تجلیلات معرفية في الخطاب المهدوي

هوية الکتاب

العتبةِ العباسيّةِ المقدّسةِ

قِسْم الشُّؤُون الفِكريَّةً وَالثَقافِيَّة

مَعَهَدُ تَرَات الأنْبياءِ علیهم السّلام لِلدِرَاسَاتِ الحَوَزَونَة الألِكِترُونيَّة

سِلْسِلةُ اصْدَارَات مُدَوَنَة الكَفِيل 3

تَجَلیَّاتَ مَعْرفیّةَ في الخِطَابِ المَهْدَوِيّ

العَلَویّة الحُسَیْنيّ

ص: 1

اشارة

العتبةِ العباسيّةِ المقدّسةِ

قِسْم الشُّؤُون الفِكريَّةً وَالثَقافِيَّة

www.alkafeel.net

info@alkafeel.net

nashra@alkafeel.net

كربلاء المقدسة

ص.ب (233)

هاتف: 322600 ، داخلي : 175-163

الكتاب: تجلياتٌ معرفيّة في الخطاب المهدوي.

تأليف: علوية الحسيني.

الناشر: قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الإلكترونية.

الاخراج الطباعي: علاء سعيد الاسدي.

المطبعة: دارالکفیل للطباعة والنشر.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 500 .

رجب الأصب 1442ه_ - اذار 2021م

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين»

صدَقَ اللهُ العليُّ العَظِيم

سورة القصص : 5 .

ص: 3

ص: 4

مقدمة المعهد

معهد تراث الأنبياء، مؤسَّسة علمية حوزوية تُدرِّس المناهج الدينية المعَدَّة لطُلّاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف .

الدراسة فيه عن طريق الانترنت وليست مباشرة.

يساهم المعهد في نشر وترويج المعارف الإسلاميَّة وعلوم آل البيت علیهم السّلام ووصولها إلى أوسع شريحة ممكنة من المجتمع، وذلك من خلال توفير المواقع والتطبيقات الإلكترونية التي يقوم بإنتاجها كادر متخصِّص من المبرمجين والمصمِّمين في مجال برمجة وتصميم المواقع الإلكترونية والتطبيقات على أجهزة الحاسوب والهواتف الذكيَّة.

وبالنظر للحاجة الفعلية في مجال التبليغ الإسلامي النسوي فقد أخذ المعهد على عاتقه تأسيس جامعة متخِّصصة في هذا

ص: 5

المجال، فتمَّ إنشاء جامعة أُمِّ البنين [ الإلكترونية لتلبية حاجة المجتمع وملء الفراغ في الساحة الإسلاميَّة لإعداد مبلِّغات رساليّات قادرات على إيصال الخطاب الإسلامي بطريقة علمية بعيدة عن الارتجال في العمل التبليغي.

على أنَّ المعهد لم يُهمِل الجانب الإعلامي، فبادر إلى إنشاء مركز القمر للإعلام الرقمي، الذي يعمل على تقوية المحتوى الإيجابي على شبكة الانترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي، حيث يكون هذا المحتوى موجَّهاً لإيصال فكر أهل البيت علیهم السّلام وتوجيهات المرجعية الدِّينية العليا إلى نطاق واسع من الشرائح المجتمعية المختلفة وبأحدث تقنيات الإنتاج الرقمي وبأساليب خطابية تناسب المتلقّي العصري.

وأحد فروع المعهد هي مدونة الكفيل، التي تهتم بنشر النتاجات الأدبية والعلمية للأقلام اليافعة والهادفة، ضمن المواضيع الإسلامية والعلمية والتربوية والاجتماعية والأدبية وكل ما من شأنه أن يساهم في زيادة الوعي الإيجابي في المجتمع.

هذا الكتاب (تجليات معرفية في الخطاب المهدوي)، مما

ص: 6

نُشر على موقع المدونة على الانترنت، للكاتبة العلوية الحسيني (صانها الله تعالى)، وقد ارتأينا أن نجمعها في كتاب واحد ضمن سلسلة الإصدارات المتعلقة بما يُنشر في مدونة الكفيل.

نسأل الله عزّوجلّ أن يجعل عملنا في عينه، وأن يتقبَّله بقبوله الحسن، إنَّه سميع مجيب.

إدارة المعهد

ص: 7

ص: 8

الإهداء

إلى

عقيد العز

وأثيل المجد

ونصيف الشرف

رأس التوحيد

وعين العدل

ويد النبوة

وروح الإمامة

وأمل المعاد

الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشریف

أهدي وريقاتي القاصرة هذه، وثوابها له.

ص: 9

ص: 10

شكر وعرفان

الشكر المتتابع لله عزّوجلّ الذي لولا توفيقه لما أقدمت على التشرف بالتأمل في خطاب إمام الزمان عجّل الله تعالی فرجه الشریف ، حتى الممات، فله الشكر على ذلك، وما هو آت .

ولا أنسى فضل والديّ (أطال الله تعالى عمرهما في رضا وعافية)، اللذين تفضلا بتقديم بعض التوجيهات على أغلب فقرات هذا الكتاب المتواضع، فالشكر الجزيل لهما؛ حتى يصل إلى درجة البر بهما.

كذا الشكر الجزيل، والامتنان الوافر إلى مشرف مدونة الكفيل، المتولي تحقيق هذه الحلقات، المهذّب لها من الشائبات، سماحة الشيخ الأستاذ حسين عبد الرضا الأسدي (دام عزّه)، فله خالص الدعوات.

ص: 11

ص: 12

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً نستلهم به التوفيق من حضرته، ونتهيأ به العواطف نظرته، وصلِّ اللهم وسلّم على خلاصة الخلاصة وصفوة الصفوة من بريته وخلقه، سيدنا محمد صلّی الله علیه و آله ، وصلِ اللِهم وسلّم على أعظم من دلنا عليك، واشرف مَن وصلَ اليك، انوار الاكوان وبداية الأزمان الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أهل البيت علیهم السّلام، وعجّل فرج قائمهم ونحن في رضا وعافية.

وبعد..

لاشك إنّ الخطاب المروي عن الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشریف له ظاهر وباطن، وقد يكون لظاهره ظاهر والباطنه، باطن بل بطون، وهذا يكون مدعاةً لنا لكثرة التأمل فيه ؛ تبرّكاً، وتعلّماً.

ص: 13

و خطابه عجّل الله تعالی فرجه الشریف لا يخلو من مضامين عالية من المعارف العقدية والفقهية والأخلاقية، مما يشكل هرمًا ثلاثيًا يدعى بالمنظومة الدّينية، التي لا يستغني الدّين عن أحدها.

وسبب اختياري لهذا الموضوع؛ لما له من أهمية جليّة في التثقيف الذاتي بظهور الخطاب المهدوي، والتثقيف المجتمعي بذلك، فضلاً عن التقرب زلفى إلى الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشریف بهذه البضاعة المزجاة، عسى ولعلّ يكون شفيعاً لي يوم الحساب.

كما وهناك سبب آخر، وهو وجود من يتولى الإشراف على هذه الحلقات، وتدقيقها، وقد تمثل بسماحة الشيخ حسين الأسدي (دام عزّه)، المشرف العام على مدونة الكفيل التي تولّت نشر هذه الحلقات جزاه الله عزّوجلّ ووليه بجميع كادرها خير الدارين.

وكان وقت البدء بالحلقة الأولى، يوم الجمعة، الموافق الرابع عشر من شهر شعبان، ووقت ختام الحلقة الأخيرة، السادس والعشرين من شهر شوال فاستغرق ما يقارب سنة ونصف بفضل الله عزّوجلّ.

ص: 14

هيكلة هذه الحلقات المتواضعة كانت على شكل مبحثين، تناولت خطابين للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشریف، المبحث الأول انفرد بالخطاب الأول، وهو خطابٌ مع الناس، عند أول ظهوره العلني، في مكة المكرمة، واقفاً بين الركن والمقام، يدعو الناس إلى الإيمان به. فكان شرح الخطاب مقسماً إلى خمس فقرات.

أما المبحث الثاني فانفرد بالخطاب الثاني: خطابٌ مع الله عزّوجلّ ، وهو دعاء الاحتجاب، يدعو بعدّة أمور، حتى قسّمت فقرات شرحه إلى خمس عشر فقرة .

ثم ألحقت المبحثين بذكر المصادر المعتمدة، وختمته بفهرس الموضوعات.

المشاكل التي رافقت كتابة هذه الحلقات، كانت متجسدة بضيق الوقت، وحيرة في بعض الأحيان في فهم كلام المولى عجّل الله تعالی فرجه الشریف ، ومزاحمة أعمال أخرى لهذا العمل المتواضع، ولم يكن غيرها إلاّ خيرًا من الله عزّوجلّ، وله الحمد والفضل على توفيقه .

أما الصعوبات التي رافقت هذه الحلقات فهي طرو العجز

ص: 15

عن تشخيص احتمال دون آخر يفهم من ظهور الخطاب المهدوي، مما أوجب الرجوع إلى أهل الاختصاص بالقضية المهدوية، والاستعانة بمركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام، فتلاشت الصعوبات عندئذٍ، ولله الحمد.

أسأل الله عزّوجلّ حسن القبول ورضاه، ورضا وليّه عجّل الله تعالی فرجه الشریف ، وأن يجعله ذخرًا شافعًا يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه.

الكاتبة

العلوية الحسيني / النجف الأشرف.

/29 محرم الحرام/ 1442ه_.

يوم الجمعة المبارك.

ص: 16

المبحث الأول: التجليات المعرفية في الخطاب المهدوي الأول

المبحث الأول: التجليات المعرفية في الخطاب المهدوي الأول

الخطاب الأول : هو خطبة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشریف حين أول ظهوره، ما نصّها

«عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، قال: قال لي أبو جعفر علیه السّلام : ... والقائم يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به ينادي: يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس، وإنا أهل بيت نبيكم محمد ونحن أولى الناس بالله وبمحمد صلّی الله علیه و آله . فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد صلّى الله عليه و آله فأنا أولى الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ

ص: 17

وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلّى الله عليه و آله ، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله صلّى الله عليه و آله ، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد منكم الغائب.

وأسألكم بحق الله ورسوله وبحقي - فان لي عليكم حق القربى من رسول الله - إلا أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا فأوتر أهل الباطل علينا. فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله» (1).

أما عن سند هذه الرواية، فقد وثّق «السيّد الخوئي قدّس سرّه في معجم رجاله الراوي عمرو بن أبي المقدام» (2)، وقد عدّه

ص: 18


1- الاختصاص للشيخ المفيد، ص 255 - 257
2- ظ: معجم رجال الحديث رجال الحديث - السيد الخوئي، ج 14، رقم الراوي 8863، ص 82

«الشيخ النجاشي قدّس سرّه في رجاله ممن روى عن الإمام السجاد والباقر و الصادق عليهم السّلام» (1).

وعن جابر الجعفي فيكفي أنّ الشيخ المفيد قدّس سرّه عدّه في رسالته العددية ، «ممن لا مطعن فيه، ولا طريق لذمه» (2).

وسيكون شرح هذا الخطاب ضمن الفقرات التالية:

ص: 19


1- ظ: رجال النجاشي للشيخ النجاشي، رقم الراوي 777، ص 290
2- ظ: معجم رجال الحديث : للسيد الخوئي، ج 4 ، رقم الراوي 2033، ص 338

ص: 20

الفقرة الأولى :

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ وَمَنْ أَجَابَنَا مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّا أهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ وَنَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِالله وَبِمُحَمَّد صلّی الله علیه و آله»

هذا أول جزءٍ من خطبةٍ للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، يخاطب الناس في أولِ ظهورٍ علني له، «مسنداً ظهره إلى الكعبة، معرّفًا بنفسه لهم» (1).

وكل فقرةٍ من هذا المقطع الدعائي تحتمل وجهين، أحدهما يحتمل أن يتكلم الإمام عن نفسه علیهم السّلام خصوصاً، والآخر عن أهل البيت علیهم السّلام عموماً وهو منهم ضمنًا.

*فقوله علیهم السّلام : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللَّهَ وَمَنْ أَجَابَنَا مِنَ النَّاس».

لعل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يشير فيها لأهل البيت عموماً، فيكون مقتضى كلامه : أنّه استعمل اسلوب النداء حينما بدأ يخاطب

ص: 21


1- الاختصاص: للشيخ المفيد، ص 256

ويطلب النصرة من الله تعالى، وممن أجاب دعوته عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، وهي الدعوة الى الله تعالى، حيث قال «إنّا» إشارة منه إلى ديدن أهل البيت عليهم السّلام بصورة جمعية ، فهم عندما تتكالب الأعداء عليهم يطلبون النصرة من الله عزّوجلّ، و من مواليهم، فيشكلون قوة رادعة بوجه الأعداء - وان كانوا قلة؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة. وسيرة الأطهار كفيلة ببيان ذلك.

ولعل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يشير إلى شخصه الكريم، مستعملاً أسلوب التفخيم والتعظيم بقوله «إنّا» فيكون مقتضى كلامه: أنّي أيضًا أطلب النصرة من الله تعالى وممن يواليني.

يذكر أن أصحاب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يجيبون دعوته رغم اختلاف مناطقهم وجنسياتهم، فأين ما يكونوا يأت بهم الله تعالى عند مولاهم؛ فعن المفضَّل بن عمر قال: «قال أبو عبد الله علیه السّلام: لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم علیه السّلام ، قوله عزّوجلّ : «أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَميعاً» (1) إنَّهم ليُفتَقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكّة، وبعضهم يسير في السحاب

ص: 22


1- سورة البقرة: 148

يُعرَف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه، قال: قلت: جُعلت فداك، أيّهم أعظم إيماناً؟ قال : الذي يسير في السحاب نهاراً»(1).

* و قوله: «وَإِنَّا أَهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّد»

لعل مراد الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف وهو أن أهل البيت عليهم السّلام هم أهل بيت النبي الذي تدين به البلدة التي يكون ظهوره فيها، وهي مكة المكرمة؛ فيبدأ يعرّف بأهل البيت لطائفة تخالفه في المعتقد، لا تقول بإمامة الإمام علي والأئمة من بعده عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، بل تعتقد بخلافة السقيفة.

ومن المؤكد أنه يستدل لهم بما لا يقبل الشك، وبما يؤدي إلى القطع واليقين.

ولعل مراد الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من التعريف بنفسه كونه فردًا من أهل بيت محمد عليهم السّلام فإنه بدأ يعرف بنفسه علیه السّلام بأنه من أهل البيت عليهم السّلام.

وكون المهدي من أهل البيت علیهم السّلام هو ما دلّ عليه النقل

ص: 23


1- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق: ب58، ص 672 ، ح2

عند العامة والخاصة، فقد روي «عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية، عن أبيه، عن علي علیه السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة» (1).

كما وروي «عن النبي صلّى الله عليه و آله أنه قال: لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلًا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا» (2).

وروي عن أبي بصير، عن أبي جعفر علیه السّلام أنّه قال: «يكون تسعة أئمة بعد الحسين بن علي تاسعهم قائمهم علیهم السّلام» (3).

*وقوله : «وَنَحْنُ أَوْلَى النَّاس بِالله»

لعل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يشير فيه لأهل البيت عموماً، فيكون مقتضی کلامه: نحن أهل البيت أفضل الناس عند الله،

ص: 24


1- مسند الإمام أحمد بن حنبل لأحمد بن حنبل، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند الخلفاء الراشدين، ومن مسند علي بن أبي طالب علیه السّلام ، ج 1 ، ح 645
2- شرح سنن أبي داوود لعبد المحسن العباد، ج 225، ص 10
3- الخصال للشيخ الصدوق، ص 480

وأقربهم منزلة منه، وأكثرهم معرفة به. ودليل هذا نجده في الأدعية والزيارات التي صدحت بتلك الأولوية، ففي الزيارة الجامعة الكبيرة: «مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحْدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ» (1).

فبواسطة أهل البيت علیهم السّلام عرفنا أصول الدّين من توحيد الله تعالى وعدله ووجوب بعثته للأنبياء والأئمة ووجود معاد - وإن كان العقل أيضًا يدل على ذلك، لكن قولهم يزيد من اطمئنان الفرد وصحة ما توصل إليه عقله -.

كما بواسطتهم عرفنا التكاليف الإلهية من فروع الدّين من صلاة وصوم وحج وزكاة وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وولاية أولياء الله وبراءة من أعداء الله .

ولعله عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يشير إلى نفسه بالخصوص، مستعملاً ضمير التفخيم والجمع «نحن»، فيكون مقتضى كلامه: أنه أولى الناس بالله؛ كونه الإمام المجعول من الله عزّوجلّ ، خليفة له على الأرض؛ كما روي عن الإمام الرضا علیه السّلام أنّه قال: «الأئمة

ص: 25


1- عيون أخبار الرضا علیه السّلام للشيخ الصدوق، ج 1، ص308

خلفاء الله عز وجل في أرضه» (1)، وإمامًا مفترض الطاعة؛ كما أفاد الإمام الصادق علیه السّلام بأنّ الأئمة علیهم السّلام في الطاعة واحد؛ «عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: سألته عن الأئمة هل يجرون في الامر والطاعة مجرى واحد ؟ قال : نعم»(2).

و لمفردة (أولى) معانٍ عديدة، إلّا أنّ ما يناسب سياق الخطاب هو : «أولى أفعل تفضيل بمعنى الأحرى، وخبر لمبتدأ محذوف يقدر كما يليق بمقامه» (3)، فالتقدير : نحن أهل البيت أولى منكم بالله عزّوجلّ، فمفردة أحرى ملازمة للأولوية كما هو ظاهر في معناها؛ «فُلَانٌ أولى بِكَذَا أَي أَحْرى بِهِ وأَجْدَ » (4).

وعلى كلا الاحتمالين في توجيه الضمير نحن - بكونه عائدًا لأهل البيت عمومًا أو للإمام المهدي (عليه وعليهم السلام) خصوصاً- فإنهم يكونون أجدر الناس عند الله (تعالى)،

ص: 26


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 1، باب أنّ الأئمة علیهم السّلام خلفاء الله عزّ وجل في أرضه وأبوابه التي منها يؤتى، ص193، ح1
2- مصدر سابق، ج 1، باب فرض طاعة الأئمة، ص 187، ح 9
3- تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، ج 20، ص 115
4- لسان العرب لابن منظور، ج 15 ، فصل الواو ، ص 408

فأصبحوا أولياء الله، قال (تعالى): «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ» (1) ، والأولياء في التفسير «جمع ولي، وقد أخذت في الأصل من مادة: ولي، يلي، بمعنى عدم وجود واسطة بين شيئين، وتقاربهما وتتابعها، ولهذا يطلق على كل شيء له نسبة القرابة والقرب من شيء آخر سواء كان من جهة المكان أو الزمان أو النسب أو المقام، بأنّه ولي، ومن هنا استعملت هذه الكلمة بمعنى الرئيس والصديق وأمثال ذلك... فإِنّ أولياء الله الذين لا يوجد حاجب وحائل بينهم وبين الله، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ويتقلبون في نور المعرفة والإيمان والعمل الخالص، و يرون الله بعيون قلوبهم» (2)، و «تفسير تتمة الآية موكول إلى مصدره المدرج»(3).

فأوّل صفةٍ وصفهم الله عزّوجلّ بها هي الإيمان به، ولعله عزّوجلّ

ص: 27


1- سورة يونس: 62 - 63
2- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج5 ، ص 506
3- مصدر سابق، ج 5، ص 506-511

يشير إلى إيمان أهل البيت جميعهم به عزّوجلّ عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بعد النبي الأكرم صلّی الله علیه و آله وإقرارهم بالربوبية في عالم الذر، ففي عالم الذر وبعد أن خلق الله عزّوجلّ مخلوقاته بهيئة ذرات [على رأي] نثرهم وسألهم: مَن ربّكم؟ فكان أول من أجاب بالشهادة هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم)، فقد روي «عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ أَن أَبَا عَبْدِ الله علیه السّلام قال : فَلَا أَرَادَ الله أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لهُمْ: مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السّلام وَالائِمَّةُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا...» (1).

وأسبقيتهم على غيرهم بإقرارهم علیهم السّلام بالربوبية لله تعالى في عالم الذر كان مقدّمة لتحميلهم العلم الإلهي، وجعلِهم أولياء على خلقه وخلفاءه على بريته. والروايات الشريفة وصفت هذا الحدث العظيم بأنّ الله تعالى جعلهم (صلوات الله عليهم) حملة عرشه ؛ فقد روي «عَنْ دَاوُدَ الرَّقّيٌّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهُ علیه السّلام عَنْ قَوْلِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ» فَقَالَ: مَا يَقُولُونَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَى المَاءِ وَ

ص: 28


1- الكافي للشيخ الكليني، ج 1، باب العرش والكرسي، ص133، ح7

اَلرَّبُّ فَوْقَهُ.

فَقَالَ: كَذَبُوا مَنْ زَعَمَ هَذَا فَقَدْ صَيَّرَ اللَّهَ مَحْمُولاً وَ وَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمُخْلُوقِ وَ لَزِمَهُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَقْوَى مِنْهُ.

قُلْتُ بَين لي جُعِلْتُ فِدَاكَ.

فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَمَّلَ دِينَهُ وَ عِلْمَهُ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءُ أَوْ جِنِّ أَوْ إِنْسٌ أَوْ شَمْسُ أَوْ قَمَرٌ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ نَشَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ هُمْ مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ اللَّه صلّى الله عليه وآله وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السّلام وَ الْأَئِمَةُ صَلَوَاتُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا فَحَمَّلهم اَلْعِلْمِ وَ الدِّينَ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ هَؤُلَاءِ حَمَلَهُ دِينِي وَ عِلْمِي وَ أُمَنَائِي فِي خَلْقِي وَ هُمُ المُسْئُولُون»(1).

ومن هنا يتضح أنّ أولياء الله عزّوجلّ نتيجة رؤيتهم القلبية لحقائق الإيمان، وذوبانهم في المعارف الإلهية، وشهادتهم المباشرة لخالقهم بالربوبية، هم أولى الناس به عزّوجلّ، والإمام

ص: 29


1- مصدر سابق، ج 1، باب العرش والكرسي، ص133، ح7

المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف منهم .

وهنا لعلّ سائلاً يسأل :

هل إنّ ولاية أهل البيت علیهم السّلام فقط على بني جنسهم؟ أي فقط على البشر من أنبياء ورسل وسائر الناس؟ أم تمتد ولايتهم الجعلية وتشمل حتى الملائكة فيكونون عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أولياء على الناس والملائكة ؟

جواب تلك الأسئلة يتضح من خلال تتمة الرواية المتقدمة «... ثُمَّ قَالَ [ الله سبحانه وتعالى ] لِبَنِي آدَمَ أَقِرُوا اللهَ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَلهَؤُلاَءِ النَّفَرِ [النبي والأئمة عليهم السّلام] بِالْوَلايَةِ وَالطَّاعَةِ. فَقَالُوا [الملائكة]: نَعَمْ رَبَّنَا أَقْرَرْنَا، فَقَالَ اللهُ لِلْمَلائِكَةِ: اِشْهَدُوا. فَقَالَتِ المُلاَئِكَةُ: شَهِدْنَا...» (1)، فيتضح عموم ولايتهم على بني جنسهم، والملائكة .

كما أنّ أولوية أهل البيت عليهم السّلام على غيرهم لها أسباب اخرى محل آثارها في عالم الدنيا، «منها:

ص: 30


1- مصدر سابق، ج 1، باب العرش والكرسي، ص133، ح7

1- تنزههم عن دناءة الآباء وفجور الأمهات، فأهل البيت - والإمام المهدي منهم - عليهم السّلام معروفون بطيب المولد، والعفاف المستقيم.

2- سلامة الخِلقة، فجميعهم عليهم السّلام متصفون بسلامة الأبدان من التشوهات والأمراض التي تنفر الناس من الإيمان بهم كأئمة واجبي الاتباع بجعلٍ إلهي.

3- كمال الخُلق، وسيرة الأئمة عليهم السّلام كفيلة ببيان كمال أخلاقهم ودرجة لائقية تعاملهم مع الناس.

4- كمال العقل، فالعقل الذي يتورع عن ارتكاب المعاصي، وتكون التقوى ملكة نفسانية لدى صاحبه، رغم امكانية فعله للمعاصي، لا يكون إلّا عقلاً كاملاً، وهذا ما اتصف به أهل البيت عليهم السّلام .

فجميع تلك الخصائص تجعلهم عليهم السّلام أولى الناس بالله تعالى» (1) . والأصل في ذلك كله هو الجعل الإلهي.

ص: 31


1- الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل للشيخ حسن محمد مكي العاملي، ج 3، ص 209

* وقوله : «وَبِمُحَمَّدٍ صلّی الله علیه و آله»

الواو حرف عطف، عطف الجملة على السابقة والمعنى نحن أهل البيت أولى الناس باب محمد صلّی الله علیه و آله.

ولعل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يشير إلى نفسه خصوصًا مستعملاً ضمير التفخيم والجمع «نحن»، فيكون مقتضى كلامه : أنا أولى الناس بمحمد صلّی الله علیه و آله رغم أن هذا المعنى مستبطن في الأول.

وقد روي عن رسول الله صلّی الله علیه و آله: «إِنَّ المَهْدِيَّ مِنْ عِتْرَتِي، مِنْ أهلِ بَيْتي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمانِ، يُنْزِلُ لَهُ مِنَ السَّماءِ قَطْرُها، و تخرِجُ لَهُ الأَرْضِ بَذْرُها ، فَيَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً، كَما مَلأَها الْقَوْمُ ظُلْماً وَجَوْرا» (1)، فظاهر حديث النبي صلّى الله عليه وآله يشير إلى أولوية عترته الذين هم ذريته ومنها الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، وإذا كان أولى اختصاصاً نبي الله محمد صلّى الله عليه وآله بالقائم المهدي دون سائر الأنبياء، فهذا لازمه أن يكون الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ايضًا أولى اختصاصًا بنبي الله محمد صلّى الله عليه وآله - ولازم ذلك سائر العترة أيضًا -.

ص: 32


1- الغيبة للشيخ الطوسي، ج 1 ، ص 204، ح 138

الفقرة الثانية

«فَمَنْ حَاجَّنِي فِي آدَمَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِآدَمَ، وَمَنْ حَاجَّنِي في نُوحٍ فَأَنَا أَوْلَى النَّاس بِنُوحٍ، وَمَنْ حَاجِّنِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ حَاجَنِي فِي مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِمُحَمَّدٍ، وَمَنْ حَاجَنِي فِي النَّبِيِّينَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّبِيِّينَ، أَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ؟ فَأَنَا بَقِيَّةٌ مِنْ آدَمَ، وَذَخِيرَةٌ مِنْ نُوحٍ، وَمُصْطَفَى مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَصَفْوَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله».

هنا بعد أن يعرّف الإمام نفسه وأهله للعالم، يبدأ يرد على خصومه الذين حاجّوه شخصيَّاً أو حاجّوا أجداده عليهم السّلام ، وحاولوا الالتفاف على أحقيتهم عليهم السّلام في الإمامة.

والمحاجّة هي: «إلقاء الحجة قبال الحجة لإثبات المدعى أو

ص: 33

لإبطال ما يقابله»(1).

فبدأ الإمام يعدّد من حاجوه بهم، وهم الأنبياء آدم، نوح، ابراهيم، محمد عليهم السّلام ، ثم سائر الأنبياء عمومًا.

ولمفردة (أولى) معانٍ عديدة، إلّا أنّ ما يناسب سياق الخطاب هو : «أولى أفعل تفضيل بمعنى الأحرى، وخبر لمبتدأ محذوف يقدر كما يليق بمقامه» (2)، فالتقدير : هؤلاء الأنبياء أنا أولى بهم منكم.

فبعد أن يجملَ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يبدأ يفصّل في كلامه؛ فيبيّن كيف يكون هو أولى الناس بالأنبياء، لكن قبل ذلك يستنطق من يحاجّونه، فيسألهم ببلاغةٍ واضحة بصيغة الاستفهام التوبيخي بقوله: «أَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم»» ؟

والتوبيخ هو لوم القوم، واستقباح إنكارهم له، والعيبة

ص: 34


1- الميزان في تفسير القرآن للعلّامة الطباطبائي، ج2، ص 348
2- مصدر سابق، ج20، ص 115

عليهم؛ إذ هذا كتاب الله عزّوجلّ و بين أيديهم ولم يتدبروا بآياته، ورغم ذلك يحاجون أولياء الله عزّوجلّ !

والمتأمل في خطاب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يجد مدى ذوبانه في كتاب الله عزّوجلّ واتقان علومه؛ بدليل أنّه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لم يقل «أليس الله يقول في كتابه» بل أضاف قيداً قيّد به آیات الله عزّوجلّ ، فقال: «أليس الله يقول في مُحكم كتابه»؛ لأنّ كتابه عزّوجلّ فيه من الآيات ما هي مُحكمات، وما هى مُتشابهات، والفارق بينهما مهم جدًا.

قيل: «إنّ المُحكم هو كل كلام فصيح الألفاظ صحيح المعاني، وكل بناء وثيق أو عقد وثيق لا يمكن حله فهو (محكم)، فالمحكم هو الذي يحتمل وجهاً واحداً....، وقيل هو الذي يدل معناه بوضوح لا خفاء فيه». والمُتشابَه عكس المحكم أي يحتمل النص وجوهًا عديدة. وهذا التقسيم قد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم قائلاً: «هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهات» (1).

فمراد الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أن القوم لو كانوا قد تدبروا بآيات الله

ص: 35


1- الاصول العامة للفقه المقارن محمد تقي الحكيم، ص 101

تعالى لعرفوا مقام حجّة الله عند ظهوره بدلاً من محاججته وعدم الإيمان به .

ومحاججتهم وعدم إيمانهم بالإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لا تخلو من وجهين:

/1 أنّهم يجهلون آيات الله تعالى، فتكون محاججتهم لغواً، فوظيفة الإمام تجاههم عندئذٍ هي الإعراض عنهم؛ امتثالاً لقول ربّه : «وَإِذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الجاهلين» (1)، «والمراد باللغو: لغو الكلام، بدليل تعلقه بالسمع، والمراد سقط القول الذي لا ينبغي الاشتغال به من هذر أو سب وكل ما فيه خشونة»(2).

/2 أنّهم يعلمون، بآيات الله تعالى، وعلى دراية بوجود آيات محكمات وأُخر متشابهات، وما يتلو الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف عليهم هي آية محكمة لا يشتبه في فهمها عاقل إلّا أنهم يجحدونها،

ص: 36


1- سورة آل عمران: 7
2- تفسير الميزان للعلّامة الطباطبائي، ج16، ص 55

ويجحدون شخص الإمام وإمامته، لكن رغم ذلك فالنصر حليف الإمام كما وعد الله تعالى في كتابه الكريم كل الرسل الذين جحد قومهم بهم وبآيات الله تعالى التي يستدلون بها، قال سبحانه: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهَ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كَذَّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله» (1).

وكلام الإمام مع الصنف الثاني - الذين يعلمون بآيات الله ويجحدونها - ويبدو أنّهم مصداق لأهل الفتنة الذين يريدون تأويل الآیات المحكمة إلى متشابهة؛ حتى يشتبه ويختلط على الناس أمر الإمام فينكروه، وبالتالي حتى لا يؤمنوا به، وماذا يُرجى من النواصب ومتزلزلي العقيدة؟!

ومستند ذلك قول الله تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه» (2) .

ص: 37


1-
2- سورة الأنعام: 33-34

والآية المحكمة التي استدل بها الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هي: الرحمن الرحيم «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ» (1) . وهي الآية التي سأل مخالفيه عن وجودها في كتاب الله تعالى توبيخًا لهم بعدم التفاتهم إليها قبل محاججتهم.

والاصطفاء: هو «... أخذ صفوة الشيء وتخليصه مما یکدره فهو قريب من معنى الاختيار، وينطبق من مقامات الولاية على مقام الإسلام، وهو جري العبد في مجرى التسليم المحض الأمر ربه فيما يرتضيه له» (2).

«وقد ذكر سبحانه في هؤلاء المصطفين آدم ونوحًا، فأما آدم فقد اصطُفى على العالمين بأنه أول خليفة من هذا النوع الإنساني جعله الله في الأرض، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ»، وأول من فتح به باب التوبة... وأما آل إبراهيم فظاهر لفظه أنهم الطيبون من

ص: 38


1- سورة آل عمران 33
2- الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، ج 3، ص 164

ذريته كإسحاق وإسرائيل والأنبياء من بني إسرائيل وإسماعيل والطاهرون من ذريته، وسيدهم محمد صلّی الله عليه وآله»(1).

وبما انّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من ذرية النبي محمّد صلّی الله علیه و آله فهو مشمول بإطلاق الآية الكريمة، بالإضافة إلى الروايات - حتى في كتب المخالفين- التي أثبتت أنّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من ذرية محمّد النبي صلّی الله علیه و آله ؛ روي عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية ، عن أبيه، عن علي علیه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : المهدي منّا أهل البيت» (2) .

فضلاً عن الروايات في كتب الشيعة التي أثبتت أنّه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أفضل الأئمة التسعة الذين سبقوه في الإمامة عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ؛ روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إن الله عز وجل اختار من كل شيء شيئا، ... واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعليا من بني هاشم، واختار مني ومن علي الحسن والحسين، وتكملة اثني عشر إماما من ولد الحسين تاسعهم

ص: 39


1- مصدر سابق، ج 3، ص 165
2- مسند الإمام أحمد بن حنبل: لأحمد بن حنبل، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند الخلفاء الراشدين، ومن مسند علي بن أبي طالب (ر)، ج 1 ، ح 645

باطنهم، وهو ظاهرهم، وهو أفضلهم، وهو قائمهم»(1).

فالله عزّوجلّ اصطفى أو انتجب المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ليملأ الأرض قسطاً وعدلًا، والمنتجب: هو «المختار من كل شيء، وقد انتجب فلاناً إذا استخلصه، واصطفاه اختياراً على غيره» (2).

وبالتالي يكون الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من المصطفَين، فهو من ذرية أهل الاصطفاء الإلهي؛ فالمتتبع لسياق الآية الكريمة التي يتلوها الإمام يجد أنّ الآية التي تليها لها ارتباط وثيق بالمضمون، حيث قال الله تعالى فيها: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (3).

وذيل الآية الكريمة لا يخلو من نكتة عقائدية مهمة، حيث ختمت الآية بصفتين من صفات الله عزّوجلّ - السمع والعلم - وإن كانت صفة السمع تعود لعلمه تعالى- فمعنى كونه تعالى

ص: 40


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب4، ص 71، ح7
2- لسان العرب: لابن منظور، ج 1، ص 749
3- سورة آل عمران: 34

سميعًا أي يعلم بالمسموعات-.

وبالتالي فمفاد ظهور الآية الكريمة: أنّ أهل الاصطفاء هم النبي آدم، ونوح، وآل ابراهيم، وآل عمران، وذريتهما المؤمنة، وأنّ الله تعالى يعلم بوجود أجيال تجحد اصطفائية اولئك الأنبياء، أو آلهم، أو أحد ذراريهم المنصوص عليهم، وبالتالي يكون تنصيب مقام الاصطفاء إلهيًا محضًا، والراد على أمر الله تعالى ليس بمسلم.

