بطاقة تعريف: لاري، السید عبدالحسین، 1340 - 1264؟ق
عنوان واسم المؤلف: معارف السلماني، بمراتب خلفاآ الرحماني. اکسیر السعادة فی اسرار الشهادة. القصائد العربیة/ تالیف السید عبدالحسین اللاري
تفاصيل المنشور: قم: موتمر احیاآ ذکری آیه الله المجاهد السید عبدالحسین اللاري، اللجنه العلمیة للموتمر: مؤسسة المعارف الإسلامیة، 1418ق. = 1377.
مواصفات المظهر: 3 ج.(در یک مجلد)
فروست : (موتمر احیاآ ذکری آیه الله المجاهد السید عبدالحسین اللاری 9)
ISBN : 964-6289-31-2 ؛ 964-6289-31-2
لسان : العربية
ملحوظة : به مناسبت کنگره بزرگداشت آیت الله سید عبدالحسین اللاری، 1377 لار و جهرم
ملحوظة : کتابنامه: بصورت زیرنویس
عنوان آخر: اکسیر السعاده فی اسرار الشهاده
عنوان آخر: القصائد العربیه
موضوع : علم امام -حسین بن علي(ع)، امام سوم، 61 - 4ق. -- الجوانب القرآنية
موضوع :آل بيت النبي -- الجوانب القرآنية
الشعر العربي -- قرن 20
الشعر الديني العربي -- قرن 20
المعرف المضاف: مؤتمر تكريم آية الله السيد عبد الحسين لاري. هیات علمي
المعرف المضاف: مؤتمر تكريم آية الله السيد عبد الحسين لاري (1377. لار و جهرم)
المعرف المضاف: بنیاد معارف اسلامي
ترتيب الكونجرس: BP223/34/ل 2م 6 1377
تصنيف ديوي: 297/45
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 77-5898
ص: 1
مؤتمر إحیاء ذكری
آیة الله المجاهد السید عبد الحسین اللاري
الكتاب: المعارف السلمان - أكسیر السعادة - القصائد العربیة
المؤلف: آیة الله المجاهد السید عبد الحسین اللاري قدس سره
تحقیق ونشر: اللجنة العلمیة للمؤتمر - مؤسسة المعارف الاسلامیة
الطبعة: الأولی / 1418 ه.
صف الحروف:مؤسسة المعارف الاسلامیة
المطبعة: پاسدار اسلام - قم
عدد: 1250 نسخة
شابك: 996-1289 -31 - 2
جمیع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر
قم - ص - ب 798-37180، تلفون 732009 ، فاكس 763701
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی خاتم الأنبیاء والمرسلین ،وعلی آله النجباء الأطهار .
وبعد :
فبین یدیك - عزیزی القاریء- أثر ثمین آخر من آثار آیة الله المجاهد السید عبد الحسین اللاری قدس سره كرَّسه لإثبات حضوریة علم الإمام علیه السلام بالأدلّة المقنعة.
لقد طبع هذا الكتاب مكرّراً فی السنین المتقدّمة، وكانت إحداها سنة 1313 ه، ثمّ طبع مؤخراً فی بیروت بتحقیق محمد جمیل حموّد، إلاّ أنّ هذهالطبعة أیضاً لم تسلم- كطبعات الكتاب السابقة - من الأخطاء، لذا وإحیاء لذكری السید اللاری قدس سره أعدنا طباعة هذا الكتاب بعد أن استخرجنا الأحادیث التی لم تكن استخرجت، وصححنا المتن - قدر الوسع - مما احتوی من أخطاء، وما أضفناه من المصادر أو من عندنا - لیستقیم المتن - جعلناه بین [ ] لنقدّمه فی هذا المؤتمر بحروف جدیدة، وبهذه الحلّة القشیبة.
اللجنة العلمیّة للمؤتمر
ص: 5
ص: 6
الحمد لله الذی كان فی أولیته وحدانیاً ، وفی أزلیته متعظّماً بالإلهیة، متكبراً بكبریائه وجبروته ، إبتدع ما ابتدع، وأنشأ ما خلق علی غیر مثال كان سبق بشیء مما خلق، وبنور الإصباح فلق، فلا مبدل لخلقه ولا مغیر لصنعه ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره ولا زوال لملكه، فهو الكینون أولا والدیموم أبدا ، المحتجب بنوره دون خلقه فی الأفق الطامح والعز الشامخ، فتجلی لخلقه من غیر أن یری بعین مادیة فاستتر عن خلقه فبعث إلیهم الرسل والأولیاء علیهم السلام مبشرین ومنذرین لتكون له الحجة علی الخلائق أجمعین.
والصلاة علی أشرف المرسلین محمد بن عبدالله «صلی الله علیه و آله» خیر الوری وصفوة الخلق آله الأنوار المعصومین الذین لولاهم ما أشرق صبح الأزل علی عوالم الوجود ، فهم «علیهم السلام» سر الوجود وسفراء الرب المعبود، فعلیهم سلامه ولمن عاداهم غضبه تعالی وإنتقامه.
أما بعد...
فإن مسألة علم الإمام علیه السلام» من المسائل الجلیلة التی ینبغی البحث فیها لأهمیة شخص الإمام (علیه السلام) والإمامة عند الشیعة الإمامیة ، إذ إنهمینظرون إلی الإمامة أنها أصل من الأصول الإعتقادیة الخمسة فی الإسلام، ولا نبالغالقول أنها أس التوحید، إذ لولا الإمام (علیه السلام)لساخت الأرض بأهلها(1)
ص: 7
ولولاه «علیه السلام» ما عرف الله تعالی(1)
والمراد من علم الإمام «علیه السلام» لیس الإكتسابی الحاصل من الإمارات والحواس الظاهریة و مقدمات فكریة، ضرورة أنه «علیه السلام» یشترك فیه مع بقیة الناس، لأنه تابع لأسبابه الإعتیادیة ، وهذا لا یختص بأحد دون أحد، ولیس المراد أیضا من علمه «علیه السلام» العلم بالموضوعات المترتب علیها حكم كلی لأن جهل الإمام (علیه السلام» بها یعد نقصاً فی رتبته وحطّأ من منزلته وكرامته .
كذلك لیس المراد من علمه «علیه السلام» بالأحكام لأن الإمام المعصوم لابد وأن یكون عارفة بالأحكام الشرعیة عالمة بها بواسطة العلم الحضوری، إذ لا یجوز عقلاً أن یسئل عن حكم لم یكن علمه لدیه حاضراًوإلاّ لم یكن الحجة علی العباد، بل ولبطلت إمامته ، وإنّما المراد من علمه «علیه السلام» هو علمه بالموضوعات الخارجیة الجزئیة الصرفة. والسر فی ذلك یرجع لأمرین:
1- عظمة الإمامة.
2 - كون الإمام «علیه السلام» خلیفة الله تعالی فی أرضه.
أما الأمر الأول : فحیث أن الإمامة منزلة رفیعة ومرآة تنعكس علیها الصفات الجمالیة والكمالیة لله تعالی ، و من صفاته تعالی «القیومیة الإحاطیة» أی أنه تعالی قیوم محیط بكل شیء، وهم «علیهم السلام» أشعة نوره ومرآة جلاله فسیحیطون بكل الأمور بإذنه تعالی ، فعلمهم وإحاطتهم «علیهم السلام» فی طول علمه وإحاطته تعالی.
ویكفی للتدلیل علی عظمة الإمامة أنها كالنبوة فی حفظ الشرع المیین فكما یجب إتباع النبی صلی الله علیه وآله» كذلك یجب إتباع الإمام «علیه السلام» وحاجة العباد إلیه بلا فرق، لذا وافقنا جماعة من علماء العامة كالبیضاوی فی
ص: 8
مبحث الأخبار علی أن الإمامة أصل من أصول الدین(1)
ومن الأدلة الهامة علی بیان عظمة الإمامة قوله تعالی: «یا أیها الرسول بلّغ ما أنزل إلیك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله یعصمك من الناس إنّ الله لا یهدی القوم الكافرین» (2)
فالآیة بعد كونها نازلة فی حق الإمام الولی علی بن أبی طالب علیه السلام» فی آخر حجة حجها النبی الأعظم صلی الله علیه و آله» ، دلت علی أن الرسول إن لم یبلغ كون أمیر المؤمنین علیه السلام» خلیفة الله تعالی و خلیفته فكأنه «صلّی الله علیه وآله » ما بلغ أصل الرسالة الإسلامیة.
فاجتمع المؤمنون فی غدیر خم وبایعوه بر متهّم حتی قال له عمر بن الخطاب : بخ بخ لك یا علی أصبحت مولای و مولی كل مؤمن، هذا كله بعد ما نزل قوله تعالی: «والیوم أكملت لكم دینكم وأتممت علیكم نعمتی ورضیت لكم الإسلام دیناً» (3)
فالدین لم یكن تاماً قبل إعلان الولایة لأمیر المؤمنین (علیه السلام»، فالولایة هی المتمم للدین الحنیف وهی المتمم للحیاة بكل مناحیها وتقلّباتها لأنها أساس الوجود وسر باریء النفوس ، كیف لا؟ وقد شرف الله تعالی بها النبی إبراهیم علیه السلام» بعدما كان مرسلاً ، مما یدل علی أنها فی عظمتها أشرف من النبوة ، إذ لو كانت أشرف من الإمامة لما صح أن یشرّف بها إبراهیم علیه السلام» ، إذ لا یشرف العالی بالدنی ، بل العكس هو الحق قال تعالی :
«وإذ ابتلی إبراهیم ربه بكلمات فأتمهنّ قال إنی جاعلك للناس إماماً قال
ص: 9
ومن ذریتی قال لا ینال عهدی الظالمین»(1)
فبعدما نجح إبراهیم «علیه السلام» بإتمام الكلمات شرفه بالإمامة المباركة .الأمر الثانی : إن الخلیفة هو من یقوم مقام الغیر، وقد إستعملت لفظة «خلیفة»بصیغة المفرد فی موردین :
أولهما: قوله تعالی : «إنی جاعل فی الأرض خلیفة قالوا أتجعل فیها من یفسد فیها ویسفك الدماء...» (2).
ثانیهما: قوله تعالی : «یا داود إنا جعلناك خلیفة فی الأرض فاحكم بینالناس بالحقّ» (3).
فالمراد من الخلیفة فی هاتین الآیتین هو القیام مقام الخالق والجاعل وهو الله تعالی، والخلیفة یجب أن یكون معبرة عن المستخلف فیما أستخلف فیه ، ومن هنا فإن الخلافة المطلقة تقتضی كونها شاملة لمختلف الشؤون وكافة الأمور واستیعابها لكل ما استخلف علیه الخلیفة، لهذا كان من اللازم أن یكون الخلیفة المطلق عالماً بصفات المستخلف وشؤون ما یستخلفه علیه ، كما یجب أن تكون له القدرة الضروریة للتصرف فیه ، وهكذا فالخلافة المطلقة الإلهیة تتوقف علی معرفة أسماء الله تعالی وصفاته العلیا حتی یمكن للخلیفة أن یعبر عنها، كما تتوقف أیضاً علی معرفة عامة المخلوقات لكی یتمكن من تدبیرها وأداء حق الاستخلاف فیها ، ولذلك نجد أن الله تعالی علم آدم الأسماء كلّها علماً یغنیه عن ذلك، ویحقق ملاك إعطاء الخلافة الإلهیة ، ولم یكن ذلك التعلیم بالألفاظ و مدالیلها الذهنیة ، وإنما كانت بالحقائق ومصادیقها الخارجیة العینیة.
ص: 10
إذن فالخلافة الإلهیة تدور مدار العلم الشهودی (لا الكسبی الحصولی) بالأسماء كلّها علماً یتلقاه الخلیفة من الله تعالی بغیر واسطة وهذا هو سر الخلافة ومناطها(1).
وعلی لسان بعض النصوص الواردة عنهم «علیهم السلام»: «إن الله تعالی أحكم وأكرم وأجلّ وأعظم وأعدل من أن یحتج بحجة ثم یغیب عنهم شیئاً من أمورهم»(2).
وفی تعبیر آخر ورد عنهم «علیهم السلام»: «من شك أن الله تعالی یحتج علی خلقه بحجة لا یكون عنده كل ما یحتاجون إلیه فقد افتری علی الله»(3).
وورد عن أبی حمزة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام» یقول : لا والله لا یكون عالم جاهلاً أبداً، عالماً بشیء جاهلاً بشیء، ثمّ قال : الله أجلّ وأعزّ وأكرم من أن یفرض طاعة عبد یحجب عنه علم سمائه وأرضه ثم قال : لا یحجب ذلك(4).
وحیث أن الإمام «علیه السلام» وقف علی حقائق العالم كیف ما كان بإذنه تعالی سواء كانت محسوسة أو غیر محسوسة كالموجودات السماویة والحوادث الماضیة والوقائع الآتیة كما دلت علی ذلك النصوص المتواترة المضبوطة فی الكافی و بصائر الدرجات و بحار الأنوار وغیرها علی حد تعبیر العلامة الطباطبائی (رحمة الله علیه)(5) فلا یمكننا تجاهل كل تلك الأدلة والشواهد التی یمكن أن تقام كإثبات علی حضوریة علم الإمام «علیه السلام» .
ص: 11
ومن هنا إنبری جماعة من محققی الإمامیة لإثبات حضوریة علمه «علیه السلام» بالأدلة المقنعة، لذا تری فی هذه الرسالة العلمیة المسماة ب «المعارف السلمانیة» لمؤلفها العلامة الجلیل السید عبدالحسین النجفی اللاری (رحمة الله علیه) ما یشفی الوجدان الصافی ویروی الظمآن الذی یتعطش إلی معرفة علم الإمامة الذی هو أثر من آثار عظمة شخصیة الإمام الولی علیه السلام». .
وقد طبعت هذه الرسالة منذ سنین بعیدة واندثرت فی عالم الكتب القدیمة إلی أن وفّقنی الله تعالی بها فی إحدی مكاتب قم لا یوجد غیرها، فقمت ولله الحمد بتخریجها وتصحیحها علی ما أملك من قدرات ، نسأله عز وجل أن یتقبل عملنا بقبول حسن ، والملفت للنظر أن المؤلف (رحمة الله علیه) لم یذكر فی رسالته الغراء هذه سبب تسمیته الرسالة ب «المعارف السلمانیة» ولكن علی ما یبدو والله العالم: أن إسمها مقتبس من إسم مولانا الصحابی الجلیل والعارف الكبیر بأسرار آل محمد سلمان الفارسی «علیه السلام» الذی حوی بین جنبیه علم الأولین والآخرین واحتمل من العلوم ما لم یحتمله غیره من مخزون علمه تعالی ومكنونه علی ما ورد فی كثیر من النصوص التی تمدح شأنه الكریم، وبما أن علم الإمام «علیه السلام» من العلوم الغامضة عند أكثر الناس ، فعلمه «علیه السلام» داخل فی العلم اللدنی الباطنی الذی لا یفهمه علی حقیقته إلاّ قلّة من المؤمنین كسلمان وأبی ذر وكمیل بن زیاد ورشید الهجری وجابر بن عبدالله الجعفی وأمثالهم حیث حملوا من مكنون علوم الأئمة «علیهم السلام» ما عجزت عنه فطاحل المفكرین والعلماء آنذاك.
محمد جمیل حمّود
بیروت/25ذی القعدة 1413 ه
ص: 12
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
الكلام فی رفع بعض الشبهات وتأویل بعض المتشابهات عن أصول الإعتقادات بالرجوع الی المحكمات كما قال الله تعالی : «هو الذی أنزل علیك الكتاب منه آیات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذین فی قلوبهم زیغ فیتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأویله وما یعلم تأویله إلا الله والراسخون فی العلم»(1)الآیة.
منها : شبهات الجبریة (2)، وقد فصلنا البحث فیها وفی الجواب عنها
ص: 13
ص: 14
وعن(1)متشابهاتها مستقصً بأبلغ وجه فی رسالة مستقلة.
ص: 15
ومنها: شبهة الخلاف بین الإمامیة فی كمیة علم الإمام «علیه السلام» من حیث تعلقه بجمیع الأشیاء وعدمه وكیفیته من حیث كونه حضوریاً أم إرادیاً مع إتفاقهم علی عصمته وإستحالة زلته وغفلته، وتحقیق الحق یتوقف :
أولاً: علی تشخیص موضع الخلاف و محل الشبهة.
ثانیاً: علی بیان منشأ الشبهة وعلاجها.
ثالثاً: علی بیان حكمی الشبهة من التكلیفی والوضعی.
فنقول: أما المراد من الإمام «علیه السلام» فی محل شبهتی الخلاف فی كمیة علمه وكیفیته فلیس خصوص من له الرئاسة العامة الإلهیة بتنصیص الرسول وتوسطه كما هو مصطلح (1)المتكلمین فی معنی الأمام.
ص: 16
ص: 17
ولا مطلق المعصوم الشامل للملائكة لاعترافهم بأنه : «لا علم لنا إلا ما علمتنا»(1)فی جواب قوله تعالی: «وأنبؤنی بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقین» (2)
ولأن غایة رتبة الملائكة بعد العصمة الرسالة ولا یمتنع إجتماعها مع الجهل فی الجملة بخلاف الإمامة ، فإن أول رتبتها الخلافة والرئاسة الالهیة الممتنع إجتماعها عقلا ونقط مع منقصة الجهل و نفرة لوازمها من الخطأ والزلل.
ولأن أشرفیة الأنبیاء من الملائكة وعموم رئاستهم علی الثقلین حتی علی الملائكة لقوله تعالی : «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم »(3) وقوله تعالی : «یا آدم انبئهم بأسمائهم»(4) یقتضی التفاوت بینهم فی العلم
بل المراد بالإمام فی المرام مطلق من له الرئاسة الإلهیة العامة سواء كان
ص: 18
بتوسط الرسول كالأوصیاء أو بلا واسطة كالأنبیاء فیعم الامام النبی صلّی الله علیه و آله كما هو المراد فی قوله تعالی لإبراهیم «إنی جاعلك للناس إماماً»(1)
وأما المراد من علمه فلیس فی علمه الظاهری الكسبی (2)الحاصل من الإمارات والحواس الظاهریة والصنایع الإكتسابیة ضرورة أن العلم الظاهری الحاصل للإمام العلم الظاهری الحاصل لغیره یتبع أسبابه من حواسه الظاهریة فی الكمیة والكیفیة فلا مجال لشبهة الخلاف فیه.
بل الخلاف فی كمیة علمه وكیفیته إنما هو فی علمه الباطنی الفطری اللدنی(3)
ص: 19
الموهوب بالهام أو وحی أو روح القدس أو نحوها من الأسباب الخاصة بالأنبیاء والأوصیاء.
وأما المراد من كیفیة حضور علمه علیه السلام القول بحضوریّته فلیس فی إحاطة علمه بالمعلومات علی وجه العلیة والمعلولیة ضرورة أن العلم بهذا المعنی من خصائص ذات واجب الوجود التی لا یشاركها الممكن فیها قطعاً .
بل المراد من علمه الحضوری هو انكشاف المعلومات عنده فعلاً فی مقابل انكشافها الشأنی علیه بالقوة والإرادة المعبّر عنه بقولهم لو شاء أن یعلم لعلم(1).
ومن هنا ظهر الفرق بین علمه تعالی وعلم الإمام علی تقدیر فعلیته ایضاً من وجوه عدیدة، من جهة القدم، والحدوث، والسبق، والعدم، والعلیة ، والمعلولیّة ، وعینیته مع الذات وعدمه الی غیر ذلك من وجوه الفرق التی لا یبقی معها مجال لتوهم الاتحاد بین العلمین ولزوم الشرك والغلو من الالتزام به فی البین كما توهم.
ص: 20
وأما المراد من عموم كمیّة علم الإمام «علیه السلام» علی القول بعمومه فهو شمول علمه لكل ما كان وما یكون الی یوم القیامة(1) علی وجه الإیجاب الكلی لا الإیجاب الجزئی الخاص بغیر علم الساعة والآجال والمنایا وذلك لأنه وإن استفاض فی نصوص الكتب المعتبرة كالصافی(2) والمجمع (3)والبصائر(4)إن من علم الغیب ما إستأثر الله به ولم یطلع علیه ملك مقرباً ولا نبیاً مرسلاً، وهی المجتمعة فی قوله تعالی : « إن الله عنده علم الساعة وینزل الغیث ویعلم ما فی الأرحام وما تدری نفس ماذا تكسب غدا وما تدری نفس بأی أرض تموت» (5)
ص: 21
إلا أنّ هذه النصوص النافیة عنهم خصوص ما إستأثر الله به من ذلك العلم الخاص مع إستفاضتها لیست إلاّ كالنصوص النافیة لعلمهم المطلق بسائر الأشیاء معارضة بما سیأتی من النصوص المتواترة الصریحة المثبتة لعموم علمهم بكلّ ما كان وما یكون وبخصوص الآجال والمنایا وغیرها بحیث تترجح علی تلك من حیث الصحة والصراحة والإعتضاد بوجوده من المرجحات الآتیة المقتضیة لطرح النصوص النافیة عنهم خصوص ذلك العلم أو حملها علی ضرب من التقنیة والمصلحة لموافقتها المخالفین ، أو علی خصوص العلم الحضوری منها لا الإرادی كما یقتضیه عموم نصوص ما لو شاء الإمام أن یعلم لعلم، أو علی خصوص العلم المعلق القابل للتغییر بالبداء (1) لا العلم المحتوم غیر المتغّیر
ص: 22
ص: 23
ص: 24
ص: 25
ص: 26
ص: 27
بالبداء فیها.
كما یظهر من بعض النصوص والأدعیة (1) أن ما قدره الله من الآجال والأرزاق والخیر والشر وأنزله فی لیلة القدر علی إمام ذلك العصر فهو من المحتوم (2)
ومن قوله «علیه السلام» فی الكافی : إن لله علمین علماً أظهر علیه ملائكته وأنبیاءه ورسله، فما أظهر علیه ملائكته ورسله فقد علمناه ، وعلمة إستأثر به، فإذا
ص: 28
بدا لله فی شیء منه أعلمنا ذلك (1).
وكما یظهر وإستظهر أیضاً من قوله «علیه السلام» فی أن الله علمین علم مكنون مخزون لا یعلمه إلا هو من ذلك یكون البدآء، وعلم علمه ملائكته ورسله فإنه سیكون لا یكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله (2) ، إن علة البداء فیما لم یطلع علیه الأنبیاء لئلا یخبروا فیكذبوا وعلة عدم البداء فی علم الأنبیاء لئلا یكذب نفسه فی اخباره الأنبیاء ولا یكذّب الأنبیاء فی أخبارهم الناس.
أو علی العكس وهو حمل نفیها علی نفی العلم المحتوم الذی لا یتغیر ولا یتبدل بالبداء كما یقتضیه ظاهر ما عن «التوحید»(3) عن أمیر المؤمنین ، وعن العیاشی (4) عن الباقر إنه قال : كان علی بن الحسین علیه السلام یقول: لولا آیة من كتاب الله لحدثتكم ما یكون الی یوم القیامة.
فقلت له : أیة آیة؟
قال : «یمحو الله ما یشاء» (5) وهی رد علی الیهود المنكرة للبداء بقولهم :«ید الله مغلولة » فرغ من الأمر لا یحدث شیئاً (6).
أو علی نفی لزوم العمل بها.
ص: 29
أو علی نفی الأذن و الرخصة فی بروزها كلیّة وإظهارها لعامة الناس لوجود مصلحة فی سترها أو مفسدة فی كشفها لهم كترك التضرّع والدّعاء والخوف والرجاء والسعی فی أمر المعاش والمعاد كما یؤیده نصوص الباب السادس والأربعین والمائة من البصائر من قولهم لشیعتهم: لو كانت لألسنتكم أوكیة(1)لحدثت كل امریء بما له وعلیه (2)
أو علی نفی العلم بها عن خصوص بعض الأنبیاء والأوصیاء لا عن كلهم كما یؤیده صریح ما رواه الشیخ الحر والصافی (3)عن الكافی عن الصادق «علیه السلام»: لو كنت بین الخضر و موسی(4) لأخبرتهما أنی أعلم منهما وأنبأتهما بما
ص: 30
ص: 31
ص: 32
ص: 33
لیس فی أیدیهما لأنهما أعطیا علم ما كان ولم یعطیا علم ما یكون وما هو كائنحتی تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله وراثة.
وما فی البصائر فی الباب الثالث والسبعین والمائة من أن الأئمة بعضهم أعلم
ص: 34
من بعض إلا فی علم الحلال والحرام وتفسیر القرآن والحجة والطاعة، والشجاعة ، فإنهم فیها سواء(1)
فتلخص مما ذكرنا أن المراد من عموم كمیة علم الإمام - علی القول بعمومه - إنما هو عمومه لكل ما كان وما یكون علی وجه الإیجاب الكلی الشامل لعلم الساعة وعلم المنایا والآجال لا الایجاب الجزئی الخاص بما عداها فلا یمكن
للمعمم اخراج علم الساعة والآجال عن محل النزاع و مورد تعمیمه علی وجه الإطلاق إلا بأحد المحال المتقدمة لنفی العلم بها من الحمل علی نفی العلم الحضوری لا الإرادی، أو علی نفی العلم المحتوم غیر المتغیر بالبداء لا المعلق القابل للتغییر بها أو العكس وعلی نفی لزوم العمل بها ، أو علی نفی الإذن والرخصة، فی بروزها وإظهارها لعامة الناس، أو علی نفی ثبوت العلم بها لجمیع الأنبیاء والأوصیاء لا نفی ثبوته لهم رأساً.
وأما مراد النافی فی تعمیم علم الإمام «علیه السلام» فلیس نفی تعمیمه حتی للأحكام و موضوعاتها الكلیة الموسومة بالمستنبطة لعدم الشبهة لغیر العامة فی لزوم تعمیم علمه لهما قطعاً ، لكون بانها من وظیفته وخصائصه والجهل بشیء منها نقص الرتبته ومنزلته ، بل مراد النافی الخاص بالإمامیة إنما هو نفی تعمیمه للموضوعات الجزئیة الصرفة (2)
ص: 35
إختلفت كلمات الإمامیة فی لزوم تعمیم علم الإمام لها علی وجوه، ثالثها التفصیل بین ما كان من تلك الموضوعات الجزئیة لكلیها حكم شرعی كأبوة زید مثلا المحكوم علی علیها شرعاً بالاحترام والتوارث فیلزم تعمیم علمه لها لرجوع الجهل بها الی الجهل بحكمها، وبین ما لم یكن منها لكلیة حكم شرعی كتسمیة زید بأی إسم مثلا فلا یلزم تعمیم علمه له لعدم رجوع الجهل به الی الجهل بحكمه.
كما إختلفت كلماتهم أیضاً فی كیفیة علمه هل هو حضوری أم إرادی علی قولین، والمثبت لعموم كمیته وفعلیة كیفیته هو ظاهر المشهور ، بل كل الإمامیة علی ما سیأتی من عقائد المجلسی والبهائی والشهید والعلامة والمقداد والمفید والشیخ وإبن طاووس وغیرهم.
وأما النافی لفعلیة علمه فجملة من المعاصرین منهم صاحب «حقائق الأصول» علی ما سیأتی تفصیله.
وأما النافی عموم كمیته فهو الصدوق فی آخر باب السهو من فقیهه(1)، حیث
ص: 36
ص: 37
نقل فیه بعض أخبار سهو النبی «صلی الله علیه و آله » و تسلیمه فی الركعتین ونومه عن صلاة الفجر حتی طلعت الشمس ونسب نفی السهو عنه إلی الغلاة وادعی موافقة شیخه إبن الولید له ، بل ظاهر دعواه موافقة من عدا الغلاة من جمیع الإمامیة فضلاً عن شیخه.
بل هو ظاهر الطبرسی فی مجمع البیان حیث ذكر إستدلال الجبائی بقوله تعالی : « وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ » (1) الآیة . علی بطلان قول الإمامیة بعدم جواز النسیان علی الأنبیاء ورده بأن هذا غیر صحیح لأن الإمامیة لا یجوزون السهو علیهم فیما یؤدونه عن الله ، فأما ما سواه فقد جوزوا علیهم أن ینسوه أو یسهو
ص: 38
عنه ما لم یؤد ذلك إلی إختلال بالعقل (1).
بل هو صریح السید (2) أیضاً حیث نقل إستدلال الإسكافی فی باب القضاء علی عدم جواز قضاء الإمام بعلمه بأن الله أوجب للمؤمنین فیما بینهم حقوق أبطلها فیما بینهم وبین الكفار وأطلع رسوله بما كان یبطن الكفر ویظهر الإسلام ومع ذلك لم یبین أحوالهم لجمیع المؤمنین فیمتنعوا من مناكحتهم وأكل ذبائحهم.
فأجاب عنه أولا بمنع أن الله أطلعه علی الكفار بأعیانهم الی(3) آخر جوابه
الصریح فی المنع من تعمیم علم الإمام بالموضوعات الصرفة مطلقاً.
بل هو ظاهر كل من نقل [من] الفقهاء هذا المنع عن السید ولم یعترض علیه كصاحب الجواهر وغیره.
بل لعله صریح الجواهر فی وجه الإختلاف المدّعی بین تحدید الكر الوزنی والمساحی(4).
بل هو صریح «القوانین» أیضاً فی باب ترك الإستفصال .
بل و صریح الكراجكی حیث قال فی عقائده من «كنز الفوائد»(5) أنه سبحانه أظهر علی أیدیهم الآیات وأعلمهم كثیراً من الغائبات والأمور المستقبلات ولم یعطهم من ذلك إلاّ ما قارن وجها یعلمه من اللطف والصلاح ولیسوا عارفین بجمیع
ص: 39
الضمائر والغائبات علی الدوام ولا یحیطون العلم بكل ما علمه الله تعالی ، بل الظاهر سیّما من الكراجكی حیث ذكره فی عقائده كونه من مسلمات الإمامیة ، فضلاً عن كونه من معتقدات شیخهم المفید(1)، بل قد صرح به والعلامة فیما حكاه المجلسی عنهما فی آخر تاسع البحار (2) فی تذنیب الجواب عن شبهة كیفیة شهادة علی والحسنین «علیهم السلام»،
إلّا أن الذی صرح به المفید فی ضمن رسالة الجواب عن تفصیل الصدوق بین السهو عن العبادة الناشیء عن غلبة النوم حتی یخرج وقتها فیقضیها بعده فیجوز علیه وبین السهو الناشیء عن غیر النوم فلا یجوز علیه (3).
ولكن مع كل التصریحات والتلویحات یمكن أن یكون مراد من عدا الصدوق والمفید والسید من جمیع النفات هو نفی علمه الخاص المستأثر به الله تعالی بأحد معانی نفیه الممكن خروجها عن محل النزاع كنفی علمه الحضوری لا الإرادی فیما إستأثر الله من علمه الساعة والآجال (4).
ونفی علمه المحتوم لا الجائز فیه البداء (5) أو نفی علمه المأذون فی بروزه لا
المكتوم عن الناس، أو نفی لزوم العمل بعلمه لا نفی علمه.
فیرجع حینئذ مراد من عدا الثلاثة من جمیع التفات إلی مراد ذوی الإثبات والمنع عن خصوص ما إستأثر الله به من علم الساعة والآجال بأحد معانی نفیه الممكن خروجها عن محل الشتات.
ص: 40
یمكن أن یكون مراد الصدوق والمفید بتجویز أن ینسیهم الله عن الصلاة حتی سلّم فی الركعتین وأن ینیمهم عنها [حتی ]یخرج وقتها، وكون النبی مجبورة أو مأمورة عن الله تعالی فی التسلیم فی الركعتین ، أو الانامة عن الصلاة فی وقتها مثلاً ، علی أن یكون ذلك من خصائصه «صلی الله علیه و آله» من تبدیل الواقع علیه وعمله بالواقع المتبدل فی حقه عمداً لا من باب تفویت الواقع علیه وعمله بغیر الواقع سهواً.
أو من باب التجاهل لا الجهل بفعل ما یوهم الموهم سهوه فی الظاهر لا تفویت شیء علیه فی الواقع لدفع مفسدة توهم الموهم ربوبیته أو نحوه من مصالح سائر المتشابهات فی نسبة الذنوب والعیوب إلیهم فی الآیات والدعوات والمناجات المأثورات (1).
بل ویمكن أن یكون مراد السید أیضاً مجرد إبداء الإحتمال المبطل للإستدلال من دون إعتماد علیه ، كما یشهد علیه كتابه المطبوع فی تنزیه الأنبیاء (2) فیرجع حینئذ مراد جمیع نفات تعمیم علم الإمام الی مراد مثبتیه ویكون النزاع لفظیاً بین الكل.
وأما منشأ الخلاف فی كمیة علم الإمام وكیفیته بما تقدم ففی إختلاف كل من
ص: 41
الآیات والروایات بالنفی والإثبات، والعمومات والتخصیصات وبسهو الأنبیاء فی المتشابهات ، وأخبار التقیة ، والمفتریات(1).
فمن الآیات المثبتة قوله تعالی : «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا »(2)« فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(3)« وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ »(4)
وقوله تعالی حكایة عن قول عیسی لبنی إسرائیل:«وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ »(5) وقوله تعالی: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى »(6)
وقوله : «سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى » (7)
وقوله :«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ »(8) أی الإمامة «فقد آتینا آل إبراهیم الكتاب»أی النبوة «والحكمة »الی فهم القضاء «وآتیناهم ملكاً عظیماً »وهی الطاعة المفترضة علی ما فی تفسیر الأئمة (9)
ص: 42
وقوله حكایة عن سلیمان : « عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ »(1)علی ما فی تفسیرها من أنه اعطی منطق كل شیء وعلم كل شیء(2)، سیما ما روی عن الإمام من أنه لیس فی الآیة من(3).
وقوله : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ »(4) نظرة إلی ما رواه الطبرسی(5) وغیره (6)من طرق الخاصة والعامة من أنها نزلت فی علی «علیه السلام» وأنه قال : ما سمعت شیئاً من رسول الله «صلی الله علیه و آله» فنسیته .
وما فی آخر الباب الثمانین والمائة من «البصائر» بإسناده عن الصادق «علیه السلام» إنه قال فی تفسیرها : وعت إذن أمیر المؤمنین «علیه السلام» ما كان ومایكون(7)
وقوله تعالی: («وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إ»(8) بناء علی ما فی هذا الباب من البصائر بإسناده الی أبی الحسن الثالث، أنه قال فی تفسیرها : إن الله جعل قلوب الأئمة وعاء لإرادته (9)
وقوله تعالی:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
ص: 43
تَطْهِيرًا» (1)
وقوله تعالی : «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ »(2)
نظراً إلی أن عموم إذهاب الرجس والتطهیر والإصطفاء من جمیع المناقص الظاهریة والباطنیة وشوائب الكدر(3) وظلمات الجهل والسهو دال علی كل من المطلوبین من عموم علمهم وفعلیته .
ومن الآیات النافیة قوله تعالی : «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ »(4) «وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ » (5)، «فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى »(6)
وقوله : «يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ »(7)
وقوله تعالی : «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ »(8) «قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ
ص: 44
يَخْتَصِمُونَ »(1)
وقوله : «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ»(2)
وقوله : «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ »(3)
وقوله حكایة عن عیسی «علیه السلام»:« تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ »(4)
وقوله تعالی: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ »(5)
وقوله تعالی حكایة عن نوح «علیه السلام»:«وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ » (6)
وقوله تعالی : «تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا»(7)
وقوله تعالی :«وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ »(8)«وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ »(9)«وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ»(10)
ص: 45
وقوله تعالی :«وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ »(1) « وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا » (2)
وقول موسی للخضر «علیهما السلام»: « هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا » (3)
وجوابه بقوله : «قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا » (4)
إلی آخر الآیات الحاكیة عنه والروایات المفسّرة له بأن سبب أمر الله تعالی موسی بإتباع الخضر علی ما عن المجمع عن الصادق علیه السلام» أن خضراً كان عنده علم لم یكتب لموسی علیه السلام» فی الألواح، وكان موسی علیه السلام» یظن أن جمیع الأشیاء التی یحتاج إلیها فی تابوته(5)، وأن جمیع العلم كتب له فی
ص: 46
الألواح(1)، كما قال الله تعالی : «وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا» (2)
وعلی ما عن «القمی»(3) أنه لما أنزل علیه التوراة وكلّمه (ربّه)(4) قال فی نفسه ما خلق الله خلقاً أعلم منی فأوحی الله إلی جبرائیل انّ ادرك موسی فقد هلك وأعلمه أن عند ملتقی البحرین عند الصخرة رجل اعلم منك فصر إلیه وتعلم من علمه .
ص: 47
وعن «العیاشی» عن الصادق «علیه السلام» أنه قال له رجل : ما أری أحداً اعلم بالله منك قال موسی أری فاوحی الله بل عبدی الخضر فسأل السبیل إلیه(1)هذا كله فی الآیات المختلفة.
واما الروایات المختلفة فمن الروایات المثبتة ما فی «البحار» (2)، وزیارات الجوامع والمفردات، وما فی كل من الكتب الأربعة و «بصائر الدرجات» و «العلل» و«العیون» و «الخصال» ونحوها من الكتب المعتبرة من النصوص المشهورات المستفیضات بل المتواترات الصحیحات الصریحات فی أن الإمام عالم لا یجهل وعالم بكل ما كان وما یكون ومنطق الطیر والبهائم، والمسوخ كلها، وبالآجال والمنایا ، وأنهم یتكلمون بجمیع الألسن واللغات ، ویخبرون عن جمیع المغیبات ، وإنه لا یسهو، ولا یتثائب، ولا یتمطی ، و تنام عینه ولا ینام قلبه ولا یحتلم ولا سجد سجدتی السهو قط، ویری من ورائه كما یری من أمامه ، وإنهم أول ما خلق الله ، ومن نورهم إشتق خلق السموات والأرضین والبحار والجنان وحور العین.
كما فی ضمن حدیث الطارق (3) المذكور فی «البحار» من أنه یری ما بین المشرق والمغرب، ولا یخفی علیه شیء من عالم الملك وینصب له عمود من نور من الأرض إلی السماء، وأن السموات والأرض عند الإمام كیده من راحته یعرف ظاهرها من باطنها، ویعلم بها من فاجرها ورطبها ویابسها، وإن الإمام بشر
ص: 48
ملكیّ، وجسد سماوی، وأمر إلهی، وروح قدسی، ومقام علیّ، ونور جلی ، وسر خفی ، ملكی الذات، إلهی الصفات، عالم بالمغیبات، المبرأ من العیوب ، المطلع علی الغیوب ، ظاهره أمر لا یملك، وباطنه غیب لا یدرك، إلی آخر الحدیث.
وكما فی آخر فقیه الصدوق(1) وعیونه(2)بإسناده الی الرضا «علیه السلام» . أنه قال للإمام علامات یكون أعلم الناس، وأحكم الناس ، وأتقی الناس، وأحلم الناس (3)، وأعبد الناس(4)، ویكون مطهراً، ویری من خلفه كما یری من بین یدیه (5)، ولا یحتلم، وتنام عینه ولا ینام قلبه ، ویكون محدثاً (6) ولا یری له بول ولا غائط لأن الله وكل الأرض بابتلاع ما یجری منه الحدیث (7)
وفی فقیهه (8) فی باب صفة وضوء رسول الله «صلی الله علیه و آله» أنه توضأ ثم مسح علی نعلیه فقال له المغیرة : أنسیت یا رسول الله ، فقال بل أنت نسیت،
هكذا أمرنی ربی.
وفی علله(9) فی باب العلة التی من أجلها صارت الإمامة فی ولد الحسین «علیه السلام» دون الحسن «علیه السلام» بإسناده إلی الباقر «علیه السلام»، قال :قال رسول الله لعلی أكتب ما أملی علیك.
ص: 49
قال : یا نبی الله أتخاف علیّ النسیان؟
فقال : لست أخاف علیك النسیان وقد دعوت الله بحفظك ولا ینسیك، ولكن أكتب لشركائك.
قال : قلت ومن شركائی؟
قال : الأئمة من ولدك ، الحدیث .
وفی خصاله(1)بإسناده عن الصادق إنه قال عشر خصال من صفات الإمام : العصمة والنصوص وأن یكون أعلم الناس، وأتقاهم، وتنام عینه ولا ینام قلبه ، ویری من خلفه كما یری من بین یدیه .
وفی عیونه (2) أیضاً بإسناده إلی الرضا «علیه السلام»: ما ینقلب جناح طائرفی الهواء إلا وعندنا منه علم.
وكما عن الكلینی فی «الكافی»(3) فی باب إختلاف الحدیث أن النبی «صلی الله علیه و آله» علم علی جمیع علومه ثم وضع یده علی صدره ودعی الله أن یملأ قلبه علماً وفهماً وحكماً ونوراً .
فقلت : بأبی وأمی یا نبی الله منذ دعوت الله لی بما دعوت لم أنس شیئاً ولم یفتن شیء لم أكتبه أفتتخوف علی النسیان فیما بعد؟
قال : لا لست أتخوف علیك النسیان والجهل .
وفیه أیضا فی باب نادر (4) جامع فضل الإمام وصفاته بإسناده إلی الرضا
ص: 50
«علیه السلام» الإمام عالم لا یجهل ، راع لا یكل(1) ، الإمام واحد دهره لا یدانیه عالم، ولا یوجد منه بدل ولا نظیر ، إن الأنبیاء والأئمة یوفقهم الله ویؤتیهم من مخزون علمه وحكمه ما لایعطیه غیرهم، علمهم فوق اعلم اهل زمانهم، أن العبد إذا إختاره الله لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ینابیع الحكمة، وألهمه العلم إلهامة ، فلم یعی بعده بجواب، ولا یحیر فیه عن صواب، فهو معصوم مؤید ، موفق مسدد، قد أمن من الخطأ والزلل والعثار ، یخصه الله بذلك لیكون حجة علی عباده.
وفیه أیضاً فی باب توراث (2) الأئمة علم النبی وجمیع الأنبیاء والأوصیاء بإسناده الی الصادق «علیه السلام» أن الله لا یجعل حجة فی أرضه یسئل عن شیء فیقول لا أدری.
وفیه (3) أیضا فی باب الصحیفة والجفر والجامعة بإسناده إلی الصادق «علیه السلام» إن عندنا مالا نحتاج معه الی الناس، وإن الناس یحتاجون إلینا (4)، وإنكم لتأتونا بالأمر فنعرف إذا اخذتم به ونعرف إذا تركتموه.
ص: 51
وفیه أیضاً (1)أیضاً فی باب «إنا أنزلناه» عن أبی جعفر الثانی «علیه السلام» ولعمری ما فی الأرض ولا فی السماء (2) من ولی لله إلا وهو مؤید و من أید لم یخط.
وفیه (3) أیضاً بإسناده عن الصادق «علیه السلام» أنه قال : والله إنی لأعلم ما فی السموات وما فی الأرض (4) وما فی الجنة والنار، وأعلم ما كان وما یكون (5) علمت ذلك من كتاب الله إن الله یقول : «وفیه تبیان كل شیء».
وفیه(6) أیضاً بإسناده عن الباقر «علیه السلام» یقول : لا والله لا یكون عالم
جاهلاً أبداً، عالماً بشیء جاهلاً بشیء(7)، الله أجل وأعز وأكرم من أن یفرض طاعة عبد یحجب عنه علم سمائه وأرضه. ثم قال : لا یحجب ذلك عنه .
وفیه (8)أیضاً بإسناده الی الصادق «علیه السلام» یقول إن الله أدب نبیه فأحسن أدبه ، فلما أكمل له الأدب قال : «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (9) ثم فوض إلیه أمر الدین والأئمة لیسوس عباده فقال :«وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(10) وإن رسول الله كان مسددة موفّقاً مؤیداً بروح القدس لا یزلّ ولا یخطیء فی شیء مما یسوس به الخلق، فتأدّب بآداب الله.
ص: 52
وفیه (1)أیضاً فی باب موالید الأئمة بإسناده إلی الباقر «علیه السلام» قال : للإمام عشرة علامات یولد(2)مختوناً إلی أن قال ولا یخیب(3) وتنام عینه (4) ولا ینام قلبه ، ولا یتثاءب ولا یتمطی (5)، ویری من خلفه كما یری من أمامه، وهو محدث حتی تنقضی أیامه.
وفیه (6)أیضاً عن الأقرع قال : كتبت الی أبی محمد «علیه السلام» اسأله عن الإمام هل یحتلم ؟ وقلت فی نفسی(7) الاحتلام شیطنة وقد أعاذ الله أولیاءه من ذلك ، فورد الجواب حال الإمام (8)فی المنام حالهم فی الیقظة، لا یُغیّر النوم شیئاً منهم ، وقد أعاذ الله أولیاءه (9)من لمة الشیطان كما حدثتك به(10) نفسك.
وفی تهذیب(11) الشیخ بإسناده إلی الصادق «علیه السلام» سألته عن رسول«الله صلّی الله علیه و آله» هل سجد سجدتی السهو ، قال لا ولا یسجدهما فقیه.
وفی «كشف الغمة» من كتاب «الدلائل» لعبدالله بن جعفر الحمیری عن الرضا«علیه السلام» قال : منامنا ویقظتنا واحدة.
ص: 53
ونقل لكل من هذه النصوص وغیرها فی كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار القمی الثقة الجلیل من أصحاب العسكری علیه السلام» باب بل أبواب مستقلة وافیة من النصوص الكافیة الصحیحة الصریحة المستفیضة ، بل المتواترة المغنیة عن نصوص سائر الكتب المعتبرة فی المرام، ولا یسع المجال لنقل معشارها بل نقتصر علی نقل فهرست بعض تلك النصوص منها لیعتبر اولوا الأبصار .
فمن جملة أبوابه باب أن الملائكة تنزل علیهم فی رحابهم وتتقلب علی فرشهم، وتحضر موائدهم، وتأتیهم من كل نبات فی زمانه رطب ویابس، و تقلب علیهم أجنحتها علی صبیانهم، وتمنع الدواب أن یصلوا إلیهم، وتأتیهم فی وقت كل صلاة لتصلیها معهم، وما من یوم یأتی علیهم ولا لیل إلا وأخبار أهل الأرض عندهم، وما یحدث فیها وما من ملك یموت فی الأرض ویقدم غیره إلا وتأتینا بخبره ، وكیف كانت سیرته فی الدنیا(1)، كما قال الله تعالی :«تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ » (2)
وباب أنه یتراءی لهم جبرئیل و میكائیل و ملك الموت (3) وأن الإمام یلهم ما لیس فی الكتاب والسنة من المعضلات(4)، وإنهم یستخدمون الأجنة ویرسلونهم فی حوائجهم إذا استعجلوا(5)
وباب أن الأئمة مختلف الملائكة ما ملك یهبط فی أمر مما یهبط له إلا بدأ بالإمام فعرض ذلك علیه(6)
ص: 54
وباب إنهم خزان الله فی أرضه وسمائه علی علمه(1)
وباب أن الله أراهم ملكوت السماوات والأرض كما أری إبراهیم ما فوق العرش وما دونه (2).
وباب إنهم ورثوا علم آدم وجمیع الأنبیاء، وعلم المنایا والبلایا، والوصایا ،والأنساب، وفصل الخطاب، ومولد الإسلام (3).
وباب أنهم یعرفون آجال الناس وأمراضهم، وأحوالهم، من الإیمان والنفاق، والخیر والشر، والحب والبغض ، ویعلمون كل ارض مخصبة، وكل ارض مجدبة ، وكل فرقة تضل وتهدی، ولو شاؤوا لأنبأوا بناعقها وسائقها وقائدها(4).
وباب مالا یحجب عن الأئمة شیء من علم السماء والأرض، مشتمل علی أربعة عشر نصاً بأن الله أحكم وأكرم وأجل وأعظم وأعدل من أن یحتج بحجة ثم یغیب عنهم شیئا من أمورهم لا والله لا یكون عالم جاهلاً أبداً ، والله لا یجعل حجة
فی أرضه یسأل عن شیء فیقول : لا ادری(5).
وباب علم الأئمة بما فی السماوات والأرض، وما فی الجنة وما فی النار،وما كان ویكون إلی أن تقوم الساعة (6).
وباب أنهم أوتوا العلم وأثبت ذلك فی صدورهم كما قال : «بَلْ هُوَ آيَاتٌ
ص: 55
بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» (1)و «وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)»(2)وأنهم الراسخون فی العلم (3)، وعندهم الإسم الأعظم وجمیع مواریث الأنبیاء (4)، وعلومهم وصحائفهم ومكار مهم من إحیاء الأموات (5)، وطی الأرض وإظهار المغیبات(6) وأن النبی «صلی الله علیه و آله» كان یقرأ ویكتب بإثنین وسبعین لساناً (7)
وباب أنهم كانوا یتكلمون بجمیع الألسن واللغات (8)ومنطق الطیر (9)ویقولون إنا علمنا منطق الطیر وأوتینا من كل شیء ، ومنطق البهائم كلها (10)، ومنطق
ص: 56
ص: 57
المسوخ.
وقولهم فی المستفیضة فی الباب السادس والثلاثون والمائة : «اتقوا الكلام فإنا نؤتی به»(1)
وقولهم فی المستفیضة ایضاً فی الباب الخامس والأربعون والمائة أن الإمام كالنبی یری من خلفه ما یری من أمامه، ویری فی المنام ما یری فی الیقظة (2)
وما أستفیض أیضاً فی الباب الواحد والخمسین والمائة إلی الباب السابع والخمسین والمائة من أن الإمام یسمع الصوت و الكلام فی بطن أمه بعد أربعین یوماً من مكث النطفة فیه ، فإذا سقط جعل له مصباح وعمود من نور یسطع ما بین السماء والأرض یری به أعمال الخلائق ما بین المشرق والمغرب، ویری به الدنیا وما فیها لا یستر عنه منها شیء ثم یتشعب له عمود آخر من عند الله إلی أذن الإمام كلما
إحتاج الی مزی أفرغ فیه إفراغاً (3)
وباب إنه بمنزلة القمر فی السماء مطلع علی جمیع الأشیاء كلها ویدور فی كل مكان (4)وإنه ینفخ فی روعهم روح القدس، وهم المؤیدون والمسددون
ص: 58
والموفقون والمحدثون بروح القدس وهو خلق أعظم من جبرئیل و میكائیل، لا ینام ولا یغفل ولا یلهو ولا یسهو بخلاف سائر الأرواح، وبه یری ما فی شرق الأرض غربها وبرها وبحرها(1).
وما استفیض أیضاً فی باب الثمانین والمائة من أن الله خلف هذا المغرب تسعة وثلاثین مغربة ، ومن وراء هذه الشمس أربعون عین شمس، ما بین شمس الی شمس أربعون عاماً ، ومن وراء قمركم هذا أربعون قمراً ما بین قمر الی قمر مسیرة أربعین یوماً، ووراء هذا العالم سبعون ألف عالم، ومدینتین أحدهما بالمغرب والأخری بالمشرق وعلیهما سور من حدید ، وعلی كل مدینة منهما سبعون ألف مصراع من ذهب ، یدخل فی كل مصراع سبعون ألف لغة آدمی كل لغة
بخلاف لغة صاحبه ، وما منها لغة إلا ویعلمها الإمام وما فیهما وما بینهما حجة غیری وغیر أخی یعنی الحسین «علیه السلام»(2)
وإنهم خلق كثیر أكثر من عدد الجن والأنس، شعارهم الطاعة والتولی للأئمة ولعن الأولین والتبری منهما ، ولو أنهم وردوا علی ما بین المشرق والمغرب لأفنوهم فی ساعة واحدة ، لا یحل فیهم الحدید ولهم سیوف من غیر هذا الحدید لو ضرب
أحدهم بسیفه جبلاً لقده حتی یفصله ویغزو بهم الإمام الهند والدیلم، الحدیث (3) إلی غیر ذلك مما لا یسع الحال لضبط معشارها فضلاً عن كلها .
وأما ما یعارضها من الروایات فمن الروایات النافیة فعلیة علم الإمام ما بوّب
ص: 59
له فی «الكافی» «والبصائر» باب فیه أربعة أحادیث فی أن الإمام إذا شاء أن یعلم العلم(1)، وحدیث واحد فی أنه هل یعلم الغیب قال: لا، ولكن لو شاء أن یعلم أعلمه الله (2).
وأما الروایات النافیة لعموم علمه فطوائف :
منها: النصوص المستفیضة فی «الصافی» «والمجمع»(3) والباب الرابع والأربعین من «البصائر» المشتمل علی أربعة عشر نصاً فی أن من علم الغیب ما إستأثر الله به ولم یطلع علیه ملكاً مقرباً ولا نبیاً مرسلاً، وهی المجتمعة فی قوله تعالی : «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ »(4)
وأن الله تعالی (5) علماً عاماً وعلماً خاصاً فأما الخاص فهو الذی (6) لم یطلّع علیه ملك مقرب ولا نبی مرسل ، وأما علمه العام الذی اطلعت علیه الملائكة المقربون والأنبیاء (7) المرسلون وقد وقع ذلك كله إلینا.
ص: 60
ومنه أیضاً(1) أن الله عالم بما غاب عن خلقه فیما(2) یُقدّر من شیء ویقضیه فی علمه قبل أن یخلقه وقبل أن یقضیه (3)إلی الملائكة فذلك علم موقوف عنده ، إلیه فیه المشیة ، فیقضیه إذا أراد، ویبدو له فیه فلا یمضیه.
وأما العلم الذی یقدره إلیه(4)، ویمضیه ویقضیه فهو العلم الذی إنتهی إلی رسول الله «صلی الله علیه و آله» ثم إلینا.
ومنه أیضاً أن الله علمین علم مبذول نحن نعلمه، وعلم مكفوف هو الذی عنده تعالی فی أم الكتاب إذا خرج نفذ.(5).
ومنها: روایات تفاضل الأنبیاء والأوصیاء فی مراتب العلم و تزاید بعضهم علی بعض كما فی الباب الثالث والسبعین والمائة من «البصائر» من أن الأئمة بعضهم أعلم من بعض إلا فی علم الحلال والحرام وتفسیر القرآن والحجة والطاعة والشجاعة فإنهم فیها سواء(6).
وما روی من أعلمیة موسی من خضر النبی «علیه السلام» فی مرسل (7)«الصافی» عن الصادق «علیه السلام»، ومن العكس فی «تفسیر القمی» ومرسل
«العیاشی»(8)، وما فی «الصافی» عن «الكافی» عن الصادق : لو كنت بین الخضر و موسی «علیهما السلام» لأخبرتهما انی أعلم منهما وأنبأتهما بما لیس فی أیدیهما،
ص: 61
لأن موسی والخضر علیهما السلام أعطیا علم ما كان ولم یعطیا علم ما یكون وما هو كائن حتی تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله «صلی الله علیه و آله» وراثة (1).
ومنها: ما نقله العامة عن أبی هریرة عن ذی الشمالین ، ونقله الصدوق فی فقیهه (2))، والشیخ(3) فی تهذیبه ، بأسانید عدیدة عن الصادق والكاظم «علیهما السلام»، من أن النبی «صلی الله علیه و آله»
صلی بالناس الظهر ركعتین ثم سهی.
فقال له ذو الشمالین : أحدث فی الصلاة شیء؟
فقال : وما ذاك؟
قال : إنما صلیت ركعتین.
فقال «صلی الله علیه و آله»: أتقولون مثل قوله ؟
قالوا: نعم.
فقام وأتم الصلاة وسجد سجدتی السهو ، الحدیث .
وبإسناده فی تهذیبه أیضاً عن سعد عن علی «علیه السلام» قال : صلی بنا النبی الظهر خمس ركعات ثم إنتقل، فقال له بعض القوم هل زید فی الصلاة شیء.
قال : وما ذلك ؟
قال : صلیت بنا خمس ركعات.
قال : فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتی السهو(4)
ص: 62
وبإسناده(1)أیضاً عن الصادق «علیه السلام» قال : صلی علی «علیه السلام»
بالناس علی غیر طُهر(2) ثم دخل و خرج منادیه أن أمیرالمؤمنین «علیه السلام» صلی علی غیر طهر فاعیدوا ولیبلغ الشاهد الغائب.
وبإسناده أیضاً عن الصادق قال : اغتسل أبی من الجنابة فقیل له : قد بقیت لمعة من ظهرك ولم یصبها الماء.
فقال له : ما كان علیك لو سكت ؟! ثم مسح تلك اللمعة(3)
وما فی بعض أبواب التجارة من «الوسائل» (4) فی باب تحریم كسب القمار : عن محمد بن یعقوب عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد وأحمد بن محمد جمیعة، عن إبن محبوب، عن یونس بن یعقوب، عن عبد الحمید بن سعید قال :
بعث أبو الحسن «علیه السلام» غلاماً یشتری له بیضاً، فأخذ الغلام بیضة أو بیضات(5)فقامر بها فلما أتی به أكله فقال له مولی أن فیه القمار، فدعی بطشت فتقیأ فقیّاه(6)
وما فی «العیون» فی باب ما جاء عن الرضا «علیه السلام» فی وجه دلائل الأئمة والرد علی الغلاة بإسناده عن عبدالسلام الهروی ، قلت للرضا «علیه السلام»
ص: 63
إن فی سواد الكوفة یزعمون أن النبی «صلی الله علیه و آله» لم یقع علیه السهو فی صلاته .
فقال : كذبوا لعنهم الله ، إن الذی لا یسهو هو الله لا إله إلا هو(1)، الحدیث .
وما عن آخر السرائر (2) عن الفضیل قال : ذكرت للصادق «علیه السلام»(3).
فقال : ویفلت من ذلك أحد ریما أقعدت الخادم خلفی لیحفظ صلواتی (4).
وما عن الكلینی فی حدیث أول كتاب كتب فی الأرض أن الله عرض علی آدم «علیه السلام» ذریته فلما نظر الی داود وعرف قصر عمره قال : قد وهبت له من عمری أربعین سنة.
فقال: لجبرئیل ومیكائیل إكتبوا فإنه سینسی(5).
ومنها: طائفة رابعة، وهی ما نقله الشهید (6)فی الذكری بإسناده الصحیح عن الباقر «علیه السلام»، وكل من الشیخ والصدوق فی فقیهه بإسنادین آخرین، والكلینی(7) بأسانید أخر عن الصادق «علیه السلام»، من نوم النبی «صلی الله علیه و آله وسلم» عن صلاة الصبح حتی إستیقظ من حر الشمس، وأن الله عز وجل أنامه
ص: 64
رحمة علی الناس لئلا یعیر النائم عن الصلاة .
وأمّا علاج اختلاف هذه الآیات والروایات بما عرفت من النفی والاثبات ومن التعمیم والتخصیص بالمشیئة وغیرها من التقییدات والمعارضات فأقرب وجوه العلاج فیها أن یفصّل ویقال :
أما النصوص النافیة عموم علمه من جمیع الآیات والروایات، بل وكذا النافیة فعلیة علمه وحضوره كالطائفة المقیدة علمه بما لو شاء أن یعلم لعلم من الروایات فمحملها أحد الوجوه الخارجة عن محل النزاع علی سبیل منع الخلو، إما بحملها
علی العلم الذاتی الخاص بذات الواجب الذی لا یشاركه الممكن فیه كما هو محمل عموم النفی من قوله تعالی : «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ »(1)مع احتمال تخصیص عموم نفیه بمن عدا الراسخین بقرینة استثنائهم فی آیة: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ »(2)
وإما بحملها علی العلم الخاص المستأثر به الله كعلم الساعة والآجال بأحد معانی نفیه الممكنة الخروج عن محل النزاع من حمل نفی العلم بها علی نفی العلم الذاتی لا العرضی بها، أو الحضوری لا الإرادی والمحتوم غیر المتغیر بالبداء لا المعلق المتغیر به ، أو علی نفی الأذن فی بروز العلم بها، أو نفی لزوم العمل بها لا نفی أصل العلم بها ، كما هو محمل الطائفة الأولی من الروایات النافیة ، عموم علمهم بأن من علم الغیب ما إستأثر الله به ولم یطلع علیه ملك مقرب ولا نبیُ مرسل ،
ص: 65
ومحمل جملة من الآیات النافیة مثل قوله تعالی :«وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ »(1)بقرینة سیاقه وكونه من تتمة الجواب عن قوله :«يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا »حیث أنه من العلم الخاص المستأثر ومثلقوله :« تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ »(2) بقرینة ما فی تفسیرها(3)عن الباقر (4) من أن الإسم الأكبر ثلاثة وسبعون حرفاً ، فإحتجب الرب(5) بحرف ، فمن ثم لا یعلم أحد ما فی نفسه(6)، وأعطی آدم إثنین وسبعین حرفا فتوارثها (7)الأنبیاء حتی صارت الی عیسی فذلك قوله(8) : «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي»یعنی إثنین وسبعین حرفة من الاسم الأكبر (9) «وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ » (10)لأنك احتجبت من خلقك بذلك الحرف فلا یعلم أحد ما فی نفسك.
وإما علی العلم الظاهری الحاصل من الإمارات والحواس الظاهریة والصناعات العادیة الخارجة عن محل النزاع أیضأ ، كما هو المحمل المتعین لنفی العلم بقرینة السیاق أیضا فی قوله تعالی : « لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ»(11)أی لا تعلمهم بالإمارات والحواس الظاهریة مع فطنتك وصدق فراستك وعلمك الباطنی
ص: 66
بهم وذلك لشدة مهارتهم فی النفاق ، ومحافظتهم علی الظاهر بإظهار الوفاق، الدال علیه السیاق بقوله :«مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ»أی تمهروا وتمرنوا.
وإما بحملها علی كون المراد بها الأمة من باب «إیاك أعنی واسمعی یا جارة» (1)كما هو محمل سائر الآیات النافیة ، سیما ما كان من قبیل «وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ»(2)«وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ » (3).
أو علی السالبة بانتفاء الموضوع، كما هو أحد محامل قوله : «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ » (4).
وأما نصوص نسیان الأنبیاء فالآیات منها یتعین تأویلها بالترك العمدی لا السهوی كما عن «القاموس» سهی فی الأمر یسهو نسیه ، والنسیان والنسو الترك.
وكما روی المفسرون لها عن ابن عباس والمحدثون كالكلینی وغیره عن الصادق «علیه السلام»: و تأویل « وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ »(5)بما أتركنیه إلا الإشتغال بمجاهدة الشیطان ، وعلی الترك العمدی یحمل أیضاً قوله :«سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ »(6)، أی فلا تترك إلا ما شاء الله تركه مما نسخ حكمه أوقراءته.
وأما الروایات منها فإما أن تحمل علی ما تعین فی الآیات واحتمله كلام المفتی بالروایات من تأویل سهو النبی ونومه عن صلاة الفجر حتی طلعت الشمس
ص: 67
بالترك العمدی المجبور، أو المأمور به عن الله تعالی، علی أن یكون ذلك من خصائصه من باب تبدیل الواقع علیه وعمله بالواقع المتبدل فی حقه عمدة لا من باب تفویت الواقع وعمله بغیر الواقع سهواً.
أو من باب التجاهل لا الجهل بإظهار صورة سهو فی الظاهر من دون تفویت شیء علیه فی الواقع.
أو من باب مما شاته مع المتوهم سهوه من غیر سهو كما كان یكلم الناس علی قدر عقولهم، كأن صلی فی الواقع نافلة فظنوها فریضة ، أو نام بعد صلاة الفجر فظنوه قبلها ، فلما إتهموه بالسهو لم یرخص له فی إظهار الحال بل قام فصلی
ركعتین آخر تین نافلةً فظنوها متممة، أو سجد سجدتین شكرأ فظنوها سهواً ، إظهارا لصورة السهو عمداً لدفع مفسدة الغلو والتفویض، أو التغییر بالسهو أوالمبالغة بالتعبیر، أو لمصلحة تعلیم أحكام السهو، أو المماشاة علی قدرعقولهم بضرب من التقیة أو السیاسات المدنیة المقتضیة للبیانات التدریجیة، أو نحوها من الحكم الخفیة والجلیة لسائر متشابهات الكتاب والسنة. وإما أن تحمل علی التقیة
الموافقتها العامة كما صرح به المجلسی فی عقائده (1)، ومعلوم أن التقیة كما تدعو إلی الفتوی بموافقة العامة كذلك تدعو إلی الروایة بموافقتهم بل وإلی الفتوی والروایة بمشابهتهم فی مجرد اختلاف الرأی أو الروایة ،كما جوزه صاحب الحدائق (2)فی أنواع التقیة ، ویقتضیه أیضأ ظاهر المعتبرة الآتیة.
وإما أن تطرح لكونها من الأحاد التی لا یجوز العمل بها فی أصول الدین كما جزم به المفید فی رسالته(3)والشهید فی «الذكری»(4)والعلامة فی
ص: 68
«التذكرة»(1)والشیخ فی «الاستبصار» ولشذوذها جزمة أو ضعفها سنداً ، وإضطرابها متناً ، كما فصله الشیخ الحر (2)والمفید وغیرهما فی رسائلهما المعقودةفی ذلك ، بل نظروا إبطالها بعد بیان وجوه إضطراب متنها وفساد مذهب أكثر رواتها ،ببطلان سائر ما نسب إلی النبی صلی الله علیه و آله» بل والی سائر الأنبیاء السلف من الحزازات اللائقة بحزب الشیطان، المنافیة لرتبة من هو دون خلفاء الرحمن ، كالروایة من الطرفین معا سهو (3) النبی فی صلاة الفجر قراءته فی الأولی(4)سورة«النجم» حتی انتهی إلی قوله : «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى »(5)فالقی الشیطان علی لسانه تلك الغرانیق العلی، وإن شفاعتهم لترتجی، ثم نبه علی سهوه فخر ساجدة فسجد المسلمون وكان سجودهم إقتداء به، وأما المشركون فكان سجودهم سرورة بدخوله معهم فی دینهم، قالوا: وفی ذلك أنزل الله تعالی :«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ »(6)یعنون فی قراءته واستشهدوا علیه(7)ببیت من الشعر :
تمنی كتاب الله یتلوه قائماً *** وأصبح ظمآناً ومسد قاریاً
ولیس روایة (8)سهو النبی «صلی الله علیه و آله» بأشهر من روایة
ص: 69
الفریقین(1) [هذا السهو الشنیع منه بل ولا بأشهر من روایة الفریقین ](2) فی تفسیر
«وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ »(3)، إنه ظن عجز الله علی الظفر به ، وعلی التضییق علیه.
وفی داود «علیه السلام» إنه عشق امرأة أوریا بن صبان (4) فاحتال فی قتله ثم نقلها إلیه ، وفی یوسف علیه السلام» همه بالزنا وعزمه (5)علیه ، وفی آدم «علیه السلام» فسقه، وفی الملكین هاروت و ماروت فسقهما، وفی الله تعالی تشبیهه بخلقه والتجویر له فی حكمه إلی غیر ذلك من أمثالها.
وأما نصوص اًتباع موسی الخضر «علیهما السلام» وسؤاله عنه بقوله :«هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا»
(6) وجوابه : « إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا » الی آخر الآیات الحاكیة عنه، والروایات المفسرة له بما تقدم، فتأویلها أن یقال :
أما سبب أمر الله تعالی موسی «علیه السلام» بإتباع الخضر «علیه السلام» فهو علی ما خطر فی قلبه علی إختلاف الروایات المتقدمة من أفضلیة شریعته ،
ص: 70
وأكملیة كمتابه ، وأجمعیة سنته، أو أعلمیة نفسه(1) علی نحو وسوسة القلب ، وخطراتها (2)المارة علیه كالبرق اللامع علی وجه التجاوز اللازم للطبیعة البشریة ،
بل الملكیة أیضاً، غیر المنافی لمراتبها القدسیة، لا علی وجه المكث والثبات والاستقرار المنافی لها، وبمثل تلك الخطرات القلبیة المارة علیه من غیر مكث وثبات یؤول سائر ما هو من أمثال ذلك من المتشابهات المنافیة لرتبة الأنبیاء والملائكة من عجب أو حسد توهم أو تأمل أو علم أو ظن أو زعم أو اعتقاد
یخالف الواقع مما یقف علیه المتتبع كثیراً فی متشابهات الكتاب والسنة.
وأما تفاوت موسی والخضر «علیهما السلام» فتأویله أن تفاوتهم لیس من حیث العلم والجهل بل من حیث اختلاف حكمی العلمین ، و تكلیف العالمین (3) و تغایر الشریعتین، بالسهولة والصعوبة، والاطاقة، والمشقة، كما علل قوله :« إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا» فی العلل بقوله : لأنی وكلت بأمر لا تطیقه ووكلت بأمرلا أطیقه.
وكما عن ابن عباس فی تفسیر قتل الخضر الغلام أما الذراری فلم یكن رسول الله یقتلهم وكان الخضر یقتل كافرهم ویترك مؤمنهم فإن كنت تعلم ما یعلم الخضر فاقتلهم(4)، وعلی ذلك فسؤال موسی عن الخضر (علیه السلام» بقوله : «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا» وجوابه : « إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا » تأویله أنه لیس من باب تعلم الجاهل من العالم علم ما لم یعلمه، بل من باب طلب العالم علم ما یعلمه باطنا بالارائة
ص: 71
والاحساس ظاهراً لمزید الاطمئنان والترقی من علم الیقین وحق الیقین الی عین الیقین ، كطلب إبراهیم «علیه السلام» «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى »(1)الآیة فقوله : «علی أن تعلمنی» أی ترینی ، وقوله : «وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا »(2)أی لم تحط به رأیا ولا رؤیة ، أو من باب تأدب العالم مع العالم هضمة لنفسه بتنزیلها منزلة الجاهل بالنسبة إلیه ، إحتراما لعلمه، أو كفارة لبعض خطرات قلبه ، أو دفعة لبعض ما یتخوف من العجب علی نفسه، أو الغلو علی غیره، أو تعلیمة للناس مكارم سیرته، ومحاسن تأدبه ، ومعارف عشرته ، ولطائف صحبته .
وأما نصوص تفاضل الأنبیاء والأوصیاء فی مراتب العلم، وتزاید بعضهم علی بعض ، فتأویلها بأحد وجوه علی سبیل منع الخلو، بحمل تفاوتهم من حیث العلم والجهل إما علی تفاوتهم فی العلم الخاص المستأثر به الله من علم الساعة والآجال بإحدی الخصوصیات المتقدمة الخارجة عن محل النزاع.
أو علی تفاوتهم فی العلم الظاهری الحاصل من الحواس والإمارات الظاهریةالمفروض خروجه أیضاً عن محل النزاع لا فی العلم الباطنی الداخل فیه.
أو علی تفاوتهم فی طرق العلم وأسبابه من حیث الكثرة والقلة، والأسباب الظاهریة والباطنیة ، من الألهام والوحی وسائر أنحائها العدیدة ، كما فی تفاوت علم كل نبی مع وصیه من حیث الطرق والوسائط ، وقلتها وكثرتها، من باب إطلاق العلم وإرادة أسبابه .
أو علی تفاوتهم فی بركات العلم وفوائده و ثمراته وتأثیراته ، من باب إطلاق العلم وإرادة غایاته المترتبة علیه.
أو علی تفاوتهم فی مراتب العلم من حیث الشدة والضعف، وبلوغ مرتبة
ص: 72
الإطمئنان وحق الیقین أو عین الیقین.
أو علی تفاوتهم فی سهولة التكالیف وصعوبتها ، كتفاوت شریعتنا مع الشرایع السابقة فی ذلك جداً.
أو علی تفاوتهم فی كثرة إستعداد قابلیتهم العلوم وقلته، وإزدیاد بسطهم فی العلم وقلته ، وأوسعیة إنشراح قلوبهم للعلم وسعته، وأقربیتهم إلی المبدأ الفیاض للعلم، وأكثریة قوة تحملهم العلم وصفاء ظرفیتهم إلی غیر ذلك من التأویلات القریبة اللازمة بالشواهد العینیة والقرائن الآتی تفصیلها.
وأما حدیث تقیء الإمام بعد أخباره بأكل ما قامر به الغلام فتأویله علی تقدیر صحته ، والغض عن شذوذه وموافقته العامة ، وكونه من الآحاد التی لا یجوز التعویل علیها فی أصول الدین، وضعفه بسهل بن زیاد، واشتراك احمد بن محمد أن تقیؤه المأكول المقامر به بعد الإخبار إنما یستلزم الجهل بحرمته حین الأكل لو حصله الغلام من مال غیر الإمام بالمقامرة، وأما لو اشتراه من مال الإمام كما هو ظاهر الخبر فمجرد مقامرة الغلام به بعد الشراء لا یوجب حرمته، بل ولا كراهته علی الإمام حتی یكون تقیؤه بعد إخباره بالحال من جهة حصول العلم بحرمته بعد الجهل به حین الأكل، بل یكون التقیؤ حینئذ إما من جهة مجرد رفع الإستكراه الطبیعی الحاصل لنفسه من الأخبار، أو لغیره المخبر فیه بلعب القمار، نظیر غسل الید بعد الأكل من وسخ الطعام لا النجاسة.
أو من جهة ردع الغلام و نهیه عن منكر المقامرة بتقیؤ ما قامر به حیث أن فعل التقیؤ أشد إنكارة وردع علی الغلام المقامر من نهیه القولی عن المقامرة، كما لا یخفی إن الأفعال أشد تأثیر من الأقوال فی مقام بیان الحال.
أو من جهة مصلحة تحریض الناس علی شدة التحرز عن المقامرة كتحریضه علی شدة التحرز من الخمر بقوله «علیه السلام» : لو وقعت قطرة من خمر فی بحر
ص: 73
ماء ثم جف البحر ونبت علیه الكلأ ، فأكل من ذلك الكلا شاة ما أكلت من لبن تلك الشاة.
أو من جهة مصلحة تحمیة الناس عن أكل مال الغیربالمقامرة بواسطة تقیؤ مال نفسه المقامر به كتحمیتهم بقوله «علیه السلام»: إتركوا ما لا بأس فیه حذراً عما فیه البأس ، وقوله علیه السلام»: خالفوه حتی فی المعروف لئلا یطمع فی المنكر(1).
أو من جهة المماشاة مع المخبر بأكل ما قامر به الغلام بضرب من التقیة، أو السیاسات المدنیة، كما كان دیدنه المداراة، ویشهد علیه قوله «صلی الله علیه وآله» فی باب الروضة من «الكافی» : والله لولا أن یقول الناس أن محمداً استعان بقوم فلما ظفروا بعدوّه قتلهم لقدّمت كثیراً من أصحابی فضربت أعناقهم(2).
وروی العامة والخاصة عنه كالصدوق فی «الأمالی» إنه قال لعلی: یا علی والله، لولا إنی أخاف أن تقول فیك طوائف من أمتی ما قالت النصاری فی المسیح القلت فیك الیوم قوة لا تمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت قدمیك یتبركون به (3).
هذا كلّه فی الجمع بین الآیات والروایات المتعارضة بالنفی والإثبات بتأویل النافی كالمقید بالمشیة وحمله علی أحد الوجوه الخارجة عن محل النزاع .
وأما الشواهد المرجحة للتأویل والجمع المذكور علی الجمع بینهما بتبعیض
ص: 74
العلم أو تقییده بالمشیة كما زعمهما الخصم فوجوه كالقرائن المعینة القویة ، والمرجحات الدلالیة والسندیة ، والاعتضاد بكل من الأدلة الأربعة الجلیة.
فمن القرائن المعینة والمرجحات الدلالیة ما عرفت من ورود المستفیضة فی تفسیر جلها، وما عرفت من سیاق بعض الآیات النافیة بنفسها وتتم الدلالة علی المطلوب فی سائرها باتحاد النسق، وبأقربیة الجمع المذكور عرفا وعقلا من سائر
وجوه الجمع بتبعیض العلم أو تقییده بالمشیة بعد أولویة الجمع مهما أمكن من الطرح، وبأصالة تقدیم المثبت علی النافی والناقل علی المقرر عند تعارضهما ، وبقاعدة رجوع الظاهر الی النص والأظهر ، والمجمل الی المبین ، والمتشابه الی المحكم، وبما روی من أن الأخبار كالقرآن یفسر بعضه بعضا، وبما روی فی«عیون أخبار الرضا» من أن من رد متشابه القرآن الی محكمه فقد هدی الی صراط مستقیم، وإن فی أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكمة كمحكم القرآن «فردوا متشابهها الی محكمها ، ولا تبتغوا متشابهها دون محكمها فتضلوا»(1)
ومنها: أن العلم الإرادی المقید بالمشیة من معانی العلم المجازیة لا الحقیقیة ، التبادر غیره وصحة السلب عنه، فیخرج عن فردیة العلم المطلق القابل لتقیید إطلاقه كما توهمه بعض من قبل الخصم.
ومنها: صراحة المطلقات المثبتة لعلهم فی الإطلاق والعموم والفعلیة علی وجه تأبی عن التبعیض وعن التقیید بالمشیة كما لا یخفی علی من راجع تلك النصوص النقیة (2) القطعیة ودلالاتها الصریحة الجلیة.
ص: 75
ومنها: ورود مطلقات إثبات العلم لهم فی مقام بیان إمتنان الملك العلّام بتلك المنن الجسام، و تعداد العلائم الخاصة بالإمام، وإعطاء الضابط الكلّی من خصائصه الكرام، ومكارمه العظام، المناسب لتعمیم المرام، والأبی عن تقییدها تبعیضها قرائن المقام.
ومنها: ورود مطلقات إثبات العلم لهم فی سیاق بیان سائر صفاتهم الكریمة غیر المقیدة بحال دون حال، ولا بزمان دون زمان ، لكونهم المعصومین من الذنوب ،المطهرین عن العیوب ، العالمین بالغیوب، وأنهم قادة الأمم، وأولیاء النعم،وأبواب الإیمان، وخلفاء الرحمن، علی الإنس والجان، وعلی أهل السموات والأرضین، فی جمیع الأمكنة والأزمان ، حتی بعد وفاتهم ، بل وقبل حیاتهم، كما یؤیده نصوص أخذ أنبیاء السلف العهود والمواثیق من اممهم علی نبوة نبینا وخلافة خلفائه
وبالعكس(1)
وما روی فی «إكمال الدین» للصدوق من أنه تعالی قال للملائكة :«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » قبل خلق آدم بسبع مائة عام ، وكان یحصل فی هذه پالمدة الطاعة لملائكة الله حیث استعبدهم بهذا اللفظ طاعته ، فأضمر إبلیس المخالفة فصار أخزی المنافقین، لأنه نفاق بظهر الغیب ، بخلاف الملائكة فأضمروا الطاعة له وإشتاقوا إلیه فصار لهم من الرتبة عشر أضعاف ما استحق الشیطان من الخزی
والخسران (2).
وروی فیه أیضاً أن الله تعالی علَّم آدم أسماء حجج الله كلّها ثم عرضهم وهم أرواح علی الملائكة. فقال تعالی : «أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ
ص: 76
صَادِقِينَ »(1)، بأنكم أحق بالخلافة فی الأرض لتسبیحكم و تقدیسكم من آدم.
قالوا:«سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ »(2).
ووقفوا علی عظیم منزلتهم عند الله تعالی فعلموا أنهم أحق بأن یكونوا خلفاء الله فی أرضه وحججه علی بریته، ثم غیبهم عن أبصارهم، واستعبدهم بولایتهم ومحبتهم وقال لهم :«أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ » (3). إنتهی الحدیت.
وإذا كانت صفاتهم الكریمة من الخلافة والعصمة والولایة غیر مقیدة بزمان دون زمان ولا بحال دون حال فكذا ما هو فی سیاق تلك الصفات العامة المطلقة من عمومات اتصافهم بالعلم بقرینة اتحاد النسق وكون الظن یلحق الشیء بالأعم الأغلب .
ومنها: النصوص الدالة من الآیات والروایات علی الإعتدال الحقیقی فیمزاج الإمام علی وجه لولا طرق الموانع الخارجیة لم یعرضه الموت فضلاً عن السهو والجهل والنسیان كقوله تعالی :«ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى » (4) وقولهم : مامنّا إلا وهو مقتول أو مسموم (5)
ص: 77
ص: 78
ودعوی بعض الحكماء استحالة وجود الاعتدال الحقیقی إذ الشیء ما لم یجب لم یوجد، أی ما لم یترجّح وجوده علی عدمه لم یوجد، ومن البین أن مقدار الحرارة المتساویة لمقدار من البرودة ومقدار الرطوبة المتساویة لمقدار الیبوسة لم یترجح وجوده علی عدمه بعد، وما لم یترجح لم یوجد، فمقدار من الحرارة المضادة لمقدارها من البرودة وهی عبارة عن عدم تلك الحرارة لا یتصّف بالوجود الإستحالة إجتماع الضدین أو النقیضین فی محل واحد عقلاً ، مدفوعة نقضاً بأنه لو استحال لما بقی خضر وعیسی «علیهما السلام» وصاحب الزمان «عجل الله فرجه الشریف» الی هذا الزمان ، ولما صحّ قولهم : ما منّا إلاّ وهو مقتول أو مسموم.
وحّلاً بأنه لو سلم إستحالة الإعتدال الحقیقی فی العناصر الأربع فإنما هو فی موادها البسیطة لا موالیدها المستحیلة من حال الی حال، ومن جنس الی جنس ، ومن حقیقة إلی حقیقة ، و من ماهیة الی ماهیة.
ومنها: الإستقراء فی كل واحد من القوی والأرواح المخلوقة من الحواس الظاهریة كالباصرة والشامة والذائقة واللامسة، والباطنیة كالمدركة، والحافظة، والحاسة والمتخیلة، والجاذبة، والماسكة، والهاضمة، والدافعة ، حیث أنّ تأثیر كل من تلك القوی الظاهریة والباطنیة إنما یكون علی وجه الفعلیة لا الشأنیة ، والتعمیم لا التبعیض من حیث الأقتضاء، لولا طروّ الموانع الخارجیة، فكذا القوة المخلوقة فی الإمام لإدراكه المغیبات یقتضی أن یكون علی هذا الوجه تام الاقتضاء
ص: 79
بالإستقرار المذكور، وإلحاق المشكوك بالأعم الأغلب.
ومنها: الإستقراء فی أخباراتهم الغیبیة وأنبائهم الغریبة عن الضمائر والأحوال، وعما فی أرحام النساء وأصلاب الرجال، وعن المنایا والآجال، وعن المسائل قبل السؤال ، وعما یبعث لهم من الهدایا والأموال قبل قبضها وكشف الحال، وعن منطق الطیر والثعبان والإبل وسائر أفراد الحیوان ، فقد ذكر الخاصة والعامة من قضایا علی «علیه السلام» العجیبة الغریبة المتضمنة لعلمه الفعلی الحضوری بجمیع الأشیاء والفنون، وما كان وما یكون كحكمه فی قضیة الأرغفة (1) وقضیة الحالف أنه لا یحل قید عبده(2) إلی غیر ذلك مما هو أظهر من أن یخفی ، وأكثر من أن یحصی .
ویكفیك ما فی الباب التاسع عشر والمائة من البصائر فی معرفتهم وأخبارهمعن منطق الطیر ، مشتمل علی خمسة وعشرین حدیثا منها:
ما أسنده إلی سلیمان من ولد جعفر بن أبی طالب قال : كنت مع الإمام الرضا «علیه السلام» فی حائط له إذ جاء عصفور فوقع بین یدیه وأخذ یصیح ویكثرالصیاح ویضطرب.
فقال لی: یا فلان، أتدری ما یقول هذا العصفور؟
قلت : الله ورسوله وإبن رسوله أعلم.
قال : إنها تقول : إن حیّة ترید أكل فراخی فی البیت، فقم فخذ تیك النبعة وادخل البیت واقتل الحیة.
ص: 80
قال : فأخذت النبعة وهی العصا ودخلت البیت وإذا حیّة تجول فی البیت ،فقتلتها(1).
وفی ضمن ما یتلوه من الأبواب ما یقرب الی تلك الأحادیث فی الكثرةوالدلالة (2).
منها: ما یسنده إلی جابر الأنصاری (3) قال : بینما نحن یوما من الأیام عند
رسول الله قعودا إذ أقبل بعیر حتی برك ورغ، وتسیل دموعه.
قال : لمن هذا البعیر ؟
قالوا: لفلان.
قال : علیّ به .
فقال له : بعیرك هذا یزعم أنه ربا صغیركم وكدّ علی كبیركم ثم أردتم أن تنحروه.
قالوا: یا رسول الله ، لنا ولیمة فأردنا أن ننحره.
قال : فدعوه لی.
قال : فتركوه فأعتقه رسول الله ، فكان یأتی دور الأنصار مثل السائل یشرف علی الحجر فكان العواتق (4)یجبن له (5)حتی یجیء فیقلن: هذا عتیق رسول الله فسمن.
وفی ضمن الباب الرابع والثمانین فی علمهم بمن یأتی أبوابهم، ویعلمون بمكانه قبل الاستئذان ، جملة من الأحادیث منها:
ص: 81
ما یسنده(1) إلی إبن عطا المكی قال : إشتقت الی أبی جعفر وأنا بمكة فقدمت المدینة، ما قدمتها إلا شوقاً إلیه، فأصابنی(2)برد شدید، فإنتهیت إلی بابه نصف اللیل فقلت :(3)أطرقه فی هذه الساعة أو أنتظره حتی أصبح؟(4)فإنی لأفكر فی ذلك إذ سمعته یقول : یا جاریة ، إفتحی الباب لابن عطا فقد أصابه برد شدید فی هذه
اللیلة ففتحت الباب.
وفی ضمن الباب الثانی والثمانین فی أخبار الأئمة بضمائر الناس وحدیث أنفسهم أحادیث كثیرة:
منها: ما رواه (5) عن هشام بن سالم قال لما دخلت الی عبدالله بن جعفر
فسألته فلم أر عنده شیئاً فدخلنی من ذلك ما الله به علیمٌ، وخفت أن لا یكون الصادق ترك خلفاً، فأتیت قبر النبی «صلی الله علیه و آله» فجلست عند رأسه أدعو الله وأستغیث به متفكر فی نفسی هل أصیر إلی قول الزنادقة أو الخوارج أو
المرجئة أو القدریة، وإذا بغلام جذب ثوبی فقال : أجب.
قلت : من ؟
قال : موسی بن جعفر.
فذهبت معه الی أن دخلت داره ، فلما نظر إلیّ قال مبتدأً: لا إلی الزنادقة ولا الی الخوارج ولا الی المرجئة ولا إلی القدریة ولكن إلینا.
قلت : أنت صاحبی ؟
ثم سألته فأجابنی عمّا أردت.
ص: 82
وفی الباب قبله ستة عشر حدیثاً فی إخباراتهم الغیبیة عن الأسراروالضمائر :
منها: ما أسنده الی أبی كهمس(1)قال : كنت نازلاًبالمدینة فی دار فیها وصیفة كانت تعجبنی، فإنصرفت لی فاستفتحت الباب ففتحت لی فقبضت علی یدیها(2)، فلما كان من الغد دخلت علی الصادق «علیه السلام» فقال : یا أبا كھمس تب الی الله مما صنعت البارحة(3)
ومنها:ما أسنده الی الحرث قال : قدم رجل من أهل الكوفة الی خراسان فدعی الناس إلی ولایة الصادق «علیه السلام»، ففرقة أجابت وفرقة جحدت(4) وفرقة وقفت (5)، فخرج من كل فرقة رجل فدخلوا علی الصادق «علیه السلام»
فكان المتكلم منهم (6)الذی وقف قد كان مع بعض القوم جاریة فخلا بها فوقع
علیها ، فلما دخلوا وكان هو المتكلم فقال له : أصلحك الله ، قدم علینا رجل من أهل الكوفة فدعی الناس الی طاعتك فأجاب قوم وأنكر قوم وورع قوم.
قال : فمن أی الثلث أنت (7)؟
قال : من الذی ورعت ووقفت .
ص: 83
قال : فأین كان ورعك لیلة ذا وكذا ؟! فإرتاب الرجل (1).
وفی كتب الرجال عن عبدالله بن مغیرة البجلی قال : كنت واقفیاً فحججت علی تلك الحالة، فلما صرت بمكة خلج (2) فی صدری شیء فتعلّقت بالملتزم (3)
فقلت : اللّهم قد علمت طلبتی وإرادتی فأرشدنی إلی خیر الأدیان.
فوقع فی نفسی أن آتی الرضا «علیه السلام» فأتیت المدینة فوفقت ببابه فقلت للغلام : قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب.
فسمعت نداءه «علیه السلام» أدخل یا عبدالله بن مغیرة.
فدخلت فلما نظر إلی قال : قد أجاب الله دعوتك وهداك لدینك.
فقلت: أشهد أنك حجة الله وأمینه علی خلقه (4).
وفی الباب التاسع والأربعین(5) من «إكمال الدین» للصدوق باب توقیعات
القائم (عج) أحادیث كثیرة من مقولة كشف الضمائر وأخبار الغیب :
منها: ما عن محمد بن شاذان بن نعیم النیشابوری قال : إجتمع عندی مال للقائم عج الله تعالی فرجه الشریف(6) خمسمائة درهم إلا عشرین درهماً، فأنفت أن أبعثها
ص: 84
ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندی وبعثتها إلی محمد بن جعفر، ولم أكتب مالی فیها ، فأنفذ إلی محمد بن جعفر القبض وفیه : وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً(1).
وفیه أیضاً بسنده إلی أبی الحسن الأسدی قال : ورد علی توقیع من الشیخ العمری إبتداءً لم یسبقه سؤال :
بسم الله الرحمن الرحیم لعنة الله والملائكة والناس أجمعین علی من إستحل من مالنا درهماً.
