الإشارات إلى التبليغ والمُبلِغ والمُبلَّغ له

هوية الكتاب

عنوان الكتاب: الإشارات إلى التبليغ والمبلِغ والمبلَّغ له

المؤلّف: سماحة آية الله العظمى الشيخ شمس الدين الواعظي

الناشر: مكتب الشيخ الواعظي (دام ظله)

الطبعة: الثانية /1427ه

الكمية: 1000 نسخة

الإخراج والتنضيد الألكتروني: أسعد زوين

المطبعة: الرائد - النجف الأشرف

حقوق الطبع محفوظة للناشر

ص: 1

اشارة

الإشارات إلى التبليغ والمُبلِغ والمُبلَّغ له

سماحة آية الله العظمى الشيخ شمس الدين الواعظي دام ظله الوارف

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحیم

الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا

الاحزاب/ 39

ص: 11

ص: 12

كلمة المكتب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

أما بعد:

لقد إعتاد سماحة آية الله العظمى الشيخ شمس الدين الواعظي (أطال الله بقائه) على الوعظ والإرشاد في مجالسه العامة والخاصة، ولم يكن هذا بجديد على علماء الطائفة الشيعية سددها الله، فكان سماحته يشير إلى القضايا التي تخص الطلبة وهم في محل الدرس وأخرى وهم في البيت وثالثة وهم في نشر علوم أهل البيت(علیهم السلام)، وكان يحضر هذه المجالس مجموعة من الطلبة الأفاضل وقد تقدم إلينا ثلة منهم رعاهم الله بطلب وهو ان تدون هذه المواعظ بصورة مختصرة من قبل سماحة آية الله العظمى الشيخ الواعظي (حفظه الله) لكي تكون رسالة أبوية

ص: 13

تحمل في طياتها ما يحتاجه الواعظ في هذه المهمة الشريفة وقد عرضنا ذلك بدورنا على سماحته مع علمنا بمشاغله الشخصية من التدريس والتأليف وأمور أخرى فلم يمتنع عن ذلك فنزولاً لرغبة الطلبة الأفاضل كُتبت هذه الرسالة في ثلاثة فصول:

التبليغ - المبلغ - المبلغ له،ونظراً لما قُدم إلينا من طلبات كثيرة تقدّم بها أصحاب الفضيلة لإعادة طباعة هذا الكتاب بعنوانه الجديد وهو الإشارات إلى (التبليغ والمبلغ والمُبلغ له) ونحن نيابة عنهم نتقدم بالشكر الجزيل لسماحته على هذه الاستجابة داعين له العلي القدير أن يحفظه ومن يلوذ به من كل مكروه وان يطيل عمره الشريف في كل خير وعافية.

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

مکتب سماحة آیة الله العظمی الشیخ شمس الدین الواعظی (دم ظله الوارف)

النجف الأشرف / شعبان المعظم - 1427 ه

ص: 14

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على خير خلقه وأشرف بريته محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.أولادي الخطباء والمبلغين:

سلام الله عليكم وعلى جميع من وقّف نفسه لخدمة الدين الحنيف بلسانه وقلمه، وبذل كل جهده وطاقته في إعلاء كلمة

ص: 15

الحق، وإحياء شريعة الإسلام، وكان عمله خالصاً ومخلصاً لله تعالى.

أعزائي: لا يوجد لدي إلاّ الدعاء لكم عند مظان إجابته.

أولادي: تعاونوا على البرّ والتقوى، وحافظوا على روح الإخاء بين المؤمنين، وان يكون كل همكم وجهدكم لأجل توعية المجتمع الإسلامي، وإرشاد الشباب المنحرف عن الجادة المستقيمة وأوضحوا لهم الشعور بالمسؤولية وبيّنوا لهم الإقبال على المجالس والاستماع إليها فيه فوائد مهمة، كما انه يدخل السرور على قلب الحجة (عج) وهو إحياء لأمرهم(علیهم السلام)، وكما أمروا به (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) وأعلموا بأن تقديم هذه الرسالة لكم وللمؤمنين إنما هو أداء للمسؤولية الملقاة على عاتق الجميع، ولعلها تقع مورداً للقبول، وتنال رضاكم وما هي إلاّ تذكرة «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»(1)

ولعل من يطالعها من الشباب ينتفع بها، ويعرف تكليفه الشرعي، فشكر الله مساعيكم، ونسأله تعالى أن يحفظكمويسدد خطاكم، وان تقع إرشاداتكم مورد قبول عند الله تعالى، وعند المؤمنين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 16


1- الذاريات:55.

الفصل الأول:«التبليغ»

اشارة

ص: 17

ص: 18

الكلام في التبليغ يتضمن استعراضا موجزاً لبعض الأمور

في معنى التبليغ:

لاشك ولا شبهة في إن حركة التبليغ هي التي لفتت أنظار الناس إلى الإسلام ودخولهم في دين الله أفواجا أفواجا فهو من الواضحات وقد لفت أنظار المراقبين ممن آمن منهم ومن لم يؤمن.

ص: 19

فالتبليغ اليوم ليس كمثله بالأمس البعيد الذي يعتمد على شخص المبلغ المسلم لأن الطرف المقابل قد ارتقى أعلى مراتب الإعلام فما يثيره المبلغ اليوم لا يتعدى حدود معنى الإشارة فقط، إذا لا بد لنا من البداية أن ننظر إلى حركة التبليغ نظرة جدية وموضوعية فالحركة الإعلامية لا بد لها ان تكون حرة وغيورة على الدين وتخرج عن إطار المسميات وتدعم من أراد لنفسه أن يكون مبلغا، فلا زال الكثير من المسلمين لا يجدون أنفسهم في إطار المسؤولية على الدين هل يكون مسلما فقط أو ان يحمل الإسلاممبلّغا له من بلد إلى بلد كما كان الرعيل الأول من المسلمين العاملين تحت لواء رسول اللهk وقد نرى البعض من أبناء المسلمين لا يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن تمثيل الإسلام وتجسيد سلوكه وأخلاقه بالعشرة الحسنة وبالتالي ربما أساء البعض منهم إلى الإسلام بتصرفاتهم غير الملتزمة وربما ابعدوا الكثير من الناس عن اعتناق الإسلام، ولعل قول الشاعر هو بيان وعتاب

يقولون في الإسلام جهلا *** بأنه يصد بنيه عن سبيلِ التقدم

فان كان ذا حقاً فكيف *** تقدم أوائلهم من عصرهم المتقدم

ص: 20

وان كان ذنب المسلم اليوم جهله *** فماذا على الإسلام من جهلِ مسلم

فالمسلم اليوم لا بد وان يظهر بالصورة التي تليق بالإسلام سواء في دار الإسلام أو في البلاد غير الإسلامية ولا بد من وسائل الإعلام دعم الحركة التبليغية دعما جديا ليقف أمام الوسائل الإعلامية الأخرى خصوصا الغربية منها والتي باتت تفوق الوسائل الإعلامية الإسلامية بتفوق صناعاتها وتكنولوجيتها عن الصناعة والتكنولوجيا الموجودة في بلاد المسلمين. فإقبال الناس هنا وهناك غربا وشرقا وعلى كل المستويات ومختلف الطبقات تتقدمهم الطبقة المثقفة

من المجتمعات الغربية يعود إلى خلو الأطروحات المادية الغربية من الحياة المثالية المبحوث عنها وفي الوقت نفسه نرى غناء الإسلام فكرا وعقيدة وسلوكا. فقد وجد الإنسان الغربي كل متطلبات الحياة ووسائل الراحة المادية المترفة إلا انه لم يجد القلب السليم المطمئن والنفس السعيدة والروح المتعالية والعقل الذي يتصل بالأعماق والآفاق التي تسموا به إلى عالم المثاليات.

إذاً ما أتيح للمسلمين أن يكونوا حملة للرسالة من خلال الحركة التبليغية لحمل الكلمة الصادقة للعالم من حولهم ولا شك أن اليوم الموعود الذي يظهر فيه الإسلام غظاً طريا على

ص: 21

يد صاحب الأمر (عج) ويظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون وذلك قريبا إن شاء الله تعالى.فلذا نرى أن التبليغ اهتم به الإسلام اهتماما خاصا وقد حددت الآيات القرآنية والنصوص الروائية الشريفة نبوية كانت أو مولوية.

التبليغ وحركة التغيير

«إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(1)

ص: 22


1- 1- الرعد :11.

«وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ* تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ»(1)لاشك ولا ريب أن الدعوة الإلهية فكراً ونظاماً وأسساً وأهدافاً توصلنا إلى ان الحركة التبليغية هي حركة تغييرية تستهدف تغيير الواقع الفكري والاجتماعي للإنسان فهي تقوم على أساس الإيمان بالله تعالى والدعوة إليه ليوحد ويعبد في الأرض، ومن خلال هذا تتضح طبيعة التغيير، فهي تدعو إلى تغيير الفكر ومحتوى الذات من المواطن والمشاعر والملكات والقوى النفسية كقاعدة أساسية توجب تغييرا شاملا في السلوك والعلاقات وعلى كافة الأصعدة ويوضح ذلك القران الكريم «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(2)

فالقلب السليم هو أساس سلامة البناء واستقامة الفرد والجماعة فعلى هذا يستحق المثوبة أو العقوبة. روي أن ملكا سأل لقمان الحكيم(علیه السلام) أن يأتيه بأطيب مضغتين من الشاة فجاءه باللسان والقلب ثم قال له جئني بأخبث مضغتين من الشاة فجاء باللسان والقلب فقال الملك يا لقمان كيف هذا فقال له لقمان أن طابا طاب طعمهما

ص: 23


1- 2- غافر: 41-42.
2- الرعد: 11.

وان خبثا خبث طعمهما . قال تعالى «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سليم)(1)

ولذلك نرى القران الكريم يبين حركة التغيير اجتماعيا بمعانيه ومحتوياته على أساس تغيير طبيعة الذات الإنسانية ومحتواهاالداخلي.فالتغيير يبدأ من أعماق نفس الإنسانية وتطهير ذاتها ووجدانها ليحصل على القلب السليم الخالي من الشوائب ونوازع الشر والعدوان والانحراف وترسبات العقل الباطن. ومن خلال الدراسة الجدية للآيات التي تبين بنية الرسالة الإسلامية وما تدعو إليه، نفهم إنها رسالة مغيرة ومستأصلة للواقع الجاهلي بجميع أبعاده.

إذاً هي حركة هدم للخبائث وبناء للفكر الذي ينسجم ومبادئ الإسلام الحق. فالإسلام حركة لبناء الفرد والمجتمع والدولة فعلى الإنسان أن يواكب هذه الرسالة الحقة وان لا يعمل على العكس منها كما ذكرنا الآيات التي مرة «تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ»(2)

ص: 24


1- الشعراء: 88-89.
2- غافر: 42.

وقوله«وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي ..»(1)وقوله

في الآيات الأخرى:«ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ »(2)

«فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (3)هكذا هي الرسالة الإلهية انطلاقة واستدامة في الفكر والعقيدة لتكون قاعدة البناء الأساس لبناء الإنسان وتحديد مسار الحياة فهي تدعو إلى التوحيد، لكي تبنى حضارة سليمة في الفرد والمجتمع وتطهّر الذات وتغيير المحتوى الداخلي للإنسان بمشاعره ووجدانه من الحب والكراهية والسخط والرضا ...... حيث يثبت القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ»(4)

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ»(5)

«مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ»(6)

ص: 25


1- مريم: 48.
2- الحج: 6.
3- البقرة: 256.
4- التوبة: 71.
5- المائدة: 55.
6- الفتح: 29.

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء»(1) وقد وطدّ النبي(صلی الله علیه و آله) العلاقات النفسية والعاطفية بين المؤمنين بقوله(صلی الله علیه و آله) :

(أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)(2) وقوله(صلی الله علیه و آله) :(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(3)وعن

أمير المؤمنين(علیه السلام): (خير الناس من نفع الناس)(4)وعن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً)(5) وبهذه الأسس غيّر الإسلام المشاعر والعواطف والدوافع النفسية والخلقية فنظمها على أساس التولي لله ولرسوله وللمؤمنين والتبرؤ من أعداء الله ثم يصف القرآن العمق الوجداني والتفاعل بين العقيدة والعاطفة والمشاعر التي تمنح القناعة الفكرية حافزا نفسياً من خلال الحركة التبليغية الرسالية.

«وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ»(6)

وجوب التبليغ

ص: 26


1- النساء: 144.
2- الكافي ج2، ص126.
3- دراسات في الحديث والمحدثين، ص246.
4- ميزان الحكمة ج1، ص845.
5- بحار الانوارج68، ص389
6- المائدة: 83.

«وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(1)

«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(2)

منذ الفجر الأول للبشرية وعلى هذه المعمورة أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء عليهم السلام،هداة ومصلحين لإنقاذ البشرية ولتنظيم حياتهم ومعايشهم وأفكارهم من خلال التبليغ الى دعوة التوحيد لله جل وعلا وعبادته. وعلى كل الفترات المتعاقبة وقد سجل القرآن الكريم هذه الحالة بقوله تعالى: «وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ»(3)

فالدعوة إلى الله تعالى وعبادته وإصلاح الإنسان والمجتمع وتنظيم الحياة العامة والخاصة بحاجة الى من يقوم بهذه المهمة ألا وهم الرسل والأنبياء لبيان معالم عالم الدنيا وقوانينه وأحكامه وكذلك عالم الآخرة المرتبط بعالم الدنيا ولا يمكن التعرف عليه وعلى الطريق الموصل إلى السعادة والنجاة في ذلك العالم إلا بالبيان والهدى الإلهيين ويترتب على هذا

ص: 27


1- التوبة: 122.
2- آل عمران: 104.
3- فاطر:42.

الارتباط بين معرفةالله وعبادته ووصول البيان وتعريف الإنسان بما يستحق من الجزاء في عالم الآخرة وهو العدل الإلهي لارتباط الاستحقاق بالإيمان والعمل في دار الدنيا ولذلك نرى القرآن الكريم ثبت مثل هذه الحقيقة وأوضح انه لا مسؤولية ولا جزاء إلا بعد البيان والتبليغ من خلال الرسل والأنبياء وإيصال الأحكام إلى البشرية فقال تعالى«وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»(1)

ثم خاطب تعالى الإنسان بتحمله المسؤولية حال وصول البيان والخطاب إليه«وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(2)

فبعد هذا التفصيل من قبل الجليل جل وعلا من إرسال المبلغين من الرسل والأنبياء وإقامة الأدلة والبراهين والمعجزات، قال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(3)

فمما تقدم نفهم أن تبليغ الرسالة الإلهية من أهم الواجبات كانت ولازالت على هذه المعمورة.

خلاصة البحث

ص: 28


1- الإسراء: 15.
2- القصص:51.
3- النساء:165.

الأول: إيصال الأحكام

وهو إيصال ما أنزل الله، وما كُلف العبد به من العمل بالأحكام، وهو المهمة الأساسية للمبلغ بعد ما اخرج الدرر النفيسة المربوطة بالمعارف الإسلامية من معدنها، وكنوز النصوص الواردة عن النبي(صلی الله علیه و آله) والأئمة الهداة(علیهم السلام)الذين هم عدل القرآن الكريم الذي هو المصدر الأساسي لاستنباط الأحكام الشرعية، ونحن إذا تمكنا من إيصال رسالة الله إلى القلوب الميتة، وأحييناها، فقد أدينا مهمتنا الكبرى طبقاً وتبعاً لما قام به الأنبياء والأوصياء(علیهم السلام) من المجاهدة المريرة، حيث أوصلوا الحقائق الإلهية إلى القلوب،وجعلوها منوّرة، ثم من بعدهم قام العلماء العظام إلى يومنا هذا بهذه المهمة، والذين نجدهم اليوم في صدارة المبلغين، كما لا بد أن نعلم بان التبليغ وقول كلمة الحق يغذي الأفكار والقلوب، بل العقول ويجعلها نقية ويزيل رينها بحيث لا تشوبها بعد ذلك شائبة ولا تتأثر بالشبهات وزيف الأقوال والتبليغ هو في الحقيقة أكبر أمانة إلهية في أعناق الكل قال تعالى: «أنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»(1)

وفي الواقع أن الدين يمنح الإنسان حالة السكون والاطمئنان والاستقرار والثقة بالله ويجعل الإنسان بعد أن عرفه حق معرفته

ص: 29


1- النساء:58.

أن يتوكل عليه في جميع أموره «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ......»(1)

أي من يجعل أمره بيد الله ويفوضه إليه مع الثقة بحسن تقديره وتدبيره فأنه يكفيه أمره في الدنيا ويعطيه ثوابه في الآخرة « ......إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ»(2) أي إنها لا تكون إلا مشيئته لأنه يدبّر الأمر بحسب ما قدّر، ومن جملة ذلك التبليغ والموعظة، وهي عبارة عن التوصية بالتقوى والحث على الطاعات والتحذير عن المعاصي والاغترار بالدنيا وزخرفها وترك شكر المنعم بعدما أعطاه من النعم الكبرى والجسيمة ومن جملة النعم دين الإسلام والولاية والذي كان يقيناً من أفضل الأديان ومذهبنا من خير المذاهب وهو الفرقة الناجية.

إذاً التبليغ هو أقوى أساس قد قامت عليه رسالات الأنبياء وهو الذي يضمن نشر الإسلام والتشيع وأول من يتحمل هذه المسؤولية العلماء الأعلام تأسياً بالنبي(صلی الله علیه و آله) والأئمة(علیهم السلام) ولذا تراهم يهتمون بالتبليغ اهتماما خاصا واعتبروا ذلك من أفضل العبادات، ملبين دعوتهم بنشر الأحاديث والأحكام، فقد روى الكليني في إسناده عن معاوية ابن عمار انه قال: (قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابداً منشيعتكم ليست له هذه

ص: 30


1- الطلاق: 3.
2- الطلاق:3

الراوية أيهما أفضل؟ قال: الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)(1)

وهذه المسألة الخطيرة، والتكليف بها يسمى بإرشاد الجاهل، وخطبائنا وفقهم الله قد اهتموا بها أيضاً تأسياً بالأنبياء والأئمة والعلماء الأعلام.

وقد يتصور البعض بان التبليغ يكون مختصاً بالخطباء والمبلغين، أي بجماعة خاصة، وهذا تصور خاطئ فالتبليغ هو واجب على كل فرد مطلع بالأحكام، ومتمكناً من نشرها، ونشر الأحاديث الواردة عن أهل البيت(علیهم السلام) قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(2)

فإذا ارتكب شخص المحرمات والقبائح، وترك الواجبات فيجب على كل فرد مطلع بالأحكام، أن يرشده فلو كان المسلمون يعملون بوظائفهم الشرعية لكان وضعهم الاجتماعي أحسن من هذا، ولساد الأمن جميع البلدان الإسلامية مع إنّا نرى أن النبي صلی الله علیه و آله والأئمة(علیه السلام) يحثون علىالبيان، وإظهار الحق، والأخذ بيد المنحرف، وإرشاده إلى الطريق المستقيم.وقد ذكروا فوائد جمة للتبليغ والإرشاد كما سيأتي

ص: 31


1- أصول الكافي:ج1، ص33.
2- مجموعة ورام: ج1، ص6.

الثاني: المؤثرات في الانحراف

ما هي المؤثرات في انحراف الشخص عن الجادة المستقيمة. وكيفية إرشاده إلى الصراط المستقيم.

لا يخفى بان المؤثرات في ذلك هي عدة أمور:

1. الوراثة

وقد قسمها علماء الوراثة إلى طبيعية وكسبية، كما ثبت علمياً أن جميع صفات الأب أو الأم من الخلقة يورثها الأولاد، فإذا كان الأبوان مؤمنين سيؤثران في الولد، وعلى العكس لو كانا فاسقين سيؤثران أيضاً، كما قال النبي(صلی الله علیه و آله): (كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)(1).

2. التلقين

أن الأم حينما تريد أن ترفع طفلها الصغير تقول: يا الله فهذا تلقين وحينما يريد الطفل أن يقوم فتقول له: قل يالله فهذا تلقين، ففي الحقيقة أن لهذا التلقين أثر بالغ في سلوك الطفل، قال رسول اللهصلی الله علیه و آله: (لا تلقنوا الكذاب فتكذبوا فان بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الإنسان حتى لقنهم أبوهم)(2)

3. التقليد

ص: 32


1- الكافي ج6، ص13.
2- سفينة البحار: ج7 مادة كذب، ص457.

أن الطفل حينما يرى الأب أو الأم يقومان بفعل ما سوف يتعلم منهما ذلك الفعل تقليداً لهما في ذلك، لذلك إذا صدر منهما عمل حسن فسوف يقلدهما وكذا في القبيح.

4. المحيط

فالمحيط يؤثر تأثيراً بالغاً في الشخص فإذا كان المحيط منزّها عن الرذائل فسوف يجعل الشخص الفاسق مؤمناً، وعلى العكس لو كان ملوثاً بالرذائل فقد يجعل المؤمن فاسداً، فان ابن نوح ولد في بيت النبوّة ولكن أثّر فيه المحيط وانحرف عن الطريق المستقيم حتى خاطب الله نبيه بقوله:

«إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»(1)،

وابتلاه بالعذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد، وقد روي عن الرضا(علیه السلام)في تفسير الآية أنه قال: (قال أبو عبد الله(علیه السلام): ان الله تعالى قال لنوح: انه ليس من اهلك لأنه كان مخالفاً له وجعل من اتبعه من أهله)(2) .

5. علة انحراف بعض المسلمين

لا يخفى بأن ظهور المفاسد في المجتمع، وشيوع الفحشاء والمنكر بين المسلمين إنما هو لعدم متابعتهم الأحكام الإلهية، وتركهم لما أمر به الأنبياء والأوصياء(علیهم السلام)، وعدم ترددهم إلى المساجد والحضور في الجلسات الدينية، وعدم استماعهم إلى الأقوال

ص: 33


1- هود:46.
2- مجمع البيان: ج5،ص253. تفسير العياشي ج2،ص151

المفيدة من المبلغين والوعاظ، وعدم معرفتهم بما حدد لهم من الوظائف كي يعملوا بها ولذا نراهم خارجين عن مسير الفطرة، وتوجهوا بدلا عن ذلك إلى مجالس اللهو والغناء، وحليت الدنيا بأعينهم ونسوا الآخرة وكان نتيجة ذلك هو الابتلاء بما كسبت أيديهم قال تعالى:

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»(1)،

أما ظهور الفساد في البر فيمنع السماء أمطارها فيقع الجدب والقحط في الغذاء والآفات في الزرع، وقلة الثمرات، وكثرة الأمراض والأوبئة،وموت الفجأة، وكثرة الحرق والهدم، وأما في البحر فبكثرة الطوفان والفيضانات، وثوران البحر بحيث تترتب الخسارات، والمضار الكثيرة من غرق السفن، وقلة المياه، وهلاك الأسماك وغيرها ليذوقوا الشدة في العاجل، ويخسروا من الآجل إلى جهنم وبئس المصير.

إذاً لا بد من الالتفات إلى أقوال علماء النفس حيث إنهم يقولون أن الوراثة طبيعية وكسبية فالطبيعية أن الإنسان يرث من آبائه وأجداده الطول أو القصر أو لون البشرة ولون العين وغيرها ولكنه يرث من المجتمع الصفات الأخلاقية ولذا قال الشاعر:

ص: 34


1- الروم:41.

صاحب أخا ثقة تحظا بصحبته

فالطبع مكتسب من كل مصحوب

فلا بد من تجنب المحيط الفاسد والارتباط بالمحيط الطيب الطاهر الذي يحمل الصفات الحسنة التي يريدها الله تعالى لخلقه.

الثالث: الدواء

أن الدواء لكل ما ذكر سابقاً هو التبليغ الذي جعله الله تعالى واجباً،وقد وردت آيات وروايات كثيرة تأمر بذلك منها، قال اللهتعالى: «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»(1)

ومنها قوله تعالى:«قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(2) ومنها أيضا «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»(3)، كما وردت روايات كثيرة في هذا المعنى، فعن الإمام علي أمير المؤمنين(علیه السلام)انه قال: ( أن الله لم يأخذ على الجهال عهداً بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل)(4)

ص: 35


1- النحل: 125.
2- يوسف:108.
3- فصلت:33.
4- الكافي: ج1، باب بذل العلم، ح1، ص41.