ثم يشرع الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ببيان سبب أولويته من الناس بأولئك الأنبياء، فبعد أن عرفنا معنى الأولى، سيتضح لنا تعليل تلك الأولوية .

* فقوله: «أنا بَقِيَّةٌ مِنْ آدَمَ»

المراد من لفظة بقية: «ما بقي من الشيء . وقوله تعالى: بقية الله خير لكم» (1). فالإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف باقٍ من الله عزّوجلّ عن طريق أول مخلوق بشري له في عالم الدنيا، وهو النبي آدم علیه السّلام.

ص: 41


1- لسان العرب لابن منظور، ج 14، ص 80

لكن الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أفضل من النبي آدم علیه السّلام ؛ بلحاظ أسبقية الإمام بالإقرار بالربوبية لله تعالى قبل النبي في عالم الذر؛ ففي عالم الذر وبعد أن خلق الله تعالى مخلوقاته بهيئة ذرات [على رأي]، نثرهم وسألهم مَن ربِّكم، فكان أول من أجاب بالشهادة هم محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) فروي «عَنْ دَاوُدَ الرَّقْيِّ أَن أَبَا عَبْدِ الله علیه السّلام قال : فَلَمَّا أَرَادَ الله أَنْ يَخْلُقَ الْخُلْقَ نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لهُمْ: مَنْ رَبُّكُمْ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ الله صلّی الله علیه و آله وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السّلام وَالائمَّةُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ فَقَالُوا أَنْتَ رَبُّنَا ... » (1).

فكون الإمام بقيّة من النبي آدم علیه السّلام في عالم الملك، لا يعني أفضلية النبي عليه في عالم الملكوت، بل قد يكون المعنى انّ الإمام هو ما تبقّى من أول الأنبياء في عالم الملك - الدنيا-.

* وقوله: «وَذَخِيرَةٌ مِنْ نُوح»

الإذخار هو الاختيار، أو الاتحاذ، فيقال: «واذَخَرَهُ:

ص: 42


1- الكافي: للشيخ الكليني، ج 1، باب العرش والكرسي، ص 133، ح6

اختارَهُ، أو اتَّخَذَهُ»(1). فلعلّ مقصود الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أنّ هناك وجه مشابهةٍ بينه وبين النبي نوح علیه السّلام بلحاظ طول عمره، واستهزاء قومه وجحودهم به .

* وقوله: «وَمُصْطَفَى مِنْ إِبْرَاهِيم»

عرفنا أن الاصطفاء: هو «... أخذ صفوة الشيء وتخليصه مما يكدره فهو قريب من معنى الاختيار، وينطبق من مقامات الولاية على مقام الإسلام، وهو جري العبد في مجرى التسليم المحض الأمر ربه فيما يرتضيه له» (2).

فلعل مراد الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هو أنّه مختار لأن يكون من آل ابراهيم النبي علیه السّلام بل أفضلهم ، تبعاً لأفضلية جدّه محمد صلّى الله عليه وآله على سائر الأنبياء عليهم السّلام، وهذا ما تسالم عليه العامة والخاصة، فروي عن النبي صلّى الله عليه وآله الله : «ّأنا سيد ولد آدم» (3).

ص: 43


1- لسان العرب: لابن منظور، ج 4 ، ص302
2- تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج 3، ص 164
3- ظ: صحیح مسلم کتاب الفضائل باب تفضيل نبيّنا على جميع الخلائق، ج 4 ، ح 2278

فممكن الاستدلال على اصطفائية الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من خلال عدة طرق، نذكر منها اثنين :

- أما الأول فآية المباهلة التي تثبت أفضلية أهل الكساء المساوية لأفضلية النبي (عليه وعليهم السلام) إذ لم يأمر الله تعالى أحدًا من أنبيائه بالمباهلة مع آله سوى بالنبي محمد، والسيّدة الزهراء، والإمام علي، والإمامين الحسنين علیهم السّلام ، فكما أنّ سادة الإمام (عليه وعليهم السلام) اصطفاهم الله عزّوجلّ للمباهلة، اصطفاه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من النبي ابراهيمعلیه السّلام.

- وأما الثاني فهو صلاة النبي عيسى علیه السّلام خلف الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف عند نزول النبي من السماء في عصر الظهور، وهذا الفعل يكشف لنا اصطفائية وأفضلية الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف على النبي عيسى علیه السّلام وهو من أنبياء أولي العزم؛ حيث روي عن أبي بصير أنّه سأل الإمام الصادق علیه السّلام وقال له: «يا ابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال [الإمام]: يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثم يظهره الله عز وجل فيفتح الله

ص: 44

على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وينزل روح الله عيسى بن مریم علیه السّلام فیصلى خلفه»(1).

* وقوله : «وَصَفْوَةٌ مِنْ مُحَمَّد صلّى الله عليه و آله»

الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ليس من ديدنه تكرار المفردات التي ظاهرها يشير إلى إفادتها معنى واحدًا، فلعل قائلاً يقول : هناك شبه بين (اصطفاء وصفوة). فيجاب بما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام : «قال رسول الله صلّى الله عليه و آله : إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد صلّى الله عليه وآله فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله، وإلى الرسول، وإلى العالم من آل محمد» (2)، فمن أراد أن ينجح في ذلك الامتحان الإلهي عليه أن يذعن ببلاغة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف .

ص: 45


1- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1، ب 33، ص 373، ح 31
2- الكافي للشيخ الكليني، ج 1، باب فيما جاء ان حديثهم صعب مستصعب، ص 401 ، ح 1

فهناك فارق بين الاصطفاء والصفوة، نظير ما جاء في الآية الكريمة بشأن مريم بنت عمران: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاك» (1) ، فالاصطفاء الأول يختلف عن الثاني، «وأن قول الملائكة لمريم إن الله اصطفاك وطهرك إخبار لها بما لها عند الله سبحانه من الكرامة والمنزلة ... فاصطفاؤها تقبلها لعبادة الله قوله تعالى واصطفاك على نساء العالمين... فاصطفاؤها على نساء العالمين تقديم لها عليهن»(2).

فمعنى كون الامام مصطفى من ابراهيم عليهم السّلام هو عليهما السّلام هو عصمته المستمدة من النبي ابراهيم عليه السّلام.

ومعنى كونه صفوة من النبي محمد صلّى الله عليه و آله هو أفضليته على ذرية الإمام الحسين عليه السّلام من نسل النبي محمد صلّى الله عليه و آله

وذلك بمقابلة الاصطفاء من النبي ابراهيم للاصطفاء الأول في الآية للسيدة مريم ال. وبمقابلة الصفوة من النبي محمد صلّى الله عليه و آله للاصطفاء الثاني في الآية نفسها.

ص: 46


1- سورة آل عمران: 42
2- الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، ج 3، ص189

فلعل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يريد أن يقول : إنّه صفوة النبي محمد صلّى الله عليه و آله له في وقت ظهوره، فإنه آنذاك لا صفوة للنبي سواه.

أو لعل المقصود هو أنّه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف الصفوة ِ أهل البيت عليهم السّلام ، لكن مع ضم القرينة الخارجية المنفصلة التي تدل على أفضلية أهل الكساء عليه - الإمام علي والحسنين والزهراء عليهم السّلام - أي إنه أفضل أهل البيت عليهم السّلام عدا أهل الكساء للقرينة الخارجية. فروي «عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و آله : ان الله اختار من كل شيء شيئاً... إلى أن يقول: وتكملة اثني عشر إماماً من ولد الحسين تاسعهم باطنهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم» (1).

ويكون كلامًا معتمدًا على قرينة منفصلة ويصح معها الإطلاق عليه بأنه الصفوة ولهذا قال عجّل الله تعالی فرجه الشّریف «صفوةٌ مِن محمد» ولم يقل «صفوة على محمد» فببلاغة كلامه استعمل مِن التبعيضية دلالةً منه على وجود مجموعة هم الصفوة وهو منهم، على أن منهم من أفضل منه، وهم محمد وعلي وفاطمة

ص: 47


1- الغيبة: للشيخ للنعماني، ج 1 ، ب4، ص 71، ح7

والحسنان عليهم السّلام للقرينة الخارجية كما تقدم؛ لوصول موروث أجداده إليه بذلك؛ حيث روى الصَّدوقُ بإسناده عن الإمام الرِّضا عن آبائه عن النَّبي صلّى الله عليه و آله أنّه قال: «الحسنُ والحسينُ خيرُ أهلِ الأَرضِ بعدِي وبعدَ أَبِيهِما، وأُمُّهُما أفضلُ نساء أهلِ الأرض» (1).

ص: 48


1- عيون أخبار الرّضا: للشيخ الصدوق، ج 1 ، ح252

الفقرة الثالثة :

«أَلاَ وَمَنْ حَاجَنِي فِي كِتَابِ الله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ الله ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي سُنَّةِ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِسُنَّةِ رَسُول الله».

سبق وأن عرفنا معنى المحاججة، وهي «إلقاء الحجّة قبال الحجّة لإثبات المدعى أو لإبطال ما يقابله» (1)، فقد أبطل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف محاججة منكريه «حينما حاجّوه بالله تعالى، ثم بالنبي آدم، ونوح، وإبراهيم، ومحمد (عليهم السلام جميعًا وعلى آل محمد)، وبسائر الأنبياء عمومًا» (2).

ففي هذا المقطع الخطابي يبطل عجّل الله تعالی فرجه الشّریف محاججة منكريه بكتاب الله تعالى، فيقول: «ألاَ وَمَنْ حَاجَنِي فِي كِتَابِ اللهِ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ الله» فلعل منكريه يقولون له عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حين ظهوره، «حسبنا

ص: 49


1- الميزان في تفسير القرآن: للعلّامة الطباطبائي، ج 2، ص348
2- تجليات معرفية في الخطاب المهدوي، ف2

كتاب الله » (1) ، أو «ارجع يا ابن فاطمة لا حاجة لنا بك» (2) .

وما ردّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلّا قصماً لظهر باطلهم، وتكميماً لأفواه شياطينهم الناطقة بها ألسنتهم.

فلعل الأعداء يحاجّون الإمام بآياتٍ يزعمون أنّها متشابهة، والحال أنّها محكمة، أو يتأولون القرآن الكريم؛ كما روي عن عن الفضيل بن يسار، قال: «سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول : إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله صلّی الله علیه و آله من جهال الجاهلية . قلت : وكيف ذاك؟ قال : إن رسول الله صلّی الله علیه و آله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان

ص: 50


1- «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : لَمَّا حَضَرِ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله : «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ»، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ الله». صحيح مسلم: لمسلم بن الحجاج النيسابوري ، ج 3، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، ص 209 - 260، ح 22،21
2- روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال «إذا قام القائم علیه السّلام سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية عليهم السلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة». اعلام الورى: للشيخ الطبرسي، ج2، 289

والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به» (1).

بل وفي روايات أخرى أوضحت أنّ اولئك الذين يدّعون معرفةً في كتاب الله عزّوجلّ يقاتلون من يخالفهم الرأي، مع زعمهم معرفة تأويل الآيات، أو التمسك بمتشابهها، وجمودهم على ظاهرها؛ روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «إن القائم علیه السّلام يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله ، لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه»(2)، والمقاتلة قد تكون لفظية بالاحتجاج.

وما فعلهم ذلك إلّا لزيغ قلوبهم، وابتغائهم الفتنة، وادّعائهم علم تأويل الآيات، كما قال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ

ص: 51


1- الغيبة للشيخ النعماني، ج 1، ب17، ص 305، ح1
2- مصدر سابق، ج 1، ب17، ص 306، ح3

الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأويله» (1)، ولهذا وصفتهم الرواية بالجهل.

ولعل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يستشهد بالآية الكريمة التالية، ويحاجج بها منكريه، قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهَ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُون» (2)، فيبيّن لهم الهدى بعد أن أعمى بصيرتهم الضلال والجهل بكتاب الله عزّوجلّ ، فيكون هو عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أولى الناس بكتاب الله عزّوجلّ.

إن هؤلاء المحاججين هم من المسلمين، ولكنهم قد تزلزلت عقيدتهم، فقلّ ولاؤهم، وزاغت قلوبهم، حتى باتوا يحاججون إمامهم ويطالبوه بدليلٍ قرآنيٍ يثبت به إمامته لهم.

حيث جاء في تفسير الآية أعلاه في كتب الشيعة الإمامية : «إِنّ التعبير ب_ «أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ» بمنزلة بيان الرمز لغلبة الإسلام وانتصاره، لأنّ طبيعة «الهداية» و «وَدِينِ

ص: 52


1- سورة آل عمران: 7
2- سورة التوبة : 32-33

الْحَقِّ» تنطوي على هذا الانتصار، ذلك أنّ الإسلام والقرآن هما النور الإلهي الذي تظهر آثاره أينما حلّ. وكراهية الكفّار والمشركين لن تستطيع أن تغيّر من هذه الحقيقة شيئاً، ولا تقف في طريق مسيرته العظيمة» (1) .

ومن الظريف أيضاً أنّنا نلاحظ أن هذه الآية قد وردت في القرآن الكريم ثلاث مرّات بتفاوت يسير: الأولى: كانت في سورة التوبة الآية؛ بقوله عزّوجلّ: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ»(2)، والثانية: في سورة الفتح بقوله عزّوجلّ: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيدا» (3)، والثالثة بقوله عزّوجلّ: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهَ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون »(4).

ص: 53


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج18، ص 300
2- سورة التوبة : 33
3- سورة الفتح: 28
4- سورة الصف: 8

ومن المسلّم أنّ النتيجة النهائية كما نعتقد سوف تكون للإسلام، وذلك عند ظهور الإمام المهدي أرواحنا فداه. إنّ هذه الآيات بذاتها دليل على هذا الظهور العظيم.

كما وروي عن الإمام الصادق علیه السّلام في تفسير هذه الآية أنه قال: «والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم علیه السّلام، فإذا خرج القائم علیه السّلام لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه، حتى أن لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت : يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله» (1).

من يرجع إلى تفاسير العامة المعتبرة عندهم للآية الكريمة أعلاه يجد أنهم فسروا الوعد الإلهي بإظهار الدّين على سائر الأديان، وشملوا ذلك في زمن النبي صلّی الله علیه و آله وزمن نزول النبي عیسي علیه السّلام، وقتل الدّجال- على فرض كونه شخصًا-، قال الطبري في تفسيره: «القول في تأويل قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ

ص: 54


1- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ص 670 ، ح 16

وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» يعني تعالى ذكره بقوله «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ» الذي أرسل رسوله محمد صلّی الله علیه و آله بالبيان الواضح، وَدِين الحَق، وهو الإسلام؛ الذي أرسله داعيا خلقه إليه «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» يقول: ليبطل به الملل كلها، حتى لا يكون دين سواه، وذلك كان كذلك حتى ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، فحينئذ تبطل الأديان كلها، غير دين الله الذي بعث به محمدا صلّی الله علیه و آله ، ويظهر الإسلام على الأديان كلها» (1) .

واخفاء اسم الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من تفسير هذه الآية خير دليلٍ على إرادة المحاججة لأنصار الإمام أثناء غيبته، فتكون إرادتهم المحاججة عند ظهوره عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أمرًا غير خارج عما بنوا عليه منهجهم؛ فتفسيرهم يقول : «يظهر الله تعالى رسوله على الدّين كلّه ولو كره المشركون المعارضون حتى نزول عيسى بن مریم علیه السّلام، فيُستبعد أن يكون عيسى النبي هو الرسول الذي يريد الله تعالى اظهاره على الدّين كلّه؛ لأنّ المتسالم عليه

ص: 55


1- جامع البيان: لابن جرير الطبري، ج 26، ص 141

بين أبناء العامّة أنّ عيسى النبي سيعتنق الدّين الإسلامي، وسوف يصلي صلاة المسلمين خلف مسلم -وهو الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف» (1)، فمن المحال أن يدعو عيسى النبي العالم إلى دين المسيحية ويظهره الله تعالى على الدّين كلّه ويكون الدّين السائد هو المسيحية.

بل لابد أن يكون المرسل الذي يظهره على الدّين كلّه يدين بالأصل بالدّين الإسلامي، وهو أفضل من عيسى النبي؛ لشرفية مقامه - حيث يصلّى عيسى النبي خلفه-، ولخاتميةدینه- فالدّین الإسلامي هو خاتم خاتم الأديان ولا دين بعده-، ولأفضلية نبيّه صلّی الله علیه و آله - فنبي الإسلام أفضل الأنبياء وأسبقهم شهادّة لله تعالى بالربوبية-، وذلك المرسل الظاهر على الدّين كلّه هو الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف. وبهذا يتضح بطلان محاججتهم، وافتضاح احدوثتهم.

* قوله: «ألاَ وَمَنْ حَاجَنِي فِي سُنَّةِ رَسُول الله صلّى الله عليه و آله فَأَنَا أَوْلَى النَّاس بِسُنَّةِ رَسُول الله»، كما وأنه قد يكون هناكَ مَن يحاجج

ص: 56


1- ظ: كتاب الفتن: لنعيم حماد المروزي، ص 352

الإمام بالأحاديث النبوية الشريفة زاعماً أنّها تنفى أن يكون هناك إمام يظهر في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورًا.

- وهؤلاء المحاججون قد يكونون ممن ادّعوا التشيع، لكنهم انحرفوا فكريًا مع السفياني وجيشه، فتبدّلت قلوبهم ومواقفهم، فأصبحوا خصومًا للإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، وأخذوا يحاججونه أن يثبت لهم أنّه الإمام المهدي، أو يطالبونه بدليلٍ روائي ينص على إمامته.

وذلك لأنّ بعض مدّعي التشيع يكون إيمانهم ضعيفًا، فيلحظ عليهم التزلزل في العقيدة، همجٍ رعاع، أتباع كلّ ناعق، فعندما ينعق لهم السفياني عند خروجه من منطقة درعا، يتبدل موقفهم من ولائي إلى عدائي وإلى ذلك أشارت الروايات مسميةً ذلك اليوم بيوم الأبدال؛ أي يوم يتبدّل موقف وعقيدة الناس، فمن كان شامخ الإيمان صلد العقيدة، ثبت ونجا، وغيره خسر وهلك . «ورد عن الإمام الباقر علیه السّلام في رواية طويلة: ثم يأتي [أي الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف] الكوفة... [إلى أن

ص: 57

يقول]: حتى يأتي العذراء [أو البيداء في نسخة أخرى] هو ومن معه، وقد لحق به ناس كثير، والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة حتى إذا التقوا، وهو يوم الأبدال يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد علیهم السّلام، ويخرج أناس كانوا مع آل محمد عليهم السّلام إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم وهو يوم الأبدال» (1) .

ويكفي في الرد عليهم ما روي عن أبيه الإمام العسكري علیه السّلام: «إِنَّ الإمام وَحُجَّةَ الله مِنْ بَعْدِي ابْني، سَمِيٌّ رَسولِ الله صلّى الله عليه و آله وَكَنِيُّهُ، الذي هُوَ خَاتِمُ حُجَج الله، وَآخِرُ خُلَفَائِهِ . قال : مِمَّنْ هُوَ يا بْنَ رَسُولِ اللهِ ؟ قال : مِن ابْنَةِ ابْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، أَلا إِنَّهُ سَيُولَدُ وَيَغِيبُ عَنِ النَّاسِ غَيْبَةٌ طَوِيلَةٌ ثُمَّ يَظْهَر» (2).

والراد على أحد الأئمة عليهم السّلام كالراد على رسول الله صلّی الله علیه و آله، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى، والراد على الله تعالى

ص: 58


1- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي: ج 52 ، ص 224، ح 87
2- إثبات الهداة: للحر العاملي ، ج 5، ص 569 ، ب 30، ح679

كافر.

وقد يكونون من أبناء العامة، أو النواصب، فالمتتبع لصحاح مروياتهم يجد عين ما صرّح به الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من مصداقية كونه المهدي، واجب الطاعة، الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً ، حيث روي «عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ويرضي عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى» (1).

ومن خلال ذلك يمكن القول: إن الفئات المحاججة للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هم :

1- فقهاء الضلالة: كعلماء العامة، والأشخاص الذين يدّعون المرجعية، فيتصدون للفتوى الخاطئة، ويحرّضون على الفتنة، وقد جعلت بعض الروايات - على فرض صحة سندها- وجودهم كإحدى علامات الظهور؛ «فروي عن

ص: 59


1- مسند الإمام أحمد بن حنبل : لأحمد بن حنبل، 11092

رسول الله صلّی الله علیه و آله ليلة المعراج أنّه قال : قال الله تعالى: وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهدياً كلهم من ذريتك من البكر البتول،... فقلت : إلهي وسيدي متى يكون ذلك؟ فأوحى الله جل وعز: يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل وكثر القرّاء، وقلّ العمل، وكثر القتل، وقلّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة و الخونة ... » (1). وحتماً لا يخلو زمان ولا مكان . من وجود أمثال أولئك.

2 - أتباع السفياني:

السفياني هو من ولد عتبة بن أبي سفيان؛ بدليل ما روي عن الإمام علي السجاد علیه السّلام : «... ثُمَّ يَخْرُجُ السُّفياني الملعونُ مِنَ الوادي اليابِسِ، وهُوَ مِنْ وُلْدِ عُتْبَة بن أبي سفيان...» (2).

وآل سفيان لهم جذور ممتدة هناك إلى يومنا هذا، فمن المؤكد سيكون لأحدهم دور في محاججة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ومحاولة تكذيبه.

ص: 60


1- كمال الدين واتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1، ب23، ص279، ح1
2- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1 ، ص 464 ، ح 437

3- النواصب:

وهم الفئة التي تنصب العداء لأهل البيت عليهم السلام. ووجودهم واضح في مكة المكرمة - موطن الظهور العلني- للإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

ص: 61

ص: 62

الفقرة الرابعة :

«فَأَنْشُدُ اللهَ مَنْ سَمِعَ كَلامِي الْيَوْمَ ما بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبِ»

* قوله: «فأنشُد الله»

«النشيد: رفع الصوت... فتقول: استحلفتك بالله، وأنشدك بالله إلا فعلت: استحلفك بالله» (1)، فالإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يستحلف مواليه، رافعًا صوته، طالبًا منهم أن يبلّغ شاهدهم غائبهم ما جرى، من الظهور ومجرياته.

* وقوله : «مَنْ سَمِعَ كَلامِي الْيَوْم»

«مَنْ» يخاطب بها الامام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف العقلاء بغض النظر عن موقفهم، موالين كانوا أم محاججين.

«سَمِعَ» أي فمَن سمع خطبة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف قد يكون مباشرًا فيسمعه الحاضرون بحاسة السمع، وقد يكون غير مباشر،

ص: 63


1- لسان العرب: لابن منظور، ج 3، ص 422

فيسمعه الحاضرون عن طريق التلفاز، أو الانترنت، أو وسائل التكنلوجيا المتاحة في ذلك الزمن.

يذكر أن عصر التكنلوجيا لا زال في تطور مستمر، وسيتطور أكثر زمن الظهور؛ بدليل الحديث المروي عن الإمام الصادق علیه السّلام : «إنّ المؤمن في زمان القائم علیه السّلام، وهو بالمشرق يرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق» (1).

فكما لم يكن متوقعًا قبل عشرات السنين أن يرى الإنسان الذي في الشرق أخاه الذي في الغرب، أو العكس، ثم تعقّل ذلك؛ نتيجة التطور التكنلوجي، فحصل ذلك بوسائل التواصل الاجتماعي، فكذلك أمْر سماعنا خطبة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف فقد نسمعها بتلك الوسائل أو بأحدث منها؛ إذ الرواية تشير إلى تطور تكنلوجي في زمن الظهور، فبه يؤخذ.

«كَلامِي» الكلام جمع کلمات، «بلحاظ أنّ كل لغة تحتوي على كلمة بسيطة، ومركبة، وهيئة تركيبية، فالشهادة هي هيئة

ص: 64


1- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي ، ج 52 ، ص 391، ح213

تركيبية تم ربط كلماتها بحروف فأصبحت جملة تامة»(1).

فخطاب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هيئة تركيبية من أسماء وأفعال وحروف؛ لذلك سُمي كلمة.

«الْيَوْم» إشارة منه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلى اليوم الذي يلقى خطابه في مكة المكرمة، وهو يوم ظهوره العلني، وقد شخصته بعض الروايات بأنه يوم العاشر من شهر محرّم الحرام، «عن أبي جعفر علیه السّلام: كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل علیه السّلام ينادي: البيعة لله، فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما وجورا»(2).

نعم بعض الروايات صرّحت أنّ يوم الظهور هو ليلة العاشر من محرم ، فيكون من المحتمل أن الظهور ليلة العاشر، والبيعة يوم العاشر .

ويوم الظهور يكون يوم الجمعة، لما ورد عن أبي عبد الله علیه السّلام

ص: 65


1- ظ: دروس في علم الاصول: للسيد محمد باقر الصدر، ح2 ، الدليل الشرعي اللفظي، الدرس 12 ، ص 65
2- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1 ، ص 473 ح 459

قال ... ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة...» (1).

وقد يُقال بالفرق بين الظهور والخروج والقيام؛ «فهناك معنيان يفهمان من لفظة الظهور للإمام المهدي علیه السّلام، المعنى الاول: هو معروفية شخصه الشريف لمجموعة من الناس، خصوصًا أعداءه والتي تسبق عملياته العسكرية بعدة أشهر، وإليه تشير رواية «فاذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك»(2).

أما المعنى الثاني الذي يفهم من لفظة الظهور، فهو الزمن الذي يكون فيه الإمام علیه السّلام معروفًا لجميع الناس أعم من بداية المعروفية، أو الإعداد والحروب العسكرية، من قبيل ما روي «يدخل الصخري الكوفة ثم يبلغه ظهور المهدي بمكة...» (3).

أما لفظة القيام للإمام المهدي علیه السّلام وخروجه، فالكلمتان تشيران إلى قيامه بالعمليات العسكرية، والحروب، وتطهير

ص: 66


1- الخصال: للشيخ الصدوق، ص 394، ح101
2- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1، ص 464
3- كتاب الفتن: لنعيم بن حماد المروزي، ص218

الأرض من الظالمين، وهذا ما يستفاد من الروايات من قبيل ما ورد «أنّ الملائكة ... ينتظرون قيام القائم علیه السّلام الى وقت خروجه عليه صلوات الله والسلام» (1).

والمتحصل من ذلك أنّ الظهور يستعمل مرةً استعمالاً خاصًا يشير إلى بدايات الظهور، ومرة استعمالاً عامًا، وهو الأكثر، ويشير إلى الأعم من البداية والخروج.

أما الخروج والقيام فيستعملان بمعنى واحد وهو التحرك العسكري» (2).

* وقوله : «لما بَلَغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِب»

«لمَّا» ظرف زمان معناه حين.

«بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُم» التبليغ أيضًا يكون بطريق مباشر، أو غير مباشر بواسطة وسائل الإعلام، كأن تتناقل وسائل الإعلام الأخبار. وبالتالي سيكون تكليف الشاهد هو البلاغ فقط؛ بلحاظ كونه رسولا من الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، وتكليف الرسول هو

ص: 67


1- معجم أحاديث الإمام المهدي علیه السّلام : للشيخ علي الكوراني، ج4، ص16
2- مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام

البلاغ، قال تعالى «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ المبين»(1).

وإنّ من يشهد الخطاب عموم الناس، وقد استعمل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف الضمير (مَن) فتكون حتى النساء مشمولات بالخطاب ويكون تكليفهن الإبلاغ أيضا.

وتذكر الروايات كيفية اجتماع قادة جيش الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف البالغ عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً منهم خمسون امرأة. ففي حديث روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «إِذَا أُذِنَ الاِمَامُ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعِبْرَانِيُّ، فَأُتِيحَتْ لَهُ صَحَابَتُهُ الثَّلَاثْمائَةِ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ ، قَزَعٌ كَقَزَعِ الْخُرِيفِ، فَهُمْ أَصْحَابُ الألْوِيَةِ مِنْهُمْ مَنْ يُفْقَدُ عَنْ فِرَاشِهِ لَيْلاً فَيُصْبِحُ بِمَكَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَى يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً يُعْرَفُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَحِلْيَتِهِ وَنَسَبِهِ.

قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَيُّهُمْ أَعْظَمُ إِيمَاناً؟

قَالَ : «الَّذِي يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً، وَهُمُ المَفْقُودُونَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعا»(2).

ص: 68


1- سورة النور: 54
2- الغيبة: للشيخ النعماني ، ج 1 ، ب 20، ص 324، ح3

ولعل سائلاً يتساءل: ألا يكون ذلك نوع من الإعجاز، والحال أنّ المعجزات من مختصات الأنبياء؟ فطريقة اجتماع أصحاب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لا يدركها العقل على حد تعبير الرواية.

فيُجاب:

أولاً : لا دليل على انحصار المعجزات بالأنبياء، بل يمكن أن تجري على يد الأولياء.

ثانيًا : يمكن القول: إن المعجزة ليست هي الأمر الوحيد في طريقة جمعهم، بل «يمكن القول: إنَّ طريقة الجمع للأصحاب ستتمُّ من خلال محورين:

المحور الأوّل: ما ذكرته الروايات الشريفة، حيث ذكرت الروايات أنَّ الأصحاب يجتمعون إليه بأمر من الله تعالى، فهناك من يُفقَد من فراشه ليلاً، ليصبح في مكّة المكرَّمة.

وأنَّ هناك من الأصحاب من يُحمَل على السحاب، ليصل إلى مكّة المكرَّمة، وهل المقصود الإعجاز بحملهم على السحاب، أو الكناية عن سفرهم بالطائرة؟ الظاهر الأوَّل،

ص: 69

والثاني محتمل، والله العالم.

المحور الثاني: وهذا المحور نذكره كاحتمال لا أكثر: أنَّ هناك مجموعة من الأصحاب سوف يكونون في مكّة المكرَّمة، بأن يكونوا قد جاؤوا للحجِّ في عام الظهور، وعلموا بطريقة وبأُخرى بأنَّ الإمام سيظهر في العاشر من محرَّم ، فأبقوا أنفسهم هناك انتظاراً لساعة الصفر.

خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنَّ النفس الزكيَّة سيُقتَل في آخر أيّام موسم الحجِّ، حيث ستكون علامة واضحة لمن ينتظر الإمام، ولا شكَّ أنَّ الأصحاب سيكونون على علم واضح بذلك» (1).

«الْغَائِبَ» وهنا نستبعد أن يكون الغائبون هم قادة جيش الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف؛ لأنهم أول من يلبّي ويحضر، فيتعين أن يكون الغائب عن الحضور غيرهم.

نعم، الجميع سيعلم بقرب ظهور الإمام عن طريق الصيحة

ص: 70


1- على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الأسدي، ص 126 - 127

السماوية، فيكون من المتعين عليهم أن يتربصو ا للظهور العلني، روي عن الإمام الباقر علیه السّلام : «... ينادي مناد من السماء باسم القائم علیه السّلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه فزعا من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب، فإن الصوت الأول هو صوت جبرئيل الروح الأمين علیه السّلام ... حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرض أباها وأخاها على الخروج» (1)، وموعد الصيحة سيكون في شهر رمضان المبارك؛ فعنه علیه السّلام أنه قال: «... الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان، لأن شهر رمضان شهر الله، والصيحة فيه هي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق»(2).

بل وجاء تشخيص أهل البيت علیهم السّلام بصورة أدق في تعيين يوم الصيحة؛ دفعًا للالتباس الحاصل بين تلك الصيحة وصيحة أهل الباطل، ولا ننسى أنّ الزمن سيكون آنذاك زمن

ص: 71


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1 ، ص 260-261 ، ح13
2- مصدر سابق، ج 1، ص 260، ح 13

هرج ومرج يفوق أهل الباطل أهل الحق عددا؛ روي عن لإمام أبي جعفر علیه السّلام: «الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفى آخر النهار صوت إبليس اللعين ينادي ألا إن فلانا [عثمان بن عفان] قتل مظلوما ليشكك الناس [بأنّ علياً علیه السّلام قد قتله وأخذ الخلافة منه] ويفتنهم، فكم ذلك اليوم من شاك متحير [يتحير في اتباع المهدي حفيد الإمام علي علیهماالسّلام] قد هوى في النار [إشارةً عليه إلى إتّباعه لعدو الله ومحاربته لولي الله]، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكوا أنه صوت جبرئيل... فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتنوا به» (1).

فالصيحة التي تُعلم الناس بقرب ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف و هي صيحة حقّة، جبرائيلية، سماوية. والصيحة التي تشكك الناس بالإمام هي صيحة ضلالية، إبليسية، أرضية.

ومن اتّبع الصيحة الأولى فقد فاز ونجا، ومن اتّبع الثانية فقد خسر وهلك؛ روي عن أبي جعفر علیه السّلام: «لا بد من هذين

ص: 72


1- مصدر سابق، ج 1، ص 261، ح 13

الصوتين قبل خروج القائم علیه السّلام: صوت من السماء وهو صوت جبرئيل، وصوت من الأرض، فهو صوت إبليس اللعين، ينادي باسم فلان أنه قتل مظلوما يريد الفتنة، فاتبعوا الصوت الأول وإياكم والأخير أن تفتتنوا به» (1).

فإن قيل : ما فائدة أنّ يناشد الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بأن يُعلم الشاهد منهم الغائب بظهوره وأنّ الصيحة قد أفهمت ذلك جميع العالم كلٌّ بلغته ؟

يُجاب بنقطتين:

1 - أنّ الصيحة أعلمت العالم بأنّ الحق مع الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف - وتأمر باتّباعه دون أن تشير إلى زمن ظهوره، فهي مجرّد إعلام وليس إعلانًا عن الظهور. في حين أنّ خطاب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إعلان عن ظهوره وليس إعلامًا.

2 - إنّ الصيحة تسبق الخطاب المهدوي؛ فالصيحة تحصل في شهر رمضان المبارك، والخطاب يحصل في شهر محرّم الحرام.

ص: 73


1- مصدر سابق، ج 1، ص 261، ح 13

فيتضح أنّه حتى لو كان الغائب عن خطبة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يعلم سابقاً بمفاد الصيحة ولم يحضر، فتكون مناشدة الإمام للحاضرين بإبلاغ الغائبين عن حضور الخطبة من باب التأكيد على ما سمعوه من الصيحة، وحاشا الإمام من أن يشوب كلامه تحصيل الحاصل الذي يزعمه البعض.

ص: 74

الفقرة الخامسة

«وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقَّ الله وَرَسُولِهِ وَبِحَقِّي - فَإِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَتَّ الْقُرْبَى مِنْ رَسُول الله - إلا أعْتَتُمُونَا وَمَنَعْتُمُونَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا، فَقَدْ أخِفْنَا وَظُلِمْنَا وَطُردْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا وَبُغِيَ عَلَيْنَا، وَدُفِعْنَا عَنْ حَقَّنَا، فَأَوْتَرَ أهْلُ الْبَاطِل عَلَيْنَا، فَاللَّهَ اللَّهَ فِينَا لاَ تَخْذُلُونَا وَانْصُرُونَا يَنْصُرْكُمُ الله»

هنا في هذا المقطع الخطابي كلام الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف موجه إلى أنصاره، إذ مثلما يوجد من يسمع خطابه من صنف المحاججين، فكذلك يسمعه من صنف الموالين فيطلب الدعاء منهم والمعونة، ويبين ظلامته، وظلامة أجداده عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

* فقوله: «وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقَّ الله وَرَسُولِه»

«أسألكم» السؤال هو صيغة تدل على الطلب.