فوقع فی نفسی أن ذلك فیمن أستحل من مال الناحیة درهماً دون من أكل منه غیر مستحل له، وقلت فی نفسی إن ذلك فی جمیع من إستحل محرماً فأی فضل فی ذلك للحجة (عج الله تعالی فرجه الشریف علی غیره؟
قال : فوالذی بعث محمداً بالحق بشیراً لقد نظرت بعد ذلك فی التوقیع فوجدته قد إنقلب الی ما وقع فی نفسی:
بسم الله الرحمن الرحیم لعنة الله والملائكة والناس أجمعین علی من أكل منمالنا درهماً حراماً(2)
وفیه أیضاً عن أبی علی البغدادی قال : كنت ببخاری (3) فدفع إلیّ إبن حاو شیر عشر سبائك ذهب وأمرنی أن أسلمها بمدینة السلام الی الحسین بن روح،
ص: 85
فلمّا بلغت مغارة أمویة (1) ضاعت منی سبیكة من تلك السبائك، ولم أعلم بذلك ،حتی دخلت مدینة السلام فأخرجت السبائك الأسلمها فوجدتها قد نقصت وأحدهً منها، فإشتریت سبیكة مكانها بوزنها واضفتها إلی السبائك التسع ، ثم دخلت علی الحسین بن روح ووضعتها بین یدیه فقال لی خذ تلك السبیكة التی إشتریتها ، وأشار إلیها بیده ، وقال : إن السبیكة التی ضیعتها قد وصلت إلینا وهو ذا.
ثم أخرج السبیكة التی ضاعت منی بأمویة فنظرت إلیها فعرفتها.
ورأیت فی تلك السنة بمدینة السلام إمرأة فسألتنی عن وكیل مولانا «علیه السلام» فأخبرها بعض القمیّین إنه الحسین بن روح، فدخلت علیه وأنا عنده فقالت له : أیها الشیخ أی شیء معی؟
قال : ما معك فالقیه فی دجلة ثم آتینی (2) حتی أخبرك .
فذهبت المرأة والقت ما كان معها فی دجلة ثم رجعت ودخلت علیه .
فقال : الشیخ لمملوكة له : اخرجی إلیّ الحقة.
فأخرجت إلیه حقة فقال للمرأة هذه الحقة التی كانت معك ورمیت بها فی دجلة ، أخبرك بما فیها أو تخبرینی ؟
فقالت: بل أخبرنی انت.
فقال : فی هذه الحقة زوج سوار ذهب ، وحلقة كبیرة فیها جوهرة، وحلقتان صغیرتان فیهما جوهران، وخاتمان أحدهما فیروز و الآخر عقیق.
وكان الأمر كما ذكر ، لم یغادر منه شیئا ، ثم فتح الحقة فعرض مافیها ،
ص: 86
فنظرت المرأة إلیه فقالت هذا الذی حملته بعینه ورمیت به فی دجلة .
فغشی علیّ وعلی المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة(1)
[كلام المؤلف تعقیباًعلی المرجحات الدلالیة]
أقول: فإذا كان هذا علم حسین بن روح الذی هو أحد نوابهم وعلمه مقتبس من بعض قطرات بحار علومهم فكیف بأنفسهم التی هی معدن تلك العلوم الزاخرة والأنوار الظاهرة، إلی غیر ذلك من أخباراتهم الغیبیة عن الضمائر والغائبات ، ومعاجزهم الخارقة للعادات، التی هی مع شدة الخوف والتقیة متواترات، فی كل من كتب المعاجز المعتبرات، فإن الإستقراء فیها یلحق المشكوك بالأعم الأغلب من الحالات، ویوجب القطع بتعمیم علمهم الفعلی الحضوری بجمیع الأشیاء والفنون، وكان وما یكون، هذا كله فی بیان القرائن المعینة والمرجحات الدلالیة، لتقدیم النصوص المثبتة علی النافیة.
وأما مرجحاتها السندیة :
فمنها: ما تقدم عن الشیخ الحر والمفید وغیرهما من جلّ روایات سهو النبی «صلّی الله علیه و آله» والإمام، بل كلّها ضعیفة السند ومضطربة المتن، حسبما فصلت فی رسائلهم بأبلغ وجه.
ومنها: أن مجموع النصوص النافیة لعلمهم والمقیدة بالمشیة و نصوص نسیان الأنبیاء علی كثرتها لم تبلغ عشر معشار النصوص المثبتة والعامة ، لا فی الكثرة ولا
ص: 87
فی قوة الدلالة ، فالنصوص المثبتة أكثر جداً وأصح سنداً وأصرح دلالة من النصوص المعارضة لها.
ومنها: أن النصوص النافیة من الروایات شاذة وموافقة للعامة(1)، بخلاف النصوص المثبتة فإنها مشهورة ومخالفة للعامة، وكل منها من المرجحات المنصوصة لطرح المعارض، أو حمله علی التقیة كما تقدم عن المجلسی فی عقائده والشیخ فی تهذیبه.
ومعلوم أن التقیة كما تدعو الی الفتوی بموافقة العامة كذلك تدعو الی الروایة بموافقتهم بل وإلی المشابهة معهم فی إختلاف الرأی والروایة ، كما جوزه صاحب الحدائق فی أنحاء التقیة أخذا بظاهر المستفیضة الدالة علی أنهم ألقوا الخلاف بین أصحابهم حقنأ لدمائهم، وأنه لو جمعهم علی امر واحد لأخذ برقابهم.
ومنها: أن النصوص النافیة من الروایات أخبار آحاد لا یجوز التعویل علیها فی أصول الدین ، بل یجب العدول عنها إلی ما یقتضی العلم والیقین ، كما صرح به المفید مستدلا بالآیات الناهیة عن العمل بالظن كقوله تعالی : «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»(2) «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)»(3)«وإِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ
ص: 88
يَعْلَمُونَ »(1)«وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا »(2)و«وإِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ »(3).
بخلاف النصوص المثبتة لعلمهم الفعلی فإنها بلغت فی الكثرة والقوة حدّ العام والتواتر، التی قلما ینفق معشاره فی شیء من المعلومات والمتواترات الدینیة.
وأما معاضداتها من الأدلة الأربع التی هی من المرجحات المنصوصة أیضاً فی تعارض الأخبار.
فمن محكمات الكتاب مضافاً إلی ما تقدم من عموماته المثبتة علم الأنبیاء وعصمتهم عن كل زلل وخطأ عمومات وجوب التأسی ومتابعة النبی «صلی الله علیه و آله» فی عموم أقواله وأفعاله ، وعمومات وجوب التسلیم والانقیاد له أیضاً
فی عموم أقواله واعماله كقوله تعالی : «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(4) وقوله :« إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ »(5)وقوله :«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ»(6)وقوله : « وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (7) وقوله :
ص: 89
« وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(1)وقوله :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا » (2)
إذ لو احتمل فی فعله السهو والجهل والنسیان لما جاز التأسی والمتابعة والتسلیم له عموما فی جمیع الأفعال بل ولا مطلقة فی شیء من الأحوال لسرایة ذلك الإحتمال المانع فی كل من الأعمال.
وكذلك جمیع عمومات نسبة الجهل والسهو والنسیان الی الشیطان ،وعمومات «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ » (3)من جمیع نصوص الآیات والروایات للنصوص المثبتة ، موافقات ولما یعارضها مخالفات، وهی من المرجحات المنصوصة.
وأما من محكمات السنة الموافقة للنصوص المثبتة فمضافاً إلی ما تقدم من عمومات إخبار التأسی والمتابعة والتسلیم والتفویض یكفی عمومات قوله «صلی الله علیه و آله»: صلوا كما رأیتمونی أصلی(4)، وخذوا عنی مناسككم.
إذ لو إحتمل فی فعله السهو والنسیان لما جاز متابعته فی جمیع الأفعال بل ولا مطلقا فی شیء من الأحوال لسرایة ذلك الإحتمال المانع من الاستدلال بشیء من أفعاله كالأقوال.
وكذا العمومات المعتبرة فی «البصائر» و «الإحتجاج» عن الرضا «علیه السلام» فی رد الغلاة والمفوضة لا تجاوزوا بنا العبودیة ثم قولوا فینا ما شئتم ولن
ص: 90
تبلغوا(1).
«والخصال» و«البصائر» أیضا عن علی «علیه السلام» إیاكم والغلو فینا،قولوا إنّا عبید مربوبون وقولوا فی فضلنا ما شئتم (2).
فإنها كالصریحة فی أن نفی السهو عنهم لیس من الغلو وإنما الغلو نفی العبودیة عنهم والمربوبیة.
ومن جملة النصوص الموافقة للنصوص المثبتة ما فی «الكافی»(3) وغیره من
ص: 91
المستفیضة الدالة علی حضورهم موت كل مؤمن وكافر بحیث یراهم المیت ویوصون به ملك الموت ما یستحقه من الرفق والعنف، فإن حضورهم موت كل من
ص: 92
فی مشارق الأرض ومغاربها فی آن واحد علی وجه المشاهدة والرؤیة مما لا جامع الجهل والسهو فی شیء بل یستلزم من خوارق العادات ما هو أعظم من إحاطة علمهم الفعلی بجمیع الكائنات إحاطة الشمس والقمر بها.
وروی الشیخ الحر فی «رسالة الرجعة» عن «الكافی» و «المحاسن» وغیرهما من هذه الأخبار ما یبلغ التواتر، ثم نقل عن المفید(1) تأویلها بالحمل علی معرفة المحتضر بثمرة ولایتهم محتجأ بإستحالة حلول الجسم الواحد فی مكانین، ثم اجاب عنه بوجوه تسعة.
منها : عدم المعارض والصارف لهذه الأخبار عن ظاهرها، بل وجود المانع من الصرف لعدم جواز التأویل من غیر نص ودلیل.
ومنها: منع الإستحالة لأمكان حضورهم فی مكان معین یراهم كل محتضر فی تلك الساعة، كما رأوا ورووا مثل هذه القدرة فی إحاطة الشمس والقمر وملك الموت و منكر و نكیر ، وأن الدنیا عند ملك الموت كالقصعة بین یدی أحدكم یتناول منها ما یشاء، وأن الدنیا عند الإمام كیده من راحته ، وأنه بمنزلة الشمس والقمر فی الإحاطة.
ومن جملة معاضداتها أیضأ ظاهر النصوص المأثورة فی الصلوات والتوسلات والإستغاثات بهم حال البعد والغیاب بألفاظ الحضور والخطاب ، كالتسلیم علی النبی «صلی الله علیه وآله» فی الصلوات بالسلام علیك أیها النبی ، وبالسلام علیكم.
وفی الإستغاثات (2) والتوسلات المأثورات : یا محمد یا علی یا فاطمة الی آخر الأئمة أغیثونی وأجبرونی.
ص: 93
فإن ذلك أیضاً مما لا یجامع الجهل والسهو فی شیء، بل یستلزم من خوارق العادات ما هو أعظم من حضور علمهم بجمیع الكائنات إلاّ بتنزیل الغائب منزلة الحاضر المخالف للأصل والظاهر.
وأما من الإجماعات الموافقة للنصوص المثبتة والمخالفة للنصوص النافیة فیكفی ما یظهر من أصحابنا الإمامیة فی كل من كتبهم فی الحدیث والفتوی وأصول الدین وأصول الفقه .
فما یظهر من كتبهم الحدیثیة الأربع ما فی تهذیب الشیخ(1) من ردّه أخبار السهو بأنها ممّا تمنع العقول منه ، وما فی إستبصاره(2) بأنها مما تمنع الأدلة القاطعة ، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته، وما فی «الكافی» و «الفقیه» وسائر كتب الحدیث المعتبرة من النصوص المتقدمة المتواترة الصحیحة الصریحة الظاهر من تحدیثها ومن عناوین محّدثیها الإجماع علی مضمونها ، وأن من روی منهم بعض المعارضات لها أیضا كالكافی أو أفتی بظاهرها كالفقیه فلعله فهم منها ما إحتلمناه
من التأویل بما یرفع المعارضة والمخالفة جمعا بین الروایات حسبما تقدم تفصیلها .
وأما ما یظهر من كتبهم الفتوائیة الفرعیة من الإجماعات الموافقة للمطلوب فیكفی ما فی تذكرة العلامة (3) بأن خبر ذی الشمالین عندنا باطل لأن النبی صلی الله علیه و آله» معصوم لا یجوز علیه السهو ، الی ان نقل عن العامة سهوه فی قراءة«والنجم» حیث الحق بآخره وهو فی الصلاة : تلك الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی، ثم قال : وهذا فی الحقیقة كفر.
وما فی بیان الشهید وذكراه من أن خبر ذی الشمالین متروك بین الإمامیة
ص: 94
لقیام الدلیل العقلی علی عصمة النبی عن السّهو ، ولم یصر إلیه غیر إبن بابویه وشیخه، إلی أن قال : إن إجماع الإمامیة السابقة علیها واللاحقة لها(1)علی نفی السهو عن النبی «صلی الله علیه و آله» والأئمة «علیهم السلام» (2)
وأما ما یظهر من الإجماع من كتب أصول الدین فیكفی ما عن المقداد فی شرح «نهج المسترشدین»(3) عن أصحابنا وجوب عصمة النبی «صلی الله علیه و آله» والإمام من السهو فی كل من الأقسام الأربعة بتبلیغ الشرع، والاعتقاد الدینی والدنیوی.
وما عن صریح البهائی فی جواب المسائل المدنیات أن عصمة الأنبیاء والأئمة من السهو والنسیان ما إنعقد علیه إجماعنا، وخروج الشخص المعلوم النسب غیر قادح فی الإجماع.
وما فی عقائد المجلسی من أنهم یعلمون علم ما كان وما یكون الی یوم القیامة ، ولا یجوز علیهم السهو والنسیان ، وأن أخبار سهوهم محمولة علی التقیة .
وما فی رسالة الشیخ الحر من التصریح بأن أخبار السهو معارضة لإجماع الشیعة الإمامیة، فإن المخالف المعلوم النسب عندهم لا یقدح فی الإجماع، علی أنه قد إنقرض الخلاف بموته ، وقد علم دخول المعصوم فی هذا الإجماع بالنصوص عنهم كما عرفت علی أن هذا المخالف یحتمل حمل كلامه علی ما عرفت من محمل صحیح یخرج عن المخالفة (4).
وما ذكره النجاشی فی ترجمة إسحاق بن الحسین البكران : من أنّ له كتباً
ص: 95
منها كتاب نفی السهو عن النبی(1).
وما فی رسالة المفید (2)،
وتنزیه السید (3)وموضع من العقائد للصدوق،والباب الحادی عشر(4). وألفین العلامة (5)، وسائر كتب أصول الدین(6)، من التصریح والتلویح بإجماع عنهم علی إثبات العصمة ونفی السهو عن النبی والإمام ، و بقول مطلق، قبل النبوة والإمامة وبعدهما، أعم من أن یكون فی العبادة وغیرها .
وأمّا ما یظهر من الإجماع من كتب أصول الفقه فیكفی ما یذكرونه فیها من أن السنة المتبوعة هی قول الإمام أو فعله أو تقریره، ثم یبحثون عن فعل الإمام ویحصرونه فی الوجوب والندب والإباحة، ولا یذكرون الكراهة فضلا عن التحریم أو السهو، ثم یحكمون بأن فعله دال علی الجواز صریحاً، وعلی الاستحباب والوجوب مع القرینة الدالة علی وجهه وأن تركه دال علی نفی الوجوب صریحاً ، وعلی الكراهة والتحریم مع القرینة، وكل ذلك كالصریح فی أن فعله «علیه السلام» حجة عندهم مطلقاً وأنه نوع من التبلیغ لوجوب إتباع والإقتدار به بنص الآیات والروایات المتقدمة.
وأما من العقل الموافق للنصوص المثبتة فیكفی ما اقتضاه قاعدة اللطف (7).
ص: 96
ص: 97
الواجب علی الحكیم من وجوب إتّصاف الأكمل من الذوات وهو الإمام بالأكمل من الصفات، وهو فعلیّه العلم وعموم كمیّته ، ومن أّ علة خلقه تعالی الخلق إنما هو معرفته تعالی : «كنت كنزاً مخفیاً فخلقت الخلق لكی أعرف»(1) «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)»(2) أی لیعرفون.
والمفروض أن معرفته موقوفة بعبادته ونصوصیته علی خلق الخلفاء مظهراً الجمیع صفاته الجلالیة ، ومرآة لتجلی معارفه الخفیة ، و ظلاً ظلیلاً لأوصافه الكمالیة ، بحیث یكون النقص فی المظهر والمرأة والظل نقصاً فی المظهر والمرئی وذی الظل، وهو نقص لغرض الحكیم وحكمته ، ومستحیل عقلاً.
ومن أنّ عموم علم الإمام بأفعال الأنام واطلاعه فعلاً بها أقرب إلی طاعتهم وأبعد عن معصیتهم جداًفیجب علی الحكیم.
كما یجب علیه نصبه وعصمته بذلك ضرورة أن العاصی فی الخلوات أكثر جدا منه فی الملا ووجود المطلع، وأن إمتناع العاصی من المعصیة مع وجود المطلع أكثر جدأ منه مع عدمه ، فإذا ثبت بهذه القاعدة أصل الإمامة وعصمته وتنزیهه من جمیع المناقص الخُلقیّة والخلقیة والنسبیة فلیثبت ما نحن بصدده من فعلیّة علمه
ص: 98
وعموم كمیّته بها بل وبأولویتها، بل وبقاعدة وجود المقتضی وعدم المانع حیث أن عموم علمهم الفعلی من الفیوضات الداخلة تحت عموم قدرة المبدأ الفیاض، وهو المقتضی، وقابلیة محل الإمامة له اقصی مراتب القابلیة ، فلا مانع أیضا وبعبارة أخری أنه تعالی قادر علی تعمیم علم الإمام، والحاجة للعالم داعیة إلیه ، ولا مفسدة فیه، فیجب علی الحكیم بل وبما عن تذكرة العلامة من أنّ وصف النبی بالعصمة أكمل وأحسن من وصفه بضدها فیجب المصیر إلیه لما فیه دفع الضرر المظنون بل المعلوم.
ومن المعاضدات لما نحن فیه ما أستدل به المتكلّمون علی صحة المعاد(1)والإمامیة علی صحة الرجعة (2)، من أنّه ممكن وكلّ ممكن أخبر به الصادق فهو حق، أما إمكانه فمسلّم، مضافاً الی أن وقوعه فی الجملة دلیل إمكانه بالجملة، وأما أخبار الصادق به فقد عرفت تواتره بأبلغ وجه، بل دلالة هذا الدلیل علی عموم علم الإمام أدل من دلالته علی صحة الرجعة بعد الموت، لأكثریة علم الإمام ممّا هو محل الكلام، بخلاف الرجعة بعد الموت، فإنه وإن اتفق وقوعه فی الأمم السّابقة بل وفی هذه الأمة إلا أنه أقل قلیل، كما أن دلالته علی صحة الرجعة أدل من دلالته علی صحة المعاد لوقوع مثل الرجعة ولو قلیلاً بخلاف المعاد فإنه لم یقع مثله قط
بعد.
ومنها: جزم العقل بإستحالة تواطؤ جمیع روات عموم علم الإمام وفعلیّته علی الكذب ، بدلیل الاستقراء والتتبع فی كل ما یذكرون تواترها ، كأخبار كرم حاتم ونحوه ، فإنا نجزم بأن أخبار علم الإمام أكثر منها بأضعاف مضاعفة ، بل ومن أخبار
ص: 99
النصوص علی تعیین کل واحد واحد من الأئمة، سیّما فی النص(1) علی الرضا «علیه السلام»، و أن شئت فقابل بینهما.
بل من المعلوم من التتبع فی حال الإصحاب إعتمادهم فی نصوص تعیین أصل الامامة علی خبر واحد، محفوف بقرائن قطعیة توجب العلم من حال ناقلة أو غیره، أو علی أخبار یسیرة، فإنّ حصول الیقین لا ینحصر فی طریق التواتر.
و من جملة الشواهد القطعیة العقلیة المعاضدة للنصوص المثبة أیضاً أن کلاً من کیفیة العلم المعلّق بالمشیة و عدم عموم کمیّة العلم بالموضوعات الصّرفة، و إمکان السهو فیها مما یستلزم عادة وقوع السهو و النسیان، و الخطأ و الحرمان، و تفویت الواقع فی کثیر من الأحیان، سیما فی أزمنة معاشرتهم المتطاولة مع الناس فی قریب من ثلاثمائة سنه، و هو من النقص المستحیل و رتبة الإمامة عقلاً و نقلاً،بل غیر المتفق منهم فی شئ من الأزمان، بل ولا فی غیرها منأزمنة أنبیاء السلف إتفاقاً، بل و یستلزم جمیع المناقص الکلیّة والمفاسد العظیمة، کإنحطاط منزلة الإمام« علیه السلام» من القلوب، وسقوط محلّه من النفوس، و شهادة وعده عن القبول سیّما إذا کانت لنفسه مع إتفاق النصوص و الفتاوی علی وجوب تصدیقه، و کفر تکذیبه(2)فیما یدّعیه، و لو شهد به وحده لنفسه، و لو من غیر بینة(3)، فیلزم سقوط شهادته و فعله ، بل وقوله عن الحجیّة و إحتیاجه الی الرعیّه المستلزم ترجیح المرجوح، أو إلی إمام آخر المستلزم للترجیح بلا مرجّح لإشتراک العلة أو الدور أو
ص: 100
التسلسل الباطلین أیضاً.
ویستلزم أیضاً التنفیر ومساوات إحتمال النسخ لأحتمال السهو والصحة، ولأحتمال الفساد فی جمیع أفعاله وقراءته ، بل وأقواله، لحصول التبلیغ بالمرة الأولی من فعله وقراءته وقوله ، وهی معلومة لمن بعده لأكثر الصحابة أیضاً ، فإنّ أفعاله وقراءته وأقواله غیر معلومة التاریخ، فیلزم أن یجوز سهوه وغلطه وتبدیله و تغییره فیها ، بل وتضلیله وإغرائه بالجهل، وتركه جمیع الواجبات، وفعله جمیع المعاصی والكبائر والمحرمات، وتعدی الحدود، وتضییع الحقوق، والأمر بالمنكر والنهی عن المعروف، وترك جهاد الكفار، ومداهنة الأشرار، ومقاتلة الأبرار ،وإتلاف الأموال والأعراض والنفوس، والنهب والغضب والظلم والكذب والفجور ،وشرب الخمور بل الكفر جهلاً أو سهواً أو نسیاناً ، سیما قبل التبلیغ بالبعثة والنصب (1)، بل وبعد التبلیغ بأنها معصیة.
ولا تفاوت فی فساد هذه المذاهب بین العمد والسهو، ولا یرد استحالة تخلیة الله تعالی بین المعصوم وبین هذاالسهو لانتفاضة بوجود تخلیته بین سائر المكلّفین وبین تعمدهم بتلك المفاسد.
وحلّه بعدم الفرق والفارق بین السهو والجهل فی الجملة وبالجملة ، إذ لو جاز
ص: 101
علی الحكیم الفساد والقبیح والظلم فی الجملة لجاز بالجملة ، وإنما تتم استحالة التخلیة علی قولنا من إستحالة السهو والجهل علیه بالمرة لا علی قولك من تجویزه فی الجملة ، فإن تجویزه فی الجملة یستلزم التجویز بالجملة، وإذا جاز علی الإمام شیء من تلك المفاسد سهوا أو جهلا جاز للإمام نهیه عن المنكر وأمره بالمعروف، بل ومحاربته علی وجه المدافعة عن أنفسهم وإعراضهم وأموالهم لعموم أدلتها العقلیة والنقلیة كقوله تعالی : «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ »(1) «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ » (2).
ویلزم أیضاً أعلمیة كل من یفرض علمه فعلاً بشیء من الموضوعات الصرفة من الإمام المفروض جهله أو سهوه بذلك الموضوع وأفضلیته من الإمام بالنسبة الی ذلك ولو كان كافراً من كفرة یونان، وسحرة الفرنج، وحزب الشیطان، إلی غیر ذلك من مفاسد الجهل والنسیان الموجبة للنفرة والنقصان غیر اللائق بمراتب خلفاء الرحمن، ولا یلتزم به أحد من أهل الإیمان، ومناف لقضاء العقل والبرهان، ومناقض لجمیع أغراض الحكیم وألطافه ، وحكمه ومصالحه الموجبة لنصب الإمام وبعث الرسل ، وایجاب عصمتهم وإصطفائهم من جمیع المناقص والدناءات الخلقیة والخلقیة، حتی عن مثل التأب والتمطی والإحتلام، ورؤیة بوله وغائطه ، لأجل تقریب العباد الی الطاعة، وتبعدهم عن المعصیة ، وحفظ الشریعة عن الزیادة والنقصان ، وایجاب طاعتهم، والأمر بأتباعهم والتسلیم لأمرهم، والتحذیر عن مخالفتهم والاعتراض علیهم، وجعلهم شهداء علی الناس ، خلفاءه علیهم، الی غیر ذلك من الشواهد العقلیة والنقلیة والمرجحات الدلالیة والسندیة ، المعاضدة بكل من الأدلة الأربعة القطعیة ، علی ترجیح نصوص فعلیة علم الإمام الأدلة الأربعة
ص: 102
القطعیة ، علی ترجیح نصوص فعلیّة علم الإمام وعمومه، من حیث الكیفیّة والكمیّة ، واستحالة ما نسب إلیه من الأفعال السهویة والجهلیة .
بقی الكلام فی بیان شبهات بعض المشتبهین فی المسألة وردّها، فمنهم ظاهر الصدوق حیث وجّه سهو النبی «صلی الله علیه و آله» فی آخر فقیهه بأن سهوه«صلی الله علیه و آله» لیس كسهونا من الشیطان ، بل هو إسهاء من الرحمن لمصلحة الترحّم علی الأمة ، لئلّا یغیّر المسلم الساهی والنائم عن صلاته، ولئلا یتوهم فیه الربوبیة، ولیعلم الناس حكم السهو متی سهوا(1)
ففیه معارضة بأن تلك المصالح لو سوّغت السهو فی الإمام لسؤغت فیه وجود سائر المناقص من العور والحول والعرج بمجرّد إستنادها إلی الرحمن لمصلحة الترحم علی الأمة ، لئلا یعیّر المسلم من ذوی الآفات والعاهات والمناقص المنقرة.
وحلاً بأنّ السهو فی الإمام لیس من مقتضیات القبح والنقص كالكذب حتی یسوّغه الموانع والمصالح المتداركة لقبحه ونقصه من ضرورة أو ضرر أو تقنیة ، بل هو (2) من المناقص الذاتیة، والعلل التامة للقبح والمنقصة فی رتبة الإمامة كالظلم، فلا یمنع قبحه مانع ولا یدارك نقصه مصلحة، وقیاسه علی سائر مصائبهم المسوغة فیهم قیاس مع الفارق.
ومنهم : الشیخ المفید حیث وجّه فی ضمن رده الصدوق تفصیل نفسه بین السهو عن العبادة الناشیء عن غلبة النوم حتی یخرج وقتها فیقضیها بعده فیجوز
ص: 103
علیه وبین السهو الناشیء عن غیر النوم فلا یجوز، بأنه نقصُ عن الكمال فی الإنسان، وعیب یمكن التحرز عنه، بخلاف النوم فإنه لیس بنقص ولا عیب ولاینفك عنه بشر.
أقول: وهذا التفصیل وإن كان تفصیل فی تفصیل الصدوق إلاّ أنه مستلزم لماإستلزامه تفصیل الصدوق، إذ كما لا فرق بین السهو فی تبلیغ الأحكام والسهو فی العبادة من حیث النقص والعیب المنافی لرتبة الإمامة كذلك لا فرق فی السهو فی العبادة بین الناشیء عن النوم المفوت لأدائها فی وقتها وبین الناشیء عن غیره ، ودعوی الفارق للعقل خارق.
بل یمكن أن یكون تفویت النوم للصلاة فی وقتها أشد نقصاً وعیباً من تفویت السهو لها بغیر النوم مع إشتراكهما فی السهو ، نظرة الی حدیثه النوم دون السهو إجماعاً.
ویشهد علیه ایضاً نصوص أن الإمام تنام عینه ولا ینام قلبه(1)، ولا یحتلم ،ولا یتثأب (2)، ولا یتمطی (3)، فبكل ما أجاب المفید و طعن فی تفصیل الصدوق یجاب ویطعن به فی تفصیل نفسه حرف بحرف.
ومنهم : الشیخ الحر فی آخر رسالته فی الرجعة فی ضمن جوابه السادس عن الشبهة الرابعة لمنكری الرجعة حیث قال : إن جبرئیل أعلم من الإمام ومن الأنبیاء فإن علمهم وصل الیهم بواسطته .
وفیه أنّ أعلمیة جبرائیل منه یستلزم تفضیل المفضول علیه ، ومناف لسجود
ص: 104
الملائكة كلهم أجمعون لآدم و تعلمهم الأسماء منه ، وإعترافهم بأنه« لا علم لنا إلا ما علمتنا» ولنصوص كون الأئمة أول ما خلق الله ومن نورهم إشتق خلق السموات والأرضین، وأنهم معلموا الملائكة التسبیح والتقدیس.
وعلی ذلك فوساطة جبرائیل فی علمهم فی هذه النشأة لیس من جهة الجهل والنسیان بل إنما هو من باب دلالة كثرة الأعوان علی عظمة السلطان لا علی العجز والنقصان، وذلك لأن غایة مرتبة الملائكة الرسالة ولا یمتنع إجتماعها مع الجهل فی الجملة، بخلاف الإمامة فإن أول رتبتها الریاسة العامة الممتنع إجتماعها مع منقصة الجهل عقلاً و نقلاً.
ومنهم: بعض الأفاضل فی باب ترك الأستفصال من كتابه المسمی بحقائق الأصول، حیث جزم بكون علمهم إرادیاً لا فعلیاً بوجوه مشتبهة أو متشابهة.
فمن المشتبهة قوله : الأول إجماع العلماء بل وغیرهم والمخالف لیس إلا بعض المتصوفة، ویكذبه ما تقدم من قیام كل من الأدلة الأربع وأصول المذهب وضرورة الدین فضلاً عن الإجماعات القطعیة علی خلافه ، وكأنه لم یر بل لم یسمع بشیء مما كتب فی كتب أصحابه الإمامیة المتقدمة بعضها من الحدیث والأصول والفروع والتفسیر سوی ما سمع ممن هو مثله فی الانهماك فی أصول العامة العمیاء، و تفاسیرها القرآن بالأراء والإزراء والافتراء علی الله وعلی الأنبیاء ولا غیر وممن زاول كتب الضلال أن یعتریه هذا السهو والإضلال ویخفی علیه حقیقة الحال.
ومنها قوله : الثالث إجماع العلماء، الی آخره، فإنّه تكرار بحت للوجه الأول .
ومنها قوله : ومن الثانی ما عن الصادق علیه السلام» أنه نزح دلو ماء للوضوء فرأی فیه فأرة میتة فألقاها.
وفیه مع الغضّ عن ضعف سنده وقوة معارضه ضعف دلالته، فإنّ دلالة نزح الماء النجس وإلقائه علی جهل النازح مبنی علی كون المقصود من ذلك النزح
ص: 105
التوضؤ بالماء المنزوح.
وهو ممنوع لاحتمال كون المقصود به إصلاح البئر عن قذارة المیتة، أو دفع مفسدة إبتلاء من لا یعلم به، أو التوضؤ بالماء المنزوح منه بعد ذلك أو لتعلیم الناس أحكام النزح، أو رفع مفسدة الغلو فیهم، أو لمصلحة التقیّة .
وكذا قوله : ومنها حكایة علی «علیه السلام» فی الغزوات ، إلی آخر ما ذكره من غزواته التی لا شائبة فیها ، بل لاربط لها بمقصوده أصلاً إلا أن یوجه بأن مراده بغزواته الدالة علی مطلوبة من تعریض مثل جعفر وحمزة وعمار للقتال فی الغزوات التی قتلوا فیها یقتضی جهله بشهادتهم فی تلك الغزوة، لئلا یكون تعریضه إیاهم للقتال فی تلك الغزوة من إلقائه إیاهم فی التهلكة ، فیخرج إستدلاله بالغزوات علی مطلوبه بعد هذا التوجیه عن الاستدلال بالمشتبهات الی الاستدلال بالمتشابهات.
وحینئذ فنجیب عنها بعد الغض عما فی سندها من الضعف والشذوذ وقوة المعارض بضعف دلالتها أولاً بما عرفت من أن علم المنایا والآجال كعلم الساعة من العلم الخاص المستأثر به الله تعالی ، بمعنی عدم لزوم العمل بعلمها أو عدم الإذن فی بروز علمها لا عدم العلم بها رأساً.
وثانیاً : أن تعریض من یعلم أنه یقتل فی الغزوة للقتال إنما یكون من باب الإلقاء فی التهلكة علی تقدیر أن یكون القتل له فیها من القضاء المعلق علی الجهاد والتعریض له وأما علی تقدیر العلم بكونه من القضاء المحتوم بل من باب التسلیم والرضا بالقضاء.
وثالثاً سلّمنا أن منیته من القضاء المعلق علی الجهاد وأنّ التعرض له من الإلقاء فی التهلكة إلا أنه مع ذلك لا یلزم أن یكون الإقتحام فیه أو التعریض له من باب الجهل بالعاقبة ، بل لعله من باب توقف المدافعة عن الدین والمحافظة عن شریعة سید المرسلین «صلی الله علیه و آله» علیه ، أو نحو ذلك من المصالح الكلیّة
ص: 106
النوعیة المسوغة عقلاً ونقلاً لكل ما توقفت علیه من المقدمات ولو بإلقاء النفوس المحترمة المعصومة فی التهلكة ، ولأجل بعض المصالح الكلیّة لا یجوز التخلف عن الجهاد ولا الفرار منه لمن علم أنه سیقتل فیه علی أظهر القولین فی باب الجهاد ، وعلی أحد هذه المصالح علی سبیل منع الخلق لا الجمع یحمل خروج علی «علیه السلام» من بیته إلی المسجد لیلة الجرح (1)واقتحام الحسن علیه السلام» فی شرب السم(2)، وخروج الحسین «علیه السلام» الی كربلاء مع الأهل والعیال (3).
فاعتراض بعض العامة علی الحسین «علیه السلام» بعدم إجتماع شرائط الجهاد فی مقاتلته الأعداء، سیّما مع علمه بالعاقبة، واشتراط الجهاد بعدم إزدیاد العدو علی الضعف، مدفوع أولاً : بأنه علم من أخبار الله وأخبار جده أن كیفیة شهادته من محتوم القضاء والقدر الذی لا یدفعه الحذر .
وثانیاً : بأن عدم ازدیاد العدو علی الضعف شرط وجوب الجهاد لا شرعیته ورجحانه ، لأن سقوطه مع ازدیاد العدو علی الضعف من باب التخفیف والرخصة لا العزیمة لقوله تعالی : «الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ »(4)بل لعلّ مع إزدیادهم علی الضعف یتضاعف أجر المجاهد وفضله بأضعاف كثیرة.
وثالثاً : بأن مقاتلته «علیه السلام» معهم لیس من باب الجهاد المفقود شروطه فیه بل من المحافظة علی الدین والمدافعة عن شریعة سید المرسلین من إبداع المبدعین ، و تغییر المبطلین، وتحریف الجاهلین، وتلبیس الحق بالباطل فی دولة
ص: 107
الجائرین، فإنه كحفظ بیضة الإسلام اللازم علی جمیع الأنام ولو بتفضیح المخالفین المتوقف تفضیحهم علی تعریض النفوس المحترمة المعصومة للفداء عن الدین، لیظهر به علی الناس فسق الفاسقین وجور الجائرین وینقطع طمعهم عن الدین لیهلك من هلك عن بینة ویحیی من حیی عن بینة فلو قیل ما السبب فی قعود علی « علیه السلام» عن محاربة الثلاثة وعدم قعوده عن محاربة من بعدهم من الفرق(1) ؟!
وما السبب فی صلح الحسن «علیه السلام» مع معاویة (2) ومحاربة الحسین«علیه السلام» مع یزید (3)؟!
وما السبب فی غیبة إمام العصر (عج الله تعالی) فرجه الشریف (4) فیما یزید الآن علی
ألف سنة ورجعته بعد ذلك ؟؟
ما اجیب عنه أولاً : بالنقض والمعارضة بالسؤال عن السبب فی إیلام الأطفال وخلق الهوام والسمومات والحشائش والأحجار ونحو ذلك مما لا یحیط أحد بمعناه ، ولا یعلم السبب الذی إقتضاه ، وبالسؤال أیضاً عن سبب مقاتلة النبی صلی الله علیه وآله» المشركین علی كثرتهم یوم بدر وهو فی ثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه الذین أكثرهم رجاله ،
ومنهم من لا سلاح له(5)، ورجوعه عام الحدیبیة (6) عن إتمام العمرة وهو فی العدة القویة ومعه من المسلمین ثلاثة آلاف وستمائة ،
ص: 108
وأعطی سهیل بن عمرو جمیع مناه ودخل تحت حكمه ورضاه من محو «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ » من الكتاب، ومحو إسمه من النبوة. [وإجابته إلی أن یدفع الی المشركین ثلث ثمار المدینة ]وأن یرد علیهم من أتاه لیسلم علی یده منهم مع ما فی هذا من المشقة العظیمة والمخالفة فی الظاهر للشریعة، ونحو ذلك مما لا یحاط بمعرفة معناه ولا یعلم السبب الذی اقتضاه .
فكما یكفینا العلم الإجمالی والرجوع إلی الأصل الأصیل وهو وجوب الإعتقاد إجمالا بأن أفعال الله تعالی معللة بأغراض خفیة ، ومطابقة للمصالح والحكم المكنونة ، كما أجاب تعالی عن سؤال الملائكة :«أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»بقوله :«إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(1)وأن لم تعلم بها تفصیلا، كما لم تعلم الملائكة بما سئلوا عنه، وبأن النبی «صلی الله علیه و آله» أعرف بالمصلحة من الأمة، وأنه لا یفعل ذلك إلا الضرورة ملجئة، أو مصلحة ملزمة هو اعرف بها ما، كما قال تعالی : «عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا »(2)«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)»(3)
كذلك یكفینا العلم الإجمالی بأعرفیة الإمام بمصالحة ومفاسده وتكالیفه المختفیة علینا وجهاتها وتفاصیلها بعد ثبوت أعرفیته ما بتلك المصالح بإتفاق نصوص الفریقین و صریح حدیث الثقلین.
وثانیاً : بالحلّ بما ورد عنهم من بیان وجه كل من أفعالهم وقیامهم وقعودهم تفصیلاً بأبلغ وجه.
ص: 109
وإجماله إنه لما كانت تلك المدافعة عن الدین مختلفة بإختلاف أغراض المبطلین من حیث كثرة المفسدة وقلتها، وأزمنة الجائرین من حیث القوة والضّعف ، وأحوال المعصومین من حیث المقاومة عادة وعدمها ، إختلفت تكالیفهم فی السلوك مع الجائرین فتارة بالمجاهدة والمدافعة، وأخری بالمهادنة والمصالحة، وثالثة بالتقیة ، ورابعة بالغیبة ، وخامسة بالرجعة ، عجّل الله تعالی فرجهم بها .
هذا كله فی بیان ما تمسك به الخصم من الوجوه المشتبهة.
وأما المتشابهات فمنها قوله الثانی : الأصل لكون علمهم كوجودهم حادثمسبوق بالعدم فالأصل بقاؤة علی العدم.
وفیه أنّ الأصل وإن كان عدم علمهم إلاّ أنه مقطوع بما قطع به أصالة عدم وجودهم، لما عرفت من أنّ الأدلة القاطعة علی فعلیّة علمهم وعمومه لا تقصر عن الأدلة القاطعة بوجودهم وبقائهم، سیما الی هذا الزمان .
ومنها قوله أنه لو كان فعلیاً لكان نزول جبرئیل ووحیه لغواً.
وجوابه : أولاّ : بالمعارضة بأنه لو كان توارد الأسباب وتراكمها وتعدد الآیات وتأكدها و تعاضد الشهود والبنات و تضاعفها لغواً للغی تعدّد الأنبیاء، سیّما فی عصر واحد كعصر بنی إسرائیل، وتراكمهم أیضاً مع العقل وإنزال الكتب ونصب الأوصیاء، وللغی أیضا اشهاده تعالی علی خلقه بنصب الحفظة والكرام الكاتبین مع أنه الحفیظ الرقیب من ورائهم، وللغی أیضأ إمتحاناته المتراكمة إستعلام المؤمن عن غیره(1) مع علمه المحیط علی الإطلاق بكنه الأشیاء.
ثانیا : بالحلّ بأن ذلك كلّه إما من باب اللطف الواجب علی الحكیم بتقریب
ص: 110
العباد الی الطاعة و تبعیدهم عن المعصیة بتأكد البینات، أو أطمئنانهم بتضاعف الآیات، والتسجیل علیهم بتراكم الإمارات، أو إعلامهم بتعاضد الدلالات، وإما من باب دلالة كثرة الأعوان علی عظمة السلطان لا علی العجز والنقصان.
قوله : إن من تتبع الأحوال والكیفیات یعلم أنّ نزول جبرئیل ووحیه كان لعدم العلم وعدم الالتفات، مصادم للأدلة القاطعة الأربع وأصول المذهب وضرورة الدین.
ومنها قوله : فمن الأول قوله تعالی :«وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ »(1)
وجوابه : أنّه مصروف الی سلب الموضوع، أو إلی الأمة بقرینة ما تقدم من الأدلة القاطعة الأربع علی خلافه كسائر الآیات(2)المصروفة عن ظاهرها بأقل من تلك الصوارف القاطعة.
ومنها قوله : وعد النبی صلی الله علیه و آله» جواب مسألة غداً، من غیر أنّ یقولّ : إن شاء الله ، فلم یرد علیه الوحی أربعین یوماً (3)
وفیه أنّ تخلف وعده لیس لجهله بحكم الأشیاء، فإنه مناف حتی لمذهب
ص: 111
الخصماء سیما خاتم الأنبیاء «صلی الله علیه و آله»، بل أمّا للتنزیه عن توهم نطقهبالهوی ، أو التنبیه علی أنّ لله البداء ، رداً علی من أحاله من الیهود والسفهاء(1).
ومنها قوله : سؤال النبی «صلی الله علیه و آله» جبرئیل لیلة المعراج(2): ماهذا ، وفطرس من هذا(3)؟
وفیه نقضاً بسؤال الله تعالی موسی «علیه السلام»: «وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى »(4)
وعیسی «علیه السلام»: «أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ »(5)
وإبراهیم «علیه السلام» لما سأله :« رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى» «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ» »(6)
ص: 112
والملائكة :« أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ»(1) وإبلیس: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ» (2)الی غیر ذلك مما هو مصروف عن ظاهر الإستفهام إلی الإعلام والإفهام، والملاطفة والإكرام، والتوبیخ والإیلام، أو التقریر والإلزام، أو التهدید بالانتقام، أو نحوها مما تقتضیها قرائن المقام.
قوله: ومنها وحی جبرئیل بقتل الحسین «علیه السلام»((3)فبكی.
وفیه ما تقدم من أنّ الوحی به وكذا البكاء لعله لأجل مذاكرة المعلوم لا إیجاد العلم كما فی بكائنا عند مذاكرة المعلوم من مصائبنا المكررة فی كل عام وفی كلّ شهر ، بل فی كلّ یوم وساعة.
قوله: ومنها قضیة الحسین «علیه السلام» مع الحرّ حیث نسی الطریق، وكذا تفحصه عن نعش علیّ الأكبر وبعض الشهداء.
وفیه : ما لا یخفی من المنع والعجب من إثبات ما هو من أصول الدین بتلك الحكایات الشاذة الضعیفة السند والدلالة ، بل المخالفة لأصول المذهب وضرورة الدین.
قوله: ومنها قول موسی «علیه السلام»:«رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي » (4)
وفیه ما روی من أنّه قال ذلك لما كرّروا سؤال الرؤیة، وأوحی الله : «یاموسی سلنی ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم»(5)
ویشهد علیه قوله «علیه السلام» لما أخذتهم الرجفة : «أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ
ص: 113
السُّفَهَاءُ مِنَّا »(1) الآیة.
فسؤاله الرؤیة من باب النقل والحكایة والمماشاة معهم مقدمة للإلزام، و توطئة للإفحام، حیث قالوا: « لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً »(2)كقول إبراهیم
للشمس والقمر : «وهذا ربی» (3)
وإلا فالجهل بإستحالة الرؤیة علی الله تعالی فضلاً عن إقتضاء طلبها إمكان المطلوب وزعم الجسمّیة من الكفر غیر لائق بغیر الأشاعرة(4)، فكیف بأولی العزم من الرسل ، مع منافاته لمدعی الخصم من ثبوت العلم الأرادی لهم «علیهم السلام»، إذ لو كان لبان فی مثل المكان الذی یوجب الجهل فیه الكفران والخروج عن ربقة الإیمان.
قوله: ومنها سؤال نوح علیه السلام» بقوله :«رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي »(5)جوابه تعالی : «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ » . الآیة .
وفیه : أن السؤال فی مثله لأجل إطمئنان القلب كسؤال إبراهیم «علیه السلام»«رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي»(6)
أو التسلی بالجواب، أو التلذذ بالخطاب، أو الإعلام الغیر بالصواب ، كما هو دیدن أولی الألباب، وإلا لاقتضی جهله بكون الكفر مخرجاً عن الأهلیة المعلومة من عموم دعائه علی الكافرین فیما قبل بقوله : « رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ
ص: 114
الْكَافِرِينَ دَيَّارًا » (1).
وتأكیده هذا العموم بعموم تعلیله بقوله : «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا »(2).
ومن عموم دعائه للمؤمنین بقوله :«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»(3).
قوله : ومنها حكایة آدم فی أكل الحنطة (4) لأنه لا یصح إلّا مع جهله بعاقبةأمره .
وفیه : أولاً : أن خطأ آدم «علیه السلام» فی أكله الحنطة كان فی الجنة قبل إستخلافه وإجتبائه بالخلافة فی الأرض، ولمّا أهبط إلی الأرض وجعل حجة وخلیفة عصم بقوله :«ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ»(5) وقوله :«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ »(6).
وهذا الجواب وإن كان مضمون ظاهر بعض الأجوبة المرویّة عن الرضا «علیه السلام»(7) إلاّ أنّه مخالف فی الجملة لما سلف من عموم عصمتهم لجمیع الأحوال ، ولعله علی تقدیر صحته من باب التقنیة فی الجملة والتنزل عن الكثرة بالقلّة.
ثانیاً : وهو العمدة، أن أكله الحنطة لیس من باب الجهل بالعاقبة بل من باب العلم و ترجیحه المصلحة الكلیة والحكمة النوعیة الباعثة علی خلقه للتّناسب
ص: 115
والتناسل والخلافة فی الأرض علی المنفعة الجزئیة والمصلحة الشخصیّة من الخلود فی الجنّة والتمتّع بنعیمها وحده، وأن ما ترتّب علی أكله الحنطة من بدو سواتهما والهبوط الی الأرض والخروج من الجنّة لیس علی وجه العقوبة والإهانة بل علی وجه المصلحة والحكمة الباعثة لخلقه للتّناسل والتناسب والخلافة فی الأرض لا الخلود فی الجنة ، كتعریة الأطفال عن لباس الجمال لمصلحة الإستحمام، ومنفعة الإحتجام لا لأجل الإیلام وقصد الانتقام، كما علیه إتفاق من عدا الأشاعرة من فرق الإسلام نصاً ورأیاً، حتی أنه شاع وذاع وتجاوز الأسماع وملئت الكتب والأصقاع من أجوبة (1) الرضا «علیه السلام» وسائر المعصومین عن شبهات المأمون وسائر المشتبهین فی تنزیه الأنبیاء وعصمتهم عن الجهل والخطأ علی وجه التأكید والتشدید ، والإبرام والاقحام.
وهكذا كان دیدن أصحابهم المتكلمین كهشام حتی نقل أهل الرجال فی یونس بن عبدالرحمن (2) الذی هو من آحاد أصحاب الكاظم والرضا «علیهما
ص: 116
السلام» أنّه كتب ألف كتاب فی رد المخالفین .
وهكذا كان دیدن أمثاله من الأصحاب والتابعین خلفاً عن سلف، وكتاب السید المرتضی فی تنزیه الأنبیاء معروف و مطبوع وهكذا رسالة المفید حتی صار من أصول المذهب وضروریّاته فی ذلك الزمان فضلاً عن هذا الزمان . ومع ذلك كیف غفل الفاضل المذكور عن جمیع ذلك وقلّد العامة العمیاء فی نسبة الجهل والخطأ إلی الأنبیاء والأوصیاء، تعالی الله وتعالوا عن ذلك علواًكبیراً.
وحاصل التأویل أنه تعالی لما خلق آدم وعلّمه الأسماء كلّها، أی ما كان وما یكون حكم الأشیاء وعللها وأسرارها ومصالحها التی منها خلقه الشخصیة والنوعیة، وأن مصلحة خلقه الشخصیة السكون فی الجنة والتنعم والتلذّذ بجمیع نعیمها ما عدا شجرة الدنیا ، ومصلحته النوعیة التی خلق لها ولأجلها عكس ذلك وهو الأكل من شجرة الدنیا المتكون منها نطفة التناكح والتناسل والموجب للخروج من الجنّة والهبوط الی الأرض، والإقتحام فی مشاقّها وزحماتها من تحصیل المعاش بالغرس والحرث، والتخاصم والتناسل، مقدمة لإیجاد الأنبیاء والأصیاء، وحصول الغرض والعلة التی لأجلها خُلِقَ وهی الخلافة فی الأرض فلمّا إختاره الله الخلافته الأبدیة ، وجعله مظهراً لصفاته الكمالیّة، وفوض إلیه الأختیار والمشیة فی ترجیح مصالحه الشخصیة والنوعیة، بعد أن أباحه الجنة وما فیها، بل ملّكه السموات والأرضین وما فیها وعلیها، وسوس إلیه الشیطان بنحو الخطرات القلبیّة
ص: 117
القهریّة المارة، التی لا تنفّك عنها النفوس البشریّة ، بل ولا الملكیة أیضاً، بترجیح ما كان راجحاً فی نفس الأمر من ترجیح المصلحة النوعیة التی فی الخروج من الجنّة علی المصلحة الشخصیّة التی فی الخلود بها، فأكل من شجرة الخروج مقدمةً للخروج، وإتكالاً علی عموم التفویض والإختیار إلیه علی وجه العجالة ، حیث إستعجله الشیطان ولم یمكنه من الاستئذان بإذن خاص أولوی أدبی إستحسانی علی ما هو الدأب والدیدن بین الموالی والعبید ، من عد تركه معصیته وخطیئته ، وإن كان فیه مصلحة ومعذرة.
وهذا معنی قولهم عصیانه علیه السلام من باب تركه الأولی، ومن باب أن حسنات الأبرار سیئات المقربین.
وتبین من ذلك أیضاً أنّ ما فی التفسیر من أنّه تناول من شجرة الحسد أو وقع فی نفسه أنه أفضل من خلق، تأویله بأنّ ما وقع فی نفسه إنما كان بنحو الخطرات القلبیّة القهریة المارّة علی القلب من غیر ثبات وإستقرار، وهذا المقدار لیس بنقص ، إذ هو أمر قهری لا تنفك منه النفوس البشریة ، بل ولا الملكیة، وبهذه الخطرات یؤل كل ما ینسب إلی النفوس المعصومة من المناقص القلبیّة من الحسد والظنّ والزعم والإعتقاد المخالف للواقع ، كما یؤل الموافق منها للواقع الی العلم والیقین.
وأما قوله تعالی : «وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ »(1) فلیس بنهی تحریمیّ، وإلاّ فما المحلل لها وما الناسخ لحرمتها بعد ذلك ، بل هو نهی إرشادی نظیر نهی الطبیب الحبیب عن شرب العسل مع كونه أطیب ما أحل ، إرشاداً الی أن أكله یوجب الفصد والحجامة مصلحةً لا عقوبةً ، كما یشعر به سیاق قوله تعالی : «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ
ص: 118
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا »(1) حیث أن الأمر والأكل للرخصة لا الوجوب.
وأما قوله تعالی : «فتكونا من الظالمین» (2) فتأویله فتكونا من جنس الظالمین، لا فرد الظالمین ، یعنی فتكونا من الظالمین بتوسط أبوتكما الظالمین وخروج الظالمین من صلبكما ونسلكما لا صیرورتكما من أفراد الظالمین حقیقة.
وأما قوله : «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ»(3) فتأویله أن الشیطان من شدة عداوته وحسده له وطمعه فی ذریته أزاله راحة الجنّة وروحها ، ونعمها ونعیمها، وألقاهما فی تعب الدنیا ومشاقها ، لكن لا بتوسط إغرائه بما جهله وخفی علیه عاقبته بل بمذاكرة ما یعلم من ترجیح مصالحه النوعیّة علی راحته الشخصیّة ، وإستعجاله من غیر إستئذان خاص.
وأما قوله تعالی :«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ » (4) فالتوبة بمعنی الرجوع إذا نسبت الی الله تعالی تعدّت بعلی ، وإذا نسبت إلی العبد تعدت بإلی ، ولكن تأویله لیس الرجوع من آدم عن ذنبه ومن الله بالعفو عن ذنبه ، بل هو من آدم بمعنی الرجوع الی طلب الإستعفاء عن ذنوب من فی صلبه من أصناف للإستشفاع.
أو بمعنی الرجوع الی طلب الإستعفاء عن تركه إستئذان خاص فی أكل ما أذن له عموما من أكل الحنطة والخروج من الجنة المعدود خطیئة من مثله.
أو بمعنی الندامة والرجوع الی طلب الراحة التی كانت فی الجنة وطلب تخفیف مشاق الدنیا وتسهیل عقوباتها المتراكمة وآلامها المتكاثرة.
وأما التوبة من الله تعالی علی آدم فبمعنی الرجوع إلیه بإجابة ماطلب ، وقبول ما اعتذر ، و تسهیل ما إستصعب ، بتوسط ما تلقّی من الكلمات.
ص: 119
وأما ما نقل فی تفسیر تلك الآیات المتشابهة والروایات المتشابهة والتأویل فیها التأویل والمعنی المعنی والسرّ السرّ والحكمة الحكمة والصارف الصارف ، كما ورد فی الروایات أن الروایات كالآیات، فیها محكم و متشابه ، وناسخ و منسوخ، وعام وخاص(1)، هذا علی تقدیر إعتبار صدور تلك الروایات المتشابهة وجهة صدورها وإلاّ فتأویلها الی الطرح لمعارضتها المحكمات، أو الحمل، أو التقنیة الموافقتها العامة ، كما هو الأصل الأصیل ، وعلی ما ذكرنا من تنزیه الأنبیاء إتفاق من عدا الأشاعرة من فرق الإسلام نصا ورأیة ، حتی إنه شاع وذاع وتجاوز الأسماع وملئت الكتب والأصقاع من أجوبة الرضا وسائر المشتبهین فی تنزیه الأنبیاء وعصمتهم عن الجهل والخطأ علی وجه التأكید والتشدید ، والابرام والإفحام، وهكذا كان دیدن أصحابهم.
ومنها: قوله أنّه فی الموضوعات من الطهارة والنجاسة والفراش والتزكیة وأمر السوق وغیرها بالبیع والشراء لو كان فعلیّاً یلزم سد باب معاشهم ومعاشرتهم مع الناس ، إلی آخره.
والجواب : أنّ عملهم بالإمارات الظاهریّة مع الناس فی الظاهر لا یستلزم عدم علمهم بالواقع، ولا عدم حجیة علمهم به ، كما توهّمه أیضاً فی آخر كلامه الآتی.
اما أولاً: فالاحتمال أنهم كانوا یجمعون بین العمل بالظاهر فی الظاهر وبین العمل بالعلم والواقع فی الباطن جمعة بین الحسنیین حسن العشرة مع الناس فی الظاهر، وحسن الواقع فی الواقع ، كما یشهد علی ذلك الجمع الإجماع علی عدم إتفاق خطأ ولا سهو ولا إنكشاف خلاف لهم من العمل بالظواهر فی جمیع أیِّام
ص: 120
معاشرتهم مع الناس القریبة من ثلاث مائة سنة ، مع إنّ العمل فی معاشرة الناس بصرف الظواهر من غیر مراعاة الواقع یستلزم إتفاق ذلك السهو والخطأ، وانكشاف الخلاف عادة فی مدة یسیرة فضلا عن المدة الطویلة، وذلك لضرورة كون الظواهر غیر دائمة المطابقة للواقع.
فلابدّ بعد فرض الملازمة المذكورة إما من منع بطلان اللازم، وهو إتفاق الخطأ للإمام كما توهمه الخصم ولا مجال لمنع بطلانه بعدما عرفت من قیام الأدلة القاطعة الأربع علی بطلانه ، ومنافاته رتبة الإمامة ، وأصول المذهب، وضرورة الدین، وإما من منع الملازمة وهی من الأمور التی تقتضیها العادة ، فلا مجال أیضاً المنع إتفاقها فی الإمام إلا بإلتزام تسدید بالمحافظة القهریة الخارقة لتلك العادة القاضیة لتلك المخالفة، ولا دلیل لنا علیه إلا فیمن عصمته قهریة كالنفوس الملكیة لا إختیاریة كالنفوس البشریة.
واما من منع اللزوم وعمل الإمام بصرف الظواهر من غیر مراعاة الواقع.
وأما ثانیاً : فالاحتمال أن یكون عدم عملهم بالواقع فی الباطن علی تقدیر تسلیمه من جهة عدم علمهم به لا من جهة عدم حجیته كما توهمهما الخصم، بل لعله من جهة ضرورة أو تقیة أو مصلحة، أو إكراه أو نحوها من الموانع العادیة المانعة لهم من العمل بكثیر من الوقائع بل الظواهر أیضاً ، بل الملزمة لعلمهم بخلاف الواقع أیضاً مع وجود المقتضی من العلم بالواقع وحجیّته قطعاً.
قوله: ولم یكن تكلیفهم بالعلم الفعلی فی الموضوعات بل كان بعضها قبیحاً كالعلم بفروج النساء حال جماع الرجال.
وفیه اشتباه العلم بالقبیح بتعلم القبیح وإستعلامه وفعله والتجسسّ عنه ، فإنها القبیح دون مجرد علمه ، وإلاّ لكان العلم بالقبیح من علّام الغیوب بل وخلقه القبیح كالكلب والخنزیر أیضاً قبیحاً.
ص: 121
والی هنا تم الجواب عما أوقع الخصم فی شبهة سهو الإمام من الأمورالمشتبهة والمتشابهة.
بقی الكلام فی أشباهها وأنظارها المتكاثرة من الآیات والروایات المشتبهة والمتشابهة ، التی لا تقصر عن نصوص سهو الإمام فی الكثرة وإیهام الشبهة، مع أنه لم یشتبه بشیء منها أحد من أصحابنا الإمامیة حتی الخصم، بل إتفقوا جمیعهم فیها علی التأویل والردّ، أو الحمل علی التقیّة ، فبقرب غلبة تلك الأشباه والأنظار إلحاق نصوص سهو النبی بها إلحاقا للمشكوك بالأعم الأغلب.
منها: ما ذكره الصدوق فی باب ما یصلی فیه من الفقیه عن الصادق «علیه السلام» فی قوله تعالی : «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى »(1)قال : كانتا من جلد حمار میّت (2).
وقد روی هو فی «إكمال الدین»، والطبرسی فی «الاحتجاج» وغیرهما عن سعید بن عبدالله عن صاحب الزمان عج الله تعالی فرجه الشریف ما هو صریح فی إنكار هذه الروایة ، وأن موسی علیه السلام» أجل قدراً من أن یجهل ذلك، أو یخفی علیه مثله و بالغ «علیه السلام» فی ردها و إبطالها وقال : من قال ذلك فقد إفتری علی موسی وإستجهله فی نبوّته.
ثم ذكر آن معنی«فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» أی إخلع من قلبك حبّ أهلك(3).
ص: 122
فكما إن الروایة الأولی وردت عنهم علی وجه التقیّة موافقة للعامة، رعایة للمصلحة ودفعاً للمفسدة ، فكذلك روایة سهو النبی «صلی الله علیه و آله» علی تقدیر صحتها وردت علی هذا الوجه.
ومنها: ما رواه الشیخ فی «الاستبصار»(1) فی باب وجوب المسح علی الرجلین بإسناده عن علی «علیه السلام» قال : جلست أتوضّأ فقال رسول الله«صلی الله علیه و آله»: تمضمض واستنشق واستن (2).
ثم غسلت وجهی ثلاثة فقال :(3) یا علی قد یجزیك المرتان.
قال : فغلست ذراعی ومسحت برأسی مرتین فقال : قد یجزیك من ذلك المرة.
وغسلت قدمی فقال : یا علی خللّ بین الأصابع لا تخللّ بالنار.
قال الشیخ : هذا خبر موافق للعامّة وقد ورد مورد التقیة ، لأن المعلوم الذی لا یخالجه الشكّ من مذهب أئمتنا «علیه السلام» القول بالمسح علی الرجلین، وذلك أشهر من أن یدخل فیه شك أو إرتیاب (4) ، إنتهی .
فهذه الروایة أیضاً من أشباه روایة سهو النبی «صلی الله علیه و آله»وأنظارها.
ومنها: ما رواه الشیخ أیضاً فی «الإستبصار» فی باب من أصبح جنباً فی شهر رمضان بعد ذكر أحادیث كثیرة فی عدم الجواز بإسناده إلی الرضا «علیه السلام» قال : كان رسول الله «صلی الله علیه و آله» یصلی صلاة اللیل فی شهر
ص: 123
رمضان ثم یجنب ثم یؤخر الغسل متعمداً حتی یطلع الفجر(1).
قال الشیخ بعد ذكر خبر آخر مثله :(2)الوجه فی هذین الخبرین أن تحملهما علی ضرب من التقیّة علی ما بیّناه لأنه روایة عامّة عن النبی «صلی الله علیه و آله» مع إحتمال تأخیره الغسل عمداً ، لعذر من برد أو غیره، أو حمل الفجر علی الفجر الأول(3).
ومنها: ما رواه الصدوق فی «الفقیه» والشیخ فی«الإستبصار» فی باب كثر أیام النفاس بإسناده عن الحسین بن سعید، عن فضالة ، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن الصادق علیه السلام» عن النفساء كم تفعل قال : إن أسماء بنت عمیس أمرها رسول الله «صلی الله علیه و آله» أن تغتسل لثمان عشر، ولابأس بأن تستظهر بیوم أو یومین(4).
ثم جمع الشیخ بینها وبین ما عارضها بوجوه، منها الحمل علی ضرب من التقیة لموافقتها العامة (5)، فإذا جاز حمل الحدیث الصحیح عن الثقات الاثبات عن مثل محمد بن مسلم الذی أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنه علی التقیة مع
ص: 124
جوازها علی الرسول ، بل وفتوی الصدوق بها فی «الفقیه» فأحادیث السهو أولی ثم أولی بالحمل علی التقنیة لمعارضتها الأدلة القاطعة العقلیة والنقلیة.
قال الصدوق فی هذا الباب من «الفقیه»: والأخبار التی وردت فی قعودهاأربعین یوماً وما زاد إلی أن تظهر معلولة كلّها وردت للتقیّة لا یفتی بها إلاً أهل الخلاف (1).
أقول: فكیف غفل عن حمل ما هو مثلها علی التقیة من أخبار ثمانیة عشروما هو أشبه بها منها جدا من أخبار سهو النبی« صلی الله علیه وآله ».
ومنها: ما رواه الشیخ أیضا فی «الاستبصار» فی تحلیل باب المتعة بعد الأخبار الكثیرة فی الإباحة بإسناده إلی رسول الله إنه حرّم لحوم الحمر الأهلیةونكاح المتعة.
ثم قال : الوجه فی هذه الروایة حملها علی التقنیة لموافتها العامة، وموافقةالأولی الظاهر الكتاب وإجماع الطائفة المحقة (2).
ومنها: ما رواه الشیخ الحرّ عن الصدوق فی «عیون الأخبار» فیما دل علی مدح زید فی باب مفرد عن الرضا علیه السلام» عن آبائه عن علی «علیه السلام» قال : یخرج من ولدی رجل یقال له: زید ، یقتل بالكوفة . یصلب بالكناسة ، یخرج من قبره حین نبش یفتح لها أبواب السماء ویبتهج به أهل السموات، تجعل روحه فی حوصلة طیر أخضر لیسرح فی الجنة حیث یشاء.
ثم قال : هذا محمول علی التقیّة فی الروایة كما جوزناه فی أخبار سهو النبی«صلی الله علیه و آله»، جمعاً بینه وبین ما رواه الكلینی عن الصادق علیه السلام»،قلت له : جعلت فداك یروون أرواح المؤمنین فی حواصل طیور خضر حول
ص: 125
العرش.
فقال : لا ، المؤمن اكرم علی الله من أن یجعل روحه فی حوصلة طیر أخضرلكن فی أبدان كأبدانهم.
ومنها: ما رواه الطریحی فی «المجمع» فی لغة قدم، عن صحیح البخاری عن أبی هریرة أن رسول الله قال : أختتن إبراهیم بعد ثلاثین سنة بالقدوم(1).
وقد روی فی «المحاسن» و «العلل» عن الصادق «علیه السلام» تكذیبهم لإبراهیم «علیه السلام»، وأنّه لیس كما یقولون، الحدیث.
ومنها: ما رواه الشیخ وغیره من موجبیة المذی والودی الوضوء(2)، ومن جواز الوضوء بولوغ الكلب وسؤر الیهودی وسائر أهل الكتاب(3)، مع الإتفاق حتی من الشیخ علی حملها علی التقّیة لموافقتها العامة.
ومنها: ما رواه الصدوق والكلینی والشیخ(4) بأسانیدهم المختلفة والموثقة من جواز غناء المغنیة وكسبها وأجرتها فی الأعراس، وإفتاء المشهور بها ، ومع ذلك منعه المفید والقاضی والحلی و «التذكرة» و«الإیضاح» وغیرهم تحكیماً لعمومات المنع المتواترة(5)، وإحتمال التقنیة وغیرها فی النصوص المجوزة.
ومنها: ما رواه فی «الریاض» و «كشف اللثام» عن «مجمع البیان» من جواز
ص: 126
التغنی بالقرآن، وأن من لم یتغن فلیس منا(1) وأفتی بمضمونها «الكفایة» تبعاً للإردبیلی، ومع ذلك حملها المشهور لمعارضتها عمومات المنع وخصوصاته علی التقنیة كما فی «الریاض» أو علی الاستغناء بالقرآن لا التغنی به كما فی «كشف اللثام». .
ومنها: ما رواه بعض الفقهاء وأفتوا بمضمونه أیضاً كالخلاف(2) و «المبسوط»
و «الشرایع» و «القواعد» و «الریاض» من جواز الدف فی الأعراس لقوله فی النبوی العامی: أعلنوا بالنكاح وأضربوا بالغربال یعنی الدف.
وقوله «صلی الله علیه وآله»: فصل ما بین الحلال والحرام الضرب بالدف عند النّكاح (3).
ومع ذلك منعه جماعة كالتذكرة وكشف اللثام والحلی تحكیماً لعموم النصوص الناهیة علی العامتین و عدم صلوحهما التخصیص فی البین.
ومنها: ما فی «الصافی» من روایات خلق حواء من تزویج آدم أولاده ببناته الأخوة بالأخوات (4)، وقد كذبتها النصوص الأخر باشد إنكاره،(5) وإستقرّ علیها المذهب حملا للنصوص علی التقنیة لموافقتها العامة(6)، إلی غیر ذلك من النصوص المتعارضة، التی قلّما بخلو منها باب أوّل أبواب الطهارة الی الدیات، ومع ذلك تری استقرار دیدنهم نصاً وفتوی من زمن الصحابة الی الجمع بینها بحمل الموافق منها
ص: 127
للعامة علی التقیّة فی الفتوی ، والروایة ، أو المشابهة بهم فی الاختلاف، أو علی غیرها من التأویلات.
ومنها: ما رواه الشیخ الجلیل الثقة علی بن إبراهیم القمیّ(1) فی تفسیره عن الأئمة من قضیّة هاروت وماروت علی النحو المروی عن العامة من أنهما ملكان إختارهما الملائكة لما كثر عصیان بنی آدم، وأنهما إفتتنا بالزّهرة، وأرادا الزّنا بها ، وشرب الخمر، وقتلا النفس المحترمة، وأن الله تعالی یعذبهما ببابل، وأنّ السحرة منهما یتعلمون السحر، وأن الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذی هو الزّهرة.
وقد روی الصدق فی «عیون الأخبار»(2)عن العسكری إنكارها أشد الإنكار، وأنها مأخوذة من تواریخ الیهود، وأن ملائكة الله ، معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالی ، «لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ » (3) و«لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ »(4).
ولو كان كما یقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء علی الأرض، وكانوا كالأنبیاء أو كالأئمة ، فیكون من الأنبیاء والأئمة قتل النفس والزّنا، أولست تعلم أنّ الله لم یخل الأرض قط من نبیّ أو إمام من البشر ؟! أولیس یقول: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ »(5) فأخبر أنه لم یبعث الله الملائكة الی الأرض لیكونوا أئمة وحكامة ، وإنما أرسلوا إلی الأنبیاء.
ص: 128
إلی أن قال: إن معنی قوله : «و وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ » أنه لما كثر السحرة والمموّهون بعد نوح علیه السلام» بعث الله الملكین الی نبی ذلك الزمان یذكر ما یسحر به السّحرة وأمرهم أن یقفوا به علی السّحر وأن یبطلوه، ونهاهم أن یسحروا به الناس، وهذا كما یدل علی السم ما هو ثم قال تعالی :«وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ».
یعنی أنّ ذلك النبی أمر الملكین أن یظهر للناس بصورة بشرین ویعلماهم ماعلمهما الله من ذلك الحدیث.
ومنها: ما تضمّنته الأحادیث المرویة والأدعیة المأثورة عن الأئمة فی «الصحیفة الكاملة» وغیرها من الروایات والأدعیة والمناجاة من الإقرار بالذنوب والعیوب، وإظهار الندم والاستغفار والاعتراف بإستحقاق العذاب والنار(1).
مع أنهم أجمعوا بواسطة معارضتها القویة علی تأویلها بالحمل علی المجاز بتسمیة ترك المندوب أو صرف نفس واحد فی غیر عبادة من أكل أو شرب أو جماع ذنبأ ، ومعصیة ، قیاسا علی فعل العبد ذلك فی حضور سیده من باب «حسنات الأبرار سیئات عند المقربین».
أو علی المبالغة فی التواضع لله وهضم النفس ، أو علی تعلیم الناس ، أو علی التقیة، أو علی إرادة الشفاعة عن ذنوب الأمة والشیعة وجعل ذنوبهم بمنزلة ذنب الشافع، أو علی جعل الأقرار معلقاً بفرض عدم المعصیة ، أی لو لم تعصمنا لعصینا .
والعجب ممن یصرف جمیع ذلك عن ظاهرها مع عدم تعلّقه ومدخلیّنه فی التبلیغ ، ثم یتوقف من صرف حدیث ذی الشمالین علی ظاهره !!
ومنها: ما تضمنته الآیات من قوله تعالی : حكایة عن فتی موسی ووصیة
ص: 129
یوشع بن نون «وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ»(1) مع عدم تمكن الصدوق من حمله علی ظاهره لأن سهو المعصوم عنده لا یكون من الشیطان فلا بد له من تأویله النسیان هنا بالترك عمداًللإشتغال بمجاهدة الشیطان ، فلیحمل خبر سهو النبی«صلی الله علیه و آله» علی الترك العمدی أیضاً.
إلی غیر ذلك من آیات نسبة المعصیة والضلال بل الكفر الی الأنبیاء كقوله
تعالی : « وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى »(2) وقول إبراهیم (هذا ربی) (3) مشیراً الی الزهرة تارة والی القمر أخری والی الشمس ثالثة، وقوله « علیه السلام» فی حق
خاتم الأنبیاء «صلی الله علیه و آله»: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ »(4) «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى »(5) إلی غیر ذلك مما تضمنه كتاب «تنزیه الأنبیاء» للسید المرتضی وغیره.
وقد أولوا جمیعها لمعارضتها الأدلة العقلیّة والنقلیة بالحمل علی المجاز والأضمار ونحوهما، كحمل المعصیة من آدم علی ترك الأولی ، والنهی علی التنزیه لا التحریم، وقول إبراهیم علیه السلام» علی الإستفهام الإنكاری ، أو علی إعتقاد قومه فیه ، وذنب الرسول علی مخالفة الأولی ، أو علی ذنب أمته ، أو بعضهم، أو ذنبه عند قومه، والضلال علی الضلال بین طریق مكة والمدینة وقت الهجرة لا الضلال فی الدین، أو حمل الضلال علی الحب فإنه أحد معانیه اللغویة.
ومن المعلوم أن الصارف الموجب لتأویل جمیع هذه الأمثال والنظائر والأشباه لا یزید فی القوة علی الصارف الموجب لتأویل سهو النبی «صلی الله علیه
ص: 130
و آله» أو رده، أو حمله علی التقنیة « أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ »(1) وقد صرح المفید وغیره فیما نقلناه عنه سابقاً من أن روایة ذی الشمالین لیست إلا كالروایة من الطرفین معاً سهو النبی «صلی الله علیه وآله» فی صلاة الفجر وقراءته فی الأولی سورة النجم حتی انتهی إلی قوله : «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى »فألقی الشیطان علی لسانه تلك الغرانیق العلی وشفاعتهم لترتجی، الحدیث.
بل ولا أشهر من روایة الفریقین فی تفسیر «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ »(2)انّه ظنّ عجز الله الظفر به وعلی التضییق علیه.
وفی داود «علیه السلام» أنه عشق إمرأة أوریا بن ضنان فإحتال فی قتله ثم نقلها إلیه(3).
وفی یوسف همه بالزنا وعزمه علیه(4)، وفی آدم فسقه(5) ، وفی الملكین هاروت وماروت فسقهما(6)، وفی الله تعالی تشبیهه بخلقه (7) و التجویر له فی حكمه إلی غیر ذلك.
فإن قلت : إذا استحال الجهل فی حال من أحوال المعصومین بالأدلة القاطعة وضرورة الدین فما الوجه والسر فی توصیفه تعالی إیاّهم بین الناس وعلی رؤوس الأشهاد بتلك المشابهات الموهمة لخطأهم وجهلهم ونقصهم، والأزراء علیهم فی
ص: 131
قوله : « وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى »«وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ »(1) وقوله : «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ »(2) «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى »(3)، إلی غیر ذلك من الآیات الموهمة للإزراء علیهم بالجهل والنقص والخطأ، والتهدید والوعید والعقوبة والإهانة علیها ؟
قلت : أما إجمالا فالوجه والسّر فی متشابهات تخطئة الله تعالی خلفاءه المعصومین هو الوجه والسر فی الابتلاء والامتحان بإیجاد النفس الأمارة وإنظار إبلیس وتسلیطه وإجرائه فی بنی آدم مجری الدم فی العروق(4)، وسائر متشابهات توصیف ذاته المقدسة بالشبهات الجبریّة والمشبّهة والمجسّمة، وإلقاء الخلاف بین الناس فی الأحكام، وإخفاء الإسم الأعظم ولیلة القدر ، وسائر أنبیاء السلف .
وأما التفصيل فهو أنّ للمتشابهات أحد المصالح الخفية والحكم المكمونة على سبيل منع الخلق .
فمن جملة مصالحها في مقابل المحكمات هو تعظيم معرفة الحق إخفاؤه عن غیر أهله ، و ، وترغيب الناس وتحريضهم على تحصيله بالمجاهدة والجد والاجتهاد، ليبلغوا به أقصى مراتب الفهم والفضل والكمال، والفوز والقرب الى ساحة ذي الجلال، نظير ما في نصب الحجاب من تعظيم السلطان، وما في وضع الكلاب لتبعيد العدوان، وما في إخفاء الذهب تحت الخزف والحطب، كما هو أحد الحكم
ص: 132
المحتملة في إلقاء الخلاف بين الأخبار والمتعينة في إخفاء الإسم الأعظم، وليلة القدر، وإمام العصر ، وسائر الأنبياء السلف، فإنّ لكل منهم غيبة وخفاء تقتضيها المصالح ، المفصلة في كتاب «إكمال الدين» كإستعباد العباد بالإيمان بالغيب ليتضاعف أجرهم على أجر الإيمان بالمشاهدة بأضعاف مضاعفة، كما إستعبد الملائكة بقوله : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بإضمار الإطاعة له قبل خلقه بسبعمائة سنة على ما في خبر إكمال الدين»(1) .
ومن جملة مصالحها المكمونة أيضاً هو حصول الإمهال والإنظار لذوي الشبهة التاركة للمحكمات، والتابعة للمتشابهات، فإنه لولا صدور المتشابهات في مقابل المحكمات لما حصل لتبعة الباطل والشبهات إمهال وإنظار في هذه الدار ، بل عجل لهم في الدنيا عذاب النار من غير إمهال وإنظار ، بل وربما هلك المحقون معهم بعموم الآفة النازلة ، كما هلك أكثر الأمم السالفة بسبب بطلان مبطليهم.
كما يشهد على وجود مصلحة الإمهال في بعض المتشابهات قوله تعالى في جواب قولهم : (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ)(2)أي بالحكمة والمصلحة (وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ) .
القمي : لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا(3).
وما في «الإحتجاج» عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مجيباً عن بعض الزنادقة . وأما قوله تعالى لنبيه : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وأنت ترى أهل الملل المخالفة للإيمان ومن يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم الى هذه الغاية ، وإنه لو كان رحمة عليهم لإهتدوا جميعاً ونجوا من عذاب السعير بأنه
ص: 133
تبارك وتعالى إنما عنى بذلك أنه جعل (1) سبيلاً لإنظار أهل هذه الدار، لأن الأنبياء قبله إنما بعثوا بالتصريح لا بالتعريض ، وكان النبي «صلى الله عليه وآله» منهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة، وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي(2) كانت بينهم يتوعدهم بها ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة أو غير ذلك م_ن أصناف العذاب التي هلكت بها الأمم الخالية.
وإنّ الله علم من نبينا ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق م_ن تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله ، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح، وأثبت حجة الله تعريضاً لا تصريحاً بقوله في وصية من كنت مولاه فهذا علي مولاه(3)، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا إنه لا نبي بعدي(4).
ليس من خُلُق النبي ولا شيمته (5) أن يقول قولاً لا معنى له، فلزم الأمة أن يعلم أنه لما كانت النبوة والأخوة موجودتين في حلقة هارون ومعدومتين فيمن جعله النبي بمنزلة أنه إستخلفه على أمته كما إستخلف موسى هارون حيث قال: (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) ، ولو قال لهم : لا تقلدوا الإمامة إلّا بعينه وإلا لزم بكم العذاب :
ص: 134
لأتاهم العذاب، وزال باب الإنظار والإمهال(1).
وعن العلل عن الباقر : أما لو قام قائمنا رُدّت إليه الحميراء حتى يجلدها الحدّ ، وحتى ينتقم لإبنة محمد «صلى الله عليه وآله» فاطمة «عليها السلام» منها.
قيل : ولم يجلدها.
قال : لفريتها على أم إبراهيم .
قيل : وكيف أخره الله للقائم؟
قال : لأن الله تعالى بعث محمداً «صلى الله عليه وآله» رحمة وبعث القائم نقمة (2).
ومن جملة مصالحها المكمونة في متشابهات تخطئة الأنبياء بالخصوص هو رفع ما يتوهمه القاصرون والجاهلون فيهم من الغلو والربوبيّة والحلول والمشاركة فيها بموهمات تخصيصهم بالمزايا الباهرة، والكرامات الظاهرة، والمعاجز الخارقة، من إحياء الأموات، وإشفاء المرضى، والعلم بالغيوب، والتطهير ع__ن العيوب، وتوريثهم مشارق الأرض ومغاربها وخلافتها ، ورئاستها ، ونحو ذلك مما أوهم النصارى كون المسيح ابن الله واليهود كون العزير إبن الله ، والغلاة كون علي «عليه السلام» هو الله، فإبتلاهم الله بعد تلك الكرامات بما يوهم از رائهم بالمتشابهات، كما إبتلاهم بسائر أنواع المصائب والبليات لدفع مفسدة تلك التوهمات.
كما أجاب الأمير عليه السلام بتلك المصلحة عن سؤال بعض الزنادقة عن وجه اشتمال القرآن على جملة من فضائح الأنبياء والإزراء عليهم بين الخلائق بقوله : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) ونحوه.
وكما أجاب بمثله على ما في باب التوقيعات من «إكمال الدين» حسين بن
ص: 135
روح عمّن سأله أخبرني عن الحسين بن علي «عليه السلام» أهو ولي الله ؟
قال : نعم .
قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله _ أهو عدو الله ؟
قال : نعم .
قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله تعالى عدوه على وليه ؟!
فقال إبن روح : إفهم عني ما أقول لك :
إعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالكلام، ولكنّه جلّ جلاله يبعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم، بشراً مثلهم ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق قالوا لهم أنتم بشر مثلنا لا تقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه .
فجعل الله عزّ وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها :
فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والأعذار فغرق جميع من طغى وتمرد.
ومنهم من القي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً .
ومنهم من أخرج من الحجر الصلد(1) ناقة وأجرى من ضلعها اللبن(2).
ومنهم من فلق له البحر وفجّر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون.
ومنهم من أبرأ الأكمه (3) والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله وأنبأه_م ب_ما
ص: 136
يأكلون ويدّخرون في بيوتهم.
ومنهم من شق له القمر وكلّمه البهائم مثل البعير والذئب، وغير ذلك.
فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من المهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله تعالى ولطفه وحكمته أن جعل الأنبياء مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين، ولو جعلهم الله تعالى في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لا تخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى، عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختيار، ولكنّه تعالى جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وحال العافية والظهور على الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم ، فيعبدوه ويطيعوا رسله، وتك__ون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وإدعى الربوبية لهم، أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل، ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة .
قال محدث هذا الحديث محمد بن إبراهيم بن إسحق : فعدت الى إبن روح من
الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكره ما ذكر لنا يوم امس من عند نفسه !
فقال لي: يا محمد ، لان أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوى بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى برأي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجة(1).
ثم إن هذا كله في تشخيص موضوع الشبهتين وعلاج رفعهما عن البين .
ص: 137
وأما الكلام فی حكمها التكلیفی وهو وجوب تحصیل الاعتقاد التفصیلی فیها وعدمه ، والوضعی وهو مدخلیة ذلك الإعتقاد علی تقدیر وجوبه فی تحقق الإیمان والعدالة وعدمه.
وتفصیله أن یقال أن معرفة علم الإمام من حیث الكمیة والكیفیة وإن لم تكن كسائر العقائد الضروریة فی عدم معذوریة المخطیء فیها وخروجه عن الإیمان ومذهب الإسلام الموجب للخلود فی النار ، إما لعدم الضرورة فیها أصلاً، وإما لأن الضرورة فیها علی تقدیره كما هو الأصح ضرورة خاصة بالخواص من أهل العلم لا ضرورة عامة یعلم بها حتی النسوان والصّبیان، حتی لا یعذر فیه المخطیء والمخالف كما توهّم كل من المختلفین فی المسألة كفر خصمه أو خروجه عن المذهب والأیمان الموجب للخلود فی النار، ولا كتفاصیل البرزخ والمعاد من كیفیّات الحساب والصّراط والمیزان والجنّة والنّار من العقائد الواجب الاعتقاد بها باطناً، والتدین به ظاهراً، بالوجوب المشروط بحصول المعرفة بها قهراً، حتی لا یجب تحصیلها مقدمة، ویعذر فیها الجاهل والمعتقد بها إجمالا علی ما هی علیها من التفصیل واقعاً ، كما هو شأن سائر الواجبات المشروطة كما زعمه بعض الأصحاب إذ كما أن فرضها من قبیل العقائد الضروریة فی عدم معذوریة المخطیء والجاهل فیها إفراط كذلك فرضها من قبیل الواجبات المشروطة فی عدم وجوب تحصیلها تفریط كما قال النبی «صلی الله علیه و آله»: یا علی، الناس فیك بین غالی وقالی ، وخیر الأمور أوسطها.
وهو كون معرفة علم الإمام من حیث الكمیة والكیفیة المختلف فیه كمعرفة شخص الإمام بالنسب المعروف المختص به، ووصفه بالإمامة والعصمة ، بل هی
ص: 138
منها، بل كمعرفة الله وسائر الواجبات المطلقة من أصول العقائد فی قیام الأدلة الأربع علی وجوب تحصیل الإعتقاد التفصیلی بها باطناً والتدین بها ظاهراً بالوجوب المطلق لا المشروط بحصول المعرفة قهراً، فیجب تحصیلها مقدمة ، وعلی مدخلیته فی العدالة، بل الإیمان، وجوداً وعدماً علی وجه لا یعذر فیه الجاهل التارك لتحصیل المعرفة بها مقدمة، ولا المعتقد بها إجمالاً، وإن عذر المحصل المخطیء فیها : قصوراً والجاهل المستضعف كالنساء والبنین عفواً.
أما من الكتاب فیكفی الدلیل علی ذلك إطلاق قوله تعالی:«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ »(1)نظراً إلی أنّ من مقدمات العبادة بل من أعظم أفرادها معرفة المعبود ومعرفة خلفائه الكرام، أو إلی ما ورد فی تفسیر«يَعْبُدُونِ »«یعرفون»(2)، وأیضاً إطلاق وجوب التفقه فی الدین الشامل لمطلق المعارف بقرینة ما ورد من أن معرفة الإمام من تمام الدین وكماله (3) أو بقرینة إستشهاد الإمام بهاالوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق (4).
وأیضاً عموم قوله تعالی :« لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» (5)نظرة إلی عموم الجمع المحلّی باللام النعمة الإمام التی هی من أعظم النعم، ونظراً إلی ما ورد فی تفسیره بنعمة الإمامة(6).
ص: 139
وأیضاً عموم قوله تعالی : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ »(1) نظرة إلی أنّ تكلیف الإمامة من جملة الأمانات المكلّف بها الإنسان، بل من أعظمها، أو إلی ما ورد فی تفسیرها بخصوص الإمامة (2).
وأما من السنة فیكفی الدلیل علیه إطلاق النبوی المشهور بین الفریقین العامة والخاصة من قوله «صلی الله علیه و آله» : من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیّة(3).
ضرورة أن المراد من معرفته لیس معرفة شكله وشمائله بالرؤیة ، بل معرفة شخصه بالنسب المعروف المختصّ به، ووصفه بالإمامة والعصمة، التی من لوازمها عموم علمه وفعلیته.
وأیضاً إطلاق المأثور فی «الجامعة» وغیرها: من عرفكم فقد عرف الله ومن جهلكم فقد جهل الله.
وأیضا إطلاق المأثور فی ضمن حدیث الطارق : من عرفهم وأخذ عنهم و منهم، فإلیه الإشارة بقوله «صلی الله علیه و آله» : من تبعنی فإنه منی.
وأیضاً عموم قوله : ما أعرف شیئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات
ص: 140
الخمس ، بناء علی أن الأفضلیة من الواجب المطلق خصوصاً من مثل الصلاة یستلزم الوجوب المطلق.
إلی غیر ذلك من عموم جمیع الآیات والأخبار الدالة علی وجوب الإیمان والتفقه والمعرفة والتصدیق والاقرار والتدین والشهادة، وعدم الرخصة والمعذوریة فی الشك والجهل بمعرفة الله ومعرفة خلفائه ومراتب سفرائه مع تیسّر العلم بها الأحد من المكلفین إلا المستضعفین كالنساء والبنین.
وأما إحتمال إنصراف معرفة الإمام فی تلك الاطلاقات الی معرفته الإجمالیة بأظهر خواصّه وخصائصه وهی الریاسة العامة الإلهیة دون معرفته التفصیلیة بجمیع خصائصه الكمالیة كإحتمال كون المراد وجوب الاعتقاد والتدین مشروطاً بحصول المعرفة قهراً لا مطلقاً لیجب تحصیلها مقدمة فخلاف الأصل والظاهر ، بل قد یقال أنّ الاشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله ومعرفة خلفائه أهمّ من الاشتغال بعلم المسائل العملیة ، بل هو المتعیّن لأن العمل یصحّ عن تقلید ، فلا یكون الإشتغال بعلمه إلاّ كفائیاً بخلاف المعرفة.
وأما من الإجماع فهو الظاهر من إطلاق ما استدل به العلامة والفاضل المقدادفی الباب الحادی عشر من إجماع العلماء كافة علی وجوب تحصیل المعارف بالنظر والإجتهاد، وأن الجاهل بها عن نظر وإستدلال خارج عن ربقة الإیمان،مستحق للعذاب الدائم(1).
و هو الظاهر ایضاً ممّا عن العلامة فی «الرسالة السعدیة» حیث أنه بعدما نقل جواز السهو عن طائفة حتی قالوا: انّه كان یصلی الصبح فقرأ مع الحمد «النّجم» الی أن ألحق بأخره تلك الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی.
ص: 141
قال : وهذا فی الحقیقة كفر، فإن كفریة السهو مستلزم لضروریة بطلانه فضلاً عن إجماعیته، إلا أن یرید به كفریّة السهو فیه وهو قوله تلك الغرانیق العلی - الی آخره - لا نفس السهو.
وأما من العقل فیكفی أیضاً ما استدل به المتكلمون علی وجوب تحصیل المعارف والنظر فی المعجزة بقاعدة وجوب شكر المنعم، حیث أن الأئمة بالنسبة إلی سائر الخلق أولیاء النعم بالنقل والعقل ، كما أن الله تعالی بالنسبة الی الكلّ ولی النعمة ، ومن البنین توقّف شكر المنعم الذی هو عبارة عن تعظیمه باللسان علی الجمیل الإختیاری علی معرفة المنعم وما یصح منه وما یمتنع علیه، حذراً من اتصافه فی مقام الشكر بما لا یلیق بحاله من الجهل والنقص ، وبقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل حیث أن الجاهل بشیء من المعارف یحتمل فی نفسه أن یفوته من مصالح العلم ویصیبه من مفاسد الجهل ما یتضرر به، وهو ألم نفسانی یجب بإلزام العقل دفعه ، وبقاعدة دفع الضرر المظنون بل المعلوم.
كما عن العلامة فی «الرسالة السعدیّة» تقریبه بأن من المعلوم بالضرورة أن وصف النبی «صلی الله علیه و آله» بالعصمة أكمل وأحسن من وصفه بضدّها، فیجب المصیر إلیه لما فیه من دفع الضرر المظنون بل المعلوم.
