الاشارات الى أسرار البسملة

هوية الكتاب

الكتاب: الاشارات الى أسرار البسملة

المؤلف: الشيخ شمس الدين الواعظي

الناشر: المؤلف

المطبعة: ثامن الحجج (عليهم السلام)

التنضيد والإخراج الفني: كومبيوتر المجتبى (عليه السلام)

الطبعة: الأولى 1424 ه-

العدد: 500 نسخة

جميع حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

ص: 1

اشارة

الاشارات الى أسرار البسملة

آية الله العظمى الشيخ شمس الدين الواعظي

ص: 2

الإهداء

الى النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون

الى الآية العظمى والحجّة الكبرى لإله العالمين

الى الخليفة بلا فصل بعد سيد المرسلين

الى يعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين

الى من قال فيه الرسول الأمين «علي مع الحق والحق مع علي» والحق هو القرآن المبين

الى القرآن الناطق والمفسّر الأول للكتاب الذي نزل على الصادق الأمين

الى أول مظلوم بعد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كان بعد موسى هارون

أرفع كتابي هذا الى ساحته المقدّسة هدية متواضعة راجياً منه القبول لينفعني به يوم حشري وفاقتي

(يا أيها العزيز مسنّا وأهلنا الضرّ وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا إنّ الله يجزي المتصدّقين)

ص: 3

ص: 4

(إنّ هذا القُرآنَ يَهدْي للَّتي هي أقْوَمُ ويُبشِّرُ المُؤْمِنينَ الَّذين يَعْملُونَ الصالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ آجْراً كَبيراً) (1).

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه وأشرف بريته محمّد وعلى آله الحجج الميامين.

وبعد، فانّ القرآن هو الوحي المنزل من عند الله تبارك وتعالى على الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو آخر كتاب سماوي نَزُولاً. ولم تُعْنَ أي أمة من الأمم في العالم بكتاب سماوي عناية الأمة الاسلامية بالقرآن، وهو الطريق الفريد الذي يتكفّل بسعادت البشر وإسعادهم وإصلاحهم.

إنّ القرآن هو المعجزة الخالدة الذي يتحدّى البشر لا في عصر نزوله فحسب بل في كلّ عصر، إلى قيام الساعة على أن يأتوا بمثله أو بسورة منه، فعجزت البشرية وستبقى عاجزة إلى الأبد عن الاتيان بمثل ذلك فهو مرجع لكل العلوم، وفيه القصص والمواعظ والأخبار عن المستقبل وأحكام الكون والنظام الرفيع للشريعة الاسلامية. ولو أنه كتاب هداية وارشاد، ولكن مع ذلك ترى أنه لم يخل من التعبيرات الدقيقة والاشارات الى حقائق كثيرة في المسائل الطبية والطبيعية والجغرافية وغيرها. مما يدل على إعجازه، مع أنّه حينما نزل هذا القرآن لم تكن تلك العلوم موجودة، وكان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجزيرة، التي كانت بعيدة عن المحيط العلمي الموجود في الشام وإيران والاسكندرية وأثينا والروم.

فإنّ النظرية العلمية التي أشاد بها القرآن لم تكن معلومة في عصره - فتراه في آية يعبّر عن وحدة الكون - طبقاً لما وصل إليه العلم الحديث - قال تعالى - : (أوَلمْ يَرَ الذينَ كفروا أنّ السمواتِ والأرضَ كانتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيء حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (2).

وفي أخرى عن نشأة هذا الكون (قل أئنّكُمْ لَتَكْفرونَ بالذي خَلَقَ الأرضَ في يومَينِ وتجعلونَ لهُ أنداداً ذلكَ ربُّ العالمينَ وجَعَلَ فيها رَواسِيَ مِن فَوْقِها وبَارَكَ فيها وَقَدَّرَ فيها

ص: 5


1- الاسراء: 9.
2- الأنبياء: 30.

أقواتَها في أربعةِ أيام سَواءً للسائلينَ ثم استوى إلى السماءِ وهي دُخَانٌ فقالَ لَها وللأرضائتِيا طَوْعاً أو كَرْهاً قَالَتا أتَيْنا طائِعِيْن) (1)، وقد يتكلّم عن تمدد الكون وسعته (والسماءَ بَنَيْنها بِأَيْد وإِنّا لَمُوْسِعون) (2)، وثالثة يتكلّم عن تحرك الشمس والقمر والأرض (وَهُوَ الّذِي خَلَقَ الَّيْلَ والنَّهارَ وَالشمسَ والقَمَرَ كلّ في فلك يسبحون) (3) ورابعة عن وجود الأحياء في الكون (تُسَبِّحُ لَهُ السَمَواتُ السَّبْعُ والأرضُ وَمَنْ فِيْهِنَّ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّيْنَ عَلَى بَعْض وَءَاتَيْنا دَاوُدَ زَبُوْرا) (4) وعن سير وحركة كلّ المخلوقات وانها خاضعة ومذلّلة ومحتاجة إلى علّة محدثة ومبقية وهو ا... جلّ وعلا (إنْ كُلُّ مَن في السمواتِ والأرضِ إلاّ آتِيِ الرَّحمنِ عَبْداً) (5) لأنّه تعالى أعلم من غيره بما في السموات والأرض قال تعالى: (وَرَبُّكَ أعْلَمُ بِمَنْ في السمواتِ والأرض وإنْ مِّن شَيء إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه وَلَكن لاَ تَفْقَهُوْنَ تَسْبِيْحَهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيْماً غَفَوْراً) (6) وسادسة يخبر عن الزوجية لكل شيء بقوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيء خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُوْنَ) (7) وسابعة عن كيفيّة نزول المطر عن تلقيح السحاب بقوله: (ألَم تَرَ أنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرى الْوَدْقُ يَخْرُجُ مِن خِلالِهِ وَيُنَزَّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبال فِيْها مِنْ بَرَد فيُصِيْبُ بِهِ مَنْ يَشاء) (8).

وقد يتكلّم عن اهتزاز الأرض بواسطة نزول المطر، وإحياؤها به قال تعالى: (... وَتَرَى الأَرْضَ هامِدَةً فإذَا أَنْزَلْنا عَلَيْها المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) (9) وأيضاً يتعرض لمراحل نموالجنين بقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَة مِن طِيْن ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرار مَكِيْن ثُمَّ خَلَقْنا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَجَعْلَنا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلْقَنا المُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنا العِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشأَناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِيْنَ) (10) وغيرها من الآيات.

خلاصة الكلام: انّ كل العلوم يمكن أن تستفاد من القرآن الكريم لأنه الدستور الكامل لكل ما يرتبط بهذا العالم.

ص: 6


1- فصّلت: 9، 10، 11.
2- الذاريات: 47.
3- الأنبياء: 33.
4- الاسراء: 44.
5- مريم: 93.
6- الاسراء: 55.
7- الذاريات: 49.
8- النور: 43.
9- الحج: 5.
10- المؤمنون: 12، 13، 14.

وبعد فقد شملني اللطف الالهي وعناية الباري جلّ وعلا في تفسير آية من هذا الكتاب العظيم واستيضاح بعض معانيها، فالحمد لله على ذلك وأسأله تعالى أن يجعلني في سلك المفسّرين.

وفي ضمن هذا البحث المبارك أشرت الى كثير من الآيات لانّ القرآن - وكما ورد عنهم (عليهم السلام) - يفسّر بعضه بعضاً، وأيضاً أشرت الى الروايات المأثورة عنهم (صلوات الله عليهم) بحسب ما يناسب ذلك.

انّ الانسان إذا نظر نظرة دقيقة إلى الآيات الشريفة يرى فيها بحار من المعارف والعلوم وخصوصاً (بسم الله الرحمن الرحيم) لأنها أعظم آية في القرآن المجيد.

واذا كان هناك نقص في التفسير انما هو تفسير المخلوق لكلام الخالق جلّ وعلا، وكما يقول الاستاذ الأعظم: (في تناهيه وخضوعه امام كمال الخالق في وجوده وكبريائه ورأيت القرآن يترفع ويرتفع ورأيت هذه الكتب تصغر وتتصاغر) (1).

وعلى الانسان أن يسعى ويبذل أقصى جهده لكي يكشف الأسرار ويجلي الغوامض التي في القرآن وبالمقدار الممكن ولو أنه لايتمكن من اجلاء غوامضه بكاملها مهما بذل من الجهد في ذلك لعجزه.

وفي الختام فقد اخترت المنهجية السهلة والواضحة حتى يقع في محل استفادة عامة الناس، ولذا شرحت بعض المصطلحات اللغوية الواردة في الروايات لكي يسهل فهمها على القارىء الكريم.

ونسأله تعالى أن يوفّقنا لفهمه وتدبّره والعمل به حتى يتجلى لنا كشف المعاني والمفاهيم لبقية الآيات القرآنية وعليه أتوكّل وإليه أنيب إنه ولي التوفيق.

والحمد لله ربّ العالمين

المؤلف

المبحث الأول: في أسرار البسملة

اشارة

ص: 7


1- البيان في تفسير القرآن - السيد الخوئي.

وفيه فصول:

الأول: فضائل بسم الله الرحمن الرحيم

الثاني: فوائد بسم الله الرحمن الرحيم

الثالث: آثار بسم الله الرحمن الرحيم

الرابع: بيان حول البسملة

ص: 8

ص: 9

الفصل الأول: في فضائل بسم الله الرحمن الرحيم «من الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام)»

1. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا قال المعلم للصبي، (بسم الله الرحمن الرحيم) كتب الله براءةً للصبي وبراءًة لأبويه وبراءًة للمعلّم) (1).

2. عن الزمخشري في ربيع الأبرار، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لايرد دعاءٌ أوله بسم الله الرحمن الرحيم فان أمتي يأتون يوم القيامة وهم يقولون بسم الله الرحمن الرحيم فتنتقل حسناتهم في الميزان فيقول الأمم ما أرجح موازين أمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول الأنبياء أن ابتداء كلامهم ثلاثة أسماء من أسماء الله تعالى لووضعت في كفة الميزان ووضعت سيئات الخلق في كفة لرجحت حسناتهم (2).

3. وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم بنى الله له في الجنّة سبعين قصراً من ياقوتة حمراء في كل قصر ألف بيت من لؤلؤة بيضاء في كل بيت سبعون ألف سرير من زبرجد خضراء فوق كل سرير سبعون ألف فراش من سندس واستبرق وعليه زوجة من حور العين ولها سبعون ألف ذوابه مكلّلة بالدر والياقوت مكتوب على خدها الأيمن محمّد رسول الله وعلى خدّها الأيسر علي ولي الله وعلى جبينها الحسن وعلى ذقنها الحسين وعلى شفتيها بسم الله الرحمن الرحيم، قلت: يا رسول الله لمن هذه الكرامة قال: لمن يقول بالحرمةِ والتعظيم:

بسم الله الرحمن الرحيم» (3).

4. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «اذا مرّ المؤمن على الصراط فيقول:

ص: 10


1- البرهان: ج1 ص43، لآلىء الأخبار: ج3 ص335.
2- البرهان: ج1 ص43.
3- تفسير البرهان: ج1 ص43، لآلىء الأخبار: ج3 ص333.

بسم الله الرحمن الرحيم طفت لهب النار تقول: جز يا مؤمن فان نورك قد طغى لهبي» (1).

5. ما عن الحسن العسكري (عليه السلام) في التفسير المنسوب إليه عن آبائه عن علي(عليه السلام) في حديث: «انّ رجلاً قال له: ان رأيت أن تعرّفني ذنبي الذي امتحنت به في المجلس فقال (عليه السلام): تركك حين جلست أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حدثني عن الله عزّوجلّ أنه قال: كل أمر ذي بال لايُذكر بسم الله فهو أبتر» (2).

وروي لايبدأ أيضاً.

6- ما عن الكافي قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ما من رجل يجمع عياله ويضع مائدة بين يديه ويسمّي ويسمّون في أوّل الطعام ويحمدون الله عزّ وجل في آخره فلا ترتفع المائدة حتى يغفر لهم» (3) باسناده الصحيح الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ما من رجل يجمع عياله ثم يضع مائدة فيسمون الله تبارك وتعالى أول طعامهم ويحمدون الله في آخره الاّ لم يرفع المائدة حتى يغفر لهم» (4).

7. عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحى عنه أربعة آلاف سيّئة ورفع الله له أربعة آلاف درجة» (5).

8. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجوّده تعظيماً لله غفَر الله له» (6).

9. وروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إذا أمَّ الرجلُ القوم جاء الشيطان الى الشيطان الذي هو قريب الأمام فيقول: هل ذكر الله (يعني هل قرأ بسم الله الرحمن الرحيم) فان قال: نعم هرب منه وإن قال: لا ركب عنق الامام ودلى رجليه في صدره فلم يزل الشيطان أمام القوم حتى يفرغوا من صلواتهم» (7).

ص: 11


1- البرهان: ج1 ص43، لآلىء الأخبار: ج3 ص334.
2- الوسائل: ج4 حديث 1194.
3- الكافي ج6 ص 299 ح 25.
4- الوسائل: ج3 ص92.
5- البرهان: ج1 ص43، مستدرك الوسائل: ج1 ص316.
6- القرآن وفضائله: ص217.
7- التفسير (للعياشي) ج1 ص20.

10. عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو قرأت - بسم الله تحفظك الملائكة الى الجنّة وهو شفاءٌ من كل داء، واوحى الله الى عيسى (عليه السلام) أنْ أكثر من قول بسم الله وافتح أمورك به ومن وافاني وفي صحيفته قبضة (بسم الله) اعتقه من النّار قال: ما قبضة (بسم الله) قال: مائة مرة. وان لقمان رأى رقعة فيها (بسم الله) فرفعها وأكلها فأكرمه بالحكمة) (1).

11. وفي تفسير النفحات - روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ميكائيل عن اسرافيل قال الله تعالى: «يا أسرافيل بعزتي وجلالي وجودي وكرمي من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم متصلاً بفاتحة الكتاب مرةً واحدة فاشهدوا عليّ بأني قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت له عن السيئات ولا أحرق لسانه بالنار وأجيره من عذاب يوم القيامة والفزع الأكبر» (2).

12. بحار الأنوار قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا قال العبد عند منامه بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله: ملائكتي اكتبوا نَفَسه الى الصباح» (3).

13. وفي الخبر أنّ المذنبين من المؤمنين إذا دخلوا النار يقولون: بسم الله فتنفر النار عنهم مسيرة أربعين سنة لفضل بسم الله» (4).

14. عن سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إذا أتى أحدكم أهله فليكن قبل ذلك ملاطفة فانّه أبرُّ لقلبها واسلُّ لسخيمتها، فاذا افضى الى حاجته قال: بسم الله ثلاثاً فان قدر أن يقرأ أي آية حضرته من القرآن فعل، وإلاّ قد كفته التسمية، فقال له رجل في المجلس: فان قرأ بسم الله الرحمن الرحيم أو جرَّبه (أو يجزيه) فقال: وايُّ آية أعظم في كتاب الله؟ فقال: بسم الله الرحمن الرّحيم (5).

15. وروى النيسابوري مرسلاً عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أول ما نزلت هذه الآية على آدم، آمن ذرّيته من العذاب ما داموا على قرائتها ثم رفعت فأُنزلت على إبراهيم وفي كفة المنجنيق فجعل الله النارَ برداً وسلاماً، ثم رفعت بعده فما نزلت الاّ على سليمان وعندها

ص: 12


1- القرآن وفضائله: 218.
2- نفحات الرحمن: ج1 ص47.
3- القرآن وفضائل: ص213.
4- القرآن وفضائله: ص218.
5- البحار: ج19 ص59، تفسير العياشي: ج1 ص21، تفيسر البرهان: ج1 ص42.

قالت الملائكةألا تم والله ملكك، ثم رفعت فأنزل الله تعالى عليَّ، ثم تأتي أمتي يوم القيامة وهم يقولون بسم الله الرحمن الرحيم فاذا وضعت أعمالهم في الميزان ترجّحت حسناتهم» (1).

16. أوحى الله الى عيسى (عليه السلام): يقول له: «يابن مريم أما علمت أي أية نزلت عليك فقال: بلى يارب، فقال له يا عيسى: أنزلت عليك أية الأمان وهي بسم الله الرحمن الرحيم. فألزم قراءتها في ليلك ونهارك وسرك وإقبالك وقعودك وقيامك وأكلك وشربك وجميع أحوالك، فانه من جاء به يوم القيامة وفي صحيفته، بسم الله الرحمن الرحيم ثمانمائة مرة وكان مؤمناً موقناً بربوبيتي أعتقته من النار وادخلته الجنّة دار القرار» (2).

وجاء في تفسير الامام أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: «ألا فمن قرأها معتقداً الموالاة لمحمّد وآله الطاهرين منقاداً لأمرهم مؤمناً بظاهرهم وباطنهم اعطاه بكل حرفِ منها حسنة وكل حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع الى قارئ يقرؤها كان له ثلث ما للقاري» (3).

17. عن الصادق (عليه السلام) في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم: «- الباء - بهاء الله والسين - سناء الله، والميم - مجد الله» (4).

18. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من رفع قرطاساً من الأرض مكتوباً فيه بسم الله اجلالاً لله ولاسمه من أن يداس كان عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وإن كانا مشركين» (5).

19. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ياعلي إذا أكلت فقل بسم الله فاذا فرغت فقل الحمد لله فان حافظيك لايبرحان يكتبان لك الحسنات حتى تُبْعِده» (6).

20. عن محمّد بن مسلم عن العياشي في تفسيره عن صفوان الجمال قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام) (ما أنزل الله من السماء كتاباً إلاّ وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم وإنّما كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءً للأخرى) (7).

ص: 13


1- تفسير الاصبهاني: ص124.
2- عيون أخبار الرضا 1: 302، ب 28، ح60.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص333.
4- لآلىء الأخبار: ج3 ص335.
5- لآلىء الأخبار: ج3 ص336.
6- لآلىء الأخبار: ج3 ص336.
7- جامع البروجردي.

21. عن صفوان الجمال عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله عزّ وجل (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ المَثانِيَ وَالقُرآن العظيم).

(بسم الله الرحمن الرحيم هو الإسم الأكبر والسبع المثاني: الكتاب يثنّى بها في كلّ صلاة) (1).

22. عن معاوية بن عمار عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (بسم الله الرحمن الرحيم اسم الله الأكبر أو قال الأعظم) (2).

23. روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وكان مؤمناً سبّحت معه الجبال إلاّ أنّه لا يسمع تسبيحها) (3).

24. عن المحاسن عن الصادق(عليه السلام) قال: (إذا توضّأ أحدكم ولم يُسمّ كان الشيطان في وضوئه شرك، وإن أكل أو شرب أو لبس وكلّ شيء صنعه ينبغي له: أن يسمّي عليه فإن لم يفعل كان الشيطان فيه شرك) (4).

وبعد أن حصل التواتر المعنوي الذي يولّد فيما روي عنهم(عليهم السلام) بما يخصّ البسملة فلا داعي للمناقشة في أسانيد ما ذكرنا من الروايات الشريفة ولقد أطلنا في تعدادها من باب التبرّك أوّلا ولكي يتجلّى الأمر أكثر بذكر هذا العدد ثانياً.

ص: 14


1- جامع البروجردي.
2- نور الثقلين ج1 ح6.
3- خزينة الأسرار.
4- المحاسن 361 باب التسمية.

ص: 15

الفصل الثاني: فوائد بسم الله الرحمن الرحيم

اشارة

لبسم الله الرحمن الرحيم فوائد جمّة دنيوية وأُخروية نذكر منها على نحو الأختصار:

الأولى: الفوائد الدنيويّة: ووردت فيها روايات كثيرة نذكر بعضاً منها:

(1) أنه اذا أراد الإنسان أن يأتي بعمل واستعان باسمه تعالى فيكمل ذلك العمل ببركة بسم الله الرحمن الرحيم، وفي تفسير العسكري (عليه السلام) في حديث الى أن يقول: اذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عزّوجلّ بدأ عبدي باسمي وحق عليَّ أن أتمم له اموره وابارك له في أحواله واذا لم يبدأ به يبقى العمل ناقصاً، وكما في الحديث «كل امر ذي بال لم يذكر، وفي رواية لم يبدأ فيه بسم الله فهو أبتر» (1).

(2) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لايرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم» (2).

(3) كما في الحديث عن الحسن الخرزاد، روى عن أبي عبدالله اذا امَّ الرجل القوم جاء الشيطان الى الشيطان الذي هو قريب الامام فيقول هل ذكر الله (يعني بسم الله الرحمن الرحيم) فان قال نعم هرب» (3).

(4) وانها تكون سبباً لحفظك وشفاءاً لك من كل داء - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو قرأت بسم الله تحفظك الملائكة الى الجنة وهو شفاءٌ من كل داء» (4).

(5) وعن الباقر (عليه السلام): «انّ أول كتاب نزل من السماء، بسم الله الرحمن الرحيم، واذا قرأتها فلاتبالي أن لاتستعيذ، واذا قرأتها سترتك فيما بين السماء والأرض» (5).

ص: 16


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص343.
2- بحار الأنوار: ج93 ص313.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص
4- مستدرك الوسائل ج1 ص: 312.
5- بيان السعادة: ج1 ص27.

(6) قال (عليه السلام): «اذا وضعت الغداء والعشاء فقل بسم الله، فان الشيطان يقول لأصحابه اخرجوا فليس هاهنا عشاء ولا مبيت وإن هو ينسى أن يسمي قال لاصحابه تعالوا فان لكم هناك عشاءاً ومبيتاً، وقال اذا وضعت المائدة حفتها أربعة افلاك» (1).

ونسب الى الكافي والوسائل والروضة البهية: حفتها اربعة آلاف ملك فاذا قال العبد بسم الله قالت الملائكة: بارك الله لكم في طعامكم ثم يقول للشيطان اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم فاذا فرغوا فقالوا: الحمد لله، قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم شكر ربهم فاذا لم يُسمِّ قالت الملائكة: للشيطان أُدنُ يا فاسق وكل معهم، واذا رفعت ولم يحمدوا الله عليها قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم.

(7) وعن ابن عباس قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، اذا قريء بسم الله الرحمن الرحيم يفر الشيطان منه (2).

(8) وفي رواية: سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هل يأكل الشيطان مع الانسان، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)نعم كل مائدة لم يذكر بسم الله عليها يأكل الشيطان معهم ويرفع الله البركة عنها وروي ان به تحصل بركة الطعام وبورك على أكله (3).

(9) وروي أيضاً أنّ شيطاناً سميناً لقي شيطاناً مهزولاً فقال لمَ صرت مهزولاً قال اني مسلط على رجل اذا أكل يقول بسم الله واذا شرب يقول بسم الله واذا أتى اهله يقول بسم الله فحرمت المشاركة فيها فصرت مهزولاً ثم قال: للسمين وانت لِمَ صرت سميناً قال: اني مسلّط على رجل غافل عن التسمية يدخل بيته غافلاً عنها ويخرج منها غافلاً عنها ويأكل غافلاً ويشرب غافلاً ويأتي أهله غافلاً وشاركت فيها كما قال الله تعالى: (وَشَارِكْهُم فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَد) (4) (5).

وأما الثانية: وهي الفوائد الأخروية:

(1) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم بنى الله له في الجنّة سبعين ألف قصر من ياقوتةِ حمراء في كل قصر سبعون ألف بيت من لؤلؤة بيضاء في كل بيت سبعون ألف سرير من زبرجدة خضراء وفوق كل سرير سبعون ألف فراش من سندس وأستبرق وعليه زوجة من الحور العين ولها سبعون ألف ذوابه مكلّلة

ص: 17


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص338.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص338.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص338
4- الاسراء: 64.
5- لآلىء الأخبار: ج3 ص338.

بالدرِوالياقوت مكتوب على خدها الأيمن محمد رسول الله وعلى خدها الأيسر علي وليُّ الله وعلى جبينها الحسن وعلى ذقنها الحسين وعلى شفتيها بسم الله الرحمن الرحيم قيل يا رسول الله لمن هذه الكرامة؟ قال: لمن يقول بالحرمة والتعظيم بسم الله الرحمن الرحيم» (1).

(2) وفي حديث طويل في خلق القلم من نور محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى: «بعزتي وجلالي من قال من أمة محمد بسم الله الرحمن الرحيم اكتب له في كتاب حسناته عبادة سعبمائة سنة. وقال: من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحى عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة» (2).

(3) وقال في حديث أنهار الجنة فسمعت هاتفاً يقول يا محمد من قال:

«بسم الله الرحمن الرحيم خالصاً مخلصاً سقيته من هذه الأنهار الأربعة» (3).

(4) وفي حديث يذكر فيه سؤال سائر الأمم عن أنبيائهم يوم القيامة عن كثرة حسنات هذه الأمة، قال إنهم يقولون: «ان لله ثلاثة أسماء لو وضعت في كفة الميزان ووضع كل الحسنات والسيئات من بني آدم كلهم في كفة أخرى لرَجحت وهي: بسم الله الرحمن الرحيم» (4).

(5) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أول ما أنزلت هذه الآية على آدم، قال آمن ذريتي من العذاب ما داموا على قرائتها ثم رفعت وانزلت على ابراهيم فتلاها وهو في كفة المنجنيق فجعل الله النار برداً وسلاماً، ثم رفعت بعدهم فما أنزلت الاّ على سليمان وعندها قالت الملائكة: الآن والله تمّ ملكك ثم رفعت فأنزل الله عليَّ ثم يأتي أمتي يوم القيامة وهم يقولون بسم الله الرحمن الرحيم فاذا وضعت اعمالهم في الميزان ترجّحت حسناتهم» (5).

(6) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أراد أن ينجيه من الزبانية، فليقرأ بسم الله فانها تسعة عشر حرفاً، ليجعل الله كل حرف جُنَّةً عن واحد منهم» (6).

ص: 18


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص333.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص333.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص334.
4- لآلىء الأخبار: ج3 ص334.
5- لآلىء الأخبار: ج3 ص334.
6- لآلىء الأخبار: ج3 ص334.

(7) وفي الرواية أن العبد العاصي أُمر يوم القيامة بدخول جهنم، فاذا أراد أن يدخلها يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، تفرُّ منه النار وتبعد عنه مسافة سبعين ألف سنة (1).

(8) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا مرَّ المؤمن على الصراط فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم طفيت لهب النيران وتقول جز يا مؤمن فان نورك اطفأ لهبي» (2).

(9) وقد روي أن نبياً من الأنبياء مرَّ على قبر يعذب صاحبه ثم مرّ عليه بعد فترة فلم يكن يعذب، فسأله أصحابه عن رفع العذاب عنه، فقال: أنه خلف ولدا فجاءت به أمهُ الى المعلم فلقنه بسم الله الرحمن الرحيم، فاستحى الله أن يُعذب رجلاً وابنه يقول بسم الله الرحمن الرحيم» (3).

(10) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة يقبل قوم على نجائب ينادون بأعلى أصواتهم الحمد لله الذي صَدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّءُ من الجنةِ حيث نشاء فيقول الخلائق هذه زمرة الأنبياء، فاذا النداء من قبل اللهِ، هولاء شيعة علي فتقول الخلائق: ألهنا بِمَ نالوا هذه الدرجة؟ فاذا النداء من قبل الله تختمهم باليمين وصلاتهم احدى وخمسين واطعامهم المسكين وتعفيرهم الجبين وجهرهم ببسم الله الرحمن الرحيم» (4).

ومن فوائد البسملة ما استنتجها شيخنا البهائي وهي ملاحظة لطيفة لابأس بذكرها قال: ان للبسملة تسعةَ عَشر حرفاً يحصل بها النجاة من شرور القوى التسعة عشر في البدن اعني الحواس العشر الظاهرة والباطنة والقوى الشهوية والغضبية والسبعية الطبيعية التي هي منبع الشرور ووسائل الذنوب ولهذا جعل سبحانه خزنة النار تسعة عشر بازاء تلك القوى (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَر) وأيضاً فالنهار والليل اربعة وعشرون ساعة مها خمس بازاء الصلوات الخمس وتبقى تسعَ عشرةَ ساعة يستفاد من شر ما ينزل فيها لكل ساعة حرف (5)، أما القوى الظاهرية الخمس هي عبارة عن اللامسة والسامعة والشامّة والباصرة والذائقة والقوى الباطنية الخمس عبارة عن الحس المشترك والوهمية والخيالية والحافظة والمتصرفة وأما القوى الطبيعية - عبارة عن الغذائية والنامية والمولدة والجاذبة والماسكة والهاظمة والدافعة وأما القوى الشهوية والغضبية فمعلومة. والغضب عبارة عن: غليان دم

ص: 19


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص334.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص334.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص335.
4- لآلىء الأخبار: ج3 ص337.
5- الكشكول (للبهائي) ج3 ص436.

القلب لارادة الانتقام وهو من الاخلاق المذمومة وفي الخبر، الغضب شعلة من النار يلقي صاحبها في النار، وذلك لأنه يحث صاحبه على ارتكاب الآثام. والشهوة هي: اشتياق النفس الى شيء. وفي الحديث: إن جهنم محفوفة باللذات والشهوات أي من أعطى النفس لذاتها وشهواتها دخل النار.

ولابأس بشرح القوى الموجودة في الانسان منها القوى التي وضعت لاجل الحفظ وتنظيم النسل وأمور المعاش والمعاد وهي على أقسام:

القسم الأول: القوى المربوطة بالروح النباتية وتكون مشتركة بين النباتات والحيوانات وهي خمس قوى:

الأولى: القوة الغذائية التي تكون وظيفتها ايصال الغذاء لكل واحد من الأعضاء. وهذا العمل يتم باستعانة قوى اخرى كالجاذبة التي تجذب الغذاء فبواسطة هذه القوة يصل الغذاء الى المعدة ومن المعدة الى القلب ومن القلب الى سائر الاعضاء.

الثانية: الماسكة - وهي التي تحفظ الغذاء في المعدة للهضم وتحفظ الدم في الأعضاء للتبديل.

الثالثة: الهاضمة - وهي التي تبدل الغذاء في المعدة الى (كيوس ومكيوس) وبالاخرة تبدل خلاصة الغذاء الى الدم.

الرابعة: الدافعة - وهي التي تدفع ما بقي من الفضولات غير القابلة الى الخارج وهي التي تكون سبباً لنمو البدن والأعضاء.

الخامسة: المولدة: وهي التي تكون سبباً لايجاد الأنواع من الحيوانات وبقاء نسلها وهي تستمد في عملها من القوة الغذائية والقوة المصورة التي تنظم الصور.

القسم الثاني: القوة المربوطة بالروح الحيوانيّة - وهي مشتركة بين الحيوان والانسان وهي عبارة عن قوتين:

الأولى: هي التي تدرك بواسطة الآلة، أي الحواس الظاهرة.

الثانية: وهي التي يدرك بها الباطن.

وسيأتي بيانها أجمالاً.

في معنى القوى الظاهرية والباطنية

ص: 20

لابأس بأن نشرح هذه القوى (أي الظاهرية والباطنية على نحو الاجمال وتفصيل البحث يكون في محله).أولاً: القوى الظاهرية:

1) انظر الى قوة السامعة بان الله كيف خلق الأذن، أولاً وأودع فيها مادة دهنية مرة تكون حافظة للسمع ومانعة من دخول الحشرات فيها. وثانياً - حوطها بصدفة الأذن وهي غشاؤها لتجمع الأصوات توصلها الى صاحبها بعد أن جعل لها إعوجاجات وهذا يكون من حكم الله جل وعلا ولطفه على الأنسان لانه علاوة على ان خلق الانسان يكون من أحسن الخلق وعلاوة على جمع الأصوات وخصوصياتها في القرب والبعد وحفظ التعادل وتتعهد الأذن بالأفهام وتعين ورود الصوت من أي جانب لأنه لولا هذه القطعة الظاهرة من الأذن التي هي سبب لتحسين الخلق ولولا هذا الاعوجاج المعين لم يتمكن الأنسان من تشخيص وتمييز بعض الأصوات عن بعض ولم يتمكن حينئذ من فهم خصوصيات الصوت فيكون عمله ناقصاً.

2) انظر الى الباصرة ترى أنه بقدرته الأزلية وعنايته الخاصة بالأنسان جعل العين آلة لرؤية الأشياء القابلة للرؤيا بعد أن احسن شكلها ولونها وهيئتها وجعل لها أجفاناً تسترها وتحفظها، وتدفع عنها الاقذاء، بل يمكن أن تحفظها من الأمور المحرمة على الأنسان اذا أطبقها، بل يمكن أيضاً من حالات وحركات العين - كما قال علماء النفس أن يُفهم صفاء النفس وعلوّ همّتها، أو خصت للفكر دون أي همة له، بل يمكن أن يفهم من النظر اليها غضب الانسان وحياؤه ونجابته وعفة نفسه ويقول علماء الطب يمكن أن يفهم من حالات العين أمراض الاشخاص، والأمراض العصبية والأمراض الموجودة في الدماغ، واختلاط الحواس وغيرها من الأمراض، بل جعلها الله آلة لمعرفته، اذاً هي تكون سبباً لرفع الأنسان عن حضيض عبادة المادة والجهل والغرور الى قمة العلم والايمان وعبادة الله تعالى. محققاً ذلك بالنظر العميق في السموات والأرض، بل بالنسبة الى جميع الموجودات.

والنظر الى الكواكب والافلاك والتفكّر في تنظيمها ومن هو المنظم.

قال تعالى: (أوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوْتِ السمواتِ والأرضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِن شَيء....) (1) أي أفلا ينظرون الى هذا الملك الواسع غير المتناهي الذي لايحده فكر ولا يحيط به النظر، والى هذا التنظيم من الكواكب والأفلاك، ويلاحظوا عجائب الصنع، ويعترفوا بخالقها وانه

ص: 21


1- الأعراف: 185.

هو المنظم لهذا الكون. كما في قوله تعالى: (وما خلق الله)أي أولم ينظروا الى أصناف خلقه وهذا النظر والتفكر في أصناف الخلق يكون دليلاً وبرهاناً على وجوده تعالى ووحدانيته وقد يتحير الانسان حينما ينظر إلى عدسة العين التي يمكن تقريب الفكرة لعملها كما في عدسة التصوير (الكاميرا) كيف يمكنها تصوير الأشياء الكبيرة والصغيرة من مسافة معينة ربما أن الأعمىلايمكنه أن ينظر الى الحسن والجمال للموجودات فمن لايتفكر ولاينظر في الموجودات بنظر عميق وحقيقي يكون حاله كالأعمى ولذا تراى لايرى ما فوق الطبيعة شيء بل لم يعترف بخالق الموجودات قال تعالى: (مَن كَانَ في هَذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أعْمَى وَأضَلُّ سَبِيْلاً) (1) أي من كان أعمى البصيرة في الحياة الدنيا عن الآيات والدلائل الواضحة على وجود الصانع فهو في الآخرة أشد عمىً وأضلّ سبيلاً، لأنه ليس له هنالك فرصة لكي يهتدي الى طريق الحق والنجاة وقد ذهبت المهلة التي تيسّرت له في دار الدنيا.

3) انظر الى الشامة وكيف خلق الله الأنف في أحسن الخلق في وسط الوجه ويكون سبباً لحسن وجه الأنسان وأودع فيه حاسة الشم. ولولا هذه الحاسة لم يتمكن من تمييز الريح الطيب من غيره وهذا الاستشمام يختلف بالنسبة إلى الحيوانات. ولذا قالوا بان الاستشمام يكون من مسافة بعيدة الى الضبع فان اشتمامه لربيض الغنم يكون من مكان بعيد.

4) انظر الى القوة الذائقة كيف أودعها الله لتمييز الأطعمة مرها من حلوها ومالحها من غيره، ولذا قد يفقد هذا التمييز اذا انحرفت صحة الانسان. وحينئذ قد يتصور الحلو مراً وعلى العكس وقد لايتمكن من تمييز الطعام الفاسد من غيره، اذاً هذه القوة نعمة من نعم الله تبارك وتعالى التي أودعها في البشر.

5) انظر الى القوّة اللامسة وقالوا: ان هذه القوة منتشرة في جميع البدن بواسطة العصب المنتشر في الجلد وهذا الجلد خلقه الله لباساً للبدن وثوباً لطيفاً له وبساطاً وارضاً لخروج الشعر المفيد للانسان كما يخرج الزرع من الأرض وهذا الشعر كالورقة من الشجر حينما تنمو ثم تصبح يابسة وتقع على الأرض وبهذه القوة يمكن أن يحس الانسان الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والثقل والخفة والخشونة واللين.

ثانياً: القوة الباطنية:

ص: 22


1- الاسراء: 72.

إعلم أنها أياً تكون فهي خمسُ قوىً لأنها: إما مدركة أو حافظة وكل واحدة منها أما مدركة للصور وحافظة لها أو مدركة للمعاني وحافظة لها أو تكون متصرفة للمعاني والصور لا مدركة ولا حافظة، اذاً تأثير المدركات في الباطن يكون موجوداً في خمس قوى:

1) الحس المشترك - وهو الذي يكون شغله إدراك الصور. وجميع القوى الظاهرة مجموعة فيه.

2) الخيالية - وعملها المحافظة على هذه الصور.3) المتصرّفة - عملها التركيب والتصرف في المدركات.

4) الوهمية - وفعلها درك المعاني الجزئية.

5) الحافظة - وعملها حفظ هذه المعاني.

وشرح وبسط هذه القوى مذكور في محله، ولكن اعرضنا عن ذكرها للاختصار وشرحناها بما يتلائم مع البحث.

اذاً لابد للانسان ان يشكر الخالق بعد اعطائه هذه النعم وكيفية الشكر ومعنى الشكر سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ص: 23

ص: 24

الفصل الثالث: آثار بسم الله الرحمن الرحيم

بعد هذا العرض الموجز لأهم الفضائل والفوائد الدنيوية والأخروية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) لبسم الله الرحمن الرحيم، نذكر في هذا الفصل أهم الآثار الواردة عنهم (عليهم السلام) لها وهي:

أولاً: «بسم الله ودفع الضرر في الغذاء»:

لايخفى بعدما ذكرنا فضل بسم الله وعظم فوائده الدنيوية والاخروية، نذكر الآن بعض الأمور الاخرى الراجعة الى بسم الله واحدة تلو الاخرى:

الاولى: من هذه الأمور هي: قراءة بسم الله عند الطعام التي تسبب دفع الضرر منه حسب نظر الروايات الشريفة، واليك بعضاً من هذه الروايات:

1) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ضمنت لمن سمّى على طعام ألاّ يشتكي منه، فقال ابن الكواء يا أمير المؤمنين لقد أكلت البارحة طعاماً سميت عليه فأذاني، قال (عليه السلام):

فلعلك أكلت الواناً فسميت على بعض ولم تسمّ على بعض يا لكع وزاد عليه في الدعائم، قال: كذلك والله يا أمير المؤمنين (1).

2) وفي خبر آخر عن مسمع قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): اني أُتخم، قال: سمِّ، قلت: قد سميت قال: فلعلك تأكل الوان الطعام. قلت: نعم، قال: فتسمي على كل لون، قلت: لا، قال: من هنا تتخم (2).

3) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أتخمت قط، قيل لمَ، قال: ما رفعت لقمة الى فمي إلاّ ذكرت الله عليها (3).

ص: 25


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص339.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص339.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص339.

*) وفي خبر قال: ما أتخمت قط لأني ما رفعت لقمة الى فمي إلاّ سمّيت.4) وقال الصادق (عليه السلام): ما أتخمت قط وذلك لأني لم أبدأ بالطعام الاّ قلت بسم الله ولم افرغ من طعام الاّ قلت الحمد لله (1).

5) وعن مسمع قال: شكوت ما القى من أذى الطعام الى أبي عبدالله اذا أكلته فقال: لِمَ لَمْ تسمّ فقلت: اني لاسمّي وانه ليضرني فقال: اذا قطعت التسمية بالكلام ثم عدت الى الطعام تسمي، قلت: لا، قال: قال: فمن هاهنا يضرك، أما انك لو كنت اذا عدت الى الطعام سمّيت ما ضرك (2).

6) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا كميل اذا أكلت طعاماً فسمِّ باسم الذي لايضر مع اسمه وفيه شفاءٌ من كل الأسواء (3).

7) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): من أكل طعاماً فليذكر الله عليه فإن نسيّ ثم ذكر الله بعده يقيء الشيطان ما أكله، واستقبل الرجل طعامه ان يأكل من غير شرك الشيطان (4).

8) وقال أبو عبدالله (عليه السلام) في حديث: «وإذا لم يسمِّ أكل معه الشيطان واذا سمّى بعدما يأكل وأكل الشيطان معه يقيء الشيطان ما أكله» (5).

الثانية: في الأدعية المتضمنة لبسم الله لدفع الضرر من الطعام المسموم إذا أكله الأنسان

(1) قد روي في مفتاح النبوة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أظهر الاسلام في المدينة أشتدّ حسد عبدالله بن أُبي على رسول الله فدعاه واصحابه على طعام مسموم ليقتلهم فنزل جبرئيل واخبره على إرادته وتدبيره ولما جلسوا على طعامه قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي إقرأ التعويذ النافع على هذا الطعام فقرأ بسم الله الشافي بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لايضر مع اسمه شيء ولا داء في الأرض ولا في السماء هو السميع العليم، فأكلوا وأكل كلُّ من معه

ص: 26


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص339.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص339
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص339.
4- لآلىء الأخبار: ج3 ص340.
5- لآلىء الأخبار: ج3 ص340.

من أصحابه منه حتى شبعوا فقاموا منه سالمين فلما رأى ابن أُبي ذلك ظنَّ ان الطباخ غلط ولم يدخل فيه السم فجمع خواص أصحابه على بقية الطعام فأكلوا منه فهلكوا بأجمعهم (1).(2) عن أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «إن عبدة اليهودية - بالتماس اليهود وتطعيمهم أياها - ذبحت شاةً ومسّتها بالسم ودعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأصحابه فلما أحضرت الطعام سبق برار بن معرور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالأكل فاخذ لقمة منها ووضعها في فيه، فقال له أمير المؤمنين بئس ما فعلت يا برار اتنسب رسول الله بالبخل. قال: لا، لكن هذه المرأة ليس عليها اعتماد يحتمل أن تمس الطعام بالسم فبينما هما في ذلك وضع النبيّ لقمة في فيه فنادته كتفها، وقالت يا رسول الله لاتأكل مني فانها املأتني من السم فسقط برار في الحال ومات الى أن قال (عليه السلام) فقال النبي لأصحابه فقولوا: بسم الله الكافي بسم الله المعافي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، وكلوا فقالوا باجمعهم هذه الكلمات وأكلوا ولم يضرَّهم شيء» (2).

(3) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا أكلت طعاماً أو شربت شراباً فقل بسم الله وبالله الذي لايضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء يا حيُّ يا قيوم، لم يصبك منه داء ولو كان فيه سم» (3).

(4) وقال اصبغ بن نباتة: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين يديه شواء فدعاني فقال: هلم الى هذا الشواء، فقلت: أنا اذا أكلته ضرّ بي فقال: ألا أعلمك كلمات تقولهن وأنا ضامن لك ألاّ يؤذيك طعام قل: اللهم اني أسألك بأسمك خير الأسماء، ملئ الأرض والسماء، الرحمن الرحيم الذي لايضر معه داء، فلايضرك أبداً. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لابنه الحسن (عليه السلام): يابني لاتُطعمنّ لقمة من حار ولا بارد ولا تشربنّ شربة ولا جرعة الاّ وأنت تقول قبل أن تأكله اللهم أني أسألك في أكلي وشربي، السلامة من وعكه والقوة به على طاعتك وذكرك وشكرك فيما أبقيته في بدني وأن تشجعني بقوتها على عبادتك وأن تلهمني حسن التحرز من معصيتك، فانك إن فعلت ذلك أمنت من وعكه وغائلته» (4).

ص: 27


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص340.
2- لآلىء الازخبار: ج3 ص341.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص341.
4- لآلىء الأخبار: ج3 ص341. والفائله - الفساد والشر.

(5) وعن المحاسن عن بعض أصحابه رفعه الى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «شكوت اليه التخم فقال: اذا فرغت فأمسح على بطنك وقل: اللهم هنئني، اللهم سوّغني، اللهم أمرأني» (1).الثالثة: التحفظ ببسم الله من مشاركة الشيطان في الجماع

لايخفى على المؤمن أنه اذا أراد أن يخلف ولداً طاهراً نقي المولد.

فلابد له أن يستعين ببسم الله كما هو الحال في التأكيد على الاستعانة به في كل الأمور وبالأخص ورد الحث على ذلك عند المجامعة في كثير من الروايات الشريفة التي تشير الى أن قراءة بسم الله تتميز فيها مشاركة الشيطان في الولد وعدمها بحبه لأهل البيت (عليهم السلام) وبغضه لهم.

(1) قال (عليه السلام): «ان الرجل اذا دنى من المرأة وجلس مجلسه حضره الشيطان، فان هو ذكر اسم الله تنحّى الشيطان عنه. فان فعل ولم يسمِّ أدخل الشيطان ذكره فكان العمل منهما جميعاً، والنطفة واحدة. قال له الراوي: فبأي شيء يعرف هذا قال بحبنا وبغضنا» (2).

(2) وقال أبو عبدالله (عليه السلام): «أن الشيطان ليجيء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويُحدث كما يُحدث، وينكح كما ينكح وينزل كما ينزل الرجل فمن أحبنا كان نطفة الأب ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان، وعنه في النطفتين التي للآدمي والشيطان اذا اشتركا فقال أبو عبدالله (عليه السلام): ربما خلق من أحدها وربما خُلق منهما جميعاً» (3).

(3) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا جامع أحدكم فليقُل بسم الله وبالله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني، قال: فان قضى الله بينهما ولداً لايضره الشيطان بشيء أبداً» (4).

(4) وعن الحلبي قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): في الرجل إذا أتى أهله فخشي أن يشاركه كما قال تعالى: (وشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ) يقول: بسم الله ويتعوّذ بالله من الشيطان» (5).

ص: 28


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص341.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص341.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص342.
4- لآلىء الأخبار: ج3 ص342.
5- لآلىء الأخبار: ج3 ص342.

(5) وقال محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) من شرك الشيطان في قوله تعالى: (وشاركهم في الأموال والأولاد) قال (عليه السلام): ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان قال: ويكون مع الرجل حتى يجامع فيكون من نطفته ونطفة الرجل اذا كان حراماً،وفي خبر اذا زنا الرجل ادخل الشيطان ذكره ثم عملا جميعاً ثم تختلف النطفتان فيخلق الله منهما فيكون شرك الشيطان» (1)، وغيرها من الروايات.

الرابعة: التحفظ ببسم الله من دخول الشيطان في الدار

لايخفى بأنّ وجود الشيطان في الدار سبباً لرفع البركة وعدم استئناس الملائكة وقد يكون سبباً للوحشة والخوف وبعض المضرّات الاخرى، لذا أُمرنا حينما ندخل البيت أن نقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حتى نتحفظ من دخول الشيطان الى بيوتنا، بل نطرده منها وكما تشير الى ذلك الروايات الشريفة نذكر منها:

(1) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا بلغ أحدكم باب حجرته فليسمِّ فانّه يفرُّ الشيطان واذا دخل أحدكم بيته فليسمِّ فانّه تنزل البركة وتؤنسه الملائكة» (2).

(2) قال سليمان في حديث قلت له يعني لأبي الحسن (عليه السلام): «اني صاحب بليد سبع وأنا أبيت بالليل في الخرابات وأتوحش فقال لي: قل إذا دخلت بسم الله وبالله وأدخل رجلك اليمنى واذا خرجت فاخرج رجلك اليسرى وسمِّ الله فانك لاترى مكروهاً».

الخامسة: نتائج قراءة بسم الله أثناء الركوب والخروج الى السفر

لايخفى وكما هو المعروف بيننا بان السفر دائماً مع الركوب يتعرض فيه الانسان الى المهالك والحوادث المؤلمة التي توجب الخسائر بالنسبة الى نفس الراكب أو ماله ولذا علّمنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) كيف نعالج هذه الحوادث بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم لكي نتحفظ منها. وكما ورد عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

(1) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا ركب الرجل الدابة فسمّى ردفه ملك يحفظه حتى ينزل، فان ركب ولم يسمِّ ردفه الشيطان فيقول له: تغن فان قال لا أحسن يقول تمنّ فلايزال يتمنى حتى ينزل» (3).

ص: 29


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص342.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص345.
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص345.

وفي خبر آخر قال: «من قال اذا ركب الدابّة (بسم الله ولا قوة الاّ بالله والحمد لله الذي هدانا لهذا سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين) الاّ وحفظت له نفسه ودابته حتى ينزل».السادسة: استحباب الابتداء ببسم الله في الأمور كافّة

لايخفى بعدما عرفنا الله تعالى حق معرفته، فلابد من افتتاح كل أمر باسمه جلوعلا، أي الاستعانة بالاسم الذي لايليق ان يعبد ألا هو، ولايستعان الا به تعالى ولايصل الى بلوغ حاجته الدنيوية والاخروية الاّ به جلّت قدرته.

(1) أنه (عليه السلام) قال: «كل أمر ذي بال لم يذكر، وفي رواية لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» (1) بل قال: لاتدعها ولو كان بعدها شعر. وفي تفسير العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) في حديث ان رجلاً قال له: إن رأيت أن تعرفني ذنبي الذي امتحنت فيه في هذا المجلس، قال: تركك حين جلست أن تقول بسم الله الرحمن الرحيم، ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حدثني عن الله انه قال: كل أمر ذي بال لم يذكر ببسم الله فيه فهو أبتر، وعنه (عليه السلام) ان الله يقول: أنا أحق من سئل، وأولى من تُضرِّع اليه. فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم بسم الله الرحمن الرحيم، أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لاتحق العبادة لغيره، المغيث اذا استغيث. الى أن قال: وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من حزنه أمر يتعاطاه فقال بسم الله الرحمن الرحيم فهو مخلص لله ويقبل بقلبه اليه لم ينفك عن أحدى أثنتين أما بلوغ حاجته في الدنيا وأما ما يعدله عند ربه ويدخر له لديه وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين، وقال العسكري بسم الله، أي أستعين على أموري كلها بالله. الى أن قال: وقال الصادق (عليه السلام): ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره بسم الله الرحمن الرحيم فيمتحنه الله بمكروه لينبهه الله على شكر الله والثناء عليه ويمحو وسمة تقصيره عند تركه قول بسم الله، قال: وقال الله لعباده: أيها الفقراء الى رحمتي اني قد الزمتكم الحاجة اليّ في كل حال وذلة العبودية في كل وقت فاليَّ فأفزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته فقولوا عند افتتاح كل امر صغير أو عظيم بسم الله الرحمن الرحيم أي استعين على هذا الأمر بالله... الحديث (2).

ص: 30


1- كما مرّ الحديث عنه.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص343.

وقد ورد في حديث آخر (ابدأو بما بدأ الله) وقد اتّفق على نقله عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)الفريقان وهذا عام أي كلّ شيء أردتم الابتداء به كما ابتدأ الله تعالى ببسم الله في كلّ سورة وأوّل سورة أنزلها على نبيّه وقد جاء أنّ الحديث الذي رواه الكليني بسند متّصل إلىأبي عبدالله قال أوّل ما نزل على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) (ببسم الله الرحمن الرحيم اقرأ بسم ربّك.... الآية وآخر سورة (إذا جاء نصر الله والفتح) (1).

السابعة: في القصص الواردة حول بسم الله الرحمن الرحيم

في الختام نذكر بعض القصص الواردة حول بسم الله الرحمن الرحيم لعل هناك من يتدبر فيها فيرجع بكله الى الله جل وعلا ويتوب في ذنوبه كما فعله بشر الحافي بعد أن عرف بان التوبة تمحو الذنوب وتجعل الانسان كيوم ولدته أمه طاهراً مطهراً من الذنوب.

(1) أن سبب توبة بشر الحافي عن شرب المسكر والملاهي والمعاصي وبلوغه من الزهد والمقام أنه أصاب في الطريق قطعة كان مكتوباً فيها بسم الله الرحمن الرحيم وقد وطأتها الأقدام فأخذها واشترى بدراهم كانت معه غالية (2) فطيب بها الورقة وجعلها في شق حائط فرأى في النوم كأن قائلاً يقول: يا بشر طيبت إسمي فلأطيبن إسمك في الدنيا والآخرة، فلما اصبح تاب (3).

(2) وقد روي أن واعظاً نقل يوماً حديثاً على المنبر وهو: أن من قال - بسم الله الرحمن الرحيم وعبر على الماء لايبل قدمه، فسمعه شاب كان بيته خارج المصر وراء نهر عظيم وكان جسر النهر بعيداً عن محاذاته، فلما سمع ذلك الحديث منه قام وجاء الى طرف النهر وقال: بسم الله الرحمن الرحيم ومشى على الماء وعبر عليه كوجه الارض وكان بعد ذلك يمر عليه كل يوم وكان الماء له كذلك، فقال يوماً في نفسه اني بلغت هذه الفائدة من بركة الواعظ ينبغي أن ادعوه يوماً في بيتي وأضيفه فجاء اليه، واستدعاه، فأجابه فجاء الى النهر وقال الشاب بسم الله الرحمن الرحيم ومشى على الماء وبقي الواعظ في طرف النهر متحيراً فقال الشاب له: أيها الشيخ أنت تدعو الناس الى ذلك وأنا من اليوم الذي سمعت هذا منك اعبر على هذا الماء فلم لاتجيء أنت قال ذلك حق لك، ما معك من الاعتقاد ليس معي.

ص: 31


1- تفسير البرهان ج1 باب 15، في أوّل سورة نزلت.
2- والغالية - ضرب من الطيب مركب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود وتغليب بالفاليه وتغللت بها أذا تطيبت بها (مجمع البحرين باب غلا ج1).
3- لآلىء الأخبار: ج3 ص335.

الفصل الرابع: في بيان أن بسم الله الرحمن الرحيم هل هو من الاسم الأعظم أم لا؟

اشارة

لايخفى أنّ الأسم الأعظم (1) هو: بمعنى العظيم - ولذا ورد في تفسير ربّ العرش العظيم وصفه بالعظمة من جهة الكمية والكيفية، فهو ممدوح ذاتاً وصفتاً، وخصه بالذكر لانه اعظم الاسماء، فترى كيف اطلق لفظ العظيم على الأعظم، والعظيم بالنسبة الى الله الذي جاوز قدرته وجل عن حدود العقول حتى لايتصور الاحاطة بكنهه وحقيقته - لانه لايمكن أن يتصور في أسماء الله بان بعضها يكون اعظم من الآخر بل جميعها عظيم لأنّ المسمّى يكون عظيماً وقد سرت العظمة منه إليها، اللهم إلاّ أن يقال: بأن كل اسم يكون أكثر تعظيماً فهو أعظم من غيره كلفظ الله.

ومعنى الاسم الاعظم: أي الاسم الذي متى دعي به الله تعالى استجاب به الدعاء، واخفاه الله على العباد لمصالح كما اخفى ليلة القدر، ولم يعلم هل هي ثلاث ليالي من القدر أو العشر الأواخر أو الشهر كله أو غيرها.

اذن لايعلم هذا الأسم سوى الله جل وعلا والراسخين في العلم، وقد ورد بأن: بسم الله الرحمن الرحيم أقرب من سواد العين الى بياضها وقال الرضا(عليه السلام):

أنها أقرب الى اسم الله الأعظم من ناظر (العين) الى بياضها (2). ولم يقل بأنه الاسم الاعظم.

