خشوعهم عند ذكر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعدم خشوعهم عند ذكر الله ، ولا يمكن للخطابي أن يعود إلى حقيقة التوكل على الله إلّا إذا أعطى حقيقة التوسل حجمها المعين والمحدد لها في القرآن الكريم

ص: 307

ونريد أن نعرف منابع الحقد على التوحيد ومعرفة الله والتوكل على الله في مذهب الخطاب ، لأجل ذلك جعلنا الحقيقة السابعة في هذا الكتاب في معرفة منابع فكر مذهب أبي الخطاب

السبب العاشر : كراهيتهم لعلم الرجال ولعلماء الرجال ولكتب علم الجرح والتعديل في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ علماء الرجال طعنوا وجرحوا في أبي الخطاب ، وطعنوا في أصحاب أبى الخطّاب ، وكشفوا للناس كيف تلاعب الخطابية في بعض كتب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

من هنا عندما تجلس مع مشايخ الخطابية في عصرنا تجدهم يلعنون الإمام الشيخ الطوسي ويحاربون كلّ بحوثه في مجال علم الرجال ، بل يكرهون وينفرون من كلّ تراث الشيخ ، ولا يكرهون أحداً كما يكرهون الشيخ الطوسي ، وتجدهم يلعنون الشيخ الكشي ويلعنون الإمام الجليل والرجالي الكبير والفريد الشيخ النجاشي - رضوان الله عليه - ويلعنون محمد بن الحسن بن الوليد - شيخ الشيخ الصدوق - ، ويلعنون علماء الرجال المعاصرين فتجدهم يلعنون السيد الإمام الخوئي - رضوان الله عليه - ، ولا يسلم منهم أي عالم من علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في العصر القديم وفي العصر الحديث

ولقد استيقنت وأنا أقرأ كلمات مشايخ الخطابية المعاصرين لنا في الطعن على علم الرجال وعلماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّهم شعروا بأنّ علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هم سبب فشل مذهب أبي الخطاب ، ولولا جهودهم لكانت الخطابية نجحت وانتشر في العالم الإسلامي ، ولكن بفضل جهود علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بقيت الحركة الخطابية الباطنية المجوسية معزولة في مناطق بعيدة ؛ لأجل ذلك يكرهون علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ولم تستطع الحركة الخطابية أن تخترق مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام رغم محاولتها منذ أكثر من ألف عام وإلى يومنا هذا ، بل لا يوجد أحد يعرف مشايخ خطابية القرن العشرين في وسط مجتمعات مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في هذا القرن ، ويعيش مشايخ الخطابية في عصرنا في عزلة وغربة ؛ لأجل ذلك تجدهم يلعنون علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر

ص: 308

الصادق علیه السلام علناً ونهاراً ، ويكرهون علم الرجال في هذا المذهب العظيم ، ويلعنون الإمام الخوئي ويحرمون النظر إلى كتابه العظيم المعروف بمعجم الرجال

إنهم سلالات باطنية خطابية تلبس الإسلام على خليط من الأفكار التي لا سناد لها من القرآن الكريم ، ولكنهم تلقوا ضربة مهلكة من علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فصبوا أمواج غضبهم عليه .

السبب الحادي عشر : تجويز الخطّابية للكذب على الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأكاذيب تظهر الإمام جعفر الصادق علیه السلام كشخصية تتلاعب في كتاب الله ؛ لأجل الدفاع عن أبي الخطاب ، ولا مجال في هذا الكتاب أن ننقل كل الأساطير التي وضعها الخطَّابية في سبيل تحسين وتجميل شخصية أبي الخطّاب ، وسوف نذكر نموذجين حول هذا الموضوع : النموذج الأوَّل : قال الخطابية في قول الله - جل ثناؤه - " أمّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لَمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ في البحرِ ، فَأَردتُّ أَنْ أَعِيبَهَا ، وَكَانَ وَرَآهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا " [الكهف: 79] .

نجد مشايخ الخطّابية في عصرنا وفي عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام تلاعبوا بهذه الآية من أجل تبييض وتوجية وتبرير لعن الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأبي الخطاب وقالوا : " أمّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ في البحر ، فَأردتُ أَنْ أَعِيبَهَا " ؛ لكي لا تعطب أهلها . إنَّ المراد بالسَّفِينَةَ في هذه الآية هو الإشارة إلى أبي الخطَّاب ، والمراد بالمَسَاكِين في الآية هم أصحاب أبي الخطَّاب الذين قتلهم الطاغية العباسي في نفس اليوم الذي قتل أبا الخطَّابِ ، أَمَّا المراد من وَكَانَ وَرَآهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا " هو الطاغية العباسي الذي أرتكب جريمة قتل أبي الخطاب مع أصحابه ، وهو عيسى بن موسى العباسي ، وأما " فَأَردتُ أَنْ أَعِيبَهَا " فالذي أراد أن يعيب السفينة هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي ينوب عن الخضر ، فكان عليه السلام - يعيب ويلعن أبا الخطّاب في الظاهر أمام الطاغية العباسي ، لكن الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان أبا الخطاب فى الباطن وفي واقع الأمر . كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي : 54]

النموذج الثاني : بعد أن تلاعب الخطّابية في القرآن الكريم ؛ لأجل تبييض وتجميل لعن الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأبي الخطَّاب ، قام الخطَّابية بالتلاعب في علم الرجال ؛ لأجل تبييض وتجميل

ص: 309

لعن الإمام جعفر الصادق علیه السلام لأبي الخطَّاب ، فقالوا : إن الشخص الذي لعنه الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو رجلٌ آخر يشترك مع أبي الخطاب في الإسم ، فالإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يقصد بلعنه قتادة بن دعامة البصري، فقيه أهل البصرة ، وكان قتادة يأتي إلى الإمام جعفر الصادق علیه السلام وإلى والده الإمام محمد الباقر ، وكان قتادة يكنّى بأبي الخطَّاب ، فقال أبو الخطّاب وأصحابه بأنَّ قتادة هو الذي كان يلعنه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبأن الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يصنع ذلك لأجل التلبيس على أصحابه كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي:55] .

إنَّ أبا الخطاب وأصحابه يكرهون أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أشدّ الكراهية ؛ لأجل ذلك نجدهم يعلنون بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام إنّما لعن أبا الخطاب ؛ لأجل أن يخدع أصحابه ، وقد ذكرنا في هذا الكتاب بأن أبا الخطاب وأصحابة كانوا يضعون روايات على لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام مليئة باللعن والذم في أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحابه

لكن الخطابيين لا يعلمون أنَّ الله غالب على أمره ، وأنَّ مكر الله أشدُّ من مكرهم ، وأنَّ الله يدافع عن أهل التوحيد ومعرفته من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وها نحن نشاهد عظمة مكانة أهل التوحيد من أصحاب جعفر الصادق علیه السلام لدى كلّ المسلمين ، ونرى كيف يلعن أهل الشرك من أبي الخطاب وأصحابه في كلّ مكان في العالم الإسلمي " والذين كذبوا بآيتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ، وأملي لهم إنَّ كيدي متين " [الأعراف: 182-183] .

وحان الآن أن نختم الباب الثالث ونشرع في الدخول إلى الباب الرابع وهو بيان

خصائصأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبيان خصائص أصحاب أبي الخطاب

ص: 310

الباب الرابع : خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أصحاب أبي الخطاب

اشارة

ص: 311

تمهيد

ما سرّ عجز معاهدنا العلمية والسلفية عن إدراك الفرق بين خصائص أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، في حقيقة الأمر بعد أن لم تتمكن معاهدنا العلمية السلفية من إدراك الفرق الجوهري بين الحقائق العشر لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام والحقائق العشر عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، كان من الضروري ومن الطبيعي أن لا تستطيع معاهدنا العلمية السلفية من التمييز بين خصائص أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، يبقى علينا أن نعرض الفرق الجوهرى بين خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لطلاب المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء .

ولا شك أنّ على طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية إذا كان يريد معرفة الفرق الجوهري بين خصائص أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطَّاب أن يدرك ثلاث حقائق هامة مرتبطة بالبحث عن خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبالبحث عن خصائص أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب وهي:

الأولى : إنه لا يمكن أن ندرك خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلا إذا أدركنا الحقائق التي حولهم، ومن ثم بحثنا عن حقائق حول أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قبل البحث عن الخصائص التي حولهم.

والثانية : إنّ مشكلة زملائي من مشايخ معاهدنا العلمية السلفية أنهم لم يميزوا بين خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ؛ وبذلك تكون معاهدنا السلفية العلمية خلطت بين الخصائص التي اثبتوها لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الخصائص التي اثبتوها لأصحاب أبى الخطّاب وقد جرّهم هذا الخلط إلى أنّهم نسبوا كل خصائص أصحاب أبي الخطاب إلى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكانت النتيجة لهذه النسبة الخاطئة أنّنا كنا في المعاهد العلمية السلفية نكفّر أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك لابد لطالب العلم السلفي من مراجعة مرحلة المعرفة الإنتسابية لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي طرحنا فيها

ص: 312

ما نسب وكذب وافتري على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خصائص يتصف بها أصحاب أبى الخطاب

والثالثة : إنّنا لاحظنا أن أتباع الجماعة السلفية لم يميزوا بين خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب، ومن ثَمّ نسبوا بعض خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا كله ناتج عن مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب عند أتباع الجماعة و السلفية التي تناولناها في مرحلة المعرفة الانتسابية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في هذا الكتاب.

وكما ذكرنا في المرحلة الثانية لمعرفة أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولمعرفة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مرحلة المعرفة التحليلية أنّ لأهل أ التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حقائقهم التي يتكون منها قوامهم ، ويتألف منها كيانهم . وسوف نذكر – هنا - أنّ لهم خصائصهم التي تتميز بها شخصيتهم ، وتنفرد بها ملامحهم عن الملامح والخصاص الي تتميّز بها شخصيات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب؛ لأنّه من المستحيل أن تتحد خصائص وسمات أهل التوحيد ومعرفة الله مع سمات وخصائص أهل الشرك ؛ لأجل ذلك وجدنا القرآن الكريم من أول سورة فيه إلى أخر سورة يؤكّد على ضرورة الفصل بين خصائص أهل التوحيد وبين خصائص أهل الشرك ؛ لأنّ عدم الفصل بين خصائص هؤلاء عن خصائص يجعل المؤمن يدخل في مسالك أهل الشرك وهو يحسب يمشي في طريق أهل التوحيد " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " - سورة يوسف : 106

ونحن - هنا - قد قمنا بتقسيم خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي يتميزوا ويتفردوا بها عن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى ثلاث خصائص من خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وسنكتفي برسم صورة مختصرة عن هذه الخصائص القرآنية الست التي تفرد بالأخذ بها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالقياس إلى أصحاب أبي الخطاب وهي:

بعد أن قمنا ببيان الفرق بين تلك الحقائق العشر الكبرى وشرحنا الفرق بين رؤية أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام لتلك الحقائق العشر وبين رؤية أهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب إلى تلك الحقائق العشر ، الآن نشرع في بيان الفرق بين رؤية أهل

ص: 313

التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام لهذه الخصائص القرآنية الست وبين رؤية أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لتلك الخصائص القرآنية الست .

الخاصية القرآنية الأولى : خاصية الوسطية القرآنية في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام : الفرق بين تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر

الصادق علیه السلام وبين تعامل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام :

سوف نقارن هنا الفرق بين كيفية تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين كيفية تعامل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الوسطية القرآنية في تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع هذا الإمام المظلوم ، لأننا نعتقد بأن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لما كان لديهم معرفة عميقة في التوحيد ومعرفة شاملة بالله وصفاته وسماته ؛ لأجل ذلك من المستحيل أن يكون لديهم اعتقادات خطابية حول شخصية الإمام الصادق علیه السلام ، لأن من عرف الله لا يمكن أن يقبل بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام إنه من خلال هذه الوسطية القرآنية في تعاملهم مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام انبثقت وسطيات أُخرى عند أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كل حقائق وخصائصهم ومن هذه الخاصية تنشأ خصائص وسطية أُخرى كخاصية الوسطية أثناء تناولهم للصفات الإ لهية ، خاصية الوسطية في كيفية تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع مقامات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حيث وقفوا أمام أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب الذين قالوا بربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

الخاصية القرآنية الثانية : خاصية الواقعية في التعامل مع كتاب الله ، حيث رفضوا الفكرة الخطابية الباطنية الغنوسية التى رفضت كلَّ ضوابط اللغة العربية :

إن معرفة الله رأس الحكمة فمن خسر معرفة الله خسر كل شيء ، ومن عرف الله ربح كل شيء ، ومادام أن أصحاب أبي الخطاب خسروا معرفة الله فكان من الطبيعي أن تختل معرفتهم بكتاب الله ، فمن لم يعرف الله لن يعرف كتاب الله .

ومن هنا فلا نجد عند أبي الخطاب وأصحاب الخطاب أي معرفة واقعية بالقرآن الكريم

الخاصية القرآنية الثالثة : خاصية كيفية التعامل مع المخالفين للإمام جعفر الصادق علیه السلام بين رؤية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية أصحاب أبي الخطاب :

إن من لم يعرف الله ، ومن يعبد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويتخذه إلها وربّاً ، لا يمكن له أن يتعامل بحكمة مع خلق الله ؛ لأنّ رأس الحكمة معرفة الله ؛ من أجل ذلك فأن معاملة أهل

ص: 314

الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع المخالفين للإمام جعفر الصادق علیه السلام تقوم على أساس التكفير ، فأهل الشرك من أصحاب أبى الخطاب يشتركون مع غلاة السلفية في . مسألة تكفير المخالف المسلم .

وقد بذلنا كل جهدنا لنطرح هذه الخصائص بصورة يقبلها إخواننا السلفيين ؛ من أجل أن يدركوا الفرق بين خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين خصائص أصحاب أبي

الخطاب .

الخاصية القرآنية الرابعة : خاصية القتال في سبيل الله : الفرق بين قضية القتال في سبيل الله لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وقضية القتال في سبيل الله عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

الخاصية القرآنية الخامسة : خاصية النظرة إلى ثورة عاشوراء : الفرق بين قضية قضية ثورة عاشوراء لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وقضية عاشوراء عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب .

الخاصية القرآنية السادسة : خاصية الوسطية القرآنية في التعامل مع أصحاب رسول الله .

والآن سوف نشرع في بيان الخاصية القرآنية الأولى : خاصية الوسطية القرآنية الفرق بين تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تعامل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ص: 315

الخاصية القرآنية الأولى : خاصية الوسطية القرآنية الفرق بين تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تعامل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 316

تمهيد

وبعد أن ينتهي زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية من دراسة المراحل الثلاث ينتقلوا إلى دراسة خصائص مذهب أئمة التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ودراسة خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب، وهذه الخصائص وإن كانت ترتبط بمرحلة المعرفة التحليلية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ولكننا آثرنا دراستها في باب مستقل

الخاصية القرآنية الأولى : خاصية الوسطية القرآنية : الفرق بين تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تعامل أهل الشرك من أصحاب الخطاب مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام :

وقد تبيّن لأخواننا السلفيين في المعاهد العلمية الفرق بين تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تعامل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خلال مباحث الباب الأول والباب الثاني والباب الثالث الفرق الجوهري بين تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تعامل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك نكون قد رسمنا خاصية الوسطية القرآنية بشكل مفصل .، وكذلك تبيّن لطالب العلم من السلفيين بأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام تعاملوا مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالمنهج الوسطي المعتدل ، ولم يتعاملوا مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام بطريقة التقصير والتفريط مثل إبرهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ولم يتعاملوا مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا بطريقة الغلو مثل أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب .

أمّا لماذا تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالوسطية والاعتدال ولم ينهجوا منهج أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في تعاملهم ؛ فقد سبق أن ذكرنا بأننا نعتقد بأن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لما كان لديهم معرفة عميقة في التوحيد ومعرفة شاملة بالله وصفاته وسماته ، هذا الأمر جعل من المستحيل أن يكون لديهم اعتقادات خطابية حول شخصية الإمام الصادق علیه السلام ، لأن من عرف الله لا يمكن أن يقبل بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ص: 317

إنه من خلال هذه الوسطية القرآنية في تعاملهم مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام انبثقت وسطيات أخرى عند أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في كل حقائق وخصائصهم .ومن هذه الخاصية القرآنية تنشأ خصائص وسطية أخرى كخاصية الوسطية أثناء تناولهم للصفات الإ لهية، خاصية الوسطية في كيفية تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر مقامات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حيث وقفوا أمام أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب الذين قالوا بربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

والوسطية عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام في كيفية التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي أولى الخصائص القرآنية العظيمة التي يتسمون بها بالقياس إلى كيفية تعامل أبي الخطاب و الخطابية مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبالقياس لكيفية تعامل أبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهي التي بعد أن عرفتها جعلتني أرتحل من تعامل سلفية المعاهد العلمية مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى تعامل أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

لقد كنت أحسب - عندما كنت سلفيّاً - أن منهج معاهدنا العلمية السلفية في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو المنهج الوسط ؛ كما يقول ذلك كل مشايخ المعاهد العلمية السلفية، لكنني بعد أن قرأت كتاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام للإمام محمد أبي زهرة ؛ تبين لي أن السلفيين عدلوا عن الوسطية في كيفية التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتبين لي أن الوسطية القرآنية الواقعية في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي الوسطية التي التي عمل بها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام

ولا بد من التنبيه إلى حقيقة هامة – سبق أن ذكرناها – وهي : إنّ السلفىىن المعتدلين في كيفية تعاملهم مع أهل البيت لم يميزوا بين الوسطية الإيجابية وبين الوسطية السلبية؛ فآمن السلفى ى ن المعتدلين - بسبب منهجية خاطئة – بأن الوسطية في التعامل مع أهل البيت تعني التبرؤ من المنهجين المتطرفين في التعامل مع أهل البيت، أي المنهج المعادي لأهل البيت والمنهج المغالي فيهم، ومن ثَمّ أعلنوا البراءة من المنهجين المتطرفين، لكنهم اكتفوا بهذه البراءة، ثُمّ اتخذوا موقفاً ساكناً وسلبياً تجاه أهل البيت.

وعلى الرغم من أنّ السلفى عن المعتدلين يقولون ب- : أننا آمنا بما جاء عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - في أهل البيت، ويقولون : نشهد أنّ التمسك بأهل البيت من واجبات القرآن الكريم الضرورية، ويقولون : إنّ التمسك بأهل البيت يأتي في المرتبة الثالثة بعد التمسك بالقرآن والسنة التي لا تخالف كتاب الله على الرغم من كل ذلك تجدهم يرجعون إلى غيرهم

ص: 318

ويتمسكون بغير أئمة أهل البيت؛ فكان عندهم مخالفة بين الفعل والقول ! وهذا هو مرادنا بالوسطية السلبية في كيفية التعامل مع أهل البيت عند السلفيين المعتدلين.

أما الوسطية الإيجابية في التعامل مع أهل البيت لدى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهي تعني في البداية التبرُّؤ من المنهجين المتطرفين منهج غلاة السلفية و منهج الخطابية في التعامل مع أهل البيت، ثُمّ إتخاذ موقف إيجابي تجاه أهل البيت.

ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يقول بما قاله السلفيون المعتدلون من وجوب التمسك بأهل البيت، وبالفعل قد عمل مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بذلك، فرجعوا إلى أهل البيت وتمسكوا بهم، وطبقوا وصية الرسول الأكرم الآمرة بالرجوع إليهم، وبذلك فقد صدَّق فعلُهم قولهم.

وهذه هي نقطة الافتراق بين منهج السلفيين المعتدلين في التعامل مع أهل البيت ومنهج غلاة السلفية في التعامل مع أهل البيت، إنّهما منهجان متمايزان لا يلتقيان، ولمن شاء أن يختار ونحن اخترنا منهج السلفى ى ن المعتدلين في التعامل مع أهل البيت، وتركنا منهج السلفيين المعتدلين في التعامل معهم، فخرجنا من مذهب غلاة السلفية إلى مذهب السلفيين المعتدلين ، والله هو الهادي إلى سواء السبيل، وإلى طريق الوسطية المعتدلة ، وننصح طالب العلم أن يرجع إلى المباحث السابقة في هذا الكتاب ؛ من أجل معرفة هذه الخاصية القرآنية الأولى

والآن سوف نشرع في بيان الخاصية الثانية لأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهي : الخاصية القرآنية الثانية : خاصية كيفية التعامل مع كتاب الله .

ص: 319

الخاصية القرآنية الثانية : خاصية كى فىة التعامل مع كتاب الله

ص: 320

الخاصية القرآنية الثانية : خاصية كيفية التعامل مع كتاب الله بين رؤية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية أصحاب أبى الخطاب ، حيث رفض أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فكرة أبي الخطاب الباطنية الغنوسية التي رفضت كلّ

ضوابط اللغة العربية ، وقد سبق أن طرحنا هذا الموضوع في هذا الكتاب حينما ذكرنا الفرق بين تعامل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع المصطلحات القرآنية ، وبين تعامل أصحاب أبي مع المصطلحات القرآنية ؛ لأجل ذلك ننصح الطالب مراجعة ذلك حتى يتبين له هذه الخاصية القرآنية الثانية

إن معرفة الله رأس الحكمة فمن خسر معرفة الله خسر كل شيء ، ومن عرف الله ربح كل شيء ، ومادام أن أصحاب أبي الخطاب خسروا معرفة الله فكان من الطبيعي معرفتهم بكتاب الله ، فمن لم يعرف الله لن يعرف كتاب الله

ومن هنا فلا نجد عند أبي الخطاب وأصحاب الخطاب أي معرفة واقعية بالقرآن الكريم الذي أريد طرحه على طالب العلم السلفي في هذه الخاصية القرآنية الثانية هو أن ، هل يتصوّر عاقل من طلاب معاهدنا السلفية بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام لن يدافع عن أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحابه ؛ من أجل ذلك وجدناه قبل أكثر من ألف ومائتين عاماً يدافع عنهم ضد مطاعن أعاد توليدها وإنتاجها من جديد إبراهيم الجبهان ؛ لأنّه لم يدرك الفرق الجوهري والأساسي بين فهم نصوص القرآن الكريم عند أبي الخطاب والخطابية وبين فهم نصوص القرآن الكريم عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام والجعفرية ، ولم يدرك إبرهيم الجبهان بأن مشكلة أبي الخطاب ومذهبه ترجع إلى تعطيل الخطابية لقواعد وضوابط اللغة العربية ، وهذا الأمر يفتح لهم الباب على مصرعيه ليفسروا القرآ الكريم حسب مزاجهم ورغباتهم واهوائهم ، وقد تدبّرت كثيرا في الفرق الجوهري بين رؤية الإمام جعفر الصادق علیه السلام والجعفرية وبين أبي الخطاب والخطابية حول هذه الحقيقة الخطيرة فوجدت أن أبا الخطاب يتلاعب في كل كلمة قرآنية وعلى سبيل المثال نجد أبي الخطاب تلاعب في كلمة قرآنية تكررت في كتاب الله في أكثر من سورة مثل كلمة " الصراط المستقيم " نجد أبا الخطاب تلاعب في هذه الكلمة القرآنية

الهامة وفصلها عن معناها في اللغة العربية وفصلها عن سياقها الأساسي والمركزي في داخل

ص: 321

القرآن الكريم ، ثم شرع يشرحها حسب رغبته ومزاجه بدون مراعات أي ضوابط أو موازين علمية .

وقد ظل الإمام الصادق علیه السلام طوال حياته المباركة يبيّن أن سبب إنحراف إبي الخطاب والخطابية أنهم خرجوا عن الضوابط العلمية المعروفة في فهم كلام العرب

إن الخطابية ديانة جديدة في تعطيلها قواعد اللغة العربية عند النظر في كلمات القرآن الكريم بغرض شرحها وبيانها حسب أهدافهم بعد أن عطلوا القواعد العلمية الموجودة في اللغة العربية تلك هي الرؤية الصحيحة للإمام جعفر الصادق علیه السلام حول كلمة الصراط المستقيم القرآنية يجب أن تعامل وفق ضوابط وقواعد علمية منبثقة من اللغة العربية ؛ لأن القرآن نزل وفق ضوابط اللغة العربية ، وكانت بداية إنحراف أبي الخطاب من تعطيل ضوابط وقواعد اللغة العربية عند النظر إلى كلمات القرآن الكريم ، وتمكّن أبو الخطاب من خلال تحطيم ضوابط اللغة العربية من تحطيم التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّ أبا الخطاب يرى بأنّه لا يمكن تحطيم التوحيد ومعرفة الله من دون تحطيم قواعد اللغة العربية ، وحاول أبو الخطاب إبعاد ضوابط اللغة العربية عند تناوله لكل كلمات كتاب الله.

من هنا تبيّن لنا سر كراهية أبي الخطاب والخطابية لقواعد وضوابط اللغة العربية ؛ لأنّ أبا الخطاب الخطابية لهم طريقة جديدة في فهم القرآن مبنية على الذوق الشخصي والميول النفسية وقواعد اللغة العربية لها ضوابط علمية وموضوعية بعيدة عن الميول الذاتية والشخصية .

من هنا رأينا أن أبا الخطاب والخطابية كان لهم شأن آخر مع كلمة الصراط المستقيم القرآنية كل كلمات كتاب الله ، إنّها تشبه أن تكون ديانة جديدة في فهم كلمة الصراط المستقيم القرآنية وفي فهم كلّ كلمات كتاب الله تفهم كلّ كلمات القرآن حسب طريقة شخصية ذوقية ذاتية وتجعل من القرآن الكريم من كلمات القرآن الكريم حقلاً للتجارب الشخصية الذوقية الذاتية ، وهذا ضلال كبير يجعل صاحبه يطعن في كتاب الله العظيم ويفهمه حسب مزاجه الشخصي وحسب سليقته وطبيعته

إنّ أبا الخطاب بضربه لقواعد اللغة العربية وضوابطها وعدم الإستفادة منها لفهم كلمات

القرآن في التوحيد وفي النبوة وكلمت القرآن الكريم في يوم القيامة وفي أئمة أهل البيت قد

ص: 322

قرر الإجهاز على كلمات هذا القرآن الكريم وعلى كلمات رسول الله وكلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام والخلاص منها وتعطيلها ، وقد مضت الخطابية وهي تحاول الإجهاز على كتاب الله - جل ثناؤه - حتى بعد هلاك أبي الخطاب ، وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام أعظم من قاوم تلك الرؤية الخطابية

وقد بيّنا - في البحوث السابقة حين طرحنا موقف أبي الخطاب من المصطلحات القرآنية - كيف قاوم الإمام جعفر الصادق علیه السلام هذه الفكرة الخطابية التي كان يراها أعظم مؤامرة على التوحيد ومعرفة الله وعلى القرآن الكريم من بعد وفاة رسول الله .

والآن أريد الحديث مع زملائي في المعاهد العلمية السلفية بأنَّه لابد أن نتعامل مع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومع خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بواقعية، ونقصد بالواقعية – هنا – النظرة الموضوعية لخصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والنظرة الموضوعية لخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب التي تأخذ مسألة وجود فوارق بين خصائص هؤلاء وخصائص أولئك بعين الاعتبار، وتلاحظ إمكانية أن تكون البيئة التي عاش فيها أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام غير البيئة التي عاش فيها أصحاب أبي الخطاب ؛ لأجل ذلك من الممكن أن تكون سمات وخصائص هؤلاء غير سمات وخصائص أولئك وأن تجري على هؤلاء أحكام غير الأحكام التي تجري على هؤلاء تماماً كما لا يمكن أن نحكم على خصائص أصحاب رسول الله – ص – وعلى خصائص أصحاب عبد الله بن أبي بحكم واحد كذلك لا يمكن لنا أن نحكم على خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وعلى خصائص أصحاب أبي الخطاب بحكم واحد، وأنّه من الممكن أن تختلف سمات وصفات وخصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن سمات وصفات وخصائص أصحاب أبي الخطاب

ويجب هنا أن ندرك بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان يؤكد على ضرورة فصل خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب عن خصائص أصحابه من أهل التوحيد ومعرفة الله .

من هنا فالمساوة بين خصائص وسمات وصفات أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص وسمات وصفات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب بدعة تصدّى لها في البداية نفس الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذي كان ليلاً ونهاراً ينهي أصحابه عن مجالسة أبي الخطاب وعن مجالسة أصحاب أبي الخطاب ، وتصدّى لها كذلك أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حيث كانوا في كلمات متواترة عنهم يشرحون خطورة الكفر والشرك الموجود عند أبي الخطاب وعند أصحاب أبي الخطاب و نحن ننصح

ص: 323

إخواننا في المعاهد العلمية السلفية الذين لا تتصوّر عقولهم وجود فرق بين خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين خصائص أصحاب أبي الخطاب ألا يقلدوا في هذا الموضوع الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام في عدم فصله خصائص وصفات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن خصائص وصفات أصحاب أبي الخطاب ، وقد كان الأستاذ إبراهيم الجبهان ينفر حتى من مجرد الإشارة الخفية لهذا الموضوع ، ولسنا مضطرين إلى طرح هذا الموضوع على طريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان ، وسوف نذكر لزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية مضمون ومحتوى نقدنا لطريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان معالجة هذا الموضوع الخطير

إننا من خلال تجربتنا الطويلة مع طريقة الأستاذ إبراهيم الجبهان مع طريقته في طرح هذا الموضوع الخطير ، ومن خلال انتمائنا السابق لمنهجه وطريقته قد آمنا واستيقنا بأن الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان يعطي قيمة كبيرة لخصائص وصفات أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، ثم يعمم خصائصهم وصفاتهم على أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتجده يقيم حرباً شديدة ضد أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ويخيل إليه بأنَّه يقيم حرباً شديدة ضد أهل الشرك من أصحاب أبي الحطاب ولو التفت الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان إلى وجود فرق بين خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أصحاب أبي الخطاب ، ومشكلة أستاذنا القدير إبراهيم الجبهان أنّه لم يتدبّر ويتعمق في دراسة علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، حتى يعلم بأنَّ علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانت حربهم الشديدة على أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وكان الأستاذ إبراهيم الجبهان يمتنع عن قراءة كتب علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بسبب نفرته حتى من ذكر عناوينها، ولو كان الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان يعلم بأن كتب علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام متخصصة في محاربة أهل الشرك من أبي الخطاب وأصحابه لكان قرأها بشغف وحب . ومن هنا يحتاج طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية إلى دقة وفطنة في كيفية التعامل مع كتب علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولابد لطالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية أن يلتفت بأنَّ هنالك فرق جوهري بين تعامل علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تعاملهم مع أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وقد تبيّن لي بأن الذي جعل أستاذنا القدير إبراهيم الجبهان لا يفصل بين خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أصحاب أبي الخطّاب هو أنَّه بأنَّ أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب كانوا يعيشون في مكان واحد ، ولكنّي أقول لأخواني في المعاهد

ص: 324

العلمية السلفية بأنّهم لا بد أن يلتفتوا بأنَّ أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار

ذلك وأصحاب عبد الله بن أبي من المنافقين كانوا يتواجدون في مسجدٍ واحد وفي مجلس ومع نحن ندرك الفوارق بين خصائص أصحاب رسول الله وخصائص أصحاب عبد الله بن أبي وهكذا الأمر تماماً هنالك فرق جوهري بين خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أصحاب أبي الخطاب

كان ينبغي لأستاذنا إبراهيم الجبهان أن لا يبحث عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأن لا يبحث عن أصحاب أبي الخطاب إلا بعد أن يقوم بدراسة علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنه هو العلم الوحيد الذي يستطيع الفصل بين خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ وامنيتي من طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية أنْ يتأملوا في تجربتي مع كيفية تعامل أستاذنا القدير إبراهيم الجبهان مع خصائص أصحاب أبي الخطاب وخصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فتجربتي مع هذا الأستاذ القدير علّمتني بأنّه لن يقبل منك طرح أي موضوع طالما وهو يرتبط بكتب علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكانت لديه عقدة شديدة ونفرة غريبة من علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وليت أستاذنا القدير إبراهيم الجبهان قرأ كتب علماء الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأنا على يقين بأن العقدة من هذا العلم كانت ستزول منه ، وكان سوف يدرك حينئذ الفرق الجوهري بين خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أصحاب أبي الخطاب

وما دام أننا نسعى في هذا الكتاب إلى التقريب بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبدالوهاب رضوان الله عليه - ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - سلام الله عليه - ، ، ولابد لطالب العلم السلفي أن يلتفت بأن مراعات الوحدة الإسلامية بين هذين المذهبين الكبيرين من أعظم الأمور التي حث عليها الله – جل ثناؤه - في القرآن الكريم ، وبالتالي فمن يفرط بالوحدة الإسلامية المقدسة بين هذين المذهبين الكبيرين ، فهو يفرط في مقام وعظمة القرآن الكريم.

إنّ كلامي - هنا - هونابع من ضرورة مراعات وملاحظة تأكيد القرآن الكريم على عدم

الفرقة ، وتأكيده على الإعتصام والوحدة بين جميع أفراد هذه الأمة الإسلامية الكبرى ؛ لأن الغرض من من هذا الكتاب أن نعود من جديد إلى الوحدة الإسلامية كما رسمها القرآن الكريم ، وأرى من أعظم المشكلات التي جعلت أستاذنا القدير إبراهيم الجبهان يقف ضد جماعة التقريب بين أهل السنة والشيعة هي مشكلة تعود إلى عدم قدرة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان على الفصل بين أصحاب أبي الخطاب وبين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ،فكان يتصوّر بأنّ جماعة التقريب بين المسلمين التي كان يقودها الإمام الأكبر محمود شلتوت - رضوان الله

ص: 325

عليه - تنادي بالتقريب بين أهل السنة والجماعة وبين مذهب أبي الخطاب ، ولو علم أستاذنا القدير إبراهيم الجبهان الفرق بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين مذهب أبي الخطاب لما وقف معادياً للإمام الأكبر محمود شلتوت ودعوته للتقريب بين أهل السنة وبين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولما وقف ضد فتوى الإمام شلتوت بجواز التعبّد بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

ومن هنا أرى بأنّ نصيحتي لزملائي في المعاهد العلمية السلفية بمطالعة بمطالعة الكتب التي كتبها أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في الردّ على أبي الخطاب وفي الرد على أصحاب أبي الخطاب ، وفي الرد على الفرقة الخطابية وسوف يتهيئ لزملائي في المعاهد إلى تصوّر وتعقل إمكانية الفصل بين خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وخصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ولن يفوتني هنا توجيه النصح لزملائي في معاهدنا السلفية من أن يلاحظوا وجود الفرق الكبير بين طريقة علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في التعامل مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وطريقة الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام في التعامل مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع خصائص أصحاب أبي الخطاب وسوف يتبيّن لهم بأنّ هنالك منهجين في التعامل مع خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وفي التعامل مع خصائص أهل الشرك من أصحاب

أبي الخطاب :

المنهج الأول : منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في التعامل مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع خصائص أصحاب أبي الخطاب.

والمنهج الثاني : منهج السلفية المغالية المتطرفة في التعامل مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع خصائص أصحاب أبي الخطاب ، وهذا هو المنهج الذي رجحه أستاذنا القدير إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام

وسيتضح لاحقاً أن المنهج الأول منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة والمنهج الثاني منهج غلاة السلفية منهجان مختلفان في كيفية تعاملهما مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومع خصائص أصحاب أبي الخطاب ، وكلاهما يمثل منهجاً مخالفاً للمنهج الآخر؛ الوسطية عند منهج السلفيين المعتدلين في كيفية تعاملهم مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام خصائص أصحاب أبي الخطاب ، والتطرف عند منهج غلاة السلفية في التعامل مع

ص: 326

خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع خصائص أصحاب أبي الخطاب والمنهج الواقعي في التعامل مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع خصائص أصحاب أبي الخطاب هو منهج السلفىىن المعتدلين

وسيتضح لاحقاً أنّ المنهج الأول منهج غلاة السلفية منهج غير واقعي في التعامل مع

خصائص خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع خصائص أصحاب أبي الخطاب ويمثل تطرفا ؛ التطرف عند منهج غلاة السلفية بمعنى الإفراط في كيفية تعاملهم مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع خصائص أصحاب أبي الخطاب والمنهج الواقعي في التعامل مع خصائص أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي التعامل مع أصحاب أبي الخطاب هو منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة.

والآن سوف نبحث الخاصية القرآنية الثالثة وهي : خاصية كيفية التعامل مع المخالفين للإمام جعفر الصادق علیه السلام بين رؤية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية أصحاب أبي الخطاب

ص: 327

الخاصية القرآنية الثالثة : خاصية كيفية التعامل مع المخالفين

ص: 328

الخاصية القرآنية الثالثة : خاصية كيفية التعامل مع المخالفين للإمام جعفر الصادق علیه السلام بين رؤية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية أصحاب أبي الخطاب :

أما الخاصية القرآنية الثالثة فهي : خاصية كيفية التعامل مع المخالفين للإمام جعفر الصادق علیه السلام ولمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام . وهي خاصية ذكرها أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خلال إهتمامهم الكبير بنقل كلام ورسائل الإمام جعفر الصادق علیه السلام في طريقة التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام

إن من لم يعرف الله لا يمكن له أن يتعامل بحكمة مع خلق الله ؛ لأنّ رأس الحكمة معرفة الله ؛ من أجل ذلك فأن معاملة الخطابية مع المخالفين للإمام جعفر الصادق علیه السلام تقوم على أساس التكفير ، فالخطابية تشترك مع غلاة السلفية في غلاة السلفية في مسألة تكفير المخالف المسلم .

إنّ الحاجة إلى الانفتاح على المخالف لك في العقيدة أو المذهب هي حاجة العقل والقلب، وحاجة الحياة والواقع، وحاجة الأمة المسلمة والبشرية كلها على السواء ، وهي حاجة قرآنية ربّانية ؛ لأنّ الله - جل ثناؤه - خلق البشر لأجل التعارف والانفتاح لا لأجل التنافر والانغلاق ؛ ولأنّ الانفتاح على المخالف هو حلقة الوصل بين عباد الله في هذه الأرض ، ومن يقاطع خلق الله من المخالفين له فقد خالف خالق الخلق ، ووقع في شراك الشرك بالله ، ومن ثمّ الإيمان بالانفتاح على المخالف من أهم الخصائص التي تميز أهل التوحيد ومعرفة الله عن أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ؛ لأنّ الله - جل ثناؤه - بيّن لنا في القرآن الكريم بأنّ من أعظم خصائص المشركين عدم الانفتاح على المخالفين لهم من أهل التوحيد ومعرفة الله ، لأجل ذلك فالانفتاح على المخالف لك في الفكر والعقيدة هو الفتح المبين الذي يهبه الله ثناؤه - لكل من عرف الله ووثق به ، والعزلة عن المخالف لك في العقيدة والفكر تباعد بين العبد وبين الله ؛ لأنّ من ابتعد عن خلق الله ابتعد عن الله ، ومن اقترب من خلق الله قرب من الله ، لأجل ذلك فنصيحتي لأخواني السلفيين بأنّهم إذا أرادوا الانفتاح على الله فلينفتحوا مع خلق الله المخالفين لهم ، حتّى ولو كانوا يحسبونهم من أهل الشرك والمشركين

.

وقد حاولنا رسم هذه الخاصية القرآنية العظيمة لزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية بصورة جديدة، لعلهم يدركون الفرق الجوهري بين موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المخالفين وبين موقف أصحاب أبي الخطاب من المخالفين لهم.

ص: 329

ويستطيع الإنسان - وهو واثق - أن يقول : إن عقيدة الانفتاح على المخالفين هي أساسية وضرورية، نقل حول هذه الحقيقة روايات متوترة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وآمنت بهذه الحقيقة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ودوّنوا كلمات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول هذه الحقيقة في كتب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهي حقيقة منبثقة من القرآن الكريم .

وقد رأيت هنالك جهل شبه تام لدى طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية بوجود الفرق الكبير بين موقف مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أهل السنة والجماعة ، وموقف مذهب أبي الخطاب أهل السنة والجماعة ، ومن أجل أن يدرك طالب العلم السلفي ذلك الفرق الجوهري بين الموقفين ، لابد له من التأمل في روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول أهل السنة والجماعة ، فهذه الروايات آمن بها أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكفر بها أتباع أبي الخطاب بسببهم قناعتهم اليقينية بكفر أهل السنة والجماعة ، في حين أنَّ روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي سنذكرها في هذه الفقرة - تصرّح بأن أهل السنة والجماعة من المسلمين تصريحاً واضحاً ، أزعج أبو الخطاب وأتباعه في عصرنا وفي عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسوف نذكر - الآن - تلك الروايات التي صرَّح فيها الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّ أهل السنة والجماعة من المسلمين ، ومن لم يقبل ذلك فهو على مذهب أبي الخطاب لا على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهنا الفت نظر طالب العلم السلفي إلى هذه الرواية ، قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهو في سياق الرد على أبي الخطاب وأصحابه الذين طرحوا مشروع تكفير أهل السنة والجماعة في عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام فقال لهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث " [بحار الأنوار للمجلسي، 248:68] .

طالب جماعة من أصحاب أبي الخطاب الذين في عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام بتكفير أهل السنة والجماعة ؛ لأنّهم لا يقبلون أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر الذين أوصى بهم رسول الله ، ولكن الرد من الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان حاسماً وقاطعاً، إذ بيّن للخطّابية بأن قضية النص عليه من رسول الله بأنّه السادس من الأئمة الاثني عشر ليست ركناً من أركان الإسلام ، وبيّن ذلك بقوله : " " الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث " [بحار الأنوار للمجلسي، 248:68] ، وهناك روايات متواترة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مواجهة الخطابية الذين طرحوا مشروع تكفير أهل السنة بحجة أنّهم لا يرون أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، هو الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر ، ونذكر - الآن - الرواية الثانية في هذا الموضوع الخطير .

ص: 330

وهنالك عشرات الروايات عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في سياق الرد على أبي الخطّاب وأصحابه الذين طرحوا مشروع تكفير أهل السنة والجماعة في عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام فقال لهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، تبيّن كل الروايات أن ولاية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ليست من أركان الإسلام ، وتنص على أن الإسلام يقوم على الشهادتين ، ومن آمن بالتوحيد ومعرفة الله ، وآمن برسالة خاتم الأنبياء ، فهو مسلم ، ومن قال بأنّ الإيمان بأهل البيت هو الركن الثالث من أركان الإسلام، فهو على مذهب أبى الخطّاب ، وليس على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لابد لطالب العلم في معاهدنا السلفية أن يلتفت إلى كيفية المناظرة والحوار بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب من جهةٍ أخري كانت بداية بالنسبة لي لفهم كيفية المناظرة والحوار بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أبي الخطاب من جهة ومعرفة كيفية المناظرة والحوار بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب من جهةٍ أخري.

إنني أعتقد أنّ التقريب بين المسلمين من أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – وأتباع مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب – رضوان الله عليه ما لم نتعلم من الإمام الصادق علیه السلام كيف تعامل مع المخالفين له في العقيدة ومعرفة الله من أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب ، وسوف يتمركز بحثي عن معرفة منهج الإمام الصادق علیه السلام في الحوار مع أبي الخطاب والخطابية من خلال التأمل في تراثه ، ثم بين المناظرات التي كانت بين أئمة أهل البيت بعد الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين الحركة الخطابية في عهدهم

إننا إذا لم نجدد في أساليب الحوار مع الذين لديهم مشكلة في مجال التوحيد ومعرفة الله بطريقة منطقية وعلمية وموضوعية - لا يعني مصادرة حقوقهم - كما تعامل إبرهيم الجبهان وكان يرى أنّ لديهم إنحراف عن التوحيد وعن معرفة الله وقولهم بألوهية وربوبية غير الله ، واتخذوا ألهة من دون الله -

ونحن يجب أن نتعلم من الإمام جعفر الصادق علیه السلام – ع – كيف نتعامل مع الذين نرى أنّهم فارقوا التوحيد و ونتفنن في صياغتها وإخراجها من حالتها القديمة إلى حالةٍ جديدةٍ أكثر علمية؛ فسوف لن يُثمر الحوار حلاً لمشكلاتهم في تأليه غير الله ، بل سوف يخلق بعداً عن الله ومعرفة الله أكثر من ذي قبل. وللحوار بين الموحدين العارفين بالله وبين المشركين الذين

ص: 331

يجهلون مقام الذات الإلهية و لا يعرفون خصائص الله وصفاته ؛ ونحن رأينا الإمام جعفر

الصادق علیه السلام كيف حوار المشركين من الخطابية بطريقة علمية موضوعية منفتحة عليهم مليئة بالآفاق الرحبة يجب أن نعرف معالم إنفتاح الإمام جعفر الصادق علیه السلام :

المعلم الأول : الإمام جعفر الصادق علیه السلام كان شخصية قرآنية وكان يقتدي بالقرآن الكريم في الحوار مع المشركين ، لا سيّما من يشتغل بتلاوة القرآن ويعيش مع كتاب الله يجد أنّ مناظرة وحوار دعاة التوحيد ومعرفة الله من الرسل والأنبياء و اوصياء الأنبياء مع المشركين كان حواراً علمياً ومنفتحاً عليهم

ولو أنّ الأنبياء والرسل تعاملوا مع المشركين بطريقة إبراهيم الجبهان مع الذين كان يحسبهم من المشركين لسالت الدماء وحلت الرماح بدلاً عن عن منطق الحوار.

والقرآن الكريم رسم لنا كيفية الحوار وعلمنا كيف ننفتح على المشركين الذين يجعلون آلهة أخرى ، ونلتقي معهم ونتبادل معهم ونناقشهم حول شركهم ونعرض لهم ما لدينا من التوحيد ومعرفة الله

وهذا التواصل المستمر بين الموحد العارف بالله وبين المشرك الجاهل بالله هو المطلوب من الله ، لكن طريقة إبراهيم الجبهان مع الذين يحسب أنّهم من المشركين قائمة على الإنكماش والإنغلاق بين الموحد والمشرك

إنّ الله قص علينا في القرآن الكريم كيف انفتح العارفون بالله من الموحدين من الرسل

والأنبياء والأوصياء والأولياء على المشركين

إن نصيحتي الكبرى لزملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض الإقتداء بسيرة الإنبياء في الحوار والإنفتاح مع المشركين وترك طريقة إبراهيم الجبهان في الإنكماش والإنغلاق مع الذين يراهم من المشركين ؛ لأنّ في الإنفتاح على المشركين نجاتهم من سفك الدماء وقتل الناس

إن الله بعث الأنبياء لأجل الإنفتاح والحوار مع المشركين ولم يبعثهم لأجل قتل المشركين ، وفي اليوم الذي يترك زملائي السلفية سيرة إبراهيم الجبهان في التعامل مع من يراهم من المشركين سوف يدخلون في الهداية الكبرى ؛ لأنّ أعظم هداية كبرى لأخواني السلفين هي

ص: 332

دم الإنسان سوء كان مشركاً أو كان موحداً ، وأرى بأن أخواني السلفية يتركون سيرة

إبراهيم الجبهان مع من يراهم خصوم التوحيد وأهل الشرك ، سوف يخرجون من العزلة عن المجتمعات التي يرونها مجتمعات أهل الشرك إن الله أراد من الأنبياء هداية الناس هداية المشركين إلى طريق التوحيد ، ولم يرد منهم قتل وسفك دم من رفض التوحيد ولم يؤمن بالله وبربوبيته وألوهيته

أكاد أقول : إنَّ الإمام واجه أهل الشرك من الخطابية بطريقة حضارية تواجه الفكر بالفكر ، ولم يأمر بقتل القائلين بربوبيته وتأليهه ، ومن خلال تتبعي لهذا الموضوع في تراث الإمام جعفر الصادق علیه السلام وجدت أنّه تعامل معهم بطريقة القرآن الكريم في التعامل مع القائلين بتأليه عيسى بن مريم الذين آمنوا بالتثليث المصادم للتوحيد . كان الإمام جعفر الصادق علیه السلام - يتعامل مع أبي الخطاب والخطابية الذين كانوا يرون ألوهيته وربوبيته بنفس تعامل القرآن الكريم مع النصارى حين حاورهم في عقيدتهم بأن عيسى بن مريم هو ابن الله وذلك في قوله – جل ثناؤه -: " يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة . انتهوا خيراً لكم . إنما الله واحد . سبحانه . أن يكون له ولد . له ما في السماوات و ما في الأرض وكفى بالله وكيلا " - النساء : 171 -

وكان مشفقا على أمة التوحيد ومعرفة الله أن يتسرب إليها روايات أهل الشرك وعبادة البشر من أصحاب أبي الخطاب ، فكان يشرف على الكتب التي يكتبها أصحابه بنفسه ويفتشها صفحةً صفحة خوفاً من أن يدّس فيها أصحاب أبي الخطّاب شركياتهم وكفرياتهم ، ويرى بأنَّ الله - جلّ ثناؤه - سوف يسأله عن مضامين كتب أصحابه ، وينقل لنا الإمام الشيخ الطوسي رضوان الله عليه – بأنه : " عُرض على الإمام جعفر الصادق علیه السلام كتاب عبيد الله بن علي الحلبي ، فلما رآه استحسنه وقال : ليس لهولاء مثله " [الفهرست للشيخ الطوسي : 455] ، وقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبى يأخذون الكتب من أصحاب أبي ، فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي " رجال الكشي : 246] ، وكان أبو هارون المكفوف يزعم أنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام قال له : إن كنت تريد القديم ، فذاك لا يدركه أحد ، وإن كنت تريد

ص: 333

الذي خلق ورزق فذاك والدي محمد بن علي الباقر !! ، فقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " كذب عليَّ ، عليه لعنة الله ، والله ما من خالق إلا الله ، وحده لا شريك له ، حق على الله أَنْ يُذيقنا الموتَ ، والذي لا يهلك [لا يموت] هو الله خالق البرية " [رجال الكشي: 296] .

وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرى أنّ المواجهة المسلحة - على طريقة إبراهيم الجبهان - مع أبي الخطاب والخطابية هي خروج منهج الأنبياء في مواجهة المشركين ويؤدي إلى فتنة كبيرة وتصفيات جسدية بين أصحابه أصحاب أبي الخطاب

وهنا نجد أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد أخذ بسيرة نبي الله موسى في تعامله مع السامري

إن قصة الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع أبي الخطاب هي عين قصة موسى مع السامري ، فقد كان السامري من أصحاب موسى ، وكان له تأثير على أصحاب موسى في فترة استقامته ، ونجد في المقابل كان أبو الخطاب من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكان له تأثير على بعض أصحابه في فترة استقامته .

وهنا نجد حين خرج السامري من التوحيد ومعرفة الله وأمر أصحاب موسى بعبادة العجل ؛ لأنّ إلههم وإله موسى قد تجسد في هذا العجل ، ولم يكن أصحاب موسى على علم بأنّ السامري قد ترك التوحيد ومعرفة الله وآمن بألوهية غير الله ، وكان لديه جاذبية في كسب الآخرين بحيث أنّ قدرة السامري جعلتهم لا يستمعون إلى نصائح موسى ، وهكذا الأمر نجد أن أبا الخطاب كان ماهراً في محاولة التأثير على بسطاء أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ؛ لأنّ علاقته بأبي الخطاب كعلاقة موسى بالسامري ، من أجل ذلك حين قال بأن ألههم هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام طرح القضية بطريقة ماهرة وخلق فتنة وسط بسطاء أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مثيلة للفتنة التي أوجدها السامري فو وسط أصحاب موسى ، وهنا نجد أنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام تعامل مع أبي الخطاب كما تعامل موسى مع السامري لم يلجأ إلى المواجهة العسكرية المسلحة إلى القتال والتصفية الجسدية للسامري ، ولم يأمر موسى بقتل السامري ، بل قام موسى بالمواجهة الفكرية مع السامري والإنفتاح والحوار مع السامري ، وراح موسى يحاور السامري ويسأله عن أمره ، ليجيب السامري موسى بأنني كنت ذكياً في مجال صياغة

ص: 334

الذهب ، فأخذت الذهب من المصريات بأمر الرسول ووضعته في النار وصغت منه عجلا ذهبياً وأغريتهم بعبادته

وأنا على يقين لو أنّ إبراهيم الجبهان في مكان موسى لأمر بالمواجهة المسلحة مع السامري وأصحابة ، ولو كان إبراهيم الجبهان فى مكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام كذلك لأمر بالمواجهة العسكرية مع أبي الخطاب وأصحابه

وهنا أرى من الواجب أن يدرك زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء من التجربة الكبرى لموسى مع السامري والتجربة الكبرى للإمام جعفر الصادق علیه السلام مع أبي الخطاب ليدركوا الخطأ الجسيم الذي ارتكبه بعض غلاة السلفية حين تركوا الموجهة الفكرية مع الذين حسبوهم من أهل الشرك واستخدموا معهم الموجهة المسلحة والتصفية الجسدية بينما نجد موسى وجعفر الصادق علیه السلام اعتمدوا على المواجهة الفكرية مع السامري ومع أبي الخطاب

يجب على أخواني السلفيين من الانفتاح مع الذين يرونهم من المشركين ؛ لأنّ الفتح المبين للسلفيين لن يكون إلا بالانفتاح على من يرونهم من المشركين ، والفرج الكبير لن يحصل لأخواني السلفيين إلا حين يستبدلون المواجهة المسلحة مع من يرونهم من أهل الشرك بالمواجهة الفكرية والحوار والانفتاح

ولا شك أنّ التقريب لو تم لتحققت معالجة أكبر مشكلة يعيشها المسلمون في عصرنا الحاضر. وهو ثانياً : طريق لمواجهة كل المؤامرات التي تُحاك من أجل تفريق المسلمين شيعاً وأحزاباً، ومن أجل تمزيق الأمة الواحدة إلى أشلاء متناثرة.

وفي الحقيقة أن هذا الكتاب هو محاولة لمعالجة بعض فهمنا لطريقة الحوار كما رسمه الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خلال تجربتي في دراسة ترث هذه الإمام العظيم ، ومن خلال دراستي لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مدينة قم العلمية ، ومن ثَمَّ فأنا عندما أتحدث عن كيفية الحوار عند الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، إنما أتحدث عن كيفية الحوار لديه بعد أن اعتكفت فترة طويلة لدراسة مذهبه ، وبالتالي فأنا أعرفُ طريقته في الحوار.

ص: 335

وإن من الحكمة في التعامل مع بعض المشركين من أصحاب أبي الخطاب بالطريقة الحسنى ؛ لأنهم شخصيات بريئة وبسيطة يحتاجون منا إلى المعالجة والمعاينة لا المجادلة والمخاصمة ؛ أن ننظر إليهم كما ينظر الطبيب إلى المريض الذي يحملُ له المحبة والمودة، فهو يبذل كل ما لديه من جهدٍ من أجل أن يجلب له الدواء ويزيل عنه الداء ولا شك أنّ الطبيب الذي يسيء الظن بمريضه لا يستطيع معاينة مريضه ومعالجته.

إنّ زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء يتعاملون بشدّةٍ مع الشرك والمشركين ، مع أنّ كثير من المشركين في جماعة مذهب أبي الخطاب الذين جالستهم وعاشرتهم ، وجدتهم جماعة بريئة يحسبون أنفسهم من أهل التوحيد ومعرفة الله ، ويسبون أنّ كل أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام على نهج أبي الخطاب في تأليه أئمة الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتدمير التوحيد ومعرفة الله ، ومن ثم فهم يرون أنّ كلّ من يدافع عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهو يدافع عن أبي الخطاب و يدعو إلى مذهب أبي الخطاب ، ولا يعلمون بأنّ أبا الخطّاب كان ينقض التوحيد ويهدم معرفة الله وبالتالي فهو يحارب الله و رسول الله ويعادي التوحيد والموحدين ؛ لأجل ذلك أنا أرى أن طريقة معاهدنا السلفية في معالجة مذهب أبي الخطّاب لم تكن طريقة قرآنية

ومن هنا نصيحتي لطالب العلم السلفي في معاهدنا العلمية أن يأخذوا بطريقة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في معالجة مذهب أبي الخطّاب ، وأن يشاهدوا كبار العلماء المتخصصين في معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كالشيخ الإمام الطوسي - رضوان الله عليه – في كتابه المعروف برجال الطوسي أو كتابه المعروف بفهرست الطوسي، و الشيخ الإمام الجليل النجاشي - رضوان الله عليه في كتابه المعروف برجال النجاشي أو الشيخ الكشي في رجال الكشي ، وغيرهم كثير من الذين تخصصوا في معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، و لكن نحن للأسف الشديد في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض لم نتأمل في رجال النجاشي ولا تدبرنا في رجال الكشي ولم نبحث في الكتب الرجالية والكلامية والأصولية والفقهية والحديثية لإمامي علم الرجال في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الشيخ الإمام بل قد امتلأت علي النجاشي والشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليهما . مكتباتنا بالكتب التي تخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك كأبي الخطاب ومن معه ، فلا توجد مدينة أو قرية من مدن وقرى السلفية إلا وفيها كتابات تخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وكان يخيل لنا لهم أنّ الشيخ الإمام الطوسي – رضوان الله عليه - والشيخ الإمام الجليل النجاشي - رضوان الله عليه - والشيخ الكشي - رضوان الله

ص: 336

عليه - قد اصيبوا بمشكلة الجهل بمعرفة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومعرفة أبي الخطاب ومعرفة أصحابهما ، ونحن لا نعرف أننا نعيش في حالة نفسية جعلتنا نتوهم أن الشيخ الإمام العظيم محمد بن الحسن الطوسي والشيخ الإمام الجليل النجاشي والشيخ الكشي - رضوان الله عليهم صاروا كلّهم من الذين اختلط عليهم الحابل بالنابل بحيث لا يعتمد عليهم في معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

لقد عشت هذه الحالة النفسية فترة زمنية من حياتي، وكنت أحسب أنّ الشيخ الإمام الكبير محمد بن الحسن الطوسي والشيخ الإمام الجليل النجاشي والشيخ الكشي - رضوان الله عليهم - لا يعتمد عليهم في معرفة تراجم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّنا نعتبر كلّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أهل الشرك وكلّهم على خط أبي الخطاب في تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام وتدمير التوحيد ومعرفة الله ، كما كنت اتصوّر بأن كلّ من طعن في رؤية كتاب تبديد الظلام حول شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فهو من أهل الشرك والمشركين ومن خصوم التوحيد والموحدين ، وكنت على رؤية كتاب تبديد الظلام حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و كنا نعتقد بأنّ الشيخ الإمام الطوسي والشيخ الإمام الجليل النجاشي والشيخ الكشي من جماعة أبي الخطاب . ولم يكن يخطر ببالي بوجود مجموعة كبيرة من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانوا من أهل التوحيد ومعرفة الله و أنهم قادوا معركة كبيرة وخطيرة مع خط أبي الخطاب ، كما أنني لم أدرك بأنني أعيش في حالة نفسية تولّد منها الشعور بأنّ الشيخ الإمام الطوسي - رضوان الله عليه - والشيخ الإمام الجليل النجاشي - رضوان الله عليه - والشيخ الكشي على خط أبي الخطاب والخطابية ، ومن ثَم قررت في البداية أن أخوض معركة مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين كنت أحسبهم هم نفس أصحاب أبي الخطاب ، وققررت حينها أن أكتب كتاباً حول الشيخ المفيد ؛ من أجل أن ابيّن وجود الصلة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبى الخطاب الذين يقولون بتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومعاداة التوحيد والموحدين ، بمعنى أنني في هذه الفترة من حياتي قررت أن أبدأ بمعالجة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الفكر المجوسي لأصحاب أبي الخطاب من خلال الكتابة حول الشيخ المفيد الذي يعد من أعظم المدافعين عن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في تاريخهم كله ومن أعظم خصوم أصحاب أبي الخطاب وبالفعل حسبت نفسي طبيباً يقفُ أمام أصحاب أبي الخطّاب كنموذج من الشخصيات التي صارت على خطى أصحاب أبي الخطاب في تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام على طريقة النصارى في تأليه عيسى بن مريم ، وبعد أن كشفت على أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 337

خيل إليّ أنّه مصاب بمرض خطير أطلق عليه الأطباء مرض الشرك وتأليه الإمام جعفر

الصادق علیه السلام على طريقة تأليه النصاری لعیسی بن مریم

ولا زلت أذكر تلك اللحظة التي كنت أحسب فيها أنّني سأعالج أولئك الذين هم عندي على خطى أصحاب أبي الخطاب الذين الإمام جعفر الصادق علیه السلام عندهم كعيسى ابن مريم عند النصارى و بالتالي لابد لي من معالجة أمثال زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم الثقفي من مرض تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكانت لي محاضرات في المساجد السلفية في الدفاع عن رؤية إبراهيم الجبهان وكنّا نحسب أنّ زرارة بن أعين الكوفي ومحمد بن مسلم الثقفي وغيرهما من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ممن كنّا نسميهم أصحاب أبي الخطاب ، ثم ظهر لي بعد فترة وجيزة أمر لم أكن أحسبه ؛ ظهر لي أنني كنت أعيش في حالة نفسية جعلتني أحسب أن أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - أعني مثل زارة بن أعين ومحمد بن مسلم الثقافي وأمثالهما - قد أُصيبوا بمرض أصحاب أبي الخطّاب في قضية تأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام والقول بربوبيته ، كما يقول النصارى بألوهية عيسى بن مريم ، ولكنني اكتشفت - بعد حين من الزمن - أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لم يكونوا مرضى بمرض أصحاب أبي الخطّاب ) مرض تأليه وربوبية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ) ، بل اكتشفت أنّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المتخصصين في معالجة بدعة أصحاب أبي الخطاب في قولهم بتأليه الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، و من المتخصصين - أيضاً - في معالجة الأمراض النفسية لأصحاب أبي الخطاب ، وتبين ليّ أنني كنتُ مصاباً بحالة نفسية جعلتني أتوهم أنّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد أُصيبوا بمرض تلك البدعة الخطيرة، حينئذٍ قررتُ أن أعالج حالتي النفسية عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وهكذا صرت أنا السلفي المغالي أعالج نفسي عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وانعكست المعادلة، فأصبح الطبيب يتعالج عند الذي كان يحسبهم أمراضاً.

وقصتي مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تشبه قصة طبيب أصيب بمرض السرطان في رأسه، وبسبب شدة المرض تكونت عنده حالة نفسية، فأصبح يحسب أن كل رجلٍ سليمٍ العالم قد أُصيب بمرض السرطان، كما كنت أحسَبُ أنّ كلّ أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد سيبوا بنفس مرض أصحاب أبي الخطاب وكان هذا الطبيب يكشف على الرجل السليم - أي رجل - ويخبره بأنّه مصاب بمرض السرطان، إلى أن جاءه رجلٌ سليم متخصص في معالجة أمراض السرطان ومتخصص - أيضاً - في معالجة الأمراض النفسية، فكشف عليه الطبيب وأخبره أنّه قد أصيب بالسرطان، ولكن هذا الرجل --- بسبب أنه كان متخصصاً في أمراض السرطان وأمراض الحالات النفسية - لاحظ أن الطبيب قد خلط بين أنواع وأصناف الأمراض، كما لاحظ سلامة أولئك الرجال الذين حسبهم الطبيب من المصابين بالسرطان،

ص: 338

وحينئذ قرر هذا الرجل أن يذهب إلى الطبيب، وبعد محادثات طويلة بينة وبين الطبيب تبين له أنّ الطبيب مصاب بحالة نفسية؛ فقرر أن يكشف على الطبيب - على الرغم أنه جاء من أجل المعالجة عند هذا الطبيب ، وعند الكشف عليه استيقن أنّ الطبيب كان مصاباً بمرض السرطان في رأسه ؛ فلذلك تصور الطبيب أنّ البشرية كلّها قد أُصيبت بمرض السرطان وهكذا؛ انعكست المعادلة فأصبح الطبيب يتعالج عند هذا الرجل الذي جاء من أجل أن يكشف عليه هذا الطبيب - بعد أن كان يعالجه ، وتبين أنّ الطبيب هو المريض، وأنّ هذا الرجل - الذي حَسِبَ الطبيب أنه مريض - كان سليماً سلامة تامة

والشيء الجديد في هذا الكتاب هو أنّ الدراسات السابقة كانت تدافع عن الأنا أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ضد تهمة الآخر لهم بأنّهم مصابين بنفس مرض أصحاب أبي الخطاب في عقيدتهم بتأليه وعبادة الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكنا نحرم الإعتماد على روايات أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وكنا نعتمد على رؤية إبراهيم الجبهان وأمثاله من الذين تبنّت رؤيتهم معاهدنا العلمية السلفية؛ لأنها تتهم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بالتماهي الكامل والتلاقي أصحاب أبي الخطاب ، ولكن هذا الكتاب عكس المعادلة واثبت أنّ الآخر إبراهيم الجبهان وأمثاله من المعتمد على رؤيتهم في معاهدنا العلمية السلفية قد اصيبوا بمشكلة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ، ونطالب أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأن يدفعوا عن أنفسهم هذه التهمة .. تهمة القول بألوهية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتهمة التماهي مع أفكار أصحاب أبي الخطاب ، وهكذا ظلينا نتهم الأنا أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام منذ ظهور الآخر، يعني منذ ظهور غلاة السلفية من الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان وأمثاله من المعتمد عليهم في معاهدنا العلمية السلفية في عصرنا الحاضر.

ومنذ زمن طويل كان هذا الآخر إبراهيم الجبهان وأمثاله من المعتمد عليهم في معرفة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في معاهدنا العلمية السلفية يحسب نفسه طبيباً يعالج الأنا أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من مشكلة المعتقدات المجوسية لأصحاب أبي الخطاب ، ويجعل الأنا أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام موضوعاً للبحث والدراسة والتحليل، ولكن الأنا أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام اكتشف أن الآخر إبراهيم الجبهان وأمثاله من المعتمد عليهم في معاهدنا العلمية السلفية مريض ببدعة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب وأصبح الآخر إبراهيم الجبهان وأمثاله من المعتمد عليهم في معاهدنا العلمية السلفية موضوعاً ومدروساً ومبحوثاً عنه، بعد أن كان يحسب نفسه دارساً وعارفاً وطبيباً، وأخذ الأنا أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يبحث عن علل بدعة الخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب

ص: 339

أبي الخطاب عند الآخر إبراهيم الجبهان وأمثاله من المعتمد عليهم في معاهدنا العلمية السلفية ، بعد أن كان الآخر إبراهيم الجبهان وأمثاله من العتمد عليهم في معاهدنا العلمية السلفية - في السابق يبحث عن علل وجود المودة والمحبة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب

ويمكن لنا تصوير وتجسيم هذه القضية بالشكلين الآتيين:

ص: 340

الشكل (أ) يبين الحالة القديمة بين غلاة السلفية وبين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الشكل (ب) يبين الحالة الجديدة المطروحة في هذا الكتاب ويرسم الحالة الجديدة بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و غلاة السلفية

ص: 341

وأريد أن يعرف زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية أنّنا نستخدم كلمة الخلط الكتاب بمعنى خلط الشيء بالشيء بصورة كبيرة وكاملة بحيث يحسب الرائي ان هذين الشيئين المختلفين متساويان، من قبيل قوله تعالى : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا [التوبة : 102] ومعنى كلمة خلطوا في الآية الكريمة كما ذكر المفسرون أي مزجوا وضمّوا ووردت في القرآن الكريم كلمة أخرى قريبة من حيث المعنى لكلمة وهي : كلمة اللبس، كما في قوله تعالى : وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [البقرة : 42 ] وردت كلمة الخلط في السنة النبوية في موارد عديدة، قال الإمام مجد الدين ابن الأثير رحمه الله خلط : في حديث الزكاة لاخلاط ولا وراط، الخِلاط : مَصْدَر خَالطه يُخالطه مُخالطة وخلاطاً، والمراد به أن يخلط الرجل إبله بإبل غيره [النهاية في غريب الحديث والأثر 62 2 ] .

وقد وردت كلمة الخلط في الروايات المنقولة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، قال الإمام المحدّث الطريحي في تفسيره لمعاني كلمة الخلط في روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام :الاختلاط بالشيء : الامتزاج به سواء كان مع التمييز وعدمه [مجمع البحرين 246 :4 ] .

وسوف يجدني طالب العلم في المعاهد السلفية العلمية - دائماً - أؤكد بأن زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في صنعاء والرياض من المخلطين البسطاء الأبرياء لا من المغرضين الخبثاء، ومن هنا أطلقت كلمة بريئة على زملائى فى المعاهد العلمية . ولا شك أنّ الرجل المصاب بالتخليط والخلط بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب لا يمكن معاملته بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع الرجل السليم من الخلط والتخليط، ولكنه يخلط قصداً وعمداً من أجل تحقيق أغراضه الخبيثة، كما لا يمكن تسوية القاتل عمداً بالقاتل خطأ.

إننا نسعى في هذا الكتاب وفي كل كتاباتنا ومحاضراتنا ومقالاتنا إلى استنقاذ زملائي في المعاهد العلمية السلفية من مشكلة الخلط الخطير والكبير بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطّاب ، وبين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك والمشركين من أصحاب أبي الخطاب ، ولا يمكن أن نستنقذها من هذا المستنقع الخطير مشكلة الخلط إذا كنا نسيء الظن بهؤلاء المشايخ من أمثال الشيخ الإمام الجليل النجاشي والشيخ الإمام الطوسي - رضوان الله عليهما - والشيخ الكشي ، كما لا يمكننا استنقاذ هؤلاء المشايخ من زملائي في المعاهد العلمية السلفية من المبتلين بالخلط إذا لم نلفت نظرهم إلى خطأ إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ؛ لأن ذلك الكتاب سوف يجعلنا نزداد تنفراً وكراهية للإمام جعفر الصادق علیه السلام

وحين نعالج إبراهيم الجبهان وأمثاله من هذه المشكلة سوف يتم تحقيق فكرة التقريب بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب ، وسوف نحافظ على

ص: 342

الوحدة الإسلامية المقدسة وبالتالي سوف نفشل المخططات الصليبية والصهيونية التي تسعى للقضاء على المودة والأخوة الموجودة بين المسلمين الجعفريين وبين المسلمين السلفيين.