وإن قيل: إنّ الإمام أعلى درجةً من مواليه - بالعصمة والجعل الإلهي - فكيف يسأل العالي الداني؟

ص: 75

فيُقال: بأن السياق القرآني استخدم هذه الصيغة على لسان النبي الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله من قبيل قوله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، فها هو النبي صلّى الله عليه و آله يسأل قومه - موالين ومعارضين - المودة في قربته. فكذا الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف في خطابه مستخدمًا إياها .

* قوله: «بِحَقَّ اللهِ» حق الله تعالى هو الإيمان بأصول وفروع دينه، والتحلي بأخلاقه المنزلة على النبي صلّى الله عليه و آله ، والتي حفظها وبلّغها الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف .

وقد جاءت روايات معبرة عن حق الله تعالى مبيّنةً أنّ ذلك الحق هو العبادة من دون تقصير ؛ فقد روي عن الإمام الكاظم علیه السّلام أنّه قال : «... لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل »(1).

وأخرى بيّنت أنّ حق الله تعالى هو العلم، والعمل بالعلم ؛ روي عن زرارة بن أعين، أنّه قال: «سألت أبا جعفر الباقر علیه السّلام: ما حق الله على العباد ؟ قال : أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند

ص: 76


1- الكافي: للشيخ الكليني، ج 2، باب الاعتراف بالتقصير، ص72، ح1

ما لا يعلمون»(1).

- «وَرَسُوله» أما حق رسول الله صلّی الله علیه و آله فهو طاعته، والالتزام بأحاديثه، ومن ضمنها حديث الثقلين، الذي اوصى فيه النبي صلّی الله علیه و آله بالتمسك بالثقل الاكبر - القرآن الكريم-، والثقل الأصغر -أهل البيت عليهم السّلام - ، روي عن رسول الله صلّی الله علیه و آله أنّه قال: «إني تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسَّكْتُم بهما لن تضلوا؛ كتاب الله المنزل وعترتي أهل بيتي»(2).

* قوله: «وَبِحَقِّي فَإِنَّ لي عَلَيْكُمْ حَقَّ الْقُرْبَى مِنْ رَسُول اللهِ»

وللإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حق خاص على مواليه، منصوص عليه من قبل جدّه رسول الله محمد صلّی الله علیه و آله وهو حق القربى، فالقرابة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، و رجوع نسبه الطاهر إلى النبي صلّی الله علیه و آله شرافة ، وتميزاً وميزة ، توجب طاعته والإيمان به؛ حيث سبق وأن أوصى النبي صلّی الله علیه و آله بقربتهامتثالاً لأمر إلهي، حيث قال تعالى على لسان نبيه محمد صلّی الله علیه و آله:

ص: 77


1- الأمالي: للشيخ الصدوق، ص506 ، ح 14/701
2- أمالي الطوسي: للشيخ الطوسي، ص 162 ، ح 20/268

«قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1).

العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في تفسيره لهذه الآية ذكر «أنّ الأمر الذي نَفَته الآية هو الأجرُ على تبليغ الرسالة والدعوة الدينيّة، وعن الإمام الحسن بن عليّ عليهماالسّلام أنّه خَطَب الناسَ بعد شهادة أمير المؤمنين بن عليّ عليهماالسّلام ، فقال : أنا من أهلِ البيت الذين افترض الله مودّتهم على كلّ مسلم، فقال: قُل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّةَ في القُربى»(2).

وبما أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من أهل البيت علیهمالسّلام، فيشمله حق المودة في القربى. وهو عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يسأل الناس بحقه عليهم.

* وقوله: «إلا أعْتَتُمُونَا وَمَنَعْتُمُونَا مِنْ يَظْلِمُنَا»

متعلق الدعاء او القسم: المعونة ودفع الأذى من الظالمين والاعانة، والمنع من أذى الأعداء يتحقق بالدفاع والنصرة عن أهل البيت عليهم السّلام .

ص: 78


1- سورة الشورى: 23
2- ظ : تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج 18 ، ص 46

* وقوله: «فَقَدْ أخِفْنَا»

والمراد من ذلك ما خاف منه أهل البيت عليهم السّلام من قبل أعدائهم، وهذا لا ينافي عصمتهم كخيفة النبي موسى علیه السّلام. والمتتبع لسيرة الأطهار محمد وآل محمد علیهم السّلام يجد أنّ أعداءهم قد أخافوهم وروعوهم من أولهم إلى قائمهم.

بل ولايزال الإمام خائفًا من أعدائه؛ كما روي عن زرارة، عن عبد الملك بن أعين، قال: «سمعت أبا جعفر علیه السّلام يقول : إن للقائم علیه السّلام غيبة قبل أن يقوم.

قلت: ولم؟

قال: يخاف – وأومأ بيده إلى بطنه، يعني القتل-» (1).

فإن قيل إنّ الخوف ينا في العصمة، يقال إجمالاً : إنّ الخوف سنّة من سنن الأنبياء، والإمام المهدي علیه السّلام يخاف أعداءه كما خاف النبي موسى علیه السّلام من أعدائه آنذاك؛ «روي عن أبي بصير أنّه قال: سمعت أبا جعفر الباقر علیه السّلام يقول: في صاحب هذا

ص: 79


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب10، ص180، ح 19

الأمر سنة من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلّی الله علیه و آله.

فقلت: ما سنة موسى؟

قال : خائف يترقب» (1).

أما الجواب التفصيلي، «فيأتي لاحقا إن شاء الله عزّوجلّ» (2).

* وقوله: «وَظْلِمْنَا»

قال تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهَ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِون« (3). فجميع أعداء محمد وآل محمد علیهم السّلام كذّبوا الله تعالى وآياته؛ تحقيقًا لمصالحهم وأهوائهم. وأشد ظلامة مرّت عليهم علیهم السّلام هي واقعة كربلاء، وما جرى على الإمام الحسين علیه السّلام، ونسائه ، وعياله، كما هو واضح.

ص: 80


1- مصدر سابق، ج 1، ب10، ص 166، ح5
2- راجع: المبحث الثاني، الفقرة العاشرة (وقِني جميع ما أحاذره من الظالمين)
3- سورة الأنعام: 21

* وقوله: «وَطُردْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا»

كما طُرد الإمام الحسين وأهله عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من مكة المكرمة، وطرد الامام الهادي وابنه العسكري عليهم السّلام من المدينة إلى سرّ من رأى.

* وقوله: «وَبُغِيَ عَلَيْنَا»

بغى الشّخص أي «تجاوز الحد واعْتَدى تسلّط وظلَم»(1).

وكلّ انسانٍ يعقل انّ أشد أنواع الظلم هو الجرأة على حدود الله التي أوضحها في كتابه الكريم أو على لسان نبيّه الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله، حيث قال تعالى: «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالُونَ» (2)، أي : أساء إلى حدود الله بالتعرض لسخط الله تعالى ومقته، ونيل سطوته.

فحدودُ الله هي حدود محمّد وآله عليهم السّلام، ومَن تعدّى على تلك الحدود فهو ظالمٌ لامحالة، وقد توعّد الله تعالى الظالمين

ص: 81


1- ظ: المعجم الوسيط: لابراهيم مصطفى وأحمد الزيات و حامد عبد القادر ومحمد النجار، ج1، ص64
2- سورة البقرة: 229

بقوله تعالى: «قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا» (1) . ونِعمَ به سبحانه مِن حكيمٍ ما أعدله.

* وقوله: «وَدُفِعْنَا عَنْ حَقْنَا»

وأجلى مثالٍ لذلك هو دفع من اجتمع تحت السقيفة حق الخلافة عن الإمام علي عليه السّلام. ودفع معاوية ذلك الحق للإمام الحسن عليه السّلام. ويزيد عن الإمام الحسين عليه السّلام، وهكذا سائر الأئمة عليهم السّلام .

* وقوله : «فَأَوْتَرَ أَهْلُ الْبَاطِل عَلَيْنَا»

لعلّ مراد الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف قطعونا عن أهلنا بالقتل، فأوتروا أهل البيت عليهم السّلام ، كما قالت السيّدة زينب عليها السّلام للطاغية يزيد: «وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد صلّی الله علیه و آله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت»(2).

ص: 82


1- سورة الكهف: 87
2- زينب الكبرى عليها السّلام من المهد الى اللحد: للسيد محمد كاظم القزويني، ص 401

* وقوله : «فَالله اللهَ فِينَا لاَ تَخْذُلُونَا وَانْصُرُونَا يَنْصُرْكُمُ الله»

وهذا مثيل طلب الإمام الحسين علیه السّلام النصرة من مواليه في واقعة كربلاء، حينما قال: ألا من ناصر ينصرنا .

فلعل طلب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف النصرة والمعونة من مواليه حتى يأخذ بثأر من رضي بذلك التخويف، والظلم، والطرد، والبغي، والدفع عن الحق من ذراري أعداء أهل البيت علیهم السّلام.

وبما أنّ محمداً وآل محمد عليهم السّلام هم أشرف خلق الله تعالى، بل هم با به تعالی، فتكون نصرتهم نصرةً الله عزّ اسمه وتباركت قدرته، فمن ينصر الله فقد نصره الله، قال تعالى في كتابه الكريم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ »(1).

فظاهر الآية يقول بوجود طرفين، الله تعالى، وناصر الله. وهناك طرف ثالث هو أولياء الله ؛ لقرينة خارجية منفصلة، وهي آية كريمة اخرى تقول «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ

ص: 83


1- سورة محمد 7

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ»(1).

فالنصرة فرع الطاعة، فكما أنّ طاعة الله تعالى ورسوله وأولي الأمر - أهل البيت عليهم السّلام - واجبة، كذلك نصرتهم جميعًا واجبة ولازم اللازم لازم. اذاً فالثلاثية في آية النصرة محتملة كما تحتمل الثنائية.

وتتحقق النصرة أما بالقول، وأما بالفعل، وأما بالقلب؛ فأما بالقول ؛ فلعلّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يطلب نصر تنا له بنقل كلامه حين ظهوره، وكيفية محاججته لأعدائه، أو بالرد القولي على كلّ من جحد الإمام ولم يحضر خطبته عجّل الله تعالی فرجه الشّریف .

وأما بالفعل؛ فلعلّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يطلب نصر تنا له بمحاربة الظالمين الجاحدين، ونصرة خليفة ربّ العالمين.

وأما بالقلب؛ فلعلّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يطلب نصرتنا له بالدعاء الخفى، وهذا الاحتمال وارد لمن يعيش في بلدةٍ مكتظة بمخالفين له في العقيدة، فيشكّل مجرّد التجاهر بالدعاء بالنصرة لإمام

ص: 84


1- سورة النساء 59

الزمان عجّل الله تعالی فرجه الشّریف خطرًا عليه وعلى إمامه، فكيف به لو نصره قوليًّا، أو حتى فعليّا؟! . فتتعيّن عليه النصرة القلبية.

وعلى كل حال، كأن الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هنا يريد تذكير الناس بمظلومية أهل البيت علیهم السّلام، ويُعلمهم أنّ الإيمان بهم إيمانٌ جمعي، فليس بمؤمن من آمن بالأئمة وأنكر القائم منهم علیهم السّلام، ومن وقف على إمامة إمامٍ، ورغم ذلك فالإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يعطيهم فرصة للإيمان والتوبة.

ص: 85

ص: 86

المبحث الثاني : التجليات المعرفية في الخطاب المهدوي الثاني

المبحث الثاني : التجليات المعرفية في الخطاب المهدوي الثاني

الخطاب الثاني هو الدعاء المروي عن الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، المسمى ب_(دعاء الاحتجاب)، ما نصّه: «اللهم احجبني عن عيون أعدائي، واجمع بيني وبين أوليائي، وأنجز لي ما وعدتني، واحفظني في غيبتي إلى أن تأذن لي في ظهوري، وأحي بي ما درس من فروضك وسننك، وعجل فرجى، وسهل مخرجي واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، وافتح لي فتحا مبينا ، واهدني صراطا مستقيما، وقني جميع ما أحاذره من الظالمين، واحجبني عن أعين الباغضين، الناصبين العداوة لأهل بيت نبيك، ولا يصل منهم إلي أحد بسوء، فإذا أذنت في ظهوري فأيدني بجنودك، واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيدين، وفي سبيلك مجاهدين، وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين، ووفقني لإقامة حدودك،

ص: 87

وانصرني على من تعدى محدودك وانصر الحق وأزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، وأورد علي من شيعتي وأنصاري ومن تقربهم العين ويشد بهم الازر ، واجعلهم في حرزك وأمنك برحمتك يا ارحم الراحمين» (1).

وشرح هذا الخطاب سيكون ضمن الفقرات التالية:

ص: 88


1- المصباح: للكفعمي، ص 219، ف26

الفقرة الأولى :

«اللهم احجبني عن عيون أعدائي»

ابتدأ الإمام هذا المقطع بصيغة الدعاء، فنادى ربّه بقوله:

«اللّهم»: وهي «صيغة نداء ودعاء مثل: يا الله، حذف منها حرف النداء وعُوِّض عنه بميم مشدّدة » (1).

«احجبني» «حجَبَ: الحجاب الستر. حجبَ الشيء، يحجبه حُجبا وحِجابا، وحجبه: ستره. وقد احتجب وتحجب إذا اكتنّ من وراء حجاب»(2).

إنّ طلب الدعاء هو خير درسٍ على شدة الارتباط بالله تعالى، وهذا اخلاص عبودية الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لله الواحد الأحد، ودليل أيضًا على فقره الله تعالى الغني عن خلقه، إذ الإمام بشر مخلوق، وكل المخلوقات فقيرة إلى خالقها، وعقيدتنا في الأئمة عليهم السلام «أنَّهم بشر مثلنا، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا،

ص: 89


1- معجم اللغة العربية المعاصرة: د. أحمد مختار عبد الحميد، ج 1، ص 114
2- لسان العرب: لابن منظور، ج 1، ص 298

وإنما هم عباد مكرمون اختصّهم الله تعالى بكرامته وحباهم بولايته»(1).

فللإمام ما لنا من قواعد البشرية المحتاجة إلى خالقها، إلّا أنّه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف اصطفاه الله تعالى للولاية؛ لعلمه تعالى الأزلي بأهلية الإمام لها، وشدة أورعيته عن اقتحام الشبهات وارتكاب الذنوب، لكنه رغم عصمته يتذلل لله العزيز الجبار أدباً، واستنانًا بسنة جدّه محمد صلّی الله علیه و آله.

وطلب الإمام الاحتجاب لا يخدش كمال الإمام كمعصوم؛ فقد طلب الإمام علي علیه السّلام الاحتجاب في دعائه الشهير دعاء الاحتجاب» (2).

وما طلبه هذا إلّا لوجود قوّة مضادة لمساره، وهم الأعداء، وهو تصرف عقلائي يتخذه كل من رام دفع الضرر عن نفسه.

* قوله: «عن عيون أعدائى»

جرت سيرة العقلاء على أنّ المتكلم الحكيم إذا أراد أن

ص: 90


1- عقائد الامامية: للشيخ المظفر ، ص 73 - 74
2- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج 91، ص378

يتكلّم فكل ما يريده يقوله، والإمام سيّد العقلاء، فقيّد كلامه بقيدٍ احترازيٍ، وهو (عيون الأعداء)، اشارةً منه إلى الأمور التالية:

1 - إنّ قلوب الأعداء لا تناله، فهي ران عليها، وكذا فطنتهم لا تدهم على الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، لذا قيّد كلامه بعيون أعدائه.

وسواء كان قصد الإمام عين نفس العدو، أو الجاسوس التابع للعدو، فلا فرق من هذه الناحية.

نظير احتجابه عن عيون أعدائه في الغيبة الصغرى، «حينما اختفى وغاب عن أعدائه أثناء محاصرتهم للسرداب الذي هو فيه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، حتى خرج الإمام من السرداب وأميرهم قائم، فلما غاب قال: أنزلوا وخذوه. فقالوا: إنه مر عليك وما أمرت بأخذه. فقال: ما رأيته . فانصرفوا خائبين!» (1).

2 - إنّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لم يطلب الاحتجاب عن عيون أوليائه وأتباعه، لأنّه ظاهر لهم، وغائب عنهم في آنٍ واحد، كونه

ص: 91


1- الخرائج والجوارح: لقطب الدين الراوندي، ج 2، ص 942-943

حيًا، يعيش بيننا؛ فظاهرٌ لهم حيث يراهم، وهم يعيشون معه بشعورهم، وغائبٌ عنهم حيث يرونه ولا يعرفونه.

وهذه هي نظرية (خفاء العنوان)، المستمدة من الرواية التالية: «إنّ الناس يرون الامام المهدي علیه السّلام بشخصه من دون أنْ يكونوا عارفين او ملتفتين الحقيقته»(1)؛ استنادًا إلى روايات عديدة منها: «ما روي عن الحميري، عن محمد بن عثمان العمري: والله إن صاحب هذا الامر يحضر الموسم [موسم الحج] كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه» (2).

3 - إنّ طلبه الاحتجاب عن عيون أعدائه، وخوفه على نفسه لا ينافي عصمته علیه السّلام ؛ لسببين :

السبب الأول: قرآني، حيث إنّ النبي موسى علیه السّلام قد خاف من أمرين، وأكد خوفه في مورد منفصل ثالث:

أ- خاف من تكذيب قومه له، كما قال تعالى حكايةً: «وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ انْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِين قَوْمَ فِرْعَوْنَ

ص: 92


1- مقال الغيبة أقسامها وأسبابها: للشيخ عادل الحريري
2- اكمال الدين واتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1 ، ب 43، ص 468 ، ح7

أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُون»(1).

ب- خاف من قومه أن يقتلوه، كما قال تعالى حكايةً عن لسان نبيّه: «وَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُون»(2).

ج- إقرار النبي علیه السّلام بالخوف حينما واجه فرعون، حيث قال تعالى حكايةً: «فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لي رَيٌّ حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِين»(3).

فحتماً إنّ النبي موسی علیه السّلام ما ينطق عن الهوى، فكلامه كلام الوحي، وكلام الوحي كلام الله تعالى، فيكون خوف النبي لأمر حكيم يعلمه الله تعالى، وليس خوفاً من الموت مثلاً، فلا ينافي عصمته.

وكذا وليّ الله الخاتم، الإمام القائم عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، خوفه من أعدائه، ولذلك طلب من الله تعالى أن يحجبه عنهم.

السبب الثاني: روائي، حيث ذكرت بعض الروايات

ص: 93


1- سورة الشعراء: 10-12
2- سورة الشعراء: 14
3- سورة الشعراء: 21

صريحاً مفردة الخوف؛ روي «عن زرارة، قال سمعت أبا جعفر علیه السّلام يقول : إن للقايم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولم؟ قال: يخاف، وأوماً بيده إلى بطنه قال زرارة يعني القتل» (1).

فها هو الإمام الباقر علیه السّلام يصرّح بأحد أسباب غيبة الإمام واحتجابه، وهو خوفه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

فلو كان نقص كمالٍ منه لما ذكره صلّی الله علیه و آله.

4 - ليبقى عجّل الله تعالی فرجه الشّریف محافظًا على حياته؛ لأنّه بوجوده المبارك سيقضي الله تعالى على الفساد والجور والعدوان، وبه تحقيق وعد الله تعالى بأن يجعل وليّه خليفة في الأرض ولهذا طلب الاحتجاب عن عيون أعدائه ؛ ليحقق لطف الله تعالى بعباده؛ حيث إنّ وجود الإمام لطفٌ لهم، والأتباع منتظرون لظهوره، بالتالي متى ما حافظ الإمام على حياته، واكتنزها ليوم الظهور، فإنّه سيحقق وعد الله تعالى.

إنّ طلب احتجاب الإمام عن عيون أعدائه ليس أمراً

ص: 94


1- علل الشرائع: للشيخ الصدوق، ج 1، باب 179 ، ص 246، ح 9

مستحيلًا، بل هو أمر ممكن؛ حيث حصل وأن حجبه الله تعالى عن عيون أعدائه منذ غيبته الصغرى، عندما كانت تبحث عنه السلطات الظالمة آنذاك لكنها لم تعرف شكله؛ لأن الإمام العسكري علیه السّلام كان يخفي ابنه عن أعين العامة، ولهذا استبعد جنود العدو أن يخرج الإمام من بيته، فخرج ولم يعرفه أحد منهم، وغاب غيبته الصغرى» (1).

فما حصل مع الإمام سابقاً بالاحتجاب عن عيون أعدائه هو هين عند الله تعالى في زمن غيبته.

ص: 95


1- ظ: موجز دائرة معارف الغيبة: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، ص 126 - 128

ص: 96

الفقرة الثانية

«واجمع بيني وبين أوليائي»

تحتمل هذه الفقرة من دعاء الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف احتمالين:

الاحتمال الأول: لعلّ الإمام يشير إلى عالم الدنيا، زمن الظهور بجمع أوليائه وأنصاره له، وكذا في زمن الرجعة حيث يرجع بعض الأموات إلى الحياة الدنيا؛ شوقاً منه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلى أوليائه وأتباعه الذين سيعاصرون ،زمنه، أو الذين سيرجعون للحياة الدنيا.

الاحتمال الثاني: لعلّ الإمام يشير إلى عالم الآخرة، فيكون دعاؤه طلبًا للجنة لهم، بأنْ يجمعهم الله عزّوجلّ معاً دون تفريق في الجنة، بل وتحتمل العبارة أن يكون دعاء الإمام بأنْ يجمع الله عزّوجلّ أولياءه وأتباعه معه في نفس الجنة التي يسكنها الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، لا في الجنة فقط.

ولعل الاحتمال الأول ظاهرًا أقرب للصحة؛ لأن سياق

ص: 97

دعائه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بصدد عالم الدنيا، تحديدًا في زمن الغيبة والظهور، حيث يُتم الإمام كلامه قائلاً: «اللّهمّ احجبني عن عيون أعدائي، واجمع بيني وبين أوليائي، وأنجز لي ما وعدتني، واحفظني في غيبتي إلى أن تأذن لي في ظهوري، وأحي بي ما درس من فروضك وسننك، وعجّل فرجي وسهّل مخرجي...».

أما أولياء الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، فهم كل من اتصف بصفات المؤمنين التي ذكرها الله عزّوجلّ في كتابه الكريم، والنبي محمد، وأهل بيته عليهم السّلام في الروايات الصادرة عنهم، فمن صفات أوليائه:

1 - «أهل الورع والاجتهاد، وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكّون أموالهم، ويحجّون البيت، ويجتنبون كلّ محرّم»(1).

2- «من قدّم ما استحسن، وأمسك ما استقبح، وأظهر الجميل، وسارع بالأمر الجليل، رغبة إلى رحمة الجليل»(2).

ص: 98


1- صفات الشيعة: للشيخ الصدوق، ص2، مما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام
2- مصدر سابق، ص17 ، عن الإمام الصادق علیه السّلام

3- «من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون إلّا بالتواضع والتخشّع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، وتعهّد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء» (1).

4- «الحلماء، العلماء بالله ودينه، العاملون بطاعته وأمره، المهتدون بحبّه، أنضاء عبادة، أحلاس زهادة، صُفر الوجوه من التهجّد ، عُمش العيون من البكاء ، ذُبل الشفاه من الذكر ، خُمص البطون من الطوى، تُعرف الربّانية في وجوههم، والرهبانية في سمتهم، مصابيح كلّ ظلمة»(2).

ومعه:

فعلى الاحتمال الأول يكون كل من اتصف بتلك الصفات وبالأكمل منها من أنصار الإمام عند ظهوره، وهم

ص: 99


1- تحف العقول: لابن شعبة الحراني ، ص 295 ، عن الإمام الباقر علیه السّلام
2- أمالي الطوسي : للشيخ الطوسي، ص 576 ، عن الإمام علي علیه السّلام

قادة جيشه البالغ عددهم (313)، بعدد قادة معركة بدر.

روي عن الإمام الباقر علیه السّلام: «فيقوم القائم بين الركن والمقام فيصلي.... ويجئ والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعا كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضا » (1).

وكذلك بقية جيشه وجميع الموالين له، ومن سيدخلون إلى الدين الإسلامي، أو الذين سيعتنقون التشيّع.

•- وهنا سؤال: كيف يجمعُ الله عزّوجلّ بين الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف وبين من مات وكان متصفاً بهذه الصفات ؟

•- جوابه ضمن الاحتمالين:

فعلى الاحتمال الأول، يرجع الله عزّوجلّ إلى الحياة الدنيا من كان متصفًا بتلك الصفات وبالأكمل منها؛ ليعيش في زمن الإمام.

وينقل لنا الشيخ الصدوق رحمه الله عقيدتنا في الرجعة قائلاً:

ص: 100


1- معجم أحاديث الامام المهدي: للشيخ الكوراني، ج 5 ، ص 21، ح 1452

«وإنَّ الذي تذهب إليه الشيعة الإمامية، أنّ الله عزّوجلّ يُعيد عند ظهور المهدي قومًا ممن كان تقدم موته من شيعته و قومًا من أعدائه» (1). فينحصّر شوق الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بالاجتماع بأوليائه.

نعم، تطرّقت روايات أهل البيت عليهم السّلام إلى رجوع جماعات من الأموات إلى الحياة الدنيا في زمن ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، قد مضى على موتهم قرون، منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام: «يخرج مع القائم عليه السّلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارًا» (2) فهؤلاء مشمولون بشوق الإمام لأن يجمعهم به.

وعلى الاحتمال الثاني: فكل من كان متصفاً بتلك الصفات، وبالأكمل منها، سيكون مصيره الجنة إن شاء الله عزّوجلّ ؛ لأنها أعدّت للمتقين، ووعد الله عزّوجلّ عباده المتقين بها، والله لا

ص: 101


1- أعيان الشيعة: للسيد محسن الأمين، ج1، ص 57
2- مصدر سابق، ج2، ص 653

يخلف وعده ، قال عزّوجلّ: «جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ و بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيَّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيَّا * تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيا» (1). فما إن حقق الله عزّوجلّ وعده للمتقين من أولياء الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف فقد جمعهم مع الإمام في الجنة - نفس الجنة، أو دونها -.

وهذا هو الجمع الخالد الذي لا موت بعده، وقد وعدَ الله عزّوجلّ بخلود ساكنيها فيها؛ حيث قال عزّوجلّ : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (2)، بقطع النظر عن اسم الجنة - على اختلاف درجاتها وتسمياتها-، فاجتماع الإمام بأوليائه متحققٌ لا محالة.

ص: 102


1- سورة مريم: 61-63
2- سورة البقرة: 82

الفقرة الثالثة :

«وأنجز لي ما وعدتني»

هنا يطلب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من الله عزّوجلّ أنْ يُنجز له ما وعده به؛ انطلاقًا من عقيدته بالله عزّوجلّ أنّه صادق، لا يُخلِفُ وعده أبدًا.

* قوله: «وأنجز»، إشارة إلى طلب الإتمام؛ فيقال: أنجز الشَّيءَ: نجَزه، أتمّه، قضاه»(1).

* وقوله: «ما وعدتني» إشارةٌ منه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلى الوعد بوراثة ، الأرض، الذي ذكره الله عزّوجلّ في كتابه الكريم في موضعين:

الأول: في قوله عزّوجلّ: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين»(2).

حيث جاءت أحاديث كثيرة على لسان أهل البيت عليهم السّلام بشأن تفسير هذه الآیة مؤكدةً علی أنّ الله عزّوجلّ سيورثُ خلافة

ص: 103


1- معجم اللغة العربية المعاصرة : لأحمد مختار عمر، ج3، ص2170
2- سورة القصص : 5

الأرض للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، كما روي عن الإمام على علیه السّلام بشأن تفسير هذه الآية أنه قال: «هم آل محمد، يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم»(1).

الثاني: في قوله عزّوجلّ: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»(2) ، فالله عزّوجلّ هنا يجزم بأنّه يعطي الخلافة في الأرض للذين آمنوا وعملوا الصالحات وسيد المؤمنين اليوم، وعامل الصالحات هو الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، ويؤيد تشخيص ذلك المصداق ما روي «عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: نزلت في القائم وأصحابه»(3).

وعن رسول الله صلّی الله علیه و آله أنّه قال: «لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا ، وذلك حين يأذن الله عز وجل له ومن تبعه نجا و من تخلف عنه هلك الله الله عباد الله، فأتوه ولو على الثلج، فإنه

ص: 104


1- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1، ص 208، ح 143
2- سورة النور: 55
3- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1 ، ب 13، ص 245، ح 35

خليفة الله عز وجل وخليفتي»(1) .

ويتحقق ذلك الوعد من خلال اذن الله عزّوجلّ للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بالظهور ثم القيام، «المشار إلى الفرق بينهما سابقا» (2).

وما طلب الإمام من الله عزّوجلّ لمصلحةٍ شخصية، بل تعجيلاً لفرج شيعته المضطهدين، وشوقاً منه إلى تحقيق العدل في ربوع الأرض، حيث روي عنه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أنّه قال: «أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرَجُكم» (3).

ولابد من الاشارة إلى أنّ طلب الإمام من الله عزّوجلّ تعجيل إنجاز الوعد لا ينافي عدم علم الإمام بحكمة ربه بعدم السماح له بالظهور، بل طلبه الدعائي هذا نابع من استنانه بسنة أجداده عجّل الله تعالی فرجه الشّریف في الإلحاح بالدعاء، حيث روي عن الإمام الصادق علیه السّلام: «وَالله لا يُلِحُ عَبْدُ مُؤْمِنٌ عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ إِلا قَضَاهَا لَهُ»(4).

ص: 105


1- عيون أخبار الرضا علیه السّلام: للشيخ الصدوق، ج 1، ب 31، ص 65 ، ح 230
2- ظ: تجليات معرفية في الخطاب المهدوي، ف4
3- كمال الدين: للشيخ الصدوق، ج 1 ، ب 45، ص 513، ح4
4- الكافي: للشيخ الكليني ، ج 2، باب الإلحاح بالدعاء، ص 475 ، ح3

- وهنا سؤال : رغم إلحاح الإمام بالدعاء لماذا إلى الآن لم يستجب الله عزّوجلّ لوليّه ويُظهره ؟

جوابه: إنّ لغيبة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حكمتين: ظاهرة، و باطنة.

فأما الحكمة الظاهرة: فتتجلى في ما يلي:

1/ عدم الاستعداد العالمي لظهور الإمام من جميع النواحي، حيث إنّ حكومته عجّل الله تعالی فرجه الشّریف تتطلب تهيئة البشر وإذعانهم بتخطئة مسلكهم، حكومةً وعقيدة، والواقع خير شاهد على ذلك.

2/ عدم تكامل العقول بالعلم والمعرفة، حيث إنّ حكومة الإمام تتطلب كمالاً في جميع نواحي الحياة، والوجدان شاهد على عدم التكامل.

ذلك التكامل الذي أشار أمير المؤمنين، الإمام علي علیه السّلام إلى تحققه في زمن الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بقوله : «ألا إن مَثَلَ آلِ مُحَمَّد صلّی الله علیه و آله، كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ: إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، فَكَأَنَّكُمْ قَدْ

ص: 106

تَكَامَلَتْ مِنَ الله فِيكُمُ الصَّنَائِعُ، وَأَتَاكُم مَا كُنتُمْ تَأْمُلُون» (1)، وجاء في شرح خطبته علیه السّلام «إنّ الصنائع هي نعم الله عزّوجلّ، وهم إِنّ الأئمة علیهم السّلام، وتتكامل صنايع الله عزّوجلّ حين ظهور آخر إمام»(2).

ومن هنا ممكن أن نستظهر أنّ الكمال لن يتحقق في يومنا هذا إلى حين ظهور الإمام الخاتم عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

3/ خوف الإمام القتل على نفسه؛ روي عن زرارة قال: «سمعت أبا عبد الله علیه السّلام يقول: إن للغلام غيبة قبل ان يقوم، قال : قلت ولم ؟ قال : يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه-» (3).

وهذا له مدخلية بعدم اكتمال عدد أصحابه ليتولوا الدفاع عنه فيما لو مسّه الأعداء بضر، وهذا مصداقه واضح لنا، من كثرة أعداء أهل البيت علیهم السّلام وأتباعهم.

وأما الحكمة الباطنة : فلله عزّوجلّ في غيبه شؤون، وهذا تجسد لاختصاصه عزّوجلّ بالغيب، حيث قال في كتابه العزيز: «وَللَّهَ غَيْبُ

ص: 107


1- نهج البلاغة ، ج 1 ، خ 100 ، ص 194
2- شرح نهج البلاغة : لابن ميثم البحراني، ج 3، ص 7
3- الكافي: للشيخ الكليني، ج 1، باب في الغيبة، ص 337، ح5

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّه»(1).

ومعه، فقد يُقال : بأن علم وقت الظهور بالضبط هو من الغيب الذي اختصه الله تعالى لنفسه، والعلم الغيببي الذاتي خاص بالله تعالى، حيث روي عن الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف: «إني بريءٌ إلى الله وإلى رسولِه، ممّن يقول إنا نعلم الغيب، ونشاركُه في مُلكِه، أو يُحِّلُنا محلاً سوى المحلَ الذي رضيه الله لنا» (2).

نعم، بتعليم من الله تعالى يمكن أن يطلع الإمام على ذلك، وإلى إمكان اطلاع الله عزّوجلّ بعض أوليائه على جزء من علم الغيب أشار عزّوجلّ في كتابه الكريم بقوله: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول» (3). فبعضُ القضايا معروفةٌ لنا وللإمام، وبعضها غيبية علينا معلومة للإمام، وبعضها خاصة بالله تعالى، ومن تلك القضايا الغائبة عنا نحن، وجهُ الحكمة في غيبة الإمام، وعدم إنجاز وعد الله عزّوجلّ إلى الآن بالأذن

ص: 108


1- سورة هود: 123
2- الاحتجاج: للشيخ الطبرسي، ج ، 2 ص 289
3- سورة الجن: 26

بالظهور، فتثبت الحكمة الباطنة من عدم الظهور.

نعم ، يظهر من بعض الروايات أن لأهل البيت عليهم السّلام علم ذلك، ولكن لم يؤذن لهم باطلاعنا عليه، ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن الفضل أنّه قال : سمعت جعفر بن محمد (الإمام الصادق عليه السّلام) يقول: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت له : ولمَ جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.

قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟

فقال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبيات من تقدمه من حجج الله عزّوجلّ ذكره. إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره....

يا ابن الفضل، إنَّ هذا أمرٌ من أمر الله، وسرٌ من سر الله، وغيبٌ من غيب الله. ومتى علمنا أنه عزّوجلّ حكيمٌ صدقنا بأنَّ أفعاله كلها حكمة، وإنْ كان وجهها غير منكشف لنا»(1).