واسم الله الأعظم على ما روي عن الباقر (عليه السلام) ثلاثة وسبعون حرفاً وكان عند آصف (3) حرف واحد فكلّم به فخسف الارض مابينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير

ص: 32


1- وليس بعض الاسماء اعظم من بعض بل جميعها عظيم لان المسمّى يكون كذلك وقد سر العظمة منه اليها قبل بل كل اسم اكثر تعظيماً فهو أعظم.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص334.
3- آصف بن برخيا وزير سليمان.

بيده واحضر العرش بأقل من طرفة عين وعندنا نحن من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً وحرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده (1).

وعن الصادق (عليه السلام): «أعطى عيسى بن مريم حرفين كان يعمل بهما واعطي موسى (عليه السلام) اربعة أحرف واعطي ابراهيم (عليه السلام) ثمانية أحرف واعطى نوح ثلاثة عشر حرفاً واعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً واعطي محمد اثنين وسبعين حرفاً» (2).

وقد ذكر أنها انتقلت منه (صلى الله عليه وآله وسلم) الى الأئمة الأطهار (عليهم السلام) (3).

الموارد التي ذكر أن الاسم الأعظم موجود فيها المروية عن أهل البيت (عليهم السلام)

(1) عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «بسم الله الرحمن الرحيم هو اسم الله الأكبر أو الأعظم» (4).

(2) وفي رواية اخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ان رجلاً قام اليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم الله الرحمن الرحيم ما معناها، فقال: ان قولك الله أعظم اسم من أسماء الله عزّوجلّ، وهو الاسم الذي لاينبغي أن يسمّى به غير الله، ولم يتسمَّ به مخلوق» (5).

(3) وورد عن الصادق (عليه السلام): «( الم- ) حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطع في القرآن الذي يؤلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الامام (عليه السلام) فاذا دعي به أجيب» (6).

ص: 33


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص335.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص335.
3- لآلىء الازخبار: ج3 ص335.
4- نور الثقلين ج1 ص 6، 7.
5- توحيد الصدوق: ص231.
6- معاني الأخبار: ص23، 26.

(4) وعن براء بن عازب قال: دخلت على علي (عليه السلام) فقلت: يا أمير المؤمنين سئلتك بالله إلاّ خصصتني بأعظم ما خصك به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما خصه به جبرئيل(عليه السلام)مما أرسله به الرحمن عزّوجلّ، فقال: لولا ما سئلت ما نشرت ذكر ما أُريد أن أسترهُ حتى أُضمَن في لحدي: اذا أردت أن تدعو بالاسم الأعظم فاقرأ من أول الحديد ست آيات، وآخر الحشر، هو الله الذي لا إله الاّ هو الى آخرها فاذا فرغت، فقل: يامن هَو كذلك أفعل بي كذا وكذا فوالله ما دعوت به على شقيّ الاّ وسعد. قال: البراء فوالله لا أدعو بها لدنيا قال: علي (عليه السلام) قد اصبت كذا أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)غير أنه أمرني ادعو في الأمور الفادحة، انتهى (1).

(5) روى الطبرسي في المجمع في سورة التوحيد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «حدثني أبي عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة فقلت له: علّمني شيئاً أنتصر به على الأعداء فقال: قل يا هو يا من لا هو الاّ هو فلما اصبحت قصصت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا علي علمت الاسم الأعظم فكان على لساني يوم بدر وقرأ (عليه السلام) يوم بدر قل هو الله أحد فلما فرغ قال: يا هو يا من لا هو الاّ هو أغفر لي وأنصرني على القوم الكافرين، وكان يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد فقال: عمار بن ياسر يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات قال اسم الله الأعظم وعماد التوحيد لله: لا اله الاّ هو ثم قرأ - شهد الله أنه لا إله الاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله الاّ هو العزيز الحكيم - (2) وآخر الحشر، ثم نزل فصلّى أربع ركعات قبل الزوال (3).

(6) عن الصفار بسنده عن معاوية بن عمار عن الصادق أنه قال: بسم الله الرحمن الرحيم أو قال الأعظم (4).

(7) عن سليمان الجعفري عن الرضا (عليه السلام) قال: «من قال بعد صلاة الفجر بسم الله الرحمن الرحيم لاحول ولا قوّة الاّ بالله العلي العظيم مائة مرة كان أقرب الى الاسم الاعظم من سواد العين الى بياضها وانه دخل فيها الاسم الأعظم» (5).

ص: 34


1- دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم: ص112. والفادحة - أي النازلة من نوازل الدهر.
2- آل عمران: 18.
3- رواه الصدوق في التوحيد: ص89.
4- بحار الأنوار: ج93 ص232.
5- بحار الأنوار: ج93 ص232.

(8) وعن عبدالحميد عن الرضا (عليه السلام) قال: «بسم الله الأكبر يا حيّ يا قيّوم» (1).

(9) وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب» (2).

(10) وعن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه: ألا أعلمك اسم الله الأعظم اقرأ الحمد، وقل هو الله، وآية الكرسي، وإنا أنزلناه، ثم استقبل القبلة فادعُ بما أحببت» (3).

(11) وروي عن ابن عباس أنه قال: «الحي القيوم الاسم الأعظم وهو الذي دعا به آصف بن برخيا صاحب سليمان في حمل عرش بلقيس من سبأ الى سليمان قبل أن يرتد اليه طرفه» (4).

ومعنى الحي - هو الباقي غير القابل للفناء لأنه هو الموجد للحياة والفناء (خلق الموت والحياة) (5) وفي اصطلاح المتكلمين الذي يصلح أن يعلم ويقدر وقيل - الثابت له صفة الحياة والدائم بدوام الحياة.

القيوم: أصله كان قيووم واذا كان في الكلمة الياء والواو وكانت الاولى ساكنة انقلبت الواو ياءاً وادغمت الياء في الياء ومعنى القيوم - القائم الدائم بتدبير الخلق وحفظهم في جميع شؤونهم.

(12) عن أبي جعفر (عليه السلام): «ان اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً وانما كان عند آصف منها حرف واحد فخسف به الأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كانت، اسرع من طرفة عين، ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان وسبعون حرفاً، وحرف واحد عند الله استأثر به في علم الغيب ولا حول ولا قوة الاّ بالله» (6).

ص: 35


1- بحار الأنوار: ج93 ص232.
2- بحار الأنوار: ج93 ص232.
3- بحار الأنوار: ج93 ص232.
4- وقد تقدم الحديث عنه.
5- الملك: 2.
6- اصول الكافي: ج1 ص230.

(13) وعن الصادق (عليه السلام): «أُعطي عيسى ابن مريم حرفين كان يعمل بهما واعطي موسى اربعة أحرف...»الخ (1).(14) ومنها مارواه أنس قال: مر رسول الله بأبي عباس زيد بن صامت أخي بني زريق وقد جلس قال: اللهم اني أسألك بان لك الحمد لا اله الاّ أنت يا منّان يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والاكرام فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لنفر من أصحابه هل تدرون مادعى به الرجل قالوا: الله ورسوله أعلم قال: لقد دعى الله بالاسم الاعظم الذي اذا دعى به اجاب واذا سأل به أُعطى (2).

(15) ومنها رواية اسماء بنت زيد قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اسم الله الأعظم الذي اذا دعي به أجاب (قل اللهم مالك الملك... بغير حساب) (3).

(16) ومنها عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اسم الأعظم في ست آيات من سورة الحشر» (4).

(17) ومنها رواية ابي أُمامة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اسم الله الأعظم الذي اذا دعي به أجاب في سور ثلاث: في البقرة وآل عمران وطه، قال ابو اسامة في البقرة آية الكرسي وفي آل عمران (ألم الله لا إله الاّ هو الحي القيوم) (5) وفي طه (وعنت الوجوه للحي القيوم) (6).

(18) وفي حديث عن الصادق (عليه السلام): «انّ الله تعالى خلق اسماءاً بالحروف غير متصورة الى أن قال (فجعله) يعني فجعل ما خلق (على اربعة اجزاء) معاً - يعني غير مترتبة فاظهر منها ثلاثة أسماء - الله العلي العظيم أو الرحمن الرحيم (لفاقة الخلق وحاجتهم اليها) وحجب واحدة وهو الاسم الأعظم المكنون المخزون وسخر سبحانه لكل اسم من هذه الأسماء اربعة أركان فذلك إثنا عشر ركناً» (7).

- وقيل: الاسم الاعظم هو يا الهنا واله كل شيء الهاً واحداً لا اله الاّ أنت.

- وقيل: هو يا حي يا قيوم آهيا - شراهيا.

ص: 36


1- وقد مر الحديث عنه.
2- البحار: ج93 ص220.
3- آل عمران: 26، 27.
4- البحار: ج22 ص222.
5- البحار: ج22 ص222.
6- آل عمران: 1، 2.
7- الوافي ج2 ص 131.

- وقيل: هو يا ذا الجلال والاكرام.

قال في المصباح: (ان الإسم الأعظم هو الله لأنه اشهر اسمائه تعالى واعلاها في الذكر والدعاء، وجعل أمام سائر الاسماء وخصت به كلمة الاخلاص ووقعت به الشهادة) (1). وقيل ان الاسم الاعظم هو حقيقة الحمد به والعلوية لان في الاسماء التكوينية الوجودية الالهية كل اسم تكون مظهريّته اكمل وأقوى وعظمته أتم وأعلى فهو الاسم الاعظم، لان ما للغير من صفات الكمال فهي لله تعالى واعتبار الغير بها انما هو باعتبار مظهريّته، ولذا ورد عن مولى الموحدين (عليه السلام):

«اما لله آية اكبر مني وأنا اسم من اسماء الله وهو الاسم الاعظم».

وورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من رآني فقد رأى الحق».

أذن هم الأسباب والوسائط في وجود الخلائق بل خلق جميع الخلائق ببركة وجودهم وبقاؤهم ببقاء وجودهم ولولا الحجة لساخت الأرض بأهلها.

وهذه هي الأسماء المقدسة التي علّم الله تبارك وتعالى آدم كما في قوله تعالى:

(وعَلّمَ آدمَ الأسماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهَم على الملائكةِ) (2).

وهم علامة للالوهية كما ان الاسم علامة للمسمى.

وفي الختام:

قد ورد عن علي (عليه السلام) أنه قال: اذا أردت أن تدعو الله باسمه الأعظم فيستجاب لك فاقرأ من أول سورة الحديد الى قوله وهو عليم بذات الصدور، وآخر الحشر من قوله لو انزلنا هذا القرآن، ثم إرفع يديك وقل: يا من هو هكذا أسألك بحق هذه الأسماء أن تصلي على محمد وآل محمد واسأل حاجتك (3).

ص: 37


1- المصباح ص 360.
2- البقرة: 31.
3- سفينة البحار: ج4 ص292.

المبحث الثاني: في الأسم

اشارة

وفيه فصول:

الأول: تأثير الألفاظ في الكون

الثاني: في البسملة والتحميد

الثالث: في باء البسملة

الرابع: الارتباط بالله

الخامس: في معاني الأسم

ص: 38

ص: 39

الفصل الأول: تأثير الألفاظ في الكون

اشارة

بعدما علمت بأن الأسم الأعظم هو الذي يستجاب به الدعاء استجابة حتمية ولكن حينما نظروا الى لفظ الله أو بقية الأسماء الحسنى اذا دعوا بأي واحدة منها لم يجدوا فيها هذا الأثر وهذه الخاصية فأصحاب الدعوات قالوا: بان هناك الفاظاً لها هذه الخاصية ولكن لم توضع بالوضع اللغوي بل هناك حروف تؤلف بشكل خاص وهذه الحروف تستخرج بطرق خاصة ويدعون بهذا الاسم المولف، وهذه المؤلفات المختلفة حروفها تكون مختلفة حسب الحاجات كما ورد في بعض الروايات أن حروف الاسم الأعظم موجودة في سورة الحمد واذا أراد الامام (عليه السلام)يعرفها، واذا شاء ألفها، وكما مرت الروايات بأنه عند آصف بن برخيا حرف من الاسم الأعظم دعى به.. الخ.

وكما ورد بان الاسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، قسم الله تعالى بين أنبيائه أثنتين وسبعين منها واستأثر واحداً منها عنده في علم الغيب، ولكن صاحب الميزان لايرى أي تأثير للألفاظ في أن يقهر بوجودها وجود كل شيء. والأفضل أن نذكر ما قاله (قدس سره)، يقول: (والبحث الحقيقي عن العلة والمعلول وخواصها يدفع ذلك كله. فإن التأثير الحقيقي يدور مدار وجود الاشياء في قوته وضعفه، والمسانخة بين المؤثر والمتأثر، والاسم اللفظي إذا اعتبرناه من جهة خصوص لفظه كان اصواتاً مسموعة هي من الكيفيات العرضية، وإذا اعتبر من جهة معناه المتصور كان صورة ذهنية لا أثر لها من حيث نفسها في شيء ألبتة، ومن استحيل ان يكون صوتاً أوجدناه من طريق الحنجرة أو صورة خيالية نصورها في ذهننا بحيث يقهر بوجوده وجود كل شيء، ويتصرف فيما نريده على ما نريده فيقلب السماء ارضاً والارض سماءاً ويحول الدنيا الى الآخرة وبالعكس وهكذا، وهو في نفسه معلول لارادتنا.

والاسماء الإلهية واسمه الأعظم خاصة وإن كانت مؤثرة في الكون ووسائط واسباب لنزول الفيض من الذات المتعالية في هذا العالم المشهود لكنها أنما تؤثر بحقائقها لا بالألفاظ الدالة في لفظ كذا عليها، ولمعانيها المفهومة من ألفاظها المتصورة

ص: 40

في الأذهان. ومعنى ذلك أن الله سبحانه هو الفاعل الموجد لكل شيء بماله من الصفة الكريمة المناسبة له التي يحويها الاسم المناسب، لاتأثير اللفظ أو صورة مفهومة في الذهن أو حقيقة اخرى غير الذات المتعالية (1).

ولكن مايراه (قدس سره) بأن الألفاظ لاتأثير لها بأنفسها وانما تؤثر بحقائقها - فيه تأمل حيث ان الأنسان حينما ينظر الى الآيات فيرى ان نفس الألفاظ لها التأثير في الكون كما ان نفس العين أو النفخة لها التأثير في الأشخاص، واليك بعض الأدلة.

ص: 41


1- تفسير الميزان: ج9 ص355 - 356 (ط - بيروت).

الأدلة القرآنية على تأثير الألفاظ:

نذكر بعض الآيات التي تشير الى تأثير الألفاظ في الكون منها:

1- قوله تعالى: (وأخَذَ الذينَ ظَلَموا الصيحةُ فأصبَحوا في دارهِمْ جاثِمينَ) (1). أي أماتتهم الصيحة التي أمر الله سبحانه جبرئيل بها، فصاح صيحة واحدة وصاروا ميتين في منازلهم قاعدين على ركبهم.

2- وقوله تعالى: (فأَخَذَتْهُم الصيحةُ مُشرِقينَ) أي حين شروق الشمس (2).

3- وقوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَيْحَةُ بالحقِ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدَاً لِلقومِ الظالِمينَ) (3). أي حلت بهم وأصمتهم صيحة جبرئيل (عليه السلام) حين صاح بهم صيحة هائلة منكرة تصدعت لها قلوبهم وتمزقت أحشاؤهم.

4- وقوله تعالى: (وَمِنْهُم مَن أَخَذَتْهُ الصَيْحَةُ.... الآية) (4).

5- وقوله تعالى: (فَأَمّا ثَمُوْدَ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ... الآية) (5) أي أبيدوا ودمروا بالصيحة الطاغية التي تجاوزت المقدار الذي يحتمله الانسان.

6- وقوله تعالى: (فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيةً وَما كَانَ أَكْثَرُهُم مُؤْمِنِيْن) (6).

أي العذاب الموعود وهو صيحة جبرئيل التي خسفت بهم الأرض فابتلعتهم.

الى غير ذلك من الآيات الشريفة الدالة على أنّ الألفاظ لها تأثير في الكون.

وكما يؤثّر النفث كما قال الله تعالى: (مِن شَرِّ النّفاثاتِ في العُقَد) (7) أي من شر الساحرات اللواتي يقرأن وينفثن في عقد الخيط الذي يريقنّه ليتم السحر وهكذا الحسد أيضاً له تأثير كما في قوله تعالى: (مِن شَرِّ حاسد إذا حَسَدَ) (8).

والحاسد: هو الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها ولو لم يردها لنفسه وعكسه، الغبطة: التي هي تمنّي النعمة لنفسه كما هي لصاحبها من غير ان يريد زوالها عن صاحبها

ص: 42


1- هود: 66.
2- الحجر: 73.
3- المؤمنون: 41.
4- العنكبوت: 40.
5- الحاقة: 5.
6- الشعراء: 158.
7- الفلق: 4.
8- الفلق: 5.

فالثانية ممدوحة والاولى مذمومة: لانها تؤدي الى إيقاع الشرّ بالمحسود فأمر سبحانه بالتعوذ من شرالحاسد وقيل: من شر نفس الحاسد أو من شر عينه، فانه ربما يصاب بهما فأضر. وقد جاء في الحديث (أن العين حق) (1).

وروي ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كثيراً ما يعوذ الحسن والحسين (عليهما السلام) بهاتين السورتين (2).

ثم تقدم ان هناك روايات قد وردت كالرواية الواردة عن الامام الباقر (عليه السلام)بحق آصف بن برخيا، أو غيرها من الروايات الشريفة التي تؤكد بأن الألفاظ والحروف لها تأثير في الكون، ومن هنا أيضاً يظهر محل التأمل في كلامه (قدس سره) بأن الألفاظ لاتأثير لها.

هل الأسم عين المسمى أم لا؟

إعلم بأن أسم الشيء هو ما دل على الشيء مطلقاً أو باعتبار بعض صفاته، فالاسم هو العلامة، واسماء الله تعالى - عبارة عما يدل عليه جل وعلا من لفظ أو مفهوم أو جوهر وهو غير مختص بالاسماء اللفظية أو المفاهيم الذهنية وقبل الدخول في البحث لابد أولاً من بيان أمور:

- الأول: مأخوذ بشرط (أي بشرط لا) ولذا يكون غير قابل للحمل ولايصدق على الذات الموصوفة به.

- الثاني: مأخوذ لا بشرط ولذا يكون قابلاً للحمل ويصدق على الذات الموصوفة به.

قد يقال: بانه نحن نعتبر الأول مأخوذاً لا بشرط ومع ذلك فهو غير قابل للحمل.

لكن نقول: ليس المراد بلا بشرط أو بشرط لا - اللابشرطية وبشرط اللائية الاعتبارية بل المراد واقع لا بشرط وبشرط لا. إذاً الأول بمعنى اللابشرط الحقيقية فهو بذاته غير قابل للحمل، والثاني بذاته وحقيقته قابل للحمل.

وهل الذات معتبرة في المشتق أم لا؟ وقد ذكرنا في علم الأصول مفصلاً عدم اعتبارها. هذا أولاً.

ص: 43


1- مجمع البيان: ج5 ص569.
2- مجمع البيان: ج5 ص569.

وثانياً: يكون بالنسبة الى الباري عزّوجلّ هو العلم المحض والمجرد وهو نفس ذاته تعالى.وثالثاً: قد يكون النظر الى الاسم باعتبار الأستقلالية كالنظر الى المرآة ويرى أنها نظيفة وشفافة واخرى مرآتية كالنظر الى المرآة ليرى وجهه، اذاً باعتبار الثاني لايكون للاسم وجود مستقل ومغاير للمسمى بل وجوده وجود المسمى ولذا يكون الحكم عليه هو عين الحكم على المسمى حيث لايكون النظر إلا الى المسمى، فاذا قلت جاء زيد فلايكون نظرك إلا الى نفس المسمى والحكم عليه، وأما بالاعتبار الأول - فيكون وجوداً مستقلاً محكوماً عليه وهو غير المسمى وبهذا الاعتبار لا يصبح الاسم مسمى، فقوله تعالى:

(إِنْ هِيَ إلاّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوْها أَنْتُمْ..) (1) أي أن نظركم مقصور على الأسماء على نحو الاستقلال، ومغاير لذات الله تعالى، والمسمّى محجوب عنكم، ونظركم يكون للأسماء على نحو الاستقلال، وجاعلين لها مسميات فصرتم مشركين أو كافرين والموحّد هو الذي ينظر الى الأشياء من حيث أنها أسماء كان غافلاً عن النظر إليها، أو متوجهاً اليها ولكن جعلها آلهً فعبد المسمّى من طريق آلية الاسم. واما لو نظر الى الاسماء على نحو الاستقلال وأنها مسميات مستقلات ويكون غافلاً عن مسميات هذه الأسماء، فهو يعبد الاسم لا المسمى ويكون كافراً. والذي ينظر الى الاسماء حال كونها مسميات مستقلات، والى المسمى حال كونه مسمّى مستقلاً ومغايراً ومبايناً عن الاسماء هو الذي يعبد الاسم والمسمى فيكون مشركاً.

وبعبارة أخرى: معنى ان الاسم عين المسمى هو أن يكون الأسم منظوراً إليه من حيث أسميته بحيث يكون الناظر غافلاً عن نظره هذا فحينئذ يكون عين المسمى. بمعنى انه لاوجود ولا نفسية ولا حكم ولا أثر الا للمسمى ولو كان الناظر متوجهاً بنظره هذا الى الاسم ولكن جعل نظره الى الأسم باعتباره مرآة الى المسمى واذا كان منظوراً اليه بحيث يكون الإسم في نظر الناظر ذا نفسية مستقلة ووجوداً مستقلاً كان غير المسمى.

اذاً في النظر الأول لم يعبد الاسم وإنما عبد المسمّى وفي النظر الثاني عبد الاسم فقط، كما أنه في النظر الثالث وهو النظر الى الاسم على الاستقلال والمسمى على الاستقلال فيكون مشركاً.

وقالوا: لما كان الانسان واقعاً بين النفسين الرحمانية والشيطانية وكانت النفس الشيطانية المسماة بالنفس الامارة لغاية بعدها من الرحمن وغلبة الاعدام عليها وكونها بتمام اجزائها مظهر قهره تعالى كأنه لم يكن مظهر له تعالى وكانت مقابلة للنفس الرحمانية والنفس الانسانية من حيث تسخرها للشيطان كأنها اسم للشيطان لا للرحمن، إما من حيث

ص: 44


1- النجم 23.

تسخرها للعقل فهو اسم للرحمن اذا جميع الأفعال الصادرة من نفس الانسان أما صادرة من الجهة الشيطانية أو من الجهة العقلائية ولذا امر الله تعالى العباد بالتسمية عند كل فعل صغير أو عظيم حتى يخرجبواسطة هذه التسمية من متابعة النفس الأمارة ويدخل بواسطتها النفس الرحمانية ويكون الفعل رحمانياً لا شيطانياً.

ويشابه هذا البحث ما ذكره صدر المتألهين (رحمه الله) في تفسيره للقرآن في فضل الاسم حينما يقول: اسم الأسم موضوع في اللغة للفظ الدال على لفظ مستقل. الى أن يقول: يشبه أن يكون عرفه يطابق عرف القرآن والحديث.

فان الاسم في قوله تعالى (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلى) (1) وقوله (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكْرَام) (2) مستبعد أن يكون المراد به الحروف والصوت وما يلتئم منها، لانهما من عوارض الاجسام. وما هو كذلك يكون أخس الأشياء، فكيف يكون مسماً مقدساً؟ والقول يكون مجاز الحذف أو المجاز في التشبيه بعيد من غير ضرورة داعية مع وجود معنىً حقيقي، فاسم الله عنده معنىً مقدس عن وصمة (3) الحدوث والتجدد فنزه عن نقصه التكون والتغير فلهذا وقعت الاستعانة والتبرك باسمه تعالى في مثل قولك باسم الله اقرأ وباسم الله أكتب وجرت العادة بالتوسل الى اسم الله لطلب الحوائج وكفاية المهمات في مثل (باسم الله الشافي باسم الله الكافي) وفي الادعية النبوية باسم الله الذي لايضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء (4).

وقد ثبت عند محققي العلماء ان المؤثر في جواهر الأكوان ليس إلا الباري جل أسمه أو ملك مقرّب من ملائكته بأذنه، فلاتأثير للعوارض الجسمية للأشياء الجوهرية ايجاداً وإعداماً، نعم الأذكار والأدعية إنما تؤثر من جهة معانيها واتصال النفس عند التذكر بمادتها الفعّالة، فعالم الذكر الحكيم منبع انجاح المهمات ومبدأ لاستجابة الدعوات لامقارعة الحروف والأصوات وتحرك الشفتين بالألفاظ والعبارات... انتهى (5).

وقد عرفت الجواب عما ذكره صاحب الميزان، وهنا يأتي نفس الجواب. اما ما ذكره في (أخسية الألفاظ) ولو فرضنا في حد ذاته كذلك ولكن قد ذكرنا في علم الأصول (ان حسن المعنى يسري الى حسن اللفظ).

ص: 45


1- سورة الاعلى، الآية 1.
2- الرحمن، الآية 78.
3- المقصود بها العيب والعار ويقال - ما في فلان وصمه: اي ليس فيه عيب ونقص.
4- ابن ماجة باب ما جاء في الدعاء اذا أصبح أو أمسى: ج5 ص463.
5- تفسير القرآن لصدر المتآلهين: ج ص33.

اذاً عظمة المعنى تسري الى عظمة الاسم، فكما ان ذات الله تبارك وتعالى تكون عظيمة فاسمه جل اسمه يكون عظيماً.فاذا عرفت هذا فاعلم أنّه وقع الاختلاف بين المفسرين بان الاسم هل هو عين المسمى أم الاسم غير المسمى؟

الحق: أنه غير المسمى، لأنه لو كان الاسم عين المسمى، فلو ذكر اسم النار فلابد أن يحترق لسانه أو ذكر العسل لابد أن يتذوق الحلاوة وأيضاً لو كان الاسم عين المسمى فلّله تبارك وتعالى ألف وواحد اسماً كما ذكر في القرآن والأخبار فلو كان لكل اسم مسمى فلابد أن يكون هناك لله ألف وواحد من المسمى جل عن ذلك.

والقائلون: بان الاسم عين المسمى تمسكوا بالآيتين:

الأولى: (إنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلام اسْمُهُ يَحْيَى...) (1).

والثانية: (وَمَا تَعْبُدُوْنَ مِن دُوْنِهِ إلاّ أسْمَاءاً سَمَّيْتُمُوْها...) (2).

وفيه تأمل - لأن معنى نبشرك (أي نخبرك بالخبر السار المفرح بولادة ولد ذكر يكون اسمه يحيى كما قدرنا من عندنا ولم نجعل له من قبل سميا، ففي هذه الآية المباركة تشريف ليحيى بأمرين:

الأول - توليه جل وعلا تسميته - ولم يكلها الى أحد من أبويه أو غيرهما.

الثاني - أنه جل وعلا سماه بأسم لم يسمّ به أحد غيره ليدلّ على فضله وشرافته.

وأما الآية الثانية - فقد مرت الاشارة بأنها ليست مسميات منظور إليها ومستقلات أي أنكم صرتم محجوبين عن المسمى ناظرين الى الأسماء من حيث انها مستقلات في الوجود ... الخ الكلام.

الخلاف الواقع بين الأشاعرة والمعتزلة

يقول المعتزلة بالتغاير بين الاسم والمسمى، ويقول الاشاعرة بأن الاسم عين المسمى (3). ونسب الى الفخر الرازي أنّ النزاع بين الطائفتين لفظي لأنه لو أُريد من الاسم صرف

ص: 46


1- مريم: 7.
2- يوسف: 40.
3- كما قال الله تعالى: (تبارك اسم ربك) ولكن الحق أن الآية لاتدل على مبناهم بل كما يجب تنزيه الذات عن النقائص، يجب تنزيه الاسم عنها أيضاً. وأيضاً كما مر أن الاسم هنا قد يكون زائداً.

اللفظ فهو غير المسمى، وإن أُريد به الذات فهو المسمّى وإلاّ لو كان الاسم عين المسمى علىالاطلاق لابد أن يترتب على الاسم جميع آثار المسمى، فلو نطقنا بكلمة العسل لابد أن يتحلى الفم وهذا خلاف الوجدان، وأيضاً لله ألف وواحد من الاسماء فلو كان عين المسمى فلابد أن يكون ألف وواحد من المسميات وقد مر التفصيل.

ولكن الحق: ان نزاعهم ليس بلفظي بل نزاع حقيقي يظهر لمن راجع كلماتهم فان للاسم اعتبارين: اعتبار كونه مرآة للمسمى، وبهذا الاعتبار ليس له نفسية مستقلة، ولا وجوده يكون مغايراً للمسمى بل وجوده وجود المسمى ونفسيته نفسية المسمى ولذا لايكون الحكم في الكلام الا على المسمى ولايكون النظر الاّ على المسمى، والاخر اعتبار كونه مغايراً للمسمى وبهذا الاعتبار يصبح الاسم غير المسمى. وله اسماء مثل قولك: زيد لفظ مركب من ثلاثة أحرف، فان لزيد في هذا القول اسماء عديدة مثل الاسم واللفظ، والكلمة والمركب والموضوع والدال والعلم وبهذا الاعتبار لايكون مظهراً ومرآةً للمسمى ولا دلالة له عليه.

وبعد ما قلنا بأنّ الاسم بمعنى العلامة، فحينما يوضع اسم لشيء، فهو يكون معرفاً وعلامة له سواءً كان ذلك الشيء من جنس الانسان أو الحيوان أو غيرهما.

إذاً إن أسماء الله تكون علائم لذاته المقدسة. وبواسطتها يمكن للانسان التعرف على ذاته، أما حقيقة الذات فلا يصلها أي انسان كامل تمام الكمال - نبياً كان أو وصياً مع أنه أعلم الموجودات وأشرفها - لأنه ممكن ومحدود ومتناهي والممكن والمتناهي لايمكنه الوصول الى غير المتناهي.

وفي الحقيقة العالم كله اسم لله، وآية له، وعلامة على اثبات وجوده. وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

وهذا الاختلاف صار سبباً في أن اضافة الاسم لامية أم بيانية؟ فمن يقول: بان الاسم عين المسمى والمراد منه هو الذات في مقام العمل في الحقيقة يستعين بالذات لا بالاسم فتكون الاضافة حينئذ بيانية، ومن يقول بان الاسم غاية للمسمى وان التبرك بالاسم يوجب التبرك أكثر وان الاضافة مشعرة بالتغاير فان إضافة الاسم الى لفظ الجلالة تكون لامية. كما ورد الاختلاف بين الفريقين كما مر وانه هل الاستعانة والتبرك يكون باسم الله أو بذاته، فمن

ص: 47

يقول بالذات يرى أن الاسم عين الذات ومن يقول بالاسم فيرى أنه غير المسمى، ويمكن أن يجعل الاسم زائداً ويكون المراد في الحقيقة هو المسمى كما قال الشاعر:

الى الحول ثم اسمِ السلام عليكما***ومن يبكي حولا كاملا فقد اعتذر

فبناءاً على هذا أيضاً التبرك يكون بالذات.

ولابأس بالاشارة الى الحديث عنهم (عليهم السلام): من عبد الاسم فهو كافر ومن عبد الاسم والمعنى فهو مشرك ومن عبد المعنى ويكون الاسم معرفاً له فهو مؤمن.ولا يخفى بأنه ليس المراد من الاسم هو الاسم اللفظي، لانه لم نر في التأريخ من عبد الاسم.

إذا المراد من الاسم هو معاني الألفاظ لا الألفاظ الدالة على المخلوقات. فان عيسى يكون اسماً من اسماء الله تعالى - أي الاسماء التكوينية له جل وعلا. اذاً فمن عبده فهو كافر ومن عبد عيسى مع الله فهو مشرك ومن عبد الله وحده فهو موحّد وهكذا بالنسبة للنبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين).

ص: 48

هل أن بسم الله من القرآن أم لا؟

لايخفى في أن بسم الله في أول كل سورة هي جزء من السورة عندنا وتُحسب آية، وهل هي جزء من كل سورة أو من الفاتحة فقط أو أنها ليست جزءاً من شيء منهما؟ سوف نذكر الأقوال على نحو التفصيل.

وأما جزئيته للسورة متفق عليه بين الإمامية فتعد سورة الحمد سبع آيات أي تعد (بسم الله) آية، ولذا في صلاة الآيات اذا أراد أن يفرق السورة يجوز له أن يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) ويجعلها آية من سورة (قل هو الله أحد) وفي كل صلاة واجبة يجب أن تقرأ بعد الحمد سورة وأي سورة يريد قرائتها لابد أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قاصداً بانه من تلك السورة، ولا بأس ببيان معنى الآية - ومعنى الآية هي العلامة في قوله تعالى: (فيهِ آياتٌ بَيّناتٌ) (1) أي علامات واضحات، وفي الحديث: وجعله آية لمن توسم.. الخ .. أي بمعنى التفرس وفي الحديث: «إتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله» (2).

والآية من القرآن قيل: كل كلام متصل الى انقطاعه. وقيل: ما يحسن السكوت عليه. وقيل: بمعنى الجماعة في قولهم: خرج القوم بآيتهم - أي بجماعتهم - ولكن هذه التعاريف غير صحيحة طرداً ونقضاً، لإنا حينما نرى بعضاً من الآيات القرآنية لايحسن السكوت عليها، أو لم يتم الكلام بها، ولكن يطلق عليها آية.

كقوله تعالى: (مُدْهمّتانِ) (3). وكثير من الكلمات القرآنية الكلام فيها تام ويحسن السكوت عليها ولايصدق عليها أنها آية، نعم ورد في بعض الروايات كما سيأتي في نفس المورد بأنّ بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن الكريم، اذاً الآية المقصود منها هي الموجودة بين الدفتين التي وضع لها علامات كما بواسطتها تُمَيّز بعضها عن البعض الآخر.

ص: 49


1- آل عمران: 97.
2- البحار: ج2 ص365، والفراسة نوعان - أحدهما: ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون بعض أحوال الناس بنوع من الكرامات واصابة الحدس والظن. وثانيهما: نوع بالدلائل والتجارب والأخلاق «مجمع البحرين باب فرس».
3- الرحمن: 64.

وللفقهاء في مسألة النذر اصطلاح يعني أن الفقهاء لم يبحثوا عن هذا الموضوع بأنه ما المراد من الآية بل جعلوا متعلق النذر تلك الآيات المعينة، (كمن نذر قراءة عشرة آيات) إذاً تمييزها أولاً: له أثر فقهي كما ذكرنا في مسألة النذر ومسألة صلاة الآيات.

وثانياً: يكون موجباً لتسهيل الحفظ.

قلنا: بان البسملة من السورة. وقد وردت روايات عن الفريقين، وبالأخصّ ما عن أئمتنا(عليهم السلام)روايات تدل على ان بسم الله تكون من القرآن.

منها: عن صفوان الجمّال قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «ما أنزل الله من السماء كتاباً الاّ وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم وانما يعرف انقضاء السورة ببسم الله الرحمن الرحيم ابتدأ للاخرى (1).

ومنها: ما روي عن العياشي في تفسيره عن يونس بن عبدالرحمن عمن رفعه قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعاً مِن المَثانِيَ) الخ قال: هي سورة الحمد وهي سبع آيات، منها بسم الله الرحمن الرحيم (2).

ومنها أيضاً: حديث سليمان الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام) قال رجل: أي آية أعظم في كتاب الله، قال (عليه السلام): «بسم الله الرحمن الرحيم» (3).

وهناك روايات أخرى تدل على أن البسملة من القرآن. قد أعرضنا عن ذكرها اختصاراً.

وأما ما جاء عن غيرنا، فقد اختلفوا في ذلك، وقد نسب إلى الآلوسي:

اختلف الناس - في البسملة في غير النمل إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق - على عشرة أقوال:

الأول: أنها ليست من السورة أصلاً.

الثاني: أنها آية من جميعها غير براءة.

الثالث: أنها آية من الفاتحة دون غيرها.

الرابع: أنها بعض آية منها فقط.

الخامس: أنها آية فذة أنزلت لبيان رؤوس السور تبعاً وللفصل بينها.

السادس: أنه يجوز جعلها آية منها وغير آية لتكرر نزولها بالوصفين.

ص: 50


1- البحار: ج92 ص236.
2- الجديد في تفسير القرآن المجيد: ج1 ص12.
3- سفينة البحار: ج2 ص356.

السابع: أنها بعض آية من جميع السور.

الثامن: أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور.التاسع: عكسه.

العاشر: أنها آية فذة وان انزلت مراراً.

فابن عباس وابن مبارك وأهل مكة كابن كثير وأهل الكوفة كعاصم والكسائي وغيرهما سوى حمزة، وغالب أصحاب الشافعي والإمامية على الثاني.

وقيل: بأنه اختار هو الخامس.

وما عن اُستاذنا الأعظم (1) في تفسيره البيان بعد أن قال: اتفقت الشيعة الامامية على ان البسملة آية من كل سورة بدأت بها وذهب اليه ابن عباس وابن مبارك وأهل مكة كابن كثير واهل الكوفة كعاصم والكسائي وغيرهما ما سوى حمزة وذهب اليه أيضاً غالب أصحاب الشافعي، وجزم به قراء مكة والكوفة، وحكي هذا القول عن ابن عمر وابن الزبير وابي هريرة وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري واحمد بن حنبل في رواية عنه واسحاق بن راهويّه وابو عبيد القاسم بن سلام وعن البيهقي نقل هذا الكلام عن الثوري ومحمد بن كعب واختاره الرازي في تفسيريه ونسبه الى قرّاء مكة والكوفة واكثر فقهاء الحجاز والى ابن مبارك والثوري.

واختاره أيضاً جلال الدين السيوطي مدعياً الروايات الدالة عليه معناً.

وفي مقابل هولاء، هناك أقوال كبعض الشافعية وحمزة إنها آية من فاتحة الكتاب دون غيرها، وذهب جماعة منهم مالك وابو عمر ويعقوب أنها آية فذة وليست جزء من فاتحة الكتاب ولا من غيرها (2) الى غير ذلك من الأقوال ومن أراد الاطلاع أكثر فعليه مراجعة البيان في تفسير القرآن، ولابأس أن نذكر بعض الروايات التي وردت عنهم وذكرها الاستاذ الأعظم (قدس سره).

1- ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن علي (عليه السلام) أنه سئل عن السبع المثاني فقال: «الحمد لله ربّ العالمين فقيل له: انما هي ست آيات فقال بسم الله الرحمن الرحيم آية».

ص: 51


1- المراد بن زعيم الحوزة العلمية الامام الخوئي (قدس سره).
2- البيان في تفسير القرآن: ص438 - 439.

2- وأيضاً ما أخرجه الدارقطني بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، فانها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم احدى آياتها».3- ما أخرجه ابن خزيم والبيهقي في المعرفة بسند صحيح عن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: استرق الشيطان من الناس اعظم آية من القرآن: بسم الله الرحمن الرحيم. ووردت رواية عن طرقنا بهذا المضمون بقوله (عليه السلام):

«سرقوا أكرم آية في كتاب الله، بسم الله الرحمن الرحيم» (1).

اذاً فثبت جزئية الآية عند الفريقين.

ص: 52


1- البحار: ج92 ص236.

الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في انّ بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن

ولايخفى بأنّ علة الاختلاف بينهم لاجل عدم اخذهم من مصدر الوحي ومعدنه، ومن نزل القرآن في بيتهم وهم القرآن الناطق. ولذا نرى أنهم (عليهم السلام) ورد عنهم الذم فيمن ترك بسم الله الرحمن الرحيم ولم يَعُدَّها من القرآن.

1) فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) بلغه أن أناساً ينزعون بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: «فهي آية من كتاب الله أنساهم إيّاها الشيطان» (1).

2) وفي حديث الصادق (عليه السلام) حيث قال: «ومالهم قاتلهم الله عمدوا الى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة أذا أظهروها وهي بسم الله الرحمن الرحيم» (2).

3) وفي حديث علي (عليه السلام) أنه قال: «بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم. سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «انّ الله عزّوجلّ قال لي: يا محمد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم وان فاتحة الكتاب اشرف ما في كنوز العرش وان الله عزّوجلّ خصّ محمداً وشرّفه فيها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه خلا سليمان بن داود فانه اعطاه الله منها آية بسم الله الرحمن الرحيم ألا فمن قرأها معتقداً لموالاة محمّد وآله الطاهرين منقاداً لامرهما مؤمناً بظاهرهما وباطنهما اعطاه الله عزّوجلّ بكل حرف منها حسنة كل واحدة منها أفضل له من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع الى قارئ يقرؤها كان له وللقارئ فليستكثر أحدكم من هذا الخبر المعرّض لكم فانه غنيمة لايذهبنّ أوانه فيبقى في قلوبكم حسرة» (3).

4) وروى عن ابن عباس أنه قال: من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مئة وأربعة عشر آية من كتاب الله (4).

ص: 53


1- البحار: ج2 ص238.
2- تفسير البرهان: ج1 ص42.
3- البرهان: ج1 ص41.
4- جامع الجواهر: ص3.

ملاحظة: قلنا اجماع الأمامية على ان البسملة آية من كل سورة، اما سورة براءة فقد ذكروا وجوهاً من جهة ترك البسملة من هذه السورة. ولعل أحسنها بأن بسم الله آية رحمةوسورة براءة لانقطاع العصمة ورفع الامان والخروج من العهود وعن عليّ (عليه السلام) «لم ينزل بسم الله الرحمن الرحيم على رأس سورة براءة، لان بسم الله للأمان والرحمة ونزلت سورة براءة لرفع الامان بالسيف» (1).

وورد في هوامش لبعض نسخ القرآن هكذا:

ان يقرأ هذا الدعاء - قبل قراءة سورة براءة - (اعوذ بالله من النار ومن عذاب الجبّار ومن شر الكفار، العزة لله الواحد القهار).

وذكر في تفسير القرآن للسيد عبدالله شبر: أعوذ بالله من النار وشر الكفار العزة لله ولجميع المؤمنين براءة من الله ورسوله ...الخ السورة (2).

ولا بأس بقراءة أمثال هذه الادعية عوضاً عن بسم الله الرحمن الرحيم بعنوان الرجاء لانه ليس لهذه الادعية مدرك صحيح بحسب تفحصنا.

ص: 54


1- مجمع البيان: ج3 ص2، تفسير شبر: ص199.
2- تفسير شبر: ص199.

الفصل الثاني: الكلام في الحديثين الواردين الآمرين بالابتداء بالبسملة والتحميد وعلاج معارضتهما

اشارة

قد ورد في الحديث أنه (عليه السلام) قال: «كل أمر ذي بال لم يُذكر، وفي رواية لم يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر - بل قال لاتدعها ولو كان بعدها شعر» (1)، وفي تفسير العسكري (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين في حديث ان رجلاً قال: قال له إن رأيت أن تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس فقال: تركك حين جلست أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ان رسول الله حدثني عن الله أنه قال: كل امر ذي بال لم يذكر الله فيه فهو أبتر (2).

والبال بمعنى الشأن والحال لقوله تعالى: (..... وَأَصْلَحَ بَالَهُم) (3). أي (شأنهم وحالهم بأن نصرهم على عبادتهم في الدنيا ويدخلهم الجنة في العقبى) (4). وقوله تعالى: (قَالَ فَما بَالُ القُروْن الأولى) (5). أي ما حال الأمم الماضية في السعاده والشقاوة، والابتر - المقطوع الذنب وبتر الشيء بتراً - أي قطعه قبل الاتمام - وفي الحديث: -

«من سد طريقاً بتر الله عمره) أي قصر عليه أجله وقطعه.

وعن علي بن ابراهيم عن أبيه عن علي بن حسام عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «كل دعاء لايكون قبله تحميد فهو أبتر، انما التحميد ثمّ الثناء، قلت: ما أدري ما يجزي من التحميد والتمجيد قال: يقول اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت

ص: 55


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص343.
2- لآلىء الأخبار: ج3 ص343.
3- محمّد: 2.
4- مجمع البحرين مادّة بول.
5- طه آية 51.

الآخرفليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم» (1).

ومعنى الحديث الأول أن كل أمر ذي شأن وخطر الذي يُهْتَمُّ، به اذا لم يُبدأ ببسم الله فلايكمل وورد أيضاً كل أمر ذي بال لايُبدأ بحمد الله فهو أقطع (2). والاقطع هو المقطوع اليد وهو هنا كناية عن عدم اكمال العمل أيضاً.

وورد أيضاً: كل دعاء لايكون فيه تحميد فهو أبتر (3).

وفي الدعاء: أعوذ بك من الذنوب التي تقطع الرجاء.

وقبل الدخول في علاج التعارض بين الروايتين لابد من بيان أمور:

الأول: الفرق بين الحمد والمدح والشكر، وقد عرّفوا الحمد بالثناء باللسان على جميل الاختيار بقصد التبجيل للممدوح، أي هو الثناء على أمر جليل جميل صدر عن الاختيار، نعمةً كانت أو غيرها. وحمد الله جل وعلا يكون حمداً على الآثار الاختيارية الصادرة عن ذاته المقدسة. ومقابل الحمد الذم والمنعوت سواء أكانت الفضائل أو الفواضل.

والمراد من الاختيار مقابل الأضطرار والمضطر هو الذي احوجه الشيء لكي يصدر منه الفعل مقابل المختار، قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوْءَ) (4).

وقيل المضطر: هو الذي أحوجه، مرضٌ أو فقر أو نازلة من نوازل الأيام، الى التضرع الى الله تعالى.

وفي الحديث نهي عن بيع المضطر، أو لاتبع من مضطر. يتصور من وجهين:

الأول: بمعنى أنه اضطر الى اجراء العقد بطريق الاكراه عليه.

الثاني: ان يضطر الى البيع لدَين ركبه أو مؤونة تلحقه فيبيع ما في يده بالوكس (5) للضرورة.

والعبد اذا حمد الله فقد ظفر بأربعة أشياء: قضى حق الله فأدى شكر النعمة الماضية، وتقرب من استحقاق ثواب الله، واستحق المزيد من نعمائه. وقيل للحمد أربعة أركان:

1- الحامد.

ص: 56


1- اصول الكافي: ج2 ص503.
2- نهاية ابن الأثير مادة (بتر).
3- أصول الكافي: ج2 ص504.
4- النمل: 62.
5- الوكس - هو النقص. وفي الخبر المرأة لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط قال الجوهري لانقصان ولا زيادة (مجمع البحرين مادة - وكس).

2- المحمود.

3- المحمود عليه.

4- المحمود به.

أما الحامد - فهو الذي صدر منه الحمد، والمحمود هو الذي وقع عليه الحمد والمحمود عليه هو الذي يقع الحمد بإزائه، والمحمود به هو مدلول الصيغة والصيغة هي عبارة عن قول القائل: الحمد لله.

أقسام الحمد:

... وقيل: الحمد على ثلاثة أقسام:

1- القولي: وهو الجاري على لسان الأولياء.

2- الفعلي: وهو العمل بالأركان.

3- الحالي: ويكون بحسب الروح والقلب.

أما الحمد بالمعنى اللغوي فهو: الثناء باللسان. والحمد والمدح قريبا المعنى لكن الأول يكون ضداً ونقيضاً للذم والثاني نقيضاً أو ضدّاً للهجاء، يقال: الحمد لله ولا يقال أحمد الله لان العبد لايتمكن من أن يحمده حمداً لائقاً له جل وعلا، لان توفيق أداء الحمد يكون منه. اذن لايتمكن من أداء حق النعمة بالحمد الذي لايكون موجباً للحمد أيضاً كما قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فإلَيْهِ تَجْأَرُوْنَ) (1).

أي: كل النعم الظاهرية والباطنية فهي منه تعالى وهو ولي النعم. ومتى لحق الانسان ضرٌّ أو بلاءٌ أو سوء يتضرع اليه تعالى بالدعاء ويرفع صوته بالاستغاثة والاستعانة به. وقيل: ان للحمد أقساماً بحسب الموارد:

1- حمد اللسان باللفظ.

2- حمد القلب التوحيد.

3- حمد الجوارح عدم العصيان.

ص: 57


1- النحل: 53 - والجأر - الثور اذا رفع صوته من جوع أو غيره، ويقال جأر القوم الى الله اذا دعوا اليه وعجوا اليه برفع اصواتهم ومنه الحديث: (كأني انظر الى موسى له جؤار إلى ربّه بالتلبية (مجمع البحرين مادة - جأر).

وفي تفسير أبي الفتوح نقلاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما كان يَرى أحد الأصحاب مبتلىً بشيء فيقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً.وعن الصادق (عليه السلام): «إذا رأيت عبداً مبتلىً ببلية وأنت في نعمة الله قل: اللهم اني لا أُسحِر ولا أفخر ولكن أحمدك على عظيم نعمائك عليّ». وورد أنه اذا وقع للرسول أمر يسره كان يقول: «الحمد لله الذي بنعمته ختم الصالحات واذا صادف أمراً يحزنه كان يقول الحمد على كل حال».

وعن عدّة الداعي قال الصادق (عليه السلام): «من قال عند الصباح أربع مرات: الحمد لله رب العالمين فقد أدى شكر يومه» (1).

وعن الصادق (عليه السلام) أنه كان اذا أصبح وأمسى يقول: «اللهم ما أُصبحُ وأُمسي بي من نعمة أو عافية من دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها علي يا رب حتى ترضى، وبعد الرضا يقول إذا أصبح عشراً وإذا أمسى عشراً» (2).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «سبحان الله نصف الميزان والحمد لله ملئ الميزان» (3).

وفي الخبر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا قال العبد الحمد لله كما هو أهله فتقف الملائكة عن الكتابة فيقول الله تبارك وتعالى: ملائكتي فما قاله عبدي، فما كتبتم له فيقولون انا لا نتمكن من كتابة ما نعلم ونحن لانعلم بانك أهل لاي شيء من الحمد وغيرك لايعلم بانك مستحق لاي نوع من الحمد وما نعلم المقدار الذي تستحقه أنت عالم به ونحن لانعلم» (4).

والثناء بالمد: هو ذكر الشيء بخير والذكر الحسن والكلام الجميل (إثنِ على ربك) اي أذكره ذكراً حسناً جميلاً - يقال اثنيت على زيد - أي مدحته.

ويقال استعماله في الذكر الجميل أكثر من القبيح وفي الحديث:

(من أُتي إليه بمعروف فليكافئ عليه فان عجز فليثنِ، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة) (5). أي يثني على من جاء بها.

ص: 58


1- البحار 93، ص: 216 ح 21.
2- البرهان: ج2 ص405.
3- تفسير جلاء الاذهان: ج1 ص17.
4- تفسير جلاء الأذهان: ج1 ص18.
5- مجمع البحرين مادة (ثناء).

قلنا: ان استعماله في الشر يكون أقل، كباب المشاكلة لا أنه يستعمل في الخير والشر حقيقتاً كما يقال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، ومروا بأخرى فأثنوا عليها شراً أو من باب الاستعارة التهكمية.اذاً استعماله في الشر يكون من باب الأستهزاء وقيّد الثناء باللسان لاخراج الشكر. وقيّد بالاختيار انما لخروج المدح، لان المدح يستعمل في الشيء غير الاختياري غالباً كقولك: مدح اللؤلؤة على صفائها، ولكن قد يستعمل في الاختيار أيضاً كقولك مدحته (أي أثنيت عليه) ولما فيه من الصفات الجميلة وهذه تارة تكون - طبيعة وأخرى كسبية، اذاً يكون المدح أعم من الحمد، كما يستعمل المدح في مقابل ذاته وصفاته جلَّ وعلا، مع أنها غير أختارية، ولكن يمكن أن يقال هنا أيضاً: يكون اختيارياً لأن الاختيار يكون على قسمين (حقيقي، حكمي).

وهنا يكون حكمياً لان ذاته بما انه منشأ للافعال الاختيارية يكون في حكم الاختياري.

وقد ذكروا فروقاً أخرى بين المدح والحمد. وهو أن المدح قد يكون قبل الاحسان والحمد لايكون الاّ بعده. وغيرها من الفروق الاخرى.

(نعمة كانت أو غيرها) النعمة: بمعنى اليد والصنيعة والمنّة (وُجُوْهٌ يَوْمَئِذ نَاعِمَةٌ) (1) أي متنعمة في ذلك اليوم بأنواع اللذات والطيبات ظاهرٌ عليها آثار النعم والسرور، مضيئة مشرقة. وقوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذ عَن النّعِيْم) (2)أي عن شكر ما كنتم فيه من النعيم الذي هو من الله تبارك وتعالى وخالفتموه وبمخالفتكم هذه لم تؤدوا شكر النعم - أي عبدتم غيره وأشركتم به. قال قتادة: ان الله سائل عن كل ذي نعمة عما أنعم عليه.

وقيل المراد بالنعيم: الأمن والصحة.

وقيل: الصحة والفراغ.

وقيل: يسئل عن كل نعمة، الا ما خصه الحديث وهو ثلاثة لايسئل عنها العبد. خرقة وارى بها عورته وكسرة يسد بها جوعه، وبيت يسكنه عن الحر والبرد.

وقيل: المأكل والمشرب وفي تفسير العياشي في حديث طويل سأل أبو عبدالله أبا حنيفة عن هذه الآية: «فقال ما النعيم عندك يا نعمان، قال القوت والطعام والماء البارد، فقال: لان اوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتى يسئلك عن كل اكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه، قال: فما النعيم جعلت فداك قال: نحن أهل البيت، النعيم الذي أنعم الله بنا

ص: 59


1- الغاشية: 8.
2- التكاثر: 8.

على العباد وبنا ائتلفوا بعدما كانوا مختلفين وبنا ألفّ الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءاً وبنا هداهم الله للاسلام وهي النعمة التي لاتنقطع والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وعترته» (1).

والمراد بالنعمة وهي الافضال، أي الاحسان المتعدي الى الغير.(أو غيرها) - أي الفضائل وهي التي لاتتعدى الى الغير كالعلم والقدرة.

خلاصة البحث:

ان الحمد من حيث المورد يكون خاصاً لانه مخصوص باللسان ولكن من حيث المتعلق يكون عاماً (أي يشمل النعمة وغيرها).

وعلى العكس من الشكر فانه من حيث المورد يكون عاماً لانه يشمل كلاً من العمل بالاركان، والتصديق بالجنان واللسان. ولكن من جهة المتعلق يكون خاصاً لانه يشمل النعمة فقط.

وهناك فرق آخر بينهما وهو أن الحمد ما اذا وصل الانعام الذي جاء الحمدُ من أجلهِ اليك أو الى غيرك، والشكر مختصُ بالواصل اليك، وفي الحديث: أن الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبداً لايحمده. ورأس الشكر هو أجلى وأوضح وأدل على مكان النعمة، وأشبع للثناء على مولاها من الاعتقاد وعمل الجوارح، وما في عمل الجوارح من الاحتمال بخلاف عمل اللسان الذي هو النطق المفصح عن كل خفيّ. وقد ورد في نهج البلاغة - الحمد لله الواصل الحمد بالنعم والنعم بالشكر (2).