وإلی هنا تمّ المقال فی رفع الشبهة والضلال
مع ضیق المجال وتشتت البال.
ص: 142
الموضوع ... الصفحة
مقدمة التحقیق ... 7
فی ذكر شبهة الخلاف بین الامامیة فی كمیة علم الامام علیه السلام وكیفیته ... 16
ما المراد من الإمام علیه السلام؟ ... 16
الخلاف فی علمه الباطنی لا الظاهری ... 19
ما المراد من حضوریة علمه علیه السلام؟ ... 20
وجوه الفرق بین علمه تعالی وعلم الامام علیه السلام ... 20
معنی عموم كمیة علم الامام علیه السلام ... 21
ذكر النصوص النافیة لعلمهم بالغیب وعلاجها ... 22
ذكر مراد النافی لعموم علم الامام علیه السلام... 35
وجوه الخلاف فی عموم علم الامام علیه السلام فی الموضوعات ... 36
وقوع الخلاف فی كیفیة علم الامام علیه السلام هل هو حضوری أم إرادی ؟ ... 36
رأی الشیخ الصدوق فی كمیة علم الامام علیه السلام ... 36
موافقة الطبرسی (ره) وجماعة الصدوق فی سهو المعصوم فی غیر الأحكام التبلیغیة ... 38
توجیه كلام الصدوق والمفید والمرتضی ... 41
بیان منشأ الخلاف فی كمیة علم الامام علیه السلام وكیفیته ...41
ص: 143
فی بیان الآیات المثبتة عموم علمه علیه السلام ... 42
فی بیان الآیات النافیة عموم علمه علیه السلام ... 44
الأخبار المثبتة عموم علمه علیه السلام ... 48
فی بیان الاخبار المعارضة لعموم علم الامام علیه السلام ... 59
فی بیان طوائف من الاخبار النافیة لعموم علمه علیه السلام ... 60
فی بیان علاج الاختلاف فی هذه الآیات والروایات النافیة الشمولیة وفعلیه علم الامام علیه السلام ... 65
فی بیان الشواهد والمرجحات الدلالیة علی الجمع المذكور ... 74
إستعراض بعض الأخبار المؤیدة للشواهد الدلالیة المتقدمة ... 80
كلام المؤلف تعقیبا علی المرجحات الدلالیة فی بیان المرجحات السندیة والأخبار الدالة علی عموم وفعلیة علم الامام علیه السلام ... 87
فی بیان المؤیدات للنصوص المثبتة لعموم وفعلیة علمه علیه السلام من الأدلة الأربعة : الكتاب ، والسنة، والإجماع، والعقل ... 89
بیان فی ردّ بعض الشبهات ... 103
بیان فی حل بعض المتشابهات ... 110
بیان فی ذكر بعض الأخبار المحمولة علی التقیة ... 122
بیان فی أن للمتشابهات حكم ومصالح خفیة ... 132
بیان الحكم التكلیفی والوضعی فی معرفة علم الامام علیه السلام ... 138
فهرس الموضوعات ... 143
ص: 144
اكسیر السعادة
فی أسرار الشهادة
تألیف
آیة الله المجاهد السید عبد الحسین اللاری قدس سره
1264- 1342 ه ق
اللجنة العلمیة للمؤتمر
مؤسسة المعارف الإسلامیة
ص: 145
ص: 146
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 147
ص: 148
الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سید المرسلین محمد صلّی الله علیه و آله ، وعلی آل بیته الطیّبین الطاهرین ، ومن دعا بدعوته إلی یوم الدین .
أما بعد:
فمن المعروف انّ الإمام الحسین علیه السلام لم یقدّم نفسه الزكیة وروحه الطاهرة فداءَ للإسلام ، إلاّ صوناً لهذا الدین وحفظاً لمفاهیمه وتعالیمه من التحریف والتبدیل فی موقف تاریخی خالد فی كربلاء بأرض العراق فی العاشر من محرّم الحرام سنة إحدی وستّین للهجرة تحت شعار نصرة الحقّ ومحاربة الباطل.
فلقد أدرك الإمام الحسین علیه السلام خطورة الأمر وجسامة الموقف ، وتمثّلت أمام وعیه ومسؤولیاته صورة اهتزاز قیم الإسلام وتعالیمه ، واستشرف العاقبة السیّئة والآثار المدمّرة ، وأیقن أنّه إذا سكت علی هذا «الخلیفة» المنحرف والذی فرضه منطق سقیفة بنی ساعدة فسوف تتكرّس خلافته دینیاً ، ویحصل بالتالی علی شرعیّة معتبرة تنسحب من استلامه السلطة وقیادة الأُمّة إلی جمیع أحكامه وأعماله ، فتدّمر المجتمع الذی لا یزال قریب عهد بالجاهلیّة وروحیتها .
لذلك رأی انه لا بدّ له من اختیار الطریق الصعب ، وهو رفض هذا الواقعالمنحرف ، فقرر الخروج ، وأطلق عباراته المشهورة :
-«... وعلی الإسلام السلام إذا بلیت الُأمَّة براع مثل یزید».
-« إنا أهل بیت النبوة ، ومعدن الرسالة ، بنا فتح اللهُ ربنا ختم ، ویزید بن
ص: 149
معاویة ، فاسق، فاجر ، شارب الخمر ، قاتلُ النفس المحرَّمة ، معلنَّ بالفسوق والفجور.. ومثلی لا یُبایع مثله...».
- «إنی لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً أو مفسداً ، إنّما خرجت أرید الإصلاح فی اُمّة جدّی ، اُرید أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنكر .. فمن قبلنی بقبول الحق فالله أولی بالحق ، ومن رد علی هذا أصبر حتی یقضی الله بینی وبین القوم بالحقّ ، وهو خیر الحاكمین...»
- « أو لا ترون أنّ الحق لا یعمل به وأنّ الباطل لا یتناهی عنه» ؟
وإذا عرفنا انّ الإمام الحسین علیه السلام أعلن عند خروجه - كما أثبته الرواة - انّه منطلق إلی لقاء ربّه كما فی قوله : «... و من كان فینا باذلاً مهجته وموطناً علی لقاء الله نفسه فلیرحل معنا...»(1)وانّ القتل هو المصیر الّذی ینتظره : «خطّ الموت علی ولد آدم مخطّ القلادة علی جید الفتاة... خیر لی مصرع أنا ملاقه ، كأنّی بأوصالی تقطّعها عسلان الفلوات بین النوامیس وكربلاء...»(2)۔ وقوله أیضاً : «مرحباً بالموت فی سبیل الله.. ونصرة دینه...»(3) وقوله لمن خوّفه من القتل : «أبالموت تخوّفنی... لیس شأنی شأن من یخاف الموت... ما أهون الموت علیَّ فی سبیل نیل العزّ ، وإحیاء الحقّ ، ونصرة الإسلام.. إنّی لا أری الموت إلاّ سعادة ، والحیاة مع الظالمین إلاّ برماً».
ورأینا أصحابه وأنصاره الّذین خرجوا معه وتابعوه فی مسیرة الموت ، والمواقف الصامدة والبطولیة الّتی وقفوها أمام الموت المحقّق ، فصمدوا واستشهدوا وهم قادرون عی الخلاص والنجاة ، وقد دعاهم إلی ذلك الإمام نفسه ، ولكتهم استبسلوا أشدّ استبسال ، وضربوا أروع الأمثلة فی الصمود والتضحیة والفداء فی سبیل نصرة إمام زمانهم الحسین علیه السلام.
ص: 150
فإذا رأینا هذه الحالات والمواقف الّتی واكبت مسیرة الحسین علیه السلام من انطلاقته لتقویم الانحراف وحتی استشهاده ، بدا واضحاً أنّ هذا الإمام العظیم ربیب بیت الوحی ، وسیّد شباب أهل الجنّة لم یكن الباعث من قیامه رغبة فی حكم، أو سلطان ، أو طلب جاه و مقام - كما یحلو للبعض أن یصوّروا ذلك . وأن قراءة الشعارات الثوریّة التی طرحها الإمام الحسین فی ثوریّه وقاتل من أجلها ، واستشهد فی سبیلها ، توضح بجلاء أنّ هدفه كان رسالیاً خالصا لوجه الله ، وانّ غایته كانت نصرة الحقّ وإحیاء الدین.
وهكذا .... فقد خُضّب الإمام الحسین علیه السلام بدمه ، فی كربلاء ، بعدأن دعا الناس لیتمرَّدوا علی الباطل ، والظلم ، والفجور ، والانحلال ، والفساد..
دعاهم لیقوموا إلی الموت فی سبیل الحقّ .. ولم یُكره علی ذلك أحداً ، لكنه أوضح لأصحابه وللناس خطّة الشقاء وخطّة السعادة ، ودعاهم إلی السعادة لأنه لا یری الموت إلاّ سعادة...
لذلك نهض إلی الموت ، یُبرهن خطّته عملیاً ، فحرَّر جسمه من قیود التعلّق بالدنیا ...وانفلتَ من جاذبیة الأرض ، تاركاًعلی تربة كربلاء مراقی لمن یرید الارتقاء...
وهكذا أضحت عاشوراء اُنشودة یردّدها المؤمنون فی كلّ زمان ومكان ،لأنها اختضبت بدم الحسین وأهل بیته علیهمالسلام...
وعلی الأُفقِ مِن دماءِ الشهیدین :
علیُّ ، ونجله شاهدان...(1)
ص: 151
ومن الأمور التی ساهمت فی یقظة الُأمة - اضافة إلی دم الحسین علیه السلام - كانت المؤلّفات العظیمة التی تحدّثت عن وقائع الثورة الحسینیة الخالدة والتی خطّت بأیدی أبناء الحسین وممّن ساروا علی خطّه منذ استشهاده إلی یومنا هذا.. فقد الّفت مئات الكتب حول هذه الثورة الخالدة ، بل لم یكتب لحد الآن حول أی قضیة تاریخیة بقدر ما كتب عن مأساة كربلاء ...
ومن هذه الكتب القیمة هذا الكتاب الّذی بین یدیك - عزیزی القاریء - وهو «أكسیر السعادة فی أسرار الشهادة» للسیّد المجاهد عبد الحسین اللاری قدس سره، حیث تكرم علینا سماحة آیة الله السید عبد العلی آیة اللهی امام جمعة لار بنسخة من الكتاب ، حیث تناول فیه المؤلف مناقشة بعض الشبهات التی أثیرت حول ثورة الإمام الحسین علیه السلام ، كذلك تحدث فیه عن الحكمة فی خروج الحسین علیه السلام ضد الحاكم الظالم، وذكر العدید من الأسرار فی ذلك ، حیث أسهب فی هذا الموضوع.
اضافة إلی ذلك فقد ذكر المصنّف و أبواباً متفرقة ، تحدّث فی الباب الأول منها بأنّ أول خلق الله هو نور النّبیّ له وعترته الطّاهرة، وانّهم العلل المادیّة والغائیّة والصّوریّة لجمیع الخلائق والمخلوقات فی جمیع العوالم والمعلولات قبل الأرضین والسّموات بالأدلّة الثّلاث.
وتحدّث فی الباب الثانی حول الأدلة التی تثبت كفر قتلة الحسین علیه السلام وظالمیه ، وشدّة عذابهم ، ووجوب اللعن علیهم وعلی أشیاعهم وأتباعهم، وآخر تابع لهم علی ذلك.
وتحدّث فی الباب الثالث عن الآیات الواردة فی تعزیة الله أنبیاءه بعزاء الحسین علیه السلام، وإخباره بشهادته ، وطلب الله بثأره ، وتذكّر مصیبته ، وشهادته ، وبیان سوء عاقبة ظلمته ، وعقوبة قتلته ، لیقتدئ بآثاره، ویهتدی
ص: 152
بأنواره، ویقتفی بأطواره ، ویتحذّر من أغیاره ، ویؤخذ بشعاره ودثاره.
وذكر فی الباب الرابع بعض خصائص الإمام الحسین علیه السلام مشبّهاً إیّاه بجدّه من حیث كونه نوراً یهتدی بأنواره ، و اًسوةً یتأسّی بآثاره، وقُدوةً یقتدی بأطواره، وسُلوة یتسلّی بصبره واصطباره ، ویؤخذ بشعاره، ویتحذّر من أغیاره جمیع الأنبیاء والأولیاء، وأهل الأرض والسّماء فی البكاء والعزاء، والتّسلیم والرّضاء، بكلّ قدر وقضاء، والفناء فی الله .
وتحدّث فی الباب الخامس عن مظلومیة فاطمة الزهراء علیها السلام،و شكایتها یوم القیامة من ظالمیها و ظالمی ولدها ، وشفاعتها لشیعتها.
وذكر فی الباب السادس ثواب البكاء علی مصائب الإمام الحسین علیه السلام ، ومصائب سائر الأئمة علیهم السلام، وثواب اللعن علی قاتلیهم وظالمیهم ، وكونه من أفضل العبادات المأثورة المتعبّد بها، من لدن آدم إلی الخاتم ، بل وجمیع أهل العالم من الانس والجن، والطّیور والوحوش، والبحار والحیتان ، والأرضین والسماوات ، وما فیها وما علیها حتی الحیوانات والنّباتات والجمادات، وكونه من علائم الإیمان ، وموجب الغفران والرضوان والجنان ، واطفاء غضب الرّحمن والنّیران.
وقد أجاد المصنّف فی ذلك كلّه ، فجزاه الله خیر جزاء المحسنین.
هذا ما أردنا بیانه فی هذه المقدّمة المقتضبة ، والله الموفّق والمسدّد اللصواب ، وله الحمد أوّلا ًوآخراً.
ص: 153
كان أوّل عملنا هو استنساخ النسخة الخطّیّة ، ومن ثمّ إرجاع الأحادیث إلی مصادرها الأصلیة حیث طابقنا الأحادیث مع مصادرها ، وبعد ذلك تمّ ضبط النصّ ضبطاً متقناً - علی قدر الوسع والإمكان - وكما یلی:
1- مطابقة الآیات القرآنیة الشریفة مع القرآن الكریم ، وأثبتناها كما هی فی القرآن . 2
- ما أضفناه من المصادر جعلناه بین [ ].
3- اقتصرنا فی الإشارة الموارد الاختلافات - بین النسخة والمصادر -المهمّة منها فقط.
4 - قمنا باتّحاد الأحادیث الواردة فی الكتاب مع المصادر الحدیثیةالمعتبرة.
شكر وتقدیر :
وفی الختام نقدّم خالص الشكر والتقدیر للفاضلین :
1- فارس حسّون كریم .
2 - محمود البدری.
لما بذلوه من جهود فی تحقیق هذا السفر الخالد ، فوفّقهم الله لكلّ خیر .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین
اللجنة العلمیة للمؤتمر
ص: 154
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ »
الحمد لله الّذی جعل الشّهادة لأولیائه كرامة وسعادة، وللتابعین لهم اُسوة وعبادة، وعلی الظالمین خزیاً وفصاحة ، وشناعة وقباحة، والصلاة والسلام علی محمد وآله الذین هم للمؤمنین عزّة ورأفة ورحمة، وحكمة وسلامة ونعمة، وعلی المخالفین ذلّة ونقمة، وحجة بالغة قاطعة.
أما بعد:
فلمّا كانت أوّل مقدّمات كلّ عبادة هو معرفتها ومعرفة شروطها وأجزائها وأحكامها وأقسامها، وكان الحرمان من سعادات كلّ عبادة ، وفیوضات كلّ طاعة من جهة الجهل والاخلال بمعرفتها ومعرفة شروطها وخواصّها، ومنافعها و مصالحها وأسرارها وحكمها، وتلبیس صُورَها بحقائقها ، وواجدها بفاقدها، وجب علینا تحصیل معرفتها وأسرارها و شرائطها، وحكمة كل كلمة منها، ورفع كلّ شُبهة عنها.
فنقول: شبهة من شبهات العامة العمیاء علی شهادة سیّد الشهداء بانه إن كان من باب الجهاد ، فشرطه كفر الاعداء وعدم ازدیادهم علی الضعف ، وان كان من باب المدافعة ؛ فشرطه عدم ظن العطب ، والمفروض انتفاء الشروط فالمشروط مثله.
والحكمة البالغة فی رفع هذه الشبهة أولاً : بأنّ الشروط المذكورة شروط
ص: 155
جهاد الكفّار دون جهاد المنافقین لأصالة عدم التخصیص وحجیة العام المخصص فی الباقی وهو عموم« جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ » (1)
وثانیاً : بأنّ الشروط المذكورة شروط وجوب الجهاد ووجوب الثّبات فیه لا شروط رجحانه ومحبوبیّته وثوابه المضاعف بأضعاف ثواب الواجب ، فانّ تحمل مشاق الجهاد مع فقد شروط وجوبه أفضل وأعظم ثواباً وكرامة.
وثالثاً : بأنّ الشروط المذكورة الاولین منها شروط الدّعوة إلی الاسلام. والثالث : شرط جهاد المدافعة، وجهاد الحسین علیه السلام لیس من هذین البابین ، بل من باب محافظة دین الله ، وتنزیه مراتب الله ، وتفضیح أعداء الله وتكذیبهم علی الله ، وقطع ملابستهم وانتسابهم إلی الله ، ومدافعتهم عن الطمع فی دین الله .
شُبهةُ أخری عامّة من الخاصّة بانّ اقتحامهم علیهم الصلاة والسلام فی شرب السمومات، والقاء النّفوس فی الهلكات ، موهمةُ لاستلزام الجهل والغفلات.
والحكمة البالغة فی دفعها بمنع الملازمة أوّلاً : بانّ اقتحامهم فی شرب السّمومات ، والقاء النّفوس فی الهلكات ، كاقتحام النبیّ صلّی الله علیه و آله وسائر الأنبیاء والأوصیاء فی مهالك الغزوات ، والثبات والاثبات فی الجهاد والمقاتلات مع العلم بالعطب والهلاك ، كاقتحام إبراهیم فی ذبح ولده إسماعیل علیه السلام، وعبد المطّلب فی ذبح ولده عبدالله ، وتعریض النبیّ صلّی الله علیه وآله عمّه حمزة وجعفر للقتل مع علمه واِخباره بقتلهما، وتعریض علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام فی اقتحام المسجد مع علمه بانّه سیقتل فیه ، و تعریض
ص: 156
الحسین علیه السلام للقتل مع علمه وإخباره عن قتله.
فانّ القاء النّفس فی الهلكة المنهیّة ، إنّما هو التّهلكة عبثاً وسفهاً، وأمّا تعریضهُ لهلاك النّفس الفانیة تحصیلاً لحیاتها الباقیة والنّعم الدائمة، كالهلاك والاهلاك فی سبیل الله ، ولأجل تعظیم حُرمات الله، وإعزاز دین الله ، والتّسلیم الأمر الله ، والرضا بقضاء الله ، و تفضیح أعداء الله ، ومدافعتهم عن الطّمع فی دین الله، وملابستهم وانتسابهم إلی الله ، إلی غیر ذلك من وجوه وجوب حفظ بیضة الاسلام، ولو توقّف علی قتل جمیع الأنام حتی النّفوس المقدّسة للنبیّ والإمام، والأرامل والأیتام الّتی هی من أعظم قربات الله وفرائضه وعزائمه، والجهاد الأكبر فی سبیله ، ومن جملة شؤون قولهم علیهم السلام : «أمرُنا صعبُ مستصعب لا یتحمله إلا نبیُّ مُرسل أو ملك مقرّب أو مُؤمِنُ امتحن الله قلبه للإیمان»(1).
وثانیاً : بأنّ شربهم السُّموم ومقاتلة الخصوم، لمّا علموا انّه من القضاء المحتوم، وبأمر الظالم الغشوم المشؤوم، انمّا هو علی وجه الاكراه والاجبار المعلوم، بانّه لو لم یشربه سرّاًلقُتل جهاراً ، ولو لم یقاتل وقاراً لقُتل صغاراً، بأعظم قتلّ وآذل وجه ، فلم یكن اختیاره عن جهل و غفلة ، بل عن علم وعلّة من باب ارتكاب أقلّ الضررین والمحذورین الجائز ، بل الواجب اختیاره عند التّخییر والدّوران.
ألا تری لو خُیّر العاقل بین القتل بالسّیف جبراً و زجراً وصغاراً وبین قتله وقاراً بوجه أیسر وأسهل اختار الأیسر والأسهل قطعاً، وكان عند العقل والعقلاء
ص: 157
مقهوراً ومأجوراً ومعذوراً ومشكوراً لا ملوماً محسوراً!
ولعلّ من هذا الباب شرب الحسن علیه السلام وسائر الأئمّة ما دسّ إلیهم من السّموم القاتلة والمصالحة والمسالمة مع طاغیة الزّمان ، كما لعلّه من كلا البابین تعریض علیّ والحسین علیهما السلام للقتل والقتال وهم أعلم بحقیقة الحال.
شُبهةُ ثالثة عامُة فی انّه ما الوجه فی تخصیص تلك المثوبات العظیمة،والسّعادات الجسیمة بخصوص شهادة الحسین علیه السلام و مصائبه من بین عموم شهادات جمیع الأنبیاء والأوصیاء ومصائبهم ، و تجدید خصوص مصابه من بین مصائبهم فی كلّ عام، بل فی كلّ عید ، بل فی كل جمعة ، بل فی كل یوم وساعة ؟
قلت: الحكمة البالغة والأكسیر الأعظم، والوجه الأتم الأعم، هو السرّ والحكمة فی تكرار سائر العبادات ، و تجدید الصّوم فی كل یوم، والطهارة والصّلاة فی كلّ ما یسعُها من الانات ، ووجوب المداومة والملازمة علی المعارف بحیث لا ینفك عنها مضافة إلی العلم الاجمالی ، بات الأحكام الشرعیّة تابعة وكاشفة عن المصالح والمفاسد النّفس الأمریة وبقوله تعالی : «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ »(1) ورئاسته و إلی العلم التفصیلی الحاصل من تفسیر قوله تعالی :«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ » (2) وسائر الأدلّة الأربعة بانّ لمصابه بالخصوص من بین المصائب خصائص خاصّة به ، حتی فاق فضله بها فضل العالمین جمیعاً ، وان تذكر شهادته ، ومذاكرة مصابه أول كلّ عبادة ، وآخر كلّ سعادة، وباطن كلّ
ص: 158
شهادة ، وظاهر كلّ سیادة ، ومفتاح كلّ كرامة ، و منهاج كلّ سلامة، وسلامة كلّ ظلامة، ومصباح كلّ ظلمة ، ورأس كلّ حرمة، وطیب رائحة كلّ روح وریحان، وحیاة كلّ ایمان ، وحصن حصین كلّ أمن وأمان ، ورغم أنف كلّ شیطان ، وروح وریحان كلّ زمان و مكان ، ومطفیء لهب النّیران ، وأرجح مرجّحات المیزان، وأقوی أسباب الجنان ، وسبب كلّ اطاعة ، وداعی كلّ ذی طاعة، وفضیلة كلّ جمعة ، وشرف كلّ جماعة ، و منهاج كلّ غایة ، ومحاسن كلّ عنایة ، وأكسیر كلّ معرفة وبصیرة وهدایة ، من البدایة إلی النّهایة ، وسر كلّ حكمة، وحكمة كلّ كلمة، والسرّ الأعظم والأكسیر الأعمّ الأتمّ فی جمیع ذلك ، أن جمیع العادات الأبدیة منتهیة وناشئة ومسبّبة عن المعرفة والطاعة ، والعبادة الملزومة والناشئة ، ومسببة عادة عن محبّة الله ، والربط والارتباط والعلاقة مع الله ، وهو بحسب العادة الجلیة القهریّة منحصرة فیما یؤثر فی محبة خلفائه وأولیائه تعالی ، ویهیّجُ مودّة أولیائه المظلومین وبغض أعدائه الظّالمین ، كما قال الله تعالی : «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ »(1)، وكما سئل علیه السلام : هل البغض والحبّ من الایمان ؟ فقال علیه السلام: «هل الإیمان إلاّ الحب و البغض ؟» (2)
من البّین الواضح أنّ هذا الایمان المقصود بالذات من جمیع اُصول المعارف وفروع العبادات والطّاعات المنحصرة سببه العادی عادة فی أحداث علاقة الحبّ والبغض والتّولّی والتّبرّی لا یحصل عادة إلاّ باعتیاد البكاء والإبكاء، وإقامة العزاء والمدح والثّناء علی الأولیاء ، ومعادات الأعداء، ولنعم ما قیل من الشّعر:
ص: 159
عینُ البُكاءِ لكلٍّ داءٍ دواء *** وماءُ حیاة دار البقاء
گریه بر هر درد بیدرمان دواست *** چشم گریان چشمه فیض خداست
ومن جملة أسرار فضیلة البكاء علی سائر العبادات والطاعات انّها مشتملة علی جمیع خصائص الطاعات وفوائدها وأكسیر علّة وجودها وایجادها عادةً.
امّا المعارف الحقّة من التوحید إلی المعاد فقد عرفت توقّفها عادةً علی ایثار المحبّة والمودّة المتوقّفة عادةً علی البكاء والعزاء علی الحبیب والمحبوب قطعاً.
وامّا العبادات : فقد عرفت أیضاً أنّ اطاعتها وامتثالها طُرّاً من البدایة إلی النّهایة أیضاً متوقّفة عادة علی ایثار المحبّة والمودّة المتوقّفة عادةً علی اعتیاد البكاء والتعزّی بعزاء الحبیب والمحبوب قطعاً.
وامّا من فوائدها وحكمها ومصالحها فما من فائدة أو عائدة أو حكمة أو علّة أو مصلحة لشیء من العبادات الا وتلك الفائدة والعائدة والحكمة والعلّة والمصلحة مجعولة أو منجعلة مع الزیادة فی البكاء والعزاء علی مصائبه بأبلغ وجه وأتمّ، فكما أنّ حكمة مصلحة طهوریة الماء للأبدان ، وحیاة كل حیوان بقوله تعالی : «وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا »(1)«وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ »(2) كذلك مصلحة البكاء والعزاء طهورُ للأدیان، وحیاة للایمان.
وكما انّ مصلحة الصلاة تنهی عن الفحشاء والمنكر ؛ كذلك مصلحة البكاء والعزاء ایثار المحبّة والولاء، والتّولّی والتّبرّی والانتهاء عن كلّ منكر وفحشاء
ص: 160
بابلغ وجه وأتمّ.
وكما أنّ حكمة الزكاة والصدقات طهور المال، وتزكیة الأعمال، ورفع دناءة البال، وشُحّ الأحوال ؛ كذلك حكمةُ البكاء طهور الحال وتنظیف البال، و ایثار الرقّة والانفعال، ودفع قساوة القلب ، وظلة الظّلم والضّلال والاضلال.
وكما أنّ حكمة الصّوم الصّحة عن المضارّ، واللجُنّة من النّار، وفی جوعه و عطشه تذكّر أحوال المعاد ؛ كذلك حكمة البكاء یورث فی العین جلاءً، وفی القلب ولاءً ، ومن النّار وقاءً، وفی الأولیاء صفاءً ، وللأعداء بُراءً، وفی یوم الجزاء خیر جزاء.
وكما أنّ حكمة كلّ من مناسك الحج اظهارُ تعظیم المعبود بالنّزول والصُّعود، والتّلبیة والشّهود، وملازمة الحدود، والتجرّد عن العقود والقصود، وتذكّر أحوال الورود ویوم الموعود؛ كذلك حكمة البكاء والعزاء ارتیاض النّفس بالتّسلیم للبلاء، والرّضا بالقضاء والفناء، والانقطاع إلی الله.
وكما انّ حكمة المهاجرة والمجاهدة فی سبیل الله ومفارقة أعداء الله ومقاتلتهم، اعزاز دین الله ، وإعلاء كلمة الله ، واظهار تعظیم الله ؛ كذلك حكمة البكاء والعزاء موالاة أولیاء الله ، ومعاداة أعداء الله ، و تعظیم شعائر الله وحرماته وأحكامه.
وكما أنّ حكمة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر ، وإقامة الحدود والقضاء، هو دفع الفساد ، واصلاح العبادبالرشاد والتداد ؛ كذلك حكمة الابكاء والبُكاء وإقامة العزاء هو ذلك بأبلغ وجه وأتمّ وأعمّ وأهمّ، فانّ تعظیم أولیاء الله المظلومین بالولاء والرقّة والرحمة ، وتفضیح أعدائه الظّالمین بالبراءة والقساوة والفساد والعدوان أبلغ تعریضاً فی قبح الظلم و تقبیح الظّالمین ، وفضاحة الجور و تفضیح الجائرین، وأصرح كنایةً وتعریضاً ودلالةً عن سُوء عاقبتهم وعقوبتهم،
ص: 161
وخُبث سریرتهم وسیرتهم ، ومواساتهم لأسلافهم، وموار ثتهم ایّاهم فی سوء أفعالهم وأعمالهم وأیقن تصدیقاً لما ورد فی حقّهم : «وَلاَ تَركَنُوا إلَی الّذینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَكُمُ النّارُ» (1) «وَلاَ تَقعُد بَعدَ الذِكرُی مَعَ القَومِ الظالِمینَ» (2)« وَإنَّ الظالِمینَ لَفی شِقَاق بَعید»(3) «وَاللهُ لاَ یَهِدی القَومَ الظالِمینَ »(4)«وَالكَافِرُونَ هُم الظّالِمُونَ» (5)«ثُمّ كَانَ عاقبة الّذینَ أسَاؤا السُّوأی أنّ كَذَّبُوا بآیاتِ اللهِ وكَانُوا بِها یَستَهرءُونَ»(6).
فإنّ الدّرایة أشدّ تأثیراً من الرّوایة ، والأفعال أشدّ تأثیراً من الأقوال ، واراءة قبائح فعل الغیر أشدّ انفعالاً وزجراً للغیر من اراءة قبائح نفسه ، وكما انّ فی القصاص حیاة الانسان كذلك فی البكاء حیاة الإیمان، وإقامة شعائر الإسلام وحرمات الملك العلّام، وترویج الأحكام من الحلال والحرام ، وتقبیح ظُلم الظُّلّام وجور الحكّام، ومتابعة الأزلام وعبدة الأصنام، بأبلغ وجوه الإبرام والإفحام، وأصرح دلالات التضمن والالتزام ، والتعریض بالاشارة والمفهوم والافهام ، كما لا یخفی علی ذوی العقول والافهام.
ومن جُملة أسرار حكمة أفضلیّته أیضاً من كلّ عبادة انّها بحسب العادة البشریّة أعمّ فائدةً، وأتمّ عائدة، وأخفی صدقهً، وأجلی ثمرةً، وأعلی تأثیراً ، وأسنی تكثیراً من كل عبادة بدنی كالصّوم والصلاة والجهاد، ومالیّ كالخمس
ص: 162
والزّكاة.
ومن جملة أسرار حكمة أفضلیته من سائر العبادات، أسلمیّته من كلّ امام ما لم یسلم منه سائر العبادات من الكلفة والمشقة البدنیّة والمالیّة المانعة من الاقبال التّام والقبول العام لاثارة الآلام والأوهام.
ومن جملة أسرار حكمة أفضلیّته أیضاً أبعدته من الحزازات المانعة من القبول و الصحة كالعجب والرّیاء والسُّمعة بخلاف البكاء والابكاء فانّها لمّا كانت من العبادات القلبّیة الخفّیة النّاشئة عن الرّقة والرحمة الموجبة للمحبّة والمودّة القهریة الجبلیّة اللازمة والملزومة لخلوص القربة ، وانتفاء الرّیاء والعُجب والسمعة كانت الدمعة بمقدار جناح بعوضة موجبةً لغفران الذّنوب ، وستر العیوب ، والخلود فی الجنان ، والرضاء والرضوان ، ومطفیة لهب النیران، وغضب الرحمن كما سیأتی فی نصوصها لكن بشرطها وشروطها.
والسّر الاعظم والوجه الأتمّ والسبب الأعمّ، أن الحسین علیه السلام فی كلّ من مهاجراته ومجاهداته ، وصبره و تحمّلاته، وبلیّاته و تبلیغاته ، وترویجاته واحتجاجاته ، وسائر عباداته وطاعاته ، قد فاق بتلك العبُودیة جوهرة كنُهها الرّبوبیة، وخصوصیّات خصائص النّبوّیة والوصوّیة ، فاستخلف من الله تعالی الخلافة والرّئاسة والسّلطنة ، ومن وحدانیّته و فردانیّته الوحدة والانفراد والغربة ومن رحمانیّنه الرّحمة والمحبّة فی قلوب المؤمنین ، واستورث من آدم صفّی الله الصّفوة ، ومن سجود الملائكة لآدم أحیاناً تخلف الملائكة والأنبیاء والأولیاء دائماً لزیارة الحسین علیه السلام، والسّجود علی تربته ، والبكاء علی مصیبته ، وجعل الإمامة فی ذرّیته ، والشّفاء فی تربته ، واستجابة الدعاء تحت قبته ، ونزول الملائكة لنصره، والعكوف علی قبره دائماً ومستداماً، ومن خروج آدم من الجنّة اخراج الحسین علیه السلام من دار أمانه وجنّته حرم الله وحرم الرّسول،
ص: 163
واستورث من نوح نبیّ الله النّبوّة ونوح الدّعوة بقوله تعالی : «قَالَ رَبَ إنَی دَعَوتُ قَومی لَیلاً وَنَهَاراً * فَلَم یَزِدهُم دُعَائی إلاّ فِرَاراً * وَإنّی كُلَّمَا دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لَهُم جَعَلُوا أصَابِعَهُم فِی اذَانِهِم وَاشتَغشَوا ثِیَابِهُم وَأصَرَوا وَاستَكبَرُوا استِكبَاراً» (1) «وَمُكَرُوا مَكراً كُبَاراً وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ الِهَتَكُم وَلاَ تَذَرُنَّ وَدَّاً وَلَا سُوَاعاً وَلاَ یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسراً» (2) الآیة.
وقال صلّی الله علیه و آله : «مثل أهل بیتی مثل سفینة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق»(3).
ومن إبراهیم الخلیل الخلّة ومتابعة الملّة ، و ازاحة العلة، ومن موسی الكلیم الكلیمیة فی مواضع عدیدة كما اجیب موسی وهارون بقوله تعالی : «قد اُجِیبَت دَعوَتُكُمَا» (4) الایة ، كذلك اجیب الحسین علیه السلام بقوله تعالی :
لبّیك لبّیك عبدی وانت فی كنفی *** وكلّما قلت قد سمعناه صوتك تشتاقه ملائكتی *** فحسبك الصوت قد علمناه سلنی بلاغبة ولا رهبٍ *** ولا تخف انّنی أنا الله ومن عیسی علیه السلام روح الله جمیع خصائصه فكماانّ من خصائص عیسی علیه السلام أنّه یبریء الأكمة والأبرص، ویحیی الموتی بإذن الله ، كذلك
ص: 164
من خصائص الحسین علیه السلام إنّ فی تربته الشفاء من كلّ داء ، وتحت قبّته استجابة الدّعاء ، وفی شهادته احیاء الحقّ، وإماتة الباطل وأهل الباطل بأبلغ وجه وأتمّ وأعمّ وأهمّ.
وكما انّ من خصائص عیسی انّه كان نبیّاً وحصوراً لم یختر من الدّنیا مالاً؟ ولا أهلاً ولا ولداً ، كذلك من خصائص الحسین علیه السلام ما هو أفضل حقیقهً وأعظم فضیلة انّه كان إماماً مظلومة (وَمَن قُتِلَ مَظلُوماً فَقَد جَعَلنَا لِوَلیّهِ سّلطَاناً) (1)، وانّه بذل جمیع ما اختار الله له من الأهل والمال والبنین فی سبیل الله ، واعزاز الدّین ، واحیاء شریعة سیّد المرسلین.
ومن جّده محمد صلّی الله علیه و آله حبیب الله جمیع خصائصه ، فدنا منه فكان قاب قوسین أو أدنی ، حتی قال فیه : «حسین منّی وانا من حُسین»(2) فكما كان من خصائص جدّه وأبیه الأبّوة العامة علی جمیع الأمة ؛ فكذلك هو - علیه السلام - له الأبّوة العامة حتّی كنّی بأبی عبدالله ، واستورث من أبیه الولایة العامة والرئاسة التامة ، فكان كلّ وصف من أوصافه الكریمة، ومصائبه العظیمة ، وأنفاسه السّلیمة، وخطبی العمیمة ، وحججه القائمة المقیمة ، وسبیله القویمة المستقیمة فی یوم عاشوراء، كضرب أبیه یوم الخندق أفضل من عبادة الثقّلین (3)بل فاق فضله بتلك العبودیّة فضل العالمین جمیعاً لصیرورته باخبار الله تعالی عن أحواله لآدم اُسوة لجمیع أهل العالم ، وقدوةً لجمیع الاُمم، وغبطة یغبط به أهل الهمم، ومباهاة یفتخر بها العرب والعجم ، حتی لم یبق ملكُ مقرّب ، ولا نبّی
ص: 165
مرسل، ولا عالم ولا جاهل، ولا دنیُّ ولا فاضلُ، ولا مُؤمنُ صالح ، ولا فاجر طالح ، إلّا عرفهم جلالة أمره، وعظم خطره ، وكبر شأنه، و تمام نوره ، وصدق مقاعده ، و ثبات أمره، وكرامة محلّه ، وعلو منزلته فی كلّ ذی شأن علی قدر شأنه ، اقتبس من أنواره، وتأسّی بآثارة ، واقتدی بأخباره، واقتفی بأطواره، واستجار بجواره، واهتدی بأزهاره، واغترف من بحاره، واستثمر من أثماره، فانتهی إلیه ایمان كلّ مؤمن، وعبودیّة كلّ عابد ، واطاعة كلّ مطیع ، وتصدیق كلّ مصدق ، وجهاد كلّ مجاهد ، وصبر كلّ صابر، وتوكّل كلّ متوكل، وتسلیم كلّ مسلّم ، وتبلیغ كلّ مبلّغ ، ونصح كلّ ناصح، وموعظة كلّ واعظ ، وهدایة كلّ هاد، ومعرفة كلّ عارف ، وعلم كلّ عالم ، و خلوص كلّ مخلص ، وقرب كلّ مقرب، و تسبیح كلّ مُسبَّح ، و تهلیل كلّ مهلّل ، و تقدیس كلّ مقدس ، و تعظیم كلّ معظم وعزّ كلّ عزیز ، ورسالة كلّ رسول ، وإمامة كلّ امام ، وزینة كلّ زین ، ونور كلّ عین .
كما هو أحد أسرار حكمة قوله صلّی الله علیه و آله : «حسینُ منّی وأنا من حسین»(1)، یعنی اّن نوره من نوری ، ونوری من نوره ، لانّهم فی عوالم التجرّد النورانیة نورُ واحدُ كما قال تعالی: « ذُرَّیَّةُ بَعضُهَا مِن بَعض» (2)ینتهی إلیه السابق منهم واللاحق، فما من مكرمة ولا شرافة ولا كرامة ، ولا عبودیّة ولا عبادة ، ولا سعادة ولا شهادة ولا شفاعة، ولا نجاة ولا جنّة ولا جنان ، ولا ایمان ولا رضاء ولا رضوان إلاّ وهو علیه السلام أصله وفرعه و معدنه ، ومأواه و منتهاه .
هذا كلّه حرفُ ووصفُ من أوصاف حرف واحد من حروف كلمة واحدة
ص: 166
من كلمات الله، وأسرار حكمة واحدة من حكم كلمات الله الّتی قال الله تعالی : « لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا » (1).
شُبهة: ربّما تسبق الأذهان بوسوسة الشّیطان فی التّصدیق والایمان بانّه لو كان لبان فالحرمان دلیلُ الفقدان ، و تخلّف المعلول دلیل عدم العلة والبُرهان.
حكمة بالغة فی رفع هذه الشّبهة ان تخلّف هذا الأكسیر الأعظم، والسّبب الأتمّ الأعم عمّا ذكر له من فوائد العبادة ، وعوائد الطاعة، وآثار السعادة لیس إلاّ من جهة أن لكلّ عبادة من البدایة إلی النهایة شرائط و شّروط، وان انتفاء الشرط انتفاء المشروط، فتخلّف الشیء عن وضعه من جهة وضعه فی غیر موضعه وتحریفه عن مواضعه كمّاً أو كَیفاً ؛ لأن مثلهُ مثل القران هدیً للمتّقین ، وشفاء للمؤمنین ، ولكن لا یزید الظالمین إلاّ خساراً و طغیاناً كبیراً، ومثل دعاء نوح حیث قال : لا یزیدهم دعائی إلا فراراً و استكباراً، ومثل قطر المطر حیث یفید فی البحار الّلائی ، والسّموم فی الأفاعی، لأن كلّ عبادة اُوتیت من غیر بابها ، واُوقعت علی غیر وجهها وشروطها، خرجت عن العبادة والطاعة ، وفقدت الصّحة والسعادة ، بل دخلت فی المعصیة والتشریع والتبدیع ، وهو ضلال منیع، وارتداد سریع فی دأب العوام الأضلّ من الأنعام.
شُبهة سبقت الأوهام لإضلال العوامّ الاضلّ من الأنعام بتوهّم ان البكاء والابكاء، والتعزیة والعزاء من التوصّلیات المحضة الممحضة لمصلحة معلومة ، وأغراض مفهومة ، كسائر المعاملات والسّیاسات ، والعقود والایقاعات ، المعلوم
ص: 167
والمفهوم بتعیین الغرض منها فی حصول النّقل والانتقال ، والفعل والانفعال المعیّن لمعلوم.
والحكمة البالغة فی رفع هذه الشبهة انها بجمیع أقسامها وأحكامها من العبادات النفسیّة التوقیفیة المحضة الممضة للتعبد والعبودیّة الصّرفة، التی لا یخالطها شوب الغیریّة ولا التّوصلیّة ، والموصلیّة إلی الغیر أصلاً ورأساً ، للاجماع والضّرورة علی اشتراط صحّتها، وحصول مصلحتها بالنیّة ، وفسادها وبطلانها بدون النیّة وبنیّة الغیر ، كما هو الحدّ المائز بین التعبّدیات والتوصلیّات المحّضة والممضة ، ولأصالة الأصل الأصیل عند فقد الدلیل فی كلّ امر مأثور أن یتمحّض للعبادة والتعبّد دون الوصل والتّوصّل إلاّ ما أخرجه الدّلیل عن الأصل الأصیل ، وللاستقراء التام فی تعبّدیة كلّما هو من أفراده، كالبكاء والابكاء من خوف الله ، أو شوق لقائه، أو فراقه، أو اشتیاقه ، أو من أشباهه كالجهاد والمجاهدة، والقتل والمقاتلة فی سبیل الله، حیث أنّه من بدیهیّات العقل والنقل .
انّ هذه المقولة من الآلام التفسیة ، والأفعال الضروریّة ،كذبح إبراهیم ولده إسماعیل لا مصلحة فی نفسها بالذّات، بل المصلحة المرجّحة لها، انّما هی بالوجوه والاعتبار ، فهی فی نفسها وبالذّات وان كانت خالیة عن المصلحة، بل قبیحة وذی مفسدة ، الاّ أن الجهة التعبدیّة فی اطاعة المولی ، والقربة فی موافقة أمر المولی جعلها فی أعلی طبقات ذی المصالح الالزامیة المنحصرة فی العبادات الصّرفة، والتعبّدیات المحضة ، فلم یبق للتوصّلیة فیها جهة ولا وجه ، ولأنّ المعهود والمقصُود من أصحاب المعصوم علیه السلام فی كلّ جهاد معلوم ، الإصرار والالحاح فی استئذان الجهاد بالخصوص والنصوص ، ولم یعهد من أحدهم الجهاد من دون اذن خاص صریح ، إذ لولا المحض للعبادة لم یكن لهذا الاصرار فائدة ، بل كان تحصیلا للحاصل، و تطویلاً بلاطائل، ولترتیب آثار
ص: 168
الطّاعة واحكام العبادة علی الشهادة من الحكم بطهارة الشّهید المأذون من غیر تكفین و تغسیل، ومن الشّهادة علی جمیع الشّهداء بالفوز فی الجنان مع النّبیّین والصّدیقین، ولو لم تكن الشّهادة ممحّضة فی التعبّدیّة لما صحّت الشّهادة علی جمعهم بالعبودیّة المحضة والفوز بالجنّة، ولصحّت الشّهادة من دون اذن خاص ولاُثیبَ الباكون علی مصاب الحسین علیه السلام من أهل الكوفة ، بل ومن السّالبین لأهل بیته علیهم السلام عند السّلب، بل وعن مثل ابن سعد ویزید!
ومن البیّن المعلوم المفهوم عدم اثابتهم علی البكاء قطعاً، ولدلالة سیاق عدّ العاشوراء فی عداد خصال العبادات العشر فی جواب موسی علیه السلام بم فضّلت اُمّة محمد صلّی الله علیه و آله علی سائر الاُمم(1)، وترتیب أحكام العبادات وخواصّها الحاصلة علیه من الفضیلة والثّواب.
شُبهة موهمة لاجتماع جهتی التعبَّدیّة والتّوصّلیة فی البكاء والابكاء والتّعزیة لامكان اجتماع الجهتین ، وعدم المانع فی البین ، كاجتماع جهتی النفسیّة والغیریّة فی الوضوء والغُسل ، وحینئذ فلا یشترط فی البُكاء والابكاء من الجهة التوصّلیّة إلی إقامة الشّعائر ما یشترط فیها من الجهة التّعبّدیة.
والحكمة البالغة الرّافعة لهذا الوهم : انّ مجرّد امكان اجتماع جهة التّوصل فیها لا تستلزم صدور الأمر التّوصّلی بها كما صدر فی الأذان الاعلامی ، و تمرین الصّبی علی العبادة ، وإلاّ لزم أن یكون جمیع العبادات الباطل مع بطلانها بواسطة فقدان شرط أو وجدان مانع مطلوبة ومشروعة من جهة امكان التوصّل بصورتها الظّاهریّة إلی جهة من الجهات الموصلة إلی الشّعائر الصّوریُة ، والمفروض بطلان اللازم وعدم مشروعیّة الباطل وعدم مطلوبیة الفاسدة من العبادات أصلاً ورأساً
ص: 169
لا علی وجه التّعبد ، ولا علی وجه التّوصّل لتوقّف التّعبّد علی الأمر التعبدی، والتوكل علی الامر التوصلی ، والمفروض عدمهما حینئذ، فكلّما یأتی ولو علی وجه التوصّل ، فان اُوتی به علی وجهه الواقعی من كونه غیر مشروع وغیر مأمور به ، فهو بهذا الوصف والقصد وان لم یكن بدعة محرّمة ، بل كان الأصل فیه الاباحة والبراءة علی عكس الأصل فی العبادات وهو الحرمة ، وفی المعاملات وهو الفساد، إلاّ أنّه خلاف المفروض المعهود المقصود من فعله للفاعلین فی عداد المشروعات ، وان اُوتی به علی غیر وجهة الواقعی بان اُوتی به علی وجه المطلوبیّة ، وكونه من الدّین مع عدمه فی الواقع ، كما هو المفروض المعهود المقصود من فعله فیما نحن فیه فی عداد المشروعات كان بدعة محرّمة ، وادخال ما لیس من الدّین فی الدّین ، ومخرجاً عن ربقة المسلمین ، لا انّه من شعائر الدّین كما توهمه العوام الاضلّ من الأنعام.
ویتفرّع علی هذا التّوهّم الفاسد تجاسرهم فی التّوصّل إلی حصول البكاء والابكاء، وتحصیله بایّ وجو اتّفق ولو بالمنكرات والمحرّمات والمبدعات ، كالكذب والغناء والشّبیه ، أو بانضمام شعائر الكفرة والفجرة من الطبل والرقص والدّف والعود والمزمار والشیبور والنّاقوس ، وسائر البدائع ومستنكرات أهل الفجور.
والحال أنّ عقوبة المعصیة فی ضمن الطاعة مضاعفة لا معفوة قطعاً ، لقوله
علیه السلام : «لا یطاع الله من حیث یعصی»(1) وقوله تعالی : «وَ لاَتَیَمَّمُوا الخَبِیثَ
ص: 170
مِنهُ تُنفِقُون» (1)و«لاَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِّ وَالأّذی» (2) و «إنَّمَا یَتَقَبَّلُّ اللهُ مِن المَّقِینَ»(3) «قُل هَل نُنَبَّئَّكُم بِالأَخَسَرِینَ أعمَالاً»(4)وقوله علیه السلام: «ولو انّ رجلاً قام لیله وصام دهره و تصدّق بجمیع ماله ولم یكن بدلالة ولیّ الله ما كان له علی الله ثواب»(5) فاتیان الشّیء علی غیر وجه المشروع والمطلوب ولو كان من التوصّلیّات فضلاً عن كونه من العبادات الصّرفة المحضة إذا أتی به علی وجه المشروط والمطلوب كما هو دأب العوام كان بدعة وحراماً ، وادخال ما لیس من الدّین فی الدّین، ومخرجاً عن ربقة المسلمین ، وقلب الطّاعة إلی عین المعصیة ، والسّعادة إلی عین الشّقاوة.
شُبهة سبقت بعض أوهام الخواص والعوام، من انّ افضلیّة تلك العبادة وأولویّتها وأشرفّینها من جمیع الطّاعات والعبادات تقتضی أوسعیّتها وأعمّیتها من جهة القربة وسائر شرائط العبادات.
والحكمة الدّافعة لها أولاً : بانّ العبادة كلّما ازدادت فضیلةً زادت تمحّضاً فی التّعبّدیّة ، وتبعّداً عن الجهات التوصّلیة قطعاً.
وثانیاً: بأنّ العمومات الواردة مورد التشریع، والاطلاقات الواردة مورد حكم آخر غیر الاطلاق مسوقة عرفا لبیان جعل الشیء فی مقابل عدمه ، وجوازه فی مقابل حرمته ، فلا عموم ولا اطلاق فیها عرفا مثل اطلاق «فَكُلُوا مِمَّا أمسَكنَ
ص: 171
عَلَیكُم»(1)حیث انّ اطلاقه لبیان انّ ممسك الكلب المعلّم حلال فی الجملة ، یعنی لیس بمیتة ونجسة ذاتیة، لا بیان انّه حلال مطلق ، وبالجملة حتّی موضع العضّ والتّلویث بالنّجاسة الخارجیّة العرضیّة .
وثالثاً : سلَّمنا لكن العموم والاطلاق وان بلغ ما بلغ فی العموم والاطلاق وصحّة السّند وصراحة الدّلالة ، إلاّ انّه مع ذلك یكفی فی تخصیصها وتقییدها عرفاً و شرعاً كل ما یخصص سائر عمومات العبادات واطلاقات الطاعات بقوله تعالی : «لاً تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذی»(2) و «إنَّما یَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتُقِین»(3)وبقوله علیه السلام : «لا عمل إلاّ بالنّیُة»(4) « وما أمروا إلاّ لِیَعبُدوا اللهَ مُخلِصینَ لَهُ الدَّین».
شُبهة اوردها علیّ بعض العوام الاضلّ من الانعام بانّا نری بالوجدان انّ البكاء والصّراخ والعویل الحاصل من فعل الشبیه و نحوه تزلزل الجبال ، وتقلّب القلوب والأحوال أضعاف ما یحصل من الحدیث المجرّد من الضّمائم الحادثة .
والحكمة التی بها نقضه وعارضة اجمالاً، هی أنّ الحاصل من فعل الاصل وهو شمر وابن سعد وسنان، اضعاف ما یحصل من فعل الشّبیه ، لهم ممّا تزلزل العرش والسّبع الشّداد، بل كادت السّموات یتفطّرن منه ، و تنشقّ الأرض ، و تخرّ الجبال هدّا ، ومع ذلك كیف یصلح للعاقل أن یتوهم صحّة فعلهم الشنیع وحُسن عملهم القبیح البدیع؟ ولو صحّ الفرع لصحّ الأصل بالطّریق الأولی ، ولو صحّ الشّبیه بالوجه الاعلی لصحّ المشبّه .
ص: 172
وحلّاً وتفصیلاً بما عرفت من أنّ البُكاء والابكاء لیس حسنه ذاتیاً ولامطلوباً نفسیاً توصّلیّاً بأیّ وجهِ اتّفق ، بل قد عرفت انّه بالذّات لاحُسن فیه ، بل فیه ما فیه ، وانّما حسنه بالوجوه والاعتبار، وانّه من العبادات والتّعبّدیات المحضة الممحّضة فی العبودیّة ، فلا تصحّ إلاّ علی وجه التعبّدیة وشرطها وشروطها الآتیة ، وإلاّ كانت من البدع والتّشریعات المحرّمة ، بل المخرجة عن ربقة الاسلام بسبب تحلیل الحرام ، وإلا لجاز التوصّل بكلّ حرام وبدعة ومعصیة إلی ما هو من أفضل الطّاعات، فیتوصّل بالقتل والظلم والأسر والكذب والغناء إلی البكاء والابكاء، والتّوبة والانابة والعبادة. أفبالظّلم والسرقة الإنفاق والصّدقة !؟ وبثمن الخمر والعذرة الحجّ والعمرة؟! وبالقمار والأزلام عمارة بیت الله الحرام !؟ وبمال الأرامل والأیتام إفطار الصّیام وصلة الأرحام!؟ وبالفحشاء والمفاسد بناء القناطیر والمساجد!؟ وبعصارة الخبائث ودماء الثّلاث التّطهیر من الأحداث!؟ وباجرة الزّانیة والمغنّیة تصلح الصّدقة الجاریة والصّلة السّاریة!؟
وقد اشار الیه تعالی جلاله الجلیل بقوله : «مَا هذِهِ التَّمَاثِیل الَّتی أنتُم لَهَا عَاكِفُونَ» (1)«مَا لَكُم كَیفَ تَحكُمُون »(2) «تَعَالَی اللهُ عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُون» (3) «وَلاَ تَیَمَّمُوا الخَبِیثَ مِنهُ تُنفِقُون» (4)«الخَبِیثَاتُ لِلخَبَیثَینَ... وَالطّیَّبَاتُ لِلطّیبِین» (5) ومن كتابه علیه السلام - كما فی دیوانه - لمعاویة :
سَمعتك تَبنی مَسجِداً مِن جبایةٍ *** وأنتَ بحمدِ اللهِ غیر موفّقِ
كَمطعمةِ الرّمانِ مِمّازَنت بهِ *** جَرت مَثلاً للخائنِ المتصدّقِ
ص: 173
فقال لها أهل البصیرة والتقی *** لكِ الویل لا تَزنی ولا تتصدّقِ (1)
هذا كلّه من هُمَزات لُمَزات الشّیاطین، ومخادع مكائد العدوّ المبین ، لادخال ما لیس من الدّین ، وتخریب شریعة سیّد المرسلین، و تشبیه البدعة بالطّاعة، والمعصیة بالعبادة، والكفران بالایمان، والعدوان بالاحسان ، كدسّ السّموم فی الحلوان لإفساد الأبدان ، والحرمان والخسران من سعادات العبادة ، وفیوضات الاطاعة لخیر الأدیان.
وقد ورد أنّ الشّیطان لمّا رأی تأسّف السّلف علی فوت أنبیائهم، وصلحاء عبادهم، سوّل لهم ان اعملوا صَورهم وأشباههم وسجدوها لیشبّه ساجدها بالملائكة ومسجودها بآدم، فتكون شفعاء كم كما اعتذر المشركون بهذا التّسویل فی عبادة الأصنام فأجابهم النّبیّ صلّی الله علیه و آله بانّه لو اذن المولی لعبده الخاصّ فی وقت خاصّ أو بنحو خاصّ فی دخول حرم خاص ، فهل یجوز لعبده الآخر أو فی وقت آخر أو بنحو آخر دخول حرم آخر؟ فقالوا: لا یجوز . فقال صلی الله علیه و آله : فهكذا كان سجود الملائكة لآدم فلا یصحّ لساجد آخر، ولا فی وقت آخر، ولا بنحو آخر ، ولا لمسجود آخر، السّجود بالقیاس والتّشبیه كما توهّمه العوام الأضلّ من الانعام.
وقد سئل الامام علیه السلام فی موثقة سماعة عن رجل اصاب ما لاًمن عمّال بنی أمیّة وهو یحجّ ویتصدّق ویصل رحمه ویقول : «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ »» (2) فقال علیه السلام : ویحك انّ الخطیئة لا تكفّر الخطیئة وانّ الحسنة
ص: 174
تذهبُ السّیّئة ، و «إنّما یَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِین» (1)و «لا یطاع الله من حیث یعصی»(2).
ویتفرّع علی ما عرفت من رفع الشّبهات وإحكام المحكمات ومن الأصل الأصیل ، وما عرفت من الدلیل فروع:
منها: انّه یشترط فی كلّ من الصّحة والقبول وسائر الآثار والأحكام والفوائد والعوائد المرتّبة علی هذا الاسم الأعظم والأكسیر الأتم ولیلة القدر الّتی هی خیر من ألف شهر ، وهو تعبّدیّة البُكاء والابكاء، والتّعزیة والعزاء إجمالاً كلّما یشترط فی سائر العبادات من شروط الصّحّة والقبول وآداب الكمال ومراتب الخلوص ، فكلّ ما هو من شروط الصّحّة فی مطلق العبادات كالاسلام والایمان والعقل والاختیار والنّیّة شرط فی صحة البكاء والعزاء قطعاً لقوله تعالی : «وَمَن یَبتَغِ غَیرَ الإسلاَم دیناً فَلَن یُقبَلَ مِنهُ» (3)فلا یصحّ ولا یقبل من غیر المسلم ولو بالعرض ، كالمرتدّ باستخفاف ونحوه ، ولا من غیر العاقل وغیر المختار وغیر النّاوی لقوله علیه السلام «لا عمل الاّ بالنیة »(4).
وكلّ ما هو من موانع الصّحّة فی كلّی العبادات كالكفر والجنون والاضطرار والرّیاء والعُجب والسُّمعة مانعُ من صحّة تلك العبادة أیضاً، وكلّ ما هو من شرط القبول ، وترتّب الثّواب والخواص والفوائد والعوائد فی مطلق العبادات كالتّقوی والخلوص وملكة العدالة ، وترك الكبائر والإصرار علی الصغائر ، ومخالفة المروّة، وعدمه من موانع القبول والثّواب والخواص، فوجوده أیضاً شرط القبول
ص: 175
وعدمه من موانعه فیما نحن فیه لعموم الحصر والشّرطیّة من قوله تعالی : «إنَّمَا یَتَقبّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِینَ» (1)«وَلاَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنُ وَالأذی» (2).
وأمّا خُلوّ الذمّة عن واجب أهمّ، وعن كون تلك العبادة فی ضمن الكذب والغناء والشّبیه ، أو الطَّبل أو الرّقص، أو الدّف أو العود أو المزمار والنّاقوس والشّیبور ، وسائر أسباب الفجور، أو فی ضمن المكان والزّمان، أو اللباس المغصوب والحرام فأیضاً من شروط الصّحّة علی القول باقتضاء الأمر، النّهی عن الضّدّ أو امتناع اجتماع الأمر والنّهی فی شیء واحد وإلاّ فهو من شروط القبول والكمال وترتّب الثّواب والفوائد.
ومن جملة الفروع المتفرّعة علی ما عرفت من تعبّدیّة البكاء والابكاء انّه یعتبر فیه ما یعتبر فی سائر العبادات من وجوب الاقتصار فیه بحسب الكمّ والكیف علی قدر المأثور، والمتلقّی من الشارع كمّاً وكیفاً لتوقیفیّة العبادات كلیّة ، و بطلان التّشریع فیها كمّاً وكیفاً بزیادة ونقصیر عن الموظّف المأثور المتلقّی من الشارع، و الجاعل فی كلّ من المُبكی والباكی ، والبكاء والابكاء.
أمّا المُبكی والباكی فالقدر المسلّم المتیقّن تلقّیه كمّاً وكیفاً من أوصافهما وأحوالهما هو الاتّصاف بالتّقوی وملكة العدالة من ترك الكبائر ، والإصرار علی الصّغائر ، ومخالفة المروة، فلم یعلم الاذن والرّخصة لغیر المتّقی والعادل لما عرفت من أصالة التّوقّف فی كلّ العبادات ، و عدم اطلاق فی مطلقاتها لورودها مورد تشریع الحكم لا اطلاقه لعدم تلقّی الرخصة من الشارع لغیر المتّصف بوصف التّقوی والعدالة .
ص: 176
مضافاً إلی ما عرفت من انّه لو كان لمطلقات الباب وعموماته اطلاق أو عموم لكفی فی تخصیصها و تقییدها اطلاق الحصر من قوله تعالی : «إنَّما یَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَقِینَ» وعموم «لاَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنّ وَالأذی» وعموم «لَیسَ البِرَّ أنّ تُوَلُّوا وجُوهَكم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِب»(1) «ولكنَّ البرَّ مَنِ اتّقی» (2)
هذا كلّه مضافاً إلی حكم العقل والعقلاء بانّ المعروف بقدر المعرفة ،
والاحسان بقدر الایمان ، والكرامة علی قدر السّلامة ، والرّحمة والنّعمة علی قدر الحرمة ، والامتنانات والاباحات والتّوسّعات علی قدر اللیاقات والقابلیّات والاستعدادات الخاصّة المخصوصة فی سرّ الشّریعة المطهّرة بالموصوف بالتّقوی وملكة العدالة علی قدر مراتبهم المختلفة دون غیرهم ، بل الأولی والأحوط والأشبه باصالة التّوقیف فی مطلق العبادات، وقاعدة تقدیر الامتنانات والكرامات علی قدر الحرمات والقابلیّات والاحترامات واللیاقات ، انّما هو اعتبار الاذن والاستجازة خصوصاً فی الأبكاء والمبكی ممن یتّصل اجازته باجازة من له تلك الكلیّة بالخصوص أو العموم لعموم قوله تعالی : «لاَ تَدخُلَوا بَیَوتَ النَّبِیّ إلاّ أن یُؤذَنَ لَكُم»(3) وعموم قوله تعالی : «لاَ تَدخُلُوا بُیُوتاً غَیرَ بُیُوتِكُم حَتَّی تَستَأذِنُوا وتُسَلَّمُوا عَلَی أهلِهَا »(4) بناءَّ علی تعمیم البیوت لبیت السّعادة والدّین ، لا خصوص بیت الحجارة والطّین ، أو بالفحوی والأولویّة وعموم قوله علیه السلام: «لا تعلّموا العلم لغیر اهله فتظلموه، ولا تمنعوه من
ص: 177
اهله فتظلموهم»(1) ، بناء علی تعمیم العلم أو تعلیمه لذكر العزاء والابكاء. أو دلالته علیه بالفحوی والأولویة وعموم قوله تعالی : «إنَّمَا المُؤمِنُونَ الّذِینَ آمَنُوا بِاَللهِ وَرَسُولِهِ وَإذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَی أمر جَامِع لَم یَذهَبُوا حَتّی یَستَأذِنُوهُ إنَّ الَّذینَ یَستَاذِنُونَك اُولَئِكَ الّذِینَ یُؤمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإذا استَأذَنُوكَ لِبعضِ شَأنِهِم فَأذَن لِمَن شِئتَ مِنهُم »(2) بناءً علی تعمیم الأمر أو دلالة الفحوی والاولویّة ، وعموم «لاَ تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَینَكُم كَدُعَاءِ بَعضِكِم بَعضاً» (3) بناءً علی تعمیم الدّعاء للنداء والتّعزیة، والعزاء والفحوی والاولویّة. ولفحوی ما ورد من الاستئذان الدخول كلّ مشهد من مشاهد زیارتهم ونصوص «ما من ملك یهبط إلی الأرض فی شیء من الأمور من قبض روح أو نفخ روح أو بسط رزق الاّ ویأتی الامام بأمر الملك العلاّم فیستأذنه فیما أمر ویسلّم علیه ثم یذهب فیما أمر» (4)كما هو معنی الامامة والخلافة وصاحب الأمر وأولی الأمر وتنزل الملائكة والرّوح فیها من كلّ أمر.
وبفحوی قوله علیه السلام لمن كان یجید الطّعام فی سفر زیارة الحسین علیه السلام «وانتم لا تزورون خیر من أن تزورون»(5) ، فانه یدلّ بالفحوی علی تبعیّة ذی المقدّمة للمقدّمة فی المرجوحیّة ، كالعكس وهو تبعیة المقدّمة لذی المقدّمة فی الرجحان وبسیرة العلماء والمحدّثین طراً خلفاً عن سلف علی الاجازة والاستجازة فی مطلق الرّوایة ، ففیما نحن فیه من العبادة أولی وفحوی
ص: 178
ما هو المعهود من أصحابهم علیهم السلام من الاصرار والالحاح علی الاستئذان والاستجازة فی الجهاد، ففیما نحن فیه أولی ، بل الأولی والأحوط والأشبه باصالة التّوقیف فی مطلق العبادات ، وقاعدة تقدیر الامتنانات والكرامات والرّحمات، علی قدر القابلیّات واللیاقات والاحترامات فی كلّ السعادات ، مضافاً إلی اعتبار ما ذكر من تحصیل خلوص النیّة والقابلیّة بالتّقوی والعدالة والاستجازة اعتبار الخلوّ من الحدث والكسالة ، سیمّا من الحدث الأكبر ، والجنابة فی المُبكی والباكی لفحوی قوله تعالی : «لاَ تَقرَبُوا الصَّلوةَ وَأنتُم سُكَارَی حَتّی تَعلَمُوا مَا تَقُولونَ وَلاَ جُنُبا إلاَّ عَابِری ِسَبِیل حَتّی تَغتَسِلُوا»(1) او فحوی «لاَ یَمَسّهُ إلاّ المُطَهَّرُونَ»(2) وقوله علیه السلام لمن استأذنه الدّخول علیه وفیهم جنبُ: «هكذا یؤتی بیوت الأنبیاء»(3) بناء علی تعمیم البیوت لبیوت الدّین والامام المبین لا بیوت الحجارة والطّین.
وامّا ما یعتبر فی البكاء والابكاء مضافاً الی كلّ ما اعتبر فی الباكی و المبكی من الخلوص والخصوص، وصفة التّقوی ، وملكة العدالة والأذن والاستجازة ، والطّهور والحضور ، و تحصیل الاقبال والخضوع والاذلال والانفعال، ورفع الحدث والخبث، والكسل والفشل، فالأولی والأحوط والأشبه بأصالة التّوقیف فی مطلق العبادات ، وقاعدة التّقریر والتقدیر فی كلّی الكرامات والامتنانات والتّوسعات علی خصوص قدر اللیاقات والقابلیّات ، هو اعتبار الاقتصار علی خصوص المتلقّی كمّاً وكیفاً من الله تعالی أو أحد المعصومین علیهم السلام فی
ص: 179
كیفیّة البكاء والابكاء علی النّحو المأثور بلا زیادة ولا قصور فی الآیات القرآنیّة والنّصوص المعتبرة النّبویّة والوصویّة دون التّعدی والتّخطّی عن الموظّف المذكور، وما یوافق المشهور إلی حكایات لسان الحال ، أو شذوذ المقال ، أو ضعاف الأقوال ، أو مجعولات الجهّال، أو ما یلزم منه المحال أو الأشكال أوالاضلال ، ممّا ینافی اُصول المذهب أو محكمات الكتاب ، كما لا یخفی علی اُولی الألباب .
ص: 180
انّ أوّل ما خلق الله انّما هو نور النّبیّ صلّی الله علیه وآله وعترته الطّاهرة،وانّهم العلل المادیّة والغائیّة والصّوریة لجمیع الخلائق والمخلوقات فی جمیع العوالم والمعلولات قبل الأرضین والسّموات بالأدلّة الثّلاث .
فمن الكتاب ما ورد فی تفسیر قوله تعالی فی سورة النور : «الله نُورُ السَّمَوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشكَاة فیها مِصبَاح» (1) الایة انّه «مثل ، ضرب الله تعالی لنا مثل نوره قال ؛ محمد كمشكاة ، قال : صدر محمد فیها مصباح ، قال : فیه نور العلم یعنی النّبوّة، «المِصبَاحُ فِی زُجَاجَة» قال : علم رسول الله صدر إلی قلب علیّ «الزّجاجة كأنَّها» قال : كأنّه « كَوكَبُ دَرَّیُّ یُوقَدُ مِن شَجَرَة مُبَارَكَة زَیتُونَة لاَ شَرقِیَّة وَلاَ غَربِیَّة » . قال علیه السلام : ذلك أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب لا یهودیُّ ولا نصرانیّ «یَكَادُ زَیتُهَا یُضِیءُ وَلَو لَم تَمسَسهُ نَارُ» قال : یكاد العلم یخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ینطق به «نُورُ عَلَی نُور» ، قال :
ص: 181
«الإمام فی أثر الإمام»(1) وفی معناه اخبار اُخر(2).
وأمّا من السّنة: فیكفی ما استفیض وتواتر فی العوالم(3) والبحار(4) مسنداً عن سلمان الفارسی رضی الله عنه قال : قال رسول الله : «یا سلمان خلقنی الله من صفاء نوره فدعانی فاطعته ، وخلق من نوری علیّاً فدعاه إلی طاعته فاطاعه ، وخلق من نوری ونور علیّ فاطمة فدعاها فاطاعته ، وخلق منّی ومن علیّ ومن فاطمة الحسن والحسین فدعاهما فاطاعاه ، فسمّانا الله عزّ وجلّ بخمسة أسماء من اسمائه ، فالله المحمود وأنا محمد، والله العلیّ فهذا علیّ ، والله فاطر وهذه فاطمة ، والله ذو الاحسان وهذا حسن، والله المحسن وهذا الحسین علیه السلام.
ثمّ خلق من نور الحسین علیه السلام تسعة أئمّة فدعاهم فأطاعوا قبل أن یخلق الله سماء مبنیّة أو أرضاً مدحیّة أو هواءً أو ماءً أو ملكاً أو بشراً وكنًا بعلمه أنواراً نسبّحه ونسمع له ونطیع».
وأیضاً فیهما : مسنداًعن ابن مسعود «انّ الله خلقنی وخلق علیّاً والحسن والحسین علیهم السلام من نور قدسه ، فلمّا أراد أن ینشیء خلقه فتق نوری وخلق منه السموات والأرض ، وأنا والله أجلّ من السموات والأرض ، وفتق نور علیّ وخلق منه العرش، وعلیّ والله أجلّ من العرش والكرسیّ، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العین والملائكة ، والحسن والله أجلّ من الحور العین والملائكة، وفتق نور الحسین وخلق منه اللوحّ والقلم، والحسین علیه السلام
ص: 182
والله أجلّ من اللوح والقلم(1).
وأیضاً فیهما : مُسنداً عن الصّادق علیه السلام قال: «قال صلّی الله علیه و آله : انّ الله خلق أربعة عشر نوراً من نور عظمته قبل خلق العالم (2)بأربعة عشر عام وهی أرواحنا»، فقیل له : یا بن رسول الله عدّهم بأسمائهم ، فمن هؤلاء أربعة عشر نوراً؟ فقال : «محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین وتسعة من ذریة الحسین علیه السلام تاسعهم قائمهم»، ثمّ عدهم بأسمائهم.
ثم قال: «نحن والله الأوصیاء الخلفاء من بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله»(3).
وفی البحار أیضاً : مسنداً إلی أبی جعفر علیه السلام قال: «إنّ الله تبارك وتعالی لم یزل متفرّداً بوحدانیّته ثمّ خلق محمّداً وعلی وفاطمة والحسن والحسین فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جمیع الأشیاء فأشهدهم خلقا وأجری طاعتهم علیّهاً، وفوض اُمورها إلیهم، فهم یحلّون ما یشاؤن، ویحرّمون ما یشاؤن ، ولن یشاؤا إلاّ أن یشاء الله تبارك و تعالی .
ثمّ قال : یا محمّد هذه الدیانة الّتی من تقدّمها مرق، ومن تخلّف عنهامحق ، ومن لزمها لحق ، خذها إلیك یا محمد»(4).
وفیه أیضاً : عن أنس ، عن النبیّ صلّی الله علیه و آله : «انّ الله خلقنی وخلق علیّاً وفاطمة والحسن والحسین قبل أن یخلق آدم حین لا سماء مبنیّة ، ولا أرض مدحیّة ، ولا ظلمة ولا نور ، ولا شمس ولا قمر ، ولا جنّة ولا نار».
ص: 183
فقال العبّاس : فكیف كان بدء خلقكم یا رسول الله؟
فقال : «یا عمّ، لمّا أراد الله أن یخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نوراً ، ثم تكلّم بكلمة اُخری فخلق منها روحاً، ثمّ خلط النّور بالرّوح فخلقنی وخلق علیّاً وفاطمة والحسن والحسین، فكنّا نسبّحه حین لا تسبیح، ونقدّسه حین لا تقدیس، فلمّا أراد الله تعالی أن یُنشیء خلقه فتق نوراً فخلق منه العرش، فالعرش من نوری ، ونوری من نور الله ، ونوری أفضل من العرش.
ثمّ فتق نور أخی علیّ فخلق منه الملائكة ، فالملائكة من نور علیّ ، ونورعلیّ من نور الله ، وعلیّ أفضل من الملائكة.
ثمّ فتق نور ابنتی فخلق منه السّموات والأرض، فالسّموات والأرض من نور ابنتی فاطمة، ونور ابنتی فاطمة من نور الله ، وابنتی فاطمة أفضل من السّموات والأرض.
ثمّ فتق نور ولدی الحسن وخلق منه الشّمس والقمر والشّمس والقمر من نور ولدی الحسن ، ونور الحسن من نور الله ، والحسن افضل من الشّمس والقمر .
ثمّ فتق نور ولدی الحسین علیه السلام فخلق منه الجنّة والحور العین ، فالجتّة والحور العین من نور ولدی الحسین علیه السلام، ونور ولدی الحسین علیه السلام من نور الله ، وولدی الحسین علیه السلام أفضل من الجنّة والحور العین»(1).
إلی غیر ذلك من نصوص أهل بیت الوحی الصّحیحة الصّریحة المتواترة فی انّ أول الموجودات انّما هی أنوارهم وأرواحهم ، وانّهم المصدر الأول ، ومن أنوارهم فَتَقَ وَصَدَرَ وَأوجَدَ وَخَلَقَ سائر الموجودات العلویّة والسّفلیّة، وجمیع
ص: 184
ما سوی الله من العوالم من البدء إلی الختم، وانّهم العلل الغائیّة والمادیّة والصّوریة لها، وهذا هو الصحیح الصریح بالخصوص من النّصوص الذی علیه الملّیّون الإمامیّون من المحكمات ، الراجع إلیها سائر النّصوص المتشابهات ، فی كون أول ما خلق الله هو الماء أو الهواء، أو النّار أو النّور، أو الظّلمة، أو العقل ، أو العلم ، بحمل الظّاهر علی الاظهر ، والمطلق علی المقیّد ، أو حمل الأولی علی الأوّل الاضافیّ منها لا الحقیقیّ .
ص: 185
ص: 186
(2)
باب
كفر قاتلیه وظالمیه ،وشدّة عذابهم ، ووجوب اللعن علیهم وعلی أشیاعهم وأتباعهم ، وآخر تابع لهم علی ذلك.
فمن الكتاب یكفی عموم قوله تعالی : «وَمَن یَقتُل مُؤمِناً مُتَعَمَّداً فَجَزاؤهُ جَهَنَّمَ خَالِداً فیهَا»(1) الایة.
وعموم قوله تعالی فی الأحزاب : «إنَّ الّذینَ یُؤدَونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنیا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَاباً مُهیناً »(2).
وعموم قوله تعالی : «ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذینَ أسَاؤُا الُّسؤای أَن كَذَّبُوا بِآیَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِها یَستَهزِؤُنَ» (3).
وعموم قوله تعالی فی البقرة : «وَإذ أَخَذنَا مِیثَاقَكُم لاَ تَسفِكُونَ دِمَاءَكُم وَلاَ تُخرِجُونَ أنفُسَكُم مِن دِیَارِكُم ثُمَّ أقرَرتُم وَأَنتُم تَشهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُم هَؤُلاَءِ تَقتُلَونَ أنفُسَكُم وَتُخرِجُونَ فَریقاً مِنكُم مِن دِیَارِهِم تَظَاهَرُونَ عَلَیهِم بِالإثمِ وَالعُدوَانِ وَإن
ص: 187
یَأتُوكُم اُسَاری تَفَادُوهُم وَهَوَ مُحَرّمُ عَلَیكُم إخراجُهم أَفَتُومِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرُونَ بَبَعض فَمَا جَزَاءُ مَن یَفعَل ذَلِك مِنكُم إلاّ خُزیُ فِی الحَیاةِ الدُّنیَا وَیَؤمَ القِیَامَةِ یُرَدُّون إلَی أشَدَّ العَذَابِ»(1)وفحوی قوله تعالی فی البقرة:«َلَقَد عَلِمتُم
الَّذِینَ اعتَدَوا مِنكُم فِی السَّبتِ فَقُلنَا لَهُم كُونُوا قِردَة خَاسِئینَ فَجَعَلنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَینَ یَدَیهَا وَمَا خَلفَهَا وَمَؤعِظَه لِلمُتَّقیِنَ» (2) وفحوی قوله تعالی : «فَلَمَّا عَتَوا عَمَّانُهُوا عَنهُ قُلنَا لَهُم كُونُوا قِردَةً خَاسِئیِنَ»(3).
وعموم تعلیل قوله تعالی فی المائدة : «لُعِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا عَلَی لِسَانِ دَاؤُدَ وَعِیسی ابنِ مَریمَ» بقوله تعالی : «ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا یَعتَدُون * كَانُوا لاَ یَتَنَاهَونَ عَن مُنكَر فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا یَفعَلُون»(4).
وفی البحار : بإسناده إلی كعب یقول : أول من لعن قاتل الحسین علیه السلام إبراهیم الخلیل وأمر ولده بذلك ، واخذ علیهم العهد والمیثاق، ثم لعنه موسی بن عمران وأمر أمّته بذلك ، ثمّ لعنه داود وأمر بنی اسرائیل بذلك ، ثم لعنه عیسی علیه السلام وأكثر أن قال : «یا بنی إسرائیل العنوا قاتلیه ، وان أدركتم ایامه فلا تجلسوا عنه ، فانّ الشّهید معه كالشّهید مع الأنبیاء مقبل غیر مدبر ، وكانّی أنظر إلی بقعته ، وما من نبی إلاّ وقد زار كربلاء ووقف علیها وقال : إنّك لبقعة كثیر الخیر ، فیك یدفن القمر الأزهر (5).
وباسناده عن الصّادق علیه السلام قال : قال رسول الله صلّی الله علیه
ص: 188
وآله : ستّةُ لعنهم الله وكلّ نبیّ مُجاب الزّائد فی كتاب الله ، والمكذّب بقدر الله ، والتّارك لسنّتی ، والمستحل من عترتی ما حرّم الله، والمتسلّط بالجبروت لبذلّ من أعزّه الله ویعزّ من أذلّه الله ، والمستأثر بفیء المسلمین المستحلّ له»(1).
وفی البحار وغیره ، عن الرضا علیه السلام : «من نظر إلی الفقّاع أو الشّطرنج، فلیذكر الحسین علیه السلام ، ولیلعن یزید وآل یزید، یمحو الله عزّ وجلّ بذلك ذنوبه ولو كانت كعدد النّجوم» (2).
وعنه أیضاً علیه السلام : «قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : انّ قاتل الحسین علیه السلام فی تابوت من نار علیه نصف عذاب أهل الدّنیا ، وقد شدّ یداه ورجلاه بسلاسل من نار، منكّس فی النّار حتّی یقع فی قعر جهنم ، وله ریح یتعوّذ أهل النار إلی ربّهم من شدّة نتنه ، وهو فیها خالد ذائق العذاب الألیم مع جمیع من شایع علی قتله ، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله علیهم الجلود حتّی یذوقوا العذاب الألیم، لا یفتّر عنهم ساعة ، ویسقون من حمیم جهنّم ، فالویل لهم من عذاب النّار»(3).
وفی الباب وساوس من الشّیطان علی ضعفاء الایمان تارةً بسمنع دلالة النّصوص علی كفر الظّلمة والقتلة مطلقاً، واُخری بانّه لو سلّم فانّما یسلّم دلالتها علی كفر ظّلمته وقتلته بالخصوص لا العموم الشّامل لمطلق الظَّلمة حتّی التابعین وتابع التّابعین إلی یوم الدّین ، و ثالثةً بانّه لو دلّ علی كفرهم وعظم ذنبهم فما الوجه والحكمة فی انظارهم وامها لهم وعدم تعجیل عقوبتهم بالمسخ والحرق
ص: 189
والغرق الجاری علیه عادة الله فی الأُمم السّالفة ، كما اُغرق قوم فرعون واُمّة نوح بدعاء أنبیائهم : و «الَّذِینَ اعتَدَوا... فِی السَّبتِ فَقُلنَا لَهُم كُونُوا قِرَدَةُ خَاسِئینَ »(1) وعاقری ناقة صالح«فَدَمدَمَ عَلَیهِم رَبُّهُم بِذَنبِهِم فَسَوَّاهَا»(2).
وفی تفسیر «لُعِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِن بَنِی»(3)الآیة أنّ داود لمّا لعن الّذین اعتدوا فی سبتهم مُسخوا قردةً، وعیسی علیه السلام لمّا لَعنَ الّذین كفروا بعد نزول المائدة علیهم مسخوا خنازیر ، وكانوا خمسة آلاف رجل ومع ذلك كیف لم یعجّل عقوبة قتلةِ الحسین علیه السلام و ظالمیه ؟
والجواب: أمّا عن الأول فبوضوح: أنّ كلّاً من تلك النّصوص وإن لم یدلّ بنفسه وبالمطابقة علی كفر قتلته وظلمته إلاّ انّها بالمجموع ومن حیث المجموع تدلّ علیه عرفاً بالالتزام، لملازمة آیة الخلود وسوء العاقبة ووعید الانقلاب وتراكم اللعن من كلّ مجاب ، و وعید سوء الحساب للكفر الیقینی البدیهی فعلاً أو عاقبة ومآلاً.
وعن الثّانی بعموم اللنّصوص خصوصاً نصوص الكتاب وعدم المخصّص واصالة عدمه ، بل الدّلیل علی عدمه من العقل المستقل علی عموم قبیح الظّلم الابی من التخصیص قطعاً مضافةاً إلی تصریح الكتاب بالتّعمیم لقوله تعالی : «واحشُرُوا الَّذِینَ ظَلَمُوا وَأزَوَاجهُم وَمَا كَانُوا یَعبُدون مِن دُونِ اللهِ فَاهدُوهُم إلَی صِراطِ الجَحِیم وَقِفُوهم إنَّهُم مَسؤُولُون مَا لَكُم لاَ تَنَاصَرُون»(4) ومفهوم قوله
ص: 190
تعالی : «فَمَنِ اضطُرَّ غَیرَ بَاغ وَلاَ عَادفَلَا إثمَ عَلَیهِ» (1) وعموم تشبیه الكافرین بالظّالمین فی قوله تعالی : «وَالكَافِرُون هُمُ الظَّالِمَّونَ» وعموم تعلیل اللعن والكفر فی قوله تعالی :«لُعِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِن بَنِی إسرَائِیلَ عَلَی لِسَانِ دَاؤُد» (2)الآیة بقوله : «ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا یَعتَدُون» ، وقوله علیه السلام فی الصّافی(3) عن القمی(4)، عن الصادق علیه السلام انّه سئل عن قوم من الشّیعة یدخلون فی أعمال السّلطان، ویعملون لهم ، ویحبّون لهم ویتولّونهم ، قال علیه السلام : «لیس هم من الشّیعة ، ولكنّهم من أولئك ، ثمّ قرأ : «لُعِنَ الَّذین كفروا» الایة».
وقوله علیه السلام فی الرسائل(5): «العامل بالظّلم، والمعین له ، والرّاضی
به شركاء كلّهم».
إلی غیر ذلك من النّصوص المستفیضة ، بل المتواترة الصّریحة علی عموم حرمة الظّلم وان سوء عاقبته الكفر ، بل وأسوء عاقبةً وعقوبةً من الكفر(6)، مضافاً إلی الاجماع والعقل المستقلّ الابی من تخصیص قبح الظّلم بشخص دون شخص ، ولا بزمان دون زمان، ولا بمكان دون مكان ، وحسبك شاهداً قطعّیاً علی عموم قبح الظّلم وامتناع تخصیصه بظلم المخالفین ، بل و تعیین التخصیص فی عمومات غفران ذنوب الشّیعة ، واعداد الشفاعة الكبری لأهل الكبائر منهم ، بخصوص المحصور بقوله تعالی : «إنَّمَا التَّوبةُ.. للَّذِینَ یَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة ثُمَّ
ص: 191
یَتُوبُونَ مِن قَرِیب)(1)، كما فی حسنة ابن أبی عمیر عن الكاظم علیه السلام لمّا قال : «قال رسول الله : انّما شفاعتی لاهل الكبائر من امّتی ، وأمّا المحسنون فما علیهم من سبیل».
قال ابن أبی عمیر : قلت : یابن رسول الله كیف یكون الشّفاعة لأهل الكبائر والله تعالی یقولُ:« وَلاَ یَشفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ازتَضَی» ومن ارتكب الكبائر فلیس بمرتضی؟
قال : «یا أبا أحمد، ما من مؤمن یرتكب ذنباًالاساءة ذلك وندم علیه ، وقد قال النّبیّ صلّی الله علیه و آله : كفی بالنّدم توبة».
وقال علیه السلام: «من سرّته حسنته وساءته سیّنه ، فهو مؤمن، فمن لم یندم علی ذنب یرتكبه فلیس بمؤمن ، فلم یجب له الشّفاعة وكان ظالماً، والله تعالی یقولُ : «ومَا لِلظَّالمین مِن حَمِیم وَلاَ شَفِیع یُطاعُ»»(2)
قلت : فكیف لا یكون مؤمناً من لم یندم علی ذنب یرتكبه؟
فقال علیه السلام: «یا أبا أحمد، ما من أحد یرتكب كبیرة من المعاصی وهو یعلم انّه سیعاقب علیها إلاّ أنّه ندم علی ما ارتكب ، ومتی ندم كان تائباً مستحقّاً للشّفاعة، ومن لم یندم علیها كان مصرّاً، والمصرّ لا یغفر له لانّه غیر مؤمن لعقوباً ما ارتكب ، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم» (3) الحدیث.
فانّ هذا التّعلیل دلیلُ صریحُ فی تخصیص غفران الشّیعة وشفاعة اهل الكبائر منهم بالتّائبین منها فوراً من غیر إصرار ولا 8 مهلة ، وانّ غیر النّادم المصرّ
ص: 192
ولو علی الصّغیرة دون الكبیرة ، بل ولو بمجرّد العزم علی المعصیة ، بل ولو بمجرّد عدم النّدم فوراً وتسویف التّوبة فعلاً مأمون من الوعید وغیر مؤمن بالمعاد وهو كفُر و ارتدادُ، وهذا من جملة ما یقصم الظّهور ولم یبق فی تلك العمومات غرورُ ولا سرورٌ.
وأما الجواب عن الثالث فیما فی العوالم(1) والبحار (2) باسنادهما إلی علیّ بن الحسین علیه السلام لمّا ذكر حال من مسخهم الله قردة من بنی اسرائیل ، قال : «إنّ الله تعالی مسخ اُولئك القوم لاصطیاد السّمك ، فكیف تری عند الله یكون حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حریمه ؟ إنّ الله تعالی وان لم یمسخهم فی الدّنیا ، فانّ المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ» ، فقیل له : یابن رسول الله ، فانّا قد سمعنا منك هذا الحدیث فقال لنا بعض النصّاب ، فان كان قتل الحسین علیه السلام باطلاً، فهو أعظم من صید السّمك فی السّبت، فما كان یغضب علی قاتلیه كما غضب علی صیّاد السّمك ؟
قال علیّ بن الحسین علیه السلام : «قل لهؤلاء النّضّاب ، فانّ ابلیس معاصیه أعظم من معاصی من كفر باغوائه فأهلك الله من شاء منهم ، كقوم نوح وفرعون، ولم یهلك ابلیس وهو أولی بالهلاك ، فما باله أهلك هؤلاء الذّین قصروا عن ابلیس فی عمل الموبقات وأهمل ابلیس مع ایثاره لكشف المخزیّات؟ ألا كان ربّنا حكیماً بتدبیره وحكمه فیمن أهلك وفیمن استبقی ، فكذلك هؤلاء الصّائدون فی السّبت ، وهؤلاء القاتلون للحسین علیه السلام یفعل فی الفریقین ما یعلم، انّه أولی بالصّواب والحكمة لاَ یُسأَلُ عَمّا یَفعَلُ وعباده یُساَلُون.
ص: 193
ص: 194
الآیات الواردة فی تعزیة الله أنبیاءه بعزاء الحسین علیه السلام ،وإخباره بشهادته ، وطلب الله بثأره، وتذكّر مصیبته ، وتشكّر شهادته ، وبیان سوء عاقبة ظلمته ، وعقوبة قتلته ، لیقتدی بآثاره، ویهتدی بأنواره، ویقتفی بأطواره ، ویتحذّر من أغیاره ، ویؤخذ بشعاره ودثاره .
منها : ما فی البحار (1) والعوالم (2)، وعن صاحب الدّرّ الثمین فی تفسیر قوله : «فَتَلَقَّی آدم مِن رَبَّهِ كَلِمَاتِ» (3) انّه رأی فی ساق العرش أسماء النّبیّ والأئمّة علیهم السلام، فلقّنه جبرئیل : یا حمید بحقّ محمّد صلّی الله علیه و آله ، یا عالی بحقّ علیّ ، یا فاطر بحقّ فاطمة ، یا محسن بحقّ الحسن والحسین علیهما السلام ومنك الاحسان ، فلمّا ذكر الحسین علیه السلام سالت دموعه، وانخشع قلبه ، وقال : «أخی جبرئیل فی ذكر الخامس ینكسر قلبی ، وتسیل عبرتی» .