ص: 109


1- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1، ب 44 ، ص 510 ، ح 11

ص: 110

الفقرة الرابعة :

«واحفظني في غيبتي إلى أنْ تأذن لي في ظهوري»

قوله : «احفظني» طلب من الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بأن يصونه الله عزّوجلّ؛ فيقال: «حفِظ الشَّيءَ: صانَه، حرسَه ، رعاه»(1).

وقوله : «في غيبتي» إشارةً من الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلى الغيبة، صغرى كانت أو كبرى، إلا أنه الآن للكبرى أقرب؛ خصوصاً مع قوله «إلى أنْ تأذن لي في ظهوري»، فالإذن بالظهور أقرب إلى الغيبة الكبرى من الصغرى؛ لأنّ انتهاء الغيبة يتحقق بالظهور، ولا ظهور من دون غيبة سوى الظهور بعد الغيبة الكبرى.

ولم يحدد الإمام زمنًا معيّنًا في غيبته، ويطلب من الله عزّوجلّ الحفظ، إيماناً منه بأنّ نظام الكون هو نظام العلّة والمعلول، والعلّة التامة لهذا الكون كلّه هو الله عزّوجلّ ، فتتجلى حاجة معلولاته له عزّوجلّ.

ص: 111


1- معجم اللغة العربية المعاصرة : لأحمد مختار عمر، ج 1، ص 522

ومن إطلاق كلام الإمام نستفيد دروسًا عقدية في العبودية الخالصة لله الواحد الأحد، وأدب التذلل في الكلام مع الخالق. وهذا ديدن السلف من أجداده عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، في طلب الحوائج من الله عزّوجلّ بتذلل؛ حيث جاء في دعاء جدّه الإمام الحسين علیه السّلام أنّه قال: «إلهي هذا ذُلّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَهَذا حالي لا يَخْفَى عَلَيْكَ، مِنْكَ أطْلُبُ الْوُصُولُ إِلَيْكَ، وَبَكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ، فَاهْدِني بِنُورِكَ إِلَيْكَ، وَأَقِمْني بِصِدْقِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ » (1).

نعم، قد يتعرض الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلى الضر كالمرض، والبرد، والحر، والعطش؛ فهو وإن كان معصوماً إلّا أنّه بشرٌ مثلنا، «كما تعتقد الشيعة الإمامية» (2).

ولعله بقوله هذا أعطى درسًا بليغًا للغلاة الذين يجعلون لمقام الأئمة علیهم السّلام مقام الألوهية، فسلك الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف مسلك أجداده الذين كانوا يحذرون من الانحراف مع الغلاة، حيث روي عن أمير المؤمنين علیه السّلام أنّه قال: «لا تقولوا فينا ربا

ص: 112


1- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي، ج 95 ، ص 226
2- ظ: عقائد الامامية: للشيخ المظفر ، ص 85

وقولوا ما شئتم ولن تبلغوا»(1) . وبالتالي يجب الإذعان بأنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يحتاج إلى الله عزّوجلّ ولهذا طلب الحفظ في غيبته.

* وقوله: «إلى» هذا الحرف يفيد الغاية، وانسجاماً مع سياق دعاء الإمام تكون الغاية زمانية.

فيحتمل أنْ يكون المعنى: «احفظني في غيبتي حتى تأذن في ظهوري»، فظاهرًا أنّ الإمام يشير إلى درجات حفظه، فجعل حفظه في غيبته قبل ظهوره حفظًا مهماً، يكون هو أكثر حرصاً على طلبه من الله عزّوجلّ؛ حتى ينجز له ربّه عزّوجلّ وعده الذي وعده به جل وهو الاستخلاف في الأرض؛ روي عن أبي بصير، أنّه سأل الإمام الصادق علیه السّلام عن تفسير قول الله عزّوجلّ: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ هُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى هُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي

ص: 113


1- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي ، ج 25 ، باب نفي الغلو، ص 347، ح25

شَيْئا (1)، فقال علیه السّلام: نزلت في القائم وأصحابه»(2).

ويؤيد ذلك سياق دعائه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بمفرداته السابقة: «اللّهمّ احجبني عن عيون أعدائي، واجمع بيني وبين أوليائي، وأنجز لي ما وعدتني»، فوحدة السياق ظاهرة في انصراف الكلام نحو مرحلة ما قبل الظهور، وحفاظا عليها فيكون معنى (إلى) في قول الإمام «واحفظني في غيبتي إلى أن تأذن في ظهوري» بمعنى الغاية، أي احفظني قبل الظهور؛ إلحاحاً منه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف على الله عزّوجلّ، وقد تم بيان السبب آنفًا. وهذا لا يتنافى مع طلب حفظه زمن ظهوره، لكنه أحوج إليه زمن الغيبة.

* وقوله : «أن تأذن في ظهوري»

إنّ أمر الإذن للإمام بالظهور راجع إلى الوقت الذي يحدده الله عزّوجلّ ؛ روي عن الإمام الجواد علیه السّلام أنّه قال : « ... أنّه قال: «... يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا... فإذا

ص: 114


1- سورة النور : 55
2- الغيبة: لشيخ النعماني، ج 1، باب 13 ، ص 245، ح 35

اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره»(1).

نعم، بعض الروايات وصفت مجريات الظهور، وكانت على ثلاثة أصناف:

1/ روايات حددت العلامات الحتمية قبل ظهور الإمام، ومنها ما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني» (2).

2/ روايات حددت وصْف سنة ظهور الإمام، منها: ما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام: «لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين تسع وثلاث وخمس وإحدى »(3).

3/ روايات وصفت يوم ظهور الإمام العلني، ومنها ما : «قال أبو جعفر علیه السّلام: كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام، ... فيملؤها عدلا كما ملئت ظلماً وجورًا »(4).

ص: 115


1- معجم أحاديث الامام المهدي : للشيخ الكوراني، ج 5، ص 39، ح 1360
2- الكافي: للشيخ الكليني، ج8، ص 310، ح483
3- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1، ص 473 ، ح 460
4- مصدر سابق، ج 1، ص 473 ، ح459

لكن رغم تلك المعارف، يبقى العلم اجماليًا بالنسبة لنا؛ فيبقى هناك أمر غيبي، وهو (في أيّ سنةٍ وترية سيأذن الله عزّوجلّ بظهور الإمام؟).

هذا ما لا يعلمه إلّا الله (سبحانه وتعالى)، لكنه عزّوجلّ لم يترك عباده سدی، فقد رسم قواعد كليّة لنبيّه الخاتم محمد صلّی الله علیه و آله، وبدوره نقلها إلى أهل بيته عليهم السّلام، ووصلت بعضها إلينا، منها ما «روي عن النبي محمد صلّی الله علیه و آله: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد صلى الله عليه وسلم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي فيملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما مُلئت ظلماً وجورًا»(1).

حيث أعطت هذه الرواية قاعدة حتمية بتحقق ظهور الإمام، وبثت في العباد روح الإخلاص بالعبادة، والعمل على تهذيب النفس والاستعداد الروحي ليوم الظهور. فزرعت فيهم الأمل لمواجهة مجهولية يوم الظهور.

وأما الإمام فلا زال يترقب هلال الظهور على مرّ العصور.

ص: 116


1- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1 ، ب 36 ، ص 405 ، ح 1

وعند التأمل في روايات الظهور، وبتحليلها ممكن أن ينقسم الظهور إلى ظهور أول سرّي أصغر، وظهور ثاني علني أكبر، «وقال بذلك بعض العلماء، مستدلين على ذلك بالروايات المعضدة لتحليلهم:

1/ الظهور العلني الأكبر

وهو ظهوره في مكّة المكرَّمة بين الركن والمقام في العاشر من محرَّم الحرام.

2/ الظهور السري الأصغر

الذي يمكن أن يُراد من الظهور الأصغر أحد الاحتمالين التاليين:

الاحتمال الأوَّل: أن يُراد من الظهور الأصغر هو ظهور ذكره علیه السّلام على ألسن الناس، خصوصًا بعد وقوع علامات الظهور، وأهمّها الصيحة، الأمر الذي أشارت إليه بعض الروايات الشريفة.

عن أمير المؤمنين علیه السّلام قال: «إذا نادى منادٍ من السماء : إنَّ

ص: 117

الحقَّ في آل محمّد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويُشربون حبّه، فلا يكون لهم ذكر غيره»(1).

الاحتمال الثاني: أن يُراد من الظهور الأصغر هو ظهوره الابتدائي الخاصَّة شيعته في المدينة المنوَّرة»(2).

و ممكن ترجيح الاحتمال الثاني؛ بلحاظ أنّ الظهور الابتدائي حقيقةً هو الظهور الأقرب إلى كونه ظهوراً - رغم صحة الاحتمال الأول -.

ومن خلال ذلك يتضح أنّ الله عزّوجلّ سيستجيب لدعاء الإمام «وأنجز لي ما وعدتني» فسيظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، ظهورًا أكبر كان أو أصغر، بل كلاهما، مع اليقين بأنّ الإمام محفوظ بحفظ الله عزّوجلّ، كيف لا؟ وقد ادّخره لزمنٍ يطفح فيه كيل الظلم والجور! ليستبدل بذلك قسطًا وعدلاً وإيمانا.

وبعد التأمل في روايات الظهور الأصغر يتضح لنا سبب

ص: 118


1- كنز العمّال: للمتَّقي الهندي، ج 14 ، كتاب القيامة، ص 588 ، ح 39665
2- على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الأسدي، ص 180 - 181

إلحاح الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بالدعاء بأن يحفظه الله عزّوجلّ؛ حيث إنّ الروايات الواصلة لنا تشير إلى مهاجمة جيش السفياني للمكان الذي سيظهر به الإمام ظهورًا أوليًا سرياً، وهي المدينة المنورة؛ فروي عن الإمام الباقر علیه السّلام في حديث جابر بن يزيد الجعفي، أنّه قال: ويبعث [أي يبعث السفياني جيشًا] بعثا إلى المدينة فيقتل بها رجلا، ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد صلّی الله علیه و آله صغيرهم وكبيرهم، ولا يترك أحد إلا حبس. ويخرج الجيش في طلب الرجلين»(1).

وهناك نظرية افترضت كيفية كشف السفياني للظهور الأولي للإمام، وممارسة الإمام لمهامه بشخصيته الثانوية، غير المعلنة لجميع الناس، «فقالت: إنّ السفياني يتتبع التحركات السياسية والعقائدية وتمييز المهدوية منها من غيرها، إلى أنْ يصل لخبر ظهور الإمام فيرسل إليه جيشًا ليعتقله»(2).

ونلاحظ هنا الخطر المحدق بالإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف في المدينة فيما

ص: 119


1- تفسير العياشي: لمحمد مسعود العياشي، ج 1، ص 64 ، ح 117
2- السفياني حتم مر: للسيد جلال الموسوي، ص79

لو اعتقله جيش السفياني، ولهذا نجده (أرواحنا فداه) يلح على الله عزّوجلّ بالدعاء ليحفظه، بل وابتدأ دعاءه ب_ «اللهم احجبني عن عيون أعدائي» ، فما كشف الله عزّوجلّ شخص الإمام الجيش السفياني إلّا لحكمةٍ بالغةٍ هو عزّوجلّ أعلم بها، ولا تعني عدم استجابة لدعاء وليّه، بل مجريات غيبه وحكمته تقتضي أن تحدث مع أنّ الحفظ لوليّه متحقق.

لذا نجد أنّ الروايات تخبرنا بأن الله عزّوجلّ سيأمر الإمام بالاختفاء من المدينة، والظهور بمكة المكرمة؛ منها ما روي عن الإمام السجاد علیه السّلام أنّه قال: فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يظهر بعد ذلك»(1).

ومن بعد الظهور الأصغر يظهر الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ظهورًا أكبر في مكة المكرمة، ويصله قادة جيشه، ويحاججه بعض الناس هناك؛ طالبين منه الدليل على إمامته، بل خلافته على الأرض، فيؤمن بعضهم، ويعاديه آخرون، ثم يصلي الإمام بأتباعه، ويصلي بهم العشاءين، ثم يخطب بهم؛ روي عن أبي

ص: 120


1- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1، ص 464 ، ح 437

جعفر علیه السّلام: «ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء، ومعه راية رسول الله صلّی الله علیه و آله، و قميصه وسيفه وعلامات، ونور، وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أذكركم الله أيها الناس، ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ الحجة، وبعث الأنبياء، وأنزل الكتاب وأمركم أن لا تشركوا به شيئًا، وأنْ تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأنْ تحيوا ما أحيا القرآن، وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعوانًا على الهدى، ووزرًا على التقوى، فإنّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بالوداع، فإنّي أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته..» (1) .

وبهذا يكون الله تعالى قد أنجز وعده، وحفظ وليّه.

ص: 121


1- معجم أحاديث الامام المهدي: للشيخ الكوراني، ج 3، ص 295 ، ح832

ص: 122

الفقرة الخامسة :

«وأحي بي ما دُرِسَ من فروضك وسننك»

يواصل الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف دعاءه، طالبًا من الله تعالى أن يحيي به الفرائض والسنن.

* فقوله: «أحي» يقال : «أحْياه : جَعَلَهُ حَيًّا» (1).

* وقوله : «ما دُرِسَ» فعل مبني للمجهول من انْدَرَسَ، أي «انْطَمَسَ»(2).

* وقوله: «من فروضك» مستخدمًا الحرف (مِن) للتبعيض، ولعلها بيانية فتحتمل معنى (بعض فرائض الله عزّوجلّ و لمنطمسة)، أو إنّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف یبيّن حكمها الواقعي المنطمس.

والفرض : هو «ما أَوْجَبه الله عزّ وجلّ، سمي بذلك لأَنَّ

ص: 123


1- القاموس المحيط : للفيروز آبادي ، ج 4 ، ص 322
2- مصدر سابق، ج 2، ص 215

له مَعالِمَ وَحُدُوداً »(1).

وقوله: «سننك» جمع سنّة، و«السُّنَّةُ (في الشرع) : العملُ المحمودُ في الدين مما ليس فَرْضًا ولا واجباً»(2).

و واقعاً هناك فرائض وسنن مندرسٌ أثرها، هي أحكام الله عزّوجلّ الواقعية، المنطمس أثرها؛ أي لم تصلنا، فيدعو الإمام ربّه بأن يحييها على يديه حين ظهوره عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، بكشفها لهم ، ومنعهم من العمل بالمبتدع بها، أو المغيّر عليها - حسب القياس، أو المصالح المرسلة، أو سد الذرائع -. وبالتالي سيحصر الإمام مصادر استنباط الحكم الشرعي بالقرآن الكريم والسنة النبوية القطعية - أقوال وأفعال وسكوت النبي وآله علیهم السّلام-.

واندراس تلك الفرائض والسنن يرجع إلى جملة من الأسباب، «منها:

أولاً: أسباب خارجية، كغزو البلاد، أو احتلالها الذي أدى إلى تدمير العديد من المكتبات الشيعية، التي تحتوي على كتب

ص: 124


1- لسان العرب: لابن منظور، ج7، ص2
2- المعجم الوسيط: لمجموعة مؤلفين ، ج 1 ، باب السين،، ص 456

متضمنة للفرائض والسنن المروية عن محمد وآل محمد عليهم السّلام.

ثانيًا : أسباب داخلية، كالحقد الطائفي الذي أعمى البعض وأدى بهم إلى حرق بعض تراثنا، فسبب اندراساً جزئياً لبعض الفرائض والسن» (1).

لكن بعد ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يعرّف الناس بنفسه، وبدين الله تعالى، ويطلب منه الناس الأدلة والبراهين على صدق ما يدعوهم إليه، فيقوم الإمام بوظيفته تلك، فيبلغهم معالم دين الله تعالى ،الواقعي بأصوله، وفروعه، ويهذّب الموروث الروائي المنسوب إلى محمدٍ وآل محمد صلّی الله علیه و آله؛ لذا جاء في بعض الروايات أنّه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يعيد الإسلام جديدًا؛ «فعن عبد الله بن عطاء المكّي، عن شيخ من الفقهاء – يعني أبا عبد الله علیه السّلام - ، قال: سألته عن سيرة المهدي كيف سيرته؟ فقال: «يصنع كما صنع رسول الله صلّی الله علیه و آله، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله صلّی الله علیه و آله

ص: 125


1- ظ: التراث المهدوي استقراء التطور الفكري في مسيرة التراث المهدوي الشيعي: لمجتبى السادة ، ف11، ص 249-250

أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً»(1).

والتجديد لازمه الاحياء، فيُحيي ما اندرس من الفرائض والسنن المعطلة. ولا مناص من كونها معطلة، وإلّا ما الغاية من إحياء الإمام لفريضة أو سنة متبعة !

والدليل على ذلك التجديد ما نقرأه في فقرات دعاء العهد: «واجعله اللهم... ومجددًا لما عطل من أحكام كتابك»(2).

فظاهر مفردة التجديد هو (غير) أحكام الدّين التي نحن عليها، وإلّا فالدّين الإسلامي هو هو ، لقوله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهَ الْإِسْلَام» (3)، وبالتالي لابد من معرفة ما هو التجديد الذي سيقوم به الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف في الدّين .

ذلك «التجديد يحتمل عدة أوجه»(4):

1 - التجديد بإحياء علوم الدّين الواقعية، التي هي عند

ص: 126


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب 13 ، ص 234، ح 13
2- مفاتيح الجنان: للشيخ القمي، دعاء العهد، ص 603
3- سورة الرعد: 19
4- ظ : شذرات مهدوية: للشيخ حسين الأسدي الشذرة 20، ص 265-272

الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، أما ما عندنا اليوم من علوم فأغلبها ظاهرية؛ أي أنها ممكن أن تصيب الواقع، وممكن أن لا تصيبه، «لكننا معذورون شرعًا أمام الله تعالى لو اتضح عدم اصابة أحكامنا الواقع؛ لأنّنا لم نقتحم الشبهة حال الشك بالحكم الواقعي، فالفقيه معذور شرعًا؛ لأنّه اجتهد وفق دليل ظني قد جعل الشارع المقدس له الحجية، فاستنبط حكمًا ظاهريًا بديلاً عن الواقعي المشكوك، وحدد وظيفة كلّ مكلّفٍ تجاه ربِّه، وكذا المكلف معذور شرعًا؛ لأنّه لم يقتحم الشبهة، أي لم يرتكب ما هو مشكوك في حرمته، ولم يترك ما هو مشكوك في وجوبه»(1).

2 - التجديد ببيان معالم دين الله تعالى جميعها، التي تعمّد مخالفوه وضع الأحاديث ودسّها ونسبتها للنبي وآله عليهم السّلام، فيأتيهم الإمام بمعالم دينٍ حقيقية غير محرّفة، صادقة غير مكذوبة، منجية غير مهلكة فيرونَ الدّين بحلّته الجديدة.

3- التجديد ببيان ما نسيَ بيانه بعض الرواة؛ نتيجة الظروف القاهرة التي أصابت التراث الشيعي من الحرق

ص: 127


1- ظ: اصول الفقه، للسيد محمد باقر الصدر، ج 3، ص 26

والإتلاف آنذاك.

4- التجديد باعتبار (الإمامة) أصلاً من أصول الدّين فيرى منكروها الدّين جديدًا.

5- التجديد من خلال القضاء على البدع التي يثيرها المغرضون ضد الدّين الإسلامي؛ بإدخال ما ليس من الدّين فيه، أو بإحياء بدعة وإماتة سنة ، فيغيّرون بالدّين تعمدًا، وهنا يظهر دور الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ؛ كما جاء في دعاء الاستغاثة به: «اللهم جدد به ما محي من دينك وأحيي به ما بدل من كتابك وأظهر به ما غُيّر من حكمك حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً جديداً خالصاً مخلصاً لا شك فيه ولا شبهة معه ولا باطل عنده ولا بدعة لديه» (1).

وبعد معرفة كيفية تجديد الدين على يدي الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، و ينبغي معرفة كيف سيُحيي ما جدّد من الفرائض والسنن.

فمن يتأمل في ظاهر الحديث المروي عن الهروي حينما

ص: 128


1- المزار: المحمد بن المشهدي ص 669

سمع الإمام الرضا علیه السّلام يقول: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. قال له: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» (1) ، يحكم عقلا بأنّ جذر هذا الحديث راجع إلى آباء الإمام الرضا علیه السّلام ؛ فمروياته مرويات محمد وآله عليهم السّلام ، وبما أنّ الإمام المهدي الله ضمن الآل، فتعيّن أنه سيعلّم الناس علوم أجداده عجّل الله تعالی فرجه الشّریف الواقعية.

وبما أنّنا نعتقد أنّ قول وفعل وسكوت المعصوم حجّة، وأنّ إحياء علوم الدّين لا يكون إلّا من خلال القول تبليغاً، والفعل امتثالاً، والسكوت تطبيقًا، فتكون الفريضة والسنة المتجددتان حجّة على العباد آنذاك.

إذًا كل اطر العملية التبليغية التي سيقوم بها بهدف تعليم الناس علوم محمد وآل محمد عليهم السّلام، يعدّ إحياءً لعلوم الدّين؛ لذا نجد الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، المبلغ الرسالي، أُلقي على عاتقه مهمة الأنبياء - تبليغ رسالات السماء -، وإحياء الدّين، كسلفه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

ص: 129


1- عيون أخبار الرضا: للشيخ الصدوق، ج 2، ب 28 ، ص 275، ح 68

إلّا أنّ إحياءه للدّين سيكون مختلفا نوعاً ما عن إحياء أجداده عجّل الله تعالی فرجه الشّریف؛ نظرًا لطول غيبته عجّل الله تعالی فرجه الشّریف. التي استغلها البعض في إماتة ، الايراني السنن وإحياء البدع، بل وتبديل دين الله تعالى الواقعي، على اختلاف مذاهبهم الفقهية.

و لازم دعاء الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أنّه يحيى أيضًا أصول الدّين؛ لأنّه لا عمل بفروع الدّين ما لم يتم الإيمان بأصوله؛ فحين ظهوره سيبلّغ الناس العقيدة الحقّة، بتنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق بساحة جلالته، مما نسبت إليه الأديان والمذاهب والفرق الضالة، وكذا يبلغهم حقيقة العدل الإلهي، ويبطل الجبر والتفويض الذي قالت به بعض الفرق الكلامية، ويثبت أصالة الإمامة بين أصول الدّين ودورها الرابط والمهم، ويعرّج على المعاد، ويشير إلى حقائق لم تكن تطرق اسماع البعيدين عن عقيدة محمد وآل محمد عليهم السّلام ؛ لأنّهم لم يستمدوا علومهم من العترة المحمدية (عليهم وعلى سيدهم السلام).

كما ويلزم من دعائه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أنّه سيُحيي أخلاق الدّين المندرسة بسبب تشتت الأهواء، والابتعاد عن الأخلاق القويمة في زمن

ص: 130

الغيبة نتيجة الفتن والابتلاءات التي انجرف معها كثيرون.

وإلّا فكيف يُحيي الإمام الفرائض والسنن المندرسة وأخلاقهم ليست أخلاقاً محمدية؟!

إذاً فالهرم المعرفي الثلاثي (اصول الديّن، وفروعه، وأخلاقه) لا يمكن تثنيته، ولا توحيده بالإحياء.

ص: 131

ص: 132

الفقرة السادسة :

«وعجِّل فرجي وسهِّل مخرجي»

* قوله : «وعجِّل» فعلٌ صيغته مشدّدة، والأصل: «عَجِلَ عَجِلَ عَجَلاً، وهو بمعنى الإسراع، وجاء في القرآن الكريم: «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى» أي أسرعتُ إلى طاعتك ربّي لترضى عنّي.

وعَجَّلَ بالتشديد تفيد نفس المعنى، وهو التشديد بالإسراع، فيقال: عجّل للضَّيْف: أي قَدَّم إليه الطعام»(1)، وقد ذكر الفعل مشددًا في القرآن الكريم، بقوله تعالى: «وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَاب»(2)، «فطلبوا استهزاء بيوم المعاد أن يسرع الله تعالى لهم بحظّهم من العذاب قبل يوم القيامة»(3).

ص: 133


1- ظ: المعجم الوسيط: لمجموعة مؤلفين، ج 2، ص 678
2- سورة ص : 16
3- ظ : تفسير الميزان: للسيّد محمد حسين الطباطبائي، ج 17، ص 186

* وقوله : «فرجي» يقال: «فَرَجَ اللهُ الغَمَّ: [أي] كَشَفَه» (1).

فظاهر العبارة أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يلح بدعائه على الله تعالى بأن يسرع كشف غمّه نتيجة غيبته.

* وقوله : «وسهِّل» أيضًا صيغة الفعل مشدّدة، والأصل«سَهُلَ سَهُلَ سُهُولَةً: مالَ إلى اللِّين وقَلَّت خشونته»(2).

* وقوله: «مخرجي» المخرج هو «موضعُ الخَروج» (3).

لو تأملنا في مفردة دعاء الإمام هذه، لوجدنا أنّه يشخّص بدقة ما يريد، وهو الحكيم في قوله؛ إذ دعا بتسهيل خروجه، ولم يقل بتسهيل الظهور؛ لتغاير المفردتين، فالخروج قد «خروجه علیه السّلام من المدينة إلى مكة» (4)، وما طلبه التسهيل والإسراع في موردٍ كهذا إلاّ لشدّة ما سيمرّ به بعد ظهوره الأصغر في المدينة المنورة؛ إذ سيرسل السفياني جيشًا إلى

ص: 134


1- المعجم الوسيط: لمجموعة مؤلفين، ج 2، ص 678
2- مصدر سابق، ج 1 ، ص 458
3- مصدر سابق، ج 1، ص 225
4- صحيفة صدى المهدي، العدد 85 ، ربيع الأول ، 1435ه_، الأسئلة الموجهة إلى مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام

المدينة؛ فعن النبي صلّی الله علیه و آله: « ... خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس... فيبعث جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة»(1).

والإمام في هذه الحال لم يعلن عجّل الله تعالی فرجه الشّریف عن ظهوره الأكبر، فنتيجة للخطر المحدق بالإمام توجّه بالدعاء بإلحاح بأن يسهّل خروجه من المدينة؛ إذ قد يتمكن جيش السفياني من اعتقال الإمام قبل خروجه منها، وهو آنذاك لا ناصر له إلّا الله عزّوجلّ، بل حتى لو دعا الناس إليه، لأمكن أن لا يصدّقه أغلب الناس.

وظاهر تلك الرواية أنّ عدو الله عزّوجلّ السفياني سيعلم بوجود الإمام في المدينة، فيرسل جيشًا لاعتقاله أو قتله.

ولعل ترقب السفياني هذا، ودس جواسيسه في أماكن كمكة والمدينة، يكون نتيجة سماعه وجنوده الصيحة الجبرائيلية، في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، فلعله يستفهم من أهل العلم آنذاك عن خارطة ظهور الإمام، إذ أنّ أغلب الناس سيترنمون باسم الإمام؛ حسب ما روي عن حسب ما روي عن أمير المؤمنين علیه السّلام أنّه قال: «إذا نادى منادٍ من السماء : إنّ الحقَّ في آل محمّد، فعند

ص: 135


1- معجم أحاديث الإمام المهدي علیه السّلام: للشيخ الكوراني، ج 5 ، ص 354

ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويُشربون حبّه، فلا يكون لهم ذكر غيره»(1).

فيستغل الجواسيس آنذاك هذه الفرصة ويسترقون المعلومات، ويحصلون على مكان وجود الإمام، نظير استراق الشياطين أخبار السماء. فيترقب السفياني حصول حراك ضدّه، ليرسل شرذمته إلى المدينة، ومكة محل الظهور.

* وهنا سؤال حاصله أن يقال: هل يعلم الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بوقت ظهوره؟

وجوابه منبثق من العصمة التي تتطلب كل كمال فيما أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف معصوم ، «والعصمة تتجلّى بعلم لدنّي يكشف للمعصوم ما خفي علينا،... فهو إذن يعلم بساعة الظهور، إمَّا من باب أنَّ العصمة تعني فيما تعنيه علماً لدنّياً غيبياً بتعليم من الله تعالى، وإمَّا من باب أنَّ من خصائص الأئمَّة عجّل الله تعالی فرجه الشّریف أنَّهم إذا أرادوا أن يعلموا الشيء، فإنَّ الله تعالى يُعلِّمهم ذلك

ص: 136


1- كنز العمّال: للمتَّقي الهندي ، ج 14، ص 588 ، ح 39665

بدليل الشيء بمجرَّد توجّه نفوسهم القدسية إلى معرفته» (1)، ما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام : «إِنَّ الامَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ عُلِّم» (2)، ومشيئته متعلقة بمشيئة الله عزّوجلّ ، فمتى ما شاء الله عزّوجلّ إعلامه يعلمه.

ونحن نعلم أن ذلك العلم اللدني من الله عزّوجلّ ، وبإذنه؛ فقد روي «عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الاَوَّلِ مُوسَى علیه السّلام قَالَ: مَبْلَغُ عِلْمِنَا عَلَى ثَلاثَةِ وُجُوهِ مَاضٍ وَغَابِرٍ وَحَادِثٍ، فَأَمَّا الماضِي فَمُفَسَّرُ ، وَأَمَّا الْغَابِرُ فَمَزْبُورٌ، وَأَمَّا الحادِثُ فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ وَنَقْرٌ فِي الاسْمَاعِ، وَهُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا» (3)، إذ قد يقذف الله عزّوجلّ العلم في قلب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بزمن ظهوره، أو قد ينقر ذلك في سمعه الشريف - وما ذلك على الله عزّوجلّ بعزيز - عن طريق وحي خاص، نظير وحيه عزّوجلّ لأم النبي موسی علیه السّلام؛ كما قال تعالى:

ص: 137


1- مقال: عنصر الخفاء في القضية المهدوية: للشيخ حسين الأسدي، مجلة الموعود، العدد /4 / ذو الحجة 1438ه_
2- الكافي: للشيخ الكليني، ج 1، باب انّ الأئمة علیهم السّلام إذا شاءوا أن يعلموا علِّموا، ص 258، ح 1
3- مصدر سابق، ج 1، باب جهات علوم الأئمة، ص 264، ح 1

«وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ»(1).

وكما أوحى إلى النحل؛ بقوله عزّوجلّ: «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ »(2).

فإذا كان الله عزّوجلّ أوحى إلى ام نبي وإلى النحل، لا عجب إذا أوحى إلى وليّه، وخليفته على أرضه، القائم بعدله، الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، لا بوحي النبوة، بل بالنقر في سمع الإمام وإعلامه بزمان الظهور.

ومعه، حتى لو قيل: إنه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لا يعلم بوقت ظهوره اليوم، وسيعلمه في وقت خاص، فهذا ليس بنقصٍ، بل هو اصطفاء له، وتمييز عن غيره ؛ لكونه معصوما.

وعليه، فإن قيلَ: بما أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف معصوم، والمعصوم لا يصدر منه اللغو، فإذا كان يعلم بوقت ظهوره فما فائدة دعائه ؟

يمكن الإجابة عن هذا الإشكال اجمالاً ضمن النقاط

ص: 138


1- سوة القصص: 7
2- سورة النحل: 68

التالية:

1- إنّ الدعاء ليس لغواً على كل حال، فدعاء الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف شوق منه لتحقيق رضا الله تعالى، بسيادة العدل في دولته الموعودة، التي سادها الظلم والجور، وللقاء بأنصاره، وشيعته، ومن سيلتحق به، بعد أن أحرقهم شوق الانتظار، وهذا بحد ذاته فعل حسن، يحكم العقل بحسنه.

2- إنّ دعاء الإمام رسالة لنا بعدم الانقطاع عن الدعاء مهما كان القدر مفروعًا منه؛ روي «عَنْ أَبِي عَبْدِ الله علیه السّلام قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ادْعُ وَلا تَقُلْ قَدْ فُرِغَ مِنَ الأَمْرِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَة» (1) ، فرغم كون خروج الإمام مفروعًا منه إلّا أنّ الإمام لم ينقطع عن الدعاء، فدعا بتسهيل مخرجه.

3- إنّ دعاء الإمام بتعجيل الفرج محققٌ الغرض الله عزّوجلّ، وهو هداية العباد، وتحقيق القسط والعدل، وتطبيق معالم الدّين، وهذا كافٍ لرفع اللغوية.

ص: 139


1- الكافي: للشيخ الكليني، ج 2، باب فضل الدعاء والحث عليه، ص 467، ح5

فإن قيل : إنّ ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من الأمور المحتومة، اللابدية الوقوع ، فكيف يدعو الإمام ربّه بأن يغيّر محتوماً ؟ وإن استجاب الله عزّوجلّ فهذا من قبيل اجراء البداء على علمه عزّوجلّ !

يجاب: إنّ هذا الإشكال مندفع بعدم لزوم المحذور مع اجراء البداء؛ انطلاقاً من فهم معنى البداء بالنسبة لله تعالى، وتفصيله يقع ضمن الوجهين التاليين:

الوجه الأول: لو أُجريَ على الفقرة الأولى من دعاء الإمام، وهي «وعجّل فرجي»:

فإن حُمل تعجيل الفرج على تعجيل الظهور العالمي للإمام؛ بقرينة حاليّة، وهي انكشاف غم الإمام بالظهور، فكأنّه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف دعا باللازم، وهو (تعجيل الفرج)، لا بالملزوم وهو (تعجيل الظهور). فهذا ممكن في عالم الثبوت والإثبات؛ والشواهد على ذلك كثيرة، منها ما روي عن الإمام أبو جعفر الثاني علیه السّلام أنّه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا

ص: 140

وظلما»(1)، فمنطوق الرواية صريح في حتمية ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، ولكنّها تشير إلى إمكان تأخير الله عزّوجلّ ليوم الظهور، وجعله آخر يومٍ في الدنيا.

فكما أمكن تأخير ذلك اليوم، أمكن تقديمه، ومن هنا انطلق الإمام بالدعاء بتعجيل فرجه، أي بتعجيل يوم كشف غمته والإذن له بالظهور.

والنتيجة/ ممكن حصول البداء في تعجيل فرج الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، ولا محذور في ذلك؛ وذلك لأن التغيّر سيحصل المهدي في علمنا نحن، لا في علم الله عزّوجلّ؛ لأنّه عزّوجلّ بعلمه الأزلي علم أنّ الإمام سيدعو بتقديم يوم ظهوره.

الوجه الثاني : لو أُجري على الفقرة الثانية من دعاء الإمام، وهي «وسهّل مخرجي»

فهنا يمكن القول بجريان البداء؛ فبناءً على أنّ خروج الإمام يختلف عن ظهوره فكما جرى بالظهور يجري في

ص: 141


1- اعلام الورى بأعلام الهدى: للشيخ الطبرسي، ج 2، ص 242

الخروج؛ لاشتراك المفردتين في هدفٍ واحدٍ؛ لهذا دعا الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ربّه باللطف وتسهيل العقبات عند ظهوره الأولي، أو خروجه، أما نقرأ أنّ الله عزّوجلّ سيحميه ويخرجه من المدينة بلينٍ ولطف!

فهذا بداءٌ بالنسبة لنا؛ حيث كنّا لا نعلم، وقد علمنا.