أي أنعم على سبيل التفضل على عباده، ثم امرهم ان يحمدوه على نعمهِ أو بمعنى: أنه تفضل بالنعمة أولاً ثم أوصل ذلك بنعمة الحمد بأن ألهم عباده الحمد عليها ثم أوصل النعم بالشكر. والشكر إعتراف بالنعمة وهو أن يفعل من فعل الطاعة وترك المعصية. وفي الخبر: (لايشكر الله من لايشكر الناس) أي لايقبل الله تعالى شكر العبد على أحسانه اليه اذا لم يكن شاكراً لاحسان الناس إليه، وكان كافراً لمعروفه، لان أحد الامرين مربوط بالآخر (ومن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق).

وروي أن نوحاً النبي (عليه السلام) اذا أكل طعاماً قال الحمد لله واذا شرب الماء قال الحمد لله واذا لبس لباساً قال الحمد لله واذا ركب دابة قال الحمد لله واذا نزل من الدابة قال

ص: 60


1- مجمع البيان: ج1 ص535.
2- نهج البلاغة: ج1 ص222.

الحمد لله. فكتبه الله من جملة الشاكرين بقوله تعالى: (أَنَّهُ كانَ عَبْدَاً شَكُوْراً) (1) والشكور بالفتح من أسمائه تعالى وهو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء.

وعن الباقر (عليه السلام) والصادق (عليه السلام): أنه كان اذا أصبح وامسى يقول: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو عافية من دِين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولكالشكر بها عليّ يا رب حتى ترضى وبعد الرضا يقول إذا أصبح عشراً وإذا أمسى عشراً كان يقولها اذا اصبح ثلاثاً واذا أمسى ثلاثاً فهذا شكره وقد مر الحديث.

وقد يستشكل بأنه يستفاد من الحديثين بأن كل أمر ذي بال لابد أن يبدأ ببسم الله أو الحمد لله مع أن نفسهما من ذوات البال، إذاً حينما يريد الانسان ان يذكر بسم الله لابد أن يبدأ قبله ببسم الله آخر وهكذا يتسلسل، وكذا بالنسبة الى حمد الله ولكن قد اُجيب عن هذا بان المقام يدخل في باب ما من عام الا وقد خص. اذاً نفس التسمية والتحميد يكونان خارجين عن هذا العموم، ويحتمل أن نخرجهما عن هذا التعريف بان المراد من ذي بال (أي ذي شأن) في واقع الامر والتسمية والتحميد في ابتداء كل كتاب لايكونان مقصودين بالذات للكاتب، أو أنه بمقتضى قاعدة كلما بالعرض لابد وان ينتهي الى ما بالذات.

أو بمقتضى قاعدة دسومية كل شيء يكون بالدهن ودسومية الدهن تكون بنفسه أي ابتداء كل شيء يكون بالبسملة أو التحميد وابتدائيتهما تكون بأنفسهما، ولذا اذا أراد الانسان أن يشرع في عمله فهو محتاج لاجل اكماله الى التسمية أو التحميد وتمامية التسمية والتحميد تكون بأنفسهما أو يمكن استفادة خروجهما عن هذه القاعدة، بأنه اذا قلنا كل شيء معلول لله. فقطعاً كل شيء لايشمل الله وهكذا كل أمر ذي بال لايشمل التسمية والتحميد.

كيفية الجمع بين الحديثين عند التعارض:

وقد أستشكل بان في كل من البسملة والحمد لله ورد حديث بأبتدائيّته فكيف يمكن الجمع بين الحديثين مع أن العمل بكل واحد من الحديثين يكون مستلزماً لالغاء الحديث الآخر لانه لو عملنا بحديث التسمية يكون العمل بحديث التحميد لغواً وهكذا العكس، لو عملنا بحديث التحميد فلايمكن العمل بحديث التسمية. لأنّ التعارض والتكافؤ إنّما يتصوّر فيما إذا لم يكن هناك مرجّح بين المتعارضين فنقول إنّ حديث الابتداء ببسم الله يكون له مرجّح كما

ص: 61


1- الاسراء: 3.

ورد في الحديث (ابدأوا بما بدأ الله به) (1) فإنّه يكون مرجّحاً وهذا معنا عام بالنسبة إلى كلّ عمل ولذا نرى إنّ الله تعالى بدأ بالبسملة في كلّ سورة من سور القرآن وأمر بالابتداء ببسم الله عند كلّ عمل يعمله العبد.

ومع ذلك قد أجيب عن هذا بأمور لابأس بذكرها:

1- أن يكون الابتداء بكل منهما على سبيل منع الخلو، أي في كل أمر ذي بال لابد أن يذكر واحد من التسمية والتحميد لا كليهما معاً حتى يرد المحذور.

2- يمكن أن يكون المراد ب- (لم يُبدأ) أي لم يقدَّم، اذاً تقدُّم كليهما ممكن ولايأتي المحذور.

3- أن الباء وردت فيهما للاستعانة ويمكن الاستعانة بكليهما في كل امرِ ذي بال.

4- أن تكون الباء بمعنى الملابسة والمصاحبة ولاتضر المصاحبة مع شيئين.

5- أن الابتداء ببسم يكون ابتداء بالتحميد أيضاً - لان المراد من الحمد هو اظهار الصفات الجميلة وليست للفظة أي خصوصية. فاذا إبتدأت ببسم الله فان في بسم الله اظهاراً للرحمانية والرحيمية لله تعالى. فبناءاً على هذا يكون بسم الله من أفراد الحمد، اذاً الابتداء ببسم الله يكون ابتداءاً بحمد الله أيضاً.

6- بما أن في بسم الله كلمة (الله) موجودة، والله يدل على الذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية، وكل شيء يدل على الذات المستجمعة كذلك يدل على اتصاف الذات بصفات الكمال أيضاً.

اذاً الابتداء باللفظ الدال على الذات الكذائية يكون ابتداءً باللفظ الدال على صفات الكمال. والحمد يدل على وصف الكمال للذات، بالدلالة الالتزامية ويدل على الذات، اذا الابتداء باللفظ الدال على وصف الكمال يكون ابتدأ على اللفظ الدال على الذات، إذاً الابتداء ببسم الله يكون ابتداءاً بحمد الله وعلى العكس.

7- انهم يقسّمون الابتداء على ثلاثة أقسام:

أ) الابتداء الحقيقي - والمراد من الحقيقي لم يكن قبله شيء. هذا بالنسبة الى الممكن، اما بالنسبة الى الباري جل وعلا فهو الذي لايكون له أولية أو نهاية وليس له اخرية وحد وغاية. قال السبزواري صاحب المنظومة:

(هو تعالى أول السلسلة الطولية النزولية ومبدأ المبادي كان الله ولم يكن معه شيء والسلسلة الطولية الصعودية وغاية الغايات).

ص: 62


1- الجامع الصغير ج1 ح 4، الوسائل ج8 / 151.

«(إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (1).. أي إليه مرجع العباد حتى الغني الطاغي الذي غرته أمواله وأولاده وحياة الدنيا. ولله القدرة على اهلاكه كغيره من الناس، ثم يجازيه أيضاً في العقبى» أي أنه تعالى يكون مقدماً على جميع الموجودات ويكون أولاً بلا إبتداء ويكون وجوده قبل القبل وفي أزل الازل، واما الموجودات غير الله فهي ممكنات ووجودها مسبوق بالعدم.

ب) الاضافي - وهو أن يكون مقدماً بالنسبة الى مقصوده سواءٌ أكان قبله شيء أم لا.

ج- ) الابتداء العرفي - أي أنه في نظر العرف يصدق عليه الابتداء فلو كان هناك صف ممتد فان من كان في أوائل الصف يسمى بانه في ابتداء الصف.والحق: هو حمل بسم الله عند الجمع على الحقيقي والحمد لله على أحد الوجهين الاخرين لأمور:

الأول - ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أول ما كتب بالقلم بسم الله الرحمن الرحيم فاذا كتبتم كتاباً فاكتبوها أولَه. وهي مفتاح كل كتاب أُنزل، ولما نزل عليَّ جبريل بها أعادها ثلاثاً وقال: هي لك ولامتك فمرهم لايدَعوها في شيء من أمورهم فاني لم أدعها طرفة عين مذ نزلت على أبيك آدم وكذلك الملائكة (2). وقريب منه ما عن بعض الكتب من قوله (عليه السلام) فاذا كتبتم كتاباً فاكتبوا في أوله بسم الله الرحمن الرحيم فاذا كتبتموها فاقرؤوها».

وفي حصن الحصين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كل كلام لايذكر الله فيه ولايبدأ به وبالصلاة عليّ فهو ممحوق من كل بركة» (3).

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «تخلّقوا بأخلاق الله» (4) حيث ان الله تبارك وتعالى جعل في ابتداء كل سورة بسم الله ولابد لنا أن نقتدي به في كل أفعالنا ونبتدىء بسم الله.

وكذا ماورد في القرآن الكريم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (5) أي ولكم به الاقتداء الجميل وهو تقليد في أقواله وأفعاله. فهو نعم القدوة الحميدة. والمُثل العُليا في

ص: 63


1- العلق: 8.
2- كنز العمال ج1، ص 555.
3- كنز العمال ج1، ص: 558.
4- البحار ج58، ص 129.
5- الاحزاب: 21.

أخلاقه السامية وهذا التأسي لازم لمن يطلب رضا الله تعالى واليوم الآخر وذكر الله كثيراً في جميع تقلباته وتحركاته وسكناته.

والأسوة بالأئمة (عليهم السلام) أسوة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يُرَ في كلامهم قط تقديم الحمد له على البسملة.

الكلام في متعلق البسملة

قبل الدخول في البحث لابد من بيان أمور:

الأول - في وجه كسر الباء.قيل: بما أن عملها دائماً يكون الجر فكسرت في بسم الله حتى تكون حركتها من جنس عملها ويكون فرقاً بينها وبين ما لايلزم الجر.

وقيل: ان علة كسرها، لان أصلها كان «بي» وحذفت الياء وبقيت الكسرة لانها تناسب الباء. وقد ذكروا هناك وجوهاً في خفض هذه الباء وهي أمور ذوقية لادليل لها من آية أو رواية، كما يقال الخفض يقابل الرفع، فمن خفضه يكون نظره الى ذل العبودية، كما ورد في الآية الشريفة (واخْفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِّ مِن الرَّحْمَةِ) (1) أي تواضع لهما. وفي الحديث وهو أن لاتملأ عينيك من النظر اليهما. وتنظر لهما برقة ورحمة، ولاترفع صوتك فوق أصواتهما، ولايدك فوق أيديهما، ولاتتقدم قُدّامهما (2).

الثاني: في معنى النقطة التي تحت الباء:

روي عن علي (عليه السلام) انه قال: «عِلمُ ما كان وما يكون في القرآن، وعِلمُ القرآن كله في سورة الفاتحة، وعِلم الفاتحة في البسملة، وعِلم البسملة في الباء منها، وأنا النقطة تحت الباء» (3).

وقد ذكر في معنى هذه الجملة وجوه: -

1) أن النقطة كما تكون سبباً لتمييز الكلمات فأمير المؤمنين يميز جميع العلوم ويبيّنها.

ص: 64


1- الاسراء: 24.
2- البرهان: ج2 ص413.
3- زهر الربيع: ج2 ص11.

2) أن مراده بيان دلالته وارشاده على التوحيد ولذا وجبت ولايته (1) وقد نسب الى المحدث الجزائري في توجيهه لهذه أمور:

أولها: المراد من النقطة القدرة الالهية التي هي الأصل، ومن الخط محلها وهو الجسد النوراني.

وثانيها: ان العلوم والأخبار تنتهي اليه وعلمه ممتد الى جميع الأئمة كما أن للنقطة نهاية وهو الامتداد الطولي.

وثالثها: أن تكون الاشارة الى قول الامام (عليه السلام): انا الأول، أنا الآخر، أنا الظاهر أنا الباطن.

ورابعها: أنه (عليه السلام) مركز دائرة الكون ومحيطها. ولولاه لما خلق الله تعالى شيئاً.وخامسها: أنه (عليه السلام) صاحب رئاسة الامامة التي هي منتهى الكمالات والاذعان بها واجب على جميع الموجودات وهي ممتدة منه (عليه السلام) الى ولده صاحب العصر والزمان (عج).

وسادسها: أنه قد اجتمعت فيه اسرار النبوة التي هي الغاية والإمامة العامة الممتدة الى السلطنة القاهرة.

وسابعها: ان العالم العلوي بالنظر الى أسرار قدسه وتجرده السفلي منطو فيه لكونه بشراً مركباً من العناصر الأربعة.

3- وأورد: أول ما خلق الله نوري وأنا وعلي من نور واحد، أي أول ما خلق الله نقطة النور المحمدي، أي وجود وظهور وجميع الكائنات في النقطة الحقيقة المحمدية كما أن جميع الكلمات والحروف تكون من النقطة، كما ورد في الحديث القدسي: (خلقت نور محمد من نور وجهي ولولاك ما خلقت الأفلاك ولولا علي ما خلقتك) (2).

وانما قال أمير المؤمنين (عليه السلام):أنا النقطة تحت الباء، لان أصل نور روحه من النور المحمدي الذي هو أصل نور الله تبارك وتعالى كما ورد في الحديث: «أول ما خلق الله نوري أو روحي» (3).

ص: 65


1- وقد ذكرنا جميع هذه الوجوه في كتابنا الكشف الجلي.
2- ضريعة المعاد: ص34.
3- ضريعة المعاد: ص34.

وعن ابن عباس قال: فسَّر لي أمير المؤمنين فاتحة الكتاب من أول الليل الى الصبح فلم يتم تفسير باء بسم الله، ثم قال أنا النقطةُ تحته (1).

اذاً ان الباء هي بمعنى الظهور المطلق، والتعيين الأول عبارة عن مقام الولاية فلو صحّت نسبة هذا القول للأمير فيكون مقصوده (عليه السلام) هو أن مقام الولاية - بالمعنى الحقيقي للولاية أي الولاية العامة - هو التعيين الأول (2).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّما في كتاب منزل فهو في القرآن وكلما في القرآن فهو من الفاتحة وكلما في الفاتحة فهو في بسم الله الرحمن الرحيم» (3).

ص: 66


1- لآلىء الأخبار: ج3 ص333.
2- تفسير آية البسملة للامام الخميني (قدس سره): ص84.
3- قد مرّ ذكر الحديث.

في المعنى اللغوي لباء البسملة

1) الباء تأتي لمعان.

الأول: الحقيقي كقولك أمسكت بزيد.

والثاني المجازي - كقولك - مررت بزيد.

وتأتي لمعان اخرى - كالمصاحبة والاستعانة وغيرهما.

وقد ذكروا هنا بعد الاعراض عن معناها الحقيقي بان المراد من الباء هنا المعنى المجازي، واختلفوا في أنّ الباء هل تكون بمعنى المصاحبة (1) أو الاستعانة؟ وقد رجحوا أن تكون بمعنى الاستعانة (2)، لان الابتداء بذكر الاسم عند الاتيان بالفعل موجب للتبرك، ووسيلة لوقوع العمل على الوجه الأكمل، لان كل عمل يصدر من العبد فهو بالفيض من الفيّاض، لأنه المحتاج في ذاته وهو الغني المطلق، إذاً لابد أن يستعين في جميع شؤونه بالغني المطلق الذي هو الله تبارك وتعالى.

بعبارة أخرى:

الممكنات في جميع ذواتها وعوارضها، بل في أصل حدوثها وبقائها محتاجة إليه، ولو أن الحركة للعبد والفعل يصدر منه باختياره ولكن اعطاء القوة منه. ولو أن التدبير من العبد ولكن التقدير منه جلّ وعلا كما سنوضح ذلك مفصلاً في مسألة الجبر والاختيار.

إذاً إن العمل لايوجد بدون التبرك والاستعانة.

وقد ورد في التفسير المنسوب الى الامام العسكري (عليه السلام) في حديث طويل... الى أن قال: قال الله جلّ جلاله: فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أوعظيم بسم الله الرحمن الرحيم - أي أستعينوا على هذا الأمر بالذي لاتحق العبادة الاّ له لا لغيره.

وكذا قوله تعالى: (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق) (3)- أي إستعن باسم ربك وادعوه به لان ذلك الأسم عظيم، وتعظيم الاسم تعظيم للمسمّى قال الله تعالى: (قُلْ ادعُوا اللهَ أوْ ادْعُوا

ص: 67


1- لاجل التبرك باسمه تعالى ادخل ويكون رداً للمشركين حيث كانوا يتبركون بأسماء آلهتهم كاللات والعُزى.
2- فإنّه تعليم للإنسان بأن يستعين بجميع أموره بالله ويطلب المعنوّة منه.
3- العلق: 1.

الرَّحمنَ أيّاً مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) (1) أو المراد من الاسم نفس المسمى أي أدعوا ربكم أي أياً من هذين الأسمين تدعون به فقد دعوتم الله الواحد الأحد.

وكما في الآية الشريفة (إسْتَعِيْنُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) (2) أي خذوه عوناً لكم لدفع كيد فرعون وأصبروا على ما نزل بكم من البلاء.

2) قال الزمخشري: ان الباء تكون للمصاحبة أرجح من أن تكون للاستعانة.

وقد أستدل بأمور:

1- بأن استعمالها يكون للمصاحبة أكثر من استعمالها للإستعانة. لاسيما في المعاني والأفعال.

2- أن التبرك مصاحباً مع اسم الله نوع تأدب وتعظيم له، بخلاف جعله آلة، فانها مبتذلة وغير مقصودة في ذاتها.

3- أن ابتداء المشركين باسم آلهتهم كان على وجه التبرك فينبغي أن يرد عليهم بمثل ذلك.

ولكن الحق: أن الثاني أرجح لانه لاينافي كون الباء للاستعانة وتتضمن التأدب والتبرك. ويظهر في كثير من أبواب الفقه أنها جاءت للاستعانة والآلة كما في باب الذبيحة حيث ان الذبيحة لاتحل بدون التسمية، كما جاء في القرآن الكريم (واذكروا اسم الله عليه) (3) أي حينما ترسلون كلب الصيد قولوا باسم الله حتى يكون الصيد لكم حلالاً. وفي المسألة تفصيل في باب الصيد والذباحة فراجع.

وكذا عند الابتداء بالأكل والشرب وغير ذلك.

وقد مر نقلاً عن التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام):

«فقولوا عند افتتاح كل صغير أو عظيم بسم الله الرحمن الرحيم أي أستعينوا».

وكذا مرت الآية الشريفة (اقرأ باسم ربك) أي إستعن به.

وفي الآية المباركة (استيعنوا بالصبر والصلاة) (4).

وفي الدعاء: (اللهم بك أصول وبك أجول).

ويظهر مما ذكرناه انه لا قدرة لنا على شيء ولا قوة الا بإعانة الله تبارك وتعالى. وقد ورد في الحديث الشريف: لا حول ولا قوة الاّ بالله كنز من كنوز الجنّة. والحول - الحركة -أي

ص: 68


1- الاسراء: 110.
2- الأعراف: 128.
3- المائدة: 4.
4- البقرة: 45.

لا حركة ولا استطاعة لنا على شيء الاّ بمشيئة الله عزّوجلّ.. ومتعلق الباء يكون فعلاً مقدراً مقدّماً أو مؤخراً حُذِفَ لدلالة الحال عليه; وقُدِمَ الأسم; لأهميته وقصر التبرك عليه.

بعبارة أُخرى: يقدر ما يناسب المقام، ففي الذبح إذبح، وفي الحل والترحال حل وأرتحل; وفي التلاوة بسم الله أتلو.. وهكذا.

أما الإستعانة بإسمه دون الذات فلأمور:

الأول: إنه ادخل في الأدب.

الثاني: إنه إن قلنا بأنه عنى الذات، فهو تبرك بها. الثالث: إن التبرك باسمه تبرك بالذات بخلاف العكس، كما سيأتي البحث فيه مفصلاً.

إذاً لابد مِنَ الاستمداد في صدور الفعل الإختياري مِنَ العبد، ويكون عمله بعون من الله تبارك وتعالى وإختيار منه - أي وسطاً بين الجبر والتفويض، وعليه لابد من بيان معنى الجبر والتفويض والامر بين الأمرين، لكي يتضح معنى الإختيار.

ص: 69

الكلام في الجبر والتفويض والإختيار

* الجبريّة: هم خلاف القدرية; وهم القائلون بأن الافعال جميعها صادرة من الله، أي أن الأفعال الصادرة من العباد من الايمان والكفر والطاعة والمعصية وافعال الجوارح من الذهاب والأياب والقيام والقعود والحركة والسكون وغيرها.. كلها من الله والعبد مجبور عليها، فهو كالآلة فإن تحرّكها ليس بارادة واختيار منها كيف تشاء، والى أيِّ جانب تريد وإنّما بواسطة محرك لها.

فالافعال وإن كانت منسوبة الى العبد لكنها على نحو المجاز لا الحقيقة، وقد تمسكوا بالآيات التي تدل في ظاهرها على ذلك.

وفي الحقيقة أنّ معنى الجبر: الحمل على الفعل والإضطرار اليه بالقهر أو القسر، ومعنى ذلك: هو إيجاد الفعل مِنَ الخلق من غير أن يكون لهم قدرة على إمتناعه.

ومذهب الجبرية هو أن الله خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون له قدرة على ضدها والإمتناع منها، وخلق فيه المعصية كذلك.

بعبارة أُخرى: إن أفعال الانسان قد تقررت وتحتمت في صدورها مِن قبله منذ الأزل بتخطيط من الله وليس للانسان القدرة وحق التصرف كيف يشاء، وإنّما هو آلة ووسيلة لذلك التخطيط، فلابد له من الخضوع فيما يؤدي اليه من الخير والشر.

* أما معنى التفويض: فهو رفع الحظر عن الخلق في الأفعال والاباحة لهم فيما شاؤا مِنَ الأعمال، فللانسان الحريّة المطلقة في تصرفاته، وليس لله تعالى في ذلك أي تدخل مباشر لأفعال الأنسان.

وقد يطلق على المجبرة; المرجئة (1)

أيضاً; لأنهم يؤخرون أمر الله ويرتكبون الكبائر، فقسم منهم قال: إنّ الأفعال كلّها من الله والعبد يكون آلة وقد مرّ، والقسم الثاني: إنّ

ص: 70


1- أختلف في معنى المرجئة فقيل هم فرقة من فرق المسلمين يعتقدون بأنه لاتضر المعصية مع الإيمان، كما لاينفع مع الكفر طاعة; وسمّوا مرجئة لإعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنهم، وقد ذُكرت أقوال اُخرى في المسألة لسنا بصددها. أما القدرية: فهم قوم من المعتزلة; وهم المنسوبون الى القدر يزعمون أن كل عبد خالق لفعله، ولايرون المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيئة، فنسبوا الى القدر; لانه بدعتهم وضلالتهم، كما في «مجمع البحرين / مادة قدر». وهم القائلون: بأن العبد قبل أن يقع منه الفعل مستقل في فعله; وله إستطاعة تامة، وجميع ما يصدر منه يكون من قبله ولايتوقف فعله على تحديد وتقدير الله ومشيئته، وإنما فوض الله افعالهم إليهم; وليس لله أي دخل في صدور الفعل من العبد.

ذات الفعليكون من الله وللعبد الإكتساب، وبناءاً على هذا يصدق عليه عنوان المطيع والعاصي، والثالث: إنّ العبد حينما يصمم على إتيان الفعل يوجده الله.

* الإختيار: - والقائلون به هم الإمامية; ومعناه: أن الفعل يصدر من العبد بإرادته وأختياره، ولكن في عين الحال ليس بمستقل في فعله، بل هو محتاج الى قوة وارادة من الله تعالى; لأنّه إذا توافقت ارادة الباري (جلّ وعلا) مع إرادته يصدر منه الفعل; وإلا فلا، كما سيأتي البحث عنه مفصلاً.

بعبارة أُخرى: إن أفعالنا تصدر عنا بإرادتنا; ونحن مختارون; ولم تصدر بالإكراه، فإنّا حينما نتأمل في صدور افعالنا نجد بالوجدان أنها على قسمين:

1. أفعال تصدر من الأنسان وهو مكره على القيام بها، فلا إرادة له في صدورها; وانما تنسب اليه مجازاً، كما في إفرازات الغدد وعملية الهضم، فهي من فعاليات البدن; فليس للانسان أي اختيار في صدورها لا إبتداءاً ولا إستدامةً، بل قد لايعلم بكيفية صدورها.

2- أفعال تصدر عنه وهو مختار في فعلها; وله الإختيار; فإن شاء فعل وإن شاء ترك، كما في الكاتب واللاعب.. وغيرهما، فإنّه مختار في فعلها إن شاء كتب... وإن شاء لايكتب، وكذا بالنسبة الى اللعب، فهناك قوانين طبيعية في الأرض، قاضية باكراه من الأنسان، فالحائط إنْ وقع على الإنسان يسبب موته، ولذا إن جلس تحته ووقع عليه لامحالة يموت ولكنه مختار بترك الجلوس فيبقى سالماً.

فحرية الإرادة قد تجعل الأنسان تحت تأثير القوانين الطبيعية التي تسبب هلاكه، وقد تؤدي الى نجاته حيث جعلها تحت القوانين المؤدية الى النجاة.

فعندما كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) جالساً في ظل حائط مائل وتركه ثم جلس الى ظل حائط مستقيم فاعترض عليه بعض الحضور بقوله: أتفرّ من قضاء الله قال (عليه السلام): «أفر من قضاء الله الى قدره» (1)، فإنّ للامام الحريّة في إختيار البقاء

ص: 71


1- البحار: ج27 ص33

حتى يقع عليه الحائط فيموت ويكون بقضاء الله حسب خلقه لما في الحائط والأرض، وأيضاً حرّ في أختياره للانتقال فيسلم من الموت، ولكن عدم موته يكون مسبباً عن سببين:

الأول: حريته.

الثاني: ما قدر الله من عدم وقوع الحائط.فحريّة الارادة قد تجعل الانسان تحت القوانين الطبيعية التي تسبّب هلاكه، وقد تؤدي الى نجاته، كما مرَّ.

وبهذا يمكن تفسير قوله (عليه السلام): «بل أمر بين الأمرين».

إذاً لسنا مجبرين، فأفعالنا تكون تحت قدرتنا وإرادتنا، وهذا خلافاً للمجبّره، ومع ذلك نخضع لقدرة الله وندخل تحت سلطانه بعدما أفاض علينا الوجود. خلافاً للمفوّضة، وعليه; فلو كنا مجبّرين، وكنا كالآلة فلانستحق مدحاً على فعل الخير، ولا ذماً على فعل الشرّ، ولا مختارين على الاطلاق، فإنه لو قلنا بذلك فمعناه أنه ليس لله تعالى علينا أي سلطان، وليس له حق التدخل في أفعالنا، وأنه عاجزٌ.

وحيث أنّ الفريقين قد وقعا بين الأفراط والتفريط، فالصحيح هو القول الثالث، فالانسان مع أنه حر في إرادته لكنه لايقهر القوانين الطبيعية، وليس له أن يفعل الأفعال بالحريّة التامّة ما يعاكس تلك القوانين إلا على سبيل الإعجاز، فإن الله تعالى له التدخل في إرادة الانسان فيمنعه من الوصول الى مراده.

قال الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): «عرفت الله بفسخ العزائم وكشف الضرر والبلية عمن أخلص له النية»، وسيأتي الكلام عنه مفصلاً.

ومنه الحديث: «لاجبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين»، وسئل ما الأمر بين الأمرين؟

قال مثل ذلك: رجل رأيته على المعصية فلم ينته، فتركته ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته، كنت أنت الذي أمرته بالمعصية.

وقد استدل كلّ من المجبرة والأمامية والمفوضة على مذاهبهم بأمور:

الأول: إنّ كل ممكن في العالم في وجوده يحتاج الى العلة، ولو كانت تلك العلة ممكنة أيضاً لاحتاج الى علة أخرى الى أن ينتهي الى علة العلل (الواجب) وبناءاً على هذا، فاذا كان في الوجود محتاجاً الى العلة يكون في البقاء كذلك، وبما أنّ أفعال العباد من الأمور المهمة الممكنة وهي محتاجة الى العلة أيضاً فلابد أن تنتهي تلك العلل بارادته واختياره; لأن الممكنات ليس لها ارادة واختيار من أنفسها.

والجواب عنه: إن القول بالاختيار لايستلزم وجود المعلول بلا علة، أو يخرج الشيء من تحت قدرة الواجب تعالى، وليس معناه انكار الحاكمية المطلقة على جميع عالم الوجود -

ص: 72

كما ادعوا - وليس معناه تحديد قدرته تعالى; لأنه لو فرض أنّ العبد يفعل الشيء بنفسه واختياره ومع ذلك لايخرج عن حيطة وارادة الله تعالى... وهذا لايلزم تحديد ارادة الله تعالى وتصبح قدرته وارادته محدودة بل هذا إكمال للقدرة بان يخلق الباري مخلوقاً يكون مختاراً في أفعاله، بعد أن هيّأ له الأسباب والمقدمات لايجاد الشيء باختياره، وبعد أن أعطاه القدرة بحيث لو أراد أن يفعل أو يترك فهو قادر على ذلك.

الثاني: إن أفعال العباد أيضاً تكون تحت إرادة الباري وليست خارجة عن حيطته وقدرته كما مرّ؟

والجواب عنه لو أن العبد يفعل شيئاً بإرادته وإختياره، ولكن هذه الإرادة وإتيان الشيء يكون ناشئاً عن إرادة الله تعالى. فهو محتاج في كل آن الى فيض الفيّاض. فلو انقطع منه الفيض آناً ما لايبقى لديه أي شيء.

الثالث: إذا صدر فعلٌ من العبد، فهل الله يريده أم لا؟

فلو أراد عدم وقوع الفعل، فلابد أن لايقع، لانه لو وقع فمعناه تغلّب إرادة العبد على إرادة الباري. ولو أراد الوقوع إما أن الفعل يقع بارادة الجميع فلو كان لكل واحد منهما ارادة مستقلة فمعناه وقوع إرادتين مستقلتين على معلول واحد وهذا محال.

ولو كان وقوع الفعل بإرادتيهما معاً هذا يلزم أن يكون إرادة العبد مساوية لارادة الباري وليس مقهوراً لإرادته وتابعاً لإرادته، مع أنه مناف للتوحيد الأفعالي، وأما أن يقع بإرادته فقط فتكون إرادة المولى عبثاً. وأما على العكس ولا فائدة في إرادة العبد، فهو المطلوب.

الجواب عن هذا: بان إرادة العبد تكون في طول ارادة الله تبارك وتعالى، وان أفعاله تقع بإرادته ولكن هذا لايستلزم القول بالجبر، بل إرادته تعلّقت بفعل العبد اذا صدر باختياره حتى تتم نعمة الإختيار في حقه.

إذاً في حين أنه مختار ويصدر منه الفعل بأختياره، فينسب الفعل الى الله تعالى أيضاً.

وبعبارة أخرى: أن طاقاتنا تكون من الله تعالى ونحن نحتاج الى الفيض، بل حتى في تهيأت المقدمات وأنّه قرر أن يكون صدور الفعل منا بالاختيار.

وأما الآيات التي أستدلوا بها فهي: بعيدة لما اختاروه -

1) قوله تعالى: (قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ...) (1). أي الشرّ والخير وهذا ما ينافي ما ذكرنا.

ص: 73


1- النساء: 78.

2) وقوله: (وَمَا تَوْفِيْقِي إلاّ بِاللهِ...) (1) - أي في شأن الاصلاح لست موفقاً الاّ بعنايته، بل بمعونة وقدرة الله جلّ وعلا لا بقدرتي الشخصية. وأن أموري كلّها مفوضة اليه وأنا أرجع اليه فيها.3) وقوله: (يُضِلّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشاءُ..) (2) - أي يوصله الى المطلوب والحق لمن أراد ذلك ولايمنع من أراد الضلال وأوغل فيه كي لايكون الايمان قسراً.

4) وقوله: (وَمَا تَشَاؤُوْنَ إلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ) (3) أي أنتم لاتريدون أن تتخذوا الطريق الذي يرضي الله تعالى والطريق السوي والصراط المستقيم الا أن يجبركم الله على ذلك ويرجعكم اليها وما تريدون اتخاذ اختيار ذلك الطريق باختياركم ولكن لاينفعكم ذلك لو اجبركم الله عليه، ولذا لم يشأ الله تعالى المشيئة القسرية التي لا ثواب لفاعلها، بل ترك لكم الاختيار في الايمان لتستحقوا الثواب.

5) - وقوله: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) (4) وهذه الآية بعيدة عن الجبر كما ذكر ابن عباس وغيره، ان جبرائيل (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): خذ قبضة من تراب فأرمهم بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. لما التقى الجمعان لعلي: أعطني قبضة من حصى الوادي، فناوله كفّاً مِن حصىً عليه تراب فرمى به في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق مشرك الاّ دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شيء، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وكان هذا سبب هزيمة المشركين.

وانما نسب الفعل - جل وعلا - الى نفسه لانه هو الذي علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي ساعده وألقى الرعب في قلوب اعدائهم كأنه هو الذي فعله. والآية حسب الرواية مختصة بمورد خاص وهو «غزوة بدر».

6) - وقوله: (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (5) - قد ذكر في تأويل الآية وجوه:

(احدها): ان معناه (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَه) الى الثواب وطريق الجنة (يشرح صدره) في الدنيا للايمان بأن يثبت عزمه عليه ويقوي دواعيه على التمسك به ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان، وما يعرض في القلوب من الخواطر الفاسدة. وانما يفعل ذلك لطفاً به

ص: 74


1- هود: 88.
2- النحل: 93.
3- الانسان: 30.
4- الانفال: 17.
5- الانعام: 125.

ومنّاً عليه وثواباً على اهتدائه بهدي الله وقبوله إيّاه ونظيره قوله سبحانه: (والَّذِيْنَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً وآتاهُمْ تَقْويهُم) (1).(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) يعني ومن يرد أن يضله عن ثوابه وكرامته يجعل صدره في كفره ضيقاً حرجاً عقوبة له على ترك الايمان من غير أن يكون سبحانه مانعاً عن الايمان وسالباً أياه القدرة عليه بل ربما يكون ذلك سبباً داعياً له الى الايمان فان من ضاق صدره بالشيء كان ذلك داعياً له الى تركه والدليل على أن شرح الصدر قد يكون ثواباً قوله سبحانه (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (2)، وغيرها من الآيات.

ومعلوم أن وضع الوزر ورفع الذكر يكون ثواباً على تحمّل أعباء الرسالة كُلِّها، فكذلك ما قرن به من شرح الصدر. والدليل على أن الهدى قد يكون الى الثواب قوله (والّذيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيْهِمْ وَيُصْلِحْ بَالَهُم) (3) ومعلوم أنّ الهداية بعد القتل لاتكون إلاّ الى الثواب فليس بعد الموت تكليف وقد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عن شرح الصدر ما هو فقال: نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له صدره وينفسح. قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم الإنابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت.

(وثانيها) - ان معنى الآية (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ....) أَنْ يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذي ذكرناه جزاء له على إيمانه وإهتدائه. وقد يطلق لفظ الهدى والمراد به الاستدامة كما قلناه في قوله (إهْدِنا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيْم) (4).

(وَمَنْ يُرِدِ أَنْ يُضِلَّهُ) أي يخذله ويخلّي بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر وترك الايمان (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) بأن يمنعه الألطاف التي ينشرح لها صدره لخروجه من قبولها باقامته على كفره فإن قيل: إنا نجد الكافر غير ضيق الصدر لما هو فيه ونراه طيّب القلب على كفره، فكيف يصح الخُلف في قوله سبحانه.

قلنا: انه سبحانه بيّن أنه يجعل صدره ضيقاً ولم يقل في كل حال ومعلوم من حاله في أحوال كثيرة أنه يضيق صدره بما هو فيه من ورود الشبهة والشكوك عليه.

ص: 75


1- محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): 17.
2- الانشراح: 1.
3- محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): 4 - 5.
4- الفاتحة: 6.

وعندما يجزي الله تعالى المؤمن على استعمال الأدلة الموصلة الى الايمان، كما اشارت الى ذلك الاية الشريفة (يا حَسْرَتَنا عَلى مَا فَرَّطْنا فِيْهَا..) (1) أي حسرتهم على أنفسهم في الآخرة لاستهزائهم بالرسل في الدنيا.(وثالثها) - أن معنى الاية: (فمن يرد الله ان يهديه) زيادة الهدى التي وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة لأن من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة. ومن يرد أن يضله عن تلك الزيادة، بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه ويجعل صدره ضيقاً حرجاً لمكان فقد تلك الزيادة، لأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه أوجب في الكافر ما يضاده وتكون الفائدة في ذلك الترغيب في الايمان والزجر عن الكفر وهذا التأويل قريب مما تقدمه.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال: انما سمّى الله قلب الكافر حرجاً لانه لايصل الخير الى قلبه. وفي رواية أخرى لاتصل الحكمة الى قلبه ولايجوز أن يكون المراد بالأضلال في الآية الدعاء الى الضلال ولا الأمر به ولا الإجبار عليه لإجماع الامة على ان الله تعالى لايأمر بالضلال ولايدعو إليه، فكيف يجبر عليه؟ والدعاء إليه أهون من الاجبار عليه. وقد ذمّ الله تعالى فرعون والسامري على إضلالهما عن دين الهدى في قوله (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) (2) وقوله (وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِي) (3) ولا خلاف في أن إضلالهما إضلال أمر وإجبار ودعاء وقد ذمّهما الله تعالى عليه مطلقاً، فكيف يمتدح بما ذمّ عليه غيره.

قوله (كَأَنّما يَصّعَدُ فِي السّماءِ) (4) فيه وجوه:

(احدها) - أن معناه كأنه قد كلف ان يصّعد الى السماء إذا دعي الى الاسلام من ضيق صدره عنه أو كأن قلبه يصعد في السماء نُبوّاً (5) عن الاسلام والحكمة، عن الزجّاج.

(ثانيها) - أن معنى يصّعد كأنه يتكلّف مشقة في ارتقاء وصعود. وعلى هذا قيل عقبة عنوت وكؤود، عن أبي علي الفارسي قال: ولاتكون السماء في هذا القول المظلة للأرض ولكن كما قال سيبويه: القيدود الطويل في غير سماء، أي في غير إرتفاع صُعُدا. وقريب منه ما روي عن سعيد بن جبير أن معناه كأنه لايجد مسلكاً إلا صُعُدا. وفي حديث أبي الدرداء أنّ بين أيدينا عقبة كؤود أي (شاقّة المصعد) (6)

ص: 76


1- الانعام: 31.
2- طه: 79.
3- طه: 85.
4- الانعام: 125.
5- نبأ: نبواً، تجافى وتباعد.
6- مجمع البحرين مادّة صعد.

(ثالثها) - أن معناه كأنما ينزع قلبه الى السماء لشدة المشقّة عليه في مفارقة مذهبه (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) (1).

أي العذاب. عن ابن زيد وغيره من أهل اللغة وقيل: هو ما لا خيرفيه. عن مجاهد (على الذين لايؤمنون) (2) وفي هذا دلالة على صحة التأويل الأول لانه تعالى بيّن ان الأضلال المذكور في الآية كان على وجه العقوبة على الكفر. ولو كان المراد به الاجبار على الكفر لقال كذلك لايؤمن من جعل الله الرجس على قلبه. ووجه التشبيه في قوله (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرجْسَ)أنه يجعل الرجس على هؤلاء كما يجعل ضيق الصدر في قلوب اولئك وإن كان ذلك على وجه الاستحقاق.

وروى العياشي باسناده عن أبي بصير عن خيثمة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)يقول: إن القلب ينقلب من لدن موضعه الى حنجرته ما لم يصب الحق فإذا أصاب الحق قرَّ، ثمّ ضمّ أصابعه (3). ثمّ قرء هذه الآية (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) (4).

مما أن ظاهرها ان الأفعال صدورها يكون من الله تعالى، فهذه الآيات تكون رداً على المفوضة، بل الجمع بين هذه الآيات والآيات التي استدل بها المفوضة هو دليل مستقل على أن الفعل في حين استناده الى العبد، مستند الى الله جلَّ وعلا إذاً فهو مستند الى الله تعالى والعبد.

قال المحقق السبزواري في أرجوزته:

(الفعل فعل الله وهو فعلنا)

أما فساد ما يترتب على قول المجبرة فأمور:

أولاً: هذا القول يكون خلاف الحس والوجدان وضرورة العقل، لأنه هناك فرق بين اليد المرتعشة في حركتها واليد الصحيحة، لان الأولى لاتقدر على فعلها وصدور الحركة منها يكون جبراً وبلا إختيار. بخلاف الثانية لأنها قادرة على الفعل والترك، ولذا جعل البعض هذا

ص: 77


1- الأنعام: 125.
2- مجمع البيان: ج4 ص451 - 452 / بيروت.
3- تفسير العياشي ج1 / 377، ح 95.
4- الأنعام: 125.

القول ذريعة لكي يُبرِّىء نفسه حينما تصدر منه الأعمال المنكرة والرذائل الخلقية، وتمسكهم بالجبر كان عذراً مناسباً لهم لصدور الأعمال القبيحة.

ثانياً: لو كانوا مجبرين في أفعالهم لكانت كل أفعالهم وما صدر منهم على طراز واحد ولايكون هناك فرق بين فعل دون فعل.ثالثاً: لو قلنا بالجبر لابد أن نقول بعدم العدل الالهي، لان هذه الفكرة تنافي العدالة الالهية، لأنه لو فرض ان ما يصدر من العبد يكون الله في الحقيقة هو الفاعل، حتى الأعمال القبيحة، فكيف يمكنه أن يجازي انساناً بجرم مع أنه هو الذي فعله، وانما صدر عن الانسان بلا أختيار، وانّ الحكم بجزائه يكون حكماً عن ظلم وبعيداً عن اصول العدالة، فالعدل اساس العمل لله في النشأتين.

كما جاء في القرآن الكريم: (شَهِدَ اللهُ أنّه لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولوا العِلْمِ قَائِماً بالقِسْطِ لاَ إلهَ إلاّ هُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْم) (1) أي بيّن واعلم كما يشهد الشاهد عند القاضي ويبين ويُعلم لمن الحق، وشهادة الله هي إعلامه بوحدانيته والهيته بالدلائل الباهرة والحجج القاطعة وقوانين أنظمة الكائنات البالغة في القدرة مع انتظامها منذ خلقت الكائنات، كذلك شهدت الملائكة وأصحاب العلم والعرفان من البشر الذين كانت قلوبهم منوّرة بالايمان والذين رفع الله تعالى الغطاء عن أعينهم حيث نظروا الى عجيب صنعه وبديع نظامه أمثال حركات الافلاك (وَكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُوْنَ) (2) وجعلوا ذلك دليلاً وبرهاناً على الألوهية والوحدانية وحجة قويةً لارشاد الجاهل وأقناع المعاند ويشهدون بذلك بان للكون الهاً واحداً قائماً بالقسط، أي مقيماً للعدل لا اله الاّ هو أي لا رب ولا معبود سواه العزيز الحكيم الذي لا يغلبه أحد في الالهية والوحدانية والذي يعمل في ما يعمل بالحكمة والمصلحة ويأمر بما يأمر كذلك.

وبالنسبة الى القيامة يقول القرآن الكريم: (وَنَضَعُ المَوَازِيْنَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ فَلاتُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) (3). أي في يوم القيامة الأعمال توزن بموازين العدل والوزن كما قال الشيخ أبو علي: هو العدل في الآخرة ولا ظلم فيها. ولمعنى الميزان اختلاف كثير ولسنا بصدد توضيحه.

ص: 78


1- آل عمران: 18.
2- يس: 40.
3- الأنبياء: 47.

الرابع: لو قلنا بالجبر، يكون إرسال الرسل وإنزال الكتب والتكليف والوعد والوعيد كلها لغواً، مع أنه جعل استقرار العدل من قبل الله تعالى في المجتمع البشري يكون من اهداف بعث الرسل وانزال الكتب كقوله تعالى:

(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالمِيْزَانَ لِيَقُوْمَ النَاسُ بِالْقِسْطِ) (1) أي أرسلنا الرسل بالمعجزات وانزلنا الكتب السماوية الحاوية للأحكام بل كلما يحتاج اليه الخلق موجود فيها. وكذلك انزلنا الميزان لكي يتعامل الخلق فيما بينهم بالعدل.أما لغوية هذه الأمور، لأنه بناءاً على الجبر لايصح التكليف والأمر لانه يتعلق بالمقدور وعلى الفرض ان العبد لا قدرة له.

فما دام الأمر الالهي يكون خارجاً عن اختيار الانسان فما هو الموقع من توجيه التكليف اليه، فاذا تصدر الأفعال بدون ارادة واختيار عن العبد، اذا فما هو دور رسالة الأنبياء، وما هي الثمرة من أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وما الفائدة من سعيهم في اصلاح المجتمع.

الخامس: لو كان العباد مجبورين لكان كل فعل من القبيح والمعاصي الذي يصدر عنهم - لو فرض بان الفاعل هو الله - لابد أن نقول: بأنّه فاعل جميع القبائح، مع ان الله تعالى مبرّء عن ذلك، بل لابد أن نقول: بان الله اظلم الظالمين لانه يعاقب العباد بفعل صدر منه جلّ وعلا.

السادس: لو قلنا بالجبر، لابد أن نقول، بانه لافرق هناك بين الانسان والحيوان، لان أفعال الحيوانات معلولة لعلل خارجة عن إرادتها واختيارها. ولابد أن نقول: بأنّ أفعال الانسان أيضاً كذلك.

فظهر مما ذكر - وهو الصحيح - معنى الاختيار بأنّ اختياره الذي هو بارادته يأخذ احد الطريقين الخير أو الشر فهو مسؤول عن انحطاطه وسقوطه.

كما أن إسعاده وعلوه وتقربه يكون بيده. وان الانسان لايستحق المدح والثناء واللوم الا أن يكون ما يصدر منه باختياره والاّ فلا لوم ولاتحسين، ولذا رد البعض على الأشعار التي وردت في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام):

أقسم بالله وآلائه***والمرء عما قال مسؤول

ان علي بن أبي طالب***على التقى والبرّ مجبول

فقال: لو كان علياً (عليه السلام) مجبولا على التقى، فليس تقواه قابلاً للمدح لانه يكون بدون أختيار.

ص: 79


1- الحديد: 25.

ولكن المراد من قول الشاعر (على التقى والبر مجبول) يعني أي أنّه من كثرة عبادته(عليه السلام) أصبحت التقوى عنده ملكة فصار كأنّه مجبولا على ذلك. إذاً مقدّمات المجبولية تكون بيده(عليه السلام) وصدرت عن اختياره وبذلك يكون مستحقّاً للمدح والثناء.

الثاني: قول المفوضة: حينما رأى أصحاب هذه الفرقة ماورد من الاشكالات على المجبّرة، أختاروا لأنفسهم طريقاً آخر وقالوا: بأن العباد مستقلين في أفعالهم وليس للعلم والمشيئة الأزلية أي دخل في ذلك وبعد ايجادنا فَوّضَ الأمر إلينا، وان قدرة الله لاتتعلق بافعال العباد، وهذا المذهب أيضاً باطل بأمور.

أوّلا حيث نرى بالحس والوجدان بان هناك أفعالا يريد الإنسان أن يحييها بفعله.ويصرف جميع طاقاته ويهيئ جميع أسبابها ومقدماتها. ولكن لايوفق الى تتميم العمل (تجري الرياح بما لاتشتهي السفن).

وورد عن الامام الصادق (عليه السلام): «بأن شخصاً سئل من علي (عليه السلام) بمَ عرفت ربّك؟ قال: بفسخ العزائم ونقض الهمم، لما هممت حيل بيني وبين همي، وعزمت فخالف القضاء عزمي وعلمت أن المدبر غيري».

ثانياً: ان هذه العقيدة تكون سبباً للقول بعدم القدرة المطلقة لله تعالى عن ذلك. وأنه شرك أفعالى أي الشركة في سلطنة الباري عزّوجلّ.

وثالثاً: إليك الآيات التي تدلّ على خلاف معتقدهم.

1- (إيّاكَ نَعْبُدُ وَاِيّاكَ نَسْتَعِيْن) (1) - أي نعبدك ولا نعبد غيرك ونستعينك في أمورنا كلّها. وتقديم المفعول يكون لأفادة الحصر (أي ان العبادة والاستعانة مقصور ثان عليه وهياقصى غاية الخضوع والتذلل.

2- (فَلَمْ تَقْتُلُوْهُم وَلَكِنّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمْى) (2) وقد مرّ الحديث عنها. وفي الدعاء (لا حول ولا قوة الاّ بالله) أي لا قدرة على الحركة ولا استطاعة لنا في التصرف بالاشياء إلاّ بمشيئة الله تعالى وإعانته، وقد تقدّم.

وأيضاً (بحول الله وقوته أقوم وأقعد).

بعبارة أخرى: ان الممكنات كما في أصل الوجود تحتاج الى الفيض وفي البقاء أيضاً يكون كذلك: (يَا أَيُّها النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ الى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيْدُ) (3) قال الامام

ص: 80


1- الفاتحة: 5.
2- الأنفال: 17.
3- فاطر: 15.

الصادق (عليه السلام): «الله أكرم من أن يكلف الناس ما لايطيقون والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما يريد» (1).

لايخفى ان قول القائلين بالجبر والاختيار، بين إفراط وتفريط وقد أخطأوا حيث تخيلوا بأنه لا واسطة هناك ولا ثالث للأمرين، فليس الانسان مسلوب الحرية على الاطلاق، ولا أنه مستقل في صدور الفعل من ذاته وبدون ارتباط بالله تعالى، بل هناك أمر بين الأمرين لاجبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين. وهذا القول هو القول الوسط، بمعنى أنه يمكن أن تنسب الأفعال الى العباد من جهة، والى الله تبارك وتعالى من جهة اخرى أما نسبته الى نفسه لأنهيصدر منه باختياره ومباشرة وبلا واسطة، واما نسبته الى الله تعالى فمع واسطة الانسان. وهذا هو قول الأمامية والمحققين من الحكماء.

أما هذا القول فليس فيه مضار الجبر والتفويض وفيه مصالح الجبر والتفويض لان في كل من القولين مصالح ومضار، وبما أن رأى هؤلاء، أي كل من الفريقين لم يكن مستفاداً من الوحي، بل عملوا بفكرهم وعقلهم القاصر لذا وقعوا في الورطة، واوقعوا المسلمين في الحيرة، ولذا ترى كلاً من الفريقين في مقام النقض والابرام لإثبات معتقده، شن على الآخر وحمل عليه حملة عشواء.

وهذا القول الوسط الذي هو مختار الإمامية يكون مطابقاً للعقل والشرع والفطرة السليمة، ولايرد عليه أي فساد ويثبت العدل الألهي، ويثبت بان ارسال الرسل وأنزال الكتب والوعد والوعيد والجنة والنار ليس لغواً.

ومعنى لا جبر ولا تفويض: ان العباد ليسوا بمجبورين كما يقول الأشاعرة ولالهم الاستقلال التام كما يقوله المفوضة.

الخلاصة:

لايخفى بان هناك فرقاً بين حركاتنا الارادية، وبين حركات الشمس والقمر، فانها تصدر عنّا عن ارادتنا واختيارنا وقوة التمييز فينا وتشخيص الضرر والنفع لأنفسنا، فان العبد يصدر عنه الفعل باختياره، وله وعي وشعور وبصيرة، ويدرك المصلحة والمفسدة في أفعاله، وهذا العمل الذي يصدر منه بالاختيار لايجري، الاّ بارادته واحاطته، ويكون منشأ هذه الارادة اختياره ومشيئته الواقعة وتحت احاطته.

ص: 81


1- الكافي ج1 - 160 - ح14.

وأيضاً إنّما يصدر من العبد من الافعال انما يكون بواسطة القدرة التي أعطاها اّلله تبارك وتعالى والتي تفيض من الفيّاض، فلو انقطع عنه الفيض لم يبق له قدرة ولا ارادة ولا اختيار، لان ما عدا الباري جميع الكائنات تكون ممكنة واخذت الفيض من الفيّاض. إذاً كما إنّ العبد في أصل وجوده يحتاج الى الفيض ففي بقائه أيضاً يحتاج له. ولاتكون أي قوة ولا حول بدون الاستناد إليه. وعرفنا بان العلة من الخلق لم تكن عبثاً (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) (1) و(مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وِالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُوْنَ) (2).

فلابد أن تكون ثمرة هذه العبادة: هي ان هناك نفعاً وثواباً وهذا لابد أن يرجع الى العبد، لان الله غني وغير محتاج. والثواب والعقاب لايترتب ولايستحقه العبد الاّ اذا كان الفعل اختيارياً له.فاتّضح ممّا ذكرنا أنّ ما يصدر من العبد يكون باختياره وليس هناك أي جبر، فهو فاعل الافعال لا أنه تصدر منه جبراً، وان الثواب والعقاب يترتب على الفعل الاختياري، فأعطاه الله تعالى القدرة والارادة والاختيار، بل أعطاه العقل لكي يفعل الاشياء باختياره بعد ما بين له طريق الخير، فان سلكه يثاب عليه، والشر إن سلكه يعاقب عليه. (إنّا هَدَيْنهُ السَّبِيْلَ إمّا شَاكِرَاً وَإمّا كَفُوْراً) (3)

ويمكن أن ينسب الفعل الى الله تعالى والى العبد، ينسب الى العبد لأنه صدر باختياره، وينسب الى الله تعالى لان الارادة والاختيار والاسباب والمقدمات للفعل تكون تحت ارادة الله عزّوجلّ فهو تعالى الذي اراد بان يصدر من العبد الشيء باختياره، اذاً ليس هناك أي فساد يترتب. ويكون إرسال الرسل وجعل الأحكام والتكاليف والثواب والعقاب كلها صحيحة وليس هناك أي توهين لسلطنته تعالى ولا هناك شرك في الأفعال ولاينافي الآيات والأخبار.

هل لهذه المعرفة غاية ذاتية أم لا؟

بعدما عرفت من أن خلق الانسان انما كان لاجل المعرفة، فقد تاهت فيه أفكار العقلاء وتحيرت فيه ذوو الألباب، ولو أن بعض المحققين تخيلوا بأنهم أجابوا عن هذا الاشكال

ص: 82


1- المؤمنون: 115.
2- الذاريات: 56.
3- الإنسان: 3.

وكشفوا الستار عن هذه المعضلة ولكن في الحقيقة ما وصلوا الى النتيجة ولايصلون اليها لان ذلك من اسراره تبارك وتعالى وأنى لنا بالاطلاع عليها وعقولنا محدودة وقاصرة، بل لابد من أجل كشف هذه المعضلة الرجوع الى منبع المعرفة وهم اولوا العلم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة صلوات الله عليهم أجمعين.

نعم هناك شبهات لابد من بيانها والردّ عليها.

الشبهة الأولى: ان الله تبارك وتعالى كان عالماً من الأزل، بان الكافر يختار الكفر، والفاسق يختار الفسق، فمع أنه يعلم لماذا خلقهما؟

والجواب: بما أن الله تبارك وتعالى فياض مطلق ولا بخل في ساحته المقدسة، وفيضه ورحمته تشمل جميع الكائنات والذرات - يارحمن الدنيا والآخرة - من مؤمن وصالح وكافر وفاسق وكلما يعطيه ويهيّؤه للمؤمن من أسباب الهداية التكوينية، كالعقل والشعور والجوارحوالأعضاء والقدرة والاختيار، وكذلك الاسباب والهداية التشريعية كإرسال الرسل (مَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ كَافّةً لِلنّاسِ) (1)وانزال الكتب، وبيان الأحكام، فيعطي للكافر أيضاً.

