الاشارات إلى ما روي في أبي الاسود الدؤلي

هوية الكتاب

اسم الكتاب: الاشارات إلى ما روي في أبي الاسود الدؤلي

المؤلف: سماحة آية الله العظمى الشيخ شمس الدين الواعظي

الناشر: مكتب المرجع الديني الشيخ الواعظي

التصميم والأخراج الفني: أسعد محمود زوين

الطبعة: الثانية

الكمية: 1000 نسخة

المطبعة: مجمع أهل البيت(علیه السلام)

ص: 1

اشارة

الاشارات إلى ما روي في أبي الاسود الدؤلي

تألیف: سماحة آية الله العظمى الشيخ شمس الدين الواعظي دام ظله الوارف

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الإهداء

إليك يا بطل الاسلام.

إليك يا باب مدينة علم الرسول (صلی الله علیه و آله).

إليك يا من علّمه رسول الله (صلی الله علیه و آله)ألف باب من العلم.

إليك يا من انتجبه الرسول(صلی الله علیه و آله)، وجعله أميراً للمؤمنين، وقائداً خالداً الى يوم الدين، و توّجه الامامة، وعيّنه للخلافة من بعده.

إليك يا من كانت ولايته ولاية الله، و حبّه عنوان صحيفة الاعمال يوم الجزاء.

أرفع

مجهودي الضئيل هذا راجياً حسن القبول، وهو غاية النجاح ومنتهى السعادة.

«يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ»

عبدك الراجي

ص: 5

المُقَدِّمَة

ص: 6

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم والشكر له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ومنها نعمة العقل التي ميز بها الانسان عن سائر خلقه والصلاة والسلام على أفصح العرب محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

لقد ظهر لي بعد مراجعتي لجملة من الرسائل والكتب، التي أُلفت بحثاً عن حقيقة هذه الشخصية النفيسة التي ستتضح معالمها خلال هذا الكتاب، والتي عجزت العقول عن درك كنهها وفهم مغزاها، حيث لم يكن البحث عنها في الأغلب من جميع جوانبها ، بل الكلام يقع حول تحقيق صدور الرواية، أو حول شخصية أبي الأسود وبعض الجوانب الأخرى، وقد أحببت أن أكتب عنها من جميع جوانبها وعن كلمات أمير المؤمنين(علیه السلام) بما أنّها مستقاة من علم الله، وأنّها لآلئ الكلام.

ففي كلّ جملة منها __ لو تأمّل الإنسان __ تظهر له حقيقة من الحقائق، وكيف لا يكون ذلك وقائله لا نهاية لعلمه ولا حدّ لعظمته، ولذا كتبت في هذه العجالة مع شغل البال و قلت القدرة البدنية و شدة الألم النفسي لما تمر به هذه الامة من مآزق محققا لما مضى من الطبعة السابقة و مضيفاً لها بعض الدرر التي قد اسعفت بها ببركت جوار مولاي أمير المؤمنين(علیه السلام) فاقول:أولا: حول شخصية أبي الأسود: هذه الشخصية العظيمة الفذة التي لابد أن تكون ذات اهتمام شاسع.

ولاغرابة حينما ننظر إلى التاريخ فنرى أقلام الباحثين الذين بحثوا عن شخصية من الشخصيات الأدبية قد اشبعوا البحث عنها من جميع الجوانب بحثا ونقدا وتحليلا، ولكن شاعرنا لم يحظ بذلك الاهتمام ولم يبحثوا عنه بطريقة تليق وشأنه في حين أنه شاعر وأديب وواضع لعلم النحو وذو كمالات متعددة فياترى ما هو السبب وراء ذلك؟

ص: 7

وفي الوقت الذي نرى من هو أقل منه مرتبة قد كثر الأهتمام به فما ذاك إلا لكونه شيعيا يظهر الولاء لأمير المؤمنين(علیه السلام) وفي الحقيقة لست آخذاً بديدن الباحثين بالنسبة إلى أبي الأسود فحسب، بل بالنسبة إلى كل شاعر أو أديب أو محدث حذا حذو أبي الأسود.

فعلى أي حال فحياة شاعرنا كانت مملوءةً بالعطاء فهو مضافا إلى تضلعه من الشعر والأدب، له تضلع من بقية العلوم كالحديث وعلوم القرآن، أما بالنسبة إلى النحو فهو أول الواضعين لقواعده كما ستطلع عليه عند قراءتك هذه الرسالة الماثلة بين يديك و التي ستجيبك عن جميع كتاب التواريخ والأدب.

ولذا نذكر هذه الشخصية عرفانا منا بفضله و لما قدمه للمسلمين حول وضع علم النحو وبيان قواعده والله هوالمستعان.

ثانيا: نذكر إثبات صدور الرواية عن عليّ(علیه السلام) يقيناً، ورد الشبهات التي تثار حولها.

ثالثاً: شرح الرواية من جميع جوانبها، كبيان ألفاظها المغلقة، وكذا شرحها من جهة المعنى اللغوي والنحوي والأصولي والكلامي، والله المسدّد لما فيه الخير.

المؤلف

نبذة عن حياة أبي الأسود

هو ظالم بن عمرو بن سليمان بن جند الدُؤلي الكناني، واضع علم النحو كان معدودا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان والحاضري

ص: 8

الجواب من التابعين(1) والملقّب ب_( أبو الأسود) وقيل اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن خلس بن يعمر بن نفاته بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة(2).

وقال في الأغاني: هو أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن ياس بن مقتر بن نزار(3)، وأمه الطويلة من بني عبد الدار بن قصي(4).

والدُئل كما في مجمع البحرين(5):

دويبة تشبه اُم عرس، ومنه قول الشاعر

جاؤوا بجيش لو قيس معرسه *** ما كان إلا ّ كمعرس الدُئِل

ويقال: ديلي(6)، اي :ظالم بن عمر بن سفيان بن جندل الديلي بكسر الدال وفتح الياء بعدها، ويقال الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة نسبة إلى الدئل بكسر الهمزة، وهي قبيلة من كنانة.

وقال ابن خلكان في اسمه ونسبه اختلاف كثير(7)،

وقال جلال الدين السيوطي في المزار: قال أبو الطيب اللغوي أختلف في اسمه فقال عمرو بن شيبة اسمه: عمرو بن سفيان بن ظالم وقال الجاحظ اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان

ص: 9


1- الأعلام ج3 ص236 / خير الدين الزركلي
2- الطبقات الكبرى ج7 ص99 /محمد بن سعد
3- الأغاني 12/297
4- الطبقات 1/453
5- مجمع البحرين مادة دؤل
6- رجال الشيعة في أسانيد السنة ص202.
7- أحاديث أم المؤمنين عائشة ج1 ص202

وقال أيضا الدؤلي من ولد دؤل بن مكي بن كنانة، وقال السيرافي في طبقاته: وقيل في الدؤلي بالفتح كما قيل في النمر نمري استثقالا للكسرة، ويجوز تخفيف الهمزة بالدئلي بقلب الهمزة واوا لخفته، لأن الهمزة إذا فتحت وقبلها ضمة خففت لقلبها واوا انتهى(1).

وقال في المغرب قال أبو حاتم: سمعت الأخفش يقول: الدوئلي بضم الدال وكسر الواو المهموز دويبة شبيه ب_(ابن عرس).

وقال: لم أسمع بفُعَلْ في الأسماء والصفات غيره، وبه سمّيت قبيلة أبي الأسود الدُئَلي(2)، وقال الجوهري في الصحاح: الدُئِل بهمزة مكسورة، وأما الدؤلي فتفتح استيحاشاً لتوالي الكسرات(3).

مولده

ولد أبو الأسود قبل البعثة بثلاث سنوات، وقيل قبل الهجرة ب_(16)عاماً، وذهب أكثر المؤرخين إلى أن عمره حينما أدركته الوفاة عام 69 ه_ كان خمساً وثمانين سنةو عليه يكون قد ادرك حياة الرسول(صلی الله علیه و آله) وعن أبي عبيدة: انه شهد بدراً مع المسلمين(4).

طبقته ورواياته

يعدّ أبو الأسود من الفقهاء والمحدّثين والأشراف والفرسان والأمراء الحاضري الجواب ثقة في حديثه كما ذكره السيوطي في طبقات النحاة(5).

قال: قال ابن خلكان:

ص: 10


1- كتاب الأربعين الشيخ الماحوزي ص 463.
2- نقله عنه في تأسيس الشيعة (للسيد حسن الصدر) ص46
3- الصحاح: ج4 ص170
4- الأغاني12/297
5- نقله عنه في تأسيس الشيعة ص44.

(كان من سادات التابعين و أعيانهم صحب علي_ا وشهد معه صفين )، بل (من أصفياء أمير المؤمنين وأصحاب السبطين والسجاد(علیهم السلام) وإجلائهم)(1)

قال ابن منظور: (كان أبو الأسود من أفصح الناس، وع_ن يحيى بن معين: ثقة وعن ابن منجويه شهد مع علي صفين)(2) و (قال ابن حجر : فاضل، مخضرم)

وروى عن أبي بن كعب عن كتاب الرد على أهل القدر والزبير بن العوام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود في الرد على أهل القدر، وعن علي بن أبي طالب(علیه السلام) في سنن أبي داود والترمذي وخصائص أمير المؤمنين(علیه السلام)، وابن ماجة وعمر بن الخطاب في البخاري والترمذي وسنن النسائي، وعمران ابن حصين في صحيح مسلم، وفي كتاب الرد على أهل القدر ومعاذ بن جبل في سنن أبي داوود وأبي ذر الغفاري في كتب السنة وأبو موسى الأشعري في صحيح مسلم.وروى عنه سعيد بن عبد الرحمن بن رفيش في كتاب الرد على أهل القدر وعبد الله بن بريدة في البخاري والترمذي وابن ماجة والنسائي وأبي داوود وعمر بن عبد الله مولى عفرة في كتاب الرد على أهل القدر ويحيى بن يعمر في البخاري(3).

وقد كان راويا من رواة الحديث ومما رواه عنه (علیه السلام) أنه قال: في بول الجارية يغسل وفي بول الغلام ينضح ما لم يأكلا الطعام(4) وله روايات كثيرة في أبواب الفقه والعقائد.

ص: 11


1- اختيار معرفة الرجال ج2 /ص476 الشيخ الطوسي.
2- رجال الشيعة في أسانيد السنة /ص202 الشيخ الطبرسي.
3- المصدر السابق.
4- الأغاني ج12 ص300.

إسلامه

كان ممن أسلم على عهد النبي(صلی الله علیه و آله) وروى أبو عبيدة أنه شهد بدراً مع المسلمين(1)وهاجر إلى البصرة على عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وسكن فيها وله بها مسجد خاص باسمه(2)

ولو انه اشتهر في عصر عمر وعثمان، ولكنه لم يشتهر ولم يعرف الا في عهد أمير المؤمني (علیه السلام)فقد وصل في عهده من المنزلة اشرفها واسماها وأرفعها، وكان الوسيط في حرب الجمل بين أمير المؤمنين(علیه السلام) وطلحة والزبير وعائشة، وكان محل ثقة عند علي(علیه السلام)، وكان شيعياً حقيقياً مخلصاً ثقة في حديثه كما ذكره السيوطي في طبقات النحاة(3).

تشيّعه

هو أحد الأئمة في اللغة والأدب العربي، من الطبقة الأولى من الشعراء، ومن السادات التابعين، وكان أكمل الرجال رأياً وأسدهم عقلاً وهو شيعيٌ، والتشيع يعني: الأتباع والأعانة والنصرة وشيعة علي هم تابعوه، وشايعته في الأمر أي تابعته وفي النهاية أصل الشيعة أي الفرقة من الناس وتقع على الواحد والأثنين والجمع المذكر والمؤنث بلفظ واحد وغلب هذا الاسم على من يزعم أنه يوالي علياً وأهل بيته، حتى صار لهم اسماً خاصاً في مذهب الشيعة. وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة. أنتهى كلامه(4).