وقال الحسن(علیه السلام): (رحم الله أمرا وعظ نفسه ووعظ أخاه وأهل بيته)(1)

وورد عن الإمام الباقر(علیه السلام)

أنه قال: (جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه و آله) فقال يا رسول الله ما هو حق العلم؟ قال: الإنصات له. قال: ثم مه؟ قال: الاستماع, قال:ثم مه؟ قال: الحفظ له, قال:ثم مه؟ قال: العمل به، ثم قال:مه؟ قال: نشره)(2).

إذاً التبليغ وبيان نشر الأحكام هو الدواء لهذا الانحراف والجهل، ولذا أوجب الله ذلك على العلماء والمبلغين، ومن ذلك تعرف فوائد التبليغ، والنفع العائد على المبلغين دنيوياً وأخروياً.

وقد ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام) انه قال: (قال رسول الله صلی الله علیه و آله : يجيء الرجل يوم القيامة وله من الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الرواسي فيقول: يا رب انّى لي هذا ولم اعملها؟ فيقول: هذا علمك الذي علمته الناس يعمل به من بعدك)(3).

عن إبن عباس قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): (نعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها إلى أخٍ لك مسلم فتعلمها إياه )(4)

وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): (ألا أحدثكم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله على منابر من نور فقيل من هم يا رسول الله قال: همالذين يحببون

ص: 36


1- مجموعة ورّام: ص212.
2- بحار الأنوار: ج2،ص28.
3- بحار الأنوار: ج2، ص18.
4- الدر المنثور ص338.

عباد الله إلى الله ويحببون الله إلى عباده.قلنا هذا حبب الله إلى عباده. فكيف يحببون عباد الله إلى الله قال: يأمرونهم بما يحب الله وينهونهم عما يكره الله، فإذا أطاعوهم أحبهم الله)(1)

قال رسول الله صلی الله علیه و آله : (ما أهدى مسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمةًٍ تزيده هدىً أو ترده بها عن ردى)(2)وقال

رسول الله(صلی الله علیه و آله): (ما تصدق مؤمن بصدقة أحب إلى الله من موعظة يعظ بها قوماً لقوم بعضهم وقد نفعه بها )(3).

التبليغ وأثره في القلب

ورد عن المعصومين(علیهم السلام) الحث على التبليغ، وما الموعظة إلا حرز من الخطأ، وأمان من الأذى، وقد يكون له أثر فعال وتأثيره يكون سريعاً خصوصاً إذا خرج من القلب، أي إذا كلن المبلغ ملتزماً كما وقع من الإمام موسى بن جعفر مع مملوكة حينما كان (علیه السلام) يمشي في أزقة الكوفة ويسمع صوت المغنّي وآلات الطرب وخرجت المملوكة من الدار فقال لها الإماملمن هذه الدار؟ قالت لأحد المشاهير في هذا البلد وهو بشر، فقال لها انه عبد أم حر؟ فقالت له: انه حر وله عبيد كثيرون، فقال الإمام(علیه السلام) صدقت انه حر حيث هو مشغول بالله و واللعب، ولو كان عبداً لم يكن يتجرأ أن يعمل هكذا ويرتكب هكذا ذنباً مقابل مولاه، وذهب الإمام(علیه السلام) ونقلت المملوكة القضية لمولاها

ص: 37


1- روضة الواعظين ص12.
2- تاريخ دمشق، ص41.
3- المصدر السابق، ص69.

وكان بشر جالساً على بساط الخمر ولكن هذه الموعظة وهذا الكلام من الحكيم اللبيب أثّر مفعوله سريعاً في قلب بشر فقام من مكانه مضطرب،وخرج من الدار حافياً مسرعاً خلف الإمام(علیه السلام)، ووقع على قدمي الإمام(علیه السلام)، وتاب من ساعته، فقال للإمام: سيدي إلى الآن كنت غافلاً وعملت هذا العمل الشنيع أمام مولاي، وارتكبت المعاصي فهل من توبة؟ قال(علیه السلام): بشرط أن تندم فيما فعلت، ولا ترجع إلى المعصية، وان تطرح الآلات ووسائل اللهو واللعب، ففعل وبنتيجة هذه التوبة، وهذا العمل وصل إلى المقامات العالية.

إذاً للخطابة أثر فعال في النفوس وجلاء للقلوب، وعنه صلی الله علیه و آله:

(أن للقلوب صدءاً كصدأ النحاس فاجلوها بالاستغفار)(1)وعنه صلی الله علیه و آله :(تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا فان الحديث جلاء القلوب، أن القلوب ترين كما يرين السيف)(2)

وعن الفضيل بن يسار قال: قال لي أبو جعفر(علیه السلام): (يا فضيل إن حديثنا يحيي القلوب)(3)

وعن عبد السلام الهروي قال: سمعت أبا الحسن الرضا(علیه السلام) يقول: (رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: كيف يحيي أمركم؟

ص: 38


1- جواهر الكلام ج7، ص197.
2- معارج الأصول، ص24.
3- الخصال، ص22.

قال(علیه السلام): يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لأتبعونا)(1).

وقال الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): (من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضئ لأهل تلك العرصات، وعليه حلة لا يقوم لأقل سلك منها في الدنيا بحذافيرها ثم ينادي منادٍ: ياعباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فيتشبّث بنوره ليخرجه من حيرةظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان، فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيراً أو فتح عن قلبه من الجهل قفلاً أو أوضح له عن شبهة)(2)

وعن موسى بن عمران(علیه السلام): (إلهي ما جزاء من دعا نفسا كافرة إلى الإسلام؟ قال: يا موسى آذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد)(3)

وعن الإمام الصادق(علیه السلام): (معلم الخير لتستغفر له دواب الأرض وحيتان البحر، وكل صغيرة وكبيرة في ارض الله وسمائه)(4)

لا يخفى أن التبليغ ليس مختصا بفرد دون فرد كما هو المألوف حيث يتصدى للدعوة إلى الحق، ويبلغ لله ورسوله جماعة خاصة اصطلح عليهم المبلغين، وقد اعتقد البعض بأن هذه المهمة هي من واجب الطلبة، ومختصاً بهم(أي المبلغين) وأن أهل العلم غير معنيين بذلك لأنهم انشغلوا بالبحث والتحصيل

ص: 39


1- عيون أخبار الرضا ج2، ص275.
2- الاحتجاج ج1، ص7.
3- بحار الأنوار ج2، ص15.
4- بصائر الدرجات، ص24.

فصاروا يستنكفون من هذه المهمة الجليلة ونسبتها إليهم، وهذا في الواقع إعراض عما حث الله عليه، بل أن الأنبياء(علیهم السلام) كانوا خطباء كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم ووصف كيف خطب موسى ولوط وشعيب ونوح وإبراهيم وصالح وغيرهم من الأنبياء،وكذا نبينا محمد صلی الله علیه و آله وأمير المؤمنين(علیه السلام) وولده(علیهم السلام)، إذ أن التبليغ والخطابة والوعظ والإرشاد مهم في نظر الله ورسوله صلی الله علیه و آله وخلفائه(علیهم السلام) « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(1)

بل بعد أن نرى خطر فساد الأخلاق، وشيوع الفحشاء والمنكر، وان الناس قد انحرفوا عن الطريق المستقيم كما هو فعلاً في الواقع، وبعد أن أصبح مرضا تفشى في أكثر المدن لا يمكننا معالجته، ولا يمكن الوقوف أمامه إلاّ بالموعظة والتربية الصحيحة.

إذاً الإرشاد والموعظة غير مختص بجماعة دون جماعة بل على كل واحد ممن عرف الأحكام وهي من أخطر المهام.

الأساليب التي تساهم في نجاح العملية التبليغية

ص: 40


1- الأحزاب:21.

1. المبادئ والقيم والأفكار الإسلامية من حيث مطابقتها للعقل والعلم والذوق الإنساني السليم، ومالها من القدرة على حل مشاكل الإنسان وبناء حياته المتنامية.1. مستوى فهم المجتهدين والمفكرين والمنّظرين الإسلاميين لتلك المبادئ والأفكار والقيم الإسلامية التي يخاطب بها الآخرين وقدرتهم على صياغة تلك الاجتهادات وتنظيرها.

2. الوسائل والأساليب والمؤسسات المستخدمة في حمل الإسلام وتبلغيه.

3. مستوى شخصية المبلغ الإسلامي ودرجة التزامه، وما يحمله من وعي وقدرة على التفاعل الاجتماعي، وفهمه للآخرين وتمثيل للمبادئ والقيم الإسلامية في سلوكه وممارساته المؤثرة في الآخرين.

الأسلوب القرآني في الدعوة

ص: 41

لقد عالج القرآن مسألة الوسائل والأساليب وتفقيه حملة الإسلام بالوعي وكيفية التعامل مع المخاطبين. كما في قوله تعالى: «ادْعُإِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(1)

فعناية القرآن بعلاج هذه الأمور من أهمية الأسلوب التي يوعظ به وأهمية شخصية الواعظ والمبلغ وكما ذكرنا أن هذه هي ليست مهمة الخطيب أو المبلغ أو العالم بل هي مهمة كل من له القدرة على الوعظ والإرشاد ولذا بيّن القران الكريم هذه الصورة بقوله تعالى:«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»(2)

وأيضا آية النفر«فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ»(3)إذاً فلا بد لمن يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه أن يختار الوسائل والأساليب المشروعة والمطابقة للأحكام الشرعية والوصول إلى الأهداف الإسلامية السامية لصناعة المسلم الرسالي.

ص: 42


1- النحل: 125.
2- آل عمران:104
3- التوبة: 122.

الفصل الثاني:«المُبَلِّغ »

اشارة

ص: 43

ص: 44

فضل المبلغ في الروايات

لا يخفى بان فضل المبلغ والمرشد كبير، وثوابه عظيم، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة:

1. (أوحى الله إلى موسى تعلّم الخير وعلمّه الناس فاني منور لمعلم الخير ومتعلميه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم)(1).

2. وروي عن النبي(صلی الله علیه و آله):( أنه ذكر عنده رجلان كان أحدهم يصلي المكتوبة، و الآخر يجلس فيعلّم الناس الخير، وكان الآخر يصوم النهار ويقوم الليل، فقال(صلی الله علیه و آله): فضل الأول على الثاني كفضلي على الأنام)(2).

3. وعنه(صلی الله علیه و آله): ( أحب المؤمنين إلى الله من نصب نفسه في طاعة الله ونصح لأمة نبيه وتفكر في عيوبه وأبصر وعقل وعمل)(3).

وعنه(صلی الله علیه و آله):( ألا أخبركم بالجواد؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال(صلی الله علیه و آله): أجود الأجواد الله، وأنا أجود بني آدم، وأجودهم بعدي رجل علم بعدي علماً فنشره، ويبعث1. يوم القيامة أمة واحدة، ورجل جاهد في سبيل الله حتى قتل)(4).

ص: 45


1- الدعوات، ص276.
2- إرشاد القلوب، ص17.
3- ميزان الحكمة ج1، ص506.
4- المستطرف في كل فن مستظرف: ج1، الباب الرابع في العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم.

وقد أثنى الله تعالى على إسماعيل بقوله: «إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً»(1).وروي

عن الصادق(علیه السلام) انه قال: (إنما سمي صادق الوعد لأنه وعد رجلاً في مكان وأنتظره في ذلك المكان سنة فسماه عزوجل صادق الوعد ثم أن الرجل أتاه بعد ذلك الوقت فقال له إسماعيل(علیه السلام): ما زلتُ منتظراً لك)(2).

واجبات المبلغ

الأول: النموذج الصالح

لا يخفى أن المبلغ لا بد أن يكون هو القدوة الحسنة ونموذجاً صالحاً وعاملاً بما يقول قبل تبليغه،يقول الإمام الصادق(علیه السلام): (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاح والخير، فان ذلك داعية )(3). وقد قالت الحواريون يا روح الله من نجالس؟ فأجاب(علیه السلام): (منيذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله )(4).

وقال علي(علیه السلام): (من نصّب نفسه للناس أماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه)(5).

ص: 46


1- مريم:55
2- تفسير الميزان ج1، ص383.
3- الكافي ج2، ص78.
4- تحف العقول، ص44.
5- شرح نهج البلاغة ج4، ص16.