انما الكلام ان المؤمن يختار الأيمان ويجعل هذه الأمور وسيلة للأيمان والعمل الصالح، وانما يجعل الكافر والفاسق تلك الأسباب بسوء اختياره وسيلة للكفر والمعصية (إنّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيْلَ إمّا شَاكِرَاً وَإمّا كَفُوْرَاً) (2) وقوله تعالى: (وأَمّا ثَمُوْدَ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلى الْهُدَى) (3).

وإنّما خلق الله الكافر لكي يسلك الطريق الحقّ والرشاد ويعمل لما فيه الخير لنفسه حتى يحصل على الثواب ولكن هو باختياره ترك طريق الحقّ واختار الطريق غير المستقيم فبسوء اختياره هذا استحقّ العقاب. فخلْقُ الله له لم يكن ظلماً له.

الشبهة الثانية: أن الله عالم بما يختار المؤمن الايمان، والفاسق الفسق أيضاً والعبد يكون مجبوراً في فعله، ولايتمكن من ترك فعله لانه لو كان متمكناً من ذلك لاصبح علم الله تعالى جهلاً.

والجواب: ان علمه جلّ وعلا ليس علة لصدور الفسق أو الايمان من العبد. أي بما أن الكافر والفاسق والمؤمن والصالح يختارون الكفر أو الفسق أو الايمان أوالعمل الصالح،

ص: 83


1- سبأ: 28.
2- الانسان: 3.
3- فصّلت: 17.

فالله تعالى يعلم بذلك. ولو علمنا بأنّ غداً سيكون عيداً فإنّه سيكون كذلك ولكنّ لا بسبب علمنا. وليس علمنا صيّره عيداً.

الشبهة الثالثة: أنه ورد في بعض الأخبار ما ظاهره الجبر منها:

1- «الشقي من شقى في بطن أمّه، والسعيد من سعد في بطن أمّه» (1).

2- «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة» (2).

3- «شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا» (3).

والجواب: ان معنى الشقاوة والسعادة الموجودتين في الأشخاص، انهما ليسا من العلل التامة، بل هذه الأمور من المقتضيات، ولو فرض ان طينة شخص من العليين أو السجين، فهذا المقدار لايكفي في حصول السعادة أو الشقاوة، بل يحتاج الى اسباب ومقدمات اخرى منقبيل تحصيل المعارف وتكميل الاخلاق والاطاعة والامتثال حتى تحصل السعادة، وكذا أختيار الكفر والنفاق والعقائد الفاسدة والتجري والطغيان، حتى يحصل على الشقاوة، وهذه الأمور كلّها اختيارية.

كما ورد على لسان المحقق السبزواري في أرجوزته:

اذ عجنت طينتنا بالملكه***وتلك فينا حصلت بالحركة

ويمكن أن نفس معنى الحديث هكذا:

بأن الناس يتفاوتون في مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات وفيما يذكر عنهم من المآثر حسب الاستعدادات وتفاوت الشرف بتفاوت المعادن، حيث فيها الجيد والرديء.

ووجود الطينة يكون سبباً للقابلية، وأما مقام الفعلية فيكون بالافعال والعقائد والحركات الاختيارية.

ويمكن أن يقال: بان كل من اصبح سعيداً فيكشف بانه كان صاحب القابلية في بطن أمه، لا أن كل من له القابلية فلابد أن يصبح سعيداً فشجرة النخل وجدت من النواة، لان فيها القابلية. لا كل نواة - ولو فيها القابلية - تصبح شجراً.

فهذه الرويات لو فرض ورودها عن المعصوم، فلابد من تأويلها، لمخالفتها للدليل العقلي لو أخذنا بظاهرها، مع أنه ورد على العكس في الدعاء: «أعوذ بك من الذنوب التي تورث الشقاء»، فالذنب يكون علة لا العكس، وكذا غيرها من الموارد.

ص: 84


1- عوالي اللآلي ج1 - 35 - ح19.
2- الكافي ج8 - 77 - ح197.
3- البحار ج53 - 303.

الشبهة الرابعة: ماورد في الأخبار بأن أولاد الظلمة في الدنيا يعاقبون الى سبعين ظهراً وان المهدي (عج) حينما يأتي ينتقم من أولاد من قتلوا الحسين (عليه السلام)، أو أن الأكل الحرام والمعاصي في الأب يؤثر في الابن، مع أنه خلاف العقل، وصريح الآية: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (1).

والجواب: ان الارتكاب للظلم من الآباء والانتقام من الأولاد يتصور بوجوه:

أولاً: ان ظلم الآباء يصل نفعه الى الأولاد ونفس الأثر باق ويكون عائداً للأولاد، كما اذا سرق الأب مالاً أو غصب داراً، والأولاد - مع علمهم بذلك - يستغلون ويتصرفون في هذه الأمور.

ثانياً: الأولاد راضون بأفعال الآباء، كأولاد النواصب كما في الروايات:

«الراضي بفعل قوم كالداخل فيهم، وعلى الداخل إثمان، اثم الرضا واثم الدخول» (2).و «من أحبّ قوماً حشر معهم، من أحب عمل قوم أُشرك في عملهم» (3)والآية الشريفة: (يَا أَيُّها الّذِيْنَ آمَنُوا لاَتَتَّخِذُوا اليَهُوْدَ وَالنَصارَى أوْلِيْاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإنّهُ مِنْهُمْ إنّ اللهَ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِيْنَ) (4).

اذاً الأولاد الذين لم يصل اليهم أي نفع، ويبرؤوُن من أعمال آبائهم، فانهم خارجون من هذا المورد، والانتقام منهم يكون خلاف العدل.

وأما تأثير أكل الحرام أو عصيان الأب في الأولاد ليس حتمياً، بل يكون من باب المقتضي، لا العلة التامة، مثلا يوجد اشخاص في الخارج - الغرب - كانوا اتقياء مع أن آبائهم كانوا من الكفار أو الفسقة (يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيّ) (5).

الشبهة الخامسة: في معنى التوفيق والخذلان.

التوفيق من الله تعالى - هو توجيه الأسباب نحو المطلب.

والخذلان - هو ترك النصرة والأعانة. وفي الحديث: «المؤمن أخو المؤمن لايخذله..» (6) أي لايترك نصرته وإعانته.

ص: 85


1- الأنعام: 164.
2- نهج البلاغة: 499، قصار الحكم 154.
3- مستدرك الوسائل ج12 - 108.
4- المائدة: 51.
5- يونس: 31.
6- البحار 74: 286، ح 13.

والمراد من توفيق الله تبارك وتعالى للعبد هو إصلاح شؤونه وزيادة الألطاف له، بل إيجاد الشوق بالخيرات والعبادات.

أما معنى الخذلان من الله تعالى بالنسبة للعبد، هو أن يتركه ونفسه (اللهمّ ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً) (1).

الجواب: ان أسباب التوفيق والخذلان تكون بيد العبد، لأنه لو أطاع الله تبارك وتعالى وانقاد الى أوامره يحصل على القابلية للفيوض الكثيرة ويصبح قابلاً للألطاف الالهية كما جاء في القرآن الكريم:

(والّذِيْنَ جَاهَدُوا فِيْنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (2) - أي الذين جاهدوا فينا الجهاد الأصغر أو الأكبر وحاربوا النفس الأمارة نرشدهم ونهديهم الى طريق الحق والسير إلينا، وأن الله تعالى دوماً يكون مع المحسنين ينصرهم بنصره ويعينهم في أعمالهم.وكذلك لو أن العبد عصى الله عزّوجلّ وكله الى نفسه ولايشمله اللطف الالهي (نَسُوْا اللهَ فَنَسِيَهُم) (3). نسوا الله بترك جميع طاعاته ولم يشكروه بل لم يتفكروا بأنه خالقهم ورازقهم ومكلّفهم ولذا تركهم الله وجعلهم بحكم المنسيين وهذا من باب الأزدواج في الكلام والاّ لايجوز عليه جلّ وعلا النسيان والسهو.

وفي حديث الحسين بن علي (عليه السلام) في جواب من سأله عن خير الدنيا والآخرة، فكتب اليه (بسم الله الرحمن الرحيم - من طلب رضا الله بسخط الناس، كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله، وكّله الله الى الناس) (4).

ولكن مع ذلك لو كانت اسباب الخذلان والتوفيق بيد العبد ولكن لاتصل الى حد يكون صدور الفعل من العبد على نحو الجبر، بل الاختيار موجود بالنسبة اليه في كلتا الحالتين.

ص: 86


1- البحار 16: 218، ح6.
2- العنكبوت: 69.
3- التوبة: 67.
4- البحار 71: 371، ح3.

ما هو متعلق باء البسملة؟

بعد بيان المقدمات الراجعة الى متعلق باء البسملة، يجدر بنا الدخول في صلب البحث. وهو بيان متعلق باء البسملة.

لايخفى بان الباء حيث كانت من الحروف الجارة، تحتاج الى متعلق، ومتعلّقها أما عام أو خاص، ويمكن أن يكون المراد من العام: هو أفعال العموم (أي الكون والثبوت والحصول والوجود)، والمراد من أفعال الخاص غير هذه الأمور.

وهناك اختلاف بأن المقدر هل يكون هو الاسم أو الفعل:

قال الكوفيون - فيه وجوه: -

الأول: - أن المقدر هو الفعل، والفعل هو الأصل في العمل ويكون عاملاً قوياً، واذا دار الامر بين أن يقدر الاسم أو الفعل، فيكون تقدير الثاني هو الأولى.

الثاني: - لو قدرنا الاسم لكان المحذوف ثلاثة أشياء - المبتدأ والمضاف اليه والخبر، وأما لو كان المقدر فعلاً لكان المحذوف شيئين - الفعل والفاعل - وكلما كان التقدير أقل كان أنسب.

الثالث: لو كان هناك لفظ استعمل في معنى ولفظ آخر استعمل في نفس المعنى آخر مجازاً، لكان استعمال الثاني هو الأنسب من جهة أنس الذهن به أكثر دون الأول. وفي المقام لو قدرنا الفعل فيدل على الاستعمال على نحو المجاز وهذا أنسب من تقدير الاسم الذي يستعمل للدوام.

الرابع: - إنّا نرى في القرآن حينما ذكر المتعلق ذكر بلفظ الفعل دون الاسم، ومن جهة التأسّي بالقرآن يكون الفعل أنسب كقوله تعالى: (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذِي خَلَقَ) (1).

الخطاب هنا لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمره حين القراءة بان يذكر اسمه ويستعين به تعالى لأن تعظيم الاسم تعظيم للمسمى ولذا قال تعالى: (قُلْ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا

ص: 87


1- العلق: 1.

الرَّحمن أَيّاً مَا تَدْعُو فَلَهُ الأسْماءُ الحُسْنَى) (1) وكذا ورد في الحديث أو الدعاء: (باسمك ربي وضعت جبيني وباسمك أرفعه).وذكر الزمخشري في تفسيره: بأن المقدر لابد أن يكون فعلاً خاصاً مؤخراً، أما تقدير الفعل فلما ذكرنا، وأما انه يكون خاصاً فبدليلين:

الأول: لاجل مراعاة خصوصية المقام.

الثاني: بما أن ما بعد البسملة يكون فعلاً وعملاً خاصاً فلابد أن يكون المقدر كذلك.

وأما أنه لابد أن يكون مؤخراً فلأمور:

الأول - الاهتمام باسم الله.

الثاني - لأفادته الحصر والاختصاص.

الثالث - للتوافق بين تقديم المسمى والاسم.

الرابع - أنه تعالى قديم واجب الوجوب بالذات فيكون وجوده سابقاً على وجود غيره والسابق بالذات يستحق السبق بالذكر.

الخامس: قوله تعالى: (هُوَ الأوّلُ وَهُوَ الآخِرُ) (2) أي أول بلا أول، وقديم أزلي والآخر أي الباقي بعد فناء كل شيء.

السادس: ان التقديم للأسم أدخل بالتعظيم.

وأما البصريون فقد استدلوا على مبناهم بأمور: -

الأول: أنه لو قدرنا الاسم فيكون هو الأرجح لأنه يدور الامر بين تقدير الجملة أو المفرد وتقدير المفرد أولى وأسهل. وقد استشكل عليهم بان المقدر لو كان مصدراً فمعناه ان المصدر المؤخر المحذوف قد عمل، وهذا غير صحيح. وأُجيب عن هذا:

بانه لو فرضنا أن المقدر هو الاسم فلا يشترط أن يكون مصدراً ويجوز أن يكون اسم الفعل كقولك: باسم الله بادي.

الثاني: ان المصدر المحذوف المقدر لايعمل في غير الجار والمجرور اما فيهما فيعمل أي حتى فيما لو كان المحذوف مصدراً مقدراً مؤخراً.

لكن الحق: هو تقديم الفعل لا الاسم للمرجحات التي مرت عليك.

ص: 88


1- الاسراء: 110.
2- الحديد: 3.

ان قلت: ان تقديم اسم الله لو كان موجباً للأهمية فلماذا قال الله تبارك وتعالى في سورة العلق: (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (1).

وقد اجيب عن هذا: بان الأهمية تكون على نوعين: ذاتية وعرضية.فالأهمية الذاتية انما تراعا اذا لم تعارضها الأهمية العرضية. وفي المقام بما أنّه مقام القراءة فترجّحت الأهمية العرضية، ولذا قدم الفعل. وهل يكون المتعلق من مادة الابتداء، أو الفعل الذي يقع بعده وهل لابدّ أن يكون مناسباً للموضوع أم لا؟ مثلاً في باب القراءة يقرأ اقرأ وفي باب القيام اقوم وفي باب القصد أقصد وفي باب الدخول أدخل وفي باب الخروج أخرج وغير ذلك، والثاني هو الأولى.

ص: 89


1- وقد مرت الآية الشريفة.

الفصل الرابع: الارتباط بالله

اشارة

عوداً على بدء وكما عرفت ان الانسان لابد عند شروعه في أمر إذا كان خطيراً لابدّ أن يكون له ارتباط مع الله تبارك وتعالى، وهذا لايختص ان يكون مع الاسم، بل مع ذاته. الا اذا قلنا بان الاسم عين الذات، اذا يكون الارتباط بالاسم ارتباطاً بالذات وهذا الارتباط يكون سبباً للدلالة على الصراط المستقيم ويعطينا الاطمئنان بالوصول الى المقصد، واتمام العمل على النحو الاحسن. ولذا حينما اراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقوم بأعباء النبوة (وهذا أمر خطير) علمه الله تبارك وتعالى بان يشرع مع اسمه تعالى ويستعين به بقوله تعالى: (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذِي خَلَقَ) (1)ولو أن الله تعالى خاطبه بأن يستعين باسمه جل وعلا ويدعوه به لكن بما أن تعظيم الاسم تعظيم للمسمى، أو أن الاسم عين المسمى، فلا فرق بين ان يستعين بالاسم أو يستعين بالمسمى ولذا قال تعالى: (قُلْ ادْعُوا اللهَ أَو ادْعُوا الرَّحمنَ أيّاً مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى) (2) وكذا نوح (عليه السلام) حينما أراد ركوب السفينة مع وجود الطوفان الشديد بيّن له الله تبارك وتعالى بأن نجاتك من هذا الخطر المحيط بك من كل جانب، هو ارتباطك مع الله والاستعانة به عند الركوب وعند الوقوف حيث قال تعالى: (ارْكَبُوا فِيْهَا بِاسْمِ اللهِ مَجْرَاها وَمُرْسَاهَا) (3) أي ببركة ذكرك الاسم الشريف أو ببركة استعانتك بالاسم أو الذات عند سيرها ووقوفها، فيكون ذلك حافظاً لها وموفراً لنجاتها كما قال تعالى: (قِيْلَ يَا نُوْحُ اهْبِطْ بِسَلاَم مِنّا وَبَرَكَات عَلَيْكَ وَعَلى اُمَم مِمّنْ مَعَكَ وأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنّا عَذَابٌ أَلِيْمٌ) (4) أي إهبط سالماً ناجياً ببركات نعم كثيرة نرسلها عليك وعلى أمم ممن معك... الخ.

ص: 90


1- العلق: 1.
2- الاسراء: 110.
3- هود: 41.
4- هود: 48.

وهكذا سليمان (عليه السلام) حينما أرسل كتاباً لملكة سبأ، صدّر الكتاب باسم الله تبارك وتعالى: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) (1).ولذا فالبدء ببسم الله - أي الذي تفوق قدرته كلّ قدرة - يبعث فينا القوة والعزم والثقة والاندفاع والصمود والأمل أمام المشكلات. وذكر الله تعالى البسملة وأتى بعدها بالحمد والعبادة وسؤال الهداية، وهذه الكلمات يتكلّم بها الله تعالى نيابة عن العبد حتى يكون متأدباً في مقام العبودية بما أدبه به جل وعلا، بل يمكن أن يقال ان وجود البسملة في إبتداء كل سورة انما يكون لأجل بيان أن الهدف الأصلي في القرآن الكريم الهداية وسوق البشر الى السعادة وأن حصول التوفيق والنجاح لايحصل إلاّ بالاستعانة باسمه تبارك وتعالى.

فاذا عرفت أنّ الله تعالى هو القادر على الاطلاق، فلماذا تستعين بغيره؟

ولماذا تقف على باب غيره؟ ولماذا تطرق باب غيره؟ وهو الغني بالذات وما سواه تعالى فهو فقير بالذات.

كيفية الارتباط بالله تبارك وتعالى: -

كما ذكرنا ان الله تبارك وتعالى حينما يأمر الانسان - اذا أراد أن يبدأ بكل عمل - بأن يذكر اسم الله تعالى حتى تحصل دائماً الصلة بينه وبين الله جل وعلا والارتباط الحقيقي الذي يؤدي الى السلوك الصحيح والطريق المستقيم الذي يبعد الانسان عن الهلاك ويحصل المطلوب وهو القرب الالهي.

وهذه الصلة الرئيسة بين الانسان وبين الله عزّوجلّ تقوم على أمور:

الأول: الايمان به تعالى.

الثاني: محبته له جل وعلا.

الثالث: شكره تعالى على ما أنعم من نعم لاتحصى.

واليك بيان هذه الأمور:

الايمان: وهو لغةً: التصديق المطلق اتفاقاً من الكل.

وشرعاً كما قيل: التصديق بالله بان يصدّق بوجوده وبصفاتهِ وبرسلهِ وأن يعتقد بأنهم صادقون فيما اخبروا به عن الله وبكتبه، وان يصدّق بأنها كلام الله وان مضمونها حق، وبالبعث من القبور والصراط والميزان وبالجنة والنار وبالملائكة بأنهم موجودون وأنهم

ص: 91


1- النمل: 30.

عباد مكرمون لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يسبحون الله بالليل والنهار لايفترون، مطهرون من أنواع الشهوات من الأكل والشرب والجماع الى غير ذلك مبرّؤون من التناسل والتوالد ليسوا بذكور ولا أناث بل خلقهم الله تعالى من نور وجعلهم رسلاً الى من يشاء من عباده.وفي الحديث: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً؟ قال(عليه السلام): يشهد أن لا إله الاّ الله، وان محمداً عبده ورسوله، ويقرّ بالطاعة ويعرف امام زمانه فاذا فعل ذلك فهو مؤمن (1).

أقسام الايمان:

ويَرد الايمان به عزّوجلّ على صيغتين هما (الايمان بالله والايمان لله).

أما الأول: فهو التصديق باثباته على النعت الذي يليق بكبريائه.

وأما الثاني: هو الخضوع له والقبول منه والاتباع لما يأمر والانتهاء لما ينهى.

وعن حلية الأولياء عن الباقر(عليه السلام): «الايمان ثابت في القلب واليقين خطرات فمرة يقوى فيصير كأنه زبر الحديد، ومرة يضعف ويصير كأنه الخرقة البالية» (2).

ذكرنا ان المؤمن من اتصف بالايمان وهل يكلف بالدليل.

قال المحقق الشيخ (رحمه الله): المؤمن من كان يعتقد اعتقاد الامامية وإن لم يكن عنده دليل.

وقريب منه ما عن المحقق الطوسي، وقيل لابد منه ولو اجمالاً.

فوائد الايمان بالله:

للايمان بالله تبارك وتعالى فوائد مهمة كثيرة نذكر منها ما هو أهم على نحو الاختصار:

(1) أنه عماد الحياة الروحية ومنبع كل طمأنينة نفسية ومصدر كل سعادة فهو ينير لنا ظلمات هذه الحياة ففي ساعة الفشل يتذكر المؤمن بان هناك ملاذاً يلوذ به وملجأً يلجأ إليه، بعد ما علم بأن ربه قادر على معونته فحينذ لايجزع مما وقع فيه ولاييأس، فتطمئن نفسه وتصغر أمامه الأهوال وتهون المصائب ويعلم بأن يد المعونة والتأييد ممدودة له.

ص: 92


1- البحار ج16 - 69.
2- البحار 78: 185، ح16.

قال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (1) - فهو راض بقضائه ومستسلماً لما يصيبه وهو بعلم الله عزّوجلّ، فإن ابتلي صبر وإن أُعطي شكر.

(2) والايمان - بعد معرفته حق معرفة - يكون حائلاً بين المرء. وأقتراف المعاصي، لان الانسان فيما يصدر منه ويفعله يكون خاضعاً لسلطان عقيدته ومسيّراً بأمرها، لان الايمان الكامل يأبى على المؤمن أن يفعل ما ينافيه أو يترك ما يقتضيه.(3) ان الايمان المصحوب بالعمل الصالح وسيلة الى النعيم الدنيوي والاخروي - كما في قوله تعالى:

(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (2).

أي يعش عيشاً طيباً.

فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنها القناعة والرضا بما قسم الله (3).

والارتباط الواقعي بمعناه وهذا الارتباط يخلق الاتجاه الصحيح ويصون الانسان من الانحراف ويؤدي حتماً الى النتيجة المطلوبة المباركة كما في قوله تعالى: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (4) أي يجزيهم الله تعالى تجاه عملهم الصلاح ويعطيهم أجراً عظيماً.

(4) وأيضاً حينما وقع الانسان وسط حياة جارفة من الآلام والمصاعب، فمن لم يؤمن بالله تعالى ولم يتخذه ملجأً (ومعزّياً) (5) لنفسه في المصائب ومساعداً في المتاعب كان اشقى الناس في حياته بخلاف المؤمن الذي يلتجئ اليه ويستمد منه في ساعة ورود الالام والمصاعب فتطمئنّ نفسه، وتصغر عنده الأهوال، وتهون عليه المصاعب والمصائب كما قلنا.

(5) إن لذكر الله جل وعلا أثر فعال في النفس ووسيلة فعالة في الوصول الى الهدف السامي بعدما حصل له الاطمئنان بان الاستمداد الغيبي موجود، فينبذ حينئذ الهم والقلق الّذين كانا من أعدى أعدائها.

أما حب العبد لله تبارك وتعالى وعشقه له: - ومعنى العشق - هو تجاوز الحد في المحبّة، وعن الغزالي - معنى كون الشيء محبوباً - هو ميل النفس اليه، فان قوى الميل

ص: 93


1- التغابن: 11.
2- النحل: 97.
3- التفسير الجديد: ج4 ص254 ط . بيروت.
4- النحل: 97.
5- من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات - مشكات الأنوار: ص242.

سمي عشقاً (1)، وعن جالينوس الحكيم العشق من فعل النفس وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد (2).

قال افلاطون: العشق - قوة غريزية متولدة عن وساوس الطمع واشباح التخيل للهيكل الطبعي تُحدث للشجاع جبناً وللجبان شجاعة ويكسب كل انسان عكس طباعه (3).وقال بعض الحكماء: العشق الهام شوقي أفاضه الله على كل ذي روح ليتحصل له به ما لايمكن حصوله له بغيره (4)، وهو غير مختص بالانسان بل يشمل غيره أيضاً كما ذكر الشيخ أبو علي سينا في رسالته في العشق بانه لايختص بنوع الانسان، بل هو سار في جميع الموجودات من الفلكيات والعنصريات والمواليد الثلاث المعدنيات والنباتات والحيوانات (5).

وبعبارة أخرى: إنّ العاشق يحب معشوقه وكلما يفعله به فهو محبوب عنده «رضاً بقضائك»، لان ما يفعله المحبوب محبوب ولو أُحرق العاشق بالنار، فلو أنّ العروة بين العاشق والمعشوق اصبحت قوية ومستحكمة يكون العاشق للمعشوق والمعشوق للعاشق; لذا قيل: «مَن كانَ لله كان اللهُ له».

والحق: إنّه لابد أن نتعلم العشق مِنَ الامام الحسين (عليه السلام) حيث صنع يوم الطف صنع العاشق الولهان وضحى في سبيل معشوقه بكلِّ ما عزَّ وهان.

فالقرآن الصامت يطلب منّا المجاهدة بالأموال والأنفس: (وَجَاهِدُوْا بِأْمْوَالِكُم وَأَنْفُسِكُم) (6) أي إبذلوا الأموال والأنفس لأعلاء كلمة الحق.

والحسين (عليه السلام) القرآن الناطق جاهد بماله ونفسه وأولاده وعياله وأطفاله والخيار من صحبه وأسرته، وهو لايبالي بزخارف الدنيا وزبرجها بل كل همه كان هو لقاء حبيبه، وكانت ملاقاة الله جل وعلا أعزّ الاشياء عنده، فأصبح ثار الله في الأرض والوتر والموتر.

سلام الله عليك يا أبا عبدالله.

ص: 94


1- مجمع البحرين باب (عشق).
2- مجمع البحرين باب (عشق).
3- كشكول البهائي: ص16.
4- نفس المصدر: ص17.
5- نفس المصدر: ص19.
6- التوبة: 41.

اذاً فحب الله جل وعلا، مصدر سعادته، وتركه له مصدر شقائه، لان ذلك الحب تتبعه ولاية الله تعالى ونصرته ودفاعه عنه، وعدم ايكاله الى نفسه «رب لاتكلني الى نفسي طرفة عين أبداً» كما ورد في الدعاء - وفي الحديث وكّله الى نفسه - أي خلى بينه وبين الشيطان وهو المعني بالضلال من الاية (وَمَنْ يُضْلِلْ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هَاد) (1) أي لايكون هناك من يدله على طريق الحق والصواب (2).وإن بغض الله تعالى سبب لشقائه، وايكاله الى نفسه يعمل ما تشتيه نفسه، وحينما ادرك المؤمن حقيقة الله جل وعلا وأدرك جماله وجلاله وأنه اللطيف الذي يتلطف على عباده، والمحسن الذي يحسن اليهم والموصل الذي يوصلهم الى ماينتفعون به في الدارين ويهيىء لهم ما يحصلون به على المصالح والمفاسد من حيث لايعلمون ولايحتسبون. وعلموا علم اليقين بانه تعالى المنعم عليهم، وحينما تأثر بهذا الادراك فاحبّه، فاصبح قلبه مشغولاً به ويفضل أن يكون مطيعاً له، وان لذّاته وارتباطه في طاعته له وعدم مخالفة امره سبحانه.

وليس الحب هو الايمان به ومعرفته واذعان النفس له فقط انما الحب الحقيقي هو أن المحب لله تبارك وتعالى لابد أن تبدوا آثار حبه آياه في جميع أقواله وأفعاله وتصرفاته.

أما الايمان الجاف الذي لايعدُّ الاذعان النفسي والاقرار القلبي وآثاره مظهر من المظاهر العملية، فهذا لايكون الايمان الذي يريده الله تبارك وتعالى ويحبه (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَاد فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (3).

ص: 95


1- الرعد: 33.
2- عن أبي عبدالله (عليه السلام) ثلاث تناسخها الأبناء من آدم حتى وصلت الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)كان اذا اصبح يقول: اللهم اني أسألك ايماناً تباشر به قلبي ويقيناً حتى أعلم أنه لايصيبني الاّ ما كتبت ليورضني بما قسمت لي، ورواه بعض أصحابنا وزاد فيه حتى لا أحب تعجيل ما أخرت... ولا تكلني الى نفسي طرفة عين أبداً / اصول الكافي: ج2 ص524، كتاب الدعاء حديث 1. ونقل العلامة المجلسي في بحاره عن تفسير علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت ام سلمة رافعاً يديه الى السماء وهو يقول: اللهم لاتكلني الى نفسي طرفة عين أبداً. (البحار: ج95 ص362).
3- التوبة: 24.

أي أنه لو كانت هذه الأمور أحب اليكم من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)وجهاد في سبيله - أي آثرتموها على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله - انتظروا حتى يأتي الله تعالى بحكمه فيكم وهذا من أوعد الأشياء عند الله تبارك وتعالى.

فاذا تحررت النفس من تلك اللذائذ الدنيوية وعن حب الدنيا على الاطلاق الذي هو منبع جميع المهلكات من الغل والحسد والرياء والنفاق والتفاخر والتكاثر وحب النساء والمال والأولاد. ولذا ورد في الحديث «حب الدنيا رأس كل خطيئة» ونسب الى بعض العارفين بأنه: ليس الدنيا عبارة عن الجاه والمال فقط بل هما حظان من حظوظهما وان الدنيا عبارة عن حالتك قبل الموت كما ان الآخرة عبارة عن حالتك بعد الموت، فمالك فيه حظ قبل الموت فهو دنياك. وليعلم الناظر انما خلقت الدنيا للمرور منها الى الاخرة، وانها مزرعة الآخرة في حق من عرفها اذ يعرف أنها من منازل السائرين الى الله تعالى وهي كرباط بني على الطريق أُعد فيها العلف والزاد وأسباب السفر فمن تزود لآخرته واقتصر منها على قدر الضرورة منالمطعم والملبس والمنكح وسائر الضروريات الاخرى فقد حرث وبذر، وسيحصد في الآخرة ما زرع. ومن عرج عليها واشتغل بلذاتها وحدودها هلك.

وحب الدنيا قد يوصل الانسان الموحّد الى البغض والسخط وعدم رضائه (1) بما أعطاه الله جل وعلا. وقد يتصور أنه سلبت منه أشياء مما يحب.

فاذا ذاق المؤمن حلاوة هذا الحب، فحينئذ يؤُثر الله ورسوله، ولم يرغب عنه، ولم يجعل له بديلاً، وبعد ما عرفنا بأن الحب القلبي لايفيد بل لابد من اطاعة المحبوب في جميع ما يأمره، فهذا الحب حينئذ يحولنا الى روح لطيف نظيف يغلب عليه الصفا فينسي البغض والحقد والحسد وسائر الوساوس الشيطانية ونتيجته عدم صدور أي شر وعدوان من المحب.

قلنا لابد أن يكون الحب منحصراً في الله تبارك وتعالى، ولكن هناك بعض من لامعرفة حقيقية له بالله تعالى يجعل لله أنداداً ويقسم حبه لله جل وعلا وشركائه، كما عبّر عن ذلك في قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (2) أي أتخذوا غير الله انداد له من الاصنام وغيرها، من الرؤساء الذين يتبعونهم فيحبونهم كما يحبون الله ويعظّمونهم ويخضعون لهم وينقادون لأوامرهم كما يفعلون ذلك بالنسبة الى الله جل عن ذلك أي أنهم لايفرقون بينه تعالى وبينهم في المحبة.

ص: 96


1- ارشاد القلوب: ج1 ص19.
2- البقرة: 165.

أما الذين آمنوا لايعدلون عن محبته الى محبة غيره، بل تكون محبتهم خالصة لله جل وعلا... الخ، مع أن الحب والاطاعة منحصرتان في الله تبارك وتعالى ولاينافي مع من يجوز حبه كالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في قوله تعالى: (أَحَبَّ إلْيْكُم مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ) (1).

اذاً حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو حب الله تبارك وتعالى وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام): «هم والله أولياء فلان وفلان اتخذوهم أئمة من دون الامام الذي جعله الله للناس اماماً فلذلك قال: (ولو يرى الذين ظلموا) الاية ثم قال: والله هم أئمة الظلم واشياعهم» (2).فظهر من الآية الشريفة بان الحب كلّه لابد أن يكون لله جل وعلا ولايفيد التشريك في الحب بأن يحبه تعالى ويحب غيره ولو فرض ان الحب لله تعالى أكثر، بعدما بين في ذيل الآية (أنَّ القُوَّةَ للهِ جَمِيعاً) (3).

وأيضاً يظهر من الآيتين اللتين بعدها (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الاَْسْبَابُ) (4) - أي تبرأوا من أتباعهم وزال عنهم كل سبب وربط بينهما وزال ذلك الحب وما أنتفعوا به يوم القيامة (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ) (5) - أي ان التابعين لأئمة الضلال تمنوا الرجوع الى الدنيا مع المتبوعين ليتبرَّؤوا منهم جزاءاً لتبرُّءِ التابعين منهم حينما رأوا العذاب...ا لخ الآية.

فعلمنا من الآية المباركة ان الذم لم يتوجه للحب الفارغ، بل للازمه الذي هو الاتباع لا كما تصوروا بأن الأنداد يتمكنون من الدفاع عنهم في الضراء والسراء ويجلبون اليهم كل محبوب ويدفعون عنهم كل مكروه. اذاً الاتباع هو الذي يجلب السوء للذي تبعهم لا الحب الفارغ.

ص: 97


1- التوبة: 24.
2- التفسير الجديد: ج1 ص192.
3- البقرة: 165.
4- البقرة: 166.
5- البقرة: 167.

حب الله تبارك وتعالى للانسان

هو أنعامه جل وعلا عليه وتوفيقه لطاعته وهدايته لدينه الذي أرتضاه وفي الحديث: «ان من أحب عباد الله، عبداً أعانه الله على نفسه» (1) أي كسر شهواته بان فعل به الطافاً اختارها عند الطاعة واجتناب المعصية.

ويمكن أن يكون معنى (اعانه على نفسه) أي قوّى القوة العاقلة بحيث غلبت النفس الامارة.وقيل كشف الحجاب عن قلبه وتمكينه بان يطئ على بساط قربه. وأصل الحجاب لغة، بمعنى الحاجز والستر الحائل بين الرائي والمرئي (2). وحين يوصف الله تعالى حجابه بالنور، أي ان حجابه خلاف الحجب المعهودة لانه تعالى محتجب عن الخلق بانواره وجلاله وسعة عظمته وكبريائه ولا محدودية له بحسب الذات.

فهذا الحجاب هو الحجاب الذي تندهش دونه العقول. وتذهب الأبصار أي تنحسر البصائر (3).

قال بعض العرفاء ما هو مضمون كلامه بأن الحجاب في لغة أهل المعرفة يطلق على معنيين كليّين وكلاً من هذين المعنيين يختلف عن الآخر وهما:

المعنى الأول: هو حجاب الظلمانية وهذه الحجب هي التي تمنع الانسان من أن يصل الى مدارج الكمال والترقي، ومن تلك الحجب الظلمانية حجاب الطبيعة فقد خلق الانسان بطبيعته (من طين لازب) يمنعه من العروج الى العالم الأرقى ولايمكن للأنسان أن يوفق لمعرفة تلك العوالم فضلاً عن الدخول فيها والترقي منها الى ما فوقها الاّ بعد أن يتخلص من حجاب الطبيعة.

ومن تلك الحجب الظلمانية أيضاً، حجاب الجهل وأشده الجهل المركب. ومن تلك الحجب الظلمانية: حجاب الذنب وأشده الذنوب الكبيرة... الخ.

المعنى الثاني: هو حجاب النورانية، بعد أن يتخلص من حجبه الظلمانية وهو يطلق على معان منها: المقام، فالمقام والمنزل الذي يكون فيه السالك حجاب له عن ترقّيه الى

ص: 98


1- نهج البلاغة 118، الخطبة 87.
2- مجمع البحرين مادة (حجب).
3- مجمع البحرين: ج2 ص34.

المقام والمنزل التالي، فما لم تتم له الاحاطة التامة بمنزله الذي هو فيه فانه لايستطيع الترقي الى المقام الاعلى الى أن يقول:

ومن البديهي في العقيدة الاسلامية أن المعرفة على مراتب تختلف درجات العارفين باختلافها، ويعود السبب الاساسي لعدم تساوي المخلوقين بالمعرفة الى مقدار ونوع وضخامة الحجب التي تحيط بالعارف، فكلما تمكّن العارف أن يخرق حجاباً من حجب الظلمة للمبتدئين أو من حجب النّور للسالكين، فانه يترقى درجة أعلى في مقام المعرفة والقرب.

وعلاقة حبّه للعبد، توفيقه له عن دار الغرور، والترقي الى عالم النور والانس بالله تعالى، والوحشة عمن سواه وصيرورة جميع همومه هماً واحداً وهمه أن يُقبل اليه بكله ويترك ما سواه ولايطيع غيره ويتكل عليه ولايتكل على غيره، ويطلب منه لا من غيره، ويعبده حقعبادته ولايعبد غيره، ولايشرك في عبادته أحداً، بل همه الجدّ في اكتساب رضاه والتفكر في ان عباداته مقبولة عنده.

وهمه إرضائه وانه هل هو راض عنه أم لا؟ وتكون استفادته من الدنيا بمقدار متمكن من أن يعبد ويعمل لله تعالى.

والخلاصة: من ادعى محبته تعالى وخالف ما أمره به فهو كذاب.

أما شكره تعالى: فالشكر تارة يكون من العبد واخرى يكون من الله تعالى.

أما الأول: هو أن يكون لسانه مشتغلاً بالثناء على ربه معترفاً بالنعم التي انعم الله جل وعلا بها عليه، ويكون قلبه مملوءاً من الحب تجاه النعم على ما أنعم عليه وشهوداً بأن منه الفضل والاحسان. وشكر المنعم أمر عقلائي واللازم على من أُنعم عليه أن يشكر المنعم ولذا نرى في كثير من الآيات دعى الله تعالى بالتخلق بالشكر في قوله تعالى: (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشاكِريْنَ) (1) تجاه نعمه تعالى التي أنعمها عليه من الهداية لمعرفة النبوة والتوحيد والاخلاص في العبادة وغيرها.

ومدح نبيهُ ابراهيم (عليه السلام) لقيامه بواجب الشكر بقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لاَِنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الاْخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ) (2) - أي حامداً ربه على ما أعطاه من النعم ولهدايته على الصراط المستقيم، فآتاه الله في الدنيا رزقاً كثيراً وعمراً طويلاً وأولادً طيبين وأنه في الآخرة من جملة الصالحين.

ص: 99


1- الزمر: 66.
2- النحل: 120 - 122.

ان الشكر في الدنيا سبب لزيادة النعم فيها قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (1) - أي بين وأعلم للشاكرين للنعمه اعطاء الزيادة لحبه لهم. وعلى العكس بما أن كفران النعمة وعدم عرفان الجميل أمر منكر، فهو بمنزلة الكفر لان من ينكر إفضاله يكون أشد كفراً ممن لايعرفه على الاطلاق.

وفي حديث عن الصادق (عليه السلام) حينما بين وجوه الكفر قال: «الثالث كفر النعمة واستشهد بالآية» (2).

وشكر العبد لله تعالى بعد اعترافه بنعمه التي اعطاها له هو الاتيان بفعل الطاعة وترك المعصية.وأما الثاني: وهو شكر الله تبارك وتعالى للعبد بمعنى مجازته للعبد تجاه شكره (وَكَانَ اللهُ شَاكِراً عَلِيْماً) (3) وقد مر الحديث فيه.

أي مجاز لكم على ما شكرتموه ويكافئ بما تستحقونه تجاه ما عملتم قليلاً كان أو كثيراً ولا يحصل التقرب من غير شكره. ولذا أمر تعالى عبده بالشكر في آيات عديدة.

1) (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالاَبْصَارَ وَالاَْفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (4) - أي والله أعلمكم حين كنتم لاتعلمون شيئاً وأعطاكم هذه الآلات والادوات.

هل تعرفون جزئيات الأشياء وتتعقلونها لتحصل لكم العلوم البديهية، وهذه القلوب هي بمنزلة السلاطين في مملكة البدن. ومنّ الله على هذه القلوب حيث ان مستندها القوة العقلية فيها تتميز وتدرك الأشياء واعطاكم هذه الأمور لكي تحمدوه تعالى على هذه النعم الجزيلة (وَآيَةٌ لَهُمْ الاَْرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ) (5) - أي هذا دليل قاطع وحجة باهرة لقدرة الله تعالى على بعث الناس لانه مثّل جلّ وعلا بالأرض المجدبة غير الزراعية فأحياها وأخرج منها حباً، بل جعل فيها من النخيل والأعناب من أنواعها وهذه الأمور وما عملت أيديهم منها كالدبس والعصير والخل ونحوها خصها

ص: 100


1- ابراهيم: 7.
2- الكافي ج3: 389 - 390، ح1.
3- النساء: 147.
4- النحل: 78.
5- يس: 33، 34، 35.

للناس كي يستفيدوا منها. ولكن لم يشكروا الله تبارك وتعالى! وجاء بالاستفهام جل وعلا انكاراً لترك شكرهم.

2) وأيضاً قال تعالى: (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِىَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (1) أي سخر لكم البحر فجعله بشكل خاص من إستواء سطحه وميوعة مائه بحيث لايمنع من الغوص، وجعله أملس لكي لايمنع من سير ما يطفو على سطحه، وجعله هادئاً ليمكن جريان السفن فيه ولكي تركبوها وتضعوا محمولاتكم فيها وهي تجري في لجج البحر في غاية الاطمئنان وكمال السكينة ولكي تطلبوا من فضله النفع في تجارتكم وفي الغوص والصيد حتى تشكروه تجاه هذه النعم الجزيلة الصادرة من المنعم الحقيقي جل وعلا بلطفه وكرمه عليكم.3) وقال عزّ من قائل: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (2) - أي من رحمانيته الواسعة التي تشمل البشر أجمع وهو خلق الليل والنهار، وفائدة الأول هي الأستراحة فيه والالتذاذ من اتعاب الاشغال في النهار. والثاني هي طلب الرزق للمعيشة الذي خصصه لكم بفضله وكرمه لا بالاستحقاق وأراد بذلك شكره جلّ وعلا على اعطائكم هاتين النعمتين - الليل والنهار - لما فيهما من الفوائد الكثيرة.

وكما ذكرنا أن منفعة الشكر لاتعود الاّ على العبد نفسه دون الباري تعالى وهو سبب لطهارة النفوس والقرب منه تعالى كما قال سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ للهِِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ) (3)والحكمة علم الشريعة والمراد من إتيان لقمان الحكمة: العقل والفهم. يقال فلان صاحب الحكمة اذا كان متقناً للأمور. وفي حديث أولياء الله نطقوا فكان نطقهم حكمة أراد بها صلاح الآخرة والأولى من المعارف والعلوم لا الدنيا (4).

(وَمَنْ يَشْكُرْ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي: يعود نفعه إليها. والله غني بالذات فلاينفعه شكر الشاكرين، حقيقٌ بالحمد سواء حُمد أم لا.

ولذا نرى أن أكثر الناس غير شاكرين لنعمه تعالى.

لايخفى بأن الشكر من أركان السعادة للمجتمع والرقيّ لهم، وأما الكفران للنعم فيعرّضها لزوال نعمه التي أنعمها عليه، بل يكون سبباً لخراب الاُمم كما أخبر به جل وعلا

ص: 101


1- الجاثية: 12.
2- القصص: 73.
3- لقمان: 12.
4- مجمع البحرين مادة (حَكَم). البحار 69: 289، ح23.

حيث قال: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِين وَشِمَال كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُل خَمْط وَأَثْل وَشَيْء مِنْ سِدْر قَلِيل * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) (1).

إذاً كما بينا أن الشكرَ مِن دَعَائِمِ السَّعَادَةِ وعلى العكس، الكفر والاعراض عن الشكر لايجلب غير الدمار والخراب الذين لوّعا الشعوب. فلابد أن تكون دائماً شاكرة لأنعمه تبارك وتعالى لتحصل على السعادة التي تنشدها.

فعن الباقر وكذا الصادق (عليهما السلام): أنه كان اذا اصبح وامسى يقول:«اللهم ما أصبح بي من نعمة أو عافية من دين أو دنياً فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر بها حتى ترضى وبعد الرضا، كان يقول: اذا أصبح ثلاثاً واذا أمسى ثلاثاً، فهذا شكره».

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «من أعطى ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً من أعطى الدعاء أعطي الأجابة ومَن أعطى الشكر أُعطي الزيادة ومَن أعطى التوكّل أُعطي الكفاية ثم قال: أتلوت كتاب الله عزّوجلّ: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وقال: (وَلَئِنْ شَكَرتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ) وقال: (أُدْعُوْني أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (2).

وفي الحديث: (لايرد القضاء الاّ الدعاء) (3) قيل - أراد بالقضاء ما تخافه من نزول مكروه وتتوقاه. وتسميته قضاءاً مجاز ويراد به حقيقة القضاء. ومعنى رده تسهيله وتيسيره حتى كأن القضاء النازل لم ينزل. ويؤيده ما روي: من أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، أما مما نزل فصبره عليه وتحمله له ورضاه به، وأما نفعه مما لم ينزل فيصرفه عنه (4).

التوكّل على الله

بعدما عُرف الله تعالى بأنه هو الذي لابد أن يستعان به في جميع أموره. اذاً لابد أن يتوكّل العبد عليه في أموره كلها. وبعد ما عَرف أن الله بيده تصاريف الحياة وبيده النفع

ص: 102


1- سبأ: 15، 16، 17.
2- بحار الأنوار: ج71 ص129.
3- مكارم الأخلاق: ص314.
4- مجمع البحرين باب «دعوّ».

والضرّ وبيده الأحياء والممات، اذاً لابد أن يُترك الأمر اليه ويرضى بمشيئته فلايفزعه المستقبل وما يخبئه من المفاجأة، ويستعيظ بدلاً من الخوف الى السكينة والأمان حينما يوكل اليه أمره، ولذا نرى الله جلّ وعلا لاجل رفع الخوف وبث السكينة في النفس وبيان ان كل شيء بيده وتحت اختياره يأمر العبد بالتوكّل بقوله تعالى: (إلَيْهِ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (1).

أي اليه تعالى وحده يرجع الأمر كله في الدنيا والآخرة وله الحكم الفصل يوم القيامة فأعبده لانه أهل للعبادة وأَوكل أمرك كله إليه.

وغير مخفي بان الايمان يكون مصاحباً للتوكل، أي حينما يؤمن بان كل شيء بيده فلابد حينئذ من التوكّل عليه. ومن لم يتوكّل فليس بمؤمن قال تعالى: (وَعَلى اللهِ فَتَوَكَّلوا إنْ كُنْتُمْمُؤْمِنينَ) (2) أي انقطعوا اليه في كل ما تأملون وسلّموا اليه أموركم إن كنتم مصدّقين بقوله ووعده. وقوله تعالى: (اللهُ لاَ إِلَهَ اِلاّ هُوَ وَعَلى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ) (3) أي المعبود الذي لامعبود غيره والرب الذي لاتحق العبادة لغيره فتوكّلوا عليه وفوّضوا اليه أمركم وارضوا بقضائه وحكمه.

فهو جل وعلا بعد أن وعدهم بالبشرى ونيل الفضل منه والبركات وبث في نفوس المؤمنين الطمأنينة ومسح ما في نفوسهم من الخوف ومدهم بقوة روحية يستطيعون بها التغلب على فزعهم وقلقهم بقوله تعالى: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (4)أي ما أعطاكم الله فيما يتعلق بدنياكم من الأموال والأولاد وكل شيء ترغبون وتتنافسون فيه انما تنتفعون في هذه الدنيا الفانية وتتمتعون به مدة حياتكم وهو زائل غير باق، لكن ما عند الله من الثواب والجنة أفضل وأبقى، لانه باق غير منقطع ولاينقص منه شيء فهو خير، لانه متاع دار البقاء وهو أفضل من متاع الدنيا بمراتب كثيرة، لأنه كما ذكرنا. فان ما في الآخرة باق والباقي ولو كان قليلاً أفضل من الفاني ولو كان كثيراً، أو الباقي ولو كانت قيمته على نحو البخس (5) أفضل مما اذا كانت قيمته قيمة الذهب.

ص: 103


1- هود: 123.
2- المائدة: 23.
3- التغابن: 13.
4- الشورى: 36.
5- البخس: أي النقص كما في قوله تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم) يوسف: 20.

وبعد أن عرف بأن وعده وعد صادق حينما يوعدهم بالمعونة وان من يتوكّل عليه يكفيه لرفع همه وغمّه بقوله جل وعلا: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ...) (1) أي من جعل أموره متكلاً عليه ومفوضاً إليه مع علمه بحسن تقديره وتدبيره فانه يكفيه أمر دنياه وآخرته.

إذاً لابد للمصلحين الذين دائماً ودوماً يتجاوزون الطرق المملوءة بالأشواك والاخطار ويكونون عرضة للأذى والتعب المظني، أن يفوّضوا أمرهم الى الله حتى لايؤولوا الى الفشل، وأن يقتدوا بنبي الله شعيب (عليه السلام) حيث قال الله تعالى عن لسانه:

( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الاِْصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (2)

أي عملي اصلاح شؤونكم الدنيوية والاخروية افعل ذلك بحسب قدرتي وحسب تمكني وفي هذه كلّها لا أكون موفقاً الاّ بالله ولايكون هذا الاصلاح بقدرتي الشخصية بل بمعونة من اللهتعالى وما أعطاني من قدرة وبالتوكّل عليه مفوضاً أمري الى ربي وأنا ملتزم بطاعته وراض بتدبيره وأَرجع إليه في أموري كلها.

وبعد أن عرفت أن العامل الاساسي للقضاء على الخوف هو التوكّل وتفويض الأمر اليه تعالى. ولذا أن المدنية حيث وصلت الى القمة من النجاح وتيسّر العيش وترفيهه للناس ولكن القلق منتشر بشتى صوره وكذا الخوف على مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي موجود، وأنه يفعل فعله السيء في النفس الانسانية، حيث انها لاتعرف الدواء. أي لايكون عندها العامل النفسي للقضاء على الخوف وهو التوكل، ولذا نرى مع الترفيه في العيش يؤول أمره الى الانتحار.

ففي الحقيقة التوكّل هو عامل روحي في الانسان، وأمر به المؤمنين لكي يتوكلوا عليه ويتغلبوا بواسطة التوكل على الخوف والقلق ويتجلدوا أمام أحلك الساعات التي تمرُّ بهم ويهبهم الطمأنينة وسكون النفس للوصول الى مقاصدهم والعيشة المرضية لهم.

ص: 104


1- الطلاق: 3.
2- الطلاق: 3.

درجات التوكّل

للتوكّل درجات نذكر منها كما يلي:

1) أن يكون حال المتوكّل بالنسبة الى الله حال الوكيل بالنسبة الى الموكل وهذه هي الدرجة النازلة من التوكّل.

2) أن يكون حال المتوكّل بالنسبة اليه حال الطفل بالنسبة للام والأب بحيث لايعرف غيرهما فهنا أيضاً العبد لايعرف غير الله تعالى وهذه هي المرتبة المتوسطة للتوكل.

3) أن تكون حاله كالميت بين يدي الغاسل فهو يشعر بأن جميع حركاته وسكناته وأفعاله منه. وهذه أعلى درجات التوكّل.

ص: 105

الدعاء

هو العبادة (أي يستحق أن يسمى عبادة لدلالته على الأقبال عليه تعالى والأِعراض عما سواه).

قلنا: إن الانسان في جميع أموره لابد أن يستعين بالله جل، وعلا. ومن أسباب الاستعانة والدعاء وهو من الأمور العبادية، والرابط بين الأنسان وخالقه أو هو شيءٌ فطري في الانسان. وشعوره بان الذي يفزع اليه ويقضي حاجته هو الله وحده، بعدما قطع بانه ضعيف امام حوادث الحياة ولايرى أي سند لانجبار ضعفه غير الدعاء والالتجاء الى الله تعالى. قال تعالى: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (1) أي ادعوني في جميع مقاصدكم عند حلول البلايا والمحن وأنا استجيب لكم وادفع عنكم البلايا والمحن لو كان هناك مصلحة في الاجابة والرفع. وأيضاً (وَإذا مَسَّ الانسانَ الضُّرُّ دَعَانا لجنبهِ أو قاعداً أو قائماً...) (2). أي أنه لا زال داعياً بلا فتور حتى يزول عنه الضر.

ويمكن أن يراد بالدعاء هنا العبادة والتوحيد أي: وحّدوني واجعلوا عبادتكم لي لا للأصنام، أعطيكم ثواب أعمالكم - بدليل قوله تعالى: (إنَّ الَّذيْنَ يسْتَكْبِرُوْنَ َعْن عِبَادَتي) ولايعبدونني إستكباراً يستحقون غضبي. وورد في مجالس الشيخ الطوسي (قدس سره): بانّ المؤمن دائماً في الصلاة ما دام ذاكراً لله، قائماً كان أو جالساً أو على جنبه (الّذيْنَ يَذْكُرُوْنَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُودَاً وَعَلى جُنُوْبِهِمْ يَتَفَكَّرُوْنَ) (3)، وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدعاء مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولاينال ما عند الله الا بالدعاء...» (4) وأفضل الأدعية هو خروجه من الطلب الظاهر والاقبال الكامل; لأنه ورد بأن الدعاء هو العبادة، أي يمكن أن يكون عبادة، لأنه دلالة على الاقبال على الله والإعراض عما سواه.

ص: 106


1- غافر: 60.
2- يونس: 12.
3- آل عمران: 191.
4- الكافي: ج2 ص470، باب الدعاء يرد البلاء.

يعتبر الدعاء العلاج النفسي لكثير من الأمراض، فالإنسان بذاته محتاج الى من يحل مشاكله ويخفف آلامه وهمومه وحزنه، وقد إتفق علماء النفس والاطباء النفسانيون بأنّ الآلام النفسية والقلق إنّما يتوقف الى حد كبير على مُساعدة صديق حميم ومخلص، وأيُّ صديق تكونمحبته أولى من الله (جلّ وعلا)، فاذا بيّن الانسان لله ما يعاني منه ويطلب كشف الضر عنه، فإنه يشعر بطمأنينة ونفحة روحية تستأصل ما فيه من الهم والضيق، فقد ورد عن أبي ولاّد عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال: «عليكم بالدعاء فإنّ الدعاء لله والطلب الى اللهِ يرد البلاء وقد قُدّر وقضى ولم يبق الاّ امضاؤه، فاذا دعى الله عزّوجلّ سئل صرف البلاء» (1).

بعد أن اعتقد بأن اللله تبارك وتعالى قريب يجيب دعوته قال تعالى:

(إذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَأِنّي قَرِيْبٌ أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إذا دَعَانِ) (2).

أي قريب اسمع دعاءهم. ولايخفى أن قربه تعالى ليس بالقرب المكاني فقربه ليس باجتماع كقرب بعضنا لبعض، وبعده ليس بأفتراق كبعدنا بالفرقة والبينونة. ومعيته تكون مع الأشياء لا بالممازجة والمداخلة كما أن مفارقته ليس بالمباينة.

إن قلت: إن كان الله يستجيب دعاء العبد، فلماذا لاتستجاب بعض الأدعية من بعض الأشخاص.

قلنا: أولاً: ان لاستجابة الدعاء شروطاً قد ذكرت في محلها.

وثانياً: إن الله تبارك وتعالى لايستجيب الدعاء الاّ أن تكون هناك مصلحة للعبد، ولابأس بذكر بعض الروايات التي تشير الى ما يسبب اجابة الدعاء وما يسبب رده:

أولاً: الروايات التي تشير الى مضان استجابة الدعاء:

(1) عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام): «اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن وعند الأذان وعند نزول الغيث وعند التقاء الصفين للشهادة وعند دعوة المظلوم فانها ليس له حجاب دون العرش» (3).