ص: 12


1- الأغاني 2/297.
2- اللباب ج1/430.
3- نقله في تأسيس الشيعة: ص44. رجال الشيعة في أسانيد السنة ص202.
4- الزيادات في النهاية (شيع)

ولايصدق الا على كل من يعتقد بأن عليا(علیه السلام) الخليفة بعد الرسول (صلی الله علیه و آله) بلا فصل وقد تعين بالنص، والمختار من قبل الله حيث ان الله أمر النبي أن يبلغ بأنه قد اختار عليا خليفة.

ويقول الشهرستاني: ان الشيعة هم الذين شايعوا علياً على الخصوص بالإمامة له وخلافته نصاً ووصية(1).

اذاً الإمام هو الذي انتخبه الله في نظر الأمامية، وهو يتولى الحكم لا من انتخبه الناس وهو يحكم بإرادته _ جلّ وعلا_ ويكون في نظرهم حديث الغدير الذي نقل بالتواتر نصا في خلافة أمير المؤمنين(علیه السلام) (وكان أبو الأسود الدؤلي من كبار الشيعة كما نقل عن الجاحظ وغيره ممن ذكره) وبالمناسبة لا بأس في ذكر الشيعة وأوصافهم بعد أن كانوا هم على الحق إذ اختاروا من اختاره الله لا من أختاره الناس.وفي الخصال عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: إنما شيعة علي الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم ،خميصة بطونهم، متغيرة ألوانهم، مصفرة وجوههم، اذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوا الأرض بجباههم، كثير سجودهم، كثيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزونون(2).

وروى عن أمير المؤمنين(علیه السلام)انه خرج ذات ليلة من المسجد وكانت ليلة قمراء، فأم الجبانة ولحقه جماعة يقفون أثره فوقف عليهم ثم قال: من أنتم ؟ قالوا شيعتك ياأمير المؤمنين فتفرس في وجوههم ثم قال: فمالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟ قالوا وما سيماء الشيعة ياأمير المؤمنين؟ قال: صفر الوجوه من السهر،

ص: 13


1- الملل والنحل( انظر كتاب الغدير)
2- سفينة البحار: ج4، ص547.

عمش العيون من البكاء، حدب الظهور من القيام، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، عليهم غبرة الخاشعين(1).

وعن أمالي الطوسي عن سليمان بن مهران قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد(علیه السلام) وعنده نفر من الشيعة وهو يقول: معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً. قولوا للناس حسناً واحفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبح القول(2).

كان أبو الأسود الدؤلي من المحبين لعلي أمير الؤمنين(علیه السلام)، والقائلين بولايته، وشهد معه الجمل وصفين وأكثر مشاهده(3).وروى ابن عبد ربه: ان علياً عند ما اضطرّ الى التحكيم همً أن يقدم أبا الأسود الدؤلي فأبى الناس عليه(4) وروى السيد المرتضى: انّ أبا الأسود دخل يوماً على معاوية بالنخيلة: فقال له معاوية: أكنت ذُكرتَ للحكومة؟ قال: نعم، قال: فما ذا كنت صانعاً؟

قال: كنت أجمع ألفاً من المهاجرين وأبنائهم، وألفاً من الأنصار وأبنائهم، ثم أقول: يا معشر من حضر أرجل من المهاجرين أحقّ أم من الطلقاء؟(5)،

ويشابه ذلك ما في العقد الفريد(6)، ونقل عن زهر الربيع انه ضحك معاوية ثم قال اذن

ص: 14


1- سفينة البحار: ج4، ص547.
2- سفينة البحار: ج4، ص547 انظر السفينة تجد ما نجد في وصف الشيعة والخصال الحسنة التي فيهم.
3- وفيات الأعيان ج2 ص216.
4- العقد الفريد ج4 ص346.
5- الأمالي ج1 ص291.
6- العقد الفريد ج4 ص349.

والله ما أختلف عليك اثنان(1)

وفي ربيع الأبرار أنّ معاوية أهدى إليه هديّة ومن جملتها الحلوى، فلما نظرت إليها ابنته قالت لأبيها: من أين هذه الهدايا؟

قال: بعثها إلينا معاوية يخدعنا عن ديننا، فأنشدت ابنته بيتين:

أبا الشهد المزعفر يا بن حرب *** نبيع عليك أحساباً وديناً

معاذ الله كيف يكون هذا *** ومولانا أمير المؤمنينا(2)

واسند الشيخ منتجب الدين في كتابه الأربعين: عن علي بن محمد قال: رأت ابنة أبي الأسود الدؤلي بين يدي أبيها خبيصاً(3).

فقالت: يا أبة أطعمني،

فقال: افتحي فاك ففتحت، فوضع فيه مثل اللوزة، ثمّ قال: عليك بالتمر، فانّه أنفع وأشبع، فقالت: هذا أنفع وأشبع، فقال: هذا طعام بعثه إلينا معاوية يخدعنا عن علي بن أبي طالب، فقالت: قبّحه الله أيخدعنا عن السيد المطهّر بالشهد المزعفر، تباً لمرسله وآكله، ثم عالجت نفسها وقاءت ما أكلته منه، وأنشأت تقول:

أبا الشهد المزعفر يا بن حرب وقد مرّ البيتان(4)

ص: 15


1- زهر الربيع ص22.
2- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص55.
3- الخبيص: الحَلواءُ المخبوطة معروف، والخبيصة أخصًّ منه . لسان العرب ج5: ص12
4- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص55.

وقال السيد الشريف المرتضى(قدس سرّه)في أمإليه الغرر والدرر: روى محمد بن يزيد النحوي انّ أبا الأسود كان شيعياً، وكان ينزل البصرة في بني قشير، وكانوا يرمونه بالليل، فاذا أصبح شكا ذلك فشكاهم مرّة فقالوا: ما نحن نرميك ولكنّ الله يرميك، فقال: كذبتم لو كان الله يرميني لما أخطأني، قال: ونازعوه الكلام فأنشأ يقول:

يقول الأرذلونَ بنو قُشَيرٍ *** طوالَ الدهرِ لا تنسى عليا

أُحبُّ محمداً حُبّاً شديداً *** وعباساً وحمزةَ والوصّيا

أحبُّهُمُ لحبَّ اللهِ حتى *** أجيءَ اذا بُعِثتُ على هَويّا

فان يكُ حبُّهم رشداً أُصِبْهُ

ص: 16

ولست بمخطىءٍ ان كان غيّا(1)

وروي بشكل آخر مع إختلاف يسير قال: كان أبو الأسود نازلاً بني قشير، فكانوا يؤذنه ويسبونه وينالون من عليّ(علیه السلام) بحضرته ليغيظوه ويرموه بالليل، فاذا أصبح قال لهم: أي جواز هذا؟

فيقولون له: لم نرمك انّما رماك الله لسوء مذهبك وقبح دينك، فقال:

يقول الأرذلون بنو قشير *** طوال الدهر لا تنسى عليا

فقلت لهم وكيف يكون تركي *** من الاعمال مفروضا علياً

الى أن قال :

فان يك حبهم رشدا أصبه *** ولست بمخطئ ان كان غيا

فقالوا له: شككت في صاحبك في بيتك هذا __ أي فان يك حبهم... ألخ __ فقال: أما سمعتم قوله عزوجل: «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ» أفترون الله شك(2)، وروى الزمخشري هذين البيتين لأبي الأسود:

ص: 17


1- أمالي المرتضى ج1 ص292-293.
2- قاموس الرجال ج5 ص173.

أمفنّدي في حبِّ آل محمدٍ *** حجرُ بفيكَ فدعْ ملامَك أوزدِ

مَن لم يكن في حبهِّم متمسّكاً *** فليُعرَفنْ بولادةٍ لم ترشد(1)

وقيل: إنّ زياداً قال له يوماً: كيف أنت في حبّ عليّ؟قال: كما أنت في حبّ معاوية، إلا أنّي أطلب بحبّ علي ثواب الآخرة، وأنت تطلب بحبّ معاوية حطام الدنيا، ومثلك في ذلك قول عمرو بن معدي كرب:

أحبَ دماءَ بني مالكٍ *** وراقَ المعلى بياضَ اللبن

خليطانِ مختلفٌ شأننا *** أريدُ العلىّ ويهوى السمن(2)

ص: 18


1- نقله عنه في قاموس الرجال: ج5، ص173.
2- المصدر السابق

وروى الزمخشري في ربيع الابرار: أن زياد بن أبيه سأل أبا الأسود عن حبّ علي؟

فقال: حبّ علي يزداد في قلبي كما يزداد حبّ معاوية في قلبك، وأني أريد الله والدار الآخرة بحبّي لعلي، وتريد الدنيا وزينتها بحبّك لمعاوية(1).

وفي بعض الروايات أنك تريد بما انت فيه من حب الدنيا وزخرفها وذلك زائل بعد قليل.

فقال زياد: انك شيخ كبير قد خرفت ولو أني أتقدم اليك انكرتني. فقال أبو الأسود:

غضبَ الأمير بأنْ صدقتُ وربما *** غضِبَ الأمير على البريءِ المسلمِ(2)

وجاء في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصبهاني: روي أنه قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية بعد مقتل علي(رضي الله عنه) وقد استقامت لمعاوية البلاد فأدنى مجلسه وأعظم جائزته، فحسده عمرو بن العاص، فقدم على معاوية فأستأذن عليه في غير وقت الإذن فأذن له.

فقال له معاوية: يا أبا عبد الله ما أعجلك قبل وقت الإذن؟

فقال يا أمير المؤمنين أتيتك لأمر قد أوجعني وأرقني وغاضني وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين قال: وما ذاك يا عمرو؟

ص: 19


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص44.
2- نور القبس: ص10.

قال: يا أمير المؤمنين إن أبا الأسود رجل مفوه، وله عقل وأدب ومن مثله للكلام يذكر وقد أذاع بمصرك من الذكر لعلي والبغض لعدوه، وقد خشيت عليك أن يترى في ذلك حتى يؤخذ لعنقك.

وقد رأيت ان ترسل إليه وترهبه وترعبه وتسبره وتحيره فأنكّ من مسألته على أحدى خيرتين: أما ان يبدي لك صفحته فتعرف مقالته، وأما ان يستقبلك فيقول ما ليس من رأيه فيحتمل ذلك عنه، فيكون لك في ذلك عاقبة صلاح ان شاء الله تعالى.

فقال له معاوية: أني أمرؤٌ والله لقلما تركت رأياً لرأى أمري قط إلا كنت فيه بين أن أرى ما أكره وبين بين ولكن إن ارسلت إليه فسئلته، فخرج عن مسألتي بأمر لا أجد عليه مقدماً ويملأني غيظا لمعرفتي بما يريد، وان الأمر فيه أن يقبل ما ابديمن لفظة فليس لنا أن نشرح صدره وندع ما وراء ذلك يذهب جانباً، فقال عمرو: انا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفين وقد عرفت رأيّ ولست أرى خلافي، وما ألوك خبرا فأرسل إليه ولا تفرش مهاد العجز فتتخذه وطيئا.

فأرسل معاوية إلى أبي الأسود فجاء حتى دخل عليه فكان ثالثا، فرحب به معاوية وقال يا أبا الأسود خلوت أنا وعمرو فتناجزنا في أصحاب محمد(صلی الله علیه و آله) وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين.

فقال سل يا أمير المؤمنين عما بدى لك فقال: يا أبا الأسود أيهم كان أحب إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله)؟

فقال: أشدهم حبا لرسول وأوفاهم له بنفسه.

فنظر معاوية الى عمرو وحرك رأسه ثم تمادى في مسألته.

فقال يا أبا الأسود فأيهم كان أفضلهم عندك؟

قال: أتقاهم لربه وأشدهم خوفا لدينه.

فأغتاظ معاوية على عمرو، ثم قال يا أبا الأسود فأيهم كان أعلم؟

قال: أقولهم للصواب وأفضلهم للخطاب.

ص: 20

قال يا أبا الأسود فأيهم كان أشجع؟

قال: أعظمهم بلاءا وأحسنهم عناءا وأصبرهم على اللقى.