ص: 142

الفقرة السابعة :

«واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا»

يستمر الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بدعائه، فيطلب من الله عزّوجلّ و السلطان النصير، فهو يريد أن تكون العلة التامة لنصره هي الله عزّوجلّ أصالة ، لذلك قال «من لدنكَ»، فنسبة النصر إلى الله عزّوجلّ للاختصاص، وهي نظير قوله تعالى: «أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِّ قَرِيب» (1) ، أي أنّ النصر وإن تعددت أسبابه فهي علل غير تامة، علتها التامة هي الله (سبحانه وتعالى)، وسيأتي بيان تلك النصرة في هذه الفقرة.

وأصل دعاء الإمام آية قرآنية، وهي قوله تعالى: «وَاجْعَلْ لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا» (2)، وعليه، ينبغي الرجوع إلى تفسير هذه الآية الكريمة لمعرفة حدود مقصدها عمومًا، ومغزى الإمام من الدعاء بها خصوصًا.

ص: 143


1- سورة البقرة: 214
2- سورة الإسراء: 80

يذكر أنّ هذا دعاء النبي الأكرم، محمد صلّی الله علیه و آله، فحينما فسّرت هذه الآية كان مفاد تفسيرها هو اللهم «اجعل لي عزّا أمتنع به ممن يحاول صدي عن إقامة فرائضك وقرة تنصرني بها على من عاداني فيك.

وقيل اجعل لي ملكا [عزيزا] أقهر به العصاة فنصر بالرعب حتى خافه العدو على مسيرة شهر وقيل حجّة بيّنة أتقوى بها على سائر الأديان الباطلة.

وسماه نصيرا لأنه تقع به النصرة على الأعداء فهو كالمعين»(1).

والمتأمل في سياق الآية الكريمة التي دعا بها النبي الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله يجد جملة سابقة لها، تشير إلى وجه الشبه بين مهمة النبي محمد، وحفيده الإمام المهدي عليهم السّلام ، بل وإلى بيان مغزى الإمام من وراء اختياره لهذه الآية تحديدًا ليلهج بها في دعائه، فالآية بتمامها هي «وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي

ص: 144


1- مجمع البيان في تفسير القرآن: للفضل بن الحسين الطبرسي، ج 6 ، ص 284

مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرا»(1).

و من أحد وجوه تأويل ادخاله واخراجه بصدق، والمتناسب مع هدف الإمام ظاهرًا، هو «أدخلني المدينة، وأخرجني منها إلى مكة للفتح» (2)، فلعله يشير إلى دخول المدينة بظهوره الأولي الأصغر، وخروجه منها متوجهًا إلى مكة لظهوره الأكبر، فهنا طلب السلطان النصير حال ظهوره مطلقًا؛ ويؤيد ذلك وجود قرينة متصلة، ضمن نفس سياق دعاء احتجاب الإمام، وهي قوله: «وافتح لي فتحًا مبينا» ، وسيأتي شرح مفرداتها فيما سيأتي إن شاء الله عزّوجلّ .

إذًا دعاء الإمام بطلب السلطان النصير هو لغرض الفتح؛ كطلب جدّه النبي الأكرم ، محمد صلّی الله علیه و آله، الذي كان لغرض فتح مكة، ونشر دين الإسلام فيها.

وبما أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف سيّد العقلاء، وسيرة العقلاء جارية على أنّ الحكيم منهم حينما يريد أن يتكلّم، يقول كل ما

ص: 145


1- سورة الإسراء: 80
2- مجمع البيان في تفسير القرآن: للفضل بن الحسين الطبرسي، ج 6 ، ص 284

يريده، ونص دعاء الإمام ظاهر في العموم، حيث إنّ الإمام لم يقيّد أي نصرةٍ يطلبها من الله عزّوجلّ، فيتعيّن أن يطلب بدعائه جميع أقسام النصرة؛ لأنّه لو أراد قسماً منها لذكره، ثم إنّ حصره النصرة بقسمٍ دون آخر ليس مناسبًا مع مقام عصمته؛ لاعتقاده بقدرة الله تعالى الواسعة، التي تتعلق بكل شيء ممكن، وأمر نصرته بكافة أقسام النصرة ليس بمحال على الله العلي القدير، فأطلق في دعائه.

وعليه، يمكن تقسيم النصرة المطلوبة في دعاء الإمام على ثلاثة أقسام:

أولاً : النصرة القولية :

انطلاقاً من كون قول المعصوم حجّة، فإنّ تراث محمدٍ وآل محمد عليهم السّلام المبشّر بالإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ودعاءهم له، هو أحد مصاديق نصرة الإمام القولية.

فلعله يقصد (بحق كلام أسلافي اجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرا) بالقول الثابت، فقوله قولهم عليهم السّلام، وقولهم

ص: 146

قول رسول الله صلّی الله علیه و آله، ولا سيما وأنّه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف سيحاج شفوياً من يحاجّه.

ومحاجّته القولية مؤيدة بالنصر ؛ لأنّه يعتمد على أدلة صحيحة، حيث يحاجّ أتباع كل دين بكتابهم؛ روي عن الإمام الباقر علیه السّلام: « ... ويستخرج التوراة وسائر كتب الله (عز وجل) من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن»(1).

أما نصرة الإمام القولية على من لا دين لهم، فالبرهان سيّد الموقف.

ثانيًا : النصرة الفعلية :

كما ويطلب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من الله عزّوجلّ، النصرة الفعلية، أي النصرة بأفعاله، وتتجلى صور هذه النصرة بعدة أمور ، منها :

1 - جسم الإمام

من خلال بعض الروايات الشريفة التي وصفت

ص: 147


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب 13، ص 241، ح 26

الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، ذكرت أنّ جسمه كأجسام بني اسرائيل، فعبّرت عنه بذي الجسم الإسرائيلي؛ روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : «المهدي من ولدي، وجهه كالكوكب الدرّي، واللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي» (1).

ويحتمل دلالة معنى كون جسم الإمام جسمًا اسرائيليًا هو «شبه جسمه بجسم نبي الله موسى علیه السّلام بالقوة الملحوظة من سياق الآيات الكريمة التي تطرقت إلى وكزه للقبطي، وإلى سقيه لابنتي شعيب من بئرٍ عميق» (2).

فلعلّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يدعو الله عزّوجلّ أن یدیم صحة جسمه، ليستطيع أن يحقق النصر.

ولاشكّ أنّ الإمام إنسان وكلّ إنسان يحتاج الجسده كي ينفذ أفعاله، - حتى وإن منحه الله عزّوجلّ بعض المعجزات-، فهو و بالتالي لا بد أن تكون يده سليمة كي يقاتل بها، وقدمه كذلك كي يذهب إلى دولٍ ليفتحها، وهكذا سائر أعضاء جسده،

ص: 148


1- كشف الغمة: للمحقق الأربلي، ج 3، ص282
2- ظ: على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الاسدي، ص39

الذي به يحقق النصر كسلطان.

فبتلك الصحة والجسم السليم يقتل قوى الشر، كالسفياني؛ حيث روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «أُفٍّ أُفٍّ، مَا أَنَا لا هِؤُلاءِ بِإِمَامٍ، أَمَا عَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّما يَقْتُلُ السُّفْيَاني»(1).

وحتماً يكون للإمام غايات يريد تحقيقها، ومنها قتل السفياني، ولهذا يطلب السلطان النصير ليحقق احداها.

2 - الإمام يُكمِّل العقول:

لا شكّ أنّ الله عزّوجلّ كرّم الإنسان بالعقل، وبه ميّزه عن سائر المخلوقات، فبالعقل يتفكر ويعقل ويعلم، وكثيرًا ما حثّت الآيات الكريمة على هذه العمليات الثلاث، رغم أنّ مدركات الناس متفاوتة، لكن كلّ على قدر سعة أفق عقله.

صحيح نحن نعيش في عالم الاستكمال، لكن مهما بلغ الإنسان من العلم بعقله - النظري والعملي - في زمن الغيبة، لن يصل إلى درجة الكمال العقلي المتحقق في زمن الظهور؛

ص: 149


1- الكافي: للشيخ الكليني ، ج 8، ص 331 ، ح509

حيث روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنَّه قال: «إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم وكملت بها أحلامهم» (1)، فاليد هنا كناية عن النعم العظيمة التشريفية، التي يشرّف الله عزّوجلّ بها وليّه، الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، وفي زمن ظهوره تجتمع العقول وتكمل . ومعنى اجتماعها هو اتحادها، «بالإيمان والصفاء والمحبة واتحادها على التطور العلمي والثقافي والتكنلوجي»(2).

أما اكتمال الأحلام هو اكتمال العقول ؛ ولمفردة (الأحلام) جذر قرآني، جاء في قوله تعالى: «أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون»(3) ، وفسّرت هذه الآية ب_ «أنّ الأحلام جمع حلم وهو العقل،... والمعنى بل أتأمرهم عقولهم أن يقولوا هذا الذي يقولونه ويتربصوا به الموت؟ فأي عقل يدفع الحق

ص: 150


1- مصدر سابق، ج 1، ص 25، ح 21
2- ظ : دولة الإمام المهدي علیه السّلام : للسيد مرتضى المجتهدي السيستاني، ص 175- 225
3- سورة الطور: 30

بمثل هذه الأباطيل؟»(1).

وبالتالي سيكون عنصر تكامل العقول عنصرًا مهمًا في نصر الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، فبعقول أتباعه جيشًا ومن سيؤمن به ينتصر على كل قوى الشر.

ثالثًا : النصرة التشريفية

ولقد شرف الله عزّوجلّ وليّه، وخليفته على الأرض، الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بتشريفاتٍ عديدة تكون سبب تحقق نصره، منها:

1 - الإمام مؤيد بالملائكة

إنّ تعزيز الدعم الإلهي للإمام بالملائكة، إن صحّ أن نقول أنّه منقطع النظير عّما سبقه من الدعم للأئمة السابقين؛ تناسبًا مع عالمية دولته، ودعوته، فروي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال : «لو خرج قائم آل محمد لَنَصَرَهُ الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره»(2).

ص: 151


1- تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج 19 ، ص 17
2- الغيبة: للشيخ النعماني، ج1، ص237، ح22

2/ الإمام منصور بالرعب

وتشريف آخر يحظى به الإمام، وهو أنّ الله عزّوجلّ يلقى الرعب في قلوب أعدائه قبل أن يخوضوا معه القتال، ولهذا نجد الكثير منهم يدخل طوعًا تحت لوائه، روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر»(1)، وكفى بالرعب نصرا.

3- عصر الإمام عصر تطور تكنلوجي

ومن التشريفات ازدهار التكنلوجيا في عصره، واستعمالها كجزء علة في نصره، ونشر دعوته، فروي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «المؤمن في زمن القائم وهو في المشرق يرى أخاه الذي في المغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق»(2).

بالإضافة إلى وسائل النقل المستفادة ظاهرًا مما روي عن

ص: 152


1- إعلام الورى بأعلام الهدى: للشيخ الطبرسي، ج 2، ص 291
2- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي ، ج 52 ، ص 391، ح213

الإمام الباقر علیه السّلام: «القائم منا ... تطوى له الأرض» (1). فطي الأرض قد يكون بالطائرات أو وسائل النقل الحديثة؛ كما روي عن جابر حينما سأل الإمام الباقر علیه السّلام عن تفسير قول الله عزّوجلّ «هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْر» (2) ، قال علیه السّلام : «ينزل في سبع قباب من نور لا يعلم في أيها» (3)، فظاهرًا قباب النور هي احدى وسائل النقل الجوية - الطائرات-.

وكذا وسائل الحرب المتطورة؛ حيث روي «إن للقائم خيل مسرجة ملجمة ولها أجنحة» (4) ، ولاشك أنّ مثل هذه الوسائل المتطورة دورها كبير في انجاح النصر .

وبعد استعراض بعض مصاديق أقسام النصر الذي يطلبه الإمام في دعائه، بقي أن نشير إلى كيفية تحقق نصره عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، حیث

ص: 153


1- مصدر سابق
2- سورة البقرة: 210
3- تفسير العياشي: لمحمد العياشي، ج 1 ، ص 103 ، ح 301
4- معجم أحاديث الإمام المهدي علیه السّلام: للشيخ علي الكوراني، ج4، ص 58 ، ح 1134

طرحت اطروحات أشارت إلى كيفية ذلك، «منها:

الأطروحة الأولى : نصرٌ بالإعجاز الإلهي

وتتلخص هذه الاطروحة بأن الله سبحانه وهو القادر على كل شيء قد وعد خليفته بالنصر في آيات كثيرة، وهو قادر على نصره بأية طريقة كانت، وتمكينه من بسط سلطانه على الأرض، وذلك بأن يحصل على الأسلحة بطريق المعجزة، وأن الأسلحة الحديثة لا تعمل ضده، وأن الأعداء سوف يصرفهم الله عن استنتاج الطرق المؤثرة عليه.

وهذا الرأي مخالف لقاعدة (ناموسية السنن الإلهية) كما يقول سماحة الشيخ محمد السند (دام ظله)، ويضيف: «إن أي تغيير ليس إيحاءً ولا إعجازاً على قاعدة كن فيكون وإنما هو أمر بين أمرين جانب من البشر، وجانب من التأييد «الإلهي»(1).

فكأنّه يشير إلى أنّ السنن التي يجريها الله عزّوجلّ في الكون ليست أسبابها فقط إعجازية.

ص: 154


1- محاضرة للشيخ السند في مسجد الهندي، 15 / 3 / 2007 م

الأطروحة الثانية : نصرُ بالقوانين الطبيعية

و مفاد هذه النظرية أنّ نصر الإمام يتحقق وفقاً لقوانين الطبيعة فقط، دون تدخل القدرة الإلهية.

وأيضًا نوقشت هذه الاطروحة، وعورضت بمحالية عدم تدخل القدرة الإلهية، وإن كان للإمام قدرات ذاتية، لكنها تبقى في طول قدرات الله عزّوجلّ ، لا في عرضها.

الأطروحة الثالثة : نصرٌ بقوّة الجيش وحداثة السلاح مع تأييدٍ إلهي.

هذه الأطروحة أجملت في بيان مقومات نصر الإمام، حيث نصت على أن الإمام المهدي علیه السّلام ينتصر بقوة جيشه وحداثة سلاحه ورجاله المحاربين الأشداء مع وجود التأييد الإلهي »(1).

وترجّح الأخيرة؛ لتناسبها مع أقسام النصرة التي ذكرت أعلاه. فظاهرًا هي المستجمعة للنصر الذي يطلبه الإمام

ص: 155


1- ظ: مقال دراسات/ أفكار في سلاح الإمام المهدي علیه السّلام عند الظهور : للكاتب : حسين عبد الأمير الظالمي، مجلة الانتظار، العدد 12، 1429ه_

بسلطان منه؛ فعلى تقسيم النصرة إلى قولية وفعلية - التي منها جسم الإمام، وتكامله للعقول- ، وتشريفية - التي منها تأييد الإمام بالملائكة، ونصره بالرعب، وتطور عصره التكنلو ه التكنلوجي- يتضح شمول الأطروحة الثالثة لجميع أقسام النصرة بتفرعاتها؛ فيوكل النصر فيها إلى ماهية وصفات جيش الإمام، فضلاً عن ذات الإمام، والتأييد الإلهي بما تم بيانه، بل ولعله بما لم يخطر على ذهن أحد ؛ لسعة قدرة الله عزّوجلّ على كل أمر ممكن لنصرة وليّه، فتكون النصرة شاملة للتأييد الإلهي وغيره .

ص: 156

الفقرة الثامنة :

«وافتح لي فتحاً مُبينا»

ظاهر دعاء الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هذا أنّه يُشير إلى طلب المدد الإلهي أثناء فتوحاته بعد خوض المعارك مع الأعداء، وبين هذه الفقرة الدعائية والسابقة - طلبُ النصر - ارتباط وثيق؛ لأنّ الفتح لازمه النصر.

وهذه الفقرة كسابقاتها لها جذرٌ قرآني، وهي قول الله عزّوجلّ: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مبينا»(1)، التي كانت تُشير إلى بشارة الله عزّوجلّ لنبيّه الأكرم محمد صلّى الله عليه و آله بفتح مكة، بعد صلح الحديبية الذي أُبرِمَ بينه صلّى الله عليه و آله وبعض المسلمين الذين ذهبوا معه لأداء مناسك العمرة وبين بعض مشركي قريش؛ «لأن قريش منعته صلّى الله عليه و آله والمسلمين من أنْ يدخلوا مكة، فحطّوا عند مكان يسمى الحديبية وأبرموا معاهدةً مع كبراء قريش، طلبت فيها قريش

ص: 157


1- سورة الفتح: 1

أن لا يدخل مكة في ذلك العام النبي محمد صلّی الله علیه و آله والمسلمين، والّا وقع القتال فاختار صلّی الله علیه و آله أنْ يتركَ العمرة حتى لا يريقَ دماءً بسبب سفاهة قريش، وعاد والمسلمون نحو المدينة.

وبعد فترةٍ جاءت البشرى الإلهية بفتح مكة، فجهّز النبي صلّی الله علیه و آله جيشًا ليفتح مكة، وينشر الإسلام فيها، ويؤدوا العمرة التي حُرِموا منها ، بل ولينطلق بعد الفتح لنشر الإسلام في الجزيرة العربية، وربوع العالم، حتى أنّ قريشًا لم تقاوم أبدًا، حيث اعترفت بكيان المسلمين»(1).

وبعد هذه النبذة المختصرة عن فتح مكة بقيادة نبي الله محمد صلّی الله علیه و آله ، يأتي ولده الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ويطلب فتحاً مبينًا كفتح جدّه صلّی الله علیه و آله ، بل ويُشابهه في المخرج والمدخل والهدف، فيخرج الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من المدينة كما خرج النبي صلّی الله علیه و آله منها، ويدخل مكة محررًا فاتحاً ، بهدف نشر الدّين الإسلامي، بصورة عالمية، ولهذا قال الله عزّوجلّ في أواخر سورة الفتح بقوله: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ

ص: 158


1- ظ: تفسير الأمثل في بيان كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 16، ص 412 - 417

رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيدا»(1)، فكما أظهر الله عزّوجلّ الدّين على يد نبيّه، يظهره على يد وليّه القائم عليهم السّلام بعد أنِ اندرست بعض معالمه، وابتدع فيه، حتى نفر عنه البعض جهلاً بحقائقه، وتعمَّق الآخر غلوًّا بظواهره .

وإنّ نطاقَ فتوحات الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف سيكونُ أوسع؛ لحكمةٍ إلهية خفية، ولطوعية بعض الأعداء بإبرام معاهداتِ صلحٍ معه، مما يُتيح له تحقيق الفتوحات .

وتأتي الفتوحات كنتيجةٍ لازمة لغرض إظهار الله عزّوجلّ لوليّه الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ؛ إذ الفتح هو افتتاح الدول الظالمة على يده، ونشره القسط والعدل والدّين الإسلامي في ربوعها، وهذا جزء علةٍ لسيادة الإمام العالمية، في قبال الدول الغربية التي سوف تعلن إسلامَها، وبالتالي لا تحتاج إلى مواجهات.

وقبل الفتوحات يُعِدُّ الإمامُ عجّل الله تعالی فرجه الشّریف وسائلَ الاحتجاج العلمية، ليُخيّر أعداءه بين السلم والقتال، وهي التوراة والإنجيل،

ص: 159


1- سورة الفتح: 28

بالإضافة إلى مواريث الأنبياء السابقين عجّل الله تعالی فرجه الشّریف. وروي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «إذا قام قائم أهل البيت... يستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية»(1).

ومن أبرزِ فتوحاتِ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف (فتح القدس)، فيسيرُ وجيشه إلى (بحيرة طبرية) «التي تقع بين الخليل والجولان، أحد أقضية عكّا في فلسطين» (2)؛ روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «... ثم يأتي الكوفة فيُطيل فيها المكث... ثم يسيرُ حتى يأتيَ العذراء هو ومن معه وقد لحقه ناسٌ كثير» (3). فحين وصوله «يستخرج من البحيرة (تابوت السكينة) الذي وُضع به آنذاك النبي موسى علیه السّلام ويدعوهم للإيمان به دون القتال، فيُسلم قليلٌ من اليهود»(4)، والبعضُ الآخر الغالب يقاتلُ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ولن يعترفَ بتابوتِ السكينة ظاهرًا. فيفتحُ الإمام القدس على يديه فتحاً مبينًا، ويقهرُ اليهود، وينشرُ الدّين الإسلامي فيها.

ص: 160


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب 13 ، ص 241، ح 26
2- أطلس سيرة الإمام المهدي علیه السّلام: لرسول كاظم عبد السادة ، ص 602
3- تفسير العياشي: لمحمد مسعود العياشي ، ج 1، ص 66
4- ظ : الملاحم والفتن: للسيد ابن طاووس، ج 1، باب 154، ص 147، ح 183

وكذا يفتحُ (القسطنطينية) التي هي عاصمة الامبراطورية الرومانية» (1) ، حيث روي «أنّ الإمام يفتحها ورومية وبلاد الصين» (2)، وعلى عظمة تلك الدولة ينتشُر الإسلام، ويوليّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حاكماً مؤمناً عليها، ليبلغ رسالات الله عزّوجلّ، ويتولى سيادة تلك العاصمة، وتطبيق قوانين الإسلام على رعاياها.

وعليه، نستطيع أن نجزم من بعد تحقّق الفتوحات وراثة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف للأرضِ كُلَّها؛ وخيرُ شاهدٍ مؤكد ودليل هو إطلاقُ الآية الكريمة لمفردة (الأرض) التي وعده الله عزّوجلّ بها : «و وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحِون»(3)، حيثُ جاء في تفسير الآية «بأنّ الله عزّوجلّ كتبَ في التوراة والزبور إضافة إلى القرآن بأنَّ الصالحين سيرثون الأرض جميعاً، والوراثة هي انتقال شيءٍ في ملكيةِ شخصٍ دون معاملة»(4).

ص: 161


1- مصدر سابق، ص 615
2- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1 ، ف8، ص 496 ، ح 499
3- سورة الأنبياء: 105
4- ظ : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل : للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 10، ص 255-256

وروي أنّ الإمام الصادق علیه السّلام سُئِلَ عن ذيل هذه الآية، فقال: «القائم علیه السّلام وأصحابه» (1). فلازمُ الفتوحات هي وراثة الأرض كلّها.

قد يُقال: إنّ كثرة فتوحات الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف تدلُّ على سياسته الدموية، وهذا يتنافى مع فلسفة ظهوره كرحمة للعالمين؟!

فيُجاب: بأنّ أصل دعوة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف سلميّة للغاية، وهناك مؤشرات على هذه الأصالة، «منها:

1 / وصف الروايات للإمام بأنّه رحمةٌ للعالمين.

فحيث إنّ جدّه النبي الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله بعثه الله عزّوجلّ رحمة للعالمين؛ بدليل قوله عزّوجلّ: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمين»(2)، فكذا الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف رحمة للعالمين؛ استنانًا منه بسنة جدّه؛ حيث روي عن أبي بصير ، قال : «سمعت أبا جعفر الباقر علیه السّلام

ص: 162


1- تفسير القمي: لعلي بن ابراهيم القمي، ج 2، ص 77
2- سورة الأنبياء: 107

يقول : في صاحب هذا الأمر سنة من أربعة أنبياء : سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلّی الله علیه و آله... قلت : وما سنة محمد صلّی الله علیه و آله ؟ قال : إذا قام سار بسيرة رسول الله صلّی الله علیه و آله »(1).

بل نجد تصريحًا عاماً، ممكن أن نستدل به على كون الإمام المهدي رحمةً للعالمين بصورة مباشرة؛ هو ما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله الأمير المؤمنين علیه السّلام: ... الأئمة من ولدك، بهم تسقى أمتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف الله عنهم البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء»(2).

2 / قبول الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لبيعة السفياني .

فروي ابن حماد في مخطوطته أنّ السفياني يبايع الإمام، ثم يندم؛ «عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يسير بهم في اثني عشر ألفا إن قلوا أو خمسة عشر ألفا إن كثروا شعارهم

ص: 163


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1 ، ب 10، ص 166، ح5
2- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1، ب 21، ص 234، ح 21

أمت أمت حتى يلقاه السفياني فيقول أخرجوا إلي ابن عمي حتى أكلمه فيخرج إليه فيكلمه فيسلم له الأمر ويبايعه فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ندمه كلب فيرجع ليستقيله فيقيله فيقتتل هو وجيش السفياني علي سبع رايات كل صاحب راية منهم يرجو الأمر لنفسه فيهزمهم»(1).

/ إعراض الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف عن القتال في القسطنطينية بعد أنْ يستسلم أهلها.

فعن محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه علیه السّلام، قال : « ... ويبعث [الإمام] جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا : هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون» (2)، والرواية كفيلة ببيان كيفية استسلام أهل القسطنطينية.

ص: 164


1- الفتن: لنعيم بن حماد المروزي، ص217
2- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب 21، ص332-333، ح 8

4/ ابتداء الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف الإنذار بالدلائل والبراهين العقلية والنقلية.

كإحضاره عصا النبي موسى علیه السّلام ، وتابوت النبي آدم علیه السّلام، وخاتم النبي سليمان علیه السّلام، حيث روي عن الإمام الصادق علیه السّلام ؛ أنّه قال : «عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة، أتاه بها جبرائيل علیه السّلام لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا، ولن يتغيرا حتى يخرجهما القائم علیه السّلام إذا قام»(1).

وروي عن الإمام الرضا علیه السّلام أنّه قال: «... وإن القائم... يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان عليهم السّلام» (2).

علماً إنّ الدلائل والبراهين المقنعة ليست فقط من مختصات الأديان الأخرى، بل حتى من مختصات الدين الإسلامي؛ وهذا يكشف لنا وجود بعض المسلمين المعارضين للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، ففي بعض الروايات أنّ الإمام سيُظهر

ص: 165


1- مصدر سابق، ج 1، ب 13، ص 241، ح 27
2- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1 ، ب 35، ص 404 ، ح3

بعض الممتلكات الشخصية لجدّه النبي الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله مثل الراية؛ حيث روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «لا يخرج القائم علیه السّلام حتى يكون تكملة الحلقة . قلت : وكم تكملة الحلقة؟ قال: عشرة آلاف جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ثم يهز الراية ويسير بها فلا يبقى أحد في المشرق ولا في المغرب إلا لعنها، وهي راية رسول الله صلّی الله علیه و آله نزل بها جبرئيل يوم بدر» (1).

وقميص ، ودرع ، وسيف النبي صلّی الله علیه و آله ؛ كما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام : «... يكون عليه [على الإمام] قميص رسول الله الذي کان علیه یوم أحد،... و درعه درع رسول الله صلّی الله علیه و آله السابغة، وسيفه سيف رسول الله صلّی الله علیه و آله ذو الفقار »(2).

فارتداؤه علیه السّلام لتلك الموروثات هو نوع من الإقناع لمن حوله.

5/ لن يقاتل الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلّا من يقاتله.

فبعض الروايات تشير إلى أنّ الإمام يقاتل الذين يقتلون

ص: 166


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب19، ص318، ح 2
2- مصدر سابق، ج 1، ب19، ص318، ح2

رسوله - صاحب النفس الزكية - ؛ حيث روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله، ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله قتل، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة، ولا يزيد على ذلك»(1).

6/ إطالة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف في الوعظ الشفوي على أعدائه

تحفيزاً لهم على ترك القتال» (2)؛ بدليل حكمه بين أهل الكتب السماوية كلٌ بكتابه كما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «... يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان» (3)، فيكون وعظه موثقًا بالأدلة من كتب مخالفيه؛ ولا مناص لهم من مخالفته؛ لأنّهم إن كذّبوه فهذا يعني تكذيبهم لكتبهم التي يؤمنون بها.

ص: 167


1- بحار الأنوار: للعلامة المجلسي ، ج 52 ، ب 26 ، ص 308 ، ح 83
2- ظ: على ضفاف الانتظار: للشيخ حسين الأسدي، ص 160 - 161
3- علل الشرائع: للشيخ الصدوق، ج 1، ب129 ، ص 161، ح3

وفي مواقف أخرى يكون وعظه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف عبارة عن خطاب بليغ، كخطبته في مكة عند ظهوره العلني، التي يقول فيها، وهو مسند ظهره إلى الكعبة: «يا أيها الناس إنا نستنصر الله فمن أجابنا من الناس فإنا أهل بيت نبيكم محمد صلّی الله علیه و آله، ونحن أولى الناس بالله وبمحمد صلّی الله علیه و آله ، فمن حاجني في آدم فأنا أولى يا الله ، الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد صلّی الله علیه و آله فأنا أولى الناس بمحمد صلّی الله علیه و آله ، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين ...»(1) ، ويعضد خطابه هذا بالآيات القرآنية الكريمة.

ومن الممكن إضافة (عنصر الرعب) كمؤشرٍ آخر لأصالة سلميّة دعوة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ؛ لما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «القائم منا منصور بالرعب» (2)، فالرعب أحدُ مقوماتِ نصره، فالأعداءُ الذين يلقون رعبًا وهيبةً في صدورهم نتيجة مواجهة

ص: 168


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1 ، ب 14، ص 288، ح 67
2- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1، ب 32، ص 359 ، ح 16

الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، أغلبُهم يُذعن أنّ الحقَّ مع الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، لا سيّما أنّهم قد سمعوا حدثًا كونيًا سماويًا يحثّ على اتّباعه، وعدم مقاتلته، وهو (الصيحة الجبرائيلية التي يسمعونها بلغاتهم).

كما يمكن عدُّ هذا المؤشر لازمًا للمؤشر الخامس؛ لأنّ نصر الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف مُتحققٌ، وفتوحاته واقعةٌ لامحالة، فمن آمنَ به فلنفسه، ومن كفرَ فعليها، مما يدعو الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إلى فتح بلاد الظلم بالقتال، ومواجهة من يقف عقبةً في طريقه، بعد أنْ يدعوهم للسلام.

* إن قِيلً : لماذا تكون خطة الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بما سيقومُ به من فتوحات مُعلنة؟ حيثُ إنّ ذلك سيوجبُ تآمر الأعداءِ وتكاتفهم أكثر مما لو لم يُعلنْ في الروايات عن الفتوحات والنصر المؤزر !

* يقال : إن الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حينما طلب من الله عزّوجلّ أنْ يكون فتحه ذلك فتحًا مُبِينًا، قاصدًا أنْ يكون فتحًا ظاهرا للجميع؛ تناسباً مع عالمية ظهوره، والدّين الذي يدعو له، والرسالة السامية الرحيمة التي يوصلها، وتنبيهاً لمن يحاول أنْ يقف في طريقه،

ص: 169

ويقاتله.

وبعبارة مختصرة: ليُعلم اللهُ عزّوجلّ جميع خلقه أنّ نصر هذا الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف عالميٌ ومتحققٌ بكافةِ أقسامه وشرائطه، ولا شكّ أنّ هذا غرضٌ من أغراض الله عزّوجلّ، فينبغي تحقيقه، حيث يقولُ في كتابه الكريم: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلَّه»(1).

ومعه، يكون إعلان الروايات عن فتوحات الإمام وسيلةً لإعلامِ الجميع بحكمةِ الله عزّوجلّ أولاً، وإعطاء (صبغة العالمية) لشخصِ ودينِ ودولةِ وليه الموعود عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

بل ولعلّ ذلك الإعلان يشكلُ ردعًا لأعدائه، ويدحضُ مجردَ تفكيرهم بالنصر.

ص: 170


1- سورة التوبة : 33

الفقرة التاسعة :

«واهدني صراطًا مستقيما»

بعد أن طلب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من الله عزّوجلّ السلطان النصير، والفتح المبين يطلب الهداية نحو الصراط المستقيم. وهذه الفقرة الدعائية -كسابقها - لها جذرٌ قرآني، وهو قول الله عزّوجلّ: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم»(1).

فالهداية التي يدعو الإمام بها «(الهداية اللطف)، التي بها يكون الإمام بها مهديًا في نفسه و هاديًا مرشدًا مقرّبًا لغيره الى الله عزّوجلّ ، يوصل العباد إلى المطلوب منهم كمالاً؛ وذلك اللطف جود من الله عزّوجلّ ورحمة؛ إذ يقدّم لعباده عوامل الخير ويسهلها عليه دون أن يجبره بسلوكها» (2). إذاً من وظائف لإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هي هداية العباد بإيصالهم إلى الكمال، لكن

ص: 171


1- سورة الفاتحة: 6
2- الهدى والضلال في القرآن الكريم: للشيخ حسين الأسدي، ص 24 ، 185 - 186

ما هو ذلك الكمال ؟

سنعرفه من خلال بيان المراد الظاهري من (الصراط المستقيم).

• الصراط المستقيم؛ ففسّر بعدةّ تفاسير، مع تعددها اللفظي إلّا أنّها تصب في معنى واحد، وسنأخذ منها :

1- الصراط المستقيم هو عبادة الله عزّوجلّ:

حيث روي عن الإمام الصادق علیه السّلام: حينما سُئل عن معنى قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم» فقال علیه السّلام : أرشدنا الصراط المستقيم، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، والمبلغ إلى جنتك»(1).

إذًا قد يريد الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بدعائه هذا أن يعطيه الله عزّوجلّ طريق العبودية الخالصة، وأشرنا فيما سبق إلى أنّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يعكس صدق العبودية لله عزّوجلّ ربّه، فها هو ذا يطلب منه العبادة المخلصة، المتناسبة مع جلالة مقام ربّه.

ص: 172


1- تفسير الإمام العسكري، ص 44

ولو تأملنا في أواخر سورة الحمد، لوجدنا «أنّ الصراط المستقيم هو للذين أنعم الله عزّوجلّ عليهم، والمنعم عليهم هم النبيون، والصدّيقون، والشهداء، والصالحون، بدليل قول الله عزّوجلّ: «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصَّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين»، وهم أعلى درجةً بالعلم والعمل من غيرهم» (1). فمن حيث العلم هم سادة التوحيد، أعرف الناس بربّهم، وبالأصول والفروع والأخلاق ومن حيث العمل، فعصمتهم سيّدة مزاياهم، فلولا أنّهم لا علم بذلك لهم، ولا عمل، لما طلبوا الوصول إلى الكمال، هم وأتباعهم. ومحل كلامنا ليس النبيّين (عليهم وعلى نبينا وآله السلام)، بل في الصدّيقين، وهم الأئمة علیهم السّلام؛ لما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام : «... واما قوله «وَمَن يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» قال : النبيين رسول الله صلّی الله علیه و آله، والصديقين علي علیه السّلام والشهداء الحسن

ص: 173


1- ظ: الميزان في تفسير القرآن: للعلّامة الطباطبائي، ج 1، ص 30-31

والحسين عليهم السلام، والصالحين الأئمة، وحسن أولئك رفيقا، القائم من آل محمد عليهم السلام »(1).

نعم، إنّ هناك من الآيات الكريمة التي تفسّر بعضها بعضًا، فهناك استدلالٌ بالمباشر، يظهر منه أنّ الصراط يفيد (عبادة الله عزّوجلّ) كما يقول عزّوجلّ: «وَإِنَّ اللهَ رَبِّ وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم»(2). فقد يطلب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف طريق سلفه، وهو العبودية الحقة - مع تحققها فيه لكنه يطلب الأكمل-.