وقال جبرئیل: ولدك هذا یصاب بمصیبة تصغر عندها المصائب.
ص: 195
فقال : «یا أخی ، وما هی» ؟
قال : یُقتل عطشاناً غریباً وحیداً فریداً ، لیس له ناصرُ ولا معین ، ولو تراه یا آدم وهو یقول: وا عطشاه وا قلّة ناصراه ، حتّی یحول العطش بینه وبین السّماء كالدّخان فلم یجبه أحدُ إلاّ بالسّیوف وشرب الحتوف ، فیُذبح ذبح الشّاة من قفاه ، ینهب رحلهُ أعداؤه ، و تُشهّر رؤوسهم هو وأنصاره فی البلدان ومعهم النَّسوان، كذلك سبق فی علم الواحد المنّان.
فبكی آدم و جبرئیل بكاء الثّكلی.
حكمة: قوله : «وا عطشاه وا قلّة ناصراه»، لیس معناه سقی العطشان ونصر الأبدان كما یزعم فی الظّاهر لاستغناء مراتب الإمامة عن مناقص الحاجة إلی الأُمّة ، بل المقصود منه بدلالة الاقتضاء والشّاهد الحال القطعی فی داعی الله طلب ماء حیاة الإیمان ، ونصرة دین الرّحمن ، وإحیاء شریعة الاسلام ،وانقاذه من أیدی الظّلام إلی قیام یوم القیام، ولكن لما كان هذا المعنی الواقعی مسبّباً و معلولاً عن ذلك المعنی الظّاهری ، اُقیم السّبب مقام المسبّب ، والعلّة مقام المعلول ، كما لا یخفی علی أرباب العقول.
ثمّ انّ معنی تلقّی الكلمات كما عن الشّیخ أبی علیّ(1): هو الأخذ والقبول والعمل بها علی سبیل الطّاعة والرّغبة ، لا مجرّد التّكلّم باللسان ، ولا مع الاذعان بالجنان فقط ، ولا مع العمل بالأركان مطلقاً بأی وجه اتّفق ، ولو علی وجه التّوصّل ، بل انّما هو علی وجه الإقرار باللسان، والاذعان بالجنان ، والعمل بالاركان علی وجه التعبّدیّة المحضة ، المعتبر فی صحّتها وقبولها جمیع ما اعتبر فی سائر العبادات من شرطها وشروطها المتقدّمة ، هذا علی قراءة رفع آدم علیه
ص: 196
السلام ونصب كلمات، وامّا علی قراءة العكس فالمعنی انّ الكلمات استقبلت آدم علیه السلام بأن بلغته ، ثمّ انّ تفسیر الكلمات بأسماء النّبیّ والأّئمة لا ینافی ما قیل من انّها قوله تعالی : «رَبَّنَا ظَلَمنَا أنفُسَنَا وَإن لَم تَغفِر لَنَا وَتَرحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرینَ»(1) أو قوله تعالی : «لا إله إلا أنت ظلمت نفسی فاغفر لی إنه لا یغفر الذنوب إلا أنت»(2).
ولو اغمضنا من ترجیح الأول بتفسیر أهل البیت ومرجوحیّة غیره بموافقةالعامّة والتّقیّة لأنّ للقرآن (3) بطوناً سبعة أو سبعین.
ومنها : قوله تعالی : «وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُم عَلَی المَلَائِكةِ فَقَالَ أنبِئُونِی بِأَسمَاءِ هَؤلاَءِ إن كُنتُم صَادِقِینَ»(4) الآیة ، وفی تفسیر الإمام (5)علیه السلام انّها أسماء أنبیاء الله وأولیائه ، وعتاة اعدائه ، وما من اُمّة إلاّ وعُرِضت أشباحها علی آدم فی عالم الذّرّ، فلمّا نظر إلیها رأی اختلافها ونفاقها وشدّة طلبهم الدّنیا ، قال : ما بال أكثر الاُمّة المرحومة عن جمیع سعاداتها محرومة ، و بالشّقاوات موسومة؟ فنودی : یا آدم، اختلفوا فنافقوا، وسیظهرون الفساد فی الأرض كفساد قابیل فی قتل هابیل ، فانّهم یقتلون فرخ حبیبی محمّد المصطفی صلّی الله علیه و آله ، فأراه وقعة كربلاء، ومصرع قتلهم سیّد الشّهداء ، وما فعلوا به من الظّلم والجفاء، فنظر آدم علیه السلام إلی هؤلاء الاشقیاء، فرأی وجوههم مسودّة ، فدعا الله علیهم بالانتقام كما قتلوا ابن خیر الكرام .
ص: 197
حكمة: التفسیر المقدّم عن الإمام لا ینافی سائر ما نقل عنه أیضاً من انّها أسماء كلّ شیء من الجبال والبحار والأودیة والنّباتات والحیوانات، لما تقدّم من انّ للقرآن بطوناً مضافاً، إلی أنّ التفسیر الأول هو الأرجح والأوفق بمذهب اهل البیت، ومقام الامتنان والتّفضیل، وبحال المفضّل والمفضّل علیه ، وبرجوع ضمیر من یعقل إلی الأسماء بقوله : «ثُمَّ عَرَضَهُم عَلَی المَلاَئِكةِ فَقَالَ أنبِئونِی بِأسمَاء هَؤُلاَءِ».
ثمّ المراد من تعلیمه الاسماء لیس تعلیم خصوص الفاظها الدّالة علی معانیها فقط ، لرجوعه إلی تعلیم اللغة وعدم صلوحه بمقام الامتنان والتفضیل ، ولا بحال المفضّل والمفضّل علیه ، بل المراد تعلیم حقائق الأشیاء وعللها الأربع الفاعلیة والمادیّة والصّوریة والغائیة وجمیع أسبابها وموادّها وذواتها وكیفیّاتها ، وكیفیّات صنعها وما یصنع منها ، وفیها وعلیها وبها ولها ومعها ، وما یترتّب علیها من مصالحها ومنافعها وخواصّها، وفوائدها ومضارّها ومفاسدها، ومُصلحها ومفسدها، وآثارها و علائمها وتركیبها، وجمیع ما یتعلّق بها ، وانّما سمّیت هذه المسمّیات أسماء مجازاً من باب اطلاق السّبب وارادة المسبّب ، أو من جهة مشاركتها الأسماء فی الدّلالة وان كان دلالة الاسم علی المستی ، بالوضع واللمَّ، ودلالة المسمّی علی الاسم بالذّات والعقل والإنَّ، وانّما عبّر عنها فی بعض النّصوص بأسماء الله ، والأسماء الحسنی ، وكلمات الله العلیا، وفی اصطلاح قوم بالعقول، باعتبار انّها مسّببة عن تلك الأسباب ، و مربربات تلك الأرباب ، و مظهر الظّواهر والصّفات الّتی بها خلقت ، وبها قامت ، وبها رزقت.
وانّما اضیف فی النّصّ المتقدّم تارة إلی المخلوقات كلّها ، لأنّ كلّها مظاهر تلك الأسماء الحسنی ، والكلمات العلیا الّتی فیها ظهرت صفاتها مُنفردةً فی الجملة ، واُخری إلی الأولیاء ، لا كلّهم أظهر مظاهرها التّامّة الجامعة لجمیع
ص: 198
صفاتها الكاملة بالجملة علی الوجه الأجمع الأتمّ الأكمل الاعمّ، وبتلك العلاقة الظاهرة والمظهریّة، أو السّببیّة والمسببیّة ، یصحّ التعبیر عن المسمّیات بالأسماء و بالعكس.
قال الصّافی : وانّما یقول بالسّببیّة من لم یفهم العینیّة (1)، وفیه أنّ فهم العینیة مستلزم لمحاذیر وحدة الوجود، وحلول المعبود فی كلّ شاهد ومشهود، واتّحاده مع كلّ موجود، وهو باطل و مردود.
قال أیضاً : تعمیم علم آدم مسندُ إلی خلقه من أجزاء مختلفة ، وقویً متباینة حتیُ استعدّ لادراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات (2)، بخلاف الملائكة ، وانما لم یعرفوا حقائق الأشیاء كلّها لاختلافها وتباینها وكونها وحدانیّة الصّفات.
أقول فیه أیضاً: انّ اختلافات المعلومات وتباینها ، واتّحاد صفة الملائكة وبساطة ذاتهم، لا تقتضی انتفاء علمهم ومعرفتهم بتلك المعلومات، ولا انتفاء صدور الفعل المتعدّد منهم، ولا انتفاء التّباغض بینهم ، ولا استحالة المعصیة و مجبولیّة الطّاعة فیهم، لانتقاض ذلك كلّه باتّحاد ذات الباری ووحدته ، ووحدانیة ذاته من جمیع الجهات مع علمه المطلق المحیط بجمیع الأشیاء بالغایة ، وصدور المختلفات المتعدّدة عنه إلی غیر النّهایة ، وبعدم اتّحاد بنی نوع الانسان، و وجود الخلط والتّركیب فی جبلّتهم مع وجود علم الغیب والعصمة ، واستحالة التّباغض والمعصیة فی خلفائهم ، والعكس والضّدیّة والمخالفة فی غیر خلفائهم.
وامّا : ما یقال فی توجیهه وتوجیه اثبات العقول العشرة ایضاً بانّ الواحد
ص: 199
من جمیع الجهات لا یصدر منه إلاّ الواحد ، كمزاج النّاریة والنّار حیث لا یصدر منه إلاّ الحرارة والاحراق ، والمائیة والماء بالعكس، ففاسد .
امّا اجمالاً ونقضاً، فبانّ استلزام وحدة الفاعل وحدة الفعل، وتركیبه التعدّده یستلزم الجبر والتّكلیف بما لا یطاق المستحیل عقلاً و نقلاً.
وأمّا حلّاً و تفصیلاً، فاوّلاً : بانّ ملازمة وحدة الفاعل لوحدة الفعل وتركیبه التعدّده انّما یتمّ فی الطّبائع الأوّلیّة لا موالیدها فضلاً عن موالید موالیدها كما هو المفروض ، وثانیاً : لو سلم فانما یتمّ فی الفاعل الموجب لا المختار والاقتضاء القهریّ لا الشّعوری.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ السرّ والحكمة فی تخصیص العلم والرّسالة والرّیاسة بآدم علیه السلام دون الملائكة لیس ما ذكر ، بل قوله : «اللهُ أعلَمُ حَیثُ یَجعَلُ رِسَالَتَهُ»(1) ورئاسته ، ثمّ المراد بتعلیم آدم علیه السلام ایجاده عالماً لا تعلیمه بعد ایجاده جاهلاً لاستلزامه النّقص فی عالم الوجود المستحیل عقلاً؟ فیمن اصطفاه خلیفة فی أرضه ، وحجّة علی خلقه، ومراة لكمالاته ، ومظهراً الصفاته ، و ظلًّا ظلیلا لذاته ، ودلیلاً علی قدرته ، وأحكاماً لصنعته ومحاسن حكمته ، فقوله تعالی : «وَعَلَّم آدمَ»(2) و «یُریدَ اللُه لِیُذهِبَ عَنكُمُ الرّجّسَ أهلَ البَیتِ»(3)مثل قوله : «فَجَعَلنَاهُ سَمِیعاً بَصِیراً»(4) ، یعنی أوجدناه سمیعاً بصیراً ، مثل قولهم : ضیق فم الرّكیّة ، یعنی اوجده ضیّقاً، لا أحدث فیه صفة الضّیق بعد ایجاده وسیعاً .
ص: 200
ومن هنا یعلم وجه افضلیّة رتبة العلم واسبقیّته علی جمیع الكمالات وسببّته لمنتهی الغایات ، وأقصی درجات السعادات ، ومناصب الرّسالات والرّئاسات والخلافات، ومراتب العصمة عن جمیع الخساسات والشّبهات والزلات.
ومنها : ما فی البحار(1) والعوالم (2) والصافی (3)عن الاكمال (4)مسنداً إلی القائم علیه السلام عن تأویل«كهیعص» (5) قال : هذه الحروف من انباء الغیب اطّلع علیها عبده زكریّا، قصّها علی محمّد صلّی الله علیه و آله ، وذلك أنّ زكریّا سأل ربّه أن یعلّمه أسماء الخمسة ، فاهبط علیه جبرئیل فعلّمه ایّاها ، فكان زكریّا إذا ذكر محمّداً صلّی الله علیه و آله وعلیّاً وفاطمة والحسن علیهم السلام سرّی عنه همّه ، وانجلی كربُهُ ، وإذا ذكر اسم الحسین علیه السلام خنقته العبرة ، ووقعت علیه البهرة ، فقال ذات یوم : «الهی ما بالی إذا ذكرت أربعة منهم تسلّیت بأسمائهم من همومی ، وإذا ذكرت الحسین علیه السلام تدمع عینی تثور زفرتی»؟ فأنبأ الله تعالی عن قصّته بقوله : «كهیعص» فالكاف : اسم كربلاء ، والهاء : هلاك العترة الطّاهرة، والیاء : یزید وهو ظالم الحسین علیه السلام، والعین : عطشه ، والصّاد صبره ، فلمّا سمع ذلك زكریّا لم یفارق مسجده ثلاثة ایّام، ومنع فیهنّ النّاس من الدّخول علیه ، واقبل علی البكاء والنحیب ، وكان یرثیه :
«الهی اتفجع خیر جمیع خلقك بولده ؟ الهی أتنزل بلوی هذه الرزیة
ص: 201
بفنائه ؟ الهی أتلبس علیّاً وفاطمة ثیاب هذه المصیبة ؟ الهی أتحلّ كربة هذه المصیبة بساحتها»؟
ثمّ كان یقول : «الهی ارزقنی ولداً تقرّ به عینی علی الكبر ، وأجعله وارثأ وصیا ، واجعل محلّه منّی محلّ الحسین علیه السلام ، فاذا رزقتنیه فافتتنّی بحبّه ، ثمّ افجعنی به كما تفجع محمّداً حبیبك بولده».
فرزقه الله یحیی و فجعه به ، وكان حمل یحیی ستّة أشهر، وحمل الحسین علیه السلام كذلك.
بیان: سُرَّی - بضمّ السّین وكسر الرّاء المشدّدة : انكشف، والبهرة - بالضّمّ -: تتابع النّفس عند السّعی الشّدید والتهیّج ، وزفراً: خرج نفسه بعد مدّة ایّاه ، والزّفرة ویضمّ التنفس كذلك.
حكمة: تفسیره بما تقدّم لا ینافی تفسیره من القمّی(1) بأسماء الله المقطّعة ، وعن المعانی ، عن الصّادق علیه السلام : بالكافی ، الهادی ، الولیّ ، العالم، الصّادق الوعد (2). وعنه : كافی لشیعتنا ، هاد لهم ، ولیُّ لهم، عالم بأهل طاعتهم ، صادق لهم وعده(3).
كما فی الدّعاء : یا كهیعص ، لما عرفت من أنّ للقرآن بطوناً .
ومنها : قوله تعالی:«وَاصنَع الفُلك بِأغیُنِیَا وَوَحیِنَا وَلاَ تُخَاطِبنِی فِی الَّذِینَ ظَلَمُوا إنَّهُم مُغرَقُونَ»(4)
ص: 202
وفی العوالم(1) والبحار (2) عن النبیّ صلّی الله علیه و آله لمّا اُراد الله أن یهلك قوم نوح اوحی إلیه أن شقّ ألواح السّاج، فلمّا شقّها فهبط جبرئیل ومعه تابوت بها مائة الف مسمار وتسعة وعشرون الف مسمار ، فسمّر بالمسامیر كلّها السّفینة إلی أن بقیت خمسة مسامیر فضرب بیده إلی مسمار فأشرق بیده وأضاء كما یضیء الكوكب الدّریّ فی اُفق السّماء ، فتحیّر نوح فأنطق الله المسمار بلسان طلق فقال : أنا علی اسم خیر الأنبیاء محمد بن عبدالله صلّی الله علیه و آله.
فهبط جبرئیل فقال له نوح: «یا جبرئیل ما هذا المسمار الّذی ما رأیت مثله» ؟
فقال : هذا باسم سیّد الانبیاء محمّد بن عبدالله ، اسمرهُ علی أوّلها علی جانب السّفینة الأیمن، ثمّ ضرب بیده مسمار ثان فأشرق وأنار ، فقال نوح: «ما هذا المسمار»؟ فقال : هذا مسمار أخیه و ابن عمه سیّد الأوصیاء علی بن أبی طالب فأسمرهُ علی جانب السّفینة الأیسر فی أوّلها، ثمّ ضرب بیده إلی مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال جبرئیل : هذا مسمار فاطمة فأسمره إلی جانب مسمار أبیها، ثم ضرب إلی مسمار رابع فزهر وأنار فقال جبرئیل : هذا مسمار الحسن علیه السلام فأسمره إلی جانب مسمار أبیه ، ثم ضرب إلی مسمارخامس فزهر وأنار وأظهر النداوة ، فقال جبرئیل : هذا مسمار الحسین علیه السلام فأسمره إلی جانب مسمار أبیه ، فقال نوح: «ما هذه النّداوة»؟ فقال : هذا الدّم - فذكر قصّة الحسین علیه السلام وما تعمل الأمّة به -
ص: 203
اشكال: فی الصّافی (1)عن عیون اخبار (2) الرضا علیه السلام قیل له : لایّ علّة اغرق الله الدّنیا كلّها فی زمن نوح وفیهم الأطفال ومن لا ذنب له ؟
فقال : «ما كان فیهم الأطفال، لأنّ الله أعقم اصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعین عاماً، فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل، وما كان الله لیهلك بعذابه من لا ذنب له ، وأمّا الباقون من قومه فاُغرقوا بتكذیبهم لنبیّ الله نوح ، وسائرهم أغرقوا برضائهم بتكذیب المكذّبین ، ومن غاب عن أمر فرضی به كان كمن شهد».
ومنها : قوله تعالی :«إنَّ هَذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِینُ * وَفَدَینَاهُ بِذِبح عَظِیم» (3).
وفی العیون (4) عن الرضا علیه السلام قال : «لمّا أمر الله تعالی إبراهیم أن یذبح مكان ابنه إسماعیل الكبش الّذی أنزله علیه تمنّی إبراهیم أن یكون قد ذبح ابنه إسماعیل بیده ، وانّه لم یؤمن بذبح الكبش مكانه لیرجع إلی قلبه ما یرجع إلی قلب الوالد الّذی یذبح أعزّ ولده علیه بیده ، ویستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثّواب علی المصائب».
وأوحی الله إلیه : یا إبراهیم من أحبُّ خلقی إلیك؟
فقال : «یا ربّ ، وما خلقت خلقاً هو أحبّ إلیّ من حبیبك محمّد» فأوحی الله إلیه : هو أحبّ إلیك أم نفسك ؟
قال : «بل هو أحبّ إلیّ من نفسی».
قال : فولده أحبّ إلیك أم ولدك ؟ قال : «بل ولده».
ص: 204
قال : فذبح ولده ظلماً علی أیدی أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بیدك فی طاعتی؟
قال : «یا ربّ ، بل ذبحه علی یدی أعدائه أوجع لقلبی» .
قال : یا إبراهیم ، فانّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد ستقتل الحسین علیه السلام ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما یذبح الكبش ، وسیوجبون بذلك سخطی .
فجزع إبراهیم لذلك وتوجّع قلبه واقبل یبكی ، فأوحی الله إلیه : یا إبراهیم قد فدیت جزعك علی ابنك إسماعیل لو ذبحته بیدك بجزعك علی الحسین و قتله ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثّواب علی المصائب ، وذلك قوله تعالی : «وَفَدَینَاهُ بِذِبحِ عَظِیم».
اشكال: أمّا علی تفسیر الفداء عن ذبح إسماعیل بذبح الحسین علیه السلام ولزوم أن یكون الفداء أعظم من المفدّی عنه ، فانّ أئمتنا أعظم من اُولی العزم من الرّسل ، فكیف من غیرهم؟ انّ ظاهر لفظ الفداء هو تعویض الشّیء بما دونه فی الخطر والشّرف لا بما فوقه.
وأمّا علی تفسیره بذبح الكبش فما وجه عظمته من مثل الواهب العظیم؟
واجیب إمّا علی الأول : فبمنع الملازمة : أوّلاً : بأنّ الحسین علیه السلام لمّا كان من ولد إسماعیل فلو ذبح إسماعیل لم یوجد نبیّنا ولا سائر الأنبیاء من ولد إسماعیل ، فاذا عوّض من ذبح إسماعیل بذبح واحد من أسباطه وهو الحسین علیه السلام فكأنّه عوض عن ذبح الكلّ وعدم وجودهم بالكلیّة بذبح واحد من أجزائه بخصوصه، ولا شكّ أنّ مرتبة كلّ السّلسلة أعظم من مرتبة الجزء بخصوصه .
وثانیاً: بانّ الذی فی التفسیر المذكور انّما هو التّفدیة عن ذبح إسماعیل بجزعه علی ذبح الحسین علیه السلام لا بنفس ذبح الحسین علیه السلام حتیّ
ص: 205
یلزم أعظمّیة الفداء من المفدّی عنه .
وامّا علی التفسیر الآخر فوجه عظمة الكبش ما ورد فی الأخبار من انّه كبش أملح یأكل فی سواد، ویشرب فی سواد، وینظر فی سواد، ویمشی فی سواد ، ویبول ویبعر فی سواد، وكان یرتع قبل ذلك فی ریاض الجنّة أربعین عاماً، وما خرج من رحم انثی ، وانّما قال الله تعالی : و(كُن) فكان لیفتدی به إسماعیل، وانّه لو خلق الله مضغهةً هی أطیب من الضّأن لفدی به إسماعیل وانّ كلّما یذبح بمنی فهو فدیة أیضاً إسماعیل علیه السلام إلی یوم القیامة (1).
فكفی فی عظمته اتّصام بتلك الصّفات الكثیرة والضّمائم العدیدة الأكیدة .
ومنها : قوله تعالی فی «والصّافات» حكایة عن إبراهیم : «فَنَظَرَ نَظرَةُ فِی النُّجوم * فَقَالَ إنّی سَقِیمَ»(2) كما عن الكافی عن الباقر علیه السلام والصّادق علیه السلام : «والله ما كان سقیماً وما كذب ، وانّما عنی سقیماًفی دینه ، قال حسب فرای ما یحلّ بالحسین علیه السلام فقال : «إنّی سقیم» لما یحلّ بالحسین علیه السلام (3)
حكمة: وهذا التّفسیر لا ینافی تفسیر هم الآخر من انّه عنی سأسقم من باب كلّ میّت سقیم ، یعنی : انّ قومه لمّا سألوه الخروج إلی معبدهم وان یعبد معهم ، وكان السّائلین منجمین ، واغلب اسقامهم الطّاعون ویخافون العدوی فاعتذرهم علی حسب زعمهم من مقتضیات النّجوم.
ووجه عدم المنافاة بین التفسیرین ما مرّ مراراً من أنّ للقرآن بطوناً، مضافاً
ص: 206
إلی أظهریّة التّفسیر الأوّل دلالة واصحیّته سنداً، وأوفقیّته بمذهب أهل البیت.
ومنها : قوله تعالی فی سورة مریم علیها السلام : «وَاذكُر فِی الكِتَابِ إسمَاعِیلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعدِ وَكَان رَسُولاًنَبِیّاً وَكَانَ یَأمرُ أهلَهُ بِالصَّلَاهِ وَالزكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبَّهِ مَرضِیّاً» (1)وفی الكافی (2): انمّا سمّی صادق الوعدلانّه وعد رجلاً فی مكان فانتظره سنهً فی ذلك المكان.
وفی البحار (3) مستفیضاً عن العلل(4) وغیره(5): عن الصادق علیه السلام «أنّ إسماعیل الّذی ذكره فی كتابه «وَاذكُر فِی الكِتَابِ إسمَاعِیلَ » لم یكن إسماعیل بن إبراهیم ، لانّ إسماعیل بن إبراهیم مات قبل إبراهیم ، وانّ إبراهیم كان حجّة الله قائماً صاحب الشّریعة، فإلی مَن أرسل إسماعیل إذن »؟
قلت : فمن كان.
قال : «ذلك إسماعیل بن حزقیل النّبیّ علیه السلام، بعثه الله إلی قومه فكذّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه ورأسه ، فغضب الله علیهم، فوجه إلیه مطاطائیل ملك العذاب ، فأتاه وقال : ربّك یقرئك السّلام وأمرنی بطاعتك فمرنی بما شئت من تعذیب قومك.
قال : لا حاجة لی فی ذلك ، أنّ لی اُسوة بما یصنع بالحسین بن علی ،وأوحی الله إلیه : فما حاجتك یا إسماعیل ؟
قال : ربّ انّك أخذت المیثاق لنفسك بالربوبیّة، ولمحمّد صلّی الله علیه
ص: 207
و آله بالنّبوة، ولأوصیائه بالولایة، وأخبرت خلقك بما یفعل امّته بالحسین علیه السلام بن علیّ علیه السلام من بعد نبیّها ، وانّك وعدت الحسین علیه السلام أن تُكرّه إلی الدّنیا حتی ینتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتی إلیك یا ربّ آن تُكرَّنی إلی الدّنیا حتیّ انتقم ممّن فعل بی ما فعل كما تُكرّ الحسین علیه السلام.
فوعد الله إسماعیل ذلك ، فهو یكرّ مع الحسین بن علیّ علیهما السلام».
ومنها : قوله تعالی : «وَكلَّم اللهُ مُوسی تَكلِیماً» (1)، ومن جملة كلامه ما ارسله فی المجمع (2) فی حدیث مناجاة موسی علیه السلام انّه قال : «یا ربّ، لّمَ فضّلت اُمّة محمد علیّ سائر الاُمم»؟
فقال تعالی : فضلّتهم لعشر خصال.
قال موسی علیه السلام : «وما هی ، حتیّ أمر بنی اسرائیل یعملونها»؟
قال الله تعالی: الصلاة والزكاة والصّوم والحجّ والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء.
قال موسی: «یا ربّ ، وما العاشوراء» ؟
قال : البكاء والتّباكی علی سبط محمّد ، والمرثیّة والعزاء علی مصیبة ولد المصطفی.
یا موسی ، ما من عبد من عبیدی فی ذلك الزّمان بكی او تباكی، و تعزّی علی ولد المصطفی إلاّ وكانت له الجنّة ثابتاً فیها ، وما من عبد أنفق من ماله فی محبّة ابن بنت نبیّه طعاماً وغیر ذلك درهماً أو دیناراً الاً وباركت له فی دار الدّنیا ، الدّرهم بسبعین درهماً ، وكان معافیً فی الجنّة ، وغفرت له ذنوبه ، وعزّتی
ص: 208
وجلالی ما من رجل أو امرأة سال دمع عینیه فی یوم عاشوراء وغیره قطرة واحدة إلاّ وكتبت له أجر مائة شهید.
وفی البحار(1) بأسانیده قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : «انّ موسی بن عمران سأل ربّه عزّ وجل فقال : یا ربّ أنّ أخی هارون مات فاغفر له، فأوحی الله عزّ وجل إلیه : یا موسی لو سألتنی فی الأوّلین والآخرین لأجبتك ما خلا قاتل الحسین بن علیّ علیه السلام فانّی انتقم له من قاتله»؟
وروی فی البحار (2)أیضاً أنّ موسی بن عمران راه اسرائیلی مستعجلاً وقد كسته الصّفرة، وأعری بدنه الضّعف ، وحكم بفرائضه الرّجف ، وقد اقشعرّ جسمه ، وغارت عیناه ونحف ، لانّه كان اذا دعاه ربّه للمناجاة یصیر علیه ذلك من خیفة الله تعالی ، فعرفه اسرائیلی هو ومن آمن به فقال : یا نبیّ الله ، أذنبتُ ذنباً عظیماً ، فاسأل ربّك أن یعفو عنّی، فأنعم وسار، فلمّا ناجی ربّه قال له : «یا ربّ العالمین أسألك وانت العالم قبل نطقی به».
فقال تعالی : یا موسی ما تسألنی أعطیك ، وما ترید ابلّغك . قال : «ربّ ان فلاناً عبدك اسرائیلی أذنب ذنباً ، ویسألك العفو».
قال : یا موسی، أعفو عمّن استغفرنی الاّ قاتل الحسین علیه السلام .
قال موسی: «یا ربّ ، ومن الحسین علیه السلام» ؟
قال : الّذی مرّ ذكره علیك بجانب الطُّور.
قال : «یا ربّ ، ومن یقتله»؟
قال : یقتله اُمّة جدّه الباغیة الطّاغیة فی أرض كربلاء ، و تنفر فرسه و تهمهم
ص: 209
و تصهل و تقول فی صهیلها : الظّلیمة الظّلیمة من اُمّة قتلت ابن بنت نبیّها ، فیلقی علی الرّمال من غیر غُسل ولا كفن ، وینهب رحله ، وتُسبی نساؤه فی البلدان ، ویقتل ناصروه ، وتشهرّ رؤوسهم مع رأسه علی أطراف الرّماح.
یا موسی ، صغیرهم یمیتُهُ العطش، وكبیرهم جلده منكمش ، یستغیثون ولا ناصرُ، ویستجیرون ولا خافر.
قال : فبكی موسی وقال : «یا ربّ ، وما لقاتلیه من العذاب»؟
قال : یا موسی، عذاب یستغیث منه أهل النّار، لا تنالهم رحمتی ، ولاشفاعة جدّه ، ولو لم تكن كرامة له خسف بهم الأرض.
قال موسی : «برئت إلیك - اللّهمّ - منهم وممّن یرضی بفعالهم».
فقال سبحانه : یا موسی ، كتبت رحمةً لتابعیه من عبادی ، واعلم انّه من بكی علیه أو أبكی أو تباكی حرّمت علی جسده النّار.
وفی البحار(1): باسناده إلی الحسین بن أبی حمزة الثّمالی قال : خرجت فی آخر زمان بنی مروان إلی قبر الحسین بن علیّ علیه السلام مستخفیاً من أهل الشّام حتی أتیت إلی كربلاء فاختفیت فی ناحیة القریة حتی انتصف اللیل اقبلت نحو القبر ، فلمّا دنوت منه أقبل نحوی رجل فقال لی : انصرف مأجوراً فانّك لا تصل إلیه ، فرجعت فزعاً حتّی إذا كان یطلع الفجر أقبلت نحوه حتی إذا دنوت منه خرج إلّی الرّجل فقال لی : یا هذا انّك لن تصل إلیه.
قلت له : عافاك الله ، ولم لا أصل إلیه وقد أقبلت من الكوفة اُرید زیارته ؟ فلا تحل بینی وبینه عافاك الله ، وأنا أخاف أن أصبح فیقتلونی أهل الشّام أن أدركونی هاهنا.
ص: 210
فقال لی : اصبر قلیلاً ، فان موسی بن عمران سأل الله أن یأذن له فی زیارة قبر الحسین بن علیّ علیهما السلام فأذن له ، فهبط من السّماء فی سبعین الف ملك فهم بحضرته من أوّل اللیل ینتظرون طلوع الفجر ، ثمّ یعرجون إلی السّماء .
فقلت : مَن أنت؟
قال : أنا من الملائكة الذین اُمروا بحرس قبر الحسین علیه السلام والاستغفار لزوّاره ، فانصرفت ، وقد كاد یطیر عقلی لما سمعت منه.
قال : فأقبلت حتّی اذا طلع الفجر أقبلت نحوه فلم یحل بینی وبینه أحد، فدنوت منه فسلّمت علیه ، فدعوت الله علی قتلته ، وصلّیت الصّبح وأقبلت مُسرعاً مخافة أهل الشّام.
ومنها : ما فی البحار(1) مستفیضاً فی تفسیر هذه الآیة : «الَم تَرَ إلَی الَّذِینَ قّیلَ لَهُم كُفُّوا أیدِیَكُم - مع الحسن علیه السلام - وأقِیموا الصَّلوة وَءَاتوا الزّكوةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیهِمُ القِتَالُ - مع الحسین علیه السلام -.. وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبتَ عَلینَا القِتَالَ لَؤلاَ اَخَّرتَنا إلَی أجل قَرِیب» (2)وقوله : «رَبَّنَا أخَّرنَا إلَی أجَل قَرِیب نُجِب دَعوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ» (3) أرادوا تأخر ذلك إلی القائم علیه السلام.
وفی روایة أخری فی قوله تعالی : «كُفُّوا أیدِیَكُم وَأقِیمُوا الصَّلَاة» قال : نزلت فی الحسن بن علیّ علیهما السلام، والله الّذی صنعه الحسن علیه السلام كان خیراً لهذه الامة ممّا طلعت علیه الشّمس ، والله لفیه نزلت هذه الآیة :« ألَم تَرَ إلَی الَّذِینَ قِیلَ لَهُم كُفُّوا» الآیة، «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیهِمُ القِتَالَ» قال : نزلت فی الحسین
ص: 211
ابن علیّ علیهما السلام ، كتب الله علیه وعلی أهل الأرض أن یقاتلوا معه ، قال : ولو قاتل معه أهل الأرض لقتلوا كلّهم.
وفی روایة اُخری : «قِیلَ لَهُم كُفُّوا أیدِیَكُم وَأقِیمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاة »إنّما هی طاعة الامام فطلبوا القتال ، فلمّا كتب علیهم مع الحسین علیه السلام قالوا «رَبَّنَا لِمَ كَتَبتَ عَلَینَا القِتَالَ» .
ومنها : ما فی البحار (1) والصّافی(2) عن الكافی(3) وغیره(4) مستفیضة عن الباقر والصّادق علیهما السلام فی تفسیر قوله تعالی من سورة بنی اسرائیل(وَلاَ تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِی حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقَّ) (5). انها نزلت فی الحسین علیه السلام فقد قتلوه فی أهل بیته بغیر حقّ، فانّ القتل بالحقّ فسرّ (6)بأحد ثلاث : كفر بعد الایمان ، أو زناً بعد إحصان، أو قتل مؤمن بالعمد والعدوان من غیر خطاء ولا نسیان.
قوله تعالی : «وَمَن قَتِلَ مَظلُوماً» أی بغیر حقّ «فَقَد جَعَلنَا لِوَلِیَّه سُلطَاناً» ای تسلّطاًبالقصاص والمؤاخذة «فَلَا یُسرِف فِی القَتلِ» ای لا یقتل غیر القاتل ولا یمثّل بالقاتل ، قال : نزلت فی الحسین علیه السلام، المقتول مظلوماً هو الحسین علیه السلام، وولیّه نحن، والقائم منّا، «إنّه كَانَ مَنصُوراً» یعنی لا یذهب من الدّنیا حتّی ینتصر برجل من آل رسول الله ، یملأ الأرض قسطاً وعدلاً
ص: 212
كما ملئت ظلماً وجوراً، إذا قام طلب بثأر الحسین علیه السلام(1)، فیقتُل حتّی یقال : قد اسرف فی القتل.
قال : ولو قتل أهل الأرض به ما كان سرفاً(2)
حكمة: فی هذا التّفسیر ایماء إلی انّه فی قرائتهم «فَلَا یُسرِفُ» بالضّمّ لا الجزم ، وهو لا ینافی قراءة الجزم ، لما عرفت من انّ القران ذی وجوه و بطون ومن جوامع الكلم.
وأمّا توجیه نفی السّرف عن قتل القائم أهل الأرض به بما فی بعض النّصوص من تخصیصه بقتل ذراری قتلة الحسین علیه السلام و تعلیله برضائهم بفعل آبائهم، أو بما احتمله المجلسی من تعلیقه العموم بما لو انّه اشترك الجمیع فی دمه أو رضوا به لم یكن فی قتلهم سرف، ففیه أنّ غایة المشاركة فی دم المقتول بالرّضاء والقبول هو المشاركة مع القاتل فی نسبة القتل الیه وعقوبته لا فی أصل القتل وجواز القصاص منه فانّه یعتبر فی القصاص نصّاً، وفتوی المماثلة فی الكّم والكیف ، ولا یجوز التعدّی فیه كمّاً ولا كیفاً من القاتل ، فضلاً عن غیره لانّه سرفُ وتعدّ منهیّ عنهما بقوله تعالی : «فَمَنِ اعتَدی عَلَیكُم فَاعتَدُوا عَلَیهِ بِمثِلِ مَا اعتَدَی عَلَیكُم»(3)
ولهذا لو اشترك جمع فی قتل واحد لم یجز القصاص بأزید من واحد، فالأوجه فی التّوجیه ابقاء نفی السّرف فی قتل القائم أهل الأرض بقتل الحسین علیه السلام علی العموم، وحمل ذلك منه علی الحدّ وعقوبة الرّضاء بفعل القتلة
ص: 213
أو متابعتهم أو مشابهتهم أو موالاتهم أو التأسّی بزیّهم ، والاقتفاء بآثارهم والاقتداء بأطوارهم فی محاربة المسلمین، أو مقاتلتهم أو مغالبتهم بغیر حقّ، والظّلم والجور والعدوان علیهم ، أو الحكومة والرّئاسة والسّلطان علیهم بغیر عدل ولا حقّ، كما هو دأب جمیع من ترأس وتحكّم وتسلطن علی المسلمین بعد دولة بنی اُمیّة بغیر حقّ ولا عدل، ودیدنهم من لدن زمان الأمویّة إلی قیام
القائم علیه السلام علی تلك المتابعة والمشابهة والموالاة والمشایعة لآل أبی
سفیان ، كما یشهد علی صدق هذا التّوجیه قوله تعالی : «وَمَن یَتَوَلَّهُم مِنكُم فَأولَئِكَ»(1) «وَمَن یَتَوَلَّهُم فَاُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ»(2)«وَمَن یَفعَلهُ مِنكُم فَقَد ضَلُ سَوَاءَ السَّبِیل»(3) وقوله تعالی : «احشُرُوا الَّذِینَ ظَلَمُوا وَأزوَاجَهُم وَمَا كَانُوا یَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ فَاهدُوهُم إلَی صِرَاط الجَحِیم»(4) وقوله تعالی : «وإنَّما جَزاءُالَّذِینَ یُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ» (5)الآیات.
وممّا یشهد علی صدق هذا التّوجیه نداؤهم بابلغ القاب الذمّ فی لسان داعی الله الّذی هو لسان الله بقوله علیه السلام: «یا شیعة آل أبی سفیان» مع انّ أغلب هؤلاء المخاطبین قبل الواقعة كانوا من شیعة أبیه أمیر المؤمنین علیه السلام ، بل وبعد الواقعة أیضاً ندموا ورجعوا فی الحسین علیه السلام حتیّ قاتلوا وقتلوا فی أخذ ثأره سبعین ألفاً أو مائة ألف علی اختلاف الرّوایات ، فلم یكن صدق هذه المخاطبة الاّ من جهة محض المتابعة والمشابهة العامّة البلوی ،
ص: 214
والطامّة الكبری، والسّنّة السّیئة الساریة ، والبدعة الجاریة فی كّ دولة باطلة ، وسلطنة جائرة، استورثوه خلفاً عن سلف ، واستتبعوه بعطف وعسف ، اذ لا یخلو الزّمان إلی یوم القیامة من إمام عادل ، وسلطان حقّ، فكلّ من تأمّر بغیر أمره، أو تحكّم بغیر حكمه ، أو انتصب بغیر نصبه واذنه ، فقد خرج من الإیمان ، ودخل فی حزب الشّیطان، وشیعة آل أبی سفیان ، وآخر تابع لهم علی ذلك ، وفیمن. أسّس أساس الظّلم والجور علیكم وعلی أشیاعكم وأتباعكم.
وممّا یصدّق ذلك أیضاً قوله تعالی : «مَن قَتَل نَفساً بِغًیرِ نَفس أو فَسَادفِی الأرضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعاً»(1) الآیة، «فَاعتَبِرُوا یَااُولی الأبصَارِ» (2) والشّعور أنّ هذا المحذور ممّا یقصم الظّهور، ویتفطّر منه الجبال والصّخور، ولا یبقی لاحد غرور ولا سرور ، ولا مناص ولا قصور، ولا عذر معذور فی الرّجعة والظّهور، وفی سؤال القبور، وفی یوم النّشور، مخافة الشّركة فی الفجور، وعقوبات اهل الزّور ، بمتابعة الشّیطان ، والخروج عن الایمان ، والدّخول فی شیعة آل أبی سفیان ، فی الظّلم والعدوان ، والحرمان والخسران، واللحوق بالنّیران ، بسیف إمام العصر والزّمان.
ومنها : ما فی البحار (3) والصافی(4)والمجمع (5)عنهما فی تفسیر قوله تعالی فی سورة البقرة : «وَإذ أخَذنَا مِیثَاقَكُم لاَ تَسفِكُونَ دِمَاءَكُم وَلاَ تُخرِجُونَ أنفُسَكُم مِن دِیَارِكُم ثُمَّ أقرَزتُم وَأنتُم تَشهَدُون * ثُمَّ أنتُم هؤُلاءِ تَقتُلُونَ أنفُسَكُم وَتُخرِجُونَ
ص: 215
فَریقاً مِنكُم مِن دِیَارِهِم تَظاهَرُونَ عَلَیهِم بِالإثمِ وَالعُدوانِ - إلی قوله تعالی - أفَتُؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتَابِ وَتَكفُرون بِبَعض»(1)الآیات.
ففی الكافی (2)عن الصّادق علیه السلام فی وجوه الكفر فی القرآن قال : الرّابع من الكفر ترك ما امر الله وهو قوله تعالی : « وَتَكفُرونَ بِبَعض» قال علیه السلام : «فكفرهم بترك ما أمر الله ونسبهم إلی الایمان ولم یقبله منهم ولم ینفعهم عنده».
وفی الصّافی (3) انّها نزلت فی أبی ذرّ وفیما فعل به عثمان بن عفّان إلی آخرالقضیّة بطولها .
وفی البحار(4) و الصّافی(5): لمّا نزلت الآیة فی الیهود الّذین نقضوا عهد الله وكذّبوا رسل الله ، وقتلوا اولیاء الله، قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : «أفلا انبّتكم بمن یضاهیهم من یهود هذه الأمّة» ؟ قالوا: بلی.
قال : «قوم من أمّتی ینتحلون انّهم من أهل ملّتی ، یقتلون أفاضل ذرّیّتی ،وأطائب ارومتی ، ویبدلون شریعتی وسنّتی، ویقتلون ولدیّ الحسن والحسین علیهما السلام كما قتل اسلاف الیهود زكریّا ویحیی ، ألا وانّ الله یلعنهم كما لعنهم ، ویبعث علی بقایا ذراریهم قبل یوم القیامة هادیاً مهدیاً من ولد الحسین علیه السلام المظلوم ، یحرقهم بسیوف أولیائه إلی نار جهنّم.
ألا ولعن الله قتلة الحسین علیه السلام، ومحبّیهم وناصریهم، والسّاكتین عن لعنهم من غیر تقیّة تسكّتهم.
ص: 216
ألا وصلّی الله علی الباكین علی الحسین علیه السلام رحمةً وشفقةواللّاعنین لأعدائهم ، والممثلین علیهم غیظاً وحنقاً.
الا وانّ الرّاضین بقتل الحسین علیه السلام شركاء قتله ، وانّ قتلتهوأعوانهم واشیاعهم والمقتدین بهم براء من دین الله . الحدیث.
ومنها : ما فی البحار(1) والصّافی(2)والمجمع (3)عنهما فی تفسیر قوله تعالی فی سورة التكویر : «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » (4) - بفتح المیم والواو - وهو الرّحم والقرابة ، یسأل قاطعها عن سبب قطعها.
وعنهما علیهما السلام : «یعنی قرابة رسول الله ومن قتل فی جهاده ، وفی مودّتنا وولایتنا»، قال علیه السلام: «یقول : أسألكم عن المودّة التی اُنزلت علیكم فضلها - مودّة ذی القربی -بأیّ ذنب قتلتموهم».
ومنها : ما فی البحار(5) والصّافی(6) مستفیضاً عنهما علیهما السلام فی تفسیر قوله تعالی فی سورة الأحقاف : «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي»(7)الآیة من انّ جبرئیل نزل علی
ص: 217
النّبی صلّی الله علیه و آله فسلّم علیه ، وبشّره بغلام اسمه الحسین علیه السلام ستلده فاطمة علیها السلام تقتله اُمّتك ، فبكی وقال : لا حاجة لی فیه ، وأخبر بذلك فاطمة فجزعت وشقّ علیها وقالت: لا حاجة لی فیه ، فحملته كرهاً ووضعته كرهاً لموضع اعلام جبرئیل بقتله ، وإلاّ لَم تَرَ اُمّاً فی الدّنیا تلد غلاماً تكرهه إلی أنّ عاد جبرئیل وقال : انّ ربّك یقرئك السّلام ویبشّرك بانّه عوّض الحسین علیه السلام من قتله ان جعل الامامة فی ذّریّته ، والشّفاء فی تربته ، وإجابة الدّعاء تحت قبّته ، ولا یعدّ أیّام زائره من عمره، فرضی ورضیت فاطمة بذلك وسكنت.
قال علیه السلام : «فلولا أنّه قال علیه السلام : «وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي» لكانت ذرّیّته كلّهم ائمة». .
قال علیه السلام : «ولم یرضع الحسین من فاطمة ولا من اُنثی ، بل كان یؤتی به النّبیّ صلّی الله علیه وآله فیضع إبهامه فی فیه فیمصّ منها ما یكفیه الیومین والثّلاث فنبت لحم الحسین علیه السلام من لحم رسول الله و دمه).
ومنها : ما فی البحار (1) والصّافی (2) والمجمع(3) والكافی (4)و القمی(5) عنهما فی تفسیر قوله تعالی فی سورة الحجّ: «اُذِنَ لِلّذینَ یُقَاتَلُونَ بِأنَّهُم ظُلِمُوا وإنَّ اللهَ عَلَی نَصرِهِم لَقَدیرً»(6) أی رخّص لهم فی قتال المشركین بسبب انّهم ظلموا، قال
ص: 218
علیه السلام : «وكان المشركون یؤذون المسلمینَ لا یزال یجیءُ مشجوج و مضروب إلی رسول الله صلّی الله علیه و آله ویشكون ذلك إلیه فیقول لهم : اصبروا، فانّی لم اُؤمر بالقتال ، حتّی هاجروا وأاُخرج فأنزل الله علیه هذه الایة بالمدینة ، وهی أول آیة نزلت فی القتال».
قال علیه السلام: «نزلت فی رسول الله وعلیّ وجعفر وحمزة ثمّ جرت فی الحسین علیه السلام حین طلبه یزید لیحمله إلی الشّام فهرب إلی الكوفة وقتل فی الطّف»، وقال :«الّذِین اُخرِجُوا مِن دِیَارِهِم بِغَیرِ حَقَّ إلاّ أن یَقُولُوا رَبَّنَا الله»(1) قال : «نزلت فی المهاجرین علیّ وجعفر وحمزة، وجرت فینا آل محمّد».
وقال : «الّذینَ إن مَكَّنّاهُم فِی الَأرضِ أقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَاَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ» (2) نحن هم ، وفینا اهل البیت نزلت ، وإنّما هو القائم وأصحابه أذا خرج یطلب دم الحسین علیه السلام وهو یقول : نحن أولیاء الدّم،
وطلّاب الوتر.
یُمَلَّكُهُمُ الله مشارق الأرض ومغاربها، ویظهر الدّین ویمیت الله به وباصحابه البدع والباطل كما أمات العتاة الحقّ حتیّ لا یری أین الظّلم».
ومنها : ما فی الصّافی(3) والبحار(4) بل اتفق علیه تفاسیر الخاصة (5)وجل العامة(6) من تفسیر قوله تعالی فی سورة بنی إسرائیل :«وَمَا جَعَلنَا الرُّؤیَا الَّتی اَرینَا كَ اِلّا فِتنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلعُونَةَ فِی القُرآنَ وَنُخَموَّفُهُم فَمَا یَزِیدُهُم إلّا
ص: 219
طُغیَاناً كَبِیراً» (1)من أنّه صلّی الله علیه و آله أصبح یوماً كئیباً حزیناً جزوعاً لما رأی فی منامه من انّ قروداً تصعد منبره بعده ویردّون الاسلام علی أدبارهم وأعقابهم القهقری، عشرة منهم من بنی اُمیّة ، وهم الشّجرة الملعونة ، ورجلان من تیم وعدی أسّسا ذلك لهم، وعلیهما أوزار هذه الاُمّة إلی یوم القیامة وهما المقصود بقوله تعالی :«فتنةً للنّاسِ» فأساء ذلك النّبیّ صلّی الله علیه و آله واغتمّ غمّاً شدیداً لما اخبره الله بما یلقی أهل بیته من بعده ، واهل مودّتهم وشیعتهم من تلك الفتنة والشّجرة الملعونة فی أیام طغیانهم وطغیان تابعیهم وتابع تابعیهم إلی قیام القائم.
ومنها ما فی البحار(2) والصافی (3)عن الصّادق علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی فی سورة بنی اسرائیل : «وَقَضَینَا إلی بَنِی إسرائِیلَ فِی الكِتَابِ لَتُفسِدُنَّ فِی الأرضِ مَرَّتَینِ وَلَتَعلُنَّ عُلُوّاً كَبیراً * فَاِذَا جَاءَ وَعدُ اوُلیهُمَا بَعَثنَا عَلَیكُم عِبَاداً لَنا اُولِی بَأس شَدِید فَجاسُوا خِلالَ الدَّیار ِوَكَانَ وَعداً مَفعُولاً * ثُمَّ رَدَدنَا لَكُمُ الكرَّةَ عَلَیهِم وَاَمدَدنَاكُم بِأموال وَبَنِینَ وَجعَلنَاكُم اَكثَرَ نَفیراً» (4)من تفسیره الافسادین بقتل علیّ علیه السلام وطعن الحسین علیه السلام، والعلوّ الكبیر بقتل الحسین علیه السلام ، وعباداً اُولی البأس بقوم یبعثهم الله ، وهم أصحاب القائم، فلا یدعون وتراً لآل محمد إلاّ قتلوه، ووعد الله بخروج القائم، وردّ الكرّة علیهم بخروج الحسین علیه السلام فی سبعین من أصحابه علیهم البیض المذهّب حین كان الحجة القائم بین أظهرهم ثم یملّكهم الحسین علیه السلام حتّی یقع حاجباه
ص: 220
إلی عینیه وعلی هذا التفسیر فُسَّرَ قوله : «وَقَضَینَا اِلَی بَنِی إسرائِیلَ» الخ بأنّه : أعلمنا بنی اسرائیل بإفسادكم یا اُمّة محمّد صلّی الله علیه و آله ... الخ.
وأمّا علی تفسیر العامّة ، ففسّر بأنّه : أعلمناهم با فسادهم مرّتین بقتل زكریّا ویحیی وقصد قتل عیسی ، «والعلوّ الكبیر»، باستكبارهم عن طاعة الله ، وظلم الناس «وعباداً اُولی بأس» ببخت نصّر وجنوده، «وردّ الكرّة علیهم» بردّ بهمن بن اسفندیار اُسراءهم إلی الشّام وتملیكه دانیال ، «ووعد الاخرة» بتسلیط الله الفرس علیهم مرة أخری إلی غیر ذلك بما لا یخفی ما فیه من التّفسیر بالرّأی المنهی ، ومن الاستنصار لأولیائه بأعدائه بخت نصّر المجوسی و نحوه ، مع نسبتهم بقوله : «عباداً لنا» إلی نفسه تعالی الله عن ذلك كلّه علوّاً كبیراً(1).
ومنها : قوله تعالی فی سورة المؤمن : «إنّا لَنَنصُرَ رُسُلَنا وَالّذینَ اَمَنُوا فِی الحَیَاةِ الدُّنیا وَیَومَ یَقُومُ الأشهادُ»(2)، القمی (3): یعنی أئمة».
وعن الصادق علیه السلام : «ذلك والله فی الرّجعة ، أما علمت أنّ أنبیاء الله كثیرة لم ینصروا فی الدّنیا وقتلوا وأئمّة من بعدهم قتلوا ولم ینصروا ، ومنهم الحسین ابن علی علیه السلام، ولم ینصر بعد ، والله لقد قتل قتلة الحسین علیه السلام ولم یطلب بدمه بعد» .
وفی البحار(4): عن الصّادق علیه السلام : «قتل بالحسین علیه السلام مائة
ألف وما طلب بثأره ، وسیطلب بثأره».
ص: 221
قال ابن عباس : أوحی الله إلی محمّد صلّی الله علیه و آله انّی قتلت بیحیی ابن زكریّا سبعین ألف ، وأقتل بابن بنتك سبعین ألفاً.
علی بن الحسین علیه السلام قال : خرجنا مع الحسین علیه السلام وما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلاّ وذكر یحیی بن زكریّا ، ویقول : من هوان الدّنیا علی الله أنّ رأس یحیی اُهدی إلی بغیّ من بغایا بنی اسرائیل ، وذلك أنّ امرأة ملك بنی اسرائیل كبرت وأرادت تزویج بنتها منه ، فاستشار الملك یحیی ، فنهاه عن ذلك ، فعرفت المرأة ذلك ، وزینت بنتها وبعثتها إلی الملك ، فذهبت ولعبت بین یدیه وقال لها الملك ، ما حاجتك ؟ قالت : رأس یحیی بن زكریا ، فقال الملك : یا بُنیَّة حاجة غیر هذا.
قالت : ما اُرید غیره ، وكان الملك إذا كذب فیهم عزل عن ملكه ، فخیّر بین ملكه وبین قتله، فقتل یحیی، ثمّ بعث برأسه إلیها فی طست من ذهب ، واُمرت الأرض فأخذتها ، وكان دمه یغلی فی المدینة إلی أن سلّط الله علیهم بخت نصّر المجوسیّ ، فقتل علیه سبعین ألفا حتیّ سكن.
قال علیه السلام : «والله لا یسكن دمی حتیّ یبعث الله المهدیّ فیقتل علی دمی من المنافقین الكفرة الفسقة سبعین ألفاً وهذا معنی قوله تعالی : «فَلاَ عُدوَانَ إلاّ عَلَی الظَّالِمِینَ:(1)»، أی إلا علی نسل قتلة الحسین علیه السلام.
وهنا وسوسة من وساوس الشّیطان ربّما تسبق الأذهان الضعیفة من الایمان ، بانّه ما الوجه و الحكمة ، وما العلة والبلاغة فی تخصیص كلام الحكیم ، والوحی القدیم، والقرآن الكریم بأنباء أنبیائه بخصوص هذه المصائب دون سائر مصائب أنبیائه العظام؟
ص: 222
والجواب الصّواب عن هذا الرّیب والارتیاب:
أولاً : بقوله تعالی : «لا یُسئَلُ عَمَّا یَفعَلُ وَهُم یُسئَلُونَ» (1) «یَفعَلُ ما یَشاءُ» (2)«وَیَختَارُ مَا كَانَ لَهُمَ الخِیَرَةُ» (3)وقوله تعالی فی جواب الملائكة المتمنین الخلافة : «إنَّی أعلم مَا لاَ تَعلَمُونَ» (4)وقوله تعالی فی جواب القائلین : «لَن نُؤمِنَ حَتَّی نُؤتی مِثلَ مَا اُوتِیَ رُسُلُ اللهِ الله أعلمُ حَیثُ یَجعَلُ رِسَالَتَهُ» (5)، أی رئاسته خصوصاً علی ما حقّقناه فی مقدّمات الباب من أنّ تشریع عزاء الحسین علیه السلام بالخصوص من التّعبدیّات الممحّضة للعبادة بحسب الأصل والعقل والنّقل علی وجه یخفی علی نوع العباد تفصیل مصالحها بالذّات والاصالة فرقاً بینها وبین التّوصّلیات لهم مصالحها التّفصیلیّة بالذات والأصالة.
وثانیاً : بأنّ شواهد الحال، وقرائن الأحوال، فی بلاغة كلام ذی الجلال ، تقتضی أن تكون الحكمة العامّة، والعلّة التّامّة ، والمصلحة المكمونة، والجهة المخزونة فی تخصیصه تعالی مصاب الحسین علیه السلام فی البین ، بنصب العین ، فی كلّ من الثّقلین ، لأجل أن یكون الحسین علیه السلام قرّة كلّ عین ، وقسیم كلّ زین عن شین ، وأسوة حسنة لكلّ من فی البین ، من جمیع الأنبیاء والأولیاء ، وأهل الأرض والسّماء، فی مراتب الصّبر والشّكر علی البلاء، والتّسلیم والرّضاء، بالقدر والقضاء، فی مراتب الفناء فی الله ، والمجاهدة فی سبیل الله ، و احیاء دین الله ، وتفضیح أعداء الله ، لیقتدی بآثاره علیه السلام،
ص: 223
ویهتدی بأنواره، ویقتضی بأطواره و شعاره، ویتحذّر من أعدائه وأغیاره، لانّ بیان الأمثال والأحوال والأعمال والأفعال ، أشدّ تأثیراً وأسدّ تصدیراً من التّعلیم والتّفهیم بالمقال بأضعاف مضاعفة، وأعظم ملاطفة، وأكثر مناصفة، فی لطف الحكیم ، والوحی القدیم ، والقرآن الكریم، فی بیان هذا المصاب العظیم ، الّذی هو كالصّراط المستقیم، والمیزان القویم ، لمیز الصّحیح عن السّقیم ، والنّعیم عن الجحیم ، فانّ هذا اللّطف والدّستور ، من الرّبّ الشّكور ، كالمشق المسطور ، فی رِقّ منشورٍ، ونور فوق نور ، لمیز الشكور من الكفور ، والعدل من الفجور، واللب من القشور .
ص: 224
انّ من خصائص الحسین علیه السلام كونه كجدّه نوراً یهتدی بأنواره ، واُسوةً یتأتی بآثاره، وقُدوةً یقتدی بأطواره، وسُلوة یتسلّی بصبره واصطباره ، ویأخذ بشعاره، ویتحذّر من أغیاره جمیع الأنبیاء والأولیاء، وأهل الأرض والسّماء، فی البكاء والعزاء، والتّسلیم والرّضاء بكلّ قدر وقضاء ، والفناء فی الله ، كما قال الله تعالی: «وَلَنَبلُونَّكُم حَتّی نَعلَمَ المُجاهِدینَ مِنكُم وَالصَّابِرینَ وَنَبلُوَا اَخبارَكُم »(1) «وَلَنَبلُونَّكُم بِشَیءِ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقص مِنَ الاَموالِ وَالاَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشَّرِ الصّابِرینَ» (2) وقوله تعالی : «قَد كانَت لَكُم اُسوَةُ حَسَنَةُ فِی إبراهیمَ وَالّذینَ مَعَهُ»(3) و«لَكُم فِی رَسُولِ اللهِ أسوَةُ حَسَنَهُ» (4) وقوله تعالی :«اُولئُكَ الَّذینَ هَدَی اللهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِهِ» (5).
وقوله علیه السلام فی المستفیضة : «أنا قتیل العبرة لا یذكرنی مؤمن الاّ
ص: 225
استعبر»(1).
وقول الصّادق علیه السلام : «الحسین علیه السلام عبرة كلّ مؤمن»(2).
فأوّل من تأسّی به علیه السلام فی البكاء والبلاء والابتلاء أبو البشر آدم علیه السلام وآخرهم الخاتم علیه السلام والقائم علیه السلام إلی آخر العالم.
كما روی فی العالم(3)، وفی البحار (4) مرسلاً أنّ آدم علیه السلام لمّا هبط إلی الأرض لم یر حوّاء فصار یطوف الأرض فی طلبها ، فمر بكربلاء، فاغتمّ وضاق صدره من غیر سبب ، وعثر فی الموضع الّذی قتل فیه الحسین علیه السلام حتی سال الدّم من رجله، فرفع رأسه إلی السّماء وقال : «إلهی هل حدث منّی ذنبُ آخر فعاقبتنی به ، فانّی طُفت جمیع الأرض وما أصابنی سُوء مثل ما أصابنی فی هذه الأرض ؟
فأوحی الله إلیه : یا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن یقتل فی هذه الأرض ولدك الحسین ظلماً ، فسال دمك موافقة لدمه.
فقال آدم: «یا ربّ أیكون الحسین نبیّاً» ؟
قال: لا، ولكنّه سبط النبیّ محمد صلّی الله علیه و آله .
فقال : «ومن القاتل له»؟
قال : قاتله یزید لعین أهل السموات والأرض.
فقال آدم علیه السلام : «فأی شیء أصنع یا جبرئیل»؟
فقال : العنه یا آدم، فلعنه أربع مرّات ومشی خطوات إلی جبل عرفات،
ص: 226
فوجد حوّاء هناك.
وروی فی العوالم(1) والبحار(2) : ان نوحاً لمّا ركب السّفینة طافت به جمیع الدّنیا ، فلما مرّت بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق ، فدعا ربّه وقال : إلهی طفت جمیع الدّنیا وما أصابنی فزع مثل ما أصابنی فی هذه الأرض»! فنزل جبرئیل وقال : یا نوح فی هذا الموضع یقتل الحسین سبط محمّد خاتم الأنبیاء وابن خاتم الأوصیاء ، فقال : «ومن القاتل له یا جبرئیل» ؟
قال : قاتله لعین أهل سبع سموات وسبع أرضین ، فلعنه نوح أربع مرّات ،فسارت السفینة حتی بلغت الجودیّ واستقرّت علیه.
وروی فی العوالم (3) والبحار(4): ان إبراهیم مرّ فی أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهیم وشجّ رأسه وسال دمه ، فأخذ فی الاستغفار وقال :«إلهی أیّ شیء حدث منّی»؟
فنزل إلیه جبرئیل و قال : ما حدث منك ذنب ، ولكن هناك یقتل سبط خاتم الأنبیاء وابن خاتم الأوصیاء ، فسال دمك موافقة لدمه.
قال : «یا جبرئیل و من یكون قاتله» ؟
قال : لعین أهل السّموات والأرضین والقلم جری علی اللّوح بلعنه ، فرفع إبراهیم یدیه ولعن یزید لعناً كثیراً، وأمَّن فرسه بلسان فصیح، فقال إبراهیم الفرسه : «أی شیء عرفت حتّی تؤمَّن علی دعائی»؟
فقال : یا إبراهیم أنا أفتخر بركوبك علیّ ، فلما عثرت وسقطت عن ظهری
ص: 227
عظمت خجلتی وكان سبب ذلك من یزید.
ورُوی: انّ اسماعیل كانت أغنامه ترعی بشطّ الفرات فأخبره الرّاعی انّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا یوماً، فسأل ربه عن سبب ذلك فنزل جبرئیل وقال : یا إسماعیل سل غنمك فانّها تجبك عن سبب ذلك ؟
فقال لها : «لم لا تشربین من هذا الماء»؟ فقالت بلسان فصیح : قد بلغنا أنّ ولدك الحسین علیه السلام سبط محمّد صلّی الله علیه و آله یقتل هنا عطشاناً فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزناً علیه ، فسألها عن قاتله ، فقالت : یقتله العین أهل السموات والأرضین والخلائق أجمعین ؟ فقال إسماعیل : «اللّهمَ العن قاتل الحسین علیه السلام»(1).
وروی فی العوالم(2)والبحار، (3)أیضا ً: انّ موسی علیه السلام كان ذات یوم سائراً ومعه یوشع بن نون ، فلمّا جاء إلی كربلاء انخرق نعله ، وانقطع شراكه، ودخل الحَسَك فی رجلیه وسال دمه ، فقال : یا الهی أیّ شیء حدث منّی» ؟ فاوحی إلیه انّ هناك یقتل الحسین علیه السلام، وهنا یسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه.
فقال : «ربّ ومن یكون الحسین علیه السلام» ؟
فقیل له : هو سبط محمد المصطفی صلّی الله علیه و آله ، وابن علیّ المرتضی علیه السلام .
فقال : «ومَن یكون قاتله» ؟
ص: 228
فقیل : هو لعین السّمك فی البحار، والوحوش فی القفار ، والطّیر فی الهواء، فرفع موسی علیه السلام یده ولعن یزید ، فدعا علیه ، وأمّن یوشع بن نون علی دعائه ومضی لشأنه.
وروی فی العوالم (1) والبحار(2) أیضاً : انّ سلیمان كان یجلس علی بساطه ، ویسیر فی الهواء، فمرّ ذات یوم وهو سائر فی أرض كربلاء فأدارت الرّیح بساطه ثلاث دورات حتّی خاف السّقوط، فسكنت الرّیح ونزل البساط فی أرض كربلاء فقال سلیمان للرّیح : «لِمَ سكنت»؟
فقالت : انّ هنا یقتل الحسین علیه السلام.
فقال : «ومَن یكون الحسین» ؟ فقالت : هو سبط محمّد المختار ، وابن علیّ الكرّار.
فقال : «ومَن قاتله»؟
قالت : لعین أهل السّموات والأرض یزید ، فرفع سلیمان یدیه ولعنه ودعا علیه ، وأمّن علی دعائه الانس والجنّ ، فهبّ الرّیح وسار البساط.
وروی فی العوالم (3) والبحار(4) أیضاً : انّ عیسی علیه السلام كان سائحاً فی البراری ومعه الحواریّون، فمّروا بكربلاء فَرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطّریق ، فتقدّم عیسی علیه السلام إلی الاسد وقال له : «لم جلست فی هذا الطّریق ولا تدعنا نمرّ فیه»؟
فقال الأسد بلسان فصیح : إنّی لم أدع لكم الطّریق حتّی تلعنوا یزید قاتل
ص: 229
الحسین علیه السلام.
فقال عیسی: «ومَن یكون الحسین علیه السلام» ؟
قال : هو سبط النّبیّ الأمّیّ ، وابن علیّ الولیّ.
قال : «ومَن قاتله» ؟
قال : قاتله لعین الوحوش والذّئاب والسّباع أجمع خصوصاً أیام عاشوراء، فرفع عیسی یدیه ولعن یزید، ودعا علیه وأمّن الحواریّون علی دعائه ، فتنحّی الأسد عن طریقهم ومضوا لشأنهم .
وروی فی العوالم(1) والبحار(2): عن عبد الله بن یحیی قال : رحلنا مع علی إلی صفّین ، فلمّا حاذی نینوی نادی : «صبراً أبا عبدالله» ، فقال : «دخلت علی رسول الله وعیناه تفیضان» فقلت : بأبی أنت واُمّی یا رسول الله ما لعینیك تفیضان ، اغضبك أحد ؟ قال : لا ، بل كان عندی جبرئیل فأخبرنی انّ الحسین علیه السلام یقتل بشاطیء الفرات ، وقال : هل لك ان اشمّك من تربته؟
قلت: نعم، فمد یده فأخذ قبضة من تراب فأعطانیها ، فلم أملك عینیّ ان فاضتا ، واسم الأرض كربلاء.
فلمّا أتت علیه سنتان خرج النّبی صلّی الله علیه و آله إلی سفر فوقف فی بعض الطریق واسترجع ودمعت عیناه ، فسئل عن ذلك فقال : هذا جبرئیل یخبرنی عن ارض بشطّ الفرات یقال لها كربلاء، یقتل فیها ولدی الحسین علیه السلام، وكأنّی أنظر إلیه وإلی مصرعه ومدفنه بها ، وكأنّی أنظر إلی السّبایا علی أقتاب المطایا وقد اُهدی رأس ولدی الحسین علیه السلام إلی یزید لعنه الله ،
ص: 230
فوالله ما ینظر أحد إلی رأس الحسین علیه السلام ویفرح إلا خالف الله بین قلبه ولسانه ، وعذّبه الله عذاباً ألیماً.
ثمّ رجع النّبیّ صلّی الله علیه و آله من سفره مغموماً مهموماً كئیباً حزیناً فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسین علیهما السلام وخطب ووعظ النّاس ، فلمّا فرغ من خطبته وضع یده الیمنی علی رأس الحسن علیه السلام ، ویده الیسری علی رأس الحسین علیه السلام وقال :
اللهمّ انّ محمداً صلی الله علیه و آله عبدك ورسولك ، وهذان من أطائب عترتی وخیار أرومتی ، وأفضل ذرّیّتی ومن خلّفتهما فی اُمّتی، وقد أخبرنی جبرئیل انّ ولدی هذا مقتول بالسّمّ، والاخر شهید مضرّج بالدّم.
اللهم بارك له فی قتله ، واجعله من سادات الشّهداء.
اللهمّ ولا تبارك فی قاتله وخاذله ، وأصله حرّ نارك ، واحشره فی أسفل درك الجحیم.
قال : فضجّ النّاس بالبكاء والعویل، فقال لهم النّبیّ: أتبكونه ولا
تنصرونه ؟! اللّهمّ فكن انت له ولیّاً وناصراً .
ثمّ قال : یا قوم انّی مخلف فیكم الثّقلین : كتاب الله وعترتی وأرومتی و مزاج مائی و ثمرة فؤادی و مهجتی، لن یفترقا حتّی یردا علیّ الحوض ، ألا وانّی لا اسألكم فی ذلك إلا ما أمرنی ربّی أن أسألكم عنه ، اسألكم عن المودّة فی القربی ، واحذروا ان تلقونی غداً علی الحوض وقد آذیتم عترتی وقتلتم أهل بیتی و ظلمتموهم ، ألا انّه سیرد علیّ یوم القیامة ثلاث رایات[ من] (1)هذه الاُمّة الاُولی : رایة سوداء مظلمة ، قد فزعت منها الملائكة ، فتقف علیّ فأقول لهم: من
ص: 231
أنتم ؟فینسون ذكری، ویقولون: نحن أهل التّوحید من العرب.
فأقول : أنا أحمد نبیّ العرب والعجم.
فیقولون : نحن من اُمّتك.
فأقول : كیف خلّفتمونی من بعدی فی أهل بیتی وعترتی وكتاب ربّی ؟
فیقولون : أمّا الكتاب فضیّعناه ، وأمّا عترتك فحرصنا أن نبیدهم عن وجه الأرض ، فلمّا أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهی فیصدرون عطاشاً مسودّة وجوههم.
ثمّ ترد علیَّ رایة اُخری أشدّ سواداً من الاُولی فاقول لهم : كیف خلفتمونی من بعدی فی الثّقلین كتاب الله و عترتی ؟
فیقولون : أمّا الأكبر فخالفناه ، وأمّا الأصغر فمزّقناهم كلّ ممزّق.
فأقول : إلیكم عنّی، فیصدرون عطاشاً مسودّة وجوههم .
ثم ترد علیّ رایة تلمع وجوههم نوراً فأقول : من أنتم ؟
فیقولون: نحن أهل كلمة التّوحید والتّقوی من اُمّة محمّد المصطفی صلّی الله علیه و آله ، ونحن بقیّة أهل الحق ، حملنا(1)كتاب الله وحلّلنا حلاله، وحرّمنا حرامه، وأحبینا ذرّیة نبیّنا محمّد، ونصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم من ناواهم ، فاقول لهم: ابشروا فأنا نبیّكم محمّد ولقد كنتم فی الدّنیا كما قلتم ، ثم أسقیهم من حوضی ، فیصدرون مرویّین مستبشرین ، ثمّ یدخلون الجنّة خالدین فیها أبد الآبدین».
وفیه : عن ابن عبّاس قال : كنت مع أمیر المؤمنین فی خروجه إلی صفّین ، فلمّا نزل نینوی وهو بشطّ الفرات قال بأعلی صوته: «یا بن عبّاس أتعرف هذا
ص: 232
الموضع» ؟
قلت له : ما أعرفه یا أمیر المؤمنین .
فقال : «لو عرفته كمعرفتی لم تكن تجوزه حتّی تبكی كبكائی».
قال : فبكی طویلاً حتّی اختضبت لحیته وسالت الدّموع علی صدره ،وبكینا معاً، وهو یقول : «اوّه، أوّه، مالی ولآلِ أبی سفیان ؟ مالی ولآل حرب حزب الشّیطان وأولیاء الكفر ؟ صبراً یا أبا عبدالله فقد لقی أبوك مثل الّذی تلقی منهم».
ثمّ دعا بماء فتوضأ وضوء الصّلاة ، فصلّی ما شاء الله أن یصلّی ثمّ ذكر نحو كلامه الأوّل إلاّ انّه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ثمّ انتبه فقال علیه السلام : «یا بن عبّاس». فقلت : ها أنا ذا . فقال : «ألاّ اُحدّثك بما رأیت فی منامی آنفاً عند رقدتی»؟
فقلت : نامت عیناك ورأیت خیراً یا أمیر المؤمنین علیه السلام.
قال : «رأیت كأنّی برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بیض ، قد تقلّدوا سیوفهم وهی تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة، ثمّ رایت كانّ هذه النّخیل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدم عبیط ، وكأنی بالحسین علیه السلام سخلی وفرخی و مضغتی ومخی قد غرق فیه یستغیث فلا یغاث، وكأن الرّجال البیض قد نزلوا من السّماء ینادونه ویقولون : صبراً آل الرّسول، فانّكم تقتلون علی أیدی شرار النّاس ، وهذه الجنّة یا أبا عبد الله إلیك مشتاقة ، ثمّ یعزّوننی ویقولون : یا أبا الحسن أبشر فقد أقرّ الله به عینك یوم یقوم النّاس لربّ العالمین ، ثمّ انتبهت هكذا، والّذی نفس علیّ بیده لقد حدّثنی الصّادق المصّدق أبو القاسم انّی سأراها فی خروجی إلی أهل البغی علینا ، وهذه أرض كرب و بلاء یدفن فیها الحسین وسبعة عشر رجلاً من ولدی وولد فاطمة ، وانّها لفی السّموات
ص: 233
معروفة ، وتذكر ارض كرب و بلاء كما تذكر بقعة الحرمین وبقعة بیت المقدّس».
ثم قال لی: «یا بن عبّاس اطلب لی حولها بعر الظباء ، فوالله ما كذّبت ولا كذبت وهی مصفرّة لونها لون الزّعفران».
قال ابن عبّاس : فطلبتها فوجدتها مجتمعة ، فنادیته : یا أمیر المؤمنین قد أصبتها علی الصّفة التی وصفتها لی.
فقال علیّ علیه السلام : «صدق الله ورسوله»، ثمّ قام یهرول الیها فحملها وشمّها وقال : «هی هی بعینها، أتعلم یابن عبّاس ما هذه الأبعار ؟ هذه قد شمّها عیسی بن مریم وذلك انّه مرّ بها ومعه الحواریّون فرأی هاهنا الظّباء مجتمعة وهی تبكی ، فجلس عیسی فجلس الحواریّون معه فبكی و بكی الحواریون وهم لا یدرون لِمَ جلس وَلِمَ بكی ، فقالوا: یا روح الله وكلمته ، ما یبكیك ؟
قال : أتعلمون أیّ أرض هذه ؟
قالوا: لا.
قال : هذه أرض یقتل فیها فرخ الرّسول أحمد ، وفرخ الحرّة الطّاهرة البتول شبیهة اُمّی ، ویلحد فیها طینة أطیب من المسك لأنّها طینة الفرخ المستشهد ، وهكذا یكون طینة الأنبیاء وأولاد الأنبیاء ، فهذه الظباء تكلّمنی وتقول : انّها ترعی فی هذه الأرض شوقاً إلی تربة فرخ المبارك وزعمت انّها امنته(1)فی هذه الأرض.
ثمّ ضرب بیده إلی هذه الصّیران فشمّها وقال : هذه بعر الظّباء علی هذه الطیّب لمكان حشیشها اللهم فأبقها أبداً حتّی یشمّها أبوه، فیكون له عزاء و سلوة .
قال : فبقیت إلی یوم النّاس هذا وقد اصفرّت لطول زمنها، وهذه أرض
ص: 234
كرب و بلاء» ثمّ قال بأعلی صوته: «یا رت عیسی بن مریم لا تبارك فی قتلته ، والمعین علیه ، والخاذل له ، ثمّ بكی بكاء طویلاً وبكینا معه حتی سقط لوجهه وغشی علیه طویلاً، ثم أفاق فأخذ البعر فصرّه فی ردائه وأمرنی أن أصرّها كذلك.
ثمّ قال : «یا بن عبّاس إذا رأیتها تنفجر (1)دماً عبیطاً ویسیل منها دم عبیط فاعلم انّ أبا عبدالله قد قتل بها ودفن».
قال ابن عبّاس : فوالله لقد كنت أحفظها أشدّ من حفظی لبعض ما افترض الله عزّ وجلّ علیّ وأنا لا أحلّها من طرف كمّی ، فبینما أنا نائم فی البیت إذ انتبهت فاذا هی تسیل دماً عبیطاً، وكان كمّی قد امتلأ دماً عبیطاً، فجلست وأنا باك وقلت : قد قتل والله الحسین علیه السلام، والله ما كذّبنی علیّ قطّ فی حدیث حدّثنی ، ولا اخبرنی بشیء قطّ انّه یكون إلاّ كان كذلك ؛ لأنّ رسول الله كان یخبره بأشیاء لا یخبر بها غیره ، ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر، فرأیت والله المدینة كأنّها ضباب لا یستبین منها أثر عین ، ثم طلعت الشّمس فرأیت كأنّها منكسفة ، ورأیت كأنّ حیطان المدینة علیها دم عبیط ، فجلست وأنا با فقلت : قد قتل والله الحسین علیه السلام، وسمعت صوتاً من ناحیة البیت وهو یقول : «اصبروا آل الرسول ، قتل الفرخ النّحول ، نزل الرّوح الأمین ببكاء وعویل»، ثمّ بكی بأعلی صوته وبكیت فأثبتّ عندی تلك الساعة، وكان شهر المحرم یوم عاشوراء لعشر مضین منه فوجدته قتل یوم ورد علینا خبره وتاریخه كذلك ، فحدّثت هذا الحدیث اُولئك الذین كانوا معه فقالوا: والله لقد سمعنا ماسمعت ونحن فی
ص: 235
المعركة، ولا ندری ما هو ، فكنّا نری انّه الخضر علیه السلام(1).
ومنها : ما فی البحار(2) وغیره(3) : فی عدّة من الأخبار المستفیضة عن النّبّی صلّی الله علیه و آله قال: «من أراد أن یحیی حیاتی ، ویموت میتتی (4)، ویدخل جنّة ربّی ، جنّة عدن غرسها(5) ربّی فلیتولّ علیّاً [ولیتولّ ولیّه ](6) ، ولیعاد عدوّه ، ولیأتمّ بالأوصیاء من بعده ، فانّهم أئمّة الهدی من بعدی ؛ أعطاهم الله فهمی وعلمی ، وهم عترتی من لحمی ودمی، إلی الله أشكو من اُمّتی المنكرین لفضلهم، القاطعین فیهم صلتی ، وأیم الله ، لیقتلنّ ابنی - یعنی الحسین علیه السلام-، لا أنالهم الله شفاعتی» .
ومنها : أیضاً ما فی البحار (7) وغیره(8): فی عدّة من الاخبار المستفیضة عن الصّادق علیه السلام قال : «كان رسول الله إذا دخل الحسین علیه السلام اجتذبه إلیه ثم یقول لأمیر المؤمنین علیه السلام : امسكه ، ثمّ یقع علیه فیقبّله ویبكی [فیقول : یا أبه لِمَ تبكی ؟ ](9) فیقول : یا بنی اُقبَّل موضع السّیوف منك وأبكی . قال
: یا أبت ءاُقتل (10)؟
ص: 236
قال : إی والله وأبوك وأخوك و أنت .
قال : یا أبه فمصارعنا شتُی؟
قال : نعم ، یا بنی.
قال : فمن یزورنا من اُمّتك ؟
قال : لا یزورنی ویزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصّدّیقون من اُمّتی».
ومنها : ما فی البحار(1) أیضاً وغیره(2)): فی عدّة من الأخبار المستفیضة عن الصّادق علیه السلام قال : «كان الحسین علیه السلام مع اُمّه تحمله فأخذه النبی صلی الله علیه و آله وقال : لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرین علیك ، وحكم الله بینی وبین من أعان علیك.
قالت فاطمة الزّهراء علیها السلام : یا أبه ، أیّ شیء تقول ؟
قال : یا بنتاه ذكرت ما یصیبه بعدی وبعدك من الأذی والظّلم والغدر والبغی ، وهو یومئیر فی عصبة كأنّهم نجوم السّماء یتهادون إلی القتل ، وكأنّی أنظر إلی معسكرهم وإلی موضع رحالهم وترُبتهم.
قالت : یا أبه وأین هذا الموضع الّذی تصف؟
قال : موضع یقال له كربلاء، وهی دار كرب و بلاء علینا وعلی الاُمّة ، یخرج علیهم شرار اُمّتی لو أنّ أحدهم شفّع له من فی السّموات والأرضین ما شُفَّعُوا فیه وهم المخلّدون فی النّار.
قالت : یا أبة ، فیقتل ؟
قال : نعم یا بنتاه ، وما قتل قتلته أحد كان قبله ، وتبكیه السّماوات
كیا
ص: 237
والأرضون والملائكة والوحوش، والنّباتات والبحار والجبال ، ولو یؤذن لها ما بقی علی الأرض متنفّسُق ، ویأتیه قوم من محبّینا لیس فی الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقّنا منهم ، لیس علی ظهر الأرض أحد یلتفت إلیه غیرهم ، اُولئك مصابیح فی ظلمات البحور(1)، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضی غداً، أعرفهم إذا وردوا علیّ بسیماهم وكلّ أهل دین یطلبون أئمّتهم وهم یطلبوننا لا یطلبون غیرنا، وهم قوام الأرض ، ویهم ینزل الغیث.
فقالت فاطمة الزهراء علیها السلام : یا أبه ، إنّا لله (2) وبكت ، فقال لها: یا بنتاه انّ أفضل أهل الجنان هم الشّهداء فی الدّنیا ، بذلوا انفسهم وأموالهم بانّ لهم الجنّة ، یقاتلون فی سبیل الله فیقتلون ویقتلون ، وعداً علیه حقًّا، فما عند الله خیر من الدّنیا وما فیها ، قتله أهون من میتة من كتب علیه القتل خرج إلی مضجعه ، ومن لم یقتل فسوف یموت.
یا فاطمة بنت محمّد ، أما تحبّین (3)أن تأمرین غداً بأمر فتطاعین فی هذا
الخلق عند الحساب ؟
أما ترضین أن یكون ابنك من حملة العرش ؟
أما ترضین أن یكون أبوك یأتونه یسألون(4)الشّفاعة ؟
أما ترضین أن یكون بعلك یذود الخلق یوم العطش عن الحوض فیسقی منه أولیاءه ویذود عنه أعداءه؟
أمّا ترضین أن یكون بعلك قسیم النّار، یأمر التنّار فتطیعه، یخرج منها من
ص: 238
یشاء ویترك من یشاء؟
أما ترضین أن تنظرین إلی الملائكة علی أرجاء السّماء ینظرون الیك وإلی ما تأمرین به ، وینظرون إلی بعلك قد حضر الخلائق وهو یخاصمهم عند الله ، فما ترین الله صانع بقاتل ولدك وقاتلیك وقاتل بعلك اذا افلحت حجته علی الخلائق واُمرت النّار ان تطیعه ؟
أما ترضین أن تكون الملائكة تبكی لابنك و تأسف علیه كلّ شیء؟
أما ترضین أن یكون من أتاه زائراًفی ضمان الله ، ویكون من أتاه بمنزلة من حجّ إلی بیت الله واعتمر ولم یخلّ من رحمته(1) طرفة عین ، واذا مات مات شهیداً ، وان بقی لم تزل الحفظة تدعو له ما بقی ، ولم یزل فی حفظ الله وأمنه حتیّ یفارق الدّنیا .
قالت : یا أبه سلّمت ورضیت و توكلّت علی الله ، فمسح علی قلبها ومسح عینیها وقال : انّی وبعلك وأنت وابنیك فی مكان تقرّ عیناك ویفرح قلبك».
وفی البحار (2) أیضاً: عن بعض الثّقات انه لمّا أخبر النّبیّ صلّی الله علیه و آله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسین علیه السلام وما یجری علیه من المحن بكت فاطمة بكاءً شدیداً وقالت: «یا أبه منّی یكون ذلك»؟
قال : «فی زمان خال منّی ومنك ومن علیّ»، فاشتدّ بكاؤها وقالت: «یاأبه فمَن یبكی علیه ومن یلزم بإقامة العزاء له»؟
فقال النّبیّ صلّی الله علیه و آله : «یا فاطمة انّ نساء اُمّتی یبكون علی نساء أهل بیتی ، ورجالهم یبكون علی رجال أهل بیتی یجدّدون العزاء جیلاً بعد جیل
ص: 239
فی كلّ سنة ، فاذا كان یوم القیامة تُشَفّعین انت للنّساء وأنا اشفّع للرّجال وكُلّ من بكی منهم علی مصاب الحسین علیه السلام أخذنا بیده وأدخلناه الجنّة ، یا فاطمة كلّ عین باكیة یوم القیامة إلا عینُ بكت علی مصاب الحسین علیه السلام فانّها ضاحكة مستبشرة بنعیم الجنّة».
وأیضاً فی البحار(1): عن بعض أصحابه قال : كنت مجاوراً فی مشهد مولای علیّ بن موسی الرضا مع جماعة من المؤمنین ، فلمّا كان یوم العاشر من شهر محرّم ابتدء رجل من أصحابنا یقرأ مقتل الحسین علیه السلام ، فوردت روایة عن الباقر علیه السلام «انه من ذرفت عیناه علی مصاب الحسین علیه السلام ولو كان مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر»، وكان فی المجلس معنا جاهل مركّب یدّعی العلم ولا یعرفه فقال : لیس هذا بصحیح، والعقل لا یعتقده ، وكثر البحث بیننا وافترقنا من ذلك المجلس وهو مصرّ علی العناد فی تكذیب الحدیث ، فنام ذلك الرجل تلك اللیلة فرأی فی منامه كأن القیامة قد قامت و حشر النّاس فی صعید صفصف لا تری فیها عوجاً ولا اَمتاً، وقد نصبت الموازین، وامتدّ الصّراط ، ووضع الحساب ، ونشرت الكتب ، وأسعرت النّیران، وزخرفت الجنان ، واشتدّ الحرّ علیه ، فإذا هو قد عطش عطشاً شدیداً، وبقی یطلب الماء فلا یجده ، فالتفت یمیناً وشمالاً واذا هو بحوض عظیم الطّول والعرض ، قال : فقلت فی نفسی: هذا هو الكوثر ، فاذا فیه ماء أبرد من الثّلج ، وأحلی من العذاب ، وإذا عند الحوض رجلان وامرأة أنوارهم تشرق علی الخلائق ، وهم مع ذلك لبسهم السّواد وهم با كون محزونون.
فقلت : مَن هؤلاء؟
ص: 240
فقیل : هذا محمّد المصطفی صلّی الله علیه و آله ، وهذا الامام علیّالمرتضی ، وهذه الطاهرة فاطمة الزّهراء.
فقلت : مالی أراهم لابسین السّواد وباكین ومحزونین ؟
فقیل لی: ألیس هذا یوم عاشوراء یوم مقتل الحسین علیه السلام ؟ فهم محزونون لأجل ذلك .
قال : فدنوت إلی سیّدة النّساء فاطمة علیها السلام وقلت لها(1): یا بنت رسول الله انّی عطشان ، فنظرت الیّ شزراً وقالت لی : «انت الّذی تنكر فضل البكاء علی مصاب ولدی الحسین علیه السلام و مهجة قلبی وقرّة عینی ، الشهید المقتول ظلما وعدواناً ، لعن الله قاتلیه وظالمیه ومانعیه من شرب الماء».
قال الرّجل : فانتبهت من نومی فزعاً مرعوباً و استغفرت الله كثیراً، وندمت علی ما كان منّی، وأتیت إلی أصحابی الّذین كنت معهم وخبّرت برؤیای ، وتبت إلی الله.
ومنها : ما فی البحار (2) أیضاً : عن أبی عبدالله قال : «كان الحسین بن علیّ علیه السلام ذات یوم فی حجر النّبیّ صلی الله علیه و آله یلاعبه ویضاحكه ، فقالت عائشة : یا رسول الله ما أشدّ اعجابك بهذا الصّبیّ ؟! فقال لها : ویلك وكیف لا احبّه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤادی وقرّة عینی ؟!
أما إنّ أمّتی ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجّة من حجّی.
قالت: یا رسول الله حجّة من حجّك ؟
قال : نعم ، وحجّتین من حجّی.
ص: 241
قالت : یا رسول الله حجّتین من حجّك ؟
قال : نعم وأربعة.
قال : فلم یزل تزیده ویزید ویضعّف حتی بلغ تسعین حجّة من حجّ رسول الله باعمارها.
ومنها : أیضاً ما فی البحار(1): روی عن بعض الثّقات الأخبار أنّ الحسن والحسین علیهما السلام دخلا یوم عید إلی حجرة جدّهما رسول الله صلّی الله علیه و آله فقالا: «یا جدّاه الیوم یوم العید وقد تزیّن أولاد العرب بألوان اللباس ولبسوا جدید الثّیاب ، ولیس لنا ثوب جدید ، وقد توجّهنا لذلك إلیك»، فتأمّل النّبیّ حالهما وبكی ولم یكن عنده فی البیت ثیاب تلیق بهما ، ولا رأی آن یمنعهما فیكسر خاطرهما، فدعا ربه وقال : الهی اجبر قلبهما وقلب اُمّهما» .
فنزل جبرئیل فمعه حلّتان بیضاوان من حلل الجنّة فسرّ النّبیّ وقال لهما : « یا سیّدی شباب أهل الجنّة ځذا أثواباً خاطها خیّاط القدرة علی قدر طولكما»، فلمّا رَاَیا الخلع بیضاء قالا: «یا جدّاه كیف هذا وجمیع صبیان العرب لابسون ألوان الثّیاب»؟ فأطرق النّبی ساعة متفكُراً فی أمرهما فقال جبرئیل : یا محمّد صلّی الله علیه و آله طب نفساً، وقر عیناً ، انّ صابغ صبغة الله عزّ وجلّ یقضی لهما هذا الأمر ویفرّح قلوبهما بأیّ لون شاءا ، فأمر یا محمد باحضار الطست والابریق ، فاحضرا، فقال جبرئیل : یا رسول الله أنا اصبّ الماء علی هذه الخلع وأنت تفركهما بیدك فتصبغ لهما بأیّ لون شاء، فوضع النّبیّ صلی الله علیه و آله حلّة الحسن علیه السلام فی الطّست فاخذ جبرئیل یصبّ الماء.