والله يعلم بحالي فكم من الشهور والسنين مضت وأنا أبحث - ليلاً ونهاراً - عن حل؛ من أجل تخفيف حدة النزاع بين أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع الإمام محمد عبد الوهاب ، الذين هم أبناء أمة واحدة وتبين لي بما لا مجال للشك فيه أنّ مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله أهل الشرك من الخطابية الله كانت وراء توسيع ذلك النزاع، وأنّ من النادر أن تجد كتاباً توزعه معاهدنا العلمية السلفية إلا وأقرأه بتمعن وإتقان، حتى أستطيع أن أبحث عن العلة التي سببت هذه الفتنة بين أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباع الإمام محمد عبد الوهاب حتى من الله عليّ واكتشفت العلة بعد بحث طويل، واستيقنت أن العلة تكمن في مشكلة الخلط في معاهدنا العلمية السلفية بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب، حينئذ بدأت أدرس مشكلة الخلط بين أهل التوحيد

ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في معاهدنا العلمية السلفية ، والبحث عن أسباب علاجها.

وقد لاحظت أنّ الخلط من أخطر الأمراض الفكرية التى تصيب الإنسان، فبدأت بتحليل علله والبحث عن دوائه، والتفكير في كيفية علاج زملائي منه، بعد أن كنت – سابقاً - أحد ضحايا مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، بل كنت لا أجد فرقاً بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأبي الخطاب ؛ بسبب تأثري بإبراهيم الجبهان وكتابه تبديد الظلام .

وقد لا يصدق زملائي من مشائخ المعاهد العلمية السلفية أنني كنت أثناء البحث عن العلل التي خلقت فتنة بين أتباع الإمام الشيخ محمد عبد الواهاب – رضوان الله عليه – وأتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام - رضوان الله عليه - ، وتكون سبباً في أن دماء المسلمين السلفيين ودماء المسلمين الجعفريين تسيل في باكستان ، بعد أن فتنت بين أبناء الأمة الواحدة مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب - من حيث لا نعلم ، وكنت أحياناً - من شدّة التأسف على الحالة المأساوية التي وصلت إليها الوحدة الإسلامية المقدسة بسبب هذه المشكلة الخطيرة – أجد نفسي أبكي في – زاوية مكتبتي، إلى أن أذن الله – تعالى – لي وعرفت أننا إذا عزمنا على وأد الفتنة بين المسلمين لا بد من معالجة معاهدنا العلمية السلفية من داء الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله و أهل الشرك من الخطابية.

ص: 343

إنني أعتقد أنّ أتباع الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب إخوان أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا خصومهم، وهم لا يضمرون العداء لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولكنهم بسبب الإصابة بمشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لم يفهموا الحقيقة ، ومن الواجب علينا أن نستخدم كل وسيلة شرعية حتى نعالج إخواننا من هذه المشكلة، وحين يتم علاجهم سوف ترون كيف ستتحول تلك الخصومة والكراهية - لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى محبة ومودة وإلى أخوة إسلامية مستحكمة ، عند ذلك يفرح المؤمنون الذين يقدسون الوحدة الإسلامية ويشتد غيض أعداء القرآن الكريم .

وهذا الكتاب محاولة لتقريب وجهة النظر بين أتباع الإمام محمد عبد الوهاب وأتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام في معرفة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة الفرق بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام و أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، إذ الحاجة إلى تقريب وجهة النظر بين هذين المذهبين العظيمين هي حاجة ضرورية؛ لأن تقريب النظر بين هذين المذهبين فى هذه القضية الخطيرة ، سيساعد على تفويت الفرصة على خصوم القرآن الكريم الذين يخافون من التقارب بن أتباع الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب وأتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

وبعد أن ينتهي طالب العلم من معرفة هذه الخاصية القرآنية الهامة يشرع في دراسة الخاصية القرآنية الرابعة : خاصية القتال في سبيل الله ، ويدرك الفرق بين قضية القتال في سبيل الله لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وقضية القتال في سبيل الله عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

ص: 344

الخاصية القرآنية الرابعة : خاصية القتال في سبيل الله

ص: 345

الخاصية القرآنية الرابعة : خاصية القتال في سبيل الله : الفرق بين قضية القتال في سبيل الله لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وقضية القتال في سبيل الله عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

هناك أفكار تنشر في معاهدنا العلمية السلفية على أساس أنها تعاليم مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والحق أنَّ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بعيد عنها ، وينكرها ويعترض مسارها ، وعندما كنت في الرياض كانت من المسلمات عندنا أن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يؤمن بالقتال في سبيل الله مطلقاً ، ولما هاجرت من مدينة الرياض إلى من مدينة قم العلمية وجدت الأمر على خلاف ذلك إذ هنالك المئات من البحوث التي كتبها مشايخ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن الجهاد في سبيل الله سوء جهاد الدفع أو جهاد الطلب وتبيّن لي بأنَّ هنالك ملابسات في معاهدنا العلمية السلفية أحاطت بنا جعلتنا لا ندرك الفرق بين موقف مشایخ الخطابية في عصرنا من الجهاد وبين موقف مشايخ مدينة قم العلمية في عصرنا من الجهاد وعرفت أنَّ هذه الفريضة غائبة لدى مشايخ الخطابية وليس عند مشايخ مدينة قم العلمية ورأيت تراث مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يحث على الجهاد في سبيل الله في أهم الكتب المعروفة في هذا المذهب العظيم ، ورأيت أن ابحث عن الجهاد في قسم الجهاد من كتاب وسائل الشيعة " للحر العاملي فوجدت فيه ما يخالف كلامنا ، وسوف لطالب العلم السلفي رواتين من هذا الكتاب حول موضوع الجهاد في سبيل الله :

الرواية الأولى : قال رسول الله : " ... فمن ترك الجهاد ألبسه ذلاً وفقراً في معيشته ، ومحقاً في دينه ، إِنَّ الله َأعزَّ أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها " - وسائل الشيعة للحر العاملي ، كتاب الجهاد : 16/1 - الرواية الثانية : قال رسول الله - ص - " أغزوا تورثوا أبناءكم مجداً . - - وسائل الشيعة للحر العاملي ، كتاب الجهاد : 12/1 -

وهذا الكتاب يصارح السلفيين بما لابد منه ، وأرى بأنّنا بحاجة إلى مراجعة قسم الجهاد من كتاب " وسائل الشيعة " للحر العاملي قبل أن نبدي رؤيتنا عن قضية الجهاد في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وسوف نجد انعكاساً واضحاً للروايات حول الجهاد الموجودة في كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي على كتب مشايخ مدينة قم العلمية فلا تجد كتاباً من كتبهم إلا وخصص بحثاً كاملاً عن الجهاد كفريضة قرآنية يجب أن تبقى في كل عصر لا يمكن نسخها أبداً ولكنّي رأيت معاهدنا العلمية السلفية ترى بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرى بخصوص موضوع الجهاد أمرين هامين :

ص: 346

الأمر الأوّل : يقولون بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام بسب موقفه السلبي من الجهاد في سبيل الله رفض قضية قتال المرتدين بعد رسول الله ورفض مشروع الفتوحات الإسلامية بعد رسول الله ، وأنّه لم يكن على طريقة جده الإمام الحسين في قضية الجهاد في سبيل الله .

وسوف نبيّن بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام نشر بين الناس بشارات رسول الله بفتح البلدان الإسلامية فكيف سيرفض الفتوحات الإسلامية بشكل مطلق ، ومشكلة معاهدنا أنّها تحكم على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام دون دراسة المنظومة الفكرية للإمام جعفر الصادق علیه السلام التي لا يكمن معرفتها من دون تتبع تراثه الروائي

والسؤال المهم هنا الذي لم تدركه معاهدنا العلمية السلفية .. هو ما الفرق بين مفهوم الفتوحات الإسلامية في معاهدنا العلمية وبين مفهوم الفتوحات الإسلامية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؟

الجواب : يقول ربنا سبحانه : " وما لكم لا تُقَاتِلُونَ في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، واجعل لنا من لدُنك وليّاً ، واجعل لنا من لدنك نصيراً " [النساء:75] . ، ففي هذه الآية بيان بأنّ الشرط الأول والأخير في القرآن الكريم للفتوحات الإسلامية والقتال في سبيل الله ، هو الدفاع عن المستضعفين المظلومين من الرجال والنساء والولدان الذين يعانون من ظلم الحاكم الظالم ، أمّا إذا كانت دولة حاكمها عادل ولم يستضعف الناس ولم يعلن الحرب على الإسلام والمسلمين ، ولو كان غير مسلم ، فمثل هذا الحاكم لا يجوز قتاله وفتح بلاده لا يعد من الفتوحات الإسلامية ، بل هذا من الإعتداء المحرّم في شريعة القرآن الكريم ، وفي مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكلما جاء عن رسول الله – ص – في التبشير بفتح فارس والروم ، أنما كانت هذه الفتوحات بموجب " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان " فالرسول - ص - بشر بنجاة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان من الشعوب الفارسية والرومية الذين يعانون من ظلم الملوك والحكام الطغاة في الدولتين الفارسية والرومية ، فلم يكن غرض الفتوحات الإسلامية فتح البلدان كما تتصور معاهدنا - بل الغرض تحرير المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان من ظلم طغاة الروم والفرس ، وهذا الأمر لا

يختص بالطاغية المجوسي والطاغية النصراني بل الطاغية والحاكم المسلم الظالم عندما يستضعف الرجال والنساء والولدان من المسلمين أو من غير المسلمين يجب مقاتلته بموجب هذه الآية وبموجب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك هنالك فرق جوهري بين هدف

ص: 347

الفتوحات الإسلامية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين هدف الفتوحات الإسلامية في مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب .

الأمر الثاني : يقولون بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يجيز الجهاد في سبيل الله إلا تحت قيادة إمام من الأمة الاثني عشر أمّا الجهاد تحت قائد عادل تقي من غير هؤلاء الاثني عشر فهو جهاد باطل ، وبالتالي حسب رأي الإمام جعفر الصادق علیه السلام تم إغلاق ملف الجهاد بعد موت الإمام جعفر الصادق علیه السلام أو بعد غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، ومعنى ذلك أنَّ حقائق القرآن الكبرى - وفي رأسها حقيقة الجهاد والقتال في سبيل الله – ماتت بموت الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أو غابت بغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري

وأما جواب الأمر الثاني ، فقد شاء الله أنني هاجرت إلى مدينة قم العلمية ، وفي هذه المدينة قرأت أكثر روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحول جري وجريان حقايق القرآن في كل زمان ومكان ، وعن طريق روايات جري وجريان حقايق القرآن في كل زمان ومكان أدركتُ خطأ قول معاهدنا العلمية السلفية بأنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يجيز الجهاد في سبيل الله إلا تحت قيادة إمام من الأمة الاثني عشر أمّا الجهاد تحت قائد عادل من غير هؤلاء الاثني عشر فهو جهاد باطل ، وبالتالي حسب رأي الإمام جعفر الصادق علیه السلام تم إغلاق ملف الجهاد بعد عصر حضور الأئمة الاثني عشر ، وغابت كل حقائق القرآن الكريم - وعلى رأسها حقيقة الجهاد والقتال في سبيل الله - بعد أن غاب الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري . مشكلة معاهدنا العلمية السلفية أنها لم تقرأ روايات جري وجريان حقايق القرآن في كل زمان ومكان التي نشرها وطرحها الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يمكن لهم الفصل بين روايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول الجهاد القتال في سبيل الله وروايات الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول جري وجريان حقايق القرآن في كل زمان ومكان ؛ لأنّ هذا الفصل هو الذي جعل معاهدنا السلفية ترى بأنّ الجهاد في سبيل الله توقف بعد غيبة الإمام الثاني عشر.

وكان الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرسم الطريق ويبيّن بأن طريق الجهاد والقتال في سبيل الله سوف تستمر بعد غيبة الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري إلى يوم القيامة ؛ لأنَّ الجهاد والقتال في سبيل الله هو من الحقائق القرآنية التي تجري كما تجري الشمس والقمر لا تموت بموت الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أو تغيب بغيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وسف نذكر كلام الإمام جعفر الصادق علیه السلام في إستمرارية جريان الحقائق القرآنية إلى يوم القيامة التي تبيّن أنَّ هذه الحقائق القرآنية الكبرى - كحقيقة الجهاد والقتال في سبيل الله - لا تموت بموت الإمام جعفر الصادق علیه السلام ولا تغيب بغيبة الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري :

ص: 348

الرواية الأولى : " قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : إنَّ القرآن نزل في أقاوم ، وهي تجري في النّاس إلى يوم القيامة " [ المحاس للبرقي :1: 289 ] .

الرواية الثانية : " قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : للقرآن تأويل حي لم يمت ، يجري وكما يجري الشمس والقمر ، فإذا جاء تأويل شيءٍ منه وقع ، فمنه ما قد جاء ، ومنه ما لم يجيء " [ كتاب الغيبة للشيخ محمد بن إبرهيم ، 133 ]

الرواية الثالثة : " قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : إنَّ القرآن حي لم يمت ، وأنَّه يجري ما جرى الليل والنهار ، وكما تجري الشمس والقمر " [ تفسير العياشي ، 204:2 ] .

أنني أدعو كلَّ زملائي في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء الآن بأن يلتفتوا إلى روايات جري وجريان حقائق القرآن في كل زمان ومكان المنقولة والمتواترة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فهي مفتاح كبير من المفاتيح التي تفصل خصائص أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن خصائص أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب وحين رفض أصحاب أبي الخطاب ومشايخ الخطابية في روايات جري وجريان حقائق القرآن في كل زمان ومكان ، فالإمام جعفر الصادق علیه السلام أراد أن يقف أمام أبي الخطاب الذي أراد تحنيط وتجميد ونسخ حقائق القرآنية الكبرى، لكنّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام رفض مشروع أبي الخطَّاب في تجميد حقائق القرآن وتحنيطها ونسخها ، وبيّن من خلال روايات جري وجريان حقائق القرآن في كل زمان ومكان بأنَّ حقائق القرآن الكريم لها خاصية الجريان والامتداد والانسياب ، وبالتالي يبيّن الإمام جعفر الصادق علیه السلام من خلال روايات جري وجريان حقائق القرآن في كل زمان ومكان بأنه لا يجوز حصر القرآن وتجميده في أشخاص الأئمة الاثني عشر من آل محمد – ص – بل يجري ويسري القرآن الكريم على غير الأئمة الاثني عشر - كما جرى وسرى على الأئمة الاثني عشر من آل محمد ، ولا يجوز حصر القرآن الكريم في الأئمة الاثني عشر من آل محمد ، ولو أخذنا بقول الخطابية بأنَّ القرآن ينحصر في الاثني عشر من آل محمد ، لكان القرآن قد غاب منذ اليوم الذي غاب الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، بل القرآن الكريم يسري في كل من يقتدي ويسير على منهج هؤلاء الائمة الاثني عشر من آل محمد عليهم السلام - ، وهذا الذي يُسمَّى في تعبير الإمام جعفر الصادق علیه السلام بجري القرآن الكريم ، ويريد الإمام جعفر الصادق علیه السلام من التأكيد على نشر روايات جري وجريان حقائق القرآن في كل زمان ومكان أن تبقى حقائق القرآن الكريم حيّةً ومتجددةً وخالدة فلا تموت بموت أئمة أهل البيت أو بغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ؛ لأجل ذلك قال - عليه السلام عليه السلام - : " ولو أنَّ الآية إذا نزلت في قوم ثُمَّ مات أُولئك القوم ماتت

ص: 349

الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكنَّ القرآن يجري أوَّله على آخره ما دامت السموات والأرض " [تفسير العياشي، 10:1] .

والقرآن الكريم طرح قضية روايات الجري المتواترة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام تحت عنوان سنن الله الجارية التي لا تتبدل ، ولن تجد لسنة الله تحويلا ، فهي سنن إلهية جرت على الإمام جعفر الصادق علیه السلام وستجري على الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، ثم تجري على من يقود هذه الأمة بعد غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، فسنن الله - المذكورة في القرآن الكريم - ستجري على قادة هذه الأمة الإسلامية كما جرت على الأئمة الاثني عشر ، ولكن الخطابية لما لم يدركوا الآيات القرآنية التي تتحدث عن سنن الله ، كان من الطبيعي أن لا يدركوا معاني روايات الجري المتواترة عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي هي بمثابة تفسير للآيات القرآنية التي تتحدث عن سنن الله التي تجري كما تجري الشمس والقمر من دون توقف أبداً .

وظهر لي من خلال بحثي عن أسباب غياب القرآن عن مشايخ الخطابية في القرون الوسطى وفي عصرنا بأن السبب الرئيسي في غايب القرآن عند مشايخ الخطابية يرجع إلى عدم إيمان مشايخ الخطابية بروايات جري وجريان حقائق القرآن في كل زمان ومكان ، وإيمانهم بأنَّ القرآن يجري على الأئمة الاثني عشر من آل محمد عليهم السلام - ولا يجري على غير هؤلاء الاثني عشر ، وبناء على هذا ، لم يعد هنالك دور أساسي ممكن أن يؤدية القرآن الكريم ، وهذا هو السر في أنَّ مشايخ الخطابية في عصرنا يقدَّمون روايات الأئمة الاثني عشر على آيات القرآن الكريم ، ويقبلون روايات منسوبة للأمة الاثني عشر تطعن في القرآن الكريم لأن عدم إيمان مشايخ الخطابية بروايات جري وجريان حقائق القرآن في كل زمان ومكان وشموله لغير الأئمة الاثني عشر جعلهم يهملون القرآن الكريم ، وتجد أنَّ الثقافة القرآنية غائبة بصورة تامة عن مشايخ الخطابية في عصرنا ، على خلاف ذلك تجد القرآن الكريم حياً لدى مشايخ مدينة قم العلمية ، وتشاهد الحوزة العلمية في مدينة قم حوزة قرآنية .

وبعد أن عرف الطالب هذه الحقيقة القرآنية سوف يعرف النظرة القرآنية إلى ثورة عاشوراء ، ويفصل بين نظرة أصحاب أبي الخطاب إلى قضية عاشوراء وبين نظرة أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى قضية عاشوراء

ص: 350

الخاصية القرآنية الخامسة : خاصية النظرة إلى ثورة عاشوراء

ص: 351

الخاصية القرآنية الخامسة : خاصية النظرة إلى ثورة عاشوراء : الفرق بين قضية قضية ثورة عاشوراء لدى أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وقضية عاشوراء عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب

هنالك غموض لدى مشايخ الخطابية في عصرنا حول قضية عاشوراء الإمام الحسين ؛ لأنَّ مشايخ الخطَّابية يرون أنَّ الإمام جعفر الصادق علیه السلام إنَّما ورث الإلوهية والربوبية من الإمام الحسين ، ويرون أنَّ الإمام الحسين هو أحد الألهة الاثني عشر الذين يتورثون الألوهية والربوبية ، وكان الإمام الحسين إله ورب عصره .

ومن هنا لما جلستُ مع الخطَّابين المعاصرين وجدتُ أنَّ روح عاشوراء قد ماتت في قلوبهم وفي سلوكهم ، ومن المستحيل أن يفهم ثورة الإمام الحسين من يراه إلها وربَّاً ويصفه بصفات الله وسماته ، وتجدهم يضلمون الإمام الحسين بسوء فهمهم لكلماته إبان شروع ثورته

ومن ثُمَّ حينما يقول الإمام الحسين وهو يبيَّن حقيقة وظيفة إمام المسلمين في نصرة العدل ومواجهة الظلم والجور ، ويخاطب أهل مكة وأهل الكوفة بقوله : " فلعمري ما الإمام العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله " ، كيف يدرك مشايخ الخطابية بأنّ إمام المسلمين هو العامل بالقرآن الكريم وهم كارهون أشدَّ الكره لمن يثبت أنَّ القرآن لم يحرف ، وكيف يكون الإمام الحسين قدوة لهم في الثرة على الطغاة والظلمة وهم يرونه إلها وربَّاً ، وأنَّى لمشايخ الخطَّابية أن يفهموا الوصايا الأخيرة للإمام الحسين قبل شهادته حين يقول في خطبته المشهورة : " لكم في أسوة " ، ولقد قرأت تراث الخطابية وجلست معهم وخبرتهم عن قرب فوجدتهم لا يفهمون لماذا قال الإمام الحسين : " لكم في أسوة " ، وكنت أقول لهم لقد شرح الإمام جعفر هذه العبارة الحسينية بقوله : " قال الإمام جعفر الصادق علیه السلام : إنَّ القرآن حي لم يمت ، وأنَّه يجري ما جرى الليل والنهار ، وكما تجري الشَّمس والقمر " [ تفسير العياشي ، 2: 204 ] ، ومراد الإمام جعفر الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنَّ ثورة الإمام الحسين كانت لأجل حقيقة كبرى من حقائق القرآن وهي حقيقة أن وظيفة إمام المسلمين الوقوف أمام ظلم وجور الطغاة في كل زمان ومكان ، وهذه الحقيقة القرآنية حية لا تموت بموت الإمام الحسين ، ولا بموت الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا تموت بنهاية عصر حضور الأئمة الاثني عشر ، ولا تموت بالغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر ؛ لأنَّ الحقائق

ص: 352

القرآنية لا تموت بموت أو غيبة إمام من الأئمة الاثني عشر ، فحقائق القرآن الكريم حيّة لاتموت بموت الإمام الحسين وحيّة لا تغيب بغيبة الإمام الثاني عشر ، بل حقائق القرآن الكريم تجري ما جرى الليل والنهار - حسب تعبير الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتجري حقائق القرآن الكريم كما تجري الشمس والقمر ، ومن المستحيل أن تتعطل حقائق القرآن بسبب شهادة الإمام الحسين أو بسبب غيبة الإمام الثانى عشر محمد بن الحسن العسكري

إننا في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء بحاجة إلى يقظة حتى نحس بالفرق الهائل والجوهري بين موقف مشايخ الخطَّابية في عصرنا من ثورة الإمام الحسين وموقف مشايخ مدينة قم العلمية من ثورة الإمام الحسين ؛ لأنَّ الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان لم يستطع التمييز بين هذين الموقفين المختلفين

والمؤسف أن عدداً من المتحدثين في معاهدنا العلمية السلفية عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لا يعرفون موقف هذا المذهب العظيم من قضية القتال ، ويقولون بأنّهم الغوا فريضة القتال في سبيل الله بعد وفاة رسول الله ، وأنّهم يرفضون رفضاً قاطعاً بأنَّ الأمام علي كان مؤيداً للجيش الإسلامي الذي قاتل المرتدين ثم اتجه الجيش الإسلامي للقتال الفرس والروم في معارك الفتوحات الإسلامية ، في الحقيقة أنني - منذ زمن طويل - بحثت عن هذه الخاصية الرابعة ، ووجدت أنَّ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرى بأنَّ الأمام علي كان مؤيداً للجيش الإسلامي الذي قاتل المرتدين ثم اتجه الجيش الإسلامي للقتال الفرس والروم في معارك الفتوحات الإسلامية ، ولكن هذا المذهب العظيم جعل ضوابط دقيقة قرآنية لحماية الدماء والآراء والأفراد والجماعات ، ويرفض هذا المذهب العظيم أن نوجه الجيش الإسلامي ضوابط قرآنية دقيقة تحفظ حرمة الدماء - باسم قتال المرتدين وفتح البلدان ، ويرى هذا المذهب العظيم بأن القرآن الكريم يفرق بين احتلال البلدان وفتح البلدان .

وهنا سوف يرى طالب العلم السلفي بأننا وقعنا في خطأ حين قلنا من الدليل القاطع أن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام نسخ وألغى قضية القتال بعد وفاة رسول الله قولهم بأنَّ الأمام علي كان معارضاً للجيش الإسلامي الذي قاتل المرتدين ثم اتجه لقتال الفرس والروم في معارك الفتوحات الإسلامية

إنني – من مطلق أخلاق القرآن الكريم - أرفض تزوير الحقائق بسبب التعصب الطائفي ، وقد وجدت عشرات الأدلة من كتب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومن كتب أهل السنة التي اعتمد عليها فقهاء مذهب الإمام جفر الصادق علیه السلام تثبت أنّ الأمام علي كان مؤيداً للجيش الإسلامي الذي قاتل المرتدين ثم اتجه لقتال الفرس والروم في معارك الفتوحات الإسلامية

ص: 353

ولا بد من التنبيه إلى أنّ البحث عن هذه الخاصية قبل أن الفصل بين أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب لن يوصل إخواني من السلفيين إلى نتيجة ؛ لأن مشكلة إبراهيم الجبهان صاحب كتاب تبديد الظلام وغيره من غلاة السلفية أنّهم خلطوا بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المخالفين وبين موقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب من المخالفين

ولي تجربة كبيرة حول الفرق بين رأي أبي الخطاب ورأي الإمام جعفر الصادق علیه السلام في قضية قتال المرتدين بعد وفاة رسول الله ، وحول قضية القتال في معارك الفتوحات الإسلامية ، ولي عشرات البحوث الصوتية منشورة ومشهورة بين بعض الناس

والذي بيّنته في بحوثي تلك بأنّ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّما كان مخالفاً لقتال مالك بن نويرة بشكل خاص ، ومن على شاكلته من المتهمين بالردة ظلماً وزوراء ، أما الذين ارتدوا بعد وفاة رسول الله ثم قصدوا مهاجمة المدينة النبوية وغزوها فقد كان الإمام علي والحسن والحسن في مقدمة المقاتلين لهم ، وإذا التزم الخطابية بما قاله الإمام علي – ع – لعرفوا مشاركته في مقاتلة المرتدين الذين كان في قصدهم الهجوم على مدينة رسول الله .

وأعود إلى التجربة الكبيرة لدي في مجال التمييز بين مذهب الخطابية ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في مجال حروب الفتوحات الإسلامية ، ونصيحتي لطالب العلم في معاهدنا السلفية أن يتأمل ويتدبر في شكوى الإمام على من الذين كذبوا عليه بأنّه لم يشارك في معارك الفتوحات الإسلامية – الذين هم في الواقع سلف الخطّابية - وقد جمع الإمام علي بين الشكوى منهم ورسم صورة عن هجوم المرتدين على مدينة رسول الله ، ورسم صورة تصديه وقتاله لهم بصورةٍ جميلة ووجيزة وبليغة ، ورسم صورة مشاركته في حروب الفتوحات الإسلامية يصورة واضحة وجلية وقال : ".. يقول الإمام علي في هذه الشكوى المؤلمة : " اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنّهم أضمروا لرسولك - ص - ضروباً من الشر والغدر فعجزوا عنها ، وحِلْتُ بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليَّ ... ثُمَّ فَتَحَ الله الفتوح ... ثُمَّ نسبت تلك إلى آراء ولاتها وطمست دور الإمام علي في حروب وقتال المرتدين بعد وفاة رسول الله ، وطمست دور الإمام علي في حروب الفتوحات الإسلامية ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكّد عند الناس نباهة قوم ، وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خَمِلَ ذِكرُه ، وخَبَتْ نارُه ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهرُ علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف " [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 20-298] ، ومن خلال مجالستي لمشايخ الخطابية في عصرنا وجدتهم لا يعرفون بأن الإمام على شارك

ص: 354

قتال المرتدين بعد وفاة رسول الله ، وشارك في معرك الفتوحات الإسلامية ، وهذا بسبب جهلهم بتاريخ الإسلام والمسلمين ، وبسبب غلوهم في كراهية الذين حكموا بعد رسول الله . والآن حان أن يدرك طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء الخاصية القرآنية السادسة : خاصية الوسطية القرآنية في التعامل مع أصحاب رسول الله ، ويعلم الفرق الجوهري بين تعامل أصحاب أبي الخطاب مع أصحاب رسول الله أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع أصحاب رسول الله

ص: 355

الخاصية القرآنية السادسة : خاصية الوسطية القرآنية في التعامل مع أصحاب رسول الله

ص: 356

الخاصية القرآنية السادسة : خاصية الوسطية القرآنية في التعامل مع أصحاب رسول الله

عندما جلست مع مشايخ الخطابية في عصرنا رأيتهم يستخفون بأصحاب رسول الله – ص . ، ووجدتهم يتلاعبون في الآيات القرآنية الصريحة في مدح بعض أصحاب رسول الله ، بل سخرية مشايخ الخطابية في عصرنا من القرآن الكريم هو نتيجة من نتائج سخريتهم من أصحاب رسول الله .

في الحقيقة بأنّني في تجربتي الطويلة مع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كانت رحلتي معه بداية لفهم جديد للفرق بين نظرة أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب للطعن في عدالة كل أصحاب رسول الله وبين نظره أهل التوحيد و معرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين يرون بأنّ قول أبي الخطاب والخطابية بنفي عدالة كلّ أصحاب رسول الله معناه الطعن في القرآن الكريم ؛ لأن القرآن الكريم مدح بعض أصحاب رسول الله وذم بعضهم ، فمن حكم بعدالة كل أصحاب رسول الله فقد طعن في الآيات القرآنية التي تذم بعض أصحابه ، ومن حكم بالطعن في كل أصحاب رسول الله فقد طعن في الآيات القرآنية التي تمدح بعض أصحاب رسول الله

من هنا فنظرة أهل التوحيد و معرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي النظرة التي تحترم كل آيات القرآن الكريم ، ونؤمن بالآيات القرآنية التي تذم بعض أصحاب رسول الله كما نؤمن بالآيات القرآنية التي مدحت بعض أصحاب رسول الله

ونصيحتي لزملائي في المعاهد العلمية في الرياض وصنعاء أنّه من اللازم كما من اللازم أن ندرك بأنّ أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إنّما يرفضون العدالة الكلية لأصحاب رسول الله - ص - لا العدالة الجزئية لهم؛ لأنّنا في معاهدنا لاندرك الفرق

ص: 357

الجوهري بين من أنكر العدالة الكلية لأصحاب رسول الله وبين من آمن بالعدالة الجزئية لأصحاب رسول الله ،

إنّ مشكلتنا الطويلة والقديمة مع أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام جلعلتنا لا نستوعب الفرق بين رؤية أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين رؤية أصحاب أبي الخطاب.

إننا في معاهدنا العلمية السلفية من خلال أحكام مرتكزة في أذهاننا منذ سن مبكر في حياتنا آمنا واستيقنا بأنّ أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ينفون عدالة كلّ أصحاب رسول الله وسلّمنا بكل ما قاله إبراهيم الجبهان ، وجعلنا لكلامه قيمة كبيرة وتجدنا نقيم حرباً شديدة ضد من يرفض رأي إبراهيم الجبهان ، وحين نسمع عن أنّ كتاب الإمام أبي زهرة يتحدّث عن قضية موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بطريقة تخالف طريقة إبراهيم الجبهان حذرنا من كتابه في كتاب كتب حذر منها العلماء ، ثم نعلن حرباً شدية على الإمام محمد أبي زهرة ، ولأجل ذلك نمتنع عن قراءة أي كتاب يفصل موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله عن موقف أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله فإذا وجدنا كتابا يوافق رؤية إبراهيم الجبهان ويوافق عنوانين وفصول ومحتويات كتاب تبديد الظلام قرأناه بشغفٍ وحب . ومن هنا نحتاج في البداية أن نعيد النظر في الكتب التي حذرنا منها علماء المعاهد العلمية السلفية بسبب مخالتها لكتاب إبراهيم الجبهان

ولا بد من الاشارة إلى قضية هامة لابد أن يلتفت إليها أخواني في المعاهد السلفي ترتبط بقضية معرفة موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من عدالة أصحاب رسول الله وهي :انني أرى أننا لابد في البداية أن ندر ماهي الفوارق الرئيسية بي أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب ثم بعد ذلك نشرع في البحث عن رؤية أصحاب أبي الخطاب من أصحاب رسول الله ثم في الدرجة الثالثة نبحث عن موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله ، وما لم نلتزم في هذا الترتيب الثلاثي الذي ذكرته لن نعرف الموقف الحقيقي والواقعي لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله

ص: 358

ونصيحتي لزملائي في المعاهد السلفية أن نبتعد عن تقليد إبراهيم الجبهان في هذه القضية الخطيرة التي فيها تكفير لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ من يرى بعدم عدالة كل أصحاب رسول الله فقد طعن في القرآن الكريم ومن طعن في القرآن فقد خرج من الإسلام . وقد رأيت لما جلست مع مشايخ الخطابية في عصرنا أنّ غلوهم فى الطعن والكراهية بكل أصحاب رسول كان سبباً رئيسياً في عقيدتهم بتحريف القرآن الكريم ، وقد وجدتهم لا يقبلون بأنّ بعض أصحاب رسول الله كانوا من حماة القرآن الكريم ، وأن بعض أصحاب رسول الله صرفوا كل شيء من أجل توحيد الله ومن أجل هذا الدين ، ولا يقبلون بأن بعض أصحاب رسول الله قد مدحهم الله في القرآن الكريم ومدحهم الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولا يقبلون بأنّ بعض أصحاب رسول الله قد اجتهدوا وبذلوا مهجهم وأرواحهم في سبيل حفظ التوحيد ومعرفة الله ، وفي سبيل صيانة القرآن الكريم من التحريف ، ولا يقبلون بأن لبعض أصحاب رسول الله دور أساسي ومركزي في جمع القرآن وتدوينه وحفظه

لقد كنت مع أحد مشايخ الخطابية في عصرنا فقال لي بأن أصحاب رسول الله هم السبب في تحريف القرآن الكريم ، فقلت له أنكم الخطابية بسبب خصومتكم الشديدة لكل أصحاب رسول الله من دون تفريق بين أصحاب رسول الله الذين مدحهم الله في القرآن الكريم وبين أصحاب رسول الله الذين ذمهم الله في القرآن الكريم - طعنتم وشككتم في القرآن الكريم ، فقال لي : ما العلاقة بين كراهية أصحاب رسول الله وبين التشكيك فى القرآن الكريم ؟ .. فقلت له : إنّكم أنتم الخطابية أكبر علامة لما كفّرتم كل أصحاب رسول طعنتم في القرآن الكريم ؛ لأنّكم تقولون كيف نثق في القرآن الكريم الذي جمعه الكفرة من أصحاب رسول الل ؟!!

أجل . الذي يطعن في كل أصحاب رسول الله لابد أن يطعن في القرآن ، لأنّ الذي ينكر دور أصحاب رسول الله في حفظ القرآن الكريم فهو إما جاهل أو جاحد ؛ لأجل ذلك نرى علماء الجعفرية الكبار لا يجحدون وينكرون دور أصحاب رسول الله في حفظ القرآن الكريم .. قال الإمام الخوئي وهو يتحدث عن الدور العظيم لأصحاب رسول الله في حفظ القرآن الكريم " فإن أهتمام النبي – ص - ص - بأمر القرآن بحفظه ، وقراءته ، وترتيل آياته ، واهتمام الصحابة بذلك في ذلك عهد رسول الله - ص عهد رسول الله – ص – وبعد وفاته يورث القطع بكون القرآن محفوظاً عندهم ،

ص: 359

جمعاً أو متفرقاً ، حفظاً فى الصدور ، أو تدويناً في القراطيس ، وقد اهتموا بحفط أشعار

الجاهلية وخطبها ، فكيف لا يهتمون بأمر الكتاب العزيز ، الذي عرضوا أنفسهم للقتل في دعوته ، وإعلان أحكامه ، وهجروا فى سبيله أوطانهم ، وبذلوا أمولهم ، وأعرضوا عن نسائهم وأطفالهم ، ووقفوا المواقف التي بيضوا بها وجه التاريخ ، وهل يحتمل عاقل

عدم اعتنائهم بالقرآن ؟ !! " - كتاب البيان في تفسير القرآن للإمام الخوئي : 216 - .

إنّ القرآن لا يزال بين أظهرنا محفوظاً طرياً كما أنزل من دون زيادة أو نقصان بفضل

المخلصين من أصحاب رسول الله ، ولكن الخطابية يكرهون المخلصين من أصحاب رسول الله ، وهذا هو سبب غياب القرآن الكريم عن الخطابية ، فلا تجد شيخاً من مشايخ الخطابية في عصرنا يحفظ القرآن الكريم ، بل تجده يجمع المطاعن حول القرآن الكريم ويشارك النصارى في طعنهم في القرآن الكريم .

ومن ثُمَّ فعلى زملائي في المعاهد العلمية السلفية التمييز بين موقف علماء مدينة قم من أصحاب رسول الله - وهم الذين يؤمنون بأن حقيقة أصحاب رسول الله في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام لخصها الإمام الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن في عبارته التي نقلناها عنه – وموقف مشايخ الخطابية في عصرنا من أصحاب رسول الله وشتان ما بين الموقفين .

ونصيحتي لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية هي نابعة من ضرورة من معرفة الحق ؛ لأن الغرض هو معرفة حقيقة موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله .

إن تمزيق الوحدة الإسلامية بين المذاهب الإسلامية في العصر العباسي تضاعفت بسسب الأفكار الشاذة لأبي الخطاب ، التي وسعت من دائرة الخلاف بين المذاهب الإسلامية وكانت أفكار أبي الخطّاب المنحرفة الشاذة الشذوذ هي التي أو وجدت – فيما بعد – حركة مسلحة سببت فتنة القرامطة التي ارتكبت مجازر هائلة داخل العالم الإسلامي في العصر العباسي

ولا بد من الاشارة إلى قضية هامة لابد أن يلتفت إليها أخواني في المعاهد السلفي ترتبط بقضية معرفة موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من عدالة أصحاب رسول الله وهي :انني أرى أنّنا لابد في البداية أن ندر ماهي الفوارق الرئيسية بي أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب ثم بعد ذلك نشرع في البحث عن رؤية أصحاب أبي الخطاب من

ص: 360

أصحاب رسول الله ثم في الدرجة الثالثة نبحث عن موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله ، وما لم نلتزم في هذا الترتيب الثلاثي الذي ذكرته لن نعرف الموقف الحقيقي والواقعي لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله

ونصيحتي لزملائي في المعاهد السلفية أن نبتعد عن تقليد إبراهيم الجبهان في هذه القضية الخطيرة التي فيها تكفير لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنّ من يرى بعدم عدالة كل أصحاب رسول الله فقد طعن في القرآن الكريم ومن طعن في القرآن فقد خرج من الإسلام .

ونصيحتي لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية هي نابعة من ضرورة من معرفة الحق لأن الغرض هو معرفة حقيقة موقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من أصحاب رسول الله

**

وهكذا – في هذه الحقيقة الهامة والخطيرة ونحن في آخر الباب الرابع من هذا الكتاب - أجد من الضرورة أن الفت نظر طالب العلم السلفي إلى أمرين هامين :

الأمر الأول : إن تمزيق الوحدة الإسلامية بين المذاهب الإسلامية في العصر العباسي تضاعفت بسسب الأفكار الشاذة لأبي الخطاب ، التي وسعت من دائرة الخلاف بين المذاهب الإسلامية ، وكانت أفكار أبي الخطاب المنحرفة الشاذة الشذوذ هي التي أووجدت – فيما بعد - حركة مسلحة سببت فتنة القرامطة التي ارتكبت مجازر هائلة داخل العالم الإسلامي في العصر العباسي

والأمر الثاني : لابد لطالب العلم السلفي أن يلتفت إلى وجود المشتركات بين " بولس " وبين أبي الخطاب بصورة أكثر وأكثر عندما نجد أن المؤرخين ذكروا لنا حقيقة موجودة في حياة بُولس " وفي حياة أبي الخطاب وهي أنّ بولس كان يكذب على عيسى بن مريم – ع – ، وكان أبو الخطاب يكذب على الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد كشف هذه الحقيقة الخطيرة حفيد الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبيّن الإمام الرضا هذه الحقيقة التاريخية بهذه الصورة :

" إنّ أبا الخطاب كذب على إبي عبد الله - الإمام جعفر الصادق علیه السلام – لعن الله أبا الخطّاب وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسُّونَ هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كُتُبِ أصحاب أبي عبدِ الله - الإمام جعفر الصادق علیه السلام - ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فأنا تحدثنا حَدَّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، إنّا عن الله ، وعن رسوله تُحدّث ، ولا نقولُ قال فلان وفلان ، فيتناقض كلامنا . إن كلام آخرِنا مِثلُ كَلامٍ أَوَّلنا ، وكلامَ أوَّلِنَا مصدِّقٌ لِكلام آخرِنَا ، وإذا أتاكُم من

ص: 361

يحَدَّثُكُم بِخِلافِ ذَلِكَ فَرُدُّ عَلَيْهِ ، وقولوا أنتَ أَعلَمُ ومَا جِئتَ ، فَإِنَّ مَعَ كُلِّ قَولِ مِنَّا حقِيقَةٌ ، وَعَلَيهِ نُورٌ فَمَا لَا حقيقةَ مَعَهُ وَلا نُورَ فَذَلكَ قَولُ الشَّيْطَانِ " - بحار الأنوار : 250/2 - والآن حان الوقت للبحث عن الطريق إلى الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وقد خصصنا الباب الخامس لدراسة حقيقة ولادة ومهدوية وغيبة الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري.

الباب الخامس : خاصية ولادة ومهدوية وغيبة الإمام الثانى عشر محمد بن الحسن العسكري علیه السلام

اشارة

ص: 362

الباب الخامس : خاصية ولادة ومهدوية وغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن

العسكري :

موضوع هذا الباب الخامس من هذا الكتاب هو البحث حول ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وحساب الإحتمال وسوف ابحث عن حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من خلال قرائن في الأحاديث النبوية ومن خلال قرائن الاقوال التي تتعلق بحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من قبل كل الشخصيات في شتى القرون, وكذلك ومن خلال قرائن كل ما نقل عن أهل البيت حول الإمام محمد بن الحسن

العسكري في كتب أهل السنة وفي كتب الشيعة .. ثم

المقارنة بين قرائن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في النموذج الخاص بمعاهدنا العلمية السلفية و بين القرائن كما ذكرها أهل البيت والمقارنة بين القرائن هناك وهنا لمجموعتين في الاحاديث النبوية حول

ذلك وتثبت هذه الخاصية بأن محاولة معاهدنا العلمية السلفية التشكيك بحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري العظيمة بعيدة كل البعد عن القرائن الموجودة في الاحاديث النبوية لتلك الشخصية العظيمة .. ويثبت بأن معاهدنا العلمية السلفية عجزت أن تدرك القرائن الموجودة عن تلك الشخصية العظيمة, وأنها من خلال نموذجها عجزت عن معرفة كنه وحقيقة القرائن الموجودة عن هذه الشخصية العظيمة .

ص: 363

وهذه الخاصية تتضمن بحوثاً فكرية عن القرائن الموجودة حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, وحاولت أن أصل من خلال جاهدا تلك القرائن الكثيرة إلى معرفة كنه وحقيقة تلك الشخصية العظيمة لقد اثبت في هذه الخاصية من خلال تلك القرائن الكثيرة بأن مسألة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ليست كما هي موجودة في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء, حيث تسخر تلك المعاهد من قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري قبل أن تدرك وتتأمل في القرائن الموجودة في الاحاديث النبوية حول هذه الشخصية العظيمة, وبيّنت في هذه الخاصية بأن المسألة - في مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري – ليست هي السخرية في من يرى أن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) بيّن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, إنما المسألة اولا – قبل كل شيء بالبحث عن القرائن الموجودة الأحاديث النبوية حول مهدوية وغيبة هذه الشخصية العظيمة ، وبيّنت في هذه الخاصية بأن من اخطاء معاهدنا العلمية السلفية أنها تعيّر أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بسبب اعتقادهم بأن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) بيّن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, وكذلك يصفونهم في أكثر من مقالة بالسذاجة والضلال .. و تهجموا عليهم لأنهم يعتقدون أن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) بيّن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وهي عقيدة منبثقة من الأحاديث النبوية كما سوف نثبت ذلك في هذه الخاصية .

إن طلاب معاهدنا العلمية السلفية يرون بأن الواجب كان يقضي على أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام أن يقلدوا شيخ الإسلام ابن تيمية - رضوان الله عليه - في مقالاته في نقد قضية أن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) بيّن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري

إن المجتمع الذي يسير على نهج معاهدنا العلمية السلفية بسسب المناهج الدراسية في المعاهد ، وبسبب تأثير النموذج المرسوم في معاهدنا العلمية السلفية حول قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري غابت عنهم القرائن الكثيرة فيروا بأن فكرة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري هي فكرة يهودية أو مجوسية لا أساس لها في الإسلام ولكنني في هذه الخاصية قمت بالبحث عن القرائن الكثيرة بحثا عميقا وتابعت التحقيق والتنقيب حولها وبينت أنها تأتي في ضمن المسائل الأساسية والحقائق الرئيسية في الإسلام . وهنا رأيت معاهدنا العلمية السلفية فى الرياض وصنعاء لمّا تناولت قضية ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري ومهدويته وغيبته هاجمت أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حين قالوا بأن قضية ولادة محمد بن الحسن العسكري ، وقضية مهدويته وغيبته من القضايا المتواترة ، وتبين لي بأنّ معاهدنا السلفية لم تدرك المعنى الصحيح لمراد أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من القضية المتواترة .

ص: 364

قال علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأنّ مرادنا بأن قضية ولادة محمد بن الحسن العسكري ومهدويته وغيبته قضية متواترة أنّما يتبيّن عند معرفة درجات التواتر ، ولكن مشكلة معاهدنا العلمية السلفية فى الرياض وصنعاء بأنّنا عندما كنا ننكر تواتر قضية ولادة محمد بن الحسن العسكري ومهدويته وغيبته ، لم نكن نعرف إلّا درجة واحدة من درجات التواتر ولم نلتفت إلى درجات التواتر الأخري .

وعندما نسمع بأنّ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يرى بأن قضية ولادة ومهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري من القضايا المتواترة ، يدخل في قلوبنا الريب من ذلك ، ومن ثَمَّ فَإِنِّي أناشد السلفيين في معاهدنا العلمية من المنكرين لتواتر قضية ولادة ومهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري أن يتقوا الله في هذه القضية الهامة ، وهي قضية الإلتفات بأن التواتر درجات عديدة متفاوته وليس التواتر درجة واحدة .

وهنا نرى أنّ أبا جعفر محمد بن عبد الرحمان بن قبة الرازي الذي عاش في أواخر القرن الثالث الهجري يبيّن بأنّ تواتر أحاديث النص على الأئمة الاثني عشر ، وكذلك تواتر أحاديث غيبة المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري حتى ولو كان تواتر تلك الأحاديث لا يمكن إثباته إلّا من كتب الشيعة الاثني عشرية فهذا التواتر يجب أن يأخذ به غير الشيعة الاثني عشرية ، ويقول حول ذلك : " إن نقل الشيعة المتواتر في هذا الباب شأنه شأن أي نقل متواتر في أي باب آخر حُجّة أيضاً ؛ لأنّ ملاك التواتر والعدد اللازم له موجود فيه ، ولا يشترط في حصول التواتر مذهب روات التواتر أو طبيعة موضوع التواتر ، فأساس التواتر حصول الاطمئنان في النفس 1 من نقل عدد كبير من الرواة في أماكن مختلفة بعدم تبانيهم على الكذب ، فإذا شك أحد في صحة نقل الشيعة في التعيين الصريح للأئمة [ الاثني عشر من أهل البيت ] لمن يخلفهم في كلّ زمان ، وادّعى ضرورة أن ينقل غير الشيعة أيضاً ذلك التعيين ؛ ليشتركوا في ذلك النقل المتواتر، فإنه لن تكون في الدنيا حجيّة لأيّة رواية ؛ لأن ملاك الحجيّة مشترك في جميع الروايات [ المتواترة ] ، فإذا خدش هذا الملاك استحال إثبات معجزات الأنبياء السابقين [ ما عدا القرآن الكريم فالمحتوى القرآني كله معجزة ] ولما أمكن إثبات وجود وصحة الأديان السابقة المبني على الأخبار المتواترة ؛ لأنّ جميع هذه الأمور وصلتنا من أناس آمنوا بها ، ولم يطّلع عليها وينقلها جميع الناس في كلّ العالم " [ أنظر كتاب التنبيه لأبي سهل النوبختي ، 89 ، فهو ذكر نفس العبارة المنقولة عن ابن قبة ] .

ولست أدعو إخواني السلفيين أن يعتقدوا بولادة ومهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري ولكنني أدعوهم أن يتدبروا في درجات التواتر ، ويعلموا بأنّ التواتر ليس درجة واحدة ، فإذا قال علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بأن قضية ولادة ومهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري من القضايا المتواترة ، فليس مرادهم من التواتر هنا بأن كل فرد من أفراد المسلمين

ص: 365

المعاصرين لولادة محمد بن الحسن العسكري كان عارفاً بمولده ؛ لأن معرفة كلّ فردٍ من المجتمع بقضية أنّما تتحقق في الدرجة العلياء من درجات التواتر ، ونحن على سبيل المثال نجد بأن قضية ثورة 1917م في روسيا توترت وعرفها كل فرد من أفراد المجتمعات البشرية فهي قضية بلغت الدرجة العلياء من ورجات التواتر ، ولكننا نجد على سبيل المثال بأنّ بعض معارك الشيخ محمد عبد الوهاب لم تتواتر إلّا في الدرجة السفلى من درجات التواتر بمعنى بأنّه لم يطلع عليها كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية ، ومشكلة المعاهد العلمية السلفية حين تأتي إلى قضية ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لا تلتفت إلّا إلى الدرجة العلياء من درجات التواتر ، ونقول لمعاهدنا العلمية السلفية بأن مشكلتنا الكبرى نكن نعرف في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء إلّا قسماً واحداً من أقسام التواتر ،

ولم نكن نعرف أقسام التواتر الأخرى ، وكنا نتصوّر بأنّ الحديث المتواتر هو الحديث الذي يشيع عند كل فرد من أفراد المجتمع ، وهذا التصوّر عن الحديث المتواتر هو أكبر خطأ وقعت فيه معاهدنا في فهم الحديث المتواتر ؛ لأن ذلك التصوّر لا ينسجم إلا مع قسم واحد من أقسام الحديث المتواتر ، إذ هنالك أحاديث متواترة لم يطلع عليها كلّ فرد من أفراد المجتمع الإسلامي ، وعدم معرفة كل فرد في المجتمع الإسلامي بتلك الأحاديث المتواترة لا يدل على أنّ تلك الأحاديث المتواترة غير متواترة ؛ لأنّنا عرفنا حسب منهج الإستقراء القائم على حساب الإحتمال بأن الحديث المتواتر يتكون من أحاديث أحاديه تجتمع هذه الأحاديث الأحادية عند طالب العلم الباحث عن الحقيقة فيرى أنّ عدد هذه الأحاديث الآحادية وصلت بعد تجميعها إلى درجة الحديث المتواتر ، والنقطة الهامة والخطيرة التي غابت عن طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية المرتبطة بقضية تواتر بتواتر أخبار وأحاديث ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، هو أننا لم ندرك بأنّه حتى لو كانت دائرة تواتر حديث ولادة ومهدوية وغيبة ضيقة ومحدودة كقضية دائرة تواتر خبر بعض معارك الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب ، لكن ضيق دائرة تواتر حديث ولادة ومهدوية وغيبة ، وضيق دائرة تواتر خبر بعض معارك الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب لا يمنع من وصف حديث ولادة ومهدوية وغيبة بالتواتر ، ووصف بعض معارك الشيخ محمد عبد الوهاب بالتواتر ، لأن قضية التواتر هي قضية عقلية رياضية مبنية على الإستقراء وحساب الإحتمال ، وقضية التواتر كقضية اليقين تماماً ، فكما أنّ اليقين درجات كذلك التواتر درجات ، وكما تختلف دوائر اليقين تختلف كذلك دوائر التواتر ؛ لأجل ذلك نصيحتي لطالب العلم في معاهدنا السلفية إذا أراد أن يفهم دوائر التواتر أن يتأمل ويتدبر فى دوائر اليقين ، فهنالك دائرة واسعة وكبيرة لليقين وهنالك دائرة متوسطة لليقين ، وهنالك دائرة محدودة وصغيرة لليقين ، ولكنّنا نطلق كلمة اليقين على كلّ هذه الدوائر الثلاث لليقين ، وطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء

ص: 366

يستغرب ويستنكر من الذي ينكر ويشك في المعارك التي وقعت بين الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب وبين خصومه بحجّة بأن هذه المعارك لم تُذكر إلا من قبل بعض خواص الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب ، ولابد لطالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية بأن يلتفت إلى نقطة هامة طالما كنّا نغفل عنها عندما كنا نبحث عن حديث ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وهي أننا حينما نستنكر ونستغرب من الذين أنكروا بعض معارك الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب التي نقلها خواص الشيخ محمد عبد الوهاب ، لكنّنا لم نلتفت أنّنا نستنكر ونستغرب من قضية أن ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري عَرَف بها خواص والد الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري . واشهد أني ادركت بعد التحقيق في قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري أنّ الحاجة إلى الإيمان ب- (قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري) هي حاجة العقل والقلب، وحاجة الحياة والواقع، وحاجة الأمة المسلمة والبشرية كلها على السواء؛ لأنّ هذا الوصي هو حلقة الوصل بين الأرض والسماء، بعد انقطاع الوحي من السماء، وبعد أن ختمت أنوار الأنبياء.. ومن ثَمّ كان الإيمان بقضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من أهم الخصائص التي تميز مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام عن سائر المذاهب الإسلامية الأخرى ؛ وقد حاولت رسم القرائن الكثيرة حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لطلاب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بصورة جديدة ، لعلهم يعذروني بسبب إيماني بمهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ويستطيع الإنسان بعد بالبحث عن القرائن الكثيرة حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري - أن يقول وهو واثق إنّ عقيدة أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري حقيقة أساسية وضرورية، أخبر عنها الرسول الأعظم قبل استكمال و تولد الإمام محمد بن الحسن العسكري و قبل تحقق وجوده في الواقع التاريخي بأكثر من مائتين وخمسين عاماً، وآمنت بهذه الحقيقة جماعة من المسلمين قبل تحققها، ودونت أحاديث الرسول الأكرم وجمعتها في كتب الحديث، بل أفردت كتباً مستقلة حديثية جمعت الأحاديث الصحيحة حول حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، إلى أن تحقق مهدوية وغيبة تلك الشخصية العظيمة بعد أكثر من مائتي عام و تحقق مضامين ومحتويات تلك الأحاديث الصحيحة في عالم الواقع، ولمسها الناس بأنفسهم.

وأخيراً فأن هذه الخاصية تشرح القرائن الكثيرة حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري. ، وسوف يرى طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء أننا نعتمد فى بداية بحثنا عن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن حسن العسكري على منهج

ص: 367

التشكيك بأن الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري ، وكل بحثي في هذا الباب الخامس حول هذه الخاصية يرتكز على التشكيك في أن الخليفة الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري المعروف عند أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، بمعنى أن يقال: نحن نسلّم بهذه الفكرة وأن يكون المهدي هو الخليفة الثاني عشر ، لكن هذا الخلفة الثاني عشر لا يلزم أن يكون هو الإمام محمد بن الحسن العسكري الذي تقول به الجعفرية ، ولا يوجد ذكر في الاحاديث لهذا الذي تدعي الجعفرية بأنه الإمام المهدي ، فكيف نتمكن أن نثبت بأن احاديث الخلفاء الاثني عشر تنص على أن الخليفة الثاني عشر المهدي هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري الذين تؤمن الجعفرية بأنه هو المهدي ؟ .

إن المهم في هذه الخاصية هذه هو إثبات هذا الموضوع، وعنوان هذه الخاصية هو إثبات مولد ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري " من خلال المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال وسأحاول إن شاء الله الإثبات من خلال ذلك المنهج بأنّ المهدي هو نفس محمد بن الحسن العسكري، وسوف يعرف طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بعض اسباب وجود اليقين بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري، وسوف تكون هذه الخاصية مركّزة على ذكر اسباب وجود اليقين بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري.. وسوف نبحث في هذه الخاصية عن إثبات أن المهدي هو نفس محمد بن الحسن العسكري من خلال المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال ، ولكن يبقى هنا أن نسأل ، كيف لنا أن نثبت لطالب العلم في معاهدنا السلفية مولد ومهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من خلال المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال ، ونريد هنا أن نبحث هل يمكن أن يكون الإمام المهدي هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري من خلال المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال ، كما نريد أن نبحث في هذه الخاصية هل يمكن أن يكون الإمام المهدي هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري من خلال القواعد العلمية اليقينية الموجودة في المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال ، ونحن نرى بأنّ المنطق القرآني ينطلق من الشك إلى اليقين ؛ لأنّ القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يعتمد على القواعد العلمية والموضوعية في معرفة الحق والحقيقة ؛ لأجل ذلك سوف أدرس بأنه من خلال المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال وقواعده العلمية القرآنية هل تحتمل القرائن التي بين ايدينا بأن المهدي هو نفس محمد بن الحسن العسكري ، وهل يمكن أن نستمد من القواعد العلمية القرآنية الموجودة في نظرية الاحتمال محاولة فهم وتحليل القرائن المرتبطة بمحمد بن الحسن العسكري من جهة ونستمد منها محاولة فهم و تحليل القرائن المرتبطة بالمهدي من جهة أخرى ، ونستفيد من نظرية الاحتمال في مجال تحليل جذور الفكرة المتعلقة بالربط بين المهدي و بين محمد بن الحسن العسكري لنرى هل هي فكرة وجدت فى النصف الأول

ص: 368

من القرن الرابع الهجري ، واخترع هذه الفكرة النوّاب الأربعة كما ترى معاهدنا العلمية السلفية ، وبالتالي نستخدم المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال في حساب الفرض الذي تراه معاهدنا العلمية السلفية ، ونبحث عن القرائن التي اعتمدت عليها معاهدنا في نفيها لوجود ولد للإمام الحسن العسكري ، ونفيها أن يكون المهدي هو محمد بن الحسن العسكري ونفىها غیبته ، ثم نقارن بين القرائن التي اعتمدتها معاهدنا في قولهم بأن فكرة ولادة محمد بن الحسن العسكري وفكرة الربط بين المهدي و بين الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وفكرة غيبته هي من أفكار الخطابية وهمية مخترعة لا أساس لها من القرآن الكريم ولا من أحاديث رسول الله ، وبين مجموعة كبيرة من القرائن التي يعتمد عليها أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في قولهم بولادة محمد بن الحسن العسكري ، وفي قولهم بالربط بين المهدي وبين الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وفي قولهم بغيبته هي أفكار نبيوية وليست فكرة خطابية وهمية ، ثم نقوم بذكر القرائن التي تدل على ولادة محمد بن الحسن العسكري والأدلة التي اعتمد عليها الجعفرية في إثبات أن الربط بين المهدي و بين الإمام محمد بن الحسن العسكري، وإثبات أن فكرة غيبته كلّها أفكار مأخوذة من نبي الإسلام و ليس من النواب الأربعة ، أو من الخطّابية ، وسيجد طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية دراسة علمية وموضوعية تراعي القواعد القرآنية العلمية ، ونقوم من خلال تلك القواعد القرآنية العلمية المنطقية بدراسة الرؤيتين السلفية والجعفرية كنظريتين محتملتين فنتصور بأن الرؤية السلفية هي نظرية محتملة وهكذا نتصوّر بأن الرؤية الجعفرية هى نظرية محتملة .؛ من أجل أن يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية أي الاحتمالين ينسجم مع أحاديث رسول الله حول الإمام المهدي ، وهل أحاديث رسول الله تقف مع احتمال السلفية حول المهدي ، ، أم أحاديث رسول الله تقف مع إحتمال الجعفرية حول المهدي، ونريد أن يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية بأن رفض كل القرائن المختلفة التي تثبت بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري هو رفض لقانون علمي ومنطقي وعقلاني وقرآني ونبوي مقبول عند كل البشر سوء كانوا مؤمنين أو كانوا ملحدين ، وينص هذا القانون بأن القرائن الكثيرة المتنوعة المستقلة لا يمكن التشكيك فيها بدون دليل و برهان ، وبالتالي إذا كان الإحتمال لدى الجعفرية بولادة محمد بن الحسن العسكري ، وكذلك الإحتمال لدى الجعفرية بأنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري ، وهكذا الإحتمال لدى الجعفرية بغيبة محمد بن الحسن العسكري يعتمد على القرائن الكثيرة والمتنوعة والمستقلة فسوف يكون من التعصب الطائفي المقيت لو أن معاهدنا العلمية السلفية لم تقبل تلك القرائن الكثيرة والمتنوعة ورفضتها من دون دليل وبرهان ، ومن هنا نحن لم نقبل النظرية الجعفرية إلا من خلال المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال.

ص: 369

ونحن في المعاهد العلمية السلفي كنا لا نؤمن بأن الإمام الحسن العسكري له ولد ، بل نؤمن بأنّه مات عقيماً ، والا نؤمن بأنّ الإمام المهدي هو نفس محمد بن الحسن العسكري ، ولا نؤمن بغيبة محمد بن الحسن العسكري, ولكن أليس لنا في معاهدنا العلمية السلفية أن نقول بإمكانية أن يكون للإمام الحسن العسكروي ولداً ، وإمكان أنّ المهدي هو نفس محمد بن الحسن العسكري، وإمكان غيبة محمد بن الحسن العسكري ، وإن كنا لسنا على ثقة تامة بإمكانية ذلك ، وعلى ثقة بأنّ القواعد القرآنية والعلمية للمنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال تلعب دوراً أساسياً في بالتنبؤ بإمكانية أن يكون للإمام الحسن العسكري ولداً ، وإمكانية أنّ المهدي هو نفس محمد بن الحسن العسكري، وإمكان غيبة محمد بن الحسن العسكري, لا سيّما بأنّ مولد محمد بن الحسن العسكري وقضية الأقتران بين المهدي وبين محمد بن الحسن العسكري، وغيبته ليست من الأمور المستحيلة في الثقافة القرآنية مثل قضية أن يكون هنالك نبيا بعد رسول الله ، فتلك قضية غير مقبولة في الثقافة القرآنية ، وأريد من طالب العلم فى المعاهد العلمية السلفية أن يبحث عن إحتمال أن يكون الإمام الحسن العسكري خلف ولداً وإحتمال أنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري ، وإحتمال غيبة محمد بن الحسن العسكري من خلال الاحتمالات التكرارية النسبية ، بمعنى أنْ ي يتم البحث من خلال نسبة أن يكون المهدي هو محمد بن الحسن العسكري مع ملاحظة القرائن و الظروف المحيطة بالمهدي ، وملاحظة القرائن والظروف المحيطة بمحمد بن الحسن العسكري ، وبالتالي سوف يدرك طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية من خلال التأمل والتدبر في عدد القرائن العلمية التى سوف نذكرها في هذا الباب الخامس، بأنّها قرائن كثيرة و مختلفة بحيث يمكن أن توجد في طالب العلم في معاهدنا السلفية الإطمئنان بأنّ الحسن العسكري خلّف ولداً وهو المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وهو صاحب الغيبة الكبرى, لأن هذا العدد الكبير من القرائن والضروف تجعلنا نثق بولادة محمد بن الحسن العسكري، وتجعلنا نقرن بين المهدي وبين محمد بن الحسن العسكري، وتجعلنا نستيقن بغيبة محمد بن الحسن العسكري ، ومن القواعد العلمية المنطقية التي سوف نذكرها ولها دور في زيادة احتمال صحة نظرية الجعفرية بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري هو أن هذه القرائن التي تثبت بأنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري تتصف بصفتين هامتين

الصفة الأولى : إن القرائن مكملة ومتممة لبعضها البعض : وسوف يدرك ذلك طالب العلم من خلال تأمله في القرائن التي سوف أذكرها في هذا الباب الخامس الذي خصصناه في ذكر القرائن التي تثبت بأنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري ، والصفة الثانية : إنّ كلّ قرينة لا بد أن تكون مستقلة عن القرائن الأخرى ، وسوف يرى طالب العلم في هذا الباب الخامس بأنّ كل قرينة سنذكرها مستقلة عن القرينة الأخرى ، كما سيدرك طالب العلم في

ص: 370

معاهدنا السلفية بأن وجود قرينة معينة من القرائن التي تدل على أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري لا تؤثر في وجود قرينة أخرى تدل على ذلك ، فلا تتأثر أي قرينة بالأخرى ، وهذه الصفة هامة, لأن لو فرضنا وجود قرينتين أحدهما تؤثر في وجود الأخرى فهذا الأمر سيؤدي إلى نقص في عدد القرائن التي تثبت بأنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري وتكون نتيجة ذلك التقليل من أهمية كثرة القرائن التي تثبت بأنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري .. مثل قرينة الحديث عن ولادة محمد بن الحسن العسكري في كتب الجعفرية لو لم تكن مستقلة عن قرينة الحديث عن ولادته في كتب أهل السنة ؛ لأن معنى هذا الأمر هو القول بتأثير الجعفرية على أهل السنة ، والقول بأنّ أهل السنة والجماعة أخدوا فكرة أنّ المهدي محمد بن الحسن العسكري قد ولد ووجد من كتب مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولم تكن لديهم أدلة تاريخية مستقلة عن الأدلة التاريخية لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تثبت بأنّة بافعل قد وجد وولد الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري و بالتالي تكون قرينة أهل السنة في ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري نسخة مكررة من القرينة الجعفرية ، وليست قرينة أهل السنة ، قرينة جديدة تدل بصورة مستقلة على ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن السكري ، وهذا الأمر يقود إلى نقص في عدد القرائن التي تزيد من قوة نظرية إحتمال أنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري وليس غيره ، وبذلك يتضح لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بأنَّ بحثنا في هذه الخاصية يدور حول حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من خلال المنهج الاستقرائي القائم على حساب الإحتمال.، وأنا لا اريد الحديث هنا في هذا الباب الخامس كثيراً عن أدلّة معاهدنا العلمية السلفية بأن الخليفة الثاني عشر هو المهدي ، لأن الذي يهمني في هذه الخاصية هو بيان أن الخليفة الثاني عشر هل هو الإمام محمد بن الحسن العسكري, أو هو غيره كما يرى الشيخ الإمام ابن تيمية وسوف يدرك طالب العلم في معاهدنا السلفية بأنّ الروايات بأن المهدي هو الخليفة الثاني عشر هي روايات لا خلاف عليها بين أهل السنة و السلفية و الشيعة .

وسوف يجد طالب العلم في معاهدنا السلفية في هذا الباب الخامس بأن الدليل العلمي لإثبات ولادة محمد بن الحسن العسكري ، ولإثبات مهدويته وغيبته يتخذ منهج الدليل الاستقرائي القائم على حساب الاحتمالات ، هو منهج بدرجةٍ عالية من الدقة العلمية ، ويدرك طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية بأن منهج الدليل الاستقرائي يتم من خلال تطبيق الكامل والشامل لكل الأسس المنطقية للاستقراء ونظرية الإحتمال ، وقد بذلنا كل جهدنا أن يكون استدلالنا بولادة ومهدوية وغيبة محمد بن الحسن العسكري حسب منهج الدليل الاستقرائي القائم على حساب الاحتمالات منهجاً مقبولاً لدى كل طلاب العلم في معاهدنا السلفية ؛ ولأجل ذلك تبين لطالب في هذا الباب الخامس كيف أن منهج الدليل الاستقرائي القائم على أساس الاحتمالات هو أقوى

ص: 371

المناهج المعتمد عليها في إثبات ولادة محمد بن الحسن العسكري ومهدويته وغيبته ، وطالب العلم في معاهدنا السلفية يدرك بأن منهج الدليل الاستقرائي القائم على الاحتمالات هو المنهج المعتمد عند كل البشر من الملحدين ومن المؤمنين ، فهذا المنهج يستوي بالثقة به الملحد والموحد والبوذي والمجوسي والماركسي واليهودي والمسيحي والمسلم ورجل الدين والطبيب وعالم الذرة ولا يستغني عن هذا المنهج أحد من أفراد البشرية ، وبالتالي فمنهج الدليل الاستقرائي القائم على حساب الاحتمالات هو منهج مقبول عند كل البشر

والآن حان الوقت لنشرع في طرح خاصية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وسوف أذكر لطالب العلم في معاهدنا السلفية نموذجاً واحداً حينما قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) : «الخلفاء من بعدي اثنا عشر سئل ثم ماذا ؟ فقال : يكون الهرج والمرج ، وفي مرة أخرى قال (صلی الله علیه وآله وسلم) «المهدي من و لدي » سئل ثم ماذا ؟ فقال : يكون الهرج والمرج . وبسبب التركيب بين هاتين الرواتين سلّم بفكرة أن المهدي هو الثاني عشر أهل السنة و السلفية و الاثني عشرية . فهذه الفكرة صحيحة والروايات فيها صحيحة ولا يمكن إنكار هذه الفكرة. ، فالمسلمون إذن بشكل عام قد سلّموا بهذه الفكرة، بسب الروايات.التي تصرّح بأن المهدي هو الثاني عشر .، ولا يوجد هناك منكر لذلك لأجل ذلك لن اتوسع في بحث هذا البعد على أي حال أصل فكرة أن المهدي هو الخليفة الثاني عشر هي فكرة مسلّمة من قبل عامة المسلمين تقريبا إلا من شذ، وقد دلت عليها الروايات الكثيرة التي جمعت في كتب الحديث عند كل الفرق الإسلامية ، وبالتالي فالتشكيك في أن الإمام المهدي الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري هو تشكيك في حقيقة يقينية عليها إجماع بين السلفية والجعفرية . وحينما يدخل طالب العلم في عمق هذا الباب الخامس سوف يتضح له - كما قلنا - بأن منهج إثبات أن الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري بحساب الاحتمال هو منهج علمي موضوعي منطقي قرأني ؛ لأنّ القرآن الكريم هو كتاب العلم والمنطق والعقل والفلسفة العلمية

ومن يريد الإيمان بأن محمد بن الحسن العسكري هو الخليفة الثاني عشر بمنهج حساب الاحتمال سوف نشرح له و نوضح له هذا المنهج في كل فصول هذا الباب الخامس المخصص في إثبات أنّ المهدي الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري، وطالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية يعلم بأنّ أي مسالة تاريخية ، إذا ما أردنا إثباتها بمنهج حساب الاحتمال لابد أن يراعى فيها قواعد نظرية الإحتمال ، وعلى سبيل المثال .هب أن قضية تاريخية سمعناها من واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة و انظمت إلى جوار سماع هذه القضية التاريخية قرائن من هنا وهناك، يحصل العلم بسببها على مستوى حساب الاحتمال . ، فلنفترض أنك سمعت من شخص بأن صديقك رزقه الله ولداً، يحصل احتمال

ص: 372

عندك بأن صديقك رزق ولداً بدرجة عشرة بالمائة مثلاً، ثم سمعت من شخص آخر نفس الكلام سوف يرتفع الاحتمال عندك إلى درجة عشرين بالمائة, لكن إذا انضمت إلى ذلك قرائن فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية من عشرين إلى ثلاثين وإلى أربعين وإلى أكثر ، افترض أنّك رأيت صديقك في الطريق يحمل طفلاً رضيعاً ، فهذا يقوي احتمال حصول صديك على مولود جديد عندك ، وإذا كانت القيمة

الاحتمالية لحصول صديقك على مولود جديد بدرجة أربعين الان ترتفع وتصير بدرجة خمسين مثلاً، وهكذا هذه الظاهرة أيضاً تصعد من القيمة الاحتمالية لهذا الخبر، وهكذا حينما تنضم قرائن من هذا القبيل، فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية للخبر إلى أن تصل الى درجة مائة بالمائة ، هذا الخبر كان في البداية في منتهى الضعف عندك ، لكن لانضمام القرائن حصل العلم لديك بأن صديقك قد رزق مولود جديد ، فهنا. حصول العلم يحصل بحساب الاحتمال، يعني بتقوي القيمة الاحتمالية بسبب انضمام القرائن . .