قال: فأيهم كان أوثق عنده؟

قال: من أوصى إليه فيما بعده.

قال: فأيهم كان للنبي(صلی الله علیه و آله) صديقا؟

قال : أولهم تصديقا.

فأقبل معاوية على عمرو، قال لا جزاك الله خيرا هل تستطيع ان ترد مما قال شيئا؟فقال أبو الأسود: إني قد عرفت من أين أتيت فهل تأذن لي فيه.

فقال : نعم فقل ما بدى لك.

فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا الذي تراه، هجا رسول الله(صلی الله علیه و آله) بأبيات من الشعر.

فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): اللهم اني لا أحسن أن أقول الشعر فالعن عمروا بكل بيت لعنة، أفتراه بعد هذا نائلا فلاحا أو مدركا رباحا.

وأيم الله أن أمرا لم يعرف إلا بسهم أجيل عليه فجاله لحقيق ان يكون كلِيلَ اللسان ضعيف الجنان، مستشعرا للأستكانة، مقارنا للذل والمهانة، غير ولوج فيما بين الرجال، ولا ناظراً في تسطير المقال، ان قالت الرجال أصغى وأن قامت الكرام اقعى، متعيص لدينه العظيم دينه غير ناظر في أهبة الكرام، ولا منازع لهم، ثم لم يزل في دجة ظلماء مع قلة حياء، يعامل الناس بالمكر والخداع، والمكر والخداع في النار.

فقال عمرو: يا أخا بني الدؤل والله لأنت الذليل القليل ولو ما تَمُتُّ به من حسب كنانة لأختطفتك من حولك أختطاف الأجدل الحدية، غير أنك بهم تطول وبهم تصول، فلقد استطبت مع هذا لساناً قوالا سيصير عليك وبالا، وأيم

ص: 21

الله انك لأعدى الناس لأمير المؤمنين قديما وحديثا وما كنت قط بأشد عداوة منك الساعة وأنك لتوالي عدوه وتعادي وليه وتبغيه الغوائل وان اطاعني ليقطعن عنك لسانك، وليخرجن من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له أطراق الأفعوان في أصل الشجرة.

فتكلم معاوية، فقال يا أبا الأسود: أغرقت في النزع ولم تدع رجعة لصلحك، وقال لعمر: فلم تغرق كما اغرقت ولم تبلغ بما بلغت غير أنه كان منه الابتداءوالاعتداء والباغي أظلم والثالث احلم، فأنصرفا عن هذا القول الى غيره، وقوما غير مطرودين.

فقام عمرو هو يقول:

لَعمري لقد أعي القرونَ التي مضتْ *** لغش ثوى بينَ الفؤادِ كمينِ

وقام أبو الأسود وهو يقول:

ألا ان عمرواً رام ليس خفيّة *** وكيف ينال الذئبُ ليثَ عَرينِ(1)

وولاء أبي الأسود لأمير المؤمنين(علیه السلام) ومحبته له مما لا ينكر.

ص: 22


1- الأغاني ج12 ص322

وروى المؤرخون ان عثمان ابن حنيف أيام حرب الجمل كان قد أوفد أبا الأسود في ضمن الموفدين للمفاوضة مع عائشة وطلحة والزبير وأيضا قيل إنه كان على رأس الجيش الذي أرسله عبد الله ابن عباس لقتال خوارج البصرة(1).

وروي أنه لما خرج أبن عباس إلى المدينة من البصرة، تبعه أبو الأسود في قومه ليرده فأعتصم عبد الله بأخواله من بني هلال، فمنعوه وكادت تكون بينهم حرب فقال لهم بنوا هلال: ننشدكم الله ألا تسفكوا بيننا دماء حتى تبقى معها العداوة إلىآخر الأبد، وأمير المؤمنين أولى بأبن عمه فلا تتدخلو أنفسكم بينهما فرجعت كنانة، وكتب أبو الأسود الى علي(علیه السلام) فاخبره بما جرى فولاه البصرة.

وكان سبب خروج أبن عباس أنه أتى بأبي الأسود فقال: لو كنت من البهائم لكنت جملا ولو كنت راعيا لما بغلت المرعى.

فكتب أبو الأسود الى علي(علیه السلام): (أما بعد فأن الله عزوجل جعلك والياً مؤتمناً وراعيا مستوليا فقد بلوناك، فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للرعية، توفر لهم فيئهم وتكف نفسك عن دنياهم، ولاتأكل أموالهم، ولا ترشي في حكامهم، وان ابن عمك قد أكل ما تحت يده بغير علمك ولم يسعني كتمانك رحمك الله فأنظر فيما هناك وأكتب إلي برأيك فيما أحببت)

فكتب إليه علي(علیه السلام):(أما بعد فمثلك نصح الإمام والأمة وولى على الحق، وقد كتبت الى صاحبك فيما كتب إلي ولم أعلمه بكتابك فلا تدع إعلامي بما يكون بحضرتك مما النظر فيه صلاح الأمة فإنك بذلك جدير وهو حق واجب)(2)وكان علي بن أبي طالب(علیه السلام) استكتب زياد ابن ابيه، فجعل زياد يَتْبعُ

ص: 23


1- تاريخ الطبري ج4 ص461-462.
2- وقد ذكر في نفائس المخطوطات ص9 تحقيق العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين (قدس سرّه)أنه لم يولَّ علي أبا الأسود مباشرة على البصرة وإنما الوالي عبد الله ابن عباس فلما شخص عبد الله الى الحجاز أستخلف أبا الأسود الدؤلي ولم يزل كذلك حتى قتل علي(علیه السلام) ولكن الحق أنه استعمله علي على البصرة بعد ابن عباس، الأغاني: ج12 ص297.

أبا الأسود عند علي(علیه السلام) ويقع فيه، ويبغي عليه، فلما بلغ ذلك أبا الأسود قال فيه:

رأيت زيادا ينتحيني بشرِّه *** وأعرضُ عنه وهو بادٍ مقاتلُه

وكل أمريء والله بالناسِ عالمٌ *** له عادةٌ قامت عليها شمائلُه

تعودها فيما مضى من شبابه *** كذلك يدعو كلَّ أمرٍ أوائلُه

ويعجبُه صَفحي له وتجمُّلي *** وذو الجهلِ يحذو الجهلَ من لا يعاجلُه

فقلت له دعني وشأني إننا

ص: 24

كلانا له معمل هو عاملُه

فلولا الذي قد يرتجا من رجائه *** لجربت مني بعض ما أنت جاهلُه

لجربت أني أمنح الغيَّ مَن غوى *** عليّ وأجزي ما جزى وأطاولُه(1)

وقال لزياد أيضا في ذلك:

نبئت ان زياداً ظل يشتمني *** والقول يكتبُ عندَ اللهِ والعملُ

وقد لقيتُ زيادا ثم قلتُ له *** وقبل ذلك ما خبت به الرسلُ

حتام تسرِقُني في كل مجمعةٍ

ص: 25


1- الأغاني: ج12 ص311.

عرضي وانت اذا ما شئتَ منتقلُ

كل أمريء سائرٌ يوما لشيمتهِ *** في كل منزلةٍ يَبلى بها الرجلُ(1)

ن_عيه ورث_ائه لأمير المؤمن_ين (علیه السلام)

روى أبو الفرج في أغانيه، عن أبي بكر الهذلي قال:

أتى أبا الأسود نعيُ أمير المؤمنين(علیه السلام) وبيعة الحسن(علیه السلام)، فقام على المنبر فخطب الناس ونعى لهم علياً(علیه السلام).

فقال: وإن رجلاً من أعداء الله لمارقٌ عن دينه اغتال أمير المؤمنين (كرم الله وجهه ومثواه في مسجده) وهو خارج لتهجده في ليلة يرجى فيها مصادفة ليلة القدر، فقتله.

فيالله هو من قتيل، وأكرم به وبمقتله وروحه من روح عرجت الى الله تعالى بالبر والتقوى والإيمان والإحسان، لقد أطفئ بقتله نور الله في أرضه، لا يبين بعده أبداً، وهدم ركن من أركان الله تعالى لا يشاد مثله.

ص: 26


1- الأغاني: ج12 ص312.

فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله نحتسب مصيبتنا بأمير المؤمنين وعليه السلام ورحمة الله يوم ولد ويوم قتل ويوم يبعث حياً، ثمّ بكى حتى اختلفت أضلاعه.

ثم قال:(وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله(صلی الله علیه و آله) وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه، وإنّي لأرجو أن يجبر الله به ما وَهى، ويسدّ به ما انثلم، ويجمع به الشمل، ويطفئ به نيران الفتنة فبايعوه ترشدوا)(1).

وقال أبو الأسود في رثاء علي(علیه السلام):

ألا يا عين ويحكِ فاسعدينا *** ألا فابكي أمير المؤمنينا

رزئنا خيرَ مَن ركبَ المطايا *** وفارسَها ومَن ركبَ السفينا

ومن لبس النعالَ ومَن حذاها

ص: 27


1- نقله عنه في قاموس الرجال: ج5 ص171 – 172.

ومَن قرأ المثانيَ والمِئينا

فكل مناقبِ الخيراتِ فيه *** وحبُّ رسولِ ربِّ العالمينا

وكنّا قبلَ مقتلِه بخيرٍ *** نرى مولى رسولِ اللهِ فينا

يقيمُ الدينَ لا يرتابُ فيه *** ويقضي بالفرائضِ مستبينا

ويدعو للجماعةِ مَن عصاهُ *** وينهكُ قطعَ أيدي السارقينا

وليس بكاتمٍ علماً لديه *** ولم يخلقْ من المتجبّرينا

ألا أبلغْ معاويةَ بنِ حربٍ

ص: 28

فلا قرّت عيونُ الشامتينا

أفي شهرِ الصيامِ فجعتمونا *** بخيرِ الناسِ طُرّاً أجمعينا

ومَن بعدَ النبي فخيرُ نفسٍ *** أبو حسنٍ وخيرُ الصالحينا

لقد علمتْ قريشٌ حيث كانت

ص: 29

بأنك خيرُها حَسَباً ودِينا

اذا استقبلتُ وجه أبي حسين *** رأيتُ البدرَ راق الناظرينا

كأن الناسَ إذ فقدوا علياً *** نعام جال في بلدٍ سنينا

فلا والله لا أنسى علياً *** وحسنَ صلاتِه في الراكعينا

وتبكي أًمّ ُكلثوم عليه *** بعبرتِها وقد رأتْ اليقينا

ولو انّا سُئلنا المالَ فيه *** بذلنا المالَ فيه والبنينا

فلا تشمت معاويةُ بنَ حربٍ

ص: 30

فانّ بقيةَ الخلفاءِ فينا

وأجمعنا الامارةَ عن تراضٍ *** إلى ابن نبينا والى أخينا

فلا نعطي زمامَ الأمرِ فينا *** سواء الدهر آخر ما بقينا

وانّ سُراتَنا وذوي حِجانا *** تواصوا ان نجيبَ اذا دُعينا

بكل مهندٍ عضْبٍ وجردٍ *** عليهنّ الكماةُ مسوّمينا(1)

ج

ص: 31


1- أعيان الشيعة: ج7، ص403.