ثمّ أقبل النّبیّ صلّی الله علیه و آله علی الحسن علیه السلام وقال له : «یا
ص: 242
قرّة عینی بأیّ لون ترید حلّتك» ؟ فقال : «أریدها خضراء» ، ففركها النّبیّ بیده فی ذلك الماء فاخذت بقدرة الله لوناً أخضر فائقاً كالزّبرجد الأخضر ، فأخرجها النّبیّ صلّی الله علیه و آله واعطاها الحسن فلبسها.
ثمّ وضع حلّة الحسین علیه السلام فی الطست و أخذ جبرئیل یصّب الماء ، فالتفت النّبیّ صلّی الله علیه و آله إلی نحو الحسین علیه السلام وكان له من العمر خمس سنین وقال له : «یا قرّة عینی أیّ لون ترید حلّتك» ؟
فقال الحسین علیه السلام : «یا جدّ أریدها حمراء» ، ففركها النّبیّ بیده فی ذلك الماء فصارت حمراء كالیاقوت الأحمر ، فلبسها الحسین علیه السلام فسرّ النبی صلی الله علیه و آله بذلك ، وتوجه الحسن والحسین علیهما السلام إلی اتهما فرحین مسرورین ، فبكی جبرئیل لما شاهد تلك الحال ، فقال النّبیّ صلّی الله علیه و آله : «یا أخی جبرئیل فی مثل هذا الیوم الذی فرح ولدای تبكی وتحزن ، فبالله علیك إلا ما أخبرتنی»؟
فقال جبرئیل : اعلم یا رسول الله أنّ اختیار ابنیك علی اختلاف اللون فلا بدّ للحسن أن یسقوه السّمّ ویخضرّ لون جسده من عِظَم السّمّ، ولا بدّ للحسین علیه السلام أن یقتلوه ویذبحوه ویخضب بدنه من دمه ، فبكی النّبیّ وزاد حزنه لذلك .
ص: 243
ص: 244
تظّلم فاطمة علیها السلام، و شكایتها علیها السلام یوم القیامة من ظالمیها وظالمی ولدها، وشفاعتها لشیعتها.
من الأخبار المستفیضة ، بل المتواترة عن النّبیّ وسایر الائمة من انّ الله تعالی یغضب لغضبها ویرضی برضاها.
منها : ما فی البحار (1)متواتراً عن النّبی صلّی الله علیه و آله قال : «تحشر ابنتی فاطمة علیها السلام یوم القیامة ومعها ثیاب مصبوغة بالدّماء تتعلّق بقائمة من قوائم العرش تقول : «یا عدل احكم بینی وبین قاتل ولدی» .
قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : «فیحكم لابنتی وربّ الكعبة وانّ الله یغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها».
وفیه أیضاً: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : «إذا كان یوم القیامة نصب الفاطمة قبّة من نور، وأقبل الحسین رأسه علی یده ، فاذا رأته شهقت شهقة لا یبقی فی الجمع ملك مقرّب ولا نبیّ مرسل ولا عبد مؤمن إلاّ بكی لها ، فیمثّل الله عزّوجلّ رجلاً لها فی أحسن صورة وهو یخاصم قتلته بلا رأس ، فیجمع الله
ص: 245
[قتلته] والمجهّزین علیه ومن شرك فی قتله فیقتلهم حتّی أتی علی آخرهم، ثمّ ینشرون فیقتلهم أمیر المؤمنین علیه السلام، ثمّ ینشرون فیقتلهم الحسن، ثمّ ینشرون فیقتلهم الحسین علیه السلام، ثمّ ینشرون فلا یبقی من ذرّیتنا أحد إلاّ قتلهم قتلة ، فعند ذلك فیكشف الله الغیظ وینسی الحزن»(1).
وفیه أیضاً: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : «إذا كان یوم القیامة جاءت فاطمة فی لمّة من نسائها فیقال لها : ادخلی الجنّة ، فتقول: لا أدخل حتّی أعلم ما صنع بولدی من بعدی ؛ فیقال لها : انظری فی قلب القیامة ، فتنظر إلی الحسین علیه السلام قائماً ولیس علیه رأس فتصرخ صرخة واَصرَخنا بصراخها، وتصرخ الملائكة بصراخنا ، فیغضب الله تعالی لنا عند ذلك ، فیأمر ناراً یقال لها «هبهب» قد أوقد علیها ألف عام حتّی اسودّت ، لا یدخلها روح أبداً ولا یخرج منها غمّ أبداً، فیقال لها : التقطی قتلة الحسین علیه السلام وحملة القرآن فتلتقطهم، فإذا صاروا فی حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها ، وزفرت وزفروا بها ، فینطقون بالسنة ذلقی طلقة : یا ربّنا، بما أوجبت لنا النّار قبل عبدة الأوثان ؟ فیأتیهم الجواب عن الله تعالی : من علم لیس كمن لا یعلم»(2).
وفیه أیضاً: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : «یمثّل لفاطمة رأس الحسین علیه السلام متشحّطاً بدمه فتصیح وا ولداه وا ثمرة فؤاداه ، فتصعق الملائكة لصیحة فاطمة ، وینادی أهل القیامة : قتل الله قاتل ولدك یا فاطمة .
قال : فیقول الله تعالی : ذلك أفعل به وبشیعته وأحبّائه وأتباعه وانّ فاطمة فی ذلك الیوم علی ناقة من نوق الجنّة ، مدبجّة الجنبین ، واضحة الخدّین ، شهلاء
ص: 246
العینین ، رأسها من الذّهب المصفّی ، وأعناقها من المسك والعنبر ، خطامها من الزّبرجد الأخضر ، رحائلها در مفضض بالجوهر، علی النّاقة هودج غشاؤها من نور الله ، وحشوها من رحمة الله ، خطامها فرسخ من فراسخ الدّنیا ، یحفّ بهودجها سبعون ألف ملك بالتّسبیح والتحمید والتّهلیل والتّكبیر والثّناء علی ربّ العالمین.
ثمّ ینادی منار من بطنان العرش : یا أهل القیامة غُضُّوا أبصاركم فهذه فاطمة بنت محمّد رسول الله صلّی الله علیه و آله تمر علی الصراط، فتمرّ فاطمة علیها السلام و شیعتها علی الصّراط كالبرق الخاطف».
قال النّبیّ صلّی الله علیه و آله : «ویلقی أعداؤها وأعداء ذرّیّتها فی جهنّم»(1).
وفیه أیضاً : عن ابن عبّاس قال : سمعت أمیر المؤمنین (2)علیّ بن أبی طالب علیه السلام «دخل رسول الله ذات یوم علی فاطمة وهی حزینة فقال لها : ما حزنك یا بنیّة ؟ قالت : یا أبة ذكرت المحشر ووقوف النّاس عراة یوم القیامة ، قال : یا بنیّة انه لیوم عظیم ، ولكن أخبرنی جبرئیل عن الله عزّوجلّ انّه قال : أوّل من تنشقّ الأرض عنه یوم القیامة أنا ثمّ أبی إبراهیم علیه السلام، ثمّ بعلك علی بن أبی طالب ، ثمّ یبعث الله إلیك جبرئیل فی سبعین ألف ملك فیضرب علی قبرك سبع قباب من نور ، ثمّ یأتیك إسرافیل بثلاث حلل من نور ، فیقف عند رأسك فینادیك : یا فاطمة بنت محمّد صلّی الله علیه و آله قومی إلی محشرك ، فتقومین آمنة روعتك ، مستورة عورتك ، فینا ولك إسرافیل الحلل فتلبسینها ، ویأتیك
ص: 247
زوقائیل بنجیبة من نور زمامها من لؤلؤ رطب ، علیها محفّة من ذهب ، فتركبینها ویقود زو قائیل بزمامها وبین یدیك سبعون ألف ملك بایدیهم ألویة التّسبیح ، فاذا جدّ بك السّیر استقبلتك سبعون ألف حوراء یستبشرون بالنّظر إلیك ، بید كلَّ واحدة منهنّ مجمرة من نور، یسطع منها ریح العود من غیر نار، وعلیهنّ أكالیل الجوهر مرصّع بالزّبرجد الأخضر، فیسرن عن یمینك ، فاذا سرت مثل الّذی سرت من قبرك إلی أن لقینك استقبلتك مریم بنت عمران فی مثل من معك من الحور فتسلّم علیك و تسیر هی ومن معها عن یسارك ، ثم تستقبلك اُمّك خدیجة بنت خویلد أوّل المؤمنات بالله ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأیدیهم ألویة التكبیر ، فاذا قربت من الجمع استقبلتك حوّاء فی سبعین ألف حوراء ومعها آسیة بنت مزاحم فتسیر هی ومن معها معك توسّطت الجمع ، وذلك أن الله یجمع الخلائق فی صعید واحد فیستوی بهم الاقدام ثم ینادی مناد من تحت العرش یسمع الخلائق : غُضُّوا أبصاركم حتّی تجوز فاطمة بنت محمّد صلّی الله علیه و آله ومن معها ، فلا ینظر الیك یومئ إلا إبراهیم خلیل الرحمن علیه السلام و علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، ویطلب آدم حواء فیراها مع امك خدیجة أمامك ، ثمّ ینصب لك منبر من النورفیه [سبع] مراقی ، بین المرقاة إلی المرقاة صفوف الملائكة بأیدیهم ألویة النّور، وتصطفّ الحور العین عن یمین المنبر وعن یساره وأقرب النّساء عن یسارك حوّاء وآسیة .
فاذا صرت فی أعلی المنبر أتاك جبرئیل فیقول لك : یافاطمة سلی حاجتك ، فتقولین : یا ربّ ارنی الحسن علیه السلام والحسین علیه السلام ، فیأتیانك و أوداج الحسین علیه السلام تشخب دما وهو یقول : خذ لی الیوم حقّی ممّن ظلمنی ، فیغضب عند ذلك الجلیل ، ویغضب لغضبه جهنّم والملائكة أجمعین ، فتز فر جهنّم عند ذلك زفرةً، ثمّ یخرج فوج من النّار، ویلتقط قتلة
ص: 248
الحسین علیه السلام وأبناءهم وابناء ابنائهم یقولون: یاربّ اناّ لم نحضر الحسین علیه السلام ، فیقول[ الله] لزبانیة جهنّم : خذوهم بسیماهم بزرقة الأعین ، وسواد الوجوه ، خذوا بنواصیهم فألقوهم فی الدّرك الأسفل من النّار ، فانّهم كانوا أشدّ علی أولیاء الحسین من آبائهم الذین حاربوا الحسین علیه السلام فقتلوه.
ثمّ یقول جبرئیل: یا فاطمة سلی حاجتك ، فتقولین : یا ربّ شیعتی ، فیقول الله : قد غفرت لهم . [فتقولین : یا ربّ شیعة ولدی فیقول الله : قد غفرت لهم] فتقولین : یا ربَّ شیعة شیعتی فیقول الله : انطلقی فمن اعتصم بك فهو معك فی الجنّة ، فعند ذلك یودُّ الخلائق انّهم كانوا فاطمیّین فتسیرین ومعك شیعتك وشیعة ولدك وشیعة أمیر المؤمنین آمنةً روعاتهم ، مستورة عوراتهم، قد ذهبت عنهم الشدائد،وسهلت لهم الموارد ، یخاف النّاس وهم لا یخافون ، ویظمأ الناّس وهم لا یظمأون.
فإذا بلغت باب الجنّة تلقّتك اثنتا عشر ألف حوراء لم یتلقّین أحداً قبلك ولا یتلقُین حدا كان بعدك بأیدیهم حراب من نور علی نجائب من نور، رحائلها من الذّهب الأصفر والیاقوت ، ازمّتها من لؤلؤ رطب ، علی كلّ نجیب نمرقة من سندس منضود، فاذا دخلت الجنّة تباشر بك أهلها، ووضع لشیعتك موائد من جوهر علی أعمدة من نور ، فیأكلون منها والنّاس فی الحساب وهم فیما اشتهت أنفسهم خالدون.
واذا استقرّ أولیاء الله فی الجنّة زارك آدم علیه السلام ومن دونه من النّبیّین ، وانّ فی بطنان الفردوس لؤلؤتان من عرق واحلی : لؤلؤة بیضاء ولؤلؤة صفراء ، فیهما قصور ودورُ فی كلّ واحدة سبعون ألف دار ، فالبیضاء منازل لنا ولشیعتنا، والصّفراء منازل لإبراهیم وآل إبراهیم علیه السلام.
وقالت : یا أبة فما كنت أحبّ أن أری یومك ولا أبقی بعدك ؟
ص: 249
قال : یا ابنتی لقد أخبرنی جبرئیل عن الله انك أوّل من تلحقنی من أهلبیتی ، فالویل كلّه لمن ظلمك ، والفوز العظیم لمن نصرك»(1).
قال عطاء : كان ابن عبّاس اذا ذكر هذا الحدیث تلا هذه الآیة : «وَالّذینَ امَنُوا واتَّبعتهُم ذرَّیتهم بإیمانِ ألحَقنَا بهم ذرّیتَهُم وَمَا ألَتنَاهم مِن عَمَلِهِم مِن شَیء كلُّ امریء بِمَا كَسَبَ رَهینَ»(2)
ص: 250
ثواء البكاء علی مصائبه ومصائب سائر الأئمّة ، و ثواب اللعن علی قاتلیهم وظالمیهم ، وكونه من أفضل العبادات المأثورة المتعبّد بها، من لدن آدم إلی الخاتم، بل وجمیع أهل العالم من الانس والجنّ، والطّیور والوحوش، والبحار والحیتان، والأرضین و السماوات وما فیها وما علیها حتی الحیوانات والنّباتات والجمادات، وكونه من علائم الإیمان، وموجب الغفران والرّضوان والجنان، واطفاء غضب الرّحمن والنّیران ، كما قال تعالی : «هُوَ الَّذی أضحَكَ وَأبكَی» (1) «فَلیَضحَكُوا قَلِیلاً وَلیَبكُوا كَثِیراً» (2) «ویَخِرُّونَ للأَذقَانِ یَبكُونُ وَیَرِیدُهُم خَشَوعاً»(3).
وكما فی النصوص المستفیضة،بل المتواترة معنیً فی البحار(4) والعوالم (5)عن النّبیّ صلّی الله علیه و آله وسائر الأئمّة انّه من بكی أو أبكی أو تباكی علی
ص: 251
الحسین علیه السلام وجبت له الجنّة ، وغفر له ذنوبه ولو كان مثل زبد البحر ، ولم تبك عینه یوم تبكی العیون، وحرّم الله وجهه علی النّار.
كما فی البحار(1) مستفیضاً عن الرّضا علیه السلام وسائر آبائه الكرام : «من تذكّر مصابنا وبكی لما ارتكب منّا كان معنا فی درجاتنا یوم القیامة ، ومن ذكر مصابنا فبكی و آبكی لم تبك عینه یوم تبكی العیون ، ومن جلس مجلساً یحیی فیه أمرنا لم یمت قلبه یوم تموت القلوب».
وفی البحار(2)أیضاً بأسانیده المستفیضة عن الصّادق علیه السلام: «من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عینه دمع مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كان مثل زبد البحر».
وعنه : علیه السلام: «نفس المهموم لظلمنا تسبیح، وهمّه لنا عبادة ،وكتمان سرّنا جهاد فی سبیل الله ».
ثمّ قال علیه السلام : «یجب أن یكتب هذا الحدیث بالذّهب»(3).
وفیه : بأسانیده عن الصّادق علیه السلام : «من دمعت عینه فینا دمعة لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا نقص، أو عرض انتهك لنا ، أو لأحد من شیعتنا بوّأه الله تعالی بها فی الجنّة حقّاً»(4).
وفی روایة اُخری : «بوّأه الله بها فی الجنّة غرفأً یسكنها أحقاباً»(5).
وعن الصّادق علیه السلام: «كلّ الجزع والبكاء مكروهُ سوی الجزع والبكاء علی الحسین علیه السلام»(6) .
ص: 252
وفیه : بسنده عن الصادق علیه السلام قال لفضیل: «تجلسون وتحدّثون»؟
قال : نعم ، جعلت فداك .
قال علیه السلام : «انّ تلك المجالس أحبّها، فأحیوا أمرنا یا فضیل ، فرحم الله من أحیی أمرنا.
یا فضیل : من ذكرنا اُو ذُكرنا عنده فخرج من عینه مثل جناح الذّباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»(1)
وبأسناده المستفیضة عن الصّادق علیه السلام قال لأبی عمارة : «أنشدنی فی الحسین بن علیّ علیهما أفضل صلوات المصلّین» .
قال : أنشدته فبكی ، ثم أنشدته فبكی ، فما زلت أنشده فیبكی حتی سمعت البكاء من الدّار.
فقال علیه السلام: «یا أبا عمارة ، من أنشد فی الحسین بن علی علیهما السلام شعراً فأبكی خمسین فله الجنة ، و من أنشد فی الحسین علیه السلام شعرا فأبكی ثلاثین فله الجنة ، ومن أنشد فی الحسین علیه السلام شعرة فأبكی عشرین فله الجنّة ، ومن أنشد فی الحسین علیه السلام شعراً فأبكی عشرة فله الجنة ، ومن أنشد فی الحسین علیه السلام شعر؛ فأبكی واحد فله الجنة ، ومن أنشد فی الحسین علیه السلام شعراً فبكی فله الجنّة ، ومن أنشد فی الحسین علیه السلام شعراً فتباكی فله الجنّة» (2).
و باسناده إلی جعفر بن عفّان أنّه دخل علی الصّادق علیه السلام فقرّبه
ص: 253
وأدناه ، ثمّ قال : «یا جعفر»، قال : لبّیك ، جعلنی الله فداك.
قال : «بلغنی انّك تقول الشعر فی الحسین علیه السلام و تجید».
فقال : نعم ، جعلنی الله فداك .
قال: «قل»، فأنشدته فبكی ومن حوله حتیّ صارت الدّموع علی وجهه ولحیته ، ثمّ قال : «یا جعفر ، والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون هاهنا یسمعون قولك فی الحسین علیه السلام ولقد بكوا كما بكینا وأكثر، ولقد أوجب الله تعالی لك یا جعفر فی ساعتك الجنّة بأسرها، وغفر الله لك »، فقال: «یا جعفر ، [ألا أزیدك ]».
قال : نعم ، یا سیّدی.
قال : «ما من أحد قال فی الحسین علیه السلام شعراً فبكی وأبكی به إلاّأوجب الله له الجنّة وغفر له»(1).
وهذه هی الأشعار الّتی أنشدها جعفر بن عفّان بحضرة الصّادق علیه السلام :
لِیَبكِ عَلَی الإسلامِ مَن كان باكیاً *** فَقَد ضُیّعت أحكَامهُ واستحلّت
غداةَ حُسین لِلرماحِ دَرّیةُ *** وَقد نَهَلَت مِنه السیوفُ وَعَلّت
وغودر فی الصحراء لحما مبدَّاً *** عَلیه عِتاقُ الطُیرِ باتَت وَظَلّت
ص: 254
فَمَانَصَرتهُ اُمّهُ السَّوءِ إذ دَعَا *** لَقَد طَاشَتِ الأحلامَ مِنها وَضَلّت
ألابَل مَحَوا أنوارَهُم بِأكُفَّهِم *** فَلَاسَلَمت تِلكَ الأكفُّ وَشَلّت
وَنَاداهُم جَهراَأنا ابنُ محمّد *** فَإنّ ابنَهُ مِن نَفسِه حَیثُ حَلّت
فَمَا حَفَظُوا قُربَ الرّسول فَمَا رَعَوا *** وَنَزّلَت بِهِم أقدامُهُم وَاستَزلّت
أذاقَتهُ حرّ القتلِ اُمةُ جَدَّهِ *** مَضَت فِعلُهُ فِی كربلاءِ وَذَلّت
فَلاَقَدّسّ الرحمنُ اُمّةَ جَدُهِ *** وَإن هِی صَامت لِلالهِ وَصَلّت
كَمَا فُجِعَت بِنتُ الرّسولِ بِنَسلِها *** وَكانوا حَمَاةَ الحَربِ حینَ استَقلّت (1)
و باسناده أیضاً إلی ابن غالب قال : دخلت علی الصادق فقال : «أنشدنی»، فأنشدته فقال : «لا ، كما تنشدون وكما ترثیه عند قبره»، فأنشدته :
اُمرر علی جدّث الحسین *** فقل لأعظمه الزكیة
قال : فبكی ، ثم قال : «زدنی»، فأنشدته :
یا مریم قومی واندُبی مَولاكِ *** وَعَلی الحُسین فاسعدی بِبُكَاكِ
قال : فبكی ، فتهایج النّساء ، وسمعت البكاء من خلف الستر، فلمّا ان
ص: 255
سكتن وفرغت قال لی: «یا أبا هارون ، من أنشد فی الحسین علیه السلام فأبكی عشرة فله الجنّة»، ثمّ جعل ینتقص واحداً واحداً حتی بلغ الواحد، فقال : «مَن أنشد فی الحسین علیه السلام فأبكی واحداً فله الجنّة»، ثم قال : «من ذكره فبكی فله الجنّة»(1).
وفی البحار(2) وفی العوالم(3) : عن دعبل الخزاعی قال : دخلت علی سیّدی ومولای علیّ بن موسی الرضا علیه السلام فی مثل هذه الأیّام فرأیته جالساً جلسة الحزین الكئیب وأصحابه من حوله ، فلمّا رآنی مقبلاً قال لی : «مرحباً بك یا دعبل ، مرحباً بناصرنا بیده ولسانه»، ثم انّه وسّع لی فی مجلسه وأجلسنی إلی جانبه ثمّ قال لی: «یا دعبل، أحبّ أن تنشدنی شعراً فان هذه الأیّام أیام حزن كانت علینا أهل البیت ، وأیّام سرور كانت علی أعدائنا خصوصاً بنی أمیّة .
یا دعبل : من بكی أو أبكی علی مصابنا ولو واحد كان أجره علی الله .
یا دعبل : من ذرفت عیناه علی مصابنا وبكی لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا فی زمرتنا.
یا دعبل : من بكی علی مصاب جدی الحسین علیه السلام غفر الله له ذنوبه البتّة». .
ثم انّه علیه السلام نهض فضرب ستراً بیننا وبین حرمه وأجلس أهل بیته من وراء السّتر لیبكوا علی مصاب جدّهم الحسین علیه السلام ، ثمّ التفت الّی وقال لی: «یا دعبل إرث الحسین علیه السلام فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت
ص: 256
حیاً، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت».
قال دعبل : فاستعبرت فسالت عبرتی وأنشأت أقول :
أفَاطِمُ لَو خِلتِ الحُسین مُجَدّلاً *** وَقَد مَاتَ عَطشَاناً بشطَّ فُراتِ
إذاً للطَمتِ الخَدَّفَاطِمُ عِندهُ *** وأجرَیتِ دَمعَ العینِ فی الوَجناتِ أفَاطِمُ قُومی یَابنةَ الخیرِ واندُبی *** نُجومَ سَماوات بأرض ِفَلاتِ
قُبو رُبكوفان واُخری بطیبةِ *** واُخری بفخّ نَالها صلواتی
قبورُ ببطنِ النهر من جنب كربلا *** مُعَرسهُم فیها بِشَطِّ فُراتِ
تُوفُّواعطاشاً بالفراتِ فَلَیتنی *** تُوفّیتُ فیهم قَبلَ حِینِ وفَاتی إلی اللهِ أشكو لوعةً عِند ذِكرهِم *** سَقَتنی بِكَأس الثُكلِ والفظعاتِ
إذا فخروا یوماً أتوا بمحمّد *** وَجبریلُ والقرآنِ والسُّوراتِ
وعَدّوا علیّاً ذا المناقبِ والعُلی *** وفاطمة الزهراءِ خیرَ بناتِ
وحَمزةَ والعبّاس ذا الدّین والتُقی *** وَجعفَرَهَا الطّیارَ فِی الحُجباتِ
اُولئك مشؤومون هِندُ وَحَربها *** سُمیة مِن نُوكی ومن قَذراتِ
هُم منعوا الآباء عن أخذِ حَقّهِم *** وَهَم تَركوا الأبناء وَهن شَتاتِ
سَابكیهِمُ مَاحَجّ لله راكِبُ *** وماناح قمریُ علی الشجراتِ
فَیَا عین بكّیهم وجودی بعبرة *** فقدانَ للتسكاب والهملاتِ بَناتِ زیاد فی الحریر(1)مصونة *** وآل رسولِ اللهِ منهتِكاتِ
وآل زیاد فی الحصونِ منیعةُ *** وآل رسولِ اللهِ فی الفلواتِ دیار رسول الله أصبحنَ بَلقَعاً *** وآل زیاد تسكنُ الحجراتِ
و آل رسول الله نُحفُ جُسُومهُم *** والی زیادغُلَّظُ القصراتِ
ص: 257
و آل رسول اللهِ تُدمی نحورهم *** وآل زیادرَبَّه الحجلاتِ
وآل رسول الله تُسبی حَریمهم *** وآل زیاد آمِنوا السّرباتِ
إذا وتروا مدُّوا إلی واتریهم *** أكُفّأً عن الأوتار منقبضاتِ
سأبكیهم ما ذرّ فی الافق شارقُ *** وَنادَی مُناد الخیرِ للصلواتِ
وَمَا طلعت شمسُ وحانَ غروبها *** وباللیلِ أبكیهم وبالغُدواتِ
وفیه : باسناده إلی ابن شبیب: قال : دخلت علی الرَّضا علیه السلام فی أوّل یوم المحرّم فقال لی: «یا بن شبیب أصائم أنت» ؟ فقلت: لا.
فقال : «إنّ هذا الیوم هو الیوم الّذی دعا زكریا ربّه عزّ وجلّ فقال : «ربِّ هَب لِی مِن لَدُنكَ ذُرّیةً طَیَّبَةَّ إنَّك سَمِیعُ الدُّعَاء»(1) فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكریّا «وَهُوَ قَائِمُ یُصَلّی فِی المِحرابِ أنّ الله یَبَشَّرُكَ بَیَحیی » (2)، فمن صام هذا الیوم ثمّ دعا الله عزّ وجلّ استجاب له كما استجاب لزكریّا» .
ثمّ قال : « یابن شبیب ان المحرم هو الشّهر الّذی كان أهل الجاهلیة فیما مضی یحرّمون فیه الظلم والقتال لحرمته ، فماعرفت هذه الأمة شهرها ولا حرمة نبیها ، لقد قتلوا فی هذا الشهر ذرّیّته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً.
یابن شبیب : ان كنت باكیاً لشیء فابك للحسین بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام فانّه ذبح كما یذبح الكبش، وقتل معه من أهل بیته ثمانیة عشر رجلاً ما لهم فی الأرض شبیهون ، و لقد بكت السّماوات والأرضون لقتله ، ولقد نزل إلی الأرض من الملائكة أربعة آلاف النصره فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعثُ
ص: 258
غبر إلی أن یقوم القائم فیكونوا من أنصاره و شعارهم یا لثارات الحسین علیه السلام.
یابن شبیب : لقد حدّثی أبی ، عن أبیه، عن جدّه أنّه لمّا قتل جدّی الحسین علیه السلام امطرت السماء دماً وتراباً أحمر.
یابن شبیب: إن بكیت علی الحسین علیه السلام تسیل دموعك علی خدّیك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته صغیراً كان أو كبیراً قلیلاً كان أو كثیراً.
یابن شبیب: إن سرّك أن تلقی الله عز وجل ولا ذنب علیك ، فزر الحسین علیه السلام.
یابن شبیب: إن سرّك أن تسكن الغرفة المبنیّة فی الجنّة مع النّبیّ فالعن قتلة الحسین علیه السلام.
یابن شبیب: إن سرّك ان یكون لك من الثّواب مثل ما لمن استشهد مع الحسین علیه السلام، فقل متی ما ذكرته : یا لیتنیی كنت معهم فأفوز فوزاً عظیماً .
یابن شبیب: إن سرّك أن تكون معنا فی الدّرجات العلی من الجنان فاحزن الحزننا، وافرح لفرحنا، وعلیك بولایتنا، فلو أنّ رجلاً تولّی حجراً لحشره الله تعالی معه یوم القیامة»(1)
و باسناده أیضاً إلی الرّضا علیه السلام قال : «انّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلیة یحرّمون فیه القتال ، فاستحلّت فیه دماؤنا، وهتكت حرمتنا ، وسُبیَ فیه ذرارینا ونساؤنا، وأضرمت النّیران فی مضاربنا، وانتهب ما فیها من ثقلنا، ولم یرع لرسول الله حرمة فی أمرنا.
انّ یوم الحسین علیه السلام أقرح قلوبنا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزیزنا
ص: 259
بارض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلی یوم الانقضاء ، فعلی مثل الحسین علیه السلام فلیبك الباكون ، فانّ البكاء علیه یحطّ الذّنوب العظام.
ثمّ قال : كان أبی إذا دخل شهر المحرّم لا یُری ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب علیه حتّی یمضی منه عشرة أیّام، فاذا كان یوم العاشر كان ذلك الیوم یوم مصیبته وحزنه وبكائه ویقول : هو الیوم الّذی قتل فیه الحسین علیه السلام»(1).
و باسناده أیضاً إلی الرّضا علیه السلام قال: «من ترك السّعی فی حوائجه یوم عاشوراء قضی الله له حوائج الدّنیا والآخرة، ومن كان یوم عاشوراء یوم مصیبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّ وجلّ یوم القیامة یوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا فی الجنان عینه ، ومن سمّی یوم عاشوراء یوم بركة وادّخر فیه لمنزله شیئاً لم یبارك الله فیما ادّخر، وحشر یوم القیامة مع یزید وعبید الله بن زیاد وعمر بن سعد لعنهم الله إلی أسفل درك من النار» (2).
و باسناده إلی مسمع كردین قال لی أبو عبدالله : «یا مسمع ، أنت من أهل العراق ، أما تأتی قبر الحسین علیه السلام»؟
قلت: لا، أنا رجل مشهور من أهل البصرة، وعندنا من یتّبع هوی هذا الخلیفة وأعداؤنا كثیرة من أهل القبائل من النّصّاب وغیرهم، ولست آمنهم أن یرفعوا حالی عند ولد سلیمان، فیمثلون فیملون علیّ.
قال لی : «أفما تذكر ماصنع به»؟
قلت : بلی. قال : «فتجزع» ؟
قلت : إی والله ، وأستعبر لذلك حتی یری أهلی أثر ذلك
ص: 260
علیّ ، فأمتنعُ من الطّعام حتی لیتبیّن ذلك فی وجهی.
قال : «رحم الله دمعتك ، أما انّك من الّذین یعدّون فی أهل الجزع لنا، والّذین یفرحون لفرحنا، ویحزنون لحزننا، ویخافون لخوفنا، ویأمنون إذا امنّا ، أما انّك ستری عند موتك ملك الموت وما یلقونك به من البشارة ما تقرّبه عینك قبل الموت، فملك الموت أرقّ علیك وأشدّ رحمة لك من الاُمّ الشّفیقة علی ولدها».
ثم استعبر واستعبرت معه ، فقال : «الحمد لله الّذی فضّلنا علی خلقه برحمته ، وخصّنا أهل البیت بالرحمة.
یا مسمع : أنّ الأرض والسماء لتبكی منذ قتل أمیر المؤمنین علیه أفضل صلوات المصلّین رحمة لنا، وما بكی لنا من الملائكة أكثر، ومارقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، وما یكی أحد رحمة لنا ولما لقینا إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عینیه ، فإذا سال دموعه علی خدّه ، فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت فی جهنّم لأطفئت حرّها حتّی لا یوجد لها حرّ، وانّ الموجع قلبه لنا لیفرح یوم یرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة فی قلبه حتّی یرد علینا الحوض. انّ الكوثر لیفرح بمحبّنا إذا ورد علیه حتّی انّه لیذیقه من ضروب الطّعام ما لا یشتهی ان یصدر عنه.
یامسمع : من شرب منه شربة لم یظمأ بعدها أبداً، ولم یشق بعدها أبداً ، وهو فی برد الكافور ، وریح المسك ، وطعم الزّنجبیل أحلی من العسل، وألین من الزّبد، وأصفی من الدّمع ، وأزكی من العنبر ، یخرج من تسنیم، ویمرّ بأنهار الجنان تجری علی رضراض الدّرّ والیاقوت ، فیه من القدحان أكثر من عدد نجوم السّماء ، یوجد ریحه من مسیرة ألف عام، قدحانه من الذّهب والفضّة ، وألوان الجوهر، یفوح فی وجه الشارب منه كلّ فائحة حتّی یقول الشّارب منه لیتنی
ص: 261
تركت هاهنا لا ابغی بهذا بدلاً ولا عنه تحویلاً.
أما انّك یا كردین ممّن تروی منه ، وما من عین بكت إلاّ نعمت بالنّظر إلی الكوثر وسقت منه من احبّتنا، وانّ الشّارب منه لیعطی من اللذّة والطّعم والشّهوة له أكثر ممّا یعطاه من هو دونه فی حبّنا ، وانّ علی الكوثر أمیر المؤمنین علیه الصلاة والسّلام، وفی یده عصاء من یحطم بها أعداءنا فیقول الرّجل منهم : انّی أشهد الشّهادتین ، فیقول : انطلق إلی إمامك فلان فاسأله ان یشفع لك ؟ فیقول : تبرّأ منّی إمامی الّذی تذكره ، فیقول: ارجع وراءك فقل للّذی كنت تتولاّه وتقدّمه علی الخلق فاسأله إذا كان عندك خیر الخلق أن یشفع لك ، فانّ خیر الخلق حقیق أن لا یردّ إذا شفع فیقول : انّی أهلك عطشاً، فیقول زادك الله ظمأً ، وزادك عطشاً» .
قلت : جعلت فداك ، وكیف یقدر علی الدّنوّ من الحوض ولم یقدر علیه غیره؟
قال : «ورع عن أشیاء قبیحة ، وكفّ علی شتمنا اذا ذكرنا ، وترك أشیاء اجتری علیها غیره ولیس ذلك لحبّنا ولا لهوی منه لنا، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده فی عبادته وتدیّنه ، ولما قد شغل به نفسه عن ذكر النّاس.
فأمّا قلبه فمنافق ، ودینه النّصب، واتباع أهل النّصب وولایة الماضین وتقدمه لهما علی كلّ أحد»(1).
و باسناده إلی الثمالی قال : نظر علیّ بن الحسین علیه السلام سیّد العابدین إلی عبدالله بن العبّاس [بن] علی بن أبی طالب علیه السلام فاستعبر ثمّ قال : «ما من یوم أشدّ علی رسول الله من یوم اُحد، قتل فیه عمّه حمزة بن عبد المطلّب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده یوم مؤته قتل فیه [ابن] عمّه جعفر بن أبی طالب .
ص: 262
ثم قال : ولا یوم كیوم الحسین علیه السلام از دلف إلیه ثلاثون ألف رجل یزعمون انّهم من هذه الُأمّة كلّ یتقرّب إلی الله عزّ وجلّ بدمه . وهو بالله یذكّرهم فلا یتّعظون حتی قتلوه بغیاً وظلما وعدواناً .
ثمّ قال علیه السلام : «رحم الله العبّاس ، فلقد آثر وأبلی وفدی أخاه بنفسه حتی قطعت یداه ، فأبدل الله عزّ وجلّ بهما جناحین یطیر بهما مع الملائكة فی الجتّة كما جعل لجعفر بن أبی طالب علیه السلام ، وانّ للعبّاس عند الله تبارك و تعالی منزلة یغبطه بها جمیع الشّهداء یوم القیامة»(1).
وبأسانیده المستفیضة ، بل المتواترة عن أمیر المؤمنین علیه السلام، وعن الصّادق علیه السلام عن جده الحسین علیه السلام : «أنا قتیل العبرة لا یذكرنی مؤمن إلا استعبر»(2)، ولم یذكر الحسین علیه السلام عند أبی عبدالله فی یوم قطّ فرأی أبو عبدالله فی ذلك مُتبسّماً الیوم إلی اللیل ، وكان یقول علیه السلام : الحسین عبرة كلّ مؤمن»(3).
ص: 263
ص: 264
مقدمة التحقیق ... 149
مقدمة المؤلف ... 155
الباب الأول
أن أول ما خلق الله انما هو نور النّبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعترته الطاهرة ... 181
الباب الثانی
كفر قاتلی وظالمی الحسین علیه السلام ... 187
الباب الثالث
الآیات الواردة فی تعزیة الله أنبیاءه بعزاء الحسین علیه السلام ... 195
الباب الرابع
انّ من خصائص الحسین علیه السلام كونه نوراً كجدّه صلی الله علیه وآله وسلم ... 225
الباب الخامس
تظلم فاطمة علیها السلام و شكایتها یوم القیامة ... 245
الباب السادس
ثواب البكاء علی مصائب الحسین وسائر الأئمة علیهم السلام ... 251
فهرس الموضوعات ... 265
ص: 265
ص: 266
القصائد العربیة
تألیف
آیة الله المجاهد السید عبد الحسین اللاری قدس سره
1264- 1342ه ق
اللجنة العلمیة للمؤتمر
مؤسسة المعارف الاسلامیة
ص: 267
ص: 268
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ص: 269
ص: 270
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّد الأنبیاء والمرسلین ،وعلی آله المنتجبین الطاهرین.
وبعد:
لقد ترك لنا آیة الله السیّد اللاری قدّس سرّه ثروة هائلة من مؤلفاته الشیّقة وفی مختلف المعارف والعلوم الفقه والاُصول، وبالاضافة إلی ذلك فقد خلّف لنا مجموعة شعریّة كبیرة فی المدح والرثاء أثبت فیها ولاءه لأهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام.
والمجامیع الشعریة الّتی بین یدیك - عزیزی القاریء - هی أشعار متفرّقة كتبت فی أوقات متفاوتة، واطلق علیها اسم «القصائد العربیّة» أو «القصائد الفرائد»، حیث قمنا بترتیبها ومراجعتها وضبطها - بقدر الوسع والامكان - مع شرح بعض المفردات المبهمة.
وقد خصّصت المجموعة الاُولی من هذه المجامیع الشعریّة فی الرثاء وحوت الثانیة علی قصائد متعدّدة فی المدح والرثاء، واختصت الثالثة فی مدح واستنهاض إمام العصر الحجّة بن الحسن أرواحنا لمقدمه الفداء.
اللجنة العلمیّة للمؤتمر
ص: 271
ص: 272
ص: 273
ص: 274
یَا بنَ بِنتِ النَّبی طَالَ العَناء *** فَمتی نَستَظِلُّ تَحتَ اللّوآء ؟
أَنتَ یَا عِلَّهَ الوُجُودِ وَیَا غَوثَ *** الوَ ری سِرُّ اَعظَمِ لاَسمآءِ
لَیلَةُ القَدرِ مِنكَ بَانَ عُلاها *** وَانطَوَت فِیكَ غَیبَةُالكِبریآء
عَلَیكَ سَلامُ نُزولِ المَلائك *** بِإمضآءِ كُلِّ اُمُورِ السَّمآءِ
وَبِكَ قِیَامُ السَّمَاءِ بِلا عِماد *** وَفیكَ اللَّوحُ وَالقَلَمُ وَالقَضاء
بِكَ صَار اصطفَاءُ آدَمَ وَنُوح *** ثُمَّ آلِ الخَلیلِ فی الأَكفَاء
ولِرُوحِ القُدسِ فَاَنتَ المُعَلَّم *** وَمُعَلَّمُ رُوحِ الأَمینِ الثّنَاء
بِكَ نارُ الخَلیلِ صَارَت سَلاماً *** وَسَمَت فیكَ رُتبَةُ الأَنبِیاء
مِنكَ نَالَ المَسیحُ طُولَ حَیَات *** بِكَ فَازَ الكَلیُم بِالبَیضَاء
بِك نُوحُ نَجَا مِنَ الغَرقِ لُطفاً *** بِكَ نَالَ الذَّبیحُ ذَاكَ الفِدَاء
بِكَ خِضرُ ثَمَّ إِلیَاسُ شِبهُ *** فی مَغیبِ العُلی وَطُولِ البَقَاء
فیكَ یُو نُسُ نَجَا مِنَ الحُوتِ فَضلاً *** بِكَ أیُّوبُ نَالَ ذَاكَ الشفَاء ولِدَاوُدَ مِنكَ لانَ الحَدیدُ *** وَسُلَیمانُ مِنكَ نالَ البَهاء
وَكَم مِن كُروب لِیَعقُوبَ زالَت *** وَلِعَینَیِه مِنكَ بَانَ الضَّیَاء
فیك یُوسُفُ نَجَا مِنَ السَّجنِ لُطفاً *** وَصَارَ عَزیزَ مِصر وَنَعمَاء
وَفیكَ بِخَتمِ الرُّسلِ اُسوَة *** خَتَمتَ بِها رُتبَةَ الَأوصِیَاء
مَن بِهِ جَدُّهُ وَطی العَرشَ نَعلاً *** فَدَنَافَاستَبَقَ حجَابَ الخِفَاء
كُلُّ مَن خُصَّ فی خَصیصِه حَق *** هِبَةُ مِن هِباتِ أهلِ الكِسَاء
كُلّمَا فِی الكِسَاءِ إاِلَیكَ انتَهی *** وِراثَةَ حَبوَةَ آبَاء لِأَبنَاء
ص: 275
مَن بِهِ شُرَّفَت بُیُوتُ الإلَه *** وَقَامَ شِعَارُ بِسَعی الصَّفَاء
وَاَنتَ الوُقُوفُ المُعَرَّفُ لِادَم *** بِسِرَّوَعِلم وَعِرفَانِ حَوَّاء
وَیاتَ بِمَشعَر لِنَیلِ الشَّعَائر *** وَأضحی فِی المِنی بِشرقِ الدَّمَاء
وَعَادَ یَطوفَ طَوَافَ الحَجِیجِ *** وَفِیكَ یُحِلُّ یَطُوف النَّسَاء
وَلَو لاَقَبُول خِتَامِ طَوافِكَ *** لَم یحِلّ مُحرِمُ لِیَوم الجَزاء
وَلاَ طَابَ وَلدُ مِن نِكاح وَلاَ *** حَلاَلُ یَحلُّ عَلی الأَشقِیَاء
وَفیكَ قَدطَابَ النَّعیمُ بِطِیب *** وَحُورُ وَعَین وَحُسنِ الهَوَاء
وَفِیكَ استَطَابَ الجِنَانُ بِخُلد *** وَاستَنَارَ الدُّجی بِنُور الولاَء وَلُبسِ حَریر وَفَرش سَرِیر *** وَعَینِ قَړیر وَحُوړ وَحَورَاء
وَنَفس نَفِیس وَاُنس أَنِیس *** وَنِعمَ الجَلِیسُ بِحُسن وَحَسنَاء وَحُسنِ مَآب وَعَذبِ شَرَاب *** وَنَغمِ خِطَاب بِلُطُف وَنَعمَاء
وَلَولاَ حُلُولُ حَلَاوَةِ حُبَّك *** لَم نَدُق حَلَاوَةَ حُلو وَحَلوَاء
وَلاَ شَهدُ سُكَّر وَلاَ شُربَ عَسَل *** وَلاَ شُمَّ طِیب وَلاَ عَذبَ مَاء
وَلاَ صحَّة سُقم وَلاَ رَاحَه جِسم *** وَلاَ أدَاءَ حَقَّ وَلاَ لِدَاء دَوَاء وَلَولاَكَ مَاقَام لِلِه قَانِت *** وَلاَنَاج نُجّیَ مِنَ النَّار باِلتَّقَاء
فَعَلَیكَ بِالعَجَلِ بِوَجهِ الإَله *** وَانتَقِم مِن بُغَاۃِ الجَور وَالشَّقَاء
وَاَملَأ الأرَاضِی بِقِسطِ وَعَدلِ *** بَعدَمَا مُلِئَت بِظُلم وَفَحشَاء وَجَور وَإهلَاكِ حَرث وَنَسل *** وَمَال وَعِرض وَسَفكِ الدِّمَاء
مُذ اَرَاقُوا دِمَاءَ كُلّ المَوالی *** بَعدَ قَتلِ الأَئِمَّةِ الخُلَفَاء
وَ سَبَوا عِترَّة المَیَامِینِ جَهرًا *** بَعدَ رَضّ الصُّدُورِ عَلَی الأمعَاء(1)
وَأركَبوهُم عَلَی الُعجَافِ العُرَاهِ *** بَعدَ سَلبِ الرِّداء وَحَرقِ الخِبَاء
ص: 276
وَ سَرَوا فِیهِمو یَدُورونَ اَسری *** بَینَ الأعَادِی كَالعَبِیِد
وَالإمَاء بَاكِیَات وَبالعَویلِ یُنَادِین *** ایَنَ سَارُوا الحُمَاة اَهلُ الوَفَاء؟
نَائِحَات عَلَی المَوالی بِقَتل *** لِكُلّ مِنَ الأبَاءِ وَالأَبنَاء
نَاعِیَات اَینَ الرَّسُولُ یَرَانَا *** بِذُلِّ الأُسَاری وَأیدِی الجِفَاء؟
اَخرَجُوهُمُو مِن ډِیَاړ وَالأَهَالِی *** اَقبَرُوهُمو فِی بِلَادِ الغَربَاء
فَاینَ الرَّسُول وَزَوجُ البَتُولِ *** یُحامِی حَریمَ الیَتَامَی النَّسَاء؟فَأینَ العُهُودَ الَّتِی اَوصَاكُمُو *** بِحُكمِ الكِتَابِ فی ذَوی القُربَاء؟
فَمِنهَا الصَلاَةُ فِی فُرُوضِ الصَّلاةِ *** لأجلِ قَبُولِ الصّلاَةِ وَالدُّعَاء
وَمِنهَا اختِصَاصُ النَّجَاةِ بِهِم مِن *** نَیّف وَسَبعِین فِرقَةً هَلكَاء
وَیَكفِی بِثِقلَینِ الكِتَابِ وَهُم *** التمِیزِ الضَّلاَلِ إلی یَومِ اللَّقَاء
وَیَكفِی بِنَصَّ الوَحی تَطهِیرُهُم *** وَاقتِران الصَّلاة بِهِم والثَّنَاء
فَیَا صَاحِبَ الأَمرِ ضَاقَ الأُمُور *** مَتَی الوَعدُ بِالنَّصرِ وَالفَتحُ جَاء؟
وَأخری بَنَصر مِنَ اللهِ وَفَتح *** قَریبُ عَلی مَن تَابَعَ الأعدَاء
وَانصُرنَ وُرّاثَ إرثِ الَأنبِیَاء *** وُانتَقِم مِن وَارِثِی وُلدِ الزَّنَاء
ص: 277
فی الرثاء مخمسة
یَا كَوكَباً مِنهُ الكَواكِبُ فِی العُلی *** أَمسَت خُسَوفاً فِی یَدی الأَعدَاء
وَقَد طَالَ الخُسوفُ وَلَم یَنجَل *** حَتَّی أَتیَ النَّصرُ وَالفَتحُ والجَلاَء
بِكَفّ كَفُّه غَیبَةُ الكِبریَاء
مُصَابُ تَجَلَّی الجَلِیلُ لأَجلِه *** عَلَی العالَمِینَ بِالحَمِد وَالثَّنَاء
مُصَابُ نَعَاهُ الإَلهُ بِعِزّ *** فِی العُلّی والثَّری وَاَفلاَكِ السَّمَاء
فِی كُلِّ دَهر وَصَبَاح وَمَسَاء
مَصَابُ عَزیز فِی العُلی رِزُؤهُ *** عَلَی المُرسَلِینَ وَخَاتَمِ الأَنبِیَاء
مُصَابُ یَبَاهِی الإَلهُ بِصَبرِهِ *** عَلَی البَلَاءِ وَالعَنَا وَالرِّضَا بِالقَضَاء
شَوقاً إلی دَارِ السُّرورِ وَالبَقَاء
مُصَابُ زَعزَعَ العَرشِ وَالعُلی *** وَالشَّرقَ وَالغَربَ إِلی جَوِّ الهَوَاء
مَصَابُ بِهِ اُصِیبَ الدِّینُ وَالهُدئ *** وَلَم یُرعَ لِلإسلامِ فِیه الرّعَاء
وَلاَ جَبرَ لِلكَسِیرِ فِیهِ وَلاَ دَوَاء
مُصَابُ بِهِ زُلزِلِ العَرشُ وَالثَّری *** وَالبَیتُ وَالحَرَمُ وَالرُّكنُ وَالصُّفَاء
مُصَابُ بِهِ حَارَبُوا الإسلَامَ رَأساً *** وَكُلَّ المُرسَلِینَ وَأهلَ الكِسَاء
فَوَیلُ لَهُم مِن خِزی یَوم الجَزَاء
مُصَابُ بِهِ نَزَّه اللهُ نَفسَهُ *** عَنِ الشَّركِ بَینَ العَدلِ وَالجَفَاء
مُصَابُ بِهِ میَّزَ اللهُ حِزبَهُ *** بِحُسنِ المَحَامِدِ وَتَفضِیحِ أعدَاء
بِخِزی وَذَمّ وَخُبثِ النَّمَاء
مُصَابُ بِهِ تَعَالَی اللهُ عُلُوّاً *** عَنِ الظُّلمِ وَالجَبرِ وَالنَّقصِ وَالخَطَاء
وَلَولاَ یَنجَلی قُبحَ المَظَالِمِ *** لَمَا قُدِّسَ مِنَ الافتِرَاء
بِنَصبِ وُلاَه جَوړ وَفَحشَاء
ص: 278
مُصَابُ بِهِ عَظَّمَ اللهُ مَعشَراً *** خَصَّهُم بِذِكرِ وَحی وَاَنبَاء
مُصَابُ بِهِ عَظَّمَ اللهُ أَجرَهُ *** وَخَصَّصَهُ قَدراً بِحُسنِ اصطِفَاء
فَعَزَّاحتِسَاب جَزِیلِ العَزَاء
قَتِیلُ فِی سَبِیلِ اللهِ بِصَبر *** وَزَجر وَأَسر وَحَرقِ الخِبَاء
صَرِیعُ فِی سَبِیلِ اللهِ لِیُحیی *** دِیِن الإلَهِ عَنِ الشَّركِ وَالخِفَاء
فَاُحیی بِهِ الدَّین حَقُّ إحیَاء
طَریح فِی سَبِیلِ اللهِ لِیَعلُو *** بِهِ الحَقُّ وَالإسلاَمُ عَلَی الأَكفَاء
حَرِیمُ لِآلِ اللهِ تُسبی وَقَد *** ضَانَهَا اللهُ بِعِزّ وَحَیَاء
وَعلاَّهَا مِن عَلَاء وَاصطَفَاهَا مِن صَفَاء
وَرَایِعُ سِرُّ اللهِ الَّتِی لَم تَزَل *** فِی سُرَادِقِ عِزِّ الأَولِیَاء
أَضحَت أسَاری فِی الفَلَاةِ جَهرَةً *** بَعدَ التَّخَدُّرِ فِی حِجَابِ الأختِفَاء
فَعَزِّن اصطِبَارَ جَمِیلِ البَلَاء
نَوَائِحُ اَلِ الرَّسُولِ تُنَادِی *** جَدَّهَا الأمجَدَ خَیرَ الأَنبِیَاء
أَینَ أنتَ مِن ذَوِی القُربَی الُأولی *** مِن عُهُودِ الوَحی فِی حُسنِ الوَفَاء؟
حَیثُ أفنَوهُم بِأنواعِ الجَفَاء
حَوَاسِرُ یَندُبنَ العَویِلَ بِشَكل *** عَلی انخِسافِ نُجُوم بَنِی الزَّهرَاء
ثَواكِل آلِ الرَّسُولِ اَمسَت *** كَوَاكِبُ عِزَّهَا فِی تُربِ غَبرَاء
وَمَا لِلكَوَاكِبِ مِن نُورِ الضَّیَاء
فَیَا لَیتَ شَلَّت یَمِینُ الأُعَادی *** وَأَعیُنُهُم مِنَ الجَفَاءِ بِعَمیَاء
وَمِن عَهدِ عُهُود النَّبِیّ بِالوَلاَء *** أموَاتُ صُمّ لاَ مِنَ الأَحیَاء
كَدَأبِ الیَهُودُ بِقَتلِ الَأوصِیَاء
وَكَم مِن فوادِحِ سَوء أَقرَحَت *** قُلُوبَ الأَولِیَاءِ بِكَربِ البَلَاء
وَأَبكَی السَّماء الدِّمَاءَ بِقُرحَة *** وَنَعَی النَّاعِی فِی حُسنِ العَزَاء
وَالبَلَاءَ حَیَاءَّ عَلی فَقدِ الوِلاَء
ص: 279
وَكَم مَن مُصَاب أَفجَعَ الوری *** وَخَطب فَضِیع أقُرَحَ الأَحشَاء
وَسَهم حَدِید اَصَابَ الفُؤاد *** وَجُرح شَنِیع قَطَعَ الأمعَاء
وَضَرب عَنِیف اَؤجَعَ الأَعضَاء
وَكَم مِن حُرُوب اَهلَكَ الوَری *** وَجَرَّعَ الهُدئ حُتُوفَ الفَنَاء
وَظُلم بَدِیع سَری فِی القُری *** بَدا كُلُّهُ فِی یَومِ عَاشُورَاء
مِن نَارِ حَربِ اَسهُمِ الشَّورَاء
وَكَم مِن كَوَاكِبِ نُور اُشرَقَت *** بِطَلعَتِهَا الدَّجی وَجوِّ الفَضَاء فَاعتَرَاهَا اصطِلاَح الخُسُوفِ ظُلمَهُ *** فَأظلَمَ الكَون وَالثَّری وَالغَبرَاء
بِایِثَار الهَوی عَلَی الأقربَاء
وَلَم یفجَعُ الإسلَامُ قَبلُ وَلاَ *** بَعدُ بِمَا یفجَعُ آبَاءُ مَعَ أبنَاء
وَلَم یُقتَل الولدُ فِی حِجر وَالِد *** وَلَم یُذبَحُ الصَّبی مَحضَرَ النَّسَاء
وَلاَ بِظمان فِی جَانِبِ المَاء *** وَقَد رُفِعَت رُوُوس عَلَی السَّنَان
تهُدئ لِشَرَّ المَجُوس وَأَهلِ الشَّقَاء
فَجَلَّت وَعَمَّت وَتَمَّت بِرَفع *** تَعَالَی العَلی مَجدُهُ بِالعُلاء
كَمَا انكَشَفَ الدُّجی بِكَشفِ الغِطَاء
فَهَل مِن مُعزّ یُعَزّی الجَلِیل *** بِعَبد شَهِید بِشَوقِ اللَّقَاء
جَوَاد أَجادَ بِنَفس وَمَال *** وَوُلد وَأهل وَعِزّ وَنَعمَاء
لِوَجهِ الإلَه بِحُسنِ الوَفَاء
وَفِیهِم عَلِیلُ سلیل الأَطائِبِ *** بِذُ لّ وَقَید وَسَلبِ الرَّدَاء
وَیَشكُو الإلَه بجُلِّ الدَّواهِی *** بِبَثّ وَحُزن كَثِیرَ الَغنَاء
حَلِیفَ البَلَاءِ مُدَامَ البُكَاء
وَفِیهِم حَریمُ حَریمُ الإلَه *** تُساقُ بِسَبی لِوُلدِ البِغَاء
فَأینَ الحَمِیَّه لخیر البَرِیَّة *** بِظُلمِ الأُمَیَّة وَوُلدِ الزَّنَاء
خَمُورِ السَّقَاء فجُورِ الغَدَاء
ص: 280
وَلَولاَ الَّذی مِن أوَائِلهِم *** مَا استَبدلُوا عَهدَ الوِلاَءِ بِشَحنَاء
وَلَكِنَّمَا بَیعَةُ الشُّوری لَهُم *** أَورَثَت نَكثَ العُهُودِ بِبَغضَاء
وَنَارَ الحُروبِ وَشَقّ العَصَاء
بِنَفسِی سَلیلُ لِخَیر الأَطَائِب *** خَصَّهُ الإلَهُ بِجُودوَعَلیَاء
وَفِی حَؤلِهِ نُجُومُ الهُدی تَنَاثَرَت *** قَتِیلاً وَمُلقیً عَلی وَجهِ رَمضَاء
وَاغبَرَّتِ الدُّنیَا بِظُلم وَ ظَلمَاء
وَكَرَائمُ آلِ اللهِ نَهبُ لِلوَغی *** بَعدَمَا جَرَّعُوهُم سُیُوفَ الجَفّاء
فَاَینَ اَّتبَاعُ الَّنبِیّ بِثِقلَیهِ *** وَاختِیَارُ الإلَهِ حَقَّ الوِلاَء
اجمَعُواجَعلَهُ فِی جُبِّ شُورَاء
وَكَوَاكِبُ فَلَكِ المَجد وَالعِزّ فِی *** العُلی اَضحَت رُجُوماً لِؤُلدِ البِغَاء
لاَ نَقصَ فِی شِهَابِ العُلی إذ هَوی *** لِرَجمِ الشَّیَاطِینِ عَن مَسِّ السَّمَاء
فَسُقُوطُهُ مَعَ الصُّعُودِ سَوَاء
وَدَعَائِمُ دِینُ الإلَهِ الَّتِی فِی *** سُرَادِقِ عِزّ الغَیبِ وَالشُّرَفَاء
هَدَّمت أسّهَا مَجُوسُ آُمَّةٍ *** نَكَثَت عَهدَ اتَّبَاعِ الأَوصِیَاء
بِبَیعَۃِ شُوری اَسفَهِ السُّفَهَاء
وَمَنَازِلُ دِین اللهِ قَد هُدَّمَت *** قَوَائِمُ بَیتِها بِجَورِ الأُمرَاء
حَتَّی استَحَلوُّا حَریمَ البَیتِ طُرّاً *** بِسَلب وَسَبی وَذُلّ إسرّاء
كَمَا اُسریَ بِجَدِّهَم إلَی السَّمَاء
ص: 281
فی الرثاء مخمّسة
وَكَم مِن شَارِقِ نُورِ الكَوَاكِبِ *** وَاَنوارِ مَجدِ العِزِّ وَالغَرَائِب
وَأَفلَاكِ قُطبِ العُلَی وَالرَّوَاغِبِ *** أَمسَت خُسُوف سِهَامِ النَّوَائِب
بِنكثِ عُهُودِ النَّبِیّ وَالكِتَاب
وَكَم مِن كَوَاكِبِ مَجدِ الأطَائِب *** وَأَقطَابِ فَلَكِ المَعَالِی وَالمَنَاقِب
وَأنوَارِ ضَؤءِ نُجُومِ الكَتَائِب *** اَغرَبَت فَی ظَلَام لَیلِ الغَیَاهِب(1)
بِقَلبِ انقِلَابِ دِین بِاَ عقَاب
وَكَم مِن مَطَالِع نُورِ الجَوانِبِ *** وَاَقمارِ بَدرِ الدُّجَی وَالمَآرِب وَإشرَاقِ شَمسِ الهُدئ وَالرَّغَائِبِ *** اُطفِئَت فِی بُرُوج نَحسِ العَقَارِب
كَإلقَاءِ یُوسُفَ بِجُبّ الغِیَاب
وَكَم مِن اَطَائِبِ عِزِّ المَنَاصِبِ *** وَاَعلَامِ فَیضِ بِحَارِ السَّحَائِب وَحِیتَانِ بَحرَ سَبتِ الأمَانِ *** أَمسَت مَصِیدَ اصطِیَادِ الأَكَالِب
بِمَصِیدِ شُوری بَیعَۃِ الأَصحَاب
وَكَم مِن فَوَارِسِ مَیدَانِ المَذَاهِبِ *** وَاَشهُبِ سِهَامِ نُجُومِ الثَّواقِب
وَمَظهَرِ أنوَارِ بَحرِ العَجَائِبِ *** مَصِیدَ اصطِیَادِ مَكرِ الأَرَانِب
كَاسجَانِ یُوسُفَ سِجنَ العَذَاب
ص: 282
وَكَم مِن مَعَارِجِ صُعُودِ المَراتِبِ *** وَعَزَآئِمِ أَعلی بُیُوتِ الرَّوَاتِب وَهَیَاكِلِ تَؤحِیدِ غُرِّ المَطَالِبِ *** أَمسَت بُیُوتاً لاِحزَانِ المَصَائِب
هَدُّت صَوَامِعَهَا بَیعَةُ النُّصّاب
وَكَم مِن قَتِیلِ الأَجَانِب *** مَقتُولِ الوُلِد وَالأَقَارِب عَظِیمِ المُصَاب حَلِیفِ النَّوائِب *** أَسِیر النَّوَاصِب جَرِیحِ الثَّعَالِب
كَرِیم الأَطَائِبِ وَرَاءِ الحِجَاب
وَكَم مِن مَظَاهِرِ حِكمَهِ الذَّوَاهِب *** وَمَشَاعِرِ آیَات عُقُولِ الضَّوارِب
وَمِرآةِ تَجَلّی عِشقِ الصَّواحِبِ *** أَضحَت قَتِیلا ًبِبَغی النَّواصِب
كَقَتلِ قَابیلِ أَخِیهِ المُجَاب
وَكَم مِن كُرُوب وَحَرقِ قُلُوب *** وَعُنفِ ضَرُوب وَمَنعِ عَذُوب
وَبَثِّ حُرُوب وَسَدًدُرُوب *** وَمَنعِ هُبُوب مِن غَیرِ ذُنُوب
جَرَّعَت سَمَّها سَیَّدی شَبَاب
وَكَم مَن خُطُوب وَأَمرِ صُعُوب *** وَفِعلِ لُغُوب وَمَاءِ كُسُوب
وَمَالِ عُضُوب وَنَجمِ غُرُوب *** وَهَتكِ جُیُوب وَكِذبِ كَذُوب
صَدَعَت سُقمَهَا أَشرَف الأَطیَاب
وَكَم مِن حُرُوب وَقَطعِ عُرقُوب *** وَمَنعِ حُبُوب وَصفِ جُنُوب
وَفَتحِ كُرُوب لِمثلِ یَعقُوب *** عَالِم غُیُوبِ مِن غَیرِ عُیُوب
زَلزَلَت رِزئُهَا أَعظَمَ الأَقطَاب
قَتِیلِ الحُرُوبِ صَرِیحَ الضُّرُوب *** قَرِیحِ القُلُوبِ شُمُوسِ الغُرُوب
جَلِیلِ الُخطُوبِ ضِیَاعِ الدَّرُوب *** كَثِیرِ الكُروبِ مِن غَیِرِ ذُنُوب
البَسَت ظُلمُهَا أَسوَد الثَّیَاب
فَرائِضِ الوُجُوبِ فَرائِسِ الرُّكُوب *** كَوَاشِفِ الغُیُوب عَدیِمَةِ العُیُوب
كَوَاكِبِ الجَنُوبِ صَوَابِرِ أَیُّوب قَوَاطِع العُرقُوب قَد مَسَّهَا اللُّغُوب
أؤرَثَت فِی العُلی أشَدَّ انِقلاب
ص: 283
وَكَرَائِم آلِ النَّبِیّ الحَبِیب *** وَأرحَامِ أَلِ الإلَهِ الرَّقِیب
وَكَوَاكِبِ نُورِ المَجدِ وَالعُلی *** مَنهُوبَةِ الحُقُوقِ وَالنَّصِیب
بِتَفرِیشِ شُوری شَرَّ الكِلَابِ
وَرَوح وَرَیحَانِ كُلِّ طَبِیب *** وَأنوَارِ ضَؤء كُلِّ مَشِیب
غَداً فِی الثَّری بِاَسر وَسَبی *** وَعَنِ العِمَامَةِ وَالرَّدا سَلِیب
وَحَرِیمُةُ مَسلُوبَةُ الجُلبَاب
وَاَسبَاطِ نَجلِ الإمَامِ الرَّقِیب *** الَأصیل النَّجِیبِ الحَسیبِ النَّسیِب عَلِیل سَلِیلِ الأطَائِبِ سَقِیمِ *** أَنِین بِلاَ حَنِین وَلاَ طَبِیب
مُلُوكِ التُّرابِ سَقِیطِ التُّرابِ
وَأعلَامِ نُور الإلَهِ القَرِیب *** سَمَاءِ المَعَالِی ثَنَاء الخَطِیب
قَتِیل بَصَبر وَذُلّ وَ وأَسر *** مُلقیً عَلَی الرَّمضَا بِخَدّ تَرِیب
فَأینَ الرَّسُول وَهَذَا المُصَاب
وَأَشرَافِ آلِ الإلَهِ المُجِیب *** تُجِیبُ الطُّغَاةَ بِقَلب كَیِب
وَنُصحِ نَصُوح وَوَعظِ شَفِیق *** وَقَولِ رَفِیق وَحَالِ غَړِیب
وَلَم یُرَاعُوا فِیهِ یَومَ الحِسَاب
حَوَامِلِ عَرشِ الإلَهِ الرَّقِیب *** تُعَلَّمُ جِبرِیلَ لَحنَ العَندَلِیب
بِظُلم وَجَور وَغَدر اُخرِجُوا *** وَلَم یَبقَ فِیهِم صَؤتُ دَبِیب
بِئسَ لِلظَّالِمِ مِن سُوء العَذَاب
چوَبَدرِ نُجُوم السَّمَاءِ المُهِیب *** مُلقیً كَیُوسُفَ فِی جَوَّ القَلِیب غَرِیقِ طُوفَانِ نَارِ الحُروب *** وَهُوَ فِی الدِّماءِ غَسیلُ خَضِیب
طَابَ فِی فُلكِ الدِّماغُسلُ الخِضَاب
وَرَأسُ رَئیسِ الهُدی عَلَی الكَثِیب *** وَفِی حِجر النَّبِیّ أَعَزُّ رَبِیب
وَهُوَ عَلَی القَنَاةِ یتلُو بِوَحی *** وَعِندَالخمُور قَړِیعُ القَضِیب
تَّبث یَدَاهُ وَیَصلَی اللَّهَاب
ص: 284
وَقَوَارع ِذِكرِ الإلَهِ المُصِیب *** وَحِصنِ حَصِینِ أَمَانِ المُنِیب
أَضحَت قَرِیعاً لِكُلِّ القَوَارعِ *** وَبِالخَوفِ وَالهَدمِ بَیتُ مُرِیب
بِإضرَامِ حَرقِ بَاب وَمِحرَاب
وَصَوَامعَ حِصنِ كُلِّ لَبِیب *** اَثلَمَتهَا العِدی ثُلمَةَ مَعِیب
وَقَد مَلَؤُا الأَرضَ ظُلماً وَجَوراً *** وَلَم یَبقَ لِلعَدلُ شِبر جرِیب
حَتَّی یَقُوم عَدلُ بِعَدلِ اللُّبَاب
شُؤُونِ الكِتَابِ لِسَانِ الصَّوَاب *** عُقُولِ اللُّبَابَ فُصُولِ الخِطَاب شُروطِ الثَّوَابِ لِیَومِ الحِسَاب *** سُتُورِ الحِجَابِ نُجُومِ الشَّهَاب
قَطَعُوهُم بِالسُّیُوف وَالمَضَارِب
فُیُوضِ السَّحَابِ مُلُوكِ التُّرَاب *** عُلُومِ الغِیَابِ شُهُودِ الإیَاب
شَفِیعِ العِقَابَ سَلِیبِ الثِّیَاب *** مُلُوكِ الشَّبَابِ تَمَامِ النَّصَاب
جَرَّعُوهُم بِسُمُوم فِی المَشَارِب
قِیَامُ المُصَاب أسِیر الذِّئَاب *** دِمَاءِ الخِضَابِ بُیُوتِ الخَرَاب
مُلُو كِ الرَّقَابِ سَیَّدِ الشَّبَاب *** رَفِیعِ القُبَابِ سَلِیبِ النَّقَاب
لَدَغُوهُم بَالأفَاعِی وَالعَقَارِب
ص: 285
ص: 286
فی الرثاء مخمسة
كَوَا كِبُ نُورِ العُلی فِی الفَلَاة *** هَوَت لِرَجم الشَّیَاطِینِ وَالبُغَاة
فَفِی ذَا النُّزُولِ تَعَالَی الإلَهِ *** عُلوّاً وَ عِزّاًعَلَی الكَائِنَات
كَمَا أنَّ القِصَاصَ عَینُ الحَیَاة
مَصَاحِفُ نُور الهُدی وَالصَّلاة *** اُنزِلَت بِآلَافِ أَلفِ تَحِیَّات
لإِعلَانِ دِیِنِ الإلِهِ فِی الثَّری *** حَرَّفَوهَا وَشَتَتُوها الشَّتَات
بِبَیعَۃِ شُوری وَظُلم الطُّغَاة
وَأَعظَمُ فَیضِ السَّحابِ الحَامِلَات *** وَالذَّارِیَاتِ ذَرواً وَالجَارِیَات
یُسراً وعُسراً بِذُلِّ السَّبی جَهراً *** بِالقَیدِوَالأَصفَادِفِی الخَرِبَات
تَهدئ بِهِنَّ الَی ابنِ الفَاجِرات
أًینَ الكِتَابُ وَنَصّ المُحَكَمَات *** وَعهدُ النَّبِیّ بِفُلكِ النَّجَات
وَ ثِقلَی كِتَابِ الإلَه وآلِة *** التمییزِ النَّجَاة مِنَ الغَارِقَات
وَالفِرقَةِ النَّاجِیَة وَالهَالِكَات
وَأَعظَمُ أسمَاءُ جُلِّ المَغِیبَات *** وَأقمَار قَدرِ لَیالِی الخَفِیَّات
حَوتهَا الشَّرَارنَهَاراً جَهَاراً *** بِهَتكِ الصَّفَاتِ وَكَشفِ الذَّوَات
وَقَتلَ البَنِینَ وَسَبی البَنَات
ص: 287
وَأعلی نُجُومِ نُورِ السَّمَوَات *** تَجَلَّی الجَلَالُ فِیها بِمِراة
فَهَمَّ بِإطفَائهَا الحَاسِدُون *** كَإخرَاجِهِم آدَمَ مِنَ الجَنَّات
وَإلقَائِهم یُوسُفُ بِالبَلیَّات
مَظَاهِرُ سِرّ اللهِ فِی الصّفَات *** وَمَعَادِنُ ذِكرُ الوَحی وَالآیَات
وَوَدَائِعُ آلِ اللهِ فِی الوَرئ *** تُوفُّوا عِطاشاً بِحَؤلِ الفُرَات
وَلَهُم عَلَی الوَری حُقُوقُ الحَیَات
وَمَعَالِم نُورِ الهُدی وَالنَّكَات *** مَخدُومَهُ المَلائِكِ مِن جهَات
ثَوَاكِلُ یَندُبنَ بِالعَوِیلِ حَسرَةُ *** عَلی بَنِیهنَّ وَخَیرِ الحُمَاة
بِنوح كَنُوح وَنَیُح أصوَات
وَكَرَائِم آلِ اللهِ مِن فَتَاة *** اَدخَلُوها فِی البِلَادِ كَاشِفَات
مُرسَلَات عَاصِفَات نَاشِرات *** فَارِقَات مُلقِیَات ذَاكِرات
حَاسِرات نَاعِیَات صَارِخَات
نَازِعَات نَاشِطَات سَائِحَات *** سَابِقَات رَاجِفَات رَادِفَات
طَاهِرَات مُكرَمَات زَاكِیَات *** قَانِتَات دَاعِیَات وَعُرَاة
ثَاكلات بالبَنِینَ وَالكُمَاة
ص: 288
مخمسة تائیة أخری
اَلُا یَاظُلمُ مُوتِی ثُمَّ مُوتِی *** بِبِئسَ المَصِیرُ إلی حَضرَمُوت
فَقَد سَری سهمُ الأعَادِی فِی العُلی *** وَمِنهَا إلی تُخُومِ الثَّری وَحُوت
و فَاضطَلَم الكَونُ بِهِ وَالمَلَكُوت
یَاعِلَّةَ الكَونِ وَغَیثَ نَاسُوت *** غَرِیقَ بِحَارِ دِمَاءِ یَاقُوت
تُبَاهِی جَلَالُ الجَلِیلِ بَصَبرِكَ *** عَلی مَكثِ نُوح وَصَاحِبِ الحُوت
وَطُولِ غَیَابَتِ الجُبَّ وَالثَّبُوت
أَلم یَأنِ نَصر لِنُوح وَیُوسف *** وَطَالُوت عَلی قَتلِ جَالُوت
مِن أُولی الشَّرِّ وَالجَورِ وَالكُفرِ مِن *** مَنِ استَؤرَث فِعلَ جَبت وَطَاغُوت
وَاعتَدئ ظُلماً بِقَهرِ الجَبَرُوت
یَا عِلَّة الكَونِ یَا غَوثَ الوَری *** یَا غَیثَ نَاسُوت وَصَفوَ لاَهُوت
مَتَی النَّصرِ یَا ذَا النَّصرُ وَالمَعَالِی *** لِرَفع ظلام اضطِلَامِ البُیُوت
بُیُوتِ الوَحی وَالذِّكرِ وَالقُنُوت
وَقَد هَدَمَ الظُّلمُ اَركَانَ عِزِّهَا *** وَعَمَرَ بیُوت وَهنِ العَنكَبُوت
وَأَهلَكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ فِی الوَری *** وَ سَدَّبَابَ كُلِّ مَعَاش وَقُوت
بِسِحر ضِرارِ هَارُوت وَمَارُوت
حَارَبُوا آلَ النَّبِیّ بِرُتُوت(1) *** نَزَّلُوا أَهلَ العُلی تَحتَ التُّحُوت
كَوكبُ الدُّرِّیِّ یَهوِی مِن سَمَا *** لِرُجُوم مَن اَرَادَ اَن یَفُوت
ص: 289
عَادَهُ الكَوكَبِ رَجمُ وَفُتُوت(1)
وَرَمَوهُم سَهمَ بَغی مَن یَمُوتُ *** وَسَبَؤهُم لِبِلَادِ بَرَهُوت شَنَّتُوهُم بِشَتاب وَاُمُؤُت(2) *** مَؤَّتُوهُم قَبلَ حِینِ أَن یَمُوت
أبهَتُوهُم سُوءَ، بُهت وَبُهُوت
أنكَرُوهُم كُلَّ حَقّ وَنُعُوت *** أَلزَمُوهُم بِالسُّكُوتِ وَالصُّمُوت
خَالَفُوأ عَهدَ النَّبِیّ فِیهِمُ *** وَدَعَؤهُم مَن یَنُوحُ وَیَصُوت
فَی الصَّحَارِی وَالبَرارِی وَالبُیُوت
ص: 290
مخمسة
یَا خَیرَ مَن كَانَ فِی الأَرضِ وَارِثا *** أَلَم تَبعَث غُرَاباً لِیَبحَثَا
فَیُقبِرَ مَن فِی سَبِیلِ اللهِ مُلقیً *** ثَلاثاً عَلَی الرَّمضَاءِ جُذَّ جُثَثاً
كَمَا بَعَثتَ لِقَایِیلَ تَعلِیمَ الأَجدَاث
وَكَم مِن كَواكِبِ نُوړ فِی العُلی *** هَوَت لِرَجم الشَّیَاطِینِ حَثِیثا فَاحتَوَتهَا الأَبالِیس فِی جُندِهَا *** فَاَضحَت بِحَیلُولَةِ خَسف غَثِیثا
لاَ غَروَ فِی الشَّمسِ إذ غَابَت یَا خَبَاث
وَسَوفَ یَشكُو النَّبِیَّ مُستَغِیثا *** نَكثَهُم كُلَّ اَیَة أَو حَدِیثا
وَتَبدِیلَهُم عَهدَ الوِلاَءِ بِالجَفَاء *** وَالحُقُوقَ بِالعُقُوقِ ثَلیثا
بِبَیعَةِشُوری وَبِدعَةِ أَحدَاث
وَأكبَادُ النَّبِیَّ فُرّثَت تَفرِیثا *** وَهُم لِحَلِّ المُشكِلَاتِ شَحِیثَا(1)
وَمَا مِن حَبَا ءوَفَی ءوَنِحلَة *** إلَّا لِكُلِّ مِن ثَالث ثَلِیثا (2)
فَاعتَدُوهُم كُلَّ حَقّ وَمِیراث
أَمِنَ العَدلِ یَا أُمَّةَ الثَّلَاث *** نَهبُ آلِ النَّبِیّ كُلَّ أَثَاث وَحَقّ وَفَی ءوَنَفل وَنِحلَة *** وَدُوړ وَأرض وَوَجهِ البراث (3)
ص: 291
وَالحُلی وَالسَّوارِ حَتَّی الرِّعَاث
فَیَا لَلعَجَبِ مِن كُلِّ إحدَاث *** یَخرُقُ السَّبعَ الشَّدَادَ مِن بِثَاث
وَلَم یَنقُض طَهُورَ عَدلِ آنكَاث *** فَسَّدُ اسكَندَرَ وَطَهرُ الإنَاث
أَهوَنُ مِن طُهرِ عَدلِ الثَّلاَث
فَصُمُّ وبكم وَعُمیُ الخِبَاث *** أَشَدُّ مِن سُكرِ الكِلَابِ اللَّهَاث أَلَم یَأنِ لِلنّؤُّامِ اَن یَیقظوا مِن *** دهشَةِ تِلكَ الصَّوَاعِقِ الغِیَاث
وَقَوَارِعِ ایِقَاظِ سُكرِ الحِثَاث
فَتَبّاً وتَعسأً لَهم مِن قُلُوب *** لَاتُفِیقُ مِمَّا أَصَابَ المِلَاث
مُصَابُ بِهِ أفَاقَ كُلُّ الأَنَام *** وَلَم یَبقَ لِلكُفَّارِ عُذرُ انبِعَاث
بِمَا بَلَغَ الأَفَاقَ صَؤتُ المَراثی
مُصَابُ بِهِ فَتَّ الظَّمَاءُ وَالرَعَاث(1) *** أكبَادَ قَلبِ الصَّبیَانِ وَالإنَاث
ضَمانُ یَری المَاء بِمَرئئً وَمَسمَع *** وَهوَ مِن شُربِهِ أَشَدُّ الثاث (2)
كَیفَ وَالمَاءُ لَهُ مِن جُملَةِ التُّرَاث
أَمِن عَدلِ العُقُول اتَّبَاعُ یَغُوث *** مِن ظَلُوم مُخَنَّث وَدَیَّوث
تَأمَّرَ فِی الجَورِ وَالأَذی كَبُرغُوث *** فِی مَنَامِ لَیل وَأَرضِ بُرُوث (3)
بِئسَ القَرِینُ لَهُ سُوءُ البَرَاغث
اَینَ ذَا وَآل النَّبِیّ المَبعُوث *** عِلَّهُ عَالَمِ البَقَاءِ وَالحُدوث كَوَاكِبُ نُورِ العُلی مِنهُم بَدَت *** وَفِی أندَادِهِم سُورَهُ البَحُوث(4)
شَتَّان بَینَ یَغُوثَ وَالغِیَاث
ص: 292
حَجِیجُ المَطَافِ مَطَافُ الحَجِیج *** نَضِیجُ العُقُولِ عُقُولُ النَّضِیج
بَهِیجُ المَریج مَرِیجُ البَهِیج *** مَرِیجُ العُلُوم علُومُ المَرِیج(1)
هُم عِلَّهُ الإیِجاد فِی الفَیضِ الأزَل *** هُم لَهَّجُو المَلائِكَ حُسنَ تَلهِیج (2)
حَوَتهُم سِهَامُ الأَعَادِی بِظُلم *** وَلَم یَنجُ مِنهُم حَتَّی المَلِیج(3)
ألاَ یَا أمَّةَ السَّؤء مَا هَذَا الجَفَاء *** فِی إزَاءِ الوَفاءِ بِحَقِّ النِّسِیج (4)
وَقَد أجَّجُوا آلَ النَّبِیّ بِبیَعَة *** بِهَا أَوقَدُوا نَارَ حَزبَ الأَجِیج
وَشَقُّوا عَصَا المُسلِمینَ بِنَیف *** وَسَبعِینَ عَن قُطبِ مُعَدِّلِ (5) التَّبرِیج(6)
وَ تَقسِیم فَیء آلِ النَّبِیّ فِی *** غَیرِهِم بإجحَافِ جَؤرِ تَفلِیج(7)
وَإخرَاجِهم مِن خَصَائِصِ عِزِّ *** وَمَسَاكِنِ اُنس وَوَاد خَلِیج(8)
إلی أرض قَفر وَرَمضَاءِ حَرّ *** تُوفُّوا عِطاشاً حَولَ إِفجِیج(9)
ص: 293
بِحَتفِ السُّیُوفُ وَعُنفِ الحُتُوف *** وَرَغمِ ا لاُّنوفِ وَقَطعِ الودِیج(1)
ورَضَّ الصُّدُورِ وَكَسرِ الظُّهُور *** وَسَبی النَّسَاءِ وَذِبح الهَضِیج(2)
بِنَوحِ عَوِیل وَقَیدِ عَلِیل *** بِذُلِّ سَبِیل وَضَجّ ضَجِیج
وَسَلبِ الرَّدَاءِ وَخَرقِ الخِبَاء *** وَاَسرِ الإمَاءِ وَعَجِّ العَجِیج
اَتُهدئ حَرِیمُ الإلَهِ بِذُلِّ *** أمَامَ إمَام خَمُور سَمِیج
بُرُوجُ السَّمَاءِ سَمَاءُ البُرُوج *** سُرُوج المُنیرِ مُنِیرُ السُّرُوج
لَهُم ضُجَّتِ المَلائِكُ بِالهُبُوط *** وَغَابَتِ الشَّمسُ تَحتَ غَیمِ الحَلُوج (3)
وَهَاجَت سَحَابُ الرَّعدِ وَالبَرقِ بِا *** البُكَاءِ وَالعَویِلِ وَرِیح الخَلُوج(4)
بِهِم شَمسُ الضُّحی وَالنُّجُومُ هَوَت *** لِرَجمِ الشَّیَاطِینِ وُلدِ العُلُوج(5)
بِهِم غَابَ نُورُ العُلی وَبَدرُ الدُّجی *** وَضَؤءُ الكَوَاكِبِ وَشُهُب الزَّلُوج(6)
أخرَجُوا الَأقمَارَ مُن بُرجِ العُلی *** فِی فِجَاجِ الأرضِ فِی ذُلِّ الخُرُوج
نَزَّ لُوهَا مِن أَعَالِی رُتبَةٍ *** خَصَّهَا الرَّحمَن فِی لَیلِ العُرُوج
عَادَةُ الأقمَارِ تَسرِی فِی البُرُوج *** وَرَأَینَا البَدرَ یَسری فِی العَمُوج(7)
كَادَتِ الأفلَاكُ تَمطُرُ بِالدَّمَاءِ *** وَالسَّمَاءُ بِالعَجِیج وَالضَّجِیج
حَیثُ نَاحَت أهلُ بَیتِ المُصطَفی *** مِن فَسَادِوُلدِ یَأجُوجِ اللَّجُوج
وَلَعُوهُم بِالسُّیُوفِ وَالخُسُوف *** رَكَّبُوهُم بِنَسُوج لاَ سَرُوج(8)
ص: 294
حَارَبُوهُم بِالرِّمَاح وَالسُّیوف *** اَقحَمُوهُم فِی المَخَاوِفِ وَالمَحُوج
أحدَثُوا الظُّلمَةَ فِی نُورِ السَّمَاءِ *** لَیسَ للظُلمَةِ فِی النُّوړِ وُلُوج
اَسَّسّوا الأَصنَامَ فِی سِلكِ الهُدی *** لَیسَ لِلأَصنَامِ فِی الحَقِّ لُزُوج(1)
ص: 295
جیمیّة أخری
بِنَفسی نُفُوسُ طَهُورُ المِزاج ***بِاَنوَارِ قُدسِ الإلَهِ أَمشَاج
عَلَیهِم نُزُولُ المَلائِكِ بِسَلام*** وَأَمر وَإذن وَرَفعِ احتِیَاج
بِهِم تَمَّټِ الحُجَّهُ وَزَاحَ العِلَل*** سِیَّمَا عِندَ ابتِهَال وَاحتِجَاج
بِهِم رَفرَف النَّبِیُّ بِمَركَزِ العُلی*** فَدَنا فَتَدَلّی مُنتَهَی المِعرَاج هُمُ النُّجُومُ الَّتِی هَوَت وَاختَفَت*** لِرَجمِ جُنُودِ ظُلمِ الإعوِجَاج
فَاحتَوَتهَا الأعَادِی بِجُندِها ***وَشَوَّشَتها بِدِهشَةِ الهَجهَاج(1)
وَجَرَّعَتهَا الحُتُوفَ بِاَفجَع ظُلم ***وَجَور وَقَتل وَقَطعِ أَودَاج
وَسَلبِ الرَّدَاءِ وَحَرقِ الخِبَاء *** وَسَبی النَّسَاءِ وَ ذَبح النَّتَاج
وَسَوقِ حَریمِ بِدُونِ حَمِیم ***بِحَالِ سَقِیم وَخَؤفِ ارِتجَاج(2)
وَكَم مِن قَوَارعِ و رُزءِالمُصَاب***وَالامِ حَتفِ جُرُوح الشَّجَاج
لَم تُطِق سَمعَهَا السَّبعُ الشَّدَاد***كَیفَ استَطَاقُوا حَملَ ذَا الإنزِعَاج
وَهَل مِن مُصَاب یَبِیتُ بِأسر*** فِی ظَلَامِ الخَرَابِ بِغَیرِ سِرَاج؟
وَ یُعلی بِرَأسِ رَئِیسِ الأَنَام ***وَیُلقی اَمَامَ إمَام السَّمَاج(3)
اَكَرائِمُ مَجدِ العِزِّ وَالعُلی *** تُسَاقُ بِسَوقِ الأَسرِ فِی الفِجَاج
وَهِیَ فِی سُرادِقِ الغَیبِ حُجَّابُها***مَلآئِكُ و عِزَّمُكَلّلةُ التَّاج
إلی أن أرَادَ التَّجَلَّی بِوَحیِه ***وَاَوصَافِ الجَلَال وَالإبتِهَاج
فَانَزَلَهُم لإِظهَارِ اَوصَافِهِ *** مِراهُ حَقّ كَمِراةِ الزُّجَاج
ص: 296
فَاستَاثَرُوا بِتَصدِیع حَقِّ الإلَهِ ***وَتَروِیج ډِینِهِ بِحَقِّ الرَّوَاج
وَإرشَادِ العِبَادِ لإَصلِ المَعَادِ ***إلی خَیرِ دِین وَاَعدَلِ مِنهَاج وَإنجَائِهِم بِفُلكِ نَجَاۃِ نُوح*** عَن غَرقِ طُوفَانِ كُفر وَاَموَاج
فَتَلقَاهُمُ الأَعادِی بِمَكرِهَا*** كَعَذب فُراټ وَمِلح اُجَاج
فَاستَنصَرُوا اللهَ بِنَصر وَفَتح ***ففازُوا بِنَصرِ اصطِبَارِ الأفلَاج(1)
إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتحُ وَ *** یَدخُلُونَ فِی دِینِ اللهِ أفوَاج
فَیَملاُ الأَرضَ قِسطاً وَعَدلاً *** بَعدَ مَامُلِئَت بِجَورِ الخِرَاج
فَیَا خَیرَ مَؤعُوډبِوَځِی الكِتَاب *** مَتَی النَّصرُ وَالفَتحُ وَالإنفِرَاج؟
ص: 297
ص: 298
لاَغَروَ مِن وُلدِ یَعقُوبَ وَنُوح *** فِی نَكثِ كَلِّ النُّصُوص وَالشُّرُوح
خَلَّفَ الثَّقلَینِ فِی النَّاسِ النَّبِیَّ *** بِنُصُوصِ الوَحی وَالنُّصحِ النَّصُوح(1)
حَرَّفُوا الأُولی بِرأی وَهَوی*** جَرَّعُوا الأُخری بِسَمّ وَجُرُوح
نَزَّلُوهَا مِن بُرُوج فِی السَّمَاءِ ***وَعُروج فِی المَعَارج وَالسُّطوح
شَرَّدُوهُم فِی البَرَارِی وَالفَلَاة *** بَدَّدُوهُم فِی جُرَوح وَقُرُوح
حَرَّمُوهُم سَقی مَاء فِی الظَّمَاء *** فِی رَوَاح وَمَسَاء وَصَبُوح(2)
قَطَّعُوهُم مِن صَغِیر وَكَبِیر *** مِن أیَادِی وَجَنَاح وَالجُنُوح
حَارَبُوهُم بِالسُّیُوفِ وَالرَّمَاح *** بَعضُهُم لِلبَعضِ یَبكِی وَیَنُوح
أَخرَجُوهُم مِن سُتُور وَخِیَام *** رَكَّبُوهُم بِالعِجافِ وَالجَمُوح (3)
ضَیَّعُوهُم فِی البَرارِی وَالفَلَاة *** لِلشَّرَارِ مِن عَبُوس وَكَلُوح (4)
شَرَّدُوهُم مِن دَیَار وَعِقَار *** حَرَّمُوهُم مِن فَضَاء وَسُنُوح
حَجَرُوهُم شُربَ مَاء فِی الظَّماءِ *** مَانَعُوهُم مِن قَرَار وَسُیُوح (5)
ص: 299
مِن مَقَرِّ وَمَكَان وَأَمَان *** مِن فَضَاء وَهَوَاء وَمُسُوح(1)
فَاجَؤهُم بِالشَّدَائِدِ وَالمُصَاب *** اَورَدُوهُم بِافِتضَاح وَفُضُوح
یَالِثَارات أراقُوهَا اللَّئَام *** اَسفَكُوا فِیهَا الدِّمَاءَ بَالسُّفُوح(2)
نَاكَثُوا فِیهَا عُهُودَ الأنبِیَاء *** كَابنِ آدَم وُلدَ یَعقُوب وَنُوح
نِسوَةِ نُوح وَلُوط مِثلِ هُود *** وَصَفُورا حَیثُ خَانَت بِالصَّفُوح(3)
وَلاَ یَؤمَ یَومَ خُرُوج الجُیُوش *** بِالافِ الفِ عَنُود قَبُوح
عَلی قَتلِ آلِ اللهِ فِی الفَلاَة *** وَسَبی الحَرِیمِ بِعُنفِ طَمُوح (4)
وَقَیدِ العَلِیلِ بِغُلِّ الحَدِید *** وَظُلمِ الشَّدِیدِ بِنَفس سَمُوح (5)
وَإدخَالِ آلِ النَّبِیّ سَبَایَا *** عَلی خَمُوړ فَجُوړكَثِیر النُّبُوح(6)
فَیَا صَاحِبَ الأَمرِ أَینَ الفُتُوح *** وَفِیكَ نُزُولُ المَلائِكِ وَالرُّوح
وَمِنكَ رَؤحُ الجِنَانِ(7) وَالنُّضُوحِ *** وَطِیبُ خِتَامِ الرَّوائِحِ یَفُوح
ص: 300
حائیة أخری
وَكَم مِن مُصَاب لِمِثلِ المَسِیح *** وَازدِحَامِ الصَّفِیّ بِأَكلِ المُبِیح
وَافتِراقِ الجِنَانِ وَقُربِ الحَبِیب *** وَالهُبُوطِ وَحِیداً بِوَاد بَطِیح
وَقَد أُفجِعَ بِقَتل ابنِهِ هَابِیل *** وَلاَ یَؤم كَیَوم ضِیق الفَسِیح
عَلی أَطائِبِ آلِ اللهِ فِی العَرَاء *** تَبِیتُ أَسرئ بِحَمد وَتَسبِیح
قَدَّموا الأَصنَامَ طُرّأاً وَالهَوی *** وَوُلاَةَ الجَورَ وَالظُّلمِ القَبِیح
آثَروا الأَوثانَ وَالشَّركَ عَلی *** كُلِّ الهُدی والنُّورِ وَالقَولِ النَّصِیح
نَاكَثُوا عَهد النّبِیّ المُصطَفی *** مِثلَ نِكثِ عَهدِ مُوسی وَالمَسِیح
هَمَّوا بِقَتلِ الطُّهرِ وَالمَؤلی عَلِیّ *** كَقَتلِ هَارونَ النَّبِیَّ بِتَسمِیح(1)
وَقَتلِ هَابِیِل وَیحیی الذَّبِیح *** وَإلقَاءِ الخَلِیلِ بِالمَرَاجِیح(2)
وَقَد اُحصِرُوا فِی سَبیلِ اللهِ لاَ *** یَستَطِیعُونَ ضَرباً فِی الأَباطِیح وَقَد قُوتِلُوا ظُلماً بِغَیرِ حَقِّ *** عِطَاشاً لِسَفی مَاء مِنَ السَّیح (3)
جَرَّعُوهُم بِالسُّیُوفِ وَالحُتُوف *** مِن قَتِیل أو جَرِیح أو ذَبِیح
أو مِن حَریم تُقِاد ُبِحَسرَة *** أو مِن عَلِیل فِی القُیُود قَرِیح
نُفُوس خُصَّصَت بِطُهر وَاصطِفَاء *** بِوَحی الكِتَابِ وَنَصِّ صَرِیح
نُفُوس فِی سَبِیلِ اللهِ تُلقی *** عَلَی التُّربِ مِن غَیرِ شَقِّ ضَرِیح (4)
ص: 301
رُوُوس رَئِیسِ المُسلِمِینَ تُهدی *** لِشَرِّ المَجُوسِ وَقُبحِ(1) الشَّحِیح(2)
وَاُنفَاسُ قُدس فِی السَّمَاء اُنزِلَت *** لِرجُمِ الكِلابِ عَن وَجهِ الصَّفِیح (3)
فَاعتَدَت عَلَیها عُقُورُ الكِلَابِ *** بِعَضِّ وَلَهت وَنَبحِ نَبِیح
وَاَبدَا نُ نُوړ فِی الدِّمَاء زمَّلُوا *** بِحَرِّ رَمضَاءِ الهَجِیر طَرِیح
وَنَعی عَلَیهَا الحَرِیمُ بِثُكل *** وَصَوتی فَجِیع وَقَلب قَرِیح
أَلاَ یَاكَوكَبَ العِزِّ والعُلی *** كَیفَ اصطِبَارِی عَلی ذُلِّ تَبرِیح (4)
وَعُسر وَاَسر وَسَبی وَسَلب *** وَقَید وَشَتمِ افتِضَاح فَضِیح
وَأَفجَعُ مَا یُشجِی القُلُّوبَ غَیرَهً *** دُخُولُها عَلی ذِی خُمُور قَبِیح
یُغَنَّی بِسُكر وَأَشیَاخ بَدر *** مُطرِباً شامِتاً بِلَدغِ الفحِیح(5)
نَاهِشً بِلَسعِ سُمُومِ الأَفَاعِی *** نَاطِحاً بِقَرڼ نَطحَ النَّطِیح
یَهِمُّ بقتل سَلِیلِ الأَطَائِب *** عَلِیل سَقِیم بِنَفس سَمِیح(6)
یُنَاجِی بِصَوت خَفِی رَبَّهُ *** یُجَابُ بِلبَّیكَ لَفظ فَصِیح
فَیَا غَیرَة اللِه عَجَّل بِنَصر *** وَفَتح قَرِیب كَمَا فِی الصَّحِیح
لِیمَلأَ الأرضَ قِسطاً وَعَدلاً *** بَعدَ مَا مُلِئَت بِظُلم وَقیح
ص: 302
حائیة أخری
وَكَم مِن مُصَاب عَظِیم فَادِح *** اَصَابُوا نَبِیّاً بِهِ مِثلَ صَالح
فَقَالَ لَهُم نَاقَةَ اللهِ وَسُقیَاهَا *** فَلَم تَسقِها إلاّ بِعَقر قَادح
وَلاَ یَؤم كَیَومِ استِقَاءِ الحُسَین «ع» لِطِفل سَقُوه بِسَهم سَافِح(1)
وَلَم یُراعُوا عُهُودَ النَّبِیّ فِیهِم *** إلآَّ بِجَورِ العُقُوقِ الطَّوَامِح
فَیَا كَوكَبَ المَجدِ مِنكَ الكَوَاكِب *** هَوَت لِرَجم الشَّیَاطِینِ النَّواطِح
فَاَبدَت خُسُوفاً بَحَیلوله لاَ *** یَضُرُّهُم إلاّ مَزِیدَ المَرَابِح
وَكُلَّ مَن خُصَّ فِی خَصِیصِة فَضل *** مِنَ العَرشِ وَالفَرشِ حَتَّی الأبَاطِح (2)