(2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اذا دعا أحدكم فليعمّ فانه اوجب للدعاء» (4).

ص: 107


1- اصول الكافي: ج3 ص470 - حديث - 8.
2- البقرة: 186.
3- بحار الأنوار: ج93 ص343.
4- المنتخب الحسني: ص7.

(3) وعن علي (عليه السلام): «صلوا على النبي وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) فان الله يتقبل دعاءكم عند ذكرهِ» (1).(4) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من قرأ مائة آية من القرآن من أي القرآن شاء ثم قال: يا لله سبع مرات، فلو دعا على الصخرة لقلعها الله» (2).

(5) عن الصادق (عليه السلام): «ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلاّ وكّل الله به ملكاً يقول ولك مثل ذلك» (3).

(6) قال الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «من قدم أربعين من المؤمنين ثم دعا أستجيب له» (4).

(7) وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في وصيته لعلي: «ياعلي أربعة لاترد لهم دعوة، امام عادل ووالد لولده والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب والمظلوم» (5).

(8) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلى على محمّد وآله» (6).

(9) عن الصادق (عليه السلام) قال: «ثلاثة أوقات لايحجب فيها الدعاء عن الله تعالى في أثر مكتوبة وعند نزول القطر وظهور آية معجزة لله في أرضه» (7).

(10) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من قرأ يس والصافات يوم الجمعة ثم سئل الله أعطاه الله سؤله» (8).

فعلينا مع ذلك أن ندعو كما في الحديث: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة وعلموا إن الله لايقبل دعاء من قلب غافل» (9).

الذنوب التي ترد الدعاء سوء النية وخبث السريرة والنفاق مع الاخوان.

ص: 108


1- تحف العقول: ص68.
2- ثواب الأعمال: ص104.
3- الاختصاص: 22.
4- المنتخب الحسني: ص11.
5- الخصال: ج1 ص197.
6- تحف العقول: 70.
7- بحار الأنوار: ج93 ص343.
8- الدر المنثور: ص270.
9- أعلام الدين في صفات المؤمنين.

ثانياً: الروايات التي تشير الى ما يسبب رد الدعاء:(1) عن الامام السجاد (عليه السلام): «وترك التصديق بالاجابة وتأخير الصلوات المفروضة حتى تذهب أوقاتها وترك التقرب الى الله عزّوجلّ بالبر والصدقة واستعمال البذاء والفحش بالقول» (1).

(2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لاتتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى أمركم شراركم ثم تدعون فلايستجاب لكم» (2).

(3) وعن السجاد (عليه السلام): «لاتدخل الملائكة بيتاً فيه خمر أو دف أو طمبور أو نرد ولا يستجاب دعاؤهم وترفع عنهم البركة» (3).

ص: 109


1- بحار الأنوار: ج73 ص376.
2- سفينة البحار: ج8 ص88.
3- وسائل الشيعة: ج17 ص315.

مزايا وفوائد الدعاء

للدعاء فوائد كثيرة، نذكر بعضها على وجه الاجمال:

(1) هو عمل عبادي يربط الأنسان وربه.

(2) يحصل به الأطمئنان ويرفع الاضطراب والقلق عن النفس.

(3) سبب للسمو الروحي والعروج في معارج الكمالات.

(4) تعالج به الامراض الروحية والجسدية.

(5) أنه من أحب الأعمال الى الله جلّ وعلا في الأرض.

(6) أنه صلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات.

(7) أنه سبب للتفكر في عجائب صنعه وغرائب ملكه.

عن علي (عليه السلام): «الفكرة تورث نوراً والغفلة ظلمة والجدال ضلالة» (1).

وعن علي (عليه السلام): «عمل الفكر يورث نوراً» (2).

(8) أنه سبب لتزكية النفس وصفاء الباطن ونورانية القلب.

لايخفى كما أن الدعاء ينير القلب وكذلك التفكّر والذكر ينيرانه كما ورد في الأحاديث فلنذكر بعضها (3):

1) عن علي (عليه السلام): «عليك بذكر الله فانه نور القلوب».

2) وعنه (عليه السلام): «دوام الذكر ينير القلب والفكر».

3) وعنه (عليه السلام): «الذكر جلاء البصائر ونور السرائر».

4) وعنه (عليه السلام): «ثمرة الذكر استنارة القلوب».

5) وعنه (عليه السلام): «من ذكر الله سبحانه احيى قلبه ونوّر عقله ولبه».

ص: 110


1- تحف العقول: ص59.
2- تحف العقول: ص65.
3- غرر الحكم (المصدر للروايات الخمسة).

الأخلاص لله

بعدما عرفت أن العبادة لاتكون الاّ لله وحده، إذاً لابد أن يخلص الانسان في عمله، ومعنى الاخلاص لله هو: أن يأتي باعمال نقية خالصة له جل وعلا لايشوبها رياء - أي لايشرك في عمله غير الله - ويسمى الرياء بالشرك الخفي. وفي الحديث: (الشرك أخفى في امتي من دبيب النمل) (1).

اذاً لابد للانسان أن يكون في اعماله كلها قاصداً وجه الله تبارك وتعالى والاخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء الى منزلة رفيعة كما يسمو باعماله أيضاً ويسبب ترك متابعة الاهواء النفسانية المهلكة للانسان.

والرياء يحاربه الاسلام كتاباً وسنةً، بل على العكس يأمر بالاخلاص له، كما في قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (2) - أي وما أمروا جميعاً الاّ بتوحيد الله وعبادته لايشاركون في عبادته أحداً غيره.

وكذلك قال تعالى: (وَادْعُوْهُ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ) (3) - أمر جلّ وعلا بالدعاء والابتهال اليه، لكن على وجه الاخلاص.

ومعنى الاخلاص كما عن بعض المفسرين هو القرب الذي يذكره أصحابنا في نياتهم - أي ايقاع الطاعة خالصة لله تعالى وحده - بعدما جعل الامر منحصراً في العبادة المخلصة، اذاً غيرها لاتكون مأموراً بها بل يكون منهياً عنها بل في الحقيقة أن الايمان الخالص بالله تبارك وتعالى لايجتمع مع عبادة غيره، اذاً لابد أن يكون الخضوع والتذلل له وحده وهذا مما حكم به العقل ولذا خص السجود لنفسه بعدما كانت العبادة هي غاية الخضوع والتذلل ولايليق بأحد به الاّ الله تعالى.

وبعدما عرفت بان السجود مختص به تعالى ولايجوز لاحد غيره، إلا اذا أمر هو به وجوّزه لغيره، ومع ذلك هذا السجود أيضاً عبادة - ولو فرض أنه تذلل للمخلوق - لأنه صدر

ص: 111


1- البحار: 72: 93، 96، ح3، 8، 9.
2- البيّنة: 5.
3- الاعراف: 29.

من العبد بامره تعالى. وحينئذ يصح عقاب من خالف هذا الأمر كابليس اذا لم يسجد حينما أمر به تعالى.ولابأس أن نذكر بعض ماورد حول هذه السجدة:

قيل: بان آدم كان اماماً والملائكة بمتابعته سجدوا لله تعالى.

وقيل: ان السجدة سجدة شكر لله جلّ وعلا وانّ الملائكة سجدوا شكراً لنعمة وجود خليفة الله ويمكن القول بان المراد من السجود هو السجود اللغوي أي تطامن ولاغنا خفض الرأس لا بالمعنى الشرعي وهو عبارة عن هيئة مخصوصة كالسجود في الصلاة.

ولكن هذه الوجوه في الحقيقة غير تامة مع وضوح الآية. في قوله تعالى:

(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِ آدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين) (1).

أي بعد الفراغ من الخلق قال للملائكة اسجدوا، ثم قال لابليس ما منعك الا تسجد، أي ما منعك من عدم السجود بعدما أمرت ملائكتي به؟ قال في الجواب: أنا خير منه، لانك خلقته من تراب وخلقتني من نار، ونحن اذا أردنا أن نبيّن هل النار أفضل أم التراب فيطول المقام والأفضل مراجعة (الأرض والتربة الحسينية) للفقيه العظيم والمجاهد الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) وأيضاً إذا أردنا أن نشرح بأنه قياس من الشيطان والقياس باطل. قال ابن عباس: أول من قاس أبليس. فقد ورد في رواية عن الامام الصادق (عليه السلام) ماتقول في رجل قطع اصبعاً من أصابع المرأة كم فيه قال عشرة من الابل، قلت: قطع اثنتين قال: عشرون قلت: قطع ثلاث قال: ثلاثون قلت: قطع اربعاً قال: عشرون قلت: سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ان هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول الذي جاء به شيطان فقال مهلا يا ابان هذا حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغت الثلث رجعت الى النصف يا أبان انك اخذتني بالقياس والسنة اذا قيست محق الدين (2).

ولذا من قاس في الدين قرنه الله بأبليس، والقياس قد يسبب الخطأ كما قال ابليس النار أفضل من الطين واشرف، مع ان الله تبارك وتعالى عالم بالمصالح ولذا فضل الطين على

ص: 112


1- الأعراف: 11.
2- الوسائل، كتاب الديات، باب 44 ح1.

النار، ففي التراب منافع كثيرة منها محل الراحة واستقرار العباد ومنها معايشهم وأرزاقهم وخيراتهم.والحق: ان السجود كان لآدم كما هو الصريح في الآية (أسجدوا لآدم) ولو كان أدم القبلة أو كان هو الامام لابد أن يقال سجدت الى القبلة أو مع الامام لا للقبلة والامام.

وأيضاً لو لم يكن السجود لآدم لم تظهر لآدم فضيلة ولم يمتنع الشيطان حينئذ من السجود. مع أنه سجد لله جل وعلا سنين طوال.

قد يقال في توجيه السجدة لآدم بأن السجود على قسمين - سجود عبادي وسجود تعظيمي - أي قد يسجد الانسان بقصد عبادة المسجود له كما يفعل ذلك المشركون عندما كانوا يسجدون للأصنام. وهذا هو السجود العبادي الذي هو مختص بالله تعالى، وأما السجود التعظيمي فلاينافي التوحيد في العمل بل ينبئ عن احترام المسجود له وهذا لامانع له اذا كان بامر منه جل وعلا وقد عرفت بان سجودهم لآدم كان بأمر منه تعالى، فالسجود لآدم اطاعة وعبادة لله تعالى، لا أنه عبادة لآدم. والدليل على ذلك قوله في الآية (مَا مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ).

اذاً مخالفة الشيطان مخالفة للأمر الألهي فهو يستحق الطرد من رحمة الله جلّ وعلا.

اذا عرفت هذا: ان الانسان كما قلنا - لابد عند شروعه في أمر خصوصاً اذا كان خطيراً كما هو (مضمون الحديث) ان يكون مرتبطاً مع الله جل وعلا وهذا الارتباط كما يحصل مع الاسم قد يحصل مع ذاته جلّ وعلا ويكون سبباً للدلالة على الصراط المستقيم (1) والطريق المستوي ويمنعنا عن الانحراف ويعطينا الاطمئنان بالوصول الى المقصد، كما ذكر مفصلاً بالنسبة الى الانبياء حين استعانوا بالله تعالى. ولذا من توكل عليه كان مؤملاً املاً وطيداً في الوصول الى المقصد، ومن استعان بغيره، واعتمد على غير الله كان عمله هباءاً وباطلاً، لانه تعالى بيده تقرير مصيرنا وهو العالم بمصالحنا، بل بيده كل شيء كما في قوله تعالى: (وَيُمْسِكَ السَّمَواتِ والأرضَ أن تَزُوْلا) (2).

وبما أنه هو الثابت الباقي وهو الأول والآخر ولازوال لوجوده وهو الفياض المطلق، لذا كل شيء في وجوده وبقائه محتاج اليه. ولو وكّل العالم الى نفسه طرفة عين وقطع عنه عنايته لتلاشى كأن لم يكن شيئاً مذوكراً.

ص: 113


1- فعن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) أي ارشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبتك والمبلغ دينك والمانع من ان نتبع اهواءنا فنعطب أو نأخذ بآرائّا ونهلك (البران: ج1 ص51).
2- فاطر: 41.

اذاً هو الواهب لجميع النعم والسعادات، وهو المشرّع بل الواضع للقوانين والعمل بهذه القوانين، هو الذي يكفل وحدة وصولنا الى المقاصد والسعادة بشكل مؤكد.

ص: 114

الفصل الخامس: الكلام في معاني الإسم وإشتقاقه

اشارة

الاسم - إما مأخوذ من وسَمَه (أي العلامة) وحذفت الواو وهي فاء الفعل وعوض عنها الهمزة، قال الله تعالى: (سَنَسِمُهُ عَلى الخَرْطُوْمِ) (1) أي سنجعل له سمة أهل النار وهي أن يسود وجهه، والخرطوم وإن كان يطلق على الانف فقط ولكن بعض الوجه يؤدي عن البعض، وقولك: توسمت فيه الخير - أي رأيت وسم ذلك، ووسمت الشيء وسماً - أي علمته علامة وعبر بالوسم عليه وهو غاية الاهانة.

والحق:

أنه مشتق من السمو وقدم الحرف الأخير حسب قانون القلب والنقل الذي هو من القواعد النحوية، وابدل همزة بعد ذلك.

وبما أن الاسم يكون سبباً لظهور المسمى، اذاً الأفضل أن يكون مشتقاً من السمو لأنه يكشف عن عظمة المسمى ويكون مطابقة بين اللفظ والمعنى.

ولو قلنا: بمعنى وسم لا دلالة له على هذا المعنى، بل يكون بمعنى شيء يدل على المعنى، ولان تصغيره يكون على سميّ بخلاف الأول فانه يكون من وسيم، وأيضاً يجمع على اسماء والأول يجمع على سمات كعده، عدات.

ولايخفى بأن بين الاسم والمعنى تكون الهوهوية والاتحاد، ولذا يسري حسن اللفظ وقبحه الى المعنى. وعلى العكس يسرى حسن المعنى وقبحه الى اللفظ. وقد يكون نفس المسمى (كلفظ الاسم) فانه لما كان اشارةً الى اللفظ الدال على المسمى فمن جملة المسميات لفظ الاسم، فقد يكون الاسم مغايراً للمسمى (كلفظ الجدار) الدال على المعنى المغاير له ونحو ذلك، وانما سمّى كل لفظ اسماً لان مفهومه بعد الجعل من مرحلة الخفاء يصل الى مرتبة الظهور والارتفاع أو ان اللفظ بعد جعله لشيء يحصل على معنىً ويخرج من الاهمال وقد

ص: 115


1- القلم: 16.

يحصل على العلو والارتفاع قال الله تعالى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا) (1) قيل المراد بها أسماء المسميات فحذفالمضاف لكونه معلوماً مدلولاً عليه وذكر الاسماء لان كل اسم مستلزم لوجود المسمى له، ولم يذكر المسميات لان التعليم وقع على الاسماء لا على المسميات.

واما الآية الاخرى وهو قوله تعالى: (أنْبِؤني بأسْمَاءِ هَؤلاءِ) (2) فيمكن أن يراد به نفس الاسم كما يقال هذا: اسمه كذا وهذا اسمه كذا، أو يحتمل أن يراد بها الاجناس كما يقال: هذا فرس وهذا حمار والأنباء عن أحوالهما فيما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية.

إن قلت: فلمَ حذفت الألف في بسم الله وأُثبتت في باسم ربك.

قلت: قد اتبعوا في حكمها حكم الدرج دون الابتداء الذي عليه وضع الخط.

هل أن أسماء الله تعالى توقيفية أم لا؟

لايخفى أن ذات الله تبارك وتعالى غير متناهية وغير محدودة، فعلمه أيضاً يكون كذلك، فوضع الاسماء لذاته لابد أن يكون من قِبله تعالى لأنه هو الذي يرى المناسبة بين الذات والاسم بعدما كان عالماً بذاته.

إذاً ماورد من الاسماء لله تبارك وتعالى نأخذها، أما ما لم يرد فلايجوز عقلاً اطلاقه عليه، اذ لعل هناك مانع ومفاسد في اطلاقها عليه. والعقل الناقص المحدود لايتمكن من ادراك جميع المصالح، اذاً المتبع هو ما ورد من الأسماء المذكورة في الكتاب والسنة، كما ورد عن الرضا (عليه السلام): «فليس لك أن تسميه بما لم يسمّ به نفسه» (3).

ولابأس بذكر ما نقل عن بعض المحققين بالنسبة الى جواز إطلاق بعض الاسماء على ذاته وعدم جوازها قال: الاسماء بالنسبة الى الذات المقدسة على أقسام ثلاثة:

ص: 116


1- وقد مر ذكرها، البقرة: 31.
2- البقرة: 31.
3- عيون أخبار الرضا: ج1 ص189.

الأول: مايمنع اطلاقه عليه، وذلك كل اسم يدل على معنى يحيل العقل نسبته الى ذاته الشريفة كالاسماء الدالة على الامور الجسمانية أو ما هو مشتمل على النقص والحاجة.

الثاني: ما يجوز عقلاً اطلاقه عليه، وورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة تسميته به. فذلك لاحرج في تسميته به، بل يجب أمتثال الامر الشرعي في كيفية اطلاقه بحسب الاحوال والاوقات والتعبدات إما وجوباً أو ندباً.الثالث: ما يجوز اطلاقه عليه ولكن لم يرد ذلك في الكتاب والسنة كالجوهر فان أحد معانيه (وهو القائم بذاته) وغير مفتقر الى غيره.

وأما الآخر وهو بمعنى الجزء الذي لايتجزأ وهو الذي صح أن تحله الأعراض، فلايمكن بهذا المعنى صدقه عليه، فالجوهر عند المتكلمين أما جوهر فرد أو خط أو سطح أو جسم وكل واحد مفتقر الى الحيز. وعند الحكماء تنحصر الجواهر في خمسة: الهيولا والصورة والجسم والنفس والعقل، فان كان جوهر حمل لجوهر آخر فهو الهيولا، أو حالاً في جوهر آخر فهو الصورة، أو مركب والحال والمحل فهو الجسم، أو لايكون حالاً ولا محلاً ولا مركباً منهما فهو المفارق، فان تعلّق الاسم تعلق تدبير فهو النفس، وان لم يتعلق تعلق تدبير فهو العقل. وقد ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام): في تقلب الأحوال تعرف جواهر الرجال (1) أي حقائقها التي جُبلت عليها، هذا بالنسبة الى أسمائه اللفظية. أما اسمائه التكوينية فهي: ان جميع موجودات العالم آية وعلامة واسماء مقدسة لله تعالى وكما ورد في الدعاء (باسمائك التي ملأت أركان كل شيء) (2)، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما رأيت شيئاً الاّ وقد رأيت الله قبله وبعده ومعه».

وفي كل شيء له اية***تدلّ على انه واحد

ولذا ورد عنهم (عليهم السلام): «نحن اسماء الله الحسنى وكلماته العليا ومثله الأعلى». وفي خبر آخر عن مولانا الصادق (عليه السلام): «نحن والله الاسماء الحسنى التي لايقبل الله من العباد عملاً الاّ بمعرفتنا» (3).

وعن مولى الموحدين: «ما لله آية اكبر مني ولا نبأ أعظم مني» (4) والدليل على عدم انحصار الاسماء على الاسماء اللفظية قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهم على المَلائِكَة) فان ضمير الجمع يكون لذوي العقول فالمراد بالاسماء: اشباح محمد وآل محمّد

ص: 117


1- نهج البلاغة: ج3 ص202.
2- دعاء كميل.
3- مكيال المكارم: ج2.
4- الفصول المهمة، الحر العاملي: ج1.

وفي الحديث: «خلق الله محمداً وعترته اشباح نور بين يدي الله قلت: وما الاشباح؟ قال: ظل النور ابدان نورانية بل أرواح».

سئل الشيخ الجليل محمد بن محمد بن النعمان: ما معنى الاشباح؟ فاجاب: الصحيح من حديث الاشباح الرواية التي جاءت من الثقات بأن آدم (عليه السلام)رأى على العرش اشباحاً يلمع نورها فسأل الله تعالى عنها فأوحى الله اليه أنها اشباح رسول الله وأمير المؤمنين والحسنوالحسين وفاطمة(عليهم السلام). وعلمه بأنه لولا الاشباح التي رآها ما خلقه الله ولا خلق سماء ولا أرضاً.

ثم قال: والوجه فيما اظهر الله من الاشباح والصور لآدم (عليه السلام) ان دله على تعظيمهم وتبجيلهم، وجعل ذلك اجلالاً، لهم ومقدمة لما يفرضه من طاعتهم، ودليلاً على ان مصالح الدين والدنيا لاتتم الا بهم، ولم يكونوا في تلك الحال صوراً مجسمة ولا ارواحاً ناطقة ولكنها كانت على صورهم البشرية. وتدل على ما يكونون في المستقبل. وقد روى أنّ آدم لما تاب الى الله وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده فاجابه الخ، إذاً هم الأسماء الحقيقة التي تدل على الالوهية من جهة المظهرية التامة.

الكلام في الأسماء الحسنى

اعلم أن لله اسماءاً تسمى بالاسماء الحسنى ولابأس بذكرها وشرح مجملاً عنها: قال الله تبارك وتعالى: (وِللهِ الأسمَاءُ الحُسْنَى فادْعُوْهُ بِها) (1) أي احسن الاسماء من جهة المعاني والدلالة.

الله: هو اسم للموجود الجامع لجميع الصفات الألهية والمستحق للعبادة فقط فان كل موجود سواه لايليق للعبادة.

ص: 118


1- الاعراف: 180.

وبعبارة اخرى: ان اسماء الله أما ان تدل على الذات فقط من غير اعتبار أمر آخر أو مع اعتبار أمر. وذلك الأمر اما ذهنيّ فقط، أو سلبي فقط، أواضافة وسلب فالأقسام أربعة منها:

الأول: مايدل على الذات فقط كلفظ (الله) فانه كما مر اسم للذات الموصوفة بجميع الكمالات الربانية المتفردة بالوجود الحقيقي، وجامع لجميع صفات المعبود الكامل المطلق وموجد جميع القوى والقدرات: (إنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَمواتِ والأرضَ أَنْ تَزُوْلا) (1) فقدم اسمالجلالة ليفيد الحصر في إمساكهما وإبقائهما. اي لايمسكهما غيره. وهذا تنبيه للبشر على كمال قدرته تعالى. ومن يكون شأنه هكذا فهو الذي يستحق العبادة فقط لا غيره. وان زوالهما وبقائهما يكون بيده جلّ وعلا، لابيد غيره. وان كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته، بل يكون وجوده مستفيداً من غيره، وكل موجود غيره يحتاج في وجوده الى فيض الفياض وكذا في بقائه. ولو وكّل العالم الى نفسه يتلاشى كأن لم يكن شيئاً مذكوراً كما مرت الاشارة اليه.

الثاني: مايدل على الذات والاضافة: فانه بالاضافة الى مقدور تعلقت به القدرة بالتأثير كالخالق بالنسبة الى المخلوق، فان تعالى قدرته مطلقة تشمل أي شيء بشرط أن يكون قابلاً لتأثير القدرة فيه وان قدرته جلّ وعلا غير متناهية، لأنه عين ذاته، وقد خصصنا هذين القسمين من تلك الأقسام الأربعة لارتباطهما بالبحث عن اسمائه الحسنى تبارك وتعالى.

وبما أن الاسم يكون بمعنى السمة وهي العلامة فاسماء الله تكون أحسن الأسماء لاشتمالها على المعاني الحسنة وتمجيد وتقديس وتعظيم له وتدل على صفات الجلال والجمال والاكرام والافضال والانعام، وسائر صفات الأفعال وصفات الذات.

ففي البحار عن توحيد الصدوق عن الهروي عن علي بن موسى، عن أبيه، عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ لله عزّوجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن احصاها دخل الجنة».

وقال الصدوق: معنى «ومن احصاها» أي الاحاطة بها والوقوف على معانيها وليس معنى «احصاها» عدّها. ويحتمل أن يكون المراد من الاحصاء الذي يكون سبباً لدخول الجنة هو التخلق بها ومعرفة الحقائق بمداليلها والاّ العد والاحصاء بمعنى ظاهر اللفظي وعدم التعمق والتدبر فيها لايكون سبباً لدخول الجنة.

ص: 119


1- فاطر: 41.

بعدما قلنا ان ذات الله وجداني وبسيط من جميع الجهات، فتعدد وتكثّر الاسماء لايوجب تعدد الذات بعد أن يكون وجوده أشد وأكمل مراتب الوجود. وفي عين البساطة يكون جامعاً لجميع وجوه الكمالات ومنزهاً ومبرّءاً من جميع النقائص. اذاً ان حقيقته واحدة ولايتكثر بتكثر الاسماء. وهذه الاسماء والصفات تدلان على شيء واحد وهو الكمال المطلق:

عباراتنا شتى وحسنك واحد***وكل الى ذاك الجمال يشير

وتعدد الدلائل لايكون سبباً لتعدد المدلول، لان اللفظ يكون بمثابة المرآة بالنسبة الى معناه. ولو كان هناك آلاف المرايا وتقع فيها صورة شخص واحد فتعدد المرآة لايكون سبباً لتعدد ذات الشخص.

الملك:

أي الحاكم المطلق وهو أعم من المالك، لأن ما تحت حياطة الملك من حيث هو ملك أكثر مما تحت حياطة المالك من حيث أنه مالك، وأيضاً ان الملك أقدر على ما يريد في أكثر تصرفاته فيها وسياسته لها، وأقوى إستيلاءاً عليها من المالك. هذا اذا فرضنا أنهما وصفان للمخلوقين، أما بالنسبة الى الله فالمالك والملك سواء. قال الله تعالى: (هُوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلاّ هُوَ المَلِكَ..) أي: المالك لجميع الاشياء دون أي منازع في ملكيته وهو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، بل يحتاج اليه كل موجود ولايستغني عنه أي موجود في شيء، لا في حياته ولا في بقائه ولا في ذاته ولا في صفاته لان وجود كل موجود منه أو مما هو منه.

اذاً هو مملوك له في جميع أموره والله مستغن عنه في كل شيء لكنه يكون حقيقياً ومالكية غيره مجازية.

القدوس:

أي الطاهر المنزّه عن العيوب والنقائص، بل من كل آفة وقبيح، وكل ما لايليق نسبته اليه من الشريك والولد والصاحب والجسمية وبقية الصفات غير اللائقة به بل هو المبارك وواهب الخيرات لجميع الموجودات بفضله وكرمه، بل والمنزه عن كل وصف يدرك بالحس أو يتصور بالخيال أو يسبق اليه وهم، أو يختلجه ضمير المختلج أو فكر أي مفكر: وقيل: للجنة حظيرة القدس لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام:

ص: 120

هو الذي يَسلم العباد من ظُلمه وترجى منه السلامة وقيل: هو الذي تسلم ذاته وصفاته من كل نقص وفي الدعاء: اللهم أنت السلام ومنك السلام (1) أي أنت المسلِّم أولياءك والمسلم عليهم أي منك بدأ السلام واليك عوده في حالة الوجود والعدم.

المؤمن:

وهو المتصف بالايمان ونسبته الى الله تعالى باعتبار أن من اطاعه يؤمن عذابه، أو ينسب له الأمن والايمان، لان اسبابهما بيده ولايوجد في الدنيا أمن ولا أمان من الآفات والأمراض والمهلكات، ولا في الآخرة من العذاب والنقمات الاّمنه. وهو يحصل باسباب هومتفرد بخلقها وهو الذي يُرشد الى استعمالها كي يبقى سالماً آمناً من الخوف. وفي البحار قال الصادق (عليه السلام): سمى الباري عزّوجلّ مؤمناً لانه يؤمن من عذابه مَن اطاعه.

المهيمن:

ذكر لمعنى المهيمن أمور منها:

1- هو القائم باعمال العباد وارزاقهم وآجالهم، أي: هو المطلع على هذه الأمور.

2- المتسلط والرقيب على الأشياء.

3- أو بمعنى الأمين، أي: لايضيع بحضرته حق أحد، أو المؤتمن على شيء ومنه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أمين الله على رسالته. وفي الحديث: «المؤذنون امناء المسلمين على صلاتهم وصيامهم ولحومهم ودمائهم» (2).

4- وبمعنى الذات المقدسة المطلعة على كلية الخلائق.

5- ما يصدر منهم من الأقوال والأفعال ولم يخفى عنه شيء ولو بمقدار ذرة في السماوات والارضيين أو بمعنى الحافظ أيضاً.

العزيز:

وهو الغالب الذي لايُغلب، والمنيع القادر الذي لايقهر، أو الذي لايعادله شيء. وهو الذي تكثر حاجة المخلوقين اليه، ويستحيل الوصول الى الاحاطة بكنهه. ونسب الى الشيخ علي بن يوسف بن عبدالجليل في كتابه: منتهى السؤال في شرح الفصول «العزيز بمعنى

ص: 121


1- مفاتيح الجنان.. للشيخ عباس القمي: ص16.
2- البحار: 84، 124.

الخطير الذي يقل وجود مثله وتشتد الحاجة اليه ويصعب الوصول اليه. فليس العزيز المطلق الا الله». وقال صاحب العدة: «العزيز المنيع الذي لايغلب».

الجبّار:

ويأتي على معان:

1- هو الذي تنفذ مشيئته على سبيل الأجبار للخلق في الأمور التكوينية قال تعالى: (وإذا قَضَى أمْراً فإنّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُوْن) (1) - أي اذا تعلقت ارادته بشيء فيوجد في الخارج بلا مهلة ولا توقف.2- هو الذي يجبر حالهم ويصلحهم.

3- الجبار: العظيم الشأن الملك والسلطان. ولايطلق هذا الوصف لغيره تعالى الاّ على سبيل الذم. وفي حديث الكوفة: «ما أراد بك جبار سوءً الاّ ابتلاه الله بشاغل أو رماه بقاتل» (2).

ومن الجبابرة الذين أرادوا بها السوء: زياد بن ابيه روي أنه كان جمعهم بالمسجد لسب علي (عليه السلام) والبراءة منه، وكان يقتل من يعصيه في ذلك، فبينما هم مجتمعون إذ خرج حاجبه فأمرهم بالانصراف وقال: ان الأمير مشغول عنكم وكان قد رمي بالحال بالفالج، ومنهم عبيدالله اصابه الجذام (3).

المتكبّر:

هو بمعنى ذي الكبرياء، وهو الذي يرى كل الموجودات حقيرة بالاضافة الى ذاته، ولايرى العظمة والكبرياء الاّ لنفسه، ونظره الى بقية المخلوقين نظر الملوك الى العبيد. وفي الحديث القدسي الكبرياء ردائي والعظمة ازاري.

أي الذات المقدسة المطلعة على كلية احوال الخلائق وما يصدر منهم من الأقوال والأفعال ولم يخف عنه ولو بمقدار ذرة في السموات والأرضين. ويأتي بمعنى الحافظ أيضاً.

ص: 122


1- البقرة: 117.
2- نهج البلاغة: ج1 ص93.
3- مجمع البحرين، باب جبره.

وفي الحديث (لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من الكبر، لايخفى بان التكبر لغير الله من الاخلاق المذمومة وعلاج هذا التكبّر أن ينظر الانسان الى نفسه من أن أول نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو مابين ذلك يحمل العذرة وان آخره الفناء في الدنيا وفي الآخرة مسيره الى الى الحساب وفي الدعاء: أعوذ بالله من سوء الكبر أي ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخبيط في الرأي.

لايخفى أنّ التكبر في غير الله من الأخلاق المذمومة وعلاج هذا التكبر أن ينظر الانسان الى نفسه فيرى أن أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو مابين ذلك يحمل العذرة، وان آخره الفناء في الدنيا. وفي الآخرة مسيره الى الحساب والعقاب. وفي الدعاء: «أعوذ بالله من سوء الكبر» أي: ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل والتخبيط في الرأي وغير ذلك.

الخالق:

أي المبتدئ لجميع الأجسام والأعراض، والمحدث للأشياء بكاملها والمخترع على غير مثال سبق وفي الحديث: «خلقت الخير واجريته على يدِ من أريده وخلقت الشر واجريته على يد من اريده» (1).

البارئ:

أي المنشئ للخلق، أو الموجد على وفق التقدير. بارئ البرايا أي: خالق الخلائق والمميز بعضهم عن بعض باشكال مختلفة. وفي مجمع البحرين البارئ من أسمائه تعالى فسر بالذي خلق الخلق من غير مثال.

المصوّر:

أي لجميع الموجودات باعطائه جلّ وعلا لكل شيء صورة خاصة وهيئة خاصة يتميز بها عن بقية الصور مع كثرتها.

ص: 123


1- الكافي، باب الخير والشر.

قيل: الخالق المقدر لما يوجد، والبارئ المميز بعضهم عن بعض، والمصور الممثل. ويسمى أيضاً الباري لان كل شيء حينما يخرج من العدم الى الوجود فيفتقر الى التقدير أولا، والى الايجاد على وفق التقدير ثانياً والى التصوير بعد الايجاد ثالثاً: وبهذه الاعتبارات الثلاثة يوكن الله خالقاً وبارئاً ومصوّراً.

وما قيل بان هذه الثلاثة ترجع الى معنىً واحد فهي الفاظ مترادفة والكل راجع الى الخلق والاختراع، ففي غير محله، كما ذكرنا، بان كل ما يخرج من العدم الى الوجود مفتقر الى التقدير اولاً... الخ.

اذاً يسمى خالقاً من حيث أنه هو المقدر، ويسمى بارئاً من حيث هو المخترع ومصوراً من حيث أنه يرتب صور المخترعات على احسن ترتيب.

الغفّار:

أي المتجاوز عمن استغفره وتاب وأناب كما قال تعالى:(فَقُلْتُ استَغْفِرُوْا رَبَّكُم) (1) أي اطلبوا منه المغفرة والعفو عن معاصيكم.

وقيل: معناه، الستار لذنوب عباده وعيوبهم، والمتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم فانه جلّ وعلا قد ستر على العبد مقابح بدنه التي تستقبحها الأعين، وغطاه بجمال ظاهر، ثم ما يخرج بباله وخواطره من الأمور المذمومة، وما يقصده ويريده من الأمور القبيحة، وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة، وسوء الظن بالناس الذي لو انكشف شيء منها لمقته الناس، ثم أنه ستار لما يستر من العبد من الذنوب التي يستحق بها الفظيحة على أعين الناس، فهو جلّ وعلا قد أسدل عليها الستر في الدنيا وقد يتجاوز عن عقوباتها في الآخرة بعد أن يتوب عن ذنوبه، يقال غفر الله ذنبه أي ستر عليه ذنبه، وغطّاه، وصفح عنه. وعن الشهيد: هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح (2). والغفور الشكور هو الذي تكثر مغفرته ويشكر اليسر من طاعته.

القهّار:

ص: 124


1- نوح: 10.
2- فوائد الفوائد: ج2 ص168.

أي شديد القهر والغلبة والقاصم لظهور الجبابرة من أعدائه فيقهرهم بالفناء أو الاذلال وليس هناك موجود الا وهو تحت تسخيره وقهره وغلبته وفي قبضته قال تعالى: (هَوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (1) أي الغالب وكذلك قوله تعالى: (إنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُوْن) (2).

الوهّاب:

أي كثير الهبة كما قال تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزيزِ الوَهَّاب) (3) أي له جلّ وعلا خزائن كثيرة غير متناهية فيعطي ما يشاء لمن يشاء ويهب لمن يشاء اناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، اذاً هو الوهّاب المطلق المستغني عن الجزاء لمن يهبه وعطائه من غير عوض واحتياج لكي يوصل عطاؤه النفع اليه. والفرق بين الواهب والوهّاب أن الأول يقال لمن وهب شيئاً من أموال الدنيا الفانية والثاني هو الذي يجود بالعطايا التي لاتفنى.قال صاحب العدة: الوهّاب الكثير الهبة والمفضال في العطية (4).

الرزّاق:

هو الذي خلق الأرزاق الجسمانية وهي الأطعمة، والروحانية وهي مختصة بالقلوب. وهي العلوم والاسرار، فالأول حياة للجسد الى مدة قريبة الأمد وأما الثاني فهو باق بعد الموت للأنسان (العلماء باقون ما بقي الدهر).

إذاً هو الرزاق الذي يوصل الى الخلائق أرزاقها، والمتكفّل بايصالها اليهم. وقيل الأرزاق نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات وباطنة للقلوب كالمعارف والعلوم.

ونسب الى البحار معنى الرزاق: أنه يرزق عباده برّهم وفاجرهم.

الفتّاح:

ص: 125


1- الأنعام: 18.
2- الأعراف: 127.
3- ص: 9.
4- عدة الداعي: ص311.

أي الحاكم أو ما ينفتح بلطفه كل منغلق، كأبواب الرزق والرحمة وينكشف بهدايته كل مشكل كما قد يفتح الممالك لأنبيائه ويخرجها من أيدي أعدائه قال تعالى: (إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيْناً) (1) فوعده تعالى بفتح مكة، وفتحها على يديه.

وقيل: فتح خيبر وفارس والروم وغيرها (2).

وفي الحديث: (اذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء، وأبواب الجنان واستجيب الدعاء) (3)، وفي الحديث (اذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب والنيران واستجيب الدعاء) (4).

العليم:

هو المحيط في كل شيء بعلمه، وبكل معلوم على ما هو عليه، ظاهرة وباطنة، جليلة ودقيقة أوله وآخره، فاتحته وعاقبته، جزئيته وكليته، ومازعمه بعض الفلاسفة من عدم علمهبالجزئيات الزمانية باطل. وليس هنا مجال لبيان ضعف شبهاتهم والرد عليها. فعلمه جلّ وعلا من حيث الوضوح والانكشاف على أتمّ ما يمكن، فلايكون هناك انكشاف أو مشاهدة أظهر منه فهو عين ذاته وغير متناهي، ما يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فعلمه بالاشياء قبل خلقلها كعلمه بالأشياء بعد خلقها.

القابض الباسط:

فالقابض أي الذي يمسك أو يقتر على قوم ويوسع على آخرين بلطفه وحكمته وهو القابض للأرواح عند الممات.

والباسط هو الذي يبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة.

وقبض الصدقات عن الأغنياء، ويبسط الأرزاق على الضعفاء، ويقبض القلوب فيضيقها بما كشف لها من عظمته وجلاله، ويبسطها بما يتعرف اليها من لطفه وجماله.

اذاً اذا كان البسط والقبض بيد الله تبارك وتعالى، فلايبخل بما وسع عليه فليغتنم ذو السعة فرصة الانفاق والأقراض قبل أن يضيق عليه رزقه، فتبقى عليه الحسرة، قال تعالى:

ص: 126


1- الفتح: 1.
2- مجمع الحبرين/مادة (فتح).
3- البحار: 94: 26، ح1.
4- الكافي: ج4، ص67.

(بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوْطَتَان) (1) وهو كناية عن جوده جل، وعلا. والقابض الباسط هو كناية عن قدرته تعالى بالنسبة الى بسط الجود وقبضه أي: حرمانه ومنعه، اذاً هو قادر مختار يفعل الأشياء عن حكمه.

الخافض الرافع:

أي الخافض للكفار والجبابرة والفراعنة. بمعنى أنه يضعهم ويذلّهم (يَرْفَعْ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات) (2) - أي يرفع المؤمنين على غيرهم بالاسعاد من جهة اطاعتهم لله وللرسول، ويرفع الذين اُوتوا العلم على الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم، أو يرفع أولياءه بالتقرب، ويخفض من قصرت مشاهدته على المحسوسات، وهمته على الشهوات الى أسفل السافلين. قال تعالى: (خَافِضَةٌ رَافِعَة) (3) أي تخفض قوماً الى النار وترفع آخرين الى الجنة (وَرَفَعْنَاهُ مَكاناً عَلِيّاً) (4) وهو شرف النبوة والقرب لله تعالى وقيل: رفعه الى السماء الرابعة والسادسة.

المعزُّ المذل:

المعزّ هو الذي يعطي العزة لمن يشاء من عباده ويُلبس الذل لمن يشاء من عباده، بعد نفي أنواع العز عنه، وهو الذي يؤتي الملك لمن يشاء وينزعه عمن يشاء، (أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ) (5).

أي رحماء على المؤمنين وغلاظ شداد على الكافرين، وفي حديث مدح الاسلام: أعز أركانه على من غلبه (6).

السميع:

وهو الذي لايعزب عن إدراكه مسموع، فيسمع السرَّ والنجوى.

ص: 127


1- المائدة: 64.
2- المجادلة: 11.
3- الواقعة: 3.
4- مريم: 57.
5- المائدة: 54.
6- نهج البلاغة: 153، الخطبة 106.

بل ما هو ادق من ذلك وأخفى، ويدرك أو يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ويسمع بغير جارحة كما يتكلّم بغير لسان.

قال تعالى: (عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ) (1).

أي لايغيب عنه مثقال ذرة أي: أصغر جزء ممكن. بالاحاطة والعلم لا بالذات. واذا كان بالذات لزمها الحوايه (الحديث) (2).

اذاً هو يسمع حمد الحامدين وأنين المناجين كما ورد في الآية الشريفة:

(واللهُ سَميعٌ عَلْيْم) (3) أي يسمع وساوس الصدور، ولاتخفى عليه خافية، بل يسمع جميع الأقوال، ويعلم الأفعال ومافي الضمائر. وهو عالم بذاته المقدسة.

البصير:

أي المشاهد للأشياء ظاهرة كانت أو مخفية، من غير جارحة. اذاً البصر في حقه تعالى عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات. وفي الحديث: (سميناه بصيراً لانه لايخفى عليه ماتدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك) (4).

الحكم:

هو بمعنى الحاكم والقاضي الذي يمنع الناس عن المظالم. ولارادّ لقضائه وحكمه: كما ورد في الآية الشريفة: (أَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (5) أي لايجزي الاّ بعمله.

وقال تعالى: (إِنَّ الاَبْرَارَ لَفِي نَعِيم * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيم) (6) فاكّد الله تبارك وتعالى بانّ الأبرار وهم المؤمنون المطيعون من أوليائه وعباده الصالحين يكونون منعّمين بنعيم الجنة. وعلى العكس ان العاصين لأوامره تعالى يكونون في الجحيم أي: النار التي

ص: 128


1- سبأ: 3.
2- مجمع البحرين/مادة عزب.
3- البقرة: 256.
4- البحار 4: 154 ح1.
5- النجم: 39، 40.
6- الانفطار: 13، 14.

سجّرها خالقها لغضبه. وفي الدعاء (اللهم بك حاكمت) أي رفعت الحكم اليك ولا حكم الاّ لك وبك، وبك خاصمت من نازعني في الدين.

العدل:

أي ذو العدل أوالعادل الذي لايميل به الهوى حتى يجور بالحكم، بل يضع كل شيء في موضعه ويثيب على الحسنة الحَسَنة، ويعاقب على السيئة السيئة (إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالاحْسَانِ..) (1) أي الانصاف التام، وفي الحديث «من المنجيات كلمة الرضا والسخط» (2) وعند المتكلمين المراد بالعدل هو: العلوم المتعلقة بتنزيه الباري من فعل القبيح والاخلال بالواجب. وبعبارة اخرى هو الذات المقدس الذي يحكم بعدل وحق. وكل اقواله وأفعاله يكون مرضياً وما يفعله يكون طبقاً للحكمة والمصلحة والمنفعة للعبيد. فهو لايظلم في حكمه ويكون مبرّء من الافراط والتفريط.

اللطيف:

أي العالم بدقائق المصالح وغوامظها، والدقيق بعباده بايصال النفع اليهم في الدارين، ويهيئ لهم ما يوصلهم الى المصالح من حيث لايعلمون. قال تعالى: (لاَ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (3).

أي لاتراه العيون ولاتدركه البصائر، ولاتحيط بكنه ذاته، وهو الذي يلطف على العباد بشمول رحمته لهم، وقيل: العالم بغوامض الأشياء. وفي الحديث: الله لطيف لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى منها وموضع النشو منها... الخ وقيل اللطيف لانه خالق للخلق اللطيف، وعظيم لانه خالق للخلق العظيم وقيل: لطيف لانه يكلف باليسير ويعطي الكثير. لطيف حيث اذا دعوته اجاب، لطيف لانه لو قصدته آواك، واذا احببته احبّك، ولو اطعته يعطيك الجزاء، ولو أغضبته عفى عنك، ولو اعرضت عنه يدعوك إليه، ولو أردت التوجّه اليه هداك الى نفسه. (إنك تدعوني فاولي عنك وتتحبّب إليَّ فاتبغّض إليك وتتودّد إليَّ فلا

ص: 129


1- النحل: 90.
2- البحار 77: 52.
3- الانعام: 103.

أقبل منك كأن لي التطوّل عليك فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والاحسان إليَّ والتفضّل عليَّ بجودك وكرمك فارحم عبدك الجاهل).

وفي حديث هشام بن الحكم في اثبات الصانع: الاشياء لاتدرك الاّ بأمرين الحواس والقلب، والحواس ادراكها على ثلاث معان ادراك بالمداخلة وادراك بالمماسة وادراك بلا مداخلة ولا مماسة فاما الادراك الذي بالمداخلة فالأصوات والمشام والطعوم واما الادراك بالمماسة فمعرفة الأشكال من التربيع والتثليث ومعرفة اللين والخشن والحر والبرد واما الادراك بلا مماسة ولا مداخلة فالبصر فانه يدرك الأشياء بلا مماسة ولا مداخلة في حيز غيره ولا في حيزه فادراك البصر له سبيل وسبب فسبيله الهواء وسببه الضياء فاذا كان السبيل متصل بينه وبين المري ادرك ما يلاقي من الألوان والأشخاص فاذا حمل البصر على ما لاسبيل له رد راجعا فحكي ماورائه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة وكذا الناظر في الماء الصافي يرد راجعا فيحكي ما ورائه إذ لاسبيل له في انفاذ بصره وأما القلب فانما سلطانه على الهواء وهو يدرك جميع ما في الهواء فلاينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجوداً في الهواء من أمر التوحيد فانه ان فعل ذلك لم يتوهم الاّ في أن الهواء موجود كما قلناه في أمر البصر تعالى الله أن يشبهه شيء من خلقه.

الخبير:

أي العالم بما كان وما يكون، فهو عالم بما خلق، إذا لايعزب عنه تحرك الاشياء ولاسكونها ولا اضطرابها ولا اضطراب قلوب العباد ولا إطمئنانها، بل هو خبير بالامور كلها، بل مطلع بما في خفايا الباطن.

الحليم:

وهو الذي يرى معصية العبد ومخالفته لأوامره ولم يعاجل بالعقوبة، والمسارعة على الانتقام، ولايستفزه غضب ولايعتريه غيض. قال تعالى: (إنّكَ لأنْتَ الحَلِيْمُ الرَّشِيْدُ) (1) أي اللطيف بمعاملة عبادك أو اللطيف بالخلق.

قلنا: انه له الحلم ولايعاجل بالعقوبة كما قال الله تبارك وتعالى:

ص: 130


1- هود: 87.

(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّة وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (1).

أي لو أخذ الناس بكفرهم ومعاصيهم واختيارهم طريق الباطل على الحق، لم يبق منهم على وجه الأرض من أحد، لأنهم خلقوا لأجل الطاعة والعبادة فاذا لم يبق أحد منهم فلاثمرة في ابقائهم.

العظيم:

أي الذي لاتحيطه العقول من جهة معرفة كنهه وذاته، لأنه قد جاوز جميع حدود العقول. وليس لعقل ما الاحاطة بحقيقة ذاته. وهو العظيم المطلق لا العظيم النسبي، وعن الشهيد «هو الذي لاتحيط بكنهه العقول» وقيل: هو ذو العظمة والجلال، بل هو الذات المقدس الذي له العظمة والكبرياء. وكل شيء ذليل مقابل عظمته. وهذه العظمة تكون من جهة الشأن والقدر لا من جهة الجسمية والتوليد.

الغفور:

وهو الذي يغفر ذنوب عباده، وتكثر مغفرته لهم. وهو بمعنى الغفار، أي تتكرر منه المغفرة وفي الغفور أيضاً مبالغة ولكن هذه المبالغة فيه تكون بالاضافة الى تمامها وشمولها وكمالها بحيث يبلغ اقصى درجتها قال تعالى: (وإنّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً) (2).

أي لمن تاب عن الذنوب توبة نصوحة لارجعة فيها. وأيضاً غفار للمؤمن به والذي يأتمر بأمره وينتهي عن نواهيه، ويعمل عملاً صالحاً، ويكون مهتديا بولاية أهل البيت(عليهم السلام). وفي الدعاء (أسألك العفو والعافية والمعافاة) (3) أي التجاوز عن الذنب.

إذاً يفهم من الاية ان شروط المغفرة اربعة:

(التوبة - الايمان - العمل الصالح - ولاية أهل البيت (عليهم السلام)).

ص: 131


1- النحل: 61.
2- طه: 82.
3- مفاتيح الجنان، للشيخ عباس القمي (قدس سره): 16.

الشكور:

بمعنى أنه يجازي باليسير من الطاعات فيضاعف لهم الجزاء، بل يعطي بالعمل في الأيام المعدودة القليلة، نعماً كثيراً في الآخرة غير محدودة له وهو الشكور المطلق لان مجازاته غير محدودة ولامحصورة كما مر.

والشكور بالنسبة للعبد هو المبالغ في الشكر كما في قوله تعالى: (إنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوْراً) (1) أي باذلاً وسعه في ذلك.

وبالنسبة الى الله جلّ وعلا هو بمعنى المغفرة وإعطاء الجزاء.

وفي المجمع هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء فشكره لعباده مغفرته لهم.

وفي الخبر: لايشكر الله من لايشكر الناس، أي لايقبل الله شكر العبد على إحسانه اذا لايشكر إحسان الناس (كَانَ اللهُ شَاكِراً عَلِيْماً) (2) أي مجازياً على الشكر.

العلي:

ومعناه العالي بسلطانه وهو في المرتبة العالية وليس فوقه شيء في الرتبة وهو العلي المطلق (وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيْم) (3) - أي المنزه من المِثل والند وهو العظيم في سلطانه وجلاله وكل ما سواه محتقر بالنسبة إليه.

وفي البلد الأمين «العلي الذي لارتبة فوق رتبته». وفي الحديث القدسي: يا آدم هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له إسماً من اسمي. وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسماً من اسمي.

ويقال: علا في الأرض، أي تجبّر وتكبّر، ويقال: علا فقرب ودنى فبعد اي علا عن مشابهة الممكنات، ومنزه عن صفات المخلوقين وإدراك الأوهام. فعن الباقر(عليه السلام) (كلّما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود اليكم) (4).

الكبير:

ص: 132


1- الاسراء: 3.
2- النساء: 147.
3- البقرة: 255.
4- البحار: ج69، 293.

وهو الذي عنده الكبرياء كما ورد في الدعاء: (اللهم أهلَ الكبرياء والعظمة) (1) وأيضاً جاء في قوله تعالى: (علم الغَيْبِ وَالشَهَادَةِ الكَبِيْرُ المُتَعَالِ) (2) أي: كبير في قدرته عظيم في شأنه وعلمه في ملكه. وكل شيء بجنب قدرته وعزه وعظمته حقير، بل عزيز من مخلوقاته ذليل بالنسبة إليهّ لانه لايملك لنفسه ضراً ولانفعاً بل لايمكنه أن يدفع السوء عنه، وفي الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري).

الحفيظ:

وهو الجاد بابقاء الموجودات، وصيانة المتضادات، بعضها عن بعض كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة مع أنها مجتمعات في الانسان وسائر الحيوانات. ولولا حفظه أياها وتعادله لقواها لتنافرت وتباعدت وفسدت امزجتها واضمحل تركيبها قال تعالى: (وحفظناها مِنْ كُلًّ شَيْطان رَجِيْم) (3) أي منعنا الشيطان من الصعود اليها والدخول فيها.

وهو الحافظ لجميع الموجودات من الانسان والحيوان بالآلات والادوات التي هيئها لحفظها. وكذا للنباتات، فبعضها بالقشر الصلب وبعضها بالرطوبة وغيرها من الامور الحافظةلها، لأن جميع الموجودات كما أنها في حدوثها تحتاج الى العلة المحدثة ففي بقائها أيضاً تحتاج الى العلة المبقية.

وفي الدعاء: (اللهم صلّ على المستحفظين من آل محمّد).

أما بالبناء للمعلوم، أي: حفظوا الامانة، وأما بالبناء للمجهول أي: استحفظهم الله أياها، ويأتي بمعنى الرقيب قال تعالى: (وَمَا أَنا عَلَيْكُمْ بِحَفِيْظ) (4) أي لستُ عليكم بالرقيب على أعمالكم.

المُقيت:

أي خالق الأطعمة وإيصالها الى الأبدان، ففي الحقيقة يكون بمعنى الرازق ولكن المقيت أخص منه، لان الرزق يتناول القوت وغيره. والقوت مختص بما يكتفى به في قوام البدن. كما قال تعالى: (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْء مُقيْتاً) (5) أي حفيظاً مُقدراً واذا اخذنا

ص: 133


1- مفاتيح الجنان: ص246.
2- الرعد: 9.
3- الحجر: 17.
4- الانعام: 104.
5- النساء: 85.

المقيت بمعنى المتولي على الشيء أو القادر عليه فيكون راجعاً الى العلم والقدرة. وفي الحديث: (اللهم اجعل رزق آل محمّد قوتاً) (1)، أي بمقدار ما يمسك به الرمق من المطعم، أي كفاية من غير إسراف وبعبارة اُخرى فالمقيت تارة يأتي بمعنى الرقيب أي الحافظ وتارة بمعنى صاحب القدرة، وبمعنى خالق الأرزاق..

الحسيب:

أي بمعنى الكافي فحسبك (أي كفاك) فالله هو الكافي لكل أحد وحده. وغيره لايكون له هذه الصفة، لان المكفي في وجوده وبقائه وكمال وجوده محتاج الى كاف والكافي على الاطلاق هو الله وحده، فالموجودات محتاجة بعضها لبعض وكلها محتاجة لله جلّ وعلا، كما ورد في الآية الشريفة:

(وَكَفَى بِاللهِ حَسِيْباً) (2)

أي كافياً وعالماً ومقتدراً ومحاسباً على كل ما أوصى به، وعلى ما نهى عنه. فاحذروا من عدم مراعاة ما حدده الشارع المقدس لانه يحاسبكم بدقة. ويأتيبمعنى المحصي والقادر والعالم والمقتدر قال تعالى: (والشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبَان) (3) أي يجريان بحساب معلوم عنده أو يجريان بأمره ومطيعان له.

الجليل:

أي العظيم الذي كل شيء عنده حقير. وهو الموصوف بصفات الكمال والجلال. والجليل الكامل في الصفات مقابل الكبير الذي هو كامل بالذات، ومقابل العظيم الذي هو كامل بالذات والصفات. كما ذكر في قوله تعالى: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإكرَام) (4) أي تعاظم وتعالى أسم ربك أو ذاته لو قلنا بان الاسم زائد أو عين الذات كما مر لما له من الفضل والكرم والجلال، لانه يُكرم المؤمنين وغيرهم في الدنيا، واكرامه للمؤمن خاصة في الآخرة، وهذه الاوصاف مختصة به جل وعلا ولاينبغي لغيره أن يوصف بها كما ورد في الدعاء:

(اللهم اني أسألك من جلالك بأجله وكل جلالك جليل) (5) وهو راجع الى كمال الصفات أي: صفات الجلال، من الغنى، والملك، والقدرة، والعلم، وغيرها. والعظيم راجع الى كمال الذات والصفات.