وله رثاء آخر لأمير المؤمنين(علیه السلام):

يامن بمقتِلِه دهى الدهرُ *** قد كان منك ومنهم أمرُ

زعموا قُتِلتَ وعندهم عذرُ *** كذبوا وقبرِك مالَهم عذرُ

يا قبرَ سيدِنا المجن سماحةً *** صلى عليك الله يا قبرُ

ما ضرّ قبراً انتَ ساكنُه *** ان لايمرَّ بأرضِه القطرُ

فليعدِلَنّ سماحَ كفِّكَ قطرُه *** وليروقن بقربِكَ الصخرُ

واذا رقدت فأنتَ منتبهٌ

ج

ص: 32

واذا انتبهتَ فوجهُكُ البدرُ

ج

واذا غضِبتَ تصدّعتْ فرقاً *** منك الجبالُ وخافَك الذُّعرُ

يا ساكنَ القبرِ السلامُ على *** من حال دونَ لقائِه القبرُ

يا هاجري إذ جئتُ زائرَه *** ما كان من عاداتِك الهَجْرُ

والله لوبكى لم ادع أحداً *** الا قتلتُ لفاتني الوترُ

جج

وله في رثاء الام_ام الحسين(علیه السلام) ومن استشهد مع_ه من بني ه_اشم:

أقول لعاذلتي مرةً

ص: 33

وكانت على ودِنّا قائمة

اذا أنتِ لم تبصري ما أرى *** فبيني وانتِ لنا صارمه

الستِ ترَينَ بني هاشم *** افنتهم الفئة الظالمة

جوانت تزّينّهم بالهدى *** وبالطفَ هامُ بني فاطمة

فلو كنتِ راسخة في الكتا *** ب بالأحزابِ خابرةً عالمة

علمتِ بأنهم معشرٌ *** لهم سبقت لعنةُ حاتمة

سأجعلُ نفسي لهم جُنّةً

ص: 34

فلا تُكثري بي من اللائمة

ارجي بذلك حوضَ الرّسو *** لِ والفوزَ والنعمةَ الدائمَة

لتهلك ان هلكت برّةَ *** وتخلص ان خلصت غانمة(1)

أما في رثاء بني هاشم:

يا ناعي الدين الذي ينعى التقى *** قم وانعَهُ والبيتَ ذا الاستارِ

ابني علّي آل بيت محمدٍ *** بالطف تقتلُهم جفاةُ نزارِ

ج

سبحان ذي العرش العليِّ مكانُه

ص: 35


1- المصدر السابق.

أنّى يكابِرُه ذوو الأوزارِ

ابني قشير إنني أدعوكُمُ

ج

للحقِّ قبلَ ضلالةِ وخسارِ

قودوا الجياد لنصرِ آل محمدٍ *** ليكونَ سهمُكم مع الانصارِ

كونوا لهم جنناً وذودوا عنهم *** أشياع كلِّ منافقٍ جباّرِ

وتقدموا في سهمِكم من هاشمٍ *** خيرِ البريةِ في كتابِ الباري

بهم اهتديتُم فأكفروا إن شئتمُ

ص: 36

وهم الخيار وهم بنو الاخيارِ(1)

حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا الزبير عن عمه مصعب بن عبد الله قال: خرجت زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب على الناس بالبقيع تبكي قتلاها بالطف وهي تقول:

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم *** ماذا فعلتم وكنتم أخرَ الأممِ

بأهل بيتي وأنصاري وذريتي *** منهم اسارى وقتلى ضُرجوا بدمي

ما كان ذاك جزائي اذ نصحتُ لكم *** ان تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي

فقال أبو الأسود الدؤلي نقول: ربنا ظلمنا أنفسنا... الأية ، ثم قال أبو الأسود الدؤلي اقول :

وزادني جزعا وغيضا

ص: 37


1- ديوان أبي الأسود: ص298.

أزال الله ملك بني زيادِ

ج

وأبعدَهم كما غدروا وخانوا *** كما بعُدَت ثمودٌ قومُ عادِ

و لارجعت ركابُهم إليهم

ج

إذا قفت إلى يومِ التنادِ

سيرته و أدبه

قد ذكر ان له مع أمراء وقته مواقف خطيرة يقدرها التاريخ، وقال الراغب في المحاضرات: كان من أكمل الرجال رأياً وعقلاً وكان شيعياً، سريع الجواب، ثقة في الحديث(1)

وروي أنه كان لأبي الأسود صديق من بني تميم يقال له: مالك أبن الأصرم، وكانت بينه وبين ابن عم له خصومة في دار له، وانّهما اجتمعا عند أبي الأسود

ص: 38


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص44.

فحكّماه بينهما، فقال له خصم صديق أبي الأسود: إنّي قد عرفت الذي بينك وبين هذا، وأرجو أن لا يحملك ذلك على أن تحيف عليّ بشيء __ وكان الرجل محقّا ً__ فقضى له أبو الأسود على صديقه، فقال صديقه: والله ما بورك لي في عملك وفقهك حين تقضي عليّ، فقال أبو الأسود في ذلك:إذا كنتَ مظلوماً فلا تلفِ راضيا *** عن القومِ حتى تأخذَ النصفَ وأغضبِ

فان كنتَ أنتَ الظالمَ القومِ فاطّرحْ *** مقالتَهم واشغبْ بهم كلَّ مشغبِ

أي : إن كنت أنت ظالم القوم فاترك مقالتهم

وكان عادلاً يحكم بالعدل والإنصاف، وشديد التوكّل على الله، وروي أنّه أراد الشخوص إلى فارس في قبيل الشتاء، وذلك مع خروج ابن الزبير، فقال له بعض إخوانه: لا تشخص يومك هذا فانّك شات، وقد ترى أمر الناس وفساد سبيلهم، فأقم حتى ترى من رأيك ويبلغك عن الطريق صلاح، وينصرم الشتاء فأني أخشى عليك خصالاً غير واحدة.

وعن ابن عائشة قال: أراد أبو الأسود الدؤلي الخروج إلى فارس فقالت له ابنته انك قد كبرت وهذا صميم شتاء فانتظر حتى ينصرم، وتسلك الطريق أمنا فأني أخشى عليك.

فقال أبو الأسود:

إذا كنتَ معنيًاً بأمرٍ تريدُه

ص: 39

فما للمضا والتوكلِ مِن مثل

توكّلْ وحّملْ أمرَك اللهَ إنّما *** يُراد له اتيك أنتَ له مُخلِ

ولا تحسبنَّ السيرَ أقربَ للردى *** من الخفضِ في دارِ المقامةِ والثملِ

ولا تحسبي يا بنتي عز مذهبي *** بظنّك ان الظّن يكذب ذا العقل

وانيّ ملاقٍ ما قضى الله فأصبري *** ولا تجعلي العلمَ المحققَ كالجهلِ

وانك لا تدرينَ هل ما أخافُه *** ابعدي يأتي في رحيلِ أو قبلِ

وكم قد رأيت حاذراً متحفظاً

ص: 40

أصيب وألفته المنية في الأهل(1)

وقال أيضا:

وإذا طلبت من الحوائج حاجةً *** فادع الإله وأحسن الأعمالاِ

فليعطينك ما أراد بقدره *** فهو اللطيف لما أراد فعالا

انّ العبادَ وشأنَهم وامورَهم *** بيدِ الإلهِ يقلّبُ الأحوالا

فدع العباد ولا تكن بطلابهم *** لهجا تضعضع للعباد سؤل(2)

ص: 41


1- الأغاني: ج12، ص308.
2- الأغاني: ج12، ص301.

و قال أيضاً:

لاتنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك أذا فعلت عظيم

وأبدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإن أنتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل إن وعظت ويقتدي *** بالقول منك وينفع التعليم(1)

وقال أبو عمرو بن مطر حضرت مجلس أبي عثمان الحيري الزاهد، فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد عليه للتذكير، فسكت حتى طال سكوته، فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس: ما ترى أن تقول في سكوتك شيئا؟

فأنشأ يقول:

وغيرُ تقيٍ يأمرُ الناسَ بالتقى *** طبيبٌ يداوي الناسَ وهو مريض

ص: 42


1- تفسير القرطبي: ج1، ص367.

قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج.

وقال أبن حجر في الإصابة، وذكر المبرد أن علي أبن أبي طالب(علیه السلام) استعمل النعمان على البحرين فجعل يعطي كل من جاء من بني زريق فقال فيه الشاعر وهو أبو الأسود:

الا فتنةٌ قد ألهت الناسَ عنكم *** فندلاً زريقُ المالَ ندلَ الثعالبِ

فان ابن عجلانَ الذي قد علمتمُ *** يبددُ مالَ اللهِ فعلَ المناهبِ(1)

وله شعر في علي بن الحسين(علیه السلام):

وان غلاماً بين كسرى و هاشم *** لأكرم من قامت عليه المآتم(2)

ص: 43


1- معجم رجال الحديث: ج20، السيد الخوئي: ص183.
2- الإمام زين العابدين /للمقرم: ص428.

وفي معارف ابن قتيبة قال الواقدي: انّه كان من دبا، فمنعوا الصدقة أبا بكر، فوجّه إليهم عكرمة فسبى ذراريهم، وبعث بهم إلى أبي بكر، وفيهم أبو صفرة غلام لم يبلغ، فأعتقه عمر(1)

وقال الجاحظ: أبو الأسود مقدّم في طبقات الناس، كان معدوداً في الفقهاء والشعراء والمحدثين والحاضري الجواب ومن الشيعة والبخلاء والضلع الأشراف(2).

وكان زياد بن أبيه ولّى نعيم بن مسعود النهشلي والحصين بن الحر العنبري عملا من أعمال فارس، فكتب أبو الأسود إليهما كتاباً يلتمس منهماالرفد، فأماّ نعيم فقرأ كتابه ووصله وأجابه، وأمّا الحصين فألقى كتابه ولم يقرأه، فكتب له أبو الأسود:

حسبت كتابي إذ أتاك تعرّضاً *** لسيبك لم يذهب رجائي هنالِكا

وخبّرني من كنت أرسلت انما *** أخذت كتابي معرضاً بشمالِكا

نظرت إلى عنوانه ونبذته

ص: 44


1- نقله عنه في قاموس الرجال: ج5، ص171.
2- سير أعلام النبلاء: ص84.

كنبذِكَ نعلاً أُخلقت من نعالِكا

نعيمُ بنِ مسعودٍ أحقّ بما أتى *** وأنتَ بما تأتي حقيقُ بذلِكا

يصيب وما يدري ويخطي ومادرى *** وكيف يكون الجهلَُ إلاّ كذلِكا

وله أشعار أخرى نذكر منها:

من مبلغ عني خليلي مالكا *** رسولاً إليه حيث كان من الأرض

فمالك مسهوماً إذا ما لَقيتَني *** تقطع عني طرفَ عينك كالمغضي

فسل بي ولا تستحي مني فأنّه

ص: 45

كذلك بعض الناس يسأل عن بعض

ومنها:

أعود على المولى وان زل حلمه *** بحلمي وكان العود أبقى وأحمدا

وكنت إذا المولى بدا لي غِشُّه *** تجاوزتُ عنه وانتظرتُ به غدا

لتحكمه الأيامُ أو لتردَّه *** عليّ ولم أبسط لساناً ولا يدا

ومنها:أبى القلب الا أم عمرو وحبها *** عجوزا ومن يحبب عجوزا يفندِ

كثوب اليماني قد تقادم عهدُه

ص: 46

ورقعته ماشئتُ في العينِ واليدِ

ومنها أيضا:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداءٌ له وخصومُ

كضرائر الحسناءِ قلنَ لوجهها *** حسداً وبغياً إنّه لدميمُ

والوجه يشرقُ في الظلامِ كأنّه *** بدرٌ منيرٌ والسماءُ نجومُ

وكذاك من عظمت عليه نعمة *** حسّادُه سيفٌ عليهِ صرومُ

فاترك مجاراةَ السفيهِ فانّها

ص: 47

ندمٌ وغبُّ بعدَ ذاك وخيمُ

وإذا جريتَ مع السفيه كما جرى *** فكلاكما في جريه مذمومُ

وإذا عتبتَ على السفيه ولمتَه *** في مثل ما يأتي فأنتَ ظلومُ

يا أيها الرجلُ المعلمُ غيرَه *** هلا لنفسك كان ذا التعليمُ

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

أبدا بنفسك وانهها عن غيّها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما وعظت ويقتدي

ص: 48

بالرأي منك وينفع التعليم

تصف الدواءَ وأنتَ أولى بالدوا *** وتعالجُ المرضى وأنت سقيمُ

وكذاك تلقح بالرشادِ عقولَنا *** أبدا وأنت من الرشادِ عقيمُ

ويل الشجي من الخلي فأنّه *** نصب الغواة بشجوة مغمومُ

وترى الخلي قريرَ عينٍ لاهيا *** وعلى الشجي كآبةٌ وهمومُ

ويقول مالَكَ لا تقولُ مقالتي *** ولسان ذا طلق وذا مكظومُ

ص: 49

لا تظلمنْ عِرضَ ابنِ عمَّكَ ظالماً *** فإذا فعلتَ فعرضُك المكلومُ

وحريمه أيضاً حريمُك فأحمِه *** كيلا يباحَ لديكَ منه حريمُ

وإذا اقتضضت من أبن عمك كلمة *** فكلامه لك ان فعلت كلوم

فاذا طلبت الى كريم حاجة ***

ج

فلقاؤه يكفيك والتسليم

فاذا راك مسلما ذكر الذي *** حملته فكانه محتوم

فارج الكريمَ وان رايتَ جفاءَهُ *** فالعتبُ منه والفعالُ كريمُ

ص: 50

وعجبت للدنيا ورغبة اهلها *** والرزق فيما بينهم مقسومُ

والأحمق المرزوق احمق من ارى *** من أهلها والعاقل المحرومُ

­جثم أنقضى عجبي لعلمي أنه *** قدر موافٍ وقتَه معلومُ(1)

وكان أبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي قد لزم منزل أبيه بالبصرة لا ينتجع أرضاً ولا يطلب الرزق في تجارة ولا غيرها فعاتبه أبوه على ذلك.