إذا، حصول العلم بأي قضية تاريخيّة من طريق حساب الاحتمال يتم بتجميع القرائن المختلفة والعديدة والمستقلة ، وهنا أريد من طالب العلم في معاهدنا السلفية أن يلتفت إلى حقيقة جوهرية وهي أنّه لا إجتهاد في تعيين الخليفة الثاني عشر مع تشخيص وتحديد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من هو الثاني عشر ، وليس من حق مشايخ معاهدنا العلمية السلفية ولا غيرهم أن يجتهدوا في تعيين من هو الخليفة الثاني عشر إذا ثبت بالدليل والبرهان - كما سنثبت ذلك في البحوث القادمة من هذا الباب الخامس بأن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قد حدد وعيّن الخليفة الثاني عشر ؛ لأن ذلك سيكون إجتهاداً في مقابل النص النبوي ، وبتوضيح أكثر نريد أن نقول هنا بأنه بعد أن تبيّن لنا بأنه (صلی الله علیه وآله وسلم) نص بأن محمد بن الحسن العسكري هو الخليفة الثاني عشر ليس من حق أحد أن يقول روايات النص النبوي على أن محمد بن الحسن العسكري هو الخليفة الثاني عشر أنا اجتهد فيها كما يجتهد الناس في مجالات أخرى ، و أرى بأن الخليفة الثاني عشر ليس هو محمد بن الحسن العسكري بل هو شخص آخر .. هذا لا معنى له، لان الروايات – كما سنذكرها في البحوث القادمة في هذا الباب الخامس - هي واضحة الدلالة وصريحة وتامة غير قابلة للاجتهاد، فالاجتهاد هنا إذن لا معنى له أيضاً، فان للاجتهاد مجالاً إذا فرض أنّ الدلالة لم تكن صريحة أو السند لم يكن قطعياً ومتواتراً ، أما بعد قطعية سند الروايات وتواترها ، التي تنص بأنّ الإمام محمد بن الحسن العسكري هو الخليفة الثاني عشر وبعد صراحة دلالة تلك الروايات في النص الواضح بأن الخليفة الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري، فالاجتهاد هنا لا معنى له، فانه اجتهاد في مقابل النص ، وسوف يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية في هذا الباب الخامس ما هي أسباب وجود اليقين بأنّ الخليفة الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) من خلال منهج حساب

ص: 373

الاحتمال الذي يعتمد على تجميع القرائن العديدة الكثيرة المختلفة المستقلة ، وأريد في هذا الباب الخامس أن يتخلّى طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية ، ولو بصورة مؤقتة من عقيدته بأنّ المهدي سوف يلد ويوجد في آخر الزمان ، ويتخلّى عن عقيدته بأنّ الإمام محد بن الحسن العسكري ليس هو مهدي آخر الزمان ، يتخلّى عن ذلك إلى أن يطلع على اسباب وجود اليقين بأن الخليفة الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري -سلام الله عليه- ، من خلال منهج حساب الاحتمال الذي يتم عبر تجميع القرائن العديدة الكثيرة المختلفة والمستقلة والمتنوعة ، ثم بعد ذلك يحكم من الدليل ، لا من خلال تقليد شيخ الإسلام ابن تيمية - رضوان الله عليه

والآن سوف أشرع بذكر القرائن التي تزيد عند طالب العلم في معاهدنا السلفية من إحتمال أن يكون الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري :

أولا : القرائن الكبرى.

القرينة الأولى : البشارات السماوية في التوراة والانجيل التى اشارت إلى مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري فهذه البشارات هي قرينة تزيد من إحتمال أن يكون الخليفة الثاني عشر هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري ، ولعله يحسن – لتكون هذه القرينة واضحة وضوحاً يناسب أهميتها - أن نذكر بأن السلفية كانوا من السباقين في كشف هذه القرينة الهامة التي تزيد من إحتمال أن يكون الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري ، وكان الذي قادني إلى الإيمان بهده القرينة هي كلمة قرأتها في كتاب منهاج السنة لابن تيمية حيث قال : «وكثير من اليهود إذا اسلم يتشيع فظن أن هؤلاء - أي الائمة الاثني عشر عند الاثني عشرية هم اولئك منهاج السنة : 8 / 242] - ، ويقول - ايضا: « الذي ثبت عن النبي في عدد الاثني عشر مما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة, قال: دخلت مع أبي على النبي فسمعته يقول : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ... والذي في التوراة يصدق هذا » – [منهاج السنة :8 / 242] -- وأشهد أني وجدت في كتب اليهود والنصارى عين ما ذكره ابن تيمية .. لقد تتبع اليهود والنصارى اخبار الخلفاء الاثني عش من أهل بيت محمد كما تتبعوا اخبار محمد ، وفي الحقيقة أنني عندما قرأت في كتب اليهود والنصارى وفي كتب أهل السنة - بعد أن قرأت عبارة ابن تيمية السابقة – بدأت

ابحث من جديد حول معنى حديث الاثني عشر الدي تعلمنا في المعاهد السلفية اليمنية وفي المعاهد السلفية السعودية أنه يرتبط بخلافة الخلفاء الأربعة وخلافة معاوية ويزيد وغيرهما من الخلفاء الأمويين, واضطربت عقيدتي في تفسير ابن تيمية لهدا الحديث اضطرابا شديدا هز ثقتي بطريقته في دراسة حديث الاثني عشر وأتدكر أني قرأت - يوما – في التوراة عبارة صريحة تبين لي دقة ابن تيمية في التأمل في التوراة .:«... - 18- وقال إبراهيم الله ليت

ص: 374

إسماعيل يعيش أمامك - 19 فقال الله : بل سارة تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق 20 وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيهها أن أباركه و أثمره واكثره كثيرا جدا . اثني عشر رئيسا يلد, وأجعله أمة كبيرة » - العهد القديم والجديد : ج 1 ص 25 ج 1 ص 25 في سفر التكوين, الإصحاح السابع عشر

ومن هنا قال ابن كثير : « في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : إن الله بشر إبراهيم بإسماعيل, ويجعل من دريته اثني عشر عظيما » - البداية والنهاية ج 1 ص 102 وانظر تفسير ابن كثير للآية 12 من سورة المائدة

ولم أكن حينها قد اكتشفت أن الإمام المهدي عند ابن تيمية وعند ابن كثير وعند كبار مشائخ المعاهد السلفية اليمنية ومشائخ المعاهد السلفية السعودية في عصرنا هو نفس الخليفة الثاني عشر من أولئك الاثني عشر الدين دكروا في بشارة التوراة وفي بشارة نبينا محمد. وفي المكتبة العامة لجامعة الملك سعود انشرحت أمامي تلك الحقيقة بعد أن نشر بيانا بإمضاء مدير إدارة المجمع الفقهي الإسلامي .. والبيان صادر من علماء المملكة العربية السعودية.. وهو يبين أن الإمام المهدي هو الإمام الثاني عشر في حديث الاثني عشر، وقد صدر البيان من قبل « رابطة العالم الإسلامي» المعروفة باتجاهها السلفي, وكان بإشراف جماعة من كبار علماء السعودية، مع إمضاء مدير إدارة المجمع الفقهي الإسلامي محمد المنتصر الكناني, وقام بكتابة هذا البيان فضيلة الشيخ محمد المنتصر الكناني وأقرت به اللجنة المكونة من أصحاب الفضيلة والعلم الشيخ الجليل صالح بن عثيمين وفضيلة الشيخ أحمد جمال وفضيلة أحمد علي وفضيلة الشيخ الجليل عبد الله خياط, وبإشراف الشيخ محمد صالح القزاز مدير الرابطة, والذي يهمني في هذا البيان الطويل هي هذه العبارة المقتطفة: «هو - الإمام المهدي - آخر الخلفاء الراشدين، الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي صلوات الله وسلامه عليه في الصحاح، وأحاديث المهدي، واردة عن كثير من الصحابة... «. إنه لم يكن ليخطر ببالي في يوم من الأيام أن أبحث و احقق من جديد حول فهمنا لحديث الاثني عشر ؛ لأني كنت مقلدا لابن تيمية في فهمي لهذا الحديث . وكنت اعتقد بأن فهم الاثني عشرية لهذا الحديث وقولهم بأن الخلفاء الاثناعشر هم علي والحسن و الحسين وتسعة من ولد الحسين ليست سوى خرافة من خرافات الرافضة .

ومن المناسب لما نقله ابن تيمية من التوراة حول الخلفاء الاثني عشر بعد النبي الاكرم أن اذكر أنني في أحدى الأيام سمعت أن أحد الشخصيات اليهودية التي اعتنقت مذهب أهل السنة و الجامعة قد ترك التسنن ودخل في مذهب الاثني عشرية .. فذهبت إليه وقلت له : لماذا اسلمت على مذهب التسنن ثم دخلت في المذهب الاثني عشري .. ففتح لي التوراة وقرأ لي عين العبارة التي نقلها ابن تيمية من التوراة .. وجعلني هذا اللقاء مع هده الشخصية ذات

ص: 375

الأصول اليهودية اتذكر كلام ابن تيمية عن اليهود الدين اسلموا في عصره كيف كانوا يتركوا التسنن من اجل هده البشارة السماوية حيث قال : « وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيع » [ منهاج السنة ج 8 ص 242 ] .

واريد الآن أن اذكر القارئ السلفي الكريم بأمر قد سبق لي أن ذكرته وهو حينما ذكرت تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري في زمن طفولتي وعند بداية دراستي في المعاهد المعاهد السلفية اليمنية.. فقد بيّنت بأنه ليس فى ذاكرتى فى زمن طفولتي عن قناعتي بهذه الحقيقة امر يستحق التدوين فكأي طفل نشأ وعاش في محيط وهابي, يرتسم محمد بن الحسن العسكري – المهدي عند الاثني عشرية – في مخيلتي الصغيرة كأسطورة وشخصية وهمية مخترعة, ولم يكن هنالك علاقة بين محمد بن الحسن العسكري في دهني بالإمام المهدي الثاني عشر – أحد الخلفاء الاثني عشر في عقيدة ابن تيمية وابن كثير – ولكنني حينما قرأت عبارة ابن تيمية - بعد أن تجاوزت مرحلة الطفولة التي نقلها من التوراة حول الخلفاء الاثني عشر بعد النبي ثم تصريحه بأن المهدي هو الثاني عشر من اولئك الخلفاء المذكورين في التوراة وفي كتب الحديث عند المسلمين بدأت ادرك أن هنالك علاقة بين مهدي الاثني عشرية وبين مهدي المعاهد السلفية اليمنية والمعاهد السلفية السعودية, وازداد الأمر وضوحا عندي حينما وجدت هنالك علاقة بين صفات المهدي في كتب اليهود والنصارى وبين صفات الإمام محمد بن الحسن العسكري في الكتب التاريخية التي تحدثت عن صفاته و سماته..اتذكر أنني كنت في جامعة الملك سعود ابحث في مكتبتها العامة وكنت قد بدأت البحث عن المهدي في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام , وكنت اردد عبارة ابن تيمية .. وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيّع فظن أن هؤلاء [ أي الخلفاء الاثني عشر ] هم اولئك [ أي الذين بشرت بهم التوراة و النبي الأكرم ] .. - منهاج السنة لابن تيمية ج 8 .. ص 242 ثم ذهبت إلى بعض طلاب جامعة الملك سعود و بدأت اتحدث معهم عن عبارة ابن تيمية التي دور كبير في هدايتي إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري, وقلت لهم : إن ابن تيمية صرّح بأن الكثير من اليهود في عصره - في النصف الثاني من القرن السابع الهجري و النصف الأول من القرن الثامن - إذا اسلموا يتشيّعوا, ثم بيّن ابن تيمية أن سبب تشيّعهم هو أنهم ظنوا أن الأئمة الاثني عشر الذين بشرت بهم التوراة و بشر بهم النبي هم نفس الأئمة الاثني عشر الذين تقول بهم الاثنا عشرية . فقال أحدهم : نحن إذا اسلم أحد اليهود ثم ارتد وترفض . فقلت له : لكن اليس من المهم أن نبحث لماذا اختار الرافضة علينا .. والذي لفتني أنه ترفض بسبب أنه رأى أن صفات الخلفاء الاثني عشر عند الرافضة تنطبق على صفاتهم في كتب اليهود وفي الحقيقة أنني بعد معرفتي بعبارة ابن تيمية بدأت اقارن بين صفات الخلفاء الاثني عشر

ص: 376

عند الاثنى عشرية وبين صفاتهم في كتب اليهود والنصارى, و بدأت ابحث عن اليهود الذين اسلموا ثم ترفضوا وحينما تقدّم بي البحث حدثت لي مفاجأة كبرى, و دار بيني و بين اخواني السلفيين حوار طويل بسبب اهتمامي باليهود والنصارى الذين اسلموا ثم تشيعوا ولكنني عندما قرأت عنهم ازداد لدي نموذجي السلفي اضطراباً, وتضاعفت شكوكي في ردود الشيخ ابن تيمية على الاثني عشرية بخصوص عقيدتهم بمهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ..

وكانت دراستي لحياة اولئك تنفذ في خفة إلى قلبي فتفعل به الأفاعيل .. وأتذكّر حينما كنت اقرأ البشارات السماوية الواردة في كتب اليهود و النصارى - التي اشار الى بعضها ابن تيمية - أجدها تهدي إلى المهدي [ الإمام محمد بن الحسن العسكري ] الذي تقول به الاثنا عشرية .. و الذين تركوا اليهودية ثم اسلموا ثم ترفضوا هم كثير - كما قال ابن تيمية – وقد اكتشفت بأنه لا يمكن حصرهم, ولا يعلم عددهم إلّا الله .. وكنت أثناء مراجعة قصص هؤلاء اقف متسائلا كيف ترك اولئك اليهودية و النصرانية ثم تسننوا ثم تشيعوا ؟ .. وكيف آمنوا بأن الخلفاء الاثني عشر عند الاثني عشرية هم الذين بشرت بهم التوراة ؟ .. وشرعت اقرأ حول ذلك, و ابحث في كتبهم وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله .. وعرفت كيف ترك الكثير من أهل الكتاب اليهودية و النصرانية و اختاروا التسنن ثم تشيّعوا.

والآن نحب أن نعرف كيف تجلّت حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكرية – المهدي عند الاثني عشرية – في عقول الذين كانوا من كبار الأحبار و الرهبان في اليهودية و النصرانية , ثم اسلموا واصبحوا من أهل السنة و الجماعة, لكن حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري في البشارات السماوية في العهد القديم و العهد الجديد بكل دلائلها وبكل تأثيراتها أجبرتهم أن يجددوا النظر في مذهب أهل السنة .. وهم كثير - كما قال ابن تيمية - وهم كثير نذكر بعض كتبهم التي برهنت و أوردت الحجج القوية على أن احاديث نبي الإسلام عن المهدي هي نفس اخبار كتب اليهود والنصارى عن المهدي, واقرب ما نتمثل به في هذا الموكب الكبير من المهتدين إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري, تجربة المسلم العظيم القاضي الساباطي في ذلك الموكب الكريم, وتجربة الإمام الشيخ محمد صادق علیه السلام فخر الإسلام, وتجربة العلّامة المحقق سعيد أيوب - ذكرت سعيد في سياق هذا الموكب الكبير مع أنه في الأصل كان مسلماً سنياً لأنّه كان عالماً متبحراً في القرآن والتوراة والانجيل وكان خبيراً في الأديان السماوية الثلاثة -

لقد نشأ القاضي الساباطي في عائلة مسيحية و صار قسيساً ثم اعلن إسلامه وصار عالماً من علماء أهل السنة وردّ على النصارى في كتابه القيم " البراهين الساباطية "

ص: 377

وقد بحثت في كتابه عن تجربته مع الإمام محمد بن الحسن العسكري .. وفي تجربته بيان لسبب اعتقاده بمهدوية و غيبة ذلك الإمام العظيم وهذا السبب الذي ذكره يرجع إلى البشارات السماوية حول الإمام المهدي - التي اشار إليها ابن تيمية – في كتاب " أشعياء حيث أن تلك البشارات تنطبق على الإمام محمد بن الحسن العسكري .. وهذه مقتطفات مختصرة من كتابه يبيّن فيها تجربته الفريدة مع ذلك الإمام العظيم : " ... وقد اختلف المسلمون في المهدي, فأما أصحابنا من أهل السنة والجماعة قالوا : إنه رجل من أولاد فاطمة, اسمه محمد و اسم أبيه عبد الله و اسم امه آمنة . وقال الإماميون : بل هو محمد بن العسكري الذي ولد سنة خمس و خمسين ومائتين من جارية للحسن العسكري اسمها نرجس في " سرّ من رأى " في عصر المعتمد ثم غاب ولا يرجع بعدها إلا حين يريد الله تعالى ولمّا كان قولهم أقرب لما يتناوله هذا النص [ يعني بشارة كتاب أشعياء حول المهدي ], وإن هدفي الدفاع عن أمة محمد مع قطع النظر عن التعصب لمذهب, لذلك ذكرت لك أن ما يدعيه الإمامية يتطابق مع هذا النص " .

فهذا المسلم العظيم هو فرد من تلك الكوكبة الكريمة المهتدية إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري ... وهو يبيّن تجربته مع هذا الإمام العظيم .. ويذكر بأن بشارة أشعياء هي دقيقة للمهدي الذي بشر به نبي الإسلام ولا تنطبق هذه الصفة الدقيقة إلا على الإمام محمد بن الحسن العسكري الذي تعتقد بمهدويته و غيبته الاثنا عشرية .

ومن المؤسف أنني حين ذكرت لبعض اخواني السلفيين تلك البشارة الهامة التي ذكرها القاضي الساباطي واجهت هجمة شرسة من قبلهم .. وأخذوا يرددوا ما تعلمناه في نموذجنا السلفي عن هذا الإمام العظيم .. ما هو إلا مجرد اسطورة مخترعة من قبل الرافضة. والآن نعود إلى موضوعنا و نواصل ذكر بعض الذين تركوا اليهودية و النصرانية بسب تجربتهم مع ذلك الإمام العظيم بعد أن تبيّن انطباق البشارات السماوية حول مهدي آخر الزمان على الإمام محمد بن الحسن العسكري

ويأتي من افرادهذه القافلة الكريمة التي استقر بها النوى في رحاب هذا الإمام العظيم.. الإمام الشيخ صادق علیه السلام فخر الإسلام .. كان من كبار علماء النصارى - قبل أن يعتنق الإسلام - .. وقد شرح تجربته مع الإمام محمد بن الحسن العسكري في ثنايا كتابه الكبير " أنيس الأعلام في نصرة الأعلام " .. وصرح بأن البشارات في كتب اليهود و النصارى عن مهدي آخر الزمان الذي بشر به نبي الإسلام لا تنطبق إلا على الإمام محمد بن الحسن العسكري .

وهكذا نجد قافلة الانبياء من موسى إلى عيسى إلى محمد ترسم صورة واحدة ذات سمات خاصة و صفات فريدة لا تنطبق هذه الصفات وتلك السمات إلا على السمات و الصفات الموجودة في الإمام محمد بن الحسن العسكري .

ص: 378

إن تجربتي مع هذا الإمام العظيم جعلتني استيقن بأن المعاهد السلفية اليمنية والمعاهد السلفية السعودية لن تتحرر من الصورة الشنيعة و القبيحة التي رسمتها عن هذا الإمام العظيم إلا أذا كلمات موكب المهتدين إلى هذا الإمام العظيم من اليهود والنصارى .. ولا يفوتني هنا أن اذكر تجربة العالم الكبير سعيد ايوب المصري مع الإمام محمد بن الحسن العسكري التي ذكرها في الكثير من كتبه .. وقد اعتمد في تجربته على فقرات البشارات السماوية .. وهي فقرات ذات مغزى في تجربتي الفكرية مع ذلك الإمام العظيم .. إنها فقرات فريدة كان لها دور كبير في انجذابه إلى هذا الإمام العظيم... وقد ذكر بعض تلك الفقرات في كتابه القيم " المسيح الدجال " - ... وهذه مقتطفات من تعليقات سعيد ايوب على تلك الفقرات : بعد أن نقل عبارة بقوله : " ويقول كعب : مكتوب في أسفار الأنبياء : المهدي ما في عمله عيب .. قال سعيد ايوب معلقا قال سعید ایوب معلقاً : " ... و أشهد أني وجدته كذلك في كتب

أهل الكتاب, لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده " ص ", فدلّت أخبار سفر الرؤيا ..... إلى امرأة اخرى - أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدته -, وقال السفر : إن هذه المرأة ستحيط بها المخاطر, ورمز للمخاطر بأسم " التنين ", وقال والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد يبتلع ولدها متى ولدت " - سفر [ والتنين هو رمز للطاغية والحاكم الظالم, وبعض هذه البشارات تشير إلى الطاغية لعباسي المعتمد الذي عاصر والد الإمام محمد بن الحسن العسكري .. وأمر كما ذكر ابن الأثير المؤرخ السني في تاريخه - بمحاصرة منزل والد ذلك الإمام العظيم من أجل التنقيب عن الحوامل من نسائه ] : [ 3:12] . أي : إن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ولكن بعد ولادة الطفل . يقول باركلي في تفسيره : " عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه " . واختطف الله ولدها أي : إن الله غيّب هذا الطفل كما في قول باركلي ..... ثم قال باركلي عن نسل المرأة [ يعني بها المرأة الأولى وهي غير المرأة الثانية التي تلد الرجل الأخير .. وتلك المرأة الأولى هي جدة الرجل الأخير .. يرى سعيد ايوب أن صفات المرأة الأولى تنطبق على جدة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. فاطمة الزهراء .. و صفات المرأة الثانية الأخرى - تنطبق على أم ذلك الإمام العظيم .. نرجس ].... عموماً : " إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة [ الأولى وهو رمز عن السيدة فاطمة الزهراء] كما قال في السفر : فغظب التنين على المرأة, وذهب ليضع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله " . وهنا يبيّن العلامة سعيد ايوب بأن الذي يقرأ كتاب " مقاتل الطالبيين " لابي الفرج الاصفهاني .. وهكذا . يقرأ الكثير من الكتب التي ذكر فيها مقاتل الفاطميين, سوف يعلم بأن المرأة الأولى في تلك البشارة لا تنطبق إلا على فاطمة, وسوف يعلم بأن التنين هو رمز عن طغاة الدولتين الأموية و العباسية حيث شنّوا حرب ابادة على باقي نسل المرأة [ الأولى ] - أي فاطمة - .

ص: 379

والآن شرع العلامة سعيد ايوب في ذكر البشارات السماوية عن المرأة الأخرى وهي نرجس أم الإمام محمد بن الحسن العسكري ] .. وهي المرأة التي ستلد الرجل الأخير .. وهي التي ذكرت البشارات بأنها ستواجه المخاطر من التنين .. وفي هذا السياق يقول : " ثم أشارت أسفار الأنبياء عند اليهود إلى المخاطر التي ستواجه هذه المرأة التي ستلد الرجل الأخير من الاثني عشر, وهو تعبير عن مواقف السلطة العباسية تجاه المولود الموعود ابن الحسن العسكري .

ورمزت أسفار الأنبياء عن الطاغية الذي سيواجه الموعود الأخير المصلح العالمي " بالتنين فقال في سفر الرؤيا : " والتنين وقف أمام المرأة الأخيرة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت وسفر الرؤيا عبّر عن الخليفة العباسي الذي حاصر " نرجس " حتى يقتل المهدي " بالتنين الذي يريد أن يبتلع ولدها

وما في " سفر الرؤيا " يعد تصريح واضح بالواقع الذي مثله الأئمة الاثنا عشر من البيت العلوي و ما لاقاه اتباع هذا البيت من مطاردات

جاء في سفر الرؤيا : " إن التنين سيعمل حرباً شرسة على نسل المرأة [الأولى]..[ وهو رمز عن فاطمة و المقتولين الفاطميين من ذريتها ] . ثم ذكر سفر الرؤيا : " فغضب التنين على المرأة وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها [ أي : نسل المرأة الأولى ] الذين يحفظون وصايا الله " .. والمتأمل لهذه النصوص سيجد أن مسألة الاثنى عشر من الأئمة من المسائل التي سلمت بها الديانات السابقة ولهذا يصرح سفر التكوين : " وأمّا اسماعيل فقد سمعت قولك فيه وها أنا اباركه و ائمّيه واكثره جداً جداً, ويلد اثنى عشر رئيساً, واجعله أمة عظيمة " .. لم يجد هذا العدد تطبيقاً ألّا عند الاثني عشرية ... هذه أوصاف المهدي [ في أسفار الأنبياء ] . وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية " [ انظر إلى كتاب المسلم العظيم سعيد ايوب المصري .. المسيح الدجال من ص 379 إلى ص 380 - ].

وبعد نحن بحاجة ماسة أن نذكر الكثير الكثير من أولئك الذين ذكر ابن تيمية أنهم اسلموا ثم ترفضوا [تشيعوا] بسبب بشارات التوراة و بشارات نبي الإسلام بالإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري - ولا غرابة أن نجد الكثير يهتدون بهذا الإمام العظيم لأن تلك البشارات السماوية صريحة في الدلالة على الأئمة الاثني عشر عند الامامية الاثني عشرية ؛ لأن ذكرهم يفتح طريق الهداية لأتباع النموذج السلفي الذي ينكر مهدوية ذلك الإمام العظيم .. ولكن لا مجال في هذا الكتاب الصغير أن نذكر كل أولئك فنكتفي بهؤلاء الثلاثة

القرينة الثانية : أحاديث مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في صحيفة الإمام علي – كرم الله وجهه - وهذه الأحاديث قرينة تزيد في إحتمال أن يكون الخليفة الثاني عشر هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري وسوف نذكر هذه الأحاديث بعد قليل

ص: 380

بإملاء الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله - ، وهي أقدم مجموعة حديثية دونت في حياة الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - ، واتفق على القيمة العظيمة والهائلة لتلك الصحيفة كبار محدثي أهل السنة، وكبار محدثي الاثني عشرية أما الذين ذكروها من أهل السنة فهم كثير, نشير إلى بعضهم، وفي هذه الصحيفة ينقل الدكتور محمد عجاج الخطيب – من كبار أهل السنة المهتمين في علم الحديث - عن محدثي أهل السنة القدماء قولهم: في أن «خبر صحيفة علي رضي الله عنه مشهور » ، أما الباحث السني المعاصر الدكتور رفعت فيقول في كتابه «صحيفة علي بن أبي طالب»: «إن هذه الصحيفة [صحيفة الإمام علي] فيها أمور كثيرة وموضوعات متعددة . وقد تحدث عن أهمية صحيفة علي» كبار علماء أهل السنة في العصور القديمة والحديثة ، واكتسبت تلك الأهمية لوجود الروايات - في كتب الحديث السنية التي بينت اهتمام الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - بإملائها على الإمام علي، فكان صلى الله عليه وآله - هو السبب في إيجاد «صحيفة الإمام علي»، وفي هذا نذكر الروايات

السنيّة التالية التي تبين ما ذكرنا ولا تدع مجالا للشك في اهتمام الرسول في تدوين تلك الصحيفة:

1 – روى كبار محدثي أهل السنة بإسنادهم عن عائشة رضي الله عنها: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بأديم ودواة، فأملى عليه، وكتب حتى ملاء الأديم»

2 - وروى أئمة أهل السنة عن أم سلمة - رضي الله عنها - إنها قالت: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأديم ، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه عنده، فلم يزل رسول الله يملي، وعلي يكتب، حتى ملأ بطن الأديم ، وظهره، وأكارعه» .

وبالتأمل في الروايتين نجد إنهما تقررا - أيضاً - أن صحيفة الإمام علي واسعة من حيث المساحة ومن حيث اشتمالها على أحاديث ذات مواضيع متعددة، ومن ثمّ يعبّر عنها بالكتاب والجامعة. وليس هنا مكان تفصيل كلما جاء في هذه الصحيفة, فنكتفي بهذا القدر، على إنه ينبغي أن نشير أن كبار محدثي أهل السنة إنما نقلوا جزاء يسيراً من صحيفة الإمام علي – رضي الله عنه - بسبب المنع والحصار الذي فرضه السلطان على روايات الإمام علي - كما سبق أن ذكرنا في هذا البحث عن دور بني أمية في عزلنا عن أهل البيت – والجزء الأعظم من

الصحيفة روي عن طريق الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي الذين لم يخضعوا لأمر السلطان, وقاموا بنشر روايات الإمام علي بين جماعة من أصحابهم وشيعتهم, ومن ثم يتضح السبب في اختلاف السنة والاثني عشرية في أمر الصحيفة من حيث حجمها ومضمونها. وحتى تتضح الصورة الكاملة ل- «صحيفة الإمام علي»، سوف نستعرض – على سبيل الاختصار - نظرة الاثني عشرية إلى تلك الصحيفة العظيمة . وفي شأن هذه الصحيفة نؤثر أن

ص: 381

ننقل بعض ما روي في شأنها الإمام الأعظم الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين ابن بابويه (من كبار أعلام الغيبة الصغرى 260 - 329 ه-) شيخ المحدثين في زمانه وأعلمهم بشأن الصحيفة:

1 - روى بسنده عن أم سلمة، قالت: «أقعد رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً رضي عنه في بيته، ثم دعا بجلد شاة فكتب فيه حتى أكارعه...»

2 – وروى بسنده عن الإمام الباقر - رضوان الله عليه - عن آبائه، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين - كرم الله وجهه - : أكتب ما أملي عليك...» وفي الوقت الذي يترك بعض المسلمين روايات الإمام علي يكون حينئذٍ من الطبيعي أن يتركوا الجزء الأعظم مما في تلك الصحيفة؛ بسب المحنة التي مرت فيها روايات الإمام علي، في حين إننا وجدنا الأئمة الإحدى عشر من ولد الإمام علي يبذلون حياتهم، ويعرضون أنفسهم لخطر السلطان من أجل تعليم أصحابهم وشيعتهم بما في تلك الصحيفة ، ويشعر المتدبر في روايات الأئمة الإحدى عشر حول تلك الصحيفة أنّها تحتل عندهم مكانة عظيمة لا يمكن أن يسمو إليها أي كتاب آخر من كتب الحديث, ومنهج الأئمة الإحدى عشر في التعريف بتلك الصحيفة وما فيها من المواضيع ، يختلف عن منهج غيرهم اختلافاً تاماً، وكنت - وأنا أراجع روايات الأئمة الإحدى عشر في الصحيفة - أقف أمام أكبارهم وتعظيمهم لشأن تلك الصحيفة حتى أصبحت حية حاضرة فى قلوبهم وحياتهم, ولم يحدث قط أن فارقوا تلك الصحيفة, ومن ثم لا يبلغ قول قائل في وصف «تلك الصحيفة» ولا في تبيين حجمها وتجلية محتواها ما يبلغه الأئمة الإحدى عشر. لذلك نؤثر أن نعرض نماذج من تلك الروايات الفريدة، في تعريف الناس بحقيقة الصحيفة، حتى يسمعوا ما قاله أوصياء الرسول الأكرم في شأنها:

1 – قال الإمام الباقر - الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر - في «صحيفة الإمام علي»: «هذا خطّ علي وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله

2 - وقال الإمام الصادق علیه السلام - الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر – رضوان الله عليهم:

الكتاب الذي هو إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطه علي رضي الله عنه بيده»

3 - وقال الإمام الهادي علي بن محمد بن علي بن موسى - الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم - : «إنّها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب، بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله

إن المتمرس في روايات الأئمة الإحدى عشر - الذين تورثوا تراث الإمام علي – يجد أن منبعها تلك الصحيفة ، وحتى نثبت ذلك بالأدلة نذكر بعض ما جاء عن الأئمة الإحدى عشر - رضوان الله عليهم - في تبيين مصدر ومنبع أقوالهم:

ص: 382

1 – قال أبو دعامة : أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم] عائداً له في علته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلما هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة قد َوجَبَ حقك، أفلا أحدثك بحديث تسربه؟ فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله, قال: حدثني محمد بن علي [الإمام التاسع رضي الله عنه] قال: حدثني أبي علي بن موسى [الإمام الثامن رضي الله عنه قال: حدثني أبي موسى بن جعفر [الإمام السابع رضي الله عنه قال حدثني أبي جعفر بن محمد [الإمام السادس عنه] قال: حدثني أبي محمد بن علي [الإمام الخامس رضي الله عنه قال: حدثني أبي علي بن الحسين [الإمام الرابع رضي الله عنه قال: حدثني أبي الحسين بن علي [الإمام الثالث رضي الله عنه] قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب [الإمام الأول من الأئمة الاثني عشر رضوان الله عليهم]، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - : أكتب يا علي فقلت: ما أكتب؟ قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب، وصدقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان وحلت به المناكح قال أبو دعامة : فقلت: يا ابن رسول الله ما أدري - والله

أيهما أحسن؟ الحديث أم الإسناد؟

فقال : إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب، بإملاء رسول الله – صلى الله عليه وآله نتوارثها صاغراً عن كابر .

2 - يقول الإمام جعفر الصادق علیه السلام - رضوان الله عليه - : «حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل»

والآن - بعد هذا البيان – نستطيع أن نقول : إنما ذكرنا كتاب الإمام علي لأن هنالك تلازماً وثيقا بين روايات الغيبة وكتاب علي - كرم الله وجهه - ، بل هناك ما هو أكثر من التلازم, هناك الانبثاق, فأحاديث غيبة الثاني عشر هي فرع من أحاديث الرسول – صلى الله عليه وآله في كتاب علي، ومن ثمّ فمعرفة كتاب علي ضرورة يفرضها منهج البحث عن حقيقة الغيبة.

وهنالك حقيقة لها أدلتها القوية تقول: - ولا بدّ من الالتفات إلى الحقيقة السابق ذكرها التي تقول إن روايات الأئمة الإحدى عشر في حقيقة الغيبة مصدرها ومنبعها كتاب علي – كرم الله وجهه – إن روايات الأئمة الإحدى عشر المستخرجة من صحيفة الإمام علي جمعت من قبل أصحاب الأئمة وشيعتهم في الأصول والمدونات الأولية القديمة، التي تم كتابتها في عصر المحنة لأهل بيت النبوة قبل الغيبة، ومن ثم فهناك تلازم وثيق بين كتاب علي وبين روايات الأئمة الإحدى عشر من جهة، كما أن هناك تلازماً وثيقاً بين رواياتهم وبين الأصول

ص: 383

والمدونات الأولية القديمة الحديثية من جهة أخرى - مثل الأصول الأربعمائة المشهورة - التي جمع أصحاب الأئمة وشيعتهم روايات الأئمة من كتاب الإمام علي - رضوان الله عليه - في تلك الأصول. ولقد تضمنت الأصول الأولية القديمة - المصنفة قبل غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري - روايات الأئمة في حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم – رضوان الله عليه ، وتعتبر رواياتهم شرحاً وتوضيحاً لحقيقة الغيبة المرسومة من الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - في صحيفة الإمام علي - رضوان الله عليه

تأمل قول الإمام زين العابدين في رواية عنه من روايات الغيبة: إي وربّي إِنَّ ذلكَ مكتوبٌ عندنا في الصحيفة» لتعلم أن منبع روايات الأئمة الإحدى عشر في حقيقة الغيبة، هي صحيفة الإمام على - رضي الله عنه - بإملاء رسول الله - صلى الله عليه وآله - .

القرينة الثالثة : مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري فى الأصول الأولية القديمة الحديثية : وهي قرينة تزيد من إحتمال أن يكون الخليفة الثاني عشر هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري .

وسبق أن ذكرنا أن الأصول الأولية هي المدونات الحديثية التي ضمت روايات الأئمة الإحدى عشر من صحيفة الإمام علي، ونحب أن نتحدّث أنه ليس هناك كالأصول الأولية في التعريف بنصوص حقيقة الغيبة, وفي هذا يقول الإمام المحدّث الخبير أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي - رضوان الله عليه - المتوفى سنة (588) ه-) في كتابه «الاستنصار في النص على

الأئمة الاثني عشر الأطهار» كلاماً عميقاً, يستند على أدلة قوية سبق أن ذكرناها، ويبيّن حقيقة تاريخية مسلمة تقول : إن الأصول الأولية كتبت قبل الغيبة، وأدنى مراجعة لتراجمهم تثبت لنا أن مؤلفيها ماتوا قبل الغيبة ، ثم يذكر أن الإخبار بالغيبة يرتبط بالنبي – صلى الله عليه وآله -, ثم في النهاية يذكر الشيخ لفتة عميقة ذات قيمة كبيرة، تفرق بين الرواية الدخيلة الموضوعة والرواية الصحيحة, فالرواية الكذوبة عندما تخبر عن أمر سوف يقع في المستقبل لا بد أن يخذلها ويكشف زيفها المستقبل نفسه أما الروايات الصحيحة الواردة في الغيبة، فقد وصفت الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بمائتين عاماً ثم نصرها الواقع، ولا شك أن الإخبار عن أمور الغيب لا يكون إلا من الله سبحانه، ويمضي الشيخ فيقول في حقيقة أحاديث وروايات الغيبة في الأصول المدونة قبل تحقق الغيبة: «إن هذه الأخبار [أي الأخبار التي ذكرت حقيقة الغيبة] مضمنة في كتب سلفهم المعروفة بالأصول عندهم، مما قد مات مؤلفوها قبل الغيبة وكمال عدّة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وكان الأمر موافقاً لما رووه من غير اختلاف والإخبار بالكائن قبل كونه لا يكون إلا من الله سبحانه وتعالى، ويؤخذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا مقنع لمن أنصف من نفسه»

ص: 384

ويقول الشيخ الإمام محمد بن النعمان المفيد – رضوان الله عليه – في بعض تلك الأصول القديمة: «صنّفت الإمامية من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عصر أبي محمد الحسن العسكرى عليه السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول»

ومن المسلمات التاريخية، أنّه لم يؤلف شيء من هذا الأصول بعد الإمام الحادي عشر أبو محمد الحسن العسكري, ومقتضى ذلك إنها كتبت قبل تحقق الغيبة, وقد كانت أحاديث الغيبة موزعة في تلك الأصول الحديثية قبل تحقق الغيبة، وفي هذا يقول إمام المحدثين في القرن الرابع الهجري الشيخ الصدوق - رضوان الله عليه - : «إن الأئمة عليه السلام قد أخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودون في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أكثر ، فليس أحد من أتباع الأئمة عليهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصنفاته, وهي الكتب التي تعرف بالأصول, مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل بما ذكرنا من السنين»

وأحب هنا أن أشير إلى أن حقيقة الغيبة لم تنحصر بذكرها الأصول الأربعمائة، بل ذكرت – أيضاً - في مئات الأصول والمصنفات والكتب التي مات مؤلفوها قبل الغيبة والتي لا تقل شأنا عن الأصول الأربعمائة، ومن المعروف لدى القدماء والمتأخرين من أئمة علم الحديث أن الأصول والكتب والمصنفات التي دونها الاثنا عشرية قبل تحقق الغيبة، بسبب كثرتها وانتشارها في البلدان قد أعجزت العلماء، ومن ثم لم يستطيعوا حصرها في عددٍ معين، وفي هذا يقول الإمام المحدث الشيخ الطوسي - رضوان الله عليه – المتوفى سنة (460 ه-)، في مقدمة «فهرسته»: «ولم أضمن أن أستوفي ذلك إلى آخره [أي لم يضمن ذكر كل أصول ومصنفات وكتب الشيعة فإن تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض»

ويتحدّث الإمام الأكبر السيد محسن الأمين – رحمه الله - عن ذلك ويقول: «وصنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للأئمة الاثني عشر من عهد أمير المؤمنين إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري من الأحاديث المروية من طريق أهل بيت عليهم السلام

ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب مذكورة في كتب الرجال على ما ذكره الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي صاحب الوسائل»

وهذا العدد المذكور تقريبي واجتهادي في نظري؛ لأننا وجدنا أصحاب الفهارس القديمة قد عجزوا عن حصرها بعدد معين، وكتب الرجال لم تتكفل بذكر كل الكتب التي كتبها المعاصرون للأئمة الاثني عشر - رضوان الله عليهم - وحتى نزيد الأمر إيضاحاً، - سوف نذكر بعض تلك الأصول والمصنفات والكتب، التي كتبت قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي، وتضمنت روايات الغيبة.

ص: 385

ولعله يحسن - ليكون الأمر بيناً وواضحاً بما يناسب أهميته - أن نذكر أثناء استعراضنا لهذه الأصول والمصنفات والكتب القديمة التي تضمنت روايات غيبة الإمام الثاني عشر – رضوان الله عليه -, نذكر بعض ما جاء حول تلك الأصول.

1 - كتاب المشيخة : تصنيف الحسن بن محبوب السراد - رضي الله عنه - صاحب الإمام الرضا (الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر ), وهو من الأصول الحديثية القديمة التي ذكرت أحاديث الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائة عام، وفي هذا الكتاب القيم يقول المحدّث الخبير أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي - رضوان الله عليه – ( من كبار أعلام الإسلام في القرن السادس الهجري): ومن جملة ثقات المحدثين والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد، وقد صنف كتاب المشيخة، الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزنى وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة، فذكر بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة، فوافق الخبر الخبر ، وحصل كل ما تضمنه الخبر بلا اختلاف.

2 - كتاب الغيبة للشيخ الجليل العباس بن هشام الناشري الأسدي, والمتوفى سنة (219 ه-), كان - رضي الله عنه - من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام - الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر - ... وكان من الذين اهتموا بتعريف الناس بحقيقة الغيبة قبل تحقق الغيبة

3 - كتاب الغيبة للفضل بن شاذان بن الخليل الأزدي النيشابوري المتوفى سنة (260 ه-), وقد ذكر فيه أحاديث الغيبة قبل تحققها في الواقع التاريخي، ثم اختصره بهاء الدين علي بن غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي، وما يزال الكتاب موجودا إلى زماننا، ولما كان لا يمكن لنا في هذا البحث المختصر أن ندكر كل الأدلة القوي التي جعلتني اترك النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري ... وهي كلّها ادلة قوية وقطعية تثبت حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, فمن هنا نرجو من اخواني السلفيين أن يراجعوا هذه الكتب ويتأملوا تلك الروايات, وينبغي أن يلتفت اخواننا السلفيين أننا ذكرنا في البداية البشارات السماوية في كتب اليهود و النصارى في حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ثم ذكرنا أحاديث الرسول في حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم ، ثم ذكرنا بعد ذلك روايات الأئمة الاثني عشر في تلك الحقيقة، وقصدنا من هذا تبيين أن روايات الأئمة الاثني عشر - رضي الله عنهم - ما هي إلا شرح وتوضيح لما ورد في صحف وكتب بشارات , الأنبياء, ولما ورد عن الرسول الأكرم في شأن غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري - رضوان الله عليه - ولا يمكن أن تختلف مع وصف الأنبياء, ووصف الرسول الأكرم لغيبة ذلك الإمام العظيم، وفي هذا يقول الإمام الرضا رضي الله عنه -- الإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر - : «لأنا لا نرخص في ما لم يرخص فيه رسول الله – صلى الله

ص: 386

عليه وآله وسلم - ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وآله - فأمّا أن نستحل ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – أو نحرم ما استحل رسول الله فلا يكون ذلك أبداً، لأنا تابعون لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – مسلّمون له كما كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - تابعاً لأمر ربه مسلّما له، وقال الله عز وجل: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا بتلك البشارات السماوية في كتب اليهود و النصارى, وبهذه الأصول والمصنفات والكتب الحديثية كلها يستشعر المسلم أهمية حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري فليست أمراً ثانوياً، إنما هي من الحقائق الأولية المرسومة في كتب و صحف الأنبياء, و المذكورة منذ حياة النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وعندما يتصورها المسلم على هذا النحو ، لا جرم سوف ترتفع قيمتها في نفسه، وسوف يبحث عنها بجدية، ويرفع من اهتمامه في دراستها, ومن هنا كانت حقيقة الغيبة عند الاثني عشرية من أهم الأسباب التي جعلتني أترك السلفية وانتقل إلى الاثني عشرية.

ومرة أخرى نتناول بعض كتب الغيبة الحديثية، لكننا في هذه المرة سوف نتحدث عن الكتب التي كتبت بعد الغيبتين الكبرى أو الصغرى :

1 - كتاب الغيبة والحيرة : للشيخ الجليل أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري، من

أصحاب

الإمام الهادي [الإمام العاشر من الأئمة الاثني عشر] - رضوان الله عليهم - ، والإمام الحسن العسكري [الإمام الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر] يشتمل كتابه على رواياته في حقيقة الغيبة التي جمعها بعد تحقق الغيبة الصغرى وقبل تحقق الغيبة الكبرى روى بسنده عن الإمام الصادق علیه السلام جعفر بن محمد عن آبائه - رضوان الله عليهم - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - في الإمام المهدي : «تكون له غيبة وحيرة» .

2 - كتاب الغيبة وكشف الحيرة : للشيخ الجليل والفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن أحمد بن صفوان الجمال وقعت الغيبة في زمانه، وكان من أعلام الغيبة الصغرى (260 ه-)، وعندما رأى - رحمه الله - الغيبة قد تحققت في الواقع التاريخي بعد أن كان من رواة أحاديثها ، أظهر البهجة والفرحة، بعد أن صدق الله - سبحانه وتعالى – نبيّه الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم - وصدّق أوصياءه.

وفي نهاية البحث عن سير تدوين أحاديث الغيبة سأذكر هذه الثلاثة الكتب الأخيرة في الغيبة, وهي «الغيبة» للنعماني و «وإكمال الدين في الغيبة» للصدوق و «الغيبة» للطوسي, وأريد هنا أن أبين أن أصحاب الكتب الأخيرة كانوا ينقلون من الأصول والكتب والمصنفات في القرن الأول والثاني والثالث، التي ذكرت النص على الأئمة الاثني عشر, وذكرت أحاديث المهدي

ص: 387

وأحاديث الغيبة, ومن هنا نجدهم في موارد عديدة يصرحون بأسماء تلك المصنفات والكتب والأصول ويبينون إنها موجودة بين أيديهم ويكفي أن نراجع ما قاله الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه, وهكذا ما قاله الشيخ الطوسي في كتابه تهذيب الأحكام فسوف نستيقن أنهم نقلوا من الكتب التي كتبت في القرون الثلاثة الأولى والتي ما يزال بعضها موجودا إلى زماننا, وقد راجعتها وطابقت بين تلك الكتب القديمة وبين ما نقلة أصحاب الكتب الثلاثة, فوجدت لديهم الدقة والأمانة العلمية والتحري القوي الذي يبين مصداقية علماء هذا المذهب العظيم

3 - كتاب الغيبة : للشيخ المحدّث الجليل الإمام محمد بن إبراهيم النعماني (من أعلام القرن الرابع الهجري وأحسن من يتحدث عن هذا الكتاب القيم، هو الإمام الشيخ المفيد – رضوان الله عليه - ( من أعلام الإسلام في القرن الرابع الهجري), قال بعد أن ذكر الروايات الواردة في النص على إمامة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري - رضي الله عنه -: «وهذا طرف يسير مما جاء في النصوص على الثاني عشر من الأئمة رضوان الله عليهم، والروايات في ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم، فممن أثبتها على الشرح والتفصيل محمد بن إبراهيم المكنّى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنفه في الغيبة»

وتأتي أهمية الكتاب أنه كتب في عصر المحنة التي وقعت بعد تحقق الغيبة، وقد أشار إلى هذا شيخنا الإمام النعماني - رضوان الله عليه – في مقدمة كتابه, قال: «وشكّوا جميعاً إلا القليل، في إمام زمانهم [أي الإمام الثاني عشر] وولي أمرهم وحجة ربِّهم التي اختارها بعلمه, كما قال جل وعز : وربك) يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة, للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله ذكرها»

ولقد كان لكتابه أثراً كبيراً في معالجة تلك المحنة, وفي الحقيقة أن كتاب الغيبة للنعماني – بعد كتاب الشيخ المفيد حول الغيبة - هو من الكتب التي جعلتني أسلّم لحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري بعد أن كنت من أشد المنكرين لهما, ويعد منذ قرون عديدة مرجعاً للمحدثين ولكل الباحثين عن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر في أحاديث الرسول الأكرم وروايات أوصيائه ولا أدري أي حديث أو رواية أنقل من هذا الكتاب؛ لكثرتها وصغر حجم هذا البحث، فليراجع إخواني من السلفيين الروايات التي ذكرها الإمام النعماني في كتابه.

4 – كمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة : لشيخ المحدثين الإمام الصدوق المتوفى سنة ( 381 ه- ) ، ويعد الموسوعة الثانية عة الثانية – بعد كتاب الغيبة للنعماني التي جمعت الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر, ويتحد مع كتاب الغيبة للمحدّث الإمام النعماني - رضوان الله عليه – في الغاية من تأليفه، فبعد وفاة علي بن

ص: 388

محمد السمري في سنة (328 أو 329 ه-) وتحقق الغيبة الكبرى في الواقع التاريخي، شكّ بعض الضعفاء في حقيقة الغيبة، وكتب خصوم الاثني عشرية كتبا في ردّ الغيبة، فتصدى لهؤلاء الإمام الشيخ الصدوق, وبذل جهداً عظيماً في إحياء حقيقة الغيبة وإنهاضها ، ولا يمكن لنا أن نذكر لطالب العلم في معاهدنا السلفية كل الروايات التاريخية التي ذكرها في إثبات ولادة محمد بن الحسن العسكرية ، وكلّ الأحاديث النبوية التي ذكرها في إثبات أنّ المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري وفي إثبات غيبته ، ولكني هنا سوف اكتفي بذكر عنواين بعض أبواب الكتاب .. مباحثة الشيخ الصدوق مع رجل في مدينة السلام [ بغداد ] في أمر غيبة الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، إثبات غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، جواب اعتراض من قال : أنّ الغيبة ما با لها وقعت وقعت في الإمام محمد بن الحسن العسكري دون من تقدمه من بقية أئمة أهل البيت الاثني عشر ، باب مضي نبي الله موسى ووقوع الغيبة بالأوصياء، باب نص الله على الثاني عشر من الأئمة باب ما روي عن النبي - ص - أنّ محمد بن الحسن العسكري هو الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، باب ما أخبر به النبي - ص - من وقوع غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن

- العسكري ، باب ما أخبر به الإمام علي بن أبي طالب من وقوع الغيبة للإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، باب ما روي عن فاطمة الزهراء من حديث الصحيفة وما فيها من الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت ، وأنّ الثاني عشر منهم هو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، باب ما أخبر به الحسن بن علي بن أبي طالب من وقوع غيبة المهدي وأنّه الثاني عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر ، باب ما أخبر به الحسين بن علي بن أبي طالب من وقوع الغيبة للإمام المهدي وأنّه الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، باب ما أخبر به زين العابدين علي بن الحسين من وقوع الغيبة للإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وأنّه الثاني عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر ، ما أخبر به الإمام الباقر محمد بن علي زين العابدين من وقوع غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وأنّه الثاني عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر ، باب ما روي عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بن الإمام محمد الباقر من النص على الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وذكر غيبته ، وأنّه الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، باب ما روي عن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في النص على الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وغيبته ، الثاني عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر ، باب ما روي عن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم في النص على الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وفي غيبته وأنّه الثاني عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر ، باب ما روي عن الإمام محمد الجواد بن الإمام علي الرضا في النص على الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وغيبته ، وأنّه الثاني

ص: 389

عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر ، باب ما روي عن الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد في النص على الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وغيبته ، وأنّه الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، باب ما روي عن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي من وقوع الغيبة بابنه الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وأنّه الثاني عشر من أئمة أهل البيت الاثني عشر ، باب ما روي في الخضر ومشابهة قضية طول عمر الخضر بطول عمر الإمام الثاني عشر الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، ويحسن هنا أن أذكر عبارة هامة للإمام الشيخ الصدوق حول الخضر .. قال - رضوان الله عليه : " إنَّ أكثر المخالفين يسلّمون لنا حديث الخضر - عليه السلام - ويعتقدون فيه أنّه حي غائب عن الأبصار ، وأنّه حيث ذُكر حضر ، ولا ينكرون طول حياته ، ولا يحملون حديث الخضر على عقولهم ، ويرفضون كون المهدي محمد بن الحسن العسكري، وينكرون طول حياته في غيبته ، وعند المخالفين لنا أنّ قدرة الله - عز وجل - تتناول إبقاء الخضر إلى يوم النفخ في الصور وإبقاء إبليس مع لعنته إلى يوم الوقت المعلوم في غيبته ، ولكن قدرة الله لا تتناول إبقاء الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري مدَّة طويلة في غيبته مع ورود الأخبار الصحيحة بالنص عليه بعينه واسمه ونسبه عن الله - تبارك وتعالى - وعن رسول الله ، وعن أئمة أهل البيت " ، والآن نعود إلى إستكمال ذكر عنواين أبواب كتاب الإمام الشيخ الصدوق إكمال الدين ، باب ما روي في ميلاد الإمام المهدي محمد بن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق علیه السلام بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام الحسين بن الإمام على بن أبي طالب ، باب ذكر قصص الذين طالت أعمارهم من غير الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وقال الشيخ الإمام الصدوق بعد أن ذكر قصص المعمرين : " ليس الحديث عن قصص وأخبار المعمرين مما أعتمده في الدليل على أمر غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنّ غيبته إنما صحت لي بما صح عن النبي – ص – وعن البيت من ذلك بالأخبار التي بمثلها صح الإسلام وشرائعه وأحكامه ، ولكني أرى الغيبة لكثير من أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم ولكثير من الحجج بعدهم - عليهم السلام - ولكثير الملوك الصالحين من قبل الله - تبارك وتعالى - ، ولا أجد لها منكراً من مخالفينا وجميعها في الصحة من طريق الرواية دون ما قد صح بالأخبار الكثيرة الواردة الصحيحة عن النبي - ص - وأئمة أهل البيت في أمر الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري الثاني عشر من أهل البيت الاثني عشر وغيبته حتى يطول الأمد وتقسو القلوب ويقع اليأس من ظهوره ، ثُمَّ يطلعه الله وتشرق الأرض بنوره ويرتفع الظلم والجور بعدله ، فليس في التكذيب بأمر الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، والتكذيب بغيبته مع الأقرار بنظائره – مثل إقرارهم

ص: 390

وإيمانهم بأمر طول عمر الخضر وبأمر غيبته - إلا القصد إلى إطفاء نور الله وإبطال دينه ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويعلي كلمته ، ويحق الحق ، ويبطل الباطل ، ولو كره المخالفون المكذِّبون بما وعد الله الصالحين على لسان خير النبيين صلوات الله عليه وآله الطاهرين والحاجة إلى جلاء تلك الحقيقة الأساسية تقتضي القراءة العميقة لكتابه مع ملاحظة أن المؤلّف لم يقصد جمع الأحاديث الصحيحة في حقيقة الغيبة فحسب، بل ذكر في كتابه كلما روي في حقيقة الغيبة من رواية صحيحة وضعيفة، لكنه فى مقام الاستدلال لم يستند إلا على الرواية الصحيحة, وفي هذا يقول - رضوان الله عليه - في كتابه المذكور: «إنّما صحت لي (غيبة الإمام الثاني عشر) بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة (الاثني عشر) من ذلك بالأخبار التي بمثلها صح الإسلام وشرائعه وأحكامه»

وأريد التنبيه أنه عندما تثبت حقيقة بالأحاديث المتواترة ، وتصبح من الحقائق اليقينية، فلا غرابة من مجرد ذكر الرواية الضعيفة لأنها حينئذ ستذكر على سبيل الاستشهاد, لا على سبيل الاستدلال.

وأخيراً قد كنا نرغب أن نذكر هنا - بعض ما رواه في كتابه بشأن حقيقة الغيبة ونذكر ما قاله فيها، لكنّا لسنا بحاجة إلى ذلك؛ لأن الكتاب موجود في كل مكان من أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي.

5 - كتاب الغيبة : للشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي - رضوان الله عليه – المتوفى سنة (460) ه-), وهو شيخ المحدثين في زمانه، ويعد كتابه الموسوعة الثالثة بعد كتابي الشيخ الإمام النعماني والشيخ الإمام الصدوق والكتاب جمع الأحاديث والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت في الغيبة. وتصدّى للرد على إشكالات المنكرين والمشككين فيها, وفي هذا الكتاب القيم يقول الشيخ الطهراني : وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي هذا هو من الكتب القديمة الذي يمتاز على غيره، فإنه قد تضمّن أقوى الحجج والبراهين العقلية والنقلية على وجود الإمام الثاني عشر, محمد بن الحسن صاحب الزمان عليه السلام وعلى غيبته في هذا العصر, ثم ظهوره في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلما وجوراً» ، وما أجمل أن يلاحظ طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء عناوين هذا الكتاب العظيم حيث ذكر الإمام الشيخ الطوسي أبواب كتابه بهذه الصورة .. فصل في الكلام في غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، الإجابة على احتمال التشكيك في ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري ، رد على سائر الفرق المخالفة للإمامية في المهدي محمد بن الحسن العسكري ، ذكر أنّ الغيبة للإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري لحكمة اقتضتها الذات الإلهية ، ذكر ما يمكن أن يكون حكمة وسبباً لغيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري خفاء ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري ليس خارقا للعادة ، إثبات ولادة المهدي الثاني

ص: 391

عشر محمد بن الحسن العسكري ، أخبار المعمرين كقصة أصحاب الكهف وغير ذلك ، روايا أهل السنة في أنّ الأئمة اثناعشر ، روايات الشيعة في أنّ الأئمة اثناعشر ، ما ورد عن الأئمة من الأحاديث التي تنص على غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، الروايات الدالة على أنّ المهدي من ولد الإمام الحسين ، الأخبار المتضمنة لمن رأى الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، التوقيعات والرسائل الصادرة من الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، في ذكر طرف من صفات الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ومنازله وسيرته عليه السلام

6- كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر : للشيخ الإمام لطف الله الصافي – رضوان الله عليه ، وأخيرا نختم الكتب التي كتبت في مجال غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري بكتاب ) منتخب الأثر ) ، فهو من أعظم الكتب التي جمعت كل ما يتعلق بشخية الإمام محمد بن الحسن العسكري ومولده ومهدويته وغيبته ، وسوف يشاهد الآن طالب العلم في معاهدنا السلفية صورة مختصرة عن عنواين بعض أبواب وفصول الكتاب .. باب الأحاديث الناصة على الخلفاء الإثني عشر بالعدد وبأنهم عدة نقباء بني إسرائيل وحواري عيسى ، باب الأحاديث الناصة على الاثني عشر ، من هم الخلفاء الإثناعشر ، رأي أبي داود في المهدي ، النصوص على أنّهم اثناعشر وأولهم الإمام علي ، النصوص على أنّهم أثنا عشر آخرهم المهدي ، النصوص على أنّهم أثنا عشر وتسعة منهم من صلب الإمام الحسين ، النصوص على أنّ الأئمة اثنا عشر بأسمائهم وأوصافهم وألقابهم واحداً بعد واحد إلى المهدي محمد بن الحسن العسكري ، ومن دون شك بأن من أبرز الشخصيات المتخصصة في الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري العلامة المحقق البارع الإمام الشيخ لطف الله الصافي - رضوان الله عليه - ، ولمّا كان من أعظم من نقل الأحاديث حول النص على الأئمة الاثني عشر ، والنص على ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري ومهدويته وغيبته ، كان من الضروري أن يعلم طالب العلم منهج الإمام الشيخ لطف الله الصافي في تدوين أحاديث مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. وقد بيّن منهجه وقال - رضوان الله عليه - : " لا يخفى على البصير العارف بفنون الحديث وعلومه ، أنّ كتابنا منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ، قد بلغ بحمد الله تعالى وبركة موضوعه الشريف العالي السامي مقاماً ممتازاً رفيعاً عند العلماء الأعلام والأساتذة المهرة في الحديث ... وقد توفرت فيه بتوفيقات الله تعالى فوائد عالية ، وفرائد غالية ، لا تحصل إلا بتحقيق وتتبع طويل ، وتأمل عميق ، ولا يسع المجال لبسط الكلام في ذلك ، ولكن نشير إجمالا :

فمن ذلك : استخراج الاحاديث من المصادر الكثيرة المعتبرة المعتمدة ، فبعض الأحاديث قد يوجد لها عشرات من المصادر المعروفة

ص: 392

ومنها : تنبيهات وتحقيقات علمية حول الاحاديث الشريفة ، سنداً ولفضاً ومضموناً .

ومنها : فوائد رجالية وتمييز الرواة وتعيين الطبقات ، في بعض الموارد .

ومنها : الاشارة والايعاز إلى علو الإسناد ، في طائفة كثيرة من الأحاديث والكتب المؤلفة في القرن الرابع والثالث ، بل في القرن الثاني ، والتي هي من مصادر كتب المؤلفين الاقدمين ، كالصدوق ، والشيخ الطوسي ، والنعماني ، وغيرهم - أعلى الله مقامهم – بحيث إذا بنينا على تحمل الحديث بالوجادة ، لم يكن بيننا وبين المشايخ المذكورين [ كالصدوق والطوسي والنعماني ] من أصحاب الكتب والأصول [ القديمة التي في القرن الثاني والثالث والرابع ] إلا واسطة واحدة أو واسطتان .. وذلك كالذي أخرجه الشيخ الطوسي – قدس سره – في كتبه عن كتب الطبقة الخامسة أو الرابعة والثالثة ، فإنّه يقول في كتابه الفهرست في أرباب التأليف والتصنيف : " أخبرنا بجميع كتبه فلان " ومن المعلوم أنّ هذا العدد الكبير من أصحاب الحديث الذين أخبروه بكتب أصحاب الأصول والكتب من الذين يتجاوز عدد مؤلفاتهم عن العشرة بل بعض أصحاب الأصول والكتب من المصنفين في القرون الثالثة الأولى الهجرية كتب مئة كتاب في مجال الحديث ، وبالتالي فهم لم يخبروه عن هذه الكتب والأصول الكثيرة باملاء الحديث والسماع والقراءة لكل تلك الكتب في مجال الحديث ، بل أخبروه عن تلك الكتب والأصول الكثيرة والقديمة بالمناولة .

وما دامت تلك الكتب والأصول القديمة فى مجال الحديث موجودة عند التلميذ فيمكن له التحدّث عنها بالوجادة ، ولكن قد استقر ديدنهم على الاعتماد بأخبار الشيوخ وإذنهم في الرواية ، وإلا فالكتاب الذي يجيز روايته لتلميذه كان موجودا عند التلميذ معروفا له

فعلى هذا ، فإنّ مثل هذه الكتب والاحاديث وإن في إسناد مثل الشيخ الطوسي أو الصدوق أو غيرهما إلى مؤلفيها ضعف ، لا يضر ضعفه بصحة الإعتماد على الرواية والاحتجاج بها ؛ لأنّها تلك الأحاديث كانت موجودة في كتب مؤلّفيها موجودة عند المجاز من شيخه في الرواية ، بل وعند المجيز ، وهذه فائدة مهمة وبالجملة يستفاد من ذلك أنّ الأصول والكتب المصنفة في القرن الأول والثاني والثالث الهجري ، التي فيها أحاديث المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وأحاديث الأئمة الاثني عشر

، كان جلّها أو كلّها موجوداً عند مصنفي كتب غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري ، كالصدوق ، والشيخ الطوسي ، والفضل بن شاذان ، والنعماني وغيرهم ، ولو شاؤوا الرواية بالوجادة عن تلك الأصول والكتب القديمة الموجودة عندهم حين كتابتهم عن غيبة محمد بن الحسن العسكري لما احتاجوا إلى الإسناد ، ولكن ذكوروا اسنادهم إلى كتب الأولين التي كتبت في القرون الثلاثة الأولى ؛ لأنّ ديدن وأسلوب المصنفين في غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري والمصنفين في أحاديث النص على اسماء الأئمة الاثني عشر من أهل البيت

ص: 393

كالصدوق واالطوسي واالنعماني يقوم على أساس تحملهم للحديث بالسماع أو القراءة على الشيخ ، أو المناولة .

وعلى هذا لا واسطة - مثلاً - بين الشيخ الطوسي وبين كتاب المشيخة لابن محبوب بالوجادة ، و لا واسطة بيننا وبين كتاب المشيخة لابن محبوب إلّا الشيخ الطوسي ، فالشيخ الطوسي أحاديث النص على الاثني عشر والنص على غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري بالوجادة عن كتاب المشيخة لابن محبوب ، ونحن فى كتابنا ) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ( نروي تلك الأحاديث بالوجادة عن كتاب غيبة محمد بن الحسن العسكري عنه في كتاب المشيخة لابن محبوب ، مع كثرة اسنادنا في كتابنا ) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ) إلى الشيخ الطوسي في مقام الرواية من كتابه بالإسناد.

ولذا نرى أنّ الفقيه العظيم ابن ادريس المتوفَّى سنة 5598 المتأخر عن الكليني والصدوق والنعماني والشيخ الطوسي ، لم يكن ملتزماً بنقل أحاديث كتب المتقدمين الذين كتبوها في القرون الهجرية الثلاثة الأولى من الذين سبقوه والذين عاشوا في عصر الأئمة الاثني عشر على حسب الإصطلاح الرائج بين المحدثين ، فاكتفى بنقل الروايات عن نفس تلك الكتب القديمة التي كانت عنده ، فمع كون ابن ادريس من أعلام القرن السادس نجده ينقل بالوجادة عن الأجلا المشاهير من أعلام القرون السابقة عليه إلى القرن الثاني بدون وساطة ، فيروي ابن ادريس عن كتب أبان بن تغلب المتوفى سنة 141ه من مؤلفي النصف الأول من القرن الثاني الهجري ، وعن موسى بن بكر من مؤلفي القرن الثاني الهجري ، ومن كتب معاوية بن عمار المتوفى سنة 175ه ، ومن كتاب جميل بن دراج المتوفى قبل سنة 200ه ، ومن نوادر البزنطي أيضاً ، ومن كتاب حريز السجستاني من محدثي القرن الثاني الهجري ، ومن كتاب مشيخة الحسن بن محبوب السراد المتوفى سنة 224 ه ، ومن كتاب نوادر محمد بن علی بن محبوب الأشعري الذي كان عنده بخط الشيخ الطوسي ، ويروي من غيرهم حتى ينتهي إلى کتاب قرب الإسناد ، وكتب الصدوق، وكتب الشيخ الطوسي، وكتب ابن قولوية ، وغيرهم . يروي عن الجميع بالوجادة عن نفس كتبهم التي كانت عنده وعند غيره . إذاً ، فلا يشك الحاذق المتضلّع أنّ النصوص والأحاديث الواردة في النصّ على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، وكذلك النصوص والأحاديث الواردة في النصّ على مهدوية وغيبة

مولانا المهدي محمد بن الحسن العسكري - عليه السلام - ، المخرجة في مثل كتاب كمال الدين في إثبات ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وكتاب غيبة الإمام المهدي محمد بن الحس العسكري للشيخ الطوسي ، وكتاب غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري للنعماني ، كلّها مأخوذة من كتب الأصول القديمة التي كتبت في القرون الثلاثة الأولى يعني كتبت وصنفت قبل إنتهاء أمر الإمامة إلى الثاني عشر محمد بن الحسن

ص: 394

العسكري عليه أفضل الصلاة والسلام ، بل تم تصنيف تلك الكتب التي تتحدث عن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري قبل أن تصل الإمامة إلى والد المهدي الإمام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السلام ، وكانت تلك الكتب معروفة عند الصدوق حين كتابه في غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وعند الشيخ الطوسي وعند النعماني حين كتا عن غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري، وكذلك كانت تلك الكتب موجودة عند غيرهم من الذين كتبوا كتبا في مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري

هذا وقد اتضح لك بذلك وبكمال الوضوح قوة اعتبار تلك الأحاديث التي تنص على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، وتنص على مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري بعد أنْ ذكرنا لك الكيفية التي تم تدوينها ، وذكرنا بأن مثل الشيخ الطوسي حين ذكر تلك الأحاديث في كتابه عن غيبة المهدي فهو وإن ذكر في روايته عن كتب أرباب الأصول والكتب من رجالات الحديث في القرون الأوليّة الثلاثة الهجرية إسناده إلى مصنفي ومؤلفي تلك الكتب ، إلّا أنّ كتبهم كانت عند الشيخ الطوسي حين كتب كتابة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وأنّ الشيخ الطوسي إن أراد أن يروي عن كتب الحديث لرجالات القرون الثلاثة الأولى الهجرية بالوجادة بلا واسطة وبدون سند ، كما نروي نحن عن كتاب الكافي للكليني – قدس سره - بلا واسطة وبدون سند بل نعتمد على طريقة الوجادة ؛ لأنّ كتاب الكافي للكليني موجود في بيوتنا ، ولكن الشيخ الطوسي لم يتعامل مع كتب الحديث في القرون الثلاثة كما نتعامل اليوم مع كتب الحديث حيث نروي عنها مباشرة بدون ذكر سندنا إليها ، وذلك بسب أنّ سيرتهم في عهد الشيخ الطوسي استقرت على رواية الكتب القديمة بالإسناد والسماع ، أو بالقراءة ، أو بالمناولة ، وقد أتعبوا أنفسهم بذلك

وإن شئت المثال الواضح لذلك فراجع كتاب مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام - لابن عياش الجواهري المتوفى سنة 401ه لترى أنه بعد ما روى الحديث الخامس عشر المشتمل على أسماء الأئمة الاثني عشر من أهل البيت - عليهم السلام - عن ثوابة بن أحمد الموصلي الوراق الحافظ ، بالاسناد عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، قال ابن عياش الجوهري : " وقد كنت قبل كتابتي لهذا الحديث الذي ذكر أسماء الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت - عليهم السلام عن ثوابة بن أحمد الموصلي الوراق ، رأيت نفس هذا الحديث في نسخة وكيع بن الجراح التي كانت عند أبي بكر محمد بن عبد الله بن عتاب ، حدثنا بها عن إبراهيم بن عيسى القصار الكوفي ، عن وكيع الجراح رأيت هذه ارواية في أصل كتاب وكيع بن الجراح فسألت أبا بكر محمد بن عبد الله بن عتاب أن يحدّثني بهذا الحيث فأبى أبو بكر بن عتاب ، وقال : لستُ أحدثك بهذا الحديث !! عداوة ونصباً وكراهية لأهل البيت !! ، ولكن قبل أن يحدثني بأحاديث أخرى من غير ذلك الحديث

ص: 395

من كتاب أخرج فيه أحاديث وكيع الجراح ، ثم حدثني بذلك الحديث الذي ذُكر فيه أسامي الأئمة الاثني عشر من أهل البيت بعد ذلك ثوابة بن أحمد الموصلي الوراق الحافظ ، ورواية أبي بكر محمد بن عبد الله بن عتاب في النص على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت كانت أعلى من رواية أحمد بن أحمد الموصلي الوراق في النص عليهم لو كان قبل أن يحدثني انتهى كلام المحدّث ابن عياش الجوهري .