ص: 134


1- البحار: 72: 10.
2- النساء: 6.
3- الرحمن: 5.
4- الرحمن: 78.
5- مفاتيح الجنان: ص184.

الكريم:

وهو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل كما في اللغة.

قال تعالى: (يَا أَيُّها الأنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيْم) (1) أي أيّ شيء غرك بمخالفتك لأوامره، وخدعك وسوّل لك الباطل حتى عصيته مع أنه كريم خلقك باحسن الخلق واعطاك النعم الجزيلة.

نسب الى الشيخ أبو علي في اختلاف معنى الكريم قال: فقيل هو المنعم الذي كل أفعاله إحسان وإنعام لايجرّ به نفعاً ولايدفع به ضراً.

وقيل: هو الذي يعطي ماعليه وما ليس عليه ولايطلب ماله.

وقيل: هو الذي يقبل اليسير ويعطي الكثير، وفي كرمه سبحانه أنه لم يرض بالعفو عن السيئات حتى يبدلها بالحسنات. الى أن قال: وانما قال الكريم دون سائر أسمائه وصفاته لأنه كان لقّنه الاجابة حتى يقول غرّني كرم الكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَني آدَم) (2) أي بالنطق والعقلوالتمييز والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وامر المعاش والمعاد، وتسليطهم على ما في الأرض، وتسخير سائر الحيوانات لهم.

وبعبارة أخرى ويأتي بمعنى العزيز فيقال فلان اكرم من فلان، أي اعز. وبمعنى الافضال بالنعم قبل الاستحقاق أي يغفر الذنوب ويعطى اكثر مما يرجو.

الرقيب:

وهو الحافظ والذي لم يغفل عن الشيء، بل يراعيه مراعاة على الدوام ولايرفع نظره عنه، بحيث لو عرفه ممنوعاً لما أقام عليه. قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْل إلاّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيد) (3) وهو من الترقب والانتظار. والعتيد هو الحاضر المهيء وهما ملكان عن اليمين والشمال يكتب احدهما الحسنات والآخر السيئات بأمر من ربهما. ويأتي بمعنى الترقب وهو الانتظار قال تعالى: (إرْتَقِبُوا إنّي مَعَكُمْ مِن المُرْتَقِبين) ومن صفات أهل الايمان قلة المراقبة للنساء أي قلة النظر اليهن.

ص: 135


1- الانفطار: 6.
2- الاسراء: 70.
3- ق: 18.

المجيب:

وهو الذي يقابل مسألة السائل، ودعاء الداعي بالاجابة، وكذا المضطر كما في قوله تعالى: (أَمَّنْ يجيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوْء) (1) والمضطر هو الذي نزلت به نازلة من نوازل الدهر أو ابتلي بمرض أو فقر واحتاج الى التضرع اليه لدفعه.

إن قلت: كم من مضطرّ يدعو فلايجاب دعاؤه؟

قلنا: أولاً: لأستجابة الدعاء شروطٌ ذكرت في محلها.

وثانياً: إن المفرد المعرف بالالف واللام لايفيد العموم وانما يفيد الماهية.

وهذا المقدار من الاستجابة يكفي في ثبوته ولو حصل في ضمن فرد.

وثالثاً: انما هو للوعد بالاجابة. وهذا لايلزم الاستجابة بالفعل وقد يستجيبُ في المستقبل اذا كانت هناك مصلحة.

الواسع:

وهو مقابل الضيق. وهو الذي يبسط النعم على كل الخلائق ووسع رزقه ورحمته كل الناس وغناه يشمل كل فقر.

فهو مشتق من السعة. والواسع تارة ينسب إليه ويضاف الى علمه كما قال تعالى: (وَسِعَ كُلَّ شَىْء علماً) (2) أي أحاط علمه بكل شيء فلايغيب عن علمه شيئاً صغيراً كان أو كبيراً، واخرى من جهة الاحسان وبسط الرزق كقوله تعالى: (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب) (3) فمفتاح الرزق بيده يقتر على بعض ويوسع على آخرين.

اذاً هو الخالق الرازق الذي كل شيء عنده بمقدار ولايعزب عن علمه مقدار ذرة. وهو الذات المقدس الذي بغناه وعدم احتياجه يرفع احتياج الخلق. ورحمته التي لاحد لها شاملة جميع الممكنات ووسعت رحمته كل شيء.

الحكيم:

ص: 136


1- النمل: 62.
2- طه: 98.
3- البقرة: 212.

وهو بمعنى المتقن للأمور، أي: يحكم الاشياء ويتقنها. والحمكة هي معرفة افضل الاشياء بافضل العلوم، وافضل الاشياء هو الله تبارك وتعالى فمن عرفَ سائر الأشياء ما عدا الله فليس بحكيم، لأنه لم يعرف أفضلها والله تعالى هو الحكيم المطلق فمعرفته لكنه ذاته بالعلم الأزلي.

قال تعالى عن لسان ملائكته: (قالوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إلاّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيم) (1) فانهم حصروا العلم بذاته الأقدس، واعترفوا بأن حكمته لايدركونها، وقالوا: أنت العارف بالأمور المصيب في أقوالك والمتقن في أفعالك. وبمشيئته تعالى يعطي الحكمة لمن يشاء (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَة) (2)أي الفهم والعقل.

والحكمة وردت في اللغة بمعنيين: عليم، حكيم فهو من صفات الذات والثاني بمعنى الاتقان في الفعل والعمل فيكون من صفات الفعل. يقول السبزواري «الحكمة هي العلم بحقائق الموجودات على ما هي عليه وقيل الحكمة التشبه بالاله العالم والتخلق باخلاق الله» وفي الحديث (تخلّقوا باخلاق الله أي تشبهو به) (3).

ولابأس بذكر بعض الحكم الواردة عن بعض المعصومين:1) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «رأس الحكمة مخافة الله» (4).

2) «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواه وتمنى على الله تعالى» (5).

3) «ما قل وكفى خير مما كنز والهى» (6).

4) «كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً تكن اشكر الناس» (7).

5) «القناعة كنز لايفنى» (8).

6) «الصبر نصف الايمان واليقين الايمان كله» (9).

ص: 137


1- البقرة: 32.
2- لقمان: 12.
3- الكافي: ج9.
4- الالاختلاص: ص343.
5- حلية الأولياء: ج1 ص267.
6- الكافي: ج2 ص141، باب الكاف.
7- كنز العمال: ج15 ص882.
8- الجامع الصغير: ج2 ص89، باب القاف.
9- كنز العمال: ج3 ص271.

الودود:

بمعنى ذي المحبة وهو الذي يحب الخير لجميع الخلق، فيحسن عليهم في الدنيا كما قال تعالى: (وَهُوَ الغَفُوْرُ الوَدُوْد) (1) أي المتجاوز عن ذنوب من تاب، والمحب لأوليائه وعباده الصالحين. وتُطلق هذه الصفة على المؤمن أيضاً وهو من يُريد لغيره ما يريد لنفسه، وأعلى من ذلك من يؤثر الغير على نفسه كما في قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ على أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة) (2)أي يقدمون الغير على أنفسهم ويفضلونهم بالعطاء ولو كانت لهم حاجة ماسة رأفة منه عليهم. وطلباً للاجر والثواب، ويأتي بمعنى التمني كما تقول: وددت لو أنك تفعل كذا - اي تمنيت - قال تعالى:(قُلْ لاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبْى) (3)بأن تصلوا رحمه(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال تعالى: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً) (4) أي محبة في قلوب الصالحين.

ويأتي بمعنى المفعول أي ان الاولياء يحبونه.

المجيد:

على وزن الفعيل وجاء للمبالغة وهو من له الشرف الواسع في ذاته. جميلة أفعاله، جزيل عطاؤه ونواله. وشرف الذات اذا قارنه حسن الفعل يسمى مجيداً قال تعالى: (ذُوْ الَعْرشِ المَجِيْد) (5) - أي صاحب العرش الموصوف بالمجد والعظمة والحسن والعلو والكمال قال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجِيْد) أي كريم عزيز.

الباعث:

بمعنى المحيي - أي الذي يحيي الخلق بعد موتهم ويبعث من في القبور. قال تعالى: (قالُوْا يَاوَيلنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (6) - أي: قال الكفرة ياويلنا - أي هلكنا وقال الملائكة أو المؤمنون في جوابهم على وجه التقريع (هذا هو الوعد الذي وعدنا به الرسل وأنتم كنتم

ص: 138


1- البروج: 14.
2- الحشر: 9.
3- الشورى: 23.
4- مريم: 96.
5- البروج: 15.
6- يس: 52.

تكذّبونهم وتقولون إنكاراً واستهزاءاً. متى هذا الوعد) ويأتي بمعنى الارسال كما جاء في الحديث النبوي الشريف «بعثني بالحق نبياً» (1)أي ارسلني.

الشهيد:

وهو الذي لايغيب عنه شيء من الأمور الظاهرة كما اذا اسند الى الامور الباطنة فيسمى خبيراً، واذا اسند الى العلم يسمى عليماً، واذا اضيف الى الأمور الظاهرة يسمى شهيداً.

قال تعالى: (عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَهَادَةِ) (2) وفيه أقوال:

1) المعدوم والموجود.

2) ما غاب عن الخلق أو ما خفي عن المخلوقين وما شاهدوه.

3) ونسب الى الامام الباقر (عليه السلام): «ما لم يكن ثم كان». والشهيد في الاصطلاح هو الذي قتل بين يدي نبي، أو أمام معصوم وسمى شهيداً، لان ملائكة الرحمة تشهده، أو لان الملائكة شهود له في الجنة. وقيل: سمى بذلك لأنه لم يمت وكأنه، حاضر كما عبر عنه القرآن الكريم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

الحق:

هو بمعنى المطابقة والموافقة ضد الباطل قال الله تعالى: (أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِين) (3) أي: الواجب بذاته، والثابت بنفسه، والظاهر بالألوهية، أو ذو الحق المبين أي: الثابتة عدالته يوم القيامة لجميع الخلائق، فينتقم للمظلوم من الظالم ويعطي المحسن والمسيء جزاءهما بلا زيادة ولانقيصة، فهو العادل المطلق ونرجو منه ان يعاملنا يوم القيامة بلطفه لابعد له وكما جاء في الدعاء (اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك)، وفي الحديث: «لاتدركه العقول بمشاهدة العيان ولكن تدركه العقول بحقائق الأيمان» أي باركانه. وقولهم الجنة حق والنار حق - أي متحققان الوقوع.

ص: 139


1- البحار: 97، 60.
2- الأنعام: 73.
3- النور: 25.

قال في المجمع: الحق من أسمائه تعالى وهو الموجود المحقق أي الذات المقدسة التي وجوده ثابت وحياته محقق ودائم، وغيره من الممكنات لهم حياة وهمية فهم باعتبار فقرهم الذاتي غير ثابتين حقيقة قال ابو نصر الفارابي «يقال حق للقول المطابق للمخبر عنه اذا طابق القول، ويقال حق للموجود الحاصل بالفعل، ويقال حق للموجود الذي لاسبيل للبطلان اليه. فالاول حق من جهة المخبر عنه وحق من جهة الوجود وحق من جهة انه لاسبيل للبطلان اليه، لكنا اذا قلنا انه حق فانه الواجب الذي لايخالطه بطلان.

الوكيل:

وهو الموكول اليه الامور. وقيل هو الكفيل بالارزاق.

قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكيلاً) (1) أي اجعله وكيلاً في امورك وهو يكفيك شرها واكتف به، بتولي أمرك اليه ليفي بأتمامه، وفي الحديث «وكّل الله الرزق بالحمق ووكّل الحرمان بالعقل ووكّل البلاء بالصبر» (2) اي كل واحدة لاتفارق صاحبتها. اذن ان معنى الوكيل بالنسبة الى الله هو الذات المقدسة التي تكون متولية بحفظنا، أو أنه المعتمد والملجأ حيث يكون الاعتماد والتوكل اليه.

القوي المتين:

اي الذات المقدسة التي تكون صاحبة قدرة كاملة. ولايستولي عليه العجز والضعف في حال من الأحوال وهو الذي له القدرة التامة والمتانة أي: فيه شدة القوة قال تعالى: (ذُوْالقُوَّةِ المَتِيْن) (3) أي الشديد الذي لايعتريه وهن ولايصيبه تعب ولا إعياء، وفي الحديث «المؤمن القوي خير من الضعيف وفي كل خير واحرص على ما ينفعك واستعن ...» (4) أي قوي الايمان بان يكون له قوة وعزيمة علماً وعملاً ليكون اكثر جهاداً أو جداً على الأذى والمشاق في الله، وارغب في العبادة قال تعالى: (فَخُذْها بِقُوَّة) (5) أي بعزيمة وجد واجتهاد.

ص: 140


1- النساء: 81.
2- البحار: 70، 184.
3- الذاريات: 58.
4- سبل السلام، ابن حجر العسقلاني: ج4.
5- الاعراف: 145.

الولي:

هو بمعنى الناصر ينصر عباده، والحافظ لهم، والدافع لشر الاشرار عنهم وبالاخص المطيعين منهم قال تعالى: (اللهُ وَليُّ الذيْنَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِن الظُلُمَاتِ الى النوْر) (1).

اذا هو وكيلهم وأولى منهم بأنفسهم، وكهفهم في الشدائد، وملجؤهم عند الاضطرار يخرجهم من ظلمات الكفر والضلالة الى النور والهداية بتوفيقه لهم.

ولايخفى بأن الخروج هنا بمعنى الدفع لا الرفع، فلايأتي الاشكال:

بانه متى كان المؤمن في ظلمات الكفر حتى اخرجه الله تعالى منها؟

ويأتي بمعنى النصرة والمعونة، قال تعالى: (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُوْلُه) (2)أي الذي يتولى تدبيركم الله ورسوله والذين آمنوا. والولاية: السلطنة العالية مختصة به. ويأتي الولي بمعنى المتولى لأمور العالم المتصرف فيه. والولاية هي الصفة الكلية الالهية غير قابلة للزوال والنفاد. وتأتي بمعنى المحبة والنصرة وتأتي بمعنى الحكومة والسلطنة كقوله تعالى (هُنَالِكَ الوِلاية للهِ الحَق) (3).

الحميد:

وهو المحمود فالله هو الحميد يحمد نفسه أزلاً وأبداً، ويحمده عباده فهو المحمود على كل حال. وحمده جلّ وعلا على صفاته حمده على الآثار الاختيارية الصادرة عن ذاته المقدسة. وهو الذي يستحق الحمد لانه المنعم الحقيقي وكل النعم تكون منه. اذاً الشكر يكون مختصاً بهتعالى فاذا شكر الله عبدٌ من عبيده فيكون نفس الشكر سبباً لزيادة النعم، وحمده تعالى يكون سبباً لاداء حقه قال تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُم) (4).

المحصي:

وهو الذي احاط بكل شيء علمه. فلايفوته شيء صغيراً كان أو كبيراً، ولايعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وينكشف عنده حد كل معلوم وعدده ومبلغه. قال تعالى: (وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأحْصَى كُلَّ شَىْء عَدَدَاً) (5) أي عَلِم مايجري بين رسله وخلقه،

ص: 141


1- البقرة: 257.
2- المائدة: 55.
3- الكهف: 44.
4- ابراهيم: 7.
5- الجن: 28.

واحصى ما وقع وما يقع مذ خلق آدم الى قيام الساعة من الفتن والكوارث الطبيعية وأي أمة أُهلكت أو ستهُلك وغيرها من الوقائع.

المبدئ المعيد:

بمعنى الموجد حيث لم يكن مسبوقاً بمثله. وإلا يسمى اعادة قال تعالى: (إنَّهُ يُبْدِئُ وَيُعِيْد) (1) أي يبدئ الخلق ويوجدهم، ثم يعيدهم بعد أن اماتهم للحساب ويجازيهم حسب اعمالهم قال تعالى:(كُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (2) والموتة الاولى هي كونهم في الاصلاب لان النطفة ميتة والحياة الاولى إحياء الله ايّاهم من النطفة. والموتة الثانية إماتة الله إياهم بعد الحياة والحياة الثانية أحياهم الله للبعث. وقيل: الموتة الاولى هي التي تقع بهم في الدنيا بعد الحياة. والحياة الاولى إحياء الله إياهم في القبر للمسألة. والحياة الثانية إحياء الله اياهم للبعث. وقيل: الموتة الاولى كانت بعد إحياء الله اياهم في عالم الذر والموت يقع بحسب أنواع الحياة منها زوال القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات كقوله تعالى: (يحي الأرض بعد موتها) ومنها زوال القوة الحسية كقوله تعالى: (ياليتني مت قبل هذا) ومنها زوال القوة العاقلة وهي الجهالة كقوله تعالى: (أفمن كان ميتاًفأحييناه) ومنها بمعنى الحزن والخوف المكدر للحياة كقوله (يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت) وقد يستعمل للأعمال الشاقة كالفقر والذل وغيرها كما في دعاء الأنبياء (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا واليه النشور) قيل للامام الصادق (عليه السلام): صف لنا الموت فقال: هو للمؤمن كأطيبريح يشمه فينعس لطيبه فينقطع التعب والألم كله عنه وللكافر لسع الأفاعي ولدغ العقارب وأشد.

المحيي المميت:

الاحياء هو الايجاد والموت ضد الحياة، والخالق لهما هو الله تعالى، الذي خلق الموت والحياة قال تعالى: (كَيْفَ تَكْفُروْنَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أمْوَاتاً فأحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيْكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرجَعُوْنَ) (3).

ص: 142


1- البروج: 13.
2- البقرة: 28.
3- البقرة: 28.

هذا الاستفهام انكاري وقع في مقام التعجب، أي كيف تنكرونه وكنتم أمواتاً فاحياكم، ثم اماتكم عند حلول آجالكم ثم يحييكم في القبور، وترجعون اليه للحشر والحساب، والمحيي هو الله لأنه خلق الانسان، وكذا المميت لانه مميت الاحياء. ومن هذا يظهر بان الحياة والممات والابقاء والافناء كلها تكون بيده وتحت قدرته. وان الموت أمر وجودي لذا تعلقت به القدرة.

الحي القيوم:

هو بمعنى من له الحياة المطلقة، والبقاء من الازل الى الابد، ولاسبيل للفناء إليه قال تعالى: (اللهُ لاَ إلهَ إلاّ هُوَ الحَيُّ القيُّوم) (1) أي الباقي الذي لايفنى لانه هو الموجد للحياة والفناء، ومعنى القيوم: هو القائم الدائم بتدبير الخلق وحفظهم في جميع شؤونهم.

وقيل هو الفعال المدرك. فمعنى الحي على هذا هو الكامل المطلق الذي يدرك جميع المدركات والموجودات. والقيوم هو القائم بنفسه وليس كالأعراض والأوصاف غير القائمين بأنفسهما، ولا كالجوهر فانه (أي الجوهر) وان كان قائماً بنفسه ومستغن عن محل يقوم به، ولكن محتاج في قيامه للغير وهو الحق جل وعلا، لأن قيامه تعالى يكون بذاته وقيام كل شيء به والقيوم كما في البلد الامين هو القائم الدائم بلا زوال بذاته وبه قيام كل موجود في ايجاده وتدبيره وحفظه ومعنى القيوم هو العالم بكل شيء وقيل من ليس له مثل.

اذن هو القيوم المطلق.

الواجد:

وهو من الجدة أي الغني وفي الحديث (فرض الله الحج على أهل جده) (2)وقال تعالى: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) (3) أي سعتكم ومقدرتكم اذاً هو الذي لايعوزه شيء مقابل الفاقد، أو من الوجود وهو الذي لايحول بينه وبين مايريد حائل كما في قوله تعالى: (كن فيكون) (4) وفي الدعاء: (الحمد لله الذي اوجدني من بعد ضعف) أي قواني والواجد هو الغني القادر على الشيء والذي لايفتقر الى شيء.

الماجد: وهو بمعنى المجيد وقد تقدم معناه.

ص: 143


1- البقرة: 255.
2- الكافي: ج4 ص366.
3- الطلاق: 6.
4- البقرة: 117.

الواحد:

وهو الذي لايتجزأ ويكون منزهاً عن التركيب مطلقاً.

اذاً لا جزء له، فالله جلّ وعلا واحد بمعنى انه يستحيل تقدير الأنقسام في ذاته، أو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه أحد، وتوصيفه بالأحد أفضل من الواحد كما قال تعالى: (قُلْ هُوْ اللهُ أَحَد) (1) ولم يقل واحد لان الفرق بين الواحد والاحد بأمور:

الأول: ان الواحد هو المتفرد بالذات والاحد هو المتفرد بالمعنى.

الثاني: ان الواحد أعم مورداً لكونه يطلق على من يعقل وغيره ولايطلق الأحد الاّ على من يعقل.

الثالث: ان الواحد يدخل في الحساب ويضم اليه الثاني والثالث ويمتنع دخول الاحد في ذلك.

الرابع: الواحد هو الذي يقع في أول الاعداد ومفتح لها والاحد اسم بُني لنفي ما يذكر معه من العدد.

الخامس: ان الواحد يكون لنفي الشريك بالنسبة للذات والاحد يكون لنفي الشريك بالنسبة للصفات.

الصمد:

ويأتي على معان :

1 - الذي انتهى إليه السؤدد .2 - الدائم الباقي .

3 - السيد الكريم العظيم الذي يُصمد إليه في الحوائج .

قال تعالى (اللهُ الصَمَدُ) (2) أي السيد المتفوّق في السؤدد، ويقصد إليه عباده في مهمات دينهم ودنياهم .

وأما ما ورد بأن معنى الصمد هو الذي لا جوف له فهذ لا يمكن إطلاقه على الباري جلّ وعلا إلاّ مجازاً، لأنه من صفات الأجسام. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

4 - الذي لا يأكل ولا يشرب .

ص: 144


1- الاخلاص: 1.
2- الإخلاص / 2.

بعث أهل البصرة إلى الحسين (عليه السلام) يسألونه عن الصمد ، فقال : إنّ الله قد فسّره فقال : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد - أي لم يخرج منه كثيف كالولد ولا لطيف كالنفس ولا تنبعث منه البدوات كالسنة والنوم والغم والرجاء والرغبة والشبع والخوف وأضدادها ، وكذا هو لا يخرج عن كثيف كالحيوان والنبات ولا لطيف كالبصر وسائر الآلات (1) .

5- هو القائم بنفسه الغني عن غيره.

6- هو الذي لاشريك له ولايعزب عنه شيء.

القادر المقتدر:

وهما بمعنى واحد ، أي ذو القدرة ولكن المقتدر أبلغ لوجود المبالغة فيه. وقدّرت الشيء بمعنى تمكّنت منه ، قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ إنّا لَقَادِرُوْن) (2) فاللام زائدة ، أي أقسم برب المشارق والمغارب وهو مشرق كل يوم ومغربه، لأنّ للسنة على ما نقلوا ثلاثمائة وستّون مشرقاً وثلاثمائة وستّون مغرباً ، وشروق الشمس في اليوم الثاني لا يكون في المكان الذي أشرقت منه في اليوم الأوّل . وإنّا لقادرون على أن نبدّل خيراً منهم، أي: نهلكهم ونأتي بأحسن منهم فهو القادر المطلق الذي يوجد الأشياء إيجاداً لوحده ، فهو مستغن عن معاونة الغير . ويأتي بمعنى نفي العجز عنه ولا يوصف أحد بالقدرة المطلقة غيره تعالى فقدرته أزلية.قديمة وهي عين ذاته المقدّسة. فثبوت الذات على ثبوت القدرة . وأما قدرة المخلوقات حادثة، ومخلوقة، وتكون من آثار قدرة الباري وبما أنها غير متناهية فلا يمكن تحصيل العلم التفصيلي بها إذن قالوا بعدم جواز التكلّم فيها .ويحتمل إطلاق القادر عليه ، أي هو المقدِّر ، قال تعالى : (فَقَدرْنا فَنِعْمَ القَادِرُوْن) (3) .

المقدِّم المؤخِّر:

أي المقرب المبعد، فهو جلّ وعلا يقدّم جماعة من خلقه ويقرّبهم إليه بنعمه وألطافه، وبرّه وإحسانه، بل بمواهبه على الإطلاق كما يفعل بالنسبة لأنبيائه وأوليائه ، ويبعّد جماعة

ص: 145


1- مجمع البيان ، ج5 ، ص565 - 566 .
2- المعارج / 40 .
3- المرسلات / 23 .

ويؤخّرهم عمّا ذكرنا بالخذلان وإيجاد الموانع عن الوصول إلى قربه ، كما قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْس هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لاََمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) (1) ، أي لو شئنا لأعطينا كل نفس ما تهتدي به وتعمل عملاً صالحاً لتنجو به ونوهيء لها أسباب التوفيق ، ولكن مقتضى تعلّق إرادتي بأنّ العبد لابدّ أن يوفّق ويختار الإيمان والهداية باختياره، ولا يسلك طريق الغواية ، فإنّي لأملأنّ جهنم من المخالف بسوء اختياره ونسيانه الحساب والجزاء والنار ، قال تعالى : (إنَّ الَّذيْنَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسْنى أولَئكَ عَنْها مُبْعَدُوْن) (2) ، أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات سبقت لهم منّا الحسنى - أي الوعد بالجنة وهم بعيدون عن جهنم ومستقرّون في مكان أمين .

وفي الدعاء : «اللهمّ أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر» ، أي أنت الذي تقدّم مَن تشاء من خلقك إلى رحمتك بتوفيقك ، وأنت الذي تؤخِّر مَن تشاء بخذلانك إياهم.

الأوّل الآخر:

أي الأوّل قبل كل شيء والباقي بعد فناء خلقه .

أو الأوّل لا عن أوّل قبله، والآخر لا عن آخر بعده، أو لا عن نهاية ، كما يُعقل ذلك بالنسبة إلى صفة المخلوقين ، قال تعالى : (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِر) (3) ، أي الأوّل بالنسبة إلى كل شيء منه وهو قديم أزلي، وما عداه محدَث ، وهو الباقي بعد فناء الموجودات ، فيبقى وحده بعدهم .

سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن قوله تعالى : (هو الأوّل والآخر)، فقال : ليس شيء إلاّ وهو يبيد ويتغيّر أو يدخله التغيير والزوال إلاّ رب العالمين فإنّه لم يزل ولا يزال إلاّ بحالة واحدة ، هو الأوّل قبل كل شيء وهو الآخر على ما لم يزل لا تختلف عليه الصفات والأسماءكما تختلف على غيره مثل الإنسان يكون تراباً مرة وأخرى لحماً ومرة دماً ومرة رميماً . البُسْر يكون مرة بلحاً ومرة بسراً ومرة رطباً ومرة تمراً فتتبدل عليه الأسماء والصفات والله تعالى بخلاف ذلك (4) . وفي حديث آخر : هو الأوّل لا عن أوّل قبله ولا عن

ص: 146


1- السجدة / 13.
2- الأنبياء / 101
3- الحديد / 3 .
4- تفسير البرهان ، ج4 ، ص286 .

بديء سبقه ، والآخر لا عن نهاية كما يعقل في صفة المخلوقين، لكن قديم أوّل آخر لم يزل (1) ، والآخر من أسماء الله أي الباقي بعد فناء خلقه .

الظاهر الباطن:

أي الظاهر بالدلالات والآيات الباهرة التي تدل على وجوده ووحدانيته، بمعنى أنّ ذاته المقدّسة التي آثارها الربوبية تكون ظاهرة في جميع الآفاق والأنفس ، فهو ظاهر بآياته محتجب بذاته ولا يكون هناك موجود من الموجودات إلاّ أن يكون مظهراً من مظاهره، بل كلها دلالات على وجوده الوحداني.

وفي كل شيء له آية تدل على أنّه واحد.

وإن قلنا بأنّ الظاهر مأخوذ من الظهر أي أنّه يكون مسنداً وملجأً للموجودات ، ومعنى الباطن كما في البحار أنه بطن عن الأفهام فهو باطن بلا حالة، لا يحيط به محيط. وهو المحتجب عن إدراك الأبصار وتلوث الخواطر والأفكار وهو المحجوب بذاته فلم يُدرك كنهه المقدّسة أيّ عقل وفهم كان مرئياً ومحسوساً بالآيات الباهرات . ويُستدل على وجوده بالدليل العقلي . فإن قلت : إذا كان ظاهراً فكيف خفيت على البعض معرفته ؟

قلنا : إنّما خفي على بعض العقول لشدّة ظهوره ، وهذا أصبح سبباً لبطونه ، وكلما جاوز حده انعكس إلى ضده .

ويمكن أن يكون الظاهر معناه العلو أي: الغالب على كل شيء، أو أعلى من كل شيء. وما عداه يكون أدون منه .

والباطن - أي المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر، أو يحيط به الوهم ، أو أنّ الباطن بمعنى أنّه ليس هناك مَن هو أعلم منه دركاً ، قال تعالى : (هُوَ الأوّل والآخر والظاهِرُ والبَاطِن) (2) ، أي الظاهر فليس أظهر منه والباطن فليس أبطن منه .

الوالي:

أي المتولي لأمور الخلائق بالتدبير والقدرة والعقل ، وقيل بمعنى الناصر الذي ينصر عباده ولا والي ولا مدبِّر للأمور إلاّ هو، لأنّه هو الخالق والعالِم بالمصالح والمفاسد ، قال

ص: 147


1- البرهان ، ج4 ، ص373 .
2- الحديد / 3 .

تعالى : (بَلْ اللهُ مَوْلاَكُم) (1) أي لا تتخّذوا الكفار أولياء لكم لتسلموا في الحياة الدنيا ، فإنّ الله هو ناصركم ووليكم فلا تحتاجون مع هذه النصرة منه إلى نصرة غيره فإنّه خير ناصر ومعين ، لأنّ غيره هو المحتاج إلى ناصر .

إذاً فلو لم ينصركم الله، فلا تنفعكم نصرة غيره . وقيل : هو العالِم بما ظهر من الأمور ، وقيل : هو الظاهر بالحجج والبراهين الدالة على وجوده ووحدانيته فلا موجود إلاّ وهو يشهد بوجوده .

المتعال:

بمعنى العلى وقد سبق معناه .

البر:

بمعنى الصلة ، قال تعالى : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (2) ، أي لا يوسع عليكم رزقكم ولا تحصلون على الخير الكثير والنفع المتواصل إلاّ أن تنفقوا ما هو محبوب عندكم ، فإنّ الوصول إلى السعة في الرزق طريقه الإنفاق مما هو أعز عنده من المال ، ولا تصبحوا أبراراً إلاّ بالإنفاق ، وما تنفقوا من شيء فهو عالِم به، يعلم مقدار ما أنفقتم فإنّه يجازيكم ويضاعف لكم في العطاء .

والبَر بالفتح: الصادق ، وقيل : الذي من عادته الإحسان ومنه برَّ فلان بيمينه إذا صدق . وبالنسبة إلى الله جلّ وعلا هو الذت المقدسة الصادق، أو الذات التي لها شفقة وحب على جميع الخلائق. وهو العطوف على عباده الذي عمّ برّه جميع خلقه فيحسن إلى المحسن بتضعيف الثواب ، وإلى المسيء بالصفح والعفو وقبول التوبة .

التوّاب:

التوب والتوبة هما الرجوع عن الذنب والندم على ما فعل ، قال تعالى : (إنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (3) يتوب على عباده ولو أذنبوا مكرراً أي: أذنب وتاب ثم أعاد الفعل وتاب بعد ذلك

ص: 148


1- آل عمران / 150 .
2- آل عمران / 92 .
3- النصر / 3 .

وهكذا ، ولو تكرر مرات عديدة، لكن مع ذلك فإنه جلّ وعلا كثير القبول لتوبة التائبين . وعن البحار أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها العبد في أيّ وقت رجع العبد وتاب عن ذنبه ، فالتوبة هي أوّل طريق السالكين ورأس مال الفائزين ومفتاح الاستقامة للمريدين ومفتاح جميع الخيرات وأصل جميع المنازل والمقامات ، فالذنب مهما يكون عظيماً فرحمة الله أوسع بحيث يبدّل سيئاته حسنات (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (1) .

والتوبة على ثلاثة أقسام : توبة العام ، وتوبة الخاص ، وتوبة الأخص ; فالأولى هي الرجوع عن المعاصي ، وهي توبة العصاة . والثانية : التوبة عن ترك الأولى وهي توبة الأنبياء الماضين . والثالثة : هي الرجوع عن الالتفات إلى غيره تعالى وهي:توبة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعصومين(عليهم السلام)فتوبتهم عبارة عن رجوعهم عما لعله صدر عنهم من عثرة التوجه الى غير جنابه تعالى وهي معتبرة عند أهل السلوك (2).

روي عن مقاتل : لما نزلت الي سورة التوبة قرأها (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصحابه ففرحوا واستبشروا، وسمعها العباس فبكى ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما يبكيك يا عم ؟ فقال : أظن أنّه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّه لكما تقول ، فعاش بعدها سنتين ما رؤي فيها ضاحكاً مستبشراً (3) .

المنتقم:

أي المعاقب . انتقم منه : أي عاقبه ، والمنتقم هو القاصم لظهور العتاة، والناكل للجناة بعد أن أنذرهم وأمهلهم ، قال تعالى : (وَمَا تَنْقِمُ مِنّا إلاّ أنْ آمَنّا بِآياتِ رَبِّنا) (4) ،

أي ما يثيرنقمتك علينا إلاّ إيماننا بآيات الله وما تكرهون منّا مع أنّه لم نرتكب أيّ ذنب ولا جرم وما طعنكم لنا إلاّ لأيماننا بربنا وخالقنا وتصديقنا بآياته لما جاءتنا .

العفوّ:

ص: 149


1- الفرقان / 70 .
2- معراج الذاكرين: ص177.
3- مجمع البيان ، ج5 ، ص554 .
4- الأعراف / 126 .

هو الماحي للذنوب والمتجاوز عن المعاصي. وهو يشبه الغفور إلاّ أنّ الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن محو الذنوب ، قال تعالى : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِن بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْن) (1) ، أي غفرنا لكم عبادتكم للعجل بعد أن تبتم وتجاوزنا عن جرمكم لعلكم تحمدون الله عما عفونا عنكم .

وورد في الحديث : «التائب عن الذنب كمَن لا ذنب له» (2) . وهو الذات المقدّسة مع كمال القدرة والعظمة ليس بصدد الانتقام ، ومحو الذنوب المهلكة بالنسبة اليه سبحانه أقل شيء. وفي الدعاء: «أسألك العفور والعافية والمعافاة» .

الرؤوف:

وهو بمعنى شديد الرحمة. وهو بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى: الرحيم بعباده العطوف عليهم بألطافه ، قال تعالى : (إنّ الله رؤوف رحيم) (3) ، أي رؤوف بالمؤمنين ورحيم بهم .

مالك الملك:

وهو النافذة مشيئته في مملكته كما يشاء وكيف يشاء من جهة الإيجاد والإعدام والإبقاء والإفناء ، والملك بمعنى ما يملكه الإنسان وزمام أمره يكون بيده ،والله تعالى هو المستولي على ملك السماوات والأرض، وما فيهن وما بينهن، بل على جميع الممكنات الدنيوية والأخروية ، قال تعالى : (قُلْ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ) (4) ، أي التام القدرة على جميع الموجودات وله السلطنة والاستيلاء مع تمكن التصرف ، وهذا الملك يعطيه لِمَن له الأهلية والقابلية حسب ما تقتضيه مصلحة العباد ، وينزع الملك ممّن يشاء بموت أو انتقال منه.قال الشيخ أبو علي في تفسير (قل اللهمّ مالك الملك ... الخ) ، الملك : يملك جنس المُلك فيتصرّف فيه تصرّف الملاّك فيما يملكونه ، تؤتي المُلك مَن تشاء : تعطي مَن تشاء من المُلك النصيب الذي قسمتَه له ، (وتنزع المُلك ممَن تشاء) : النصيب الذي أعطيته منه .

ص: 150


1- البقرة / 52 .
2- الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التوبة ، ج2 ، ص435 .
3- النور / 20 .
4- آل عمران / 26 .

فالمُلك الأوّل عام والآخران خاصان . (وتُعِزُّ مَن تشاء) من أوليائك في الدنيا (وتذل مَن تشاء) من أعدائك بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم أعدائك .

ذو الجلال والإكرام:

الجلال بمعنى العظمة ، وهو بالنسبة إلى الله تعالى عبارة عن كمال الصفات وليس هناك كمال ولا جلال إلاّ له ، قال تعالى : (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرام) (1) ، أي يبقى ربك الظاهر بأدلّته كظهور الإنسان بوجهه وإلاّ فليس لله وجه لأنّه ليس بجسم .

ومعنى الإكرام : أي يكرم جميع خلقه، وإكرامه لهم لا ينحصر في شيء خاص ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) (2) ، أي فضّلناهم بالنطق والعقل واعتدال الخلق وتسخير الأشياء لهم، وكذا تدبير المعاش والمعاد. وجلال الله عظمته . وفي الدعاء : اللهمّ إنّي أسألك بجلالك ، وفي الحديث : (في معنى الله قال استولى على ما دق وجل) (3).

المقسِط:

بمعنى العادل ، وهو الذي ينتصف للمظلوم من الظالم .

قال تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولوا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ) (4) ، أي مقيماً للعدل .

الجامع:

هو المؤلّف بين المتماثلات والمتباينات والمتضادات في الوجود ، وهو جلّ جلاله يجمع الخلائق على وجه الأرض. وجمعه لأجناس الموجودات والأجناس المتضادة كأمزجة الحيوانات، أو في الآخرة يجمع الخلائق للحساب، أو أنّه تعالى جامع لأوصاف الحمد والثناء ،قال تعالى : (إذا كانُوا مَعَهُ عَلى أمْر جَامِع لَمْ يَذْهَبُوا حَتَى يَسْتَأْذِنُوْهُ) (5) ، أي إذا كانوا مجتمعين عند الرسول على أمر يقتضي ذلك الاجتماع المشورة أو حضور الحرب لم

ص: 151


1- الرحمن / 27 .
2- الإسراء / 70 .
3- تفسير نور الثقلين ج1 الحيوزي.
4- آل عمران / 18 .
5- النور / 62 .

يتفرقوا حتى يستأذنوه . وفي الحديث : «حمدت الله بمجامع الحمد» (1) ، أي بكلمات جمعت أنواع الحمد والثناء عليه .

الغني المغني:

أي غير المحتاج إلى أحد وليس له علاقة مع الأغنياء ولا تعلّق في ذاته ولا في صفاته ، قال تعالى : (وَاللهُ غَنِيُّ حَلِيْمُ) (2) ، أي ما تعطون وما تنفقون لا ترجع فوائدها إليه، وكذا ما تفعلون من الطاعات ، بل أنتم ترجون ثوابها يرجع إليكم، فهو الغني المطلق . وهو من أسماء الله. أي: لا يحتاج إلى أحد، وكلٌّ محتاج إليه، وهو الغني المطلق . وفي الحديث : «مَن يستغنِ بالله وعطائه يغنه الله» ، أي بمعنى يخلق في قلبه غناً أو يعطيه ممهّدات ليكون مستغنياً عن الخلق بها .

ومعنى المغني : أي الذي يغني مَن يشاء من عباده ، قال تعالى : (إِنْ يَكُوْنُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيْمْ) (3) ، أي لا تخافوا من الفقر وتتركوا الزواج فإن كنتم فقراء يغنيكم من خزائنه بفضله وكرمه. فالزواج بنفسه سبب من أسباب السعة في العيش. والله تعالى أفضاله كثيرة السعة ، والله تعالى هو المستغني عن الخلق، وهم محتاجون إليه، ولا يحتاج إلى شيء خارج عن ذاته في وجوده وكماله لأنّ الاحتياج نقص، ويكون من لوازم الإمكان وهو تام فوق التمام وكامل فوق الكمال ، وكل الممكنات تجاه واجب الوجود لهم فقر ذاتي وصفاتي ، قال تعالى : (أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيْدُ) ، (4) أي أنتم الفقراء في جميع شؤونكم والغني المطلق هو الله .

المانع:

جمع من المنعة ، وهم العشيرة والحماة في اللغة ، وفي الحديث : (سيعوذ بهذه البيت يعني الكعبة ليست لهم منعة... الخبر) (5)، أي قوة تمنع مَن يريدهم بسوء .

أما بالنسبة إلى الباري تعالى بمعنى يحوط أولياءه وينصرهم ، وقد يكون بمعنى

ص: 152


1- مجمع البحرين ج1.
2- البقرة / 263 .
3- النور / 32 .
4- فاطر / 15.
5- العمدة: ابن بطريق.

المنع أي يمنع مَن يستحق المنع ، أو بمعنى رده أسباب الهلاك والنقصان بالأسباب المعدّة لحفظهم، ويرجع حينئذ إلى معنى (الحفيظ) ، والمانع من أسمائه تعالى. فهو من المنعة أي: يحوط أولياءه وينصرهم ، وفي الدعاء : اللهمّ مَن منعتَ فهو ممنوع ، أي مَن حرمتَ فهو محروم .

الضار النافع:

أي ما يصدر منه الخير والشر والنفع والضر ، فيضر مَن يشاء من خلقه لأنّه خالق الأشياء كلها (ضرها ونفعها يكون بيده) ، قال تعالى : (قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إلاّ مَا شَاءَ اللهُ) (1) ، أي لا أتمكّن من جلب النفع ولا دفع الضر إلاّ إذا أراد الله تعالى وأعطاني القدرة في ذلك .

ومن أسمائه تعالى الضار وهو الذي يضر مَن يشاء من خلقه حيث هو خالق الأشياء كلها خيرها وشرها نفعها وضرها. والنافع أيضاً من أسماء الله تعالى وهو الذي يوصل النفع إلى مَن يشاء من خلقه حيث أنّه خالق النفع والضر والخير والشر ،وقد لا يوصل إلى الآخرين لأنّ إعطائه وعدم إعطاءه يكون طبقاً للمصلحة .

النور:

بمعنى الظاهر بنفسه والمظهِر لغيره ، قال تعالى : (اللهُ نُوْرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (2) ، فهو تعالى ظاهر بذاته مظهِر للسماوات والأرض .

وقيل : أصل الظهور الوجود وأصل الخفاء العدم ، فهو موجود بذاته وموجِد لغيره .

وقيل : يُسمى نوراً لأنّه هاد لأهل السماوات والأرض إلى طريق الحق والهداية ويهديهم لما هو النافع لهم وفيه خيرهم .

الهادي:

بمعنى الدليل وهو الذي هدى عباده وعرّفهم معرفته، حتى أقرّوا بوجوده ، أو هدى المخلوق إلى ما لا بدّ منه في قضاء حاجته، حتى الطفل هداه إلى التقام ثدي أمّه بعد الولادة،

ص: 153


1- الأعراف / 188 .
2- النور / 35 .

وفرخ الدجاج ونحوه إلى التقاط الحب وقت خروجه من البيض ، والنحل إلى بناء بيته بتلك التشكيلة الهندسية العجيبة ، قال تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيْراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيْراً) (1) ، أي بالقرآن ، وهم أي المهتدون كثيرون باعتبار أنفسهم، وإلاّ فبالنسبة إلى غيرهم هم قليلون ، وأما إسناد الإضلال إلى الله تعالى فهو باعتبار السبب ، قال تعالى : (الذي قَدَّرَ فَهَدَى) (2) ، أي قدّر خلق الموجودات، وكل كائن إلى ما هو عليه ثم هداهم لتحصيل معاشهم وأرزاقهم بعد أن أحياهم، كما هدى الناس إلى معرفة نفسه . والهداية في نظر العلاّمة المجلسي (قدس سره) على ثلاثة أقسام: الأوّل: الدلالة على الدين. والثاني: هو بمعنى الإيمان وهو هداية من الله تبارك وتعالى، ونعمة منه جلّ وعلا ، الثالث: بمعنى النجاة ، قال تعالى : (وَالَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ . سَيَهْدِيْهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ) (3) ، والهداية بعد الموت ليست إلاّ الثواب والنجاة ، يقول المحقق السبزواري في شرح أسمائه : والهداية إمّا بمعنى الإيصال إلى المطلوب، أو إرائة الطريق الموصل إليه ، وهي إمّا تكوينية عامة لكل مخلوق، لما قال الله تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) ، وقال أيضاً : (رَبُّنَا الذي أعْطَى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (4) . أو تشريعية خاصة بأهل التوحيد والمعرفة ، والتكوينية إيصال إلى المطلوب ليس إلاّ بخلاف التشريعية ، الخ .

البديع:

بمعنى المبتدع ، أي هو الذي فطر الخلق مبدعاً لا عن مثال سبق ، قال تعالى : (بَدِيْعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (5) ، أي مُنشئهنَّ لا عن شيء . وقيل معنى البديع : إن لم يكن من الأزل له مثيل. وكل الموجودات بعده وُجدت بإيجاده. إذاً تكون ممكنة، والممكن لا يماثل الواجب .

الباقي:

ص: 154


1- البقرة / 26 .
2- الأعلى / 3 .
3- محمد / 4 و 5 .
4- طه / 50 .
5- البقرة / 117 .

هو الذي لا انتهاء لوجوده، ويسمى بالأبدي كما لا أوّل لوجوده، ويعبّر عنه بالأزلي ، قال تعالى : (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (1) ، أي دائم البقاء . يقول صاحب مجمع البحرين : (الباقي من صفاته تعالى، وهو مَن لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إلى أخَر ينتهي إليه) (2).

الوارث:

بمعنى الباقي بعدهم وإليه مرجعهم ومصيرهم ، قال تعالى : (نَرِثُ الأرْضَ وَمَن عَلَيْها) (3) ، أي لا يبقى على وجه الأرض مالك ولا مملوك ولا صارف ولا مصروف ولا متصرِّف ولا متصرَّف فيه .

إذا الأملاك ترجع إليه بعد فناء المُلاّك، وهو الباقي بعد فناء خلقه، وهو القائل : (لِمَنْ المُلْكُ اليَوْمَ للهِ الْوَاحِدُ القَهّار) (4) .

فهذا السؤال، والجواب ردّ على مَن يظن بأنّ له مَلِكاَ ومُلكاً وهذا النداء يكشف عن الحقيقة بأنّ الملك مختص بالله الواحد القهّار أزلاً وأبداً ، وأنّ الوارث من أسمائه لأنّه يرث الخلائق أي بعد فناءهم أجمع. وقد وصف نفسه بذلك بقوله : (نِرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) .

الرشيد:

الرشد خلاف العمى والضلال، والبالغ الرشيد هو ما تكون تصرفاته ملائمة لما هو صالح ، والراشد هو الهادي إلى طريق الحق والصواب ، والرشيد هو الذي هدى الناس إلى ما فيه صلاحهم . أو بمعنى تدبيراته منساقة إلى غايته، وإلى ما هو الحق والصواب من غير إشارة مشير أو هداية هاد أو إرشاد مرشد ، (فهو من أسمائه تعالى وهو الذي يرشد الناس إلى ما فيه مصالحهم، وهداهم إليها، أو بمعنى فعيل الذي تنساق تدبيراته إلى غايتها على سنن السداد بدون إشارة مشير وتسديد سداد مجمع البحرين) (5).

الصبور:

ص: 155


1- طه / 73 .
2- مجمع البحرين مادّة بقي.
3- مريم / 40 .
4- غافر / 16 .
5- مجمع البحرين مادّة رشد.

هو بمعنى المبالغة في الصبر ، وفي الحديث : «الصبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر على ما تحب» (1) ، فالمراد بالأوّل هو مقاومة النفس للمكاره الواردة عليها ، والمراد بالثاني: أن يقاوم ويقابل الشهوة ويخالفها . وفي الحديث : (يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كقابض الجمر) (2) ، أي كما لا يتمكن من قبض الجمر ويصبر على إبقائه في يده لإحراق يده فلا يتمكن على ثباته لدينه لغلبة العصاة والمستهزئين وانتشار الفتن .

والصابر هو الذي حبس نفسه عن إظهار الجزع ، قال تعالى : (إصْبِرُوا وَصَابِرُوا) (3) ، أي اصبروا بأداء الوظائف والتكاليف الشاقة وصابروا على قتال الأعداء أي: غالبوا عدوكم بالصبر .

ومعنى الصبور : هو الذي لا يعاجل لعقوبة مَن عصاه، لأنّه غير محتاج إلى التسرّع وإنّما يعجل مَن يخاف الفوت، بل لا يستعجل إلى عمل قبل أوانه، وينزل الأمور بقدر معلوم، ولا يؤخّرها عن آجالها المقدّرة لها، بل يوجِد كل شيء في أوانه على الوجه الذي ينبغي أن يؤتى به .

هل إنّ الأسماء الحسنى منحصرة بالأسماء اللفظية أم لا ؟

لا يخفى بعدما بينّا وشرحنا الأسماء اللفظية، أن لله تعالى أسماءً أخرى وتسمى الأسماء التكوينية. وهي الموجودات. وأنّما هي مظاهر لله تعالى، بل الموجودات بأسرها هي الأسماء الحسنى، لأنّها تدل على وجود الله فإنّ الدلالة كما تكون بالاسم تكون بالذات والمسمى بكل الموجودات، هو لسان ناطق بوحدانيته كما ورد في الدعاء : «بأسمائك التي

ص: 156


1- نهج البلاغة ، ج3، ص164 .
2- ينابيع ا لمودّة ج2: القندوزي.
3- آل عمران / 200 .

ملأت أركان كل شيء» (1) ،

وقد نسب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)قوله : «ما رأيت شيئاً إلاّ وقد رأيتالله قبله وبعده ومعه» ، وقال تعالى : (تُسبَِّحُ لَهُ السَّماوَاتِ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمنْ فِيْهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيء إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكنْ لاَ تَفْقَهُوْنَ تَسْبِيْحَهُمْ إنّهُ كَانَ حَلِيْماً غَفُوْرَاً) (2) ، أي التسبيح الملهم من قِبله جلّ وعلا لكل الموجودات ، ولو أنّنا لا نفقه ذلك التسبيح، ولا ندرك كيفية ذلك التنزيه، فتسبّحه الأجسام العلوية كالأفلاك، والسفلية وما فيهما وما بينهما من الملائكة والإنس والجن وغيرهم من أنواع الموجودات والمخلوقات بلسان القال أو الحال . وقد ورد عن أهل البيت : «نحن أسماء الله الحسنى وكلماته العليا ومثله الأعلى» ، أي نحن مظاهر لصفات الله، وبوجودنا تظهر صفاته الكمالية أو الجلالية . كما أن الاسم يدل على المسمى فنحن أدل دليل على ذاته ونحن كلمات الله الرفيعة لله . وقد ورد أنّه تعالى تكلّم بكلمة فأصبح نوراً، ثم تكلّم بالأخرى فأصبح روحاً، واستقر هذا النور في هذه الروح، وجعلها في أبداننا . إذن نحن الكلمات العلية والرفيعة لله ونحن المثل الأعلى لله جلّ وعلا .

إذا هم وسائل المعرفة الإلهية، ووسائط ظهور صفات الكبرياء، ومربي لأنواع المخلوقات تربية روحانية أو جسمانية. قال جلّ وعلا : (وِللهِ المَثَلُ الأَعْلَى) ، أي الصفات الحسنة من وجوب ذاته والغنى المطلق، وتقدسه عن الأولاد والشريك ، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «نحن والله الأسماء التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا» (3) .

ص: 157


1- مفاتح الجنان ، دعاء كميل ، ص62 .
2- الإسراء / 44 .
3- الكافي ، باب النوادر ، كتاب التوحيد ، ج1 ، ص144 .

منافع الأسماء الحسنى

لا يخفى بأنّ لهذه الأسماء منافع كثيرة ونحن هنا نذكر بعضاً منها :

1 - ورد عن مولانا الصادق عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلاّ واحداً مَن أحصاها دخل الجنة» (1) . وغير خفي بأنّ الإحصاء ليس بمعنى العدّ بل بمعنى الإحاطة والوقوف على معانيها كما نقل عن الصدوق .

2 - استجابة الدعاء ، وعن مولانا الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لله عزّ وجل تسع وتسعون اسماً مَن دعا الله بها استجاب ، ومَن أحصاها دخل الجنة» (2) .

3 - لا تقبل عبادة عبد إلاّ بمعرفتهم ، كما مرّ الحديث .

4 - كل نوع من أنواع الخلائق يخلقه الله تعالى باسم من أسمائه كما ورد في بعض الأدعية : «وبالاسم الذي خلقتَ به الكرسي ، وبالاسم الذي خلقتَ به العرش ، وبالاسم الذي خلقتَ به الأرواح» (3) .

فوائد أخرى للأسماء الحسنى

هذه فوائد أخرى نقلت عن بعضهم لا بأس بذكرها .

وفي كتاب الدر المنتظم في السرّ الأعظم لمحمد بن طلحة صاحب كتاب مطالب السؤال : أنّ لجلالته تسعة وتسعين اسماً لأنّك إذا قسمتها في علم الحروف كان كل قسم على

ص: 158


1- التوحيد ، للصدوق ، باب أسماء الله تعالى ، ص194 و 195 ، حديث 8 .
2- نفس المصدر والباب ، حديث 9 .
3- البحار كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبي والأئمة (عليهم السلام) ، ج91 ، ص182 .

ثلاثة وثلاثين، في أحرفها بعد إسقاط المكرر يكون عدد الأسماء الحسنى وأيضاً إذا جمعت منالجلالة طرفيها وهما ستة وقسمتها على حروفه الأربعة يقوم لكل حرف واحد ونصف وتضربه على ما للجلالة من العدد فهو ست وستون تبلغ تسعاً وتسعين (1) .

وفي كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار للشيخ رجب (محمد بن رجب) أنّ لهذا الاسم المقدس أربعة أحرف فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنّها منه وبه وإليه وعنه ، فإذا أخذت منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، فإذا أخذت اللام وتركت الألف بقيت «إله» وهو إله كل شيء ، وإذا أخذت الألف من «إله» بقي «له» وله كل شيء ، وإذا أخذت من «له» اللام بقيت هاء مضمومة وهي «هو» فهو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ومركّب من حرفين (الهاء والواو) فهو حرف واحد يدل على الواحد الأحد ، والهاء أوّل مخارج الحروف والواو آخرها - أعني هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن) (2) .

الوجه في تسمية هذه الأسماء بالأسماء الحسنى

إنّما سمّيت هذه الأسماء بالأسماء الحسنى لأنّها : إمّا تمجيد وتعظيم وتكبير وتحميد ، أو تقديس وتسبيح وتنزيه وتهليل .

وأيضاً - كما أنّ الذات تكون رفيعة والمعنى يكون رفيعاً ، وكما مرّ أنّ رفعة المعنى تسري إلى رفعة الاسم ، فهذه الأسماء أيضاً تكون رفيعة ومقدسة .

إذن لا فرق بين طلب الحاجة بنفس هذه الأسماء ، أو من الذات بعدما كانت هي عين الذات .

ص: 159


1- المصباح ، ص316 .
2- المصباح ، ص316 .

المبحث الثالث: في مختصات لفظ الجلالة - الله -

اشارة

وفيه فصلان :

الأوّل : بيان في كلمة (الله)

الثاني : الإيمان بالله

ص: 160

ص: 161

الفصل الأوّل: بيان كلمة الله (جلّ وعلا)

اشارة

لابد في البحث عنه من بيان أمور

الأوّل : أصله قالوا : إنّ أصله (إله) فيكون بمعنى المفعول لأنّه مألوه ، كالكتاب بمعنى المكتوب حُذفت عنه الهمزة وعوض عنها حرف التعريف .