ونحن حينما نستقرأ سيرة الأئمة(علیه السلام) نجدهم إذا تكلموا بكلمة وعظ كانوا هم أول العاملين بها قبل أن يعمل بها المتعض، لذا لا بد للمبلغ إذا أراد أن يدخل كلامه قلب المستمع ويؤدي مفعوله لا بد أن يسبقهم في العمل، أما إذا كان غافلاً أو عمل على عكس ما يقوله يكون مصداقاً للآية الشريفة «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ»(1)،

وهذا توبيخ بليغ من الله لمن يعظ غيره ولا يتعظ هو،وفي الآية حثٌ للمبلغ والواعظ على تكميل نفسه، وإصلاح ذاته أولاً قبل أن يبلّغ الغير،وفي مصباح الشريعة قال الصادق(علیه السلام): (من لم ينسلخ من هواجسه ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشيطان ولم يدخل في كنف الله تعالى وتوحيده وأمان عصمته لا يصلح له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه إذا لميكن بهذه الصفة فكلما أظهر «أمرأ»

يكون حجة عليه ولا ينتفع الناس به قال تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) يقال له يا خائن أتطالب خلقي بما خنت به نفسك وأرخيت عنه عنانك)(2).إذاً

ما يراد من المبلغ هو أن يكون قوله طبقاً لعمله حتى يكون كلامه مؤثراً في القلوب.

ص: 47


1- البقرة: 44.
2- تفسير نور الثقلين، ص75.

الثاني:إعلاء كلمة الله

لا بد من قصده الإرشاد، أي إرشاد الناس إلى طريق الخير وإعلاء كلمة الله، والانتصار لدينه، وإنقاذ الناس من ظلمة الجهل إلى نور الحق فإذا كان كذلك كان كلامه مشفوعاً بالتأثير لأنه طبيب الأمة ولا بد له أن يداوي المرضى أصحاب الانحراف، ويرد الشبهات، والأباطيل، والأقاويل، والبدع، والضلالات، والإشكالات التي يردونها على الإسلام والشيعة خاصة، ولذا نرى كم للمبلغين العظام من أياد في إصلاح الأقوام، وكم غيّروا ببيانهم الرائع وعملهم النافع أحوال هؤلاء وما كانوا عليه من الضلال، وأخرجوهم من الضلالات والانحرافات، ومتاهات العمى إلىطريق الحق والصراط المستقيم، وكانت حصيلة هذه الوقفة منهم أن الله وفقهم إلى إرشاد جمع غفير من المسلمين المنحرفين وغير المسلمين إلى الحق، فببركة توجيهاتهم قد توسع التشيع في أقطار العالم، فجزاهم الله خير الجزاء، وزاد في توفيقاتهم حيث وقفوا أنفسهم لأداء الواجب أينما حلوا وحيثما ارتحلوا، وكان عملهم مثمراً ولم يذهب أدراج الرياح.

ص: 48

الثالث:الإخلاص لله

الإخلاص لله جل وعلا، بما أن الإخلاص أمر عقلي ويحسنه العقل ويثيب عليه الشارع المقدس سيد العقلاء فيستحسن هذا ويثيب عليه إذاً هي صفة أساسية في أداء مثل هكذا مهمة فكلما ازداد الإنسان لله حباً واندفاعاً وبروح عالية وحركة متواصلة لا ينتابها الفتور والشوب، يتيقن بان عمله عبادة وانه يسعى لمرضاته تعالى وتقدس ويعرّف الناس بالله وأحكامه وأنبيائه وأوصيائهم وتقريبهم منه تعالى فان هذا الحافز ألا وهو الإخلاص لله تعالى والحب له والتبليغ لأحكامه بشكل أقوى يحفز الدوافع النفسية للقيام بهذه الأعمال والتفاعل معها، وعندما تغيب هذه الحقيقة عن ذهن الإنسان المبلغ يتحول إلى موظف اجتماعي يفقد عملهالحيوي والتأثير والقيمة التعبدية ويفقد روح المواظبة والتفاني وجميل قوله تعالى في هذه الصورة حيث يقول تعالى وتقدس «... وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ»(1)، وان لا يكون همه المادة وجمع الأموال، ففي الحديث عن الصادق(علیه السلام): (من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا

ص: 49


1- الحجرات:7.

والآخرة)(1)

وقال تعالى: « َمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً»(2)

وذكر العياشي عن الصادق(علیه السلام) انه سئل في تفسير هذه الآية فقال: (من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله وهو شرك مغفور)(3)،

أي ليس من الشرك الذي قال الله «لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ»(4)، فان المراد بذلك الشرك الجلي أي يشارك مع الله في العبادة لعبدة الأصنام والكواكب والملائكة وغيرها. وفي الحديث عن أبي عبد الله (علیه السلام)قال: أن الله يقول: (أنا خير شريك من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل لهدوني)(5) وعن علي بن عقبة عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول:(أجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس فإن ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى الله)(6)

وعن النبي(صلی الله علیه و آله): (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرء ما نوى)(7)

ص: 50


1- التحفة السنية، ص10.
2- الكهف:110.
3- تفسير العياشي: ج2، ص352.
4- النساء: 48.
5- تفسير الميزان ج13، ص407.
6- بحار الأنوار ج2، ص133.
7- سنن ابن ماجة: ج2، ص1413.

وقال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ»(1) وورد عن أمير المؤمنين(علیه السلام) انه قال: (لو ان حملة العلم حملوه بحقه لأحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه ولكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم الله وهانوا على الناس)(2).

الخلاصة: لابد أن لا يكون باعث المبلغ ينبئ عن ألمراء، والمجادلة، والمباهاة والمفاخرة، والوصول إلى الجاه والمنزلة والمال والتفوق على الأقران والأمثال.عن أبي جعفر(علیه السلام): (من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار)(3). وفي تفسير ألقمي عن الصادق(علیه السلام):

( المال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعها الله لأقوام)(4).

وفي الكافي عن أبي عبد الله(علیه السلام): (من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة)(5).

ص: 51


1- الشورى: 20.
2- بحار الأنوار: ج2، ص37.
3- نهاية الدراية ، ص497.
4- بحار الأنوار ج67، ص225.
5- الكافي ج1، ص46.

وقال تعالى: «مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً»(1).

الرابع:علم الرجال في التبليغ

أن المبلغ إذا لم يعلم بأن الرواية صحيحة من جهة السند فلا يجوز أن ينسبها إلى النبي(صلی الله علیه و آله) أو الإمام(علیه السلام)، ولو نسبها فعل محرماً لأنه نوع من الكذب عليهم، ولو كان في شهر رمضان بطلصومه، وقد ورد في وصية أمير المؤمنين(علیه السلام): (..... ولا يستحي أحدكم إذا سُئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم)(2).

وعن أمير المؤمنين(علیه السلام): ( إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فان كان حقا فلكم وان كان كذباً فعليه)(3).

إذاً لا بد أن يسنده إلى الكتاب أو الراوي.

الخامس:الخطيب وفن التبليغ

لا بد أن يعرف الخطيب والمبلغ الديني بعد أن عرف بأنه قد وطن نفسه في الوعظ و تبليغ الناس، وان الله أنعم عليه، وأعطاه العلم والقدرة في البيان أن يؤدي التبليغ بأحسن وجه من باب أداء شكر المنعم فليعلم إذاً بأن لله عليه حق، وللوقت حق، وللسامع حق، فلابد حينئذ أن يعرف ماذا يقول؟ وهل أن

ص: 52


1- الإسراء:18.
2- بحار الأنوار: ج2، ص115.
3- الكافي: ج1، باب رواية الكتب والأحاديث، ح7، ص52.

كلامه محترم مفيد للمجتمع أم لا؟ وفي أي وقت يتكلم؟ وعند من؟ عند العلماء أو عند عامة الناس، وأيضا لا بد أن يعلم متى يطنب في الكلام؟ ومتى يوجز، وكيف يتكلم بعد أن يعرف قابلية السامعين، ولابد أن يعرف كيفية تأثير الكلام فيهم، أي يعرف كيفية الخطاب والدعوة، أي متى يتكلم بلين، وفي أي وقت، وأي مجلس لا بد أن يتكلم بحماس، ويعرف كيفية جذب المنحرفين والفارين عن إتباعالشريعة لأن وظيفته أن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(1)

أي ادعوهم إلى الإسلام بالحكمة أي الحجة التي تثبت الحق، وتزيل الشبهة والموعظة الحسنة، أي المقالة والخطاب المقنع والقصص النافعة، ودعوة الأولى للخواص والذين يطلبون معرفة الحقائق، والثانية للعوام من الأمة «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» أي ناظرهم بأحسن ما عندك من الحجج والبراهين المزيحة للشبهة والقامعة لأقوالهم التي تصدر عنهم عن جهل وعناد، ولابد أن تكون المجادلة برفق ولين، وخفض الجناح حتى تقع مقالتك مورداً للقبول، ويخضع المعاند لما هو حق، لتسكين لهب المعاند، وإطفاء نار شغب الجاحد لا يمكن إلاّ بهذه

ص: 53


1- النحل: 125.

الكيفية «وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ»(1)، ولابد أن يراعى الوضع الديني والاجتماعي والأخلاقي لذلك المجتمع، ويطرح المسائل المفيدة لهم، أي لا بد له أن يراعي في التبليغ مقتضى الحال، وفي الحقيقة لابد أن يدرس المبلغ مدة ممارستهفي التبليغ روحية الأشخاص الذي يريد أن يبلغ في وسطهم، فعن علي(علیه السلام): (من اشتغل بغير المهم ضيع الأهم)(2).

السادس:الأسوة الحسنة

لابد أن يقول الخطيب كلمة الحق، قال النبي(صلی الله علیه و آله) لأبي ذر: (يا أبا ذر الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو)(3) متأسياً في ذلك بالنبي والأئمة(علیه السلام) قال تعالى: « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(4)

أي قدوة حميدة، ولا بد لكم من متابعة أقواله وأفعاله الشريفة، وهو نعم المثل لكم في أخلاقه السامية، وثباته على الحق، ولا يطلب رضا المخلوق بسخط الخالق، ويكون له شهامة من بيان ما يرضي الله، ولو كان ذلك بسبب مواجهة الظلمة وذوي القدرة مستعيناً بالله، ولو قد يتعرض لبعض المصائب كالسجن أو التشريد أو القتل، ولا بد من الصبر، قال تعالى: «يُجَاهِدُونَ

ص: 54


1- آل عمران: 159.
2- ميزان الحكمة ج4، ص2791.
3- الامالي، ص533.
4- الأحزاب: 21.

فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»(1) وأما إذا تخوف أو جبن وضعف خصوصاً أمام المبدعين ، وكتم الحق فان ذلك يعني انه ارتكب الذنوب الكبيرة كما في الحديث عنالصادقين(علیهما السلام): (فإذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سُلب منه نور الإيمان)(2)

إذاً لابد له من الصبر «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ»(3), والصبر على المصاعب طريق الفلاح.

السابع:الدين والسعادة البشرية

لابد للمبلغ أن يبين بأن الدين كافٍ لسعادة البشر في الدارين، وانه ليس مختصاً بزمن دون زمن، وان حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

الثامن:إحياء أمر أهل البيت

على الخطباء والمبلغين بالإضافة إلى الإرشاد، وبيان التكاليف إحياء أمرهم(علیهم السلام)، فعن عبد السلام الهروي عن الإمام الرضا(علیه السلام) قال: (رحم الله عبداً أحيا أمرنا .....الحديث)(4)،

وعن

ص: 55


1- المائدة: 54.
2- علل الشرايع ج1، ص236.
3- الزمر: 10.
4- زبدة الأحاديث في أربيعين حديث: ص7.

الإمام الصادق(علیه السلام) قال: ( حدثوا عنا ولا حرج رحم الله من أحيا أمرنا)(1).ولابد أن يذكروا مصائبهم، وما ورد عليهم من المحن لأنه أمرٌ محبوب مرغوب، وقد أعد الله للمبكي والباكي والمتباكي الثواب العظيم، وقد وردفي الحديث: (ما من أحد قال في الحسين(علیه السلام) شعراً فبكى وأبكى به إلاّ وجب الله له الجنة وغفر له)(2)

.

التاسع:حق الخطيب على الناس

كما أن للناس حق على الخطيب في بيان الحق وأداء الأمانة فللخطيب حق على الناس في الاستماع إلى مواعظه وإرشاداته، والعمل بما يستفادونه منه فكما أن الإنذار واجب فالحذر أيضاً لازم، يقول الله تبارك وتعالى: «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(3)

، أي جماعة معدودة من المؤمنين يتفقهون في الدين، ويتعلمون ويفهمون حقيقة أوامر الله ونواهيه لينذروا قومهم أذا عادوا لكي يحذرونهم سخط الله فلا يعملون بخلاف ما أمر.