إنَّما نُشِیءَ بِهِم وَانتَهی لَهُم *** كَرَشحَة نَمّ مِن بِحَار الرَّوَاشِح
ءَأَنفَاسُ قُدسِ اللهِ فِی الضَّواحی(3) *** تُضَحَّی ضَحَایَا بِمِثل الذَّبَائِح
أَیُقتَلُ بِصَبر وَنَحر وَكَسر *** وَحَرِّ وَضرِّ وَقَطعِ الجَوَارِح
وَتُشبی حَرِیمُ الإلَهِ بِذُلِّ *** وَاَسر وَقَید بِایدِ الطَّوَالِح
مَاغَسَّلُوه وَلاَ كَفُّنوهُ فِی كَفَن *** وَلاَ وَارَؤهُ فِی شَقِّ الضَّرَایِح
دَعَوهُ عَلی وَجهِ الصَّعِیدِ مُلقیً *** ثَلَاثاً بِحَرِّ الهَجِیرِ المَطَارِح
تَنُو حُ عَلَیهِ الوُحُوشُ بِثَكل *** قَرِیحَ القُلُوبِ بَصَوتِ النَّوائِح
و َیُعلی بِرأس تَعَالَی اللهُ بِهِ *** ُعلُوّاً كَبِیراً بِأعلَی الصَّفَائِح
وَتُهدی حَرِیمُ الإلَهِ بِثَكل *** وَجِدِّ مَسِیر بِدُونِ التَّرَاوُح
وَتُدخَلُ بِشَام بِجَمعِ ازدِحام *** بَمَرئی لِئَام وَسَحبِ الفَوَادِح
ص: 303
وُقُوف قِیَام بِشُؤمِ مَقَام *** وَسُوءكَلَام اَشَدَّ الفَضَائِح
دُخُولَ حَرِیم لإِل كَرِیم *** عَلی ابنِ رَجِیم فُعُول القَبَائِح
یُغَنَّی بِسُكروَیَشمُت بِكُفرٍ *** وَیَشتُم بِقَهر بِأهلِ المَدَائِح
فَیَا لِلهِ مِن مُصَاب جَلِیل *** وَصَبر جَمِیل بِمَا فِی المَصَالِح
كُلَّما فَتَّتَ المِسكَ أو جَمَّرَت *** عُؤد طِیب فَاحَ مِنهُ الرَّوَائِح
ص: 304
حائیة أخری
وَمِن هَوانِ هَذَا الزَّمَانِ الفِدَاحِ *** ذَبحُ یَحیَی النَّبِیّ لِذَاتِ السَّفَاحِ
وَلَكِن لاَ كَیَؤمِ ذَبحِ الحُسَین الصَّعب *** بِالاَفِ جُرحِ السُّیُوف وَالسَّلَاحِ
وَحَرِّالظَّمَاءِ وَقَرحِ الفُؤاد *** وَنَحرِ الصَّبِی بِحَجرِ الجَنَاح
وَقَتلِ أخِیهِ وَذَبحِ بَنِیهِ *** بِآلاَفِ ألفِ اصطِلاَم الجِرَاح(1)
وَ سَبی الذَّرَاری بَحَرِّ البَرَارِی *** وَسَلبِ الإزارِ بِدَهشِ القِیَاح
وَحَرقِ الخِبَاءِ وَاَسرِ النَّسَاء *** بِنَحوِ الإمَاءِ وَطَیّ البطَاح وَقَد دَعَاهُم بِنُصح كَمِثلِ نُوح *** فَلَم یُجِیبُوهُ إلَّا بِألوَاح (2)
وَاشتَكی ظِمَاءَ الكَشحِ بَإلحَاح *** فَأبَوا إلاَّ عُبُوسَ الكِلاَح (3)
وَیَستَغِیثُ فَلاَ یُغَاثُ إغَاثَه *** إلاَّ بِحَدِّ السُّیُوفِ وَمِكشَاح
تُقادُ السَّبَایَا بِألفِ بَلاَیا *** لاَبِذَنب جَنَوا وَلاَ بِاجتِرَاح (4)
أَیُعلی رُؤُوس بِهِم قَدتَعَالی *** عُلُؤُّ الإلَهِ بِكُلِّ الصَّفَاح
وَمَانَقَمُوا مِنهُمُوا غَیرُ أَنَهُم *** لَم یُؤمِنُوا إلاَّ بِرَبَّ الفَلَاح
وَمَا بَایَعُوا الجِبت وَالطَّاغُوتَ فِی *** حَلِّ الحَرَامِ وَتَحرِیمِ المُبَاح
فَیَا اُمَّةَ السَّؤءِ مَا هَذَا الجَفَاء *** فِی ازاءِ الَوفَاءِ بِحَقِّ الصَّلَاح
أیُخرَجُ آلُ اللهِ مِن حِمی بَیتِهِ *** وَهُم لِذَاالبَیتِ بَاب وَمِفتَاح
أیُخرَجُ آلُ اللهِ مِن فُلكِ اَمنه *** وَهُم لِفُلكِ النَّجَاهِ مَلَّاح
ص: 305
اَیُحصَرُ آلُ اللهِ فِی كُلِّ شِدَّةٍ *** وَهُم لِلشَّدائِدِسَبِیلُ النَّجَاح
اَتُمنَعُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَائِة *** وَقَد خُصَّصُوا بِالكَوثَرِ (1) وَالفَحفَاح
اَتُحرَمُ آلُ اللهِ مِن عَذبِ مَائِة *** وَمِن نَقلِهِم كُلُّ مَاءِ السَّځسَاح(2)
اَیُذبَحُ آلُ اللهِ فِی حَرِّ الظَّمِاء *** عِطَاشاً عَلی مَنعِ مَاءِ القَرَاح
أَتَمنَعُ آلُ اللهِ مِن فَیَهِم *** وَهُم لِفَیضِ الوَرئ كَأُس أَقدَاح
اَیُبعَدُ آلُ اللهِ مِن صَفو بَیتِهِ *** وَهُم لِبَیتِ اللهِ أعدَلُ صَحصَاح(3)
اَتخذَلُ فِی ألوَرئ أَعَزُّالعَزَائِم *** وَهُم لِنُورِ الهُدی أَعَزُّ انقَاح
اَتُصهَرُ بِالشَّمسِ أَقمَارُ الدُّجی *** وَهُم لِشَمسِ الهُدی رُوحُ فَیَّاح (4)
اَكَرَائِمُ آلِ الرَّسُولِ تُسبی *** بِاَفجَعِ لَهفِ الصَّیَاح وَالنَّیَاح
اَیُجزئ بِسُوء أَولِیَاءُ النَّعَمِ *** وَهُم خَلقُ أَوَّلِ عَالَمِ الأروَاح
اَتُفنی عُقُولُ الوُجُودِ بِقَتلِ *** وَهُم لَنا رُوحُ عِلَّةِ الأَشبَاح
اَیُنجَسُ البَحرُمِن سِئَارِ الكِلَابِ *** وَهُم بِحَارُ سَمَاءِ مَجدِ السَّمَاح
تُسَاقُ حَرِیمُ اللهِ مِن غَیرِ ظِلّ *** سِوئ ظِلّ مَا عَلی فَوقِ الرِّمَاح
یَسِیرُبِهنَّ الأَعَاډِی بِعُنف *** وَجِدّجُهدَ السَّیرِ بِفَحفَاح (5)
حَتَّی اقشَعَرَّت جُلُودُهُم مَخَاقَةِ *** دِهشَةِ الصَّیَاح وَعِظَمِ الرَّداح(6)
وَأَقمَارُ تِلكَ الوُجُوهُ تَقَشَّرَث *** وَأَبدَانُهُم مِنَ الحَرِّ كَاللُّفَاح (7)
وَاستَدخَلَوهُم بِقَید وَأصفَاد *** عَلی خُمُور آلِ حَرب وَالسَّفَاح
ص: 306
یُغَنَّی بِصوتِ الفُجُوِرِ الصَّدَاح(1) *** وَیَشمُتُ بِلَذَّاتِ سُكر مِفرَاح (2)
فَأینَ الرَّسولُ وَمَا استَنتَجَتهَا *** مَفَاسِدُ شُوری بَیعَةِ اصطِلاَح
وَأتِمَارُأُولِی الشَّرِّ وَالفَسَاد *** عَلی ائتِمَارِ أُولِی الأَمرِ وَالصَّلَاح
لِأهوَاءِ لَذَّاتِ فُجُورِ التَّأُسَّی *** بِأوَّلِ مَن قَاسَ بیرَأی اقتِرَاح
فَزَحزَحُوهُم مِن أعَالِی رُتبَةٍ *** وَأعلی قُصُورِ عِزّبِزَحزَاح
وَقَدخُصَّصُوابِعِزِّ العُرُوجِ مِنَ *** البَیتِ الحَرَامِ بِأقصَی الضَّرَاح (3)
كَمَا خُصَّصُوا فِی أخَصِّ خَصِیصَة *** رَفَعَهُم بِكُلِّ اَذَان وَافتِنَاح
وَمِنهَا الصَّلاة فِی فُرُوض الصَّلاَة *** بِالغُدوِّ وَالأصَالِ وَالصَّبَاح
فَیَا صَاحِبَ النَّصرِ وَالإفتِتَاح *** عَلَیكَ نُزُولُ الرُّوح وَالفَلَاح
طَلعَتُك البَیضَاءُ كَطَلعَةِ مُوسی *** سُلیمَانَ بِتَسخِیرِ الرِّیَاح
فَعَجَّل بِانِتقَامّ ظُلمِ الطّفَاح(4) *** وَأَروِنَا سَلسَبیل شُربِ الضَّیَاح(5)
ص: 307
ص: 308
وَكَم مِن مُصَاب جَلِیل دَایِخ *** أَصَابُوا نَبِیّاً وَكُلَّ شَامِخ
وَلاَ یَوَم كَیَومِ مُصَابِ الحُسَین «علیه السلام» *** لِكُلِّ مُصَاب هُوَ أَعظَمُ نَاسِخ
فَقَد أَحاطُوا بِهِ مِن كُلِّ جَانِب *** بِالافِ رَمی السَّهَام الفَوَاضِخ(1)
فَیَستَغِیثُ فَلاَ یُغَاثُ إغَاثة *** إلاَّ بِسَلِّ السُّوفِ السَّوالخ(2)
وَقَد أجمَعُوا عَلی استِیصَالِ جَمعِهِم *** مِنَ الصَّبیَانِ وَالشَّبَابِ وَالمَشَایخ
وَاستَضعَفُوهُم كَمَا استَضعَفُوا الرُّسُلَ *** وَهُم فِی الوَری سَادَةُ الشَّوَامِخ
وَاستَخرَجُوهُم مِن قُصُورِ عِزِّها *** وَمِن مَسَاكِنِ أنُس وَالمَفَارِخ (3)
وَ سَارُوا بِهِنَّ بِقَطعِ الفَیَافی *** وَسَیرِ البَرَارِی وَطَیّ الفَراسِخ
أیُحبَسُ آلُ اللهِ فِی بَیتِ ظُلمَه *** وَهُم نُورُ كُلِّ ظَلَامِ الطَّخَاطِخ (4)
مَظَالِمُ سَری ظُلمُها فِی الوَری *** نَتیِجَهُ بَیعَةِ شُوری الطَّوَالِخ
ظُلمَةُ أَظلَمَ الخَافِقینَ دُخنَهً (5) *** مِن دُخَانِ انطِباخِ شُورئ المَطَابِخ
عَجَباًلِقَلب قُلِبَ قَسوَةً *** بِعَمی القُلُوبِ وَصَمّ الصَّمَاخ
وَلَم یُفِق مِن سُكر خَمر قَد وَجَد *** عَلَیهِ لآبَائِهِ سُوءَ، المُنَاخ
ص: 309
وَقَد خَرَقَ السَّبعَ الشَّدَادَ وَامتَلَی *** الأَرضِ ظُلماً باَصوَاتِ الصُّرَاخ
وَلَهفِ الثَّوَاكِلِ مِن آلِ النَّبِیَّ *** عَلی أَعزّ الجَنِینِ وَالفِراخ
فَقَدِ اصطَادَهُم مَصَائد مَكُرِهِم *** یَؤمَ السَّقِیفَة بِنَصبِ الفِخَاخ (1)
وَقَد أجَّجُوانَارَ حَرب أَظُلَمَت *** مَصَابِیحَ الهُدی بِنَفخِ مِنفَاخ
نَزَّ لُوها مِن أعَالی رتُبَة *** خَصَّهَا المُنزِلُ فِی نَصً النَّسّاخ
وَقَد أَخرَجُوهُم مِن بُرُوجِ المَعَالِی *** إَلی الخَرَابِ مِن بَوارِ السَّیَاخ
كَمَا یُجَذُّ الفَوَاكِهُ مِنَ الأَشجَار *** وَمِن النَّخِیل عِثكَالَ شِمرَاخ
وَقَد أجمَعُوا عَلی استِیصَالِ أصلِهِم *** مِن جَمِیع الصَّبیَان وَكُلِّ أشیَاخ
وَقَد قَطَعُوهُم بِأنوَاعِ الجَفَاءِ *** بِجَلخِ السُّیُوفِ أَشَدَّ انجِلاخ (2)
اُیَمنَعُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاء *** وَمِن أنفَالِهِم عَینُ نَضَّاخ(3)
اَتُذخَلُ آلُ الطُّهرِ فِی حَسرَة *** عَلی آلِ حَرب رِجس شَخشَاخ (4)
أَتَهدی رُوُوس آلِ خَیر المُرسَلِین *** لِشَرِّ آلِ الخَمُور وَالطَّخطَاخ (5)
دُخنَة (6)بِها الاسَوَّدِت الأَفَاقُ مِن *** دُخَانِ شُورئ مَطبَخ الإنطِبَاخ
وَنَكثِ عُهُودِ اتَّبَاعِ الوِلاَء وَفَسخ *** العُقُودِ اَشَدَّ انفِسَاخ
فَیَا صَاحِبَ العَصرِ وَالنَّصرِ عَجَّل *** بِكَشفِ الدُّجی عَن لَؤثِ اَوسَاخ
ص: 310
وَمِن هَوَانِ الزَّمَانِ ذِی الفَسَاد *** كَتبِ البَلَاءِ عَلی صَالِح العِبَاد
كَمَا اَجمَعُوا عَلی إسحَارِ مُوسی *** وَإلقَاءِ یُوسُف بِبِئر حُسَّاد
وَإفجَاعِ آدَم بِقَتلِ أبنِه *** وَرَمی الخَلِیل بِنَارِ الوِقَاد(1)
وَلاَ یَؤمَ كَیَومِ قَتلِ الحُسَین «علیه السلام» *** فِی سَبِیلِ اللهِ حَقَّ الجِهَاد(2)
كَمَا غَابَ مُوسی وَهَارونُ یَدعو *** وَانَّ لَكُم رَبُّكُم لَبِالمِرصَاد
فَأبَوا أَن یُجِیبُوهُ إلاَّ بِحَتفِ *** السُّیُوفِ وَجَحدِ وَعِیدِ المَعَاد
ثُمَّ اغتَزَؤهُم بِاسِتلابِ مَا فِی *** الخِیَامِ مِن كُلِّ رَحل وَزَاد
كَوَاكِب نُورِ العُلی هَوَت حَولَهُ *** لِرَجمِ الشَّیَاطِینِ مِنَ الأَندَاد
سَادَةُ فِی سَبِیلِ اللهِ قُوتِلُوا *** مِن بَنیِنَ وَأَولاَد, وَأَحفَاد
وَقَد أحصَدُوهُم كَإحصَادِ زَرع *** قَبلَ یَؤم الحَصَادِ وَالاحتِصَاد
وَقَد شَرَّدُ وهُم مِن بُیُوتِ اَمَان *** اَمَانِ اللهِ بَالنَّفرِ وَالحِیَاد(3)
وَاستَأصَلُوهُم بِإجمَاعِ جَمعِهِم *** عَلی استِیصَالِ أَصلِهِم بِالبِدَاد
وَاستَخرَجُوهُم مِن أَعَالِی رُتبَةٍ *** وَ حُصُون مَشیدَةِ الإستِنَاد
إلی مَضَائِقِ حَصر وَاحتِصَاد *** وَبَوَارِ الخِطَاطِ اَرضِ الرَّمَاد
وَاستَرهَبُوهُم بِدَهشِ المَخَاوِفِ *** وَعِظَمِ الدَّواهِی وَمَنع الرَّقَاد
حَتَّی اجتَنَؤهُم بِالافِ سَیفٍ *** وَضَرب الرِّقَابِ وَقَطعِ أَجیَاد (4)
ص: 311
وَقَرعِ القَوَارِعِ وَ سَدِّالمَشَارع *** وَسَلبِ البَرَاقِعِ أشَدَّ ارتِعَاد
وَحَمَامُ الحَرَمِ حُرَّمت صَیدُهَا *** وَحَریمُ الإلَهِ بِقَیدِ اصطِیَاد
اَیخذَلُ آلُ اللهِ فِی عَینِ الوَری *** وَهُم عِلَّهُ عَالَمِ الإیجَاد
أتُشبی حَرِیمُ لِإلِ الرَّسُول *** وَهُم لِرُوحِ القُدسِ خَیرُ أستَاد
اَیُعُلی بِرَأسِ رَئیسِ الأنَامِ *** وَهُو فِی السَّاجِدِینَ خَیرُ سَجَّاد
أتُشبی بِآلِ اللهِ بَینَ الوَری وَهُم *** لِلسَّدَادِ سَبِیلُ الرَّشَاد
أتُقتَلُ فِی سَبِیلِ اللهِ عُصبَة *** مِن بَنِی أولی الطُّهرِ وَالأَمجَاد
وَمَن مُبلغُ النَّبِیّ أنّ سَلِیلهُ *** یُقَادُ أسراً بِقَید وَأصفَاد
وَأنَّ مُصَابَهُ بِاكرَمِ وُلدِهِ *** یَعُدُّونَهُ مِن أعظَم الأَعیَاد
وَأنَّ مَوَاثِیقَ عَهدِهِ بِالولاَء *** اُنقِضَت بِجَورِ الجَفَا وَالعِنَاد
وَأنَّ عَزَائِم وَخیِهِ حُرَّفَت *** وَأطَائِبَ آلهِ بِأسرِ الأَعَادِی
وَكَرَائِمِ عِزّهِ تُساقُ أسبراً *** فِی فِجَاجِ الثَّری وَفِی كُلِّ وَاد
وَتُشهَرُبِهِنَّ البِلَادَ جَهرَةً *** عَلَی افتِضَاح مِن شُهُود وَاشهَاد
وَتُدخَلُ بِهنَّ عَلی ابُنِ زِیَادٍ *** وَمِنهُ إلی ابنِ أكَّالَةِ الأكبَاد
یُغَنَّی بِلَهوِ الفُجُورِ وَیَشمَتُ *** بِإظهَارِ كُلِّ كُفر وَأحقَاد
وَمَن مُبلِغَ الزَّهرَاء أنَّ بَنَاتِهَا *** بِمَحضَرِ كُلِّ ذِی حُضُور وَبَاد
تُنَادِی الحُمَاةَ بِثُكل وَلَهفٍ *** تَكَادُ الفُطُورُ بِسَبع الشَّدَاد
وَاستَمطَرَ السَّمَاءُ بِالدِّمَاءِ العَبِیط *** وَاسوَدَّتِ الدُّجی أشدَّ اسودَاد
وَاستَبَان العَزَاءُ بِآفَاقِ السَّمَاء *** بِلُبسِ السَّوادِ وَأخذِ الحِدَاد
فُكُلُّ العُهُودِ بِنَكثِ استَحَلَّت *** وَاستَبدَلُوا الدِّین بِأیّ ارتِدَاد
فَیَا صَاحِبَ العَصر وَالنَّصرِ عَجَّل *** بِأخذِك ثَاراتِ رَبِّ العِبَاد
فَقَد ضاَقَ اصطِبَارُ أهلِ الوِدَاد *** وَاستُملِاَ الأرضُ بِجَورِ الفَسَاد
فَعَجَّل بِمَا أوعَدَ اللهُ فِیكَ *** مِنَ النَّصرِ قَبلَ یَؤمِ التَّنَاد
ص: 312
دالیّة اُخری
وَمِن هَوَانِ الزَّمَانِ ذِی المَفَاسِد *** إضطِرَابِ الأَنبِیَاءِ بِالرَّوَاعِد
كَازدِحَام الرَّجِیمِ فیما اصطَفی *** لِلصَّفِیّ بِفَرِّ الجِنَانِ الرَّوَاغد(1)
وَلاَ یَؤمَ كَیَؤمِ فَرِّ الحُسَین «علیه السلام» *** مِنَ الحَرَمِ الحَرَامِ اُمِ المَسَاجِد
أیُحجَرُ آلِ اللهِ مِن فَیئِهِم *** وَهُم مِن منتَهی عِلَّةِ المَقَاصِد
أیُحرَمُ آلُ اللهِ مِن نَفلِهِم *** وَهُم مِن اُصُولِ أصلِ العَوَائد
أیُخرَجُ آلُ اللهِ مِن دُورِهِم *** وَهُم قِبلَهُ مَعبَدِ المَعَابِد
أیُبعَدُ آلُ اللهِ مِن مَأمِنٍ *** وَهُم مِن أمَانِ أمنِ المَشَاهِد
أیُفرَدُ آلُ اللهِ مِن خَصَائِص *** وَهُم مِن كَوَاكِبِ عِزِّ الفَرَائِد
أیُنزَلُ آلُ اللهِ مِن بُرجِ العُلی *** وَهُم مَن نُجُوم سَعدِ السَّوَاعِد
أیُشهَرُ آلُ اللهِ فِی عَینِ الوَری *** وَهُم مَظهَرُ وَجهِ كُلِّ المَحَامِد
أیُمنَعُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاء *** وَفِیهِم نُزُولُ كُلِّ المَوَائِد
أیُفحَمُ آلُ اللهِ فِی جُلِّ البَلَاء *** وَهُم مِن غِیَاثِ غَوثِ الشَّدَائِد
أیُكشَفَ آلُ اللهِ بَینَ الأعَادِی *** وَهُم فِی سُرَادِقِ غَیبِ الشَّوَاهِد
أیُسلَبُ آلُ اللهِ مِن قَلَائِد *** وَهُم لِعَرشِ اللهِ عِزّ القَلَائِد
أیُجمَرُ آلُ اللهِ رَمیَ الجِمَار *** بِأموَاج صَخړ وَرمحِ الجَرَائِد
أیُهضَمُ آلُ اللهِ بَینَ العِدی *** بِذُلِّ الدَّوَاهِی وَضَنكِ المَصَائِد
وَتُطرَح صرعی بَعدَ القَتلِ مِن *** دُون أن تَوَاری بِتُزبِ المَرَاقِد
وَیُهدئ بِرَأسِ رَئِیسِ الأنَامِ *** إلی ذِی الفُجُور الخَمُور الصَّدائِد
ص: 313
یَزِیدَ عَنِید وَآلِ زِیَاد *** نِتَاج أتبَاعِ شُوری المَزائِد
وَهَل یُنتِجُ البُعدُ إلاَّ التَّبَاعُدِ؟ *** وَهَل یُنتِجُ الفَسَادُ إلاَّ المَفَاسِد؟
وَهَل ضَمَّ الكِتَابَ غَیرُ الأقَارِب *** وَهَل یُبدَلُ الأُسُودُ بِالسَّیائِد(1)
فَیَا خَاتَمَ الأوصِیَاءِ وَالمَحامِد *** عَلَیكَ بِوَعدِ اللهِ نَصرَ السَّوَاعِد
وَأخذِ ثَارِ اللهِ مِن ذِی المَكَائِد *** وَرَفع ظَلَامِ ظُلمِ الزَّوَائِد
وَعَودِ العِظَامِ الرَّمِیمِ المَرَاقِد *** وَنَشرِ أعلَامِ الهُدئ وَالقَوَاعِد
ص: 314
دالیّة أخری
وَمِن هَوَانِ هَذَا الزَّمَانِ العَنُود *** ابتِلَاءُ الأنبِیَاء بِالجُحُود
كَابتِلَاءِ الخَلِیلِ بِمَا أجمَعُوا *** بِالقَائِهِ فِی حَمِیم نُمرُود
وَاتَّهَامِ المَسِیح أیِّ اتَّهام *** وَعَلئ قَتلِهِ اجتِمَاعُ الیَهُود
وَیُوسُفَ فِی الجُبِّ تَارَةًوَ اُخری *** فِی بَیتِ أحزَانِ سِجنِ تعُود وَقَد ابیَضَّ عَینَا أبِیهِ حُزناً *** بِطُولِ المتِدَادِ افتِقَادِ الفَقُود
وَأیُّوبَ بِالفَقرِ وَالبَلَاءِ مُبتَلی *** وَیُونُس فِی بَطنِ حُو تِ الوُفُود وَعَقرِ مَا استَسقئ لَهُ شُربَ مَاء *** صَالِحُ النَّبِیِّ لقَومِ ثَمُود
وَلاَ یَؤمَ كَیومِ قَتلِ الحُسَین «علیه السلام» *** صَبُور بِنَارِ أصحَابِ اُخدُود حَیثُمَا أجمَعُوا بِهِ لاِن یُوقِدُوا *** عَلَیهِ نَارَ حَرب كَثِیرِ الوَقُود
كَوَاكِبُ نُورِ العُلی هَوَت لِأَجلِ *** رَجمِ الشَّیَاطِینِ لِنَیلِ الصُّعُود
فَاحتَوَتهَا الأبَالِیسُ بِاجتِمَاع *** وَاستَعَدَّت لَهَا بِجَمعِ الجُنُود
إلی أن أحَاطُوا بِهِ كُلَّ جَانِب *** فَأضحی كَالأسِیر بَینَ الكَنُود(1)
أیُربَطُ آلُ اللهِ بِأصفَادِقَید *** وَهُم لِلإلَهِ أعَزُّ الأُسُود
أیُصطَادُ الأُسُودُ بِأحبَال وَهُم *** حَبلُ المَتِینِ لِذِی عِزّ مَعبُود
أیُعدی بِالِ اللهِ عَزَّوَجلَّ *** وَهُم لِلإلَهِ أعَزُّ الحُدود
تُقَادُ بِأسر وَأصفَادِ ذُلّ *** وَهُم فِی الوَقَارِ قُطبُ الرُّكُود
أیُخذَلُ آلُ اللهِ فِی عَینِ الوَری *** وَهُم مَظهَرُ كُلِّ عُلیَا وَجُود
أیُحسَدُ آلُ اللهِ فِیما خُصَّصُوا *** وَهُم عِزَّهُ سُلَیمَان بنِ دَاوُد
ص: 315
أیُهضَمُ آلُ اللهِ بِالظُّلمِ وَالجَفَا *** وَهُم لِلكُسُورِ جَبرُ یَخضُود(1)
أتُسبی حَرِیمُ الإلَهِ بِذُلّ *** وَهُم لِلمَلائِكِ أعزُّ مَجُفود(2)
أتُوطَّیءُ، آلَ اللهِ خُفُّ الحَوافِرِ *** وَهُم لِلمَلائِكِ أعَزُّ مَسجُود
أیُسلَبُ آلُ اللهِ مِن كُلِّ زِینَةٍ *** وَهُم مَظهَرُ عِزِّ وَاجِب الوُجُود
أیُحرَمُ آلُ اللهِ مِن عَذبِ مَاءٍ *** وَمِن نَفلِهِم كَلُّ مَاءِ البُرود
أیغرَقُ فِی طُوفَانِ بَحرِ البَلاَءِ *** مَن هُوَ عِلَّهُ فَاستَوی عَلَی الجُودِیّ
دَعَائِمُ دِینِ اللهِ زَلزَلَ أصلَهَا *** وَاركَانَ مَجدِها قَطعُ مَخضُود(3)
وَمَن مُبلِغُ الرَّحمَنِ أنَّ أسفَارَهُ *** حُرِّفَت بِأهوَاءِ سُوءِ القُصُود
وَمَن
مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ اُمَّتَهُ *** أنكَثَت كَالیَهُودِكُلَّ العُهُود
وَهَمَّت بِقَتلِ الأنبِیَاءِ جَهرَةً *** وَبِالموبِقَاتِ بِنَارِ الخُلُود
وَأنَّ أطَائِبَ آلِهِ اُحصِرَت *** بِمَصَائِدَ سَبتِ اصطِیَاد الصُّیُود
وَأنَّمَا الرُّؤیَا الَّتِی رَآهَا فِتنَةُ *** للنَّاسِ صُدَّقَت بِالشُّهُود
وَأنَّ مَنَابِرَ شَرعِهِ إرتَقَت *** عَلَیهَا المُسُو خُ وَشَرُّ القُرُود
وَأنَّ كَرَائِمَ آلِهِ أسهِرَت *** بِدَهشِ الدَّوَاهِی وَمَنعِ الرُّقُود
وَأنَّ أیَادِی مَجدِهِ اُسقِطَت *** بِقَدَّ المَرَافِقِ وَقَطعِ الزُّنُود(4)
وَأنَّ حُمَاة دَینِهِ اُهلِكُوا *** ظِمَاءَ بِحَولِ مِیَاهِ الحُتُود(5)
وَأنَّ أعِزَّةَآلِهِ جُرِّعُوا *** حُتُوفَ السُّیُوفِ وَقَطعَ الجُیُود(6)
ص: 316
وَأنَّ أقمَارَ بَدرِهِ فی الدُّجی *** جَلَت نَهَاراً كَبَرقِ الرُّعُود(1)
بَعدَ خَسفِ الشُّموسِ نَهَارَ الضُّحی *** أكشِفَت بِكَشفِ حِجَابِ الوُجُود
فَابدَت شُؤُونُ التَّجَلَّی بِمِرآة *** كَشفِهَا عَن سُتُورِ الخُدُود
فَخَرَّت لَهَا المَلائِكُ كُلُّهُم *** وَالكَائِنَاتُ بِالبُكَاءِ وَالسُّجُود
حَتَّی الأَبالِیسُ لَم تَأبَ مَا أبَؤا *** بَلِ الجِنُّ حَتَّی جِمَادُ الجُمُود
وَطَافَت بِهَا الأفلَاكُ والمَلائِكُ *** بِأكرَمِ وَجهِ النُّزُول وَالصُّعُود
فَیَا خَاتَم خِتَامِ كُلِّ الأوصِیَاءِ *** عَلَیكَ الوَفَاءُ بِوَعدِ مَوعُود
بِتَسخِیرِ مَا فِی السَّمَاءِ والهَوا مِن *** بَسطِ بِسَاطِ سُلَیمَان بن دَاؤُد
ص: 317
دالیة أخری
وَمِن هَوَانِ هَذَا الزَّمَانِ العَنِید *** أنَّ البَلَاءِ لِلوِلاَءِ وَالسَّعِید
وَأنّ كُلَّ شیء هَالِكُ غَیرُ بَاقٍ *** سِوی وَجهِ ذِی الجَلَالِ المَجِید
وَأنَّ جَمِیعَ الأنبِیَاءِ أهلِكُوا *** بِأنواعِ البَلَاءِ كَزَرع حَصِید
وَلَكِنَّمَا لَیسَ یَومُ كَیَومِ *** الحُسین الوَحِیدِ الفَرِیدِ الشَّهِید
یَؤمُ عَلَی الرَّحمَن زُلزِلَ عَرشُهُ *** وَسُرَّدَوَحیُهُ بِأفضَح تَسړِید
یَؤمُ عَلَی الإسلَامِ أُثلِمَ ثُلمَةً *** إلی یَومِ القِیَامِ غَیرَ سَدید(1)
یَؤمُ عَلَی آلِ الرَّسُولِ عَسِیر *** بِظَلمَاءِ ظُلم اُفحِمَ الصَّعِید
یَؤمّ بِهِ زُعزعَ العَرشُ وَالعُلی *** وَكَادَت بِهِ الأفلَاكُ أن تَحِید (2)
یَومُ بِهِ اسوَدَّتِ الآفَاقُ حُزنا *** وَكادَت لَهَا المَلائِكُ أن تَبِید (3)
یَؤمُ بِطُوفَانِ البَلَاءِ مُلِئَت *** وَبِأموَاجِ العَجِیجِ عَصُفَ الشَّدِید
یَومُ بِهِ اُخرِجُوا آلُ النَّبِیُّ مِن *** سُرَادِقِ مَجدِ العَزِیزِ الحَمِید
یَومُ بِهِ بَدَّدُوا شَملَهُم بِحَرب *** حَارَبُوا المُصطَفی بِسَلِ الحَدِید
وَسَیفِ الجَرِید وَضَربِ الشَّدِید *** وَجَرحِ الجَسِید وَقَرحِ الجَلِید
وَ لَهفِ الفَقِیدَ وَفَقدِ الشَّرِید *** وَسَلبِ الحَفِیدِ وَنَعشِ المدِید
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ عُهُودَهُ *** بِالولاَءِ أنقِضت بِضدِّ الضَّډِید
وَأنَّ أعَزَّ حُمَاةَ شَرعِهِ *** أصبَحَت لِلعِدی كَصَیدِ المَصِید
وَأنّ قَړِیرَ عَینَیهِ فِی الرَّدی *** غَرِیقُ بِحَارِ الدَّمَاءِ الصَّدِید
ص: 318
وَأنَّ مِن أعظَمِ مَصَائِبُ رزئِه *** یُعَدُّ مِن أعظَمِ أعیَادِ عِید
وَأنَّ مِن أكرَمِ كَرَائِم آلِهِ *** تُسَاقُ بِقَیدوَحَبل بِجِید(1)
وَیُدی بِهِنَّ إلَی ابنِ زِیَادٍ *** ومِنهُ إلَی ابنِ العَنِید یَزِید
فَیَا قَائِمَ مَقَامِ أمرِ الإلَه *** عَلَیكَ العَجَلُ بِنَصر وَتَسدِید
وَاصطِلاَمِ العِدی بِطُوفَانِ نُوحٍ *** وَإعجَازِ مُوسئ ؤُوَعدِ الوَعِید
وَحُكمِ المُرِید وَ نَصَّ الأكِید *** وَبَطشِ الشَّدِیدِ وَهَل مِن مَزِید
ص: 319
ص: 320
ألَا یَانَفسُ عُوذِی ثِمَّ عُوذی *** قَبلَ حَلُولِ المَمَاتِ وَالشُّذُوذ
فَكُلُّ فَاعِل رَهِینُ بِفِعِلِه *** وَحَشرُهُ مَعَ مَا أحَبَّ فَذُوذ(1)
بِنَفسِی اصطِبَارُ إمَام صَبُور *** فِی سَبیل قَضَاءِ اللهِ مَنبُوذ
وَأطفَالُهُ بَینَ العِدی حَسرَةً *** بَأسرِ القَیدِ وَالأصفَادِمَأخُوذ
تُساقُ بِسَبی وَأسر وَضَرب *** وَبَعضُ بَبَعض لِؤَاذاً یَلُوذ
وَ كُلُّ بكل تُنَادِی حَسرَةً *** وَمِن شَرِّ العِدئ وَالأذی تَعُوذ
وَالجِسمُ مِنهُ عَلَی الرَّمضَاءِ وَ *** الرَّأسُ مِنهُ مَرفُوعُ وَمَجذُوذ(2)
فَیَا صَاحِبَ العَصرِ وَالأمرِ العَجَل *** عَلَیكَ انتِقَامُ بِسَیفِ الخذُوذ(3)
عَلَیكَ بِثَارِ الألَة مُعَجَّلاً *** دِمَاءً لِنَفسِ القُدسِ شَنبُوذ(4)
دَمَاءً فِی سَبِیلِ الإلَهِ اُرِیقَت *** فَأخیِ الوَری بِضَؤء النُّفُوذ
ص: 321
ص: 322
یَا إمَامَ العَصرِ جَرَّد و ذُوالفِقَار *** وَاطلُبِ الثَّارَ وَ خَلِّ الإصطِبَار
قَدتَنَاهَی الجَؤرُ یِا بَحرَ النَّجَاة *** وَاستُبِیحَ السُّحتُ مِن ظُلمِ الشَّرَار
وَطَغَوا فِی الفِسقِ أولادُ الزِّنَا *** حَیثُ آذَوا عِرَّةَ الهَادِی كرَار
أخرَجُوا الأقمَارَ مِ بُرجِ العُلی *** فِی فِجَاج الأرضِ مِن تَحتِ السَّتَار
عَادَةَ الأقمَار تَبدُوا فِی الدُّجئ *** وَرَاینَا ألبَدرَ یَبدُو فِی النَّهار
نَزَّلُوها مِن أعَالِی رُتبَةٍ *** خَصَّهَا الرَّحمَنُ مِن بَین الخِیَار
بِالمَعَالِی وَالمَكَارِمِ وَالثَّنَاءِ *** وَالنُّبُوّةَ وَالإمَامَةَ وَالوَقار
كَادَتِ الأفلَاك تَرمِی بِالسَّهَام *** وَالصَّوَاعِق وَالبَوَارِق وَالحِجَار
حَیثُ نَاحَث أهل بَیتِ المُصطَفی *** بِصُرَاخ وَعَوِیل یَالثَار
یَالِثَارَات أرَاقُوهَا اللَّئام *** أهلَكُوا فِیها المَشَائِخَ وَالصَّغَار َ
شتَّتُوهُم كَنُجُوم فِی السَّماء *** أخرَجُوهُم مِن عِقَار وَدِیَار
حَارَبُوهُم بِالسُّیُوفِ وَالحُتُوف *** جَرَّدُوهُم مِن إزَار وَخِمَار
سَلَبُوهُم مِن حُلِیّ وَأثَاث *** وَډِثار وَ سِتَار وَسِوَار
حَارَبُوا الرَّحمَنَ فِی آلِ النَّبِیّ *** بِسُیُوف وَحُتُوف فِی الجِهَار
عَاهَدُوا اللهَ بِذِی القُربی النَّبِیّ *** فِی نُصُوص وَكِرَاړ وَمِرَار
بَدَّلُوا عَهدَ الوِلَایَة بَعدَهُ *** مِثلَ هَارونَ بَعَجل ذِی خُوَار
أجمَعَوا أن یَجعَلُوا آی یُوسُفَ *** فِی غِیَابِ الجُبَّ فِی قَعرِ البِئَار
فَانتَهِض یَا صَاحِبَ العَصرِ القَدِیم *** وَانتَقِم مِنهُم فَطَالَ الإنتِظَار فَانقذِ الأخیَارَ مِن أیدِی العُلُوج *** وَانشُرِ الحَقَّ فَؤقَ الإنتِشَار
ص: 323
رائیة أخری
مُصَابُ بِهِ زُعزعَ العَرش ذو العُلی *** وَكَادَت لَهُ الأفلَاكُ أن تَنفَطِر
وَإنَّ النُّجُوم فِی السَّمَاءِ تَنَاثَرَث *** وَ صَارَت كَیَومِ النُّشُورِ تَنتَشِر
وَكَادَت لَهُ المَلائِكُ أن تَبِید *** وَلَیلُ الدُّجی بِالظُّلَامِ تَستَمِر
وَلَولاَ وَعِیدُ انتِقَامِ قَائِم *** قَاطِع دَابِر الظُّلمِ لَم تَستَقِر
بِنَفسِی انتِظَارُ انتِقَامِ قَاطِع *** دَابِرَ الظَّالِمینَ یِقَثل مُستَمِر
وَلِلمُؤمِنِین بِنَصر وَعِزّ *** وَعَلَی الظَّالِمِین بِیَوم عَسِر
یُسحَبُونَ عَلَی الوُجُوهِ بِأخذ *** مِنَ القُبُور إلی عَزِیز مُقتَدِر
فَوَیلُ لَهُم مِن شَفِیع خَصِیم *** وَبِالظُّلمِ وَالجَورِ غَابَ وَازدُجِر
كُلَّما یَدعُو بَنِیِه بِالتُّقی *** یَابُنَیّ مَعَنَا از كَب وَاصطَبِر
خَالَفُوةُ خُلفَ نُوح قَومُهُ *** فَاسَتحقَّوُاحَرقَ نَار مُنهَمِر
ص: 324
رائیة أخری
وَمِن كَمَالِ الفَلَكِ الدَّوَّارِ *** وَفِی نُزُولِ البَدرِ وَالأقمَار
وَالكَواكِبِ السَّارِی وَمَاءِ الجَارِی *** وَكَشفِ طِیبِ العِطرِ وَالعَطَّار
فِی السَّیرِ والنُّزُولِ وَالإظهَار *** لاَفِی رُكُودِ وَثُبُوت وَقِرَار
ففی نزول الحق والأبرار *** وقتلهم بأكفر الكفار
وغصبهم مناصب الجَبَّار *** وأسرهم فی البر والأمصار
و َغَیبِهِم عَن أعیُنِ النُّظَار *** عَینُ الفَلَج عِندَ اُولی الأبصَار
كَأخذِهِم بِالصَّبرِ وَالإیثَار *** وَالشُّكر وَالرَّضَاعَلَی الأعسَار
وَالصَّبرِ بِالأمهَالِ وَالإنظَار *** عَلَی الأبَالِیس مِنَ الأشرَار
كَمُهلَةِ الجَبَّارِ وَالقَهَّار *** عَلَی الشَّیَاطِینِ مِنَ الفُجَّار
فَیَا صَاحِبَ الأمرِ وَالثَّارِ *** إلی مَتَی الصَّبرِ وَالإصطِبَار
فَقَد زُلزِلَ العَرشُ وَالثَّری *** وَأَظَلَمَ النُّورُ وَالنَّهَار
بِظُلم مَنِ استَكبَرَ وَاختَار *** كَون النَّارِ خَیراً مِنَ العَار
ص: 325
رائیة أخری فی مدح الحجّة علیه السلام
وَلِلِه دَرُّ أولی الأمرِ وَالنُّورُ *** صَاحِبِ العَصرِ فِی جَمِیع الأمور
قَائِم بِالأمرِ مِصبَاح الدُّجی *** حَامِلِ العَرشِ فِی كُلِّ الدُّهُور
أنتَ المُعَلَّمُ لِلثَّنَاءِ رُوحَ القُدُس *** مِنكَ إنزَالُ الكِتَابِ وَالزَّبُور
إمَامُ لَیسَ لِلهُدی دُونَهُ *** فُلكُ نَجَاِ الوَری إلاَّ الغَرُور
وَلَولَاهُ مَا استَقَامَ السَّماءُ بِلَا *** عِمَادتَرَاهُ وَهَل مِن فُطُور
وَلاَ فَلَكُ دَارَ وَلاَ بَحرُ جَری *** وَلاَ فِی الأرضِ مِن دَار وَلَا دَیُّور
وَلاَ استَنَار الدُّجئ بِاَسفَارِ صُبح *** وَلَا فِی الجِنَانِ مِن نُوړ وَحُور
وَلَا استُجِیبَ لاِدَمَ مِن دَعوَةٍ *** وَلاَ سُهَّلَت عَلَیهِ كَلُّ مَعسُور
وَلَا استَوی فُلكُ نُوح عَلَی الجُودِیَّ *** وَلَا یُونُسُ نَجَا مِن قَعر دَیجُور
وَلَا فَاقَ مُوسی عَلی كَیدِ سحر *** وَ لَاجُندَ فِرعوَن غَرقَ البُحَور
وَلَا یُوسُفُ نَجَا مِنَ السَّجنِ لُطفاً *** وَلَا مِن غَیَابِة جُبَّ الدُّحُور
وَلَا فُرِجَت كُروبُ لِیَعقُوب *** وَلَا قَرَّ عَینَاهُ بُشرئ السَّرُور
وَلَا صَارَ نَار الخَلِیل سَلَاماً *** وَلَا افتَدئ الذَّبِیحُ بِذِبحِ عَاشُور
وَلاَ ارتَفَعَ المَسِیحُ بالسَّمَاءِ رفعَةً *** وَلاَ اصطَبَرَ الصَّبُور(1)عَلَی الكُسُور
وَقَدتَجَلَّی بِكَ رَبَّنَا لِلجَبَل *** فَخَرَّ عَلَیِه الكَلِیمُ بِطُور
وَلَمَّا استَهَلَّ عَلَی العَرشِ طَلعَتُكَ *** دَنافَتَدَلَّی بِنُور عَلَی نُور
وَلَولاَكَ مَاقَامَ لِلِه قَانِت *** وَلاَ صَامَ لِلهِ مِن فِی الحَرُور
وَفِیكَ اختَفی لَیلَةُ القَدرِ قَدراً *** الَّتِی هِیَ خَیرُ الفِ الشُّهُور
وَفِیكَ انطَوی الإسمُ الأعظَمُ الَّذِی فِی *** سُرَادِقِ حِجَابِ عِزِّ السُّتُور
ص: 326
فَجَلَّت وَعمَّت وَتَمَّت كَلِمَةُ *** تَأسَّی بِهَا ذُوالنُّهی وَالشُّعُور
فَكُلُّ بِمِقدَارِ قَدرِهِ افتَدئ فِی بُلُوغ العُلی بِقَدَر مَقدُوُر
فَكُلُّ مِن أولِی العَزمِ وَالأنبِیَاء *** لَم یَبلُغِ العُلی بِأعلَی الأُمُور
إلاَّ بِقَدرِ التَّأسَّی بِأمرِكُم *** كَاتَّبَاعِ الصَّبِیّ بِمَشقِ دَستُور
فَجَلَّ جَلَالُ الحَكِیم الشَّكُور *** بِلُطف یَدُقُّ خِفَاهُ الفُكُور
فَعَجَّل بِثَارَاتِ جَدَّكَ الأَمجَد *** قَتِیل بِصَبر وَوِتر مَؤتُور
حَوَتهُ الأعَادِی بِدَهشِ الدَّوَاهی *** كَاصطِیَادِ فُرُوخِ وَ حشِ الطُّیُور
فَأینَ الرَّسُولُ وَعَهدُ الوِلَاءِ *** اُبدِلَت بِالجَفَاءِ وَعَقدِ النُّفُور
أخرَجُوا الاقمَارَ مِن بُرجِ العُلی *** فِی فِجَاج الأرضِ عَن تَحتِ السُّتُور
عَادَةَ الَأقمَارِ تَسرِی فِی الدُّجی *** وَرَأینَا البَدَر یَسری فِی الحَرُور
أیُعلی بِرَأسِ النَّبِیّ تَارَةً *** وَیرمَدُ اُخری رَمَادَ التَّنُور
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیَّ أنَّ حَرِیمَهُ *** تُقَادُ أسراً بِمَرأی الحُضُور
وَتَذخُلُ بِهِنَّ عَلَی ابنِ زِیَادٍ *** وَفِی مَحضَرِ رِجسِ شُربِ الخَمُور
یُغَنَّی وَیَفرَحُ بِنَغمَاتِ كُفر *** وَیَشمُتُ بِلَذَّاتِ سُكرِ الفُجُور
مُصَابُ أفحَمَ الأَرضَ وَالسَّمَاء *** وَأقرَحَ أكبَادَ كُلِّ الصُّدُور
إلی أن یَقُومَ بِالعَدلِ قَائم *** یُقِیمُ حُدُودَ اللهِ فِی الظُّهُور
وَیَملأُ الأرضَ قِسطاً وَعَدلاً *** بَعدَ مَا اُملِئَت بِظُلمِ وَزُور
وَیَبقی بِسُلطَانِ عَدلِهِ ثَمَانِین *** ألفَ عَام قَبلَ نَفخ بِصُور
وَیَنشُر لِلجَزَاءِ مَن فِی القُبُور *** لِیُقیمّ الحُدُودَ قَبلَ النُّشُور
فَیَا غَیرَةَ اللهِ الغَیُورُ اغِث *** عَبدَكَ الهَابِطَ مِن جَانِبِ الطُّور
المُحصَرَ المَرَابِطَ فِی الثُّغُورِ *** بَینَ الوَارِ كُرد وَأهلِ خُوړ
فَبُعداً لِشَرِّ الثَّلَاثِ الكَفُور *** مِنَ الحَیَّةِ وَالعَقرَبِ وَالزَّنبُور
ص: 327
ص: 328
وَمِن هَوَانِ هَذَا الزَّمَانِ الوَجیز *** إشتِمَالُ البَلَاءِ بِكُلِّ عَزِیز
وَاَیُّ عزیز أ عَزُّمِن حُسَین *** حَوَتهُ الأفَاعِی مِن كُلِّ شَهِیر(1)
حَتَّی اجتَنَوهُ مِن كُلِّ خَصِیصِه *** مِن الفَیءِ وَالَأنفَالِ وَالجَهِیز
وَاستَأصَلُوهُم بِحَتفِ الظَّمَاء *** حَتَّی الرَّضِیعَ الصَّبِیَّ بِلَا تَمِیز
أیُمنَعُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاء *** وَهُم لِلفُیُوضَاتِ أوفی قَفِیز
أیُنزَلُ آلُ اللهِ مِن بُرجِ العُلی *** وَهُم عِلَّهُ كُلِّ مَجد غَرِیز (2)
أیُوزَنُ آلُ اللهِ خُبثَ الحَدِید *** وَهُم مَوازِینُ عَدلِ الحَرِیز (3)
أیُحصَرُ سَیفُ اللهِ فِی المضَائِق *** وَلَا یُسَلُّ السَّیف فِی ضِیقِ دهلِیز
تُسَاقُ حَرِیمُ اللهِ فِی البَرارِی *** إلی ابنِ السَّفّاحِ الخَمُور الضَّبیز(4)
یُغَنَّی بِسُكرِ الفُجُور شَامِتاً *** بِنَغمَاتِ كُفر وَلَذَّا تِ ضیز (5)
فَیَا صَاحِبَ العَصرِ وَالنَّصرِ عَجَّل *** بِإبرَازِ نَصر وَحَقّ بَریز
ص: 329
زائیة أخری
أیُخرَجُ آلُ اللهِ مِن بَیتِ أمنٍ *** وَهُم عِلَّهُ أكرَمِ الغَرَائِز(1)
أیُصفَدُ بِالأصفَادِ وَالأَغلاَلِ مَن *** یَدَاهُ یَدُ اللهِ مَجرَی المَعَاجِز
أیُعزَلِ آلُ اللهِ مِن بَینِ الوَری *** وَهُم لِمَعَالِی خَیرُ المَرَاكِز
أیُهلَكُ آلُ اللهِ بِحَتفِ الرَّدی *** وَهُم كَهفُ نَجَاةِ كَلِّ المَفَاوِز(2)
أیُوخَذُ آلُ اللهِ مِن غَیرِ ذَنبٍ *** وَهُم لِلمُذنبِینَ عَفوُ التَّجَاوُز
وَهَل یُسَا قُ بِألِ اللهِ حَسرَةَ *** بِعُنفِ المَسِیر وَضَربِ العَكَایِز (3)
وَیُدخلُ بِهِنَّ عَلَی ابِن زِیَادٍ *** وَمِنهُ إلَی ابنِ حَرب ذِی المَغَامِز (4)
فَأینَ الرَّسُولُ مِن عُهُودِ الوِلَاء *** الَّتِی أنقِضَت بِهزِّ الهَزَائزه(5)
وَهَل كَانَ جَزَاءُ النَّبِیّ بِأهلهِ *** أن یَقتُلُوهُم بِأدنَی الجَوَائِز
فَیَا صَاحِبَ العَصرِ وَالنَّصرِ عَجَّل *** بِثَارَاتِ الإلَهِ مِنَ الجَلاَوِز (6)
ص: 330
زائیة اُخری
وَمن هَوَانِ الزَّمَانِ ذَاكَ اهتِزَاز *** عَلَی الأنبِیَاءِ العِظَامِ العِزَاز
وَأیُّ عَزِیز أعَزُّ مِن حُسَین «ع» *** أسِیر لِآلِ حَزب وَ جِلواز
حَوَتهُ الأَعَادِی مِن كُلِّ جَانِب *** كَفَرخِ عُصفُوړ مَصِید أبوَاز(1)
وَقَدحَرَمُوهُ مِن حَالِ القَرَارِ *** وَمِن سَبِیلِ الفِرَارِ وَالإجتِیاز
وَكُلَّمَا استَسقَاهُم شُربَ مَاء *** فَأبَوا إلاَّ بِسَیفِ الجُراز (2)
وَكُلَّمَا دَعَاهُم بِنُضح الرَّشَاد *** لَم یَزدهُم رَشَادُهُ سِوی اشمیزاز
وَاستَخرَجُوهُم مِن دِیَار أَمن *** وَمَأنَسِ أُنس بِلَادِ الحِجَاز وَاستَفرَزُوهُم بِهَزِّ الرَّمَاحِ *** وَسَل السُّیوفِ أشَدَّ إفزَاز (3)
وَاستَنهَبُوهُم مِن سُتُور عِزّ *** بَعدَ حَرقِ الخِبَاءِ وَسَلبِ الجَهاز (4)
وَاستَأصَلُوا كُلّ جَریح مِنهُم *** بِاسرَاعِ قَتل وَفَورِ إجهَاز
أیُغلَبُ آلُ اللهِ فِی عَینِ الوَری *** وَهُم لِلشَّدَائِدِ أقوی المَفَاز (5)
أیُعجَزُ آلُ اللهِ مِن شَرِّ العِدی *** وَهُم لِلإلَه آیَاتُ إعجَاز
أیُفَقُر آلُ اللهِ مِن غَضبِ فیء *** وَهُم غُنیَةُ غِنَاءِ كُلِّ مِعوَاز(6)
ایَحتَاجُ آلُ اللهِ إلی غَیرِه *** وَمِن أنفَالِهِم كُنُوزُ الرُّكَازُ(7)
ص: 331
فَأینَ العُهُودُ الَّتِی أنقَضُوها *** بِوَعدِ الرُّشی وَتَحكِیمِ رَاز
بَل عَلی أنجَسِ درهم أو دُونِ *** قَریَةِ شِیرازَ وَخِرَبَةَ أهوَاز
فَقَد خَسِرَ الدَّارَینِ بَائِع یُوسُفَ *** بِاشتِراءِ الخَزَفِ وَسِفلِ الكُرَاز
فَیَا أیُّهَا العَزیزُ قَد مَسَّنَا *** وَأهلَنَا الضُّرُّ وَذُلُّ إعوَاز
تَصَدَّق عَلَینَا بِطَلعَتِكَ البَیضَا *** تَقِرُّ بِبُشرَاك عَینُ العِزَاز
ص: 332
زائیة أخری
وَمِن هَوَانِ هَذَا الزَّمَانِ العَجُوز *** المتِلَاءُ الثَّری بِظُلمِ التُّرُوز(1)
وَاَیُّ ابتِلَاء اَشَدُّ مِن خِفا *** اُولِی الأمرِ وَالأنبِیا بِالبُرُوز
أیَخفی بِنُور اللهِ فِی البُرُوز *** وَمِن شَأنِ الهِلَالِ خِفَاءُ الرُّمُوز
أیُفقَرُ آلُ الله إلی غَیرِهِم *** وَمِن نَفلِهِم كُلُّ مَا فِی الكُنُوز
أیَخرُجُ آلُ اللهِ إلی غَیرِهِم *** وَهُم غُنیَهُ غِنَا كُلِّ مَعواز (2)
أیُغصَبُ آلُ اللهِ مِن كُلِّ حَقِّ *** وَمِن فَیئهِم رَكزُ كُلِّ مَركُوز(3)
وَهَل مِن مُصَابِ نَبِیّ عَدَّه *** اُمَّه أعظَمَ أعیَادِ نَورُوز
كَفَاهُم مُن خَصِیم بِخَتمِ الرُّسُل *** جَزَؤهُ الحُقُوقَ عُقُوقَ النُّشُوز
أطَائِبُ آلِ النَّبِیَّ الكَریم *** أتُهدی إلی ذِی الخُمُور الخُنُوز
فَیَا صَاحِبَ العَصرِ وَالنَّصرِ عَجَّل *** بِأخذِ ثَارَاتِ كُلِّ مَحجُوز(4)
ص: 333
ص: 334
وَمِن هَوَانِ هَذَا الزَّمَانِ الخُنُوس(1) *** ابتِلَاءُ الأنبِیَاءِ بِالتُّعُوس(2)
وَلاَ یَؤمَ كَیَومِ قَتلِ الحُسَین «ع» *** مُلقیً عَلَی الرَّمضَاءِ بِلاَ رُمُوس(3)
وَمَن مُبلِغُ الرَّحمَن أنَّ حِزبَهُ *** فِی ظَلَام الدُّجئ وَحَبسِ الدُّمُوس(4) وَأنَّ دَعَائِم شَرعِه طُمِسَت *** فِی وَطیسِ الجَفا اَشَدَّ الطُّمُوس (5)
وَأنَّ آیَاتِ وَحیِهِ حُرِّفَت *** وَرَایَاتِ نَصرِهِ بِالنّكسِ مَنكُوس
وَأنَّ أصنَامَ خَلقِهِ بِأعلی *** مَنَابِرِ شَرعِهِ المُطَاعِ جُلُوس
وَأنَّ أعَزّ َعِبَادِهِ بِاذَلِّ *** مَضِیقِ مَصَائِدِ السَّجن مَحبُوس
وَأنَّ أطَائِبَ آلِهِ اُغرِقُوا *** بِبَحر الدَّوَاهِی العِظَام العَمُوس
وَأنّهُم فِی فِجَاجِ الأرِض شُتَّتُوا *** وَفِی غَمَراتِ بَحرِ البَلَاءِ غُمُوس
قُبُور بِطَفّ وَأُخری بِكُوفَان *** وَأخری بِرزء(6) وَأُخری بِطُوس
فَأینَ الرَّسُولُ وَعَهدُ الوِلاَءِ *** أنقَضَتهَا العِدی بِنَجسِ الفُلُوس
ص: 335
أیُغضَبُ آلُ اللهِ مِثلَ القُرُود *** وَهُم فِی الحُرُوب أشَدُّ الدُّهُوس(1)
أتُفنَی النُّجُومُ بِرَجمِ الأعَادِی *** وَهُم فِی العُقُولِ حَیَاةُ النُّفُوس
أتُسبی حَرِیمُ اللهِ فِی البَرَارِی *** وَهُم لِلِالَهِ اعَزُّ نَامُوس(2)
أیُبعَدُ آلُ اللهِ مِن بَیتِ أمنِهِ *** وَهُم لِلاِلَهِ سِرُّ قَامُوس(3)
وَقَدنُزِّلُوا مِن أعَالِی رُتبَة *** خَصَّهَا الوَحیُ بِقُدس وَقُدُّوس
وَقَد سَجَنُوهُم فِی ظَلَامِ الدُّجی *** وَهُم لِهُدَاةِ مِصبَاحُ فَانُوس
أیُحرَمُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاء *** وَمِن نَفلِهِم كُلَّ مَاءِ الكُؤوس(4)
نَعَاهُم كُلُّ أهلِ العُلَی وَالثَّری *** بِكُلِّ مَنطِق وَصَوتِ نَاقُوس
أتُصهَرُ بِالشَّمسِ أعلَامُ الهَدی *** وَهُم لِكَواكِبِ أعلَی الشَّمُوس
أیُعلی رُؤُوس آلِ النَّبِیَّ فِی الوَری *** وَأقدَامُهُم عَلی كُلِّ الرُّؤُوس
وَتُهدی إلی ذِی الفُجُور الخمُورِ *** مِن آلِ حَرب وَشَرِّ المَجُوس
یُغَنَّی بِسُكرِ الخُمُورِ وَیَشتِمُ *** بِقَهرِ الكَنُودِ الغَضُوبِ العَبُوس
ص: 336
سینیّة أخری
وَمِن هَوَانِ الزَّمَانِ البَیِسِ(1) *** ابتِلَاءُ الأنبِیَاءِ بِالأبَالِیس
وَلاَ یَؤمَ كَیَومِ ابتِلَاءِ الحُسَینِ «ع» *** بِأموَاجِ حَربِ نَارِ الوَطِیس
أیُصطَادُ الأُسُودُ بِمَكرِ المَصَائِد *** وَهُم فِی الحُرُوبِ أشَدُّ الرَّئِیس (2)
أیُعلی بِرَأسِ رَئِیسِ الأطَائِب *** وَهُوَ فِی الأنبِیاء أعَزُّ بَئِیس
أیُصفَدُ آلُ اللهِ غُلّ السَّلَاسِل *** وَهُم فِی الدَّوَاهِی أشَدُّ ضَرِیس
أیُقتَلُ ضَمانَ فِی جَانِبِ الماء *** خِتَامُ أصحَابِ الكِسَاءِ وَالخَمِیس
أیُقتَلُ فِی سَبِیلِ اللهِ عَطشَاناً *** مَن كَانَ فِی الأنبِیَاءِ خَیرُجَنِیس
أیُمنَعُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاء *** وَمِن نَفلِهِم كُلُّ شَیء نَفِیس
أیُنقَصُ آلُ اللهِ مِن كُلِّ قَدرِ *** وَقَد قُدَّسُوا عَلی كُلِّ تَقدِیس
أیُحسَدُ آلُ اللهِ عَلی مَا اصطُفُوا *** وَهُم رُوح نُوح وَعِلمُ إدرِیس
أیُجهَلُ آلُ اللهِ فِی عَینِ الوَری *** وَهُم فِی العُلُوم أعلَمُ قِسَّیس
وَقَدنَالَ مِنهُم سُلَیمَانُ حَرفاً *** فَاحتَوی بِهِ عَلی عَرشِ بِلقِیس
وَلَونَا لَ مَانَالَ النَّبِیُّ مِنهُم *** لاَستَوی عَلَی العَرشِ كُلّ تَعرِیس(3)
وَمَن مُبلِغُ النَّبِی أنّ عُهُودَهُ *** نُقِضَت بِشُوری وَمَكرُ الدَّسِیس(4)
وَأنَّ قُرآنَ وَحیِهِ قُوبِلَت *** بِآراءِ الهَوی وَسُوءِ المَقِیس
فَأینَ الكِتَابُ وَأهلُ الصَّوَاب *** مِن مَقَائِیس سَبیلِ الأبِالِیس
وَأنَّ عُهُودَ الوِلَا وَالحُقُوق *** عُكِسَت بِالجَفَا وَسُوءِ عَكِیس
ص: 337
وَأنَّ أبدَان وُلدِهِ صُهِرَت *** بِحَرَّ رَمضَاءِ الهَجِیرِ وَتَشمِیس
وَقَدطُرحَت ثَلَاثاً عَلَی الثَّری *** مِن غَیرِ تَجهِیز وَغَیرِتَدمِیس(1)
وَأنَّ مَنَابِرَ شَرعِهِ ارتَقَت *** بِشَرَّ القُرُودِ وَسُؤءِ الجَلِیس
وَأنَّ سَلِیلَ آلِهِ فِی الوَری *** قَرِینُ الرَّمیسُ (2)رَهینُ الحَبیس
بِذُلِّ السَّبَایَا وَأصفَادِ قَید *** وَشَرِّالبَیِس(3)وَسُوءِ المَسیس
تُقَادُ بِهِنَّ إلی ابنِ زِیاد *** وَمِنهُ إلی ابنِ الكَفُور الضبیس (4)
یُغَنَّی بِنَغَمَاتِ الفُجُورِ شَامِتاً *** بِلَذَّاتِ خَمړ وَسُكرِ الخَفِیس(5)
فَأینَ الأطیَبِینَ مِنَ المَدَانیس(6) *** وَأینَ الأطَائِبُ مِنَ المَوَامیس(7)
وَهَل یَستَوی طِیبُ رَوح الفَرادِیس(8) *** وَحَرَّ حَرُورِ نَارِ النَّوَاوِیس (9)
فَیَا صَاحَبَ العَصرِ وَالنَّصرِ عَجَّل *** بِثَارَاتِ إطفَاء نُور المَقَابِیس (10)
وَنَشرِ مَوازِینِ عَدلِ القَسَاطِیس(11) *** وَإحیَاءِ وَحیِ مَا فِی القَرَاطِیس(12)
وَرَدِّ مُموَّهَاټِ مَا فِی الكَرَارِیس *** وَعَودِ العِظَامِ الرَّمِیمِ الكَرَابِیس(13)
وَإهلَاكِ كُلِّ أهلِ النَّوَاقِیس *** وَإغنَاءِ عَبدِ عَبِید المَفَالِیس
ص: 338
سینیّة أخری
وَمِن هَوَانِ هَذَا الزَّمَانِ الرِفَّاس(1) *** بِمِصبَاحِ كُلِّ نُورِ وَمِقباس
وَأیُّ نوړ مِثلُ نُورِ الحُسَین «ع» *** هَوی بِأقمَارِهِ لِرَجمِ المَوَاس (2)
غَدَاةً أحَاطُوا بِهِ كَلَّ جَانِب *** لِنَیلِ عُرُوجِ السَّماءِ بِالمَسَاس
فَأهوی لِرَجمِ الشَّیَاطِینِ فَوراً *** كَبَرقِ الشَّهَابِ وَرَعدِ الرَّجَاس
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیَّ أنَّ عُهُودَةُ *** نُقِضَت بِوَسوَاسِ كُلِّ خَنَّاس
وَأنَّ آیَاتِ وَحیِهِ حُرِّفَت *** بِأغرَاضِ سَؤ ءوَعَكسِ أعكَاس
وَأنَّ أحكَامَ دِینهِ غُیَّرَت *** بِآراءِ الهَوی وَزُور القِیَاس
وَأنَّ أقرَانَ وَحیِهِ قُوبِلَت *** بَخُبثِ الحَدِیدِ وَصُفرِ النُّحَاس
وَقَد عَادَلُوا اللهَ بِالشَّركِ جَهراً *** وَسِفلَ الصُّخُورِ بِصَفوِ المَاس
وَقَد اُخرِجُوا مِن دِیَار وَأمن *** إلی بِوارِ خَوف وَرُعبِ ار تِجَاس(3)
وَقَد أسهَرُوهُم بِدَهشِ الرَّوَاعِد *** وَلَم یُمهِلُوهُم بِقَدرِ النُّعَاس
وَقَد أقحَمتهُم جُیُوشُ الأعَادِی *** بِرَكبِ الزِّحَام وَمِلاِ الدَّحَاس(4)
وَاستَنهَبُوهم مِن سُتُورِ اللَّبَاسِ *** بِغَزوِ استِلَاب وَسُوء اختِلَاس(5)
تُری أجسَادُهُم عَلی الأرضِ صَرعیً *** وَلَم یُوارَوا بِرَمس(6) وَدِمیَاس(7)
ص: 339
وَأبدَانُهُم فِی المَصَارعِ كُشِّفَت *** مِن كُلِّ لُبس وَثَوبِ اندِرَاس
وَلَم یُستَظَلُّوا بِفَی ءسِوئ مَا *** عَلی فَؤقِ رُمح وَرَأس رَعَّاس(1)
أیُغرَقُ آلُ اللهِ فِی بَحر البَلاَء *** وَهُم فُلكُ نَجَاةِ بَحرِ الإنطِمَاس
أیُصهَرُ آلُ اللهِ فِی حَرِّ شَمس *** وَهُم لِفَیضِ الهُدئ نُورُ إشماس
أیُنقَضُ آلُ اللهِ مِن كُلِّ قَدر *** وَقَدطُهّرُوا عَن كُلِّ أرجَاس
أیَنجَسُ آلُ اللهِ مِن مَسِ الكِلَابِ *** وَهُم بَحرُطَهُورِ كُلِّ أدناس
أیَغلِبُ خَیل اللهِ جَندُ الأعَادِی *** وَهُم فِی الجِهَادِ أشجَعُ دِیَاس
أیُقطَعُ ذِكرُ اللهِ مِن بَیتِ وَځی وَهُم *** لِبَیتِ اللهِ اُسُّ الأسَاس
أ تُنفی نُفُوس الإلَهِ بِقَتل *** وَهُم عِلَّهُ بَقَاءِكُلِّ أنفَاس
أیُلقی بآِلِ اللهِ فِی الشَّدَائِد *** وَهُم یُسرُ مَا بَعدَ عُسرِ الإیَاس
أیُحرَمُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاء *** وَمِن فَیئِهِم خُمسُ كَلِّ أجنَاس
فَیَا صَاحِبَ العَصرِ وَالنَّصرِ عَجِّل *** وَدَع صَحبَ خِضر وَغَیبَ إلیَاس وَخُذبِثَارَاتِ كُلِّ مَظلُوم ِ *** مِن تَابِعی آلِ حَرب وَعَبَّاس
وَاملأ الأرَاضِی بِقِسط وَعَدل *** وَنَصبِ مَوازِینَ عَدلِ قِسطاس
بَعدَمَا مُلِئَت بِظُلم وَجَور *** وَضَوءِ النَّهَارِ بِلَیلِ العِمَاس(2)
ص: 340
قافیة شین
وَمِن هَوَانِ الزَّمَانِ ذِی البَطش *** هُبُوطُ نُجُوم العَرشِ فِی الرَّفش(1)
وَأیُّ نُجُوم أعَزُّمِن حُسَین *** هَوی لِرَجم بَنِی الجِنَّ وَالفَحش (2)
غَدَاةَ أبَاحُوا حَرِیمَ النَّبِیّ *** بِأنوَاعِ جَورِ الظُّلمِ وَالغَشِّ
فَاغتَزُوهُم بِاصطِلَامِ الدَّوَاهی *** وَاضطِرَابِ الرَّواعِدِ مِن الدَّهش
وَقَد زَخزَجوهُم مِن أعلی رُتبَةٍ *** وَأعلی بسَاطِ مَقَاعِدِ الفَرش
مُصَابُ مَلأ الآفَاقَ رُزءً *** وَأصَمَّ الصَّمَاخَ بِصُمِّ الأطرَش (3)
مُصَابُ أحرَقَ القَلبَ وَالأحشَاء *** وَأضرَم نَارَ الكَشحِ وَالكِرش
وَشَوَّشَ جَمعَ النُّجُوم الأزهَر *** تَشوِیشَ سُقمِ الخَلِیلِ المُشوَّس
إذ قال إنَّی سَقِیمُ بِنَظرَةٍ *** فِی النُّجُوم مِن بَنَاتِ بَنِی النَّعش
أو بِسیرِ القَمَرِ بُرُوجَ العَقَارِب *** أو مِن شَتَات كُلِّ شَكل وَنَقش
فَفِی كُلِّ شكل وَحشَةُ أوحَشَت *** انسَ كُلِّ مِن الوُحُشِ
وَالوَحش وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ أمَّتَهُ *** أخمَشَت آلهُ بِالاَم خَمش
وَأنَّ قَرِیرَ عَینِهِ أضحی *** ذَبِیحَ الاعَادِی كَذَبح لِكَبش
وَقَد أرعَشُوهُم بِاریَاحِ عَصفِ *** وَ أموَاجِ سَمِّ اللّدغِ وَالنَّهش
وَقَدجَرَّعُوهُم سُمُومَ الأفَاعِی *** وَحَتفَ الدَّوَاهِی بِخَوفٍ وَرَعش
ص: 341
فَأضحَت لَدی المُولمَاتِ صَرعی *** بِالامِ جُرح وَأورَامِ هَمش(1)
تُوفُّوا عِطَاشاً بِجَنبِ الفُرات *** بِدُونِ استِقَاء لَهُم وَلَا رَشّ
فَأینَ العُهُودُ الَّتِی أنزِلَت *** عَلَیهِم فِی الوِلَاءِ مِن فَوقَ عَرش
وَأینَ الحَدودَ الَّتِی لَهُم شَرِعَت *** حَتَّی بأِرشِ الخَدشِ وَالكَدش
وَلَم یُراعُوا فِیه حَیّاً وَلَا مَیَّتاً *** مِنَ السَّلم حَتَّی حُرمَةِ النَّبش
ص: 342
شینیّة أخری
مَاهَذَا البَلَاءُ وَهَؤلُ الجِراش *** وَدهشُ الدَّوَاهِی وَصَوتُ برخاش (1)
أظلَمَ الآفَاقَ حُزناً وَالسَّمَاءِ *** بِبَرقِ الصَّواعِقِ وَمَطَرِ الرَّشَاش
وَنَثرِ النُجُومُ وَصَؤتِ الرَّوَاعِدِ *** وَبَسطِ السَّحَابِ وَغَیثِ الطَّشَاش(2)
وَ خَسفِ البُدُورِ وَمَؤجِ البِحَار *** وَعَصفِ الرَّیَاحِ وَمِلءِ الغِشَاش(3)
وَحَبسِ السَّمَاءِ وَبَثَّ البَلَاء *** وَثَبتِ الجَفَاءِ وَضِیقِ المَعَاش
وَابتِلَاءِ الأنبِیَاءِ باِلجفَاء *** وَاضطِرَابِ الأولِیَاءِ بِالخِمَاش (4)
إنَّمَا یَخبِرَ عَن عُظمِ مُصَابِ *** أرعَشَ مَن فِی الوَری سُوء ارتِعَاش زَلزَلَ الأكوَانَ طُرّاً وَالثَّری *** وَجِبَالَ الأرضِ مَعَ ثِقلِ الكِرَاش (5)
أظلَمَ الآفَاقَ حُزناً وَالعُلی *** فَتَّتَ الأحشَاءَ مِن أربَطِ جَأش
حَارَبُوا آلَ النَّبِیّ المُصطَفی *** أهلَكُوا الصَّبیَان فِیه بِالعِشَاش (6)
أجَّجُوانَارَ الحُرُوبِ بَالوِفَاق *** أحرَقُوا مَن فِی الخِبَا بِالانكِمَاش
مُصَابُ أذَلَّ كُّلَّ أهلِ العُلی *** بِأنوَاعِ ذَلّ أشَدَّ البِطَاش
مَصَابُ زَلزَلَ الأرضَ أطبَاقَهَا *** وَأفلَاكِ كُلِّ السَّمَاءِ بِأعرَاش (7)
ص: 343
مُصَابُ بِهِ أحرَقُوا الوَحیَ طُرّاً *** بِإیقَادِ شُورئ لِنَارِ الحِشَاش(1)
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ بُیُوتَهُ *** مَسَاكِنُ وَحش وَبَیتُ عَكَّاش(2)
وَأنَّ أطَائِبَ آلِهِ اُخرِجُوا *** مِن مَنَازِلِ حَقِّ حَقِیق أحوَاش
وَأنَّ فُرُوخَ حَمَامِ بَیتِهِ *** نُفّرُوا مِن حَرِیم مِنَ العِشَاش (3)
وَأنَّ اعتِراشَ عَرِیشِ عِزّهِم *** فُرِشَت لِلِعدی بِسَاطَ افتِرَاش
وَأنَّ خَصَائِصَ آلِهِ اُنهِبَت *** مِنَ الفَیءِ وَالأنفَالِ وَالفِرَاش
وَأنَّ مَواثِیقَ عَهدِهِ اُنقِضَت *** بِنَبحِ الكِلَابِ العَقُورِ الهِرَاش
وَأنَّ حَرِیمَ آلِهِ اُهلِكُوا *** بِلَدغِ الأفَاعِی وَنَهشِ الخِشَاش (4)
تُقَادُ اُسَارئ بِأیدِی الأعَادِی *** وَأصفَادِ قَید وَشَدِّ المُشَاش (5)
ص: 344
شینیة أخری
وَیَا قَائِماً بِأمرِ الإلَهِ العَجَل *** بِثَارَاټِ قَتلی طُفُوفِ المَعَاطِش (1)
وَاَتبَاع تَبعَ ظُلمَ الأوَاخِر *** وَأبنَاءِنَكری وَفَحشَی الفَوَاحِش
فَقَد هَوئ كَوَاكِبُ مَجدِ العُلی *** لِرَجمِ جُنُودِ وُلدِ الدَّنَاهِش (2)
وَقَد أخرَجُوهم مِن دِیَارِ امن *** بِنَبحِ عَقُورِ الكلَابِ البَراقِش(3)
وَقَدخَمَشَتهُم أیَادِی الأعَادِی *** بِأنوَاعِ بَطشِ الجَفَا وَالخَوَامِش(4)
وَأنَّ أقمَارَ تِلكَ الوُجُوهُ خُدِشَت *** بِأنوَاع جُرح الشَّجَاج المَخَادِش (5)
وَأقطَارُ الثَّرئ عَلَیهِم ضُیَّقَت *** وَأبوَابُ قُوتِ كُلِّ المَعَایِش
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ عُهُودَةُ *** نُقِضَت بِبَیعَةِ شُوری الوَشَاوِش(6)
وَأنَّ أصُول وَخیِهِ حُرِّفَت *** بِآرَاءِ سُوءِلُحُوقِ الهَوَامِش(7)
وَأنَّ حَرِیمَ أطَائِبِ آلِهِ *** الَّتِی فِی العُلی كَرِیمُ المَفَارِش
تُقَادُ بِأسر فِی الوَری حَسرَةَ *** بَینَ النَّوَاجِش وَسُوءِ الغَوَایِش(8)
وَتُهدئ بِهِنَّ إَلی ابن الكَفُور *** قَرینِ الفُجُور وَسُوءِ الطَّرَافِش(9)
ص: 345
شینیة أخری
اَلَآمَن مُبلِغُ النَّبِیّ الكَرِیم *** بِاضرَام صَحبِهِ كُلَّ تَارِیش لإطفَاءِنُورِالوِلَا وَالعُهُود *** وَإحرَاقِهِم كُلَّ عَرش عَرِیش(1)
وَإضرَامِ نَارِ الجَفَا وَالحُروب *** بِأهلِ الوِلَا أولِیَاءِ المَعِیش
وَقَد أخرَجُوهُم مِن دِیَار أمن *** إلی بَوَارِ اضطِرَابِ تَشویِش
وَقَد حَارَبُوهُم بِسَلِّ السُّیُوف *** وَإغراءِ جُندِ كِلَابِ تحرِیش(2)
وَقَد أهلَكُوهُم بِحَرِّ الظَّمَاءِ *** بِحَولِ الفُرَاتِ أشَدَّ تَعطِیش
وَقَد حَرَمُوهُم حُقُوقَ الوِلَاءِ *** حَتَّی مِنَ المَاءِ قَدرَ تَرشِیش
وَقَد أدهَشُوهُم بِدَهشِ الدَّوَاهِی *** وَنَطحِ الجَرِیش وَصَوتِ الكَشِیش
وَقَد أحرَقُوهُم بِحَرِّ السُّیُوف *** وَأموَاجِ نَارِ سِهَامِ المُرِیش(3)
وَأسیَافِ غَدر وَأحجَارِ صَخر *** وَرارمَاحِ كَسرِ سِهَامِ الطَّشِیش(4)
تُقَادُ بِأسر وَأصفَادِقَید *** وَعُنفِ مَسِیر وَذُلِّ تَكمِیش
وَتُهدی بِهِنَّ إلَی ابنِ زِیَاد *** وَمِنهُ إلی ذِی الفُجُور الحَرِیش (5)
یُغَنَّی بِنَغمَاتِ كُفړ وَیَشمُتُ *** بِلَذَّاتِ سُکرٍ وَجَبرِ البَطِیش (6)
ص: 346
شینیة أخری
وَمَن مُبلِغُ النَّبیّ أنَّ عُهُودَهُ *** بِالوِلَاء نُقِضَت بِالجَفَا وَالخُمُوش(1)
وَأنَّ صَحبَهُ أجمَعُوا عَلی أن *** یُنزِلُوا آلهُ مِن عُلَی العُرَوش
وَأن یَرعِشُوهُم بِدَهشِ الدَّوَاهِی *** وَرُعبِ الرَّوَاعِدِ أشَدَّ الرَّعُوش
وَأن یُنزِلُوهُم مِن عَلی رُتبَةٍ *** وَأعلی مَقَاعِدِ فَرشِ الفُرُش
وَأن یُوحِشُوهُم كَوَحشِ الأجِنَّة *** وَایحَاشِ جِنّ وَغَیبِ الوُحُوش
وَأن یَقتُلُوهُم بِحَرِّ الظَّمِا *** وَتَهرِیش جُند وَجَمعِ الجُیُوش
تَرَاهُم سُكَاری وَمَا هُم سُكَاری *** وَلكِن مِن جُلِّ البَلَاءِ كَمَدهُوش
تَرَاهُم ضَحَایَا وَمُلقیً عَرَایَا *** عَلَی التُّربِ صَرعی بِغَیرِ النُّعُوش
فَأینَ الرَّسُولُ یُواړِی قَرِیرَ *** عَینِهِ بِأحدَاقِ عَینِ الرُّشُوش؟
أتُهدی رُوُوس النَّبِیّ الكَرِیم *** إلَی ابنِ الفُجُورِ الخَمُورِ الفَشُوش (2)؟
فَیَا لَیتَ عَینِی عَمیَا وَسَمعِی *** بِصُمِّ صُمَاخِ السَّمعِ اُطرُوش(3)
فَقَدفَتَّتَ الحُزنُ كُلَّ قَلب *** وَانطَوی الكَشحُ فُی احتِرَاقِ الكُرُوش
ص: 347
ص: 348
اَلَا مَن مُبلِغَ النَّبِیّ المُخلص *** بِأنَّ لاُمَّتِهِ سَالِفَ القُصَص
وَأنَّ هَارُونَ آلِهِ مَعُوضُ *** بِعِجل لَهُ خُوَارُ سُؤءِ المُعَنفص
وَأنَّ عُهُودَهُ بِالوِلاَءِ نُقِضَت *** بِجَورِ الجَفَاءِ وَغَرقِ الغُصَص
وَأنَّ آیَاتِ وَحیِهِ حُرِّفَت *** بِرَأی القِیَاس وَاستِرَاق اللُّص (1)
وَأنَّ دَعَائِمَ دِینِهِ مُحِقَت *** بِآرَاءِ كُلِّ خَرصِ وَخَبصِ
وَأنَّ أحكَامَ شَرعِهِ غُیَّرَت *** بَالاجتِهادِ فِی مُقَابِلِ النَّصِ
وَأنَّ مَا أنبَأ الوَحیُ فِیِهِم *** صُدّقَ الوَحیُ بَالنَّكثِ وَالنَّكصِ
وَأنَّ افتِرَاقَهُم بَعدَ مَوتِهِ *** بِنَیف وَسَبعِین حَیص وَبَیصِ
وَأنَّ عُهُودَ إكمَالِ دِینِهِ نُقِضَت *** بِأنوَاعِ نَقض وَ نَقصِ
وَأنَّ عَزَائِمَ دِینِهِ رُخَّصَت *** بِحَلِّ المَلَاهِی وَدَفّ وَرقصِ
وَأنَّ اُصُولَ ثِقلَیهِ اُهلِكُوا *** بِأنواعِ كُلِّ ذُلّ وَقَرصِ
وَأنَّ كَرَائِمَ آلِهِ جُرَّعُوا *** بِأنوَاعِ حَتفِ البَلَا وَالمُغَص
أیُغرَقُ آلُ اللهِ فِی بَحرِ الجَفَا *** وَهُم فُلكُ نَجَاةِ البَحرِ فِی الغَوصِ
وَمِن كُلِّ خَاتَمِ دِینِهِ سَلَبُوا *** وَهُم مِنَ الخَاتَمِ أعظَمُ فَصِّ
أیُمنَعُ آلُ اللهِ مِن كُلِّ نَفل *** وَهُم فِی المُلُوكِ أوَّلُ شَخصِ
أیُهدی بَآلِ اللهِ ذُلّاً وَأسراً *** لِشَرِّ المَسُوخِ مِن أبی بَرَص
ص: 349
صادیة أخری
وَیَا صَاحِبَ العَصرِ وَالنَّصرِ عَجَّل *** فَقَد طَالَ مِنكَ انتِظَارُ القِصَاص
أیُغرَقُ آلُ اللهِ فِی بَحر الجَفَا *** وَهُم لِبَحر الهُدئ خَیرُ غَوَّاصِ
وَقَد ضَیَّقُوا عَلَیهِم كُلِّ فَجِّ *** وَلَم یُمهِلُوهُم بِقَدرِ المَنَاص
أیُخذَلُ آلُ اللهِ فِی عَینِ الوَری *** وَقَدطُهَّرُا مِن مَذَلِّ انتِقَاص
أیُخرَمُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاءِ *** وَمِن أنفَالِهِم كُلِّ أشقَاصِ
أیُغلَبُ آلُ اللهِ مِن كُلِّ طَلق *** وَمِن خُدَّامِهِم كُلُّ أشخَاصِ
وَهَل یَستَوِیهم مُلُوكُ الأرَاضِی *** وَهُم لِلمَلائِكِ لَقَّنُوا الإخلَاص
وَقَد جَرَّعُوهُم حُتُوفَ الدَّوَاهِی *** وَسَمَّ الأفَاعِی وَلَسعَ أقرَاصِ
وَقَد أهلَكُوهُم بِأنوَاعِ البَلَاءِ *** وَأموَاجِ آلَامِ جُرحِ الرَّصَاصِ
ص: 350
صادیة أخری
ألَا مَن مُبلِغُ النَّبِیّ بِأنَّ *** عُهُودَهُ اُنقِضَت بِسُوءِ النُّكُوص
وَأنَّ آیَاتِ وَحیِهِ حُرَّفَت *** بِمَكرِ استِراقِ أیدِی اللُّصوص
وَأنَّ شَرائِعَ دِینِهِ اُمحِقَت *** بِزُورِ القِیَاسِ وَتَركِ النُّصُوص
وَأنَّ دَ عَائِمَ بَیِتهِ هُدَّمَت *** بَعدَ البِنَاءِ بِبنُیَانِ مَرصُوصُ
وَأنَّ مَذَاهِبَ آلِهِ فِی الخِفَا *** كَلیلَةِ قَدر خَفِیّ الشُّخُوص
وَأنَّ حُظُوظ آلِهِ فِی الوَری *** أقَلُّ حُظُوظِ كُلِّ مَنقُوص
وَمِن كُلِّ خَاتَمِ زِینَتِهِ سلّبُوا *** وَهُم مِنِ الخَاتَمِ أعَزُّ الفُصُوص
وَهَل یَستَوِیِهِم مُلُوكُ الأرَاضِی *** وَهُم لِلمَلائِكِ لَقَّنُوا الخُلُوص
وَهَل یَستَویهِم كُلُّ أهلِ العُلی *** وَهُم أولِیَاء النّعَمِ بِالخُصُوص
أیُهدئ بِالِ الإلَهِ حَسرَةً *** إلَی ابنِ الفُجُورِ الخَمُورِ الغَمُوص(1)
ص: 351
صادیة أخری
ألاَ مَن مُبلِغُ النَّبِیّ الحَرِیص *** أن بیعَ یُوسُفَهُ بِثَمَن رَخِیص
وَأنَّهُ عَلَی الأرضِ مُلقیً صَریِعاً *** قَرِیحَ الفُؤادِ قَطِیعَ الفَرِیص (1)
طَرِیحَ بَحرِ الهَجِیرِ حَسرَةً *** غَرِیقَ الدَّمَاءِسَلِیبَ القَمِیص
وَقَد أحصَرُوهُ فِی الفَلَاةِ بِظُلم *** أخبَصَ الكَونِ فِی سُوءِ الخَبِیص
وَلَم یَترُكُوا لَهُ مِن مَقَرّ یَقَرُّ *** وَلاَ مِن مَفَرّ وَلاَ مِن مَحِیص(2)
إلی أن أهلَكُوهُم بِحَتفِ الجَفَا *** وَحَرِّ الظَّمَاءِ وَبَطنِ الخَمِیص (3)
أیُغرَقُ آلُ اللهِ فِی بَحرِ البَلَاءِ *** وَقَدمُحِصُّورا بِهِم خَیرَ تَمحِیص
أیُنقَصُ ءعَینُ اللهِ الوری *** فِی عَینِ الوَری وَقَدطُهَّرُا مِن كُلِّ تَنقِیص
أیُطفِی نُورَ اللهِ أفوَاهُ العِدی *** وَهُم لِلإلَهِ مِروأةُ تَشخِیص
أیُهدی حَرِیمُ النَّبِیّ الكَرِیم *** إلَی ابنِ الفَجُورِ الخَمُورِ الرَّقِیص (4)
ص: 352
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ شِكوَةَ العَرض *** بِأنَّ عُهُودَهُ فِی مَعرَضِ النَّقض
وَأنَّ مَوَاثِیقَ عَهدِهِ بِالوِلاَء *** نُقِضَت بِجَورِ الجَفَاءِ وَالرَّفض
وَأنَّ مَنَاصِبَ آلِهِ اُزخِصَت *** بِبِدعَةِ شُوری وَبَیعَةِ الدَّحض
وَقَد أجمَعُوا أن یَجعَلُوهُمُوا فی *** غَیَابَتِ الجُبِّ وَشِدَّةِ الرَّمض(1)
وَأن یُنزِلُوهُم مِن عُلی رُتبَةٍ *** فِی عرصَهِ الذُّلِّ مِن غَایَةِ الخفض
وَقَد أحرَقُوا بَابَ عِلمِ الهُدی مِن *** قَسوَةِ القَلبِ وَشِدَّهِ البُغض
وَقَد أجهَضُوا جَنِینَ بِنتِ النَّبِیّ *** بِالامِ بَطشِ الجَبرِ وَالمَحض
وَقَد جَرَّ عُوهُم سُمُومَ الأفَاعِی *** وَآلامِ سُقمِ الهَمِّ وَالحَرض (2)
وَقَد أغرَقُوهُم فِی بِحَارِ البَلَاءِ *** وَأموَاجِ سَمَّ العَضّ وَالمَضِّ(3)
تَرَاهُم ضَحَایَا وَهَل مِن ضَحَایَا *** ذُقَّ مِنهُ الصَّدرُ بِالسَّحقِ وَالرَّضِ
تُقَادُ اُسَاری وَهَل مِن اُسَارئ *** تُسَاقُ بِضَربِ الرُّمحِ وَالركض
أتُشبی حَرِیمُ النَّبِیّ بِذُلّ *** وَهُم لِلإلَهِ نَامُوسُ عَرض
أیُخذَلُ عَینُ اللهِ فِی عَینِ الوَری *** وَهُم مُنتَهَی القَصِد مِن كُلِّ فَرض
أیُمنَعُ آلُ اللهِ مِن شُربِ مَاء *** وَهُم أوَّلُ عِلَّهِ كَلِّ فَیض
أیُملَكُ آلُ اللهِ فِی ذُلِّ المَلكِ *** وَهُم مُلُوك السَّمَوَاتِ وَالأرض
ص: 353
ضادیّة أخری
أیُحرَمُ آلُ اللهِ مِن عَذبِ مَاءِ *** وَمِن نَفلِهم سَلسَبِیلُ الحِیَاض
أیَخرَجُ آلُ اللهِ مِن بَیتِ عِزّ *** وَهُم مُلُوكُ السَّمَاءِ وَالأرض
أیُمنَعُ آلُ اللهِ مِن رِیحِ الصَّبَا *** وَهُم فِی الجِنَانِ رُوح الرَّیَاض
أتُجهَضُ بِنتِ النَّبِیّ جَنِینُهَا *** بِدَهشَةِ ظُلمِ الدَّوَاهِی المَخَاض
وَتُدفَنُ سِرّاً بِأوجَاعِ بَطشِ *** الشَّدِیدِ العَنِیفِ المُولِمِ الجِهَاض (1)
وَحَسبُك عَاراً أن یَمُوتَ الشَّفِیعُ *** خَصِیماً عَلَیهِم بُكَلِّ إعرَاض
وَهَل جَزَاءُ الوِلَاءِ بِهَذا الجَفَاء *** وَأولِیَاءِ الحَیَاةِ سُوءِ أعوَاض
وَمَن
مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ عُهُودَهُ *** نَقَضَتهَا العِدی أشَدَّ انتِقَاض
وَأنَّ آیَاتِ وَحیِهِ حُرَّفَت *** بِآرَاءِ الهَوی وَقَرضِ مِقرَاض
وَأنَّ شَرَایِعَ دینِهِ مُحِقَت *** بِزُورِ القِیَاس وَسُوءِ أغرَاض
وَأنَّ نُجُومَ عَرشِهِ قَد هَوَت *** لِرَجمِ الشّیَاطِینِ بِالاعتِرَاض
وَأ نَّ كَوَاكِبَ عِزَّهِ و اُهبِطَت *** مِن بُرُوجِ العُلی بِأدنی انحِفَاض
وَأنَّ أطَائِبَ آلِه حُورِبُوا *** بِسَلِّ السُّیُوفِ وَسَهمِ مِعرَاض
وَقَد حَرَمُوهُم مِن فُیُوضِ السَّمَاء *** وَمِنهُم جَمِیعُ فُیُوض المُستَقَاض
تُقَادُ بِأصفَادِذُلِّ الدَّوَاهِی *** وَأغلَاِل قَید وَسُوء انقِبَاض
فَیَا لَیت اُمّی لَم تَلِدنِی وَلَم *** أسمَع بِالاَم تِلك المِضَاض (2)
وَیَالَیتَ عَینِی عَمیَا وَعَن *** تِلك الدَّوَاهِی العِظَام غَضَّ انغِمَاض
ص: 354
ضادیة أخری
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ عُهُودَهُ *** بِالوِلاَءِ أنقِضَت بِعَكسِ النَّقِیض
وَأنَّ أقرَانَ وَحیِهِ؛ زُخرِحَت *** بِجَورِ الجَفَاءِ وَكَسرِ المَهِیض
أیُشجَنُ آلُ اللهِ فِی ذُلِّ ضِیق *** وَهُم عِلَّهُ كُلَّ عَیش خَفیض(1)
وَهَل یَبطِشُ الفَظُّ الغَلِیظُ الصَّبَا *** وَهُم بِحَرِّ الضَّمَاءِ سَوقَ المَرِیض (2)
وَقَد حَاوَلُوهُم بِدَهشِ الدَّوَاهِی *** وَبَطشِ العَنِیفِ وَضَربِ الجَهِیض (3)
تَرَاهُم ضَحَایَا وَمُلقیَّ عَرَایَا *** بِعَینِ البَرَایَا وَحَرِّ الرَّمیض (4)
وَقَد أخرَجُوهُم مِن بِقَاعِ الثَّری *** وَهُم لِلأرَاضِی قَرارُ الحَضِیض (5)
تُوفُّواعِطَاشاً بِحَولِ الفُرَات *** وَمِن نَفلِهِم فَیضُ كُلِّ مَحِیض
وَقَد حَرَّمُوهُم مِن فُیُوضِ السّمَاء *** وَمِنهُم جَمِیعُ فُیُوضِ المُستَفِیض
وَقَد جَرَّعُوهُم حُتُوفَ السُّیُوف *** وَأموَاجَ بَحرِ الجَفَا وَالحَرِیض(6)
وَمِن كُلِّ فَیض زُحزِحُوا حَسرَةً *** وَقَدفُوِّضَ لَهُم كُلِّ تَفوِیض
تُقَادُ بِأسر وَأصفَادِ قَید *** عَلَی ابنِ الفُجُورِ السِّفَاحِ المَحِیض یُغَنَّی بِسُكر وَنَعمَاتِ كُفر *** وَیَشمُت بِلَذَّاتِ سُكر البَغِیض
ص: 355
ضادیِّة أخری
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ عُهُودَهُ *** بِالوِلَاءِ اُنقِضَت بِسُوءِ النُّقُوض
وَمِن كُلِّ حَقّ اُخرِجُوا جَهرَةً *** وَمِن نَفلِهِم كُلَّمَا فِی العُرُوض
وَلَم یُمهِلُوهُم بِمِقدَارِ فَرض *** وَمِنهُم شُرِعَت قِیَامُ الفُرَوض
وَمِن كُلِّ حَقّ زُخزِ حُوا حَسرَةً *** وَمِنهُم بَدَا فَیضَ كُلُّ الفُیُوض
وَمِن بُرُوجِ المَعَالِی هَوَت هُبُوطاً *** وَهُم لِلفُرُوضِ أقوی النُّهُوض
ص: 356
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ عَنَّی شِكَایَةً *** اُملَأُ الآفَاقَ سُوءَ العَرَائِض
وَأنَّ عُهُودَهُ بِالوِلَاءِ اُنقِضِت *** بِجَورِ الجَفاءِ وَخُلفِ النَّوَاقِض
وَأنَّ اتَّبَاعَ آلِهِاُ عكّسَت *** بِعَكسِ النَّقِیض وَنَصبِ الفَضَایض
وَقَد حُرِمُوا مِن حُقُوق ذِی القُربی *** وَمِن كُلِّ نَفل وَحَقِّ الفَرَایِض
فَأینَ العُهُودُ الَّتِی اُحكِمَت *** مِن لَدُن حَكِیم بِسُقمِ العَوَارِض
وَأنَّ أقرَانَ ثِقلَیهِ أهجِرُوا *** بِهَجرِ الجَفَاءِ وَرَفضِ الرَّوَافِض
وَمِن بُرُوجِ سَمَاءِ المَعَالِی هَوَت *** لِرَجمِ البُغَاۃِ وَخَفضِ الخَوَافِ
حَتَّی استَبَاحَ العِدی شُمُوس الهُدی *** بِبَیعَةِ شُورئ وَقَبضِ القَوَابِض
ص: 357
ص: 358
وَمِن هَوَانِ الزَّمَانِ ذِی الخَبط *** ابتِلَاءُ الوِلاَءِ بِكُلِّ ضَغط (1)
وَلاَ یَؤمَ كَیَومِ هُبُوطِ الحُسَین «ع» *** مِن عُلَی العَرشِ إلی ذُلِّ مَسقَط
وَقَدحَارَبُوهُم بِعِلم مِنهُم *** إنَّهُ لِخَتمِ الرُّسُلِ خَیرُ سِبط
وَإنَّهُ أعظَمُ ثِقلی الكِتَاب *** وَمِن هَیكَلِ التَّوحِید خَیرُ شَرط
وَإنَّهُ لِلوَری فُلكُ النَّجَاة *** مِن بِحَارِ افتِرَاقِ هَلكُی الوَرط(2)
وَقَدحَارَبُوهُم بَعدَمَا دَعَوهُم *** بِالَافِ ألفِ وَعدوَخَطٍّ
دَعَوهُم بِوَعدِ النَّصرِ حَتَّی أتَوا *** فَاستَاصَلُوهُم بِأهل وَرَهطٍ
فَأینَ الرَّسُولُ وَعَهدُ الوِلَاءِ *** اُبدِلَت بِالجَفَا وَنَكث وَحَبط
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ عَنَّی شّكَایَهً *** بِأنَّ آ لهُ فِی مَعرَضِ السُّخط (3)
وَأنَّ جَمِیع أتبَاعِهِم فِی *** مَذَلِّ صِغَارِ القَتلِ وَالشَّطَط
وَأنَّ جَمِیعَ ألِهِ زُحزِ حُوا *** مِن جَمِیعِ شُؤُونِ العِزِّ وَالقَطّ (4)
وَأنَّ مِن كُلِّ مَال نُهِبُوا *** حَتَّی مِنَ الرَّحلِ وَالقُرطِ(5)
وَالمُشط وَأنَّ بِضعَةَ نُوړِهِ اُو اُذِیَت *** بِإجهَاضِ أعَزَّ جَنِین وَسِبط
ص: 359
وَأنَّ أیَادِی مَجدِهِمِ قُطِعَت *** بِجَورِ الجَفَاءِ مِنَ الكَتفِ وَالإبط
وَأنَّ كَرَائِمَ آلِهِ تُسَاقُ *** بِذُلِّ الدَّوَاهِی وَضَرب بِسَوط
أیُصفَدُ بالأصفَادِ أیدِی الكِرَامِ *** وَهُم یَدُ اللهِ فِی القَبضِ وَالبَسطِ
أیُربَطُ فِی الأحبَالِ حَبلُ المَتِین *** وَهُوَ لِلِه حَبلُ وَصل وَرَبط
أیُوخَذُ آلُ اللهِ مِن غَیرِذَنبٍ *** وَهُم قُطبُ مَركَزِ الدَّینِ وَالوُسط
أتُغضَبُ بِنتَ النَّبِیّ مِن حَوَائِط(1) *** وَهِیَ لِلوَحی مِن أعَزِّ المَهَابِط
أیُربَطُ آلُ اللهِ فِی غُلِّ الأَذی *** وَهُم لِلجِهَادِ خَیرُ المَرَابِط
أتُهوی الأطَائِبُ بِرَجمِ البُغَاةِ *** وَهُم فِی النُّجُوم قَطبُ الهَوَابِط
أیُمنَعُ آلُ اللهِ مِن فَرضِ حَقٍّ *** وَهُم لِلغَزَائِمِ أعَزُّ الشَّرَائِط
أیُحرَمُ آلُ اللهِ مِن كُلِّ فَرضٍ *** وَهُم لِلفُیُوضَاتِ أقوی الوَسَائِط
أیُضعَفُ آلُ اللهِ مِن حِفظِ التُّقی *** وَهُم لِلجِهَاد أقوی النَّشَائِط
أیُسقَطُ عَینُ اللهِ مِن بُرُجِ العُلی *** وَهُم فِی الكَوَاكِبِ أعلَی السَّوَاقِط
ص: 360
طائیّة أخری
وَمَن مُبلِغُ النَّبِیّ أنَّ عُهُودَهُ *** بِالولَاءِ نُقِضَت بِسُوءِ انخِرَاط
وَأنَّ آیَاتِ وَحیِهِ حُرِّفَت *** بِأرَاءِ الهَوی وَمَكرِ اختِلَاط
وَأنَّ خَلیِصَ نَفسِهِ بَعدَهُ *** بِبیَتِ أحزَانِ سِجنِ انحِطَاط
وَأنَّ أیَادی مَجدِهِ قُطِعَت *** مِن اُصُولِ المَعَاضِدِ وَالإبَاط
وَأنَّ مَنَابِرَ عِزّهِ أصبَحت *** عَلَیهَا قُرُودُ مَسُوخِ اللَّوَاط
وَأنَّ مَسَاجِدَ شَرعِهِ أصبَحَت *** بُیُوتَ أواثَانِ سُوءِ الرَّبَاط
وَأنَّ قَرِیری عَینِهِ أصبَحُوا *** بِذُلَّ الجَفَا وَهُم خَیرُ أسبَاط
وَأنَّ أطَائِبَ آلِهِ قُوتِلُوا *** بِظُلم وَهُم مُستَقِیمُ الصَّرَاط
وَأنَّ بُیُوتَ آلِهِ نُهِبَت *** مِن بَعدِ حَرقِ الخِبَاءِ وَفُسطَاط
وَقَد زُحزِحُوا مِن مَسَانِیدِ عِزّ *** وَمُلكِ سُلیمَان وبَسط البِساط
وَأنَّ كَرَائِمَ آلِهِ تُسَاقُ *** بِأصفَادِ قَید وَضَربِ السَّیَاط
أیُربَطُ آلُ اللهِ أحبَالَ شَدّ *** وَهُم لِلالَهِ أشَدُّ ارتِبَاط
أیُضعَفُ آلُ اللهِ مِن حِفظِ التُّقی *** وَهُم عَلَی الذَّینِ أشَدُّ احتِیَاط
ص: 361
ص: 362
فی مدح الحجّة علیه السلام
وَطُوبی لأِهلِ النَّعِیمِ النَّعِیم *** وَ یَا حَبَّذَا حُورُهَا وَالأدِیم
هَنِیئاً لَهُم رُو حُ فِردوسِها *** مَرِیئاً لًهُم مَؤهِبَاتُ الكَرِیم
وَطُوبی لِعَبد أطَاعَ الجَلِیل *** وَلاَقئ رَبَّهُ بِقَلب سَلِیم
بِعِلم وَ حِلم یُنَال ألعُلی *** وَبِالشُّكرِ یُرجَی العَطَاءُ العَمیم
وَبِالظُّلمِ یَعتَلُّ جِسمُ الصَّحِیح *** وَبِالخُلفِ یَصلَی الشَّقِیُّ الجَحِیم
فَیَا مُضمر السُّقمِ فِی قَلبِهِ *** عَلَیكَ بِطبَّ الإمَامِ الحَكِیم
طَبِیبُ یُدَاوِی بِأمرِ الإلَه *** یُدَاوِی العَلِیلَ وَجِسمَ السَّقیم
إمَامُ غَابَ فِی الأبصَارِ قَدرُهُ *** وَفِی كُلِّ مِصر هُوَ حَاضِرُ عَلِیم
فَیَا مَن حَوی رُتبَهَ الأنبِیَاء *** وَغَابَ كَغَیبِ الإلَهِ العَظِیم
وَفَاقَ حَیَاتاً وَغَیباً لآِدَم *** وَمَكثاً لِنُوح وَغَیبَ الكلیم
وَفَاقَ بِغَیب عُرُوجَ المَسیح *** وَصَبرَ الخلِیلِ بِنَار حَمِیم
وَقَدنَالَ المَسِیحُ العُرُوج *** وَمُوسی الكَلَاَمَ بِصَوتِ نَدِیم
وَنَارُ الخَلِیلِ صَارَت سَلَاماً *** بِآلِ الخلِیلِ بِوَحی القَدِیم
وَلَولاَكَ مَا نَالَ الصَّفِیُّ سُجُوداً *** وَلاَ شُرَّفَت مَكَّةُ وَالحَطیم
وَفِیكَ اقتِدَاءُ الأنبِیا وَالرُّسُل *** بِصَبرٍ وَحِلمٍ وَغیضِ الكَظِیم
ص: 363
بِكَ یُوسُفُ نَجَا مِنَ السَّجنِ عِزّاً *** وَقَالَ فِی فَضلِكَ أنَابِهِ زَعِیم
وَكَم مِن كُرُوب لِیَعقُوبَ زَالَت *** بِبُشراكَ مِنهُ بِمَنّ جَسِیم
وَمِنك اصطِبَارُ لِاُیوبَ فِیها *** شِفَاءُ وَإحیَاءُمَؤتَی الرَّمِیم
وَمِنكَ اصطِبَارُ اُولُوا العَزمِ فِی *** الأُمُورِ بِصَبر وَحِلم حَلیِم
فَیَا مَن بِهِ فَرَّجَ اللهُ مُنجِیاً *** مِنَ الهَمِ یُونُسَ بِحَال مُلِیم
لِكُلِّ نَبِیّ فَیكُمُوا اُسوَةُ *** وَغَیبُ یَشِیبُ عَلَیهَا الیَتیم
وَلَولاَ استَقَمتَ بِأمرِ الإلَه *** مَا استقَامَ الصَّرَاطُ المُستَقِیم
وَلاَ استقَامَ السَّماء بِلاَ عِمَادٍ *** وَلاَ قَامَ قَا ئِم بِأمر قَوِیم
وَلاَ سَبَّحَ اللهَ رُوحُ القُدُس *** وَلاَ الرُّوح الأمِینُ بِتَعلیم
فَیَا مَن بِنُورِ الإلَهِ تَجَلَّی *** بِطُور فَخَرَّعَلَیهِ الكَلِیم
كَمَا تَجَلَّی لاصطِفَاء النبیّ *** فَخَرَّت لَهُ المَلائِكُ بِتَعظِیم