فأنت ترى ياعزيزي القارىء أنّ ابن عيّاش الجوهري العالم الجليل المحدّث ، مع أنّه وجد الحديث المشتمل على أسماء الأئمة الاثني عشر من أهل البيت - عليهم السلام – في نسخة وكيع بن الجراح المتوفى سنة 179ه يعني قبل وفاة الإمام الثامن من الأئمة الأثني عشر الإمام علي الرضا - عليه السلام - والتي كانت عند أبي بكر محمد بن عبد الله بن عتاب بسندٍ أعلى ، لكن المحدّث الجليل ابن عياش الجوهري لم يحدّث بذلك الحديث مع أنه شاهده في نسخة الحافظ وكيع بن جراح ؛ لأنّ أبابكر محمد بن عتاب الذي كان هو راوي نسخة وكيع بن الجراح أبى ورفض أن يحدثه بذلك الحديث !! فما كان من الحافظ ابن عياش الجوهري إلا أن روى ذلك الحديث الذي نصّ على أسماء الأئمة الاثني عشر من أهل البيت – عليهم السلام – عن شيخ آخر هو الحافظ ثوابة بن أحمد الموصلي ؛ لأنّه لم تجر عادة المحدثين على الاكتفاء بنقل الحديث بمجرد وجوده فى الكتاب الذي شاهدوه

إذن يعلم من العبارة التي نقلناها من كتاب مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر للحافظ الجليل ابن عياش الجوهري المتوفى سنة 5401 أنّ الكتب المكتوبة في القرون الثلاثة الأولى الهجرية في أعصار أئمة أهل البيت الاثني عشر قبل عصر الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري منهم ، المتضمنة والمحتوية للنصوص الدالة عليهم بعددهم أو الدالة عليهم بأسمائهم ، و ، والداله على مولانا المهدي محمد بن الحسن العسكري كانت موجودة عند المؤلفين في غيبة الإمام المهدي كالصدوق والطوسي والنعماني وغيرهم ، وكانت نسبتها إلى مؤلفيها معلومة الثبوت عندهم ، كما أنّ نسبة الكافي الشريف معلومة الثبوت عندنا إلى مؤلفه الكليني

رحمه الله

وهذا يكفي في الاعتماد التام على الروايات الواردة عن الأئمة الاثني عشر من أهل البيت - عليه السلام - المخرجة في كتب المحدثين وأرباب الجوامع الأولية المكتوبة في القرون الثلاثة الهجرية الأولى .

وبما نقلنا عن كتاب مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر للحافظ ابن عياش الجوهري تطمئن النفس بأن مافي كتاب مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر هي نصوص منقولة عن مؤلفات السابقين من المحدثين في القرون الهجرية الثلاثة الأولى ، ولا

ص: 396

يبقى لنا شك في كون الحديث الخامس عشر من كتاب مقتضب الأثر المشتمل على أسماء الأئمة الاثني عشر من أهل البيت كان موجودا في كتاب الحافظ وكيع بن الجراح المتوفى سنة 197ه ، فعليك بالتأمل التام فيما ذكرناه ، فإنه جدير بذلك ، وبه تندفع بعض التوهمات والشبهات حول أحاديث النص على الأئمة الاثني عشر والنص على مهدوية وغيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري " [ كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر : 1: 307-312 ] . وبعد هل بقي غموض لدى طالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء حول مهدوية وغيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، ويشهد الله أنني قبل أن انقل عبارة الإمام الشيخ لطف الله الصافي كنت قد وصلت إلى نفس النتيجة التي وصل إليها عن طريق التامل والبحث في الكتب التي كتبت حول غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري ، ولولا ذلك لما

نقلت عبارة الشيخ الإمام لطف الله الصافي ، وليس من طبيعتي ولا من سيرتي أن تكون عقيدتي مبنية على تقليد أحد مهما بلغ من العلم ، وأنا لست مقلداً لأحد أبدا في مجال فروع الدين والفقه فكيف أكون مقلداً للإمام الشيخ لطف الله الصافي في قضية خطيرة ترتبط بأصول الدين لا فروعه .

واطلب من طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية كذلك التأمل في عبارة أخرى صدرت كذلك من الشيخ الإمام لطف الله الصافي حيث قال حول الإمام محمد بن الحسن العسكري ومولد ومهدويته وغيبته في بحث له ، تحت عنوان ( الإيمان بالمهدي محمد بن الحسن العسكري فكرة إسلامية ) : " مما اتفق عليه المسلمون خلفاً عن سلف ، وتواترت فيه الأخبار عن النبي - ص - : أنّه لا بدّ من إمام يخرج في آخر الزمان من نسل علي وفاطمة يسمَّى باسم الرسول - ص - ويلقب بالمهدي ويستولى على الأرض ، ويملك الشرق والغرب ، ويتبعه المسلمون ، ويهزم جنود الكفر ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلما وجوراً ، وينزل عيسى ، ويصلّي خلفه ... وأخرج جمع من أعلام أهل السنة روايات كثيرة في أنّه من عترة رسول الله - ص - ومن ولد فاطمة ، ومن ولد الحسين ، وأنّه يملأ الأرض عدلاً ، وأنّ له غيبتين ، إحديهما تطول ، وأنّه الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الذين أخبر النبي - ص بأنّهم يملكون أمر هذه الأمة ، وأنّه لا يزال هذا الدين منيعاً إلى اثني عشر ، وفي شمائله

وخلقه ، وخلقه ، وسيرته بين الناس وشدَّته على العمال ، وجوده بالمال ، ورحمته بالمساكين ، وفي اسم صاحب رايته ، وما كتب فيها ، وكيفية المبايعة معه بين الركن والمقام ، وما يقع قبل ظهوره من الفتن ، وذهاب ثلثي الناس بالقتل والموت ، وخروج السفياني ، واليماني والدَّجال ، ووقوع الخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية ، وفي علائم ظهوره ، وأنّه يُنادى ملك فوق رأسه : " هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه " ، وأنّ شيعته يسيرون إليه من أطراف الأرض ، وتطوى لهم الأرض طيّاً حتّى يبايعوه ، وأنّه يستولي على الممالك والبلدان ، وأنّ

ص: 397

الأمة ينعمون في زمنه نعمة لم ينعموا مثلها ، وغيرها من العلائم والأوصاف التي اقتطفناها من روايات أهل السنة

فراجع كتب أهل السنة في الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ككتاب الأربعين للحافظ أبي نعيم الأصبهاني ، والبيان في أخبار صاحب الزمان لأبي عبد الله بن يوسف الكنجي الشافعي المتوفى سنة 5658 ، والبرهان في علامات مهدي آخر الزمان للعلامة المتقي صاحب منتخب كنز العمال المتوفى سنة 975ه ، والعرف الوردي في أخبار المهدي للسيوطي المتوفى سنة 911ه ، والقول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن المتوفى سنة 5974 ، وعقد الدرر في أخبار المنتظر للشيخ جمال الدين يوسف الدمشقي من أعلام القرن السابع ، والتوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدَّجال والمسيح للشوكاني المتوفى سنة 1250ه ... فلا خلاف بين المسلمين في ظهور المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً ... وإنّما الخلاف وقع بين المسلمين في أنّ المهدي ولد أو أنّ المهدي سيولد ، فالشيعة الإمامية [ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] يقولون بولادته، وبوجوده وحياته ، وغيبته ، وأنّه سيظهر بإذن الله ، وأنّه الإمام الثاني عشر ، وهو ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ، ورواياتهم في ذلك تجاوز حد التواتر ، معتبرة في غاية الاعتبار ، مؤيدة بعضها ببعض ، وكثير منها في الصحاح ، بل مقطوع الصدور ، رووها في جميع الطبقات الأثبات من الأجلاء الذين لا طريق للغمز فيهم ، وإن شئت أن تعرف مقدار تلك الرويات فراجع ما ألّفه الحافظ الثقة أبو عبد الله النعماني بأسانيده العالية ، وما ألفه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي الإمام في جميع العلوم الإسلامية ، وكتاب كمال الدين وتمام النعمة تأليف الشيخ المحدَّث الكبير محمد بن علي بن الحسين الصدوق المتوفى سنة 381ه ، وكتابنا منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ومئات من الكتب المصنفة في ذلك

وهذه الروايات مخرجة في أصول كتب الحديث عند الشيعة وفي كتبهم المؤلفة قبل ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، بل قبل ولادة أبيه وجدّه .

منها كتاب المشيخة لإمام أهل الحديث الشيخ الثقة الثبت الحسن بن محبوب السّراد الذي كتابه هذا في كتب الشيعة أشهر من كتاب المزني ونظرائه ، وصنفه قبل ولادة المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري بأكثر من مائة سنة ، وذكر في كتابه المشيخة أخبار الغيبة ، فوافق الخبَرُ المخبر بلا اختلاف

وأمّا ولادة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري فقد ثبت بأوكد ما يثبت به أنساب الجمهور من الناس إذ كان النسب يثبت بقول القابلة ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهنَّ بحضور ولادة النساء ، وتولّي معونتهنَّ عليه ، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون

ص: 398

من سواه ، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه ، وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الإمام الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي أنه اعترف بولادة المهدي وأذنهم بوجوده ، ونص لهم على إمامته من بعده ، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً ، وبعضهم له يافعاً ، وشاباً كاملاً

وهذا فضل بن شاذان العالم المحدّث المتوفَّى قبل وفاة أبي محمد الحسن العسكري روى عنه في كتابه الغيبة خبر ولادة ابنه المهدي محمد بن الحسن العسكري وكيفيتها وتاريخها ، وكانت ولادته بين الشيعة وخواص أبيه من الأمور المعلومة المعروفة ، وقد أمر أبوه - عليه السلام - أن يعقَّ عنه ، وعرضه على أصحابه يوم الثالث من ولادته

والأخبار الصحيحة الواردة بأسانيد عالية في ذلك كثيرة متواترة جداً ، وقد أحصى بعض العلماء أسماء جماعة ممَّن فازوا بلقائه في حياة أبيه وبعدها كما قد نقل عن بعض أهل السنة الاجتماع به - عليه السلام - بل أخرج بعض من حفاظ أهل السنة مثل حافظ زمانه أحمد بن محمد بن هاشم البلاذري الحديث عن الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري ولقد كان أبوه الإمام الحسن العسكري - عليه السلام - وشيعته يحفظون ولادته عن أعدائه من بني العباس وغيرهم ، وكان السرُّ في ذلك أنَّ بني العباس لما علموا من الأخبار المروية عن النبي – ص – والأئمة من أهل البيت أنّ المهدي هو الثاني عشر من الأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي - ص - ، وهو الذي يملأ الأرض عدلاً ، ويفتح حصون الضلالة ، ويزيل دولة الجبابرة . أردوا إطفاء نوره بقتله ، فلذا عيّنوا العيون والجواسيس للتفتيش عن بيت أبيه ، ولكن أبى الله إلّا أن يجري فى حجّته المهدي محمد بن الحسن العسكري سنّة نبيه موسى - عليه السلام - ، وقد ورد في الروايات الكثيرة عن أهل البيت من آبائه خفاء ولادته - عليه السلام - ، وشباهة خفاء ولادته بخفاء ولادة موسى خوفاً من فرعون وآل فرعون

فعلى هذا لم ينبعث الايمان بظهور المهدي محمد بن الحسن العسكري المنتظر صاحب هذا النّسب المعلوم والنّعوت المشهورة ، ولا يجوز مؤخذة الشيعي بانتظار هذا الظهور ، ولا يصح دفع ذلك بمجرد الاستبعاد ، فالمسلم الذي يؤمن بحياة عيسى – عليه السلام – ، بل يؤمن بحياة الدّجال الكافر ، وخروجه في آخر الزمان ، وبحياة خضر وادريس ، ويروي عن نبيه – ص – في أصح كتبه في الحديث كصحيح مسلم وسنن الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجة باب ذكر ابن صياد وخروج الدجال ، واحتمالهم كون ابن صياد هو الدجال ، ويروون عن تميم الداري ما هو صريح في أنَّ الدجال كان حيّاً في عصر النبي – ص – وأنّه يخرج في آخر الزمان ، ونجد أنّ المسلم يؤمن بطول عمر نوح ويقرء في القرآن الكريم : فلبث فيهم الف سنة إلا خمسين عاماً " ، وقوله تعالى : " وإنّ يونس لمن المرسلين ، إذ أبق إلى الفلك المشحون ، فساهم فكان من المدحضين ، فالتقمه الحوت وهو مليم ، فلولا أنه كان

ص: 399

المسبحين ، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " [ الصافات : 140 - 144] ، وأمثال هذه الأمور ممّا يستغربه بعض الاذهان لقلّة الأنس به ، كيف يعيب على الشيعة قولهم ببقاء الإمام المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري ، ونسبهم إلى الجهل وعدم العقل ، ومفاسد هذه الاستبعادات في المسائل الدينية كثيرة ، ولو فتح هذا الباب لأمكن إنكار كثير من المسائل الاعتقادية الغيبية التي ثبتت بالأدلة النقلية الصحيحة بحجّة أنَّ عقولنا تسبعدها ، ويلزم من ذلك طرح ظواهر الأخبار وطرح ظواهر الآيات القرآنية بل طرح صريحها ، ولا أظن مسلم يرضى بذلك ، وإن كان الشيخ محب الدين الخطيب في كتابه الخطوط العريضة في دين الإمامية ربّما لا يأبى ذلك ، ويرى بأنّ أنكار الأمور الغيبية المستبعده لديه من الثقافة ولم تكن ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ومهدويته وغيبته وطول عمره من مختصات الإمامية [ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] بل وافق الإمامية من أعلام أهل السنة في أنّ المهدي هو ابن الإمام الحسن العسكري جمع كثير من أعلام أهل السنة كصاحب كتاب ( روضة الأحباب ) ، وابن الصباغ المالكي مؤلّف كتاب ( الفصول المهمة ) ، وسبط ابن الجوزي مؤلف كتاب ) تذكرة الخواص ) ، والشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي الحنفي في كتاب ( شواهد النبوة ) ، والحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي مؤلف كتاب ( البيان في آخر الزمان ) ، والحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي الفقيه في كتاب ( شعب الإيمان ) ، فإنّه يظهر منه على ما حكي عنه الميل إلى موافقة الشيعة بل إختيار قولهم ، وذلك ؛ لأنّه نقل عقيدة الشيعة ولم ينكرها ، وكمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفى سنة 5652 ، صرّح بذلك في كتابيه ( الدر المنظم ) و ( مطالب السؤل ) ، وله في مدح الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري أبيات ، والقاضي فضل بن روزبهان شارح کتاب الشمائل النبوية للترمذي ، ومؤلف كتاب ) نهج الباطل ) ، وابن الخشاب ، والشيخ محيي الدين العربي ، والشعراني ، والخواجة محمد بارسا، وملك العلماء القاضي شهاب الدين ىولة آبادي في كتاب ) هداية السعداء ) ، والشيخ سليمان المعروف بخواجه كلان البلخي القندوزي الحنفي في كتاب ) ينابيع المودة ) ، والشيخ عامر بن عامر البصري صاحب القصيدة التائية المسماة بذات الأنوار ، وغيرهم من علماء أهل السنة ممن يطول بذكرهم الكلام . وقد صرّح بولادة الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري جماعة من أهل السنة الأساتذة في النسب والتاريخ والحديث كابن خلكان في كتاب ( الوفيات ) ، وابن الأزرق في

كتاب ( تاريخ ميا فارقين ) ، على ما حكى عنه ابن خلكان ، وابن طولون في كتاب ) الشذرات الذهبية في تراجم أئمة الاثني عشرية ) ، وابن الوردي ما نقل عنه في كتاب ( نور الأبصار ) ، والسويدي مؤلف كتاب ( سبائك الذهب ) ، وابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) ، وأبي الفداء في في كتاب ( المختصر ) ، وحمد الله المستوفي في كتابه ( مختصر

ص: 400

التاريخ ) ، والشبراوي الشافعي شيخ الأزهر في عصره في كتاب ( الإتحاف ) ، والشبلنجي في كتاب ( نور الأبصار ) ، بل يظهر منه إعتقاده بإمامة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وأنّه المهدي المبشِّر بظهوره ، وإن شئت أن تقف على أكثر من ذلك فراجع كتابنا ( منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ) ، الباب الأول من الفصل الثالث

ومع هذا أليس من عجيب جرءة الشيخ محب الدين الخطيب في كتاب الخطوط العريضة في دين الإمامية ، وعناده وتحامله على الشيعة إنكاره ولادة المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنّ ولادته لم تُسجل كما يقول في سجل مواليد العلويين ... كأنّهم جعلوا سجّل مواليد العلويين عند الشيخ محب الدين الخطيب ، وكأنّ الشيخ الخطيب هو النقيب القائم على سجل ولادة العلويين ، وكأن علم أنساب أهل البيت عند الشيخ محب الدين الخطيب دون غيره من العلويين وشيعتهم ، ودون أرباب التواريخ وعلماء الأنساب فمن لم يعرفه الشيخ الخطيب فهو ليس من أهل البيت ؟! .

أيّها الشيخ محب الدين الخطيب .. ما هذا السجل الذي سُجّل فيه ولادة العلويين في عصر الإمام أبي محمد الحسن العسكري - عليه السلام - ، ومن أين يطلب ؟ ومن كان النقيب في تلك الأعصار ؟ ومن أين تقول إن العلويين لا يعرفون ولداً للإمام الحسن العسكري - عليه السلام - ، مع أن كثيراً من العلويين من أخلص الناس ولاء لولد الإمام الحسن العسكري ، وهل يوجد طريق لإثبات ولادة المولود أوثق من أخبار والد المولود ومن أخبار قابلة المولود ، ومن أخبار خواص أهل بيت المولود ؟ ! .

أيشك عاقل في ولادة من رآه مئات من الناس ، ورآه الأخيار الأثبات ، وظهرت منه

الكرامات الكثيرة ؟ ! .

إذا كان مولد الإمام محمد بن الحسن العسكري ومثله معرضاً للشك فلا يبقى اعتماد على ما نقله التاريخ من حوادث ووقايع الأمصار

وقد ذكرنا في كتابنا ) منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ) أسماء جماعة ممن شاهدوه في حياة أبيه ، وأمّا أسماء الذين شاهدوه من ابتداء زمان غيبته إلى هذا الزمان فليس في وسع الكاتب إحصاؤها

وقد صنف في أسمائهم وحكاياتهم كتباً مفردة ككتاب ) تذكرة الطالب فيمن رأى الإمام الغائب ، و ( تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي ) ، و ( دار السلام في من فاز برؤية الإمام ) ، و ( وبدائع الكلام في من فاز بلقاء الإمام ) ، و ( بهجة الأولياء في من فاز بلقاء الحجة ) .

نعم قد خفيت ولادته عن أعداء أهل البيت ؛ لأنّهم كانوا ساعين في إطفاء نور الإمام محمد بن الحسن العسكري والإستيلاء عليه ؛ لما وصل إلى أعداء أهل البيت من الأخبار المبشرة

ص: 401

بظهوره ، وأنّه هو الشخص الذي يزيل دولة الجبابرة ، فهذا المعتضد الخليفة العباسي يرسل الجواسيس إلى بيت الإمام الحسن بن علي العسكري لأخذ ابنه

ومن الأغلاط التي أسندها الشيخ محي الدين الخطيب إلى الشيعة هو أنّ الإمام المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري مخبوء في سرداب بيت أبيه الإمام الحسن العسكري ، وأسند الشيخ الخطيب اختراع هذه الفكرة إلى محمد بن الحسن النميري المعروف بين الشيعة بالكفر والزندقة والإلحاد ، والملعون في لسان الإمام أبي الحسن علي الهادي

أقول : هذه كتب الشيعة المؤلفة قبل ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وقبل ولادة أبيه الإمام الحسن العسكري، وقبل ولادة جدّه الإمام علي الهادي إلى هذا الزمان ليس فيها بأنّ المهدي محمد بن الحسن العسكري مخبوء فى سرداب بيت أبيه أي ذكر وأثر في كتاب واحد أصاغر علماء الشيعة فضلاً عن أكابرهم كالكليني والصدوق والنعماني والمفيد والشيخ الطوسي و السيدين الشريف المرتضى والشريف الرضي وغيرهم ، فراجع كتب الشيعة حتى تقف على مبلغ عصبية الشيخ محب الدين الخطيب ونظرائه وعنادهم ، وتعرف ميزان ثقافتهم وعلمهم بآراء الفرق والمذاهب

نعم لو قرأ الشيخ محب الدين الخطيب كتب الشيعة لوجدها مشحونة من أحاديث تكذِّب أن يكون سرداب بيت والد الإمام المهدي محل إختفائه وغيبته ، ولكن الشيخ محب الدين الخطيب وأمثاله لم يعتادوا الفحص والتتبع والتحقيق في الفرق والمذاهب فيقولون في المذاهب والفرق ما يشاؤون ، ويتبعون ما لا يعلمون وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون . " [ مع الخطيب في خطوطه العريضة للإمام الشيخ لطف الله الصافي ] .

لقد اخترت هذه العبارة الطويلة والكبيرة للإمام الشيخ لطف الله الصافي ؛ لأنني رأيت هذا الإمام من أعظم المتخصصين في معرفة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ؛ لأجل ذلك نصيحتي لطلاب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء أن يراجعوا موسوعته الكبرى حول الإمام محمد بن الحسن العسكري التي سماها : ( منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ) .

ونحن نعلم في معاهدنا العلمية السفية في الرياض وفي صنعاء كم كنا نسخر من حكاية إختفاء مهدي الرافضة في السرداب ، وكنا ننقل كلام الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب – رضوان الله عليه - عن حكاية عقيدة الرافضة بأنّ المهدي يختفي في سرداب بيت أبيه حين قال :

" ينتظرون القائم المختفي في السرداب ... نسأل الله العفو والعافية وقد صاروا بذلك وبوقوفهم بالجبل على ذلك السرداب وصياحهم بأن يخرج إليهم ضحكة لأولي الألباب " [ رسالة في الرد على الرافضة : 33 ] .

ص: 402

وتتسع الدائرة التي تنتشر فيها أسطورة دخول المهدي محمد بن الحسن العسكري في السرداب وتزيد المقالات والكتب حول هذا السرداب ، وقد يسر لي الله الهجرة من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية ، وكانت قضية السرداب من القضايا التي لم تغب عن بالي ، وشرعت بالبحث عن السردات فتبين لي بأننا في معاهدنا العلمية السلفية صنعنا حكايات وقصص عن سرداب مهدي الرافضة لا وجود لها في العالم الواقعي والحقيقي ، وقد تناول علماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بطريقة أرى أن تطرح على طالب العلم في معاهدنا السلفية حتى يعلم حقييقة سرداب مهدي الرافضة :

أولاً قال الإمام الشيخ المحدّث علي بن عيسى الإربلي المتوفى سنة 5687 : " والذين يقولون بوجود الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري لا يقولون إنه في سرداب ، بل يقولون إنه حي موجود يحل ويرتحل ويطوف في الأرض " [ كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة للشيخ الإربلي : 3-39 ] .

ثانياً قال الشيخ المحدث النوري الطبرسي : " نحن كلّما راجعنا وتفحصنا حول السرداب لم نجد لما ذكروه أثراً ، بل ليس في الأحاديث حول المهدي محمد بن الحسن العسكري ذكر للسرداب أصلا " . [ كتاب كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار للشيخ النوري الطبرسي : 212 ] .

ثالثاً قال العلامة باقر شريف القرشي النجفي : " إنّ هذا المكان [ السرداب ] كان مصلَّى لأئمة من أئمة أهل البيت [ الاثني عشر ] الإمام علي الهادي وإبنه الإمام الحسن العسكري وإبنه الحجة المنتظر الإمام محمد بن الحسن العسكري " [ حياة الإمام المهدي للشيخ باقر شريف القرشي : 119 ] .

رابعا قال العلامة السيد صدر الدين الصدر : " ما نسبه إلينا من غياب الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري في السرداب كثير من خواص أهل السنة ، فلا أعرف له ولم أجد له مستندا " [ كتاب المهدي للعلامة صدر الدين الصدر : 155] ز خامساً قال الإمام الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني في رده على أحد مشايخ غلاة السلفية حول أسطورة غيبة المهدي في السرداب : " وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة ، لكنّه زاد في الطّمور نغمات بضم الحمير إلى الخيول ، وادعائه إطراد العادة في كلّ ليلة ، واتصالها منذ أكثر من ألف عام ، والشيعة لا ترى أنّ غيبة الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري في السرداب ، ولا هم غيّبوه فيه ، ولا إنه يضهر من السرداب ، وإنّما اعتقاد الشيعة المدعوم بأحاديثهم أنّ المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت ، ولم يقل أحد في السرداب : إنّه مغيب نور المهدي ، وإنّما هو سرداب دار الأئمة الثلاثة من أئمة أهل البيت الاثني عشر بسامراء في

ص: 403

العراق ، وإنّ من المطّرد والعادة إيجاد السراديب [ الطوابق الأرضية ] في الدور والبيوت وقاية من قايظ وشدّة الحرّ في مدينة سامراء ، وإنّما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لإنتسابه إلى أئمة الدين ، وإنّ هذا السرداب كان مبوء لثلاثة من أئمة الدين كبقية مساكن هذا الدار المباركة التي سكنها ثلاثة من الأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي - ص - وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، وشأن بيت النبي الأعظم ص - ، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " [ كتاب الغدير للشيخ الأميني : 3-308 ] .

وبعد قد تضمّن هذا الباب الخامس الأدلة القوية على حقيقة ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري حتى أننا وجدنا مصداقية قول العلامة المجلسي في أن: «أكثر أصحاب الكتب من أصحابنا أفردوا كتاباً في الغيبة» ، وعلى القارئ لهذا البحث أن يلتمس هذه الحقيقة في الموسوعات الحديثية الثلاث التي سبق أن ذكرناها ، وفي الكتب الكبيرة التي كتبت في حقيقة الغيبة وهي كثيرة ، قال فيها العلامة المحقق الطهراني - رضوان الله عليه - صاحب كتاب الذريعة: «قد كتب في غيبة الإمام الثاني عشر كثير من الأعلام الخاصة والعامة من المتقدمين والمتأخرين منها مخطوط، ومنها مطبوع»

وأخيراً فإننا سنحاول تلخيص سير ذكر بشارات مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, وسير تدوين أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الاثني عشر، في كتب الحديث، بعد أن تحدثنا عنها بصورة واسعة وطويلة، ولا شك أن جلاء ومعرفة سير ذكر بشارات مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, و سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة سوف تكشف لنا عن القرائن الست الأساسية التي تزيد من إحتمال أن يكون الخليفة الثاني عشر هو نفسه محمد بن الحسن العسكري وهذه هي القرائن الست الأساسية:

القرينة الأولى : قرينة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كانت في البداية في البشارات السماوية الموجودة في صحف وكتب الأنبياء قبل نبي الإسلام

القرينة الثانية : قرينة أحاديث مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، انتقلت في البداية في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول الأكرم. والقرينة الثالثة: قرينة روايات الأئمة الإحدى عشر في مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، كان منبعها ومصدرها صحيفة الإمام علي .

والقرينة الرابعة : قرينة أحاديث الرسول الأكرم وروايات الأئمة الإحدى عشر في مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري جمعت في الأصول والمدونات القديمة, التي مات مؤلفوها قبل تحقق الغيبة في الواقع التاريخي.

ص: 404

والقرينة الخامسة : قرينة أنّها جمعت في كتب مستقلة صغيرة - قبل غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري - بعد أن كانت موزعة في الأصول والمدونات القديمة. والقرينة السادسة : قرينة أنّها جمعت في كتب مستقلة كبيرة بعد تحقق غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في الواقع المشهود التاريخي بزمان قصير.

وبعد فتلك االقرائن الست هي خلاصة ذكر بشارات مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في صحف و كتب الأنبياء قبل البعثة النبوية المحمدية, وكذلك هي خلاصة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة، وبعد أن انتهينا من دارسة ذكر بشارات مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في التوراة والانجيل وكذلك من دراسة سير تدوين أحاديث وروايات حقيقة الغيبة في كتب الحديث نحب أن نذكر قرينة أساسية هامة وهى قرينة : أهل السنة الذين تركوا مذهب التسنن ودخلوا في الثني عشرية بسبب قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وهي قرينة تزيد من إحتمال أن يكون الخليفة الثاني عشر هو نفس محمد بن الحسن العسكري : نعرف من خلال هذه القرينة كيف تجلّت حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري فى عقل وقلب الذين كانوا من علماء أهل السنة, لكن هذه القرينة بكل دلائلها، وبكل تأثيراتها أجبرتهم أن يتركوا مذهب أهل السنة ويدخلوا مذهب الاثني عشرية وهم كثير ، وسوف نذكر بعض كتبهم التي برهنت وأوردت الحجج القوية على غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري – رضي الله عنه -.

1 -صاحب كتاب الغيبة» الشيخ الجليل محمد بن مسعود العياشي - رضوان الله عليه - ذكره الشيخ الإمام النجاشي - رضوان الله عليه - وابن النديم والشيخ الجليل الطوسي رضوان الله عليه - ولقد كان - رضي الله عنه - من أهل السنة لكن حقيقة الغيبة أصبحت حاضرة في عقله وقلبه، بعد أن قرأ وجمع النصوص النبوية التي توجب الإيمان والتصديق بها. وفي الحقيقة إنني كنت - أثناء مراجعة تراجم بعض قدماء أهل السنة الذين دخلوا مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - أقف متسائلاً كيف ترك أولئك الأعلام مذهبهم السني؟! وكيف أصبح مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حاضراً في عقولهم وقلوبهم وفي حياتهم على هذا النحو العجيب؟ كيف امتلأت قلوبهم وعقولهم بهذه الحقيقة - حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر – هذا الامتلاء؟ ولكن لم أكن أدرك كيف تم هذا ؟! حتى عدت إلى البشارات السماوية في صحف وكتب الأنبياء قبل خاتمهم وسيدهم و عدت إلى الأحاديث النبوية الصريحة أقرأها وأبحث فيها حقيقة الغيبة, فوجدتها تتحدث عن حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وصفتها بشكل صريح, وهنا فقط أدركت كيف تم هذا كله !

وعرفت لماذا ترك بعض علماء اليهود والنصارى دينهم واسلموا ثم دخلوا في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام - وقد ذكرنا تراجم بعض أولئك في بداية هذا الباب الخامس

وهكذا

ص: 405

عرفت لماذا ترك بعض أهل السنة مذهبهم واتبعوا مذهب الاثني عشرية؟! إنهم كانوا غافلين عن البشارات السماوية في كتب وصحف الأنبياء قبل نبي الإسلام, وكانوا كذلك غافلين عن أحاديث الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله - في الأئمة الاثني عشر وفي مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, ولما ذهبت عنهم الغفلة آمنوا بمهدويته وبغيبتة.

والآن نعود إلى موضوعنا وحسبنا في هذه العجالة ما ذكرناه، ونرجع القارئ لهذا البحث إلى البشارات السماوية في التوراة - التي اشار إليها ابن تيمية - و إلى الأحاديث والروايات التي ذكرت في المصادر التي ذكرناها في ثنايا هذا البحث، وللإمام العياشي أحاديث كثيرة رواها بسنده عن النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله - ، وروايات متعددة رواها بسنده عن الأئمة الاثنى عشر, ذكرت وشرحت حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري يمكن مراجعتها في الكتب المتخصصة التي سبق أن ذكرناها في ثنايا هذا الباب الخامس من كتابنا.

2 - ومنهم الإمام العظيم أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي – رضوان الله عليه – كان من كبار علماء أهل السنة الذين عاشوا في فترة الغيبة الصغرى (260 ه- - 329) ه- ) لكنه بعد أن عرف الحق اتبعه وقال كلمته المشهورة بين العلماء المحققين: «نقل أسلافهم - أي أسلاف الاثني عشرية - حالة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري )

وغيبته، وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر» .

أما الذين تركوا المذهب السني ورحلوا إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في القرن العشرين, فلا يمكن لنا حصرهم ولا يعلم عددهم إلا الله حتى إنه يمكن أن نسمي هذا القرن قرن معرفة الاثني عشرية, وفي هذا يقول الكاتب السلفي المعروف الأستاذ ربيع بن محمد السعودي أثناء ذكره لانتشار الاثني عشرية في مصر : وبعد : ففي زيارة لمصر بعد انقطاع عنها بدأت أحسّ باتجاه جديد, ومما زاد عجبي أن إخواناً لنا ومنهم أبناء أحد العلماء الكبار المشهورين في مصر، ومنهم طلاب علم طالما جلسوا معنا في حلقات العلم، ومنهم بعض الإخوان، سلكوا هذا الدرب، وهذا الاتجاه الجديد وهو التشيع»

ونحن نقول : إن ظاهرة انتشار الاثني عشرية لم تنحصر في مصر وحدها, بل هي ظاهرة عمّت كل العالم, وأنا أعرف أن هنالك المئات من أهل اليمن الذين انتقلوا إلى المذهب الاثني عشري، ويقول الكاتب السلفي الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري : «وقد تشيع الكثير, ومن يطالع كتاب عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد يجد قبائل بأكملها قد تشيعت» والله الموفق والهادي والمعين لمعرفة الحق المبين ، ويقول والكاتب السلفي المعاصر الدكتور علي

ص: 406

أحمد السالوس : «والشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية أكبر الفرق الإسلامية المعاصرة» وعندما نبحث

عن الأسباب التي جعلت أهل السنة يتركون المذهب السني ويدخلون مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حتى أصبح ذلك المذهب أكبر المذاهب الإسلامية المعاصرة, سوف نجد لهذه الخاصية - خاصية الغيبة - العظيمة دوراً كبيراً فى الدخول إلى المذهب الاثني عشري، ويصوّر الكاتب السلفي المعاصر مجدي محمد علي محمد حالة أحد أهل السنة الذين جذبته خصائص مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبدأ يشك في مذهبه السابق ويقول: «جاءني شاب من أهل السنة حيران، وسبب حيرته أنّه قد امتدت إليه أيدي الشيعة، حتى ظن المسكين أنهم (يعني: مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ) ملائكة الرحمة وفرسان الحق إلى أن يقول – لم يفلح ذلك كله مع صاحبي» ، لقد غابت عن فضيلة الشيخ مجدي حقيقة عظيمة, تقول : إن من عرف خصائص مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام فمن العبث أن تحاول أن ترجعه إلى مذهبه السابق.وقد حدثت لي قصة قريبة من القصة التي ذكرها الشيخ «مجدي» فبعد انتقالي من السلفية إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام , كان عمي - وهو الشيخ عبد الرحمن العماد - رضوان الله علىه - من كبار مشايخ السلفية المتعصبين للنموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري - يتلطف معي ويقول أنا على يقين إنك لا يمكن أن تصبح جعفرياً لاسيما وأنت قرأت عند العلماء ولست من الجاهلين و نشأت و تربيت فى معاهدنا العلمية السلفية، وبذل كل جهده من أجل أن أعود من جديد إلى السلفية, وبعد حوار طويل بيني وبينه، وهو حوار الابن مع أبيه، قال لي يا بني إن كان لديك إشكالاً فتحاور مع شيخك الدكتور عبد الوهاب الديلمي ، ودار بينى وبين شيخى الدكتور حواراً طويلاً, وكان عمّى يراقب الحوار, ثم دار في نفس المجلس بيني وبين الأخ الشيخ عبد الله صعتر حواراً ، وكانت مشكلة الشيخ عبد الله صعتر أنه لم يفصل بين موقف مذهب أبي الخطّاب من أم المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله عنه – ، حيث تصوّر بأنّ الذين يتهمونها بالفاحشة والزنا من أتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، لكنني بينت

له بأنّ إتهام زوجة رسول الله بهذه التهمة الشنيعة صدرت من أتباع أبي الخطاب ، ودار الحوار بيني وبينه في مسائل أخرى ، وحين شعر عمي إنه لا جدوى في الحوار, خرج من إطار الحوار إلى إطار التهديد بالقتل والخطف ويقول مهدداً لي لن اسمح لك تدنّس وتنجس بيت العماد بمذهب الجعفرية, وبدأ يحذر أقربائي وأصدقائي من معاشرتي, ولكن الذي أدرك خصائص مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وآمن بحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وآمن بالأئمة الاثني عشر ، لا يمكن لأي قوة – مهما بلغت – أن تفصل بينه وبين الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لأن هذا الإمام العظيم يجذب الإنسان إليه بحركة لا شعورية, وما يدري بنفسه إلا وقد أصبح عاشقاً ومحباً ومتفانياً في هذه الشخصية السماوية

ص: 407

الفريدة التي حرص الأنبياء على التبشير بمهدويته كما حرصوا على التبشير بنبوة جده..وحين يعرف الإنسان عظمة تلك الشخصية سوف يقبل أن يضحي بنفسه وحياته وسمعته وشخصيته ومكانته؛ من أجل تلك الشخصية الربانية, ومن المحال أن يستطيع أن يتخلى عن هذا الإمام العظيم, وحينئذ تصبح كل معانات الغربة والبعد عن الأقرباء وكل التهديدات والإهانات، ويصبح انعدام التأمين على حياته وفقدان كل آماله التي كان يحلم بها سابقاً، ومفارقة الأصدقاء بل مخاصمتهم, تصبح كل تلك المعانات ملذات يأنس بها أكثر مما كان يأنس بالأقرباء والأصدقاء وبالمكانة الاجتماعية أو الوظيفة الدنيوية؛ لأن هذه الشخصية الربانية قد أصبحت أعزّ عليه من كلّ قريب وصديق, وأعز عليه من أبيه وأمه ومن نفسه وسمعته ومستقبله ووظيفته ومكانته؛ لأنه يشعر بعد أن عرف الإمام محمد بن الحسن العسكري أنه صار يمتلك كل شيء، فليعتقد بهذه الشخصية السماوية, وبعد ذلك فليخسر كل أمر يرتبط بهذه الدار الفانية، لأنه أصبح يشعر بلذة ربانية و سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الدنيا الفانية.

إنه أصبح يقف في أعلى هرم في العالم (أعني : هرم الإمام محمد بن الحسن العسكري, وينظر من أعلى نقطة في هذا العالم إلى ذلك النموذج السلفي الذي كان ينتمي إليه كما ينظر الرجل العظيم للطفل الصغير, ليس استعلاء وكبرياء على نموذجه السابق، ولكن لأنه أصبح يقف في أعلى نقطة في هذا العالم .. ومن المعلوم أن هذا الهرم العظيم من عجائب العالم. إنه لا يمكن أن يدرك عظمه الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا من عاش في جو النموذج السلفي في التعامل مع ذلك الإمام العظيم ، كما أنه لا يمكن لنا أن ندرك خاصية النور إلا إذا عشنا في الظلام

القرينة السادسة : كلمات أهل السنة الذين اعتقدوا بمهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وأن كانوا لم يتركوا مذهب التسنن .. وكلماتهم قرينة تزيد من إحتمال أن يكون

الخليفة الثاني عشر هو نفس محمد بن الحسن العسكري .

والآن سوف نذكر قرينة هامة وهي أن بعض علماء أهل السنة الذين تركوا التعصب لمذهبهم, وأذعنوا للحق بعد أن اطلعوا على الأدلة القوية التي تثبت حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لكنهم لم يتركوا التسنن, ولكن تسننهم لم يمنعهم من ذكر الحقيقة من أجل أن يدرك كل اخواننا السلفيين أن هنالك الكثير من العلماء أهل السنة آمنوا بأن الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري, ولا يمكن لنا أن نذكرهم جميعاً حتى لا يتضخم حجم

هذه الرسالة

1 - منهم صاحب كتاب تذكرة الخواص: تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة» العلامة يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي الحنفي - رضوان الله عليه - سبط أبي الفرج

ص: 408

عبد الرحمن ابن الجوزي المتوفى سنة (654 ه-), وقد كان من أبزر علماء أهل السنة الذين جذبتهم الأدلة القوية الواردة في حقيقة الغيبة، وذكر في كتابه النصوص النبوية الصريحة في النص على الأئمة الاثني عشر والنصوص النبوية الصريحة في وجوب الإيمان والتصديق بغيبة الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر - رضوان الله عليه - ولم يستطع هذا العالم العظيم أن يخفي الحق الذي عرفه ، ونذكر الآن بعض من أثنى عليه من علماء أهل السنة قال فيه العلامة محمد عبد الحي في كتابه «الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية»: تفقه وبرع وسمع من جده لأمه ابن الجوزي وكان عالماً فقيهاً وكان واعظاً، حسن المجالسة، مليح المحاورة فارساً في البحث مفرطاً في الذكاء له تصانيف... . منها شرح صحیح مسلم

ومن يتأمل في كتابه تذكرة الخواص سوف يعرف أنه في هذا الكتاب يثبت إمامة الأئمة الاثني عشر, ويثبت غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري, ومن خلال بعض مقتطفاتنا منه سوف يتبين صدق ما ذكرناه, فبعد أن ذكر الأئمة الإحدى عشر من الأئمة الاثني عشر عقد فصلا في ذكر الإمام الثاني عشر ثم قال: «فصل في ذكر الحجة المهدي, هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم - وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم, وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة، أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزاز عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي, يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهدي» وهذا حديث مشهور وقال في موضع آخر: «وقد جمع الأئمة – أي الأئمة الاثني عشر – أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي في قصيدته المشهورة التي أنشدنيها

جماعة من مشايخنا ببغداد

أم اتهموا أم أيمنوا أم أنجدوا

حظُهُمُ وَحَظٍّ عَيْنِي السَّهَدُ

فأين صَبري بَعدَهُم والجَلَدُ

لكنْ نُحولِي بِالغَرَامِ يَشْهَدُ

وَمَا لمَن يَظْلِم فِيهِم مُسعدُ

وَلَا عَلى القاتل ظلما قودُ

إقرأ إعلاناً به أم إجحدُ

حُبُّهم، وهوَ الهُدى والرشدُ

ثمّ علي وابنه محمّدُ

ص: 409

موسى، وَيَتلوه علي السّيدُ

ثمّ علي وابنُهُ المُسَدّدُ

محمد بن الحسن المفتَقَدُ

وَإِن لحَانِي مَعشر وفندُوا

أسماؤهُم مَسرودَةٌ لا تُطرَدُ

وَهُم إِلَيهِ مَنْهجٌ وَمَقَصدُ

وَفِي الدِّياجي رُكَّعٌ وَسُجِّدُ

هَل شَكٍّ في ذلك إِلَّا مُلحِدُ

لا بَل لَهُم في كل قلب مشهد

والمروتان لهم والمسجد

خيف وجمع والبقيع الفرقدُ

يَعرفهُ المُشرِكُ وَالمُوَحّد

هم الحياة اعرقوا أم اشأموا

ليهنهِم طِيبُ الكَرَى فَإِنَّهُ

هُمُ تَوَلُّوا بالفؤادِ وَالكَرَى

لولا الضنا جَحَدْتُ وَجْدى بهمُ

تلهفاً يا جور حُكّام الهَوَى

ليس عَلَى المُثْلَفِ غَرِمٌ عِندَهم

وسائل عن حُبِّ أهل البيته ل-

هَيْهات ممزوج بلحمي وَدَمي

حَيْدَرَة والحَسنان بَعدَهُ

وَجَعفرُ الصَّادِقُ، وابن جعفر

أعني الرّضا، ثمّ ابنه محمّدٌ

الحَسَنُ التالي وَيَتْلُو تِلْوَهُ

فإنّهم أئمتي وَسَادَتي

أئمّةٌ أكرم بهِم

هم حُجَجُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ

كلُ النَّهارِ صَومٌ لِرَبِّهِم

قوم أتى في «هل أتى» مديحهم

قومٌ لَهُم فِي كُلِّ أَرضِ مَشْهَدُ

ص: 410

قَومٌ منى ، والمَشْعَرَ إِن لَهُمُ

قَومٌ لَهُم مَكَةُ وَالأَبطَحُ وَال--

قُومُ لَهم فَضلٌ وَمَجِدٌ باذخ

ثم ذكر سبط ابن الجوزي الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله - وأوصياءه في بيتين, قال: وقال آخر:

بأربعة أسماء كلهم محمد *** وأربعة أسماء كلهم علی

وبالحسنين السيدين و جعفر *** وموسى أجرني إنني لهم ولي

2 - وصاحب كتاب (الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة : وهو الإمام العلامة علي بن محمد بن أحمد الشهير بابن الصباغ المالكي - رضوان الله عليه – المتوفى سنة (855 ه-) كان من كبار علماء أهل السنة في القرن التاسع الهجري, وهو من الذين اطلعوا على النصوص الصريحة في الأئمة الاثني عشر والنصوص الصريحة في غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وقد كتب كتابه «الفصول المهمة» في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر وإثبات غيبة الإمام الثاني عشر، ويكفينا في الدلالة على هذا أنه في هذا الكتاب، بعد أن ذكر الأدلة النقلية والعقلية في النصّ على إمامة الأئمة الاثني عشر، قال: «الفصل الثاني عشر, في ذكر أبي القاسم محمد الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر, وتاريخ ولادته ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته ومدة قيام دولته وذكر كنيته ونسبه وغير ذلك مما يتصل به» . ثم نقل رحمه الله كلاماً للشيخ الإمام المفيد – رضي الله عنه على سبيل الإقرار والتسلیم ،به قال: قال صاحب الإرشاد الشيخ المفيد, أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان - رحمه الله - : كان الإمام بعد أبي محمد الحسن ابنه محمّداً ولم يخلف أبوه ولداً غيره, وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر] في ملة الإسلام

من النبي محمد صلى الله عليه وآله وكذلك من جده علي بن أبي طالب ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب, وهو صاحب السيف القائم المنتظر, كما ورد ذلك في صحيح الخبر, وله قبل قيامه غیبتان أحدهما أطول من الأخرى». وفي الحقيقة إن من تأمل في «الفصول المهمة» سوف يستيقن أن هذا الكتاب يحكي تحولاً مذهبياً عند الإمام ابن الصباغ المالكي رضوان الله عليه -, ومن ثم فأنا أعتبره من المستبصرين الذين دخلوا في المذهب الاثني عشري.

3 - وصاحب كتاب (فرائد السمطين) في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم, وهو شيخ الإسلام المحدّث الكبير إبراهيم بن محمد ابن المؤيد الجويني الشافعي رضوان الله عليه – المتوفى سنة ( 730 ه-) ، ينتهي نسبه إلى الصحابي العظيم أبي أيوب

ص: 411

الأنصاري - رضي الله عنه - كان من أعلام أهل السنة، وعندما عرف أحاديث النص

, على إمامة الأئمة الاثني عشر وأحاديث الغيبة ترك العصبية المذهبية, وأذعن للحق وانتقل من مذهب أهل السنة إلى مذهب الاثني عشرية وبإمكانكم أن ترجعوا إلى رواياته عن الغيبة بسنده، فبعد أن رواها وذكرها وأقرّ بها نقل - رحمه الله - كلاماً للإمام الطبرسي، على سبيل الإقرار والتسليم ،به قال : قال الطبرسي : هذا بعض ما جاء من الأخبار من طرق المخالفين ورواياتهم في النص على عدد الأئمة الاثنى عشر رضوان الله عليهم، وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت كما نقلته الإمامية ولم تنكر ما تضمنه الخبر، فهو أدلّ دليل على أن الله تعالى هو الذي سخرهم لروايته إقامة لحجته وإعلاء لكلمته، وما هذا الأمر إلاّ كالخارق للعادة والخارج عن الأمور المعتادة، ولا يقدر عليه إلا الله سبحانه الذي يذلّل الصعب ويقلب القلب، ويسهل العسير وهو على كل شيء قدير»

4 – وصاحب كتاب ينابيع المودة : الشيخ الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي رضوان الله عليه - توفي سنة ( 1294) ه-), كان من كبار علماء أهل السنة الذين عرفوا حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وقد روى في كتابه ما يدل عليها ولا يتسع الوقت إلى ذكرها, وبعد أن ذكر رواياته عن الغيبة قال – رضي الله عنه – ناقلا ومقراً ومصدّقاً: «قال بعض المحققين: إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله وسلم اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة, فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان, علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديثه هذا, الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته, إذ لا يمكن لأن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر, ولا يمكن أن نحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز, ولكونهم غير بني هاشم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : كلهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك عن جابر وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله وسلم في هذا القول يرجح هذه الرواية؛ لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أن نحمله

على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) ، وحديث الكساء, فلا بد أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً ، وكانت علومهم عن أبائهم متصلة بجدهم صلى الله عليه وآله وسلم وبالوراثة واللدنية, كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق، ويؤيد هذا المعنى - أي إن مراد النبي في أن الأئمة الاثني عشر من أهل بيته بيته - ويشهد له ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب وغيره، وأمّا

ص: 412

قوله صلى الله عليه وسلم : كلهم يجتمع عليه الأمة، في رواية عن جابر بن سمرة, فمراده صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة تجتمع على الإقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم» أرجو من كل قارئ لهذا البحث أن يتأمل ويتعمق فيما نقله وأقر به وأن يعيد قراءته من جديد, فما ذكره يعد من أعظم ما قيل في توضيح وشرح معنى الحديث الذي أجمع على صحته كل علماء الإسلام .

وهكذا .. وهكذا .. هناك المئات من أهل السنة الذين لم يتعصبوا لمذهبهم وأذعنوا للحق لمّا عرفوا الأحاديث التي يستند عليها وعندما أدركوا أن حقيقة مهدوية و غيبة محمد بن الحسن العسكري مستمدة من السنة النبوية، ونستكفي بمن ذكرناهم حتى لا يتضخّم حجم هدا البحث, فلا شك أن تقرير حقيقة مهدوية و غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري تشغل مساحة واسعة في كتب بعض أهل السنة الذين ثبتت لهم تلك الحقيقة بالأحاديث والروايات المتواترة القطعية, فمن أراد التفصيل الكامل فليرجع إلى الكتب والموسوعات التي تخصصت في البحث عن حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كتب القدماء, الذين تركوا مذهب أهل السنة واتبعوا مذهب الاثني عشرية.

ثانيا : القرائن الصغرى :

قرائن جديدة من القرائن التي تزيد من إحتمال أن الخليفة الثاني عشر هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري ؟

ذكرنا سابقا القرائن الكثيرة الواضحة التي بلغت من حيث الكثرة و التعدد و الاستقلال بحيث تزيد من إحتمال أن الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري . وسوف نذكر قرائن جديدة بصورة مختصرة : وبعد هذه الكثرة من القرائن التي تزيد من إحتمال أن الخليفة الثاني عشر مع قرائن جديدة سوف نذكرها لاحقا, لا معنى للتشكيك في كل تلك القرائن الكثيرة ، وهي قرائن واضحة لا يمكن التشكيك فيها ، وإلا لكان ذلك التشكيك لا يستند إلى دليل وبرهان, والتشكيك العلمي المنطقي القرآني الذي يعتمد عليه في القرآن الكريم ، ويعتمد عليه في علم الفلسفة وعلم المنطق لابد له أن يستند على دليل قرينة مهمة من القرائن التي تزيد من إحتمال أن الخليفة الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري ترجع هذه القرينة المهمة إلى أن أهل البيت كانوا يقفون أمام كل فكرة تريد الفصل بين الخليفة الثاني عشر وبين محمد بن الحسن العسكري وسوف اذكر نموذجاً واحداً : لقاء بعض المعاصرين لهم بالأئمة الاثني عشر وسماعهم مباشرة من الأئمة بأن الخليفة الثاني عشر هو نفس محمد بن الحسن العسكري ... وسنذكر هنا قصة اللقاء بين الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين السيد الحميري الشاعر المعروف وهكذا اللقاء بين دعبل الخزاعي و بين الإمام الرضا. المهدي (عليه السلام)، وهنالك مجموعة من الروايات الاخرى، تتحدث عن مثل قصة السيد الحميري وقصة دعبل

ص: 413

الخزاعي .. فرغم التعتيم الاعلامي بالنسبة الى ذكر اسم الإمام المهدي الذي بشر به النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في حديث الاثني عشر و في احاديث المهدي الذي اضطر نفس الائمة (عليهم السلام) لا يصرحون بالمراد بالمهدي لعلمهم بأن السلطة الحاكمة كانت تتصوّر قرب عصر ضهوره ، لأن السلطة اطلعت من خلال إخبار ت أنّه سوف يكون من بعده (صلی الله علیه وآله وسلم) اثنا عشر خليفة و أن المهدي هو الثاني عشر منهم .. فكانت السلطة تراقب هؤلاء الأئمة بسبب اطلاعهم على بعض النصوص فكانوا مطلعين ويراقبون الاوضاع، كما اطلع فرعون على بعض النصوص حول شخص ذكره الانبياء في كتبهم وكان يراقب الاوضاع ، ونفس القضية اتبعها بنو أمية وبنو العباس ، فكانوا يراقبون الاوضاع، ولذلك كانت قضية التصريح بذكر اسم الإمام المهدي تعيش كتماناً شديداً, لأنهم كان يعلمون بأن نهاية ملكهم على يد الإمام المهدي كما كان يعلم فرعون بأن نهاية ملكه على يد رجل من بني اسرائيل

على أي حال رغم هذا التعتيم الاعلامي حول ذكر اسم الامام المهدي الذي ذكره النبي ( ص في حديث في حديث الاثني عشر الذي اجبر الائمة ( عليهم السلام) أن لا يصرحوا بأسمه أمام الشخصيات المنتمية للسلطتين الأموية و العباسية إلا أن الأئمة اخبروا كثير من الناس المقربين بهم بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري

هذه بعض الروايات التي تبين أن الأئمة الاثنا عشر اخبروا من يثق بهم بأن المهدي الذي عنى به النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بأنه الثاني عشر في حديثه عن الاثني عشر من بعده ... هو محمد بن الحسن العسكري، والروايات في هذا الصدد كثيرة جدا، وحسبنا ما ما ذكرنا والرويات في هذا المجال وحدها تفيد اليقين لأنها روايات متواترة . قرينة من القرائن التي تزيد من إحتمال أن الخليفة الثاني عشر الذين عنى به النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في حديث الاثني عشر هو محمد بن الحسن العسكري. وضوح فكرة أن الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري بين الجماعة التي التفت حولهم وآمنت بهم (عليهم السلام) ، فالذي يقرأ التاريخ ويقرأ الروايات يفهم أنّ هذه الجماعة التي آمنت بهم من الزمان الأول كانوا يتداولون فكرة نص النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) على اثني عشر من بعده ، و أن الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري هو المهدي وكانت قضية واضحة فيما بينهم، ولذلك نرى أنّهم كانوا حينما يلتف الناس حول شخصية بسبب تصورهم بأنه المهدي كانوا يخبروهم بأنه ليس هو المهدي بل المهدي هو الثاني عشر. فهذا يدل على أنّ هذه الفكرة كانت فكرة واضحة بين الأوساط المؤمنه بهم ( عليهم السلام ). إذن هذ القرينة من القرائن التي تزيد من إحتمال أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) عنى في حديثه عن الخليفة الثاني عشر في حديث الاثني عشر نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري الذين تؤمن بهم الاثناعشرية .

ص: 414

.

قرينة مهمة من القرائن التي تجعلنا نؤمن بأن الخليفة الثاني عشر الذي اراده النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في حديث الاثني عشر هو محمد بن الحسن العسكري قضية التراث المنقول عن هؤلاء الاثني عشر الذي دافع عنه الإمام محمد ابي زهرة في كتابه عن الإمام السادس من هؤلاء الاثني عشر ... ولا يمكن لأحد أن يشكك في التراث المنقول عنهم فكل هذا التراث ينص بأن لمهدي هو محمد بن الحسن العسكري

قرينة من القرائن التي تدل بأن الخليفة الثاني عشر الذي اراده النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في حديث الاثني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري تصرف السلطة مع الامام الحسن العسكري الد الإمام محمد بن الحسن العسكري ، و تصرفهم مع والدته فان التاريخ ينقل لنا كيف تعامل الخليفة العباسي مع والده و والدته فالكل يعلم كيف تعامل المعتمد العباسي مع الإمام الثاني عشر فبمجرد أن وصل إلى سمعه أنّه ولد للامام مولود أرسل شرطته إلى دار الامام وأخذوا جميع نساء الامام واعتقلوهنّ حتى يلاحظوا الولادة ممن؟ طبيعي بعض التاريخ ينقل أن القضية كلها كانت بإرشاد جعفر عم الامام المهدي، وهذا غير مهم، فان نفس تصرف السلطة قرينة واضحة على أن مسألة الولادة ثابتة وإلا فهذا التصرف لا داعي إليه. مسألة التشكيك في قضية أن الخليفة الثاني عشر هو محمد بن الحسن العسكري : بعد أن ذكرنا تلك القرائن الكثيرة واثبتنا في الباب السابق من خلال تلك القرائن مسألة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري نبحث عن مسألة التشكيك في تلك القرائن الكثيرة ومسألة التشكيك قديمة ترجع الى زمن حضور الأئمة الاثني عشر فوجد من شكك في من هو الثاني عشر في زمانهم ، لعدم اطلاعه الكثير على نصوص النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في حق من هو المهدي بالتحديد ، ووجود تعتيم إعلامي قوي على مسألة النصوص على على الإمام المهدي ، نتيجة الظروف الحرجة المحيطة بقضية تحديد من هو المهدي في تلك الفترة، حتى أنه لم يجز الائمة التصريح بل نجد نصوص كثيرة تنهى عن ذكر أسم الامام المهدي وتحديد هويته .

ونريد من طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن ينظر بطريقة علمية إلى قضية التشكيك حقيقة ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري؛ من أجل أن يدرك هل هذا

التشكيك في حقيقة ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. يستند على التشكيك العلمي المنهجي القرآني أم هو يستند على التشكيك الوهمي غير المنهجي والمنطقي بمعنى حين نجدهم يؤمنون بحقيقة مهدوية الإمام الثاني عشر ، ولكنهم يقولون : إنّ هذه الإمام الثاني عشر ليس هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عشرية ) هنا سوف انقل عبارة ابن تيمية في أن بعد النبي سيكون المهدي هو الثاني عشر ولكنهم ليس هو الإمام محمد بن

ص: 415

الحسن العسكري الذي ذكرته الرفضة من الاثني عشرية ) ونحن نجد هنا بأن التشكيك، أي التشكيك في أن الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري. ، وقد دلّت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات . الاستدلال بالرويات في بطلان التشكيك في في تلك القرائن الكثيرة حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري: نحن نجد بأن السلفية جميعاً يقولون بأن الروايات تدل بأن المهدي هو الثاني عشر ومن الخلفاء الاثني عشر من بعده ويقولون : ولابد لهذه الإخبار النبوي أن يتحقق لأنّه لا يحتمل في حقه الله سبحانه أن يخبر رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) بأمر على خلاف الواقع، فلا بد أن يكون المهدي هو الثاني عشر لأنه اخبر أن المهدي هو الثاني عشر ، ثم يشككون في أن يكون هذا الخليفة الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري ما هو سبب تشكيك السلفية في تلك القرائن الكثيرة حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري سبب تشكيك السلفية في تلك القرائن الكثيرة حول مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري هو تجربتهم الغريبة مع قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري . للمعاهد العلمية أثر في تجربتهم الغريبة مع قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لا أستطيع حصرها وتحديدها, فلابد من كلمة عابرة عنها . من المسلّم به عند من درس في المعاهد العلمية السلفية في اليمن أو درس في المعاهد السلفية في السعودية أن برامج المعاهد العلمية السلفية ترسم صورة غريبة عن قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري والآن انبثق من معاهد السلفية في السعودية ومعاهد السلفية في اليمن. ها أنا في معهد صنعاء العلمي, لكم سمعت عنه, ولكم غبطت الذين أسعدهم الحظ بالدراسة فيه, ولأول مرة اسكن في معهد داخلي ابعدني عن أهلي . كان نسيبنا الشيخ أحمد محرم مدير معهدنا الدراسي والداخلي, حسن التدبير.

هنا في هذا المعهد سوف يتحقق ما تطلعت إليه من معرفة العقيدة الصحيحة لابن تيمية وابن عبد الوهاب

فالشعور العميق الذي حملته منذ طفولتي نحو عقيدة هذين الشيخين أخذ يزداد عمقا في هذا المعهد . ولكم وجدتني في ساحة المعهد, أنسلخ بغتة عن رفاقي, إذ أتخيل ابن تيمية وابن عبد الوهاب في ساحة الدرس يعلمان التلاميذ ما نقرأه الآن .

لقد كنت مؤمناً كما أرادني المعهد أن أؤمن . فما كان يخامرني اقل الشك في الإيمان بعقيدة الشيخين . هكذا آمنت بهما هاديين ومرشدين, فما إن وجدتني في المعهد الذي انبثق من هديهما ؛ حتى راح يستهويني أن اقرأ كل ما يتصل بهما من كتب, وكنت أقول في نفسي من نعمة الله عليّ أنني أدرس في معهد تدرس فيه دروس المعاهد العلمية السلفية في السعودية ؛ لأن معهدنا هو فرع منها . وفي ذلك المعهد تكونت عقيدتي السلفية حول حقيقة غيبة الإمام المهدي [ الإمام محمد بن الحسن العسكري ] وهي الثوب الذي فصله المعهد لي, فلبثت

ص: 416

متمسكاً بها أيام صباي وأول شبابي, ورحت أطرحها على أقربائي واصدقائي وتلاميذي . في بداية سنة 1987م ودّعت معهد صنعاء العلمي, وفي قلبي فرحة, وفي عقلي موضوعات ومعتقدات ورؤى لم تكن هنالك من قبل إنها دراسة دامت سنوات حصلت فيها على ثانوية في القسم الشرعي, ودرست فيه عند عمالقة السلفية من العلماء الذين نهلت من علومهم . لن انسى عبدالرزاق الشاحذي و أحمد السلامة وغيرهما من مشايخي في المعهد, ولن انسى عبد الله الوضاف ومحمد إسماعيل العمراني وعبد الوهاب الديلمي وعبد المجيد الزنداني وحسن الحكيمي وعمر طرموم وعمي عبد الحمن العماد من الذين استفدت من علمهم وتوجيههم خارج المعهد, ولا انسى أن اذكر بأن اكثر من غرس في نفسي حب ابن تيمية هو شيخي محمد بن اسماعيل

العمراني . ولولا المعهد لما كنت بعد شهرين من توديعه, اعلّم العلوم الشرعية في معهد روحان العلمي, واخطب الجمعة في جامعها السلفي, وفي جامع الإسطی و جامع باب القاع في صنعاء ولولا المعهد لما كنت مع جماعة منهم الشيخ سفرجلة مؤذن الجامع الكبير في صنعاء نواجه الزيدية ونحاربهم في ذلك الجامع الكبير. مضت سنة من توديع المعهد, وجاء يوم سفري إلى الرياض لأجل الدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود

وصلت إلى الرياض سنة 1988م, واستقبلني عادل العماد ابن عمي وزميلي درست معه عند الشيخ السلفي العلامة عبد الله الوضاف حفظه الله , وسكنت

في الدرعية التي سمعت عنها منذ طفولتي, وقد انطلقت منها دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب

وقفت في الدرعية ونفسي تتقاذفها الذكريات والإنفعالات, ففي أرضها, وفي جدرانها وسقفها أرتفع صوت محمد عبد الوهاب, ومن صوته ولد التوحيد من جديد, بعد أن ساد الشرك والشركيات كل العالم الإسلامي

من معلوماتي منذ أن كنت صبياً بأنها رفيقة مكة والمدينة في نشر التوحيد, وهي تفاخر فبفضلها نشأت المعاهد العلمية السلفية في السعودية و اليمن وفي بعض مناطق العالم ومن أكبر مفاخرها أن كل دعاة التوحيد منذ اكثر من قرنين السعودية وسواها من البلدان تعلموا التوحيد من رجل سكن فيها

وقفت في درعية محمد عبد الوهاب الذي علمني توحيد الله , وكيف لي أن لا أشعر بالسعادة وانا في الدرعية .

علمني ساكن الدرعية " محمد عبد الوهاب " معتقدات وموضوعات, لولاها لما أدركت

الفرق بين المشركين والموحدين .. ولعشت حياتي مشركاً بالله من حيث لا أدري

ص: 417

نحن في مكة بالقرب من الحرم المكي, هنالك مسجد يلقي فيه شيخنا مفتي السعودية عبد العزيز بن باز دروسا عامة, كنت مقيداً بحضور بعضها, فطالما سمعت وقرأت عنه, وآن الآوان أن أروي عيني بالنظر إلى هذا الشيخ الجليل, و أشبع عقلي من علمه الوفير

لقد كنا نسمع من مشايخنا في معهد صنعاء العلمي بأنه من أعظم حماة معهدنا.

وأريد أن يدرك قارىء هذا الباب الخامس بأنّ نفس هذا الكلام حول ذكرياتي في معهد صنعاء العلمي وفي مدينة الرياض ذكرته في بداية مدخل هذا الكتاب ، بمعنى أنه سبق أن ذكرت في بداية هذا الكتاب عن دور معهد صنعاء العلمي في رسم صورة غريبة لديّ عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأريد الآن أن أعيد الكلام حول دور معهد صنعاء ودور سكني في السكن الداخلي لجامعة الملك سعود عن رسم صورة غريبة لديّ عن الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وهنالك صلة كبيرة بين معرفة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لأجل ذلك منذُ اليوم الأول الذي عرفت الإمام جعفر الصادق علیه السلام بدأت أدرك بعض ملامح الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنني لم أجد أحداً ذكر خصائص الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري مثل الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهذا الأمر هو الذي جعلني أرى ضرورة تكرار ماقلته حول طريقة معرفتي بالإمام جعفر الصادق علیه السلام عند حديثي عن طريقة معرفتي بالإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، وأنا منذ اليوم الأول الذي عرفت الإمام جعفر الصادق علیه السلام عرفت في نفس الوقت الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، من أجل ذلك سوف يلاحظ القارىء لهذا الكتاب أنه يدور حول الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وحول الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري إن الذي يكتب هذا الكتاب إنسان عاش فترة طويلة من حياته كانت عقيدته في الإمام محمد بن الحسن العسكري وعقيدته في قضية ولادته ومهدويته وغيبته منبثقة من دراسته في معهد صنعاء وفي مدينة الرياض .. ثم انتقل إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام , فإذا هو يجد كل ما عرفه عن الإمام محمد بن الحسن العسكري وعرفه عن قضية غيبته ضئيلا ضئيلا إلى جانب حقيقة هذا الإمام العظيم وحقيقة ولادته ومهدويته وغيبته, وما هو نادم على ما قضى في تلك المعرفة الضئيلة من عمره . فإنما عرف النموذج السلفي في ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري على حقيقته, وعلى انحرافه, وعلى غروره وادعائه بأنه يمثل كلمة الإسلام الوحيدة في الحكم على الإمام محمد بن الحسن العسكري والحكم على ولادته ومهدويته وغيبته كذلك, وَعَلَمَ علم اليقين أن ذلك الحكم على ذلك الإمام العظيم وعلى

ص: 418

11

ولادته ومهدويته وغيبته لا يمكن أن يكون ممثلاً للإسلام .. علم ذلك من خلال دراسة طويلة حول حقيقة ولادة ومهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم .

لقد سمعت عن الإمام محمد بن الحسن العسكري وعن اعتقاد مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بولادته وبمهدويته وغيبته حينما كنت ادرس في معهد صنعاء ثم سمعت عنها في مدينة الرياض .. ولكن في تلك الفترة كانت نظرة ابن تيمية حول مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري مهيمنة على مخيلتي. لقد طبع النموذج السلفي عن ذلك الإمام العظيم في حسي – منذ زمن مبكر في حياتي - صورة نمطية غريبة عن قضية مهدويته وقضية غيبته وكنا نعدهما قضيتين مكذوبتين مخترعتين .