ص: 56


1- بحار الأنوار ج2، ص151.
2- معجم رجال الحديث ج5، ص49.
3- التوبة: 122.

العاشر:الخطيب وبيان الفتوى

أن المبلغ أو الخطيب إما أن يكون مجتهدا فيعمل برأيه، وإما مقلدا فلا بد أن تكون جميع أعماله وأقواله مطابقة لفتوى مجتهد، فإذا سئل عن مسألة فمادام لم يعلم حكمها فلا يجوز له الإفتاءمن نفسه بل لابد من المراجعة حتى لا يفتي خلافاً للحكم الشرعي، فعن الصادق(علیه السلام):

(إياك وخصلتين مهلكتين أن تفتي الناس برأيك أو تقول بما لا تعلم)(1).وروي أيضاً: (من أفتى بغير علم كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه)(2)

الحادي عشر:نزاهة الخطيب

بعد ما قلنا بأنه لابد أن يكون عمله خالصاً لله ويترك التملق بأشكاله، أي يظهر باللسان ما ليس في القلب، وهو نوع من المكر أي خب وخداع، وهذه من الصفات المذمومة، وفي الدعاء: (أعوذ بك من مكر الشيطان) أي وسوسته، ونفسه، ونفخه، وتثبيطه، وحبائله، وخيله، ورجله، وجميع مكائده، وهذا النوع يستعمله الإنسان لمنفعته الشخصية لأجل الوصول

ص: 57


1- مستطرفات السرائر ج3، ص645.
2- مستدرك الوسائل ج17، ص248.

إلى المقصد بمدح شخص لا يليق بالمدح تملقاً إليه، وقد ورد في الحديث: (أحثوا التراب في وجوه المداحين)(1).

قال أمير المؤمنين(علیه السلام): (لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس)(2).

الثاني عشر:غنى الخطيب

لا بد للمبلغ أن يظهر الاستغناء، وعدم الاحتياج إلى الناس ويكون نظره فقط إلى الله بعد أن عرف بأنه الغني المطلق، وهذا يكون علامة الشرف وعظمة العمل الذي يؤديه.

فعن أبي عبد الله(علیه السلام): قال كان أمير المؤمنين(علیه السلام)يقول: ( ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس، والاستغناء عنهم فيكون افتقارك أليهم في لين كلامك وحسن بشرك، ويكون استغنائك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزك)(3)

وعن النبي(صلی الله علیه و آله): (نعم العون على تقوى الله الغنى)(4).

الثالث عشر:الشخصية المثالية للمبلغ

لابد للمبلغ أن يحفظ وقاره وهيبته، ومع ذلك لا بد أن يكون متواضعا عند مقابلة الناس كما قال تعالى: «وَعِبَادُ

الرَّحْمَنِ الَّذِينَ

ص: 58


1- الجامع الصغير ج1، ص41.
2- ثواب الإعمال، ص271.
3- الكافي ج2، ص149.
4- منتهى المطلب ج2، ص998.

يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا»(1)وعن جابر عن أبي جعفر(علیه السلام) قال ( كيف من انتحل قول الشيعة، وأحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع، والتخشع، والإنابة، وكثر ذكر الله،والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، وتعاهد الجيران من الفقراء، وذوي المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشايرهم في الأشياء، قال جابر فضحكت عند آخر كلامه، فقلت: يرحمك الله يا بن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة قال: يا جابر لا تذهبنّ بكم المذاهب أيحسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا فلو قال أني أحب رسول الله، ورسول الله خير من علي ثم لا يتبع لسيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، اتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة أحب العبادة إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر ما يتقرب إلى الله إلا بالطاعة وما معنا براءة من النار ولا لنا على الله حجة من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو والله لا تنال ولايتنا إلا بالعمل )(2)

الرابع عشر:المبلغ والروح الأبوية

أن يكون المبلغ مشفقاً على المتعلم، ويكون همه النصيحة له ومقتصراً في الإفادة على قدر همته، ومتكلماً معه باللين، والهشاشة لا بالغلظة والفظاظة، ولا بد له أن يكون محبا وحريصاعلى الإصلاح والتغيير، فعندما يحمّل الناس العامل للإسلام هذه الصفة، ألا وهي صفة الحب للآخرين والعطف عليهم، ويحمل روحاً إنسانية تشعره بضرورة إنقاذ

ص: 59


1- الفرقان:63.
2- السرائر ج3، ص636.

الإنسان وإصلاحه فيندفع نحو هذا العمل بقوة وتفاعل وتفان، وهم صادق متواصل يملك منه فكره ومشاعره ولنا في رسول الله(صلی الله علیه و آله) أسوة حسنة ففي هذا المجال نقرأ حبه(صلی الله علیه و آله) للبشرية وتألمه من إعراضهم عن الدعوة الحق، وحرصه على هدايتهم ثم يتحسر ويمتلئ ألماً في نفسه من مواقفهم الرافضة لله تعالى « لَعَلَّكَ بَاخِعٌ(1) نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً»(2)

وأيضا قوله تعالى «فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ»(3) في هاتين الآيتين الكريمتين يخفف القرآن الكريم من وطأة الألم النفسي الذي يعاني منه الرسول(صلی الله علیه و آله) بسبب إعراض قومه عن قبول الإسلام والوقوف بوجهه، كما يكشف عمق الإخلاص والاهتمام بهداية الناس والحرص عليهم من قبله(صلی الله علیه و آله) ولذا قال تعالى: «قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمبِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ»(4).فهكذا

لابد للمبلغ أن يعيش الحرص على هداية الآخرين ويحمل الرسالة والإصلاح والتغيير، فان المشاعر

ص: 60


1- البخع: قتل النفس غماً ( الراغب الأصفهاني معجم مفردات ألفاظ القرآن والمعنى أي دع الأسف والحزن الذي يضر بنفسك بسبب عدم استجابتهم لدعوتك)
2- الكهف: 6.
3- فاطر:8.
4- التوبة: 128.

والأحاسيس النفسية تغذي القناعات والمعتقدات العقلية بالقوة الدافعة، وبحرارة الانتقال من النظرية إلى التطبيق.

الخامس عشر:العظة وأهلها

أن لا يضنن أي (لا يمنع) على من هو أهل للموعظة، لأن منع العظة عمن له القابلية للتعليم والاستفادة ظلم، بل لابد أن لا يبذل العلم ولا يبثه في غير أهله لأن بذل الحكمة للجهال ظلم لها ولأهلها، ففي الحديث عن الصادق(علیه السلام): (فقال عيسى: يابني إسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها أهلها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم)(1).

السادس عشر:المحاكات التبليغية

من شأن المبلغ أن يدخل الاطمئنان في قلوب المؤمنين «هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ »(2)

أي الاستقرار والطمأنينة النفسية التي يتمكن بها أن يقف مقابل حالة التوتر والاضطراب الفكري التي قد تدفع الإنسان إلى المصائبوالكوارث، والاضطراب الفكري كما هو الآن في العالم المتقدم بالصناعات إلا أنه مصاب بالمآسي والويلات، وحالات الانتحار لعدم وجود السكينة والاطمئنان عندهم.

ص: 61


1- الكافي:ج1، ص42.
2- الفتح:4 .

السابع عشر:الصبر

لا بد له من الصبر على المشكلات، والصبر: هو حبس النفس على المكروه امتثالاً لأمر الله، وهو من أفضل الأعمال، وهو أفضل من الصبر على المصيبة.وفي الحديث: (الصبر على ثلاثة أوجه: وصبرٌ على المعصية، وصبرٌ على المصيبة، وصبر على الطاعة)(1)

وفي حديث آخر: ( الصبر صبران: صبر على ما تكره وصبر على ما تحب)(2)

-- فالأول هو بمعنى مقاومة النفس للمكاره والواردة عليها وثباتها وعدم انفعالها، وقد يسمى سعة الصدر، وهو داخل تحت الشجاعة، والصبر الثاني مقاومة النفس لقوتها الشهوية، وهو فضيلة داخلة تحت العفة(3)-- .

وعن الوشا عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: (اناصُبَّر وشيعتنا أصبر منا، قلت: جعلت فداك كيف صارشيعتكم أصبر منكم؟ قال: لأنا نصبر على ما نعلم وشيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون)(4).

وعن النبي(صلی الله علیه و آله): (الإيمان نصفان نصف في الصبر ونصف في الشكر)(5) فمادام المبلغ الديني لا يتمتع بروح صبورة، وقلب واسع، ولم يقف أمام الصعوبات فانه غير قادر على مواصلة العمل، والوصول إلى المقصد، بل لابد أن يجعل نفسه مستعداً

ص: 62


1- بحار الأنوار ج79، ص136.
2- شرح نهج البلاغة: ج4، ص14.
3- مجمع البحرين: مادة صبر.
4- الشيعة في أحاديث الفريقين، ص423.
5- تحف العقول: ص48.

لصنوف الأذى خصوصاً من الجهلة، ولا يقابلهم إلاّ بالتي هي أحسن، وبعبارة أخرى إذا أراد العبور من المضيق الكثير الصعوبة، والأرض ذات الأشواك فعليه بالصبر.

الثامن عشر:الخطيب وشهر محرم

وظيفة الخطيب والمبلغ في شهر محرم، ولو أن البكاء حسن على مصائبهم(علیهم السلام)، وله ثواب عظيم، وقد ندبوا صلوات الله عليهم إليه، ولكن لابد للخطيب من الموعظة، وخصوصاً حينما يرى ذلك الجمع الغفير الذي قد لا تسنح له الفرصة بجمعهم في غير عاشوراء، ولا يتحقق ذلك الاجتماع في وقت آخر فيغتنم الفرصة ويذكرهم الجنة والنار، وعقاب الله وثوابه، فحينئذ يكون قد أدى ما عليه من الواجبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرخصوصاً وأنه يمثل صوت الإسلام، وأنه لسانه، فلا بد أن يبحث في منبره جميع الجوانب الدينية والدنيوية مع المصيبة، وذكر ما ورد عن الأئمة(علیهم السلام)، وتفسير الآيات الشريفة، وذكر الأخلاقيات والمعارف الإلهية، بالإضافة إلى الإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

التاسع عشر:المبلغ الرسالي الناجح

ص: 63

ومن صفات المبلغ الرسالي الناجح أن يكون شخصية اجتماعية، يألف الناس وهم يألفونه، خفيف الظل، يتمتع بقابلية التفاعل والاندماج مع الآخرين، يؤثر فيهم ولا يتأثر بهم، من أجل انتشالهم مما هم فيه، فهو عنصر مغير فاعل لا مستسلما عندما يدخل الأجواء الفكرية والسلوكية الملوثة. وأما الشخصية الانطوائية الانعزالية فلا تؤهل صاحبها بان يكون مبلغاً رسالياً ناجحاً.

فالانطواء والعزلة ليستا من صفات المبلغ لأنهما لا ينسجمان مع عمله ومنهجه في الحياة لأنه طبيب للروح والطبيب يدور بين الناس بحثاً عن المريض ليعالجه ويكتسب من علاجه الخبرة ليرتقي بعلاجه إلى علاج الغير فقد تكون العزلة في ظرف ما تنفع الكاتب ليتفرغ لذلك أو العابد ولكن التبليغ من الاحتكاك بالطرفالآخر وان لم يكن بالمستوى المطلوب ولكن الاحتكاك به يوقفه عند حده من الاستهتار وكشف خبثه للناس لكي لا يؤثر عليهم.

العشرون: حسن الخلق

أمرنا الله تعالى أن نتأسى بالنبي محمد(صلی الله علیه و آله) وبأهل البيت(علیهم السلام) لأنهم نفس رسول(صلی الله علیه و آله) فقد وصف القرآن الكريم هذه الشخصية العظيمة خريجة المدرسة الإلهية بأنه على خلق عظيم فقال عز

ص: 64

من قائل «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1)، وأيضاً «وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ»(2)

وثالثة «وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً»(3)،

ورابعة «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينٍَ»(4)،

وخامسة «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ»(5)،

وسادسة «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ»(6)،

وسابعة «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْسَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(7)،

وثامنة «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»(8)،

وتاسعة «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(9).