كَمَا تَجَلَّی لِلخَلیِلِ وَنُوحٍ *** فَاصطَفَاهُمَا بِسَلَام وَتَسلِیم
وَلَمَّا استَهَلَّ فِی العُلی مَطلَعُكَ *** تَجَلَّی الدُّجی بِسَبعِ الأقَالِیم
وَكُلُّ مَنِ استَهَلَّ عَلَیهِ هِلَالُكَ *** تَدَلَّی عُرُوجاً بِعَرشِ العَظِیم
فَلَمَّا استَتَمَّ عَلَیهِ كَمَالُكَ *** هَبَطَت عَلَیهِ بِشَقِّ الرَّقِیم
فَلَمَّا عَنَاكَ بانشِقَاقِ القَمَر(1) *** هَوَیتَ عَلَیهِ بِلُطفِ النَّسیِم
كَمَا فِی العُرَوجِ بِشَوقِ لِقَاك *** دَنَا فَتَدَلَّی المَقَامَ الحَرِیم
فَیَا مَن تَجَلَّی بِغَیب وَ عِزّ *** وَاستَنَارَ بِفَیضِ العُلَی وَالأدِیم
وَخَرَّت لَكَ المَلائِكُ سَجَّداً(2) *** وَمَن أبَاهُ هَوئ بِرَجم رَجِیم
وَقَدفَازَ فِیك المُطِیعُ بِرُوحِ *** وَرَوحِ نَعِیمِ وَحُسن مُقِیم
ص: 364
وَحُور كَنُور وَشُرب طَهُور *** وَدَارِ سُرُور وَظِلّ مُدِیم
فَیَا حَبَّذَا ِللسَّلِیمِ النَّعِیم *** وَیا بِئسَمَا لِلسَّقِیمِ الحَمِیم
وَفِیكَ امتِیَازَ الفَریقَینِ عَدلاً *** وَأنتَ المَقَسَّمُ وَنِعمَ القَسِیم
فَطُوبی لأِهلِ التُّقی مِن نَعِیم *** وَوَیلٌ لأِهلِ السَّقَا مِن خَصِیم
ص: 365
ص: 366
ص: 367
ص: 368
أسفرَ الصبحُ مِن الشمس الهدی *** فاستنارَ نُوره لیلَ الدجی(1)
طلعةُ منهُ استنارَ فی الشفق(2) *** مَطلعُ الأنوارِ فی الصبحِ الضحی
قد تجلّی واستهلَّ واستقام *** رِفعةُ الأفلاكِ مِنه فی ابتدا
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** مِنهُ فاضَ فیه عاد وانتهی
واسمهُ الأعظم للسبع الشداد *** ممسكُ لا مِن عماد هل تری
علّم الروحَ الأمین والقُدس *** والملائِك كلّهم حُسن الثنا
واستهلّ فی الصفی مِن صفاه *** فاصطفوهُ سُجّداً أهلُ السما
اهبط الأرض الصفیّ مُحرماً *** فیك لبّی وسعی بین الصفا
واعتناك فی الطواف والنُسك *** والوقوف والفدا عند المنی
طاف فی البیت الحرام واعتكف *** حیث كنت سِرّ كلّ ما نوی
حرمة البیت الحرام والحرم *** والمشاعر كلّها أنت المنی
غیبة عیب الإله والحِكم *** والمعالی كلّها أنت المنی
واستنار نورك سیناء طور *** حیث ناجت الكلیم بالندا
فاقتحمت الخصم منه فی الغرق *** واصطلمت(3) السحر عنه بالعصا
مِنك فاز بالنجاة فُلك نوح *** واستقام الدین فیك قد نال الفدا
و سسلیمان النبی باسمه *** سخر الأفاق من كلَّ الثری
مالك ملك سلیمان النبی *** سخّر الكونین ربّ كلّ العلی
ص: 369
والمسیح فی العروج إذ عرج *** فی هواك قد تدلّی إذ دنی
أنت ظل الله فی كلّ الأمم *** وجههُ الباقی فی خلق الوری
أنت عین الله فی غیب الحُجب *** سِرّه الأعظم فی عزّ الخفا
أنت اللهِ لسانُ ناطقُ *** وحیةُ المنزلُ من ربّ السما
أنت للخلق إمامُ قائمُ *** واصطفاكَ الله نوراً للهدی
خصك الله بأعلی رتبةٍ *** وارتضاك قدوة للأنبیا
رتبة الاشرافِ من كلّ الرسل *** والمعالی كلّها فیك انتهی
اُسوة ُالأبرار فی كلّ شرف *** والملائك كلّها فیك اقتدی
عِصمة الأخبار من كلّ زلل *** واعتصام الخلق من كلّ خطأ
حكمة الأسرار فی علم الأزل *** والخفایا كلّها منك انجلی
زینة الأفلاك والفیض الأعمّ *** منك بان واستبان فی العلی كوكب الدرّی والنور الأتمّ *** ومنك ضاء واستضاء فی السما
منور الأقمار والبدر المضیء *** وصفاء الملك منك والصبا
جنة الفردوس منك روحها *** والنعیم الخلد من كلّ عطا
كلّ من فی الكون من أهل العلی *** والبرایا منك فی ظلّ الحمی
بیضة الاسلام من كلّ الملل *** فی العلو مِنكَ فی ظلّ اللوا
أنت فی الأعیاد والبیت الحرام *** ولیالی القدرِسِرّ المعتنی
أنعمُ العالم من فیض یدیك *** والرحیم فیك كلّ من أبی
أنت مولئّ وإلی كلّ الأمور *** مهبط كلّ الملائك فی الفضا
أنت مرآةُ لأوصاف الجلال *** مظهر الأسرار عِزُّ الكبریا
أنت مفتاح الفنون والحِكَم *** والحكیم منك شراب اللبا(1)
ص: 370
معدن أسرار علون الغیب *** لُقمان فی الحكمة منه كالصبی
اُستاذ جبریل وروح القدس *** إدریس منه فی العلوم كالفتی
وارث علم الأنبیاء والرسل *** والمصطفین الطّهُر من أهل الكسا
ختام ختم الأوصیاء والرسل *** مظهر عزّ الله من أولی النهی
میزان عدل الله یوم الحشر *** مجزی أهل العدل أحسن الجزا
صراط دین الله والمیعاد *** منُجی من كان حلیفاً للتقی
شافع یوم الدین ممّن ارتقی *** یُنعم بالجنان فی أهل الولا
خصیم أهل الظلم بالمرصاد *** قسیم فردوس الجنان ولظی
أطیب خلق الله طاب وطهر *** وقد تجلّی فی الصباح والمسا
قرین وحی الله بل عین الكَلِم *** وهو مُنی قرّة عین المصطفی
مِنفاخ أرواح نفوس البدن *** وفی یدیه كلّ ضیق أو رَخا(1)
مِقارضُ آجال انقراض العمر *** وعنده أمرُ البقاء والقنا
أفیهِ شكُّ والذی فیه یشكّ *** فی الله شكّ وهو من أعمی العمی
فكلّما یثبتُ للهِ الحِكَم *** یُثبِتُ فیك حكِمةً كلّ قضا
ولو خلی الزمان عنه ساعةً *** خلاعن الحمة ربُ الحُكما
وصار خلق الخلق لهواً لعباً *** ولیس عِلّةً لِمعرض البقا
فالعلّة الغائی غایة العلل *** فیك تعالی الله عما قد لغی
ص: 371
فی الرثاء
یا إمام العصر عجّل وانتقم *** من بغاة الجور ممّن قد جنی
قد حوانا الظلم من فرع الأُول *** واستحقوا الخزی فیمن قد مضی
أین أنت من شهید بالظما *** جاهد الكفّار من ولد البغا
فی سبیل الله عاف كلّ شیء *** فاستحقّ العفو منه والرضا
فرّ من كلّ الدیار والوطن *** والعقار والبیوت والفضا
احصروهم فی الطفوف والفلاة *** اقحموهم فی الكروب والبلا
حاربوهم بالسیوف والسهام *** والرماح والحجار والعصا
فاستفوهم سهم بغی فی ظما *** قطّعوا الأحشاء منه والمعا(1)
حاربوا نفس النبی والرسل *** وإله العرش من فوق السما
زُعزع السبع الشداد والثری *** والملائك والطیور فی الهوا
من عظیم الرزء فی آل النبی *** والمصاب العظم من جلّ العزا
اخرجوهم من بروج فی العلی *** أدهشوهم دهشةً حرق الخبا(2)
اصفدوهم(3)بالحبال والرسن *** واصطلام فی الدواهی والعنا(4)
أین هذا من حقوق للنبّی؟ *** ضیّعوها بالعقوق والجفا
أین هذا من عهود بالولاء؟ *** والتزام بالحقوق والوفا
انكثتها نار إضرام الفتن *** بیعة شوری الأذیّة والأذی
ص: 372
ومن الرثاء
بنفسی كوكب فاق بدر العلی *** فأبدی خسوفاً كلیل الدجی
علیك الملائك تنوح بِحرزن *** بِحرق القلوب بصوت البكا
وذكر الشؤون یهیج الشجون *** و یُعمی العیون بمجری الدما
فكیف أصطباری وأنت استنادی *** بفقدی حبیباً حواه الثری
وحزنی طویل وقلبی علیل *** وروحی رحیل بشوق اللقا
حسیبُ نسیبُ طبیبُ رقیب *** وحبیبُ نقیبُ وجود وعلا
قطب النجوم وبحر العلوم *** وختم الخثور (1)وشمس الهدی
وفلك النجاة وعین الحیاة *** وجمع الشتات لأهل الولا
ختام المعالی وأعلی العوالی *** ونور الموالی لأهل الكسا
حماة الثغور وجبر الكسور *** وبدر البدور حوته الخفا
بئس الأنام أجلّ الكرام *** وحلم الختام لأهل العبا
ونعم الإمام وبر التمار *** وعلو المقام لأهل السما
سلامی علیك كرامی لدیك *** مرامی إلیك لیوم الجزا
ص: 373
ابشر ببشری ملك العرب(1) *** قد تجلّی فی الظهور واقترب
واستنار نوره سیناء طور *** للكلیم حیث خرّ واضطرب
واستهل للخلیل بالسلام *** عن حمیم فیه اضرام الحطب
واستعان فلك نوح بالنجاة *** والذبیح قد فداه بالعطب
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف وارتقب
لیلة المعراح كلّ من عرج *** فی هواك قد تدلّی واقترب
علّم الروح الأمین والقدس *** والملائك كلّهم حسن الخطب
علّة الإیجاد بل كلّ العلل *** منك فاض وانتهی فیك السبب
رفعة الأفلاك والعرش العلی *** باسمك الأعظم قام وانتصب
أنت فی البیت الحرام والحرم *** واللیالی القدر سرّ المنتخب
منور الأقمار والبدر الأتم *** والكواكب نورها منك اكتسب
واسمك المكنون فی السبع الشداد *** لوخلت عنه لهدّت وانقلب
مخزن الأسرار فی علم الأزل *** واسمه الأعظم فی فیك احتجب
واصطفاك الله نوراً للهدی *** وارتضاك خلقة عند الطلب
وسلیمان النبی باسمكم *** سخر الأفاق من كلّ حدب (2)
مُلك مُلك سلمان النبی *** سخّر الكونین من كلّ شعب (3)
جنّة الفردوس والحور الحسان *** وصفاء الدرّ منك والذهب
ص: 374
والنعیم الخلد من روح الجنان *** والنسیم والفواكه والعنب
لذّه الأشیاء من شهد العسل *** واحتلاء (1) الحلو منك والرطب
كلّ من فی الكون فاز بالعلی *** منك نال منهج حسن الأدب
انت ظلّ الله فی خلق الوری *** وجهه البافی بالباقی وجب
أنت عین الله مرآة الأزل *** والمعالی كلّها فیك انتسب
أنت الله لسان ناطق *** وحیه المنزل من فیك انكتب
قدرةالباری یداك فی العلی *** جنبه الأعلی فی أعلی الحسب
یا إمام العصر أنت المنتصب *** قم بثأر الله من ثأر العصب
قدتنا هی الصبر من أهل السماء *** باصطبار منك أعجب العجب
أین أنت من شهید بالظمأ؟ *** وهو فی بحر الدماء مختصب
فی سبیل الله عاف كلّ شیء *** وارتضی مرّ العناء والتعب
جرّعوه بالحتوف والسموم *** والدواهی والبلایا والكُرب
حاربوهم بالسیوف والسهام *** أدهشوهم بالدواهی والنصب
شتّتوهم فی البلاد والفلاة *** جرّدوهم من ثیاب بالسلب
نزّلوهم من أعالی رتبة *** خصّها الرحمن فی أعلی القبب أصفدوهم بالجبال والرسن *** لا مناص من مفر أو هرب أحضروهم محضر سكر الخمور *** والفجور والملاهی والطرب
یا لها من قرحة أدهی القرح *** أملات فی الكون دخان الغضب
ص: 375
دنت الطلعة من نور النكت *** وانطماس الظلم من كلّ العنت
طلعة ملك سلیمان النبی *** بید بیضاء الكلیم انكشفت
قد تعالی الله جلّ وعلا *** لمّا یدی المرأة منه انجلت
واستهلّ واستنار فی العلی *** فالنجوم الزاهرة منه بدت
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منك عهداً قد ثبت
لیلة المعراج كلّ من عرج *** فی هواك قد تدلی إذ سكت
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماًلبّی وطاف مذمكث
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفداء ما ألت(1)
وانتصرت فلك نوح بالنجاة *** إذ دعاك ناجیاً فیما قنت
واحتبیت الخلق فی جری المطر *** وحیاة الأرض فیما قد نبت
علة الإیجاد بل كلّ العلل *** منك بان خلقها فیما بدت
رفعة الأفلاك والسبع الشداد *** فی اسمك الأعظم قامت وارتمت
منور الأقمار وشمس الضحی *** من قدوم نعلك العرش اكتست
حكمة الأسرار فی العلم الأزل *** والخفایا كلّها فیك انطوت
رتبة الأشراف من كلّ الرسل *** والملائك كلّهم فیك اقتدت
عصمة الأبرار من كلّ زلل *** والبلایا كلّها فیك استوت
زلة الاقدام من كل لمم(2) *** والخطایا كلها منك انتفت
ص: 376
مدّة الأعمال من كلّ أجل *** والمنایا كلِها منك انقضت
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك أنعمت
لذّة الأشیاء من شهد العسل *** والعذوب الماء منك اشربت
مقصد النسّاك فی كلّ النسك *** والضحایا كلّها فیك افتدت
حرمة البیت الحرام والحرم *** والمشاعر كلّها فیك احتوت
قدوة الأطیاب طاب وطهر *** قد تباهی الله فیه إذ قنت
أنت الله لسان ناطق *** عینه المبصر كلّما رأت
والنعیم والحمیم والجحیم *** والجنان من لدنه قُسّمت
أنت فی الرجعة لبامرصاد *** أخذ بالعدل ممّن ظلمت
أین أنت من شهید بالظمأ *** من نجوم بالسهام اُرجمت
یا الثارات اراقوها اللئام *** من بدور فی الشموس اُصهرت
وحریم فی البراری حُیّرت *** ودیار عن أهالی اُخرجت
ونجوم بالرجوم اسقطت *** وحریق فی السُرادق(1)اُجّجت
وأیادی فی السبیل قطعت *** وذوی القربی النبی استضعفت
ورؤوس بالعوالی قد علت *** ونفوس بالمعالی قُدّست
وحریم كالعبید والإماء *** مصفدین (2) بالحبال والرتب
سیّروها فی البلاد والملأ *** فی مذل كالاُساری اُهدیت
محضر شرب الخمور والفجور *** والتغنی بالملاهی والعلت
شامتاً بالطعن فی آل النبیّ *** والتجری بالقضیب والنكت(3)
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والعیون بالبكاء منها عمت
ص: 377
أین هذا من حقوق للنبی *** بالعقوق والجفاقد ضیّعت
یا إمام العصر أنت المنتقم *** من بغاة الجور ممّا قد جنت
أقرحوا منّا العیون والقلوب *** قرحةً فی كلّ یوم جُدّدت
ص: 378
فی مدحه علیه السلام
یوسف الصدّیق بالبشری انبعث *** واستهل للهدی فیم بحث
واستنار نوره كلّ العلی *** فاستقر العرش مُذ فیه لبث
قدتعالی الله فیه بالعلو *** عن دنو شرك ثالث ثلث
قد تجلّی الله فیك بالحكم *** لو خلی منك بدا منه العبث
لیلة المعراج كلّ من عرج *** فی هواك قد تدلّی مذ مكث والصفیّ فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطالف بل تفث(1)
والكلیم خرفیك صعقاً *** إذ تجلّی الطور منك وانبعث
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفدا عند الجدث(2)
أنت للاشراف من كلّ الرسل *** والمعالی خیر ختم من ورث
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** أنت منها أول خلق حدث
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك ما انحرث
ایها الموعود فی قتل الطغاة *** من لدنك قتلهم قتل الشبث(3)
أین أنت من شهید بالظماء *** فرّقوهم بالستات والشعث (4)
أخرجوهم من مقرّ كلّ دار *** والقلوب بالدواهی انفرث(5)
ص: 379
وسقوهم سهم بغی من جفا *** سمّهم خرّ الظماء والعرث(1)
جرّعوهم كلّ حتف من بلاء *** حرّموهم شرب ماء من غنث (2)
اصرعوهم وجه رمضاء الهجیر *** مصرعین لم یواروا فی جدث
سیرّوهم فی البراری والبلاد *** كالاساری بثیاب من رثث (3)
ورؤوس قد علاها ذو العلی *** فی الرماح فرّقت عنها الجثث
وأی ایادی للاله قطّعت *** لا یزال الخیر منها قد حرث
ادخلوهم فی مذّل كالإماء *** محضر شرب الخمور والجنث (4)
أین هذا من حقوق للنبیّ؟ *** وعهود بالجفاء قد نکث
أین ولد الأنبیاء والرسل؟ *** من بنی طمث السفاح والرفث (5)
كلّ عهد عاهدوه للرسل *** باخلاف والنصوص قد حنث
ص: 380
قرّت الأعین من قرب الفرج *** واستهل النور منه إذ برج
قدتعالی الله فیه بالعلو *** مذ تجلّی العرش فیه وابتهج
أشرق الصبح من اللیل الدجی *** واستبان النصر منك وانفلج(1)
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف فی المحج
وانصرت فلك نوح بالنجاة *** إذ دعاك خائضا بحر اللجج
طلعة ملك سلیمان النبیّ *** ید بیضاء الكلیم مذ خرج
واستنار نوره طور الكلیم *** حیث خرّ للسجود واندمج
جدّك الأمجد فی سیر العلی *** قد تدّلی العرش منك إذ عرج
واسمك الممسك للسبع الشداد *** لو خلی عنه لباد وانعوج
علة الایجاد بل كلّ العلل *** منك بان فی البدو وأنفرج
القن الروح الأمین والقدس *** والملائك كلّها ثم حسن النهج
علّم الاشراف من كلّ الرسل *** والبرایا كلهم حسن النهج رتبة الاعلام من كلّ الرسل *** والمعالی كلّها فیك اندرج(2)
أنت للدین اعتصام وهدی *** واستواء العدل من كلّ عوج
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم زوجها منك امتزج
یا لثارات النبی والإله *** فی سبیل الله من سفك المهج(3)
ونفوس للإله قدّست *** بالدواهی والبلایا انزعج
ص: 381
ونجوم من بروج اهبطت *** فاحتووها بالمضیق والحرج
ورؤوس لا تزال ركّعاً *** سجّداً هل یقطع منها الودج(1)
ووجوه فی الشموس اُصهرت *** جلدها من انكماش قد نضج
وحریم كالاساری سیّرت *** فی فجاج الأرض فجّاً بعد فجّ
أصفدوها بالجبال والرسن *** احضروها محضر ولد العلج (2)
جُرعوا كلّ الحتوف والبلاء *** وسقوا سمّ الأفاعی والعمج (3)
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود بالفروض قد نسج
ضیعها بیعة شوری الجفا *** احدثت فی الدین من هرج المرج (4)
أین نصر الله فی وحی الصحف *** وعده المنجز فی قرب الفرج
ص: 382
قرب النصر واتیان الفرج *** من طلوع الصبح حیث ما اصطبح
واستهل كوكب برج العلی *** إذ تجلّی العرش منه بالوضح
طلعة الموعود فی نصّ الصحف *** وانتصار الدین فی عین الفلح
قد أتاك ید بیضاء الكلیم *** وسلیمان النبی فی الشبح
لقّن الروح الأمین والقدس *** والملائك بالثناء والمدح
قد تعالی الله فیك بالعلو *** مذ اُمرتم بالسجود والسبح
من أطاع منك فاز واعتصم *** من أباكم بالرجوم(1) افتضح
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف وانبطح
یوسف الصدّیق فیك قد نجی *** والكروب عن أبیه انتزح(2)
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** والكلیم بالعصاء قد نجح
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّ فیه وانطرح
والذبیح نال منك ذا الفدا *** والخلیل ناره نور الصبح
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منك عهداً اتّضح
جدّك الأمجد فی سیر العلی *** قد تدلّی فی هواك وامتنح(3)
واصطفاك الله نوراً للهدی *** وارتضاك اُسوة للمصطلح
هیكل التوحید من كلّ الرسل *** منك بان فیك عاد وانصرح(4)
ص: 383
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم رشحة منك ارتشح
علّة الإیجاد بل كلّ العلل *** منك بان فی البدو وانشرح
واسمك الممسك للسبع الشداد *** لو خلی عنه لطاح وانطرح
أنت للناس اعتصام وحمی *** بل شفاء كلّ داء والوضح (1)
أین أنت من شهید بالظماء *** ودماء فی السبیل انسفح
وقلوب بالنبیّ خُصصّت *** بالدواهی والحتوف انقرح (2)
ونحور للإله أضحیت *** من صغیر أو كبیر انذبح
وجسوم بالشموس اُصهرت *** بالسیوف والرماح انجرح
زنفزسء للإله قدّست *** من لدن حر الهجیر انطرح
ورؤوس فی الرماح قد علت *** فتعالی الله فی أعلی الصفح
ورسوم للإله ضیّعت *** وشعار قد محوه فانمسح
یا لها من كربة أنسی الكرب *** یا لها من قرحة أدهی القرح
وحریم للنبی أهتكت *** فی البراری والقفار انسرح
اصفدوهم مدخلین مجلساً *** بالخمور والفجور ما برح(3)
أین هذا من عهو أحكمت *** وحقوق من نبیّ قد نصح
أنكثتها بیعة شوری الأذی *** اقدحت فی الآل ناراً اقتدح
لا یزال الكون منه مظلماً *** والكساء بالبكاء أنفسح
ص: 384
قرّت الأعین فی بخ وبخ *** من طلوع النور من مطلق فخ
إذ تجلّی واستهل فی المطاف *** حیث لبّاه الصفی واصطرخ
أنت الله لسان ناطق *** واصطفاك الله عن كلّ وسخ
منزل المكنون فی علم الأزل *** للصفی الروح فیه قد نفخ
ظلّك الممدود فی أهل السماء *** من أباه ظلّ رجماً وانمسخ
واسمك الأعظم فی السبع الشداد *** لو خلی عنه لهدّ وانفسخ
رفعة الأفلاك من غیر عمد *** باسمه المكتوب فی كلّ النسخ
والكلیم خر فی الطور صعق *** إذ تجلّی الطور منه وانسلخ
جدّك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدّلی فی العروج وانشخ
أین أنت من شهید بالظماء *** حرّموه شرب ماء قد نضخ(1)
أصرعوه وجه رمضاء الهجیر *** أصهروه الشمس وهو منسلخ
حوله الأطفال تبكی وتنوح *** بالعویل والنداء ممّن صرخ
وسبوهم كالعبید والإماء *** فی الصحاری والفلاة والسبخ (2)
أحضروهم محضر شرب الخمور *** والملاهی والبغاة ممن شمخ
أین هذا من صفاء من طهر *** واصطفاه الله عن رجس الوسخ
ص: 385
دنت الطلعة من نور الأحد *** إذ تجلّی العرش فیه واستعد
واستقام العرش والسبع الشداد *** باسم الأعظم من غیر عمد
واستهل فی العلی نور الهدی *** إذ تباهی الله فیه ما وعد
علّة الإیجاد بل كلّ العلل *** منه بان فی البداء واضطهد
علم الروح الأمین والقدس *** والملائك من أطاع أو سجد
كلّ من فاز بقرب من علی *** قد تأسّی فی هداك واجتهد
فیك نوح قد نجی من الغرق *** سجن یوسف عاد فی وسع الرغد
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّ منه وارتعد
وسلیمان النبی باسمكم *** سخّر الكونین من كلّ قدد(1)
والخلیل فاز منك بالسلام *** حیث صار ناره نعم البرد
والذبیح نال منك ذا الفدا *** حیث كنت نعم الابن وهو جد
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهد ما عهد
جدك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدّلی فی العروج مذ صعد
بیضة الاسلام فی ظلّ حماك *** والنبیّ شرعة فیك أعتضد
لو تخلّی الدهر منك ساعةً *** الانتفی الحكمة عنه والرشد
لو تولّی الخلق منك مدحة *** لن ینالوا جزء آلاف العدد
لو ملئت البحر من ملأ مداد *** لانتفی من قبل ما المدح فقد
حرمة البیت الحرام والحرم *** واللیالی قدرها فیك استند
ص: 386
رتبة الأشراف من كلّ الرسل *** والمعانی كلّها فیك اتّحد
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلاّ فی ولاك انعقد
أنت الله لسان ناطق *** كاشف الاسرار حلّال العقد
أنت ظلّ الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی فی طول الأبد
مرجع كل الاُمور والقضاء *** والمنایا فی یدیك والأمد
أنت مرآة لوصف الكبریاء *** والرجیم من لدیك من جحد
أین أنت من شهید بالظماء؟ *** صدّعن بیت الحرام وانفرد
بدّدوا شمل اجتماع جمعهم *** فی أشد حال أنواع البدد أخرجوهم من دیار أمنهم *** زحزحزهم عن فنا كلّ بلد
حاصروهم فی مضیق من فلاة *** لا مفرّ من سبیل أو رصد أدهشوهم بالدواهی والفتن *** واصطلام فی البلایا والكبد(1)
حرموهم شرب ماء من معین *** حول بحړ ومیاه من جمد
قاتلوهم قتل صبر فی ظماء *** لامعین من مُغیث أو مدد
ذبحوا كلّ الرجال والصبی *** لم یراعوا ولداً ماولد
أصرعوهم وجه رمضاء الهجیر *** لو یواروا بعد قتل فی لحد
أصهروهم الأقمار فی حرّ الشموس *** والوجوه قُشّرت فیها الجسد
والقلوب بالقروح اُقرحت *** والعیون بالبكاء قد رمد
والحریر ك الاماء والعبید *** سیّروها فی الفجاج والجُدد(2)
أحضروهم محضر شرب الخمور *** والملاهی مجمع سرّ الفرد
أصفدوهم بالقیود والرسن *** مربطین فی حبا من مسد(3)
ص: 387
یا لها من قرحة أدهی القرح *** كلّ یوم جدّدت نار الكمد
أین وعد الله فی ثار الإله؟ *** من ولیّ ذا القصاص والقود
أین موعود الإله فی الاُمم *** وهو فی قمع القرود كالأسد
یملأ الآفاق عدل ذی المنن *** بعدما املا ظلم من فسد
ص: 388
رجعة الموعود فی العید ألذ *** من نعیم الخلد حیث ما التذذ
واسمه الأعظم للسبع الشداد *** لو تخلّی منه طاح ونبذ
وسلیمان النبی باسمكم *** سخّر الكونین حكماً واجتنبذ(1)
حكمك النافذ من ربّ العلی *** فی السماوات وفی الأرض نفذ
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلاّ فی ولاكم اتّخذ
كلّ من فاز بقرب من عُلا *** فی هداك قد تأسّی أو بذذ(2)
أین أنت من شهید بالظماء *** والرؤوس فُرّقت عنهم بجذ(3)
والحریم حوله تدعوا الفداء *** یا أبانا من رماك من وقذ(4)
احضروها محضر شرب الخمور *** والملاهی مجمع شرّ الجرذ(5)
أین هذا من حقوق للنبیّ *** وعهود بالجفاء قد نبذ
ص: 389
رجعة الموعود فی قرب الأثر *** فی نصوص الوحی صحّ والخبر
یملأ الآفاق عدل ذی المنن *** بعد ملاء الجور فی كلّ مقر
علّة الإیجاد بل كلّ العلل *** والعقول التسع منك والعشر
رفعة الأفلاك والسبع الشداد *** باسمك الأعظم قام واستقر
أنت للروح الأمین والقدس *** والملائك خیر استاذ ارتعر
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف بالحجر
فیك نوح قد نجی عند الغرق *** یوسف یعقوب فاز بالظفر واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم فیه بالسجود خرّ
وسلیمان النبی باسمكم *** سخّر الكونین عزّاً وانتصر
چوالخلیل فاز منك بالسلام *** زالذبیح بالفدا فیك اعتمر
والمسیح فی العروج قد هواك *** كی یجدّد فیك عهد المنتظر
جدك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدلّی فی العروج وافتخر
سخّر الأفلاك طوعا ورضاً *** حیث ناك فیكم شقّ القمر
أنت الله لسان ناطق *** وجهه الباقی بل عین البصر
واصطفاك الله نور الهدی *** وارتضاك للنبی نعم الثمر
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلا فی ولاك مُذ خرّ
مرجع كل الأمور والقضاء *** والمنایا فی یدیك والقدر
أذنك النافع فی كلّ الصور *** قابض الأرواح عند المحتضر
كل من فا، بقربٍ من علی *** قد تأسّی فی هداك واعتبر
ص: 390
رتبة الاشراف من كلّ الرسل *** والمعالی كلّها فیك انحصر
حرمة البین الحرام والحرم *** واللیالی القدر منكم انفجر
كلّ ما فی الكون من فیض السماء *** ونزول الخیر منك والمطر
خاتم ختم النبیین والرسل *** عترة الأطهار الثانی عشر
عمدة الثقلین فی نصّ النبی *** ونصوص الوحی من فیك استطر
أنت ظلّ الله فی خلق الوری *** من أبی مثل الرجیم قد كفر
أیّها العز الأعزّ للإله *** مسنا وأهلنا ضرّ الضرر
قد كسانا الخلف فیك ما اكتسی *** ولد یعقوب من المرّ الأمر
فاعف واصفح ما عفاه ذو الكرم *** یوسف الصدیق ممّن اغتفر
یا أبانا اغفر لنا ما استغفر *** البنی یعقوب فی وقت السحر
أین أنت من شهید بالظماء *** وعزیز قد أذل وافتقر
واستبیح منه كلّ حرمة *** واعتراه كل ظلم فاصطبر
وامإجرّعوه بالسموم *** والدواهی والحتوف والغرر
وغریب أبعدوه عن حضر *** وشریدة أدركوه فی السفر
ودماء أهرقوها بالهدر *** ونفوس أقحموها فی الخطر
وبنین أیتموهم فی الصغر *** وشیوخ ذبحوهم فی الكبر
وكرام قاتلوهم بالسیوف *** والرماح والسهام والحجر
حرّموه شرب ماءٍ من معین *** حول بحړ ومیا من نهر
وحریم للنبی اهتكت *** أجّجوا فی رحلهم نار الشرر
واُساروی كالإماء والعبید *** سیروها فی المذل والسهر
أشهر وها فی البلاد والمدن *** لا مناص من مفرَّ أو مفر
أحضروها محضر شرب الخمور *** والملاهی والفجور والعهر
ص: 391
یا لها من فرجو أدهی الفرح *** فی قلوب عترة خیر البشر
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهوډ نصّ فیها وأصر
أنكثتها بیعة شوری الأذی *** أضرمتها نار حرب من عمر
یا إمام العصر عجّل لا تذر *** من بغاة الجور ما تقضی الوطر
قد حوانا الظلم من فعل الأول *** واتّباع الكفر من كلّ الأخر
فانتقم للثأر یا ذا الانتقام *** وكفنا شرّ الأعادی والحذر
ص: 392
قرب الوعد من العز الأعز *** یوسف الصدّیق فی السجن برز
قرّت الأعین من نور هداه *** بعدما أبیضّت عیون فی العجز
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** منه بسان فی البدوّ واجتهز
رفعة الأفلاك من غیر عمد *** باسمه الأعظم فی حرزٍ حرز
أنت للروح الأمین والقدس *** خیر استانی لتعلیم الرمز
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف واستقز
فیك نوح قد نجی من الغرق *** والكلیم من عدوّ إذ وكز (1)
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم فیه خرّ واهتزز
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفداء أنحجز
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهداً اكتنز
جدّك الأمجد من شوق لقاك *** قد تدلّی فی العروج واعتزز
أنت الله لسان ناطق *** كاشف الأسرار من كلّ لغز
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلاّ فی ولاك إرتكز
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك قد غرز
كلّ ما فی الكون من فیض العلی *** لو خلی منك لعاز واعتوز
لیس للسبع الشداد والثری *** من سواك من عماد خیر رز
أین أنت من شهید بالظماء؟ *** وطرید فی البراری محتفز
أخرجوه من مقرٍ فانخرج *** حاجزوه من مفر فانحجز
ص: 393
جرّعوه بالسموم والحتوف *** أقحموه فی العناء والعجز
حاربوه بالسیوف والسهام *** حاصروه فی فناء أرض الجرز(1)
أصرعوه وجه رمضاء الهجیر *** وهوی فی بحر السهام مرتكز
سلبوا ما كان فی كلّ الخباء *** من ثیاب كان من بز وخز (2)
جردوا كلّ حریم والنساء *** ما احتوتها من لالی والحزن
اشهروها فی البلاد والمدن *** فی اجتمع وازدحام من همز
أحضروها محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر التغنی ارتجز
أین هذا من حقوق للنبیّ؟ *** وعهودٍ أنكثوها بالحجز
ص: 394
قرّت الأعین واستر النفس *** من طلوع النور بعد أن یئس
طلعة ملك سلیمان النبی *** یوسف الصدیق طال واحتبس
قد تجلّی فی العلی نور الهدی *** إذ تصدی للظهور وافترس
واستهل كوكب برج العلی *** فی ركوب مركب خیر العرس
طلعة الموعود فی وحی النبی *** طاب قلب كلّ من به هجس(1)
یملأ الآفاق عدل ذی المنن *** بعد ملأ الجور ممّن ارتأس(2)
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والعقول التسع فیه اكتنس
واسمه الأعظم للسبع الشداد *** لو خلت عنه لهدت وارتكس (3)
أنت للروح الأمین والقدس *** والملائك خیر كل من درس
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف وانعرش
فیك نوح قد نجی عند الغرق *** یونس عن بطن حوتٍ اختلس
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم فیه خز واندحس(4)
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفداء ما انقفس
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهداً قد حرس
جدّك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدلّی فی العروج واتنس(5)
ص: 395
كلّ من فاز بفور من عُلا *** لیس إلاّ من هداك اقتبس
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلاّ فی ولاك انترس(1)
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك انمرس(2)
أین أنت من شهید بالظماء؟ *** غارق بحر البلاء والوطس
أحصروهم فی المضی والمذل *** لا مناص من مفر عن قفس(3)
حرّموه شرب ماء من نهر *** وهو فی بحر الدماء مرتمس
أصرعوه وجه رمضاء الهجیر *** لم یواروا فی القبور والرمس
سیّروهم بالجفاء والسهر *** لیس فیهم من أنام أو نعس
أحضروها محضر سكر الخمور *** والملاهی والفجور والدنس
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والقلوب مات منها واندرس(4)
یالثارات أراقوها اللئام *** باتباع من بجورٍ ارتأس
أین هذا من حقوق للنبی؟ *** وعهود بالنقوض انعكس
أمكثتها بیعة شوری الأذی *** اضرمت نار التنافس والهوس
ص: 396
غَلب الروم كفّار الحبش *** بطلوع النور من أرض البهش(1)
واستهل فی العلی نور الهدی *** إذ تعالی الله فیه واعترش
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والسماء والثری منه افترش
علة الروح الأمین والقدس *** والملائك من ثناء من عرش
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف وانتفش (2)
فیك نوح قد نجی من الغرق *** یوسف یعقوب منك انتعش
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّفیه وارتعش
والخلیل فاز منك بالسلام *** وافتدیت للذبیح بالكبش
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهداانقرش(3)
جدّك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدلّی فی العروج واعترش
كلّ من فاز بفوز من علی *** قد تأسی فی هداك وانتعش
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلاّ فی ولاك قد وطس
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منكم انتفش
أین أنت من شهیدٍ بالظماء *** أهلكوه بالدواهی والدهش
والسیوف والسهام والسموم *** وضروب الحتف من حرّ العطش
والحریم اُحرقت فیها الخباء *** وهی من هول الصیاح فی طرش
ص: 397
والعیون بالبكاء والعویل *** قد اصیبت بالعماء والعمش(1)
سیرّوها فی البلاد والمدن *** كالاُساری بالعناء والبطش
أحضروها محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الفجور قد نهش
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والقلوب ذاب منها وامتهش (2)
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود أنكثت فی كلّ غش
أبدعتها بیعة شوری الأذی *** اضرمت نار الحروب والدغش (3)
ص: 398
قرّت الأعین وأنساق الغصص *** وتهنّی العیش بعد أن نغص
طلعة ملك سلیمان النبی *** یوسف الصدیق فی السجن خلص
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والعقول التسع فیكم اختصص
قامت السبع الشداد باسمه *** لو خلت عنه لولّت وانملص (1)
حكمة الأسرار فی علم الأزل *** لو خلی عنك الحكیم لانتقص
كلّ من مار بفوز من عُلا *** قد تأسّی فی هداك وانمحص
أنت مرآة لوصف الكبریاء *** من اُباة كالرجیم قد نكص(2)
واستنار نوره سیناء طور *** فالكلیم فیه خرّ وامتعض
أین أنت من شهید بالظماء *** غارق بحر الهموم والغصص
حاصروه فی الفلاة والقفار *** ضایقوه فی الفنا حتی غنص (3)
حاربوه بالسیوف والسهام *** جرعوه بالحتوف فانغمص(4)
أصهروه فی الشموس والهجیر *** وهو مذبوح القفاء قد رخص
والحریم حوله تبكی العویل *** یا أبانا قد هلكنا من بهص
سلبوا ما فی الخیام والحرم *** قسموه بینهم قدر الحصص
سیّرونا فی البلاد والمدن *** مصفدین بالحبال والشبص(5)
ص: 399
أحضرونا محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الملاهی ارتعص
أین هذا من حقوقٍ للنبیّ؟ *** وعهودٍ اُحكمت فی كلّ نصّ
أنكتها بیعة شوری الأذی *** أضرمت نار الحروب والخبص (1)
ص: 400
قرب الموعود وهو قد نهض *** لانتشار العدل بعدما انرفض
طلعة ملك سلیمان النبی *** ید بیضاء الكلیم اعترض
یوسف الصدّیق عزّ بعدما *** كاد یعقوب یكون فی الحرض(1)
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** منه بان فیه عاد وانقبض
قامت الافلاك من غیر عمدٍ *** باسمه الأعظم حیث ما انقوص
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبّی وطاف فی الرمض(2)
واستنار نوره سیناء طور *** فالكلیم خرّ ثم الطور رضّ
والخلیل فاز منك بالسلام *** والفداء فی الذبیح بالعوض
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهداً افترض
جدّك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدلّی فی العروج والوفض (3)
كلّ من فاز بفوز من عُلا *** لیس إلاّ من هداك انمحص
والعود من مواثیق الرسل *** لیس إلاّ فی ولاك من غرض
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك انمحض حكمة الباری فی خلیق الوری *** لوتخلّی منك زال وانتقض
أنت مرآة الغیب الكبریاء *** من أبی فهو الرجیم ذی المرض
أین أنت من شهید بالظماء؟ *** جرّعوه كلّ آلام المضض
أصرعوه وجه رمضاء الهجیر *** أصهروه فی الشموس والرمض
ص: 401
والحریم حوله تبكی العویل *** والرؤوس قد علت والصدر رضّ
أحرقوا ما فی الخیام والحرم *** والجنین مان منهم أو جهض
أشهروها فی البلاد والمدن *** جرّعوها من سموم كلّ مضّ(1)
اصفدوها باحبال والرسن *** اسحبوها بالوجوه من نكض(2)
أحضروها محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الفجور قد معض
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والعیون بالعمی منها غمض
والجبال والأراضی زلزلت *** والسماء بالدماء منها نفض
أین هذا من عهودٍ للنبی؟ *** وحقوق بالجفاء انتقض
ص: 402
قرب الموعود من خیر الوسط *** الانتشار العدل بعدما انحبط
طلعة ملك سلیمان النبی *** یوسف الصدیق سجنه انكشط
قد تباهی الله فیه بالعلی *** حیث فاق فضله ممّن بسط
أیّها الموعود فی كلّ الصحف *** قد تناهی الجور فینا والقحط
قد عصیناك بخلف غرّنا *** عفوك المرجی بكلّ من فرط
قامت الأفلاك من غیر عمد *** باسمه الأعلی وإلاّ لسقط
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والعقول كلّها منك انخرط
علّم الروح الأمین والقدس *** كل حمد وثناء حسن النمط
والصفی فی هواك محرما *** طاف لبّی وسعی حیث هبط
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّ فیه وانسقط
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهداً اغتبط
جدّك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدلّی فی العروج وارتبط
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلاّ فی ولاك مشترط
أنت ظلّ الله فی خلق الوری *** واسمه المكنون فی جوف السقط
أنت مرآة الغیب الكبریاء *** من أبی فهو الرجیم فی السخط
رتبة الأشراف من كلّ الرسل *** والمعالی كلّها فیك انبسط
كلّ من فاز بفوز من عُلا *** قد تأسّی فی هداك والتقط
عالم الایجاد من فیض یدیك *** لیس إلاّ نقطة بحر النقط
أین أنت من شهیدٍ بالظماء *** حوله مثل النجوم من رهط
ص: 403
أخرجوهم من حریم ذی الحرم *** فی فنون الجور من كلّ شطط (1)
حاصروهم فی الفلاة والرمض أصرعوهم فی الظماء حول شط
أفردوه عن بنین وحماة *** فی محلّ غربة وهو فقط
جرّعوهم بالحتوف والبلاء *** وهو فی بحر الدماء قد شحط (2)
أصهرهوهم فی الشموس والهجیر *** وهو فی كلّ الدواهی اعتبط(3)
سلبوا ما فی الخیام والحرم *** للحریم من ستور والقرط
سیروها فی البلاد والمدن *** كالاساری فی المذلّ واللقط(4)
أحضروها محضر شرب الخمور *** مصفدین بالحبال والقمط
یا لها من قرحة أدهی القرح *** أورثت فی القلب ورام الحبط (5)
أین هذا من حقوق للنبیّ *** ونصوص قابلوها بالغلط
أبدعتها بیعة شوری الأذی *** أخلطت فی الحقّ ریباً فاختلط
ص: 404
قرب الموعود من ذی كلّ حظّ *** وهو للاسلام خیر من حفظ
قامت الأفلاك من غیر عمد *** باسمه الأعلی وإلا للفظ
وهو للروح الأمین والقدس *** والملائك خیر كلّ من وعظ
كلّ من فاز بفوز من عُلا *** قد تأسیّ فی هدك واتّعظ
أنت ظلّ الله فی خلق الوری *** عینه المبصر فی الخلق لحظ
عالم الایجاد من فیض یدیك *** والرجیم من أباك وامتكظ
أین أنت من شهید بالظماء *** فی بحار الجور والدماء خطّ
حمّلوه كلّ أثقال المذل *** وفنون الأسر حتی آن بهظ (1)
أصهروه وجه رمضاء الهجیر *** فی ظما حرّ المقیط والقیظ
جرعوه بالسموم والبلاء *** أقحموه فی الهموم والغنظ(2)
حاربوه بالسیوف والسهام *** أصرعوه فی دواهی كلّ مكظ
سیّروهم فی البلاد والمدن *** فی ازدحام من شرار كل لظ(3)
أحضروهم محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الغوی فظ غلظ
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والأیادی منه فی عظٍ وعظ
ص: 405
قرب الموعود فی قمع البدع *** وانتشار العدل من كلّ ورع
طلعة ملك سلیمان النبیّ *** ید بیضاء الكلیم اطلع
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والعقول كلّها منك اصطنع
قامت الأفلاك من غیر عمد *** باسمك الأعلی وإلاّ لوقع
عالم الایجاد من فیض یدیك *** والرجیم من أباك وامتنع
كلّ من فاز بفوز من عُلا *** فی هداك قد تأسیّ واتبع
علّم الروح الأمین والقدس *** والملائك خیر علّم من ترع(1)
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماًلبّی وطاف فی البقع
فیك نوح قد نجی من الغرق *** یوسف الصدّیق من كلّ فزع
فیك نال كلّ من نال الفرج *** مثل یعقوب النبی والیسع
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّ فیه واخترع
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفداء انتفع
والمسیح فی العروج منتظر *** طامعاً فی عهدك كلّ الطمع
جدّك الأمجد فی شوق لقاك *** قد تدلّی فی العروج وارتفع
ایّها الموعود فی كلّ الصحف *** خذ بثأر من اُصیب وافتجع
قد تأسیّ بالصفی جدّه *** حیث عاف ذا الجنان وارتجع
أخرجوه من حریم ذی الحرم *** فی حرم أحرمت حال الجزع
جرّعوه كل أنواع البلاء *** من سموم ذی الحتوف والفزع
ص: 406
حرّموه شرب ماءٍ من ظماء *** أهلكوا الصبیان حتی من رضع
أصهروه فی الشموس والهجیر *** والجسوم قُطعت كلّ القطع
والحریم حوله تبكی العویل *** والرؤوس فی العوالی قد لمع
أخرجوا الأقمار من برج العلی *** فی فجاج الأرض من كلّ بقع
أحرقوا ما فی الخیام والحرم *** بعد سلب الطاهرات بالولع
سیّروها فی البلاد والمدن *** والفلاة والصوامع والبیع
أشهروها فی اللیالی كلّها *** فی المسیر لیس فیها من هجع
أحضروها محضر شرب الخمور *** والملاهی والفجور والبقع
أصفدوها بالحبال والرسن *** أفحموها فی الكروب والوجع
أجلسوها مجلس أهل البغاء *** مشمتین بالعتاب والبشع
والرؤوس حولها قد اُحضرت *** معرض ضرب القضیب والفرع
یا لها من قُرح أدهی القرح *** والفؤاد بالحریق قد لوغ
أین هذا من حقوقٍ للنبیّ *** واُصول بدّلوها بالتبع
أنكثتها بیعة شوری الأذی *** أحدثت فی الدین أنواع البدع
ص: 407
فی مدح الحجة السلام
فیا عید عودی بخیر الرجوع *** وقرّ العیون بهلّ الطلوع
فقد جاء اشراط أمر الإله *** بنصر وفتح قریب الوقوع طلوع
إمام فی ید الله كفّه *** كبیضاء موسی والعصا الجزوع
وملك سلیمان سخّرت باسمه *** الأعظم القائم به كلّ نوع
ومنه سجود الملائكة لآدم *** وتعلیم كلّ الثناء والركوع
ومنه هبوط الصفی الحطیم *** یُلبّی باحرام أطوف الخشوع
ویسعی ویضحی فی المنی عاجلاً *** بشوق لقاء أصول الفروع
فیا حبّذا الفرع الأصیل الذی *** سخّر الأرض والسماء بطوع
ولولاك ماقام لله قانت *** ولا أمسك السماء من الوقوع
فقد طال ما أراقوا لك من دماء *** بحر ظماء الكشح (1)والجوع
وسبی النساء الطاهرات ظلماً *** بحرق القلوب ومجری الدموع
وكم من دماء بظلم أراقوا *** وحقّ أضاعوا ونفسٍ جزوع
ص: 408
فی الرثاء
فیا لیت السماء بالثری اطبقت *** وصمّ صماخ السمع فی سمعی
ولم استمع صوت الأنین لكم *** ولا افتراق حال الوصل والجمع
ولا اجتماع الطغاة علی الجفاء *** بأنواع كسر القلوب والضلع
ولا افتقاد حبیب لأحبّائكم *** بحال الإباء ومفراغ دمع
وكم من مصاب وافتراق لكم *** أثلم الركن من مهابط الشرع
أیُعلی رؤوس علی القنا وقد *** رفع الاسلام بها خیر رفع
اتُهدی حریم الإله باسرٍ *** وهم فی الوری خیر أصلٍ وفرع
ص: 409
فی مدح الحجة علیه السلام
فبشری لعید وعین الفراغ *** وقرب الطلوع وحسن الصباغ
طلوع إمام لثار الإله *** وقتل ظلوم وعادٍ وباغ
وكلّ ظلوم یُعادی لیجری *** تأخری جزاء كفور وطاغ
أیُعلی برأس ویُصهر بجسمٍ *** بحر هجیر كجلد الدباغ
فأین الرسول وعهد الولاء ؟ *** أبدلت بالجفاء وأنواع نزغ (1)
وانّ آیات وحیه حُرفّت *** باتّباع الهوی وآراء زیغ
وانّ منابر شرعه ارتقت *** بسوء قرود المسخ والوزغ (2)
وانَّ الفجر بقسمیه حُلّلت *** وشرب النبیذ وطهر بدیع
ص: 410
فی مدح الحجة علیه السلام
قرب الموعود والمشس برغ *** ید بیضاء الكلیم إذ تبع
طلعة ملك سلیمان النبی *** باسمه الأعظم بلغ ما بلغ
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والعقول كلّها منك ما نصیغ
عالم الایجاد من فیض یدیك *** من أبی فهو رجیم قد نزغ
قامت الافلاك من غیر عمد *** باسمك الأعلی وإلاّ لأنمرغ
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخبد فیك قد روغ
أین أنت من شهیلی بالظماء *** وهو فی بحر الدماء انصبغ
جرعوه بالسموم والبلاء *** أقحموه فی الحتوف والوتغ(1)
أصرعوه فی الشموس والهجیر *** والجلود فی الحرور إذ دلغ
والرؤوس فی الرماح قد علت *** والوجوه فی التراب انمرغ
والحریم حوله تبكی العویل *** والأعادی بالسیاط قد لنغ
سیّروها فی القفار والمدن *** بین من یشمت منهم أو لدغ
أحضروها محضر شرب الخمور *** والفجور من بنی مسخ الوزغ
اصفدوها بالحبال والرسن *** بین من ینهشهم أو من دمع
یا لها من قرجة أدهی القرح *** والقلوب صبرها عها انفرغ
أین هذا من حقوق للنبی؟ *** أبدلوها بالجفاء والنزغ
والطهور فی البحار لا یزول *** بولوغ الكلب حیثما ولغ
اُبدعت من بیعة الشوری الأذی *** ما لغی حتی الطهور بالدبغ
ص: 411
فی مدح الحجة علیه السلام
دنت الطلعة من برج الشرف *** من وصی الأنبیاء نعم الخلف
علّة الأكوان فی خلق العلی *** منتهی الاشراف من كلّ السلف
مطلع الأنوار فی ضوء الدجی *** مركز الافلاك من كلّ الطرف
لیس للعرش عماد غبرة *** من أكفّ یاله من غیر كف
واستقمت فی السماء كلّ الصفوف *** فی سجود آدم صفّاًبصف
واحتویت اقدر من وصف الإله *** من لیالی القدر ممّا قد وصف
واصطفاك الله فی عرش العلی *** فی قباب العزّ فی أعلی الغرف
حكمة الأسرار فی علم الأزل *** واختیار الأنبیاء منك انكشف
خلقة الأرواح من فیض یدیك *** حیث فاضت من بحار لا تجف
واصطنعت النصر فی كلّ الرسل *** حیث قلت للكلیم لا تخف
عالم الایجاد فی ظلّ حماك *** من أباك فهو من أهل السرف
قرّة عین النبی المصطفی *** لؤلؤ یلمع فی بطن الصدف
اهبط الروح الأمین فی هواك *** والصفی محرماً فی المزدلف
طائفا یسعی یلبی مفدیاً *** واقفاًفیك وقوف من وقف
یا إمام العصر أنت المنتقم *** من ولاة الجور ما فی أرض طف
من فنون الظلم فی آل النبی *** من حتوف السیف أو حتق الأسن
أصرعوهم فی الصفوف والدماء *** لا بأكفان تواری أو جدف(1)
ص: 412
جرّعوهم كلّ كأسٍ من بلاء *** أجّجوا فی حرقهم نار السعف
سیّروهم فی الفجاج والمدن *** فی ملاهی الأثم فی رقصٍ ودف
أحضروهم محضر سكر الخمور *** والتغی بالفجور والشغف(1)
أین هذا من عهود الأنبیاء *** فی حقوق ضیّعوها بالتلف
یا الثارات أراقوها اللئام *** من نجوم طال ما منها انخسف
وبدور أقمرت لیل الظلام *** أصهرتها الشمس عند المنتصف
بالصبر صبره صبر الإله *** لا یفوت بأسه عمّن جنف (2)
فالعجل كلّ العجل بالانتصار *** عبدك الهابط من أرض النجف
فی ثغور من ثغور ذی السلم *** لا مقرّ لی ولا من منصرف
ص: 413
فی مدح الحجة علیه السلام
طلعة الاشراق فی عین الغسق *** قد تجلّی واستهل بالشفق
قائماً بالقسط فی حفظ الوری *** صادعاً بالأمر والحكم بحق
هابطاً فی الأرض من برج العلی *** الانتظام الخلق من ربّ الفلق
واصطفاك الله فی صفو الصفی *** لیكون العهد فیه بالأحق
حیث خصّ بالسجود فی العلی *** واستحقّ الفضل فیمن قد سبق
واستنار نورك نار الخلیل *** لو خلی عنك دهرها ما اختلق
للذبیح فیك قد جاء الفداء *** لو تخلّی عنك دهرها ما اختلق
من هواك مثل نوح قد نجی *** من أباك فی الهلاك قد غرق باسمك القائم قام العرش *** لو محاه لعلی الأرض انطبق
فی هواك عرج العرش العلی *** من دناه فتدلّی فاعتنق
فلك نجاة من نجی من الغرق *** فیك استبان میزه عن الفرق
وفوك من وحی المساء والصحف *** نطق الاله من لدیه إذ نطق
علّة الایجاد من بدء العدم *** والعقول كلّة منك اشتقق
خلقة الأفلاك والسبع الشداد *** والنجوم الزاهرة منك أنفتق
حكمة الأسرار فی علم الأزل *** والخفایا كلّها منك انشقق
زینة الفردوس بل كلّ الجنان *** من صفاك صار فی حسن النسق
رتبة الاشراف من كلّ الرسل *** منك انّ فیك عاد والتحق
یا إمام العصر طال الانتظار *** وانتقام من رماكم وانطلق
ص: 414
واسباكم من حریم للإله *** ونجوم بالمحاق قد محق
وبدور أقمرت لیل الدجی *** أصهرتها الشمس حرة واحترق
یا لأكباد علی حرّ الظماء *** احرقتها الشمس فی خول الغدق(1)
یالثارات أراقوها اللئام *** وحقوق ضیّعتها من فسق
أین هذا من عهود الأنبیاء *** وعزیز عزة قد انسحق
وملوك شأنها شأن الكتاب *** وعلوم بابها سد الغلق
ونفوس قدّست نفس الإله *** لم یراعوا حفظها قدر الرمق (2)
واُصولٍ بالثمار استزهرت *** أحرقوها بالثمار والورق
ص: 415
فی مدح الحجة علیه السلام
یا بن بنت النبی طال خفاك *** فمتی نستظلّ تحت لواك
أنت علّة الكون وأصل الوجود *** ولا أصل للكائنات لولاك
فیا عید عودی به مستبشراً *** بطلعة نور الهدی من سماك
وأنت مرآة وصف الكبریاء *** المظهر الغیب والحضور اصطفاك
ولم یهو للصفی العلی سجداً *** ولم یدن منه وإلا فی هواك
وقد اهبط الأرض آدم محرماً *** یلبّی ویسعی ویضحی بمناك
ولم یدن عرش العلی من أدنی *** فی العروج إلا بشوق لقاك وكم من كروب لیعقوب زالت *** وردّ الضیاء لعینه بشراك
وهل قامت السبع الشداد بلا *** عماد تراه ممن سواك
وهل علم الروح الأمین من الثنا *** وتسبیح قدس ممّن ممّن عداك
وقد فاز بالعلی كلّ من أتاك *** ونال الشفاء كلّ من أباك
لكلّ نبی فیك اُسوة *** وغوث یُغاث به من دعاك
ولما تجلّی بطور ضیاك *** فخرّ العلیم لأجل علاك
ولما أفاق استماع صداك *** أجاب یلبی لصوت نداك
فیا من حوی رتبة الأنبیاء *** وغیب الإله بطول بقاك
وفیك بخضر والیاس شبه *** فی مغیب العلی ولطف خفاك
لیلة القدر منك بان علاها *** واسمه الااعظم بعین رضاك
ص: 416
وفیك انتهی خیام ختم الرسل *** وراثة حقّ الحبا من حباك (1)
وأنت الكتاب المبین الذی *** به للهدی انطق الحقّ فاك فیا من به یری الله ما یری *** ومن نور عینیه قرّ عیناك
ویا من هو مظهر كلّ حقّ *** ومن یدی قدرة الإله یداك
ونار الخلیل صارت سلاماً *** بنور السلیل من حیث احتواك
وأفدی الذبیح بذبح عظیم *** وسرّ الضحایا بالأجل فداك
ومنك اصطبار لأیّوب فیها *** منال المعالی ونیل فداك
واصطفی المصطفی بصفو صفاك *** واستنار الدجی بنور رضاك
فیا صاحب العصر علیك العجل *** بثارات ما أراقوا من دماك
حیث أدمی ظلمهم رفض الهدی *** واكتساب الاثم من دأب عداك
قد أحلّوا ما أحلّوا من دماك *** واستباحوا من حقوق ما حباك
واستحلّوا بائتلاف من عصاك *** واستعدوا لانتهاك من هواك
واستلاب ماحواك من غناك *** وعتراك من حضیض من سواك
واستقوكم سقی بغی ما أصابوا *** من حتوف جرّعوها بأباك
إذ دعاهم ما دعاهم جدّه *** فاعتروه بقتال من هناك
ورموهم بسهامٍ ذی شعب *** لا یداوی قرحة ممّا جناك
ص: 417
فی رثاء سیّد الشهداء علیه السلام
واحتووهم كاصطیاد للسمك *** بانقطاع الماء أو حبس الشبك
واستبوهم سبی ذل فی السكك *** كالعبید والإمام ممّن ملك
سیروهم فی الصحاری والقفار *** فی حفاة الرجل من شوك الحسك
أشهر وهم مع رؤوس فی القری *** من قتیل الصبر وممن هلك
أنزلوهم من أعالی رتبةٍ *** خصّها الرحمن فی برج الفلك
یالثارات أراقوها اللئام *** واحترام للنبیّین انتهك
كلّ ذاك من أساس اُسّست *** لانتقاض العهد أو غصب الفدك
سیّما غصب الولاء من علیّ *** واختیار النار من أهل الدرك
ص: 418
فی مدح الحجّة علیه السلام
قرب الموعود ممّن قد ملك *** كلّما فی الكون من تحت الفلك
وهو للأفلاك من غیر عمد *** باسمه الأعظم خیر من مسك
عالم الایجاد من فیض یدیك *** من یشكّ فیكم فی الله شكّ
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والعقول كلّها فیك انهمك
أنت للروح الأمین والقدس *** والملائك خیر كلّ من سلك
والسفی فی هواك قد هوی *** محرمة لبی وطاف أرض بك
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم هرّفیه وهودك
فیك نوحُ قد نجئ عند الغرق *** یوسف الصدیق سجنه انفكك
والخلی فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفدا منه أن ترك
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منك عهد قد فتك
جدك الامجد فی شوق لقاك *** قد تدلی فی العروج والدك(1)
والعهود من مواثیق الرسل *** فی ولاك احكمت فی كلّ صك
رتبة الاشراف من كلّ الرسل *** وكتاب الله فیك اشترك
أین أنت من شهید بالظماء *** ونفوس للاله قد هلك
وحریم فی البلاء القیت *** فاصیدت كاصطیاد للسمك
وصغار ب الظماء اهلكت *** بانقطاع الماء او حبس الشبك
وكبار بالحتوف جُرعت *** وسباءكالا ما ممن ملك
سیروها فی القفار والمدن *** حافیا تتسلك شوك الحسك
ص: 419
حاسرات فی البلاد كالاماء *** سالكات فی الفجاج والسكك
نزلوها من اعالی رتبةٍ *** خصها الباری فی برج الفلك
احضروها محضر شرب الخمور *** بالملاهی والفجور احتنك(1)
یا لها من قرح ادهی القرح *** والفؤاد ذات منها وافترك
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهو فی الوصیین انتهك
انكثتها بیعة شوری الاذی *** من فنون غصبهم حتی الفدك
یا امام العصر أنت المنتقم *** من بغاة جائری اهل الدرك (2)
ص: 420
فی مدح الحجة عجل الله فرجه
دنت الطلعة من صبح الأزل *** واكشاف النور عن كلّ محل
طلعة البیضاء من سیناء طور *** قد احاط كلّ شیء واستقل
سخر الكونین من ملك السماء *** والنجوم والثریا والزحل
علّة الاكوان فی بدء الوجود *** والعقول التسع من العلل
علّم الروح الأمین والقدس *** منهج التسبیح للمولی الأجل
جنّة الفردوس منك روحها *** واحتلاء (1) أكلوا بل شهد العسل
والنعیم الخلد والحور الحسان *** وصفاء الملك بل لبس الحلل
رتبة الأشراف من كلّ الرسل *** وملوك الدهر من كلّ الدول
منك بان فیك عاد وانتهی *** واستبان واستنار واستهل
كلما فی الكون من عرش العلی *** وتخوم الأرض باسمك اعتدل
أنت للخلق دلیل وهدی *** من اراد الله باسمك استدل
أنت للوحی قرین ومبین *** من أباك فیه ضل واضل
أنت فی كل البرایا والامم *** مقتدی الأبرار فی حسن العمل
أنت دستور لمشق(2) الانبیاء *** واعتصام الخلق عن كلّ زلل
فیك نال كلّ من نال العلی *** من اباك نسله شرك الخلل
أنت ظل الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی بل نعم البدل
یا امام العصر أنت المنتظر *** قد وعدت النصر فی وجه العجل
ص: 421
اذ اصابوا ما أصابوه حماك *** من جفاء وعقوق والمذل
أین أنت من شهید بالظماء *** حوله الأرحام فی حزن الملل
ناعیات بالعویل یا ابه *** اقتحمنا فی البلا قطع ألحیل
سیرونا فی الفجاج والطرق *** احضرونا محضر سوء العمل
من خمور بالفجور والسف *** والملاهی شانه سب الملل
أین هذا من عهود الانبیاء *** واقترن الآل من وحی الاجل
ص: 422
فی مدح الحجة عجل فرجه علیه السلام
ایها الموعود فی كلّ الأمم *** فیك أوصاف الجلال قد ختم
قد تباهی الله فیك فی العلی *** واصطفاك خلقه عند القدم
مالك ملك سلیمان النبی *** ید بیضاء الكلیم فیك ضم
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** والعقول التسع منك والقلم
قامت الافلاك من غیر عمد *** باسمك الاعظم اعظم النعم
علم الروح الامین والقدس *** والملائك الثناء والحكم
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً لبئ وطاف فی الحرم
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرفیك بالعظم
فیك نوح قد نجی عند الغرق *** یوسف یعقوب من غم وهم
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفدا نال السلم
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد عندك عهد القدم
جدك الأمد فی شوق لقاك *** قد تدلی فی العروج واغتنم
رتبة الاشراف من كلّ الرسل *** والمعالی كلها فیك انختم والعهود من مواثیق الرسل *** لیس الا فی ولاك انحتم
كل من فاز بفوز من علی *** فی هداك قد تاسی واعتصم
أنت للناس اعتصام وهدی *** من ضلال وخطایا واللمم(1)
حرمة العیدین والمشاعر واللیالی القدر منك والحرم
جنة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك والنعم
ص: 423
عالم الایجاد من فیض یدیك *** والامور كلها فی انتظم
أنت ظل الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی والبدر الأتم
أنت الله لسان ناطق عینه المبصر والفیض الاعم
انتم ابواب علم المصطفی *** من أتی منها فقد نال السلم
قدرة الباری فی كف یدیك *** سیفه الصاطع حیث ما انتقم
لو خلی عنك الزمان ساعة *** صار خلق الدهر لغوا وانعدم
لو تخلی العرش من ظل حماك *** ظل فی الارض سقیطاً وانفصم(1)
أنت للسبع الشداد والثری *** خیر ما یمسك من كلّ العصم
انت مرآة لغیب الكبریاء *** فی حجاب العز غاب وانكتم
أنت للجنة والنار السقر *** قاسم نعم القسیم والحكم
باب نجاة من نجئ من الغرق *** لأمة النبی بل كلّ الأمم
حسبك الروح الأمین والقدس *** والملائك العبید والخدم
لو تأنّی الروح من خدمتكم *** طرفة العین لولئ وانرجم
أنت للناجی مصباح الهدی *** شمس أنوار اعلوم والعلم
قد تعالی الله فیك بالعلی *** إذ تجلی بك أوصاف الكرم
أنت ذا الدین الذی لو ارتقی *** فی الثریا ناله ولد العجم
ضیعة العرب بل جلّ العرب *** وابتغاه ذو العقول والهمم
حسبك الشاهد فی صحب النبی *** كل آیات النفاق والنقم
حسبك ترك النبی فی الجمع *** قرهم عند الجهاد كلّ دم
حسبك سبّ النبی بالهجر *** حیثما استدعی الدوات والقلم
حسبك نكث العهود بالفتن *** وانتقاض ما أقیم بالعصم
ص: 424
من ولّی عاهدوه فی الصحف *** وقرین بالكتاب أنضم
آخروه عن مقرّ الأولیاء *** قدّموا عجل الخوار والصنم
كل أنفال وفیی؛ وخمس *** خصّهم فیمن سواهم انقسم
اخرجوا بنت النبی من فدك *** اسقطوا منها الجنین بالقدم
اسهموا سبط النبی بعدما *** أهلكوه بالسموم أی سم
ثم عادوا فیهم حرب الجمل *** اسفكوا فیه الدماء أیّ ذم
أخرجوا سبط النبیّ من بیته *** من حمی بیت الحرام والحرم
حاصروه فی الطفوف والعناء *** وهو فی ضیق البلاء مصطلم(1)
جرّعوه بالحتوف والخفاء *** والرضیع منه بالسهم انفطم
حاربوهم بالسیوف والسهام *** ذبحوهم كالشیاة والغنم
حرموه شرب ماء من ظماء *** وهو حول الماء فی شط ویم(2)
أصرعوه فی الشموس والهجیر *** وهو فی الغرقی غریق بحر دم
والحریم حوله تبكی العویل *** والیتامی فی جفا ذلّ السم
والنساء الطاهرات فی السئم *** والعناء والدواهی والألم
افجعوهم بالبنین والصبا *** أدهشوهم دهشة حرق الخیم
سلبوا منها القناع والأزر *** أوجعوها بالسیاط والورم
وسبوهم كالعبید والإماء *** من كفور خارجی أهل الذمم
سیّروها فی القفار والمدن *** أسهروها فی اللیالی والظلم
أحضروها محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الغناء والنغم
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** طاعناً بالسبّ فیهم والشتم
ص: 425
اسحبوها بالوجوه والذقن *** مصفدین بالحبال كالبهم
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والفؤاد بالحریق انفحم
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود بالجفاء انفصم
وبیوت أملأت وحی السمام *** بالنقوض والجفاء انهدم
دمها بیعة شوری الأذی *** اضرمت فی الآل ناراً فاضطرم
ص: 426
فی مدح الحجّة علیه السلام
دنت الطلعة من محیی السنن *** كابن داود النبی نجل الحسن طلعة یحیی به دین النبی *** بعدما ما أخفوه من ظلم الفتن
طلعة لمّا استهل فی العلی *** أنشأ الكونین منه واستكن(1)
واسمك الأعظم من غیب الخفاء *** قد تجلّی للكلیم فامتحن
والصفی فی هواك قد هوی *** محرماً یسعی یلبیّ بالعلن
أین أنت یا وصی الأنبیاء *** قرّة عین النبی المؤتمن
اصطفاك الله نوراً للعلی *** وارتضاك للهدی خیر المنن
أنت بالوحی القدیم مقترن *** فیك روح القدس وروح للبدن
قمر الأقمار والنای خزف *** من أباك فعلی الكفر اللعن
رتبة الاشراف من كلّ الرسل *** والمعالی كلّه ا منك اقترن عصمة الروح الأمین والرسل *** منك بان فیك عادوا وارتكن(2)
منشأ كلّ العقول والعلل *** منك بسان فیضه من كلّ فن
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والمصفی المحض من شرب اللبن
والنعیم الخلد منك زوجها *** ولها أنت القسیم والثمن
أین أنت من شهیدٍ بالظماء *** حوله الصبیان تبكی بالحزن
یا أبانا ردنافی مشهدٍ *** تأمن شرّ الأعادی والفتن
ص: 427
أخرجوانا من ستور عزّةٍ *** جرّدونا سترة لبس الكفن
أصهرتها الشمس فی حرّ الظماء *** یا لها من غربة بعد الوطن
أحضروها محضر شرب الخمور *** مصفدین بالحبال والرسن(1)
ص: 428
فی مدح الحجة علیه السلام
كوكب الدری من برج العلو *** قد تجلّی فی العلو والدنو
لا یزال العرش قام باسمه *** والدهور منه تأبی بالخلو
أنشأ الكونین والعرش العلی *** باسمه الأعظم فی أصل البدو (1)
كلّما فی الكون من بدء الوجود *** والمعالی كلّها منك النمو
جنّه الفردوس والحور الحسان *** كلها منك فی حسن الفنو
أنت ظلّ الله ثمّ عینه *** بل یدا نطقه عند الطرق
ومداد البحر لو كان نفذ *** قبل نفذ مدحه لا بالغلو
أین أنت من شهید بالظماء *** بین أعداء وأعدی من عدو
جرّعوهم من حتوف وسموم *** كلّ یوم فی رواح وغدو
أحضروهم محضر سكر الخمور *** والفجور والملاهی والعتو(2)
أین هذا من حقوق الأنبیاء *** وعهود ربّنا العدل العفو
ص: 429
فی مدح الحجّة علیه السلام
قد حوینا غیبة الاله *** واصطبار لا یطیق من سواه
غیبة غاب بها كلّ الرسل *** وافتتان الناس فی ظلم عداه
قد تناهی غیبة فی ذا الزمان *** واستهل نوره فی كلّ جاه
كلّ شیء من عقول او علل *** قد تناهی واستقام فی نداه
كلما فی الكون من عرش العلی *** وتخوم الأرض من فضل حماه
علّة الاجیاد من بدء العدم *** والعقول التسع كل فی فناه
خلقة الأفلاك والسبع الشداد *** والنجوم كلّها نور صف صفاه
حكمة الأسرار فی علم الازل *** واسمه الأعظم فی سر خفاه
زینة الفردوس والحور الحسان *** والمعالی شق من حلو حلاه
رتبة الاشراف من كلّ الرسل *** منه بان فیه عاد واحتواه
قدرة الباری فی خلق العلی *** وقیام العرش ماواه یداه
عصمة الأبرار من كلّ زلل *** واعتصام الانبیاء فی ولاة
سجدة الروح الامین والقدس *** والملائك حمدها بدء ثناه
اهبط الروح الامین والصفی *** محرمة یسعی یلبی فی فداه
واستوئ فلك تجاه الغرق من *** طوفان نوح از بدئ فیمن دعاه
واستنار فی الخلیل ناره *** والذبیح فی فداه قد فداه
والكلیم خر فی الطور صعق *** اذ تجلی واستهل مدراه
حشمة ملك سلیمان النبی *** وملوك الدهر من فضل بهاه
ص: 430
والنهوض فی عروج من عرج *** لیس الا باشتیاق من لقاه
لیلة القدر وقدر من علی *** لیس الا من شئون من علاه
حرمة البیت الحرام والحرم *** والوقوف سره مافی مناه
وهو عین الله من بین الوری *** واسمه الأعظم فی عین رضاه
مالك الملاك فیس كل الدهور *** وبقاء الدهر ما دام بقاه
قبلة الأفاق من كلّ جهة *** وجهه الباقی لكل من اتاه
وهو ظل الله غوث للوری *** والرجیم من لدیهم من اباه
أین أنت من شهید فی الطفوف *** والملائك حوله تبكی بكاه
قد أحاطوا فیه كلّ طرف *** والنساء حوله حتی صباه
حرموه شرب ماء فی الظماء *** جردوه اللبس حتی من رداه
سلبوا منه الحریم والصبا *** اججوا نیرانهم شر عداه
یا لها من فجعة عظم البلاء *** لا یطیق صبره ممن عداه
أین هذا من عهود الانبیاء *** انقضوها نقض عكس فی ولاه
ص: 431
فی مدح الحجة عجل الله فرجه
طال وعد الله فی نصر النبی *** وانتصار الآل من ولد علی
اذ تجلی الحق من برج العلی *** واستنار الدهر بالنور الجلی
قم فانذر یا وصی الانبیاء *** قرة عین النبی القرشیّ
أنت ظل الله فی وجه الثری *** وجهه الاعلی بالنور المضیّ
علّة الایجاد فی بدء العدم *** للعقول العشر أنت المحتوی
خلقة الأفلاك والعرش العلی *** والنجوم الزاهرة منك استوی
طاعة الروح الأمین والقدس *** والملائك كلّهم فیك اقتدی
عصمة الأبرار من كلّ زلل *** واختیار الأنبیاء منك اهتدی
حرمة البیت الحرام والحرم *** والمطاف والمنی منك اهتدی
جنة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك والحلی
كوكب الأقمار فی لیل الدجی *** والمعالی كلّها فیك اختفی
أنت عین الله فی خلق الوری *** واسمه الأعظم ذو العز الخفی
مهبط روح الامین والقدس *** والملائك بالغدو والعشی
قد حباك الله كلّ ماحبی *** بالمعالی لنبی او وصی
واصطفاك الله نورة فی العلی *** كی یراهم سجّداً عند الصفی
كل من أهبط من علو السماء *** فیك لبیّ محرماً عند الهوی
كلّ من أهوی عروجاً فی العلی *** فیك لبی برضاء ورضی
ما ارتضاه الله فی كلّ الرسل *** منك بان فیك عاد وانتهی
ص: 432
هیكل التوحید مرآة الأجل *** لا یزال للعلی أنت الحری
محیی الأموات حیث ما رجع *** الانتقام الظلم من كلّ شقی
أین أنت من شهید بالظلماء *** قد أحاط حوله كلّ بغی
اهلكوهم بالدواهی والعطش *** یا لها من فجعه ذبح الصبی
جرّدوهم من اُزارٍ وخمار *** سلبوهم من حلی وزری(1)
أحضروهم محضر سكر وخمور *** والملاهی من فجور ابن الدعی
عز هذا الرزء فی أهل السماء *** بل علی كل شقی أو دنی
أولعوا بالظلم فی أهل الولاء *** فی ازاء من وفی عهد الوفی
لیتنی فی زمرة الموتی العدم *** والمصاب وكفّ عن والی الولی
عبدك المحصر (2) فی أدنی الثغور *** هابطاً من طور سیناء الغری
تمت القصائد الفرائد
فی شهر جمادی الأولی من شهور سنة 1320 ه
ص: 433
ص: 434
ص: 435
ص: 436
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ »
جاء نصر الله والفتح ظهر *** لانتصار الحقّ ممن قد نصر
طلعة منها استنار فی الشفق *** مطلع الأنوار فی كلّ مقر
رحمة الأخیار عمت كل شیء *** نقمة الفجّار قتّال الأشر
قاتل الأعراب حدّاً وبتّار *** فی اتّباع العجل من شوری عمر
بئس قومأ حاربت مثل النبیّ *** أخرجوه من مقرّ مستقر
بایعوه بیعة تحت الشجر *** ناكثره بالفرار أیّ فر بئس صحبة بایعت تحت الشجر *** ثم فرّت كلّ فر حیث قرّ
أیّ خیر اُمّةٍ أذی النبی *** مثل ما لم یؤذ فرد من بشر
صاجوه فی الرخاء والظفر *** أسلموه فی القضاء والقدر
صاحبوه فی الغنائم بالطمع *** أسلموه فی المهالك والخطر
بئس من سبّ النبی بالهجر *** إذ أراد الوحی وهو محتضر
حاربوا آل النبیّ من بعده *** فی إزاء حربهم خیر البشر
عادلوا ذاك ببدر وحنین *** فی إزاء مارماهم ذو القدر
اعذروا بالذبیح قوم مالك *** والنساء بالفجور والعهر
بئس صحب أهلكت عمّارهم *** وابن مسعود ومن أبو ذر
أخروا الثقلین عن كلّ صنم *** أمّروا الشیخین ما لم یؤتمر
أخرجوا بنت النبی من فدك *** كذّبوها والشهود معتبر
ص: 437
أسقطوا منها الجنین بالأذی *** واُمیتت بمرار وأمرّ
بدّلوا عهد الولاء بالجفاء *** قدّموا الأشرار بل كلّ أشر
حب أهل الفرس فخراً والعجم *** فی اختصاص ما أصابوا من عمر
زحزحوه بالعذاب والحمیم *** والجحیم والخلود فی السقر
لا یزال الدین یعلو بهم *** لو تنائی فی الثریا واستتر
أنّ أصحاب الإمام المنتظر *** فی المسیح والأعاجم انحصر
حسبنا فخرا بختم الأنبیاء *** روح ختم الأوصیاء الثانی عشر
قرة عین النبیّ المصطفی *** إذ هواك فی العروج حیث كر
جدّك الأمجد فی شوق لقاك *** فی العروج والهبوط منتظر
مطلع الأقمار فی برج العلا *** وطلوع برجك شقّ القمر
باسمك الممسك للسبع الشداد *** فی حماك العرش قرّ واستقر