الثاني : اختلف العلماء بأنّ هذا اللفظ ، هل هو سرياني أم عربي .

وقيل : إنّه كان سريانياً وأصله كان (لاها) وحُذفت منه الألف في آخر الكلمة وعُوض عنه الألف واللام، وعُرِّب فأصبح (الله) .

والحق : إنّه عربي كما يُستفاد من الأخبار والأحاديث الكثيرة .

إذن تكون الألف واللام بمعنى العوض، أو التفخيم لا التعريف، لأنّه كما نبيّن أنّ الله علَمٌ والألف واللام الموجودة فيه أصبحت لازمة، لأنّه لا يستعمل لفظ لاه في أيّ مورد من موارد الاستعمال بدون الألف واللام. وهناك فرق بين الله واله ، فإنّ الأوّل علَم للمعبود الحقيقي كما سيأتي ، وأمّا لفظ إله فيُطلق على مطلق المعبود، حقاً كان أو باطلاً . ثم أُطلق على المعبود الحقيقي على نحو الغلبة ، كالنجم الذي اختص بالثريا والبيت للكعبة .

الثالث : هل الاسم أصبح لله بالوضع أو كثرة الاستعمال ؟

ولو قلنا : بأنّه علَم ووضع له جل وعلا ، فهل كان بالوضع التخصيصي أو التخصّصي ؟

يمكن أن يقال : إنّ هذا الاسم علَم بالوضع لا المفهوم الكلي. وهو المعبود بحق إذاً الوضع يكون تخصيصي وهل الواضع هو الله تعالى أو البشر .

قيل : بأنّ الواضع لابدّ أن يكون هو الله فقط ، لأنّ كل واضع عند وضعه لابدّ أن يتصور الذات ، ولا معنى للوضع بدون التصور ، وتصور ذاته بالنسبة إلى غيره يكون محالاً ، لأنّ التصور على قسمين :

(تصور تفصيلي - وتصور إجمالي) فالأوّل يكون بالنسبة إلى تصوّره لذاته تعالى والثاني يكفي بالنسبة إلى العبد.

ص: 162

فإذا عرفت أنّه علم فالأَولى أن يكون بالوضع التخصيصي، حينما نرى أنّه جلّ وعلا جعل لكل موجود اسماً ، فكيف لا يجعل لذاته اسماً مع أنّ هذا الوضع أَولى وذاته أَولى بأن يوضع لها اسم .

ص: 163

الروايات الواردة في وضعه

ويظهر في كثير من الروايات والأدعية أنّه هو الذي جعل هذه الأسماء لذاته لكي يخاطبه العباد بهذه الأسماء ويدعوه ويتضرّعوا إليه ويعبدوه ، فمن تلك الروايات :

الأولى : روى الصدوق عن علي بن أحمد بن عمران الدقاق مسنداً عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه قال : «... ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبَّدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمي سميعاً بصيراً قادراً قاهراً حياً قيوماً ظاهراً باطناً لطيفاً خبيراً قوياً عزيزاً حكيماً عليماً وما أشبه هذه الأسماء» (1) .

الثانية : وروى أيضاً عن أبيه مسنداً عن محمد بن سنان ، قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) : هل كان الله عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : نعم . قلت : يراها ويسمعها ؟ قال : ما كان محتاجاً إلى ذلك لأنّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعونه بها، لأنّهم إذا لم يدعوه باسمه، لم يُعرف. فأوّل ما اختاره لنفسه: العلي العظيم، لأنّه أعلى الأشياء كلها. فمعناه: الله واسمه العلي العظيم هو أوّل أسمائه لأنّه على على كل شيء» (2) .

الثالثة : روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : «قال (لي) أبو عبد الله (عليه السلام) : ابتدأ منه يا معاوية أما علمت أنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه . فقال له : أين أنت عن الدعاء السريع الإجابة ؟ فقال له الرجل : ما هو ؟ قال : قل وهو اسمك الأعظم الأعظم ، الأجل الأجل النور الأكبر الذي سمّيتَ به نفسك» (3) .

ص: 164


1- عيون أخبار الرضا ، ج1 ، ص145 .
2- عيون أخبار الرضا ، ج1 ، ص129 .
3- الكافي ، ج2 ، ص582 .

الرابعة : روى المجلسي عن البلد الأمين في الدعاء المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أسألك بكل اسم سمّيت به نفسك، واستويت به على عرشك، وهو مكتوب على كرسيك» (1) .الخامسة : روى السيد ابن طاووس في دعاء المشلول ، عن علي (عليه السلام)قال : «أسألك بكل اسم سمّيتَ به نفسك، أو أنزلته في شيء من كتبك أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك» (2) .

السادسة : روى الشيخ عن إبراهيم بن عمر الصنعاني عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : «للأمر العظيم المخوف تصلّي ركعتين ; وهي التي كانت تصلّيها الزهراء (عليها السلام)تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد ... ثم ترفع يديك وتقول : اللّهم إنّي أتوجه بهم إليك وأتوسّل إليك بحقهم العظيم ... يا مَن سدّ الهواء بالسماء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء ، يا مَن سمّى نفسه بالاسم الذي به يقضي حاجة كل طالب يدعوه به» (3) .

السابعة : روى السيد ابن طاووس بإسناده إلى هارون بن موسى التلعكبري (رضي الله عنه) مسنداً عن ياسر مولى الربيع قال : «سمعت الربيع يقول ... فقلت : يا أبا عبد الله أسألك بكل حق بينك وبين الله جلّ وعلا إلاّ عرّفتني ما ابتهلت به ا لى ربك تعالى وجعلته حاجزاً بينك وبين حذرك وخوفك فلعل الله يجبر بدوائك كسيراً . فقال : ... أسألك بكل اسم مقدس مطهّر مكنون اخترته لنفسك» (4) .

الثامنة : روى أيضاً عن عوذة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم وادي القرى : وأسألك يا الله بحق هذه الأسماء الجليلة الرفيعة عندك العالية المنيعة التي اخترتها لنفسك واختصصتها لذكرك ومنعتها جميع خلقك وأفردتها عن كل شيء دونك وجعلتها دليلة عليك وسبباً إليك» (5) .

ومن هذه الروايات وغيرها من الروايات الكثيرة التي لم نذكرها يظهر بأنّ الواضع لهذه الأسماء الشريفة هو نفسه جلّ اسمه .

ص: 165


1- البحار ، ج93 ، ص266 .
2- مهج الدعوات ، ص156 .
3- مصباح المتهجد ، ص266 .
4- مهج الدعوات ، ص175 .
5- مهج الدعوات ، ص174 .

إذاً كما قال المشهور: إنّه علَم للذات الواحد المستجمع لجميع الصفات الكمالية والجلالية على وجه العينية وهو الذي يستحق الثناء والعبودية .

الرابع : وهل هو مشتق أو جامد ؟قالوا : إنّه مشتق من (وله) أي بمعنى ذهاب العقل والتحيّر من شدة الوجد ، وفي الحديث : «لو حننتم حنين الوله العجال لكان في جنب الله قليلاً» (1) ، لأنّ التفكر في ذاته يجعل الإنسان مجنوناً .

وقيل : من (ألهَ) الهت إلى فلان أي اتّكلت عليه وأعتمدت في أموري إليه .

وقيل : بمعنى (الهت في شيء) أي تحيّرت فيه .

وقيل : من (لاه) أي احتجب (لاه - يليه - ليهاً) أي تستَّر ، فإنّ معرفة ذاته جلّ وعلا محجوبة عنا .

وقد نسب إلى الخليل بأنه جامد بدليلين :

الأوّل : بما أنّ ذات الباري لا تكون مشتقة من شيء فالمناسب أن يكون اسمه كذلك .

الثاني : لو كان لفظ الباري مشتقاً، يلزم التسلسل لأنّ أي لفظ يكون لفظ الله مشتقّاً منه فهو أيضاً يكون مشتقاً وهكذا إلى ما لا نهاية والتسلسل باطل. إذاً يكون جامداً .

الخامس : هل هو علَم أم لا ؟

الحق : إنّه علَم ، وقد نقل عن البلد الأمين للكفعمي أنّه «اسم علم مفرد موضوع على ذات واجب الوجود» (2) .

ونقل عن الغزالي : إنّه اسم للموجود الحق الجامع للصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإنّ كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته وإنّما يُستفاد الوجود منه (3) .

وقيل : اسم لمَن هو الخالق لهذا العالَم والمدبِّر له .

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية . فإذا قلنا (الله) فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة وهي صفات الكمال ونعوت الجلال ، ثم قال : هذا

ص: 166


1- مجمع البحرين ، باب (وله) ، البحار: 73: 108، ح 108.
2- معراج الذاكرين ، ص31 .
3- المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى ، ص14 ; المصباح ، ص213 .

المفهوم هو الذي يُعبَد ويوحَّد وينزَّه عن الشريك والنظير والمثل والضد (1) . ويميّز عن بقية الأسماء كما يأتي .إذاً له جميع الصفات العليا وصفاته عين ذاته وليست زائدة على الذات ويفرق بينها وبينه بالعقل ، ويقال (صفاته تعالى لا هو ولا غيره) أي لا هو باعتبار العقل ولا غيره بحسب الحقيقة ، ولما كانت الذات المقدسة جامعة لجميع أنحاء الكمالات والصفات فلابدّ أن تكون جميع الصفات عين ذاته، إذ لو كان بعض صفاته زائدة على الذات فيصبح ناقصاً فلا يكون منسجماً لجميع الصفات الكمالية .

وأنّه مستحق للعبادة واستحقاقه هذا لا يتم إلاّ إذا كان مبدئاً لجميع ما سواه واحتياج ما سواه إليه ، ولذا قال في سورة التوحيد : (اللهُ الصّمَدُ) أي القائم بنفسه الغني عن غيره والمستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد، والسيد المعظّم الذي يقصد إليه الخلق في الحوائج، قاضي الحاجات بلا امتنان ، ويقصده كل ذي وجود في الحوائج والنوازل فهو غني مطلق وما عداه فقير على الإطلاق . إذن هو المقصد والملجأ الذي يفزع إليه كل ما سواه وهو غير محتاج إلى غيره .

وقد استدلّوا أيضاً على أنّه علَم بأمور :

1 - بما أنّه دائماً يقع موصوفاً لا صفة للغير ، فلابدّ أن يكون علَماً لا إسماً للمفهوم الكلي .

2 - إنّه من البديهي أنّ كلمة الإخلاص تفيد التوحيد ويُعرف التوحيد من نفس الكلمة بدون أي معهودية تكون بين المتكلم والمخاطب ، فإنّ كلمة - لا إله إلاّ الله - تفيد التوحيد .

وكما قال الزمخشري : إنّ المختار فيها أن يكون أصلها (الله) - إله ثم دخلت (لا) و (إلاّ) لتحصيل الحصر فصارت (لا إله إلاّ الله) .

إذاً لو لم يكن علَماً لابدّ أن يستفاد التوحيد من الخارج ومن القرينة. مع أنه يستفاد التوحيد من نفس الجملة ، ولا يحتاج في استفادته إلى أيّ قرينة كالمعهودية الموجودة بين المتكلم والمخاطب .

ص: 167


1- القواعد والفوائد ، ج2 ، ص166 .

3 - لو لم يكن الله علَماً وكان مفهوماً كلياً، يكون من باب استثناء الشيء من نفسه لأنّ معنى لا إله إلاّ الله ، أي ليس المعبود بحق إلاّ المعبود بحق ، وهذا لا يفيد التوحيد بل يكون كذباً لأنّ معناها ليس هنا معبود مطلقاً، سواء أكان حقاً أو باطلاً إلاّ المعبود بحق مع ما تخيّلوا بأنّ هناك معبودات .

* وأمّا القائلون : إنّه ليس بعلَم فقد استدلّوا بأمور :1 - لو كان علَماً فلابدّ له من واضع، ولابدّ أن يتصوّر المعنى ثم يضع له اللفظ، مع أنّه تعالى غير متناه، وغير قابل للتصور. وقد أجبنا عن ذلك : بأنّه يمكن أن يكون الواضع هو الله جلّ وعلا أو الإنسان ... الخ كما تقدم .

2 - لو كان علَماً يكون الإخبار عنه بلفظ (أحد) في قل هو الله أحد، لغواً لأنّ الوحدة تكون داخلة في لفظ الجلالة ولا يكون محتاجاً إلى هذا الإخبار. وقد أجيب عن هذا : بأنّ ضمير (هو) إما أن يكون ضمير الشأن أو لا ، فإذا كان ضمير الشأن فليس أحد بمعنى الواحد مقابل الاثنين حتى يكون الإخبار عنه لغواً، بل أحد يكون إما بمعنى الأوّل كيوم الأحد أي اليوم الأوّل ، أو بمعنى البسيط أي هو بسيط بلا جزء ولا نظير كما هي رواية ابن عباس : قل هو الله أحد أي: لا مبعَّض ولا مجزّأ ولا يقع عليه اسم العدد ولا الزيادة ولا النقيصة .

ولو لم يكن ضمير الشأن لابدّ أن نقول بأنّ الآية كانت في جواب كفّار قريش حيث قالوا : يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه ، والضمير (هو) راجع إلى الرب المذكور في كلام قريش. ويكون المعنى هكذا : (إنّ ربي الذي دعوتكم إليه هو ذات مستجمع لجميع الصفات ...) فيكون لفظ أحد هو بمعنى الله، أو خبر ثاني للضمير وليس أحد خبراً للفظ الجلالة حتى يأتي الإشكال ، ولو كان الأحد والواحد بمعنى واحد فالله واحد حقيقي ويكون منزَّهاً عن التركيب الخارجي والوهمي والعقلي كما هو موضح في محله .

إذاً إنّ المعبود بالحق، واللائق للعبادة منحصر في ذاته تعالى لأنّ جميع النعم والخيرات والفيوضات تأتي من قِبله، وهو الذي بيده رحى الوجود. إذاً هو وحده الذي يستحق العبادة، لأنّ شكر المنعِم واجب بحكم العقل ، وكيف لا؟ مع أنّه لا يتمكّن من شكره حقيقةً لو لا الإمداد الإلهي ، إذاً لا يستحق أحد السجود إلاّ الله، كما ورد في القرآن : (وِللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) (1) ، أي كلّها في السماوات والأرض لابدّ أن تسجد لله. لعظمته سبحانه ، وهذا السجود هو السجود الشأني، أو بمعنى الخضوع أي: الاعتراف بالعبودية .

ص: 168


1- الرعد / 15 .

امتيازات الاسم الشريف

لا يخفى بأنّ الاسم الشريف قد امتاز عن غيره بأمور :1 - إنّه أشهر الأسماء .

2 - إنّه أعلى محلاًّ في القرآن .

3 - إنّه جعل أمام سائر أسمائه جلّ وعلا .

4 - إنّه خصّت به كلمة الإخلاص .

5 - قد وقعت به الشهادة .

6 - إنّه علَم للذات المقدسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى ، وغير مشتق من شيء ولا يجوز إطلاقه على غيره حقيقة ولا مجازاً كما مرَّ .

قال تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (1) ، قيل بمعنى مثلاً وشبيهاً ، وإنّما قيل للمثل سميّ، لأنّ كل متشابه لآخر يسمى سمياً لصاحبه. والحق أنّه لا نعلم ولا يُعلم مَن يسمى بهذا الاسم غير الله تبارك وتعالى، حتى الكفرة والملحدون لم يسمّوا آلهتهم بهذا الاسم لانصراف أفكارهم عن هذا . نعم يسمونها باسم الإله وهذا الانصراف يكون من قِبله جلّ وعلا .

7 - إنّ هذا الاسم المقدس دال على الذات المقدسة الموصوفة بجميع الكمالات ، وباقي الأسماء لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني، كالقادر الدال على أنّ له القدرة وأمّا إذا وصف الله تعالى به، فباعتبار نفي العجز عنه فيما يشاء وما يريد ، ومحال أن يوصف بالقدرة المطلقة غيره جلّ وعلا . وإن أُطلق القادر على غيره فقدرته منحصرة على بعض الأشياء .

والعالِم على العلم ومعنى أنّه عالِم أي لا يجهل شيئاً، بل هو عالِم بكل معلوم على ما هو عليه يكون واجباً أو ممكناً أو ممتنعاً أو كلياً أو جزئياً بعدما كانت نسبة ذاته إلى جميع الممكنات بالسوية كما مرّ ، أو فعل منسوب إلى الذات مثل قولنا : «الرحمن» فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة كالرحيم والعليم (الخالق) اسم للذات باعتبار خلقه للأشياء وكل واحد من هذه هو اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي (القدوس) اسم للذات. مع وصف سلبي (أعني التقديس) الذي هو التطهير من النقائص. والباقي اسم للذات مع نسبته وإضافة

ص: 169


1- مريم / 65 .

- أعني البقاء - وهو بين نسبة الوجود والأزمنة إذ هو مستمر الوجود في جميع الأزمنة . وبعبارة أخرى هو ما لا ينتهي وجوده في المستقبل بل يبقى أبدياً، والأبدي بمعنى المستمر في جيمع الأزمنة والأزلي هو القديم أي الذي يقارن وجوده جميع الأزمنة المحققة والمقدّرة. ومقابله الديمومي وهو الذي يكون في المستقبل والأزلي يكون في الماضي .8 - إنّه اسم غير صفة بخلاف سائر أسمائه فإنّها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة لأنّك تصفه ولا يوصف به فنقول : إله واحد ولا نقول شيء إله . وأما وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات لأنّك تقول شيء قادرٌ حيٌّ إلى غير ذلك .

9 - إنّ جميع أسمائه الحسنى تسمّى بهذا الاسم ولا يتسمى هو بشيء منها فلا يقال الله اسم من أسماء الصبور والرحيم والشكور ولكن يقال إنّ الصبور من أسماء الله .

ص: 170

الفصل الثاني: الإيمان بالله

اشارة

بعدما ذكرنا فوائد الإيمان، وأنّه ضروري من ضروريات الدين، فلا بأس بذكر بعض الأدلة على نحو الاختصار.

الأوّل : لا يخفى أنّ الإيمان بوجود الله تعالى فطري في النفس الإنسانية . وحيث يتفكر الإنسان في وجود الأشياء، يرى أنّ كل ما وجد في الكون لابدّ له من علة توجده، وصانع يصنعه. وحيثما ينظر الإنسان إلى الكون المنظّم ويستعرض ما فيه من الكائنات المنتظمة، يحصل له العلم الضروري بأنّ هذه الكائنات لم تُخلَق صدفة .

وبعبارة أخرى يمكن الاستدلال بحاجة النظام إلى المنظم، فالكتب المجعولة في رفوف المكتبة منظمة، لاحتوائها على شرطية التنظيم ، وأما الكتب والأوراق المبعثرة في نفس الغرفة لا تصدق بأنّها منظمة ، وبعد أن عرفت بأنّ النظام بمعنى ترتيب الأشياء لفائدة مهمة خاصة ، فالترتيب النظامي لا يجوز فيه الصدفة ، إذاً النظام يحتاج إلى منظِّم ولابدّ أن يكون عاقلاً مدركاً كي يتمكن من وضع كل شيء في محله، وكي يدرك بين ما ينظمه، والمهمة التي تترتب عليه. ومن السفه أن نعتبر المصنوعات الدقيقة أنّها وُجدت صدفة بلا إدراك وعلم للمنظِّم، بل على العكس، لابدّ أن نعترف بأنّ صانعه قد صنعه بدقة، بعد أن نظرنا في الكون وتنظيم ما فيه لابدّ أن ندرك بأنّ له خالقاً مبدعاً خلقه عن علم وإدراك، لا أنّه خُلق صدفة ، بل تكون الفطرة لكل إنسان هو العلم بوجوده. وليس هناك دليل أوضح من نفس وجوده . و إذا تفكّر الإنسان بنفسه وعلِم بأنّه موجود وعلِم بأن أصل وجوده وبقائه ليس باختياره، وهناك تحصل له وهي خارجة عن اختياره فيتوجه حينئذ بأنّ هناك موجوداً آخر يكون وجوده مرتبطاً بوجوده ويرى أنه تحت اختياره . إذاً مع مشاهدة وجوده يرى وجود خالقه. وهذه المشاهدة والمعرفة تكون فطرية له. من عرف نفسه فقد عرف ربه .

وبعدما عرفت حاجة النظام إلى منظِّم إعلم بأنّ هذا الدليل يمتاز على جيمع الأدلة، لأنّه سهل المأخذ ويمكن أن يهتدي إليه العالِم والجاهل، لأنّ كل إنسان له أدنى إدراك فهو يميز بين النظام والفوضى، ويدرك بأنّ النظام يحتاج إلى منظِّم ، فكلّما كان التنظيم أدق، دلّ على

ص: 171

ازدياد عقل وعلم منظِّمه ، وقلنا إنّه أسهل لأنّ المستدل بهذا الاستدلال لا يحتاج إلى بيان المصطلحات وتقديم المقدمات كما استدل بها المحققون من الفلاسفة بالإمكان والحدوث وغيرهما . ولذا اختار القرآن الكريم وكذا المعصومون هذا التنوع من الاستدلال لما فيه من الأهمية وسهولة ما لا يعطيه أيّ نوع آخر من الأدلة .

لا بأس بالإشارة إلى بعض الآيات القرآنية الموجبة لإلفات الأنظار إلى أنّ في الكون أنظمة، إذاً لابدّ أن يكون لها منظِّم ، منها قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيْلاً مَا تَشْكُرُوْنَ) (1) . فإنّا إذا أردنا النظر إلى السمع ووظيفته وتنظيم أجزائه فيحتاج إلى مؤلَّف كبير ، فبعدما كان وضيفة السمع هو إدراك الأصوات ويميّز بين جميلها وقبيحها ، وبعبارة أخرى فإنّ لهذه الحاسة دورها الجسيم بتطويرها الفكري بحيث يتمكن بها درك الكلام، بل يكون من أهم الوسائل حيث يتم بها التفهيم والتفهّم بين المتكلم والمخاطب .

إذاً لابدّ له من تنظيم خاص حتى يؤدي وظيفته بأحسن ما يرام ، وهذا يدل على أنّ هناك منظِّماً ينظّم أجزاءه ، وهكذا بقية الجوارح بعد أن تكون لكل منها وظائف خاصة .

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَة مِنْ طِيْن . ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَار مَكِيْن . ثُمّ خَلَقْنا النُطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضَغَةَ عِظَامَاً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقَاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِيْنَ) (2) .

(خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا وَأ لْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة وَأنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأ نْبَ-تْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْج كَرِيم هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلال مُبِين) (3) .

(خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَل مُسَمّىً ألا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ. خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأ نْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأ نْعَامِ ثَمَانِيَةَ أزْوَاج يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ اُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْق فِي ظُلُمَات ثَلاث ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ فَأ نَّى تُصْرَفُونَ) (4) .

(وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ إذَا أ نْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِتَسْكُ-نُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَ-يْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ

ص: 172


1- الملك / 23 .
2- المؤمنون / 12 - 13.
3- لقمان / 10 - 11 .
4- الزمر / 5 - 6 .

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أ لْسِنَتِكُمْ وَأ لْوَانِكُمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِلْعَالِمِينَوَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُ-نَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِقَوْم يَعْقِلُونَ) (1) .

وغيرها من الآيات .

وقد عرفت من تنظيم العالم كما أشارت إليه الآيات وأنّه يخضع لقوانين، فمتى حصلت وجد طبقاً للقوانين والأنظمة المعدّة له وليس بصدفة بحيث لا تخضع لأيّ قانون بل يحتاج في إيجاده وإيجاد شروط وجوده إلى منظِّم عاقل مدرك حيث يرتبط وجوده به ابتداءً واستدامة وهوالعلّة الأولى الغنية عن كل علة وهوالله جلّ وعلا .

وقد أشار أمير المؤمنين صلوت الله وسلامه عليه إلى هذا الدليل بقوله : «لو فكّروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة والبصائر مدخولة ، ألا ينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه وخلق له السمع والبصر وسوّى له العظم والبشر . انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر كيف دبّت على أرضها، وضنت على رزقها تنقل الحبة إلى جحرها وتدعها في مستقرها تجمع في حرّها لبردها وفي ورودها لصدرها مكفولة برزقها مرزوقة برفقها لا يغفلها المنّان ولا يحرمها الديّان ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس .

ولو فكّرت في مجاري أكلها وفي علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجباً ولقيت من وصفها تعباً فتعالى الذي أقامها على قوائمها وبناها على دعائمها لم يشركه في فطرتها فاطر ولم يُعنه في خلقها قادر ، ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلّتك الدلالة إلاّ على أنّ فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شيء وغامض اختلاف كل حي وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلاّ سواء كذلك السماء والهواء والرياح والماء ، فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر واختلاف هذا الليل والنهار وتفجر هذه البحار وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال وتفرّق هذه اللغات والألسن المختلفات ، فالويل لمَن جحد المقدِّر وأنكر المدبِّر ، زعموا أنّهم كالنبات ما لهم زارع ولا

ص: 173


1- الروم / 20 - 24 .

لاختلاف صورهم صانع ولم يلجؤوا إلىحجة فيما ادّعوا ولا تحقيق لما أوعوا وهل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان» (1) .

وقد أملى الإمام الصادق على تلميذه المفضل بن عمر الجعفي الكوفي عديداً من الأنظمة، وما فيها من أسرار وحكم، وعجائب من أجهزة الإنسان والحيوانات والطيور والحشرات والفلك، وما يحصل فيه من تغيّرات، والنباتات وأسرار اختلافها والأمراض وأدويتها ثم الموت والفناء (2)

ولا يخفى إذا تفكّر الإنسان في هذه الأنظمة - بعد أن علم بأنّها تحتاج إلى المنظِّم - فسوف لا يتمكّن إحصائها إلاّ موجد الأنظمة .

وهناك أدلة على وجوده تذكر بنحو الاختصار ، منها ما نسب إلى صاحب «صراط الحق» ص104 - 111 ، ذكر اثني عشر طريقاً لمعرفته. وهو الموجود في المنظومة والأسفار . ومنها: دليل الإعمار باعتبار أنّ خوارق النواميس على أيدي الأنبياء والأئمة لا يمكن أن يُفسِّر إلاّ بوجود قوة قوية، وبتلك القوة والاستمداد منها يتمكنون على تلك الخوارق. وتلك القوة المطلقة هي الله جلّ شأنه .

بل لابدّ لها من موجِد أوجدها ، وحينما يرى في هذا الكون من نظام متّفق ودقيق وحركة منسقة، وما يتجلى في كل جزء من أجزائه من آثار الحكمة والتدبير فهذه كلها دالة على وجود منظِّم ومبدىء قادر حكيم، قد أعطى كل شيء خلقه وأتقن كل شيء صنعه .

الثاني : حينما ينظر الإنسان إلى الوراء، يرى أنّ اعتقاد الإنسان بخالقه كان اعتقاداً اضطرارياً، وفي ضمنهم الأنبياء. وهم أعقل البشر. فقد اعتقدوا بوجود الله سبحانه وأخبروا بذلك، وقالوا قد كلفنا بتكاليف وأخبروا بوجود حياة أخرى وهناك في تلك الدار نشر وحساب وعقاب وثواب وجنة ونار ، ونحن نرى أنّه لم يكن لهؤلاء وراء ادّعائهم هذا ودعوتهم الناس للاعتقاد بوجود الله كسب أيّ جاه ولا سمعة، أو جلب منفعة. مع أنّهم تحمّلوا في ذلك المصاعب والمتاعب وضحّوا بكل ما لديهم، بل عرّضوا أنفسهم لكل مشكلة وحدث خطير . ونرى أيضاً بأنّ جمهوراً كبيراً من العلماء والفلاسفة ساروا على هذا الدرب ومضوا عليه داعين شعوبهم إلى الإيمان به جلّ وعلا ، بل أصل هذه العقيدة كانت ناشئة قبل حدوث البراهين والأدلة، وحدثت في نفس الإنسان كإحدى المدركات الرئيسية ، نعم قد زادت نمواً في أدوار الحياة ، فالتاريخ يرينا بأنّ الناس حاملون لهذه العقيدة بالفطرة ومعتقدون بالفطرة

ص: 174


1- نهج البلاغة ، تحقيق محمد عبدة ، ج30، ص335 - 336 .
2- توحث المفصل ، ص37 - 38 .

على وجود قدرةتكون خالقة وحافظة للعالَم ، ولمّا تطوّر الإنسان القديم في مجال الاعتقاد بالله تعالى ، أُثير بعض الشكوك تجاه وجود الخالق، وإرساله له أنبياءه تباعاً مؤيِّدين ما وصل إليه العقل السليم إلى الطريق القويم وأيّدهم بالمعجزات له أي: بما صدر منهم من الأشياء - التي كانت فوق مقدور البشر .

الثالث : الكون آية على وجود الله تبارك وتعالى ، لأنّه بعدما مرّ بأنّ الموجودات بأجمعها مظهر من مظاهر الله جلّ وعلا ولذى نرى (جلّ اسمه) يخاطب الإنسان بأن يوجه نظره إلى مَن خلق هذا الكون من سمائه وأرضه ويدعوه إلى التفكّر في أسراره ليقوى إيمانه، ويطرد فلول الشك عن نفسه ، كما وردت آيات كثيرة في القرآن تحث الإنسان على ذلك ، قال تعالى : (قُل انظُرُوا مَاذا فِي السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ عَن قَوْم لاَ يُؤْمِنُوْنَ) (1) ، أي تأمّلوا وتفكّروا لكي تصلوا إلى الحقيقة عن طريق الفكر، وانظروا إلى الدلائل والعجائب من مخلوقات الله كمجاري الأفلاك والبحار حيث لا يختلط حلو مائه بمملوحه، بل إلى جميع ما في الكون من جماد ونبات وإنسان ... الخ . وأيضاً قوله تعالى : (أوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوْتِ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيء وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُوْنَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُم فَبِأَيِّ حَدِيْث بَعْدَهُ يُؤْمِنُوْنَ) (2) ، أي ألم يتفكروا في مملكة الله الواسعة التي لا يصل تحديدها فكر البشر، ولا يحيط بها نظره، أو لم ينظروا بعين البصيرة إلى أصناف خلقه وعظيم قدرته لكي يتمكنوا من الاستدلال على إثبات وجوده وتوحيده فهذه الأرض التي نعيش فيها ومجموعة كبيرة من الكواكب التي تبهر النظر عند التأمل فيها، يقف الإنسان أمامها حائراً عند التأمل والتفكر فيها، ويسيطر عليه الإعجاب . ولكن بهذا التفكر يصل إلى المقصود، ويزيده إيماناً بعظمة الخالق ، وحيث إنّ الذين يصلون إلى المقصود ويعتقدون بوجود الخالق بهذه الأدلة أو غيرها هم المؤمنون، ولذا يخاطبهم الله وحدهم في بعض الآيات بقوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآية لِلْمُؤْمِنِيْنَ) (3) ، أي خلقهما لغرض صحيح لا باطل، بل من جهة انتفاع الناس وإفاضة الخير وإنزال الرحمة عليهم على اختلاف أجناسهم، بل عقائدهم، ولكي تكون آية على وجوده جلّ وعلا عند المؤمنين، لأنهم كما قلنا هم الذين يعتبرون بهذه الدلائل وينتفعون بها، بل هم الراسخون في الإيمان .

ص: 175


1- يونس / 101 .
2- الأعراف / 185 .
3- العنكبوت / 44 .

الرابع: الشمس والقمر آية على وجوده تعالى، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ والشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (1) ، أي من الآثار التي تدل على وجوده وتوحيده. وهي أظهر الآيات لجميع الخلق الليل الذي يحصل بغيبوبة الشمس وذهابها عن بسيط الأرض ، والنهار الذي يوجد بطلوعها. حيث جعل الأوّل لأجل الاستراحة، والثاني لأجل الكسب، وقدّرهما تقديراً مستقراً وسيّرهماعلى نظام دائم مستمر ، وفيهما آثار وخصائص غير قابلة للعد . ومن آيات قدرته أيضاً خلق الشمس والقمر وبما لهما وما اختصا به من نور ، والشمس هي الآية الكبرى على وجوده جلّ وعلا، وهي التي سخّرها الله تعالى لحياة جميع الكائنات الأرضية . انظر من أين تأتي بوقودها، فلو كانت تنفق مما اختزنت في بطنها ، لانخفضت درجة حرارتها بعد عام أو عامين أو أكثر وعلى هذا عمر الشمس لن يمتد كثيراً، ولكن لو نظر الإنسان إليها من الماضي إلى الآن لرأى أنها أعطت الأرض من الحرارة بمقدار معيّن لا ينقص ولا يزيد، وبهذا المقدار المعيّن يمكن للنبات والحيوان والإنسان أن يعيشوا على سطح الأرض. ولابدّ هناك من منظم يعطي الحرارة للشمس ويبقى الحرارة فيها، ويستمر في إمدادها بمقدار معيّن وترى أنّ صرف هذه الحرارة كما ذكرنا كان بمقدار معيّن لا يزيد فيحرق الموجودات، ولا ينقص فيجمّدها .

الخامس: العلم يدعو للإيمان، قد يقال بأنّ العلم يؤدي بصاحبه إلى الإلحاد، وأنّ الكفر من ضروريات العلم. فإنّ أكثر الناس علماً هو أكثرهم إلحاداً .

قلنا : على العكس إنّ العلم يؤدي بصاحبه إلى الإيمان ولم يكن يؤدي به إلى الإلحاد في زمن من الأزمنة، بل العالِم المنقب حينما ينظر إلى هذا الكون وهو يريد في الواقع، الوصول إلى هذه الحقائق، ويجد نفسه في وسط عالَم لا حدّ له يسوده نظام محكم، لا تشوبه شائبة الفوضى ، فهو بعد التفكر والتأمل التام يخرّ ساجداً ويعتقد بأنّ هناك قدرة إلهية عظيمة أوجدت هذا الكون، ونظمته تنظيماً كاملاً حدوثاً وبقاءً ، ولا شكّ بأنّ العلوم تزيد الإنسان تبصّراً بقدرته تعالى وعظمته . وكل ما اكتشف الإنسان جديداً في دائرة بحثه، ازداد إيمانه بالله تعالى بل بعد تفكر عميق يقرّ بأنّ العلوم سوف تضطرّ الإنسان العالِم إلى الاعتقاد بالله جلّ وعلا ، بل أقوى وأنبل نتائج البحوث العلمية هو الإيصال إلى الإيمان بالله ، ففي الحقيقة إنّ الإيمان والعلم متكاملان ولا يتنافيان خلاف ما يقوله الماديون في التنافي بينهما ، بل العلم الصحيح يؤدي إلى زيادة الاعتقاد بالله، لا أنّه يوصله إلى نكران وجوده تبارك وتعالى ،

ص: 176


1- فصلت / 37 .

وقد ينادي القرآن الكريم بأعلى صوته منذ أربعة عشر قرناً بأنّ الذين يخشون الله على الوجه الأكمل هم العلماء. وتزداد الخشية عندهم بعد النظر العميق والتحقيق الدقيق ووقوفهم على أسرار هذا الكون وإبداعه ونواحي الإعجاز فيه ما لا يظهر لغيرهم ، قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَماءُ) (1) ، لأنّ الخشية دليل على معرفته ، فكل مَن كانت خشيته أكثر كانت معرفته بذاته المقدسة أكثر .

وروي أنّ النبي إبراهيم (عليه السلام) إذا قام في محرابه سُمع من صدره صوت كصوت القدر حينما يغلي فيه الماء من خشية الله ، وكان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حضر وقت الصلاة يتغير لونه الشريف إلى الصفرة والحمرة وكان مثل الذي في حال نزعات الموت من كثرة الخشية ، وكان أثناء صلاته وتسبيحه يُسمع له أزيز كأزيز المِرجل ، وهكذا وصيه بالحق أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) إذا هيّأ نفسه المقدسة للصلاة لا يلتف يميناً وشمالاً بل تنزع حينئذ منه النبال التي كانوا يرمونه بها في الحروب، ولا يتأثر بذلك، لكمال توجهه إلى معبوده، وتوغله في ذاته، وأقصى خوفه منه تعالى . وكان (عليه السلام)يُغشى عليه في مناجاته ويصبح أثناءها كالخشبة اليابسة ، وكان ولده الصادق (عليه السلام) غير قادر على التلبية ويقول أخاف من ربي أن يقول : لا لبيك ولا سعديك .

والمراد من العلماء هم العارفون به والمتفكرون في آياته ، وكل مَن كانت معرفته أكثر زيد في إيمانه وخوفه ، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ أخشاكم لله أتقاكم له» (2) ، وقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُوْلُوْا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسْطِ) (3) . وشهادته جلّ وعلا هي إعلامه بالوحدانية والألوهية بالدلائل الظاهرة والحجج الواضحة القاطعة ، من ذلك خلق العوالم الإمكانية وتنظيم الكائنات من الأزل والأبد ويكون هذا التنظيم على نسق واحد ، وكذلك الملائكة شهدوا بذلك وهكذا العلماء . وحيث نرى أنّه جلّ وعلا جعل شهادته وشهادة العلماء بوجوده ووحدانيته وكذا شهادة الملائكة في درجة واحدة .

والمراد منهم أولوا العلم والعرفان من البشر الذين نوّر الله تعالى قلوبهم بنور الإيمان الراسخ. ولا يتطرق إليهم أيّ شك بل يزدادهم إيماناً بعد النظر إلى عجائب صنعه وبديع نظامه الدائم المستمر الذي لم يتطرق إليه أيّ خلل ، بل بهذا النظر تحصل لهم أدلة واضحة

ص: 177


1- فاطر / 28 .
2- البحار: 70: 344.
3- آل عمران / 18 .

قوية يرشدون بها الجهّال، ويبطلون بها أدلة المعاندين، ويجعلونهم يقرّون بوجوده ووحدانيته تبارك وتعالى .وهناك أدلة أخرى يمكن الاستدلال بها على وجوده جلّ وعلا قد أعرضنا عنها اختصاراً للبحث . نعم سوف نذكر أدلة المتكلمين والحكماء على إثبات وجوده تعالى بما يتلاءم وحاجة البحث .

ص: 178

البراهين والأدلة على وجوده تعالى(عند المتكلمين والحكماء)

هناك بعض الأدلة استدل بها المتكلمون والحكماء على وجوده جلّ وعلا ولهم ثلاثة طرق :

الأوّل : طريق الحكماء في النظر إلى نفس الوجود وتقسمهم إيّاه إلى: واجب وممكن وممتنع

يمكن أن تكون الآية الشريفة إشارة إلى ذلك في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيء شَهِيْدٌ) (1) ، أي أولم يكفِ ثبوت وجوده جلّ وعلا وأنّه مطّلع على كل شيء أو حاضر عند كل شيء ؟

إذاً لابدّ أن يكون للوجود واجب حتى تكون جميع الممكنات موجودة بوجوده ويكون مطّلعاً عليها .

الثاني : طريق المتكلمين

فقد أثبتوا وجود الخالق عن طريق حدوث العالَم، وأنّ كل حادث يحتاج في حدوثه إلى مَن يحدثه، ولابدّ أن يكون هذا المحدِث قديماً أزلياً غير محتاج إلى محدِث يُحْدِثه ولا إلى موجود يوجده . ويمكن أن تكون الآية الشريفة مشيرة إلى ذلك ، قال تعالى :

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفَلَ قَالَ لا اُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أ نَا مِنَ المُشْرِكِينَ) (2) . وكان استدلال إبراهيم بهذه الأمور على سبيل المماشاة والمصانعة مع قومه ليبطل ذلك بالأدلة الواضحة .

ص: 179


1- فصلت / 53 .
2- الأنعام / 76 - 79 .

وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : «إنّ المأمون سأله فقال : يابن رسول الله أليس من قولك إنّ الأنبياء معصومون قال: بلى، قال: فأخبرني عن قول الله عزّ وجل (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي) ، فقال الرضا (عليه السلام) : إنّ إبراهيم وقع بين ثلاثة أصناف ، صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفته فيه أمه ، فلما جنّ عليه الليل رأى الزهرة كوكباً فقال هذا ربي على الإنكار والاستخبار ، فلما أفل قال : لا أحب الآفلين لأن الأفلول من صفات المحدَث لا من صفات القديم ، فلما رأى القمر بازغاً أي طالعاً قال هذا ربي على وجه الإنكار والاستخبار فلما أفل أي غاب قال : لئن لم يهدِني ربي لأكونن من القوم الضالّين ، فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قد شرعت بالشروق قال : هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا علا الإخبار والإقرار فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمرة والشمس : يا قومي إنّي بريء مما تشركون. إني وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ، وإنّما أراد إبراهيم بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أنّ العبادة لخالقها خالق السماوات والأرض . وكان مما احتجّ به على قومه مما ألهمه الله وآتاه كما قال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيْمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجات مَنْ نَشاءُ) فقال المأمون : فللّه درّك يابن رسول الله» .

وبعبارة أخرى : حينما أبطل إبراهيم (عليه السلام) عقائدهم السخيفة وماشاهم وأظهر لهم بأنّي كنت معتقداً لما أنتم عليه من عبادة الزهرة والقمر والشمس ، ولكن بعد أفول هذه الثلاثة عرفتهم بأنّهم لا يستحقون العبادة، ولذا قال: وجّهت وجهي وأقبلت بقلبي بل بجميع مشاعري إلى الله الأزلي والأبدي الذي خلق السماوات والأرض مع ما هي عليه من الموجودات والأنظمة الدقيقة ، مخلصاً في عبادتي غير مشرك به، مائلاً عمّا أنتم عليه من الوثنية .

الثالث : الآيات والأخبار

فما استدلوا به من الآيات والأخبار ما يلي :

1 - قوله تعالى : (سَنُرِيْهِمْ آيَاتُنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنّهُ الحَقُّ) (1) ، أي سنطلعهم على العلائم والآثار الآفاقية، والآيات الأنفسية كمراتب خلق الإنسان

ص: 180


1- فصلت / 53 .

من النطفة إلى العلقة ... الخ كما ورد في الحديث : «مَن عرف نفسه فقد عرف ربه» (1) ، حتى يتبيّن لهم أنّه الحق وأنّه الخالق لهذا الكون . ومعنى عرف نفسه: حيث وُجِد من أخس وأرذل الأشياء وأحقرها وهي النطفة، ووصل بعد طي المراحل إلى هذا الجمال والكمال الجسماني والروحاني أي عالم العقل ، إذاً يعرف ربه لأنّه يعلم بأنّ غير الذات العالِم القادر الحكيم الوهّاب المصوّر، لا يتمكن من إيصال النطفة إلى هذا الكمال والجمال .

إذاً من جهة التفكر والتوجه إلى النفس الناطقة المجردة، عرف الله تعالى بأوصافه الجمالية والكمالية والجلالية . وسئل عارف بمَ عرفت ربك فقال بواردات ترد على القلوب فتعجز النفس عن تكذيبها .

2 - قوله تعالى : (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أنزَلَ اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَ-يْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَات لِقَوْم يَعْقِلُونَ) (2) .

فحينما ينظر الإنسان إلى الموجودات السماوية والأرضية وهي على أشكال مختلفة، ولكل منها نظام خاص وحركة مخصوصة، وهي على نظامها المستمر لا يطرأ عليها نقص ولا عيب من الأزل إلى الأبد ، وكما ذكر حين نتفكر في هذه الأنظمة الدقيقة البديعة نكتشف بأنّ هناك منظِّماً حكيماً دقيقاً وهو الله جلّ وعلا. وهذا دليل عقلي بسيط يتمكن كل مَن ينظر إليها أن يصل إلى وجود الخالق ، ولذا دائماً يحث الله تبارك وتعالى في آياته الشريفة، على النظر إلى هذه الآيات والتفكر فيها بقوله تعالى : (وَيَتَفَكَّرُون فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلا ...) (3) وغيرها من الآيات .

وأما ما استدلوا به من الأخبار فنذكر منها:

أوّلاً : كيفية معرفة أهل البيت (عليهم السلام) له جلّ وعلا .

فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إعرف الله بالله» (4) ، وهذه معرفة العارفين كما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي : «إلهي بك عرفتك وأنت دللتني عليك ولولا أنت لم أدرِ ما أنت» ، وفي الواقع بهذه المعرفة يتفاضل الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) على غيرهم .

ص: 181


1- البحار 61: 99.
2- البقرة / 164 .
3- آل عمران: 191.
4- أصول الكافي ، ج1 ، ص66 .

ثانياً : معرفة العوام ، ويكفي فيها ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام : «البعرة تدل على البعير والروثة تدل على الحمير وآثار القدم تدل على المسير أفهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة ، كيف لا تدلاّن على اللطيف الخبير» (1) . إلى هنا نكتفي بهذا المقدار من البحث وشرح هذه الأدلة مفصلاً في كتابنا «كليات في الفلسفة» .

فوائد معرفة الله

لا بأس بذكر بعض الفوائد التي تحصل من جهة معرفته جلّ وعلا .

1 - قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «ينبغي لمَن عرف الله سبحانه أن لا يخلو قلبه من رجائه وخوفه» (2) ، أي مَن عرفه جلّ وعلا ليس في قلبه أيّ اضطراب ولا يخاف إلاّ منه تعالى ولا يرجو إلاّ منه ويكون دوماً بين الخوف والرجاء .

2 - كما أنّه بعد معرفته جلّ وعلا لابدّ أن يتوكل في جميع أموره عليه كما مرّت الإشارة إليه ، قال أمير المؤمنين : «ينبغي لمَن عرف الله أن يتوكل عليه ولا يتوكل على غيره، بل كلما كان إيمانه أقوى يكون توكله على الله تعالى أكثر ، ومَن كان توكله أكثر كانت معرفته به أكثر» .

3 - العارف بالله يكون خائفاً منه جلّ وعلا فقط ولا يخاف من أحد غيره حتى من الكوارث والموت، لأنّه يتيقن أنّه يكون بعد الموت حاضراً عند محبوبه ، إذاً الموت يكون عنده أحلى من العسل ، قال (عليه السلام) : «مَن عرف الله خاف الله ومَن خاف الله آمنه من كل شيء» .

4 - إنّ معرفة الله تنوّر القلوب بأنواره وإشراقاته ، قال (عليه السلام) : «المعرفة نور القلب» .

5 - مَن عرف الله فقد منع نفسه من الكلام غير الضروري وهكذا بطنه واهتم دائماً بالقيام والصيام ، قال (عليه السلام) : «مَن عرف الله منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنى نفسه بالقيام والصيام» ، أي لا يتكلم بالكلام العبث ويكون السكوت عنده أَولى من الكلام غير المفيد ، وكلامه دائماً بذكر الله ، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)أو كلام حكمة أو إرشاد الخلق ، ويمنع نفسه من ألوان الطعام والملذات النفسانية ويسعى دائماً في الخير،

ص: 182


1- روضة الواعظين ، ص40 .
2- عيون الحكم والمواعظ.

ويصرف عمره في طاعة الله تعالى ، إما بقيام للصلاة أو إمساك للصوم. ويسعى ليله ونهاره للقرب منه جلّ وعلا .6 - مَن عرف الله يكون أكثر قبولاً لعذر الخلائق عند اعتذارهم. ولو لم يكن لهم عذرٌ ، قال (عليه السلام) : «أعرف الناس بالله سبحانه أعذرهم للناس» ، أي لا يطلق لسانه لبيان عيوب الناس ولا يلوم أحداً ويقبل عذره، ولا يبغض أحداً من الخلق، ولا يحقر ولا يهين شخصاً خصوصاً، إذا كان مؤمناً. ويطلب من الله المغفرة لما صدر منه من ذنب .

7 - أعلم الناس بالله سائل منه جلّ وعلا أكثر. وهو يرجع في احتياجاته إليه ويطلب منه فقط ، قال (عليه السلام) : «أعلم الناس بالله أكثرهم له مسألة» (1) ، يعني مَن عرف الله وكان أعرف بمعرفته، يعلم بأنّ زمام أمور العالَم يكون بيده تعالى ، وغيره لا يملك شيئاً ولا تتعلق أيّ قدرة بدون مشيئته سبحانه ، إذاً يلجأ في جميع حاجاته الجسمانية والروحانية إليه تبارك وتعالى، ويمد إليه يد المسألة ، قال تعالى : (إنّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيْدُ) (2) ، أي غني عن الخلق، المحمود في الأمور في السراء والضراء .

إذاً لا يتمكن شخص من افتتاح باب مغلوق عليه كأبواب الرزق، إلاّ بالتوسل إليه. وهو الذي يتمكن أن يفتح هذه الأبواب ، قال تعالى : (مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَة فَلاَ مُمْسِكَ لَها وَمَا يُمْسِكُ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ) (3) ، أي لو أراد الله بعبد خيراً يفتح له باب رحمته، وإذا فتح هذا الباب فلا يقدر أحد منع هذا الخير والرحمة النازلة إليه ، وأما لو حبس الله الخير والنعمة ومنعهما من العبد، فلا يتمكن أحد أن يرسلها من بعد إمساكه جلّ وعلا ومنعه . لأنّ الأمور كلها بيده وتحت قدرته وليس للبشر أيّ قدرة واختيار .

وأنت تعلم بأنّ طلب الحاجة من الغير ذلّة ضئيلة كانت أو كثيرة ، لذا كلما يطلب من الله ويكثر من طلب الحاجة فإنّه محبوب عند الله، كما ورد عنه (عليه السلام) : «إكثار طلب الحاجة من الله يعزّك ومن الناس يذلّك» . إذاً مَن عرف الله أكثر، طلب منه حاجته أكثر .

لا يخفى أنّ أعظم المعارف والحِكم هو معرفة الله جلّ وعلا ولا يكون هناك علم أشرف وأعلى من معرفته سبحانه لأنّ أشرفية كل علم بأشرفية معلومه، أو بأشرفية وأظهرية الأدلة، أو أفضلية الغايات ، والعلم الإلهي ومعرفته جلّ وعلا تكون أشرف العلوم من عدة جهات .

ص: 183


1-
2- الحج / 64 .
3- فاطر / 2 .

1) من جهة الموضوع : فإنّ هذا العلم يكون موضوعه أعلى وأكمل، لأنّه هو معرفة الباري وصفاته الجلالية أو الكمالية أو الجمالية ، ومعلوم أنّ هذا الموضوع أعلى وأشرف من بقية الموضوعات ، لذا قال الحكماء في تعريف علم الحكمة الإلهية: بما أنّ موضوعه وجود الحق وصفاته وأفعاله وكيفية صنعه وإبداعه إذاً يكون أعلى العلوم والمعارف .2) من جهة البرهان : فبرهانه وجود كامل فوق الكمالات وهو الله ، وهو أتمّ وأظهر وأتقن البراهين ، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : «اعرِف الله بالله» (1) ، وورد في الدعاء عنه (عليه السلام) أيضاً : «يا مَن دلّ على ذاته بذاته» (2) ، أي البرهان والدليل على وجوده هو نفس ذاته المقدسة . وقد ورد في الحديث أيضاً : «أنت الذي أشرقت لك الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحّدوك» . إذاً أنّ وجود الله هو الدليل والبرهان على ذاته جلّ وعلا.

3) من جهة الغاية : بما أنّ معرفة الله هي الغاية ، إذاً الحكمة الإلهية تكون من أشرف الغايات .

ص: 184


1- روضة الواعظين ص: 40.
2- دعاء الصباح لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، مفاتيح الجنان ، ص60 .

ص: 185

المبحث الرابع: في خصائص الرحمن الرحيم

اشارة

وفيه فصلان:

الأول - بحث موجز في معاني الرحمن الرحيم

وأشتقاقهما

الثاني - الرحمة الالهية

ص: 186

ص: 187

الفصل الأول: بحث موجز في معاني الرحمن الرّحيم واشتقاقهما

والكلام فيهما يقع في أمور:

الأول: في بيان اشتقاقهما: ورد في اللغة أنهما مشتقان من الرحمة بمعنى اعطاء الرحمة قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِيْنَ) (1) أي وما أرسلناك الاّ للناس كافة رحمةً منا عليهم - للمؤمن والكافر - بل هو (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة لأهل السماء أيضاً. أما رحمته للمؤمنين تكون في الدارين، وهذا معلوم، وأما للكافرين هو اسعادهم في دار الدنيا من جهة المعاش، بل آمنهم من الخسف والمسخ والزلازل والاستأصال، الا من حق عليهم القول، ويقال للقرآن رحمة وللمطر رحمة.

وفي التفسير المنسوب الى الامام العسكري (عليه السلام) قال: في تفسير قوله عزّوجلّ (الرحمن) ان الرحمن مشتق من الرحمة.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله يقول: يقول الله تعالى: أنا الرحمن أنا الرحيم شققت لهما اسماً من أسمائي من وصلهما وصلته ومن قطعهما أبنته، ثم قال أمير المؤمنين: ان الرحيم اشتقّها الله من إسمه - بقوله أنا الرحمن أنا الرحيم وهي رحم محمّداً، وإنّ من إعظام الله إعظام محمّد، فالويل لمن استخف بشيء من حرمة رحم محمد وطوبى لمن أعظم حرمته وأكرم رحمه ووصلهما (2).

ومنها اختلاف أمّتي رحمة لا شكّ ولا شبهة إنّه ليس المراد من الاختلاف هو الاختلاف في الدين والعقيدة لأنّ الدين واحد بل مشير بذلك إلى قوله تعالى (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُم طائِفَة...) فأمرهم الله أن ينفروا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ويختلفوا إليه

ص: 188


1- الانبياء: 107.
2- التفسير المنسوب للامام العسكري.

فيعلموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم. أو المراد (اختلافهم في البلدان لا في الدين) كما في معاني الأخبار.الثاني: ان الرحمة لغة - تكون بمعنى رقة القلب وأنعطاف يقتضي التفضل والاحسان. وسمى الرحم رحماً لانعطافه على ما فيه، وهي في الله اخذت باعتبار الغايات التي هي الأفعال دون المبادئ التي هي بمعنى الانفعال.

وقد قسموا الرحمة في الوجود الى ثلاثة أقسام:

1- الاطلاع بحال المحتاج.

2- بعد الاطلاع يحصل للشخص رقة القلب حيث يحصل للانسان عطوفه للمساعدة والاحسان.

3- الاحسان طبق ما يريد المحسن إليه، ولايخفى ان الرحمة بالمعنى الثاني لايتصور بالنسبة الى البارى لان ذاته منزهة من الحلول، ولا تكون حالّة بذاته المقدسة بل هو محسن البشر ويساعدهم ويعطيهم حسب احتياجاتهم.

نسب الى السيد المرتضى: أنّه ليست الرحمة عبارة عن رقة القلب والشفقة. وانما هي عبارة عن الفعل والانعام وضروب الاحسان، فعلى هذا يكون اطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقياً وعلى الاول يكون مجازاً، نعم بالنسبة للخلق يقال لرقيق القلب من الخلق رحيماً لكثرة وجود الرحمة وتكون سبباً للرقة. واقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له.

إذا لم تؤخذ رقة القلب في مفهوم الرحمة بل من لوازمه بالنسبة الى البشر بهذا المعنى بل فيه جل وعلا عبارة عن احسانه وعطفه وبرّه وايجاد النعمة وكشف البلاء عنهم، وقد يتصور البعض بان الجبروت والقهر مختصان به فاراد الله تعالى ان يذكّرهم برحمته واحسانه وأن ربوبيته ربوبية رحمة واحسان ليُقبلوا على اكتساب مرضاته وطمئنة قلوبهم. ولذا تتكرر في كل صلاة لكي يغرس في نفوس المصلين بان الله رحمان ورحيم.