فقال أبو حرب: إن كان لي رزق فسيأتيني.

فقال له:

وما طلبُ المعيشةِ بالتمني *** ولكن ألقِ دلوَكَ في الدلاءِ

ص: 51


1- أعيان الشيعة: ج7، ص404.

يجيء بمثلها طَوراً وطَوراً *** يجيء بحمأة وقليلِ ماءِ

ولا تقعد على كسلٍ تمنى *** تحيل على المقادرِ والرجاءِ

فانّ مقادرَ الرحمنِ تجري *** بأرزاقِ العبادِ من السماءِ

بقبض أو ببسط أو بقدر *** وعجزُ المرءِ أسبابُ البلاءِ

وله أيضاً:

لا يكن برقك برقاً خلباً

ص: 52

ان خير البرق ما الغيث معه(1)

وكان خطيباً عالماً جمع شدة العقل، وصواب الرأي، وجودة اللسان، وقول الشعر والظرف(2).وفي كتاب البخلاء قال أبو الأسود: ((ليس من العز أن تتعرض للذل، ولا من الكرم أن تستدعي اللؤم، ومن أخرج ماله من يديه افتقر، ومن افتقر فلا بد له أن يضرع، والضرع: لؤم، وان كان الجود شقيق الكرم، والأنفة أولى بالكرم))(3).

قال أبو الأسود لأبنته ليلة البناء: إنّ أطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الدهن، وأحلى الحلاوة الكحل، لا تكثري مباشرة زوجك فيملكّ، ولا تباعدي فيجفوك ويعتل عليك، وكوني كما قلت لأمكّ:

خذ العفو منّي تستديمي مودّتي *** ولا تنطقي في سَورتي حين أغضبُ(4)

وفي الأغاني قال: شيخ العلم وفقيه الناس أخذ الفقه والنحو من علي(علیه السلام) وروى الحديث عنه وعن عمر بن الخطاب، وعن عبد الله بن العباس، وأبي ذر الغفاري وغيرهم(5)، وصاحب علي(علیه السلام) وخليفة ابن عباس على البصرة.

ص: 53


1- أعيان الشيعة: ج7، ص403، الأغاني ج12 ص330.
2- أعيان الشيعة: ج7، ص403.
3- نقله عنه في أعيان الشيعة: ج7، ص407.
4- نقله عنه في قاموس الرجال: ج5، ص174.
5- معجم الأدباء.

وقال ابن خلكان: كان من سادات التابعين وأعيانهم، وكان أكمل الرجال رأياً، وأسدّهم عقلاً(1).

وقال الآمدي: كان حليماً، وشيخاً حازماً، وشاعراً متقناً للمعاني(2).

وقال الشعبي: ما كان أعفّ أطرافه وأحضر جوابه(3).وقال ابن سلام: كان رجل أهل البصرة(4).

وقال ابن الأعرابي: الفصحاء في الإسلام أربعة، وعدّ أبا الأسود منهم(5).

وقال ابن سعد: كان ثقة في حديثه(6)،

وقد روي أن أبا الأسود ولى القضاء في البصرة ولا عجب بعد أن كان يحسب في عداد المتقدمين من الفقهاء.

وقال: بعض المؤرخين بأن عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان قد استعملا أبا الأسود(7).

وعن بعض المؤرخين أن عليا(علیه السلام) قد ولى أبا الأسود البصرة(8) وروي ان عليا(علیه السلام) عندما أضطر إلى التحكيم همَّ أن يقدم أبا الأسود فأبى الناس، وحين قدم أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة.

قال له معاوية : بلغني يا أبا الأسود أن علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين، فما كنت تحكم به ؟

ص: 54


1- وفيات الأعيان: ج2، ص216.
2- المؤتلف والمختلف: ص151.
3- نور القبس: ص8.
4- طبقات فحول الشعراء: ص12.
5- نور القبس: ص8.
6- الطبقات: ج7، ص70.
7- خزانة الأدب: ج1، ص136.
8- الأغاني: ج12، ص297.

قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين ، وألفا من الأنصار وأبناء الأنصار .

ثم ناشدتهم الله: المهاجرون وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطلقاء ؟((1)

كان له على باب داره دكان يجلس عليه مرتفع عن الأرض الى قدر صدر الرجل فكان يوضع بين يديه خوان على قدر الدكان فإذا مر به مار فدعاه الى الأكل لم يجدموضعا يجلس فيه فمر به ذات يوم فتى فدعاه الى الغذاء فأقبل فتناول الخوان فوضعه أسفل، ثم قال له يا أبا الأسود ان عزمت على الغذاء فأنزل وجعل يأكل وأبو الأسود ينظر إليه مغتاظا، حتى أتى على الطعام.

فقال له أبو الأسود: ما اسمك يا فتى؟

فقال: لقمان الحكيم.

قال: لقد أصاب أهلك حقيقة اسمك(2).

وكان عبد الله ابن عامر مكرماً لأبي الأسود ملطفا، ثم دخلته جفوه فجفاه لتشيعه. فقال أبو الأسود في ذلك:

ألم تر ما بيني وبينَ أبن عامرٍ *** من الودِّ قد بالتْ عليه الثعالبُ

واصبح باقي الود بيني وبينه *** كأن لم يكنْ والدهرُ فيه العجائبُ

ص: 55


1- («6») العقد الفريد لابن عبد ربه : ج4، ص349.
2- الغدير: ج2، ص146، تاريخ ابن عساكر: ج7، ص104-106.

اذا المرءُ لم يحببْك الاتكرّها *** بدا لك من أخلاقه ما يغالبُ

فللنأي خيراً من دنوٍ على الأذى *** ولا خيرَ فيما يستقلّ المعاتبُ(1)

ص: 56


1- ديوان أبو الأسود: ص275.

نوادر من سيرته

كان رجل من بني سليم بن منصور يقال له: نسيب ابن حميد يغشى أبا الأسود في منزله ويتحدث إليه في المسجد اذا جلس، فكان نسيب يقول لأبي الأسود كثيرا ما أجد من قومي ولا من غيرهم بآثر عندي منك.

وربما طلب الحاجة فيركب معه أبو الأسود فيها فاصاب النسيب مستقة أصبهانية مخملة فذكرها لأبي الأسود، وقال قد حدثت نفسي ببيعها.

فقال له أبو الأسود: أرسل بها إلي، أنظر إليها.

فأرسل بها نسيب إليه فأعجبت أبا الأسود، فقال: بعنيها بقيمتها، قال: لا بل أكسوكها فأبى أبو الأسود ان يقبلها، فأراها فقيل له ثمن مئتي درهم، فأبى وجعل يماكسه البيع حتى بذلها له بمئتي درهم وخمسين درهما. فقال أبو الأسود: ما أظن بها غلاء وإنها لمن حاجتي فابى وقال خذها.

فقال أبوالأسود في ذلك:

بعني نسيب ولا ته لي انني *** لا استثيبُ ولا أُثيبُ الواهبا

ان العطيةَ خيرُ ما وجهتها

ص: 57

وحسبتها حمدا وأجرا واجبا

ومن العطيةِ ما يعودُ غرامةً *** وملامةً تبقي ومنّاً كاذبا

وبلوت أخلاقَ الرجالِ وفعلَهم *** فشبعتُ عِلما منهمُ وتجارِبا

فأخذتُ منها ما رضيتُ بأخذِه *** وتركتُ أكثرَ ما هنالِكَ جانبا

فاذا وعدتُ الوعدَ كنتُ كغارمٍ *** ديناً أُقر بهِ وأُحضِرُ كاتبا

حتى انفذه كما وجهتُه *** وكفى علي له بنفسي طالبا

ص: 58

واذا فعلتُ فعلتُ غيرَ محاسب *** وكفى بربِّك جازيا ومحاسِبا

واذا منعتُ منعتُ منعا بينا *** وارحتُ من طولِ العناءِ الراغبا

لا أشتري الحمدَ القليلَ بقاؤه *** يوماً بذمِ الدهرِ أجمع واصبا(1)

وكان المنذر بن الجارود يعجبه حديث أبي الأسود، وكان كل واحد منهما يغشى صاحبه، وكانت لأبي الأسود مقطعة من برود اليمن يكثر لبسها فقال المنذر: لقد ادمنت لبس هذه المقطعة يا ابا الأسود أما تملها؟

فقال أبو الأسود رب ملول لا يستطاع فراقه.

فأرسلها مثلا، فعلم المنذر قد احتاج الى كسوة فأهدى إليه ثيابا.

فقال أبو الأسود في ذلك:

كساني ولم استكسهِ فحمدتُه

ص: 59


1- ديوان أبو الأسود: ص250.

أخٌ لكَ يعطيكَ الجزيلَ وناصرُ

وان احقَ الناسِ إن كنتَ حامداً *** بحمدكَ مَن أعطاكَ والوجهُ وافرُ(1)

وحضر مع علي(علیه السلام) حرب صفين، وقدم بعد الجمل.

وقال لعلي(علیه السلام): أما والله لو شهدتك ما قاتلك أزدي.

وقال المدائني: كان لأبي الأسود صديق يقال له الحارث بن خليد وكان في شرف العطاء لأبي الأسود قال: ما يمنعك من طلب الديون فانّ فيه غنىً وخيراً؟ فقال له أبو الأسود: أغناني الله عنه بالقناعة والتحمّل.

فقال: كلاّ ولكنّك تتركه اقامةً على محبّة ابن أبي طالب وبغض هؤلاء القوم.

أنه سمع رجلا يقول من يعشي الجائع ودعاه وعشاه فلما ذهب السائل ليخرج، قال له: هيهات إنما أطعمتك على ألا تؤذي المسلمين الليلة ووضع رجله في الأدهم حتى أصبح(2).

وهاجر إلى البصرة في عهد عمر ابن الخطاب وسكن بها وبنى مسجدا باسمه ومنها انه كان له دار بالبصرة وله جار يتأذى منه في كل وقت، فباع الدار فقيل له بعت دارك.

فقال: بل بعت جاري.ومنها انه كان يخرج إلى السوق ويجر رجليه لإصابة الفالج، وكان موسراً ذا عبيد وأبناء فقيل له قد أغناك الله تعالى في السعي في حاجتك فأجلس في بيتك.

ص: 60


1- ديوان أبو الأسود: ص59.
2- جمع الجواهر: ص206.

فقال: لو جلست في البيت لبالت علي الشاة(1).