ومن ذكريات فترة دراستي في المعهد التي لاتزال ماثلة في ذهني, أننا كنا نجتمع لنتحدث عن الإمام محمد بن العسكري ونصفه بالمعدوم و بصاحب السرداب الذي اختفى وغاب منذ اكثر من الف سنة ولم يعد ونجزم بعدم ولادته ونسخر من قضية مهدويته ومن قضية غيبته, ونجزم بأن مهدي آخر الزمان هو غير الإمام محمد بن الحسن العسكري, ونصرح بأنه حصل من اعتقاد الاثني عشرية بوجود محمد بن الحسن العسكري و اعتقادهم بمهدويته وبغيبته من الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد, وكنا نقول بأن والده الحسن العسكري لم يكن له نسل ولا عقب بشهادة أهل العلم بالأنساب والتاريخ

كانت تلك ذكرياتي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري في تلك الفترة, وبعد فترة طويلة حصلت على كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية, وعلمت بأن ذلك النموذج السلفي المغروس في مخيلتي عن ذلك الإمام العظيم و تلك الصورة النمطية التي انطبعت في ذهني عن الإمام محمد بن الحسن العسكري ما هي إلا فقرات وعبارات من كتاب منهاج السنة النبوية من تأليف ابن تيمية, فازداد يقيني في إنكار ولادته ومهدويته وغيبته ؛ لأن مقالات واعتقادات شيخ الإسلام ابن تيمية هي المهيمنة عليّ في تلك الفترة .

واعترف بصراحة أن معرفتي بالإمام محمد بن الحسن العسكري وبحقيقة ولادته ومهدويته وغيبته هي اكبر المنن التي أنعم الله عليّ في كل حياتي الفكرية إنها أكبر من منة الوجود الذي منحه الله ابتداءً لي, وسائر ما يتعلق بالوجود من آلاء الرزق والصحة والحياة و المتاع التي وهبني اياها .

إن تحديد النموذج السلفي في حقيقة الإمام محمد بن العسكري وفي حقيقة ولادته ومهدويته وفي حقيقة غيبته .. مسألة ضرورية ؛ لأنه لا يمكن معرفة حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري وحقيقة ولادته ومهدويته وحقيقة غيبته, ومعرفة مقومات هذا الإمام العظيم التي يتألف منها قوامه, ويقوم عليها كيانه, ومعرفة خصائصه التي تتميز بها ملامحه وتنفرد بها شخصيته إلا عند المقارنة بين رأي مشايخ الخطّابية في القرن العشرين في مفهوم غيبة

ص: 419

ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين مفهوم غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وضرورية لأنه من خلال معرفة رؤية الخطّابية حول غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري سوف نتعرف على البنية التحتية الداخلية لمفهوم مشايخ الخطابية في القرن العشرين عن غيبة ومهدوية الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري المتمثلة بمقولات أبي الخطاب وأصحاب أبي الخطاب حول غيبة ومهدوية ذلك الإمام العظيم . وضرورية لأننا لن ندرك من خلال تجربتي مع القضايا الاساسية التي يثيرها علماء السلفية حول قضية الإمام المهدي إلا إذا أدركنا ذلك المفهوم الخطّابي حول حقيقة غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري, فليست القضايا الاساسية الا فرعا من ذلك التي تعلمناها في المعهد الخلط بين رؤية الخطابية وبين رؤية الجعفرية لمهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري الذي ترجع إليه كل فشل معاهدنا السلفية العلمية في فهم الغيبة والمهدوية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، والمشكلة الاساسية في فهم الخطابية لقضية غيبة المهدي ترجع إلى عدم معرفة الله ؛ لأنّ من لم يعرف الله لا يمكن له أن يدرك معنى غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، ومن يعتقد بتحريف القرآن الكريم لا يمكن له أن يدرك معنى مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, مع اعترافي بأنني لم اكن أدرك الفرق بين رؤية الخطّابية ورؤية الجعفرية حول الإمام محمد بن الحسن العسكري ، بل كنا في المعاهد السلفية العلمية في الرياض وصنعاء نأخذ رأي مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول غيبة المهدي محمد

بن الحسن العسكري من مقولات الخطّابية حول غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري لأن النموذج السلفي الذي تعلمناه في معهد صنعاء وفي الرياض حين يتولى الكلام حول الإمام محمد بن الحسن العسكري لم يكن يتبين و يتضح لنا بأن ذلك الكلام منبثق من مقولات أبي الخطاب لا من مقولات الإمام جعفر الصادق علیه السلام . بل كنا نتصور بأنّه لا فرق بين تلك المقولات المجوسية النصرانية الخطابية حول غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري والمقولات التوحيدية القرآنية فى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول ولادة وغيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري تبين لي أن مشكتنا الكبرى تكمن في تقليدنا لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية حول ولادة وغيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري، الذي رسم لنا صورة شنيعة عن غيبة المهدي ؛ لأنّ شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن يدرك الفرق بين تلك المقولات المجوسية النصرانية الخطابية حول غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري والمقولات التوحيدية القرآنية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام حول غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري, ولقد تبين لي كذلك بأننا حين كنا نطرح قضية الإمام محمد بن العسكري وما نثير حوله من اقوال

ص: 420

عديدة ومختلفة, لم نكن نطرح تلك الاقوال المتعددة والمختلفة جزافا ولم نكن نتناولها أجزاءً وتفاريقا بل كان لها نموذج ؛ يرد إليه كافة الأقوال, وترجع إليه عقيدتنا في الإمام محمد الحسن العسكري, ولكن أن السلفية لا تعلم ولا تدرك حين تطرح النموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري بأن البنية الداخلية لذلك النموذج ترجع إلى مقالات ابن تيمية, بل تتصوّر السلفية بأن بنية ذلك النموذج ترجع إلى السلف الصالح .. و من هنا لابد من معرفة هذا النموذج السلفي المرسوم حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري, وكذلك معرفة البنية الداخلية لذلك النموذج أي مقولات ابن تيمية حتى ييسر للباحث عن الحق فهم أصول وقواعد العقيدة السلفية في الإمام محمد بن الحسن العسكري, و يسهل عليه أن يرد تلك العقيدة إلى ذلك النموذج, وأن يرد هذا النموذج إلى بنيته الداخلية, وأن يدرك بدقة عالية خطوط العقيدة السلفىة في الإمام محمد بن الحسن العسكري التي تصر اصرارا عجيبا على انكار مهدويته وغيبته, ويلحظ أنها متصلة بذلك النموذج, لا تنفصل عنه, ولا تقول قولاً إلا وهو منبثق عنه ومتولّد منه .

وضرورية لأن الكثير من المسلمين لا يميزون بين مقولات السلفية في الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين البنية الداخلية لتلك المقولات - أي النموذج الداخلي الكامن فيها وهي مقولات ابن تيمية المنبثقة من مقولات الخطابية حول مهدوية وغيبة المهدي ، . وضرورية لأن نفس هذه النموذج الفكري السلفي المرسوم حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري قد تحوّل من نموذج فكري إلى نموذج تفسيري و إلى اداة تحليلية لجميع الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي, وذلك النموذج الفكري حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري قد اصبح نموذجاً [ منهجاً ] تحليلياً و تفسيرياً, فصار ذلك النموذج الفكري هو نفس النموذج [ المنهج ] التحليلي التفسيري, لقد صار هذا النموذج الفكري يتضمن في تركيبه الذاتي وسيلته الخاصة ونموذجه الخاص ومنهجه الخاص في تفسير وتحليل جميع تلك الاحاديث النبوية في الإمام المهدي, ومن ثم فذلك النموذج الفكري السلفي ليس بحاجة إلى نموذج [ منهج تحليلي وتفسيري لتلك الأحاديث النبوية في الإمام المهدي من خارج ذاته, وسوف ابين ذلك حين ابين كيف قام ذلك النموذج الفكري السلفي حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري بخلق نموذجاً [ منهجاً ] خاصاً يقوم بطريقة ذاتية وآلية بتحليل وتفسير جميع الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي من خلال نموذجه الفكري عن ذلك الإمام العظيم الذي يعد هذا النموذج التفسيري و التحليلي جزء من ذات ذلك النموذج الفكري .

ص: 421

إننا لم نذكر بأن النموذج [ المنهج ] التحليلي التفسيري حول احاديث الإمام المهدي يدخل ضمن التركيب الذاتي للنموذج الفكري السلفي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا لأن الباحثين عن الحق من السلفيين يتصورون بأن النموذج [ المنهج ] السلفي التحليلي والتفسيري للاحاديث النبوية حول الإمام المهدي منفصل عن النموذج الفكري المرسوم عن الإمام محمد بن الحسن العسكري, ولا يدركون بأن النموذج الفكري السلفي المرسوم عن شخصية ذلك الإمام العظيم قد تحول إلى نموذج تحليلي وتفسيري لاحاديث النبي في الإمام المهدي وإلا لأن الباحثين عن الحق من السلفيين لا يدركون أن الخصائص التي يطرحها مشايخ السلفية عن الإمام المهدي التي تعلمناها في المعاهد السلفية اليمنية وفى المعاهد السلفية السعودية من النموذج الفكري السلفي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري, و أصبحوا بحاجة إلى من يلفتهم إلى ذلك . ومن ثم ارجو من اخوانى السلفيين أن يتأملوا في خصائص الإمام المهدي المقررة في العقيدة السلفية باعتبارها فرع من ذلك الاصل, ولابد عليهم تملّي وتأمل تلك الخصائص فلا يتخطوها حتى لو كانوا ممن يعرفونها من قبل ؛ لأنها هذا الكتاب تمثل شيئاً آخر .. إنها تمثل كيف يهيمن النموذج الفكري السلفي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري على طالب العلم السلفي, حين يفسّر ويحلّل تلك الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي .. وفي الحقيقة بأنني لم اتمكن من فهم احاديث النبي في الإمام المهدي الا بعد أن تحررت من ذلك النموذج الفكري السلفي المرسوم عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري .

وضرورية لأن تجربتي مع ذلك النموذج الفكري السلفي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري اثبتت لي بأن ذلك النموذج الفكري قد جعلنا نتعامل مع ذلك الإمام العظيم بطريقة ذات طابع خاص متميز ومنفصل عن الجمع الكبير للإمة الإسلامية. وبالتالي فهو نموذج فكري في الوقت ذاته يعزلنا بشكل تدريجي ومتصاعد عن ساير المسلمين الذين لا ينتمون لهذا النموذج الفكري, ولقد جعلنا ذلك النموذج الفكري العلمي وفي السكن الداخلي لجامعة الملك سعود حينما كنت في معهد صنعاء نلعن الإمام محمد بن الحسن العسكري ونتبرأ منه مع أننا نعتقد بأنه اسطورة وخرافة من اختراع الجعفرية ولو وجود له في الواقع الخارجي المشهود ولا علقة له بالمهدي الموعود في آخ الزمان, وكذلك جعلنا ذلك النموذج الفكري نعتقد بأن

من يعتقد بمهدويته وغيبته وبوجوده في الواقع الخارجي المشهود فهو لا ينتمي إلى الأمة لإسلامية . لقد تم اختزال الأمة الإسلامية عندنا في قالب المعاهد السلفية اليمنية والمعاهد

ص: 422

السلفية السعودية, وجعلنا ذلك النموذج الفكري نشعر ونتحدث بذلك الشعور بأن من اتبع معاهدنا في نموذجها الفكري الخاص حول الإمام محمد بن الحسن العسكري فهو مسلم ومن خالفنا فيه فهو غير مسلم, وبهذا الشعور المستمد مباشرة من ذلك النموذج الفكري في ذلك الإمام العظيم تكيفت معاهدنا . تكيفت ذلك التكيف الخطير الذي حصرها في الدائرة الصغيرة لتلك المعاهد وفصلها عن الدائرة الكبيرة لهذه الأمة الإسلامية . فصارت لها رؤيتها الشاذة للإمام محمد بن الحسن العسكري التي سنذكرها كلما تقدم بنا البحث, خالفت في تلك الرؤية الأمة الإسلامية من أهل السنة ومن الاثني عشرية, وكانت أخطر ظاهرة منذ أن تشكّل نموذجنا الفكري عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري : ظاهرة السخرية والتحقير والتكبر والتعالي على كل من يعتقد أو كل من يقول من علماء الأمة الإسلامية بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري هو نفس الإمام المهدي الذي بشر به النبي في آخر الزمان ؛ حتى جعلنا ذلك النموذج الفكري نعيش في برج عاجي, ومن يخالفنا في هذا النموذج الفكري من الأمة الإسلامية يعيش في مكان آخر, واصبح من الصعوبة علينا التعايش والتسامح مع من يعتقد من علماء الأمة الإسلامية بأن الإمام محمد بن الحسن العسكري هو الإمام المهدي, بل اصبحنا نتصوّر بأن القول بأن الإمام المهدي هو الإمام محمد بن الحسن العسكري هي مؤمرة كبرى تحاك ضد الإسلام بل أن هذا النموذج الفكري هو الذي جعلنا نفسر احاديث النبي في الإمام المهدي تفسيراً بعيداً وغريباً عن معانيها اللغوية و غريباً عن منهج النصوص كما في علم أصول الفقه خوفا من أن تنطبق تلك الاحاديث النبوية على الإمام محمد بن الحسن العسكري الذي نحمل له الكراهية والعداء الشديدين.

وعلى أي حال فقد جاء هذا الكتاب الذي نقدمه اليوم ما يبين لهذه المعاهد السلفية اليمنية والمعاهد السلفية السعودية خطأ نموذجها الفكري الذي رسمته عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري, وينقذ هذه المعاهد العلمية السلفية من التأويلات المتعسفة والمزخرفة للاحاديث النبوية في الإمام المهدي المنبثقة من كراهيتها الشديدة للإمام محمد بن الحسن العسكري .

واريد هنا أن اشير بأنه لم يكن من الممكن لي في طفولتي التمييز بين البنية الداخلية للنموذج الفكري السلفي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري وهي مقولات ابن تيمية عن تلك الشخصية وبين عناصر وجذور تكوين ذلك النموذج الفكري السلفي عن تلك الشخصية في مخيلتي في المعهد وفي مدينة الرياض أي العناصر المرتبطة بحياتي الشخصية كدراستي مع أن هنالك فرق بينهما لأن بنية النموذج الفكري السلفي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري هي بنية قديمة ساكنة في كتب

ص: 423

ابن تيمية منذ قرون عديدة, أما عناصر تكوين ذلك النموذج الفكري السلفي في مخيلتي فهي استقرت في ذهني بسبب ظروفي الشخصية ودراستي في العاهد العلمية في صنعاء والرياض , ولابد من معرفة العلاقة بين الواحد والآخر

ونحن نكرر الشرح والتوضيح لأننا لا نبغي انشاء بحثاً غامضاً غائماً عن ذلك الإمام العظيم لا يستفيد منه إلا القليل, كما أننا لا نهدف من الكتابة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري مجرد المعرفة الباردة التي تستخدم الكلمات الغائمة .. إنما نحن نبتغي المعرفة الحارة بالإمام محمد بن الحسن العسكري .. ونبتغي الحركة من وراء المعرفة .. نبتغي أن تستحيل المعرفة به قوة دافعة لهداية غير المهتدين إلى ذلك الإمام العظيم, لأجل ذلك اسعى لطرح قصة هدايتي إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري لعلها تستنقذ بعض اقربائي وبعض اصدقائي التائهين. ومن ثم فطرح تجربتي الشخصية الفردية مع النموذج الفكري السلفي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري هو محاولة لدعوة البعض إلى إتباع الحق والحقيقة, ومحاولة لدعوة البعض إلى الاعتبار بتجربة أحد الضائعين .

000

وبناء على ما ذكرت فقد تعمدت أن اطلق في هذا الباب الخامس من هذا الكتاب لأول مرة في تاريخ الكتابة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري عند ذكر الفكرة السلفية عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري, مع علمي القطعي بأنه لم يطلق على تلك الفكرة السلفية عن تلك الشخصية ذلك المصطلح أحدٌ في كتاب آخر ؛ لأنني أريد من استخدامي لذلك المصطلح الخاص بهذا الكتاب أن يدرك بعض اقربائي واصدقائي من السلفيين المخلصين مدى هيمنة الفكرة السلفية المرسومة عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري على مخيلتهم و اذهانهم, وحتى يتضح لهم عمق سيطرت تلك الفكرة السلفية عن تلك الشخصية لابد لنا الآن من تعريف مصطلح النموذج الذي طالما تكرر في هذا الباب الخامس من هذا الكتاب في إطار هذه العبارة : { النموذج الفكري السلفي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري }. وقصدي ومرادي من هذا المصطلح : { هو رؤية تصورية أو خريطة معرفية تتكون في عقل الإنسان التي تقع له أو من اشخاص يلتقي بهم أو من الدراسات التي يقرؤها . ثم مع مرور الزمان يتصوّر الإنسان بأن العناصر و البذور و الجذور المختلفة التي تكون ذلك النموذج أو هذه الخريطة المعرفية أو تلك الصورة المتخيلة في ذهنه, تشاكل و تطابق وتساوي عناصر وبذور وجذور الواقع و تساوي الصورة الحقيقية الموجودة في الواقع, وتكون النتيجة أن

ص: 424

الإنسان يرصد الواقع و يفسره من خلال نموذجه الفكري المتخيل في ذهنه, ويحلّل الصورة الحقيقية الواقعية من خلال خريطته المعرفية و الصورة المتخيلة في ذهنه } .

وانا اعترف بأنني مصطلح نموذج في هذه العبارة : { النموذج الفكري السلفي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري } كان غائماً في ذهني مع أنني آمنت بذلك النموذج الفكري السلفي عن تلك الشخصية منذ طفولتي . وأنا اعتقد أن الطفولة مخزن لي ولكل زملائي لأنها الفترة التي نتلقى فيها صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري بتلقائية كاملة, وليس من خلال أدلة نقلية أو عقلية مقنعة, وتختلط تلك الصورة ذاكر في وجداننا .. وحملت هذه الصورة معي في طفولتي و أنا في شيبوبتي . إن تلك الصورة هي كل شيء عن ذلك الإمام العظيم بالنسبة لي إنها مثل الصورة الشمسية, ومن الطبيعي أن تكون تلك الصورة منتهى معرفتي عن ذلك الإمام ولا أشعر أني اتحدث جيداً عن هذا الإمام إلا عندما اتحدث عن صورته القديمة التي تحولت إلى جزء من كياني.. وتلك الصورة سكنت في ذاكرتي شغلت وجداني لسنوات طويلة فكان التأثير الواضح الذي تجلى في العديد من احاديثي و محاضراتي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري, وبالفعل قامت بيني وبين هذه الصورة علقة عضوية متينة وترابط كان له أثره وتأثيره, واعتقد أنه ما زال موجوداً حتى الآن لولا أننى احارب تلك الصورة القديمة بالصورة النبوية عن ذلك الإمام العظيم , فكثيرا ما تتحرك ذاكرتي إلى تلك الصورة وأعود إلى رابطة تلك الصورة بي وهو ترابط عضوي كل ذلك بسبب أن فترة الطفولة هي الفترة الأقوى و الأبقى في ذاكرتي لاسيما في محل دراستي الأولى في المعهد, فالانطباع الأول عن صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري يضل له بريقه ووهجه لو استسلم الإنسان لعواطفه ولم يستسلم للصورة النبوية عن ذلك الإمام العظيم .. ؛ لأن المراحل الأولى في حياة أي إنسان تكون أكثر المراحل تأثيراً في نفسه حتى لو كانت المراحل اللاحقة مراحل طويلة عايش فيها شخصيات أكثر واحتك بأناس أكثر, وأنا طفولتي ونشأتي كانت في المعهد العلمي السلفي .. ومن هنا وجدت صعوبة كبيرة من التحرر من صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري, لأنها تمثل لي أكثر من معنى عزيز تمثل لي الصبا, فليس غريباً أن اختار لتلك الصورة عن ذلك الإمام العظيم مصطلح النموذج .. وهو مصطلح يدل دلالة واضحة عن تأثير مرحلة الطفولة في حياة كل البشر, هنالك أناس من زملائي يحسبون أنهم يعرفون كل شيء عن الإمام محمد بن الحسن العسكري .. ولمّا شرحت لهم صورة أخرى جديدة عن هذا الإمام العظيم .. قالوا لي : انت لا تعرف إلّا القليل عن هذه الشخصية .. وانت مخدوع بالتصوير الجعفري عن تلك الشخصية .. وانا اعذرهم في اتهامي بذلك فلا يمكن لهم التنازل عن النموذج المرسوم في اذهانهم منذ مرحلة طفولتهم

ص: 425

عن ذلك الإمام العظيم, ومن النادر أن تجد انسان يخرج عن حدود التعاليم التي تلقاها في مرحلة طفولته . . وقد حامت صورة لهذا الإمام العظيم في مخيلات صبانا وشبابنا, بحيث لا يمكن أن يخطر لنا على بال أو يجري لنا في خاطر أن توجد صورة أخرى لذلك الإمام العظيم تخالف صورته التي عندنا ومشيت في طريقي مع زملائي حتى خيل لي أنها الصورة الوحيدة أمامي .. وكنت أظن أنه شخصية اسطورية .. وأن كل ما ذكر حول شخصيته فهي تقرأ للتسلية والضحك, وطبعاً يستقر في نفسك شيء ثم تنفصل عنه بعد ذلك أزمة كبرى بل يعد أخطر مرحلة في حياتك الفكرية . ومن هنا لابد من الرفق في التعامل مع الذين غرس في اذهانهم تلك الصورة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري حتى تحولت هذه الصورة إلى نموذج كامن في مخيلتهم .. من الصعوبة عليهم التحرر من هذا النموذج .

ولابد لي أن ابين مثالاً حتى يتضح للقارئ معنى مصطلح نموذج من تجربتي الشخصية عن كيفية سيطرة النموذج الفكري السلفي المرسوم عن تلك الشخصية على حياتي, لأن هذا الكتاب يحكي قصة معرفتي الحقيقية والواقعية للإمام محمد بن الحسن العسكري, فانا منذ آمنت بالنموذج الفكري السلفي المرسوم عن شخصية ذلك الإمام العظيم فصرت معتقداً به .. أي تحولت الفكرة السلفية المرسومة عن ذلك الإمام العظيم في ذهني ارجو من القارئ الكريم مراجعة تعريفي لمعنى مصطلح نموذج

إلى نموذج فتلك الصورة الموجودة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري في ذهني هي مجموعة من صفات وسمات وخصائص ذلك الإمام التي تحولت في ذهني ومخيلتي على شكل صورة شمسية متماسكة شنيعة وقبيحة تكونت في ذهني خلال دراستي في المعاهد السلفية اليمنية وفي المعاهد السلفية السعودية أو من خلال اشخاص التقيت بهم وحدثوني عن ذلك الإمام أو من خلال قراءتي لما كتبه السلفيون عن هذا الإمام, ثم تترسخ هذه الخريطة المعرفية والصورة المتخيّلة عن ذلك الإمام تدريجا في ذهني و وجداني ومخيلتي و وعيي و لا وعيي بحيث لا يمكنني أن أرى الواقع المشهود والحقيقي للإمام محمد بن الحسن العسكري إلا من خلال تلك الصورة القبيحة عنه المغروسة في ذهنى

ومن تجربتي مع ذلك الإمام العظيم يتبين للقارئ الكريم مرادنا من معنى مصطلح نموذج . وسوف يتضح معناه بصورة اتم في المباحث الآتية

والحاجة إلى جلاء مصطلح نموذج في هذه العبارة : { النموذج الفكري السلفي عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري } هي حاجة ضرورية لأن القارئ لن يدرك تجربتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا إذا أدرك مرادي من استخدام كلمة نموذج في هذا الكتاب

ص: 426

وأنا اعلم أن استخدامي لمصطلح نموذج سيقابل بالدهشة سواء من قبل اصدقائي السلفيين, أو من قبل المتعاطفين ولكني استخدمته وأنا على يقين جازم من خلال تجربتي مع فكرة السلفية عن هذا الإمام العظيم بأن فكرة السلفية عن هذا الإمام العظيم لا يمكن فصلها عن صفة النموذج, وعلى يقين بأنني لن اتمكن من نقل تجربتي مع الفكرة السلفية عن هذا الإمام العظيم إلى طالب العلم في المعاهد السلفية إلا من خلال وصف الفكرة السلفية عن الإمام محمد بن الحسن العسكري بصفة النموذج . ولقد تحدثنا قبل قليل عن بذور وجذور تكوين النموذج الفكري السلفي عن هذا الإمام العظيم في ذهني واعتقادي منذ طفولتي بذلك النموذج بما فيه الكفاية وبقي أن نتحدث كيف هيمن عليّ ذلك النموذج الكامن الخفي, والبنية التحتية لكل المطاعن والتشكيكات في شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري .

لقد كان والدي هو مؤسس اول معهد سلفي في قريتنا الصبار وهو الذي جعل من بيتنا مقرا الأحد المعاهد السلفية النسائية في مدينة صنعاء درسن وتخرجن كبار أخواتي وبعض صغارهن وفي هذه المعاهد السلفية النسائية حتى أن حفلة عرسي و سكني في الأسبوع الأول من زواجي كانا في ذلك المعهد السلفي .. وكذلك كان والدي عضوا رئيسيا في جمعية الإصلاح السلفية وكذلك كان في بداية هجرتي إلى قم عرض علي كل الامكانات المالية كأن يجعلني سفيراً دوبلماسيا في أحد الدول إذا تركت مدينة قم وعارضني في البداية بشدة حين اقترحت له هجرة بعض اخواني إلى قم .. ثم وافق بعد أن شرط علي دراستهم في طهران في مجالات علمية لا دينية .. كانت كل تلك الأجواء و الظروف ذات أثر حاسم في تكوين فكرتي السلفية عن الإمام محمد بن الحسن العسكري حتى صارت هذه الفكرة هي النموذج المهيمن عليّ, ومما زاد في هيمنته أنني كنت لا أعرف إلا النموذج السلفي عن ذلك الإمام العظيم, فلم يكن قد دخل على حياتي الفكرية فكرة أخرى عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري حتى أقوم بالمقارنة بين فكرتين مختلفتين عن شخصية ذلك الإمام واكتشف بعض الخلل في النموذج الذي اتبناه, كما أنني حينما كنت اقرأ عن موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري في المعهد والجامعة لم اكن أدرك بنية ذلك الموضوع أي النموذج الكامن في موضوع هذا الإمام العظيم , وعلى أية حال فلو كنت في فترة دراستي في معهد صنعاء العلمي قرأت كتباً حول الإمام محمد بن الحسن العسكري حسب الفكرة الاثني عشرية لما انجذبت إلى تلك الشخصية العظيمة في تلك الفترة, والسبب يعود إلى أن النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري كان متمكناً من وجداني وكامناً في كياني ولا يسمح لي أن أدرك رؤية أخرى عن

ص: 427

هذا الإمام العظيم غير الرؤية السلفية عنه . كما أن الدراسة في المعهد كانت بطريقة تجعل الطالب يتصوّر بأن اتباع المذاهب الإسلامية الأخرى, كأنهم كلهم من أتباع النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري .

إن تحول الفكرة السلفية عن الإمام محمد بن الحسن العسكري بالنسبة لي إلى نموذج كامن اخلي وبنية تحتية مغروسة في مخيلتي جعلني أكون متلقياً سلبياً لكل الصفات والمطاعن والتهم التي نوجهها للإمام محمد بن الحسن العسكري في الفكر السلفي من دون علمي في انبثاق وتولد تلك الصفات والمطاعن والتهم من ذلك النموذج السلفي المهيمن على مخيلتي وجعلني من المنمطين والمدجنين والمسلمين لتلك الصفات من دون علمي كذلك بكمون ذلك النموذج السلفي في بنية كل الصفات والمطاعن التي نصف بها الإمام محمد بن الحسن العسكري

لا زلت أتذكر بقوة ذلك النموذج السلفي في التصوير الذي رسم لي عن صورة شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري و دور هذا النموذج في طبع الصورة الذهنية للإمام محمد بن الحسن العسكري في جهازي الفكري .. ويمكنني أن اقول : إن صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري المغروسة في جهازي الفكري و المنبثقة من النموذج السلفي تتصف بصفتين رئيسيتين وهما صفتان اساسيتان للنموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري كما اكتشفت في مرحلة متأخرة سرت هاتان الصفتان للإمام محمد بن الحسن العسكري من النموذج السلفي إلى جهازي الفكري : كنت غارقا في الطريقة الجزئياتية والإرشيفية في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري, وكنت حريصا على معرفة الكثير من الجزئيات المرتبطة بهذا الإمام العظيم .. لا أسمع عن كتاب جديد في المكتبة السلفية حول الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا واقرأ ما فيه من جزئيات حياة هذا الإمام العظيم ثم كنت كذلك اقرأ كل كتاب صدر عن الإمام المهدي و قرأ كل الاحاديث النبوية الواردة في وصف جزئيات شخصية الإمام المهدي, من دون أن احاول الوصول إلى رؤية كلية عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري, ومن دون محاولة كذلك إلى الوصول إلى تكوين رؤية كلية عن شخصية الإمام المهدي .. رؤية مترابطة تمام الترابط تربط بين تلك الجزئيات المتناثرة حول شخصية الإمام المهدي وتربط بين الاحاديث النبوية المتفرقة حول هذه الشخصية . وهذه الطريقة الجزئياتية و الإرشيفية في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. جعلتني لا أدرك ما بين هذه الجزئيات و الصفات التي نذكرها حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري من تضارب و تناقض .. وكذلك تلك الطريقة الجزئياتية و الإرشيفية في معرفة الإمام المهدي ومعرفة الاحاديث النبوية حوله .. جعلتني لا أدرك ما بين هذه الجزئيات

ص: 428

والصفات التي نذكرها حول شخصية الإمام المهدي و ما بين الاحاديث المنسوبة للنبي حول هذه الشخصية من تضارب وتناقض وتعارض

وحقيقة أقولها : بأن هذه الصفة ليست خاصة بي حينما كنت ابحث عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري أو ابحث عن شخصية الإمام المهدي, بل بأن كل انسان يتبنى النموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري أو حول الإمام المهدي لابد أن يتصف بهذه الصفة, وهي أخطر صفة في هذا النموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري أو حول الإمام المهدي سرت الي, و هذه الصفة لم اكتشفها إلا بعد أن تركت ذلك النموذج وهذه الصفة بمثابة حيوان مفترس كان ينهش جهازي الفكري ويجعله لا يدرك حقيقة شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري ولا حقيقة شخصية الإمام المهدي نحن في العقيدة السلفية نميّز بين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين صورة الإمام المهدي ونرى هنالك فرق كبير وشاسع بين الصورتين ؛ لأن هذه الصفة جعلتني استغرق كل وقتي في رغبة عارمة أن اقرأ الاحاديث النبوية المتناثرة حول الإمام المهدي, واقرأ أكبر قدر ممكن من الجزئيات و التفاصيل حول شخصية الإمام المهدي,هكذا اقرأ التفاصيل و الجزئيات حول الإمام محمد بن الحسن العسكري من دون أن ارغب أن تكون لي منظومة متناسقة ومترابطة ونظرية متوازنة ومتعادلة حول شخصية الإمام المهدي أو حول شخصية

الإمام محمد بن الحسن العسكري ومن دون أن يكون لي إطار يربط بين تلك الجزئيات والاحاديث والتفاصيل الواردة حول الإمام المهدي, ومن دون أن يكون لي رابط يربط بين التفاصيل و الجزئيات الواردة في ترجمة شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري أو من دون أن اتعامل مع تلك الجزئيات والتفاصيل والاحاديث النبوية حول الإمام المهدي بنوع من العمق و الدقة, , ومن دون أن اتعامل مع تلك الجزئيات و التفاصيل حول الإمام محمد بن الحسن العسكري بنوع من العمق والدقة, لقد تحولتا شخصيتا الإمام محمد بن الحسن العسكري و الإمام المهدي في عقلي إلى بانوراما متسعتان في غاية الاتساع تحتويان على تفاصيل وجزئيات وتفاصيل دقيقة في غاية الدقة واحاديث نبوية متناثرة من دون منظومة أو نظرية تربط بينها ومن دون أن أدرك وجود علاقة بين هاتين الشخصيتين لأن هذا الحيون المفترس الجزئياتي والإرشيفي جعلني لا اربط بين هاتين الشخصيتين حتى أدرك أن الإمام محمد بن الحسن العسكري هو نفس الإمام المهدي وكان مع الأسف الشديد هذا الحيوان المفترس الجزئياتي قد هجم عليّ منذ صباي في حلقات العلم السلفية , فنحن في تلك الحلقات نرغب في تتبع جزئيات و تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري في الكتب القديمة و الحديثة, وكذلك نرغب أن نقرأ احاديث النبي في الإمام المهدي في كتب الحديث رواية رواية ولست اريد التقليل من أهمية قرأة احاديث النبي في

ص: 429

المهدي رواية رواية ولا التقليل من تتبع جزئيات وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري في الكتب القديمة و الحديثة, ولكنني أريد أن أقول بأن استغراقنا في الجزئيات والتفاصيل وفي دراسة احاديث المهدي رواية رواية و استغراقنا في تتبع جزئيات و تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري في الكتب القديمة والحديثة شغلنا عن التأمل والتفكر والتعقل في تلك الاحاديث النبوية في الإمام المهدي و التأمل والتفكر في الجزئيات و التفاصيل المتعلقة بترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري في الكتب القديمة و الحديثة .. لأجل الخروج بمنظومة متكاملة تربط بين تلك الجزئيات المتناثرة وبين تلك الاحاديث النبوية المتفرقة ومن أجل الخروج بمنظوم متكاملة تربط بين جزئیات و تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري في الكتب القديمة والحديثة حتى نتمكن من معرفة الاتحاد والاندماج بين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري و بين صورة الإمام المهدي واذكر أننى في تلك الايام كنت اعتبر العالم بحقيقة الإمام المهدي هو من يحفظ اكثر من غيره احاديث النبي في الإمام المهدي من دون أن اسأل هل هو يعي ويدرك ما يقرأ ويمتلك القدرة على حل الجزئيات والاحاديث المتعارضة حول الإمام المهدي , وهذه النزعة الجزئياتية المفترسة هي صفة ذاتية واساسية في النموذج السلفي حول الإمام المهدي وحول الإمام محمد بن الحسن العسكري . لم اكن ادرك أن هذه الصفة مغروسة في وجداني وعقلي بسبب ايماني واعتقادي بالنموذج الفكري السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري .. إلا أن هنالك اسباب عديدة ساعدتني أن ادرك بأنها صفة خاصة بذلك النموذج انتقلت الي وحين تركت هذا النموذج قمت بنظرة فاحصة لكل أصدقائي ومشايخي وتلاميذي واستيقنت بأن ذلك الحيوان المفترس المعتمد على الطريقة الجزئياتية والارشيفية في البحث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري و في البحث عن الإمام المهدي قد صرعهم جميعاً أمام ناظري ومات بعضهم دون أن يكتشف خطورة هذه الصفة المهيمنة عليه حين يريد البحث عن الإمام المهدي أو عن الإمام محمد بن الحسن العسكري. ولعل الشيخ المحدّث الكبير محمد ناصر الدين الألباني مثل فريد على هيمنة تلك الصفة على مشايخ السلفية .. كان الالباني يعرف كل الجزئيات والتفاصيل و الاحاديث النبوية في الإمام المهدي رواية رواية, ولكن حينما تجمع كل تعليقاته حول تلك الاحاديث تعرف أنه غرق بالنظرة الجزئية في كل حديث في المهدي دون أن يبذل جهداً في ايجاد الرابط بين كل تلك الاحاديث للخروج بصورة واضحة ومترابطة ومتكاملة ومتناسقة عن شخصية الإمام المهدي, ودون أن يحل إشكالية التعارض بين بعض تلك الاحاديث .. وكذلك ولعل الشيخ بن باز مثل آخر فريد على هيمنة تلك الصفة على مشايخ السلفية .. كان الشيخ بن باز - رضوان الله عليه – يعرف كل الجزئيات والتفاصيل التاريخية في الإمام محمد بن الحسن العسكري جزئية جزئية, ولكن

ص: 430

حينما تجمع كل تعليقاته حول تلك الجزئيات و التفاصيل حول تعرف أنه غرق بالنظرة الجزئية في كل قضية مرتبطة بالإمام محمد بن الحسن العسكري دون أن يبذل جهداً في ايجاد الرابط بين كل تلك الجزئيات والتفاصيل التاريخية للخروج بصورة واضحة ومترابطة ومتكاملة ومتناسقة عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري و دون أن يدرك بأن شخصية الإمام المهدي هي نفس و ذات شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري هو شأن شيخي محمد بن اسماعيل العمراني وشيخى عبد العزيز بن باز مفتي السعودية في طريقة تعاملهم مع الجزئيات والاحاديث النبوية في الإمام المهدي وفي طريقة تعاملهم مع جزئيات و تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. فصفة النزعة الجزئياتية هي صفة موجودة في كل من يؤمن بالنموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري ولست أبتغي أن انتقص من قدر الالباني والعمراني وبن باز .. إنما اريد فقط التنبيه إلى أن استغراقهم في الجزئيات المرتبطة بالإمام المهدي و بالإمام محمد بن الحسن العسكري, والحماسة العارمة عندهم إلى الإلمام بالتفاصيل حول هذين الإمامين, قد تنشئ انحرافا في فهم الجزئيات وفي فهم بعض الاحاديث الخاصة بالإمام المهدي وفي فهم تفاصیل و جزئیات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. وأن الأولى في منهج البحث

هو عرض الجزئيات والتفاصيل والاحاديث حول الإمام المهدي, وعرض تفاصيل و جزئیات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري في تكاملها الشامل وفي تناسقها وترابطها .

والحقيقة أنه استمر النموذج السلفي الجزئياتي الارشيفي في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري وفي معرفة الإمام المهدي متربصاً بي منذ أن كنت في معهد صنعاء, وازداد قليلاً في المملكة العربية السعودية حين كنت في مدينة الرياض إذا اردت أن ابحث عن موضوع الإمام المهدي أو عن موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري حين كانا يثار موضوعهما في معهدنا وجامعتنا, كان هذا الحيوان المفترس الجزئياتي مهيمنا عليّ, لم اكن ادرك مخاطر ذلك الحيوان المفترس .. ومن هنا نجح هذا الحيوان المفترس في إفشال بحوثي عن موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري وبحوثي عن موضوع الإمام المهدي, فالنزعة الجزئياتية الارشيفية هي التي جعلتني لا إدراك حقيقة الإمام المهدي ولا حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. وكذلك لا أدرك بأن الإمام المهدي هو نفس الإمام محمد بن الحسن العسكري لقد تعلمت من تجربتي مع النموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري وحول الإمام المهدي أن التحليق البانورامي الجزئياتي الإرشيفي عند البحث عن الاحاديث النبوية في الإمام المهدي و عند البحث في تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري كان دائما وما زال إلى اليوم سبب فشل مشايخ السلفية في ادراك العلاقة

ص: 431

الموجودة بين تلك الاحاديث النبوية حول الإمام المهدي وبين الإمام محمد بن الحسن العسكري

وهنالك حقيقة منبثقة من تجربتي مع هذا النموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري : هي أن هناك تلازما وثيقا بين طبيعة ذلك النموذج السلفي الجزئياتي والإرشيفي في البحث عن الاحاديث النبوية في الإمام المهدي وفي البحث عن تفاصيل و جزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين البساطة والسذاجة والإختزالية في درك تلك الاحاديث النبوية في الإمام المهدي وفي درك تفاصيل و جزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري.. تلازماً لا ينفصل .. بل أن هناك ما هو أكثر من التلازم .. هناك الإنبثاق الذاتي .. فالبساطة والسذاجة والإختزالية في إدراك احاديث النبي في الإمام المهدي وفي درك تفاصيل و جزئیات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري هو فرع النموذج السلفي الجزئياتي الإرشيفي في طريقة البحث عن تلك الاحاديث النبوية و النموذج السلفي الجزئياتي الإرشيفي في طريقة البحث عن تلك التفاصيل والجزئيات حول ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري . واذا عاش طالب العلم في معاهدنا السلفية فترة يسير على ذلك النموذج [ المنهج ] التحليلي السلفي الإرشيفي الجزئياتي في البحث عن احاديث

النبي في الإمام المهدي وفي البحث عن تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري وقع في الانحراف في فهم احاديث النبي في الإمام المهدي وفي فهم تفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لأن البساطة والسذاجة والإختزالية تبعده عن إدراك تلك الاحاديث النبوية و تلك التفاصيل في ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري بعمق ودقة لأجل ذلك لم ادرك موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري وموضوع الإمام المهدي إلا بعد إحساسي المتزايد بضرورة تبني نموذج [منهج] تحليلي مركب متعدد الأبعاد

والمستويات.. ودراسة احاديث النبي في الإمام المهدي وتفاصيل ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري من خلال هذا النموذج [المنهج] التحليلي المركب,, ولكن ذلك لم يتم إلا بعد أن غادرت النموذج التحليلي السلفي الجزئياتي الإرشيفي, حينئذ بدأت أفهم موضوع الإمام محمد بن الحسن العسكري وموضوع الإمام المهدي وارتباط الاحاديث النبوية في الإمام المهدي بشخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري

وأريد في نهاية هذا البحث أن يلتفت طالب العلم في معاهدنا السلفية إلى قرينة من القرائن الهامة التي تدل على ولادة المهدي الإمام محمد بن حسن العسكري ، وأريد أن يعلم طالب العلم في معاهدنا بأنَّ رحلتي مع ركب سفينة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .. كان بداية لفهم جديد للفرق بين نظرة أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام للإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري و بين نظرة أهل الشرك من

ص: 432

6

أصحاب أبي الخطاب للإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وكان ذلك بداية لفهم جديد لركب الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنّنا في المعاهد السلفية كنا ننكر ولادته ونحن في الطريق نحتاج في طول الطريق إلى معرفة الفرق بين الثقاقة المهدوية المجوسية عند مشايخ الخطابية في القرن العشرين التي معناها التخلّي عن القرآن الكريم ، والتخلي عن إقامة الدولة الإسلامية القرآنية إلى أن يخرج المهدي محمد بن الحسن العسكري والتخلّي عن البيعة لقائدٍ قرآني تقي عادل وبين الثقافة المهدوية القرآنية عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي تجعل قضية الإيمان بالمهدي محمد بن الحسن العسكري كقضية الإيمان بكل المسائل الغيبية ، مثل الإيمان بوجود عالم الجن ، والإيمان بوجود عالم الملائكة ، والإيمان بحاة عيسى بن مريم وخروجه آخر الزمان مع الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وبالتالي

الإيمان بالقضايا الغيبية لا يعني تعطيل القرآن الكريم ، ولا يعني عدم البيعة لقائد القرآني المعاصر الحاضر غير القائد المهدي محمد بن الحسن العسكري الغائب ، فالإيمان بالقائد الغائب المهدي محمد بن الحسن العسكري لا يغني عن الإيمان بالقائد المعاصر الحاضر ، بل نحن نؤمن بقضية المهدي محمد بن الحسن العسكري كقضيةٍ من القضايا الغيبية مثل قضية الإيمان بالملائكة وقضية الإيمان بحياة عيسى بن مريم أمتثالاً للثقافة القرآنية التي جعلت الصفة الكبرى والأساسية للذين آمنوا هي صفة الإيمان بالغيب " الم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب " .

ونحن نسأل طالب العلم في معاهدنا السلفية .. هل كانت معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض على حق حين حكمت بعدم ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ؟

ونحن نقلّد في معاهدنا الإمام ابن تيمية في إنكاره لولادة محمد بن الحسن العسكري وقوله بأنّ الإمام العسكري مات بلا عقب:

وأنني لأعجب من معاهدنا العلمية السلفية لماذا تقلد الإمام ابن تيمية في قضية تعد من أهم القضايا الكبرى اللتي أهتم بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأهل البيت وأصحاب رسول الله وكل علماء الإسلام في جميع المذاهب والفرق الإسلامية ؟!!

إن قضية ولادة الإمام المهدي محمد بن الحس العسكري طرحت في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض بشكل شنيع وسخيف ومريب .

ص: 433

ومن أجل أن يدرك طالب العلم السلفي في معاهدنا العلمية السلفية بأنّنا في معاهدنا لا تبيّن لنا حقيقة ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري كما هي في الواقع سوف أذكر عبارة تكشف لنا ذلك وتعبر عن طريقة تعاملنا مع هذه الحقيقة الكبرى :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة بأن مات الحسن العسكري مات من دون أن يخلّف ولداً ، ونحن في معاهدنا لا لوم علينا ؛ لأن طريقة معاهدنا العلمية السلفية في السعودية واليمن .. ومنهج معاهدنا العلمية السلفية في السعودية واليمن تقلد مقولات ابن تيمية حول المهدي ، ومن هنا نجد معاهدنا العلمية السلفية ترى بأن قضية ولادة الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري تعتبر من آثار العناصر الأجنبية المجوسية الموجودة في التشيّع ، وتَرَى معاهدنا بأنّ الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري لا حقيقة له ، ولا وجود لشخصه ، وأنّ الحسن العسكري - الإمام الحادي عشر - توفي ولم يكن له ولد ، وقد نظروا في نسائه وجواريه فلم يجدوا واحدة منهن حاملاً أو ذات ولد

وهكذا هنالك إعتقاد يقيني لدي معاهدنا العلمية على إنكار ولادة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري والقول بأنّ الحسن العسكري - الإمام الحادي عشر – مات بلا عقب

بعد أن هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية قمت بدراسة كتب التاريخ وكتب الأنساب متجاهلاً عقيدتي المسبقة بأنّ الحسن العسكري – الإمام الحادي عشر مات سنة 260 هجرية ، ولم يعرف له خلف ، ولم يُرَ له ولد ، باحثا عن النصوص التاريخية حول ولادة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ومعطيات كتب الأنساب .. فأدركت إدراكاً يقينياً بأن الحسن العسكري - الإمام الحادي عشر - توفي وكان له ولد ، وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، ولا صحة للقول بأنّ الحسن العسكري – الإمام الحادي عشر - مات بلا عقب ، ومقولة معاهدنا العلمية السلفيه في إنكار ولادته قابلة للنقد من وجهة نظر التاريخ .

وعندما أكملت البحث عن ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كتب التاريخ وكتب الأنساب و وصلت إلى دليل قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن معاهدنا العلمية السلفية أنكرت حقيقة مسلّمة تاريخياً و وقعت في خطأ تاريخي ، وقد أثار هذا الأمر دهشتي العميقة فلم أكن أعتقد

ص: 434

بإمكان أكتشاف عدد كبير من المؤرخين والمحدثين والنسابين على إختلاف مذاهبهم وفرقهم وتنوعهم كلّهم يرون بأن ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري حقيقة تاريخية يقينية ، وبالتالي فالعصبية الطائفية هي المسئولة عن إنكار معاهدنا العلمية السلفية لهذه الحقيقة التاريخية المتسالم عليها بين كبار المؤرخين المسلمين

وأنا لا أتهم زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية في الرياض وصنعاء بالكذب ، لكنّ في اعتقادي هنالك عامل مهم جعلهم ينكرون ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وهو أنّ الدراسة في معاهدنا لا تمكّن طالب العلم من معرفة التاريخ بشكل عام ، لأجل ذلك من الطبيعي أن يجهل طالب العلم تاريخ ولادة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري .

إن قول معاهدنا العلمية السلفية بأن المهدي ابن العسكري لم يولد قط ، ولم يرد ما يثبت ذلك في التاريخ . هي . هي مسألة تاريخية يبحث عنها في أقوال المؤرخين فهم الحكم الفصل في إثبات ولادته أو نفيها ، ولا يصح لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يحكم حكماً مخالفاً لأقوالهم

وقد تواترت أقوال ونصوص المؤرخين بأنّ الحسن العسكري - الإمام الحادي عشر – توفي وكان له ولد ، وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري !

إن القرآن الكريم علمني أن اسلّم للحقيقة أني وجدتها ، وكنتُ اظن أننا في المعاهد العلمية السلفية نحمل الثقافة القرآنية ، ولم اكن أظن أن معاهدنا سوف تدفعهم العصبية المذهبية الجاهلية ، إلى مخالفة الثقافة القرآنية وإنكار حقيقة ولادة الإمام محمد بن الحس العسكري ؛ لأنّ من يحمل ثقافة القرآن لا ينكر حقيقة تاريخية يقينية

وقد قرأت في القرآن الكريم قصة عيسى بن مريم وتبين لي بأدلة يقينية بأنّ الله ذكر قصة عیسی بن مريم في القرآن الكريم حتى يتم التمهيد لنا لنفهم قصة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ؛ لأجل ذلك نجد إجماع كل الفرق والمذاهب الإسلامية بأن ظهور المهدي يلازم ظهور عيسى بن مريم ، وإجماعهم بأن عيسى بن مريم سوف يصلي خلف المهدي لأترك طالب العلم في معاهدنا السلفية الذي يحمل الثقافة القرآنية يبحث عن المشتركات الكثيرة بين عيسى بن مريم والمهدي محمد بن الحسن العسكري حتى يدرك بأنّه كما أنّ غيبة عيسى

ص: 435

بن مريم وقعت بطريقة لا يعلمها إلّا الله - جل ثناؤه كذلك غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري تمت بطريقة لا يعلم كيفيتها إلّا الله ، والمدهش في الأمر أنّنا وجدنا بأنّ غيبة عیسی بن مریم وقعت حين كانت عيون الظلمة تبحث عنه ، وكذلك الأمر في الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وقعت غيبته حينما كان الظلمة يبحثون عنه .

إنّ القشرة رقيقة جدا بين عيسى بن مريم والإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري

والغريب أنّ معاهدنا العلمية السلفية غاب عنها البحث عن المشتركات بين عيسى والمهدي ولا أدري لماذا غفلت معاهدنا السلفية عن البحث عن الحكمة الألهية في الإقتران بين عيسى والمهدي ؟

ومن أهم نقاط التشابة بين عيسى بن مريم وبين المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري هو أنّ الإيمان بعيسى بن مريم وبحياته ووجوده وظهوره في آخر الزمان لا يتنافى مع إقامة الدولة القرآنية والبيعة لقائدٍ عادل تقي يحكم بالعدل ، وكذلك الأمر الإيمان بالإمام محمد بن حس العسكري وبحياته ووجوده وظهوره في آخر الزمان لا يتنافى مع إقامة الدولة القرآنية والبيعة لقائدٍ عادل تقي يحكم بالعدل ، وهنالك فرق جوهري بين قضية القيادة الإسلامية التي تقود الدولة القرآنية من جهة وبين قضية عيسى بن مريم والمهدي محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام - من جهة أخرى ؛ لأنّ قضية غيبة عيسى بن مريم وقضية غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري هي من القضايا التي تدخل في عالم الغيب مثل قضية عالم البرزخ ومثل قضية يوم القيامة أمّا قضية وجود القائد التقي العادل الذي يقيم الدولة القرآنية هي من القضايا التي تدخل في عالم الشهادة ، وبالتالي لا ينبغي لطالب العلم أن يخلط بين عالم الغيب وعالم الشهادة ، فقضية غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري وقضية غيبة عيسى بن مريم عليهما السلام - تمت غيبتهما بكيفية غيبية فلا يعلم

كيفية غيبة عيسى بن مريم إلا الله ، ولا يعلم كيفية غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري إلا الله ، وغيبتهما ترتبط بعالم الغيب لا بعالم الشهادة ، في حين وجود قيادة قرآنية تقود الدولة القرآنية في عصرنا ترتبط بعالم الشهادة لا بعالم الغيب ؛ لأجل ذلك نجد أنّ أئمة أهل البيت أكدوا على أنّ قضية الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وغيبته من قضايا

ص: 436

عالم الغيب ، وكان الإمام محمد الباقر - والد الإمام جعفر الصادق علیه السلام - يقول : " من الإيمان بالغيب أن يؤمن المؤمن بالبعث ، ويؤمن بقيام القائم المهدي [ محمد بن الحسن العسكري ] " [ كتاب تأويل الآيات الظاهرة الباهرة في فضائل العترة الطاهرة للشيخ علي الحسيني الغروي النجفي : 33 ] ، فنجد أنّ الإمام الباقر وكلّ أئمة أهل البيت جعلوا قضية الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وغيبته من طراز قضية يوم القيامة والبعث ، ومن أمور عالم الغيب ، لا من أمور عالم الشهادة ، في حين إختيار القائد القرآني السياسي الذي يقود الدولة القرآنية في عصرنا يدخل في مجال أمور السياسة القرآنية ، فهو من عالم الشهادة

ونحن في المعاهد العلمية السلفية في الرياض وفي صنعاء لا يمكن لنا أن نفهم قضية غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري مالم نفهم قضية غيبة عيسى بن مريم ؛ لأجل ذلك قرن رسول الله بين ظهور المهدي محمد بن الحسن العسكري وبين ظهور عیسی بن مریم ، وأخبرنا رسول الله – ص – بأن عيسى بن مريم سوف يصلي في آخر الزمان خلف المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وأنا من خلال تجربتي مع السلفية لم أدرك حقيقة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري إلا بعد أن أدركت حقيقة غيبة عيسى بن مريم ، وكذلك لم أدرك حقيقة المهدي محمد بن الحسن العسكري إلا بعد أن عرفت أن قضية غيبته تدخل في العالم الغيبي ، ولابد لطالب العلم في معاهدنا السلفية أن يفهم في البداية لماذا يصر أهل البيت بأنّ قضية غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري مثل قضية يوم القيامة ، يعني لماذا يصر أهل البيت أن قضية غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري قضية ترتبط بالغيب والعالم الغيبي ، ونحن في معاهدنا السلفية لم نفهم قضية غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنّنا لم نكن نلتفت بأن غيبته من عالم الغيب مثل قضية عالم البرزخ تماماً وليست من عالم الشهادة

ومن هنا فالتشابه بين عيسى بن مريم والمهدي محمد بن الحسن العسكري في القرآن الكريم وفي السنة النبوية كان مقصوداً . ورسول الله - ص - يريد يبين لنا من خلال التشابه بينهما بأنه كما أنّ الإيمان بحياة عيسى بن مريم لا يلزم منه تعطيل القرآن الكريم ، كذلك الإيمان بحياة الإمام محمد بن الحس العسكري لا يلزم منه تعطيل القرآن الكريم ؛ لأنّ عيسى بن مريم والمهدي محمد بن الحسن العسكري سوف يكون لهما دورهما عند ظهورهما ، وبالتالي علينا

ص: 437

نقيم بدورنا المرسوم لنا في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ، ولا نعطّل دورنا بحجة إنتظار ظهور عيسى بن مريم أو بحجة إنتظار ظهور المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وكما أنّ غيبة عيسى بن مريم لم يمنع من ظهور رسول الله - ص - ، كذلك غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري لم يمنع ظهور المجددين والمصلحين الذين يقيمون دولة القرآن الكريم ويقفون أمام خصوم الإسلام والمسلمين

وينبغي أن نزيد قضية المشابهة بن عيسى بن مريم والمهدي محمد بن الحسن العسكري وضوحاً من خلال التأمل بأنّنا في القرن العشرين لما طغت المادية ظهر في هذا العصر من يشكك في بقاء عيسى بن مريم وفي بقاء المهدي محمد بن الحسن العسكري على قيد الحياة تلك الفترة الطويلة ، وإذا كنا وجدنا قبل القرن العشرين لم يكن هنالك خلاف يستحق الذكر بين علماء الإسلام من أهل السنة ومن الشيعة في رفع عيسى بن مريم حيّا إلى السماء ، ومتداد حياته إلى عصرنا ، بل إلى أن ظهوره في آخر الزمان مع الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وكلّ طلاب العلم في معاهدنا السلفية على علم بما نقله أبو حيان الأندلسي عن ابن عطية الغرناطي الأندلسي في تفسيره بأنّه قال : " وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أنّ عيسى في السماء حي ، وأنّه ينزل في آخر الزمان " [ تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي : 2-173] . ، وقال العلامة السفاريني الحنبلي : " قد أجمعت الأُمة على نزول عيسى بن مريم ، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة ، وإنّما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه " [ كتاب لوامع الأنوار البهية ] ، وقال الشيخ الإمام لطف الله الصافي : " ولا ريب أن الأصل في هذا الاتفاق والإجماع وإرسال جميع أكابر محدثي أهل السنة ومفسريهم حياة عيسى ونزوله في آخر الزمان إرسال المسلّمات ، هو الكتاب والسنة المتواترة التي لا مجال لإنكار تواترها المعنوي، فصار هذا عقيدة للمسلمين ، أخذها الخلف عن السلف من زماننا إلى عصر الرسالة

ومع أنّه قد وقع أخيراً مورد التشكيك في حياة عيسى من بعض كتاب العصر الحديث ، وتلامذة مدرسة الشيخ محمد عبده المصري ، أُولئك الذين لا يؤمنون بالمعجزات

الكونية ، أو يخفون عقيدتهم بها وحاولوا تأويلها بتعليلها واستنادها إلى العلل المادية ، أو حملها على قضايا رمزية حذراً من أن تقع مورد استبعاد أفكار من لا يؤمن بالله وبعالم الغيب

ص: 438

، وخوفاً أن يتجه الشباب المؤمن إلى طريقة الملحدين ، لا سيّما أنّ بعض الشباب يميل إلى طريقة الملحدين ويؤمن بكلمات الملحدين ، فأنكر هؤلاء المتسمُّون بأهل الثقافة الحديثة الخوارق ، مثل : رفع عيسى حيا ، وامتداد حياته ، كما أنكر بعض المسلمين المؤمنين بعض المعجزات العظيمة الهائلة ، بعض المعجزات الهائلة ، خوفاً من ردّ هذه المعجزات من جانب الملحدين من أصحاب الفكر المادي الحسي ، أو ميلاً منهم إلى آراء الفكر المادي الإلحادي ولا يخفى عليك أن قضية الإيمان بالله - تعالى - هي أهم من قضية تلك الخوارق والمعجزات التي لا توافق السنن الطبيعية العادية ، إذا فما نستفيد من تأويل المعجزات ، وصرف النصوص المتواترة عن مداليلها المعلومة المقبولة لدى المؤمنين بالله وبقدرته تعالى إلى معان أخر ليقبلها أو لا يستبعدها من لا يؤمن بقدرة الله - تعالى - ولا يؤمن بخرق العادات الطبيعية ؟ ولكن بعض المسلمين المتأثرين بالفكر المادي الإلحادي يصرون على إنكار الأمور غير العادية فجاءوا في التفسير والأمور الثابتة بالسنة امتواترة بآراء حديثة تنفي أو تضعف الإيمان باستناد المعجزات إلى الله تعالى ، وأنّه على كلِّ شيءٍ قدير أجل قد وقع رفع عيسى وحياته إلى اليوم ونزوله مرداً لتشكيك هؤلاء المتأثرين بالثقافة الغربية المادية الإلحادية ، وقد سبقهم في ذلك الشخ محمد عبده المصري على ما نقل عنه رشيد رضا في كتابه ( تفسير المنار ) ثم أخذ ذلك منه غيره من الأزهريين كمحمد فهيم أبو

عيبة ، وغيره ، وقد ردّ على محمد عبده المصري وتلامذته جماعة من أكابر علماء أهل السنة ، فأظهروا غيرتهم على القرآن والسنة ، مثل الأستاذ محمد علي حسين البكري في رسالة سمّاها " صواعق الملكوت على أباطيل الأستاذ شلتوت " ، والشيخ محمد زاهد الكوثري في رسالة سمّاها : ( نظرة عابرة ) ، والصديق الغماري في : كتاب ( عقيد أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام ) ، والكشميري في : كتاب ) عقيدة الإسلام في حياة عيسى عليه السلام ) وغيرهم .

وممّن ردَّ على الشيخ شلتوت الشيخ مصطفى الصبري شيخ الإسلام للدولة العثمانية في كتابه : ( موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين وعبادة المرسلين ) ، ولا بأس بنقل كلامه بطوله إيضاحاً للموضوع ، قال : " ومما يجدر بالذكر هنا أنّه نشرت مجلة الرسالة في عددها

ص: 439

(462) مقالة للشيخ محمود شلتوت ... يجيب على سؤال ورد إلى مشيخة الأزهر عن مسألة رفع عیسی بن مريم من قبل عبد الكريم خان ... ولعل السائل كان من الهنود الذين ينتمون الى الفرقة الضالة القاديانية التي تنكر بأنّ عيسى بن مريم رفع إلى السماء وتنكر بقاء عيسى بن مريم على قيد الحياة إلى هذا العصر ، وتجزم بموته ؛ لأجل ذلاك أراد السائل الهندي القادياني أن يحصل على فتوى من الأزهر تؤيد عقيدة القاديانية المصرة على أنّ عيسى بن مريم مات ولم يعد حيّاً في هذا العصر ، ولن ينزل في آخر الزمان ، ولعلّ مشيخة الأزهر ندمت حين تم الفتوى بموت عیسی بن مریم ؛ لأجل ذلك وجدنا مشيخة الأزهر تأمر بإخراج الطالبيين القاديانيين من الأزهر

وكان جواب الشيخ محمود شلتوت المصري للسائل الهندي القادياني بأن عيسى بن مريم مات في الأرض ، ثُمّ بعد أن مات رفعت روحه إلى السماء ، ولم يُرفع عيسى بن مريم حياً إلى السماء كما ذهب إلى ذلك المفسرون للقرآن الكريم من السنة والشيعة قبل الشيخ محمود شلتوت المصري ، وإذا لم يصح أنّ عيسى بن مريم رفع إلى السماء حيا لم يصح القول بنزوله في آخر الزمان ؛ لأنّ السائل الهندي القادياني لا يعتمد على الأحاديث التي تدل على أنّ عيسى بن مريم رفع إلى السماء حيا وتدل على نزوله في آخر الزمان رغم كثرة تلك الأحاديث ودليل الشيخ شلتوت المصري على إنكار تلك الأحاديث الكثيرة التي تدل على حياة عيسى ونزوله في آخر الزمان هو قوله بأنّها أحاديث أحادية والحديث الآحادي لا تتبني عليه عقيدة المسلم ، فالشيخ محمود شلتوت كما خطا كلّ المفسرين للقرآن في مسألة أنّ عيسى رفع إلى السماء حيّاً ، كذلك خطأ علماء المسلمين بسبب قولهم بأنّ بنزول عيسى بن مريم في آخر الزمان

والخلاف بين الشيخ شلتوت وبين المفسرين للقرآن والمتكلمين والمحدثين راجع إلى الخلاف في إنكار المعجزات والاعتراف بها بين المنكرين الذين منهم الشيخ محمود شلتوت المصري والمعترفين الذين منهم أهل التفسير والحديث والكلام ، فمن لم يؤمن بالمعجزات فدأبه رفض الآيات والأحاديث الوادة فى المعجزات بالتشكيك فى ثبوت الأحاديث مهما كثرت رواتها ، والعبث في معنى الآيات ، لا لكون الأحاديث غير ثابتة في الحقيقة من طريق نقد الحديث

ص: 440

المعروف عند علمائه ، أو لكون الآيات القرآنية غير ظاهرة الدلالة ، بل لعقيدة راسخة في قلب الرافض تدفعه إلى إنكار المعجزات وسائر المغيبات أينما ورد ذكرها

وعقل الشيخ محمود شلتوت المصري الذي لا يقبل معجزة حياة عيسى إلى اليوم ولا يقبل معجزة رفع عيسى إلى السماء حيّاً ، لكن الشيخ شلتوت المصري يقبل أنّ المحدثين كذبوا في سبعين حديثا رووها في نزول عيسى ، كما يقبل شلتوت خطأ المتكلمين المسلمين في قبول تلك الأحاديث سنداً ، كما يقبل شلتوت أنّ كل المفسرين للقرآن الكريم أخطأوا في فهم قوله تعالى " بل رفعه الله إليه " وقوله – تعالى – " ورافعك إليّ " على أنّه رفع من الأرض حيّاً لا أنّه كما يقول شلتوت مات في الأرض ثم بعد أن مات في الأرض رفعت روحه وأنما أنكر ذلك ؛ لأنّ العلم الحديث المادي الغربي لا يقبل إلا ما يمكن إثباته بالتجارب الحسية ، وهذا المانع عن وقوع معجزات الأنبياء الكونية عند المؤمنين بالعلم الغربي المادي أكثر من إيمانهم بكتاب الله وسنّة رسوله ، كما أنّ إيمانهم بالعلم الغربي المادي جعلت الشيخ شلتوت ينظر إلى آيتي رفع عیسی بن مریم قوله تعالى " بل رفعه الله إليه " وقوله - تعالى

ورافعك إلي "

فكما أن قوله تعالى : " بل رفعه الله إليه " ، وقوله - تعالى - : " ورافعك إليَّ " ، ظاهران في الرفع الخاص الذي يمتاز به عيسى عليه السلام - لا رفع الروح بعد أن مات ؛ لأنّ رفع الروح بعد الموت لا يختص به عيسى وحده فكل الأنبياء رفعت أرواحهم بعد موتهم ، ولم يلتفت شلتوت بأن تعقيب قوله تعالى : " وما قتلوه وما صلبوه " بقوله - تعالى - : " بل رفعه الله إليه " ، قطعي في الدلالة على أن الله رفع عيسى حيّاً ، لا أنّ الله أماته ثم بعد أن أماته رفع روحه ، إذ لا معنى يليق بنظم القرآن المعجز في القول بأنهم ما قتلوه بل اتناه ورفعنا روحه كما فهم الشيخ شلتوت لعدم معقولية التقابل على فهم شلتوت بين بين قتلهم لعيسى الذي نفاه الله في كتابه " وما قتلوه " وبين رفع روح عيسى بعد أن أماته الله – كما - ، فهنا لا يوجد تقابل بين قتل عيسى وبين رفع روحه بعد أن مات ؛ لأنّه إذا قتلوه فروحه رفعت إلى الله ، أو إذا مات فروحه رفعت إلى الله ، وبالتالي فلا يكون ما بعد ( بل ) في الآية ( وماقتلوه وما صلبوه بل رفعه الله إليه " ضداً لما قبله ، وهذا على خلاف ما صرح به النحاة من أنّ (بل) بعد النهي أو النفي يجعل ما بعده ضداً لما قبله . وليس للشيخ

ص: 441

شلتوت الذي ينكر رفع عيسى حيّاً أي مجال للجواب على هذا الرد عليه من قبل القائلين بأنّه رفع حياً .

أما آيات التوفّي التي تمسك بها شلتوت المصري فليس فيها تأييد لمذهبه بأنّ الله أمات عيسى بن مريم ثم رفع روحه بعد موته يعادل في القوة أو يداني ما في الآية القرآنية التي بعد أن نفت أنهم قتلوه وصلبوه ذكر رفع الله له : " وما قتلوه وما صلبوه بل رفعه الله إليه " ، فذكر الله أنّه رفعه إليه بعد أن نفى تمكنهم من قتله وصلبه يدل دلالة صريحة أنّه رفعه إليه حيّاً ، لا أنّه أماته ثم رفع روحه فمثل هذا الأمر يحدث لكل البشر الصالحين المؤمنين ولا يختص بعیسى وحده ، فكل البشر الصالحين المؤمنين يموتون ثم ترتفع أروحهم إلى الله كذلك المعنى الأصلي للتوفّي المفهوم من كلمة التوفّي مبادرة ليس هو الإماتة كما يظن الشيخ شلتوت المصري ، بل المعنى الأصلي في لغة العرب لكلمة التوفّي هو أخذ الشيء وقبضه تماماً ، كما أنّ معنى التوفية في القرآن الكريم كذلك جعل الغير آخذاً للشيء وقبضه تماماً من دون نقص ،

قال - تعالى - : " حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجدَ الله عنده فوفاه حسابه " ، " إِنَّما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب بغير حساب " ، فالتوفّي والاستيفاء في اللغة على معنى واحد ، قال في مختار الصحاح : " واستوفى حقه وتوفاه بمعنى واحد " ، وإنّما الإماتة التي هي أخذ الروح نوع من أنواع التوفّي الذي يعمها وغيرها ، فالتوفّي أعم من الإماتة ، ولكن لما كان الإنسان عندما يموت يكون قد استوفى وأخذ حياته فقيل توفّى ، وهذا منشأ غلط الشيخ شلتوت المصري أو مغالطته في تفسير آيات القرآن الكريم التي يلزم أن يفهم منها رفع عيسى حيا ؛ لأنّ شلتوت المصري ظن أنّ القرآن الكريم معترف بموت عيسى بن مريم في الآيات الدالة على توفيه ، كما ظن شلتوت المصري أنّ التوفّي معناه الإماتة ، نظراً إلى أن العوام من الناس لا يستعملون التوفّي إلا بمعنى الإماتة ، وغفل الشيخ شلتوت المصري عن المعنى الأصلي لكلمة التوفّي ، ولو كان شلتوت راجع كتب اللغة لرأى أنّ الإماتة تكون معنى لكلمة التوفّي في الدرجة الثانية حتى ذكر الزمخشري في كتابه ( أساس البلاغة ) بعد قوله : " ومن المجاز " ، والمعنى الأصلي لكلمة التوفّي المتبادر والمتقدّم إلى أذهان العارفين باللغة العربية هو أخذ الشيء تماماً ، ولا تختص كلمة التوفّي بأخذ الروح والإماتة .

ص: 442

ولقد فسّر القرآن الكريم نفسه معنى التوفّي الذي يشمل معنى الإماتة ويشمل معنى آخر لا علاقة له بالإماتة وأخذ الروح ، فقال : " الله يتوفّى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " فهذه الآية تشتمل على نوعين من أنواع توفّي الأنفس الذي هو الأخذ الوافي ، النوع الأول للتوفّي هو التوفّي في حالة الموت ، والنوع الثاني للتوفّي هو التوفّي الذي يحدث في حالة النوم ، فلو كان معنى التوفي ينحصر بمعنى الإماتة فستكون هذه الآية : " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " " بهذه الصورة : " الله يميت الأنفس حين موتها ، ويميت التي لم تمت في منامها "

وإذا علمنا أن معنى التوفي اشمل وأوسع وأعم من معنى الموت سوف نفهم معنى التوفّي في قوله تعالى : " وهو الذي يتوفاكم ويعلم ما جرحتم بالنهار " ، وسوف نفهم معنى التوفّي في قوله تعالى : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا " ، إنِّي آخذك أليّ من هذا العالم الأرضي ورافعك إليّ ، وفي قوله تعالى : " ومطهّرك من الذين كفروا " ، بعد قوله تعالى : " متوفيك " ، دلالة زائدة على عدم كون معنى توفّيه إماتته ؛ لأن تطهير عيسى من الذين كفروا من خلال إماتته مع إبقاء الكافرين أحياء من بعد إماتة عيسى لا يكون تطهيراً يشرف عيسى كما يكون في تطهير عيسى من الذين كفروا من خلال رفعه إليه حياً " [ كتاب منتخب الأثر في الإما الثاني عشر : 300-319 ] .