أو ممكن أن نقول الوصول بنفسه إلى أعلى الكمالات، ثم بأتباعه، وهو التوحيد الحق - وإن كان الإمام حائزًا على أعلى درجات العبودية الحقة مقارنةً بنا، وعلى أدنى درجةٍ مقارنةً مع كمال الله عزّوجلّ الذي له الكمال المطلق- لكنه بشر، وجميع البشر يعيشون في عالم الاستكمال؛ حيث روي أنّ النبى وآله صلّی الله علیه و آله يزدادون علماً في كلّ ليلة جمعة؛ روي عن الإمام الصادق علیه السّلام: «... إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ وَافَى رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله

ص: 174


1- تفسير القمي: لعلي بن ابراهيم القمي، ج 1 ، ص 142 - 143
2- سورة مريم: 36

الْعَرْشَ وَوَافَى الأَئِمَّةُ علیهم السّلام وَوَافَيْتُ مَعَهُمْ فَما أَرْجِعُ إِلا بِعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ وَلَوْ لا ذَلِكَ لَنَفِدَ مَا عِنْدِي »(1).

وزيادة العلم تؤدي إلى زيادة العمل، فزيادة العلم بالله تعالى الذي هو أشرف العلوم وأكملها يؤدي إلى زيادة تجلي العبودية له، بشرط الإخلاص والثبات.

ويمكن أن نقول : بالعلم المُزاد تتحقق الهداية، وبالعمل التابع له يتحقق الصراط. فلولا توحيد الإمام لربّه لما دعا بهذا الدعاء مما يدل ظاهرًا على أنّ العلم (كالتوحيد) يسبق العمل( كالعبودية).

وعليه، فقد يكون معنى دعاء الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هو أعطني تلك العناية الإلهية العلمية لأصل إلى درجة العبودية المحضة، أنا وأتباعي.

«ولا شك أنّ عصر الإمام سيمتاز بالوحدة الفكرية؛ حيث الجميع سيؤمن بالله الواحد الأحد، وبالتالي ستسود الوحدة

ص: 175


1- الكافي: للشيخ الكليني، ج1، باب في أنّ الأئمة يزدادون في ليلة الجمعة،، ص 254، ح 3

التوحيدية، بنشر الإمام كمال التوحيد، المعطى له نتيجة دعائه الذي هو لبّ التوحيد،- وقلنا أعلاه لولا أنّ الإمام غير مُهدى تكوينيًا، لما حقق الصراط- وعليه، فالإمام يطلب العلم ليعبد الله عزّوجلّ، وبالدعاء يتعبّد ويطلب العلم به ؛ فبالدعاء يصل الإمام إلى الله الواحد الأحد» (1).

*فإن قيلَ : إنّ طلب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف الكمال يعارض عصمته، فيفترض أنّه واصل إلى أعلى الكمالات !

*فإنّا نقول: بأنّ التكامل لن يتنافى مع العصمة، فهو أكمل الخلق جميعًا، عدا النبي الأكرم محمد، وأمير المؤمنين، والزهراء عليهاالسلام والحسنين عليهماالسلام . فلا يوجد تنافي بين العصمة وطلب الكمال طالما أنّ الكمال طريقه لللامتناهي.

بل أنّ طلب الكمال ملحوظ حتى في دعاء النبي وأهل بيته عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، فالنبي الأكرم صلّی الله علیه و آله أُمر أن يقول: «رَبِّ زِدْنِي عِلْما»، فالنبي صلّی الله علیه و آله يطلب الزيادة في العلم، والإمام علیه السّلام يطلب

ص: 176


1- ظ: الدعاء المهدوي وآثاره في بناء الفكر والعقيدة البناء التوحيدي أنموذجاً: للشيخ حميد عبد الجليل الوائلي مجلة الموعود، العدد 4 / ذو الحجة / 1438ه_

الزيادة في الهداية للطريق المستقيم.

وها نحن نصلي يوميًا على محمد وآله عليهم السّلام، كما علّمنا القرآن الكريم على ذلك، والصلاة عليهم تعني طلب الرحمة والمقام الرفيع لهم، رغم أنّهم عليهم السّلام قد حققوه. بل وصلّى على النبي وآله عليه السلام قبلنا النبي وآله عليهم السّلام ، وهنا هم يطلبون الكمال بفيض الرحمة عليهم ، ونيل أعلى المنازل المادية والمعنوية»(1).

وعليه، يكون دعاء الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف - بنيل الكمال بالهداية إلى صراطه - كمالاً من الكمالات .

2 - الصراط المستقيم هو الإمام علي عليه السّلام:

حيث روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «الصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السّلام» (2)

فلعلّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حينما دعا أن يهديه الله عزّوجلّ و صراطًا مستقيماً، من باب كون الإمام علي عليه السّلام هو ميزان الأعمال بالعلم

ص: 177


1- ظ : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 1، ص 55
2- تفسير الميزان: للعلامة الطباطبائي، ج 1 ، ص 41

والعمل، بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله أو لكون الإمام نفس النبي صلّی الله علیه و آله؛ فللإمام علي من الكمال العلمي والعملي بالهداية والصراط ما للنبي لّی الله علیه و آله.

فقد يطلب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف في دعائه أن يهديه الله عزّوجلّ صراطًا مستقيماً كصراط الإمام علي علیه السّلام؛ أي عبودية الإمام سيّد الموحدين، علي علیه السّلام ، التي هي أعلى الكمالات العبادية، النابعة من أعلى الكمالات العلمية التوحيدية؛ كلّ ذلك لأنّ دولته عالمية كاملة، وسيّد الكمالات هو التوحيد الحق المتجلّي بصدق العبودية لله الواحد الأحد.

ص: 178

الفقرة العاشرة :

«وقِني جميع ما أحاذره من الظّالمين»

الفقرة هذه من دعاء الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف مضمون آياتٍ قرآنية كريمة تحث على الوقاية والحذر من الأعداء.

* فقوله: «قِني» فعل أمر من الماضي (وقى)، وهذه صيغة طلبية من الداني (المخلوق) إلى العالي (الخالق)، وهي قسم من أقسام الدعاء.

فالفعل وقى : «...صانَهُ وسَتَرَهُ عن الأَذَى وحَمَاهُ وحَفِظَهُ، فهو واقٍ؛ ومنه قُوله تعالى: «ما هُمْ مِنَ الله مِنْ واقِ» ؛ أَي مِن دَافِعِ، ... ومنه قولُه تعالى: «فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْم»(1).

فالإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف يطلب من الله عزّوجلّ أن يصونه من أن يُمس بالأذى أو الضرر.

* قوله: «جميع ما أحاذره»

ص: 179


1- تاج العروس من جواهر القاموس: للعلامة مرتضى الزبيدي ، ج 20 ، ص 304

الحذر: هو «الخِيفَة، ورجلٌ حَذِرٌ وحَذُرٌ وحاذُورَةٌ وحِذْرِيانٌ : مُتَيَقظُ شَدِيدُ الحَذَرِ والفَزَع، مُتَحَرِّزُ؛ وحاذِرُ: متأهب مُعد كأَنه يَحْذَرُ أن يفاجأ»(1).

وقيل في الفرق بين الحذر والخوف هو «أنّ الحذر أوسع، فهو تحذّر من أمرٍ مظنونٍ أو متيقن، وبالحذر يدفع الضرر، بينما الخوف لا يدفعه ويكون من أمرٍ متيقن الضرر، ولهذا يقال خذ حذرك، ولا يقال خذ خوفك» (2)، وهذا لا يعني نفي الخوف عن الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، ففرض اثباته لا محذور منه - كما سيأتي-.

قوله : «من الظالمين» فالظُّلم لغةً: هو «وضع الشيء في غير موضعه» (3)، والظالم هو فاعل الظلم. ولا شكّ أنّ أشد أنواع الظلم هو الاجتراء على حدود الله عزّوجلّ التي أوضحها في كتابه الكريم، أو على لسان نبيّه الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله، حيث قال تعالى:

ص: 180


1- لسان العرب: لابن منظور، ج 4 ، ص 175
2- ظ: الحاوي في تفسير القرآن الكريم: للأستاذ عبد الرحمن بن محمد القماش، مصدر إلكتروني
3- لسان العرب: لابن منظور، ج 12، ص 373

«وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالُونَ»(1) . أي: أساء إليها، وذلك بالتعرض لسخط الله تعالى ومقته، وأخذه وسطوته.

والثقلان - القرآن الكريم، والنبي وآله علیهم السّلام - هما حدود الله عزّوجلّ؛ لأنّ بيان طاعة الله عزّوجلّ وموارد معصيته تتم من خلالهما، فطاعتهما طاعته عزّوجلّ ، ومعصيتهما معصيته ؛ يقول عزّوجلّ : «وَمَن حول يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا» (2).

فقرن الله تعالى طاعته بطاعتهم؛ لأنّهم الهداة؛ فكما القرآن الكريم هادٍ، كذا النبي وآله علیهم السّلام؛ روي عن الإمام الصادق علیه السّلام حينما سئل عن قول الله عزّوجلّ «إنّما أنتَ منذر ولكلّ قوم هاد» ، قال: رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله المُنْذِرُ وَلِكُلٍّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ الله صلّى الله عليه وآله ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ ثُمَّ الاَوْصِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِد»(3).

ص: 181


1- سورة البقرة: 229
2- سورة النساء: 14
3- الكافي: للشيخ الكليني، ج 1، باب أن الأئمة عليهم السّلام هم الهداة، ص191-192 ، ح2

وعليه، فإن كلّ من يعادي الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف فهو ظالم، متعدٍ على حدود الله عزّوجلّ، مصيره جهنم خالدًا فيها وساءت مصيرا.

ومن هنا تتضح خطورة هذا العدو، طالما أنّه لم يرعَ لله عزّوجلّ إلّاَ ولا ذمة، فلن يفرق عنده أن يقتل شخصاً عادياً أو أحد و أولياء الله عزّوجلّ، ولهذا دعا الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بأن يقيه الله عزّوجلّ ما يحذره من ذلك العدو الظالم الكافر.

الظالمون الذين يحذر الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف منهم مصداقٌ كلّي ينطبق على كلّ من يحاربه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، ويمنع دعوته، كالسفياني ،وأتباعه واليهود والنصارى المعارضين، والمخالفين لمذهب أهل البيت عليهم السّلام المعادين، والذين كانوا شيعة، لكن تبدّلت عقيدتهم؛ لركاكتها، فأصبحوا أعداءً للإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف . هؤلاء يحذَرُهُم الإمام (أرواحنا فداه)، فهم وأتباعهم ،ظالمون ضالون مضلون، عليهم من الله عزّوجلّ ما يستحقون.

-فإن قيل : إنّ طلب الإمام الوقاية والحذر لازمه الخوف من أعدائه؛ لأنه لا حذر من دون خوف!

ص: 182

- يقال : بأنّ حذر الإمام وطلبه الوقاية راجع إلى أصول موضوعية، «منها:

1/ هناك قاعدة عقلية، تسمى ب_ (قاعدة لزوم دفع الضرر)، ومقتضاها أنّ الإنسان إذا واجهه ضرر ولو محتملاً، فعقله يوجب عليه أن يدفع ذلك الضرر - بالفرار منه أو مواجهته -. والإمام سيّد العقلاء، فاختار دفع ضرر أعدائه عنه، لاسيما وأنّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف مطلعٌ على تاريخ أعدائه، وواضح له هدفهم، لذا فضر رهم له مرتكز في ذهنه .

2/ هناك مصاديق لبعض الأنبياء عليهم السّلام خافوا عدوّهم، وحذروا منه، منهم النبي موسى علیه السّلام؛ قال تعالى حكايةً: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (1) ، فترقبه نتيجة حذره، وحذره نتيجة خوفه. وكذا النبي الأكرم، محمد صلّی الله علیه و آله خرج من مكة خائفًا حذرًا حينما مات أبو طالب.

وفي الحقيقة فإن هذا الخوف إنما هو خوف على الرسالة

ص: 183


1- سورة القصص: 21

وعلى المهمة الموكلة له أن لا تتم قبل وقتها، بالتعرض للقتل مثلاً من الأعداء، فهو خوف على دين الله تعالى لا على نفسه، خصوصاً وأنه يعلم أن مصيره إلى الجنة.

فتبيّن أنّ الحذر أمرٌ حاصل عند كليم الله عزّوجلّ وحبيبه، فلا محذور في حصوله عند الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، فهو يخاف القتل، ويحذر منه، ولهذا طلب من الله عزّوجلّ أن يقيه مما يحذر»(1).

3/ هناك آيات قرآنية عديدة، تشير إلى أن يتخذ الإنسان من القرآن الكريم - بأدعيته وأذكاره - حجابًا يدفع به ضرر عدوّه، منها قوله عزّوجلّ: «وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً * وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا» (2)، والإمام قرين القرآن الكريم، فيتخذ الدعاء القرآني حجابًا، ويقول: «اللهم قٍني

ص: 184


1- ظ : مقال عنصر الخفاء في القضية المهدوية: للشيخ حسين الأسدي، مجلة الموعود، العدد 4 / ذو الحجة / 1438ه_
2- سورة الإسراء: 45-46

ما أحاذره من الظالمين». وهذا بحد ذاته له ارتباط وثيق بفقرة دعائه السابق - اهدني صراطًا مستقيما - ؛ حيث يحقق الإمام أصدق درجات العبودية لله عزّوجلّ ، بالخضوع والدعاء، فاتخذ من الدعاء بوقايته مما يحذر وسيلة لبيان مدى افتقاره إلى الله عزّوجلّ الواحد المعبود.

ومن هذا يتضح أن تصريح رسول الله محمد صلّی الله علیه و آله بأنّ القائم من ذريته غاب لأنّه يخاف القتل؛ حيث روي عنه صلّی الله علیه و آله أنّه قال: «لابُدَّ لِلْغُلامِ [ الإمام المهدي علیه السّلام ] مِنْ غَيْبَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَلِمَ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: يَخافُ القَتْل» (1) ، ليس خادشاً بعصمة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لما ذكر هذه الصفة، بل ولما اتصف هو بها، طالما هي لحكمةٍ إلهية . ولازم قول النبي صلّی الله علیه و آله هذا، أنّ حذر الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف المقارن لخوفه لا دخالة له في خدش العصمة، فيكون دعاؤه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هذا هو من باب اعتقاده بأنّ الدعاء يرد البلاء، كما ورد عن أسلافه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حيث روي عن الإمام الصادق علیه السّلام: « ... الدعاء يرد

ص: 185


1- علل الشرائع: للشيخ الصدوق، ج 1، ب179 ، ص 243 ، ح1

القضاء وقد ابرم إبراما»(1) .

فالإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف دعا الله عزّوجلّ بأن يقيه ضرر الأعداء، سواء أكان ذلك الضرر مبرمًا أو غير مبرم، وسواء أكان قد قضي له الضرر أو لم يقض ؛ وذلك انطلاقا من عقيدته بالله عزّوجلّ ذاتًا وصفانًا حق الاعتقاد، فعلمه عزّوجلّ من الأزلي يشمل لحظة دعاء الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف تلك، وقدرته عزّوجلّ الواسعة تشمل وقاية وليه الضرر، وعدله عزّوجلّ يقتضي نصرة الحق وأهله، ودحض الباطل وشرذمته، وحكمته عزّوجلّ تقتضي تحقيق غرضه عزّوجلّ من جعل الأئمة عليهم السّلام خلفاءَ لنبيّه الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله، ليصلوا بعباده إلى الكمال بكافة نواحيه.

ص: 186


1- الكافي: للشيخ الكليني، ج 2، باب أنّ الدعاء يرد البلاء والقضاء، ص 470، ح 6

الفقرة الحادية عشر:

«واحجبني عن أعين الباغضين النّاصبين العداوة لأهل بيتِ نبيّك ولا يصل منهم إلىّ أحد بسوء»

سبق وأن دعا الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بأولِ فقرةٍ من فقرات دعائه بالاحتجاب عن عيون أعدائه؛ حيث قال: «اللّهمّ احجبني عن عيون أعدائي». فلعلّ الإمام بدايةً أجمل، ثمّ فصّل، فعدّد مصاديق أعدائه. وهذا نظيرُ إجمالِ الله عزّوجلّ بدايةً في بيانِ قضية فلاح المؤمنين، ثم تفصيله وإعطائه صفاتهم؛ بقوله عزّوجلّ: «وقد أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أَوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ

ص: 187

الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(1).

وطلبُه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف الاحتجاب من سوء الباغضين، الناصبين العداء له ولأهل البيت عليهم السلام طلبٌ واقعي، وليس وجدانيًا فقط، بل هو أعم كما سيأتي البرهان على ذلك.

* قوله : «احجبني» هو طلبٌ للاحتجاب، من الفِعل «حجَبَ : الحجاب: الستر. حجبَ الشيء، يحجبه حُجبا وحِجابا، وحجبه : ستره. وقد احتجب وتحجب إذا اكتنّ من وراء حجاب»(2).

* وقوله : «الباغضين» جمع باغض وهو فاعل البغض« نقيض الحب»(3).

* وقوله : «الناصبين العداوة لأهل بيت نبيّك»، النصب معناه نصبُ الحرب نتيجة العداء، يقال: «أنصبت لفلانٍ نصباً،

ص: 188


1- انظر سورة المؤمنون: 1 - 11
2- لسان العرب: لابن منظور، ج 1، ص298
3- مصدر سابق، ج 7، ص 21

إذا عاديته وناصبته الحرب مناصبةً»(1). فكل مَن ينصب العداء لمحمدٍ وآل محمد عليهم السّلام، فهو ناصبي.

وبحسب ظاهر كلام الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف إنّه يدعو بدفعِ السوء الصادر منهم بكافةِ أقسامه.

وقد أردف الإمام صفة الناصبين بعد الباغضين، ولعله بلحاظ النظر إلى وحدةٍ هدف الطائفتين، نعم، قد تختلفان في الدّين بل والمذهب، لكنهما تشتركان في بطلان المنهج بطلاناً محضًا، وما يترتب عليه كالإساءة إلى من يخالفهما؛ بدليل اختلاف دعوتيهما عن دعوة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، الحق المحض.

•ومن مصاديق تلك الفئات :

1 / اليهود

تُعدُّ اليهود إحدى الفئات المبغضة للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، ولا يخفى خبث المشاريع الماسونية التي تحاول خداع الناس بكون (الدّجال) هو المنقذ العالمي الموعود، ولو باستعمال الأكاذيب

ص: 189


1- الصحاح: للجوهري، ج 1، ص 225

قبل زمان خروجه للناس، وبالخدع البصرية حين ظهوره.

هذا فضلاً عن الحقد الدفين الذي يكنّه اليهود للمسلمين؛ ففي حديث «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وآله قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِيَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحُجَرُ الشَّجَرُ : يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ الله هَذَا يَهُودِيُّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُله» (1) ، دلالة واضحة على كون اليهود من أعداء المسلمين (2) عموماً، بقرينة الاقتتال .

2 / النصارى

إنّ عداء النصارى للإسلام عموماً، ولآخر إمام حقٍ خصوصًا، ليس كعداء اليهود، فهناك مشتركات بين المسلمين والنصارى، منها نزول النبي عيسى علیه السّلام من السماء؛ لينشر العدل، لكن بعض القساوسة والرهبان حرّفوا بالإنجيل؛ ليجعلوا نصوصه تتلاءم مع مصالحهم الشخصية، وأهوائهم؛

ص: 190


1-
2- صحیح مسلم: لمسلم بن الحجاج، ج 4 ، كتاب الفتن وأشراط الساعة، ب18، ص 239 ، ح82

لأغراضٍ شتى، منها سياسية، فمن الطبيعي من يتعصّب لدينه، دون البحث عن الحق، فإنّه يُسيء لكلِّ من يُخالفه في المعتقد، فكيف لا يُسيء إلى قائد الدعوة العالمية الإسلامية؟

النصارى أطلقت عليهم الروايات اسم (الروم)؛ فبعض الروايات صرّحت إنّهم يوالون السفياني حين دخوله إلى بلادهم، حتى أنّه يرتدي الصليب الذي يرتدونه؛ فما نقل إنّه «يقبل السفياني من بلاد الروم متنصرا في عنقه صليب وهو صاحب القوم»(1).

فنصبهم العداء للمسلمين واضح من خلال كون الروم أشد الناس عداءً ؛ «عن عبد الرحمن ابن جبير أن المستورد قال بينا أنا عند عمرو بن العاص فقلت له سمعت صلّى الله عليه وآله يقول: أشد الناس عليكم الروم» (2).

3/ النواصب

وهي طائفةٌ تدّعي الإسلام، بل وتزعم أنها على حق، تكفّر

ص: 191


1- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1، ص 483 ، ح478
2- مسند أحمد: لأحمد بن حنبل، ج29، ص 551 ، ح 18023

ثلاثة أثلاث المذاهب الإسلامية - فضلاً عن الأديان-، منهجها السيف والبطش، منها منبع السفياني وأسلافه، ومعروف نهجهم ضد العلويين سابقاً، فلا عجب من استمراره حتى مع قائم آل محمد عليهم السّلام ؛ روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله ، قلنا: صدق الله وقالوا: كذب الله. قاتل أبو سفيان رسول الله صلّی الله علیه و آله وقاتل معاوية علي بن أبي طالب . وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي عليه السّلام ، والسفياني يقاتل القائم عليه السّلام»(1).

والسوء الذي يريد أن يصيب السفياني به الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ليس بقليل؛ لما قد يُعيث بالأرض فسادًا وظلمًا، هو وأتباعه النواصب.

4 / المسلمون غير الشيعة الإمامية

فالسوء الذي يصيب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من هذه الفئة، هو تأثرها بموروثها البعيد عن منهج أهل البيت عليهم السّلام، وعدم

ص: 192


1- معاني الأخبار: للشيخ الصدوق، باب معنى قول الصادق علیه السّلام أنا وآل أبي سفيان أهل بيتين عادينا في الله عز وجل، ص 346 ، ح1

إقرارها بحصر أحقية أهل البيت عليهم السّلام بالخلافة بعد النبي محمد صلّی الله عليه وآله.

نعم، هؤلاء يؤمنون بوجود مهدي، لكنّه لم يولد بعد! وهم رغم ذلك ينكرون تراثهم الروائي، وصحاح كتبهم كبعض المبادئ التي من الممكن أنْ توصلهم إلى باحة النجاة، كالأحاديث الواردة في تراثهم بأنّ المهدي من ذرية السيدة الزهراء عليها السّلام، وأن اسمه اسم النبي صلّی الله عليه وآله ، وأنّ عدوّه من آل أمية، لكنهم عكفوا وتعبّدوا بما يردده «دهاقو علمائهم»(1)، حتى باتت طاعة ذرية الإمام الحسين - ومنهم الإمام المهدي الذي لا يعتقدون به - عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لیست مفروضة، بل التشكيك بهذه العقيدة؛ نصرةً لعقيدتهم. على حين نجد بعضهم يكنُّ السلام والاحترام لجميع الأئمة، لكنه لا يقرّ بإمامتهم.

ولهذا تذكر الروايات أنّ أقواماً تُحاجّ الإمام عند ظهوره الأكبر بين الركنِ والمقام فيقول: «ألاَ وَمَنْ حَاجَّنِي فِي كِتَابٍ

ص: 193


1- أي من أضداد علمائهم، راجع لسان العرب: لابن منظور، ج 10، فصل الدال المهملة، ص 106

الله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ الله، أَلاَ وَمَنْ حَاجَنِي فِي سُنَّةِ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِسُنَّةِ رَسُول الله» (1). وهذا مما يسبب له أذىً؛ نتيجة عدم بحثهم عن الحق طيلة فترة غيبته، فيطلبون منه الدليل على مصداقيةِ ما يدعو إليه، ليؤمنوا به تاركين ما كانوا يتبعون، ومكسرين قيود الاستعباد التي قيّدهم بها دهاقينهم، فيعتنقون التشيّع، ولا يبعد أنْ يكونوا من الدعاة تحت يدي الإمام، فينيرون بصيرة غير الشيعة.

* ويرد في المقام سؤال حاصله: ما هو السوء الذي دعا الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف أنْ لا يُصاب به؟

يجاب عنه : بأنّ السوء قد يكون معنويًا، وقد يكون ماديًا محسوسًا. والسوء: نقيض الإحسان، فيقال: «أَساءَ الرجلُ إساءَةً: خلافُ أَحسَن. وأَساءَ إِلَيْهِ : نَقِيضُ أَحْسَن إِلَيْه»(2).

بيان ذلك:

 السوء المعنوي يمكن أنْ يتصور على عدّة أمورٍ ، منها :

ص: 194


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب 14، ص 228، ح 67
2- لسان العرب: لابن منظور، ج 1، فصل السين المهملة، ص 97

1/ التشكيك بأصل فكرة المنقذ العالمي الموعود .

وهذا السوء قد يكون صدوره أوضح فيما لو انبعث من غير المسلمين - فضلاً عن المسلمين -، الباغضين للإمام؛ كاليهود مثلاً، حيث يزعمون أنّ المنقذ العالمي الموعود هو الدّجال.

ومهما كان منبع ذلك التشكيك فإنّه يلحق السوء المعنوي بالإمام؛ حيث حزن الإمام على من سلك طريق الضلال، تمامًا كجدّه المصطفى محمد صلّی الله علیه و آله الذي وصف حاله القرآن الكريم، بقول الله تعالى: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفا»(1)، وجاء في تفسير البخوع «والأسف شدة الحزن»(2).

2/ التشكيك في ولادة الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف

هذا قد يكون صدوره أوضح فيما لو صدر من النواصب؛ فلم ننسَ «الشبهات المطروحة حول فرية السرداب، ونفي

ص: 195


1- سورة الكهف: 62
2- الميزان في تفسير القرآن: للعلامة الطباطبائي، ج 13 ، ص 240

غيبته، وباللازم نفي وجوده وولادته»(1).

بل ويُحتمل صدور هذا السوء من المسلمين الذين يجحدون ما تسالم عليه المسلمون كافة. حيث إنّ المهدي في عقيدتهم لم يولد بعدّ فيشككون الشيعة الإمامية بمعتقداتهم، وهذا مما يسبب اذى معنويًا للإمام عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ، لأنّ ذلك التشكيك قد ينحرف بسببه العديد من متزلزلي العقيدة، والإمام يريد أرضية معدّة لظهوره.

3/ ظهور من يدّعي المهدوية

فإنّ التفاف بعض الناس السذّج حول كلِّ من يدّعي أنّه المهدي الموعود يوجب إدخال السوء على قلب الإمام عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف؛ حزنًا منه عليهم، نتيجة خسرانهم الخسران المبين، وخشيةً عليهم من عدم تصديقهم له عند ظهوره الأكبر؛ فإنّ طبيعة الإنسان حينما ينخدع بالباطل أكثر من مرّة لا يألف الحق بعدُ إلّا بالبرهان.

ص: 196


1- كما قال ابن تيمية في منهاجه: «وَمِنْ حَمَاقَتِهِمْ [ الرافضة] أَيْضًا أَنْتَمْ يُجَعَلُونَ لِلْمُنتَظِرِ عِدَّةَ مَشَاهِدَ يَنْتَظِرُونَهُ فِيهَا كَالسَّرَادِبِ الَّذِي بِسَامَرًا الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ غَابَ فِيهِ» في منهاج السنة، ج 1، كلام عام عن الرافضة، بعض حماقات الشيعة، ص 44

فقد تكون فترة دعوتهم إلى الحق فيها مشقة على الإمام وأتباعه .

4/ ظهور من يدعي السفارة

إنّ مّن يدّعي السفارة عن الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف لاشكَّ أنّه يريد الشهرة، وبالتالي يلتفُ الناس حوله، فيبدأ يتقوّل على لسان الإمام ما لم ينّزل الله عزّوجلّ به من سلطان، بل وقد يدّعي استمداد الغيب منه !

وهذا من موجبات السوء ،للإمام، لأنّ كلاً من الداعى ومُلبي الدعوة لم يمتثل لنهي الإمام بعدم اتباع من يدّعي المشاهدة والسفارة» (1)؛ حيث قال الإمام عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف في أحد توقيعاته المباركة: «وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، ألَا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كاذب مفتر» (2). علما أنّ المراد من المشاهدة الممنوعة : «هي النيابة عن الإمام علیه السّلام قبل خروج السفياني؛ بقرينة ادعاء مشاهدته علیه السّلام في لقاءات

ص: 197


1- ظ : مقال دراسات استراتيجية الاعداء في حربهم ضد الامام المهدي عليهم السّلام حالياً: للكاتب مجتبى السادة مجلة الانتظار، العدد 16 / محرم / 1430ه_
2- الاحتجاج: للشيخ الطبرسي، ج 2، ص 297

جملة من العلماء والمؤمنين لشخص الإمام علیه السّلام والتحدث معه صلوات الله عليه وهو أمرٌ تسالمت على مشروعيته الطائفة حتّى عدّوا أولئك النفر من الثقات الذين حازوا شرف المشاهدة وتوفيق اللقاء من أجلّة الطائفة ومفاخرها.

إذن فالظاهر ليس المقصود من ادعاء المشاهدة هي المعاينة واللقاء، بل المقصود _ والله أعلم _ هي دعوى السفارة أو الوكالة الخاصة عن الإمام علیه السّلام» (1).

أما السوء المادّي فمن الممكن أن يتصور على عدّة أمورٍ، منها:

1/ مهاجمة جيش السفياني للمدينة المنورة حين الظهور الأولي للإمام عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف فيها .

فروي عن أمير المؤمنين علیه السّلام أنّه قال: «يبعث السفياني بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل محمّد صلّی الله علیه و آله ويقتل من بني هاشم رجالاً ونساءً، فعند ذلك يهرب المهدي

ص: 198


1- موجز دائرة معارف الغيبة: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ص 156 – 157، 401/31

والمنتصر من المدينة إلى مكّة، فيبعث في طلبهما وقد لحقا بحرم الله وأمنه»(1).

فهذا قد يكلّف الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ماديًا، من حيث خسارة عدد مواليه الذين قد يشكلون صفاً في جيشه عند ظهوره العلني الأكبر، أو من حيث ترميم ما سببه السفياني وجيشه من دمار في أرض المدينة، مما قد يثقل ميزانية الإمام ماديًا.

2/ قتل النفس الزكية يمثل تهديداً للإمام بالقتل

روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «وَقَتْلُ النَّفْس الزَّكِيَّ من المَحْتُوم»(2).

فخسارة الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف لهكذا شخصية موثوقة، ومخلصة، ومجندة لنشر قضية الإمام، تعد خسارة مادية في عدد صفوف جيشه.

ص: 199


1- معجم الملاحم والفتن: لمحمود الده سرخي، ج 3، ص 23
2- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب 14، ص 263، ح 15

3/ خروج الدجال

روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «... يَا خَيْثَمَةُ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ لا يَعْرِفُونَ اللَّهَ مَا هُوَ التَّوْحِيدُ، حَتَّى يَكُونَ خُرُوجُ الدَّجّال» (1). بغضّ النظر عن تشخيص الدجال، هل هو حركة، أم شخص، ففي الحالتين لا شكٍّ في أنَّ هدفه يسبب سوءًا ماديًا للإمام؛ حيث إعادة تصحيح فكر من ضلّ بضلال الدجّال يحتاج كتبًا وبنايات لتعليم العقيدة الحقة، ولا يستبعد أن يبني الإمام المدارس، لنشر العلم الواقعي، وتصحيح المنحرف، ودحض البدع. وجميع ذلك ولوازمه يتطلب تكلفة مادية تؤثر على الميزانية المالية للإمام.

4/ ظهور يأجوج ومأجوج

«وهم أقوام حركتهم مفسدة، يعيثون في الأرض فسادًا مطلقاً، يتزامن ظهورهم مع ظهور الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ، مما يسبب له سوءاً أو أذى ماديًا؛ بتخريب قيم ومبادئ المجتمعات، وهذا يتطلب نفس ما تطلب في النقطة الثالثة أعلاه؛ من بناء مدارس

ص: 200


1- تفسیر فرات الكوفي : لفرات ابراهيم الكوفي، ص139

مثلاً لتدريس القيم والمبادئ الصحيحة، أو قد يتمثل السوء المادي نتيجة تخريب ممتلكات المجتمعات؛ مما يتطلب مالاً وفيرًا لإعادة بنائها.

وكذا الحال لو عاثوا في الأرض فسادًا بقتل النفوس البشرية التي تواجههم، فهذا ينبئ عن خسائر بشرية في الأيدي العاملة المستثمرة، فضلاً عن تطلبه توفير المال لدفنهم وتنظيف الأرض من تبعات فساد يأجوج ومأجوج.

وقد أشار إليهم الله عزّوجلّ في كتابه الكريم في سورة الكهف، قائلاً: ««حتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا» ، فحجبهم الله عزّوجلّ بذلك السد، إلى أنْ يشاء وينفتح فيرجعوا ليغزوا البقاع، «حتّى إذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قالوا يا ذا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ

ص: 201

لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا » (1). وقوله تعالى : «حتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُون» (2) ، فشرُّهم واضحٌ من سياق الآيات الكريمة» (3).

تنبيهات:

1/ ليس كلُّ مخالفٍ من أبناء العامة يمسُّ الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف بسوء، بل حتى وإنْ كان ناصبيًا؛ لخضوع الأحداث إلى البداء، وللاعتقاد بيوم الأبدال.

فروي عن الإمام الباقر علیه السّلام : « ... يأتي العذراء هو ومن معه، وقد لحق به ناس كثير، والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة حتى إذا التقوا، وهو يوم الأبدال يخرج أناسٌ كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد علیهم السّلام ، ويخرج أناسٌ كانوا مع آل محمد عليهم السلّام إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم ويخرج كلُّ ناسٍ

ص: 202


1- سورة الكهف: 93-94
2- سورة الأنبياء: 96
3- ظ: موجز دائرة معارف الغيبة مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام ، حرف الياء ، 488/1

إلى رايتهم وهو يوم الأبدال» (1)؛ إشارةً إلى تبدّل موقف بعض المخالفين في يوم الأبدال، فإذا بهم يبدلون موقفهم فيلتحقون بالإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ، وكذا العكس كما هو ظاهر الرواية.

2/ ليس كلُّ نصرانيٍ عدوا للإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ؛ فظاهر و الروايات يشير إلى إسلام الكثير منهم؛ لسببين رئيسيين: مُحاجَجَة الإمام إياهم بالإنجيل الصحيح، ونزول النبي عیسی علیه السّلام من السماء، واعتناقه الإسلام، فحبًا به واتّباعاً له لا يمسون الإمام بسوء؛ لأنّه فضلاً عن كونه حاكم البقاع، فهو قائد نبيّهم.

3/ ليس كلُّ يهوديٍ يُعادي الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ، فكثيرٌ منهم يدخل في دين الله عزّوجلّ طوعًا، بعد أنْ يحاجّهم الإمام بالتوراة الصحيحة غير المحرّفة.

نسأل الله عزّوجلّ أن يدفع عن وليّه سوء الباغضين المعادين.