ونسب إلى السيد علي خان في أنوار الربيع في ذكر أمثال الحكمة منها قول أبي الأسود لأبنه بعد أن قال له:

(يا بني اذا كنت في قوم فحدثهم على قدر سنك، وفاوضهم على قدر محلك، ولا تتكلمن بكلام من هو فوقك فيستثقلوك، ولا تنحط إلى من دونك فيحتقروك، فإذا وسع الله عليك فابسط وإذا مسك عليك فأمسك، ولا تجاود الله فان الله أجود منك، واعلم انه لا شيء كالاقتصاد، ولا معيشة كالتوسط، ولا عز كالعلم، إن الملوك حكام الناس، والحكماء حكام الملوك) ثم انشأ يقول:

العيش لا عيش إلا ما اقتصدتَ فإن *** تصرفْ وتبذرْ لقيتَ الضُرَّ والعَطَبا

والعلمُ زينٌ وتشريفٌ لصاحبِه *** فاطلبْ هُدِيتَ فنونَ العلمِ والأدبا

لا خير في من له أصلٌ بلا أدبٍ *** حتى يكونَ على ما زانَه حَدِبا

كم من حسيبٍ اخي عينٍ وطمطمةٍ

ص: 61


1- الكنى والألقاب: ص9.

فدُمْ لدى القومِ معروقاً اذا انتسبا

في بيتِ مكرُمَةٍ اباؤه نُجُبٌ *** كانوا رؤوساً فامسى بعدَهم ذنبا

و خاملٍ مُقرفِ الآباءِ ذي أدبٍ *** نال المعالي بلادأب والرتبا

اضحى عزيزاً عظيمَ الشانِ مشتهراً *** في خدِّه صعر قد ظلّ محتجبا

العلمُ كنزٌ و ذخرُ لا نفادَ له *** نِعمَ القرينُ اذا ما صاحبٌ صَحِبا

قد يجمعُ المالَ ثم يُسلَبُه ***

ج

عما قليل فيلقي الذلَّ والحَربَا

ص: 62

وجامعُ العلمِ مغبوطٌ بهِ أبداً *** ولا يحاذرُ منه الفوتَ والسَلَبا

يا جامعَ العلمِ نعمَ الذخرُ تجمعُه *** لا تعدِلنَّ به دُرّاً ولا ذهبا(1)

ومنها انه قال له رجل: أنك ظرف علم، ووعاء حلم، غير انك بخيل.

قال: لاخير في ظرف لا يمسك ما فيه، وقال أبو الأسود: امساكك ما في يدك، خير من طلبك ما بيدي غيرك وانشد يقول:

يلومنني في البخلِ جهلاً وضلةً *** ولَلبخلُ خيرُ من سؤالِ بخيلِ(2)

ومنها انه قيل له: هل شهد معاوية بدراً.

فقال : نعم ولكن من ذاك الجانب.

ومنها أنه اشترى حصانا بتسعة دنانير، واجتاز به على رجل أعور، فقال: بكم اشتريته؟

ص: 63


1- ديوان أبو الأسود: ص384.
2- العقد الفريد: ج6، ص296.

قال: قيمته اربعة دنانير ونصف

فقال: معذور انت لأنك نظرت بعين واحدة،فقومته بنصف قيمته ولو نظرته بالعين الأخرى لو كانت صحيحة لقومته ببقية القيمة ومضى الى داره.

وروي انه دخل أبو الأسود على معاوية فقال له: أصبحت جميلا يا أباالأسود، و علقت تميمة تدفع عنك العين.

فقال: أبو الأسود وعرف أنه يهزأ به:

أفنى الشبابَ الذي فارقتُ بهجتَه *** كرُّ الجديدينِ مِن آتٍ ومنطلقِ

لم يتركا ليَ في طولِ أختلافهما *** شيئاً أخافُ عليه لذعةَ الحَدَقِ

قد كنتُ أرتاعُ للبيضاءِ أنظرُها *** في شَعرِ رأسي وقد أيقنتُ بالبَلَقِ

والآنَ حينَ خضبتُ الرأسَ فارقني *** ما كنت ألتذّ من عَيشي ومن خلقي(1)

ص: 64


1- نور القبس: ص10.

وقال أيام حرب الجمل يخاطب عثمان أبن حنيف:

يابن حنيف قد أتيت فأنفرِ *** وطاعنِ القومَ وجالدْ واصبرِ

وابرزْ لها مستلئما وشمرِ(1)

ومن أشعاره في الحكم :

المرءُ يسعى ثم يُدرِكُ مجدَه *** حتى يزينَ بالذي لم يَفعَلِ

وترى الشقيَّ اذا تكاملَ غيُّه *** يُرمى ويُقذفُ بالذي لم يَعمَلِ(2)

ص: 65


1- تاريخ الطبري: ج4، ص463.
2- حياة الحيوان للجاحظ: ص50.

وخلّف أبو الأسود من الأولاد: عطا وحرب أو أبا حرب وابنتين، وقال لولده وأهل بيته:

لا يصلح الناس فوضى لا سُراةَ لهم *** ولا سُراة اذا جهّالُهم سادوا

والبيتُ لا يبتنى إلا له عَمَدٌ *** ولا عمادَ اذا لم تدس أوتادُ

فان تجمع أوتاد وأعمدة *** لمعشر بلغوا الامر الذي كادوا

وكان لأحد أولاده صديق من باهله، فكان أبو حرب بن أبي الأسود يكثر زيارته وغشيانه، فقال له أبو الأسود في ذلك:

احبب اذا أحببتَ حبّاً مقارباً *** فانك لا تدري متى أنتَ نازعُ

ص: 66

وأبغض اذا أبغضت بغضاً مقارباً *** فانّك لا تدري متى أنتَ راجعُ

وكن معدناً للحكم واصفحْ عن الأذى *** فانّك راءٍ ما علمتَ وسامعُ(1)

ومنها اشترى أبو الأسود أمة للخدمة، فجعلت تتعرض منه للنكاح وتتطيب، وتشتمل ثوبها فدعاها أبو الأسود فقال لها: اشتريتك للعمل والخدمة ولم اشترك للنكاح فقال فيها:

اصلاحُ إني لا أريدُكِ للصِبا *** فدعي التشمّلَ حولَنا وتبذّلي

إني أريدُكِ للعجينِ وللرَّحا *** ولحملِ قربتِنا وغلي المرجلِ

واذا تروّح ضيفُ اهلِكِ أو غدا

ص: 67


1- الأغاني: ج12، ص318.

فخذي لآخرَ أهبةَ المستقبلِ(1)

واضع علم النحو

هو أول من وضع قواعد النحو بأمر من أمير المؤمنين(علیه السلام) قال أبن خلّكان: كان يعلّم أولاد زياد بن أبيه، فجاءه يوماً وقال له: أصلح الله الأمير إننّي أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيّرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقيمون به كلامهم؟

فقال: لا.

فجاء رجل إلى زياد وقال: أصلح الله الأمير توفى أبانا وترك بنون، فقال زياد: أدعو لي أبا الأسود، فلما حضر قال: ضع للناس الذي نهيتك عنه(2).

وفي الأغاني: أن أبا الاأسود دخل على ابنته بالبصرة فقالت: يا أبتي ما أشد الحر، فرفعت كلمة ((أشد)) فظنها تسأله وتستفهم منه أي زمان الحر أشد؟ فقال: شهر ناجر، فقالت: ياأبتي أخبرتك ولم أسألك(3).

ص: 68


1- الأغاني: ج12، ص331.
2- انباء الرواة: ص5.
3- الأغاني: ج11 ص119.

وذكر آية الله السيد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة قال: ركن الدين علي بن أبي بكر الحديثي في كتاب الركني: إنّ أول من وضع النحو أبو الأسود، أخذه من علي(علیه السلام)، وسببه انّ امرأة دخلت على معاوية في زمن عثمان وقالت: أبوي مات وترك مالاً، فاستقبح معاوية ذلك، فبلغ علياً(علیه السلام)، فرسم لأبي الأسود فوضع أولاً باب الاضافة(1).

وقيل: أوّل ما وضع باب الفاعل والمفعول(2).وقال ابن الانباري: وروي انّ سبب وضع علي(علیه السلام) لهذا العلم أنّه سمع قارئاً يقرأ: لا يأكله إلاّ الخاطئين، فوضع النحو(3).

ويستنتج من هذه النصوص وغيرها انّ شيوع اللحن والخطأ في الكلام العربي، بما في ذلك الآيات القرانية، والأحاديث الشريفة على لسان أبناء الأمة آنذاك، كان يهدّد الشريعة والتراث الاسلامي، وهذا هو السبب الذي جعل علياً(علیه السلام) يدعو أبا الأسود الى وضع علم النحو.

وبما أنّه(علیه السلام) هو الإمام والحافظ للدين، لأنه خليفة المسلمين، وحفاظاً _ كماذكرنا__ على القرآن المجيد والأحاديث الشريفة من اللحن وعدم فهم خلاف المراد، خصوصاً بعد أن وجد اللحن شايعاً على ألسنة الناس حدا بمولانا أمير المؤمنين(علیه السلام) لأن يضع أُسس علم النحو ويجعل من أبي الأسود القناة الى نشر تلكم الأسس.

وأما سبب اختياره أبا الأسود فلكثرة ذكائه، وتضلّعه في اللغة، وقد ألقى الامام على عاتقه هذه المهمّة بعد أن مهّد له الطريق، ووضع له أهم قواعد هذا

ص: 69


1- تأسيس الشيعة: ص48.
2- طبقات النحويين: ص15، الفهرست: ص60.
3- نزهة الالباء: ص3.

العلم، ليسير على الدرب الذي أعدّه له، فقام __ رضوان الله تعالى عليه ___ بهذه المهمّة أحسن القيام، وواصل البحث وزاد بعض الأبواب النحوية.

وعن ابن أبي جمهور الاحسائي في كتاب المجلى: أمّا علم النحو فهو أوّل من وضعه أبو الأسود الدؤلي، فانّ أبا الأسود سمع رجلاً يقرأ: انّ الله بريء من المشركين ورسولهِ، فأنكر ذلك وقال: نعوذ بالله من الخور بعد الكور: أي من النقصان في الإيمان بعد زيادته، فراجع علياً(علیه السلام) في ذلك، فقال له علي(علیه السلام): انح للناس ما يقوِّمون به ألسنتهم، وارشده الى ذلك وعلّمه ايّاه، وقال: الكلام كله يدورعلى اسم وفعل وحرف، وبيّن له وجوه الاعراب بقوله: الرفع للفاعل، والنصب للمفعول، والجر للمضاف إليه(1). إذاً السبب الرئيس هو شيوع اللحن وانتشاره بين المسلمين، ولّما رأى أبو الأسود ذلك وأحسّ بالخطورة به بالنسبة الى الأحاديث والقرآن، بل اللغة العربية على نحو الأطلاق، وهذا ممّا يؤلمه و يجعله يحسّ بالمسؤولية العظمى تجاهه.

ولذا كان ينقل بين آونة وأُخرى بع_ض الموارد من اللحن إلى الامام علي(علیه السلام)، فالأمام _ كما ذكرنا _ بأنّه الخليفة والحافظ للشريعة قام بوضع قانون يكون سبباً للتخلّص من اللحن.

وأمّا الاختلاف في الواضع فقد نسب البعض الى أبي الأسود بأنه هو الذي وضع النحو كما يظهر من بعض الروايات، ويظهر من بعضها الآخر بأنّ الواضع ولو كان هو ولكن كان بتوجيه من الامام أمير المؤمنين(علیه السلام)، وفي ثالث بأنّ الذي وض_ع ح_جر الأساس لعلم النحوهو الامام أمير المؤمنين(علیه السلام).

وأمّا الإشكال من جهة الاختلاف الوارد في المضمون ففيه: انّ هذه الروايات ليست كالروايات الواردة في الأحكام الشرعية، بحيث كان الرواة يدققون في

ص: 70


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص57.

نقلها، ومع هذا التدقيق وعدم الاهمال نرى وقوع الاختلاف فيها، وانّ الاختلاف الجزئي هنا لا يضرّ مع الاتفاق في جوهر المعنى.