وقال الشيخ الإمام البلاغي في مقدمة تفسيره العظيم المسمّى : ( آلاء الرحمن في تفسير القرآن ) : " ومن شواهد ما ذكرناه هو الاضطراب في معنى التوفي ، وما استعمل في لفظ المتوفي المتكرر في القرآن الكريم ، فاللغويون جعلوا الإماتة في معنى التوفي ، والكثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران / 48 : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ " قالوا: أي مميتك ، وقال بعض : مميتك في وقتك بعد النزول من السماء ، وكأنّهم يمعنوا الإلتفات إلى مادة (التوفي) واشتقاقه ، ومحاورات القرآن الكريم ، والقدر الجامع بينها ، وإلى إستقامة التفسير لهذه الآية الكريمة ، واعتقاد المسلمين بأنّ عيسى لم يمت ولم يُقتل قبل الرفع إلى السماء كما صرح به القرآن الكريم ، ومن كلّ ذلك لم يفطنوا إلى أن معنى التوفّي والقدر الجامع المستقيم في محاورة القرآن الكريم وفي مشتقاته ، إنّما هو الأخذ والاستيفاء ، والتوفي

ص: 443

يتحقق بالإماتة ، ويتحقق التوفي بالنوم ، ويتحقق التوفي بالأخذ من الأرض وعالم البشر إلى عالم السماء .

وأنّ محاورة القرآن الكريم كافية نفسها في بيان سعة معنى كلمة التوفّي ، كما في قوله تعالى في سورة الزمر / 43 : " الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " . ترى لا يستقيم الكلام إذا قيل : الله يميت الأنفس حين موتها ، وكيف يصح أن التي لم تمت يميتها في منامها ؟ ! .

وكما في قوله تعالى في سور الأنعام / 60 : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ماجرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم " فإن توفّى الناس بالليل إنّما يكون بأخذهم بالنوم ثم يبعثهم الله باليقضة في النهار ليقضوا بذلك أجالهم المسماه ، ثم إلى الله مرجعهم بالموت والمعاد .

وكما في قوله تعالى في سورة النساء / 19 : " حتى يتوفهن الموت " فإنه لا يستقيم إذا قيل : حتى يميتهن الموت .

وحاصل الكلام : أن معنى التوفي في موارد استعماله في القرآن الكريم وغيره إنّما هو أخذ الشيء وافياً ، أي تاماً ، كما يقال : درهم واف . [ مقدمة تفسير آلاء الرحمان في تفسير القرآن للشيخ البلاغي ]

وهكذا يدرك طالب العلم فى معاهدنا العلمية بأنّه لا فرق بين من ينكر حياة عيسى بن مريم وبين من ينكر حياة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري

وأريد أن يلتفت طالب العلم إلى قول هام للشيخ الإمام لطف الله الصافي حين يقول : " ولا يجوز حمل ألفاظ الحديث على خلاف ما يدل عليه ظاهره ، وتأويله بمجرد غرابة مضمونه إذا لم يكن دافع عقلي أو شرعي منه

فإذا كان الخبر متواتراً يحصل الاطمئنان والاعتقاد بمضمونه ... وأمّا حمله على خلاف ظاهره ، فإن كان على سبيل الجزم فهو قول بغير علم ، وإن كان حمل الخبر على خلاف ظاهره على سبيل الاحتمال فلا اعتناء به قبال ظهوره في معناه ... فإن زعم أنّ غرابة المعنى قرينة على عدم إرادة المعنى الحقيقي ففي القرآن والسنة الثابتة كثيراً ما يوجد أغرب

ص: 444

من ذلك ، فالأولى بل الواجب ترك التأول والحمل على خلاف الظاهر بمجرد الغرابة ، فإنه خلاف التسليم والتصديق بما أخبر عنه الرسول - ص - من الأمور الغيبية ، مثل معجزات الأنبياء التي يستغربها ، بل يحكم بامتناع وقوعها أصحاب المادة ، المؤمنون بالعلل المادية ، مثل قلب العصا بالثعبان ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وغيرها من الخوارق التي لا يمكن أن يستند وقوعها إلى سبب مادّي .

ولا يخفى عليك أن كثيراً من أصحاب النهضة الحديثة التي وقع أربابها تحت نفوذ المدنية الغربية برقائها المادي والصناعي ، سعوا في تطبيق الدعوة الإسلامية المؤسسة على الإيمان بالله وتأثير عالم الغيب في عالم الشهادة على المدنيّات الغربية التي تأسست على قواعد مادية لم يؤمن مؤمنوها بما وراء المحسوسات وما لا يُدرك بحواسنا المادية ، بتأويل الآيات القرآنية والأحاديث التي لا توافق مضامينها الأوضاع المادية والظواهر الطبيعية ، ففسروها بما لا يقع مورد استنكار الناشئة الجديدة المؤمنين بالعلل والمعلولات المادية ، الذين لا يعرفون من عالم الغيب شيئاً ، وأصمّت المادة أسماعهم ، وأعمّت أبصارهم ، وقد كان عليهم أن يقتبسوا من كتاب الله - تعالي - ، ويجعلو ا القرآن الكريم أمامهم يهتدوا بهداه ، حيث لم يعتن القرآن الكريم باستبعاد الكفّار واستغرابهم حشر الأجساد من جديد بعد أن صارت رميماً ، فلم يتنازل القرآن عمّا جاء به ؛ لأجل استبعاد واستغراب الكفار لحشر الأجساد ، بل قرّر القرآن الكريم حشر الأجساد وأثبته وحققه ، فقال الله – عز من قائل حكاية عن استنكارهم واستغرابهم : وقالوا إنذا كُنَّا عِظاماً ورفاتاً أنا لمبعوثون خلقاً جديداً " [الإسراء : 49 ] ، ثُمّ ردّ عليهم بقوله - تعالى - " قُل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يكبُرُ في صدوركم فسيقولون من يُعيدُنا قُل الذي فطركم أول مرة " [ الإساراء : 50 ] ، وقال تعالى شأنه : " وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكلّ خلق عليم " [ يس : 78-79 ] .

فمن لم يؤمن بالله وقدرته وبملائكته وقضائه وقدره ، وأنّه ليس أمر ما في عالم المادة إلا وهو واقع تحت سيطرة عالم الغيب ، ولا يجري أمر في عالم المادة إلا بقضائه وقدره سوف يستغرب - لا محالة - الحقائق الغائبة عن حواسه المادية كالوحى ، وما أخبر به الأنبياء مما

ص: 445

لا يدرك بالحواس ومعجزاتهم ، فليس عنده تفسير لهذه الأمور ، بل ربما يستهزىء بها

ويرمي قائلها بالجنون .

أما المؤمن بالله - تعالى - فيصدق جميع ذلك ويدين به ، ولا يجوز له أن يؤول الحقائق الغيبية التي لا طريق إلى معرفتها إلّا إخبار الصادق علیه السلام المصدق ، النبي – ص – وأوصيائه عليهم السلام حتى لا يستنكرها ولا يستهزىء بها من لا يؤمن برسالات السماء ، فلا يجوز للمؤمن – مثلاً - مثلاً - تفسير وتأويل الوحي بالوحي النفسي ، أو تأويل وتفسير المعجزات الماديه ، مثل : تأويل قلب العصى ثعبانا ، أو تأويل إبراء الأكمه والأبرص ، وتأويل تكلّم الصبي في المهد وتأويل غيرها من المعجزات ، وكذلك تأويل الملائكة ، وتأويل الجنّ ، ولو فتحنا باب تأويل الأمور الغيبية بالتأويلات المادية الحسّية وقلنا بجواز ذلك لوصل الدور إلى أن نقول بالتأويل المادي الحسّي للنبوات بحيث نجعلها جميعها في معرض التأول المادي الحسّي ، فلا تبقى حقيقة من الحقائق الغيبية إلا وتم تفسيرها تفسيراً مادياً حسياً ، وليس بين هذه الطريقة وإنكار النبوات الغيبية بالصراحة فرق أساسي

هذا ومن جملة ماحملته هذه الفئة المسلمة المتأثرة بالثقافة المادية الغربية على غير ظاهره ومدلوله اللفظي والعرفي هو موضوع حياة عيسى بن مريم فقال محقق كتاب ( نهاية البداية والنهاية ) والمحقق للكتاب من الشخصيات المعاصرة ، وقد بالغ في تأويلاته حتى قال في عيسى بن مريم : هل بقي عيسى بن مريم حتّى الآن حيّاً ؟ وسينزل إلى الأرض ليجدّد الدعوة إلى دين الله بنفسه ؟ أم إنَّ المراد بنزول عيسى هو انتصار دين الحق ، وانتشاره من جديد على أيد مخلصة تتّجه إلى الله ، وتعمل على تخليص المجتمع الإنساني من الشرور والآثام ؟ رأيان ، ذهب إلى كل فريق من العلماء ... أقول : لم يذكر أسماء بعض العلماء القائلين ببقاء عیسی عليه السلام - فقد عرفت اتفاق جميع المحدثين من أهل السنة على القول ببقاء عیسی بن مريم حيّاً ، وكان عليه أن يذكر أسماء عدة من علماء الإسلام الذين قالوا بموت عيسى بن مريم ، وأن عيسى هو رمز الخير فالمراد بنزول عيسى نزول الخير ، ولعلّه طوى الكلام من ذلك ؛ لأنه لم يجد من أكابر علماء سلف أهل السنة بل لم يجد أحداً من السلف إلى القرن الرابع عشر من كان هذا رأيه ، إلّا فئة محدودة متسمة بالتأثر بالفكر المادي الغربي من أصحاب الشيخ محمد عبده المصري ورشيد رضا الذين آية ثقافتهم الغربية صرف

ص: 446

نصوص الكتاب والسنة ممّا لا يلائم آراء الماديين عن ظاهرها ، وعدم الالتزام بها ، وحملها على الرمز ... هذا وقد سبق محقق كتاب ( نهاية البداية والنهاية ) في التوسع في تأويل بعض الآيات القرآنية والأخبار الي يستبعد ويستغرب مضمونها مَنْ لم يؤمن بعالم الغيب ، أو من ضعف إيمانه بعالم الغيب ، كمؤلف تفسير المنار والطنطاوي من المؤلفين المتأثرين بالثقافة الغربية من بعض شيوخ الأزهر وغيرهم ، فهذا الشيخ محمد عبد المصري يقول كما في تفسير المنار [ 3:317 ] يقوم بتأويل نزول عيسى وحكمه في الأرض – خلافاً باعترافه للجمهور - بغلبة روحه وسرّ رسالته على الناس . " [ منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر : [ 331 – 3 ]

إنّ كل علماء الإسلام من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية يدركون المطابقة التامة بين عيسى بن مريم وبين الإمام المهدي ؛ لأجل ذلك يتحدثون بأنّ أحاديث رسول الله المتواترة اهتمت إهتماماً كبيراً بالربط بين عيسى والمهدي ، وفي الحقيقة بأنّني فكرت طويلاً في هذا الأمر ووجدت بأنّ من يحمل الثقافة القرآنية حول عيسى بن مريم لن يستبعد ما جاء في الروايات الأحاديث عن الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري لا سيما في قضية طول العمر ، وفي قضية طول غيبتهما .

ولقد علمني القرآن الكريم أن لا اقلد أحداً في البحث عن الحقيقة . وقد تحدثت مع زملائي من مشايخ المعاهد العلمية السلفية أكثر من مرة عن حقيقة ولادة الإمام محمد بن الحس العسكري ، وعن حقيقة المشابهة والمطابقة بين قصة عيسى بن مريم في القرآن الكريم وبين قصة المهدي محمد بن الحسن العسكري في الأحاديث النبوية المتواترة ، ولكني وجدتهم كلما حدثتهم عن ذلك ، قالوا لي : لقد صرّح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الحسن العسكري مات عقيماً ولم يخلّف ولداً ، وكنت أقول لهم : أليس من الواجب علينا مراجعة رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ومحاكمته إلى الحقائق التاريخية ، وليس من الصواب أن لا نصحح مسلماتنا في معاهدنا العلمية السلفية إذا كانت تخالف المسلّمات واليقينيات التاريخية ، ولكن كلامى لم يكن يعجبهم ، وكنت أرى في وجوههم السخرية منّي ؛ لأنّهم يسخرون من كلّ من خالف شيخ الإسلام ابن تيمية في قضية ولادة الإمام محمد بن الحس العسكري ، وترى معاهدنا السلفية بأنّ قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " قد ذكر محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع

ص: 447

وغيرهما من العلم بالأنساب والتواريخ : أنَّ الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب " منهاج السنة لأبن تيمية : 4-87] .

إنني أرى بأنّ على طالب العلم في معاهدن قضية ولادة الإمام محمد بن الحس العسكري السلفية أن يعذر ابن تيمية فلم يعرف شيخ الإسلام بأنّ كتب الأنساب والتواريخ ذكرت بأنّ الإمام الحسن العسكري خلف المهدي محمد بن الحسن العسكري

قال لي صديقي لمّا رأى كثرة كتب الأنساب في مكتبتي الخاصة في بيتي : لا أفهم لماذا تجمع الكتب حول الأنساب ؟ .. قلت له بأنّ شيخ الإسلام ابن تيمية قال : " قد ذكر محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من العلم بالأنساب والتواريخ : أنَّ الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب " [منهاج السنة لأبن تيمية : 4-87] ، فأريد أن البحث في كتب الأنساب بنفسي ، وحتى يدرك طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية خطأ شيخ الإسلام ابن تيمية في أنّ كتب الأنساب لم تذكر قضية ولادة الإمام محمد بن الحس العسكري سوف أذكر بعض علماء الأنساب الذين ذكروا ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري :

1. قال جمال الدين أحمد بن علي المعروف بابن عنبة : " الإمام أبو محمد الحسن العسكري كان من الزهد والعلم على أمر عظيم ، وهو والد الإمام محمد المهدي ثاني عشر الأئمة عند الإمامية [الجعفرية] ، وهو القائم المنتظر عندهم ، من أم ولد اسمها نرجس " [عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة : 180] .

2. وقال الإمام فخر الدين الرازي : " وأمّا الحسن العسكري فله ابنان وبنتان : أما الابنان فأحدهما : صاحب الزمان ، والثاني موسى ، درج في حياة أبيه " [الشجرة المباركة في أنساب الطالبية للإمام الرازي: 78] .

.3. وقال نجم الدين أبو الحسن بن محمد العمري : " ومات أبو محمد وولده من نرجس معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله " [المجدي في أنساب الطالبيين :130]

4. وقال حسين بن عبد الله المكي السمرقندي : " الإمام محمد المهدي ابن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق علیه السلام بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . وُلد يوم الجمعة منتصف شهر شعبان المعظم لسنة خمس وخمسين ومئتين ، وقيل :

ص: 448

تاسع عشر ربيع الآخر لسنة ثلاث وخمسين ومئتين ، وقيل : ثامن شعبان سنة ست وخمسين ومئتين ، وهو الأصح " [تحف الطالب بمعرفة من ينتسب إلى عبد الله وعمه أبي طالب للمكي السمرقندي]

5. وقال أبو الفضل محمد بن ابن أبي الفتوح في ذكر ولد الحسن العسكري : " له من الولد المنتظر عند الإمامية ... محمد بن الحسن العسكري الملقب المهدي عند الإمامية [الجعفرية] من أم ولد اسمها نرجس ... وهو تاسع سبط وثاني عشر إمام عند الاثني عشرية[الجعفرية] ... وقد روت الإمامة [الجعفرية] في ولادته وتربيته وكيفية أمره روايات ، وذكر مؤرّخوا أهل السنى نحواً من ذلك ، وهو صاحب السرداب عند الإمامية [الجعفرية ] ... وكانت ولادته يوم الجمعة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين " [النفحة العنبرية في أنساب خير البرية : ابن ابي الفتوح : 168] .

.6 . وقال أبو المكارم حسن بن علي الشدقمي المدني : " عقب الحسن العسكري وكان إماما هاديا وسيدا عاليا أمه أم ولد ... فالحسن العسكري لم يُعرف له ولد ظاهر ، والمتواتر خلّف محمدا ، قال فى العمدة ما لفظه : محمد بن الحسن القائم المنتظر عند الإمامية [الجعفرية] ، وقد أكثرت من الروايات في ولادته وغيبته وذكر مؤرخو الزيدية وأهل السنة شيئا من ذلك " [نخبة الزهرة الثمينة في نسب أشراف المدينة للشدقمي المدني : 164] .

هل بقي غموض حول ولادته ؟! ، ولولا الخوف من تضخم حجم الكتاب لحشدت المئات من أقوال أهل السنة الذين يصرحون بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية الذي يحمل الثقافة القرآنية لا يمكن له أن يشك في ولادته بعد كل تلك القرائن القوية ؛ لأنّ من يحمل الثقافة القرآنية لا يمكن له أن يردّ دعوى علماء الأنساب بأنه المهدي وُلِدَ بالفعل ، وإلا سننفي كلّ ما ورد في كتب الأنساب حول ولادة غير المهدي من السادة الهاشميين ، وبالتالي لن نقبل قول علماء الأنساب في ولادة الحسنيين أو الحسينيين ، وإذا قبلنا أقوال علماء الأنساب في ولادة غيره فيجب قبول ولادته ، وإلا فهو التعصب المقيت الذي لا يصدر أبداً من الذين يحملون الثقافية القرآنية القائمة على الرفض بالدليل والبرهان .. والآن نكمل ذكر بعض أقوال علماء الأنساب في ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري .

.7. وذكر ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري النسابة أبو الحسن محمد الحسيني اليماني الصنعاني في المشجرة التي رسمها لبيان نسب أولاد أبي جعفر محمد بن علي الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب تحت اسم الإمام التقي علي الهادي وبيّن أنّه خلّف خمسة من البنين وهم : الإمام الحسن العسكري ، الحسین ، موسی ، محمد ، علي ، ثم ذكر تحت

ص: 449

اسم الإمام الحسن العسكري بأنّه خلف محمد بن الحسن ، وقال منتظرالإمامية [الجعفرية] " روضة الألباب لمعرفة الأنساب تأليف الحسيني اليماني الصنعاني : 105]

8. وقال محمد بن علي ابن طباطبا العلوي المعروف بابن الطقطقي : " وأما الإمام الحسن بن علي الزكي العسكري فولد بالمدينة في يوم العاشر من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائتين من الهجرة ، ولم يذكر للإمام الحسن العسكري ولد إلا ولده الإمام أبو القاسم محمد المهدي صاحب الزمان ، وهو الذي ذهبت الشيعة الإمامية [الجعفرية] إلى بقائه وأنّه المهدي الذي يظهر في آخر الزمان حسب ما بشر به جده رسول الله - ص - مولده ليلة النصف من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين هذا هو الصحيح وقيل : غير ذلك أمه أم ولد تدعى نرجس ... ولد بسر من رأى " [الأصيلي في أنساب الطالبيين لابن الطقطقي : 161]

9. وقال محمد بن عبد الله المخزومي الرفاعي : " وأمّا الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد ، ولقبه النقي والعالم ... وكان له خمسة أولاد : الإمام الحسن العسكري ومحمد وجعفر وعائشة ، فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر وليّ الله محمد المهدي " [ صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار للمخزومي : 55] .

10 . وقال العلامة مصطفى الرافعي الطرابلسي : " ولد المهدي في سامراء عام 255ه وكان يوم الجمعة ، وفي ليلة النصف من شعبان ، وذلك أثر عهد المعتز العباسي المعروف بأنه كان شديد القسوة على الإمام الحسن العسكري - عليه السلام - وحريصاً على القضاء عليه قبل أن ينجب آخر قادة أُمّة الإسلام ، وخاتم أوصياء نبي الإسلام المهدي المنتظر

ويشاء القدر أن يطاح بالمعتز العبّاسي ويبايع بالخلافة لمحمد المهتدي ، وتتم ولادة الإمام القائد بشكل هادىء .

وليس أدلّ على ابتهاج الإمام الحسن العسكري - عليه السلام - بوليده القائم المنتظر ، ولما يؤمل فيه من خير عميم للإسلام والمسلمين ، أنَّه أمر أن يتصدق شكراً لله على ما أنعم بعشرة آلاف رطل من الخبز ومثلها من اللحم ، وأن يعق عنه ثلاثمائة رأس من الغنم " [ إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي الطرابلسي : 187-188 ]

وكنت القي محاضرة حول إثبات ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كتب أهل السنة فسألني بعض السلفيين من أهل اليمن أنت تتحدث عنه في كتب أهل السنة ، أسالك لماذا لا يوجد فى كتب الزيدية مايدل على ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ؟ ! .

فقلت له : لقد بحثت في تراث الزيدية عن ولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، ووجدت في تراثهم تصريحات واضحة من بعض كبار علمائهم بولادة ومهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، ثم ذكرتُ له مثالاً وهو ما ذكره علّامة الزيدية في

ص: 450

عصره شمس الإسلام أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي القاسمي .. قال : " روى الحسين بن القاسم العياني [ بسندٍ زيدي ] عن النبي – ص أنّه قال : " ستأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم فيظن المؤمنون أنّهم هالكون فيها ، ثُمَّ يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجل من ولدي خامل الذكر ، لا أقول خاملاً في حسبه ودينه وحلمه ، ولكن لصغر سنه وغيبته عن واكتتامه في عصره ، على منهاجي ومنهاج المسيح [ عيسى بن مريم ] في السياحة والدعوة والعبادة يُؤيم عرسه ويخلص نفسه ، ويكن بدء ناصريه من أهل اليمن " [ كتاب عُدة الأكياس في شرح معاني الأساس لعلامة الزيدية في عصره شمس الإسلام أحمد بن محمد بن صلاح الشرفي

القاسمي : 2- 380 ، طبع دار الحكمة اليمانية ] .

ومن عجائب التعصب الطائفي أنَّ زملائي من مشايخ معاهدنا في المعاهد العلمية السلفية يقولون : لا قيمة لكل أقوال علماء النسب في إثبات ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وهذا الأمر قد جعل الكثير من أهل السنة يردون عليهم نذكر منهم العلامة مصطفى الرافعي الطرابلسي حيث قال بعد أن ذكر بعض مشايخ أهل السنة الذين قالوا بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري : " وكثير غيرهم من علماء السنة الأجلاء الذين ذاع صيتهم ويذكرون بكل إعجاب وتقدير . هؤلاء وكثير غيرهم ممن لا يتسع المقام لذكرهم يقولون بمقولة الإمامية [الجعفرية ] : من أنَّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري ، وأنه حي في مكان ما في هذا العالم ، ولا يجدون في مقولتهم هذه ما يناهض العقل ، وبخاصة إذا اعتبرت حياة المهدي من الأمور الخارقة للعادة ، كالتي أجراها الله ، معجزة لبعض أنبيائه أو كرامة لبعض أوليائه ، وذلك كحياة المسيح والخضر من الأتقياء ، وإبليس والدجّال من الأشقياء " [ إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي الطرابلسي : 192] . ، وقال أيضاً : " وقبل أن أعرض لفكرة المهدي في ضوء الكتاب والسنّة والعقل والحكمة ، أود أن أشير إلى أنّ القائلين بظهور المهدي ، وأنّه على قيد الحياة ، ليسوا الشيعة الإمامية [ من أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] وحدهم ، بل أن كثيراً من علماء أهل السنة وافقوهم في اعتقادهم هذا " [ إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعى الطرابلسي : 188] . ، وقال أيضاً : " هذا وللمهدي حسب أخبار أئمة أهل البيت غيبتنان : صغرى وكبرى

فالصغرى مدتها أربع وسبعون سنة ، تمتد من تاريخ ولادته إلى حين انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، وأنّ هؤلاء السفراء كانوا يرونه وينقلون منه وإليه الأسئلة والأجوبة ... وعدد هؤلاء السفراء في زمن الغيبة الصغرى أربعة لا غير ، هم : عثمان بن سعيد بن عمرو العمري ، ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري ، والحسين بن روح أبي بحر النوبختي ، وعلي بن محمد السمري رضوان الله عليهم

ص: 451

وأمّا الغيبة الكبرى فهي التي تحصل بعد الأولى ، وفي آخرها يقوم بالسيف ... وبهذا يكون الأرجح صحة فكرة المهدي باعتبارها أحد الأمور الخارقة للعادة كالنار التي جعلها الله برداً وسلاماً على إبراهيم ، والعصا التي صيّرها ثعباناً لموسى ... ومن هنا كان الأولى بكلِّ مسلم والأحوط لدينه أن يعتقد وجود المهدي حيّاً إلى حين ظهوره ثانية ... ولا نقبل الاعتراض بأنه من المستحيل بقاؤه حيّاً ما ينيف على ألف سنة ؛ لأنّ طول العمر هذا جرى لغيره من قبله كنبي الله نوح - عليه السلام - الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً روى أنس بن مالك عن النبي - ص - : " إن نوحاً عاش ألفاً وأربعمائة وخمسين سنة ، وإنّ آدم عاش تسعمائة وثلاثين سنة ، وإنّ نبي الله شيث عاش تسعمائة واثنتي عشر سنة

وكذلك لا يقبل الاعتراض على وجود المهدي بأنّه لم يشاهده أحد بعد غيبته الثانية ، إذ ليس كلّ موجود بقدرة الله يقتضي رؤيته ، فالملائكة والجن من العوالم الموجودة بيننا دون أن نراها ، بل الله - سبحانه – موجود وهو معنا أينما كنا ولكنّه لا تدركه الأبصار ، فهل عدم رؤيته من جانبنا دليل على عدم وجوده " [ إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي الطرابلسي : 192 - 193 ] .

ومن الناحية العلمية المنطقية لا يوجد دليل قرآني وبرهاني ومنطقي يبرر لمعاهدنا العلمية السلفية نفيها لولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وسوف أذكر عبارة هامة للإمام الشيخ الجليل المفيد يستنكر فيها الذين ينكرون ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ويقول : " والخبر بصحة ولد الحسن العسكري] قد ثبت بأوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس ، إذ كان النسب يثبت بقول : القابلة ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهم عليه ، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه ، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه . وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي [ العسكري ] أنه اعترف بولادة المهدي وآذنهم بوجوده ، ونصّ لهم على إمامته من بعده ، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً ، وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً ، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل ، وتسليمهم له حقوق الأئمة من أصحابه

وقد ذكرتُ أسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي [ العسكري ] وخاصته المعروفين بخدمته والتحقيق به ، وأثبتُ ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده وسماعهم النصّ بالإمامة عليه " [ المسائل العشر في الغيبة للشيخ المفيد : 59 ] .

وكلمة أخيرة في الأمر الذي أريد أن يدركه القارئ من اخواني السلفيين أمور منهجية هامة .. الأمر الأوّل لابد لنا أن ندرك الفرق بين منهج مشايخ الخطابية في القرن العشرين في فهم غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وبين منهج مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في فهم

ص: 452

6

غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنّني رأيت من خلال مجالستي لمشايخ الخطابية في عصرنا بأن سوء فهمهم لحقيقة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري جعلهم يعطّلون فريضة القتال في سبيل الله إلى أن يخرج المهدي من غيبته الكبرى ويعطلون فريضة إقامة الدولة الإسلامية القرآنية العادلة إلى أن يظهر المهدي في آخر الزمان وبالتالي فمشايخ الخطّابية قادهم سوء فهمهم لغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري إلى الفكر العلماني الذي يفصل الدين عن السياسة إلى أن يخرج المهدي من غيبته الكبرى ، وبالتالي فمشايخ الخطابية لديهم رؤية عن غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري تخالف الثقافة القرآنية وتخالف أحاديث رسول الله وتخالف روايات الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، وبالتالي فالخلل ليس في حقيقة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري فهي حقيقة لا تتصادم مع الثقافة القرآنية ، بل الخلل في منهج مشايخ الخطّابية في عصرنا في التعامل مع حقيقة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، فمنهج تعامل مشايخ الخطابية مع حقيقة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري هو مثل منهج تعاملهم مع الحقائق القرآنية العشر الكبرى الذي ذكرناه في البابين الثاني والثالث من هذا الكتاب ، ومثل منهج تعاملهم مع الخصائص القرآنية الست الكبرى الذي ذكرناه في الباب الرابع من هذا الكتاب ، ونحن نأسف بأنّ كل من كتب في معاهدنا السلفية العلمية حول غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري أنما ذكر منهج تعامل مشايخ الخطابية مع حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، ولم يذكر منهج مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام مع حقيقة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، والأمر الثاني أريد من طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية أن يدرك بأنَّ يعلم بأن قضية أن المهدي هو الإمام محمد بن الحسن العسكري ، وهو الثاني عشر ، وقضية غيبته الكبرى هي من القضايا التي لا يختص بها مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كثير من أهل السنة ومن السلفية يرون ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ويرون مهدويته وغيبته ، ولكن المعاهد العلمية السلفية خدعتنا حين قالوا لنا بأن مهدوية وغيبة الإمام المهدي وغيبته من مختصات الجعفرية ، بل أنا وجدت مئات الآلاف من الذين انتقلوا من السلفية إلى الاثني عشرية كان من أعظم أسباب استبصارهم أنهم وجدوا حقيقة ولادة المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وحقيقة غيبته من الحقائق المتواترة عند أهل السنة وعند السلفية قبل أن تتواتر في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأجل ذلك أنا آمنت بمهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من منطلق التأمل في تراث شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب السلفية وكتب أهل السنة ، فكلها تدل دلالة صريحة وواضحة على مهدوية وغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، . والأمر الثالث أريد من طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أريد يد من طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يدرك بأنَّ هنالك إرتباط وثيق بين الإيمان

ص: 453

بحقيقة إمامة الإمام علي بن أبي طالب وبين الإيمان بحقيقة مهدوية وغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ؛ لأجل ذلك نصيحتي لطالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية أن يدرك في البداية حقيقة ولاية الإمام علي بن أبي طالب ثم ينتقل بعد ذلك للبحث عن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري، ومن المحال أن يؤمن طالب العلم في معاهدنا السلفية بولاية الإمام محمد بن الحسن العسكري وهو لم يدرك حقيقة ولاية الإمام علي بن أبي طالب ، والأمر الرابع أريد من طالب العلم في معاهدنا العلمية والسلفية أن يعرف بأن منطق القرآن الكريم في التعامل مع روايات غيبة الإمام الثاني عشر المهدي محمد بن الحسن العسكري يقوم على أساس القاعدة القرآنية الكبرى " يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ، أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " [الحجرات: 6] . ، وأرى بأنّ على طالب العلم أن يتدبّر في مفهوم الوصف ومفهوم المخالفة في هذه القاعدة القرآنية الهامة ، وحتى يتبيّن لطالب العلم حقيقة معنى هذه الآية لابد أن يتأمل أولاً في مفهوم الوصف في هذه الآية بمعنى نجد أنّ الله وصف الذي لا يعتمد عليه في أخذ الأخبار هو الموصوف بالفسق وهذا هو المراد بمفهوم الوصف في هذه الآية الكريمة ، " إذا إذا ج والأمر الثالث أريد أن يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية بأنَّ السلفية لم تكن بالنسبة لي نموذج فكري يرسم لي فكرة عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري و عن شخصية الإمام المهدي وحسب, بل كانت السلفية بالنسبة لي كنموذج [ = كمنهج ] تحليلي وتفسيري لكل الاحاديث النبوية في الإمام المهدي و لكل تفاصيل و جزئيات ترجمة الإمام محمد بن الحسن العسكري.

والصفة الثانية لصورة الإمام محمد بن الحسن العسكري المغروسة في جهازي الفكري والمنبثقة من النموذج السلفي وهي صفة اساسية للنموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري كما اكتشفت في مرحلة متأخرة سرت هذه الصفة للإمام محمد بن الحسن العسكري من النموذج السلفي إلى جهازي الفكري : كنت غارقا في العقدة المؤامراتية كلما ذكر عندي أسم الإمام محمد بن الحسن العسكري, فقد غرس في نفسي النموذج السلفي المرسوم عن الإمام محمد بن الحسن العسكري عقيدة بأن اكبر مؤامرة في التاريخ الإسلامي هي مؤمرة الاعتقاد بمهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري والاعتقاد بغيبته على أننا نحب أن ننبه إلى حقيقة أساسية كبيرة .. وهي أن هنالك تلازم بين الصفة الأولى و الصفة الثانية, والذين يعانون من الصفة الجزئياتية الإرشيفية عند البحث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري وعند البحث عن الإمام المهدي سوف يعانون من الصفة المؤمراتية عند البحث عن مهدوية ذلك الإمام العظيم, فالشخصية الجزئياتية الإرشيفية والشخصية المؤامراتية صنوان يعبّران عن نفس العقلية و طريقة التفكير, وقد عانيت من

ص: 454

هاتين الصفتين مدة زمنية طويلة من حياتي الفكرية ولهاتين الصفتين رصيد في مشاعري وتجربتي مع النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري ومن ثم لم يكن بد أن نقدّم لإصدقائنا السلفيين هذه الصفة المؤامراتية الملازمة للنموذج السلفي كلما اراد أن يبحث عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري, مصحوبة بالشرح و التوجيه لمساعدتهم على أن يدركوا هذه الصفة, ويلتمسوا لأنفسهم مخرجاً منها ؛ حتى يتحرروا من اعتقادهم بأن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري مؤمرة خطيرة من قبل خصوم الإسلام انظر حول توصيف هذه المؤامرة في كتب السلفية إلى كتاب بروتوكولات علماء قم وكتاب و جاء دور المجوس لتعرف تغلغل صفة المؤمرة في العقلية السلفية . إننا لا نبغي من استعراض هذه الصفة الخطيرة ومن عرض الصفة التي قبلها وبيان هيمنتها و سيطرتها على الشخصية السلفية حينما تبحث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري, مجرد المعرفة الثقافية لهذه الصفة الخطيرة . لا نبغي إنشاء كتاب عن المنهج الصحيح في عرض مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري يضاف إلى الكتب التقليدية عن السلفية . كلا .. إننا لا نهدف إلى مجرد المعرفة الباردة لهذه الصفة الخطيرة التي تلازم النموذج السلفي في تعامله مع الإمام محمد بن الحسن العسكري وتتعايش مع الأذهان التي تتبنى هذا النموذج وتؤمن به . . إننا نبذل نهدف من استعراض هذه الصفة والتي قبلها معالجة أخوننا من هاتين الصفتين الخطيرتين

ونحن نذكر هنا نقطة الإشتراك بين الشخصية الجزئياتية الإرشيفية و الشخصية

المؤامراتية المتمثلة فى أن تلك الشخصية تحرص على أن تنحصر مهمتها في جمع جزئية بجوار جزئية و رواية بجوار رواية, دون أن ينتظمها إطار . وهكذا شأن الشخصية

المؤامراتية تنظر إلى احاديث النبي في الإمام المهدي كشظايا متناثرة وإلى حياة الإمام محمد بن الحسن العسكري المتكاملة المتناسقة المترابطة وكأنها حياة متفرقة متجزئة متناقضة فتشكك الاحاديث التي تدل على مهدويته و غيبته وتتعبرها تتحدى وتتآمر على نموذجها الفكري حول

الإمام المهدي, وتقبل كل فكرة تروق لها وتنسجم مع نموذجها الفكري عن الإمام محمد بن الحسن العسكري لأن الشخصية المؤامراتية لا تنظر إلى أحاديث النبي عن الإمام المهدي كمنظومة متكاملة متناسقة مترابطة والنموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري يروج في خطابة نظرية المؤامرة .. وهو يفترض وجود مؤامرة كبرى اثناء تفسيره وتحليله لموضوع مهدوية هذا الإمام ولموضوع غيبته

ص: 455

وقد تأثرت بذلك, فكنت لا أتناول موضوع مهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري أو موضوع غيبته إلا وافترض قبل دراسة هذين الموضوعين - وجود مؤامرة وقد نشأت هذه الصفة ووجدت في شخصيتي لأنني كنت مستغرقا في جمع الجزئيات والتفاصيل والاحاديث النبوية حول الإمام المهدي و أرشفتها وكأنني جهاز كمبيوتر لا امتلك عقلا بشريا الحسن العسكري بشكل مبسط وسطحى, وكانت فكرة المؤامرة من خلال مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري تعمّق تلك السطحية الفكرية لدي, لأن قبولي لفكرة أن مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري تعد مؤمرة على فكرة المهدوية في الإسلام يعني تقبل النظرات السطحية حول هذه الشخصية كما هي في كتاب بروتكولات علماء قم, و بالتالي كنت افهم موضوع الإمام الإمام محمد بن ويعني تعاملي مع هذا الإمام العظيم بعد تقبلي لفكرة المؤامرة أن اعتقد بكل المطاعن والشائعات السائدة في الكتب السلفية حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري وحول النوّاب الأربعة المحيطين به ويعني الإستسلام لاحكامنا النمطية على ذلك الإمام العظيم وعلى مهدويته وغيبته وعلى نوّابه الأربعة, ويعني استقبال البروتوكولات المسبقة الجاهزة و المعلبة التي كانت محيطة بشخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري, وكانت تطرح علينا تلك البروتوكولات في المعاهد السلفية اليمنية وفي المعاهد السلفية السعودية, فنقبلها من دون إخضاعها للنقد والبحث والتمحيص .

ولا يدرك خطورة هذه الصفة و دورها في ابعاد الإنسان عن الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا إذا عاش في اجواء النفسية المريضة بهاجس المؤامرة .. وقد عشت تلك الاجواء فكنت لا اذكر شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا وتداعت في مخيلتي بروتوكولات المؤامرة الملتصقة في ذهني بشخصية ذلك الإمام العظيم, وكنت امتنع عن البحث عن هذه الشخصية العظيمة بعيداً عن الكتب السلفية حتى لا أقع في فخ المؤامرة, و كنت إذا ذهبت إلى معرض الكتاب الدولي أعرض عن شراء بعض الكتب غير السلفية والمرتبطة بالبحث عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنها كتبت عن هذه الشخصية من قبل كتاب متآمرين ولن ندرك طبيعة المؤامرة المحيطة بالعقل السلفي حين تتمثل امامه شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ حتى ندرك النموذج الفكري السلفي عن صورة ذلك الإمام العظيم . فليست نظرية المؤامرة والبروتوكولات المنبثقة منها إلّا فرعاً من ذلك الأصل الذي تجع إليه هذه الصفة الجوهرية في الرؤية السلفية حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري وقد استشرى ارتباط شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري بمرض المؤامراتية في كل وجداني منذ دخلت معهد صنعاء العلمي السلفي وترك هذا المرض الخطير اثرا عليّ في تفسير النصوص النبوية في الإمام المهدي ؛ لأنني كنت إذا اطلعت على تفسير لتلك النصوص

ص: 456

يوافق مهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري و يخالف تفسير النموذج السلفي الذي يرى بأنه لا علاقة بين تلك النصوص وبين مهدوية ذلك الإمام العظيم .. كنت اتصور بأن ذلك التفسير المخالف لنموذجي [ لمنهجي ] السلفي يعد جزءا من مؤامرة خطيرة على نموذجنا [ منهجنا ] في تفسير و تحليل النصوص النبوية في الإمام المهدي, دون أي محاولة مني لإثبات هذه المؤامرة بالدليل والبرهان . فعلى سبيل المثال حينما وجدنا العلامة الكبير سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص سوف نتحدث عن هذا الكتاب وعن كاتبه في بحث قادم في هذا الكتاب تعامل مع النصوص النبوية في الإمام المهدي بطريقة جعلته يعتقد بمهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري, و بالتالي فسّر تلك النصوص على خلاف نموذجنا [ منهجنا ] السلفي التفسيري السائد, ارتجف الجميع و اعتبروا هذا الكتاب مؤامرة كبرى على النموذج السلفي, وتم التحذير من كتاب تذكرة الخواص, و تلقيت ذلك القول في هذا الكتاب برحابة صدر بلهاء دون أن اخضع كتاب تذكرة الخواص للإختبار ودون أن اسأل نفسي بعض الأسئلة البدهية : من أين علمنا بأن العلامة الكبير سبط ابن الجوزي اصبح وكراً للمؤامرة .. وبخروج كتاب كتاب [ كتب حذر منها العلماء ] كان كتاب تذكرة الخواص من ضمن الكتب التي ينبغي أن نحذر منها .. وقد تلقف التآمرييون من المؤمنين بالنموذج السلفي في معرفة الإمام محمد بن الحسن العسكري هذا الخبر ليصبح العلامة الكبير سبط ابن الجوزي من خلال كتابه المذكور جزء من مؤامرة خطيرة مرتكزة على مخطط في تصوّر التآمريين من اتباع ذلك النموذج الو هابي وليس الكتاب مجرد فهم وتفسير للنصوص النبوية في الإمام المهدي صدر من العلامة الكبير سبط ابن الجوزي بل هو كتاب مرتبط بظاهرة خطيرة و مؤامرة كبيرة مرتبطة

ببروتوكولات علماء مدينة قم و مخطط رهيب, اصدر هذا المخطط الرهيب سلسلة من

الكتب منها كتاب الفصول المهمة للعلامة ابن الصباغ المالكي سنتناول هذا الكتاب

في البحوث القادمة من هذا الكتاب و کتاب ينابع المودة للعلامة القندوزي الحنفي سنتناول هذا الكتاب فى البحوث القادمة من هذا الكتاب والمئات من الكتب التي تصرح بأن المهدي هو الإمام محمد بن الحسن العسكري, وهذه السلسلة من الكتب تعبّر عن مؤامرة خطيرة على نموذجنا السلفي .. وهي مؤامرة مرتكزة على خطة مدروسة وهي تعبّر عن شر قد اقترب يهدف ذلك الشر إلى ضرب نموذجنا الفكري في الإمام محمد بن الحسن العسكري, وغزو معهد صنعاء, وتدمير جامعة الإمام محمد بن

سعود وضرب مساجدنا, وترويج عقيدة الجعفرية, وتسقيط علماء ومشايخ المملكة العربية السعودية ... إلخ . وكانت نتيجة ترسخ صفة المؤامرة في ذهني وفي ذهن المؤمنين بالنموذج السلفي حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري أن شككنا في كل التراث القديم الذي

ص: 457

كتب عن هذه الشخصية القديمة لأننا نراه تراثاً يدخل في دائرة المؤامرة من قبل الذين نصفهم بالمتآمرين, فقادتنا نظرية المؤامرة أن نعتقد بأن كل ما كتبه أهل السنة والشيعة - كنا نسميهم بالمتآمرين على النموذج السلفي خلال المدة الطويلة التي سبقت سنة ولادة الإمام محمد بن الحسن العسكري و ما بعدها منذ بداية غيبته في اوائل القرن الرابع وإلى هذا العصر من كتب تثبت مهدويته وتثبت غيبته هي كتب متؤامرة على نموذجنا السائد حول هذه الشخضية العظيمة .. وسنحتاج أن نقتبس من كتابي نقد الشيخ محمد عبد الوهاب من الداخل, حيث نقلت فقرات لا غنى عنها من اجل بيان خطورة النموذج السلفي الذي ضخم من قضية المؤامرة لدينا فقادنا إلى نشكك في كل التراث القديم و الحديث الذي كتب عن شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري ... وهي فقرات من الشيخ العلامة المرحوم سعيد حوى, حيث يقول في كتابه القيم جولات في الفقهين الكبير والأكبر من الصفحة 5 إلى الصفحة 12 : [ جاء القرن الرابع الهجري القرن العشرين الميلادي بعض ووضع المسلمين على غاية من الضعف ... وواجه الدعاة العدول ... موجة الردّة عن الإسلام ] .. ثم بيّن بأن النموذج السلفي و النموذج العلماني يشتركان في نقطة التشكيك في التراث .. حيث قال : [ ... كان أشدّها الإتجاهات السلفية شككت في الإرث الفقهي والثقافي كله ... و إذا بنا أمام تيار يشكك في تراث حق, ويشكك في المدارس الفقهية وفي رجالاتها وإذا بنا نجد من يسيء الظن بأكثرية الأمة الإسلامية على مر الزمن . فحدث أن تزعزعت الثقة في التراث الإسلامي الذي قدمته العقول المسلمة ... ] .هذه هي حالة كل من يؤمن بالنموذج السلفي كما رسمها رجل خبير بذلك النموذج عاش معهم ودرس في المعاهد العلمية السعودية, ثم كتب في آخر حياته تجربته مع النموذج السلفي

وهذه هي نتيجة هيمنة قضية المؤامرة على ذهني فلم نعد نشك بسببها في التراث المرتبط بشخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري بل اصبحنا نشك بكل الموروث الفقهي والثقافي للامة الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري ؛ حتى اصبحت مع اصدقائي نسيء الظن بأكثرية الأمة الإسلامية على مر الزمن فحدث أن تزعزعت ثقتنا بالتراث الإسلامي الذي قدمته العقول على حدّ تعبير سعيد حوى لأننا تصوّرنا أن تلك الاكثرية وهذا التراث يتآمران على نموذجنا السلفي

هذه المؤامراتية المهيمنة على اذهاننا كما قلنا جعلتنا نسيء الظن إلى الجميع .. وسنحتاج أن نقتبس عبارة للشيخ العلامة يوسف القرضاوي تشرح تلك الحالة التي كنا عليها, حيث يقول في كتابه الشيخ الغزالي كما عرفته رحلة نصف قرن في الصفحة 263 [ إن تشويه الرموز الإسلامية, و تحطيم الأعلام, وتدمير

ص: 458

القمم عمل لا يستفيد منه غير أعداء الإسلام . وهو للأسف ما أصبح هواية لبعض المنتمين إلى الدين { اتباع النموذج السلفي }, لقد زرت المملكة العربية السعودية في العام الماضي, فوجدت أمراً رابني وساءني : مجموعة من الكتب تتهم العلماء والدعاة, و توسعهم سباً وقذفاً.... لم يكن هؤلاء يدعون عالماً كبيراً سابقاً أو لاحقاً أو معاصراً, يخالفهم في قضية ما إلّا كالوا له الذم بأوسع مكيال . لم يسلم من طول ألسنتهم الباقلاني ولا إمام الحرمين, و لا الإسفراييني, ولا الغزالي, ولا الرازي, ولا النووي ولا ابن حجر العسقلاني, ولا السيوطي, ولا غيرهم من المتقدين .كما لم يسلم من المحدثين الأفغاني, ومحمد عبده, والكواكبي, ورشيد رضا, وفريد وجدي وغيرهم من دعاة الإصلاح وكذلك لم يسلم منهم من بعدهم من المفكرين و الدعاة المودودي والندوي, وحسن البنا, وسيد قطب, , والقرضاوي, ومحمد عمارة, وفهمي هويدي ... وغيرهم من الأموات والأحياء ] .

واخيراً فإن هذا البحث ليس بحثاً شاملاً عن السلفية .. إنه عمل تمليه تجربتي الشخصية مع الإمام محمد بن الحسن العسكري حينما كنت سلفيا . من هنا لا يهمني أن أذكر صفات أخرى للنموذج السلفيي, طالما أن تلك الصفات لا ترتبط بتجربتي الخاصة مع ذلك الإمام العظيم هذا البحث محاولة لتحديد النموذج الفكري السلفي في تعامله مع الإمام محمد بن الحسن العسكري .. لا سيّما حينما يتحوّل من نموذج فكري إلى نموذج تحليلي وتفسيري .. يعني حينما يتحول هذا النموذج إلى ممارسة النشاط التفسيري و التحليلي لكل النصوص النبوية الواردة في الإمام المهدي . وتجربتي مع النموذج الفكري السلفي حول شخصية الإمام محمد بن الحسن العسكري اثبتت أننا نستمد تفسير النصوص النبوية في الإمام المهدي من النموذج الفكري عن ذلك الإمام العظيم بعد أن تحول من نموذج فكري إلى نموذج تفسيري و تحليلي وكل بحث في جانب من جوانب شخصية الإمام المهدي, لا بد له من أن يرتكز أولاً إلى ذلك النموذج فكراً و تفسيراً, ولا يمكن لنا أن ندرك الخطأ في معرفة بحوثنا عن الجوانب التي تناولناها عن شخصية الإمام المهدي ما لم ندرك الخطأ في بنيتها الخلفية أي مالم ندرك الخطأ في النموذج الكامن فيها و المختفي خلفها وجلاء ذلك سوف يتضح للقارئ السلفي الكريم إذا استمر في قرأة الكتاب ؛ لأننا في البحوث القادمة سنبدأ مرحلة تطبيق النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري من خلال ذكر بعض الامثلة العينية والتطبيقية عن ذلك النموذج الفكري حينما يتحول إلى نموذج تفسيري وتحليلي للنصوص النبوية الواردة في الإمام المهدي .. مع ذكر مقارنة ذلك النموذج السلفي مع عقيدتي الجديدة حول الإمام محمد بن الحسن العسكري حينما آمنت بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

ص: 459

وهكذا أريد أن يعلم طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية في صنعاء والرياض بداية تهافت النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري ، إذ مما ساعد على بداية تهافت النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري على الرغم أنه النموذج السائد عندي وعند كل من حولي ولا يتقبل هذا النموذج أي تحديات جوهرية هو أن معهد صنعاء العلمي وكل المعاهد العلمية السلفية فى السعودية وفي غيرها من البلدان كانت تدرس بعض الكتب من منهج فكري

لقد كانت المدارس والمعاهد السلفية في السعودية في فترة دراستي في المعهد تدرس كتاب التوحيد لمحمد قطب المستخرج من فكر سيد قطب لا من فكر الشيخ محمد عبد الوهاب وكان معهد صنعاء العلمي يدرسنا كتاب هذا الدين لسيد قطب .. ثم فيما بعد منع التدريس لكتب سيد قطب لكن هذا المنع لم يصدر إلا بعد أن تركت النموذج السلفي و انتقلت إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكتاب توحيد محمد قطب بعد أن اكتشف علماء ومشايخ المملكة بأن منهج التوحيد عند سيد قطب معادٍ للنموذج السلفي في قضية التوحيد وكان الطابع العام هو النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري السائد في معهد صنعاء العلمي و النموذج المهيمن عليّ حياتى الفكرية يمنع النموذج في بداية من انجذابي إلى منهج سيد قطب, ويمنع من ادراكي للتعارض بين النموذج السلفي في قضية التوحيد وبين منهج سيد قطب في قضية التوحيد, بل كانت طريقة التدريس في معهدنا توحي لنا بالتماهي و التساوي و الاندماج بين ذلك النموذج وهذا المنهج .ولم انجذب إلى منهج سيد قطب في قضية التوحيد إلا في مرحلة متأخرة تمت بالتدريج .كان يمكن لي كأي طالب في المعاهد العلمية في السعودية أو في اليمن أن لا أنجذب إلى منهج سيد قطب في قضية التوحيد و إلا أدرك مغزى ذلك المنهج الذي طرحه, وألّا ألج إلى العالم الفكري لسيد قطب, لو لم ينعم الله عليّ بظروف و حوادث و اسباب ساعدتني على معرفة سيد قطب الذي قادني إلى معرفة منهج فكري وتفسيري أخر يعدّ بعيدا عن النموذج الفكري و التفسيري السلفي .. وشكل هذا المنهج القطبي بالنسبة لي بدايات ومقدمات تهافت النموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري ولكن عبر مراحل زمنية متدرجة .

الحمد لله .. إذ في أيام من أيام الربيع كنت مع استاذي الجليل الشيخ حسن الحكيمي إمام جامع الكبسي في صنعاء و زميلي في المعهد الشيخ محمد المزعقي كان يخطب الجمعة في مسجد قصعان بالقرب من قرية مزاهر بنا المقام في قرية الذاري, بالقرب من قريتي ومحل ولادتي الصبار تعد قريتنا هذه

ص: 460

صاحبة اكبر مركز للنموذج السلفي في كل لواء إب, و والدي هو مؤسس اول معهد سلفي و المسافة بين القريتين لا تتجاوز السبعة الكيلو مترات .. قال لي من له فضل عليّ " حسن الحكيمي " : إنه سيكون معنا في سفرنا هذا شخصية فريدة . وبعد يومين ركبنا السيارة إلى القرية التي سبقنا إليها صاحبنا " زيد الذاري " ها هو الشخص الذي اشتقت لرؤيته بعد أن مجد فيه " حسن الحكيمي " معنا في السيارة .

هذا هو الاستاذ عمر طرموم الذي اخبرتك عنه .

لي الشرف أن اتعرف عليك

أتعرفه من قبل ؟ .

لا : لا أعرفه

لم تصرفني علاقتي مع " عمر طرموم " عن النموذج السلفي في الإمام محمد بن الحسن العسكري, لكن طريقته المؤثرة جذبتني من حيث أدري ولا يدري وكنت أتتبع بلهفة كل كلمةٍ يفوه بها . لم اكن محبا و متعلقا ومريدا لمنهج سيد قطب قبل معرفتي بعمر طرموم لذلك غرس في وجداني المحبة لسيد قطب, و هزني حديثه عن تفسيره " في ظلال القرآن " . بعد عودتي من السفر كنت أمشي في " ميدان التحرير " و إذا بي أدخل إلى بائع الكتب, واشتريت منه ذلك التفسير واعتكفت على قرأته إلى نهايته لم تطل علاقتي مع " عمر طرموم ", ولكنها على قصرها, كانت نقطة تحول عظيم في مجرى حياتي الفكرية . فقد دخلت شخصية جديدة في وجداني ذات منهج جديد عليّ إلى جوار شخصيتي ابن تيمية و ابن عبد الوهاب .. وهكذا, بين ليلة وضحاها, و بعناية من الله, وبتدبير غير تدبيري, بدأت اقرأ تفسير " في ظلال القرآن", وكنت كلما قرأته شعرت بأنني وجدت شيئاً جديداً لم أجده في غيره

وبدأت بالتدريج أدرك الفرق بين منهج سيد قطب في فهم التوحيد وبين النموذج السلفي في طرح التوحيد و لعله مما ينبغي ذكره : بأنني بعد أن توثقت علاقتي مع

عمر طرموم " ودعوته إلى منزلنا في صنعاء بدأت اكتشف أنه في وادٍ و معهدنا في وادٍ أخر, حيث كان " محمد المؤيد " وعمي " عبد الرحمن العماد " ينزعجا إذا علما بحضوري في مجالس " عمر طرموم و علمت أنه على خلاف مع " عبد المجيد الزنداني " .. ومع الكثير من أفراد النموذج السلفي في الإمام محمد بن الحسن العسكري في اليمن وكانت محبتي لعمر طرموم و علاقتي معه و انجذابي لشخصيته و فكره تجعلني احياناً اتضايق من موقف مشايخي و زملائي من عمر طرموم, وتلك الأمور كانت بداية مرحلة جديدة في حياتي الفكرية, و مقدمة منهج فكري جديد ينمو في داخلي, لأنني اصبحت من مريدي " سيد قطب " و " عمر طرموم " وهذا خطأ حسب النموذج السلفي الذي

ص: 461

نشأت عليه منذ طفولتي وازدادت الفجوة بيني وبين النموذج السلفي حينما بدأت اميل إلى محمد الغزالي المصري " وأقرأ له غير " فقه السيرة " بتعليق الألباني من كتبه المرفوضة من مشايخ النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري, وقد بدأت في اقتناء تلك الكتب وهكذا بدأت اتحرر من القفص الحديدي لكنني في تلك الفترة كلها لم اتحرر بعد من موقفي من الإمام محمد بن الحسن العسكري ولم اتحرر من موقفي من جده الإمام علي بن ابي طالب .. ولى في ذلك قصة طويلة .

بدأت أقرأ عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري في السابعة من عمري وبديهي أنني لم أفهم كما ينبغي - ما قرأته في القرآن و السنة عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري بسبب سيطرة النموذج السلفي التفسيري عليّ . واستوقفتني في أثناء تك الفترة " آية التطهير ", فعدت أتلوها المرة بعد المرة .. لكن هذه التلاوة لم تجعلني أدرك أية علاقة بين علي وفاطمة والحسنين و بين آية التطهير .. ولست أدري كم مرة قرأت " آية المودة " و انا طفل, ولكنني أذكر أنه ما من مرة قرأت الآية وأدركت أنه لها علاقة بعلي وفاطمة و الحسنين كل ذلك بسبب هيمنة النموذج السلفي على جهازي التفكيري ولست أدري كم مرة سمعت " حديث الثقلين " و " حديث الاثني عشر " و " حديث المنزلة " و " حديث الكساء " و حديث الغدير " ولكني أذكر أنه ما من مرة قرأتها و أدركت أن لها علاقة باجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري وبأمامة علي و الأحد عشر من ولده ولا يمكن ي أدراك تلك العلاقة طالما مازال ذلك النموذج السلفي كامنا في مخيلتي . تلك فترة قد خلت, بخيالاتها الطفلة, و إدراكها المحدود, ولا مرة كانت تلك الآيات من القرآن ولا هذه الاحاديث من السنة النبوية تلفتني إلى عظمة اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري .. عظمة علي و فاطمة و الحسنين و الى عظمة التسعة من ولد الحسين وعضمة آخرهم .. الإمام محمد بن الحسن العسكري. في تلك الفترة فترة الطفولة لم يكن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري .. علي و لا فاطمة ولا الحسن والحسين يجذبوني كما يجذبني و يهزني عمر بن الخطاب أو عبد الله بن عمر أو ابو هريرة أو عائشة أو عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة.

ومع ذلك في فترة الطفولة بطبيعة الحال . لم اكن أكره علياً .. ولكن لم يومئذ - عندي أي قيمة لعلي أمام عمر وعثمان أو لخديجة و فاطمة أمام عائشة أو للحسنين أمام عبد الله بن عمر وابي هريرة . ثم كانت فترة الشباب الباكرو كانت لي جولة أخرى مع اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري, جولة مختلفة تماماً عن السابقة .في هذه الفترة اصبحت لدي فكرة أخرى عن " الإمام محمد بن الحسن العسكري مقارنة بالفترة السابقة, إذ كنت الفترة السابقة لا أدرك كنه وتفسير الآيات القرآنية والاحاديث

ص: 462

النبوية الواردة في أهل البيت وكنت اقدم الكثير من الصحابة على أهل البيت, لكن في هذه الفترة بدأت تتكون لي سورة شنيعة وسلبية و قبيحة عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري .. عن علي وعن الحسين .. حقيقة أنني في هذه الفترة بدأت انتقد و اهاجم علياً و اذكر معايبه ومطاعنه و شطحاته بنفس المعايب و المطاعن والشطحات التي كنت أسمعها عند بعض مشايخي من اتباع النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري . وأنقضت تلك الفترة وبدأ النموذج السلفي في الإمام محمد بن الحسن العسكري يهتز حينما بدأت العودة إلى اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري من جديد

كنت في هذه الفترة في الرياض, وفجأة في المكتبة العامة وجدت كتاباً اسمه " العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل من تأليف ابن عقيل الشافعي .. وهو يتحدث ويرد بعض المعايب و المطاعن والشطحات التي واجهنا بها علي فاستهواني ذلك الكتاب و فاجئني مفاجأة تامة .. و شككني في كل المعايب التي سمعتها عن علي في جو معهدنا وجامعتنا .. ومع

كتب أخرى وكلمات جديدة تبدأ جولة جديدة مع " الإمام علي " ذلك هو كتاب " كتب وشخصيات " وكتاب " العدالة الاجتماعية في الإسلام " لسيد قطب وعدت أبحث عن علي من جديد, على ضوء منهج سيد قطب في التعامل مع الإمام علي

ولا أستطيع اليوم أن أقول أين كانت تقودني قدمي لو لم هذا المنعطف في حياتي بكتابات سيد قطب وكلماته عن الإمام علي وعن الإمام الحسين .. ولكن الذي لا شك فيه أن كتاب " العتب الجميل " قد أعطاني دفعة هائلة في اتجاه منهج سيد قطب في التعامل مع الإمام علي لم أكن لأتجه إليه بغير ذلك الكتاب ولا شك أنه حينما تتغير رؤيتي للإمام علي سوف يتبعها بالتدريج المرحلي تغيير رؤيتي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري .. ومع كتاب آخر تبدأ جولة جديدة مع " الإمام محمد بن الحسن العسكري " ذلك هو كتاب " الإمام جعفر الصادق علیه السلام " للشيخ أبي زهرة الذي رسخ في ذهني منهج سيد قطب في التعامل مع الإمام علي وفي التعامل مع الإمام الحسين كان الحديث عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعن مذهب الجعفرية بأسلوب محمد ابي زهرة جديداً على حسّي و على تفكيري ؛ لأنني كنت قبل اكتشاف ذلك الكتاب اصر بأنه لا وجود لأي مذهب ينتسب إلى أهل البيت -- كما تعلمنا في المعهد والجامعة و الجديد علي في هذا الكتاب وجود مذهب لاجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري, وبين ابو زهرة أنه عرف هذا المذهب بالمذهب الجعفري .. وإذا كنا في نموذجنا السلفي نشكك في ما رواه الجعفرية عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري, فإن هذا الكتاب اثبت بأدلة قوية بأن أكثر ما نقلته الجعفرية عن أهل البيت هي منقولات ثابتة عن

اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري و رفض المنهج التشكيكي السلفي في كل تراث

ص: 463

الجعفرية .. حينئذ عدت من جديد لأدرس روايات الجعفرية عن اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري.. عدة إلى دراسة الجعفرية بمنهج جديد بعيد كل البعد عن الصورة المرسومة في ذهني المنبثقة من النموذج السلفي . لقد كان عندي أن ما هو موجود في كتب الجعفرية انما هي سخافات و اساطير تنسب إلى اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري وكنا في معهد صنعاء وفي مدينة الرياض نتلقى تلك التشكيكات في تراث الجعفرية من مشايخنا و نجعل كلامهم وكأنه كلام منزل من السماء لا ينبغي مناقشته. لقد بدأت تتجمع في ذهني صورة جديدة عن " اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري " وعن المذهب الجعفري المنتسب إلى اجداده لا سيّما أنني أطلعت في المكتبة العامة على فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت حول المذهب الجعفري ولم يكن رأيه في الجعفرية يخطر بذهني

وعلى الرغم من أن النموذج الفكري السلفي وهكذا النموذج التفسيري والسلفي بدأ يهتز في ذهني و أنني وصلت إلى مرحلة متقدمة في اكتشاف حقيقة اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري إلّا أنني عدت من جديد ورجعت إلى الخلف .. وانتعشت كراهيتى لمذهب اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري من جديد بعد أن شكيت في رؤية الشيخ محمد ابي زهرة وفي رؤية الشيخ محمود شلتوت حول الجعفرية و آمنت من جديد برؤيتي السلفية القديمة عنها وهي نفس رؤية إبراهيم الجبهان ومحب الدي الخطيب واحسان الهي ظهير عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .. ولكن في هذه المرة لم اتنازل عن منهج ابن عقيل الشافعي ومنهج سيد قطب ومنهج الإمام محمد أبي زهر المصري ومنهج الشيخ محمد الغزالي المصري في التعامل مع اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري ... مع الإمام علي ومع الإمام الحسين فلم اعد اكره

الإمام علياً .. وبدأت الآن افكر في كتابة كتاباً ضد مذهب اجداد الإمام محمد بن الحسن العسكري, ولكن هي كتابة الذي يقدّم خطوة و يتأخر خطوة .. ؛ لأن فتوى شلتوت في الجعفرية ورأي ابي زهرة فيها ما تزال ماثلة في ذهني .. فكنت متأرجحاً ومتردداً بين منهج إبراهيم الجبهان ومحب الدين الخطيب واحسان الهي ظهير في التعامل مع الجعفرية وهو منهجي القديم وبين منهج شلتوت وابي زهرة في التعامل معها .. لكن منهجي القديم المهيمن عليّ منذ طفولتي جذبني إلى إبراهيم الجبهان والشيخ محب الدين الخطيب و الشيخ احسان الهي ظهير في التعامل مع الجعفرية فدفعني دفعاً إلى أن اجمع كل ما قالاه الشيخان عن الجعفرية من المعايب والمطاعن من اجل اثبت صحة حكمهما على الجعفرية من خلال توثيقها و اسنادها إلى كتب الخطيب وإبراهيم الجبهان قطب من اقطاب الجعفرية اجمع الجعفرية على عظمته و وثاقته وهو " الشيخ المفيد " ..

ص: 464

وبدأت اجمع كل كتب الشيخ المفيد التي تفوق علي عشرين مجلداً .. ولكن قراءتي لكل كتب الشيخ المفيد وصحبتني له أخذتني منحى آخر

لقد أدركت من خلال كتبه خطأ الشيخين الخطيب وإبراهيم الجبهان في حكمهما على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وصواب شلتوت و ابي زهرة في رؤيتهما عن الجعفرية بل أدركت من خلال كتبه ما هو اكبر من ذلك .. أدركت حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. وبغير ترتيب مقصود قادني الشيخ المفيد من النموذج السلفي في الإمام محمد

بن الحسن العسكري إلى منهج الاثني عشرية في حقيقة هذا الإمام العظيم بغير ترتيب مقصود .. إنما قرأت كتبه لنقد وتكفير المذهب الذي ينتمي إليه .. فكان كل كتاب له يقربني إلى مذهب الشيخ المفيد و يبعدني عن النموذج السلفي

وكم هنالك فرق بين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري في طفولتي وبين صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري حينما قرأت تراث وكتب الشيخ المفيد . ولكن لابد حتى اكون صادق علیه السلام اً

مع طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أنني حتى بعد أن قرأت كل تراث و كتب الشيخ المفيد وجدت نفسي في بداية الأمر امام الإمام محمد بن الحسن العسكري يبدو لي هذا الإمام كما لو كان شخصين مختلفين حلّا في شخصية واحدة .. ولكن هذه الشخصية ليست كما بدت لي بل جلّ ما في الأمر أن " محمد بن الحسن العسكري " الأول يمثل و يصوّر لي صورته التي غرست في مخيلتي في المعهد وما أحمل في نفسي من ذكريات عنها لاتنسى, و " محمد بن الحسن العسكري " الثاني يمثل صورة جديدة له .. والتعارض بين الصورتين جعلني اعيش في قلق نفسي و تحيّر .. أي الصورتين انتخب لا سيّما أنني بدأت المس وجود تيارين في داخل مخيلتي يجريان في اتجاهين متعاكسين أحدهما يدافع عن " محمد بن الحسن العسكري الأول والأخر يتبنى " محمد بن الحسن العسكري " الثاني ." محمد بن الحسن العسكري الأول رسمه ابن تيمية في كتابه منهاج السنة و " محمد بن الحسن العسكري" الثاني رسمه الشيخ المفيد في تراثه الفكري .. الواقع أن التيارين المتنازعين كان لهما صدى في ایجاد نزاع داخل نفسي ما بين " محمد بن الحسن العسكري الذي رسمه ابن تيمية وغرس في وجداني منذ طفولتي, " محمد بن الحسن العسكري الذي اكتشفته في كتب الشيخ المفيد لقد اخذت الحيرة تستولي على نفسي .. ايمكن أن يكون ما عرفته عن الإمام محمد بن الحسن العسكري طوال دراستك في المعهد والجامعة ليس صحيحاً ؟ .. وماذا تعرف يا عصام عن تلك الشخصية ؟ .. إنك تعرف عنه شيئا, و ابن تيمية يعرف عنه اشياء .. إنك تعرف عنه من هنا و من هناك لو جمعتها لما ارتقت إلى ما عرفه ابن تيمية عن هذه الشخصية ؟

ص: 465

اتراك ياعصام تساوي بين شيخ الإسلام ابن تيمية وبين شيخ من مشايخ مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام يدعى بالشيخ المفيد ؟ .. ترى ماذا سيحدث لي في سكن جامعة الملك سعود إذا افضيت إليهم بخبر هذا الحدث العظيم وهم بمذهب ابن تيمية في شأن الإمام محمد بن الحسن العسكري .

وأسرتي واقربائي .. وعمّي الشيخ عبد الرحمن العماد الذين في اليمن ... كيف يكون وقع الخبر عليهم ؟ .. إن الاتصالات بيني و بين عمّي لم تنقطع طيلة إقامتي في الرياض

بمثل تلك الأفكار و شبيهاتها عشت تلك الفترة الهامة في حياتي الفكرية, عند هذا الحد كنت أتوقف و اتردد . ولئن كنت احياناً اشك فى عقيدتى السابقة عن الإمام محمد بن الحسن العسكري .. لكنني في لحظة غير ارادية كنت اختار رأي ابن تيمية في هذه الشخصية و اترك رأي غيره نتصوّر أن زائراً من السماء هبط إلى الأرض, فمن الطبيعي أن يكون عالماً بحقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري كما هي في واقعها ؛ لأنه اطلع على واقع هذه الشخصية في العوالم العلياء في السماء, وإن كان حين وصل هذا الزائر السماوي إلى الأرض لا يعلم ماهي رؤية أهل الأرض للإمام محمد بن الحسن العسكري .. ولا يعلم هل تنطبق رؤية أهل الأرض مع رؤية أهل السماء عنه .. ولنفترض الآن, وفي محيط الفرض الذي وضعناه, أن زائرنا السماوي قرر البحث عن رؤية أهل الأرض للإمام محمد بن الحسن العسكري فاطلع علي النموذج السلفي حول هذا الإمام العظيم ثم اطلع بعد ذلك على صورة ذلك الإمام في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد, فسوف يدرك زائرنا السماوي بأن هنالك عند أهل الأرض لوحتين متعارضتين عن الإمام محمد بن الحسن العسكري اللوحة الأولى رسم فيها الإمام محمد بن الحسن العسكري منفرة, وهي تبعد الناس عن هذا الإمام, و اللوحة الثانية لوحة جميلة ترغب الناس في محبة ذلك الإمام, ولكن من الطبيعي أن زائرنا السماوي احدي اللوحتين التي تتفق مع لوحة أهل السماء عن هذا الإمام ؛ لأنه يعلم أن لوحة أهل السماء هي اللوحة التي يرتضيها خالق أهل السماء و أهل الأرض .. وهذا ما قمت به لأجل الخروج من القلق النفسي لديّ فبدأت ابحث عن صورة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أهل السماء من خلال البحث في كتب الأحاديث النبوية حول الإمام المهدي .. ومما سهل عليّ الأمر تخصصي في مجال علم الحديث .. إلى أن اكتشفت بعد بحث طويل بأن احاديث النبي في الإمام المهدي تنطبق على الإمام محمد بن الحسن العسكري وبالتالي تنسجم مع اللوحة التي رسمها عنه الشيخ المفيد, وهكذا بدأت اتحرر من اللوحة الثانية التي رسمها عن ذلك الإمام العظيم التي رسمها ابن تيمية .