ص: 203


1- تفسير العياشي: لمحمد مسعود العياشي ، ج 1 ، ص 66

ص: 204

الفقرة الثانية عشر :

«فإذا أذنت في ظهوري فأيّدني بجنودك واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيّدين وفي سبيلك مجاهدين وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين»

هنا ينتقل الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف بدعائه إلى مجريات ما بعد الظهور العلني، ويكرر افتقاره إلى خالقه الله عزّوجلّ، فيطلب التأييد والنصر؛ لأنّهما متلازمان لا ينفكان إلّا بمعجز، وحيث إنّ أصل أغلب مهام الإمام ليست إعجازية، وإنّما تعتمد على البراهين، واجتماع عدّة أمور - كما سيأتي - لذا طلب التأييد الحسي.

قوله: «فإذا أذنت في ظهوري» إشارةً منه إلى أنّ زمن الظهور العلني راجع إلى الله عزّوجلّ - رغم علم الإمام به أيضًا، حيث إنّ تقديم أو تأخير ظهور الإمام أمرٌ ممكن بالنسبة الله القادر، وقدرته عزّوجلّ تتعلق بكل ممكن.

ص: 205

ولعلها إشارة من الإمام إلى إلجام أفواه الغلاة من الأنام، الذين يقولون باستقلال الإمام عن الله عزّوجلّ بعلم الغيب، فممكن أن يخاطبوا الإمام ب_: (لِمَ لا تظهر ؟)!.

ففي توقيعٍ روي أنّه صدر من الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف إلى محمد بن علي بن هلال الكرخي ، قال فيه: «يا محمد بن علي تعالى الله عز وجل عما يصفون، سبحانه وبحمده ليس نحن شركاءه في علمه ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره... يا محمد بن علي قد أذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيدا ورسوله محمدا وملائكته وأنبياءه ورسله وأولياءه عليهم الّسلام ، وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا أني برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب»(1).

* وقوله: «فأيّدني بجنودك» الفاء هنا عاطفة، فبعد أن

ص: 206


1- الاحتجاج: للشيخ الطبرسي، ج 2، ص 288 - 289، مما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه، ردا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي

طلب الظهور ، يطلب التأييد ،بجنود، نسبهم إلى الله عزّوجلّ مباشرةً، فقال: «بجنودك».

والمراد من طلب التأييد هو :

1/ طلب التأييد بالأنصار، وهو ما أكدته الروايات الشريفة، مثل ما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنه قال: «لا يَخْرُجُ القَائِمُ علیه السّلام حَتَّى يَكُونَ تَكْمِلَةُ الحَلْقَةِ. قُلْتُ: وَكَمْ تَكْمِلَةُ الحَلْقَةِ؟ قال: عَشَرَةُ آلافٍ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسارِه» (1). ولذا عد بعض الباحثين أن اكتمال عدد الأنصار من شرائط الظهور.

و في الحقيقة إنّ هذا الشرط كان مفقوداً عند المعصومين عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف ، لذا كانوا لا يتحركون بالثورة، فهذا أحد الأسباب التي دعتهم الى ذلك.

ومن هنا روي أنّ الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال السدير: «... وَاللَّهِ يَا سَدِيرُ لَوْ كَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي

ص: 207


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب19، ص318، ح2

الْقُعُود»(1).

2/ طلب التأييد بالملائكة، كما أيد الله عزّوجلّ نبيه بهم في معركة بدر ، قال عزّوجلّ : «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمين»(2).

والروايات الدالة على هذا المعنى عديدة منها:

ما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: « يُبَايِعُ القَائِمُ بِمَکَّةَ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَيَسْتَعْمِلُ عَلَى مَكَّةَ، ثُمَّ يَسِيرُ نَحْوَ المَدِينَةِ، فَيَبْلُغُهُ أَنَّ عَامِلَهُ قُتِلَ، فَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَيَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ، وَلا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ . ثُمَّ يَنْطَلِقُ فَيَدْعُو النَّاسَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ... حَتَّى يَبْلُغَ البَيْدَاءَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ جَيْشُ السُّفْيَانِيُّ، فَيَخْسِفُ الله بهم»(3).

ص: 208


1- الكافي: للشيخ الكليني، ج 2، باب في قلة عدد المؤمنين، ص 243، ح4
2- سورة آل عمران: 124 - 125
3- بحار الأنوار: للعلّامة المجلسي، ج 52 ، باب 26، ص 308، ح83

وكذلك ما روي عن الإمام الصادق علیه السّلام : «إِذَا قَامَ القَائِمُ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) نَزَلَتْ مَلَائِكَةُ بَدْرٍ وَهُمْ خَمْسَةُ آلَافٍ، قُلْتُ عَلَى خُيُولٍ شَهْبٍ، وَثُلْتُ عَلَى خُيُولٍ بُلْقٍ، وَتُلْتُ عَلَى خُيُولٍ حُوِّ، قُلْتُ: وَمَا الحُرُّ؟ قَالَ: «هِيَ الحُمْر »»(1).

3/ طلب التأييد بالأنصار والملائكة معاً، وهو احتمال وارد أيضًا؛ فبعض الروايات جمعت التأييد بالأِنس من الشيعة المخلصين، وبالملائكة، والجن، وحتى الرعب، منها: ما روي عن أبي حمزة الثمالي أنّه قال: «سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السّلام يقول : لو قد خرج قائم آل محمد صلّى الله عليه وآله لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين يكون جبرائيل ،أمامه وميكائيل عن يمينه وإسرافيل عن يساره والرعب يسير مسيرة شهر»(2).

والرعب الذي يؤيد الله عزّوجلّ الإمام به، وينصره به على أعدائه، خير سلاحٍ، «وهو إلقاء الرعب في قلوبهم بمجرد

ص: 209


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب 13 ، ص 249، ح 44
2- مصدر سابق، ج 1، ص237-238

سماعهم بتحركات الإمام، فيعينونه على النصر عليهم»(1).

ومنها ما روي عن أمير المؤمنين علیه السّلام : «... يظهر رَجُلٌ مِنْ ولدي، يَمْلأَ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرَاً وَظُلْماً... وَيُؤَيّدُهُ اللهُ بالمَلائِكَةِ، والجنّ، وَشِيعَتِنَا المُخْلِصين»(2).

ولعلّ انتصاره بالجن يكون على الجن الطالح الذي يسخره أعداء الإمام للحرب ، ولعلّ الله عزّوجلّ يسخر الجن لخدمة الإمام كما سخرهم للنبي سليمان علیه السّلام.

* وقوله: «واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيدين» دعاء منه لأتباعه بأن يؤيدهم الله عزّوجلّ بنفس التأييد الذي أيّده به( بالملائكة والجن، والإنس من الشيعة المخلصين، والرعب)، وهذا ليس بمحال؛ فسبق وأن أيّد الله عزّوجلّ بالملائكة أم النبي موسى عليه السّلام ، فكذا أتباع الإمام.

وأمّا تأييد الأتباع بالجن، والشيعة المخلصين، والرعب،

ص: 210


1- ظ: موجز دائرة معارف الغيبة: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف، 431/67
2- ارشاد القلوب: للديلمي، ج 2، ص280

فهو لازم نصرة الإمام، وفي ذلك نصرة الدّين.

* وقوله: «وفي سبيلك مجاهدين» استمرار منه عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف في دعائه لأتباعه، فبعد أن طلب لهم التأييد، يطلب لهم بلوغ منزلة المجاهد في سبيل الله تعالى ولا يبعد أن يقصد الجهاد بكافة أقسامه - فكرياً، وبدنياً ونفسياً، ومالياً-، ولهذا يمتاز أتباع الإمام عن غيرهم بهذه الميزات.

* وقوله : «وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين»

هنا كأنّ الإمام يشير إلى الوحدة بينه وبين أتباعه؛ فمن يرده من أعدائه بسوء، يرد السوء بأتباعه، وهذه قرينة حالية تكشف عن معنى كلامه السابق «واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيدين»؛ فكما يطلب دفع السوء عن نفسه، وعن أتباعه، فكذا طرق تأييده هي طرق تأييد أتباعه - مع فارق اختصاص الإمام بالمعجز دونهم-.

وأمّا السوء الذي يطلب الإمام من الله عزّوجلّ صرفه عنه وعن أتباعه فقد تم التطرق له عند شرح الفقرة السابقة من دعائه:

ص: 211

«واحجبني عن أعين الباغضين الّناصبين العداوة لأهل بيت نبيّك ولا يصل منهم إلىّ أحد بسوء»(1). فدعاء الإمام بصرف السوء المعنوي والمادي يشمله وأتباعه.

وأما النصر الذي سيحققه أتباع الإمام - الذين سيرجعون للحياة الدنيا والذين يعاصرون زمن ظهوره - فسيأتي تفصيله عند شرح الفقرة السادسة عشر من هذا الدعاء.

ص: 212


1- ظ: تجليات معرفية في الخطاب المهدوي، ف16

الفقرة الثالثة عشر

«ووفّقني لإقامة حدودك»

إنّ من أهم وظائف الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف هي تبليغ رسالات الله عزّوجلّ، فيدعو لنفسه، ويطلب التوفيق من الله عزّوجلّ حتى يقيم حدوده عزّوجلّ .

وحدود الله عزّوجلّ هي الإيمان به وبرسوله - وما يلزم ذلك-؛ لقوله عزّوجلّ: «ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهَ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ الله»(1). وحدود الله عزّوجلّ هي حدود نبيه محمد صلّی الله علیه و آله بدليل قوله عزّوجلّ : «وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيها وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِين» (2).

لعلها هذه إشارة من الإمام إلى خطورة فصل الكتاب الكريم عن السنة النبوية، وبالتالي فمن يقل: حسبنا كتاب الله فقد تعدّى حدود الله تعالى، وظلم نفسه؛ لأنه فرّق بين الإيمان

ص: 213


1- سورة المجادلة: 4
2- سورة النساء: 14

بالله عزّوجلّ وبرسوله صلّی الله علیه وآله، ومن ظلم نفسه فله عذابٌ أليم؛ قال :تعالى: «قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرا»(1)، ونعمَ به سبحانه مِن حكيمٍ ما أعدله.

وكلّ إنسان يعقل أنّ أشد أنواع الظلم هو التجري على حدود الخالق تعالى التي أوضحها في كتابه الكريم أو على لسان نبيّه الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله، حيث قال تعالى: «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِون»(2)، أي: أساء إليها، وذلك بتعريضها لسخط الله تعالى ومقته، وسطوته . فمن لطف الله عزّوجلّ بالعباد هو ظهور الإمام لإنقاذ الأنام.

إذًا حدود الدّين هي سياج الدّين، المتمثلة بالعقيدة والفقه والأخلاق المستمدة من النبي محمد وآله عليهم السّلام، وهي – أو على الأقل البعض منها - في زمن الغيبة معوجة، تحتاج إلى إقامة، أي تعديل الانحرافات، ومقيم العوج هو الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف والمؤمن يندب إمامه كلّ جمعة قائلًا: «أَيْنَ الْمُنتَظَرُ لإقامَةِ الأَمْتِ

ص: 214


1- سورة الكهف: 87
2- سورة البقرة : 199

وَالعِوَج ؟ ».

ومن مظاهر ذلك العوج في حدود الله عزّوجلّ:

أولاً : حدود الله عزّوجلّ العقائدية :

فأصول الدّين باعتقاد الإمام المهدي عجلّ الله تعالی فرجه الشّریف خمسة - التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد - وبالتالي يرى في كلّ أصلٍ اعوجاجًا، فيعمل على تعديله؛ ببيان الحق .

وبيان ذلك

1/ على مستوى الاعتقاد بالتوحيد:

فعقيدةٌ تقول بأنّ الذات الإلهية مركّبة، وبمغايرة الصفات الذاتية للذات الإلهية، وتنسب الصفات السلبية ولوازمها لله عزّوجلّ كالجسمية، والرؤية البصرية، والمكان، والجهة -مثلاً-، وتجمد على ظواهر الألفاظ، فتثبت الصفات الخبرية لله عزّوجلّ بلا تأويل، لهي عقيدة معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة، فيها تعدٍ على أعظم حدود دين الله عزّوجلّ ، وهو التوحيد.

فهنا الإمام يُقيم حدود الدّين؛ ببيان التوحيد الصحيح،

ص: 215

بأنّ التوحيد هو الاعتقاد ببساطة الذات الإلهية، ونفي التركيب عنها. وأنّ الله عزّوجلّ له صفات ذاتية هي عين ذاته. وأما الصفات السلبية فيجب سلبها عنه عزّوجلّ كالرؤية البصرية -مثلا-؛ لأنّها تجعل المرئي جسمًا، والجسم محتاج إلى أجزائه، والمحتاج ليس بإله، والله هو الغنى الحميد.

ويبيّن للناس ضرورة تأويل بعض الصفات الخبرية، كتأويل (يد الله بقدرة الله تعالى)، و (عرش الله بعلم الله تعالى)، وغيرها من الصفات التي أخبر بها القرآن الكريم.

وحيث إنّ الإمام هو من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب، فيُعلّم الناس ذلك التأويل؛ ليُنزهوا الله (سبحانه وتعالى).

2/ على مستوى الاعتقاد بالعدل الإلهي:

فعقيدةٌ لا تقول بركنية العدل الإلهي ضمن اصول الدّين، وتقول بأنّ الله عزّوجلّ يجبر عباده على المعصية، أو أنّه عزّوجلّ فوّض إليهم أمور حياتهم استقلالاً عنه عزّوجلّ ، لهي عقيدةٌ معوجة منحرفة،

ص: 216

تحتاج إلى إقامة.

فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان الاعتقاد الصحيح بالعدل الإلهي ؛ فيُعلّم الناس أنّ العدل الإلهي ثاني أصل من أصول الدّين، ويجب الاعتقاد به، وأنّه لا جبر ولا تفويض، وإنّما أمرٌ بين أمرين، فليس الله عزّوجلّ يجبر الناس على ارتكاب المعاصي ثم يعذبهم فيكون ظالماً لهم، وليس يفوّض إليهم الأمر استقلالاً عنه عزّوجلّ فيكون غير قادرٍ على صرف شيءٍ منهم أو عنهم.

وإنّما الاعتقاد الصحيح بعدله عزّوجلّ هو أنه خلق العبد مختاراً في الفعل والترك مع احاطة قدرته بهم.

3/ على مستوى الاعتقاد بالنبوة :

فعقيدةٌ تنسب الخطأ والسهو والنسيان للأنبياء عجّل الله تعالی فرجه الشّریف عموماً، وللنبي محمد صلّی الله علیه و آله خصوصاً، لهي عقيدة معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة .

فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان أنّ الاعتقاد الصحيح

ص: 217

بالنبوة العامة والخاصة يكون بتنزيه النبي عن الخطأ والسهو والنسيان في تلقي الرسالة السماوية، وتطبيقها، وتبليغها، وأنّه معصوم عن الكبائر والصغائر قبل البعثة وبعدها.

و ضرورة القول بعصمة جميع الأنبياء، والإيمان بهم، وبكتبهم، إلّا المحرّف منها، فسيأتي الإمام للناس بالتوراة والإنجيل الصحيحين

4/ على مستوى الاعتقاد بالإمامة :

فعقيدةُ تقطع حبل الخلافة من بعد رسول الله عزّوجلّ، وتجعل عباد الله عزّوجلّ سدی بلا هادٍ، وتخالف ما تواتر من حديث - كحديث الغدير والثقلين - حينما أوصى رسول الله محمد صلّی الله علیه و آله بالخلافة من بعده إلى الإمام علي وذريته عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، بل وتطعن بعصمة من أذهب الله عزّوجلّ عنهم الرجس، وتنكر إمامتهم، وتفضّل من هم دونهم عليهم، لهي عقيدة معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة.

فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان ضرورة الاعتقاد

ص: 218

بالإمامة كلطف من الله عزّوجلّ بعباده؛ حيث لم يجعلهم سدى بلا وليٍ هاد، بل وهي مكملة للنبوة، وكل ما ثبت للنبي يثبت للإمام - ما عدا حي والمعجز - .

ويبيّن للناس الملازمة بين أصل الإمامة وأصول الدّين التي تسبقها؛ فمن أنكر الإمامة فقد أنكر النبوة، ومن أنكر النبوة فقد أنكار العدل الإلهى والتوحيد.

كما ويبيّن لهم اهمية الاعتقاد بعصمة الإمام، ووجوب طاعته، وحيثٌ إنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هو الحاكم العالمي آنذاك، وولي الأمر، فيوجب عليهم طاعته؛ بأمرٍ من الله عزّوجلّ حينما قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ»(1).

5/ على مستوى الاعتقاد بالمعاد :

فعقيدةٌ تقول بفناء النار ، وإنكار الشفاعة، ومسائل نخشى الله عزّوجلّ من ذكرها ، فهي عقيدة معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة .

ص: 219


1- سورة النساء: 59

فهنا الإمام يقيم حدود الله عزّوجلّ ؛ ببيان العقيدة الحقة بالمعاد حين ظهوره.

ثانيًا : حدود الله عزّوجلّ الفقهية :

ففروع الدّين التي يتعبد بها الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف - حسب ما وصلنا عن آبائه عن جدهم الرسول الأعظم صلّی الله علیه و آله هي : الصلاة الصوم، الخمس، الزكاة، الحج، الجهاد، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التولي لأولياء الله تعالى، التبري من أعداء الله تعالى. والعبادة بغير تلك الفروع عبادة معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة.

فهنا الإمام يقيم حدود الدّين؛ ببيان ضرورة التعبّد بفروع الدّين هذه، كما ويبيّن كيفيتها الواقعية، فتنحل المذاهب الفقهية، وتذوب الرؤى المختلفة، وتحلّ الأحكام الواقعية محل الظاهرية، فلا تقليد ولا استنباط حكمٍ، ولا فتوى، ولا احتياط، ولا حتى اجتهاد، بل حُكم الله عزّوجلّ الواقعي يؤخذ من خليفته على أرضه الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

ص: 220

وسبب تعبّد الأمة في زمن الغيبة بالأحكام التي أغلبها ظاهرية راجع إلى عدّة أسباب، «وقد تمت الإشارة إليها سابقاً، في شرح فقرة «وأحي بي ما درس من فروضك وسننك»، والتي من أهمها ابتعادنا عن زمن النص» (1).

إذًا، فالإمام يرى في كلّ فرعٍ اعوجاجاً، فيعمل على تعديله؛ ببيان الحق، وإن كان (بعض) ما تم التعبّد به التعبّد به مخالفًا للحكم الواقعي الذي يأتي الإمام ببيانه؛ وذلك أفضل من الوقوع في الشبهات عند الشك في واقعةٍ لم يصلنا حكمها.

وبيان ذلك :

1/ على مستوى التعبّد بالصلاة :

فصلاةٌ يتوضأ لها بغسل القدمين، ويتكتف فيها المصلي، ويتشبه بالمجوس، ويجعل من كلمة (آمين) جزءاً من القراءة، لهي صلاةٌ معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة وتعديل؛ لكونها غير صلاة رسول الله محمد صلّی الله علیه و آله.

ص: 221


1- ظ: تجليات معرفية في الخطاب المهدوي، ف10

فهنا يبيّن الإمام للناس الصلاة الواقعية التي يريدها الله عزّوجلّ من عباده.

2/ على مستوى التعبّد بالصيام:

فصيامٌ لم يراعَ فيه مفطرية بعض المفطرات، ويستنبط لبعض أحكامه من بعض الاجتهادات الشخصية غير القائمة على دليل قطعي، أو ظني معتبر ، لهو صيامٌ معوج، يحتاج إلى إقامة.

فهنا يبيّن الإمام للناس الصوم الواقعي الذي يُريده الله عزّوجلّ من عباده، بكافة تفصيلاته.

3/ على مستوى التعبّد بالخمس :

فعبادةٌ لله عزّوجلّ مع انكار الخمس كفريضة، أو حصر موردها بالغنائم الحربية، لهي عبادةٌ معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة.

فهنا يبيّن الإمام للناس ضرورة التعبّد بهذه الفريضة بأحكامها الواقعية .

ص: 222

4/ على مستوى التعبّد بالزكاة :

فلا شك أنّ التعبد بأحكامها الظاهرية يحتاج إلى إقامة.

فيبيّن الإمام للناس أحكامها الواقعية من بلوغ حد النصاب الشرعي، ومواردها، وشروط مستحقها، وسائر تفرعاتها.

5/ على مستوى التعبّد بالحج:

وكذا التعبّد بالحج لا يخلو من أحكام ظاهرية، (قد) لا تصيب الواقع، فتحتاج إلى إقامة.

فيبيّن الإمام للناس أحكام الحج الواقعية.

6/ على مستوى التعبّد بالجهاد:

التعبّد بالجهاد سواء أكان عينيًا أو كفائيًا لا يختلف حكمه عن سائر العبادات من حيث عدم خلوّه من الأحكام الظاهرية التي (قد) لا تطابق الواقعية، فبالتالي تحتاج إلى إقامة .

فيبيّن الإمام للناس أحكام الجهاد الواقعية، لا سيما وإنّ أمر الجهاد سينحصر صدوره منه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، وبما أنه وبما أنه معصوم فيرى

ص: 223

الحكمة في إصدار أمر الجهاد حسب الواقع المعاش آنذاك.

7/ على مستوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

عبادتان لا تنفكان عن بعض، أمرٌ بمعروف، وإلى جنبه نهيٌ عن منكر مقترف، لعلهما في زمن غيبة الإمام لم يطبقا تمام التطبيق؛ لضعف موقف الآمر الناهي - أحيانًا. أو لتملص البعض عن القيام بها رغم توفر الظروف المناسبة، وهذا عوج يحتاج إلى إقامة.

ففي زمن ظهور الإمام يبيّن لهم ضرورة التعبّد بها، واعتماد نظام التناصح بين المسلمين.

8/ على مستوى التعبّد بتولي أولياء الله عزّوجلّ والتبري من أعدائه:

فعبادةٌ بكافة فروع الدّين مع تماهل، أو مجاراة الآخر على حساب (التولي والتبري) من دون تقية لهي عبادة المنافقين، والله عزّوجلّ لا يحب المنافقين، وبالتالي هي عبادة معوجة منحرفة، تحتاج إلى إقامة.

ص: 224

فيبيّن الإمام للناس أهمية موالاة أولياء الله عزّوجلّ ، والبراءة من أعدائه ويأتي بأدلة واقعية، ويحوّل لقلقة الألسن القائلة (إنّي موال لكم ولأوليائكم، معادٍ لأعدائكم) إلى واقع في زمن ظهوره .

ثالثًا : حدود الله عزّوجلّ الأخلاقية:

هنا على مستوى الأخلاق لا حاجة للتفصيل؛ إذ يكفي واقع الحال الأخلاقي في زمن الغيبة، وإن كان كلّ منّا يعيش في عالم الاستكمال، إلّا أنّه لم يبلغ حدّ الكمال، ومنه الكمال الأخلاقي. وبالتالي لم يتخلّق أحد - سوى المعصوم - بأخلاق الله عزّوجلّ بالمستوى المطلوب والممكن له، وهذا الحد من حدوده عزّوجلّ يحتاج إلى إقامة.

فيبيّن الإمام للناس ضرورة التخلق بأخلاق الله عزّوجلّ ، وينهى عن الرذائل الخلقية. وهذا هو الواقع الذي يريده الله عزّوجلّ من عباده.

ص: 225

ص: 226

الفقرة الرابعة عشر:

«وانصرني على من تعدّى محدودك»

بعد أنْ يطلب الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف التوفيق لإقامة ِحدود الله عزّوجلّ ، فإنّه يُردِفُ طلبه بأنْ ينصره على من تعدّى محدوده.

وقد سبق وأن استظهرنا أنّ حدود الله عزّوجلّ هى الهرم الثلاثي للدّين، المتمثلة بالعقيدة والفقه والأخلاق، ومحدوده عزّوجلّ هو ذلك الهرم المنتهَك من قبل البعض؛ فالذين يتعدّون حدود أصول الدّين بجزئها أو كلّها، هؤلاء أعداءٌ لله عزّوجلّ ، يطلب الإمام أنْ ينصره عليهم، وكذا فروع الدّين، وأخلاقه. بل مع لوازمه المحققة لمجتمعه، كاقتصاد المجتمعات، وقوانينها، وطبّها .

هذا كلّه نشير إليه بالخروج عن حدِّ الإجمال قليلاً؛ وذلك لاحتمال أن يکون نصر الإمام على من تعدّى على محدودات الله عزّوجلّ، على عدّة أوجه، منها: -

ص: 227

1/ نصرٌ فكري

إنّ الإساءات التي توجهت لشخص النبي صلّی الله علیه و آله، والشبهات التي هدفها المساس بالإمامة وشخوص الأئمة عليهم السّلام؛ كي يضعف التمسك بها لابُدَّ أنْ يدحضها الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف .

فالحربُ هنا فكرية، ولا بُدّ أن يكون النصرُ فكريًا أيضًا؛ لذا يدعو الإمام أنْ ينصره الله عزّوجلّ على من أشعل نار تلك الحرب - وهم الكثير من أعدائه وذراريهم- ؛ بإزاحة ستار كلِّ الشبهات عن تلك الشخوص المقدّسة، وتعريف الناس جميعًا بعصمتهم، ومقامهم المعنوي عند الله عزّوجلّ.

لذا روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أنْ لا إله الله وأنَّ محمدا رسول الله» (1)، وفي الحديث إشارةٌ إلى نصِر دين الله عزّوجلّ مطلقًا -سواء على من يُشكك في ذلك الدّين أو على من يُحاربه-.

والخلاصة: إنّ أصول الدّين ستنجلي عنها الشبهات، وسينتصر الإمام لأقدس الشهادات حين ظهوره، وهي شهادة

ص: 228


1- تفسير العياشي: لمحمد مسعود العياشي، ج 1، ص 183

( لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله).

2/ نصرٌ فقهي

إنّ الذين يتعدّون على فروع الدّين بالإنكار أو الاستخفاف أو الإيمان ببعض وعدم الإيمان بالآخر -كإنكار الخمس-، أو ينكرون السنة النبوية - قول وفعل وتقرير النبي والأئمة علیهم السّلام- ويكتفون بكتاب الله عزّوجلّ، ويزعمون أنّهم يستنبطون منه أحكامًا شرعية، ويكذّبون التراث الروائي الصحيح والمعتبر، أولئك هم حقاً أعداءٌ لرسول الله صلّی الله علیه و آله، وعدوُّ الرسول عدوٌ لله عزّوجلّ ، فلابُدّ للإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من الانتصار عليهم؛ لأنّهم لم يراعوا قدسية الحديث المتواتر الذي أوصى بالتمسك بالثقلين، ولم يُدركوا جهلهم بعلوم الدّين حتى وصل بهم الأمر إلى حدِّ إنكار التقليد والاجتهاد والاحتياط. فالإمامُ سينتصر على أولئك المنتهِكين لفروع الدّين بطرقٍ موكولةٍ إلى حين زمنها.

والخلاصة: إنّ الفقه وأهله المخلصين سيُزكى ويُنصرون من قبل الإمام حين ظهوره .

ص: 229

3/ نصرٌ أخلاقي

الظلمُ خُلُقٌ قبيحٌ، فلا وجود له في الدولة العادلة، لذا يستعين الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بالله عزّوجلّ ويطلب منه النصر على الظالمين الذين تعدّوا حقوق المظلومين، والظلم الذي تعرّض وسيتعرّض له الإمام هو ظلمٌ لأهل بيته ولجميع أتباعه. فلو أردت استضعاف دولةٍ ما لا يكفي أنْ تظلم فردًا أو عشرةَ أفرادٍ من تلك الدولة مثلاً، بل تظلم قائدها وحينئذٍ سترى الاستضعاف بادٍ على جميع مفاصلها ومواطنيها.

نعم، ممكن أنْ يُصب الظلم على الرعية بتعليمهم قبيح الأخلاق؛ حتى يُشكّلوا عقبةً صعبةَ المعالجة في أوائل فترةِ ظهور الإمام، كتعليمهم السرقة والكذب والخيانة وما شابه ذلك، حتى روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّ الأمر سيصل إلى حدِّ سرقة ثياب المصلي ! وأيُّ سوءِ خلقٍ أشنع من هذا!

فقد روي عنه أنّه قال: «... ورأيت الرجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع، وليس عليه شيء من ثيابه»(1).

ص: 230


1- الكافي: للشيخ الكليني، ج8، ب، ص 40، ح7

وبالتالي إنّ النصر الذي سيحققه الله عزّوجلّ للإمام من هذه الناحية هو نصرٌ أخلاقي؛ بانتصار القسط والعدل والخلق الحسن على الظلم والجور والخلق السيء.

والنصرُ متحقق جزمًا لا محالة، حيثُ إنّ الإمامَ نفسَه أولُ المظلومين المستضعفين، لذا نجد أنّ الوعد الإلهي صريحٌ بأنْ يجعله الله عزّوجلّ وارثَ الأرض وحاكمها بعد الظلم والاستضعاف . قال عزّوجلّ : «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين»(1) فبوراثته الأرض سينتصر على العتاة الظالمين أخلاقيًا.

والخلاصة : إنّ الأخلاق ستبلغ أوج درجاتها على يدِ الإمام حين ظهوره.

4/ نصرٌ اقتصادي

من الواضح أن بعض التجار الكبار يحتكرون البضائع، ويستضعفون الصغار منهم حتى بدا السوق وكأنّه ملكٌ لهم،

ص: 231


1- سورة القصص: 5

فانتشر الظلم الاقتصادي بسبب لؤمهم، وسوء تصرفهم؛ روي عن الإمام علي علیه السّلام : «... ويملك المال من لا يكون أهله، لكع [لئيم] من أولاد اللكوع [اللئام] »(1).

هذا فضلاً عن سوء التدبير الاقتصادي كتلف المنتوجات بسبب سوء خزنها، فلعل ذلك يكون من أهم أسباب انتشار القحط والجوع قبل ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، حيثُ روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «إنَّ قدّام قيام القائم علامات: بلوى من الله عزّوجلّ لعباده المؤمنين قلت : وما هي؟ قال: ذلك قول الله عزّوجلّ: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(2) ، قال : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ» يعنى المؤمنين،... «وَالجُوعِ» بغلاء أسعارهم، و «وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ» فساد التجارات وقلة الفضل فيها،... «وَالثَّمَراتِ» قلة ربع ما يزرع وقلة بركة الثمار،

ص: 232


1- إلزام الناصب في اثبات الحجة الغائب: للشيخ علي اليزدي الحائري، ج2، ص 159
2- سورة البقرة: 155

«وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» عند ذلك بخروج القائم علیه السّلام ...» (1).

أضف إلى ذلك أنّ المجتمع الذي تتفشى فيه المعصية ترتفع البركة عنه، وتقل خيراته؛ روي عن الإمام علي علیه السّلام : «إِنَّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات»(2).

لذا سينتعش الاقتصاد في زمن ظهور الإمام، حتى يخرج من الأرض بركاتها، ويضع قانونًا اقتصاديًا يحفظ منتوجاتها، وتكثر السماء ببركته مائها؛ رويَ أنّه «إذا قام القائم حكم بالعدل... وأخرجت الأرض بركاتها» (3).

كما «وهناك أسبابٌ عديدة لا يسع المقام لنقلها فيها إشارة واضحة إلى كيفية النصر الاقتصادي الذي سيحققه الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف حين ظهوره» (4).

ص: 233


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، باب 14 ، ص 257، ح 5
2- نهج البلاغة، ج 2، ص 25 ، خ 143
3- الإرشاد: للشيخ المفيد، ج 2، ص 384
4- ظ : دراسة مقارنة للوضع الاقتصادي بين الغيبة والظهور: للشيخ ماهر الحجاج، مجلة الموعود، العدد8/ ذي الحجة / 1440ه_

والخلاصة: إنّ الاقتصاد سيزدهر في دولة العيش الرغيد في زمن ظهور الأمام.

5/ نصرٌ قانوني

لا شك أنّ القوانين الوضعية لم تُحِطْ علمًا بجميع مصالح البشر، كما أنّ عدم تطبيقها على الجميع نتيجةَ التمييز بين الطبقات الحاكمة والمحكومة، والمُتحزبة والفقيرة، أدى إلى عدم المساواة وتفشي الظلم. بل بات أخذُ الرشوة من بعض القضاة والمحامين وموظفي الدولة أمرًا طبيعيًا، حتى تجرّأ أقل الموظفين رتبةً على طلب الرشوة، وانتشر الفساد المالي، والخيانات الإدارية .

فهذا وأمثاله لا يرضى به الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، وبالتالي سينتصر على كلِّ تلك الظواهر السلبية نصرًا قانونيًا؛ من خلال حكمه بالقانون الشرعي الإلهي، الذي يراعي مصالح جميع البشر، وينشر العدل؛ روي عن النبي الأكرم محمد صلّی الله علیه و آله : «... تاسعهم قائم أمتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت

ص: 234

جورًا وظلما »(1).

كما وسيحكم الإمام بإلهام من الله عزّوجلّ؛ يقول الإمام الصادق علیه السّلام : «إذا قام قائم آل محمد عليهم السّلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بيّنة، يُلهمه الله عزّوجلّ فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسم» (2)، الأمر الذي ينفى كلَّ شكٍ في حكمه عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، وإنّ هذا لنصرٌ عظيمُ على من يحكم بالظن، أو يرتشي ليقبل شهادة زور.

ولا إشكالَ أبدًا بحكمِ الإمام وفقاً لحكم النبي داوود عليهماالسّلام، ولا منقصة؛ لعدّة أسباب، أهمها: «إنّ النبي داوود علیه السّلام كان يشارك الإمام بتبليغ أركان الدّين، وهي التوحيد والنبوة، بالإضافة إلى عقيدتنا في عصمة الأنبياء جميعهم، وضرورة الإيمان بهم وأخذ الدروس من حياتهم، وأنّ النبى داوود ليس نبيًا لليهود فحسب، وإنّما بُعِثَ لهم، فلا مانع من أنْ يُعطي الله عزّوجلّ للإمام كيفية حكم ذلك النبي، وهو

ص: 235


1- كمال الدين واتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج 1 ، ب 24 ، ص 285، ح 1
2- الإرشاد: للشيخ المفيد، ج 2، ص 386

الحكم بالعلم اللدني»(1).

والخلاصة : أنّ السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية لدولة الإمام ستتحلى بالعدالة والشفافية والنزاهة بقيادته عجّل الله تعالی فرجه الشّریف، فلا ارتشاء، ولا ظلم، ولا حكم مبني على الظن.

6/ نصرٌ طبّي

باتتِ المجتمعات تعاني الويلات من التدهور الطبي لمرضاها، إمّا لعدم اكتشاف المسبب الحقيقي لبعض الأمراض، أو لقلّة الإمكانيات المادية لتوفير العلاج، أو لخطأ التشخيص، أو لسوء التدبير في الحدِّ من انتشار الأوبئة المعدية، وأمثلة كثيرة تشير إلى ذلك التدهور.