يقول عبد الرحمن بن السيد: وهذه الروايات تكاد تجمع أيضاً على أنّ أبا الأسود وضع النحو بارشاد من علي (رضي الله عنه) وبعضها يروي ذلك على لسان أبي الأسود، وقلّة منها تجعل أبا الأسود هو المبتكر لهذا العلمومبدعه(1)ونحن

حينما ننظر الى الروايات نرى انّ أكثرها يشيرالى أن الواضع هو أمير المؤمنين(علیه السلام) .

وفي بعضها ورد بأنّ أبا الأسود هو الذي وضع النحو، ولكن في بعضها الآخر ورد ان أبا الأسود هو الذي أشار على علي(علیه السلام) بوضع قواعد تمنع اللحن، وهذا يكون شاهداً مع الجمع بين الروايات، على ان الروايات التي ذكرت بأنّ الواضع هو أبو الأسود أيضاً قالت بأمر من الإمام علي(علیه السلام).

ولعلّ _ الروايات التي دلّت على أنّه هو الواضع _ بظاهرها أنّه حينما أخذ من علي(علیه السلام) أخفاه، كما ذكر كثير من المؤرخين أنّه حينما أخذ العلم من الإمام(علیه السلام)، أو وضعه بأمره لم يخرجه إلى أحد(2).

اذاً الحقّ ان الواضع هو(علیه السلام)، لأنّ هذا الابتكار نوع إلهام، فلا يتمكن منه إلا نبيّ أو وصي نبيّ.قال ابن أبي الحديد: وهذا يكاد يلحق بالمعجزات، لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط، ثم يقول __ قبل هذه الجملة __ : وقد علم الناس كافة انّه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله .... الخ(3).

ص: 71


1- مجلة الأقلام: السنة الرابعة/العدد6 ص104.
2- المصدر السابق.
3- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص54.

وقال أبو حاتم __ أحمد بن حمدان الرازي الامامي المعاصر لعلي بن بابويه __ في كتابه في الردّ على كتاب محمد بن زكريا الطبيب في الألحاد وابطال النبوّات والشرائع، بعد ايراد كلام طويل على الملحد المذكور:إنّ اللغات أصلها من الأنبياء(علیهم السلام) كما ذكرنا، فلمّا ختمت النبوّة ختمت اللغات، كما ختم سائر هذه الأسباب التي هي من أصول الأنبياء والحكماء بوحي من الله عزوجل، ولم يبق في العالم غير رسومهم، أو ما استخرج من رسومهم وبني على أصولهم، ووجدنا من الرسوم المحدثة التي تشاكل حكمة الحكماء ما أحدث في هذه الأمة، فاستخرج من اللغة العربية، وهو النحو والعروض، وهما معياران لكلام العرب، وأخذ أهلها من حكماء الأمة وأئمة الهدى، لأنّ النحو رسمه أمير المؤمنين(علیه السلام) لأبي الأسود الدؤلي.

وكان أمير المؤمنين(علیه السلام) حكيم دهره، بل رأس الحكماء بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) في هذه الأمة، والهمه الله استخراج ذلك ولم يكن نبياً، بل كان مودعاً وسبيل المودعين والمحدثين في هذه الأُمة سبيل الانبياء في سائر الامم، وحكمتهم مستفادة من محمد(صلی الله علیه و آله)، وكان علي(علیه السلام) مختصاً بذلك من بين الأمة، أودعه النبي(صلی الله علیه و آله) أسراراً، فضّله بها على غيره، فعلمها هو المستحق من الأُمّة فمنها ما أختص به قوماً وسترها عن العامّة، ومنها ما بذ له للخاصّة والعامّة.

والنحو شيء يشاكل حكمة الحكماء وان لم يكن من أسباب الديانة، وهو صلوات الله عليه استخرجه من لغة العرب، ورسمه لأبي الأسود الدؤلي، فأخذه عنه وقاس عليه، ثمّ أخذ عنه الناس فاتسعوا في القياس فيه، وكذلك العروض فأخذ أصله الخليل(1)

بن أحمد، عن رجل من أصحاب علي بن

ص: 72


1- قال المولى عبد الله الأفندي الأصبهاني في رياض العلماء: كان الخليل على ما قاله الأصحاب من أصحاب الامام الصادق(علیه السلام)، ويروي عنه(علیه السلام)، وهو جليل القدر، عظيم الشأن، أفضل الناس في علم الأدب، وكان امامي المذهب، واليه ينسب علم العروض، والدليل على تشيّعه قوله _ في تقدم علي(علیه السلام) في الإمامة _ ( استغناؤه عن الكلّ، واحتياج الكلّ إليه دليل على انه إمام الكلّ) وسأله أبو زيد الأنصاري لم هجر الناس علياً وقربه من رسول الله قربه وموضعه من الاسلام موضعه وعناؤه في الاسلام غناؤه، فقال الخليل: (بهروا لله أنواراهم وغلبهم على صف كل منهل والناس على أشكالهم أميل).

الحسين بن علي بنأبي طالب(علیهم السلام)، وكان أيضا حكيم دهره وامام زمانه، ثمّ قاس عليه الخليل بن أحمد وأخرجه الى الناس، وهذان الأصلان أحدثا في هذه الأُمّة، وهما من حكماء الديانة وأئمة الهدى، وهكذا سبيل كلّ حكمة في العالم __ صغرت أم كبرت __ أصلها من الانبياء، وهم ورثوها الحكماء والعلماء من بعدهم، ثمّ صار ذلك تعليماً في الناس، وكذلك سبيل اللغات(1).

مشكّل القرآن

وهو أول من شكَّل القرآن بصورته البدائية : أي ابتكر طريقة في تحريك المصحف الشريف ، وهي بمنزلة الإعراب ، وهذا أيضاً يكون بتعليم الإمام له.

ص: 73


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص59.

وورد أنه كان من أشهر ما أثر عن أبي الأسود أنه أول من لفظ المصاحف(1) ويروي المؤرخون أنه أحضر إليه ثلاثون رجلاً لمعاونته على هذه المهمة فاختار منهم عشرة ثم لم يزل يختار منهم حتى اختار رجلاً من عبد قيس فقال خذ المصحف وصفاً يخالف لون المراد فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف وإذا أضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف وإذا كسرتهما بهما فاجعل النقطة في أسفله فان اتبعت شيئاً من هذه الحركات غُنة فأنقط نقطتين فابتدأ بالمصحف حتى أتى عن آخره ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك(2).

يقول أبو عبيدة :كان أبو الأسود لا يخرج شيئا مما أخذه من تعليم الإمام علي بن أبي طالب له إلى احد، حتى بعث عليه زياد وقال: اعمل شيئا لتكون إماما ينتفع به الناس وتعرب به كتاب الله ، غير ان أبا الأسود رفض، فاستعفاه من ذلك حتى سمع قارئا يقرأ: « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِ_هِ » بالكسرة، فقال: ما ظننت ان أمر المسلمين يصل إلى هذا، فرجع إلى زياد فقال: افعل ما أمر به الأمير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول ، فأتى بكاتب من عبد قيس فلم يرضه، فآتي بأخر فقال أبو العباس المبرد: احسبه منهم، فقال له أبو الأسود: اذا رأيتني فتحت فمي بالحرف فأنقط نقطه من بين يدي الحرف ، وان كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف ، فهذه نقط أبي الأسود.

إلى هنا انتهى ما ذكره صاحب تأسيس الشيعة عن أبي الأسود(3).

ولكن في بغية الوعاة للسيوطي ورد بعد قوله : (تحت الحرف) فان اتبعت شيئا من ذلك غنة ، فاجعل مكان النقطة نقطتين ، فهذه نقط أبي الأسود(4).

ص: 74


1- بغية الوعاء ص274، حكمة الأشراف ص81.
2- أخبار النحويين: ص10، الفهرست ص60.
3- تاسيس الشيعة: ص42.
4- بغية الوعاة للسيوطي: ص374.

وقال الشيخ أبو الحسن سلامة بن عياض بن احمد الشامي __ النحوي المعروف في كتاب المصباح __: لما رسم علي بن ابي طالب(علیه السلام) لأبي الاسود حروفاً _____ يعلمها الناس حين فسدت ألسنتهم بمعاشرة الأعاجم _____ كان أبو الأسود لا يحب ان يظهر ذلك بخلا به على أهل زمانه ،ولم يزل يدافع عن إظهاره حتى سمع قارئا يقرأ: «أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِ_هِ» بكسر اللام، فقال : ( لا يحل لي بعد ذلك ان اترك الناس) .

فاستدعى كاتبا مجيدا وقال: إذا رأيتني قد ضممت فمي بحرف فأنقط نقطة بين يدي الحرف، وإذا رأيتني قد فتحت فمي فأنقطه نقطة في أعلاه، وإذا رأيتني قد كسرت فاجعل النقط تحت الحرف، فإذا اتبعت غُنّة فاجعل النقطة نقطتين ، فافعل.

فكان الشكل حينئذ نقطاً، ثم لطفت الصناعة لطفاً ورقت حاشيته تهذيباً حسناً وظرفاً، فاشتق للضمة من نقطها اذا أشبعها في الشكل واواً لطيفة، والفتحة ألفاً صغيرة، و للكسرة مثلها من تحت، فرقاً لاشتراك الجر والنصب في أشياء.

فإذا خلا الحرف من الضم والفتح والكسر علّموه بأحد شيئين، إما بخاء ومعناه: انّ الحرف المسكن أخف من الحرف المتحرك، وأما برأس ميم ويظنها الجاهل هاء ومعناه: ان الحرف مسكن فلا تحرّكه وعلامة التشديد ثلاث سَنايات ومعناها: شدّ معان الحرف شديداً، لأن كل حرف مشدّد من حرفين: الأول ساكن، والآخر متحرك، وتجد صحة ذلك من ذوقك، تعمد نحو ربّ تجد بعد الراء باءين: الأولى ساكنة يقف عليها فمك وتطبق بشفتك، والثانية متحركة بالفتح، ولذلك قلت: هو تشديد فتح. فان قلت: رب بضم الباء كانت تشديد ضم وكذلك قياس كل حرف مشدّد فاعرفه.

ص: 75

وعلامة المد خطتها مده، ومعناه: مّد هذا الحرف، ويقع لكلّ ألف بعدها همزة نحو السماء والكساء كما يقع لكل ألف بعدها حرف مشدّد نحو الحاقّة و الطّامّة وما أشبه ذلك.

وعلامة الصلة هكذا (صل) ومعناه: صل هذا الحرف، ويقع لكل ألف ثبتت خطاً ولا تثبت لفظاً في درج الكلام، نحو جاء الغلام، ويا امرأة زيد واستخرجت استخراجاً وما أشبه ذلك.

وعلامة الهمزة عين صغيرة، ولأنها أقرب الحروف مخرجاً إلى العين من سائرها، فجعل صورة الهمزة في نفسها كصورة العين فان كانت مضمومة كتبتها عيناً صغيرة وفوقها واو لطيفة، وان كانت مفتوحة كتبتها عيناً صغيرة فوقها ألف لطيفة، وان كانت مكسورة كتبتها عيناً تحتها ألف صغيرة، وان كانت ساكنة كتبتها عيناً صغيرة فوقها، أما الخاء و رأس الميم اللذان تقدم ذكرهما، فاعرف ذلك، فان لحق المضموم أو المفتوح أو المكسور تنوين __ وهو الذي سماه أبو الأسود غُنة __ جعلت الشكلة شكلتين: الأولى: علامة للضمة أو الفتحة أو الكسرة، والثانية: علامة للتنوين وجميع الشكل بين يدي الحرف أو فوقه،إلا الكسر وتنوينه، فانهما تحت الحرف، وهذا الأصل كاف لمعرفة الشكل وتعليله. واستدل على كثير الشيء بقليله، وهذه الصناعة مخصوصة بضنة أهلها بها طمعاً قديماً وحديثاً، إلا ترى إلى أبي الأسود وما حكي عنه __ أعني ما سبق آنفاً __ انتهى(1).

وأخرج ابن الانباري عن طريق العتبي، قال: كتب معاوية إلى زياد يطلب عبيد الله فلما قدم عليه كلمه فوجده يلحن، فرده الى أبيه، وكتب إليه كتاباً يلومه فيه، ويقول: أمثل عبيد الله يضيع؟!