ص: 466

لكن مشكلتي الكبرى تكمن بأنه لم تكن لي تجربة للتحقيق و البحث عن عقيدة خارج نموذجنا الفكري عن ذلك الإمام العظيم لكن ثقافتي عن هذا الإمام بدأت تنمو بسبب قراءاتي عنه في تراث الشيخ المفيد البعيد عن نموذجنا الفكري ولكن مشكلتي الكبرى أنني لم اتمكن من الاطمئنان من تراث بعيد عن نموذجنا الفكري .. إلا أن رأس الخيط الذي جعلني اطمئن إلى رؤية الشيخ المفيد في الإمام محمد بن الحسن العسكري يرجع إلى تحقيقي وتأملي في بعض أقوال ابن تيمية فكانت هي السبب الأول الدي قادني إلى الإيمان بهذه الرؤية التي اكشفتها في ترث الشيخ المفيد .. وهي أقوال قرأتها في كتاب منهاج السنة لابن تيمية حيث قال : «وكثير من اليهود إذا اسلم يتشيع فظن أن هؤلاء - أي الائمة الاثني عشر عند الاثني عشرية هم اولئك - أي هم الائمة الاثنا عشر الذين ذكروا في تراث الاثني عشرية – – منهاج السنة : 8 / 242] -, ويقول - ايضا : «... الدي ثبت عن النبي في عدد الاثني عشر مما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي فسمعته يقول : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ... والدي في التوراة يصدق هدا ... » – منهاج

ج8 ص 242 وص 252 – وأشهد أني وجدت في كتب اليهود والنصارى عين ما دكره ابن تيمية .. لقد تتبع اليهود والنصارى اخبار الخلفاء الاثني عشر من أهل بيت محمد

كما تتبعوا اخبار محمد رسول الله - ص

لقد ناقشتهم في الجامعة في اقوال ابن تيمية وفي ما جا في التوراة مما يؤيد رؤية الشيخ المفيد , وكان انطباعهم الأول أنني إنسان ساذج غرر بي رجل رافضي

وبعد أن تأملت في أقوال ابن تيمية وفي التوراة إضافة إلى الأدلة النقلية و العقلية التي ذكرها الشيخ المفيد لم يكن من الممكن لي أن اغمض عيني عن جميع الدلائل التي تشير إلى خلاف ما تعلمناه عن هذه الشخصية في معاهدنا وجامعاتنا ومساجدنا . لقد بدأت اكتشف حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري, وكان اكتشافي له حدثاً عظيماً في حياتي الفكرية .

تلك قصتي الطويلة مع الإمام محمد بن الحسن العسكري, والصفحات التالية و الماضية في هذا الباب الخامس من هذا الكتاب هي الخلاصة من هذه القصة الطويلة .. أقدمها إلى كل اخواني السلفيين الباحثين عن حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري, وبعد أن انتهينا من بيان بداية تهافت النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري .. حان الوقت أن نشرع في عرض الأدلة التي كانت هي السبب في تهافت نموذجي السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري وهي السبب في إيماني بمهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم. ، وسوف يستبين لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية كيف تكوّن لديّ فهم جديد للإمام محمد بن الحسن العسكري بعد بحث طويل - كما تبين لنا من خلال البحث الماضي استيقنت بأن القول

ص: 467

بحقيقة غيبة الإمام هو تصور اعتقادي مصدره الرسول الأكرم, و أوصيياؤه الأثناعشر لا من غيرهم, ويستطيع الإنسان - وهو واثق - أن يقول : إن عقيدة الاثني عشرية بحقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري حقيقة أساسية أخبر عنها الرسول الأكرم، قبل تحققها في الواقع التاريخي بأكثر من مائتين عاماً، وكان الأئمة الاثنا عشر - من لدن الإمام علي إلى الإمام المهدي – يبينوا للناس هذه الحقيقة ويعرفوهم بأنّ الإمام الثاني عشر سوف يغيب، ووضحوا لهم ذلك بالنصوص الصريحة المتواترة، حتى أصبحت حقيقة مسلّمة لدى جماعة كبيرة من المسلمين. وفي الحقيقة أن أهم مشكلة واجهتها في رحلتي الفكرية من السلفية إلى الاثني عشرية هي قضية الإمام محمد بن الحسن العسكري و مهدويته و غيبته . والواقع أن سبب تلك المشكلة التي واجهتها لأننى كنت اريد أن أفهم حقيقة الغيبة قبل أن أدرك حقيقة حديث الثقلين, وقبل أن أدرك حقيقة حديث الاثني عشر, وقبل أن أدرك حقيقة آية التطهير, وقبل أن أدرك حقيقة آية المباهلة, وقبل أن أدرك الكثير من الحقائق التي لا بدّ لي أن أدركها قبل أن أدرك حقيقة الغيبة. لقد تبين لي - بعد بحث طويل أنني لا أستطيع أن أفهم حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر [ الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا بعد أن أدرك حقيقة الإمامة الربانية لمذهب الاثني عشرية, فلا شك أن حقيقة الغيبة تنبثق من الإيمان بنص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله - على إمامة الأئمة الاثني عشر ، وقبل أن أؤمن بذلك كان لا يمكن لي أن أدرك هذه الحقيقة، ومن هنا حين كنت ابحث عنها ، قبل اعتقادي بالنص على الأئمة الاثني عشر، [= ، كانت نظرتي حول حقيقة غيبة الإمام المهدي [ الإمام محمد بن الحسن العسكري] قابعة في حدود المعرفة الفكرية الباردة ، ومن ثم لم اقتنع بحقيقة إلا بعد أن اعتقدت بإمامة الائمة الاثنى عشر ؛ لأن هنالك تلازم بين حقيقة الإمامة وحقيقة الغيبة، بل هناك ما هو أكثر من التلازم، هناك الانبثاق الذاتي، فحقيقة غيبة الإمام الثاني عشر فرع من حقيقة إمامة الأئمة الاثني عشر ، لقد أدركت بأن المسألة - في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر – ليست كما سرنا عليه في بحثنا عن حقيقة الغيبة في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء حيث كنا نبحث عن حكمة حقيقة الغيبة من دون أن نبحث هل لهذه الحقيقة وجود في الاحاديث النبوية، وادركت بأن المسألة - في حقيقة الغيبة - ليست هي البحث عن إمكانية أن يعيش الإمام الثاني عشر أكثر من ألف سنة، إنما المسألة ترتبط أولاً - قبل كل شيء بالبحث عن الأحاديث النبوية والروايات المتواترة القاطعة الصريحة، التي دونت في كتب الحديث، وانتشرت بين الناس، وكتب حولها الكتب، وارتبطت بعقيدة الناس بعد أن سمعوا من الرسول - صلى الله عليه وآله - حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر - رضوان الله عليه ثم سمعوها من الإمام علي, ثم سمعوها من الإمام الحسن ثم من الإمام الحسين، ثم من الإمام الباقر، ثم من الإمام الصادق علیه السلام ، ثم من الإمام الكاظم، ثم من الإمام الرضا، ثم من الإمام الجواد، ثم من

ص: 468

الإمام الهادي، ثم من الإمام الحسن العسكري، ثم من الإمام المهدي - رضوان الله عليهم جميعاً . - ، وبتلك الأحاديث والروايات المتواترة، المستمدة مباشرة من الرسول الأكرم، ومن أوصيائه الاثني عشر، تكيفت جماعة من المسلمين وآمنت بحقيقة الغيبة قبل تحققها، ودونتها وجمعتها في كتب الحديث، بل أفردت لها كتباً مستقلة قبل تحقيق الغيبة بأكثر من مائتين عاماً كما سيتضح لنا قريباً - إلى أن تحققت مضامين تلك النصوص في الواقع التاريخي بنفس الصورة التي أخبرت عنها تلك الأحاديث والروايات التي كانت هي المرجع الأول للاعتقاد بحقيقة الغيبة، فمنها انبثقت تلك الحقيقة، وكانت مفاجئة كبيرة للذين تحققت حقيقة الغيبة في زمانهم، لأنها تحققت بعد أن أخبر بها النبي الأكرم بأكثر من قرنين من الزمان، فعلموا أن تحققها في الواقع التاريخي إنّما كان تطبيقاً حتمياً لخبر النبي الأكرم، وآمنوا أن أخباره - صلى الله عليه وآله عن حدث سوف يقع في المستقبل لا بدّ له أن يظهر في الواقع التاريخي. ونحن - في هذا الباب الخامس من الكتاب - نحاول عرض الأدلة على حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر » [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري مصحوبة بالشرح والتوضيح والتجميع والتبويب، حتى يعرف إخواني السلفيين اسباب إيماني وتصديقي بتلك الحقيقة الأساسية العظيمة واسباب تركي للنموذج السلفي في ترسيم تلك الشخصية العظيمة.. ونحن عرضنا تلك الأدلة بهذه الصورة :

الدليل الأول : حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في التوراة والانجيل.

والدليل الثاني : حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في القرآن والسنة.

والدليل الثالث : حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كلمات أهل السنة.

والدليل الرابع : حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كلمات السلفية.

والدليل الخامس : حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كلمات علماء الاثني عشرية.

وهذه هي الأدلة الخمسة التي جعلتني اترك النموذج السلفي حول الإمام محمد بن الحسن العسكري و اتبع عقيد مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في حقيقة مهدوية و غيبة ذلك الإمام العظيم .. لكنني حين ذكر تلك الأدلة في هذا الفصل لم التزم بذكرها حسب الترتيب المذكور.

ولقد عيرني بسبب إيماني بهذه الحقيقة اقربائي واصدقائي عيرني البعض من زملائي من مشائخ وعلماء السلفية ومن أبناء العلماء, ونشروا يهاجموني في أكثر من مقالة يصفوني بالسذاجة والضلال .. تهجموا علي وهم لا يعلمون بأنني آمنت بحقيقة منبثقة من الأحاديث النبوية وكافحت لأجل الدفاع عن السنة النبوية, وتناسوا أن أولياء الله وعباده الصالحين لا يحكمون على عباد الله إلا بعد استماع حجتهم ودليلهم .. اولئك يرون بأن الواجب يقضي عليّ

ص: 469

في منطقهم أن اقلد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مقالاته عن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر [ = الإمام محمد بن الحسن العسكري]. وأريد أن أوجه خطابي إلى الذين تجنوا على وهاجموني فلهم فضل عليّ لأنهم الذين اجبروني على طرح حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر [= الإمام محمد بن الحسن العسكري] . وقد مضى على هجومهم علي سنوات ولكني دائما اذكرهم واشكرهم على جميلهم ولن أنساه ما حييت لقد قرأت عشرات الكتب التي كتبت حول حقيقة غيبة الإمام المهدي [ الإمام محمد بن الحسن العسكري ثم أعدت قرأتها, كنت أقرأ الكتاب حول الغيبة ثم أعيد قراءته, وإذا عجزت عن فهمه وهضمه أعدته مرة ثانية, ولا شيء أصعب عليّ من أن اقرأ كتابا جديدا حول حقيقة الغيبة ولم أكن قد فهمت الكتاب السابق, حيث أبقى مشغول الذهن به حتى يتضح لي وهذا ما كان يضطرني إلى مراجعة الشروح والحواشي حتى أعرف مضامين كتب حقيقة الغيبة. وعندما آمنت بحقيقة الغيبة ابتدأت بالكتابة حولها, وما زلت أذكر أهم تلك الكتاب مثل كتاب الغيبة للشيخ المفيد, وكتاب الغيبة

للشيخ النعماني, وكتاب الغيبة [ كمال الدين ] للشيخ الصدوق, وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي وغيرها كثيرا. وحين عدت اليمن إلى اليمن دخلت في حوارات مع بعض أخواني السلفيين حول حقيقة الغيبة فبقيت مكباً أكثر من شهرين ملازما لكتب حقيقة الغيبة في الليل والنهار مطالعة وكتابة . كنت اعتقد أيام دراستي في السعودية أن فكرة الغيبة هي فكرة يهودية أو مجوسية لا أساس لها في الإسلام. اما بعد أن بحثت عنها بحثا عميقا وتابعت التنقيب والتحقيق حولها اعتقد الآن أنها تأتي في ضمن المسائل الأساسية والحقائق الرئيسية في الإسلام وقد كان هذا البحث ثمرة قراءتي وتحقيقي حول هذه الحقيقة الكبرى في الإسلام.

ونحب الآن أن نذكر حقيقة مسلّمة وهي أنه لم يكن الشيخ ابن تيمية وحده يرى بأن المهدي هو الثاني عشر بل وجدت بأنالحافظ الإمام جلال الدين السيوطي كان يعتقد - ايضاً- أن الإمام المهدي هو أحد الاثني عشر, قال في شرحه لحديث الاثني عشر: «... أحدهما المهدي ، لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان الإمام ابن كثير الدمشقي أيضاً - من أئمة أهل السنة الذين يعتقدون أن الإمام المهدي أحد الأئمة الاثني عشر وقد صرّح بذلك في تفسيره وفي تاريخه ، ونقل عنه مفتي الديار السعودية شيخنا «ابن باز» رحمه الله - ذلك والأهم من هؤلاء جميعا هو تصريح ابن تيمية في منهاج السنة بأن المهدي هو الإمام الثاني عشر . وقد كان إمام أهل السنة – أبو داود السجستاني – من الذين يؤمنون بأنّ الإمام المهدي هو أحد الأئمة الاثني عشر ، ومن ثم فقد أورد في سننه أحاديث الأئمة الاثني عشر, في كتاب الإمام المهدي - رضي الله عنه -, وفي هذا يقول الإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي في كتابه «النهاية»: «فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان، وهو

ص: 470

أحد الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين ... وقد عقد أبو داود السجستاني – رحمه الله - كتاب المهدي مفرداً في سننه، فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة، عن رسول الله – صلى الله عليه وآله : لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليهم الأمة» وفي رواية لا يزال الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، قال فكبر الناس وضجوا، ثم قال کلمه خفیت، قلت لأبي : ما قال قال كلهم من قريش» ويحسن أن يكون مفهوماً إنني آمنت بهذا الأمر ؛ لأن النصوص النبوية واستقراء الحوادث المحيطة بها تؤكّد صحة هذه النصوص، ولا يمكن أن يهجس في خاطري أن أنسب إلى الإسلام ما هو بريء منه!. إن مثل هذا الخاطر لا يهجس في نفسي أبداً إنما أنا أسير مع النصوص الثابتة, فجنحت إلى هذا الأمر بإيحاء النص واتجاهه. والمهم الآن - في تجربتي - مع هذه الحقيقة أن أقول: إن الشرارة الأولى التي قادتني إلى الإيمان بحقيقة الإمام المهدي كما هي عند الاثني عشرية هو عقيدة كبار السلفية وكبار السلفية في القديم والحدينا بأن الإمام المهدي هو الخليفة الثاني عشر , وقد كنت أبحث عن السبب الذي جعل الإمام أبا داود السجستاني يقرن بين الاحاديث الواردة في الإمام المهدي وبين الاحاديث الواردة في الخلفاء الاثني عشر إلى أن اكتشفت هذا الدليل بعد بحث طويل, فعرفت سبب ذلك, لكنه يفرض على كل باحث من اخواني السلفيين أن يتأمل أولا في الأحاديث والروايات التي وردت في الإمام المهدي، ثم يتأمل ثانيا في الاحاديث والروايات الواردة في خلافة الخلفاء الاثني عشر ، وسوف يجد أن الأحاديث والروايات الأولى حول الإمام المهدي - ذكرت أن «الهرج» سوف يكون بعد مضى الإمام المهدي - رضي الله عنه - ، وإن الروايات الثانية - حول الخلفاء الاثني عشر - ذكرت أن «الهرج» سوف يكون بعد مضي الخليفة الثاني عشر من الخلفاء الاثني عشر - رضوان الله عليهم . ولعله يحسن - ليكون هذا الدليل واضحاً وضوحاً يناسب أهميته - أن نزيد في إيضاحه وبيانه فنقول: إننا عندما نطرح روايات الإمام المهدي، أمام الروايات التي ذكرت أن الخلفاء اثني عشر سوف نلاحظ : إنها تذكر أن الخلفاء الاثني عشر ، لن تنتهي حياة آخرهم - الخليفة الثاني عشر - إلا قبيل القيامة، ثم يسأل النبي يكون ماذا؟ أي ما الذي سوف يحدث يارسول الله بعد مضي الخليفة الثاني عشر ؟ فيجيب الرسول الأكرم - صلى الله عيه وآله وسلم : «ثم يكون الهرج», فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبرنا أن «الهرج» سوف يكون بعد مضي الإمام المهدي، ثم أخبرنا إنه سيكون «الهرج» بعد مضي الخليفة الثاني عشر، فعلمنا من خلال الجمع بين الخبرين أن الإمام المهدي هو الخليفة الثاني عشر, ، وفي الحقيقة بأنني هنا فسّرت كلام رسول الله - ص - بكلام رسول الله ، أو تفسير الحديث النبوي بحديث نبوي آخر ، وهذا هو أفضل وسيلة لفهم كلام رسول الله ، كما أنَّ أفضل وسيلة لفهم القرآن الكريم هو تفسير القرآن بالقرآن ، وفهم آية قرآنية من خلال آية قرآنية أخرى . وبعد أن

ص: 471

انتقلت من عقيدة السلفية في الإمام المهدي إلى عقيدة الاثني عشرية فيه رأيت أن هذا الدليل من الأدلة المذكورة في كتب الاثني عشرية, وقد أشار إلى هذا الدليل المحدث الجليل الإمام النعماني (من كبار المحدثين في القرن الرابع الهجري) في كتابة القيم «الغيبة».. فبعد أن ذكر احاديث النبي في الخلفاء الاثني عشر – في كتب أهل السنة قال: «...وفي قوله صلى الله عليه وآله في آخر الحديث الأول : «ثم يكون الهرج» أدلّ دليل على ما جاءت به الروايات متصلة, من وقوع الهرج بعد مضي القائم «الإمام المهدي» عليه السلام بخمسين سنة، وعلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرد بذكره الاثني عشر خليفة ألا الأئمة الذين هم خلفاؤه...

ومع تأكيدنا لطالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يرجع إلى الحقيقة القرآنية الثامنة ، وهي حقيقة الإمام حين ذكرنا أحاديث الخلفاء الاثني عشر في صحيح البخاري وصحيح مسلم وفي غيرهما من كتب الحديث عند أهل السنة ، وأرى بأنّه من الواجب أن يلتفت طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية إلى حقيقة هامة ، وهي أنّه في القرن الأول والقرن الثاني الهجريين ، لم يكن أحد من سلف أهل الحديث في المذهب الاثني عشر يهتم بتدوين أحاديث الاثني عشر بعد رسول الله ، ولم يكن أحد من سلف الأثني عشرية يتصوّر بأن حديث الاثني عشر يرتبط بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، وكان خصوم المذهب الاثني عشر في القرن الأول وفي القرن الثاني يهتمون إهتماماً بالغاً بالأحاديث التي تذكر اثني عشر خليفة بعد رسول الله ، وكان سلف أهل السنة والجماعة في القرن الأول والثاني هم الذين نشروا بين الناس بأنّ رسول الله بشر باثنى عشر خليفة من بعده ، ورأينا أنّ كبار أئمة أهل السنة جعلوا حديث الاثني عشر من الأحاديث المشهورة بين جميع الناس ومدوّنا في كل كتب الحديث ، وبالتالي عرف المجتمع السني في القرن الأول والثاني الهجريين حديث الاثني ، في حين لم يعرف المجتمع الاثني عشري حديث الاثني عشر إلا في القرن الثالث ، واهتم الإمام الليث بن سعد المصري المتوفى سنة 175ه بحديث الاثني عشر ، ومن المعلوم بأن أمالي الإمام الليث بن سعد كتب في عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام [ الإمام السادس من الأئمة الاثني عشر ] ، وقد نقل حديث الاثني عشر من أمالي الإمام الليث بن سعد المحدّث الكبير ابن شهر آشوب في كتابه متشابه القرآن .. [2:56 ]

ولم أجد أحداً من سلف محدثي الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للإمام الليث بن سعد المصري ، كان لديه إهتمام بحديث الاثني كإهتمام الإمام الليث بن سعد المصري به ، ولم تكن المجتمعات الشيعية الاثني عشرية في القرن الأول والثاني الهجريين يتصورون بأنّ حديث الاثني عشر له علاقة بإمامة أهل البيت ، وهذا الأمر من أعظم القرائن على أحتمال أنّ

ص: 472

الحق مع الاثني عشرية ؛ لأنّه لو كان سلف الشيعة في عهد الإمام الليث بن سعد المصري وما قبل عهده في القرن الأول الهجري بذلوا جهداً في تدوين هذا الحديث لكان من الممكن أن يقال بأنّ فكرة الاثني عشرية بأنّ أوصياء رسول الله - ص - هم اثناعشر ، هي فكرة متأثرة بحديث الاثني عشر ، بل وجدنا بأنّه لم يشرع الاثناعشرية بفهم حديث الاثني عشر إلا منذ القرن الثالث الهجري ، بعد ظهور الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العكري ، نعم كان أئمة أهل البيت في القرن الأول والثاني الهجريين ، وكذلك بعض خواص أصحابهم ، يتدوالون حديث الاثني عشر ، وكانوا على علم بإرتباطه بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت ، ولكن كلامي هنا ليس عن أئمة أهل البيت وعن خوص أصحابهم، بل كلامي هو بأن مجتمعات أهل السنة في القرن الأول والثاني الهجريين عرفوا حديث الاثني عشر ، قبل أن يعرف المجتمع الشيعي الاثني عشري في القرن الأول والثاني الهجريين بحديث الاثني عشر

ونحب هنا - أن نذكر حقيقة مسلّمة تحدّثنا عن الكثرة الهائلة من الروايات المتواترة الصادرة من الأئمة الاثني عشر، التي ينص فيها كل إمام من الأئمة الاثني عشر، على إمامه الإمام الذي بعده إلى أن ينص الإمام الحادي عشر على إمامة الإمام المهدي آخر الأئمة - رضوان الله عليهم - حتى أصبح نص كل إمام على الإمام الذي بعده قاعدة ضرورية التزم بها كل الأئمة، وننصح أخواننا السلفية - هداهم الله - أن يتأملوا في تلك الروايات قبل دراسة حقيقة الغيبة وقبل أن ينتقدوها ويسخروا منها, كما ننصحهم أن يتأملوا في الدلائل القوية المتعددة والمتنوعة التي تثبت أن الإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري, الذي ولد في سنة (255) ه- ) ، وبعد الإيمان بتلك الحقائق الأساسية السابقة الموثوق بصحتها، والمستمدة من الكتاب والسنة، سيكون الإيمان بحقيقة الغيبة أمراً ضرورياً، يريد أن يؤمن بحقيقة الغيبة قبل التصديق بتلك الحقائق، إنما مثله مثل الذي يسعي بأن رسالة محمد - صلى الله عليه وآله - رسالة ربانية قبل التصديق بنبوته, ومن ثم لا بدّ لمن يريد أن يدرك حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر أن يلتزم بمسألة التدرج في البحث وبمنهج البحث الذي طرحناه في هذا البحث، فلا يمكن الإيمان بحقيقة الغيبة قبل التصديق بالحقائق المتقدمة عليها, عندئذٍ من السهولة أن نصل إلى الجزم والقطع بحقيقة غيبة الثاني عشر والذين يعانون من الإنكار لهذه الحقيقة من أمثال اخواننا السلفيين هم الذين يفصلون بين الأحاديث والروايات المتواترة في حقيقة الغيبة, وتلك الحقائق الأساسية المسلّمة المستمدة من السنة القطعية, حقيقة نص الرسول - صلى الله عليه وآله - على إمامة الأئمة الاثني عشر، وحقيقة نص كل إمام على الإمام الذي بعده، وحقيقة أن الإمام الثاني عشر، هو محمد بن الحسن العسكري، وهو المهدي المنتظر الذي ولد في سنة (255) ه- ) . ولما كان قصدنا في هذا البحث عرض حقيقة الغيبة على السلفية، أرى من الضرورة، تبيين أن حقيقة الغيبة، هي آخر

ص: 473

حقيقة من حقائق مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وجدت مكاناً في العقل والقلب، ومن ثم جعلتها آخر حقيقة تطرح على السلفية . إنني - من خلال تجربتي مع هذه الحقيقة قبل التصديق والتسليم بحقيقة غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري - رضوان الله عليه - قد اضطريت أن أبحث عن كتب الحديث والروايات القديمة، التي ذكرت أحاديث وروايات حقيقة الغيبة قبل أن تتحقق في الواقع التاريخي, وأن أراجع تراجم رواتها، وتراجم كل المؤلفين حول حقيقة غيبة محمد بن الحسن العسكري, كما إنني لم أعتمد إلا على الراوي الذي أحرزت وتأكدت من عدالته ووثاقته من خلال دراستي الخاصة، لاسيما بعد أن تبين لي الأثر المحسوس للخصومة المذهبية على بعض علماء الجرح والتعديل ومن ثمّ لم أسلّم بكل ما ذكروه في جرح بعض الرواة، خاصة إذا ثبت لي أن منشأ جرح الراوي هو الخصومة المذهبية، واعتمدت في الدرجة الأولى على كتب الحديث والرواية التي كتبت قبل تحقق حقيقة الغيبة في واقع الحياة، ثم اعتمدت في الدرجة الثانية على كتب الحديث والرواية التي كتبت في عصر تحقق حقيقة الغيبة، ثم الكتب التي كتبت في الزمان القريب من عصر تحقق حقيقة الغيبة، كما استفدت في معرفة تاريخ تأليف بعض كتب الحديث المتخصصة في جمع أحاديث حقيقة الغيبة على الفهارس القديمة، لاسيما على الفهرست القيّم للرجالي الكبير الشيخ الجليل الإمام النجاشي - رضوان الله عليه - ، وعلى فهرست الإمام المحدّث الشيخ الطوسي, ورجعت - أيضاً - إلى فهرست ابن النديم، وعقدت مقارنة بين الفهارس القديمة لعلماء الاثني عشرية والفهارس القديمة لعلماء أهل السنة، وبعد المقارنة استيقنت بصدق ما ذكرته فهارس الاثني عشرية, وكانت المقارنة ضرورية بالنسبة لي؛ لأنني لم أكن – في البداية – أطمئن لعلماء مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام , ولا شك أن الأمانة العلمية التي وجدتها – بعد بحث طويل عند المفيد والنجاشي والطوسي، كانت من الأسباب الرئيسية التي خلقت في نفسي الاطمئنان لأقوال المحققين من علماء الاثني عشرية, إنني أؤمن من أنه ليس من المنطق السليم التشكيك في كل أحاديث وروايات الاثني عشرية، قبل دراسة كتبهم الحديثية والروائية علمية بعيدة عن الخصومة المذهبية، ومن ثم فأنا أرفض منهج السلفية في التعامل مع روايات الاثني عشرية حول حقيقة مهدوية و غيبة محمد بن الحسن العسكري ، ولو فتح باب الشك من دون دليل أو برهان لما أمكن لنا أن نصدق بأية رواية. إنّما يكون الشك مفيداً عندما يبعثنا على البحث عن الرواية من حيث المتن والسند, أما إذا جعلنا نرفض أي رواية دون بحث وتحقيق, فسوف يكون مرضاً فكرياً خطيراً، ومن البديهيات أن الشك ليس غاية بل هو وسيلة، وليس محلا للبقاء بل هو مقدّمة للحركة الفكرية. ومنهجنا عند البحث عن روايات الاثني عشرية أن لا نسلّم أو نشكك بأي رواية إلا بعد التحقيق والبحث في متنها وسندها، وحتى الرواية الضعيفة من حيث السند التي نشك فيها، فنحن لا نقبل متنها إلا إذا صحت لدينا

ص: 474

بسندٍ آخر، فمن ثمّ فالأحاديث والروايات التي سنذكرها في خاصية الغيبة قد أحرزنا ثبوتها بصورة مجملة، وإذا ذكرنا رواية ضعيفة من حيث السند إنما نذكرها لأننا تأكدنا من صحتها بأسانيد أخرى صحيحة, ومن هنا فأنا أرفض تشكيك أخواني السلفيين بكل روايات الاثني عشرية, حيث رأيتهم يكذِّبون كلما رواه الاثنا عشريون, فقد وجدت أن الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة مهدوية و غيبة محمد بن الحسن العسكري قد تواترت من حيث المعنى واللفظ وتناقلها المحدّثون فى كتب الحديث والروايات قبل تحقق حقيقة الغيبة في الواقع الخارجي التاريخي, ثم تحققت مضامينها ومعانيها بنفس الصورة التي رسمتها, ومن ثم فلم نحتاج إلى حذف الرواية الضعيفة من حيث السند

فلنترك الشك الذي غرس في نفوسنا بسبب النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنه لا يستند على دليل، ولنقدّر تبعتنا الخطيرة تجاه تلك الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة العظيمة, وقد تبين لي أن منبع الشك في روايات الاثني عشرية كان عندي قبل التحرر من النموذج السلفي وهو عند السلفيين حاليا, إنما يرجع الشك إلى إنني وجدت أنه في القرن الرابع الهجري - بعد تحقق حقيقة الغيبة الكبرى للإمام محمد بن الحسن العسكري - انتشرت روايات الأئمة الاثني عشرية - التي تذكر حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر - في وسط علماء أهل السنة حتى شك بعضهم فيها، بحجة واهية، وهي أن روايات الأئمة الاثني عشر في حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري, لماذا اختفت في القرون الثلاثة الأولى؟!! وفي هذا التساؤل - الذي كان مهيمناً عليّ حينما كنت معتقداً بالنموذج السلفي - تجاهلاً لما حدث لروايات أهل البيت في القرون الثلاثة الأولى, ونحن نعلم عبارة ابن تيمية – رضوان الله عليه - في كتابه منهاج السنة التي بين فيها أن أهل السنة لم يأخذوا عن أهل البيت وكذلك عرفنا دور بني أمية في عزلنا عن روايات أهل البيت .. لقد اكتشفت من خلال تجربتي الفكرية مع الإمام محمد بن الحسن العسكري بأنه قد أتى على روايات أهل البيت المطهرين - أي : الائمة الاثني عشر - المطهرين وقت حكم عليها فيه بالحرق والإعدام، وكان اقتناء شيء منها يعد جريمة لا يعلم عقوبتها إلا الله، بل أن مجرد ذكر اسم أحد الأئمة الاثني عشر ، أو الإشارة إلى رواياتهم، أو الاستفادة منها في كتاب من كتب الحديث لدى المذهب السني، أو حتى مجرد ذكر اسم أحد الرواة من اتباع الأئمة الاثني عشر ، كان يعتبر جناية يعاقب عليها صاحبها، وكان إذا أجبرت الضرورة أحد المحدثين - من أهل السنة - على أن يذكر في كتابه رواية واحدة من روايات أهل البيت المطهرين, أو حتى روايات أهل البيت غير المطهرين كان يبتعد كل البعد عن التصريح بأسمائهم ، ويكتفي بأن يطلق عليهم اسماً لا يعرفه الحكّام، بل الأكثر من ذلك، أن بعض المحدثين – من أهل السنة – الذين عاشوا في عصر محنة الأئمة الاثني عشر

ص: 475

اضطروا أن يحذفوا روايات الأئمة الاثني عشر ، من الكتب التي جمعوا فيها الأحاديث الصحيحة، لاسيما وإن كتب الحديث - في المذهب السني - جمعت في عصر محنة الأئمة الاثني عشر – رضوان الله عليهم - ، ومن ثم فقد اكتفوا بمجرد الإشارة إلى الأئمة الاثني عشر في كتب الحديث وحذف الجزء الخاص بذكر أسماءهم !! واختفت روايات الأئمة الاثني عشر من كتب محدّثي أهل السنة بسبب هذه الظروف تماماً, كما بين الإمام الصنعاني أن أهل السنة حذفوا الصلاة على الآل خوفاً من بني أمية، وتضاعفت المسؤولية على أصحاب الأئمة الاثني عشر، وعلى شيعتهم المتمسكين بحديث الرسول - صلى الله عليه وآله في الأئمة الاثني عشر ، وبذلوا كل جهدهم في سبيل حفظ وتدوين روايات الأئمة الاثني عشر, ولكن شدة المحنة التي مرت فيها روايات الأئمة الاثني عشر فرضت على شيعتهم الصعوبات، والتعرض لهجوم السلطان وصل أحياناً إلى إعدام بعض الذين جمعوا روايات أهل البيت, أو تعرضوا لتشويه السمعة حتى عدوهم من المجروحين بعد أن عرف السلطان اتصالهم بأهل البيت، وسوف اذكر واحدة من محاولات السلطان في إحراق وإعدام روايات الأئمة الاثني عشر, عندما حاول السلطان أن يبطش بأحد كبار محدثي الاثني عشرية المهتمين بجمع روايات أهل البيت وهو المحدّث الخبير «محمد بن عمير الأزدي حتى اضطرت أخته أن تدفن كتبه التي تضمنت بعض روايات الأئمة الاثني عشر, ولا شك أن محنة أهل البيت تعد من الضروريات والبديهيات التاريخية التي أجمع عليها المؤرخون السنة والشيعة ووافقهم الكثير من السلفيين المعتدلين، وفى محنة الأئمة الاثنى عشر يقول العالم والمفكر السنى المشهور، الشيخ محمد الغزالي

رضوان الله عليه - : «كان تنقل أهل البيت في أقطار الأرض، إثر ما وقع عليهم قديماً

من حيف, وفي العصر الأول ذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتزل بها من الفتن ويبتعد بدينه عن مؤامرات السلطة وإرهاب العباسيين, وجعفر الصادق علیه السلام رجل مطارد من حكومة ذلك العصر، يرقب في أية لحظة أن يقاد إلى مصرعه، كما اقتيد غيره من آل البيت النبوي . وفي القرن الرابع الهجري كانت الدولة العباسية – بسبب ضعف الخليفة العباسي الذي عجز عن السيطرة على مدينة بغداد وأعمالها فضلاً عن غيرها من بلدان العالم الإسلامي – قد رفعت الحصار على روايات الأئمة الاثني عشر, فكان من الطبيعي أن تظهر روايات الأئمة الاثني عشر بعد أن انتهى عصر محنتهم!! وبعد أن أمن شيعتهم من بطش السلطان ومن ثم أخرجوا كتب الحديث والروايات التي اختفت في عصر المحنة، وبذلك نكون قد أجبنا على السؤال الذي طالما كان يطرح في نموذجنا السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري .. لقد كنا نردد في كتبنا هذا السؤال .. وهو

ص: 476

لماذا اختفت روايات الأئمة الاثني عشر في حقيقة مهدوية و غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري إلى أن ظهرت في القرن الرابع؟ .

وسنرى بوضوح كيف تم تدوين أحاديث وروايات الغيبة في عصر المحنة، ولكن منهج السير في هذا البحث يقتضي أن نذكر – قبل ذلك – أقوال المحدثين القدماء في الأحاديث والروايات الواردة في حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري - فسوف تسهل لنا معرفة سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة - ولقد كان الإمام الشيخ الصدوق (شيخ المحدثين في القرن الرابع يبذل جهداً عظيماً في جمع أحاديث وروايات الغيبة، كان ثمرته كتابه «إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة»، ويقول في هذه الأحاديث والروايات: «إن الأئمة – عليهم السلام - قد أخبروا بغيبته - عليه السلام - ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودون في الكتب من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر ، فليس أحد من أتباع الأئمة - عليهم السلام --- إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصنفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأصول, مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمّد - صلى الله عليه وآله - من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب : يعني : كتاب إكمال الدين] في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلّفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألّفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللبّ ،والتحصيل أو أن يكونوا قد أسسوا فى كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقق كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم و اختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم، وهذا - أيضاً - محال كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنّهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم، وبذلك وشبهه فلح الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً» . ويقول – أيضاً بالأخبار الكثيرة الواردة الصحيحة عن النبي والأئمة - صلوات الله عليهم - من أمر القائم الثاني عشر من الأئمة وغيبته حتى يطول الأمد، وتقسو القلوب، ويقع اليأس من ظهوره، ثم يطلعه الله، وتشرق الأرض بنوره، ويرتفع الظلم والجور بعدله» . وفي تلك الحقيقة الكبيرة والأساسية، وفي تلك الروايات الصريحة الصحيحة التي أخبرتنا عن غيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ، يقول الإمام أمين الإسلام المحدّث الخبير الطبرسي: «وخلدها المحدّثون من الشيعة في أصولهم المؤلّفة في

أيّام السيدين الباقر والصادق علیه السلام عليهما السلام، وآثروها عن النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد ومن جملة كبار المحققين القدماء الذين ذكروا أحاديث

ص: 477

وروايات الغيبة, وتركوا لأجلها مذهب أهل السنة ودخلوا في مذهب الاثني عشرية الشيخ الإمام أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي كان من أهل السنة قبل معرفته لأحاديث وروايات الغيبة، قال في تلك الأحاديث والروايات: «نقل إليهم أسلافهم حالة الإمام) الثاني عشر) وغيبته وصورة أمره و اختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر» .

وأمثال هذه الأقوال الصادرة من المحدثين والمحققين كثيرة والمهم الآن أن نقول: إن هناك اتفاقاً بين سير تدوين أحاديث وروايات الغيبة وبين هذه الأقوال التي نقلناها عن المحدثين رضوان الله عليهم - ، فنحن وجدنا بعد الرجوع إلى عشرات الكتب الحديثية والروائية ودراستها في أكثر من عشر سنوات, مصداقية وحقانية تلك الأقوال، وسوف نثبت ذلك بالأدلة القوية عندما يتقدم بنا البحث في هذه الحقيقة الهائلة. وفي هذا القول نجد مواجهة الإمام الأقدم إسماعيل بن علي بن أبي سهل – رضوان الله عليه - ، لشبهات بعض المنكرين لحقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، أو الغافلين عن الأحاديث والروايات المتواترة في هذه الحقيقة، والذين أغلقوا على أنفسهم باب البحث في متونها ورواتها، ويبين الفرق بين الروايات التي يرفضها ويحاربها السلطان والروايات التي يسعى ويرغب أن تنشر بين الناس، ثم يذكر تلك الحقيقة المسلّمة, حقيقة نص كل إمام من الأئمة الاثني عشر على الإمام الذي بعده, قال - رضي الله عنه - في كتابه «التنبيه والإمامة» : «فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السلام على ما شرحت وإنّه قد غاب, كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشيعة تتوقعها وتترجاها». «أخبار الشيع [يعني: الشيعة الاثني عشرية] أوكد من أخبار غيرهم من المسلمين؛ لأنه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة، وإنما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك، وإذا صح بنقل الشيعة النصّ من النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام، صح بمثل ذلك النص من علي على الحسن، ومن الحسن على الحسين، ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن علي، ثمّ على الغائب الإمام بعده عليه السلام؛ لأن رجال أبيه الحسن عليه السلام الثقات كلّهم قد شهدوا له بالإمامة وغاب عليهم السلام؛ لأن السلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكل بمنازله وحرمه سنتين . وليست هذه الحقيقة تعبر عن رأي أصحاب تلك الأقوال، كما إنها ليست رأياً لغيرهم من العلماء، إنما هي النصوص القاطعة التي لا مجال لتأويلها. ونؤثر أن ننقل لأخواني السلفيين ما كتبه عنها المحدّث الخبير (شيخ المحدثين في القرن الخامس) الإمام محمد بن الحسن الطوسي، في كتابه القيم «الغيبة» فهو أدق ما يكون, قال بعد أن بيّن بياناً قاطعاً من نصوص السنة في كتب أهل السنة، وكتب الاثني عشرية، أن أوصياء الرسول الأكرم هم الأئمة الاثنا عشر : «ويدلّ أيضاً على إمامة ابن

ص: 478

الحسن [الإمام الثاني عشر المهدي عليه السلام وصحة غيبته ما ظهر وانتشر من الأخبار الشائعة الذائعة عن آبائه عليهم السلام قبل هذه الأوقات بزمان طويل، من أنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ، وصفة غيبته وما يجري فيها من الاختلاف، ويحدث فيها من الحوادث، وإنّه يكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، وإن الأولى يعرف فيها خبره، والثانية لا يعرف فيها أخباره، فوافق ذلك على ما تضمنته الأخبار ، ولولا صحتها وصحة إمامته لما وافق ذلك، لأنه لا يكون إلا بإعلام الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله, ونحن نذكر من الأخبار التي تضمّنت ذلك طرفاً ؛ ليعلم صحة ما قلناه، لأنّ استيفاء جميع ما روي في هذا المعنى يطول، وهو موجود في كتب الأخبار » . وقال بعد أن بيّن بياناً كاملاً من الأحاديث المتواترة عن الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - ومن الروايات المتواترة عن الأئمة الاثني عشر، أن حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر من الحقائق القطعية والحتمية: «والأخبار في المعنى [أي في غيبة الإمام المهدي رضوان الله عليه] أكثر من أن تحصى ذكرنا طرفاً منها لئلا يطول به الكتاب على أن هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنى, وأمّا اللفظ فإن الشيعة تواترت بكلّ خبر منه، وأمّا المعنى فإنّ كثرة الأخبار، واختلاف جهاتها وتباين طرقها وتباعد رواتها يدل على صحتها» . واعتبر الإمام الجليل الشيخ المفيد - الذي كان السبب في معرفتي لمهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم - حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من الحقائق الكبرى في الإسلام، فلننظر كيف وصف - رضي الله عنه - تلك الحقيقة ورسمها بما يناسب شأنها الكبير في السنة النبوية القطعية, قال: «وقد سبق النص عليه [الإمام الثاني عشر] من نبي الهدى صلى الله عليه وآله ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ونص عليه الأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحدٍ إلى أبيه الحسن عليه السلام, ونصّ أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته» . «وكان الخبر بغيبته [الإمام المهدي] ثابتاً قبل وجوده، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته, وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار » ." والأخبار بذلك [ أي : بغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ] موجودة في مصنفات الشيعة الامامية قبل مولد أبي محمد [ الإمام الحسن العسكري ] وأبيه [ الإمام علي الهادي ] وجدّ [ الإمام محمد الجواد ], وظهر حقها عند مضى الوكلاء والسفراء الذين سميناهم - رحمهم الله - وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى. وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الامامية, ودانت به في معناه " - من كتاب الشيخ المفيد الفصول العشرة في الغيبة, ص

18 - . وآخر ما ننقله من أقوال كبار المحدثين القدماء في شأن الأحاديث والروايات التي ذكرت حقيقة الغيبة، ما قاله المحدّث الكبير الإمام النعماني في كتابه القيم والعظيم: «الغيبة» قال بعد أن ذكر النصوص والروايات المتواترة في إمامة الأئمة الاثني عشر, وفي حقيقة غيبة الإمام الثاني عشر ، وبعد أن شرحها بدقة وعمق: «هذا الأحاديث التي يذكر فيها، أنّ للقائم

ص: 479

عليه السلام غيبتين أحاديث قد صحت عندنا بحمد الله ، وأوضح الله قول الأئمة الاثني عشر عليهم وأظهر برهان صدقهم فيها ، فأما الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام عليه السلام وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم، والأجوبة عن كلّ ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرمت مدتها, والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدعي هذا الأمر كما قال عزّ وجلّ: (مَا كانَ اللهُ لِيَذَرِ المؤمنين على ما أَنتُم عليهِ حَتَّى يَميزَ الخبيث من الطيِّب، وما كان اللهُ ليُطلِعَكُم على الغيب (...) وهذا زمان ذلك قد حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحق، وممن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا له غيبتان» . «للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله صلى الله عليه وآله ذكرها وتقدّم من أمير المؤمنين عليه السلام خبرها، ونطق فى المأثور من خطبه والمروي عنه من كلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الأئمة من ولده عليهم السلام واحد بعد واحد أخبارها حتى ما منهم أحدٌ إلا وقد قدّم القول فيها، ووصف امتحان الله تبارك وتعالى

اسمه خلقه بها» .

ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في البشارات السماوية في كتب اليهود والنصارى وفي كتب الحديث والروايات القول بأن هذه الحقيقة العظيمة – حتى تستقر في العقل والقلب - بحاجة إلى بيان سير تدوينها في كتب الحديث وقد تبين لنا بالأدلة القطعية بأن احاديث غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كانت في البداية في صحيفة الإمام علي التي أملاها عليه النبي الأكرم ، ثم نقلت إلى كتب الأصول القديمة - التي جمعت روايات الأئمة الاثني عشر من صحيفة الإمام علي – ثم نقلت في كتب مستقلة وكل ذلك تم قبل تحقق غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في الواقع التاريخي المشهود، وعندما تحققت غيبتة - بعد أن كان الرسول الأكرم وأوصيائه الاثنا عشر يبينون للناس حتمية وضرورة وقوعها في المستقبل - قام المحدّثون بجمع الروايات من كتب الحديث، وجمع كتب الغيبة الحديثية الصغيرة - التي كتبت قبل الغيبة – في كتب كبيرة، تلك الكتب الصغيرة، فبعد تحقق الغيبة في واقع الحياة المشهود، قام المحدث الخبير الشيخ الأقدم محمد بن إبراهيم النعماني - من أعلام القرن الرابع الهجري – بتأليف كتابه الكبير القيم الذي ضم الكثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة بغيبة الإمام الثاني عشر، ثم قام في نفس القرن المحدّث الجليل الشيخ الصدوق بتأليف كتابه الكبير حول الغيبة، وفي النصف

ص: 480

الأول من القرن الخامس كتب الشيخ المحدث محمد بن الحسن الطوسي كتاباً كبيراً حول الغيبة.

وبعد هذا العرض السريع المختصر في بيان كيفية تدوين أحاديث وروايات الغيبة, سوف نوضح ونبيّن ذلك بصورة واسعة ومشروحة لعل اخواننا من مشايخ السلفية يتركوا نموذجهم فى التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري القائم على التشكيك في كل دليل يثبت مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري .

ويبقى بعد هذا البيان لحقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري – وهي حقيقة هامة وهائلة من حقائق كل الاديان السماوية - أن نقول - ونحن في نهاية البحث عن هذه الحقيقة - : إن هذه الحقيقة الهامة قد آمنت بها بعض الفرق الإسلامية المخالفة للاثني عشرية, بل ودوّنوا ما ورد فيها من الروايات في كتب مستقلة قبل تحقق الغيبة – وإنما ذكرت ذلك, لأن السلفيين شنعوا على عقيدة الغيبة بسبب إنها عقيدة بعض المخالفين للاثني عشرية ، وتقول معاهدنا السلفية في الرياض كيف تؤمن الرافضة من الاثني عشرية بأحاديث الغيبة مع أنّ أحاديث الغيبة وكتب الغيبة كتب الكثير منها من قبل شخصيات لا تنتمي إلى المذهب الاثني عشري ، ونحن كذلك نرى صحة قول معاهدنا السلفية في أنّ كثير من الكتب التي جمعت أحاديث الغيبة كتب من قبل شخصيات غير اثنى عشرية ، وقد وجدت بعد بحث طويل بأنّه في القرون الثلاثة الأولى - قبل غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري – كتب الكثير من المصنفين والمؤلفين كتباً تجمع أحاديث الغيبة ، وقد كتبت تلك الكتب من قبل كبار العلماء والمحدثين الذين كانوا من خصوم سلف الاثني عشرية - ونذكر بعض تلك الكتب:

1 - كتاب نصرة الواقفة: لعلي بن أحمد الموسوي، وقد كان من المخالفين للاثني عشرية، وروى في كتابه بعض روايات الغيبة, قبل تحققها بأكثر من مائة عام . ونذكر هنا، أن صاحب الكتاب من الذين وضعوا الغيبة في غير موضعها وخالفوا الاثني عشرية الذين التزموا بالأحاديث والروايات المتواترة، التي تنص على أن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر, وقد اشتهر بين المسلمين في القرون القديمة أن جمهور الشيعة يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر وأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر، وإن الذين خالفوهم ووضعوا الغيبة في غير موضعها - أي قالوا بغيبة غير الإمام الثاني عشر - كانوا شرذمة قليلة انقرضوا في العصور القديمة، وفي هذا يقول المؤرخ الكبير القديم المسعودي الذي تحققت الغيبة الكبرى في زمانه : «في سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام – أي الإمام الحادي عشر – في خلافة المعتمد وهو ابن تسع وعشرين، وهو أبو المهدي المنتظر والإمام الثاني عشر عند القطعية من الامامية وهم جمهور الشيعة»

ص: 481

وحبذا لو تأمل اخواننا السلفية في عبارات ذلك المؤرخ الكبير حتى لا يقولوا: إن جمهور الشيعة خالفوا الاثني عشريه وهم جمهور الشيعة» ليعلموا أن جمهور الشيعة منذ القرون القديمة كانوا يقولون بإمامة الأئمة الاثني عشر ويعتقدون أن الثاني عشر من الأئمة – محمد بن الحسن العسكري - هو الإمام المهدي المنتظر وهو صاحب الغيبة، أما الذين خالفوا جمهور الشيعة من الذين كانوا يزعمون أنهم من الشيعة, ثم يضعون الغيبة في غير موضعها, وينسبونها لغير صاحبها - الإمام الثاني عشر - من غير دليل أو حجة, فقد انقرضوا في زمان قريب من زمان ظهورهم - كما سبق أن ذكرنا - وكان منهم صاحب كتاب «نصرة الواقفة, كما

كانت مشكلة بعض أولئك تتعلق بالخطأ في فهم بعض أحاديث وروايات الغيبة, ومن ثم عندما رجعنا إلى تراجم الكثير منهم وجدناهم كانوا عندما يعرفون الحقيقة يلتحقون بجمهور الشيعة من الاثني عشرية, بعد أن يستبين لهم بالدليل القطعي أن الأحاديث والروايات المتواترة صريحة وقاطعة بأن صاحب الغيبة هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري لا الشخص الذي اختاروه من عند أنفسهم، وهذه الرواية تصوّر لنا دور الأئمة الاثني عشر في توضيح وتبيين من هو صاحب الغيبة، وقد كان لذلك التوضيح والتبيين ثمرة كبيرة في هداية الذين لم يصيبوا في معرفة صاحب الغيبة . روى المحدث الجليل الإمام الشيخ الصدوق - بسنده - عن السيد الحميري قال: قلت للصادق علیه السلام جعفر بن محمد يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدى وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق، بقية الله في أرضه، وصاحب الزمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً». فالذين وضعوا الغيبة في غير موضعها ونسبوها لغير صاحبها قد خالفوا النصوص الصريحة إما عمداً أو خطأ لكنهم لم يستطيعوا إنكار أصل أحاديث الغيبة الواردة عن الرسول الأكرم ؛ لأنها كانت من الأمور المسلّمة عند الجميع, ومن ثم قال شيخ المحدثين في القرن الرابع الإمام الشيخ الصدوق - رضي الله عنه - وقد كان قريبا من عصر

تحقق الغيبة الكبرى: «إنّ الناس لمّا صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه, وضع كثير منهم الغيبة في غير موضعها» 2 - كتاب الغيبة : الذي ألّفه قبل تحقق الغيبة بأكثر من مائة عام الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم البطائني، وقد كان من المخالفين لمذهب الاثني عشرية, وذكر في كتابه بعض

ص: 482

أحاديث الغيبة وقد كان معاصراً للإمام الثامن من الأئمة الاثني عشر [أعني : الإمام الرضا رضي الله عنه].

3 - كتاب الصفة في الغيبة : كتبه عبد الله بن جبلة بن حيان كان فقيهاً ثقة مشهوراً، توفي سنة (219) ه-)، وهو من الكتب التي كتبت قبل الغيبة بأكثر من مائة عام.

4 : كتاب الغيبة : إبراهيم بن صالح الانماطي . [ فهرست النجاشي : 15 و 24] .

5 : كتاب الغيبة ، كتبه الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني . [ فهرست النجاشي : 37 ] .

6: كتاب الغيبة ، كتبه احسن بن محمد بن سماعة . [ فهرست الشيخ الطوسي : 52]

6 : كتاب الغيبة ، كتبه علي بن الحسن الطاطري [ فهرست الشيخ النجاشي: 255] . كتاب الغيبة ، كتبه علي بن عمران الأعرج . [ فهرست الشيخ النجاشي : 246] .

7 : كتاب الغيبة ، كتبه علي بن محمد بن علي بن رباح القلا . [ فهرست الشيخ النجاشي : [260 ]

ونحن نجد بأن هنالك عشرات من كبار العلماء المحدثين من الفرق الإسلامية التي لا تنتمى إلى الاثني عشرية جمعوا أحاديث الغيبة ، ولكنّهم كانوا في عصر قديم قبل ولادة الإمام المهدي بن الحسن العسكري ؛ لأجل ذلك كان لديهم تصوّر بأن تلك احاديث الغيبة لا علاقة لها بالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري

وقد راجعت كتبهم ، ورأيت الكتب التي نقلت عن كتبهم ، وتبين لي حقيقة هامة وهي بأن من أعظم القرائن التي ترفع من إحتمال أنّ الحق مع الاثني عشرية ، هو أنني وجدت بأن أسلاف المذهب الاثني عشري ، كانوا من أشد الناس المعادين لتلك الكتب التي جمعت أحاديث الغيبة من قبل تلك الفرق الإسلامية المعادية للاثني عشرية ، وكانوا يشككون في صحة تلك الأحاديث ؛ لأنّ أحاديث الغيبة تم إستغلالها من قبل الفرق المخاصمة لأسلاف الاثني عشرية وكان أسلاف الاثنى عشرية يحسبون بأن أحاديث الغيبة من الأحاديث المكذوبة على رسول الله ، وعلى أئمة أهل البيت ، ولم يكن يخطر على بالهم صحة تلك الأحاديث ، ولكن جاء الواقع الخارجي وأثبت صحة أحاديث الغيبة ، ونحن على يقين بأن الله - جل ثناؤه - أراد أن يتم تدوين أحاديث الغيبة على يد خصوم الاثني عشرية ، إذ لو أنّ أحاديث الغيبة كتبت من قبل علماء الاثنى عشرية ، لكان من السهولة إتهامهم بأنّهم وضعوا أحاديث الغيبة ؛ لأجل إثبات عقيدتهم في غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري .

ومن أعظم القرائن التي تثبت صحة أحاديث الغيبة ، وأنّها ليست من مخترعات الشيخ الصدوق المتوفي في نهاية القرن الرابع الهجري سنة 381ه ، هو أنني لا حظت من خلا دراسة حياة الكثير من أصحاب الأئمة الاثني عشر لم تكن أحاديث الغيبة مفهومة لديهم ، وكانت أحاديث الغيبة غامضة المعنى بالنسبة للذين كانوا في القرن الأول والثاني الهجريين

ص: 483

لكن نجد الأمر تغيّر بعد أن وقعت غيبة الإمام محمد بن الحس العسكري بدأ كثير من الاثني عشريين يدركون المعنى الصحيح لأحاديث الغيبة التي رواها خصوم الاثني عشرية ، ومنذ أنْ هاجرت من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلمية لم يتبيّن لي أي دليل أو برهان يثبت لي بأنّ الذي وضع أحاديث الغيبة هو الشيخ الصدوق ، بل نقل الشيخ الصدوق أحاديث الغيبة من أعداء الاثني عشرية

ولا نستطيع في هذا البحث المختصر أن نذكر جميع الكتب التي كتبت حول الغيبة من قبل المخالفين لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في هذه الحقيقة الأساسية – حقيقة الغيبة – , وليس هذا الذي نحاوله في هذا البحث, لذلك نؤثر أن نقتصر بذكر تلك الكتب.

وبعد هذه هي مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كما هي في حقيقتها وواقعها، وعندما نقرأها كما هي في صحف و كتب الأنبياء قبل نبينا وكما هي في الاحاديث النبوية، ندرك حقيقتها و واقعها في حين الذي يقرأ هذه الحقيقة كما رسمها النموذج السلفي بطريقة شنيعة فسوف ينفر من هذه الحقيقة العظيمة والفريدة.

وهكذا نأتي إلى نهاية هذا البحث ونحن نعرض حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ، بعد أن تجلّت لنا حقيقة مهدويته و غيبته – بأدلتها - في بشارات الأنبياء – قبل نبينا - وفي أحاديث النبي وروايات الأئمة، وقد بذلنا قصارى جهدنا في تبيينها وتوضيحها، ومهما يكن حجم جهدنا قليلا لكنه بداية الطريق لمن يريد التعرف على هذه الحقيقة ويصل إلى نهاية الطريق بعيداً عن مزالق ومنعرجات الطريق ، فأما حين يرغب أن تتسع معرفته عن هذا الإمام العظيم ، فلن يستغني عن الكتب المتخصصة في تلك الشخصية الربانية، ويلاحظ القارئ لهذا البحث أن أدلّة حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري قوية إذا أدركت، أما الذين يدركون تلك الأدلة ثم يجحدونها فليس لنا معهم الجدل الجاد وإنّما هو المرء الذي لا يستحق الاحترام وقبل أن نختم ننبه إلى زوبعة صدرت من قبل اتباع النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري في كتبهم تقول : إن احاديث وروايات غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كانت لأجل تبرير تحقق الغيبة في الواقع التاريخي المشهود ، ونقول في جواب هذه الزوبعة : إن أحاديث وروايات غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري , لو كانت كما يزعمون لكان يجب عليهم إثبات أن غيبته تحققت في الواقع التاريخي المشهود قبل وجود أحاديث وروايات الغيبة، ولا يمكن لهم إثبات ذلك, - فقد أثبتنا بالأدلة القوية القاطعة أن بشارات غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كانت في صحف وكتب الأنبياء قبل نبينا –, و أثبتنا لهم كذلك بأن أحاديث الغيبة كانت في صحيفة الإمام علي بإملاء الرسول, ومن ثم فوجودها في هذه الصحيفة كان قبل الغيبة بأكثر من مائتين عاماً ينبغي لهم معرفة إنّما هي الأحاديث الدخيلة والموضوعة التي تأتي لتبرير ما وقع في التاريخ

ص: 484

الواقعي الملموس و المشهود وصبغته بالصبغة الشرعية وتكون متأخرة زمناً من الحدث التاريخي الذي تبرره، أما الأحاديث والروايات المتواترة القطعية التي تحدثنا عن المستقبل القريب أو البعيد مثل أحاديث وروايات غيبة الإمام الثانى عشر محمد بن الحسن العسكري فإنّها توجد قبل الحدث التاريخي المشهود وعندما تحقق في الواقع التاريخي تكون من معجزات خاتم الأنبياء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. والحمد لله الذي هدانا لهذا , وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .. وبعد أن انتهينا من عرض الأدلة التي قادتني إلى الايمان بالإمام محمد بن الحسن العسكري .. حان الوقت الآن لذكر قضية هامة في منتهى الأهمية لمست اهميتها بالتجربة و العيان .. وهي قضية العلاقة بين حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين الحقائق الدينية الأخرى المرتبطة بتلك الحقيقة. العلاقة بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين الحقائق الأخرى العشر القرآنية التي ذكرناها في الباب الثاني والباب الثالث من هذا الكتاب لما كان هدفي في هذا أن اكتب قصتي مع الإمام محمد بن الحسن العسكري لأقرب المقربين إلي من أهلي و أصدقائي و أنسابي ومشايخي وتلامذتي وكل من يحمل النموذج السلفي في التعامل الإمام العظيم .. واريد أن ابين لهم أن الطريق إلى الإمام محمد بن الحسن العسكري هو

طريق طويل و خطير.. في هذه الطريق الطويل منعرجات و منزلقات .. وهذه المنعرجات وتلك المنزلقات سوف نقع فيها أقول ذلك من خلال تجربة عشتها وأدركتها مالم ندرك بأن مذهب أهل البيت يشتمل على مجموعة من الحقائق العقيدية الأساسية .. وحقيقة الغيبة تعد واحدة من تلك الحقائق الأساسية . وإن تلك الحقائق هي حقائق متكاملة ومتناسقة .. إنها ليست مجموعة حقائق منفصلة ومنعزلة .. إن كل حقيقة من الحقائق التي يقوم عليها مذهب أهل البيت ( مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ) .. تؤدي دورها في هذا الكل المتناسق المتكامل . وهي تفقد قوامها وجمالها وروحها وعظمتها حين تنفصل من هدا الكل .. إن مذهب أهل البيت ) مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ( ليس أجزاء وتفاريق يمكن تناول أي جزء منه وحده بعيدا عن بقية الجوانب المنسوقة .. إن انفصال هذا الجزء يذهب بجماله, ويذهب بجمال الكل. بل يذهب بحقيقته وحقيقة الكل أيضا . و من ثم فإنه لا يمكن تناول حقيقة بمفردها من حقائق مذهب أهل البيت .. لعرضها وحدها في عزلة عن سائر الحقائق الأخرى العشر القرآنية التي عرضناها في الباب الثاني والثالث من هذا الكتاب .. ولا يمكن ايضاً - عقد موازنة بين حقيقة معزولة عن غيرها من حقائق مذهب أهل البيت ( مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ) وبين حقيقة تقابلها في المذاهب الإسلامية الأخرى .. لأن هده الحقيقة المعزولة لا تمثل ذاتها كما في الكل. ولا تعطي حقيقتها كما هي في الكل أيضا.فإذا نحن عمدنا – هنا - إلى حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري فعزلناها عن بقية الحقائق

ص: 485

الأخرى العشر القرآنية لم تتجل لنا قط بصورتها الجميلة المؤثرة الموحية, ولم تكن هي كما هي - في سياق تلك الحقائق العشر القرآنية

إن المنهج النبوي - ويتبعه منهج أهل البيت يسير على منهج القرآن الكريم الذي لا يفصل بين الحقائق القرآنية الكبرى ، ولا يعرض حقيقة قرآنية بصورة منقطعة ومنفصلة عن الحقائق الأخرى ؛ لإجل ذلك لن - تتجلى لنا وتتضح لنا حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري إلا في سياق الحديث عن بقية الحقائق القرآنية الأخرى الكبرى التي درسناها بشكل مفصل في الباب الثاني والثالث من هذا الكتاب

ولزيادة التوضيح .. الأحاديث النبوية عند أهل السنة والشيعة والروايات المنقولة البيت تربط بين حقيقة الإمامة وبين حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. لنأخذ مثلاً واحدا فندكر حديثاً واحداً من الاحاديث الواردة في الإمامة وحديثاً واحداً من الاحاديث الواردة في الإمام محمد بن الحسن العسكري حتى ندرك كيف ربط النبي بين حقيقة الإمامة وبين حقيقة الإمام محمد بن الحسن العسكري إن النبى عرض حقيقة الإمامة على هدا النحو: حديث جابر بن سمرة، عن رسول الله - صلى الله عليه آله - : - صلى الله عليه وآله - «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليهم الأمة» وفي رواية لا يزال الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة, فسأل رسول الله ثم يكون ماذا - أي ماذا سوف يحدث بعد مضي الخليفة الثاني عشر [ = محمد بن الحسن العسكري ] من هؤلاء الخلفاء الاثني عشر - فأجاب السائل بقوله - صلى الله عليه وآله - «ثم يكون الهرج». وبذلك بين لنا النبي أنه بعد الخليفة الثاني عشر [ = محمد بن الحسن العسكري ] سوف يكون الهرج . ثم أن النبي عرض حقيقة الإمام المهدي 1 = محمد بن الحسن العسكري ] على هدا [ النحو: «المهدي من ولدي, فسأل رسول الله ثم يكون ماذا - أي ماذا سوف يحدث بعد مضي الإمام المهدي 1 = محمد بن الحسن العسكري ] - فأجاب السائل بقوله - صلى الله عليه وآله - «ثم يكون الهرج». وبدلك بين لنا النبي أنه بعد الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري ] يكون الهرج. اليس كل واحد منا يستطيع أن يقول بعد هدا البيان النبوي الصريح بأن النبي قال الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري ] هو الخليفة الثاني عشر؟.. – سبق أن شرحنا المنهج النبوي في الربط بين الإمامة في ثنايا هذا الكتاب لكننا في نموذجنا السلفي لما فصلنا بين حقيقة الخليفة الثاني عشر وبين حقيقة الإمام المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري ], فتصورنا كلا منهما مقطوع الصلة بالآخر؟ ثم رحنا نحاول فهم حقيقة الخليفة الثاني عشر [ = محمد بن الحسن العسكري ] بدون نظر إلى حقيقة الإمام المهدي ؟ .

ص: 486

إننا حينئذٍ لا يكاد يبقى في أيدينا شيء من حقيقة الإمام المهدي كما هي في الاحاديث النبوية. ولا نعود نملك أن نفسر حقيقة الإمام المهدي تفسيرا صحيحا.. إن الإمام المهدي سيبدو لنا خلوا من حقيقته – كما هي في الاحاديث النبوية -

إن حقيقة الإمام المهدي و حقيقة الخليفة الثاني عشر هما يعبّران عن شخصية واحدة في المنهج النبوي . وإن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري هو «المهدي » الحق الذي هدى إليه نبي الإسلام وبعض الأنبياء الذين سبقوه . وإذا كان المنهج النبوي لا يفصل بين حقيقة الإمامة وبين حقيقة الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري ] فالنبي حين يتحدث عن الإمامة فحديثه يشمل إمامة الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري], وكذلك الشأن حديث النبي عن الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري ] يشمل الحديث عن الإمامة . ولقد كان في الإمكان أن اتحدث عن حقيقة الإمام الثاني عشر المهدي [ = محمد بن الحسن العسكري ] وغيبته في سياق الحديث عن حقيقة الإمامة و أن لا افصل في هذا الكتاب حقيقة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري وغيبته عن حقيقة الإمامة, كما وجدنا الاحاديث النبوية لا تفصل بين هاتين ولكنني الذي ارغمني في هذا البحث أن اتحدث عن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري وغيبته بصورة منفصلة عن الحديث عن حقيقة الإمامة ؛ لأن حقيقة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري و مهدويته و غيبته أخذت في تاريخ معتقداتنا السلفية مكانا عريضاً, ووقع فيها الضلال والتخبط في التيه في نموذجنا السلفي عن هذه الحقيقة, مما يجعل الأفضل إفرادها ببيان مستقل عن حقيقة الإمامة . لقد عجزنا حينما كنا ندرس في مدينة الرياض عن الاهتداء إلى حقيقة الإمام المهدي لأننا حاولنا فهم هذه الحقيقة بعيدا عن حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري

إن الإمام المهدي الدي كنا نبحث عنه هو بعيد عن حقيقة الإمام المهدي الذي اراده رسول الله . لذلك عجز النموذج السلفي الذي اعتكفنا عليها سنوات عن الاهتداء إلى حقيقة العلاقة بين الإمام المهدي وبين الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري, لذلك كان ما تصورناه عن الإمام المهدي مختلاً, لأن القاعدة التي قام عليها ذلك التصور هي قاعدة مختلة. وبمثل هذا العجز عالج النموذج السلفي حقيقة غيبة الإمام المهدي . وضربت في التيه في هذه الحقيقة كما ضربت في التيه في حقيقة الإمام المهدي وسارت في هاتين الحقيقتين في دروب مسدودة. وترتب عن ابتعادنا عن المنهج النبوي في طرح قضية الإمام المهدي نتائجا خطيرة دفعت بنا إلى وعثاء ومزالق الطريق .. كل ذلك لأننا ابتعدنا عن معالم الطريق النبوي في رسم خارطة الإمام المهدي .. وكانت اخطر نتيجة من ابتعادنا عن تلك المعالم النبوية أن حفل نموذجنا حول الإمام المهدي – كما تعلمناه في الجامعات السلفية بالتصورات الغامضة

ص: 487

عن شخصية الإمام المهدي, وقد انبثق من جراء تلك التصورات الغامضة حول شخصية الإمام المهدي أن ظهر على مدار عدة قرون كما ظهر ايضاً - في عصرنا في المملكة العربية السعودية من يتقمص شخصية الإمام المهدي ويدعي المهدوية ويخلق ازمة كبيرة في وسط المجتمع السعودي والتصور النبوي عن الإمام المهدي هو الحل الوحيد لمعالجة تلك الأزمة الكبيرة في وسط المجتمع السعودي لأن التصور النبوي عن الإمام المهدي جعل للإمام المهدي شخصيته المستقلة, وطبيعته الخاصة, التي لا يمكن أن تلتبس بشخصية أخرى إنني حين اطالع الأزمات الكبرى في مجتمعاتنا السلفية ومنها المأساة الكبرى و المذبحة الرهيبة التي ارتكبت في الحرم المكي في عصرنا بسبب اعتقاد بعض اتباع نموذجنا بمهدوية الذي ظهر في مكة .. ادرك حينئذ لماذا احتوت صحف وكتب الأنبياء في موكبهم الممتد الطويل صورة واضحة عن الإمام المهدي .. ولماذا كثرت الاحاديث النبوية التي تبين حقيقة المهدي بصورة دقيقة .. ولماذا اصر الائمة الاحدى عشر على الإكثار من التحدّث عن الإمام محمد بن الحسن العسكري .. إنه لا يمكن معالجة مجتمعاتنا من كل تلك المشكلات إلا إذا تحررنا من نموذجنا السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري. ومن ثم لم يكن بد -- وقد ابعدنا النموذج السلفي عن حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ببعده عن المنهج النبوي في عرض هذه الحقيقة - أن نقدم لاتباع ذلك النموذج السلفي خصائص المنهج النبوي الصحيح في عرض حقيقة مهدوية غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لنساعدهم على فهم هده الحقيقة كما هي في كلام نبي الإسلام, ونريد من طالب العلم في معاهدنا العلمية أن يدرك خصائص في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري على السلفيين بعد أن عرضنا في فصل " فهم جديد للإمام محمد بن الحسن العسكري " الصورة العملية و التطبيقية للمنهج الصحيح في عرض قضية المهدوية على اتباع النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري .. عرضنا ذلك المنهج الصحيح من خلال استعراضنا للأدلة التي كانت السبب في انهيار نموذجي السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري وهكذا السبب في إيماني بمهدوية وغيبة هذا الإمام العظيم.. وهكذا بعد أن استعرضنا العلاقة بين حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم وبين الحقائق الدينية المرتبطة بهذه الحقيقة .. حان الوقت الآن أن نتناول من خلال تجربتي الطويلة مع النموذج السلفي عن الإمام محمد بن الحسن العسكري موضوع خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة مهدوية وغيبة ذلك الإمام العظيم على اتباع النموذج السلفي واجد من الضرورة. أن انصح طالب العلم في معاهدنا العلمية السلفية أن يقرأ

هنا فصل " فهم جديد للإمام الإمام محمد بن الحسن العسكري قبل أن يقرأ هذا البحث ؛ حتي يتسنى له معرفة خصائص المنهج الصحيح في عرض غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري

ص: 488

, وحتى يمكن له درك الفرق بين المنهج النبوي في عرض قضية المهدوية وبين النموذج السلفي في عرضها لقد ادركت من خلال تلك التجربة الطويلة مع الإمام محمد بن العسكري بأن اتباع النموذج السلفي في التعامل مع الإمام محمد بن الحسن العسكري ما لم يتبعوا معالم الطريق النبوي الصحيح في عرض الحقيقة المهدوية التي سأذكرها عند طرحي لهم لخصائص ذلك المنهج الصحيح في عرض حقيقة غيبة ذلك الإمام العظيم فلا يمكنهم التحرر من نموذجهم عن ذلك الإمام العظيم .. ومن هنا لابد لهم أن كانوا من الباحثين عن الحق والحقيقة من معرفة ثمان خصائص هامة مرتبطة بالبحث عن منهج عرض هذه ملاحظة الحقيقة وهي:

الأولى : إن الطريقة المثلى في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من أجل معالجة مشكلات النموذج السلفي في كيفية عرضه لحقيقة غيبة الإمام المهدي ، ينبغي أن تكون من خلال عرض هده الحقيقة عبر مرحلتين رئيسيتين ، لا بد من الالتزام بترتيب هاتين المرحلتين ، وإلا فلن يتم معالجة النموذج السلفي في كيفية عرضه لهده الحقيقة ، ولن يتسنى للسلفيين أن يدركوا هده الحقيقة . كما يجب أن نبين للسلفيين أنّ عدم هاتين المرحلتين ، وعدم الالتزام بترتيبها هو الذي جعل منهجهم في دراسة حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ينحرف عن المنهج النبوي في دراستها. وبسبب خروج السلفىة عن المنهج النبوي في دراستها لقضية المهدوية ؛ رسمت السلفية صورة لغيبة الإمام مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لا صلة بينها وبين الصورة التي رسمها المنهج النبوي عنها. ويأتي أهمية هذه البحث من أنني لم أجد بحثاً علمياً يتناول موضوع (المنهج الجديد والصحيح في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري على السلفية ) أو يتناول موضوع الفرق بين منهج السلفية في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين المنهج النبوي في عرضها). ولا بد أن هناك سببا للخلاف الشديد في تعريف حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن (العسكري بين المنهج السلفي في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين المنهج النبوي في عرضها. ونحن لا نشك بأن سبب اختلاف المنهجين إنّما يعود إلى اختلاف (طبيعة ) منهج السلفية عن (طبيعة ) المنهج النبوي . ومما لا ريب فيه أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين (طبيعة المنهج الذي تبنته السلفية وطبيعة الصورة التي رسموها ل- (حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري)؛ فقد يتم التأويل الباطل لها بحيث يجعلها بعيدة عن صورتها ورسمها الواقعي، ويلحقها التحريف والتشويه حينما تعرض بطريقة ومنهج غير علمي، يحمل في طبيعته مغالطة خفية . ولا يمكن لنا أن ندرك دور (طبيعة المنهج) في التأثير على رسم وعرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ إلا إذا قمنا بدراسة

ص: 489

علمية تعتمد على المقارنة بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري التي رسمها السلفية ، و حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري) التي رسمها المنهج النبوي إنّ الباحث المنصف عن حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ينبغي أن يميز بين حقيقة مهدويته وغيبته كما هي في حقيقتها وواقعها، وبين مناهج دراستها وأساليب قراءتها التي وقعت في أخطاء كبيرة ، ومن ثم أوقعتنا في انحراف عن درك حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري. ويجب أن نعرف الفرق بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري نفسها وبين مناهج دراستها، ومن هنا تأتي أهمية طرح (المنهج الصحيح والسليم) في دراسة حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ونحن نخالف (منهج السلفية) في دراسة حقيقة غيبة الإمام المهدي ، ونرى ضرورة عرض حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري حسب المنهج النبوي في عرضها.ومنهجنا في عرض ورسم حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري يمر بمرحلتين، لا بد من الالتزام بها حتى نسلم من الاخطاء التي انزلق فيها اتباع السلفية أثناء عرضهم ورسمهم ل- (حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري . والمرحلتان في هذا المنهج الذي اخترته – من أجل عرض مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري على السلفيين حتى يتمكنوا من فهمها ودركها - عرضتها بهذا الترتيب الذي ينبغي مراعاته : المرحلة الأولى : لابد) في البداية من الفصل بين حقيقة المهدوية وغيبة المهدي لدى مشايخ الخطابية في القرن العشرين وبين مفهوم المهدوية وغيبة المهدي في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ) وبينا أنه يجب أن ندرس في هذه المرحلة أسباب وعوامل خطأ السلفية في مشكلة الخلط لديهم بين المهدي وغيبته عن الخطابية والمهدي وغيبته عند مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .وهذه الأسباب هي:

السبب الأول : غفلة السلفية عن العلاقة بين حقيقة الإمام المهدي وبين حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري كما وردت في السنة النبوية.