وروي عن النبي(صلی الله علیه و آله):(أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)(10)،

أن التعامل مع الآخرين وكسبهم هو فن وخبرة ومعرفة، فحسن الخلق وحسن المعاشرة والتعامل مع الآخرين

ص: 65


1- القلم: 4.
2- آل عمران: 159.
3- البقرة: 83.
4- الشعراء: 215.
5- فصلت: 34.
6- آل عمران: 134.
7- الزخرف: 89.
8- المؤمنون: 3.
9- النحل: 125.
10- عيون أخبار الرضا: ج2 :ص 58 وذكره السيوطي في الجامع الصغير..

من أهم الوسائل النفسية تأثيراً عليهم وامتناعهم بقبول الفكرة من خلال قبول أخلاق الشخصية التي تحمل الخطاب، فأخلاق المبلغ الرسالي أبلغ من كلمة الإقناع وهي رسوله إلى الآخرين، الذي يمر من غير أن يواجه الحواجز والموانع، فالوجه الطلق، والكلمة الطيبة الرقيقة التي تفرح الحزين، وتسر البائس وترضي الساخط والعفو عن المخطئ، والصفح عن عثراته، واللين في المعاملة، وترك اللجاجة والإلحاح والابتعاد عن الغضب والانفعال، .....الخ كلها ممارسات تجسد حسن الخلق ونرى القرآن الكريم يثني على النبي(صلی الله علیه و آله) لحسن خلقه وتعامله الناجح في العمل والدعوة إلى الله تعالى حيث يقول:«وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ»(1)،

فالقرآن الكريم من خلال ماشرحناه ومن خلال الآية الكريمة يعزو عدم تفرق الناس واعتزالهم عن الرسالة إلى نزاهة المبلغ من الفضفاضة والقساوة، وسوء التعامل واتصافه بالرقة واللين وحسن الخلق فلذا وصف القرآن الكريم النبي(صلی الله علیه و آله) في تبليغ رسالته بقوله تعالى «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(2).

ص: 66


1- آل عمران: 159.
2- القلم: 4.

الحادي والعشرون:الحكمة

كيفية بيان الحكمة وبعد النظر قرآنياُ كما في قوله تعالى«ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(1)،

فهذه هي من الصفات المهمة والأساسية في نجاح المبلغ في عمله وعلاقاته مع الآخرين، وتخطيطه للمستقبل وتجاوز المرحلة والموقف الآنيين، ووضعهما ضمن النظرة المستقبلية فهو يعمل ويخطط للمستقبل، فالحكيم من يضع الأشياء في مواضعها. فهو حكيم في تفكيره وتصرفه وحديثه، وانتقاء العبارات والموضوعات وأساليب الطرح وطريقة التعامل والأجواء المناسبة في طرحه وانتقائه للموضوع والزمان والمكان،فالعمل الذي يفقد الحكمة يتحول إلى ضرر ويكون عائقاً للمسيرة العملية التربوية الإسلامية.

ومن مصاديق الحكمة في شخصية المبلغ: انه يخطط لعمله، ويفكر للمستقبل، كما يفكر للحاضر. فيعرف كيف يكسب الأصدقاء وكيف يتجنب الأعداء وكيف يكسر الطوق عن القلوب الغليظة القاسية ليصل إليها وكيف يوظف طاقات الخصوم لصالحه وكيف يستفيد من تجارب الآخرين وكيف يقنع

ص: 67


1- النحل: 125.

الإطراف الأخرى بفكرته ومشاريعه وكيفية التعامل مع المجتمع الذي يعيش فيه بنجاح.

الثاني والعشرون:القدرة والقابلية في الحديث

القدرة والقابلية في أدارة الحديث والتحاور مع الناس، قال تعالى في هذا الأمر «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» أن نجاح القضية التي يراد التبليغ إليها لا بد أن يكون المبلغ الذي هو صاحب الخطاب مؤمنا بقضيته ملماً بها لكي يقنع الرأي العام وإلا فقد نخسر هذه القضية أذا تصدى لها من ليس له المعرفة في هذا الباع وقد أورد القرآن الكريم جملة من الآيات التي تتحدث عن الأسلوب وكيفية الإدارة فالحوار والحديث لا بد فيهما من قدرة وقابلية ولا بد من الفن والخبرة.إذاً لا بد للمبلغ أن يتقن هذا الفن ويتدرب عليه تدريباً عملياً وعلمياً في طريقة الحوار والمناقشة وأسلوب عرض الفكرة والدفاع عنها ولعل السر في نجاح المحاور هو سيره مع الطرف الآخر من مقدمات ومنطلقات متفق عليها للوصول إلى النتائج المطلوبة وترك طلب الانتصار على الطرف الآخر، سواء أقتنع الطرف الآخر بفكرته أم لا، وليس تسجيل النصر عليه، ولابد للمبلغ أن يحسن إيصال أفكار الإسلام وتبلغيه للناس بما يملك من وسائلِ، وأيضاً عليه أن يكون مجيداً لفن الخطابة والحديث والكتابة والمحاضرات العامة.

ص: 68

( خاتمة الفصل (

ص: 69

ان تحمل المشاكل عند الإنسان الرسالي الذي يريد التغيير وحمل أعباء الرسالة أمر في ذاته ليس هيناً، لأنه قد يواجه رفضاً عنيفاً من قبل القوى الحامية للأنظمة الجاهلة وحاضنتها، والبنية الجاهلة غير المثقفة التي تقف بوجهه، مريدة من ذلك الحفاظ على المصالح والمطامع التي سوف تفقدها عندما يأخذ الإسلام دوره الحقيق في بناء المجتمع ونبذ الطاغوتية لذا فان هذه القوى الشريرة سوف تستنفر كل قواها وطاقاتها للإجهاز على العاملين على تغيير المجتمع والداعين إلى إقامة البديل الإسلامي، وتلك حقيقة يجب أن يعيها المبلغ وان يكون مهيئاً لتحمل المشاق والمحن والاضطهاد بثبات وعزم، لا يلين ومع تطور المجتمعات البشرية وتعقيدها من خلال المشاكل والمؤسسات والقوى المؤثرة فيها ولم يعد العمل العفوي والمرتجل بقادر على انجازالمهام وتحقيق الهدف المنشود، بل لا بد من الدراسة والتخطيط للنشاط والمشاريع التبليغية التي تحمل فكر الإسلام وأهدافه ومبادئه فعلى المبلغين جميعاً أن يكونوا حزمة واحدة وبالمستوى المطلوب لتحمل هذه المسؤولية فرداً كان أو مؤسسة تبليغية ولا بد من أخذ هذا الأمر على محمل الجد وكما تقول القاعدة الأصولية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

ص: 70

الفصل الثالث: «المُبَلَّغ لَه»

اشارة

ص: 71

وظيفة المبلغ له

ص: 72

(المتعظ)

أولا:

لابد من حضوره في المجالس التي تنعقد في المساجد والحسينيات، وحضوره لا بد أن يكون متقرباً به إلى الله لأن كل عمل إذا قصد به القربة يؤجر عليه.

ثانياً:

لابد أن يكون كل همِّه هو الاستفادة والتعلم، ولذا لابد من الإنصات الكامل لكي لا تفوته الحكم والنصائح، فعن الإمام علي(علیه السلام): (انتهزوا الفرص فإنها تمر كمر السحاب)(1).

ثالثاً:

أن يتفكر في فوائد الكلمات الملقات إليه فيهتدي بهدى الوعظ، وليعلم بأن العمل بها أنما يرجع نفعه إليه قال تعالى: «فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا»(2) فأن الهداية إنما ثمرتها لنفسه دون غيره دون غيرها وكذا يكون ضلاله خاصاً بنفسه دون غيره، وقال عز وجل: «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌوِزْرَ

ص: 73


1- شرح نهج البلاغة ج18، ص283.
2- يونس: 108.

أُخْرَى»(1)،

أي كل نفس تحمل وزر أخطائها، ولا يحمل عنها أحد شيئاً، وقال تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»(2)،

أي يهدي الناس فنلزمهم الحجة.

وعن الإمام الجواد(علیه السلام): (من أصغى إلى ناطق فقد عبده فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس)(3).

رابعاً:

يلزم عليه العمل بما استفاد من المبلغ وإلاّ سوف يحاسب على عدم العمل به، قال تعالى: «فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ»(4)

أي سنسأل عن المكلفين الذين أرسلت إليهم الرسل،ولنسألن المرسلين الذين بعثناهم أي نسأل هؤلاء، عن كيفية التبليغ وأولئك عن الطاعة والامتثال، ولابد له من الثبات والاستقامة في العمل، والثبات له تأثير في أمور الإنسان الحياتية والأخروية أي المراد من الثبات بالمعنى الأعم، ويمكن بواسطة الاستقامة أن يقف أمام المشكلات، ويحل المشاكل بالصبر، ويكون موفقاً في أموره، ولابد أن نعترف بأن تسعينبالمائة من

ص: 74


1- فاطر: 18.
2- الإسراء: 15.
3- مستدرك الوسائل ج17، ص308.
4- الأعراف: 6.

الشخصيات في العالم بواسطة أثر الاستقامة وصلوا إلى المراتب العالية، ويخاطب الله النبي(صلی الله علیه و آله) ويأمره بالاستقامة بقوله: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ»(1)

أي إمضي كما أُمرت وسر في جادة الاستقامة، ولا تميل عنها يميناً ولا شمالاً، ولا تغرنكم أيها المؤمنون كثرة النعمة، ولا تعصوا الله ولا تخالفون أمره، عن أبن عباس، قال: ما نزل على رسول الله(صلی الله علیه و آله) آية كانت أشد ,واشق من هذه الآية، ولذا قال(صلی الله علیه و آله) حين قالوا له أسرع إليك الشيب يا رسول الله: (شيبتني هود والواقعة)(2).

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ»(3)، أي وحدوه وصدقوا رسله بما أدعوا من الرسالة والنبوة والديانة، ثم استمروا على هذا الأمر، ولم يشكوا فيه أبداً تتنزل عليهم الملائكة عند الموت في القبر وفي القيامة يبشرونهم بأن لا تخافوا مما أمامكم من العقاب والمواقف ولا تحزنوا.وعن أبي جعفر(علیه السلام): (المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقل منه والمؤمن لا يستقل من دينه شيء)(4).

ص: 75


1- هود: 111.
2- تفسير الميزان ج11، ص66.
3- فصلت: 30.
4- الكافي ج2، ص241.

خامساً:

لابد للمتعظ والمبلغ له أن يعلم ويؤمن بان الإسلام ديناً كاملاً «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(1)

أي بعد بيان جميع فرائضي وحدودي وحلالي وحرامي وبيان ما بينت لكم فلا زيادة فيه ولا نقصان، وقد نصب علياً(علیه السلام) علماً للأنام وهو آخر فريضة أنزلها، ولم ينزل بعدها فريضة، ولذا نزلت الآية «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» إذاً هذا الدين الذي كَمُل يكون لجميع البشرية، وانه رسالة من الله أنزلها على خاتم الأنبياء(صلی الله علیه و آله) لا نقص فيه ولا زيادة، وليس مختصاً بزمن دون زمن بل هو دستور لكل البشرية إلى قيام الساعة.

إذاً العامل به في كل زمان يحظى بسعادة الدارين، أي من عمل صالحاً وعده بالجنة وأوعد المتمرد بالنار، وليعلم المؤمن بأن أكثر أو كل الإشكالات التي يردونها على هذا الدين يريدون أن يحرفوا فيها السذج والبسطاء من الناس ولذا نراهم يقولون بان هذا الدين كان مفيدا للعصور الماضية، أما في عصرنا هذا؛ عصر العلم فلا.مع العلم انه ورد في الحديث: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)(2)

لأن هذا الدين يكون طبقاً للعقل السليم فلا يتعارض أبدا مع كل العصور.

ص: 76


1- المائدة: 3.
2- بصائر الدرجات، ص168.

سادساً:

أن المبلغين والخطباء هم على قسمين: قسم تكون خطابته سبباً لإضلال الناس، وهو الضال المضل، والتابع للشيطان، ويكون من أصحاب الخيانة لأنه لم يؤد الأمانة، ولو أطلق عليه اسم الخطيب الإسلامي، ولكن بما انه لم يؤد حق الدين ونصيحة المستمعين، وليس من مقصده لصعود المنبر وارتقائه له إلاّ تحصيل مقاصده غير الحقة، أو إرضاء صاحب المجلس للاستفادة منه أكثر من حطام الدنيا، فقد يتكلم خلاف ما أنزل الله إرضاءاً لصاحب المجلس، وقد يكون ارضاءاً للمجتمع، فعندئذٍ يكون عمله هذا خيانة للدين ولله ورسوله كما خان إبليس آدم «فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى»(1) أي أدلك على شجرة من أكل منها خلّد في الجنّة فلايموت أبداً، فمثل هؤلاء سوف يحاسبون حساباً عسيراً، وأمثال هؤلاء يعدون من زمرة الشيطان، فإنهم شياطين الإنس، فهو عات متمرد كما قال تعالى:«قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ........ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ»(2).