وعلى الرغم من التطور العلمي الطبي، لكنك لا تجد ولو دولة واحدة تعيش بمجتمعٍ صحي نقي، إذ كلّ المجتمعات لا تخلو من العلل والأمراض، فمنها ما ينتقل بالعدوى، ومنها ما لا شفاء منها بصيرورتها مزمنة، فضلاً عن قلّة الثقافة الطبية

ص: 236


1- إشكالية حكم الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بشريعة داود: الحميد عبد الزهرة، مجلة الانتظار، العدد 12/ محرم/ 1429ه_

عند أغلب الشعوب.

فالإمامُ المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف في دولته سينتصر على جميع تلك الحالات غير الصحيحة في المجال الطبي، كيف لا وقد كان أجداده عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ببركاتهم يشفى المريض، فالطب الجسدي والروحي علمه عندهم أيضاً؛ روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهةٍ برأ، ومن ذي ضعفٍ قوي» (1)، والعاهةُ هي المرض، أما الضعفُ فهناك من العلماء من احتمل أمرين، هما:

-أن يكون ذلك الضعف ضعفًا جسديًا بسبب الأمراض، ومعنويًا بسبب الحالات النفسية.

-أو أنْ يزول ضعف المريض في دولةِ الإمام ويُبدله الله عزّوجلّ قوةً ؛ اعتمادًا على قرينةٍ منفصلةٍ، وهي قولٌ رويَ عن الإمام السّجّاد علیه السّلام : «إذا قامَ القائمُ أذهب الله عن كلّ مؤمنٍ العاهة، وردّ إليه قوّته» (2) ، وهذا بحدِّ ذاته انتصارٌ على المرض

ص: 237


1- الخرائج و الجرائح: لقطب الدين الراوندي، ج 2 ، ف54، ص 839
2- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب21، ص330، ح2

واستئصاله.

ونصرٌ «كهذا الانتصار» وغيره في المجال الطبي لا يسع المقام لاقتباسه توكل مراجعته إلى مصدر تحليله»(1).

والخلاصة: إنّ الإمام سينتصر على الأمراض، ويحقق مجتمعًا واعيًا صحيًا.

ص: 238


1- ظ : دولة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف: السيّد مرتضى المجتهدي السيستاني، ص 96 - 105

الفقرة الخامسة عشر:

«وانصر الحقّ وأزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا»

كأنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف هنا يُجمل في دعائه بطلب نصرة عموم الحق حتى يزهق عموم الباطل. والدعاء -كالعادة- له جذرٌ قرآني، وتفسيرٌ روائي؛ فقد قال الله عزّوجلّ في كتابه الكريم: «وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا»(1).

ووجه التشبيه بين الدعاء والآية هو أنّ الإمام يدعو بنصرة الحق، والآية تبشّر بمجيئه، وبما أنّ الإمام دعاؤه مستجاب فممكن أن تكون الآية بشرى مستقبلية له بتلبية ما طلب، وهذا نظير الآية الكريمة: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهَ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِين الله أَفْوَاجًا»(2)، فالآية تشير إلى زمن ظهور الإمام كما هو وارد في كتب التفسير المعتبرة، فالحق سيأتي وينتصر على الباطل زهقًا.

ص: 239


1- سورة الاسراء: 81
2- سورة النصر : 1-2

ومعنى زهق: أي «... بطل وهلك واضمحل. وفي التنزيل : إن الباطل كان زهوقا. وزهق الباطل إذا غلبه الحق، وقد زاهق الحق الباطل. وزهق الباطل أي اضمحل، وأزهقه الله. وقوله عز وجل: فإذا هو زاهق، أي باطل ذاهب» (1).

أما تفسير الآية التي هي جذر الدعاء، فقد روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال في تفسير آية «وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ» : «إذا قام القائم علیه السّلام ذهبت دولة الباطل»(2). فالإمام الصادق علیه السّلام يشبه قيام الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بالحق، ويفسر زهوق الباطل بانحلال كل دولة الباطل.

فلا تخلو دولة من دول العالم إلّا والباطل يسودها - في الحكم أو في الأفراد باختلاف السعة والضيق فيه -، فما إن يقوم الإمام أي يتحرّك عسكريًا نحو أعدائه فإنّهم سيزهقون حتماً.

وتعبير الإمام الصادق علیه السّلام بالقيام تعبير دقيق جدًا، فلفظ القيام يختلف عن لفظ الظهور، فبعد خروج الإمام إلى مكة،

ص: 240


1- لسان العرب: لابن منظور، ج 10، ص 147
2- الكافي: للشيخ الكليني، ج8، ص 287، ح 432

وبعد ظهوره العلني في مكة، يقوم بالتحركات العسكرية والدعوية ضد أعدائه.

وفي رواية أخرى بشأن مجيء الحق وزهوق الباطل، روي «أنَّ المهدي و حينما وُلد كان مكتوبًا على ذراعه الأيمن قوله تعالى: «جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا» »(1). وهذا الحدث يؤيد تفسير الإمام الصادق علیه السّلام أعلاه بأنّ الحق هو قيام القائم .

وبالتالي فإنّ الحق متحقق ظهوره على يدي الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف .

نعم، هناك روايات نصت على أنّ النبي محمداً صلّی الله علیه و آله حينما دخل المسجد الحرام في يوم فتح مكّة حطم بعصاه (360) صنماً كانت لقبائل العرب، وكانت موضوعة حول فناء الكعبة، وكان يردد الآية «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقا»(2)، فللإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف اسوة حسنة، وقدوة داعية بجدّه النبي صلّی الله علیه و آله، فلا يستبعد أن يحطم أصنام الأنا والباطل وهو

ص: 241


1- الغيبة: للشيخ الطوسي، ج 1، ص 263، ح 207
2- تفسير الامثل: للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 9، ص 96

يردد تلك الآية المباركة.

ص: 242

الفقرة السادسة عشر:

«وأورد عليّ من شيعتي وأنصاري [و] من تقرّ بهم العين، ويُشدُّ بهم الأزر، واجعلهم في حرزِك وأمنِك برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين»

ويختم الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف دعاءه بأن يجمعه الله عزّوجلّ بشيعتِه وأنصاره بإحضارهم عنده، حيثُ محلّ ظهوره الأكبر - مكة المكرمة - ، بل والذين يُمهدون له حين ظهوره الأصغر، فيدعو لهم بالحفظِ والصونِ.

* قوله: «وأوردْ علىّ»

أي «أحضِر لي فيقال: أوردَ الشيء أيّ أحضره» (1) ، كما وجاء في التنزيل العديد من الآيات المشتملة على لفظة (الورود)، و «أَنَّ الورود لا يدلُّ على أزيدِ من الحضور والإشراف عن قصد»(2).

ص: 243


1- ظ: تاج العروس للزبيدي، ج 6 ، ص 285
2- تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي، ج 14 ، ص 91

* وقوله : «من شيعتي»

أي من أتباعي ومن سار على خطاي ونصرني ولم يخالفني.

* وقوله: «وأنصاري»

جمع ناصر، «فيُسمى رجل نصرة، فأنصار النبي صلّی الله علیه و آله ، حيث غلبت عليهم صفة النصر فسُموا بالأنصار» (1) ، كما لله عزّوجلّ أنصار ، جاء في التنزيل : «قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ الله»(2).

ولعل هناك فرقاً بين شيعةِ الإمام وأنصاره، من حيث إنّ الأنصار أخص من الشيعة، فهم شيعة بدرجة الأنصار، وهناك شيعة لكن لم يصلوا إلى درجة الأنصار.

وعلى كل حال، فالذين ينصرون الإمام لا شكّ أنّهم من شيعته، وإلّا كيف ينصرونه إنْ كان مخالفًا لهم بالمنهج.

وقد يجمعهما مصطلحٌ واحدٌ وهو الأصحاب، الأحياءُ الذين سيعاصرون زمن الإمام، أو الأموات الذين سيرجعون

ص: 244


1- ظ : القاموس المحيط: للفيروز آبادي، ج 1، ص 483
2- سورة آل عمران: 52

إلى الحياة الدنيا .

وعليه، فلا بأس في تسليطِ الضوء على بعضِ الفئات التي ستُصاحب الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف وتنصره آنذاك، وهي:

1/ الملائكة

روي عَنْ أبي حمزة الثمالي أنّه قَالَ : «سمعتُ أبا جعفر محمد بن علي عليهماالسلام يَقُول : لو قد خَرَجَ قائمُ آلِ محمدٍ عليهماالسّلام لَنَصَرَهُ اللهُ بالملائكة المسومين، والمردفين، والمنزلين، والكروبيين، يكون جبرئيل أمامه، وميكائيل عَنْ يمينه، وإسرافيل عَنْ يساره،... الملائكة المقربون حذاه»(1).

2/ بعض الأنبياء عليهم السّلام والصالحين.

كالنبي عيسى عليه السّلام ، فعن الإمام الرضا عليه السّلام : « ... إذا خَرَجَ المَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي نَزَلَ عيسى بْنُ مَرْيَمَ علیه السّلام فَصَلَّى خَلْفَه»(2).

وكالخضر؛ رويَ عن الإمام الرضا عليه السّلام أنّه قال: «إِنَّ

ص: 245


1- الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1، ب ،13، ص 237 - 283 ، ح 22
2- عيون أخبار الرضا: للشيخ الصدوق، ج1، ص218، ح1

الخضْرَ عليه السّلام شَرِبَ مِنْ مَاءِ الحَيَاةِ، فَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ ،... وَسَيُؤْنِسُ اللَّهُ بِهِ وَحْشَةَ قائِمِنَا فِي غَيْبَتِهِ وَيَصِلُ بِهِ وَحْدَتَه»(1).

3/ النبيُ وأهلُ بيته ( عليهم السلام أجمعين )

جاء في تفسير علي بن إبراهيم... عن علي بن الحسين عليهماالسّلام في قوله: «إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قال : «يرجع إليكم نبيكم» (2).

4/ من سائر البشر غير ما سبق، وهم أصناف :

أ) سبعون ألف صدّيق؛ كما روي عَنْ الفضل بن شاذان بإسناده عَنْ أَبي جَعْفَرِ علیه السّلام قَالَ: «إِذا ظَهَرَ الْقَائِمُ وَدَخَلَ الكُوفَةَ بَعَثَ اللَّهُ (تَعَالَى) مِنْ ظَهْرِ الكُوفَةِ سَبْعِينَ أَلْفِ صِدِّيقِ، فَيَكُونُونَ في أَصْحَابِهِ وَأَنْصَارِهِ»(3).

ص: 246


1- كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ الصدوق، ج1، باب ما روي من حديث الخضر عليه السّلام ، ص 418-419، ح4
2- تفسير القمي: لعلي ابراهيم القمي ، ج 2، ص 147
3- مصدر سابق، ج 52 ، ب 27، ص 390، ح212

ب) بعض أصحاب الأنبياء السابقين، روي عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال : «إذَا قَامَ قائم آل محمد صلّى الله عليه وآله استخرجَ مِنْ ظَهْرِ الكَعْبَةِ [الكوفة. خ.ل] سبعةَ وعشرين رَجُلًا؛ خمسة وعشرين من قوم مُوسَى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصْحَاب الكهف، ويوشع وصي مُوسَى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر »(1).

-فإن قيل: إنّهم ليسوا على المذهب الجعفري حتى يُلزموا بطاعةِ ونصرةِ الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف !

- فممكن أنْ يُقال:

أولاً : إنّ أوّل من شهد بالربوبية لله عزّوجلّ في عالمِ الذر هو النبي محمد وأهل بيته عليهم السّلام، أمام مرأى ومسمع الأنبياء الآخرين، فلا يُستبعد أنّ الأنبياءَ أخبروا أصحابَهم عن فضل النبي الخاتم وأهل بيته عليهم السلام، ووجوب طاعة خاتم أهل البيت حين رجوعهم للحياة الدنيا.

ص: 247


1- تفسير العياشي: لمحمد العياشي، ج 2، ص 32

ثانيًا : هناك رواياتٌ تشيرُ إلى أنّ أحد الحواريين كان قد علّمه النبي عيسى علیه السّلام فضلَ الإمام الخاتم الذي سيُصلّي النبي عیسى خلفه؛ حيث روي «أنّ رجلًا نصرانياً معه كتاب أتى أمير المؤمنين وقال له : إنّه من نسلِ حواري عيسى بن مريم علیه السّلام، وأنّ عيسى أوصى إليه ودفع إليه كتبه، وفيها ... أنّ الله (تبارك وتعالى) يبعثُ رَجُلًا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ... يُقَالُ لَهُ : أحمد، ... وفيها ما تلقى أمته بعده إلى أنْ ينزل عيسى بن مريم من السماء، وأنّهم من أحبِّ خلقِ الله إليه، والله ولي لمن والاهم، وعدو لمن عاداهم، من أطاعهم اهتدى، ومن عصاهم ضل، طاعتهم لله طاعة، ومعصيتهم لله معصية، ... وفيه الذي يظهر مِنْهُم وينقادُ له الناس حتى ينزل عیسی بن مریم علیه السّلام على آخرهم فيصلي عيسى خلفه ويَقُول: إنّكم لأئمة، لا ينبغي لأحدٍ أنْ يتقدمكم، فيتقدم فيصلي بالناس وعيسى خلفه في الصف»(1).

ج) اليماني، كذلك هناك من هم قادة جيشٍ سينالون شرف

ص: 248


1- ظ : الغيبة: للشيخ النعماني، ج 1 ، ب 4، ص 77، ح9

نصرة الإمام؛ كاليماني؛ كما روي عن الإمام الباقر علیه السّلام: «... وَلَيْسَ فِي الرَّايَاتِ رَايَةٌ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ اليَمَانِيِّ، هي رايَةُ هُدى، لأنه يَدْعُو إِلى صَاحِبِكُم»(1) .

د) الخراساني وشعيب بن صالح

وهما اللذان سيكونُ لهما دورٌ في النصر؛ رويَ عن جابر عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «يخرجُ شاب من بني هاشم بكفّه اليمنى خال، من خراسان برایاتٍ سود بين يديه شعيب بن صالح يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم» (2).

ه_) قادة جيشِ الإمام من الرجال والنساء

روي عن الإمام الباقر علیه السّلام أنّه قال: «فيقومُ القائمُ بين الركنِ والمقام فيصلي.... ويجئ والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكةَ على غيرِ ميعاد قزعًا كقزعِ الخريف يتبع بعضهم بعضًا»(3).

ص: 249


1- مصدر سابق، ج 1، ب 14، ص 262، ح 13
2- الملاحم والفتن : للسيد ابن طاووس، ج 1، ب97، ص 117، ح115
3- معجم أحاديث الامام المهدي: للشيخ الكوراني، ج 5، ص 11، ح1452

/5 الجن

روي عن المفضل عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال: «فإذا طلعت وابيضت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسانٍ عربيٍ مبين يسمعه من في السماوات والأرض يا معاشر الخلائق هذا مهديُ آل محمد ويسميه باسم جده رسول الله صلّی الله علیه و آله ... فأول من يلبي نداءه الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ...» (1).

* وقوله : «[ و ] من تقرّ بهم العين»

فأما معنى قرّت، فيقال: «قَرَّت عينُه مأْخوذٌ من القَرُور، وهو الدمعُ البارد يخرجُ مع الفرح ، وقيلَ : هو من القَرارِ، وهو اهُدُوء» (2) . ولا شك أنّ الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ستقرُّ عينُه بأتباعه وأنصاره؛ إذ ثبتوا على عقيدتهم، وطبقوا أحكام فروع دينهم، وكانت أزكى الأخلاق أخلاقهم، فجاهدوا أنفسهم، حتى باتوا أورع الناس في زمنهم. فلعلّ الإمام يبكي فرحًا، بدمعٍ باردٍ؛ لما يراه

ص: 250


1- الهداية الكبرى: للخصيبي، ص 397
2- لسان العرب: لابن منظور، ج 5 ، ص 86

من أنصاره من الرجال والنساء، ولعلّه يهدأ روعه لما يرى من تمهيد أنصاره وشيعته له.

* وقوله : «ويشدّ بهم الأزر»، أي تتضاعف بهم قوّتي، فيقال : «أَزَرَهُ وآزَرَهُ: أَعانه وأَسعده، من الأَزْر: القُوَّةِ والشّدّة»(1).

ودعاء الإمام علیه السّلام هذا نظير الدعاء الذي دعا به النبي موسى علیهماالسّلام بأنْ يشدّ أزره بهارون علیه السّلام ؛ قال عزّوجلّ في مقام الحكاية: «هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» (2). حيثُ إنّ سبب طلب النبي موسى علیه السّلام كان «احتياجه إلى من ينتصرُ به؛ لكثرةِ مهامه التي لا يستطيع القيام بها لوحده، فاستجابَ له ربّه وشدّ أزره - قوّته - بأخيه هارون»(3).

فكذا الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لكثرة مهامه المباركة يطلبُ من الله عزّوجلّ أن يشد قوّته بشيعته وأنصاره، فيتقاسموا مهام النصرة

ص: 251


1- المصدر نفسه، ج 4 ، ص 17
2- سورة طه: 30-31
3- تفسير الميزان: للسيد الطباطبائي، ج 14، ص 146-147

معه؛ حيث إنّ الروايات صدحت بدورهم في عملية النصرة، سواء أكانت نصرةً عسكريةً فتشمل شدَّ الأزر بالأنصار من الرجال، أو نصرةً دعويةً عقائدية، أخلاقية، فتشملُ شدَّ الأزر بالأنصار من الرجال والنساء.

* وقولُه : «واجعلهم في حرزك وأمنك».

يدعو الإمام لشيعته وأنصاره بالحفظ؛ لما سيتعرضون له من الأعداء، فالحرز هو الحصن الذي يصون الشخص، وظاهرًا المراد هو: احفظهم يا ربّ في مكان يأمنون شرَّ الأعداء فيه .

أما أمن الله تعالى: فالأمن ضد الخوف مطلقًا - سواء كان خوفًا عسكريًا أو فكريًا - ، ومعه، يدعو الإمام لهم أنْ يكونوا بأمنٍ وأمانٍ برعاية الله عزّوجلّ لهم، وفعلا يستجيب عزّوجلّ له؛ حيث يروي الإمام الصادق علیه السّلام صفات بعض أنصار الإمام قائلا: « ... ورجالٌ كأَنَّ قلوبَهم زبرُ الحديد، لا يشوبها شكٍّ في ذاتِ الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبالِ لأزالوها،... فيهم رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ

ص: 252

النحل، يبيتون قيامًا على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليلّ ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأَمَة لسيِّدها، كالمصابيح ، كأنَّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنَّون أنْ يُقتلَوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسيرُ الرعبُ أمامهم مسيرة شهر، يمشونَ إلى المولى إرسالا ، بهم ينصرُ الله إمام الحقِّ»(1).

* وقوله: «برحمتك يا أرحم الرّاحمين»

لعلّه اشارةٌ من الإمام إلى جانب الرحمة من الله عزّوجلّ والتي يُجسدها هو عجّل الله تعالی فرجه الشّریف.

ص: 253


1- بحار الأنوار: للعلّامة المجلسي ، ج 52 ، ب 26 ، ص 308، ح 82

ص: 254

الخاتمة

في ختام هذا العمل المتواضع أحمد الله عزّوجلّ لنا على توفيقه أرجو ، أن أكون قد سددت ووفقت فعلاً لبيان قصد الإمام عجّل الله تعالی فرجه الشّریف من خلال كلماته الشريفة، وإن لم أصب فالحيرة فيه، وفي مقاصده توجب المحاولة تلو الأخرى.

أسأل الله عزّوجلّ أن يعجّل لوليّه الفرج، ويبلّغه عنّي تحيةً كثيرةً، وسلامًا.

هناك نتائج توصلت إليها من وراء هذا الجهد المتواضع، منها:

1/ هناك ارتباطٌ وثيق بين الخطاب القرآني والخطاب المهدوي؛ فالأول جذر للثاني، كيف لا والإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف شريك القرآن.

2/ إمكان وقوع البداء في العلامات الحتمية، فضلاً عن

ص: 255

غير الحتمية؛ نعم، من باب إخبار المعصوم بضرورة وقوع الحتمية فلا بدن أن تقع، ومقام الوقوع غير مقام الإمكان.

3/ أتباع الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف لن ينحصروا بكونهم من مذهب الشيعة الإمامية، بل ولا من الدّين الإسلامي وحسب، وإنّما سيلتحق به ركبٌ من بعض أصحاب الأنبياء السابقين، ومن غير المذاهب بعد استبصارهم، وتشيعهم، وحتى من غير الأديان ممن يهديه الله عزّوجلّ.

4/ الخطاب المهدوي يحوي ثلاثية المنظومة الدينيّة، من عقيدة وفقه وأخلاق.

5/ تركيز الخطاب المهدوي على الدعاء، وهذا يعني التذكير بالثبات على توحيد الربوبية.

وختامه مسك بعض التوصيات لمن رام خدمة الخطاب المهدوي، منها:

1/ الدقة فى تجذير الخطاب المهدوى وإرجاعه إلى آيات القرآن الكريم، التي يظهر أنها توافقه، فيتحتم الرجوع إلى

ص: 256

تفسير الآية في الكتب المعتبرة ، ومعرفة سبب نزولها .

2/ عدم التشخيص في الموارد التي تحتمل، وذلك في حال فقد القرينة، ويكفي طرح الاحتمالات الممكنة والمتوافقة مع الأصول العامة للمذهب.

3/ عدم الجزم حين سرد الفرضيات؛ حتى وإن كانت معتضدة بأدلة، فيبقى ما نتوصل إليه غير يقيني .

4/ ضرورة الرجوع إلى أهل الاختصاص في القضية المهدوية، أو متابعة المركز المختص بها، مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام، والاستفادة من خبراتهم، والعقل يحكم برجوع الجاهل إلى العالم.

5/ قبل الكتابة في الخطاب المهدوي الأفضل أن تكون للكاتب معرفة ولو إجمالية ، مكتسبة بالبحث والتأمل، فضلاً عن معرفة الكتب المعتبرة المعتمدة في القضية المهدوية.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على سيّدنا محمدٍ وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 257

ص: 258

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع

1 - القرآن الكريم.

2 - نهج البلاغة.

3- اثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن الحسين الحرّ العاملي، تقديم: آية الله العظمي السيد شهاب الدين المرعشيّ النّجفي قدّس سرّه، تخريج: علاء الدّين الأعلمي، ج 5، ط 1 ، 1425 ه_ - 2004م ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.

4 - إرشاد القلوب: الشيخ أبي محمد الحسن بن محمد الديلمي، ج 2، منشورات الرضّي، قم - إيران.

5- أطلس سيرة الإمام المهدي علیه السّلام : رسول عبد السادة، ط1، 1437 ه_ - 2016 م ، دار المتقين للطباعة والنشر، بيروت - لبنان.

6 - أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، ج2،1، تحقيق واخراج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت.

7- إعلام الورى بأعلام الهدى: الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، ج2، تحقيق مؤسسة آل البيت علیهم السّلام لإحياء التراث، ط2،

ص: 259

1417ه_، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم.

8-إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب : الشيخ علي اليزدي الحائري، ج 2 ، بلا .

9- الإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ج2، بلا، 1394ه_- 1974م ، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

1 - الإحتجاج : الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، ج 2، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، 1386 ه_ - 1966م، منشورات دار النعمان للطباعة والنشر، مطبعة النعمان، النجف الأشرف.

11 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، ط 2 ، 1414ه_ - 1993 م ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

12- الأصول العامة للفقه المقارن : السيد محمد تقي الحكيم، ط2، 1979م، مؤسسة آل البيت عليهم السّلام للطباعة والنشر.

13 - الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل : الشيخ حسن محمد مكي العاملي، ج 3، ط 1 ، 1435ه_ - 2014م، مؤسسة التاريخ العربي،

ص: 260

بيروت - لبنان.

14 - الأمالي : الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية، ط 1، 1414ه_، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، دار الثقافة.

15 - الأمثل تم في تفسير كتاب الله المنزل : للشيخ ناصرج 14266ق- 1384 ، مدرسة الامام علي بن ابي طالب قم.

16- الخرائج والجرائح : الشيخ الأقدم أبو الحسين سعيد بن هبة الله المشهور ب_ «قطب الدين الراوندي، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي علیه السّلام - قم المقدسة، باشراف الحاج السيد محمد باقر نجل المرتضى الموحد الأبطحي الأصفهاني دامت بركاته، ج2، ط1، 1409ه_.ق، المطبعة العلمية، قم المقدسة.

17 - الخصال: الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1403-136، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة.

18 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ، بلا، دار المعرفة، بيروت - لبنان.

19 - السفياني حتم مر : السيد جلال الموسوي، اعداد وتقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية

ص: 261

في الإمام المهدي علیه السّلام ، ط6 ، 1327 ه_ - 2016 م، النجف الأشرف.

20 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : إسماعيل بن حماد الجوهري، ج1، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم.

21 - الغيبة: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، ج 1، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني - الشيخ على احمد ناصح، ط1، 1411ه_، مؤسسة المعارف الاسلامية، مطبعة بهمن، قم.

22 - الغيبة: الشيخ محمد بن ابن إبراهيم المعروف بالنعماني، ج1، تحقيق : فارس حسون كريم، ط 1 ، 1422ه_، أنوار الهدى، مطبعة مهر.

23 - القاموس المحيط: الشيخ مجد الدین محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف : محمد نعيم العرقسُوسي، ط8، 1426 ه_ - 2005م، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

24 - الكافي : الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ج 1 ، ط 5 ، ج 2، ط4، 1365، دار الكتب الاسلامية، طهران.

25- المزار: الشيخ محمد بن المشهدي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، ط 1 ، 1419ه_، مؤسسة الآفاق، طهران.

26 - المصباح: الشيخ تقى الدين إبراهيم بن علي الحسن بن محمد

ص: 262

بن صالح العاملي الكفعمي، ط3 ، 1403ه_ - 1983م، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.

27- المعجم الوسيط: لإبراهيم مصطفى وأحمد الزيات وحامد عبد القادر ومحمد النجار، ج 2، مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، القاهرة.

28 - الملاحم والفتن: السيد ابن طاووس رضي الدين علي بن موسى بن جعفر، تحقيق : مؤسسة صاحب الامر (عجّل الله تعالی فرجه الشّریف)، الاخراج الفني: السيد حسن عزيز الحكيم، ط 1، 1416ه_، مطبعة: نشاط، أصفهان.

29 - الميزان في تفسير القرآن: السيد محمد حسين الطباطبائي، ج1، ج 14 ، ج 17 ، ج 19 ، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم.

30- الهدى والضلال في القرآن الكريم: الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي، تقديم: معهد تراث الأنبياء للدراسات الحوزوية الألكترونية، ط 1، 1438ه_.

31 - الهداية الكبرى : الشيخ عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، ط4، 1411ه_ - 1991م، مؤسسة البلاغ، لبنان - بيروت.

32- بحار الأنوار: الشيخ محمد باقر المجلسي، ج 3، ج 52 ، ج 53، ج 91 ، ج 95، 1403ه_ - 1983م، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان.

33- تاج العروس: السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي

ص: 263

الحنفي دراسة وتحقيق: علي شيري، 1414ه_ - 1994م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

34- تحف العقول: أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط2، 1363 - ش 1404 - ق، مؤسسة النشر الاسلامي، إيران.

35- تفسير الإمام العسكري: الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري علیه السّلام، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي قم المقدسة، ط1، 1409ه_، مطبعة مهر، قم.

36- تفسير العياشي : محمد بن مسعود العياشي، ج 1، ج 2، تصحيح وتعليق وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الاسلامية، طهران.

37- تفسير القمي: للشيخ علي بن إبراهيم القمي، ج 2، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، ج 2، 1387ه_، منشورات مكتبة الهدى، مطبعة النجف.

38- تفسير فرات الكوفي : فرات بن إبراهيم الكوفي، ط 1 ، 1410ه_ -1990م، طهران - إيران.

39- جامع البيان عن تأويل القرآن: الشيخ محمد بن جرير الطبري، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدفي جميل العطار،

ص: 264

ج 26 ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

40 - دروس في علم الأصول: السيد محمد باقر الصدر، ج3، ط2، 1430ه_ - 2009م ، ط 2 ، دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع.

41 - دولة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف : السيد مرتضى المجتهدي السيستاني، ترجم من الفارسية الى العربية: ضياء الزهاوي، ط1، 1432ه_، منشورات الماس، مطبعة الهادي، قم المقدسة.

42 - رجال النجاشي: الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي، التحقيق: الحجة السيد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة) لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

43 - زينب الكبرى من المهد إلى اللحد: السيد محمد كاظم القزويني، تحقيق وتعليق وتقديم : السيد مصطفى القزويني، دار المرتضى، بيروت.

44 - سنن الترمذي : محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، تحقيق وتعليق : أحمد محمد شاكر (ج 1، 2) ومحمد فؤاد عبد الباقي (ج 3) وإبراهيم عطوة عوض ( ج 4 ، 5)، ط2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.

45 - شذرات مهدوية: الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي، تقديم وتحقيق مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام ، ط2،

ص: 265

1438ه_، النجف الأشرف.

46 - شرح أصول الكافي : المولى محمد صالح المازندراني، تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، ج11، ط 1 ، 1421ه_ - 2000م، دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت _ لبنان.

47 - شرح سنن أبي داود عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن العباد البدر، ج 225 ، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net [الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 598 درسا].

48 - شرح نهج البلاغة: ميثم بن علي بن ميثم البحراني، تصحيح: عدّة من الأفاضل، ج 3.

49- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت

50 - صفات الشيعة: أبي محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، المشهور بالصدوق.

51- عقائد الامامية : الشيخ محمد رضا المظفر، تقديم: الدكتور حامد حفني داود، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، مطبعة بهمن، قم.

ص: 266

52 - على ضفاف الانتظار : الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي، تقديم: مركز القمر للإعلام الرقمي ، 1438ه_.

53 - علل الشرايع : الشيخ أبو جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن موسی بن بابويه القمي، المعروف بالصدوق، ج 1، 1385 ه_ - 1966م، مطبعة المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

54- عيون أخبار الرضا: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحيح وتقديم وتعليق: الشيخ حسين الأعلمي، ج 1 ، ط 1 ، 1404ه_ - 1984م، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت- لبنان.

55- كشف الغمة في معرفة الأئمة: المحقق أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي، ج 3، دار الأضواء، بيروت - لبنان.

56- كمال الدين واتمام النعمة: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه - القمي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ج 1، 1405ه_، مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

57 - كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : علاء الدين علي بن حسام الدين ابن قاضي خان القادري الشاذلي الهندي، تحقيق: بكري حياني وصفوة السقا، ج 14 ، ط 5 ، مؤسسة الرسالة.

58- لسان العرب: جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، ج 1، ج 3، ج 4 ، ج 5 ، ج 7، ج 10، ط3، 1414ه_، دار صادر،

ص: 267

بيروت.

59 - مجمع البيان في تفسير القرآن: الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، تقديم: السيد محسن الأمين العاملي، ج 16 ، ط 1، 1415ه_ - 1995م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.

60 - مسند الإمام أحمد بن حنبل : أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، ط 1، 1416ه_ - 1995م، دار الحديث - القاهرة.

61 - معاني الأخبار : الشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، تصحيح: علي أكبر الغفاري، انتشارات إسلامي وابسته بجامعة مدرسين حوزه علمیه قم.

62 - معجم أحاديث الإمام المهدي علیه السّلام : الشيخ علي الكوراني ، ج 3، ج 4 ، ج 5 ، ط 1 ، 1411ه_ ، مؤسسة المعارف الاسلامية، مطبعة بهمن، قم.

63- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة للامام الأكبر زعيم الحوزات العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره الشريف الكتاب الرابع عشر الطبعة الخامسة طبعة منقحة ومزيدة السنة 1413 ه_ - 1992م

ص: 268

64 - معجم اللغة العربية المعاصرة : د أحمد مختار عبد الحميد عمر، ج 1، ج 3، ط 1، 1429 ه_ - 2008م.

65 - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط 1، 1406 ه_ - 1986م، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

66- موجز دائرة معارف الغيبة : إعداد وتأليف: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف ، ط 1 ، 1427ه_، النجف الأشرف. 1،

المقالات

1 - إشكالية حكم الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشّریف بشريعة داود: حميد عبد الزهرة، مجلة الانتظار، العدد 12/ محرم/ 1429ه_.

2- الدعاء المهدوي وآثاره في بناء الفكر والعقيدة البناء التوحيدي أُنموذجاً : الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي مجلة الموعود، العدد 4 / ذو الحجة / 1438ه_.

3- التراث المهدوي استقراء التطور الفكري في مسيرة التراث المهدوي الشيعي: لمجتبى السادة ، مجلة الموعود، العدد 5/ ذو القعدة/ 1439ه_.

4 - الغيبة أقسامها وأسبابها: الشيخ عادل الحريري، مجلة صدى المهدي،

ص: 269

العدد: 1/ ربيع الأول/ 1437ه_.

5- تجليات معرفية في الخطاب المهدوي: علوية الحسيني، ف8، ف10، مدونة الكفيل.

6- دراسات استراتيجية الاعداء في حربهم ضد الامام المهدي علیهم السّلام حالياً: الكاتب مجتبى السادة مجلة الانتظار، العدد 16/ محرم/ 1430ه_.

7- دراسات أفكار في سلاح الإمام المهدي علیه السّلام عند الظهور : الكاتب حسين عبد الأمير الظالمي، مجلة الانتظار ، العدد 12 ، 1429ه_.

8- دراسة مقارنة للوضع الاقتصادي بين الغيبة والظهور: الشيخ ماهر الحجاج، مجلة الموعود، العدد 8/ ذي الحجة/ 1440ه_.

9 - عنصر الخفاء في القضية المهدوية: الشيخ حسين الأسدي، مجلة الموعود، العدد 4 / ذو الحجة / 1438ه_.

المواقع

@مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام.

@صحيفة صدى المهدي، العدد 85 ، ربيع الأول، 1435ه_، الأسئلة الموجهة إلى مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السّلام.

تم بحمد الله تعالى

ص: 270

المحتويات

مقدمة المعهد ... 5

الإهداء ... 9

شكر وعرفان ... 11

المقدمة ... 13

التجليات المعرفية في الخطاب المهدوي الأول ... 17

الفقرة الأولى: ... 21

الفقرة الثانية: ... 33

الفقرة الثالثة: ... 49

الفقرة الرابعة: ... 63

الفقرة الخامسة : ... 75

التجليات المعرفية في الخطاب المهدوي الثاني ... 87

الفقرة الأولى: ... 89

الفقرة الثانية: ... 97

الفقرة الثالثة: ... 103

الفقرة الرابعة: ... 111

الفقرة الخامسة: ... 123

الفقرة السادسة: ... 133

ص: 271

الفقرة السابعة: ... 143

الفقرة الثامنة : ... 157

الفقرة التاسعة: ... 171

الفقرة العاشرة: ... 179

الفقرة الحادية عشر: ... 187

الفقرة الثانية عشر: ... 205

الفقرة الثالثة عشر : ... 213

الفقرة الرابعة عشر: ... 227

الفقرة الخامسة عشر: ... 239

الفقرة السادسة عشر : ... 243

الخاتمة ... 255

المصادر والمراجع ... 259

المقالات: ... 269

المواقع: ... 270

ص: 272

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.