السبب الثاني: عدم معرفة السلفية بحقيقة الإمام المهدي كما وردت في السنة النبوية. السبب الثالث: جهل اتباع السلفية بحقيقة غيبة الإمام المهدي كما وردت في السنة النبوية. واريد هنا ابين التسلسل المنطقي بين هذه الاسباب .. لقد غفل النموذج السلفي عن قضية العلاقة بين حقيقة الإمام المهدي وبين حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري كما وردت في السنة النبوية فانبثق عن هده الغفلة عدم المعرفة بحقيقة الإمام المهدي كما وردت في السنة النبوية. ومن لم يعرف حقيقته لا يمكن له أن يدرك حقيقة غيبته كما وردت في السنة النبوية . لدلك حينما ادركت وجود العلاقة بين حقيقة الإمام المهدي وبين حقيقة الخليفة الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري كما وردت في السنة النبوية تبين لي حقيقة

ص: 490

الإمام المهدي كما وردت في السنة النبوية ثم بعد دلك ادركت حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كما وردت في كما وردت في السنة النبوية ونريد توضيح هذه الخاصية الأولى ببيان أن منهجنا يرى بأنه لابد من عرض حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري على السلفيين لابد في البداية أنْ يدرك طالب العلم في معاهدنا السلفية مشكلة الخلط عند اتباع النموذج السلفي .. بين حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أصحاب أبي الخطاب ، وهكذا؛ وضعت هذا المنهج بما يتناسب مع العقل السلفي. ومن خلال تجربتي السابقة فإنني لم استوعب وأدرك حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن (العسكري إلا بعد أن استطعت تجاوز مشكلة الخلط بين حقيقة المهدوية والغيبة للإمام المهدي عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أصحاب أبي الخطاب ، ، والآن أريد من طالب العلم في معاهدنا السلفية أن يدرك خمس حقائق هامة تربط بغيبة ومهدوية الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري وهي: الحقيقة الأُولى: حقيقة غيبة الإمام المهدي في التوراة والأنجيل.

والحقيقة الثانية حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في القرآن والسنة.

والحقيقة الثالثة: حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كلمات أهل السنة.

والحقيقة الرابعة : حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كلمات السلفية.

والحقيقة الخامسة : حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في كلمات علماء الاثني عشرية. هذه هي مراحل دراسة حقيقة مهدوية وغيبة الإمام المهدي التي ينبغي بل يجب الالتزام بالترتيب المذكور عند طرح هذه الحقيقة للوهابيين. وهنا اجدد نصحي للقارئ الكريم أن يرجع إلى قضية الفهم الجديد للإمام الإمام محمد بن الحسن العسكري التي طرحناها في هذا الباب الخامس من هذا الكتاب, حتي يتسنى له معرفة الفرق بين المنهج النبوي في عرض قضية المهدوية والغيبة وبين النموذج السلفي في عرضها ... وحتى يدرك هذه الخاصية الأولى من خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام المهدي .

والثانية: إنّه لا يمكن أن ندرك حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند الاثني عشرية إلا إذا أدركنا حقائق الاثني عشرية ، ومن ثم يجب معرفة حقائق الاثني عشرية قبل البحث عن حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري.. وحتى ندرك اهمية هذه الخاصية ننصح القارئ بمراجعة بدايات المباحث في هذا الباب الخامس من هذا الكتاب حيث تناولنا موضوع العلاقة بين حقيقة مهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري وبين غيبته من جهة أولى وبين الحقائق القرآنية العشر من جهة ثانية

ص: 491

والثالثة: إن مشكلة أتباع الجماعة السلفية أنّهم لم يميزوا بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري التي أثبتتها ورسمتها النصوص النبوية في كتب أهل السنة وكتب السلفية وكتب الاثنى عشرية، وبين حقيقة المهدوية والغيبة الغريبة التي تفردوا بإثباتها ورسمها في نموذجهم الغريب و الشاذ الذي وجد عندهم بسبب مشكلة عدم التمييز بين مفهوم الغيبة لدى أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبين مفهوم الغيبة لدى أصحاب أبي الخطاب ، مع أنّ الأُولى موجودة في كتب كل المسلمين من السنّة والسلفية والاثني عشرية، أما الثانية فقد تفرد بإثباتها الجماعة السلفية في نموذجهم لا في كتبهم المتخصصة في جمع الاحاديث النبوية ؛ كما أنهم خلطوا بين حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، وقد جرهم هذا الخلط إلى اتهام أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بسبب هدة الحقيقة بالانحراف والضلال والغلو وهدا ناتج بسبب أنهم لم يميزوا بين (حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين (حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب)، ومن ثَمّ نسبوا بعض سمات وصفات حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب إلى حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام . ومشكلتهم الكبرى ترجع إلى مشكلة الخلط بين حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين حقيقة المهدوية والغيبة عند أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب). والرابعة : لابد أن يدرك أخواني السلفيين عند بحثهم حول حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري بأن هنالك الترابط المحكم بين كل طبقات هرم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب وأجزائه من قمته إلى قاعدته، وفي هذا دلالة صريحة على يجب أن ينظر إلى الحقائق العشر القرآنية وإلى الخصائص الست القرآنية كوحدة متماسكة مترابطة متحدة، وفي إطار منظومة مشتركة، تدب فيها روح واحدة، ومن ثم فهي (الحقائق العشر القرآنية والخصائص الست القرآنية تشكل مجموعة واحدة.وكل حقيقة من حقائق الكبرى العشر القرآنية التي درسناها في الباب الثاني والثالث من هذا الكتاب ، لا بد أن تنظر في اطار هذه المجموعة المترابطة المتصلة، وحين ننظر إلى حقيقة واحدة من الحقائق العشر القرآنية ومن الخصائص الست القرآنية ، ، بالنظرة الجزئية المفردة المعزولة عن بقية الحقائق القرآنية العشر والخصائص القرآنية الست ؛ فإنّنا لا يمكن أن نُدرك عظمة روح حقيقة الغيبة التي نظرنا إليها بمفردها، ولن ندرك ما فيها من صفات الجمال والكمال . كما أنّ النظرة التجزيئية الفردية لحقيقة من الحقائق القرآنية العشر والخصائص القرآنية الست، دون النظر إلى بقية الحقائق العشر وإلى بقية الخصائص الست ؛ كانت من الأسباب الرئيسية التي جعلت

ص: 492

أتباع المنهج السلفي ينزلقون في أخطاء كبيرة في الكثير من أحكامهم على حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري.

والخامسة : لابد أن يدرك أخواني السلفيين عند بحثهم حول حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري بأن ينبغي لهم ملاحظة أن هنالك تسلسلاً ظاهراً وصريحاً بين الحقائق القرآنية العشر ، وهو تعبير حاسم عن أنّ كل حقيقة من الحقائق القرآنية العشر المرتبطة بأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام تكون مقدمة للحقيقة التي بعدها، وفي نفس الوقت تكون نتيجة للحقيقة التي قبلها، والإيمان بالحقيقة القرآنية الأولى يقتضي الإيمان بالحقيقة القرآنية الثانية.. وهكذا .. وهكذا؛ إلى الحقيقة القرآنية العاشرة الأخيرة. ونحن إذا لم نستطع فهم الحقيقة القرآنية الأولى ( حقيقة التوحيد ومعرفة الله ) فإنه ليس بامكاننا فهم بقية الحقائق القرآنية العشر ؛ لما عرفت من منهج هذا الكتاب أن هناك تسلسلاً رياضيا وعلميا .بينها. ومن هنا لا يمكن لأخواني السلفيين أن يفهموا حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري مالم يدركوا الحقائق العشر القرآنية التي تتقدم عليها والتي درسناها في الباب الثاني والثالث من هذا الكتاب ، وكذلك لا يمكن لأخواني السلفيين أن يفهموا حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري مالم يدركوا الخصائص القرآنية الست التي تتقدم عليها والتي درسناها في الباب الرابع من هذا الكتاب

والسادسة : لابد أن يدرك أخواني السلفيين عند بحثهم حول حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري بأن هنالك حقيقة هامة تقول : بأنّ هنالك تشابكاً وانسجاماً بين قضية الفصل بين حقيقة الغيبة عند مشايخ الخطابية في القرن العشرين وحقيقة الغيبة في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من جهة وبين والحقائق القرآنية العشر الكبرى التي تناولناها في الباب الثاني والثالث من هذا الكتاب ، بحيث إنّ الخطأ في فهم هذة القضية – التي تفصل بين أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب وبين موقفهم من غيبة المهدي يقتضي سريان الخطأ إلى في فهم موقف أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من كل الحقائق القرآنية الأخرى ؛ لأنّ مشايخ الخطابية في عصرنا لديهم فهم عن غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، يقتضى تعطيل كل الحقائق العشر القرآنية وتعطيل كل الخصائص الست القرآنية إلى أن يخرج الإمام محمد بن الحسن العسكري، وبالتالي يرون موت القرآن الكريم وتجميده إلى أن يخرج المهدب محمد بن الحسن العسكري وهكذا.. وهكذا.. في الحقائق العشر القرآنية وفي الخصائص الست القرآنية المرتبطة بأهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنه لا يمكن أن نخطئ في قضية عدم الفصل بين أهل التوحيد من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، من حيث عدم الفصل بين موقف الطرفين من حقيقة غيبة المهدي ، ثُمّ نصيب في

ص: 493

معرفة الفرق بين موقف أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وموقف أهل الشرك من أصحاب أبي الخطّاب من الحقائق الكبرى العشر القرآنية التي درسناها ، وفي الحقيقة بأنّه حين أخطأ أتباع المنهج السلفي ووقعوا في مشكلة الخلط بين أهل التوحيد ومعرفة من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب ، كانت النتيجة أنّ المنهج السلفي وقع في مشكلة الخلط بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولدى مشايخ الخطّابية في القرن العشرين ، وقد جلست مع مشايخ الخطابية في عصرنا ووجدتهم يرون بأن معنى غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري تعطيل إقامة الدولة والحكومة القرآنية حتي يخرج الإمام المهدي في آخر الزمان ، ووجدتهم يرفضون أن تكون هنالك قيادة قرآنية تقود الأمة الإسلامية في فترة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وكنت أقول لهم لقد قرأتُ كلّ أحاديث رسول الله وكل روايات الأئمة الاثني عشر حول غيبة الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري ووجدت حقيقة هامة غابت عن مشايخ الخطّابية في عصرنا وهي حقيقة أن أحاديث غيبة الإمام محمد الحسن العسكري لا تفصل بين الحقيقة القرآنية الثالثة في هذا الكتاب ) حقيقة يوم القيامة ) وبين ( حقيقة غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ) ، بمعنى أن أحاديث رسول الله وروايات الأئمة الاثني عشر حول حقيقة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري تجعل حقيقة غيبة المهدي مثل حقيقة يوم القيامة ، وتبيّن بأنّه كما أنّ حقيقة يوم القيامة ترتبط بالإيمان بالغيب المذكور في ثانية سورة في القرآن الكريم " الم ذلك الكتاب لا ريب فية هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب " ، فالقرآن يجعل الصفة الأولى للمتقين هى الإيمان بالغيب ، والإيمان بالغيب في أحاديث رسول الله وفي كلام الأئمة الاثني عشر كما يعني الإيمان بالله وبالملائكة وبيوم القيامة يشمل كذلك الإيمان بالغيبة الطويلة للإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، وكنت أقول للخطّابية كما أنّ الإيمان بالحقائق الغيبية الكبرى كالإيمان بالله وبالملائكة وبيوم القيامة لا يتعارض مع قيام الدولة القرآنية والبيعة لقائد قرآني في هذا العصر ، كذلك الإيمان بقضية غيبية كبرى كقضية غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري لا تتعارض مع قيام الدولة القرآنية والبيعة لقائد قرآني معاصر ؛ لأن قضية الملائكة وقضية محمد بن الحسن العسكري من القضايا الغيبية التي أمرنا الله ورسوله والأئمة الاثني عشر بالإيمان بها ، ولكن من دون أن نعطّل حياتنا السياسية لأجل قضايا ترتبط بعالم الغيب ، ولكن مشكلة مشايخ الخطابية فى القرن العشرين أنّهم يتصورون بأنّ الإيمان بالقضايا الغيبية - قضية الإيمان بغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري - يستلزم تعطيل حياتنا السياسية ، وفي الحقية أنّ

ص: 494

مشايخ الخطابية أخذوا هذه الفكرة من النصارى ؛ لأنّ النصاري يعتقدون بغيبة المسيح عيسى بن مريم وأنه سوف يخرج في آخر الزمان ليقيم الدولة العادلة ، ثم يرى أنّ الدين لشأن له بالدولة حتى يخرج المسيح ، وبالتالي عطلوا كل أحكام الله حتى يخرج عيسى بن مريم ، مع أنّ الإيمان بغيبة عيسى بن مريم وعدم وفاته يدخل في أحاديث رسول الله وروايات الأئمة الاثني عشر في عالم القضايا الغيبيية ، ولكن النصارى لم يفصلوا بين المسائل الغيبية والمسائل السياسية ، وهكذا مشائخ الخطابية لم يفصلوا بين المسائل السياسية والمسائل الغيبية ، فقضية إقامة الدولة القرآنية في كل عصر هي قضية سياسية قرآنية ، أمّا قضية غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري فهي قضية غيبية مثلها مثل قضية الإيمان بعالم الجن والإيمان بالملائكة والإيمان بيوم القيامة

من هنا لابد لطالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وفي صنعاء أن يفصل بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أهل التوحيد ومعرفة الله من أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لدى أهل الشرك من أصحاب أبي الخطاب في عهد الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ولدى مشايخ الخطابية في القرن العشرين ، ولكن زملائي من مشايخ السلفية في معاهدنا العلمية السلفية في الرياض وصنعاء لما خلطوا بين موقف أصحاب أبي الخطاب من الحقائق القرآنية العشر وموقف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك الحقائق القرآنية العشر ، كان من الطبيعي أن يخلطوا بين مفهوم غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لدى أصحاب أبي الخطاب ومفهوم غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

والسابعة : لابد أن يدرك أخواني السلفيين عند بحثهم حول حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري بأن هنالك حقيقة هامة تقول : بأنهم لا يمكن لهم أن يدركوا الفرق بين حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري عند أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وحقيقة غيبته ومهدويته عند أصحاب أبي الخطاب الا ادا تأملوا بعمق في النصوص النبوية حول هذه الحقيقة في كتب الحديث عند أهل السنة وفي كتب الحديث عند السلفية وابتعدوا عن النموذج السلفي التحليلي في شرح وتفسير هذه النصوص.

والثامنة : هي أنني ادركت أن لدينا رؤية شنيعة و قبيحة و سلبية لفكرة ا مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري بغض النظر عن الشخصية الغائبة عن الانظار ... لأننا لأننا في العقيدة السلفية لا يوجد لهذه الفكرة أي امتداد .. فهذه الفكرة غريبة وبعيدة عن عقولنا وقلوبنا .. بل نعتبر مهدویته و غيبته بذاتها قضية منحرفة .. ومن ثم لا تسطيع عقولنا أن تتمثل وتتصور مفهوم مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري لأجل كذلك انصح اخواني السلفيين من خلال تجربتي الطويلة مع هذه الفكرة

ص: 495

إذا ارادوا معرفة حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كما رسمت في المنهج النبوي .. أن يصبروا ويتحملوا و يرابطوا عند سماع فكرة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري حتى ينتهوا من الاطلاع الكامل عن المنهج النبوي في عرض فكرة غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري .. إن النموذج السلفي في عرض غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري جعلنا لا نطيق حتى سماع قضية مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري.. وهذا الأمر قادنا ------ من حيث لا نعلم أن نحارب المهدي الواقعي والنبوي وأن نهرب منه لنصنع لنا من حيث لا نعلم مهدياً وهمياً لا وجود له إلّا في نموذجنا الخاص وفي خيالنا الشاذ .. وقد لمست هذه الحقيقة حينما كنت سلفىا حيث قادتني كراهتي لفكرة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري إلى كراهية ذكر اسم الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لأن هنالك تلازما وثيقا بين كراهية هذه الفكرة وبين كراهية الإمام محمد بن الحسن العسكري .. بل هناك ما هو أكثر من التلازم هناك الانبثاق الذاتي. ومن هنا نجد أن الطعن في فكرة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري قادنا – في معاهدنا السلفية في صنعاء والرياض إلى الطعن في الإمام محمد بن الحسن العسكري والآن بعد أن انتهينا من بيان خصائص المنهج الصحيح في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري على السلفيين .. حان الوقت أن نشرع في بيان الواقع التاريخي المشهود و المحسوس للذين آمنوا بالإمام محمد بن الحسن العسكري و مهدويته و غيبته إن الإنسان ليدهش لأولئك الذين آمنوا بحقيقة الغيبة ثقة واطمئانا بما جاء عنها في احاديث ليدهش حين يرى لحظة استعلان حقيقة الغيبة .. يدهش حين يرى مجموعة قليلة ذليلة تواجه بهذه الحقيقة قوما غلاظا ..دادا .. يبلغ بهم الجهل أن يعتقدوا بضلال من يؤمن بهذه الحقيقة ويروا - وهم الاكثرية المقتدرة الحاكمة - الإيمان بحقيقة الغيبة هذيانا وخرافة وضلالة .. يدهش لمجموعة قليلة ضعيفة هؤلاء الذين يمتلقون كل القوى المادية ويسيطرون على كل القوى الدينية, ويسفهون كل من يؤمن بتلك الحقيقة. يدهش حين يرى هؤلاء القلة الضعيفة الذليلة تقارع وتؤنب كل من ينكر هذه الحقيقة, ثم يواجهون الاكثرية القوية الحاكمة بالتحدي

برد هذه الحقيقة وينشرون الكتب التي تحمل عنواين حقيقة الغيبة.

إن الإنسان ليدهش لعصبة قليلة مستضعفة تقتحم هذا الاقتحام الصعب على قوم غلاض شداد .. وتزداد هذه الدهشة حين يعلم أنهم يدركون خطورة الاستعلان بهذه الحقيقة .. وهذه هي اقوالهم - سوف ننقل منها مقتطفات ذكروها في كتبهم بعد قليل - تشهد أنهم يدركون خطورة ومحنة مواجهة الكثرة والقوة والسلطة بهذه الحقيقة .. يدهش وهو يرى الوحشة والحيرة والغربة التي اصابت مجموعة من هذه القلة الضعيفة عند مواجهة الكثرة والسلطة والقوة التي

ص: 496

تزدري هذه الحقيقة .. فتلك الوحشة من سخرية الكثرة الحاكمة كانت حاضرة وسط مجموعة من تلك القلة المستضعفة .. وكانت الوحشة والحيرة والغربة واقعا تتملاه عيون وقلوب هذه القلة الضعيفة المطاردة .. وسنحتاج أن نقتبس فقرات في بيان الوحشة والمحنة والحيرة التي واجهت مجموعة من تلك القلة حين آمنت بهذه الحقيقة فتلقت السهام القاتلة من الاكثرية الحاكمة.. لاغنى عن اقتباسها لمعرفة حركة حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري في التاريخ وفي الواقع المشهود كذلك لا غنى عنها لقارئ يريد رؤية واضحة دقيقة لهذا الموضوع الخطير العميق في معرفة الملابسات الواقعية المشهودة المحاطة بالذين آمنوا بهذه الحقيقة الكبيرة ونبدأ في بيان طبيعة هذه المحنة الواقعية المشهودة بسبب إيمان تلك القلة الضعيفة بهذه الحقيقة الكبيرة بعبارة أمدنا بها المسلم العظيم القديم الشيخ ابو الحسن بن بابويه مقدمته لكتابه ص القمي - من الذين عاصروا زمان تحقق الغيبة في التاريخ والوقع المشهود في كتابه القيم الإمامة والتبصرة من الحيرة : { ورأيت كثيرا ممن صح عقيدته, وثبت على دين الله وطأته , وظهرت في الله خشيته, قد أحاطته الغيبة, وطال عليه الأمد حتى دخلته الوحشة} – من وعلى ضوء هذه العبارة التي تبين طبيعة الوحشة التي تواجه مجموعة من القلة المستضعفة من ضغط وهجوم الكثرة الحاكمة القوية .. نستطيع أن نمضي كذلك في ذكر عبارات أخرى مقتطفة تصور لنا حركة حقيقة الغيبة في المجتمع القديم الذي عاصر تحقق الغيبة في التاريخ والواقع المشهود .. هناك عبارة هامة قديمة يمدنا بها المسلم العظيم القديم الشيخ الأجل ابن أبي زينب محمد بن أبراهيم النعماني – – من الذين كانوا قريبا من عصر زمان تحقق الغيبة في التاريخ والوقع المشهود في كتابه القيم الغيبة – من ص 20 إلى 23 - :

وفي نهاية الباب الخامس من هذا الكتاب نضع أمام أخواني السلفيين خلاصة خاصية الغيبة تبين لنا بعد تتبعنا لحقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري كما وردت في احاديث الرسول كم هو الفرق بين نتائج استعراض تلك الأحاديث لها وبين نتائج استعراضها في كتب السلفية .. وهذا الاختلاف في النتائج انما كان بسبب الفرق بين المنهج النبوي في عرض هذه الحقيقة وبين المنهج السلفي في عرضها .. خطأ المنهج السلفي في عرض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري ؛ لأنه اهمل منهج النبي – بدون قصد في استعراض هذه الحقيقة.. والسلفيون لم يبحثوا عن المنهج النبوي في عرض هذه الحقيقة بل بحثوا عن هذه الحقيقة على أساس العداء والرفض لمنهج أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في استعراض حقيقة غيبة ومهدوية الإمام محمد بن الحسن العسكري، ولكن السلفية ؛ بسبب ما ثار بينها وبين أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من عداء. رأينا كيف بدأ المنهج السلفي في استعراض حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري وليس في عزمهم أن يصلوا

ص: 497

إلى معرفة هذه الحقيقة في المنهج النبوي بل في عزمهم أن يصلوا إلى ما يكذب منهج

أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في استعراض حقيقة مهدوية و غيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري من اساسه للوصول إلى تحطيم أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ذاتها, ومن أجل هذا ابتعد منهجهم عن المنهج النبوي - من حيث لا يعلمون - ؛ لأنه يعتمد سلفا على نتائج معينة حول حقيقة الغيبة قبل البدء بالبحث عن النتائج المنبثقة من الاحاديث النبوية.وحتى حين يكتشف السلفيون تطابق نتائج منهج أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام في استعراض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري مع المنهج النبوي في استعراضها فأن منهجهم يستمر في طريقه لأنه لم يستطع أن يتخلص من أساسه الذي قام عليه, والتخلص من المقالات التي قامت على هذا الأساس, حتى صارت من أصول المنهج السلفي في استعراض حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري. أما خطأ النتائج فهو ضرورة حتمية لخطأ المنهج من أساسه. هذا الخطأ الذي طبع نتائج هذا المنهج بهذا الطابع.. على أنه ايا كان المنهج وايا كانت النتائج التي يصل إليها ذلك المنهج حول حقيقة مهدوية وغيبة الإمام محمد بن الحسن العسكري, فإن تقريراته حول هذه الحقيقة مخالفة مخالفة أساسية للتقريرات النبوية حول حقيقة الغيبة – كما بينا ذلك في هذا الكتاب - .. وإذا جاز لغير المسلم أن يأخذ بنتائج حول حقيقة الغيبة تخالف مخالفة صريحة أقوال رسول الله حول هذه الحقيقة, فأنه لا يجوز لباحث حول حقيقة الغيبة يقدم بحثه حولها للناس على أنه مسلم أن يأخذ بتلك النتائج .. لا سيما بعد أن تبين لنا من خلال هذا البحث بأن التقريرات النبوية حول حقيقة الغيبة صريحة وقاطعة وغير قابلة للتأويل . فهي مما يقال عنه : إنه معلوم من الدين بالضرورة . وعلى المسلم أن يختار بين قول رسول الله حول حقيقة الغيبة وبين قول غلاة السلفية وفي الأخير جعلنا الله نسير على طريق الإمام المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري التي هي نفس طريق القرآن الكريم والآن وصلنا إلى الفقرة الأخيرة من هذا الكتاب ، ونضع أمام القارىء الفقرة الختامية لهذا الكتاب. وهي في ذكر أقوال السلفية المعتدلة الصحيحة في الفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب .

ص: 498

ص: 499

الخاتمة : في ذكر أقوال السلفية المعتدلة الصحيحة في الفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب

في ذكر أقوال السلفية المعتدلة الصحيحة في الفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب الكلمات الصادرة من السلفية المعتدلة الصحيحة في الفصل بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب لا يمكن حصرها في خاتمة هذا الكتاب ، ولكن لدينا بعض الكلمات الهامة لهم التي أريد أن يطّلع عليها طالب العلم في معاهدنا السلفية العلمية ، وهذه صورة لبعض

كلماتهم .. يقول المفكر الإسلامي المصري الدكتور حامد حنفي رئيس قسم الأدب العربي في جامعة عين شمس] : " بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن أدرس فيها عقائد الأئمة الاثني عشر بخاصة وعقائد الشيعة بعامة ؛ فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها ... بشيءٍ ذي بال في سبيل الوحدة الإسلامية للعلامة مرتضى الرضوي: (45] ، ونجد - أيضاً - نفس

ص: 500

ذلك المفكر الإسلامي المصري الدكتور حامد حنفي داود يدعو إلى ضرورة نبذ منهج

علماء السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وإلى ضرورة الرجوع إلى منهج

السلفية المعتدلة الصحيحة في دراسة هذه مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي هذا يقول: يُخطىء كثيراً من يدعي أنه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية [أي العقيدة في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم، مهما بلغ هؤلاء الخصوم من العلم والإحاطة ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول هذا جازماً بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن أدرس فيه عقائد الأئمة الاثنى عشر بخاصة، وعقائد الشيعة بعامة، فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد... بشيء ذي بال، وما زادني إلى هذه الدراسة، وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عليها ... ذلك لأنّها دراسة بتراء أحلتُ نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب، وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت - بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت والحكمة حيث وجدت والحكمة ضالة المؤمن - أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الاثني عشر إلى الناحية الأخرى، تلك هي دراسة هذا المذهب في كتب أربابه، وأن أتعرف على عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون

المحققون من علمائهم وجهابذتهم.

ومن البديهي أنّ رجال المذاهب أشد معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عمّا في النفس، وفضلاً عن ذلك فإنّ الأمانة العلمية التي هي من أوائل أسس المنهج العلمي الحديث، وهو المنهج الذي اخترته وجعلته دستوري في أبحاثي ومؤلفاتي حين أحاول الكشف عن الحقائق المادية والروحية؛ هذه الأمانة المذكورة تقتضي التثبت التام في نقل النصوص والدراسة الفاحصة لها، فكيف لباحث بالغا ما بلغ من المهارة العلمية والفراسة التامة في إدراك الحقائق أن يتحقق من صحة النصوص المتعلقة بالشيعة والتشيع في غير مصادرهم؟! إذن ، لارتاب في بحثه العلمي على غير أساس متين.. ذلك ما دعاني أن أتوسع في دراسة الشيعة والتشيع في كتب الشيعة أنفسهم، وأن أتعرف عقائد القوم نقلاً عما كتبوه بأيديهم ونطقت به ألسنتهم، لا زيادة ولا نقص، حتى لا أقع في الإلتباس والخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب الذي وقع فيه غيري من المؤرخين والنقاد حين قصدوا للحكم على الشيعة والتشيع. وإنَّ الباحث

ص: 501

الذي يريد أن يدرس مجموعة ما من الحقائق في غير مصادرها ومظانها الأصلية إنّما يسلك شططاً ويفعل عبثا، ليس هو من العلم ولا من العلم في شيء.

ومثل هذا ما وقع فيه العلامة الدكتور أحمد أمين حين تعرّض لمذهب الشيعة في كتبه، فقد حاول هذا العالم أن يجلي للمثقفين بعضاً من جوانب ذلك المذهب، فورط نفسه في كثير من المباحث الشيعية كقوله : (إنّ اليهودية ظهرت في التشيع)، وقوله: (إنّ النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً)، وقوله : (بتبعيتهم لعبد الله بن سبأ)، وغير هذا من المباحث التي ثبت بطلانها وبراءة الشيعة ، منها ، وتصدى لها علماؤهم بالنقد والتجريح ، وفصل الحديث فيها العلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها" [مقدمة العلامة حامد حنفي داود لكتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر : 20 - 23] ، والعلامة المفكر الإسلامي المصري علي عبد الواحد وافي - رحمه الله - عالج قضية الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب في كتابه القيم بين الشيعة وأهل السنة) ومما قاله:

إن كثيرا من مؤلفينا قد خلط بين الشيعة الجعفرية وغيرها من فرق الشيعة " [كتاب بين الشيعة وأهل السنّة للعلامة الدكتور عبد الواحد وافي : 4] ، ولكن كلام العلامة علي عبد الواحد وافي لم يعجب أحد غلاة السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وهو إحسان الهي ظهير) ، فقال في ترجمة العلامة علي عبد الواحد وافي: " إنّه علم من أعلام مصر" ، ثم قال: " لقد سمعت الكثير من علم الدكتور علي عبد الواحد وافي، وحدثني عنه العديد من الأصدقاء حتى دفعني الشوق إلى لقائه، وإذا أنا أطرق باب مصر وأدخلها طالباً للعلم ". بين الشيعة وأهل السنة،الشيخ إحسان الهي ظهير : 6] ، و وجدنا إحسان الهي ظهير بعد أن وصف العلامة السنّي علي عبد الواحد وافي بأوصاف عظيمة قال : [إنّه انخدع بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ]! ونحن نقول له: هل من المعقول أن ينخدع بمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في العصور القديمة والمتأخرة والحديثة ؟! ولماذا لم ينخدعوا بمذهب أبي الخطاب وأتباعه في عصرنا وفي عصر الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، على فرض أنه لا فرق بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب كما يحسب غلاة السلفية ؟!! وليست القضية محصورة بالعلامة الدكتور على عبد الواحد وافى ، ويعدُّ العلامة على عبد الواحد وافي من كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة الذين أدركوا خطورة الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، وقد عالج هذه القضية في كتابه (بين الشيعة وأهل السنّة)،

ص: 502

وقال في الرد على غلاة السلفية الذين يخلقون ضجة مفتعلة بين مذاهب أهل السنة ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " الخلاف بيننا وبينهم – أي بين السنة واتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام – مهما بدا في ظاهره كبيراً لا يخرج في أهم أوضاعه عندنا وعندهم من حيز الاجتهاد المسموح به " [كتاب بين الشيعة وأهل السنّة للعلامة الدكتور عبد الواحد وافي: 4] ، وقد بذل الشيخ محمد الغزالي رضوان الله عليه - جهوداً عظيمة مثمرة في تصحيح منهج غلاة السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ كما بذل جهوداً جبارة في مقاومة منهج الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبذل جهودا كبيرة في معالجة قضية الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، وفي هذا يقول: " ومن هؤلاء الأفاكين الذين يخلطون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب من روّج أن الشيعة أتباع عليّ، وأن السنيين أتباع محمدٍ ، وأن الشيعة يرون عليا أحق بالرسالة، أو أنّها أخطأته إلى غيره. وهذا لغو قبيح وتزوير شائن ". وهو لا ينطبق إلا على الفرق المغالية المنقرضة ، وقد توسع الإمام الشيخ محمد الغزالي - رضوان الله عليه – في كتابه القيّم ليس من الإسلام في نقد منهج غلاة السلفية، المقلدين لمنهج الأستاذ إبراهيم الجبهان في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ونقد الذين ما زالوا لا يفرقون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، وفي هذا يقول - رضوان الله عليه -: " نسب بعض الذين يخلطون بين بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب] إلى الإمامية - افتراء وتنكيلاً - نقصان آيات من القرآن " اليس من الإسلام

، الشيخ محمد الغزالي : 48] ، وقد بيّنت في الباب الثاني من هذا الكتاب الفرق الجوهري بين موقف مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من القرآن الكريم ، وموقف مذهب أبي الخطّاب من القرآن الكريم ، ويرى المفكر الإسلامي العلامة المصري محمد البهي كان من كبار علماء مصر في العصر الحديث، ويعد من الذين جمعوا بين الدراسة الأزهرية القديمة والدراسة الحديثة في الجامعات الاوربية، وتميز بسعة ثقافته وقوة منطقه وهو من الشخصيات التي اعتمد عليها في كتبه الشهيد سيد قطب، واعتمد عليها - أيضاً - الشيخ محمد الغزالي في بعض كتبه، وقد كان وزيراً للأوقاف المصرية] أن منهج غلاة السلفية يعتبر منهجاً متطرفاً في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومنهجاً مخلطاً مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب ، ومنهجاً منحرفاً في دراسة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام .. قال محمد البهي - رضوان الله عليه - وهو في صدد نقده منهج غلاة السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام : " وسعت [الوهابية] شقة الخلاف بين السنة والشيعة، وأصبحت الفجوة كبيرة في النزاع المذهبي بين السنّة والشيعة منذ القرن الثامن عشر الميلادي، بل أصبحت أشدّ من ذي قبل. وكان لزيادة الفجوة على هذا النحو أثر سلبي للدعوة

ص: 503

الوهابية " [كتاب الفكر الإسلامي في تطوره، الدكتور محمد البهي : 140] ، ويقول العلامة المصري عبد الحليم الجندي - حفظه الله - عن الذين يخلطون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب أنّهم : " نسبوا عمل الغلاة الخطابية] إلى الشيعة [الجعفرية ]... فأحدثوا بذلك أثراً كاذباً في فهم الآخرين بدعاوى هم [أي اتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] منها براء، مثل: إنّ الإمام هو الله ظهوراً واتحاداً وهو غلو يبلغ الكفر " [الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، عبد الحليم الجندي: 235، الهامش رقم 1] ، ومن كبار المفكرين الذين أدركوا أنّ الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب عند غلاة السلفية يعد هو السبب في إصرارهم على تكفير اتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ المفكر الإسلامي المصري فهمي هويدي - حفظه الله – حيث يقول: تعتبر قضية تكفير الشيعة [يعني تكفير أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام إحدى الأطروحات الرئيسية في الفكر الوهابي " [إيران من الداخل، فهمي هويدي: 322]

وكلّ تلك الأقوال التي نقلناها عن كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة تعتبرُ أنّ منهج غلاة السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام الذين لا يميزون ويفصلون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، ومن ثَم وقعوا في انحراف كبير في معرفة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي معرفة شخصية أبي الخطاب

ويرى علماء السلفية المعتدلة الصحيحة أن التصور الذي يحمله غلاة السلفية عن مذهب الإمام جعفر مناقض أو مصادم لحقائق والخصائص مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومُسَاو ومتحدّ حقائق وخصائص مذهب أبي الخطّاب؛ كما نلمس ذلك في كتابات المفكر الإسلامي المصري سالم البهنساوي - حفظه الله - صاحب كتاب (السنّة المفترى عليها ) . وهو يعدُّ من الذين التفتوا إلى خطورة الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب عند غلاة السلفية، وكتابه يحتوي على دراسة عميقة تدعو إلى ضرورة تصحيح منهج غلاة السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وتبين خروجهم عن منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، كما أنَّه انتقد كل التهم التي شاعت في وسط غلاة السلفية ضد مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن أهم هذه التهم التهمة القائلة ب- " أن للاثني عشرية [ أي اتباع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] مصحفاً آخر "، فهاجم البهنساوي هذه التهمة وقال: " إنّ المصحف الموجود بين أهل السنّة هو نفسه الموجود في مساجد وبيوت الشيعة " [السنة المفترى عليها ، الدكتور سالم البهنساوي: 6] ، ويرى المفكر الإسلامي أنور الجندي أنّ غلاة السلفية أخذوا تصوراتهم عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من المقالات النصرانية والمجوسية واليهودية

ص: 504

والوثنية والغنوصية الموجودة في مذهب أبي الخطاب ، وحينما أخذوا معلوماتهم عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من تلك المقالات الخطّابية خلطوا بين شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام وشخصية أبي الخطّاب ، وفي ذلك يقول ذلك المفكر الإسلامي المصري أنور الجندي، : ومن الحق أن يكون الباحث يقضاً في التفرقة بين الشيعة والغلاة [يعني في التفرقة بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، هؤلاء الذين هاجمهم أئمة الشيعة أنفسهم وحذَّروا مِمَّا يدسونه " [الإسلام وحركة التاريخ ، أنور الجندي : 421] ، وكان الإمام حسن البنا – رضوان الله عليه - من أكثر المتحمسين لتصحيح منهج غلاة السلفية في دراسة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، ومن أكثر المحاربين للذين يخلطون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب ؛

كما كان الإمام حسن البنا - رضوان الله عليه - يعجب - كثيرا من الذين يخلطون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب " مع العلم بأنّ أئمة الشيعة [يعني: أئمة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] قد أثروا التأليف الإسلامي ثروة لا تزال المكتبات تعج بها " [عبارة مشهورة للإمام حسن البنا نقلها عنه تلميذه وزعيم الاخوان المسلمين الاستاذ عمر التلمساني المصري في كتابه القيم ذكريات لا مذكرات: 250] ، في الوقت الذي ليس هناك في المكتبة الإسلامية أي وجود لفقه يرجع إلى مذهب أبي الخطّاب ؛ لأنَّ أبا الخطّاب لم يجعل قيمة للفقه ومباحث الحلال والحرام في الكتاب والسنة ، وقد بحثنا عن هذا الموضوع في الباب الأول من هذا الكتاب ، حينما طرحنا الفرق بين موقف مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام من الشريعة الإسلامية [الحقيقة القرآنية الرابعة] ، وموقف مذهب أبي الخطّاب من شريعة القرآن الكريم ، وكان الكاتب الإسلامي السني الكبير عبّاس محمود العقاد - رحمه الله - من الذين أدركوا الفرق بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ؛ وأدرك بأنَّ عدم الفصل بين هذين المذهبين هو وراء كل الأكاذيب المنسوبة للمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام . وكان يتمنى – لولا أن وافته المنية – أن يكتب كتاباً في الدفاع عن مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي هذا قال الكاتب المشهور المصري أنيس منصور: إنه العقاد يقول له: " إنّه يريد - قبل أن يموت - أن يؤلف دراسة موضوعية عن المذهب سمع الشيعي [أي مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] ، فقد أدخلت عليه أكاذيب أفسدت صورته عند كثير من الناس الذين لا يميزون بين حقيقة مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام وبين تلك الاكاذيب الموجودة في مذهب أبي الخطاب، ولم يتسع عمره لأن يكتب هذا الكتاب " ، وكل هذه الاكاذيب الموجودة في مذهب أبي الخطّاب نسبت ظلماً وزوراً إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام [انظر كتاب لعلك تضحك للكاتب المصري أنيس منصور : 201] ، وكان المؤرّخ الكبير محمد كرد علي – رحمه الله – يهاجم الذين يخلطون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب.. ويقول: " أما ما ذهب

ص: 505

إليه بعض الكتاب [الذين يخلطون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب] من أنّ مذهب التشيع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء؛ فهو وهم وقلة علم بتحقيق مذهبهم. ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة [ أي في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ؛ علم مبلغ هذا القول من الصواب) [كتاب خطط الشام ، محمد كرد علي : 2516] ، والمرشد الروحي – السابق - للإخوان المسلمين في العالم، الإمام الشيخ عمر التلمساني - رضوان الله عليه – يعجب من الذين يخطئون بسبب عدم فصلهم بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب مع أنّ الواقع يثبت ويؤكد بأن الفقه الشيعي [ فقه مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] أغنى العالم الإسلامي من حيث التفكير) [مجلة العالم الإسلامية المشهورة، العدد 91] ، في حين يعرف القاصي والداني بأنَّ مذهب أبي الخطاب لا يوجد فيه فقه ؛ لأنّ أبا الخطاب كان يرى بأنَّ الفقه الإسلمي قد نسخ منذ أنْ طرح مذهبه الجديد الذى محى الفقه الإسلمي ، وقد طرحنا هذا الموضوع في الباب الثاني ، حينما طرحنا حقيقة النبوة [الحقيقة القرآنية الثانية بين مذهب أبي الخطاب ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، أما الإمام محمد أبو زهرة) - رضوان الله عليه - فقد هاله منهج غلاة السلفية الذين يخطئون بسبب عدم فصلهم بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب وانتقد منهج غلاة في التعامل مع بعض المصطلحات القرآنية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقال في تبيين وتوضيح مصطلح (التقية) الذي يعتبر من أهم المصطلحات القرآنية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام التي لم يدرك معناها غلاة السلفية ، فاثبت أن معنى التقية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام قد أخذ من القرآن الكريم، وفي هذا يقول: " والتقية [يعني: في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] أن يخفي المؤمن بعض ما يعتقد ولا يجهر به؛ خشية الأذى، أو للتمكن من الوصول إلى ما يريد من نصرة لدين الله أو للحق في ذاته. والأصل فيها – التقية قوله تعالى: (لا) يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةٌ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [سورة آل عمران: 28] ، [الإمام الصادق علیه السلام محمد أبو زهرة: 22] .

وبدية أنَّ هنالك فرق جوهري بين معنى التقية في مذهب أبي الخطاب ، ومعنى التقية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقد درسنا هذا الأمر في الباب الثاني من هذا الكتاب ، عندما بيّنا الفرق بين المصطلحات القرآنية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي مذهب أبي الخطاب ، ويقول الإمام محمد أبو زهرة في صدد الرد على غلاة السلفية الذين يخطئون بسبب

ص: 506

عدم فصلهم بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب : " وإنّ الإمامية [مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] لا يصلون بالإمام إلى مرتبة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم " [الإمام الصادق علیه السلام ، محمد أبو زهرة: ص 151] ، وكان إمام الأزهر الشريف الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمود شلتوت - رضوان الله عليه – من أكثر الذين دافعوا عن منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في التعامل مع مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وبذلوا جهودا في محاربة منهج غلاة السلفية في دراسة هذا المذهب ؛ لأنّهم ما زالوا يخطئون بسبب عدم فصلهم بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، ولقد حاول الإمام شلتوت - رحمه الله – دعوة غلاة السلفية إلى الرجوع لمنهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة ، كما حاول أن يزيل الضجة التي خلقها غلاة السلفية بين أتباع الإمام الشيخ محمد عبدالوهاب - رضوان الله عليه – وأتباع الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، فحاربه الذين ما زالوا لا يميزون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب من غلاة السلفية ، وحسبوا أنّه يدعو للتقريب بين مذاهب أهل السنّة ومذهب أبي الخطّاب ، وأراد - رحمه الله - أن يبين لغلاة السلفية أنّ المقالات التي ينسبوها لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام هي مقالات مذهب أبي الخطاب الذي كفره الإمام جعفر الصادق علیه السلام وأتباعه وكفره أهل السنة والجماعة، واعتبر أنّهم نسبو تلك المقالات الخطابية المجوسية إلى مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ؛ لأنَّهم لا يفصلون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ، ومن ثَمَّ فلا غرابة أن يخلطوا بين الحقائق القرآنية في مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومقالات مذهب أبي الخطاب الغنوصية ، وقد اضطر إلى مهاجمة بعض المعاصرين له من غلاة السلفية الذين تأثروا بمنهج الأستاذ القدير إبراهيم الجبهان في كتابه تبديد الظلام ، وبدأوا يشككون في منهج علماء السلفية المعتدلة الصحيحة الذين يفصلون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ؛ لأنّهم كانوا العقبة الكبرى – في نظره -- أمام التقريب بين والاثني عشرية، فقال الإمام شلتوت - رضوان الله عليه - : " حارب هذه الفكرة [أي فكرة التقريب بين مذاهب أهل السنة ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] ضيقوا الأفق، كما حاربها صنف آخر من ذوي الاغراض الخاصة السيئة، ولا تخلوا أية أمة من هذا الصنف من الناس.. حاربها من يجدون في التفرق ضماناً لبقائهم وعيشهم، وحاربها ذوو النفوس المريضة [من أمثال الذين يخلطون بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطّاب] وأصحاب الأهواء والنزعات الخاصة، هؤلاء وأولئك ممن يؤجرون أقلامهم لسياسات مفرقة ، لها أساليبها المباشرة وغير المباشرة في مقاومة أية حركة إصلاحية، والوقوف في سبيل كل عمل يضم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم

ص: 507

[مجلة رسالة الإسلام المصرية التابعة لجماعة التقريب بين السنة والشيعة، ونحن نأسف كثيراً اننا وجدنا غلاة السلفية يحاربون فكرة التقريب بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب – رضوان الله عليه – ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، مع أنهم يقولون بأن هذين المذهبين من المذاهب الإسلامية ، والغريب من هؤلاء أنهم يزعمون أن الخصومة بين مذهب الإمام الشيخ محمد عبد الوهاب - رضوان الله عليه - وبين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام اشدّ من الخصومة بين المسلمين وبين اليهود وهذا بهتان عظيم والله المستعان على ما يقولون ، وقد صوّر العلامة الشيخ يوسف القرضاوي تلك الحالة المأساوية، التي خلقت حقداً عند غلاة السلفية لكلّ علماء المذاهب الإسلامية ، بسبب أنّهم اتهموا علماء المذاهب الإسلامية من الماتريدية والاشاعرة واتهموا مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام بمخالفة السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى .. وفي هذا يقول الإمام الشيخ يوسف القرضاوي - حفظه الله - : " إن تشويه الرموز الإسلامية وتحطيم الأعلام، وتدمير القمم؛ عمل لا يستفيد منه غير أعداء الإسلام، وخصوم المسلمين. وهو - للأسف - ما أصبح هواية لبعض المنتمين إلى الدين [يعني غلاة السلفية] لقد زرت المملكة العربية السعودية في العام الماضي، فوجدتُ أمراً رابني وساءني: مجموعة من الكتب تتهم العلماء والدعاة، وتوسعهم سبا وقذفا، صنف هذه الكتب بعض الإخوة الغلاة ممن ينسبون أنفسهم إلى السلفية، والحق أنّ السلفية منهم براء. لم يكن هؤلاء يدعون عالماً كبيراً، من أهل السنة أو من مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] سابقاً أو لاحقاً أو معاصراً، يخالفهم في قضيةٍ ما ، إلا كالوا له الذم بأوسع مكيال . لم يسلم من طول ألسنتهم الباقلاني، ولا إمام الحرمين، ولا الإسفراييني، ولا الغزالي، ولا الرازي، ولا النووي، ولا ابن حجر العسقلاني، ولا السيوطي، ولا غيرهم من المتقدمين كما لم يسلم منهم من المحدثين الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي، ورشيد رضا، وفريد وجدي.. وغيرهم من دعاة الإصلاح ، وكذلك لم يسلم منهم من بعدهم من المفكرين والدعاة المودودي، والندوي، وحسن البنا، وسيد قطب، والغزالي، والقرضاوي، ومحمد عمارة، وفهمي هويدي... وغيرهم من الأموات والأحياء ونسي هؤلاء [يعني : غلاة السلفية] أنَّ حُسن الظن بالمسلمين أولى من سوئه، وأنّ الأصل حمل حال المسلمين على الصلاح، والتماس المعاذير لأهل الإسلام، وافتراض نية الخير منهم الشيخ الغزالي كما عرفته رحلة نصف قرن، تأليف يوسف القرضاوي: 263] .

ويرى كبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة في العالم الإسلامي أنه ليست نظرة غلاة السلفية لمذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام غريبة فحسب، بل إنّ نظرتهم للدين الإسلامي بصورة كلية

ص: 508

غريبة عن هذا الدين، وفي هذا يقول الشيخ محمد الغزالي: " إنّ فهم هؤلاء الناس [يعني: غلاة السلفية] للدين غريب " [هموم داعية للإمام محمد الغزالي : 152] ، ومن ثَمّ اعتبر الإمام الشيخ المصري محمد الغزالي غلاة السلفية أخطر خصوم الصحوة الإسلامية ... وقال - رحمه الله -: " الصحوة الإسلامية المعاصرة مهددة من أعداء كثيرين، والغريب أنّ أخطر خصومها نوع من الفكر الديني يلبس ثوب السلفية يعتقد الإمام الغزالي أنّ غلاة السلفية لا علاقة لها بالسلفية المعتدلة] وهو أبعد الناس عن السلف، إنها ادعاء السلفية وليست السلفية الصحيحة " [سر تأخر العرب للإمام محمد الغزالي: 5] ، وقد واجه المفكّر المصري الكبير أنور الجندي غلاة السلفية الذين لا يفرقون بين مذهب الرافضة الخطّابية ومذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وقال: " والرافضة [الخطابية] غير السنّة والشيعة الإسلام وحركة التاريخ أنور الجندي: 28]؛ لأن الرافضة الخطابية قد كفرها الإمام جعفر الصادق علیه السلام وكل أتباعه قبل أن يكفرها أهل السنّة.

وهناك مئات الأقوال لكبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة التي تحذر من قضية الخلط بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي الخطاب ؛ لو ذكرناها كلها لتضاعف

الكتاب وهكذا؛ تتجلى في هذه المقتطفات الكبيرة والهامة لكبار علماء السلفية المعتدلة الصحيحة مشكلة خطأ غلاة السلفية في عدم فصلهم بين مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ومذهب أبي ، وكيف كانت هذه المشكلة سببا في اخفاقات منهج غلاة السلفية في معرفة شخصية الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، وفي اخفاقاتهم في معرفة شخصية أبي الخطاب ، وكانت سبباً في التباين الشديد بين حكم اغلاة السلفية وحكم السلفية المعتدلة الصحيحة على مذهب الإمام جعفر الصادق علیه السلام .

نسأل الله السلامة من طريق أهل الشرك والمشركين.

فهرس الكتب الواردة في المتن

الإمام جعفر الصادق علیه السلام ، تأليف الشيخ عبد الحليم الجندي ، القاهرة ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، 1977م

الإمام الصادق علیه السلام ، تأليف الشيخ محمد أبي زهرة ، القاهرة ، طبعة سنة 1993م

ص: 509

بين الشيعة وأهل السنة ، تأليف علي عبد الواحد وافي

بين الشيعة وأهل السنة ، تأليف إحسان ظهير ، الطبعة الأولى 1985م ، إدارة ترجمان السنة ، شادمان ، لاهور ، باكستان .

أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، تأليف ناصر بن عبد الله القفاري

تبديد الظلام وتنبيه النيام إلى خَطَر التشيّع على المسلمين والإسلام ، تأليف إبراهيم سليمان الجبهان :

رجال الطوسي ، تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، النجف الأشرف 1961م.

الفهرست ، تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، النجف الأشرف ،

. 51356

رجال العلامة الحلّي (خلاصة) الأقوال في معرفة الرجال ، تأليف العلامة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ، النجف الأشرف ، 1968م .

رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنّفي (الشيعة) ، تأليف الشيخ الجليل أبي العباس أحمد بن علي النجاشي الأسدي الكوفي ، قم ، 1408ه .

الرجال لابن داوود ( كشف المقال في معرفة أحوال الرجال ، تأليف تقي الدين الحسن بن علي بن داوود الحلّي ، من منشورات مطبعة جامعة طهران 1342ه ش.

رجال الكشي ، تأليف أبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي ، مشهد ، 1348.

البيان في تفسير القرآن ، تأليف الإمام أبي القاسم الموسوي الخوئي:

التبيان في تفسير القرآن ، تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي

الكافي ، تأليف الشيخ محمد يعقوب الكليني ، منشورات دار الكتب الإسلامية ، طهران .

تحف العقول عن آل الرسول ، تأليف الحسن بن شعبة الحراني ، منشورات جامعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم .

ص: 510

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة (الاثني عشر ) الأطهار ، تأليف الشيخ محمد باقر

المجلسي ، منشورات المكتبة الإسلامية ، طهران

وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، تأليف الشيخ الإمام محمد بن الحسن الحر العاملي ، منشورات المكتبة الإسلامية طهران

سلسلة الأحاديث الصحيحة ، تأليف الشيخ الألباني

كتابه الإمام علي الرضا ورسالته الطبية ، تأليف الدكتور محمد علي البار

علل الشرئع ، تأليف الشيخ الإمام الصدوق القمي ، منشورات المكتبة الحيدرية ، النجف

الأشرف

مجمع البحرين ، تأليف الشيخ محمد بن علي الطريحي ، نشر المكتبة الرضوية ، مشهد

تفسير العياشي ، تأليف الإمام المحدّث محمد بن عيّاش السلمي السمرقندي ، منشورات المكتبة الإسلامية ، طهران

رجال جعفر الصادق علیه السلام عليه السلام ، تأليف ابن عقدة الكوفي الزيدي

في سبيل الوحدة الإسلامية للعلامة مرتضى الرضوي: مطبوعات

مكتبة النجاح بالقاهرة ، ط / 2 سنة 1979.

مقدمة الدكتور حامد حنفي داود لكتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر

ليس من الإسلام ، للشيخ محمد الغزالي

الفكر الإسلامي في تطوره للدكتور محمد البهي

إيران من الداخل، فهمي هويدي ، ط / 2 ، 1408 ه- - 1988م، مركز الاهرام للترجمة والنشر.

السنة المفترى عليها ، الدكتور سالم البهنساوي

ذكريات لا مذكرات ، الأستاذ عمر التلمساني

ص: 511

كتاب لعلك تضحك للكاتب المصري أنيس منصور : الطبعة الثالثة، ، مطبعة نهضة مصر ، القاهرة.

خطط الشام ، محمد كرد علي

مجلة العالم [الإسلامية] ، العدد 91

هموم داعية ، محمد الغزالي:

سر تأخر العرب ، محمد الغزالي:

الشيخ الغزالي كما عرفته رحلة نصف قرن، تأليف الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي. ه-.

دار الوفاء - المنصورة - مصر .

الإسلام وحركة التاريخ، أنور الجندي

كتاب المقالات والفرق ، تأليف سعد بن عبد الله الأشعري القمي ، طهران ، 1963م .

فرق الشيعة ، تأليف محمد الحسن بن موسى النوبختي

الفقه الإسلامي وأدلته ، الشيخ وهبة الزحيلي

جامع أحاديث الشيعة ، تحت اشراف آية الله العظمى السيد حسين الطباطبائي البروجردي من منشورات المطبعة العلمية ، قم .

تهذيب الأحكام ، تأليف الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، منشورات دار الكتب

الإسلامية ، طهران

تصحيح اعتقادات الإمامية ، تأليف الشيخ محمد النعمان المفيد العكبري البغدادي ، تبريز ، 1371ه.

رسائل الشريف المرتضى ، نشر دار القرآن الكريم ، قم ، 51405

المحاسن ، تأليف الشيخ المحدث أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، منشورات دار الكتب الإسلامية ، قم

معجم رجال الحديث ، تأليف السيد الخوئي

ص: 512

کتاب وجاءوا يركضون للشيخ أبي بكر الجزائري

كتاب الإعلام بأن العزف والغناء حرام للشيخ أبي بكر الجزايري

مجمع البيان في تفسير القرآن ، تأليف أمين الإسلام الطبرسي، الطبعة المصرية ، ، قَدَّم له العالم المصري الأزهري الإمام أحمد الباقوري]

كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى في تراجم الأئمة الاثني عشر ، تأليف الإمام الشيخ أمين الإسلام الطبرسي ، منشورات دار الكتب الإسلامية ، طهران

الأصول الأربعمائة لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام [ المسانيد الأربعمائة لأصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام ] وهي أربعمائة مسندٍ من تأليف أصحاب الإمام جعفر الصادق علیه السلام

المقنعة ، تأليف الشيخ الإمام المفيد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم

الخصال ، تأليف الشيخ الإمام الصدوق ، منشورات جامعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم

غيبة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، تأليف الشيخ الإمام محممد بن إبراهيم النعماني ، منشورات مكتبة الشيخ الصدوق ، طهران ، 1397ه .

كتاب من لا يحضره الفقية ، تأليف الشيخ الإمام الصدوق القمي ، مشورات دار التعارف

بيروت

سنن الترمذي

موطأ الإمام مالك

صحیح مسلم

مشكل الآثار ، الطحاوي

وابن أبي عاصم في السنة

المعجم الكبير للطبراني

سنن الدارقطني

كتاب حديث الثقلين ، تأليف الدكتور علي أحمد السالوس

ص: 513

والخطيب في الفقيه

معاني الأخبار ، تأليف الشيخ الإمام الصدوق القمي ، من منشورات مكتبة الشيخ المفيد ، قم الفهرست ، ابن النديم ، تأليف محمد بن إسحاق الوراق البغدادي ، تصحيح رضا تجدد ، بدون تاريخ .

شرح نهج البلاغة ، تأليف عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني ، طهران ، 1387ه .

عدّة الأصول في علم أصول الفقه ، تأليف الشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي ، قم

1963م.

عيون أخبار الإمام الرضا ، تأليف الشيخ الإمام الصدوق القمي ، قم 1377ه

ا

فلاح السائل ، تأليف السيّد ابن طاووس، النجف الأشرف ، 1965م

مقتضب الأثر في عدد الأئمة الاثني عشر للشيخ أحمد بن عبيد الله بن عياش الجوهري ، قم 1379ه.

الأمالي ، تأليف الشيخ الإمام محمد بن الحسن الطوسي ، بغداد ، 1964 .

العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل ، تأليف ابن عقيل الشافعي

مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، تأليف الشيخ الدكتور ناصر القفاري

كتاب الرد على الغالية وأبي الخطاب ، تأليف إبراهيم بن أبي حفص

كتاب الرد على القرامطه ، تأليف علي بن ابي حاتم القزويني

كتاب الرد على الباطنية والقرامطة ، تأليف الفضل بن شاذان

وكتاب الرد على رئيس الخطابية ، تأليف يونس بن عبد الرحمن اليقطيني

صحيح سنن الإمام أبي داود ، تأليف الشيخ الإمام ناصر الدين الألباني

الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ لهاشم معروف الحسني ، دار الكتب الشعبية بيروت

نهج البلاغة للشريف الرضي

قواعد العقائد لنصير الدين الطوسي ، مطبعة امير – مدينة قم العلمية

مجمع البحرين للطريحي للشيخ فخر الدين الطريحي

ص: 514

المسائل السروية للشيخ المفيد

أمالي الشيخ الصدوق

مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم

فتوح البلدان للبلاذري

الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني

الإمام الصادق علیه السلام والمذاهب الأربعة لأسد حيدر

معجم لاروس

المعجم الوسيط

تاريخ الخلفاء السيوطي تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد

تفسير القرآن ابن كثير

البداية والنهاية ابن كثير

عقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر الشيخ عبد المحسن العباد, وتعليق الشيخ بن باز

بيان رابطة العالم الإسلامي حول المهدي محمد المنتصر الكناني

السنن أبو داود السجستاني

الصحيح البخاري

الصحيح مسلم

غيبة الإمام المهدي النعماني

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث محمد جمال الدين القاسمي

ركائز الإيمان بين العقل والقلب محمد الغزالي المصري

إكمال الدين وإتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة الشيخ الصدوق

الإمامة والتبصرة من الحيرة علي بن الحسين بن بابوية

الغيبة وكشف الحيرة أبو الحسن الأرزي سلامة بن محمد

ص: 515

الغيبة وكشف الحيرة محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة

التنبيه والإمامة إسماعيل بن علي بن أبي سهل

الغيبة محمد بن الحسن الطوسي

السنة النبوية قبل التدوين محمد عجاج الخطيب

صحيفة علي بن أبي طالب رفعت فوزي عبد المطلب

دلائل التوثيق المبكر للسنة والحديث امتياز أحمد

صبحي الصالح علوم الحديث

محمد عجاج الخطيب أصول الحديث

نور الدين عتر منهج النقد في علوم الحديث

تحقيق عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ محاسن الاصطلاح على مقدمة ابن صلاح للحافظ

البلقيني

أدب الإملاء والاستملاء السمعاني

المحدث الفاضل بين الراوي والواعي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب

السنن النسائي

لسان العرب ابن منظور

مروج الذهب المسعودي

الصواعق المحرقة ابن حجر الهيتمي

منية المريد في آداب المفيد والمستفيد الشهيد الثاني

الاستنصار في النص على الأئمة الاثني عشر الأطهار أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي

معالم العلماء (فهرست كتب الشيعة) محمد بن شهر آشوب

أعيان الشيعة محسن الأمين

كتاب المشيخة الحسن بن محبوب السراد

ص: 516

أمل الآمل الحر العاملي

السرائر محمد بن أحمد بن إدريس الحلّي

روضة المتقين محمد باقر المجلسي

الملاحم والفتن علي بن طاووس

الذريعة الشيخ الطهراني

كتاب الغيبة العباس بن هشام الناشري

كتاب الغيبة الفضل بن شاذان الأزدي

مختصر كتاب الغيبة علي بن غياث الدين النيلي

عيون الأخبار الشيخ الصدوق

الفهرست أبو غالب الزراري تحقيق محمد رضا الجلالي

كتاب الغيبة وكشف الحيرة محمد بن أحمد بن صفوان الجمال

كتاب الغيبة والحيرة أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري

مقدمته للغيبة للشيخ الطوسي الشيخ الطهراني

كتاب الغيبة محمد بن مسعود العياشي

عادل نويهض معجم المفسرين العربي لسزكين

الأعلام الزركلي

وتاريخ التراث سزكين

الشيعة الإمامية الاثني عشرية في ميزان الإسلامربيع بن محمد السعودي

انتصار الحق مناظرة علمية مع بعض الشيعة الإمامية مجدي محمد علي محمد

مع الشيعة الاثني عشرية في الأصول والفروع السالوس

تذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة سبط أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي

هدية العارفين لأسماء المؤلفين و آثار المصنفين إسماعيل باشا البغدادي

ص: 517

الفوائد البهية في تراجم علماء الحنفية محمد عبد الحي

الضوء اللامع السخاوي

معجم المؤلفين عمر كحاله

الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة ابن الصباغ المالكي

فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم إبراهيم بن محمد

ابن المؤيد الجويني الشافعي

تذكرة الحفاظ الذهبي

الدرر الكامنة ابن حجر العسقلاني

الوافي بالوفيات

وطبقات الشافعية الأسنوي

ينابيع المودة سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي

فوات الوفيات ابن شاكر

تاريخ اللغة العربية جورج زيدان

جولات فى الفقهين الكبير و الأكبر سعيد حوى

الشجرة المباركة في أنساب الطالبية للإمام الرازي.

منهاج السنة لأبن تيمية

المجدي في أنساب الطالبيين لنجم الدين أبو الحسن بن محمد العمري

عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لجمال الدين أحمد بن علي المعروف بابن عنبة

تحف الطالب بمعرفة من ينتسب إلى عبد الله وعمه أبي طالب لحسين بن عبد الله المكي السمرقندي

النفحة العنبرية في أنساب خير البرية تأليف أبو الفضل محمد بن ابن أبي الفتوح

نخبة الزهرة الثمينة في نسب أشراف المدينة تأليف أبو المكارم حسن بن علي الشدقمي المدني

روضة الألباب لمعرفة الأنساب تأليف الحسيني اليماني الصنعاني

ص: 518

الأصيلي في أنساب الطالبيين تأليف محمد بن علي ابن طباطبا العلوي المعروف بابن

الطقطقي

ص: 519

المحتويات

مقدمة الناشر 3

إهداء 4

مقدمة 5

المدخل : المعهد العلمي السلفي في صنعاء والرياض 7

منهج البحث 28

الباب الأول: المعرفة الانتسابية لأصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب 56

تمهيد المرحلة الأولى 57

أسباب مشكلة الخلط بين أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطّاب 127

الباب الثاني: المعرفة التحليلية لأصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب 150

الحقيقة القرآنية الأولى : حقيقة التوحيد ومعرفة الله 164

الحقيقة القرآنية الثانية : حقيقة النبوة 186

الحقيقة القرآنية الثالثة : حقيقة يوم القيامة 190

والحقيقة القرآنية الرابعة : حقيقة الشرائع والأحكام 195

والحقيقة القرآنية الخامسة: حقيقة الأهداف 209

والحقيقة القرآنية السادسة : حقيقة معنى المصطلحات 220

الباب الثالث: المعرفة الجذرية لأصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب 231

الحقيقة السابعة : حقيقة المنابع 235

والحقيقة القرآنية الثامنة : حقيقة الإمامة 242

والحقيقة التاسعة : حقيقة الهوية 252

الحقيقة العاشرة : حقيقة النشأة 267

ص: 520

الباب الرابع: خصائص أصحاب الإمام الصادق علیه السلام وأصحاب أبي الخطاب 302

الخاصية القرآنية الأُولى خاصية الوسطية في التعامل مع الإمام جعفر الصادق علیه السلام 309

الخاصية القرآنية الثانية : خاصية كيفية التعامل كتاب الله 313

الخاصية القرآنية الثالثة : خاصية كيفية التعامل مع المخالفين 321

الخاصية القرآنية الرابعة : خاصية القتال في سبيل الله 336

الخاصية القرآنية الخامسة : خاصية النظرة إلى ثورة عاشوراء 342

الخاصية القرآنية السادسة : خاصية الوسطية في التعامل مع أصحاب رسول الله 347

الباب الخامس ولادة ومهدوية غيبة الإمام المهدي الثاني عشر

محمد بن الحسن العسكري 353

الخاتمة 486

فهرس الكتب الواردة في المتن 496

المحتويات 507

ص: 521

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.