ص: 77


1- طه 121-122.
2- سورة الناس.

وأما القسم الآخر من الخطباء والمبلغين أصبح موفقاً في عمله وتبليغه، وجعل من عداد المصلحين، وكان عند الله مرضياً، وتشمله رحمته تعالى وعطفه، وهذا ليس من همه إلاّ إرشاد الناس وهدايتهم، وإخراج الجهلاء من ظلمة الجهل إلى نور العلم لأنه أصلح نفسه، وانتفع هو أولاً بعلمه، وثانياً علّم الغير، قال أبو عبد الله(علیه السلام): (أشد الناس عذاباً عالم لا ينتفع من علمه)(1) وفي حديث آخر: (مثل الذي يعلّم الخير ولا يعمل به مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه)(2) وقال النبي(صلی الله علیه و آله): (رأيت ليلية أُسري بي إلى السماء قوماً تقرض شفاهم بمقاريض من نار ثم ترمى، فقلت: يا جبرائيل من هؤلاء؟ فقال: خطباء أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون)(3).إذاً كن ذكياً أيها المؤمن واعرف ممن تأخذ معالم دينك، وتحت منبر من تجلس، والجلوس تحت منبر الخطيب من القسم الأول حرام، وخصوصاً المبدع منهم، إذاً لا بد أن تمتحن الخطيب حتى تطمئن به، وفي بعض الروايات: (ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة)(4)

(وقال الحواريون لعيسى(علیه السلام): يا روح الله من نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في عملكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله)(5).

ص: 78


1- عدة الداعي، ص67.
2- بحار الأنوار ج2، ص38.
3- فقه الصادق للروحاني ج13، ص269.
4- الكافي: ج2،ص104.
5- بحار الأنوار ج74، ص147.

سابعاً:

بعد أن عرف بأنه له القدرة والقابلية في فهم ما يأخذ من الخطيب لا بد أن يجلس بين يديه كالعبد بين يدي مولاه لأنه أبوه الروحي، وإذا جلس تحت منبره لا بد له أن يراعي آداب المجلس ولا يرد عليه شيء بالمواجهة بل يكون بعنوان السؤال لا الرد، ولابد أن لا ينسى حقوقه، وفي الحقيقة هو والده المعنوي الروحي وهو أعظم الآباء الثلاثة، وقد ورد في الحديث عن الصادق(علیه السلام): (اطلبوا العلم وتزينوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلمونه العلم وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم)(1)

.وفي الحقيقة أن المعلم كالسبب القريب للحياة الروحانية للمتعلم وإفاضة الصورة الإنسانية عليه، كما أن الأب كالسبب لحياته الجسمانية، إذن المعلم هو والد روحي وبقدر شرافة الروح على الجسم يكون المعلم أشرف من الأب، إذاً لابد أن تكون محبته للمعلم أكثر.

قيل للإسكندر: ( ما بالك تحب معلمك أكثر مما تحب أبيك فقال: لأن معلمي سبب حياتي الروحانية الأخروية وأبي وسيلة حياتي الجسمانية)(2).

ص: 79


1- الكافي: ج1، باب صفة العلم ، ص36.
2- شرح أصول الكافي ج2، ص66.

إذاً فالمبلغ سبب للحياة الباقية، وعلى هذا لابد أن يكون حبّك للنبي(صلی الله علیه و آله) وأوصيائه(علیه السلام) أكثر بعد محبته لله لأنه المعلم الحقيق، والمكمل الأول، ولذا قال(صلی الله علیه و آله): (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله و عترتي أحب إليه من عترته)(1)

قلنا بعد حب الله لأنه تعالى هو الذي أفاض علينا بنعمه ومن نعمه هو النبي صلى الله عليه وآله عليهم السلام الذي أخرجنا من الظلمة إلى النور ولأنه صاحب الأيادي والنعم الجسيمة على العبد، ولو كان غيره تعالى قابلاً للحب وموضعاً له فإنما هو من حيث نسبته إليه، إذاً إذا أحبَّ غيره لا من حيث نسبته إليه فيكونذلك لجهله وقصوره عن معرفة الله «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا»(2)

أي لا تطيقون إحصائها، وفي الدعاء: (لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)(3)

أي لا أطيقه ولا أحصي نعمك وإحسانك، وان اجتهدت بنفسي ذاكراً الحمد لله رب العالمين على الاستمرار، أي المحصي الحقيق أنت لأنك أحطت بكل شيء ولا يفوتك شيء دقيق أو غيره، «وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء»(4)

أي لا يغيب عن علمه،

ص: 80


1- ميزان الحكمة: ج1، ص518.
2- النحل: 18.
3- منتهى المطلب، ص299.
4- يونس: 61.

ولا يخفى بان المحبة الحقيقة له جل وعلا هي إطاعته بان يأتمر بما أمره، وينتهي عما نهاه.

ونتيجة البحث عند قراءتنا للقرآن الكريم نرى إنه تعالى رغب في العلم وحث عليه بل ,أمر به والآيات كثيرة تفوق حد الإحصاء، وانك ترى الكثير من الخطابات القرآنية موجهة إلى أهل العقول وأولي الألباب فالعلم لابد منه على صعيد الأصول والفروع، بل وقد أوجبه كل العلماء في الأصول وقد حرموا فيه التقليد وقالوا لا بد من العلم اليقيني والاجتهاد، بخلاف الفروع أن لم تكن مجتهدا فلا بد لك أن تكون مقلدا أو محتاطاً والتقليد يحتاج إلى العلم أيضا ففي التقليد لا بد لك أن تبحث عن من هو أهل للتقليدوفي الاحتياط لا بد من العلم فيه لمعرفة موارد الاحتياط والاهم من هذا وذاك فان الروايات النبوية والمولوية تنص على أن في القبر الإنسان يُسأل من ربك من نبيك ما دينك ما ... فيقول لا أعلم فيقال له هلا تعلم، فهنالك تقف سفينة المساكين وعند ذاك لا ينفع الندم وهذه فرصة للتعلم خصوصاً في هذه الأيام مع وجود المبلغ الذي نذر نفسه وما يملك من أجل تعليمك وإيصالك إلى طريق النجاة نحن نعلم أن أكثر أبناء مجتمعاتنا يرغب في اخذ المعلومة من خلال السماع، أفضل من المطالعة بعذر أن المعيشة صعبة وليس لديه وقت فيحضر في المجالس لغرض معرفة أمور الدين وهذا

ص: 81

جيد ولكن لهذا الحضور أدب وعلى هذا الأدب يترتب الثواب.

ولابد لمن يحضر مجالس الوعظ والإرشاد أن يكون مخلصا في نيته لله تعالى على طلب العلم وإيصاله إلى من هو مسؤول منه كالزوجة والبنت الذي يعسر عليهما الخروج أن إلتزمنا بالحديث الشريف ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(1) فالزوجة والبنت مسؤول عنهما الزوج والأب فلا بد عليه من تعليمهما وإيصال ما تحتاجان إليه خصوصاً في الأمور العبادية، ولا بد له من أن يكون مخلصاً في الأخذ ومخلصاً في الحفاظ على ما أخذه ومخلصاً في أعطائه والابتعاد عن مكائد الشيطان من الغروروتطهير القلب من الأدناس ليكون قابلاً لحفظ ما يسمع وان يكون عالي الهمة في متابعته للمجالس ولا يرضى لنفسه باليسير وترك التسويف لأننا قلنا فيما سبق أن الحضور عبادة ولا بد له أن ينظر إلى نفسه في أثناء أخذ المعلومة لا يأخذها للجدل ولا لأمر آخر بل لينقذ نفسه ,أهله ومن يتعلق به من الآثام والمعاصي والقرآن يصف لنا هذا «قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ »(2).

ص: 82


1- عوالي اللئالي ج1، ص129.
2- التحريم: 6.

ولا بد له من أن يعظم من يرشده لأن من حق المعلم على المتعلم هو هذا وقد بينوا أئمة أهل البيت(علیهم السلام) أخلاق المتعلم مع معلمه والمبلغ أو الواعظ هو الذي يحل محل المعلم بل وهو معلم أيضاً وقد أثبته الإمام زين العابدين وسيد الساجدين(علیه السلام) انه حق من الحقوق فحقك عليه أن يعلمك وحقه عليك أن تأخذ وتتلقى منه بأدب وتحترم شخصه ونص الحديث في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(علیه السلام) وهذا أدب نبي الله موسى على نبينا وآله وعليه السلام في احترامه لمعلمه حيث كان يقول للخضر(علیه السلام)«هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً»(1)

ثم قال له أيضاً «قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُصَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً»(2)،

نعم وإذا عدنا إلى الوراء قليلاًً لنرى كيف كانت الأخلاق للناس في المجالس فتجد تلك الأخلاق التي يتحدث عنها القرآن وما أمرت الأحاديث الشريفة ولكن مع شديد الأسف نرى الكثير من الناس اليوم قد تخلف عن الأخلاق الإسلامية بل حتى عن أخلاقه العرفية التي أقر الكثير منها الشارع المقدس ففي الحديث الشريف (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(3) أي انه(صلی الله علیه و آله) لم ينفي عامل الأخلاق عنهم ولا نفي المكارم عنهم وإنما أراد أن يبين

ص: 83


1- الكهف: 66.
2- الكهف: 69.
3- تفسير نور الثقلين ج5،ص392، السنن الكبرى ج10، ص192.

لهم المكارم التي جاء بها وهي أخلاق السماء هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نرى أن الأحكام مقسمة إلى إمضائية وتأسيسية أي أن بعض الإحكام أسسها الشارع المقدس كما في كيفية الصلاة والصوم والحج وغيرها من العبادات وأخرى جاء الشارع المقدس فوجدها تحمل الروح الإسلامية وهي موافقة للذوق الشرعي فأمضاها كما هي فمن له هكذا تراث لا بد وان يكون بالمستوى المطلوب ويحافظ على ما ورثه ولا يكون كما وصفت الآية الشريفة «فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً»(1)،

فوصيتي لكم جميعاً أيها المؤمنونالانتباه والاستفادة من هذه المجالس التي سوف تشهد لكم وتكون شفيعة لكم يوم القيامة ومن آداب المجالس كما جاء في الحديث( إذا أتى أحدكم المجلس فليجلس حيث ما أنتهى مجلسه)(2)

إذاً ما يصدر منك من احترام المتحدث والسماع منه وقبول النصيحة واحترام المساجد والمجالس التي تقام وقصد القربة في الحضور ليكون عبادة عند الله تعالى هذه الأمور وأخواتها تأخذ بك إلى طريق النجاة فأغتنم الفرصة فإنها تمر كما مر السحاب أساله تعالى أن يوفق الجميع في تعظيم شعائر الله تعالى.

ص: 84


1- مريم: 59.
2- البحار: ج16، ص240.

خاتمة الكتاب

أعلموا يا أبنائي وفقكم الله تعالى لمراضيه وجنبكم معاصيه، إنني أوضحت لكم جادت السبيل، وبينت لكم كيفية العمل والمسير، وكشفت لكم عن الكمال في هذا الطريق، وأنتم على علم أن رضاء الناس غاية لا تدرك والرضا كل رضا هو رضا الله تعالى فعليكم بالجد والاجتهاد، واغتنام العمر القابل للنفاد، بالحصول على الفضائل والمكرمات النفسانية والكمالات العلمية والعملية، فإنها سبب السعادات الأبدية، فإرشاد الناس ليس هي مهمة هينة وسهلة بل هي من مهام

ص: 85

الأنبياء وأوصيائهم على نبينا وعلى آله وعليهم السلام فلا بد من الاهتمام المستمر والدائم على تحصيل العلم والمعرفة لتبقى نفسك كاملة تحمل الروح الإنسانية التي تحب لأخيها إلا ما تحب لنفسها، فهي باقية ما بقي الدهر وقد دلت الآيات القرآنية الشريفة وكذا الأخبار والأحاديث النبوية والمولوية الشريفتين، فتقصيرك في التحصيل العلمي والعملي والسعي للكمال في هذه الأيام موجب لدوام الحسرة والندم الطويل س

ولابد لك أن تعتبر نفسك مسئولا عن الناس وذا بصيرة وانك لا ترضى بالقصور لنفسك والتقصير في حق أبناء جنسك ودينكومذهبك وجلدتك ساعياً بما تملك من قوة لزيادة علمهم على علمك وشأنهم على شأنك ومع أن الجميع في دار الممر التي وصفت بالخسة ودنو العيش فيها لزوالها وزوال ما فيها، فلا تكن غداً آخر القوم بعيداً عن النعيم, وأنت اليوم قادر على وصول الكمالات، وإلا فهو قصور منكم وخفة في العقل أو سبات ونعوذ بالله تعالى من سِنَةْ الغفلة وسوء الزلة.