وقد يكون بمعنى إفاضة الخير على المحتاجين، والعناية بهم عناية تامة. حيث أراد قضائها عليهم عناية لهم، وعامة تشمل المستحق وغيره المسلم والكافر والمؤمن والفاسق وتكون هذه الرحمة كاملة. أما كمالها لان هذه الافاضة لم تكن عن الرقة المؤلمة التي تعتري الرحيم وحينئذ تتحرك الى قضاء حاجة المحتاج. فهذا في الحقيقة اراد بالرحمة دفع الألم عن نفسه، إذاً سعيه لقضاء الحاجة يكون لغرض نفسه ويرجع نفعه اليه لا للمرحوم.

اما الرحمة الالهية فلاتكون كذلك بل للمرحوم لاجل أنه مرحوم ومحتاج.

ص: 189

وقال صاحب العدة: الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة فهي النعمة. ومنه قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ) (1) أي رحمة منا لجميع الناس.الثالث: هما من أبنية المبالغة أو من الصفات المشبهة.

ففي الرسالة الواضحة للكفعمي ان الرحمن والرحيم من أبنية المبالغة، الاّ أن (فعلان) أبلغ من (فعيل)، ثم ان هذه المبالغة قد توجد باعتبار الكمية واخرى باعتبار الكيفية، فعلى الاول - قيل يا رحمن الدنيا لانه يعم المؤمن والكافر ورحيم الاخرة لانه يخص الرحمة بالمؤمنين قال تعالى: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَحِيْماً) (2)وعلى الثاني قيل يارحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا لان النعم الاخروية كلها جسام. واما الدنيوية فقليلة وحقيرة، بل يمكن أن يقال: بانها تكون مقابل النعم الاخروية كلّها حقيرة.

وقال الامام(عليه السلام): ومعنى قوله الرحيم - قال رحيم بعباده المؤمنين. ومن رحمته ان خلق مئة رحمة واحدة في الخلق كلهم، وفيها يتراحم الناس ترحم الوالدة على ولدها وحنو الوالدة على أولادها، فاذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الى تسع وتسعين رحمة فيرحم بها أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يشفعهم فيما يحبّون الشفاعة من أهل الملأ حتى أن الواحد ليجيء الى المؤمن من الشيعة فيقول له: أشفع لي لأنك: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع فيه فلايزال في جيرانه وخلطائه ومعارفه وان المؤمن اكرم على الله ما يظنون (3).

الرابع: هل هما بمعنى واحد أم لا؟ وفيه أقوال:

1) قد يقال بانهما كالندمان والنديم يكونان بمعنى واحد، وبما ان اختلافهما يكون من جهة التلفظ فتكرارهما ليس بقبيح.

2) وقد قيل بانهما مشتركان بمعنى الرحمة الدنيوية والاخروية كما ورد في الحديث: (يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) وقوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء) (4) أي ما يطلق عليه شيء في جميع العوالم فهو من رحمته.

قد يقال: ان الشرّ يطلق عليه شيء، فلابد ان يكون من رحمته وفيه:

* أن الشيء يكون من الأمور الوجودية والشر يكون من الامور العدمية، اذن هو نقيض الشيء لانفسه.

ص: 190


1- الانبياء: 107.
2- الاحزاب: 43.
3- التفسير المنسوب للامام العسكري: ص12.
4- الاعراف: 156.

3) وقد يقال: ان الرحمن يكون ابلغ من الرحيم لان كثرة المباني تدل على كثرة المعاني.

وقد أجاب عن هذا استاذنا الأعظم (قدس سره) بقوله: وهذا التعليل ينبغي أن يعد من المضحكات، فان دلالة الألفاظ تتبع كيفية وضعها ولا صلة لها بكثرة الحروف وقلتها. وربلفظ قليل الحروف كثير المعنى وبخلاف لفظ آخر فكلمة حذر تدل على المبالغة دون كلمة حاذر. وان كثيراً ما يكون الفعل المجرد والمزيد فيه بمعنى واحد كضرّ وأضرّ (1).

والحق: أن الرحمن لفظ مختص به جلّ وعلا ومعناه يكون عاماً، أي القادر المتعال المنعم على جميع الخلق أعم من المؤمن والكافر والمطيع والعاصي.

أما الرحيم فليس اسماً مختصاً. فمن حيث المعنى يكون مختصاً بالمؤمن فعن الصادق (عليه السلام): (الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة) (2).

وخلاصة الفرق بين الرحمن والرحيم:

1 - الأوّل يشير إلى صفة عامّة، والثاني يشير إلى صفة خاصّة.

2 - الرحمن ورد في جميع القرآن على نحو الإطلاق وهو يدلّ على عموميّته، والرحيم قد يأتي مطلق، وقد يأتي بصورة التقييد، والدليل عليه قوله تعالى (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَحِيْماً)، وما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) (والله إله كلّ شيء الرحمن بجميع خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصّة).

3 - الرحمن من صيغ المبالغة وهذا دليل آخر على عموميته والرحيم صفة مشبهة ولها علامة الثبات والدوام وهذا يدل على أختصاصه بالمؤمنين.

لايخفى ان المبالغة لاتتصور بالنسبة اليه تعالى، لان صفاته عين ذاته وغير محدودة نعم تصح بالنسبة الى مورد الرحمة.

4 - ان الرحمن من الأسماء المختصة ولايستعمل في غيره. ولذا وضع لفظ الرحمن لغير الله بدون القيد مشكل. نعم يصح وضع عبدالرحمن.

واما الرحيم فيستعمل صفة لله تعالى ولغيره، واما اختصاص رحيميته بالمؤمنين فقد ورد في الآية الشريفة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيْزٌ عَلَيْهِ مِا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٌ) (3) أي تشمل رحمته ورأفته المؤمنين خاصة.

فان قلت: قد ورد في دعاء عرفه: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها.

ص: 191


1- البيان في تفسير القرآن: ص438.
2- توحيد باب معنى بسم الله الرحمن الرحيم: ص230 ح20.
3- التوبة: 128.

قلنا: بان الفرق بين الرحمن والرحيم يكون بالذات، وان استعمل الرحيم في بعض الموارد في معنى عام.

وعن عكرمة قال: الرحمن رحمة واحدة والرحيم مئة رحمة.يقول الطبرسي: هذا مقتبس من قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (ان لله عزّوجلّ مئة رحمة وانه انزل منها واحدة الى الأرض فقسمها بين خلقه يتعاطفون ويتراحمون وأخّر تسعاً وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة) (1).

الفصل الثاني: الرحمة الالهية غير قابلة للادراك

اشارة

هل ان رحمته قابلة للادراك أم لا؟

لايخفى بما ان الاحاطة بها غير ممكنة، والعقل البشري قاصرٌ عن ادراكها بجميع جوانبها، لان رحمته تعالى غير متناهية.

وقد استدلوا بالآية الشريفة: (وَلَوْ أَنّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَة أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر مَا نَفِذَتْ كَلِمَاتُ اللهِ) (2) أي مظاهر رحمته الواسعة.

ولكن الحق: بان المراد من الآية الشريفة بالكلمات هي الكلمات التي تعبر عن معلوماته ومقدوراته أي: بما أن معلوماته ومقدوراته غير متناهية، فكلماته التي تعبر عنهما أيضاً تكون غير متناهية، ولايمكن كتابتها بتلك الأقلام وتحديدها بعد عدم تناهيها ولذا أشير في ذيل الآية (ان الله عزيز حليم) أي غالب على كل شيء ولايخرج عن علمه شيء.

ص: 192


1- مجمع البيان: ج1 ص21.
2- لقمان: 27.

هل أن الرحمن صفة أو علم؟

1) قد يقال بأنه صفة لا علم - لكن الحق أنه علم بدليل الآية: (قُلْ ادْعُوا اللهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحمنَ) ففي هذه الآية وقع الرحمن بمثابة العلم حيث ان كليهما مشيران الى معنى واحد وهو ذات الباري جلّ وعلا وقد ورد عن تفسير الآية: بان المشركين (قالوا عندما سمعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلوها ويقول: يا الله يا رحمن: نهانا ان نعبد الهين ويدعو هو إلهين. وقد ردهم الله تعالى بأن: قول النبي - يا الله يا رحمن، يكون اللفظان مشيرين الى معنى واحد فأياً ما تدعوا من هذين الاسمين الاقدسين، دعوتم الله! كما أنه لو دعوتموه ببقية الاسماء الحسنى فيكون حسناً لأنها عين ذاته. كما ورد في الآية الشريفة: (أياً مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) (1).

2) أنه وقع في ابتداء الكلام ولو كان وصفاً لم يقع كذلك. كما وقع في الآية الشريفة (الرَّحْمنُ عَلَّمَ القُرْآنَ..) (2) اذاً هو من اسمائه المختصة، وعلَم استأثره الله لنفسه لا وصفاً! ففي كل مكان يجتمع مع الرحيم يقدم الرحمن، لانه علم وموصوف، والرحيم صفة! ودائماً يقدم الموصوف على صفته.

قال الطبرسي: وانما قدم الرحمن على الرحيم لان الرحمن بمنزلة أسم العلم من حيث لايوصف به الا الله، فوجب لذلك تقديمه بخلاف الرحيم لانه يطلق عليه وعلى غيره (3).

وأما ما قيل: بان الرحمن كما أنه يختص بالدنيا والرحيم بالاخرة وبما أن الدنيا مقدمة على الاخرة يكون المقدم للمتقدم والمؤخر للمتأخر.

أو أن الرحيم يذكر مقروناً بالغفران والتوبة في جملة من الآيات الكريمة. والغفران الذي هو نتيجة التوبة يكون في الآخرة، اذاً الرحيم يكون مختصاً به.

ولكنْ هذان القولان من الأمور الاستحسانية ولايمكن الاستدلال بهما، مع أنه قد ورد في بعض الآيات الشريفة لفظ الرحيم بالنسبة الى الدنيا قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيْماً) (4) أي لاتلقوا بانفسكم الى مواطن الهلاك لان قتل النفس غير جائز الاّ في الموارد المأذونة من الشارع المقدس، كالجهاد فانه تعالى كان بكم رحيماً عطوفاً، ولايريد

ص: 193


1- وقد مرت هذه الآية.
2- الرحمن: 1.
3- مجمع البيان: 21.
4- النساء: 29.

أن يوقع الضرر بكم، خصوصاً ضرر القتل، وأيضاً قد ورد في الدعاء: (يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) كما مر، حيث أن الرحيم يشمل الدنيا أيضاً فتأمّل.

ص: 194

الروايات الواردة في الرحمن الرحيم

(1) في الصافي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا وفي رواية: العاطف على خلقه بالرزق لايقطع عنهم مواد رزقه وإن أنقطعوا عن طاعته.

أقول: رزق كل مخلوق ما به قوام وجوده وكماله اللائق به، اما الرحمة الرحمانية تعم جميع الموجودات وتشمل كل النعم قال تعالى: (رَبُّنا الذِي أَعْطى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ ثِمَّ هَدَى) (1).

وأما الرحمة الرحيمية بمعنى التوفيق في الدنيا والدين، فهي مختصة بالمؤمنين. وماورد من شمولها للكافرين فانما هو من جهة دعوتهم الى الايمان والدين. مثلما في تفسير الامام من قولهم(عليهم السلام): الرحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعته. كما سيأتي الحديث عنه.

(2) عن سفيان بن يحيى الى أبي عبدالله (عليه السلام): «... الى أن قال: قلت الرحمن. قال بجميع العالم قلت: الرحيم، قال: بالمؤمنين» (2).

(3) وقد ورد في الدعاء: يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.

(4) عن الامام الصادق (عليه السلام): «ان الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة» (3).

(5) روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ان عيسى بن مريم قال: الرحمن رحمن الدنيا والآخر»ة (4).

(6) ورد عن أمير المؤمنين: «ان الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا أو العاطف على خلقه بالرزق لايقطع مواد رزقه وان انقطعوا عن طاعته» (5).

ص: 195


1- طه: 50.
2- التوحيد/باب معنى بسم الله... ص230 حديث 2.
3- تفسير البرهان: ج1 ص2. وقد مر الحديث عنه.
4- مجمع البيان: ج1 ص21.
5- بيان السعادة: ج1 ص28.

(7) وفي تفسير الامام: الرحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعته وبعباده الكافرين في الرزق وفي دعائهم الى موافقته» (1).

(8) عن أمير المؤمنين: الرحيم بنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا. خفّف علينا الدين وجعله سهلاً خفيفاً وهو يرحم بتمييزنا عن أعداءه.

ص: 196


1- بيان السعادة: ج1 ص28.

خاتمة

نكتفي بهذا المقدار من البحث الموجز في تفسير الآية الشريفة (بسم الله الرحمن الرحيم) ونحن اذا أردنا أن نفصّل البحث أكثر من هذا مثلاً، نذكر الأدلة الواردة على وجود الخالق ووحدانيته على نحو التفصيل، كأدلة نظام العالم وحدوث المادة، وان كل معلول يحتاج الى العلة، واثبات لزوم تناهي العلل وبطلان الدور والتسلسل، بما ان معرفته تعالى فطرية كما تنادي الآيات والروايات بأعلى صوتها، بل الأدعية الواردة عن لسان الأئمة(عليهم السلام) بأنه تعالى في ظهوره ووجوده يكون أجلى وأظهر (وكيف لايكون كذلك) فلاحاجة الى الاستدلال والبراهين (عميت عين لاتراك)، (وكيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك)، اي هل يكون لغيرك من الظهور ما ليس لك؟ متى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج الى دليل يدل عليك؟ متى غبت حتى تكون الآثار هي التي توصل اليك، يا من تجلى بكمال بهائه، كيف تخفى وانت الظاهر؟ أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر؟ وهذه المعاني تجسدت في دعاء عرفة، عن أبي عبدالله الحسين (عليه السلام).

إذاً لو أردنا شرح وبسط هذه الأدلة والبراهين، وكذا ما جاء عن الأئمة (عليهم السلام)وما ذكر عن العلماء والفلاسفة، وما ذكره العلماء من كل صنف على وجوده، لكان أكثر احتواءاً لعشرات المؤلفات لكن بيّنا بعض الادلة على نحو الاختصار ووكّلنا تفصيل البحث الى محلّه. ونسأله تعالى التوفيق وعليه الاتّكال لاخراج الدورة الكاملة لتفسير الآيات القرآنية المباركة وهو على كل شيء قدير.

ومع ذلك فقد أفرغت وسعي وبذلت جهدي لكي يكون هذا الكتاب أفضل وأوسع وأشمل ممّا كتب في شرح البسملة. ولا يفوتني في هذا المجال أن أشكر سعي فضيلة العلامة الشيخ أبو مهند الأنصاري لوقوفه معي في تبويب الأبواب وترتيب الفهارس وتخريج الأحاديث فاا... أسأل له التوفيق في حياته العلمية.

تم الانتهاء من هذا الكتاب في مدينة قم المقدسة

18 ذي الحجة 1423 ه-

على هاجرها وآله آلاف التحية والسلام

شمس الدين الواعظي

ص: 197

الفهارس

اشارة

1- فهرس الآيات الشريفة

2- فهرس الأحاديث المباركة

3- فهرس المصادر

4- فهرس المباحث

ص: 198

ص: 199

فهرس الآيات الشريفة

الفاتحة (1)

إياكَ نعبد وإياكَ نستعين * إهدنا الصراطَ المستقيم 5،6 99 - 106

البقرة (2)

... يضلُّ به كثيراً ويهدي بهِ كثيراً... 26 208

وعلَّم آدم الأسماء كُلّها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤني ... 31 48

قالوا سبحانك لاعِلمَ لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العزيز الحكيم 32 184

كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فاحياكم ثم يميتكم ... 28 191 - 192

ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون 52 202

إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك... 164 245

بديع السموات والأرض اذا قضى أمراً فانما يقول له كن فيكون 117 163

193، 209

ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله... 165 128 - 129

إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتّبعوا ورأوا العذاب... 166 129

وقال الذين اتبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرأ منهم كما تبرؤا... 167 129

وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أُجيب دعوة الداع إذا دعان... 186 142

استعينوا بالصبر والصلاة 45 89

لقد جائكم رسول من أنفسكم 128 258

... وهو العلي العظيم 255 177

الله لا اله الاّ هو الحي القيوم 255 192

... والله سميع عليم 256 171

... والله يرزق من يشاء بغير حساب 212 183

ص: 200

الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور... 257 189... والله غني حليم 263 20

آل عمران (3)

الم * الله لا اله الاّ هو الحي القيوم 1 47

شهد الله أنه لا اله إلاّ هو والملائكة وأُولوا العلم قائماً بالقسط... 18 102

204، 240

قل اللهم مالك المُلك تؤتي المُلك من تشاء... 26 203

لن تنالوا حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فان الله به عليم 92 200

فيه آيات بيّنات 97 13

بل اللهُ مولاكم... 150 199

الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم 191 142 - 245

... اصبروا وصابروا... 200 211

النساء (4)

... وكفى بالله حسيباً 6 180

... ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيماً 29 261

قل كل من عند الله 78 96

... وتوكّل على الله وكفى بالله وكيلاً 81 188

... وكان الله على كل شيء مقيتاً 85 179

... وكان الله شاكراً عليماً

147 133، 177

المائدة (5)

... واذكروا اسم الله عليه... 4 89

... وعلى اللهِ فتوكّلوا إن كنتم مؤمنين 23 137

يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء 51 112

بل يداه مبسوطتان 64 170

اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين 45 171

انما وليّكم الله ورسوله 55 190

أومن كان ميّتاً فأحييناه 122 192

الأنعام (6)

هو القاهر فوق عباده 18 167

ص: 201

... عالم الغيب والشهادة... 73 187

... يحسرتنا على ما فرطنا فيها... 31 99

فلما جنّ عليه الليل رءا كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال ... 76 - 79 243

لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير 103 173

وما أنا عليكم بحفيظ 104 179

... كأنما يصعّد في السماء... 125 97 - 101

فمن يرد الله أن يهديه 125 101

... ولا تزرُ وازِرةٌ وِزر أُخرى... 164 112

الأعراف (7)

ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم ثم قلنا للملئكة اسجدوا لآدم ... 11 - 12 149

... وادعوهُ مخلصين له الدين... 29 148

وما تنقم منّا إلا أن أمنا بأيت ربنا 126 202

انا فوقهم قاهرون 127 167

... استعينوا بالله واصبروا... 128 8

... ورحمتي وسعت كل شيء... 156 257

ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها... 180 158

أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وماخلق الله من شيء.. 185 27 - 237

قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله... 188 207

الأنفال (8)

فلم تقتلهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى... 17 97 - 106

التوبة (9)

... وجهدوا باموالكم وأنفسكم... 41 125

... نسوا الله فنسيهم... 67 114

قل إن كان آبائكم وأبنائكم 24 127 - 128

قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وازواجم وعشيرتكم... 24

لقد جاءكم رسول في أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم... 128

يونس (10)

ادعوني أستجب لكم 12 141

ص: 202

... يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميت من الحيّ... 31 113قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات... 101 237

هود (11)

وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرسها... 41 120

قيل يا نوح اهبط بسلم منّا وبركات عليك وعلى أمم من معك... 48 120

وأخذ الذين ظلموا الصيحةُ فأصبحوا في ديرهم جاثمين 66 64

... انك لانت الحليم الرشيد 87 175

.. ان أُريد إلا الاصلح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله... 88 96

... وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكّل عليه... 123 137

يوسف (12)

وشروه بثمن بخس دراهم معدودة... 20

ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سمّيتموها... 40 59

الرعد (13)

علم الغيب والشهدة الكبير المتعال 9 178

ولله يسجدُ من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً... 15 227

.. ومن يُضلل الله فما له من هاد 33 126

ابراهيم (14)

وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي... 7 132 - 190

الحجر (15)

وحفظها من كل شيطن رجيم 17 179

فأخذتهم الصيحة مشرقين 73 53

النحل (16)

وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسّكم الضر فإليه تجأرون 53 74

... ولله المثل الأعلى... 60

ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن ... 61 175

والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم... 78 133

انّ الله يأمر بالعدل والاحسان... 90 173

.. يضل من يشاء ويهدي من يشاء 93 96

ص: 203

من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة... 97 123ان ابراهيم كان أُمةً قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من... 120 132

شاكراً لأنعمهِ اجتبه وهداه الى صراط مستقيم 121

وآتينه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين 122

الاسراء (17)

ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم 9 5

.. انه كان عبداً شكوراً 3 79

واخفض لهما جناح الذل من الرحمة... 24 84

تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء... 44 6 - 212

ولقد كرمنا بني آدم... 70 182 - 104

قل ادعوا الله وادعوا الرحمن... 110 88 - 116

وربك اعلم بمن في السماوات والأرض وان من شيء الاّ يسير بحمده 55 7

من كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى 72 27

الكهف (18)

هنالك الولاية لله الحق 44 190

مريم (19)

ان كلّ من في السماوات والأرض الاّ آمن الرحمن عبداً 93 7

.. إنا نبشّرك بغلام اسمه يحيى... 7 59

.. نرث الأرض ومن عليها... 40 210

سيجعل لهم الرحمن ودّا 96 186

.. هل تعلم له سميا 65 228

ورفعناه مكاناً عليا 57 100

طه (20)

وعنت الوجوه للحي القيوم 111 47

.. والله خير وأبقى 73 209

ربنا الذي عطا كل شيء خلقه 50 262

واضل فرعون قومه وما هدى 79 100

ص: 204

وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً... 82 176

.. وأضلهم السامري 85 100

.. وسع كل شيء علمه 98 183.. قال فما بال القرون الأولى 51 72

الأنبياء (21)

أولم ير الذين كفروا انّ السماوات والأرض... 3 6

ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلاتظلم نفس شيئاً... 47 103

وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر... 33 6

وما ارسلناك إلا رحمةً للعلمين 107 253 - 255

إنّ الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون 101 197

الحج (22)

وترى الأرض من هامدة... 5 7

.. وإن الله لهو الغني الحميد 64 248

المؤمنون (23)

ولقد خلقنا الانسن من سلسة من طين * ثم جعلنه نطفة... 12،13 7 - 232

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً... 115 108

فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناه غشاءً 41 53

النور (24)

.. ان الله رؤوف رحيم 20 203

.. ان الله هو الحق المبين 25 187

.. ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم 32 206

الله نور السموات والأرض... 35 207

ألم تر ان الله يرجي سحاباً... 43 7

.. إذا كانوا معه على أمراجمع لم يذهبوا حتى يستئذنوه 62 205

الفرقان (25)

ألا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله حسناتهم 70 201

الشعراء (26)

فاخذهم العذاب ان في ذلك لآية... 158 54

وان ربك لهو العزيز الرحيم 159

ص: 205

النمل (27)إنه من سليمن وإنه بسم الله الرحمن الرحيم 30 120

أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السوء... 62 73 - 182

القصص (28)

ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا... 73 134

العنكبوت (29)

.. ومنهم من أخذته الصيحة... 40 53

خلق الله السموات والأرض بالحق إنّ في ذلك لآيات للمؤمنين 44 23

والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا... 69 114

الروم (30)

ومن آياته ان خلقكم من تراب 20 - 24 234

لقمان (31)

خلق السماوات بغير عمد 10 - 11 233

ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر الله ومن يشكر فانما يشكر... 12 135 - 184

ولو أن ما في الأرض 27 259

السجدة (32)

ولو شئنا لاتينا كل نفس هُدها ولكن حق القول مني لأملئن... 13 197

الأحزاب (33)

لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة 21 83

.. وكان بالمؤمنين رحيماً 43 256

سبأ (34)

.. علم الغيب لايعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في... 3 171

لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من... 15 135

فاعرضوا فارسلنا عليهم سيل العرم وبدلنهم بجنتيهم... 16 135

ذلك جزينهم بما كفروا وهل نجزي الاّ الكفور 17

وما أرسلناك إلاّ كافة للناس 28 109

فاطر (35)

ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له... 2 248

ص: 206

يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد 15 106 - 206.. انما يخشى الله من عباده العلماء 28 239

.. انّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا... 41 152 - 158

يس (36)

وآية لهم الأرض الميتة أحيينها وأخرجنا منها حباً فمن يأكلون 33 134

وجعلنا منها جنت من نخيل وأعنب وفجرنا من العيون 34 134

ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلايشكرون 35 134

قالوا يويلنا من بعثنا من مرقدنا... 52 186

وكلٌّ في فلك يسبحون 40 103

ص (38)

أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهّاب 9 167

الزمر (39)

خلق السماوات والأرض بالحق 5 - 6 233

بل الله فاعبُد وكن من الشاكرين 66 132

غافر (40)

.. لِمَن المُلكُ اليوم للهِ الواحِدِ القهّار 16 210

.. ادعوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي ... 60 141

فصّلت (41)

قل أئنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون لهُ... 9 - 10 6

ومن آيته الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ.،.. 37 238

وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى 17 110

سنريهم آيتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق... 53 242 - 244

الشورى (42)

قل لا أسألكم عليه أجراً 23 186

فما أُوتيتم من شيء فمتع الحيوة الدنيا وما عند الله خيرٌ... 36 138

الجاثية (45)

الله الذي سخّر لكم البَحر لتجري الفُلك فيه بأمره ولتبتغوا من... 12 134

محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) (47)

... والذين قُتلوا في سبيل الله فلن يُضلَّ أعمالهم * سيهديهم... 4،5 98 - 208

ص: 207

والذين اهتدوا زادهم هدى واتهم تقوهم 17 98الفتح (48)

إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً 1 168

ق (50)

ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيبٌ عتيد 18

الذاريات (51)

والسماء بنيناها بأيد وإن لموسعون 47 6

وما خلقت الجنَّ والانس إلا ليعبدون 56 108

ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذكرون 49 7

... ذو القوةِ المتينُ 58 189

النجم (53)

ان هي اسماء سميتموها أنتم 23 56

ان ليس للانسان إلاّ ما سعى * وانّ سعيه لسوف يرى 39، 40 172

الرحمن (55)

والشمس والقمر بحسبان 5 180

ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام 27 204

مُدهمّتان 64 64

الرحمن علّم القرآن 1 260

تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام 78 57 - 180

الواقعة (56)

خافضة رافعة 3 170

الحديد (57)

هو الاول والاخر والظهر والباطن... 3 117 - 197

لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان... 25 103

المجادلة (58)

.. يرفع الله الذين آنموا منكم والذين اوتواا لعلم درجات... 11 170

الحشر (59)

... ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة... 9 185

هو الله الذي لا إله إلاّ هو الملك... 23

ص: 208

التغابن (64)... ومن يؤمن بالله يهد قلبه... 11 123

الله لا إله إلاّ هو وعلى الله فليتوكّل المؤمنون 13 137

الطلاق (65)

واسكنوهم من حيث سكنتم من وجدكم 6 193

... ومن يتوكّل على الله فهو حسبه... 3 138

ان اريد الاّ الاصلاح ما استطعت 3 139

الملك (67)

هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار 23 232

القلم (68)

سنسمه على الخرطوم 16 153

الحاقة (69)

فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية 5 53

المعارج (70)

فلا أُقسم برب المشرق والمغرب إنا لقدرون 40 196

نوح (71)

فقلت استغفروا ربكم... 10 166

الجن (72)

وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا 28 191

الانسان (76)

إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً 3 108 - 110

وماتشاءون إلا أن يشاء الله... 30 97

المرسلات (77)

فقدرنا فنعم القادرون 23 96

الانفطار (82)

يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم 6 181

إنّ الأبرار لفي نعيم * وإنّ الفُجّار لفي جحيم 13، 14 172

البروج (85)

ص: 209

إنه هو يبدئ ويعيد 13 191وهو الغفور الودود 14 185

ذو العرش المجيد 15 186

بل هو قرآن مجيد 21 186

الأعلى (87)

سبّح اسم ربك الأعلى 1 57

والذي قدّر فهدى 3 208

الغاشية (88)

وجوه يومئذ ناعمة 8 77

الشرح (94)

ألم نشرح لك صَدرَك 1 98

العلق (96)

اقرأ باسم ربك الذي خلق 1 88 - 116 - 119

إنّ الى ربك الرجعى 8 82

البيّنة (98)

وما أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له... 5 148

النصر (110)

... إنهُ كانَ توَّاباً 3

الاخلاص (112)

قُل هُوَ الله أحد * اللهُ الصمدُ 1 194

2 195

الفلق (113)

ومن شرّ النفثت في العُقد * ومن شر حاسد إذا حسد 4، 5 54

التكاثر (102)

ثم لتسئلنّ يومئذ عن النعيم 8 77

ص: 210

فهرس الأحاديث المباركة

الحديث القدسي

قال تعالى: بعزتي وجلالي من قال من أمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بسم الله الرحمن الرحيم اكتب له في كتاب حسناته عبادة سبعمائة سنة 22

خلقت نور محمّد من نور وجهي ولولاك ما خلقت الأفلاك ولولا علي ما خلقتك

الكبرياء ردائي والعظمة ازاري

قال تعالى: يا اسرافيل بعزّتي وجلالي وجودي وكرمي 14

أوحى الله الى عيسى (عليه السلام) يقول يابن مريم أما علمت اي آية نزلت عليك 15

الأحاديث الواردة عن النبي الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)

اذا قال المعلم للصبي (بسم الله الرحمن الرحيم) كتب الله براءةً للصبي وبراءةً لأبويه وبراءةً للمعلم 11

لايرد دعاءٌ أوله بسم الله الرحمن الرحيم، فان أمتي يأتون يوم القيامة وهم يقولون بسم الله الرحمن الرحيم فتنتقل حسناتهم في الميزان... 11 - 19

إذا مرّ المؤمن على الصراط فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم طفت لهب النار تقول: جز يا مؤمن فان نورك قد طفى لهبي 12 - 23

ما من رجل يجمع عياله ثم يضع مائدة فيسمون الله تبارك وتعالى أول طعامهم ويحمدون الله في آخره إلا لم يرفع المائدة حتى يغفر لهم 12

من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحى عنه أربعة آلاف سيئة ورفع الله له أربعة آلاف درجة 13

من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم بنى الله له في الجنة سبعين قصراً من ياقوتة.. 11 - 21

بسم الله الرحمن الرحيم هو الاسم الأكبر... 16

إذا توضأ أحدكم ولم يسم كان الشيطان في وضوئه شرك 16

من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجوّده تعظيماً لله غفر الله له 13

ص: 211

لو قرأت بسم الله تحفظك الملائكة الى الجنة وهو شفاء من كل داء وأوحى الله الى عيسى أن اكثر من قول بسم الله وافتح امورك به ومن وافاني... 13 - 20

إذا قال العبد عند منامه بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله: ملائكتي اكتبوا نَفَسهُ الى الصباح 14

من رفع قرطاساً من الأرض مكتوباً فيه بسم الله اجلالاً لله ولا سمه من أن يداس كان عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وإن كانا مشركين 15

يا علي إذا أكلت فقل بسم الله فاذا فرغت فقل الحمد لله فان حافظيك لايبرحان يكتبان لك الحسنات حتى تبعده 16

سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)هل يأكل الشيطان مع الانسان فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) نعم كل مائدة لم يذكر بسم الله عليها يأكل الشيطان معهم ويرفع الله البركة عنها... 21

من قال بسم الله خالصاً مخلصاً سقيته من هذه الأنهار الأربعة 22

من أراد أن ينجيه من الزبانية فليقرأ بسم الله فانها تسعة عشر حرفاً يجعل الله كل حرف جنة عن واحد منهم 23

اذا كان يقوم القيامة يقبل قوم على نجائب ينادون بأعلى أصواتهم الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء فيقول الخلائق... 23

إذا أكلت طعاماً أو شربت شراباً فقل بسم الله وبالله الذي لايضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء يا حي يا قيوم لم يصبك منه داء ولو كان فيه سم 34

إذا ركب الرجل الدابة فسمى ردفه ملك يحفظه حتى ينزل فان ركب ولم يسمّ ردفه الشيطان فيقول له: تغن فان قال: لا أحسن يقول تمنّ فلايزال... 37

مر رسول الله بأبي عباس زيد بن صامت وقد جلى قال اللهم اني أسألك.. 46

اسم الله الأعظم اذا دعي به اجاب (قل اللهم مالك الملك...) 46

حينما كان يرى احد الاصحاب مبتلاً بشيء... 75

كل كلام لايذكر الله فيه ولايبدأ به... 83

تخلقوا باخلاق الله... 83

اسم الله الأعظم في ست آيات من سورة الحشر 46

اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سورثلاث: في البقرة وآل عمران وطه 47

إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فأنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم احدى آياتها 67

ص: 212

سبحان الله نصف الميزان والحمد لله ملئ الميزان 75

إذا قال العبد الحمد لله كما هو أهله فتقف الملائكة عن الكتابة فيقول الله تبارك وتعالى: ملائكتي فما قاله عبدي، فما كتبتم له، فيقولون: انا لا نتمكن من الكتاب...

كلما في كتاب منزل فهو في القرآن وكلما في القرآن فهو من الفاتحة وكلما في الفاتحة فهو في بسم الله الرحمن الرحيم 86

رأس الحكمة مخافة الله 184

اذا دعا أحدكم فليعم... 143

في وصيته لعلي يا علي أربعة لاترد لهم دعوة 144

من قرأ يس والصافات يوم الجمعة ثم سأل الله... 144

اسألك بكل اسم سميت به نفسك 222

ان لله عزّوجلّ مائة رحمة وأنه انزل منها واحدة 258

ان عيسى بن مريم قال الرحمن رحمن الدنيا والآخرة 263

الأحاديث الواردة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله أول ما نزلت هذه الآية على آدم أمن ذريته من العذاب ما داموا على قراءتها ثم رفعت فأنزلت على ابراهيم... 14 - 22

ضمنت لمن سمى على طعام أن لايشتكي منه، فقال ابن الكواء، يا أمير المؤمنين لقد أكلت البارحة طعاماً سميت عليه فأذاني قال(عليه السلام):فلعلك اكلت ألواناً فسميت.. 31

ما اتخمت قط، قيل لم، قال: ما رفعت لقمة الى فمي الا ذكرت الله عليها 32

ما أتخمت قط لاني ما رفعت لقمة الى فمي الاّ سميت 32

يا كميل إذا أكلت طعاماً فسمِّ بأسم الذي لايضر مع اسمه وفيه شفاء من... 32

من أكل طعاماً فليذكر الله عليه فان نسي ثم ذكر الله بعده يقيء الشيطان ما أكله واستقبل الرجل طعامه أن يأكل من غير شركت الشيطان 32

ان عبده اليهودية بالتماس اليهود وتطعيمهم أياها ذبحت شاة ومستها بالسم ودعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه فلما أحضرت الطعام سبق برارِ بن معرور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بالأكل فأخذ لقمة منها ووضعها في فيه فقال له أمير المؤمنين بئس ما فعلت يا برار اتنسب رسول الله بالبخل قال: لا لكن هذه المرأة ليس عليها اعتماد ويحتمل أن تمس الطعام بالسم فبينما هما في ذلك وضع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 213

لقمة على فيه فنادته كتفها وقال: يا رسول الله لاتأكل مني فأنها املأتني من السم فسقط برار في الحار ومات الى أن قال (عليه السلام) فقال النبي لأصحابه فقولوا: بسم الله الكافي... 33 - 263

قال أصبغ بن نباتة: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين يديه شواء فدعاني فقال: هلم الى هذا الشواء، فقلت: أنا اذا اكلته ضرّ بي فقال: ألا أعلّمك كلمات تقولهن وأنا ضامن لك... 34

قال لابنه الحسن (عليه السلام): يابني لاتطعمن لقمة من حاروبارد ولاتشربنّ شربة ولاجرعة الاّ وأنت تقول قبل أن تأكله: اللهم أني أسألك في أكلي ....

إذا جامع أحدكم فليقل بسم الله وبالله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني، قال: فان قضى الله بينهما ولداً لايضره الشيطان بشيء أبداً 36

إذا بلغ أحدكم باب حجرته فليسمّ فانه يفر الشيطان، واذا دخل بيته فلسمِّ فانه تنزل البركة وتونسه الملائكة 37

انّ رجلاً قام اليه فقال: يا أمير المؤمنين: أخبرني عن بسم الله الرحمن الرحيم ما معناها فقال: ان قولك الله أعظم اسم من أسماء الله عزّوجلّ ... 43

عن براء بن عازب قال: دخلت على علي (عليه السلام) فقلت: يا أمير المؤمنين سئلتك بالله ألا خصصتني بأعظم ما خصك به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما خصه به جبرائيل (عليه السلام) مما أرسله به الرحمن عزّوجلّ فقال: لولا ما سئلت ما نشرت ذكر ما أُريد أن استره حتى أُضمن في لحدي: إذا أردت أن تدعوا بالاسم الأعظم فاقرأ من أول الحديد ست آيات وآخر الحشر... 44

إذا أردت أن تدعو الله بالاسم الأعظم 48

بلغه أنّ أناساً ينزعون بسم الله الرحمن الرحيم فقال: فهي آية من كتاب الله أنساهم أياها الشيطان 68

بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: انّ الله عزّوجلّ قال لي: يا محمد اتيناك سبعاً من المثاني... 6

لم ينزل بسم الله الرحمن الرحيم على رأس سورة البراءة لان بسم الله للأمان والرحمة ونزلت سورة البراءة لرفع الأمان بالسيف

ما أراد بك جبار سوءاً الاّ ابتلاه الله بشاغل أورماه بقاتل 163

ص: 214

أسألك بكل اسم سمّيت به نفسك أو أنزلته في شيء من كتبك أو استأثر به في علم الغيب عندك 222ينبغي لمن عرف الله سبحانه أن لايخلو قلبه من رجائه وخوفه 246

ينبغي لمن عرف الله أن يتوكّل عليه ولايتوكّل على غيره 246

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يقول الله تعالى: أنا الرحمن الرحيم شققت لهما اسماً من أسمائي من وصلهما وصلته ومن قطعهما أبنته 253

انّ الرحيم اشتقها الله من اسمه بقوله أنا الرحمن أنا الرحيم وهي من رحم محمداً وان من أعاظم الله أعظام محمد، فالويل لمن استخف بشيء من حرمة رحم محمّد طوبى لمن... 254

الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا وفي رواية: العاطف على خلقه بالرزق لايقطع عنهم مواد رزقه وإن أنقطعوا عن طاعته 262 - 263

الرحيم بنا في دياننا ودنيانا وآخرتنا خفف علينا الدين وجعله سهلاً خفيفاً وهو يرحم بتمييزنا عن أعدائه 263

من قرأ مائة آية من اي القرآن شاء... 144

كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلي على محمّد وآل محمّد(عليهم السلام)... 144

لاتتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر... 145

الفكرة تورث نوراً... 146

عمل الفكر يورث نوراً 146

الأحاديث الواردة عن مولانا الامام السجّاد (عليه السلام)

وترك التصديق بالاجابة وتأخير الصلاة... 145

لاتدخل الملائكة بيتاً فيه خمر... 145

الأحاديث الواردة عن مولانا الامام الباقر (عليه السلام)

ان أول كتاب نزل من السماء، بسم الله الرحمن الرحيم واذا قرأتها فلاتبالي أن لاتستعيذ، وإذا قرأتها سترتك فيما بين السماء والأرض 20

حدثني أبي عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: رأيت الخضر في المنام قبل بدر بليلة فقلت له: علمني شيئاً أنتصر به على الاعداء فقال: قل يا هو... 44

ص: 215

انّ اسم الأعظم على ثلاث وسبعين حرفاً وانما كان عند آصف منها حرف واحد فخسف به الأرض مابينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده... 42 - 46

قال سألت أبا جعفر في شرك الشيطان في قوله تعالى (وشاركهم في الأموا... 36

الايمان ثابت في القلب... 122الأحاديث الواردة عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام)

في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم - الباء - بهاء الله، والسين - سناء الله، والميم - مجد الله 15

إذا وضعت الغداء والعشاء فقل بسم الله فان الشيطان يقول لأصحابه اخرجوا فليس هاهنا عشاء ولا مبيت وإن هو ينسى أن يسمي قال... 20

ان العبد العاصي أُمر يوم القيامة بدخول جهنم، فاذا أراد أن يدخلها يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، تفرُّ منه النار وتبعد عنه مسافة سبعين ألف سنة 23

عن مسمع قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): اني أتخم، قال: سمِّ، قلت: قد سميت، قال: فلعلك تأكل الوان الطعام، قلت: نعم، قال: فتسمي على كل لون... 32

ما أتخمت قط وذلك لاني لم أبدأ بالطعام إلاّ قلت بسم الله، ولم أفرع من طعام إلاّ قلت الحمد لله 32

اذا أَمّ الرجل القوم جاء الشيطان الى الشيطان الذي هو قريب الامام 13 - 19

أول ما نزل على رسول الله بسم الله الرحمن الرحيم 39

وعن مسمع قال: شكوت ما ألقى من أذى الطعام الى أبي عبدالله إذا أكلته فقال: لم لمْ تسم فقلت: اني لاسمي وانه ليضرني فقال: اذا قطعت التسمية بالكلام... 32

إذا لم يسمِّ أكل معه الشيطان وإذا سمى بعد ما يأكل وأكل الشيطان معه يقيء الشيطان ما أكله 33

عن محاسن... قال: شكوت اليه التخم فقال: إذا فرغت فأمسح على بطنك وقل: اللهم هنئني، اللهم سوّغني اللهم أمر أني 35

ان الرجل إذا دنى من المرأة وجلس مجلسه حضره الشيطان فان هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان عنه، فان فعله ولم يسمِّ ادخلت الشيطان... 35

ان الشيطان ليجىء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويُحدث كما يحدث، وينكح كما ينكح ويُنزل كما ينزل الرجل فمن أحبنا كان نطفة الأب... 35

ص: 216

عن الحلبي قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): في الرجل إذا أتى أهله فخشى أن يشاركه كما قال تعالى: (وشاركهم في الأموال والأولا) قال (عليه السلام): كان من مال حرام فهو... 36

كل أمر ذي بال لم يذكر - وفي رواية - لم يبدأ فيه بسم الله فهو أبتر، بل قال لاتدعها ولو كان بعد شعره 12 - 38 - 71أعطى عيسى (عليه السلام) بن مريم حرفين كان يعمل بهما واعطى موسى (عليه السلام) أربعة أحرف واعطي ابراهيم (عليه السلام) ثمانية أحرف واعطى نوح ثلاثة عشر حرفاً و... 42

بسم الله الرحمن الرحيم هو اسم الله الأكبر أو الأعظم 43

(الم) حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطع في القرآن الذي يؤلفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الامام (عليه السلام) فاذا دعي به أُجيب 43

عن صفار عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: بسم الله الرحمن الرحيم أو قال: الأعظم 44

ما أنزل الله من السماء كتاباً الاّ وفاتحته بسم الله... 64

سألته عن قوله تعالى (ولقد آتيناك سبعاً من المثان) قال هي سورة الحمد 65

كل دعاء لايكن قبله تحميد فهو ابتر 72

اذا رأيت عبداً مبتلا ببلية وأنت في نعمة... 75

من قال عند الصباح أربع مرات الحمد لله ربّ العالمين... 75

اسم الله الأعظم مقطع في أمّ الكتاب 45

قال لبعض أصحابه: ألا أعلمك اسم الله الأعظم، أقرأ الحمد وقل هو الله وآية الكرسي وإنا أنزلناه ثم استقبل القبلة فادعو بما أجبت 45

ان الله تعالى خلق اسماءاً بالحروف غير متصورة الى أن قال: (فجعله) يعني فجعل ما خلق (على أربعة أجزاء) معاً - يعني غير مرتبة فاظهر منها... 47

مالهم قاتلهم الله عمدوا الى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة اذا أظهروها وهي بسم الله الرحمن الرحيم 68

السعيد سعيد في بطن امه، والشقي شقي في بطن أمه 110

الناس معادن كمعادن الذهب والفضة 110

شيعتنا خلقوا من فاضل شيعتنا وعجنوا بنور ولايتنا 111

ثلاث تناسخها الانبياء من آدم حتى وصلنَ الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان اذا اصبح يقول: اللهم اني أسألك ايماناً به قلبي ويقيناً حتى اعلم...

ص: 217

الصبر نصف الايمان واليقين الايمان كله 185

الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواه وتمنى على الله تعالى 185

ما قل وكفى خير مما كنز والهى 185

القناعة كنز لايفنى 185التائبُ عن الذنب كمن لاذنب له 202

نحن والله الاسماء الحسنى التي لايقبل الله من العباد عملاً الاّ بمعرفتنا 156 - 213

عن آبائه عن الحسين (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ان لله تسع وتسعين اسماً مئة الاّ واحد من احصاها دخل الجنة 214

اذا أصبح وامسى يقول... 75 - 136

الله أكرم من أن يكلف الناس مالايطيقون 106

الثالث كفر النعمة... 133

من أعطى ثلاثاً لم يمنع ثالثاً... 136

اغتنموا الدعاء... 143

ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب 144

عن معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): ابتدأ منه يا معاوية أما علمت أن رجلاً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فشكى الابطاء عليه 222

عن دعاء السريع الاجابة؟ فقال له الرجل: ماهو قال: قل وهو اسمك الاعظم، الاعظم... 222

للأمر العظيم المخوف تصلي ركعتين وهي التي كانت تصليها الزهراء (عليها السلام) تصليها تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد.. ثم ترفع يديك وتيوقل: اللهم اني... 222

الله اله كل شيء الرحمن بجميع خلقه الرحيم بالمؤمنين خاصة

عن سفان بن يحيى الى أبي عبدالله (عليه السلام)... الى أن قال: قلت الرحمن، قال: بجميع العالم. قلت: الرحيم، قال: بالمؤمنين 262

ان الرحمن اسم خاص لصفة عامة والرحيم اسم عام لصفة خاصة 257 - 263

قلت يا أبا عبدالله أسألك بكل بحق بينك وبين والله... 223

الأحاديث الواردة عن مولانا الامام الرضا (عليه السلام)

ص: 218

إذا أتى أحدكم أهله فليكن قبل ذلك ملاطفة فانه أبرُّ لقلبها واسلُّ لسخيمتها، فاذا أفضى الى حاجته قال: بسم الله ثلاثاً فان قدر أن يقرأ.... 14

قال سليمان في حديث قلت له (يعني لأبي الحسن (عليه السلام)): اني صاحب بليد سبع وأنا أبيت بالليل في الخرابات وأتوحش فقال لي: قل ارذا دخلت بسم الله... 37

من قال بعد صلاة الفجر بسم الله الرحمن الرحيم لاحول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم مائة مرة كان أقرب الى الاسم الأعظم من سواد العين... 44

حديث سليمان الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام) قال رجل: أيُّ أية أعظم في كتاب الله قال(عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم 65

فليس لك أن تسميه بما لم يسمِّ به نفسه 155

انها اقرب الى الاسم الأعظم من ناظر العين... 42

بسم الله الأكبر يا حي يا قيوم... 45

ثم وصف نفسه تبارك وتعالى باسماء دعا الخلق - اذا خلقهم وتعبّدهم وابتلاهم - الى أن يدعوه بها فسمى نفسه سميعاً بصيراً ... 221

عن محمد بن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) هل كان الله عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال: نعم، قلت: يراها ويسمعها قال: ما كان محتاجاً الى... 221

الأحاديث الواردة عن مولانا الامام الحسن العسكري (عليه السلام)

عن علي (عليه السلام) في حديث: ان رجلاً قال له: ان رأيت أن تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في المجلس فقال (عليه السلام): تركك حين جلست أن تقول بسم الله... 12 - 71

ان الله يقول: أنا أحق من سُئل وأولى من تضرع اليه فقولوا عند افتتاح كل امر صغير أو عظيم بسم الله الرحمن الرحيم 88

بسم الله، أي استعين على أموري كلها بالله 38

اذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله عزّوجلّ بدأ عبدي باسمي، حق عليَّ أن أتمّم له اموره وأبارك له في أحواله... 19

قال في تفسير قوله عزّوجل الرحمن: ان الرحمن مشتق من الرحمة

ومعنى قوله الرحيم - قال رحيم بعباده المؤمنين ومن رحمته ان خلق مئة رحمة واحدة في الخلق كلهم وفيها يتراحم الناس ترحم الوالدة على ولدها وحنو... 256

الرحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعته وبعباده الكافرين في الرزق وفي دعائهم الى موافقته 263

ص: 219

قال الا فمن قرأ معتقدا الموالاة لمحمّد وآله الطاهرين منقاداً لأمرهم 15

الرحيم بعباده المؤمنين... 263

وهناك روايات لم نذكرها في هذا الفهرست لأنها أما متكررة أو جاءت في نفس المعنى أو المضمون

فهرس المصادر

القرآن الكريم

نهج البلاغة

التفسير المنسوب للامام العسكري

تفسير مجمع البيان

تفسير صدر المتألهين

تفسير الميزان

التفسير الجديد في القرآن المجيد

تفسير البيان

تفسير البرهان

تفسير العياشي

تفسير بيان السعادة

تفسير نور الثقلين

تفسير شبّر

تفسير آية البسملة

تفسير جامع الجوامع

تفسير الاصبهاني

تفسير جلاء الأذهان

بحار الأنوار

أصول الكافي

ص: 220

وسائل الشيعة

مستدرك الوسائل

لئالي الأخبار

معاني الأخبار

الفضائل

القرآن وفضائله

نفحات الرحمن

مجمع البحرين

الجامع الصغير

مهج الدعوات

مفاتيح الجنان

كنز العمال

حلية الأولياء

مصباح المتهجّد

ارشاد القلوب

الاختصاص

الكشكول للبهائي

روضة الواعظين

عيون أخبار الرضا (عليه السلام)

نهية ابن الأثير

زهر الربيع

ذريعة المعاد

معراج الذاكرين

المقصد الاسنى في شرح الأسماء الحسنى

القواعد والفوائد

سفينة البحار

المصباح

الوافي

توحيد الصدوق

ص: 221

دستور معالم الحكم ومآثر مكارم الشيم

مفردات ألفاظ القرآن

ص: 222

فهرس المباحث

الإهداء … 3

المقدمة … 5

المبحث الأول في أسرار البسملة … 9

الفصل الأول … 11

في فضائل بسم الله الرحمن الرحيم … 11

«من الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام)» … 11

الفصل الثاني … 19

فوائد بسم الله الرحمن الرحيم … 19

الأولى: الفوائد الدنيويّة … 19

الثانية: الفوائد الأخروية … 21

القسم الأول: القوى المربوطة بالروح النباتية وتكون مشتركة.. … 25

القسم الثاني: القوة المربوطة بالروح الحيوانيّة - وهي مشتركة... … 25

في معنى القوى الظاهرية والباطنية … 26

أولاً: القوى الظاهرية … 26

ثانياً: القوة الباطنية … 28

الفصل الثالث … 31

آثار بسم الله الرحمن الرحيم … 31

أولاً: «بسم الله ودفع الضرر في الغذاء» … 31

الثانية: في الأدعية المتضمنة لبسم الله لدفع الضرر من الطعام... … 33

الثالثة: التحفظ ببسم الله من مشاركة الشيطان في الجماع … 35

الرابعة: التحفظ ببسم الله من دخول الشيطان في الدار … 36

الخامسة: نتائج قراءة بسم الله أثناء الركوب والخروج الى السفر … 37

السادسة: استحباب الابتداء ببسم الله في الأمور كافّة … 38

السابعة: في القصص الواردة حول بسم الله الرحمن الرحيم … 39

ص: 223

الفصل الرابع … 41

في بيان أن بسم الله الرحمن الرحيم … 41

هل هو من الاسم الأعظم أم لا؟ … 41

الموارد التي ذكر أن الاسم الأعظم موجود فيها المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) … 43

المبحث الثاني: في الأسم … 49

الأول: تأثير الألفاظ في الكون … 49

الثاني: في البسملة والتحميد … 49

الثالث: في باء البسملة … 49

الرابع: الارتباط بالله … 49

الخامس: في معاني الأسم … 49

الفصل الأول … 51

تأثير الألفاظ في الكون … 51

الأدلة القرآنية على تأثير الألفاظ … 53

هل الأسم عين المسمى أم لا؟ … 55

الخلاف الواقع بين الأشاعرة والمعتزلة … 60

هل أن بسم الله من القرآن أم لا؟ … 63

الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) … 68

في انّ بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن … 68

الفصل الثاني … 71

الكلام في الحديثين الواردين الآمرين بالابتداء بالبسملة والتحميد... … 71

… 74

كيفية الجمع بين الحديثين عند التعارض: … 80

الكلام في متعلق البسملة … 84

في المعنى اللغوي لباء البسملة … 87

الكلام في الجبر والتفويض والإختيار … 91

هل لهذه المعرفة غاية ذاتية أم لا؟ … 109

ما هو متعلق باء البسملة؟ … 115

ص: 224

قال الكوفيون - فيه وجوه - … 115

وأما البصريون فقد استدلوا على مبناهم بأمور - … 117

الفصل الرابع … 119

الارتباط بالله … 119

كيفية الارتباط بالله تبارك وتعالى … 121

الايمان: وهو لغةً: التصديق المطلق اتفاقاً من الكل … 121

… 122

فوائد الايمان بالله … 122

حب الله تبارك وتعالى للانسان … 130

التوكّل على الله … 137

درجات التوكّل … 140

الدعاء … 141

أولاً: الروايات التي تشير الى مضان استجابة الدعاء … 143

ثانياً: الروايات التي تشير الى ما يسبب رد الدعاء … 145

مزايا وفوائد الدعاء … 146

… 148

الفصل الخامس … 153

الكلام في معاني الإسم وإشتقاقه … 153

هل أن أسماء الله تعالى توقيفية أم لا؟ … 155

الكلام في الأسماء الحسنى … 158

هل إنّ الأسماء الحسنى منحصرة بالأسماء اللفظية أم لا ؟ … 212

منافع الأسماء الحسنى … 214

فوائد أخرى للأسماء الحسنى … 215

الوجه في تسمية هذه الأسماء بالأسماء الحسنى … 216

المبحث الثالث … 217

في مختصات لفظ الجلالة - الله - … 217

الأوّل : بيان في كلمة (الله) … 217

الثاني : الإيمان بالله … 217

ص: 225

الفصل الأوّل … 219

بيان كلمة الله (جلّ وعلا) … 219

الروايات الواردة في وضعه … 221

امتيازات الاسم الشريف … 228

الفصل الثاني … 231

الإيمان بالله … 231

البراهين والأدلة على وجوده تعالى (عند المتكلمين والحكماء) … 242

فوائد معرفة الله … 246

المبحث الرابع … 251

في خصائص الرحمن الرحيم … 251

الأول - بحث موجز في معاني الرحمن الرحيم وأشتقاقهما … 251

الثاني - الرحمة الالهية … 251

الفصل الأول … 253

بحث موجز … 253

في معاني الرحمن الرّحيم واشتقاقهما … 253

الفصل الثاني … 259

الرحمة الالهية غير قابلة للادراك … 259

هل أن الرحمن صفة أو علم؟ … 260

الروايات الواردة في الرحمن الرحيم … 262

خاتمة … 264

فهرس الآيات الشريفة … 267

فهرس الأحاديث المباركة … 283

فهرس المصادر … 295

فهرس المباحث … 299

ص: 226

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.