لو تخلّی العرش من ظل حماك *** ظل فی الأرض سقیط وانفطر
وجه تعظیم الملائك بالسجود *** للصفی أنت سر المستتر
أنت ظل الله فی خلق الوری *** عینه المبصر بل عین البصر
عادة فخر البنین بالجدود *** ورانیا الجدّ فیك افتخر
كلّ فرع فخره قرب الأصول *** والأصول فخرها فیك انحصر
عادة الأثمار تنمو بالأُصول *** والأُصول أنت بل نعم الثمر
عادة الأشجار تنمو بالثمار *** أنت من لب الثمار والشجر
كلّ فیض فاض من بحر السماء *** ونزول الغیث منك والمطر
كلّ أفعال الجلال والأمور *** فی یدیك من قضاءٍ أو قدر
لا یزال غیبة غیب الإله *** وهو فی كلّ مكان ومقر
مبدء الأفلاك والبدر الأتم *** والنجوم الزاهرة منك انفطر
ص: 438
قدرة الباریء فی كفّ یدیك *** عینه المبصر بل عین البصر
علمه النافذ فی كلّ محل *** وجهه الباقی فی كلّ مقرّ
لطفه الواجب بل أوجب لطف *** واسمه الأعظم فیّاض الصور
إذنه الواعی بل عین الوعاء *** لا تشاء غیر ماعند انصدر
نطقة عسین الكتاب والصواب *** من نصوص الوحی أو نصّ الخبر
حكمة الجاری فی كلّ قضاء *** أمره عین القضاء والقدر
ص: 439
احضر التابوت من قعر السقر *** فی غلاظ وشداد من نفر
وحروب ومقامع من حدید *** فی انتقام لابن سعد وعمر
والشیاطین صفوفاً عنده *** وهو فی سكر الخمور محتضر
ویزید زاد علی من خلفه *** وهو فی القرآن ملعون الشجر
حیث ضلّ وأضل من أضل *** كلّ من فی الخلف عادی وكفر
كلّما فی الكون من شرّ الفتن *** والمفاسد كلّها فیه انحصر
منه ما فی الناس من شقّ العصی *** والنبی عكسه شقّ القمر
ضل ابلیس لدیه فی الأزل *** حیث قاس فی الصفی من عمر
فالشرور والمفاسد كلّها *** منه بان فیه عاد واستمر
واستناب عنه ابلیس اللعین *** فی افتتان من تولی واختبر
خمرة الأقذار بل كلّ خبیث *** مسنه بان خبثه حیث اختمر عسكر الإسلام فی كل حروب *** منه فرت واستذلّت حیث فر
رایة الإسلام فی جهاد *** منه خر واستذل وانكسر
علّة كلّ الفسوق والسفاح *** منشیء كلّ الفجور والعهر
بدعة كلّ البدائع والفتن *** وولاة الجور منه ائتمر
مطمع الكفّار فی أهل السلم *** من لدنه كفر كل من كفر
جرأة الأشرار فی قتل الخیار *** من لدنه شر كل ذی أشر
بیعة الشوری منه ابدعت *** ناكثاًعهد النبی خیر البشر
خالف عهد النبی والإله *** ناكثین بیعة تحت الشجر
ص: 440
كلّ ما قد جاء من نوع الفتن *** وفنون الظلم منه انتشر
داءه داء الاناث ابنة *** مطرح كلّ الذكور والذكر
أمّه عمّته أو أخته *** وأبوه جد وخال العهر
منه تحریف الكتاب والسنن *** مسجدة الاضرار بل كلّ ضرر
منه ضلّ كلّ من ضلّ السبیل *** فی ائتمار كلّ من لم یؤتمر
من لدنه كلّ تفریق الاُمم *** والفجور والخمور والشرر
من لدنه قتل كلّ الأوصیاء *** وافتراق الناس فی كل مقر
ص: 441
أسفر الصبح بأنوار الورود *** واستنار العرش منه والشهود
والجنان بالحسان زیّنت *** واستطاب الطیب من مسك وعود(1)
طلعة مولوده لما استهل *** خرت الأفلاك فسیه بالسجود
ثمّ طافوا حوله طوف الحجیج *** والملائك بالنزول والصعود
واقتدی الروح الأمین والقدس *** فی هداك بالقیام والقعود
قد تجلّی الله فیك بالعلی *** وارتضاك مبدء فیض الوجود
قد تعالی الله فیك فی العلی *** واصطفاك كلّ علیاء وجود
واحتباك من مواریث الرسل *** حبوة الآباء بل كلّ الجدود
قامت الأفلاك والسبع الشداد *** باسمك الأعظم من غیر عمود
عالم الإیجاد من فیض یدیك *** والعقول العشر منك والنقود(2)
أنعم العالم من بحر نداك *** أن من یأباك حقّاً لكنود(3)
قدرة الباری فی كفّ یدیك *** سیفه القاطع یا خیر الأسود
انّ عرش الله فی ظلّ حماك *** والمعالی كلّها فیك تعود
حسبك الروح الأمین والقدس *** والملائك من عبید وجنود
والعهود من مواثیق الرسل *** فی ولاك أحكمت تلك العهود
مهبط كلّ الملائك والرسل *** وافدین فضلك خیر الوفود
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبّی وطاف فی الورود
ص: 442
والنبی فی هواك قد عرج *** محرماً لبّی وحجّ فی الصعود
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّ فیه بالسجود
والذبیح نال منك ذا الفداء *** والخلیل ناده نال البرود
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد عندك حقّ العهود
حرمة البیت الحرام والحرم *** واللیالی القدر منك والحدود
كلّ آیات الكتاب والصحف *** أنت سرّ فضلها عند القصود
جنّة الفردوس والحور الحسان *** والنعیم الخلد منك والخلود
أنت ظل الله فی خلق الوری *** عینه المبصر لا یأت الرقود
أنت صنع الله والخلق لكم *** صنع خیر جلّ صنع ذا الوجود
یا إمام العصر أنت المنتقم *** واسمك القائم ما هذا القعود
قم فأنذر یا وصی الأنبیاء *** منذرة یوم الوعید والورود قد
حوانا داء أسئار (1) المسوخ *** واعترانا سؤر كفّار الیهود
أین أنت من شهید بالظماء *** حوله أقماره خسف الركود
ناصحاً الله حق نصحه *** نائحة نوع النبی نوح وهود
حاصروه فی الطفوف والفلاة *** أجّجوا فی رحله نار الوقود
ادهشوهم بالدواهی والفتن *** دهشة جمع الجیوش والجنود
اصرعوهم حرّ رمضاء الهجیر *** والجسوم قشرت منها الجلود والرؤوس فی العوالی قد علت *** والأیادی قطّعت منها الزنود
أرعبوا قلب النساء والصبا *** لاطمات بالوجوه والخدود
سیرّوها فی البلاد والمدن *** بین أشرار أعادی ویهود
حاسرات باكیات ثاكلات *** لبنین أو حمات لا تعود
ص: 443
نائحات صارخات صائحة *** مصفّدین(1) بالحبال والقیود
فاقدات ناشرات سائرة *** عند جبار عنید وعنود
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والعیون أسهرت عند الرقود
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود أحكمت عند الشهود
أنكثتها بیعة شوری الأذی *** أنكرتها ب العناد والجحود
عبدك الهابط من سیناء طور *** راجیاً منك العفا یوم الورود
ص: 444
أسعد الیوم بعید خیر عید *** إذ تجلّی كوكب كلّ سعید
واستهل كوكب نور الهدی *** فاستقرّ باسمه عرش المجید
واستنار العرش بل كلّ العلی *** حیث هلّ مظهر الحقّ الجدید
كوكب لمّا استهل فی العلی *** خرّت الأفلاك طوعاً كالعبید
علم الروح الأمین والقدس *** كلّ تسبیح من الذكر الحمید
مرشد كلّ الملائك والرسل *** وهو خیر مرشد نعم الرشید
أكبر الثقلین بل خاتمهم *** وهو الله المراد والمرید
عالم الإیجاد من فیض یدیك *** والمعالی كلّها منك استفید
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبّی وطاف ما یرید
فیك نوح قد نجی عند الغرق *** یوسف الصدیق فی العزّ اعید
قد تجلّی الله فیك للكلیم *** حیث خرّ ساجداً وجه الصعید وسلیمان النبی باسمكم *** سخرّ الكونین فی قصر مشید
ولداود النبیّ باسمكم *** فی یدیه للوری لان الحدید
والذبیح فی فداك قد سلم *** والخلیل بالسلام والمزید
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منكم عهد الجدید
جدّك الأمجد فی كلّ عروج *** قد أتاك ناشداً حقّ النشید
كلّ من فاز بفوز من علا *** قد تأسیّ بهداك من بعید
واصطفاك الله ختماً للرسل *** وارتضاك قائماً غیر قعید
أنت ظلّ الله فی خلق الوری *** نصره الموعود بل خیر سدید
ص: 445
أنت صنع الله والخلق لكم *** والمبادیء لكم صنع جدید
جنة الفردوس منك روحها *** ونعیم الخلد والعیش الرغید
وجنان العدن والحور الحسان *** والثمار طلعها طلع نضید
یا إمام العصر ما هذا القعود *** واسمك القائم من غیر قعید
أین أنت عن شهید بالظماء *** أقحموه فی البلاء وهو وحید
ناصحة لله حق نصحه *** منذرة یوم المعاد والوعید
أخرجوه من حمی بیت الحرام *** خائفا فی نسوة وهو شرید
حاسروه فی الطفوف والفلاة *** أقحموه فی عناء بأس شدید
زحزحوه فی الكروب والبلاء *** وهو فی مرّ الدواهی كالطرید
حاربوه بالسیوف والسهام *** قاتلوه فالسنان والحدید
أین آل الله أرحام النبی *** لیس منهم قائم إلاّ حصید
أصرعوهم وجه رمضاء الهجیر *** بعد نحر ثمّ قطع كلّ جید
أدهشوهم دهشة حرق الخباء *** شاب من دهشتهم كلّ ولید
والرؤوس فی العوالی قد علت *** بعدما قد ذبحوها من ورید
والحریم صارخات حولهم *** نائحات یافقیداً لا یعید
نادبات بالعویل والبكاء *** فی أساری كالاماء والعبید
أدخلوها مجلس شرب الخمور *** من كفور آل حرب بل یزید
یا لها من قرحة أدهی القرح *** لایزال رزءه فی كلّ عید
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود أكدت حق الأكید
أنكثتها بیعة شوری الأذی *** أضرمت فی ذلك البأس الشدید
عبد الهابط من سیناء طور *** عدّه من أسعد خیر العبید
ص: 446
أسفر الصبح من اللیل الظلام *** واستقام العرش منك والمقام
حیث جاء نصر موعود النبی *** والملائك بین أیدیه قوام
خلقه الأشیاء من كتم العدم *** لیس إلاّ فی ولاك بالتمام
رفعة الأفلاك من غیر عمد *** باسمه المكنون قام واستقام
ان عرش الله فی ظلّ حماك *** والدهور فیك دام واستدام
شرعة الاسلام من كلّ الملل *** منك بان من حلال أو حرام
علم روح الأمین والقدس *** والملائك بالسجود والقیام
قد تجلّی الله فیك فی السماء *** حیث خر فیه كلّ من أقام
اهبط الروح الأمین والقدس *** فی هواك محرماً بیت الحرام
واستنار من نورك سیناء طور *** فالكلیم خر فیه باحترام
فیك نوح قد نجی عند الغرق *** یوسف الصدیق عن كلّ اتهام
والذبیح بالفداء نال السلام *** والخلیل منك فاز بالسلام
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یصلّی خلفك بالأئتمام
جدّك الأمجد فی كلّ العروج *** قد تدلیّ منك فی أعلی المقام
كلّ من فاز بفوز من عُلا *** قد تأسی بهداك واستقام و
العهود من مواثیق الرسل لیس إلا فی ولاك مستدام
حرمة العیدین والبیت الحرام *** واللیالی القدر منك بالتمام
أنت ظل الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی فی كلّ مقام
قد حباك الله من كلّ الرسل *** حبوة كل المواریث العظام
ص: 447
واصطفاك الله من كلّ الرسل *** وارتضاك منهم نعم الإمام
واجتباك للنبیین الرسل *** خاتماً من خاتم خیر الأنام
لو خلی عنك الزمان ساعة *** ساخت الأرض بخسف وانعدام
لو تخلّی العرش من حماك *** حلّ فی الارض سقطاً بانفصام(1)
لو أحاط بالعقول كنهكم *** لأحاط بالإله الاتهام
لو تأنیّ الروح من خدمتكم *** طرفة عین لخرّ بانحطام
كلّ من فی الكون من عرش العلی *** وتخوم الأرض منك فی اعتصام
أنت صنع الله والخلق لكم *** صنع بدء الكائنات بالتمام
أیّها الموعود فی نصر الإله *** طال منك الاختفاء تحت الغمام
قم فانذر یا وصی المصطفی *** واكشفن عنك النقاب واللثام
كی یروا وجه الإله جهرة *** آخذاً أخذ عزیز ذی انتقام
أین أنت من شهید بالظماء؟ *** أخرجوه من حمی بیت الحرام
وهو یدعو بالنجاة والهدی *** منذراً یوم الوعید بالقیام
ناصحاً الله حقّ نصحه *** لم یراعوا جدّه خیر الأنام
أقحموه فی المهالك والمحن *** فی بنین من لدن سوء اقتحام
حاصروه فی الطفوف والفلاة *** حاربوه بالسیوف والسهام
أفجعوه بالبنین والحمات *** یا لها من فجعة شر اصطلام
قاتلوه قتل صبر فی الظماء *** ذبحوا منه الصبی قبل الفطام
أرعبوا قلب النساء والصبا *** أدهشوها دهشة حرق الخیام
وسبوهم كالعبید والإماء *** مربّطین بالحبال كالحمام
ص: 448
سیّروها فی البلاد والمدن *** بین أوباش اللئام والعرام(1)
أین آل الله أرحام النبی؟ *** یشهرن فی أعادی أهل شام
أدخلوها مجلس شرب الخمور *** وهو فی سكر الفجور والحرام
شامتة بالظلم فی آل النبی *** طاعناً بالسب فیه والشتام
معلنا بالكفر فیما اضمروا *** بالقضیب یقرع ثغر الإمام
یا لها من قرحة أدهی القرح *** لایزال رزءه فی كلّ عام
انكثتها بیعة شوری الأذی *** اقحم الاسلام فی نار اقتحام
ویلهم من رجعة یوم القیام *** والخصیم فی أشد من خصام
عبدك الهابط من سیناء طور *** راجیاً منك الجزاء دار السلام
ص: 449
أشرق الأرض بنور فوق نور *** واستنار العرش منه فی الظهور
واستهل قرّة عین النبی *** فی لیالی القدر من خیر الشهور
الكوكب الدری لما استهل *** خرّت الأفلاك فیه بالسحور
والملائك بین أیدیه قیام *** طائعین فیه من غیر فتور
قامت الأفلاك من غیر عمد *** باسمه القائم من غیر فطور
طلعة المولود لما أشرقت *** جاء نصر الله فی عزّ وقور
والجنان من لدنك روحها *** والنعیم منك فی حور قصور
جنة الفردوس والحور الحسان *** طال فیك المسك والعود بخور
أشرق الكونین با النور الجلی *** واستهل النور فوق كلّ نور
والعهود من مواثیق الرسل *** فی ولاك أثبتوها فی السطور
بیضة الاسلام فی ظل حماك *** من لدنك فطرة شرح الصدور
واصطفاك الله نوراً فی العلی *** واحتباك خلفة كلّ الأمور
وارتضاك الله ختماً للرسل *** واجتباك عصمة كلّ الدهور
كلّ آیات الكتاب والصحف *** ونزول الوحی فیك والزبور
خصك الله بأوصاف الجلال *** طائعة لله بل نعم الشكور
خصك الله بكل آیة *** واصطفاك بالصلاة والطهور
علّة الایجاد بل كلّ العلل *** من لدنك بدئها عند الصدور
منك أرزاق العباد انزلت *** فی یدیك الحیاة والنشور
كلّ حی من لدنك رزقه *** والحیاة للدواب والطیور
ص: 450
كلما فی الكون من عرش العلی *** وبقاء الأرض منك والدهور
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبسی وطاف بالصخور
والكلیم خر فیك صعقاً *** اذ تجلی نورك سیناء طور
والذبیح بالفداء والخلیل *** فیك صار ناره من عین نور
وسلیمان النبی باسمكم *** سخرّ الریح الصباء والدبور
یوسف الصدیق بل كلّ الرسل *** منك فاز بالمعالی والأجور
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد عندك عهد الظهور
جدك الامجد فی لیل العروج *** قد تدلی عندك قرب الحضور
قرة عین النبی المصطفی *** من لدنك ناله اعلی السرور
أنت دستور لمشق الأنبیاء *** ازهر الاقمار بل الشمس البدور
أنت میراث لغیب الكبریاء *** فی حجاب العز غاب فی الستور
قائم بالأمر مصباح الدجی *** حامل للعرش فی كلّ الدهور
یا إمام العصر أنت المنتقم *** غیرة الله بدا منك الغیور
قم فأنذر یا وصی الأنبیاء *** واجبرن ما اعترانا من كسور
أین أنت من شهید بالضماء؟ *** أقحموه فی البلاء والغرور
حاصروه فی الطفوف والفلاة *** وهو فی بحر البلاء نعم الصبور
اخرجوه من حمی البیت الحرام *** من حجور مأمن دار السرور
أصرعوه وجه رمضاء الهجیر *** أصهروه فی الشموس والحرور
والرؤوس فی العوالی قد علت *** والجسوم لم یواروا فی القبور
والنساء سلبت منها الازر *** والصباء نفرت أی نفور
أنزلوها من أعالی رتبة *** حاسرات ناشرات للشعور
أدخلوها مجلس شرب الخمور *** مجمع شرب المجوس والكفور
ص: 451
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** وهو فی سكر الملاهی والفجور
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والقلوب فی القروح والكسور
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود أنكثتها قول زور
أنكثتها بیعة شوری الأذی *** أضرمت فی الآل دخان الشرور
عبدك المحصور فی أقصی الثغور *** جاهداً فی نصرك كلب الكفور
عبدك الهابط من سیناء طور *** محصراً فی أبعد أقصی الثغور
راجیة منك العفاء والحضور *** فی الممات والقبور والنشور
عادت الأقمار تسری فی الدجی *** ورأین البدر یسری فی الحرور
أخرجوا الأقمار من برج العلی *** فی فجاج الأرض عن تحت الستور
ص: 452
رجعة الموعود خیر رجعة *** وهو وجه الله كلّ وجهة
قد تجلّی الله فیه بالعلی *** واصطفاه صفوة من صفوة
وارتضاه خیر ختم من رسل *** واجتباه خلفة من خلفة
واحتباه من مواریث الرسل *** من صفایا خیر كلّ حبوة
علم الروح الأمین والقدس *** كلّ تقدیس وحسن سبحة
وأقتدی فیك الملائك والرسل *** حیث كنت خیر كلّ قدوة
واستهلّ فی الصفی نوره *** حیث صحّ فیه كلّ سجدة
چوالصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبیّ حیال الكعبة
فیك نوح قد نجی عند الغرق *** یوسف الصدّیق فاق العزة
والخلیل نلته بالخلّة *** والذبیح نلته بالفدیة
حشمة ملك سلیمان النبی *** منك بان سرّ كلّ حشمة
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منك عهد نصرة
جدك الأمجد فی كلّ عروج *** قد هواك شائقا فی رؤیة
فیك فاز كلّ من فاز بالعلی *** أسوة یاحبذا من اسوة
أنت للناس اعتصام وهدی *** خصّك الله بأعلی رتبة
واسمه الأعظم للسبع الشداد *** ممسك من غیر اسطوانة
أنت حبل الله فی خلق الوری *** العروة الوثقی أقوی عروة
أنت عین الله كلّما یری *** كفه الأقوی أقوی قدرة
أنت ظل الله مدّ ظلّه *** فی حجاب العز طول غیبة
ص: 453
لو خلی منك الزمان ساعة *** ساخت الأرض بخسف موتة
أنت للبیت الحرام والحرم *** والمشاعر سر كلِّ حرمة
حكمة كلّ العلوم والحكم *** منك فاض بحر كلّ حكمة
أنت للنساك فی كلّ النسك *** من طواف حجة او عمرة
والوقوف والمبیت والفداء *** والصلوة والمنی والجمعة
ولیالی القدر والشهر الحرام(1) *** سرّكلّ حرمة أو قبلة
كلّ آیات الكتاب والصحف *** فیك سرّ حكم كلّ آیة
منك بان حكمة كلّ السور *** أنت سرّعظم كلّ سورة
رفعة الأفلاك من غیر عمد *** من لدنك سر كلّ رفعة
قرّة عین النبی المصطفی *** وهوعین الله عین قرّة
فطرة الاسلام منك لطفها *** من لدنك حسن كلّ فطرة
انّ عرش الله فی ظل حماك *** من لدنك شرع كلّ سنة
بیضة الاسلام خیر شرعة *** فی حماك حفظ كل ملة جنة
الفردوس والحور الحسان *** من لدنك روح كلّ جنة لذة
الأشیاء من شهد العسل *** من لدنك حلو كلّ لذّة
أنت ظل الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی لكل أمة
أنت صنع الله عز صنعه *** والخلائق صنعكم من صنعة
لو أحاط بالعقول قدركم *** لأحاط بالعلی ذو مسكة
لا یحاط بالعقول كنهكم *** حیث كنت بدء كلّ علة
یا إمام العصر عجّل وانتقم *** من بغاة الجور كلّ شكوة
طال مسنك غیبة غیب الاله *** یاعزیز المصر أنت عدتی
ص: 454
كم تطیق الصبر یا حلم الإله *** فی حجاب الغیب طول مدّة
قد كسانا الظلم كلّ قسوة *** واعترانا باس كلّ شبهة
واشتهینا بعد فقدان النبی *** من ولی الامر طول غیبة
أین أنت عن شهید بالظماء *** جرعوه سر كلّ جرعة
أخرجوه من دیار عزة *** اقحموه فی اذل ذلة
زحزحوه عن مقر انسه *** أبعدوه بعد أقصی غربة
أو حشوه فی قلیل عدة *** هاجروه هجرة فی هجرة
حاصروه فی الطفوف والفلاة *** حرموه شرب ماء قطرة
حاربوهم حرب بغی فی جفا *** قاتلوهم فی أشد قتلة
صرّعوهم مصرع حر الهجیر *** أفجعوا منه النساء فی صبیة
ادهشوهم دهشة حرق الخباء *** حاسرات فی اشد دهشة
نزلوها من أعالی رتبة *** خصّها الباری بأعلی قبّة
أخرجوها من ستور عزّة *** حفّها الباری بأعلی عفّة
أشهروها فی البلاد والمدن *** من مسیر قریة فی قریة
والرؤوس قد علت بین العلی *** فی عوالی منظر او رؤیة
سیروهم كالعبید والاماء *** فی مسیرة بلدة من بلدة
أصفدوهم بالحبال والرسن *** مصفدین فی أشد شدة
ادخلوهم مجلس شرب الخمور *** والملاهی فی أشد قرحة
شامتاًبالظلم فی آل النبی *** قارعاً بالضرب بعد ضربة
یا لها من قرحة أدهی القرح *** اظلمت فی الكون كلّ ظلمة
جددت فی الحزن كل غصة *** اقرحت فی القلب كلّ قرحة
یا لها من كربة أدهی الكرب *** اورثتنا الحزن كلّ ساعة
ص: 455
أین هذا من عهود للنبی *** نص فیها الف الف مرة
قد تركت الوحی فیكم خلفه *** باتباع أهل بیتی عترتی
انكسنتها بیعة شوری الأذی *** ویحهم من بیعة فی بدعة
عبدك المحصر فی جند الكفور *** منك یرجو قتلهم فی شدة
كانتصار الانبیاء فی سلف *** وانتقام كفر كلّ أمة
وانتصره فی خیار شیعة *** یوم حشر بعد یوم رجعة
ص: 456
طلعة الموعود فی نصّ الرسول *** قد تدلّی فی الظهور والوصول
طلعة لما استهل فی العلی *** خرت الأفلاك طوعاً بالنزول
قدتجلّی الله فیك بالعلی *** واصطفاك بالثناء والقبول
خصّك الله باوصاف الجلال *** مبدء كلّ المعالی والعقول
واصطفاك الله ختمة للرسل *** صفوة كلّ الفروع والاصول
وارتضاك مبدء كلّ العلل *** مطلع كلّ العروج والفصول
ان عدل الله حق عدله *** وانبساط العدل منك فی العدول
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماًطاف یلبّی ویصول
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** اذ دعاك دعوة حسن المقول
یوسف الصدیق بشراك أباه *** قرّ عینةاً وهو فی قرب الوصول
ان ذا النون النبی قد نجی *** باسمك من بطن حوت ذی الاكول
ان أیّوب النبیّ قد دعی *** فاستجبت وهو فی الحزن ملول
وسلیمان النبیّ باسمكم *** سخرّ الأشیاء من جن وغول(1)
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّفیه بالنحول (2)
والمسیح فی العروج منتظر *** وهو فی عهد الولاء لا یزول
جدك الامجد فی كلّ عروج *** شایقاً منك اللقاء والوصول
واستناب من لدنك الانبیاء *** حیث كنت فرع كلّ ذی اصول
ص: 457
مهبط الروح الأمین والقدس *** لم یزالوا فی الصعود والنزول
لو احاط بالعقول قدركم *** لأحاط بالاله ذو العقول
یا امام العصر ما هذا القعود *** طال غیب الله فیك كل طول
أین أنت من ولاة الطاغیة *** بایعوا كلّ كفور وجهول
قاتلوا الاسلام ودین الإله المبین *** لانتصار الكفر من ولد النغول(1)
یالثارات الإله والرسل *** ونجوم اخفوها بالاُفول
أین أنت من شهید بالظماء *** حول أنهار میاه أو جدول (2)
حاصروه فی جنود لا تعد *** من غشوم وظلوم وجهول
افجعوه بالبنین والحمات *** من صغیر وكبیر وكهول
والحریم الطاهرات حوله *** حاسرات نائحات وثكول
صارخات بالعویل والبكاء *** ثاكلات ناعیات وهبول
احضروها محضر شرب الخمور *** من بنی ولد الفجور والنغول
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** وهو فی سوء الفعال والفعول
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والرزایا لا تكاد أن تزول
أین هذا من حقوق للنبی؟ *** وعهود انكثوها بالنكول
انكثتها بیعة شوری الأذی *** عجلت فی نكثها سوء العجول
عبدك المحصر فی جند الكفور *** منك یرجو قتلهم قبل الحلول
ص: 458
قرّة الأعین فی قرب الوصال *** إذ تجلّی للظهور والكمال
قرّة عین النبیّ المصطفی *** قرّ عیناً وهو عین ذی الجلال
طلعة موعودة(1) لما استهل *** خرت الافلاك فیه بامتثال
قد تجلی الله فیك العلی *** مظهر وصف الجلال والجمال
واصطفاك الله ختمة للرسل *** وارتضاك مظهر كلّ اعتدال
واحتباك من مواریث الرسل *** حبوة حسن الكمال والفعال
أنت الله لسان ناطقُ *** نطقه عند الجواب والسؤال
كلّ آیات الكتاب والصحف *** من لدنك جاء فی حسن المقال
مهبط الروح الامین والقدس *** لم یزالوا فی مجیء وارتحال
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبّی وطاف بالجبال
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** اذ دعاك مقبلاً وجه القبال
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خر فیه واستقال
انّ أیّوب النبیّ استشفی *** عن تمام ما به من اعتلال
ان ذا النون النبی من بطن حوت *** من لدنك جاء فی حسن المقال(2)
یوسف الصدیق بشراك أباه *** قرّ عینا واستهل بالهلال
مالك ملك سلیمان النبی *** سخرّ الآفاق فی وجه اعتدال
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد فیكم عهد الوصال
ص: 459
والخلیل منك فاز بالسلام *** والذبیح بالفداء نال المنال
جدّك الأمجد فی قرب ولاك *** قد وطیء العرش العظیم بالنعال
انّ دین الله فی ظلّ حماك *** مرجع حكم الحرام والحلال
حرمة بیت الحرام والحرم *** والمعالی كلها منك استطال
لو خلی عنك الزمان ساعة *** حل فیه الانعدام والزوال
لو أحاط بالمقال قدركم *** لأحاط بالإله ما یقال
لو تناهی فیك أوصاف الجلال *** حل فی الله العظیم ما استحال
لو اجیز الشرك فی ولا كم *** جاز فی النبی لعدم الانفضال
لو اجیز الشرك فی عهد ولاك *** جاز فی الله الشریك والمثال
لا یشك فیك إلاّ من یشكّ *** فی وجود ذی الجلال والكمال
لا یوازیك شریك غیر من *** أشرك بالله العظیم المتعال
أنت ظل الله فی خلق الوری *** لیس لله سواك من ظلام
خاتم الثقلین فی نص النبی *** لن یظل ممسك هذا الثقال
أنت فی نص النبی فلك نجاة *** هالك الغرقی كلّ ذی اعتزال
من یموت فیك غیر عارفٍ *** مات موت الجاهلی والضلال
صح وحی الله ان مات النبی *** افترقتم فوق سبعین خصال
كلكم هلكی إلا من نجی *** باتباع فلك نوح فی المثال
حسبك ما فی النصوص حقكم *** لیس بعد حقكم الاّ الضلال
یا امام العصر یا صبر الإله *** واصطبار الانبیاء فیك استطال
فانتقم للثار یاذا الاصطبار *** طال غیب الله فیك ثم طال
یالثارات الإله والرسل *** قد اراقوها بظلم واحتیال
واستباحوا حرمه أسر الحریم *** ُ بعد نهب ثم سلب للعیال
ص: 460
أین أنت عن شهید بالظماء *** وهو حول محضر ماء الزلال
اخرجوه من حمی بیت الحرام *** أدركوه فی البراری والجبال
حاصروه فی جنود لا تعد *** أقحموه فی بلا سوء العضال (1)
حاربوه بالسیوف والسهام *** أمطروه بالنبال والنصال (2)
قاتلوه قتل صبر فی ظمأ *** فی أشد قتلة سوء القتال
افجعوه بالبنین والحماه *** قطعوا منه الیمین والشمال
صرعوه فی الشموس والهجیر *** لم یواروا تحت ظل من ظلال
أدهشوهم دهشة حرق الخباء *** وانتهاب كلّ رحل أو رحال
ذبحوا كلّ البنین والرجال *** سلبوا كلّ الحریم والعیال
اخرجوها من بروج عزة *** خصها الباری فی عز الجلال
والرؤوس بالعوالی قد علت *** فی الرماح العالیات والطوال
والحریم كالأساری والإماء *** خصّها الباری فی طهر الذیال (3)
أشهر وها فی البلاد والمدن *** فوق اقطاب الجمال والبغال حاسرات ثاكلات ناعیة *** مصفدین بالقیود والحبال
صارخات نادبات باكیة *** وهی فی عین الكلال والملال
احضروها محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الملاهی لا یزال
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** معلناً بالطعن فی سوء المقال
یا لها من قرحة أدهی القرح *** لا یزال رزءه فی كلّ بال
أین هذا من حقوق للنبیّ *** وعهود الزمت فی كل حال
ص: 461
انكثتها بیعة شوری الأذی *** اضرمت فی الآل لسوء ذی الفعال
عبدك الآبق(1) من دار السلام *** راجیاً من فضلك حسن المال
ص: 462
جاء نصر الله والفتح عیان *** ودخول الناس فی الدین قرآن
بظهور غیبة غیب الاله *** فی مواعید الكتاب والبیان
قرة عین النبی المصطفی *** وهو عین الله نعم المستعان
قد تجلی الله فیك بالعلی *** واصطفاك صاحب هذا الزمان
قد تباهی الله فیك بالعلی *** وارتضاك للهدی دار الامان
طلعة (1)نور الهدی لما استهل *** خرت الافلاك آناً بعد آن
ان عرش الله فی ظل حماك *** حبذا منك المكین والمكان
أنت للناس اعتصام وهدی *** من لدن (2)نعم الحنین والحنان
وارتضاك الله ختماً للرسل *** وحیه المنزل بل عین البیان
خصك الله بأعلی رتبة *** فی حجاب العز غاب ثم بان
مبدء الایجاد من كتم العدم *** والمعالی كلها منك استبان
رفعة الأفلاك من غیر عمد *** باسمك المكنون قام حیث كان
حسبك الروح الأمین والقدس *** من عبید طائعین بامتنان
خصك الله مواریث الرسل *** واحتباك الله شأناً كلّ شأن
أنت ظل الله فی خلق الوری *** والكتاب والصلوة والاذان
حسبك الله العظیم الرسل *** فی الولاء خیر قرین واقتران
والعهود من مواثیق الرسل *** فی ولاك ضمنت حق الضمان
ص: 463
انّما الأعمال فیك رجحت *** أنت میزان الحساب والوزان
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لباك فی حج القرآن
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** یوسف الصدیق منك استعان
والكلیم خر فی الطور صعق *** اذتجلی النور منك واستبان
مالك ملك سلیمان النبیّ *** سخر الأفاق من جن وجان
والذبیح بالفداء نال السلام *** والخلیل صنته حسن الصیان
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منكم عهد الزمان
جدّك الامجد فی كل عروج *** قد تدلّی منك شوقاً ثمّ دان
عمدة الثقلین بل نفس النبیّ *** خاتماً من بعد خمس وثمان
جنة الفردوس منك روحها *** ونعیم الخلد والحور الحسان
ان لقمان الحكیم فی الحكم *** من لدنك راضع شرب اللبان
لو احیط بالعقول كنهكم *** لأحاط بالاله كلّ فان
لو اجیز الشرك فی عهد الولاء *** جاز لله الشریك والقرآن
یا إمام العصر یا صبر الإله *** آن طول الصبر فینا امتحان
یالثارات الإله والرسل *** قد أراقوها بظلم وهوان
حسبهم نص النبی ما اؤذی *** مثل ما أوذیت فی كل اوان
حسبك الشاهد ایات النفاق *** وافتراق الدین سبعین مدان
صح وحی الله ان مات النبی *** انقلبتهم ناكثین بافتتان
حسبهم بنت النبی خاصمت *** قاتلیها بجنین حیث كان
حسبهم سفك الدماء فی جمل *** لأمیر المؤمنین حیث دان
حسبهم ما اسهموا سبط *** النبی بعد ما سمّوه سمّاً قد أبان
حسبهم ما اسفكوه جهرة *** من دماء آل النبی فی العیان
ص: 464
حاربوهم حرب بغی فی جفا *** قطعوهم بالسیوف والسنان
افجعوهم بالحمات والبنین *** من صغیر وكبیر وعوان(1)
قاتلوهم قتل صبر فی ظماء *** ذبحوا منه الصبا فوق الحضان
صرّعوه فی الشموس والهجیر *** قطعوا منه الاكف والبنان
والرؤوس فی العوالی قد علت *** فی الرماح العالیات والسنان
والحریم الطاهرات حاسرة *** محصنات فی شؤون أی شان
نزلوها من أعالی رتبة *** خصها الرحمن فی طهر الحضان
سیروهافی البلاد والمدن *** كاساری وإماء تركمان
مصفدین بالحبال والرسن *** مضربین فی المتون والمتان
مسبحین بالوجوه والاكفّ *** مؤخذین بالأكفّ والردان (2)
ادخلوها محضر شرب الخمور *** من بنی ولد الفجور واللعان
شامتأ بالظلم فی آل النبیّ *** واضعاً رأس اللیل فی خوان
قارعاً بالسوط ثغر المصطفی *** وهو فی سكر الخمور قهرمان
یا لها من قرحة أدهی القرح *** لایزال رزءه فی كلّ أن
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود ضمنت الف ضمان
انكثتها بیعة شوری الاذی *** أوقدت فی الآل نار الافتتان
عبدك الآبق یرجوا رجعة *** فی الوفود بسلام وأمان
رجعة یسترجع فیه الرسل *** الانتشار العدل فی كلّ مكان
ص: 465
اشرق الصبح بانوار الجلیل *** واستنار العرش منك والسبیل
طلعة(1)لما استهل فی العلی *** خرت الافلاك طوعاً بالنزیل
والعقول العشر بل كلّ العلل *** والمعالی منك بل كلّ عقیل
قد تجلّی الله فیك بالعلی *** وارتضاك عنده نعم الأصیل
ان عرش الله فی ظلّ حماك *** والخلائق (2) منك فی ظلّ ظلیل
قد تباهی الله فیك بالعلی *** واصطفاك للنبی خیر سلیل
خصك الله باوصاف الجلال *** قائماً الله بل نعم البدیل
أنت للسبع الشداد والثری *** ممسك بلا عماد بل كفیل
قرة عین النبی المصطفی *** نفسه الاقدس من غیر فصیل
أنت الله لسان ناطق *** وحیه المنزل بل خیر دلیل
كلّ ایات الكتاب والصحف *** من لدنك جاء فی حسن مقیل
أنت ذا الدین الذی لو ارتقی *** فی الثریا ناله كل عقیل
أنت موعود لإحیاء السنن *** محیی الموتی مبرء العلیل
جنة الفردوس من روحها *** والنعیم الخلد بل كلّ جمیل
وجنان العین والحور الحسان *** من لدنك فی علی حسن شكیل
فیك میزان الحساب رجحت *** أنت للاعمال میزان ثقیل
انما الاعمال فیك قبلت *** واستحق منكم أجر جزیل
ص: 466
مهبط كلّ الملائك والرسل *** سیما روح الامین جبرئیل
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً طاف یلبی للجلیل
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** حیث كان عندك نعم الزمیل(1)
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خر فیه بالعویل
والمسیح فی العروج منتظر *** للوفاء منك بعهد لا یقیل
لیلة المعراج كلّ من عرج *** فی هواك شایقاً مهما یمیل
حسبك الروح الأمین والقدس *** من عبید ولهم أنت المعیل
كل أصناف الملائك والرسل *** فی طواك طاف جیل بعد جیل
قد تجلّی العرش فی نور ضیاك *** كلّ آن بك أجلی من قبیل
زینة الفردوس والحور الحسان *** كسل آن بك فی اصفی مثیل
أن جبریل الأمین قد بلغ *** من لدنك اقرب قرب الجلیل
لو تناهی فیك أوصاف الجلال *** لتناهی كنهه أوصاف الجلیل
لو احیط بالمقال قدركم *** لأحاط بالإله كلّ قیل
حیث كنت مظهر وصف الإله *** فیك أوصاف الإله قد أحیل
واستناب من لدنك الأنبیاء *** أنت من خیر بدیل بل أصیل
أسوة كل النبیین والرسل *** من لدنك بعث كل ببدیل
لیس لله سواك خلفه *** أنت الله الكلیم والخلیل
یا امام العصر یا صبر الإله *** آن غیب الله منك لطویل
قم فانذر یا وصی الأنبیاء *** واملأ الآفاق عدلاً لا یمیل
یا الثارات دماء الأنبیاء *** اسفكوها فی الفجاج والسبیل
یالثارات الإله والرسل *** قد اریقت منك فی كل سبیل
ص: 467
فاق أیّوب النبیّ صبركم *** واصطبار الأنبیاء صبر جمیل
قد أباحوا حرمة سفك الدماء *** والحریم الطاهرات فی عویل
نزلوها من أعالی رتبة *** خضها الباری بالعزّ الجمیل
اخرجوه من حمی بیت الحرام *** ادركوه وهو فی رحل رحیل
حاصروه فی جنود لا تعد *** داعیاً الله فی جمع قلیل
حاربوه بالسیوف والسهام *** مولعاً فی ظلمة كلّ قبیل
قاتلوه قتل صبر فی ظماء *** وهو حول الماء ظمان قتیل
صرعوه وجه رمضاء الهجیر *** لم یوار وهو فی الارض جدیل
والرؤوس بالعوالی قد علت *** والنساء فی جفا ذل ذلیل
والجسوم لم توار فی جدث *** لا باكفان ولا غسل غسیل
والحریم الطاهرات كالإماء *** نائحات بالبكاء والعویل
والوجوه بالشموس قشرت *** والمتون بالسیاط صبغ نیل
احضروها محضر شرب الخمور *** وهو فی سوء الفعال والفعیل
شامتة بالظلم فی آل النبی *** قارعة فی ضربة ثغر السلیل
مصقدین بالقیود والحبال *** بین أوباش اعادی أو رذیل
یا لها من قرحة ادهی القرح *** لا یزال حزنه حزن طویل
أین هذا من حقوق للنبی؟ *** أبدلوها بالجفا بئس البدیل
عبدك المحصر فی جند الكفور *** جاهدأ فی نصرك كلّ محیل
ص: 468
أشرق الآفاق من لطف الكریم *** واستنار باسمه العرش العظیم
اذ تجلی العرش منه واستقام *** حیث كان اول صنع القدیم
أنت صنع الله عز صنعه *** والخلائق صنعكم صنع الحكیم
قد تعالی الله فیه بالعلی *** واصطفاه قائمأ خیر مقیم
قد تباهی الله فیه فی العلی *** واحتباه صفوة نعم الحریم
وارتضاه سرغیب الكبریاء *** مظهر الأسرار لقمان الحكیم
خصك الله باعلی رتبة *** واحتباك للنبی نعم الحكیم
واصطفاك الله نوراً للهدی *** وارتضاك كهف أصحاب الرقیم
علّة الایجاد فی علم الازل *** والمعالی كلها فیك استقیم
هیكل التوحید مرات الاجل *** واسمه الاعظم للدین القویم
أنت ظل الله فی خلق الوری *** من لدنك ذا الصراط المستقیم
أنت ذا الدین الذی لو ارتقی *** فی الثریا ناله ذوق(1) السلیم
والعهود من مواثیق الرسل *** فی ولاك ألزمت كلّ زعیم
والصفی فی هواك قد هبط *** محرمة لبی وطاف بالحطیم
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** اذ دعاك نائحاً نوح الحمیم
والخلیل فاز منك بالسَّلام *** والذّبیح افدی الذبح العظیم
واستنار نورك سیناء طور *** حیث خرّ صعقاً موسی الكلیم
یوسف الصدّیق بشراك أباه *** قرّ عیناً وهو فی الحزن كظیم
ص: 469
مالك ملك سلیمان النّبی *** حیث فاق غالباً كلّ خصیم
یونس من بطن حوت قد نجی *** اذ دعاك ناجیاً وهو ملیم
فیك ایّوب النّبی قد ظفر *** حیث احییت له العظم الرّمیم
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منكم العهد القدیم
جدّك الأمجد فی كلّ عروج *** فی هواك طاف بالعرش العظیم
كلّ من فاز بفوز من علا *** بهداك قد تأسی واستقیم
أنت للناس اعتصام وهدی *** وشفاء كلّ داء او سقیم
كلّ ایات الكتاب والصحف *** من لدنك كلّ ذی علم علیم
جنة الفردوس منك روحها *** والخلود فی الجنان والنعیم
والجنان والجحیم فی یدیك *** أنت فیها قاسم نعم القسیم
مهبط الروح الأمین والقدس *** فی هواك سجدة إلا الرجیم
یا إمام العصر ما هذا القعود *** واسمك القائم بل أنت المقیم
قم فاندر یا وصی الأنبیاء *** وارمین الجور بالریح العقیم
وانتقم ممّا أصابوا جدّك *** من عظیم ما استبیح من حریم
أخرجوه من حمی البیت الحرام *** اقحموه فی البلاء وهو هظیم
حاصروه فی جنود لا تعد *** أغرقوه فی دماء ذبح عظیم
جرعوه بالحتوف والسیوف *** افجعوه بالرضیع والفطیم
أصرعوه فی الشموس والفلاة *** أججوا فی رحله نار الحمیم
وسبوهم كالعبید والإماء *** لم یراعوا بحریم أو یتیم
والرؤوس بالعوالی قد علت *** بین اوباش عدو او لئیم
ادخلوها محضر شرب الخمور *** فی حضور ابن الدعی والزنیم
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** قارعاً ثغر الوصی والكلیم
ص: 470
یا لها من قرحة أدهی القرح *** لا یزال الغیض فی قلبی كظیم
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود ألزمت كل زعیم
عبدك المحصر فی جند الكفور *** راجیاً منك الخلود فی النعیم
جاهدة فی نصرك حق الجهاد *** آویا فی كهف اصحاب الرقیم
ص: 471
بشر الافاق فی حقّ الصواب *** إذ تجلّی النور من تحت الحجاب
قرّة عین النبی المصطفی *** وهو فی عزّ الخفا تحت السحاب
كوكب مولوده لما استهل *** خرّت الأفلاك طوعاً بالتراب
أنت مرآة لوصف الكبریاء *** فی حجاب العزّقام ثمّ غاب
أنت ظل الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی فی خلف النقاب
أنت صنع الله عزّ من صنع *** والخلائق صنعكم فی الاحتساب
أنت الله لسان ناطق *** من لدنك كل آیات الكتاب
عالم الایجاد من فیض یدیك *** والمعالی كلها منك اكتساب
هیكل التوحید مرآة الأجل *** أنت مفتاح علوم كلّ باب
ان عرش الله فی ظل حماك *** باسمك القائم قام بانتصاب
خصك الله باعلی رتبة *** فی حجاب الغیب فی اعلی القباب
علم الروح الأمین والقدس *** كلّ تسبیح وحمد واقتراب
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لباك طوعاً فی الجواب
من لدنك ما استجاب واستجیب *** دعوة كل نبی مستجاب
أنت نفس كل نفس مستطاب *** روح أرواح الملائك فی الحجاب
روح روح الله والروح القدس *** نور أنوار النبی فی كلّ باب
كلّ نورٍ نوره منك منیر *** سر لیل قدرك قدر الكتاب
كل ما فی الكون من فیض العلی *** من لدنك فی الحضور والغیاب
واستنار من نورك سیناء طور *** فالكلیم خرّ فیه باضطراب
ص: 472
مالك ملك سلیمان النبی *** سخر الأفاق من كلّ الصعاب
ولداود النبی لان الحدید *** اذ دعاك ناجیاً حیث اناب
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد عندك عهد الایاب
یوسف الصدّیق بشراك أباه *** قرّ عیناً عاد فی سن الشاب
وانتصرن بالنجاة فلك نوح *** إذ دعاك نائحا لحن الخطاب
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح فیك قد أفدی المصاب
یونس انجیته من بطن حوت *** اذ دعاك ناجیاً یرجوا الایاب
جدّك الأمجد فی كلّ عروج *** من لدنك قد تدلی فی أقتراب
أسوة كل النبیین الرسل *** من لدنك جاء كلّ مستناب
مهبط الروح الأمین والقدس *** لم یزالوا فی الایاب والذهاب
واصطفاك الله نوراً للهدی *** وارتضاك مظهر كلّ الصواب
لا یشك فیك إلا من یشكّ *** مشركاً بالله من شرّ الكلاب
جنّة الفردوس منك روحها *** والنعیم الخلد منك والثواب
أنت ظلّ الله فی خلق الوری *** مرجع كلّ الأمور والحساب
لو خلی عنك الزمان ساعة *** خرت الافلاك طرا بانقلاب
یا إمام العصر یا صبر الإله *** أن هذا الصبر منك لعجاب
قم فأنذر یا وصی الأنبیاء *** منذراً یوم الوعید والایاب
یا الثارات الإله للنبیّ *** قد أراقوها بحرب وحراب(1)
ویحهم من همهم قتل النبی *** بعد هجر ثم نفر بالدباب
ویحهم من ظلمهم بنت النبی *** اذ رموها بجنین فی مصاب
ص: 473
ویحهم ممّا أصابوا بالحسن *** جرعوه(1) بالسموم واغتصاب
ویحهم مما أصابوا بالحسین *** أقحموه فی الاعادی والكلاب
أخر وجوه من حمی البیت الحرام *** آیساً من الحیاة والایاب
حاصروه فی جنود لا تعد *** أقحموه بالدواهی والعذاب
جرعوه بالحتوف والسیوف *** والفؤاد بظماء الكشح ذاب
نزلوها من أعالی رتبة *** خصها الرحمن فی اعلی القباب
افجعوه بالبنین والصبا *** خضبوه بالدماء ای اختضاب
قاتلوه قتل صبر فی ظماء *** أججو فی رحله نار اللهاب
والنساء بالعویل صارخات *** یسحبن باستلاب واجتذاب
والرؤوس بالعوالی قد علت *** زاهرات كالنجوم والشهاب
اخرجوها من ستور عزة *** اسحبوها بالوجوه فی التراب
ادخلوها محضر شرب الخمور *** فی حضور من هو شر الكلاب
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** وهو فی سكر الملاهی واللعاب
قارعاً بالضرب ثغر المصطفی *** وهو فی سكر الخمور مستراب
أولعوا بالظلم فی آل النبی *** لم یراعوا فیهم حق انتساب
یا لها من قرحة أدهی القرح *** كادت الأفلاك ترمی بانقلاب
أین هذا من حقوق للنبی ؟ *** انكثتها بیعة صحب الدباب
عبدك الهابط من سیناء طور *** راجیاً منك العفا یوم الحساب
ص: 474
ان عرش الله قرّ واستنار *** باسمك الأعظم من غیر انفطار
أنت صنع الله عز من صنع *** والخلائق صنعكم صنع اقتدار
قرة عین النبی المصطفی *** وهو عین الله غاب فی الستار
قد تجلّی الله فیك بالعلی *** واجتباك بالطهور والوقار
واصطفاك الله نورا للهدی *** وارتضاك مرجع كلّ اختیار
ان عرش الله فی ظل حماك *** واحتباك امرأ كل ائتمار
والعقول العشر بل كلّ العلل *** منك بان فی البدر والبدار
خلفة كل النبیین الرسل *** والمعالی كلها منك استنار
حسبك الروح الأمین والقدس *** من عبید عبد طوع واختیار والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبیّ وطاف المستجار
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** حیث ناجاك بنوح وانكسار
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خر فیك عن قرار
وسلیمان النبی باسمكم *** سخّر الآفاق طوعاً واضطرار
قرّ یعقوب النبی عینه *** یوسف الصدیق إذ جاز البیار(1)
والذبیح نلته ذاك الفداء *** والخلیل صنته عن حرّ نار
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهد الانتظار
جدّك الأمجد فی كلّ عروج *** قرّة بشراك عیناً بالبشار
أنت فی بیت الحرام والحرم *** والمطاف خیر ركن مستجار
ص: 475
هیكل التوحید مرآة الأجل *** لیس لله سواك من شعار
قامت الأفلاك والسبع الشداد *** باسمك الأعظم فی سیر الدوار
واسمك المكنون فی السبع الشداد *** ممسك هل من فطور وانفطار
لو خلی عنك الزمان ساعة *** ساخت الارض بمن فیها یدار
كلّما شاء العقول وصفكم *** تاه فی وصف الاله ثمّ حار
لو احاط ذو العقول قدركم *** لأحاط بالاله ثم دار
كل من فاز بفوز من علا *** فی هداك قد تأسی واستنار
واستناب من لدنك الأنبیاء *** حیث جاؤا منذرین بالحذار
واصطنعت النصر فی كلّ الرسل *** حیث جاؤا بوقار وانتصار
كل ما فی الكون من عرش العلی *** وتخوم الأرض منك فی قرار
حصحص(1) الحق بابناء النبیّ *** حیث ساواك به فی الائتمار
ثم ساواك قرینة بالكتاب *** والصلاة فی الولاء والاعتبار
خاتم كل النبیین الرسل *** صفوة من صفوة كل الخیار
أنعم الباری فی كف یدیك *** من لدنك كل عز وافتخار
جنة الفردوس منك روحها *** والنعیم الخلد فی أزهی الثمار
نعمة دار السرور والبقاء *** من لدنك صار فی یسر یسار
نزهة حور الحسان فی الجنان *** وصفاء الملك منك قد اثار
كل روح منك فاح روحه *** كلّ طیب طاب منك حیث فار
لذة الاشیاء من شهد العسل *** وحلاء الحلو منك استعار
مطلع الأقمار والشمس المضیء *** والكواكب كلّها منك استدار
قدرة الباری فی كف یدیك *** سیفه القاطع نسعم الاقتدار
ص: 476
امام العصر ما هذا القعود *** واسمك القائم عجل بالبدار
واملاء الآفاق عدل ذی المنن *** وانشرن الحق حق الانتشار
فانتقم للثار یا ذا الانتقام *** قد حباك الله سیف ذی الفقار
یالثارات الإله والنبی *** قد اراقوها اللئام والشرار
أخرجوا سبط النبیّ من داره *** هدموا منه العقار والعمار
اخرجوه من حمی البیت الحرام *** قاصدین قتله وجه النهار
حاصروه فی جنود لا تعد *** محصراً فی الله أی انحصار
حاربوه بالسیوف والسهام *** والسنان والحدید والحجار
جرعوه بالحتوف والسیوف *** زاجرین فیه أی انزجار
أقحموه فی الكروب والبلاء *** افجعوه بالكبار والصغار
قاتلوه قتل صبر فی ظماء *** صابراً فی الله أی اصطبار
أصرعوه وجه رمضاء الهجیر *** لم یوار فی تراب أو مزار
ادهنوهم دهشة خرق الحباء *** اججوا فی رحلهم نار الشرار
سیروهم فی الفجاج والمدن *** ضیعوهم فی مذل احتقار
اخرجوهم من بروج عزة *** فی مذل من صغار وانكسار
والحریم الطاهرات بالجفا *** نافرات نفرهن بالفرار
حاسرات نائحات بالبكاء *** فاقدات للازار والخمار
صارخات بالعویل والبكاء *** سائرات فی البلاد والقفار
مصفدین بالحبال والرسن *** یشهرن فی الملأ أی اشتهار
والرؤس بالعوالی قد علت *** والحریم هتكت وجه النهار
ادخلوها محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الملاهی والقمار
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** مولعاً فی كفره وجه الجهار
ص: 477
یا لها من قرحة أدهی القرح *** لایزال رزءه فی كلّ دار
أین هذا من حقوق للنبی؟ *** وعهود كررت الف كرار
أنكثتها بیعة شوری الفرار *** فی ائتمار من هو عجل خوار
عبدك المحصر فی جند الشرار *** راجیاً من فضلك قرب الجوار
ص: 478
بشر الموعود عند الأولین *** جاء نصر الله والفتح المبین
قرة عین النبیّ المصطفی *** وهو عین الله بل عین الیقین
قرة الاعین فی وعد النبیّ *** فی انتصار دینه فی كلّ دین
أنت ظل الله فی خلق الوری *** عروة الوثقی بل كهف الحصین
أنت للناجی مثل فلك نوح *** نص فیك الوحی بالحبل المتین
واصطفاك الله نوراً للهدی *** وارتضاك ختم كل المرسلین
قد تجلی الله فیك بالعلی *** واجتباك قائماً للقائمین
قد تباهی الله فیك بالعلی *** إذ رآك خیر كلّ القانتین
أسوة كلّ النبیین الرسل *** مقتدی الأبرار خیر الراكعین
هیكل التوحید مرآة الأجل *** قبلة النشاك زین العابدین
خصك الله مواریث الرسل *** واحتباك حبوة كلّ قرین
أول الإیجاد من بدء العدم *** والمعالی كلها منك استبین
كلّ من فاز بفوز من علا *** بهداك قد تأتی واستعین
حسبك كلّ الملائك والرسل *** من عبید سیّما الروح الامین
حسبك الروح الأمین والقدس *** والملائك من عبید طائعین
ان عرش الله فی ظل حماك *** واستظل فیك كلّ العالمین والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لباك حول الطائفین
وانتصرت بالنجاة فلك نوح *** اذ دعاك وهو شیخ المرسلین
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خر نحو الساجدین
ص: 479
یوسف الصدّیق بشراك أباه *** قرّ عیناً بعدما كان حزین
أن أیّوب النبیّ قد نجی *** إذ دعاك وهو خیر الصابرین
حشمة ملك سلیمان النبی *** وملوك الدهر عندك رهین
والذبیح نال منك ذا الفداء *** والخلیل بسلام آمنین
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد منك عهد التابعین
جدّك الامجد فی كلّ عروج *** شائقأ منك لقاء الشائقین
جنة الفرودس منك روحها *** ونعیم الخلد من حور وعین
وجنان العدن فی حسن الصفا *** وعذوب الماء من كأس معین
قامت الأفلاك والسبع الشداد *** باسمك المكنون بل خیر مكین
لو خلی عنك الزمان ساعة *** ساخت الأرض بمن فیها یُبین
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس إلا فی ولاك مستبین
قدرة الباری فی كفّ یدیك *** سیفه القاطع فی كفّ یمین
أنت للبیت الحرام والحرم *** والمطاف والمنی ركن ركین
أنت مرآة لوصف الكبریاء *** فی حجاب العز غاب فی كمین
أنت فی نصّ الكتاب والرسل *** عروة الوثقی والحبل المتین
لو اجیز الشرك فی عهد ولاك *** جاز لله الشریك والقرین
لو احیط بالعقول قدركم *** لأحاط بالإله القرین
یا امام العصر یا صبر الإله *** فاق صبر الله الآف سنین
یالثارات الاله والرسل *** قد اریقت فی الشمال والیمین
قم فأنذر یا وصی الأنبیاء *** وانتقم للثأر ثأر المرسلین
حسبهم نصّ النبی ما أوذی *** مثل ما أوذیت بین المرسلین
حسنبك الشاهد آیات النفاق *** وافتراق دینهم سبعین دین
ص: 480
نصّ وحی الله ان مات النبی *** أنقلبتم عاقبین ناكثین
حسبهم عدّ النبی فی المخطئین *** واتّهام الله جور جائرین حسبهم سمّ النبی فی كرار *** واتهام الأنبیاء بظنین
حسبهم بنت النبی خاصمت *** قاتلیها فی أعزّ من جنین
حسبهم ما اسفكوه فی الجمل *** من ألوف بدماء المسلمین
حسبك الصفین كم فیه استحل *** من دماء لأمیر المؤمنین
حسبهم سمّ النبیّ سبطه *** إذ رموه بسهام بعد حین
واستحلوا من دماء سبط النبی *** ما استباحوا فیه قتل العالمین
أخرجوه من حمی البیت الحرام *** خائفاً الله خوف الآمنین
حاصروه فی جنود لا تعد *** داعیاً لله دعوی المنذرین
جرعوه بالحتوف والسّیوف *** ناصحاً لله نصح الناصحین
حاربوه بالسیوف والسهام *** حرموه شربة ماء المعین
أقحموه فی الكروب والبلاء *** أفجعوه بالحمات والبنین
قاتلوه قتل صبر فی ظماء *** داعیة هل من مجیر أو معین
صرعوه فی الشموس والهجیر *** عفّرو منه الخدود والجبین
لم یواروا فی قبور أو لحد *** لیس فیهم من غسیل أو دفین
والرؤوس فی العوالی قد علت *** والحریم الطاهرات فی أنین
حاسرات ثاكلات نائحة *** باكیات بعویل وأنین
وسبوهم سبی بغی كالإماء *** مصفدین كاساری أهل صین
أقرحوها بالكروب والحزن *** حزنهن كل حین بعد حین
صارخات لاطمات نادبة *** بعویل و بكا وشجین
أحضروها محضر شرب الخمور *** والفجور من لعین ابن لعین
ص: 481
شامتاً بالظلم فی آل النبیّ *** قارعاً بالسوط ثغر المرسلین
یا لها من قرحة أدهی القرح *** لا یزال القلب من رزء حزین
أین هذا من حقوق للنبیّ؟ *** وعهود أنكثتها ناكثین
عبدك المحصر فی جند الكفور *** الانتصار الحقّ والدین المبین
ص: 482
أیّها الموعود فی كلّ القرون *** جاء نصر الله فی فتح الحصون
بانبساط العدل عدل ذی المنن *** بعد جور قد اشاع الجائرون
قرة عین النبی المصطفی *** وهو عین الله من بین العیون
أنت مرآة لغیب الكبریاء *** فی حجاب العین غاب فی الكون
واصطفاك الله نور للهدی *** عالماً ما كان قبل أن یكون
لو تناهی فیك أوصاف الجلال *** لتناهی ف ی الإله الشؤون
لو احیط بالعقول كنهكم *** لاحاط بالاله العاقلون
لو اجیز الشرك فی عهد ولاك *** جاز لله الشریك بل ودون
لو خلی عنك الزمان ساعة *** ساخت الارض بمن فیها تكون
قامت الافلاك والسبع الشداد *** باسمك الأعظم من غیر ركون
أنت الله لسان ناطق *** الحنه المنزل من خیر اللحون
كلّ آیات الكتاب والسور *** ورموز الوحی من صاد ونون
واسمه الأعظم فی عز الخفا *** وعلوم الغیب من كلّ فنون
ومعانی سر احكام الاله *** من لدنك كلّ اسرار البطون
خصك الله باعلی رتبة *** واصطفاك بالوقار والسكون
ان عرش الله فی ظل حماك *** واستظل فی حماك العالمون
أنت صنع الله عز من صنیع *** والخلائق صنعكم مهما تكون
والعهود من مواثیق الرسل *** فی ولاك قد أتاه المرسلون
واستناب الانبیاء والرسل *** من لدنك فاذا هم منبئون
ص: 483
واستعانوا بالكروب والبلاء *** من لدنك فاذا هم غالبون
یا امام العصر أنت المنتقم *** طال منك الاصطبار والسكون
یالثارات الاله والرسل *** قد اریقت بهوان بعد هون(1)
حسبك نصّ النبی ما اوذی *** مثل ما أوذیت نحن المرسلون
صحّ قول الله ان مات النبیّ *** فإذا هم للعهود ناكثون
حسبك الشاهد آیات النفاق *** واتهام الهجر فیه والجنون
وحروب البدر منهم وحنین *** والوف مااراق المارقون
ویحهم لبنت النبیّ خاصمت *** قاتلیها فی أشدّ من شجون
ویحهم اذ اسهموا سبط النبی *** بعدما قد جرّعوه بالمنون
ویحهم مما اراقوا فی الطفوف *** من دماء اسفكتها التابعون
ویحهم إذ أخرجوا سبط النبی *** من حمی بیت الحرام والحصون
حاربوه بالسیوف والسهام *** جرعوه بالحتوف والمنون
قاتلوا منه الحماة والصبا *** لم یفت إلا النساء والبنون
قاتلوه قتل صبر فی ظماء *** داعیاً هل من معین أو ركون
صرعوه فی الشموس والهجیر *** لم یواروه بترب او مصون
ادهشوهم دهشة حرق الخبا *** وسبوهم بهوان بعد هون
والرؤوس بالعوالی قد علت والحریم الطاهرات فی شجون
حاسرات ثاكلات نادیة *** مصفدین لیس منهم من یصون
الاطمات صارخات باكیة *** مربطین كالاساری بالمتون
احضروها محضر شرب الخمور *** وهو فی سكر الخمور والجنون
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** معلناً فی كفره وهو طعون
ص: 484
یا لها من قرحة أدهی القرح *** أقرحت من رزئها كلّ الجفون
أین هذا من حقوق للنبیّ؟ *** وعهود بلغتها المرسلون
أنكتتها بیعة شوری الأذی *** فإذا هم بالخلاف هالكون
عبدك المحصر فی جند الكفور *** جرآعوه فی الولاء كأس المنون
ص: 485
أشرق الأنوار من نور الهداة *** واستبدّ منه خلق الكائنات
قد تجلی الله فیك بالعلی *** واصطفاك بالمعانی والذوات
كوكب لما استهل فی العلی *** خرت الافلاك فیه ساجدات
قامت الافلاك من غیر عمد *** باسمك الأعظم وهی قائمات
واستنار العرش منه فی العلی *** واللیالی بالنجوم الزاهرات
قسد تباهی الله فی أهل السماء *** إذ تجلّی فیك اسماء الصفات
علّة الایجاد من كتم العدم *** والعقول العشرة منك صادرات
ان عرش الله فی ظلّ حماك *** والسماوات أتتك طائعات
مهبط الروح الأمین والقدس *** والملائك كلهم والذاریات
صافات حولك صفاً بصف *** طائعات امرك والنازعات
تالیات ذكرك فی كلّ حال *** حاملات حكمك والناشرات
دائبین فی النزول والصعود *** وائتمار أمر كلّ المرسلات
طائعین كالعبید والخدم *** طائفین الحجیج أو سعات هابطین بالسلام والصلاة *** فی الرواح والعشی والغداة
علم الروح الأمین والقدس *** فإذا هم فی السجود والصلاة
والصفی فی هواك قد هبط *** محرمة طاف یلبی عرفات
مفدیاً هابیل عنك فی منی *** مضحیاً عنك النبیّ آلاف شاة واصطنعت النصر فی كلّ الرسل *** وانتصرت فلك نوح بالنجاة
وسلیمان النبی باسمكم *** سخّر كلّ الأجنّة والطغات
ص: 486
یوسف الصدیق بشراك أباه *** قر عیناً حیث شم النفحات
ان لقمان الحكیم فی الحكم *** من لدنك ناله علم النكات
انّ أیوب النبیّ والرسل *** قد كفیت أمرهم خیر كفات
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد عندك عهد الثبات
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح بالفدا نال الحیاة
جدّك الأمجد فی كلّ عروج *** قد تدّلی منك أعلی الدرجات
قرآة عین النبیّ المصطفی *** لیس إلاّ من لدنك القربات
والعهود من مواثیق الرسل *** لیس الاّ فی ولاك محكمات
خصك الله باعلی رتبة *** واحتباك للنبی نعم الهبات
مالك ملك سلیمان النبی *** وملوك الدهر من كل ولاة
قدرة الباری فی كف یدیك *** سیفه القاطع أعناق الطغاة
أنت طه أنت یس النبی *** مظهر الاسماء بل كلّ الصفاة
أنت الله لسان ناطق *** وحبه المنزل نعم المعجزات
أنت ذا الدین الذی لو ارتقی *** فی الثریا ناله فرس اللغات
أنت ظل الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی لخلق الممكنات
أنت صنع الله عز من صنع *** والخلائق صنعكم والكائنات
هیكل التوحید مرآة الأجل *** خاتم ختم النبیین الهداة
واصطفاك الله نورا للهدی *** وارتضاك للنبیّ خیر حماة
مالك كلّ الملوك والرقاب *** والاراضی من عمار أو موات
جنة الفردوس والحور الحسان *** من لدنك طاب كل الطیبات
لو خلی منك الزمان ساعة *** ساخت الارض ولم ینبت نبات
لو أحاط بالعقول قدركم *** لأحاط بالإله كلّ ذات
ص: 487
لو اجیر الشرك فی عهد ولاك *** جاز لله الشریك من جهات
لو تجلی فی الانام قدركم *** لتجلّی فیكموا وهم الغلاة
لو تجلّی العرش من ظلّ حماك *** خرّ فی الأرض سقیطاً كالحصاة
أنت للناس اعتصام وهدی *** من ضلال المشركین والعصاة
لو أطاع الخلق فی عهد ولاك *** لم تزل إلا عدولاً أو ثقاة
لیس یدعی دونه إلا اناث *** من ملوطین الطغاة والزناة
یا امام العصر یا غیب الإله *** أین نصر الله مهما هوات
أین وعد الله فی نصر الرسل(1) *** وانتصار الدین فی كلِ الجهات(2)
یالثارات الإله والرسل *** قد أراقوها اللئام والبغاة
صحِّ وحی الله انّ مات النبیّ (3) *** انقلبتم عاقبین عن ثبات
حسبهم نصّ النبی ما أوذی *** مثلما أوذیت حیا أو ممات
حسبك الشاهد آیات النفاق *** فرّ هم بین الصلاة والغزاة
حسبهم سبّ النبی بالهجیر *** حیث ما استدعی القلام والدواة
حسبهم ما قد جنوا بنت النبی *** فامیتت بحنین حسرات
حسبهم ما اسهموا سبط النبی *** بعد أن سموه سماً فامات حسبهم ما أسفكوه فی الجمل *** وحروب آل حرب المنكرات حسبك الصفین كم فیه سفك *** من دما نفس النبی ألف مآت
حسبهم إذ أخرجوا آل النبی *** من حمی البیت الحرام فی الفلاة
زعزعوهم بالدواهی والفتن *** شتتوهم بالفراق والشتات
حاربوهم بالسیوف والسهام *** افجعوهم بالبنین والحمات
ص: 488
وهو یدعوا منذراً یوم الوعید *** داعیاً الله یهدی بالنجاة
ناصحاً لله حق نصحه *** جاهداً فی الله ناهی المنكرات
قاتلوه قتل صبر فی ظماء *** ذبحوه فی ظماء حول الفرات
أصهروهم وجه رمضاء الهجیر *** لم یواروا فی تراب الحفرات
والرؤوس بالعوالی قد علت *** والنساء الطاهرات حائرات
حاسرات ثاكلات نائحة *** محصنات بالطهور والصلاة
نادبات بالعویل والبكاء *** صارخات بالبنین والبنات
قدسبین كالعبید والإماء *** مصفدین فی البراری والفلات
احضروها محضر شرب الخمور *** من بنی ولد السفاح العاهرات
شامتا بالظلم فی آل النبی *** قارعاً ثغر ولی الكائنات
مولعاً فی كفر ما قد اضمرو(1) *** مظهراً مافی لسان الفلتات
یا لها من قرحة أدهی القرح *** والقلوب بالكروب حاسرات
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود أحكمتها المحكمات
أنكثتها بیعة شوری الأذی *** ابدعت فی الدین أی مبدعات
عبدك المحصر فی جند الكفور *** جاهداً فی نصرك كفر الطغاة
ص: 489
بارك الله بعید ثم عاد *** بظهور مظهر رب العباد
بارك الله بنور فوق نور *** اذ تجلی العرش فیه بازدیاد
قرِّة الأعین فی قرب الظهور *** وانبساط العدل بل رفع الفساد
حبذا من طلعة نور الإله *** اذ تجلّی العرش فیه والبلاد
قرة عین النبی المصطفی *** باسمه اذ قامت السبع الشداد
قامت الأفلاك والعرش العلی *** باسمه الأعظم من غیر عماد
قدتجلی الله فیك بالعلی *** وارتضاك خلهه أهل السداد
واصطفاك الله ختماً للرسل *** واحتباك حبوة أهل الرشاد
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبئ وطاف بانفراد
وانتصرت فلك نوح بالنجاة *** إذ دعاك دعوة حسن اعتقاد
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم فیك خرّ واستفاد
یوسف الصدیق بشراك أباه *** قرّ عیناً من لدنك فی السرور
واستعاد مالك ملك سلیمان النبی *** وبقاء الدهر منك فی امتداد
والذبیح بالفداء نال السلام *** والخلیل ناره بالنور عاد
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدد عندك عهد الوداد
جدّك الأمجد فی كل عروج *** قد دنی منك بشوق واتحاد
واصطنعت النصر فی كل الرسل *** أنت الله المرید والمراد
قدرة الباری فی كفّ یدیك *** عینه المبصر لا یأتی الرقاد
هیكل التوحید مرآة الأجل *** والمعالی كلّها منك استفاد
ص: 490
ان عرش الله فی ظل حماك *** والملائك بین ایدیك تقاد
كلّ من فاز بفوز من علا *** فی هداك قد تاسی واستعاد
أنت طه أنت یس النبی *** أنت حم الكتاب أنت صاد
لو اجیز الشرك فی عهد ولاك *** جاز لله الشریك باطراد
لو احیط بالعقول كنهكم *** لأحاط بالإله كل ّحاد
لو تناهی نیك اوصاف الجلال *** لتناهی فی الإله كلّ عاد
كلت الألسن بل تاه العقول *** لن یفی فی وصفكم بحر مداد
لو خلی منك الزمان ساعة *** حل فیها الانعدام والنفاد
وانخسفنا أو مسخنا كالسلف *** مثل خسف قوم لوط قوم عاد
یا امام العصر یا غیب الاله *** قم فانذر بالوعید والمعاد
یالثارات الاله والرسل *** قد اراقوها ببغی وعناد
صحّ قول الله أن مات النبی *** اقلبتم نا كثین للسداد
ویحهم من همهم قتل النبی *** اخرجوه خائفاً نحو الوهاد(1)
حسبهم نص النبی ما أوذی *** مثل ما أوذیت من بین العباد
حسبهم سب النبی بالهجیر *** حیث ما استدعی القلام والمداد
حسبك الشاهد آیات النفاق *** فرهم بین الصلاة والجهاد
ویحهم إذ اسهموا سبط النبی *** بعدما سموه فی قطع الفؤاد
ویحهم إذ شتتوا شمل النبی *** بددوا فی جمعهم بعد البداد
ویحهم إذ حاربوا سبط النبی *** وهو یدعو منذراً یوم المعاد
ویحهم إذ حاصروا آل النبی *** فی جنود لا تعد بالعداد
أقحموهم بالدواهی والفتن *** فاجؤهم باصطلام واصطیاد
ص: 491
ادهشوا فی یومهم حرق الخباء *** اسهروا فی لیلهم منع الرقاد
قاتلوهم بالسیوف والسهام *** أجّجوا فی رحلهم نار الوقاد
قاتلوهم قتل صبر فی ظماء *** وانتهاب رحلهم من كلّ زاد
والرؤوس فی العوالی قد علت *** كالنجوم الزاهرات فی الوهاد
والنساء الطاهرات فی عویل *** مخضبات بالطهور والحداد
صارخات حاسرات نائحة *** ثاكلات لابسات للسواد
نزلوها من أعالی رتبة *** خصها الباری بعز واعتماد
وسبوهم كالعبید والاماء *** سیروها مصفدین كلّ واد
أدخلوها محضر شرب الخمور *** من یزید ابن سفاح وزیاد
شامتاً بالظلم فی آل النبی *** قارعاًثغر الشهید بالعناد
یا لها من قرح أدهی القرح *** لا یزال القرح فی كل فؤاد
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود اكدت حق الوداد
انكتها بیعة شوری الأذی *** أوثرت فی الكون ایثار الفساد
عبدك المحصر فی الكفور *** راجیاً منك الجوار فی المعاد
ص: 492
قصیدة فی مدح صاحب العصر والزمان علیه السلام
أشرق الأرض بنور النیرین *** سسسواستنار من لدنك كلّ عین
قرة عن النبیّ المصطفی *** وهوعین الله نور المشرقین
قد تجلّی الله فیك بالعلی *** وارتضاك خلفه للخافقین
واصطفاك الله نوراً للهدی *** واجتباك خلفة للعالمین
والصفی فی هواك قد هبط *** محرماً لبّی وطاف المشعرین
فیك نوح قد نجی عند الغرق *** یوسف الصدیق نال الغرتین
واستنار نورك سیناء طور *** فالكلیم خر عنك السجدتین
وسلیمان النبی باسمكم *** سر الكونین من زین وشین
والخلیل فاز منك بالسلام *** والذبیح نال منك الفدیتین
والمسیح فی العروج منتظر *** كی یجدّد منك عهد الكرتین
جدّك الأمجد فی كل عروج *** قد تدلّی منك قرب المحضرین
أسوة كل النبیین والرسل *** مقتدی الأبرار ختم المصطفین
ان عرش الله فی ظل حماك *** فی حماك كلما فی النشأتین
هیكل التوحید مرآة الأجل *** نور غیب الكبریاء فی الخافقین
قامت الافلاك والعرش العلی *** والسموات بنعل المقدمین
أنت آیات الكتاب والسور *** وصلاة الجمعة والخطبتین
أنت الله لسان ناطق *** واسمه الأعظم سرّ القبلتین
أنت ظلّ الله فی خلق الوری *** وجهه الباقی عین كلّ عین
حرمة البیت الحرام والحرم *** واللیالی القدر سر المسجدین
ص: 493
قدرة الباری وسیف ذی الفقار *** قد حباك الله فی كف یدین
أنت عین المصطفی والمرتضی *** كوكب درّی بین الفرقدین
أنت آیات الكتاب والرسل *** وقیام العرش نور النیرین
واستناب من لدنك الانبیاء *** حیث كنت أصل كلّ الوالدین
كلّ من فاز بفوز من علا *** فی هداك قد تولی العالمین
آن فردوس الجنان والنعیم *** من لدنك روحها والجنتین
والجنان والجحیم قسمت *** أنت فیها قاسم للمقسمین
لو خلی منك الزمان ساعة *** حل فیه انعدام كلّ زین
لو اجیز الشرك فی عهد ولاك *** جاز فی الله كذا شرك اثنتین
لو احیط بالعقول قدركم *** لأحاط بالاله كلّ عین
كلت الألسن بل تاه العقول *** فی معانیك بملأ الخافقین
أنت طه نفس یس النبی *** أنت منه وهو من نفس الحسین
یا امام العصر یا غیب الاله *** أین أنت من ظهور ثم أین
قم فاندر یا وصی الانبیاء *** وانتقم للنار ثار المصطفین
كم أراقوا من دماء الأولیاء *** فی حروب مثل بدر او حنین
ویحهم من همهم قتل النبی *** اخرجوه خائفة ثانی اثنتین
حسبهم سب النبیّ بالهجیر *** فرهم عن كل حرب ناكثین
حسبهم قول النبی ما اوذی *** مثل ما أوذیت فی شین ومین
حسبك الشاهد أغلب السور *** ذمهم لا سیما فی سورتین(1)
حسبك الشاهد آیات النفاق *** وعدهم (2) سوء العذاب مرتین
ص: 494
ویحهم مما جنوا بنت النبی *** بجنین محسن كالحسنین
حسبهم صفین او حرب الجمل *** ما أذاقوا من دماء المرتضین
حسبهم ما اسهموا سبط النبی *** بعد ما سموه فوق المرتین
ویحهم إذ اخرجوا آل النبی *** من بیوت الله بین الحرمین
ویحهم اذ حاصروه فی السفر(1) *** محصراً، لم یمهلوه لیلتین
ویحهم اذ حاربوا سبط النبی *** حرب بغی قطعوه الودجین
قاتلوه قتل صبر فی ظماء *** افجعوه بالصبا والاصغرین
ویحهم لم یمهلوه فی الصلاة *** مهلة فی ركعة او ركعتین
ویحهم اذ حرموه شرب ماء *** حول بحر شربة من قطر تین
ویحهم من دهشة خرق الخباء *** ادهشوهم بالحریق ساعتین
والرؤوس فی العوالی قد علت *** كنجوم بین ضوء المقمرین
والنساء الطاهرات فی عویل *** حساسرات حسرة بل حسرتین
نزلوها من أعالی رتبة *** خصها الباری باعلی الرتبتین
احضروها محضر شرب الخمور *** والملاهی مسكراً فی مسكرین
شامتا بالظلم فی آل النبی *** قارعاً ثغر الامام مرتین
یا لهاقرحة أدهی القرح *** لا یزال قرحة فی كل عین
أین هذا من حقوق للنبی *** وعهود اكدت فی المصطفین
انكثتها بیعة شوری الاذی *** فرقت آل النبی فرقتین
أبدعت فی الدین كلّ بدعة *** أحدثت فی المسحتین
غسلتین حرّفت وحی الكتاب والسنن *** نكست وجه الوضوء والمرفقین
عبدك المحصر فی جند الكفور *** راجیاً حسین الجزاء فی الرجعتین
ص: 495