هذا كله على تقدير سلامتكم في تلك الدار من عظيم المخاوف والأخطار وعذاب النار، وأنى لكم بالأمان من ذلك؟ وقد عرفتم أن أكثر هذه العلوم واجب أما عينا أو كفاية، والثاني منهما أذا لم يقيم به من يجد في نفسه الكفاية أثم الجميع لتركه، فصار بعد ذلك كالواجب العيني الذي لا يسقط عن كل

ص: 86

فرد فرد حتى لو قام به الغير، وأين المتصدي في هذا الزمان من تحصيل هذه العلوم الشرعية والبلوغ إلى الدرجات المرضية، سيما التفقه وان أقل مرتبة واجبة على نحو الكفاية، ولا يفوتكم الالتفات للآية الكريمة «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(1)

فلا بد لكم في كل قطر ممن يقوم بهذا على نحو الكفاية فبالنفير أيام التعطيل والانتشار في الأقطار الإسلامية كما تنتشر النحل في الحدائق من أجل صناعة العسل الذي هو ثمرة الرحيق مماجمعته في نفيرها وعملها الدؤب إذاً الاستمرار في المطالعة ومتابعة ما يصدر والتحقيق فيه وتصحيحه وضبطه فالتقاعد عن هذا لهو خيانة للعلم وعصيان وهو بمنزلة العبادة فقد ذكر أن من أفضل العبادات ليلة القدر مذاكرات العلم وبه فضل الجليل جل وعلا الإنسان على سائر خلقه بهذه القوة العاقلة التي خصه الله تعالى بها للتمييز بين الخطأ والصواب والموجبة لتحصيل العلوم النافعة في الدارين فالقعود عن هذا الذي ذكرناه لهو مهلكة والنزول من المقام الذي أراده الله تعالى لخلقه من بني البشر المقرّب إليه تعالى فمن إلتزم بذلك رفعه الله تعالى إلى ما يليق به وإلا فحطه تعالى في الارذلين ونعم ما وصف به أمير

ص: 87


1- التوبة: 122.

المؤمنين(علیهم السلام): وبمضمونه قوله من أن الله تعالى خلق الإنسان والملائكة والحيوان فخلق الإنسان من عقل وشهوة وخلق الملائكة من عقل بلا شهوة وخلق الحيوان من شهوة بلا عقل فان استخدم الإنسان عقله على شهوته فصار خير من الملائكة عند الله وان استخدم شهوته على عقله فصار دون من الحيوان عند الله فانتبهوا إلى ذلك يا أبنائي وأحبائي وخذوها نصيحة من رجل فان قد أفنى عمره من أجل خدمة الدين علما وعملا.نبهنا الله جميعاً من مراقد الطبيعة،وجعل ما بقي من الأعمار مصروفا على علوم الشريعة، وأحلنا جميعاً دار الكرامة بمنازلها الرفيعة إنه جواد كريم.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أوصي أبنائي أن لا ينسوني من صالح دعواتهم والسلام عليهم وعلى جميع المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

ص: 88

ص: 89

دليل الآيات

الآية - رقمها - اسم السورة - رقم الصفحة

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى - 55 - الذاريات - 8

ص: 90

إِنَّ اللّهَ لاَيُغَيِّرُ - 11 - الرعد - 14

وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ - 41 -42 - غافر - 14

يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - 88-89 - الشعراء - 15

تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ - 42 - غافر - 16

وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ - 48 - مريم - 16

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ - 6 - الحج - 16

فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ - 256 - البقرة - 16

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ - 71 - التوبة - 16

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ - 55 - المائدة - 16

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ - 29 - الفتح - 17

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ - 144 - النساء - 17

الآية - رقمها - اسم السورة - رقم الصفحة

وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ - 83 - الفتح - 17

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً - 122 - التوبة - 18

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ - 104 - آل عمران - 18

وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ - 42 - فاطر - 18

وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى - 15 - الإسراء - 19

ص: 91

وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ - 51 - القصص - 19

لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ - 165 - النساء - 19

أنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ - 58 - النساء - 20

وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ - 3 - الطلاق - 21

إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ - 3 - الطلاق - 21

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ - 46 - هود - 24

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ - 41 - الروم - 25

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ - 125 - النحل - 26

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ - 108 - يوسف - 26

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا - 33 - فصلت - 26

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ - 21 - الأحزاب - 31

وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ - 104 - آل عمران - 31

فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ - 122 - التوبة - 31

إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً - 55 - مريم - 38

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ - 44 - البقرة - 39

وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ - 7 - الحجرات - 41

مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ - 110 - الكهف - 42

لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ - 48 - النساء - 42

ص: 92

مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ - 20 - الشورى - 43

مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ - 18 - الإسراء - 44

لقد كان لكم في رسول الله - 21 - الاحزاب - 46

وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ - 159 - آل عمران - 46

يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ - 44 - المائدة - 47

إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ - 10 - الزمر - 47

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ - 63 - الفرقان - 51

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ - 6 - الكهف - 52

الآية - رقمها - اسم - السورة - رقم - الصفحة

فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ - 8 - فاطر - 52

قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ 128 - التوبة - 52

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ - 4 - الفتح - 53

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ - 4 - القلم - 57

وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً - 83 - البقرة - 57

ص: 93

وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ - 215 - الشعراء - 57

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا - 34 - فصلت - 57

وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ - 134 - آل عمران - 57

فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ - 89 - الزخرف - 57

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللغو - 3 - المؤمنون - 53

فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي - 108 - يونس - 65

وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى - 18 - فاطر - 66

فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ - 6 - الأعراف - 66

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ - 111 - هود - 67

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ - 30 - فصلت - 67

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ - 3 - المائدة - 68

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ - 121-122 - طه - 71

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ - سورة الناس - 70

وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ - 18 - النحل - 73

وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ - 61 - يونس - 73

قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً - 6 - التحريم - 75

هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ - 66 - الكهف - 76

ص: 94

قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ - 69 - الكهف - 76

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ - 59 - مريم - 86

دليل الأحاديث

الحديث - رقم الصفحة

أوثق عرى الايمان - 17 *** يا فضيل ان حديثنا - 30

لا يؤمن أحكم حتى - 17 *** رحم الله عبد أحيا - 30

أكمل المؤمنين إيماناُ - 17 *** من كان من شيعتنا - 30

ص: 95

خير الناس من نفع - 17 *** إلهي ما جزاء من دعا - 30

رجل راوية لحديثكم - 22 *** معلم الخير لتستغفر - 30

كلكم راع وكلكم - 22 *** أوحى الله الى موسى - 37

كل مولود يولد - 23 *** انه ذكر عنده رجلان - 37

لا تلقنوا الكذاب - 23 *** أحب المؤمنين الى الله - 37

ان الله تعالى قال لنوح - 24 *** ألا أخبركم بالجواد - 37

ان الله لم يأخذ على - 27 *** إنما سمي صادق الوعد - 38

رحم الله أمرا وعظ - 27 *** كونوا دعاة للناس - 38

ما هو حق العلم - 27 *** من يذكركم الله - 38

يجيء الرجل يوم - 27 *** من نصب نفسه - 38

نعم العطية كلمة - 28 *** من لم ينسلخ من - 39

ألا أحدثكم عن أقوام - 28 *** يقال له يا خائن - 39

ما أهدى مسلم لأخيه - 28 *** من أراد الحديث - 41

ما تصدق مؤمن - 28 *** من صلى أو صام - 42

ان للقلوب صداء - 29 *** أنا خير شريك - 42

تذكروا وتلاقوا - 29 *** أجعلوا أمركم لله - 42

الحديث - رقم الصفحة

إنما الأعمال - 42 *** الصبر صبران - 54

لو أن حملة العلم - 43 *** إنّا صبر وشيعتنا - 54

من طلب العلم - 43 *** الإيمان نصفان - 54

المال والبنون - 43 *** إنكم لن تسعوا - 57

لا يستحي أحدكم إذا - 44 *** إنتهزوا الفرص - 65

ص: 96

إذا حدثتم بحديث - 44 *** من أصغى إلى ناطق - 66

من إشتغل بغير - 46 *** ما نزل على - 67

يا أبا ذر الحق - 46 *** المؤمن أصلب - 68

فإذا ظهرت البدع - 47 *** حلال محمد حلال - 69

حدثوا عنا ولا حرج - 48 *** أشد الناس عذابا - 70

ما من أحد قال - 48 *** مثل الذي يعلم - 70

إياك وخصلتين - 49 *** رأيت ليلة - 71

من أفتى بغير علم - 49 *** ولكن إختبروهم - 71

إحثوا التراب في - 50 *** وقال الحواريون - 71

لولا أن المكر - 50 *** إطلبوا العلم وتزينوا - 72

ليجتمع في قلبك - 50 *** ما بالك تحب - 72

نعم العون على - 50 *** لا يؤمن أحدكم - 72

كيف من انتحل - 51 *** لا أحصي ثناء - 73

فقال عيسى يا - 53 *** إنما بعثت - 76

الصبر على ثلاثة - 54 *** إذا أتى أحدكم حدكم - 77

دليل المواضيع

كلمة مكتب آية الله العظمى الشيخ الواعظي ..5

مقدمة سماحة آية العظمى الشيخ الواعظي(دام ظله الوارف) .......7

الفصل الأول: التبليغ ..... 9

معنى التبليغ ....11

التبليغ وحركة التغيير .....14

ص: 97

وجوب التغيير . 18

خلاصة البحث

الأول: إيصال الأحكام.. 20

الثاني: المؤثرات في الانحراف....... 23

1- الوراثة ..... 23

2- التلقين ..... 23

3- التقليد ..... 24

4- المحيط ...... 24

5- علة إنحراف بعض المسلمين .... 24

الثالث: الدواء . 26

التبليغ وأثره في القلب ... 28

الأساليب التي تساهم في نجاح العلمية التبليغية ........ 32

الأسلوب القرآني في الدعوة ...... 33

الفصل الثاني: فضل المبلغ في الروايات ...... 37

واجبات المبلغ

الأول: النموذج الصالح .. 38

ص: 98

الثاني: إعلاء كلمة الله .. 40

الثالث: الإخلاص لله .... 41

الرابع: علم الرجال في التبليغ ..... 44

الخامس: الخطيب وفن التبليغ ..... 44

السادس: الأسوة الحسنة . 46

السابع: الدين والسعادة البشرية ... 47

الثامن: إحياء أمر أهل البيت ...... 47

التاسع: حق الخطيب على الناس .. 48

العاشر: الخطيب وبيان الفتوى .... 49

الحادي عشر: نزاهة الخطيب ...... 49

الثاني عشر: غنى الخطيب ........ 50

الثالث عشر: الشخصية المثالية للمبلغ ....... 50

الرابع عشر: المبلغ والروح الأبوية . 51

الخامس عشر: العظة وأهلها ...... 53

السادس عشر: المحاكات التبليغية .. 53

السابع عشر: الصبر ..... 55

الثامن عشر: الخطيب وشهر رمضان ........ 56

ص: 99

التاسع عشر: المبلغ الرسالي الناجح 56

العشرون: حسن الخلق .. 56

الحادي والعشرون: الحكمة ....... 59

الثاني والعشرون: القدرة والقابلية في الحديث ........ 60

خاتمة الفصل .. 62

الفصل الثالث: وظيفة المبلغ له (المتعظ) ..... 63

خاتمة الكتاب . 79

دليل الكتاب .. 85

ص: 100

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.