ص: 76


1- نقله عنه في تاسيس الشيعة: ص51-53.

فبعث زياد الى أبي الأسود فقال: يا أبا الأسود إن هذه الحمراء __ وأراد بها العجم لغلبة الحمرة على ألوانهم __ قد أفسدت ألسن العرب، فلو وضعت شيئاً يصلح به الناس كلامهم ويعرض به كتاب الله، فأبى ذلك أبو الأسود، فوجه زياد رجلاً.

فقال له: اقعد في طريق أبي الأسود ،فاذا مر بك فاقرأ شيئا من القرآن وتعمد اللحن فيه ففعل ذلك، فلما مر به أبو الأسود رف_ع صوته يق_رأ: «أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ»فاستعظم ذلك أب_و الأسود

فقال: عز وجه الله ان يتبرأ من رسوله، ثم رجع من فوره الى زياد.

فقال: قد جئتك الى ما سألت، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعث الى ثلاثين رجلا، فأحضرهم زياد فاختار أبو الأسود عشرة، ثم لم يزل يختارهم حتى اختار منهم رجلا من عبد قيس، فقال: خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد، فاذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف، واذا ضممتها فاجعل النقطة الى جانب الحرف، فإذا كسرتها فاجعل النقطة في أسفل الحرف، فان اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فأنقط نقطتين، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك(1).

يقول السيد محسن الأمين (قدس سرّه):

(بان جزءاً من القرآن منسوب الى خط أمير المؤمنين(علیه السلام) من أول سورة هود إلى آخر سورة الكهف، بشكل ما يسميه الفرس بياضاً(2)،

أي إن أسفل كراريسه من جهة العرض لا من جهة الطول، وكذا باقي المصحف الذي رأيناه في خزانة المكتبة الرضوية الشريفة في 1(صلی الله علیه و آله) ربيع الثاني سنة 1353ه_ وذلك عندما تشرفنا بزيارة مشهد مولانا الإمام الرضا(علیه السلام) مكتوب على الجلد الرقيق الذي لا

ص: 77


1- نزهة الألباء: ص9 ، روضات الجنات: ج4، ص167.
2- رأيت النسخة بخطه (علیه السلام) في الخزانة للإمام الرضا.

يفترق كثيراًعن الكاغذ، وبخط كوفي غير منقط، وعليه نقط بالحمرة مدورة هي علامات على الشكل، والظاهر تأخرها عن كتابته، فللكسرة نقطة تحت الحرف، وللفتحة نقطة فوقه، وللضمة نقطة أمامه، واذا كان في وسط الكلمة توضع النقط بجانبه، وللتنوين نقطتان من فوق للمنصوب و من تحت للمخفوض وأمامه للمرفوع، أما الحرف الساكن فليس عليه علامة، فقد كانت المصاحف أولاً غير منقطة، لا للاعجام ولا للشكل).

وقد اختلف في اول من نقط المصحف و شكّله فالمشهور انه أبو الأسود الدؤلي.

نص على ذلك جملة من المؤرخين و المؤلفين في التراجم وشاهداً على ذلك نذكر ما يلي :

1- قال ابن النديم وقد اختلف الناس في السبب الذي دعا أبا الأسود الى ما رسمه من النحو.

فقال أبو عبيدة أخذ النحو عن علي بن أبي طالب(علیه السلام) أبو الأسود وكان لايخرج شيئا حتى الى علي (كرم الله وجهه) ولا الى أحد، حتى بعث إليه زياد أن اعمل شيئا يكون للناس إماما ويعرف به كتاب الله فاستعفاه من ذلك حتى سمع أبو الأسود أحداً يقرأ « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِ_هِ » بالكسر فقال ما ظننت أن أمر الناس يصل الى هذا، فرجع الى زياد فقال أفعل ما أمر به الأمير فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما اقول فأوتي بكاتب من عبد قيس فلم يرضه، فأوتي بأخر فقال أبو العباس المبرد أحسبه منهم فقال أبو الأسود إذا رأيتني فتحت فمي بالحرف فأنقط فوقه على أعلاه، وأن ضممت فمي فأنقط نقطة بين يدي الحرف وأن كسرت فاجعل النقطة من تحت الحرف فهذه نقط أبي الأسود، وذكر المرزباني وجها آخر أيضا وهو أن أبا الأسود مر بكلاء البصرة وإذا بقارئ يقرأ « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِ_هِ ».....

ص: 78

وفي رواية اخرى انه سمع رجلاً(1)

قال سقطت عصاتي فقال لا يحل بعد هذا أن اترك الناس فجاء الى زياد ........الخ((2).

(صلی الله علیه و آله)- وقال السيوطي : اختلف في نقط المصحف وشكله، ويقال أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الملك بن مروان، وقيل الحسن البصري،

وقيل يحيى بن يعمر، وقيل نصر بن عاصم. وأول من وضع الهمزة والتشديد والروْم والإشمام الخليل.

3- وقال أبو هلال العسكري: أبو الأسود أول من نقط المصحف .

4- الدكتور جواد علي الطاهر يقول: أغلب روايات أهل الأخبار أن الخط العربي الأول لم يكن مشكلا، وأن الشكل إنما وجد في الأسلام وكان موجده أبو الأسود الدؤلي فاستعمل النقط بدل الحركات ثم أبدل الخليل بن احمد الفراهيدي النقط برموز أخرى .

5- وقال الحموي: والأكثر على أنه أي أبا الأسود أول من وضع العربية ونقط المصحف.

6- ومثله ما في الأصابة: عن المبرد قال أول من وضع العربية ونقط المصاحف أبو الأسود ، وقد سئل أبو الأسود عمن نهج له الطريق فقال تلقيته عن علي بن أبي طالب(علیه السلام) الى غير ذلك مماهو مذكور في تراجمه في ثنايا العديد من الكتب، فمن أراد المزيد فليراجعها.اذن فتشكيل القرآن وإعرابه بواسطة النقط من وضع العالم الجليل أبي الأسود الدؤلي(رحمة الله)(3).

ص: 79


1- لأبن النديم: ص66 من أسماء النحويين وكتبهم. (2) لأبن النديم: ص159 من أسماء النحويين وكتبهم.
2-
3- بحوث في تاريخ القرآن/سيد محمد زرندي: ص158، نقلا عن نور القبس المختصر من المقتبس: ص4، الاتقان: ج2، ص171 وغيرها من المصادر فراجع.

وأما نقط الكتاب بمعنى إزالة اللبس الحاصل بين الحروف المتشابه بواسطة النقط ،فهذا مما وضعه تلميذ أبي الأسود يحيى بن يعمر أو تلميذه الأخر نصر بن عاصم ويدل على ذلك ما ذكره الدكتور جواد علي حيث قال الذي عليه الجمهور ان الاعجام كان من عمل نصر بن عاصم فلما كثر الخطأ في قراءة القرآن بسبب عدم تمييزهم بين الحروف المتشابهة وتفشي وباء الجهل بعدم التمييز في القراءة بين المتشاكلة فزع الحجاج الى كُتّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الأحرف المتشابهة علامات تميز بعضها من بعض.

فيقال إن نصر بن عاصم وضع النقط أفرادا و أزواجا ثم قال إن نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر كانا ممن اخذ العلم عن أبي الأسود الدؤلي، نقطا الاعجام بنفس المداد الذي كان يكتب به الكلام حتى لايختلط بنقط أستاذهما أبي الأسود ، والمعروف أن أبا الأسود كان ينقط القرآن بلون غير لون الخط ___ كما قال جرجي زيدان ___ ، وأضاف: وقد شاهدنا في دار الكتب المصرية مصحفا كوفيا منقطا على هذه الكيفية وجدوه في جامع عمر بجوار القاهرة. وهو من أقدم مصاحف العالم مكتوبا على رقوق كبيرة بمداد أسود وفيه نقط حمراء اللون .

7- نصر ابن عاصم الليثي: هو أحد قراء البصرة أخذ عن أبي الأسود الدؤلي ويحيى ابن يعمر(1).

يقول بعض المحققين: و لا تستغرب إهمال أكثر المصنفين في الأدب و اللغة والنحو والشعر وغيرها ذكر هؤلاء الأعلام في هذه العلوم، وذلك لتشيعهمواعتزازهم بمحمد وآله الطاهرين(صلوات الله عليهم أجمعين) وتبريهم من الخلفاء الجائرين من بني تيم وعدي و أمية وحرب ،و مروان وبني العباس وأذنابهم الذين عادوا علياً أمير المؤمنين وأولاده المعصومين(علیهم السلام)و أصروا على إخماد نورهم، ومحو أثارهم، و إنساء ذكرهم، وسد أبواب علومهم وفضائلهم،

ص: 80


1- بحوث في تاريخ القرآن/سيد محمد زرندي: ص160-162.

بقتل شيعتم وتعذيبهم ، وتخريب جوامعهم و مدارسهم وحرق كتبهم، حتى أنهم وضعوا مدرسة البصرة للنحو وعلوم الآداب وجعلوا الرواتب والأجور والجوائز والعطايا للعثمانيين وأصحاب الجمل وأعداء أهل البيت(علیهم السلام)إحياء لهم، وتخريبا للكوفة وإبادة لأهلها، وسد الباب الذي فتحه الله تعالى بيد رسوله(صلی الله علیه و آله) وأطفاءاً لنور الله بأفواههم وقد اشتد ذلك في عصر الحجاج الثقفي أشد الناس عداوة لآل محمد(علیهم السلام) وشيعتهم، ولكن الله تعالى أبى إلا أن يتم نوره «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون»(1) فهاجر ومعه من علّم أمير المؤمنين(علیه السلام) من فنون النحو والأدب وأسس قواعده المخلص في ولائه أبو الأسود الدؤلي قصدا أو هربا للظروف السياسية القاهرة الى البصرة، ونصب لواء الأدب الذي ورثه فيها إذ لايختص بصقع أو ناحية، فتبعه غيره.

وفي الأغاني أخبرني عيسى بن الحسين قال حدثنا معاذ بن إسحاق عن أبيه عن المدائني قال:أمر زياد أبا الأسود الدؤلي ان تلفظ المصاحف فنقطها ورسم من النحو رسوماً، ثم جاء بعده ميمون الأقران فزاد عليه في حدود العربية، ثم زاد فيها بعده عبسة بن معدان المهدي، ثم جاء عبد الله بن ابي إسحاق الخضرمي وأبو عمرو بن العلاء ثم جاء الخليل بن أحمد الاسدي وكان صليبيا فلحب الطريق، ثمعلي بن الحمزة الكسائي مولى ابن كاهل الذي أسس مرسماً للكوفيين هم الآن يعملون عليه(2).

وبعد ان نقط القرآن وأعربه جعل الخليل بن أحمد الفراهيدي أعلاه شدّة ومدّة ، وهمزة وسكون والوصل، ونسب البعض الشدة لأبي حاتم السجستاني النحوي.

ص: 81


1- سورة الصف:8.
2- الأغاني: ج12، ص 298.

ثم يذكر السيد الأمين أنه توجد نسخة أخرى من القرآن الكريم منسوبة الى الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) وهي كالجزء السابق بجميع مميزاته ونقط قليلة خضر من تحت وفوق، وأقل منها زرق غير نقط الشكل الحمر لم نتحقق المراد منها وفي آخره في سطران هكذا.

كتبه علي

بن أبي طالب(1)

العلماء الذين نسبوا هذا العلم الى علي(علیه السلام)

1. العلامة السيد حسن الص_در في كتابه تأسيس الشيعة، قال: ( ركن الدين .......الخ: ان أول من وضع النحو أبو الأسود) (2)،

وقد مر ذكره.1. ابن الانباري: (ان الروايات كلها تسند وضع النحو إلى أبي الأسود، و أبو الأسود يسنده إلى علي (علیه السلام))(3).

ص: 82


1- أعيان الشيعة: ج1، ص90.
2- تأسيس الشيعة: ص48.
3- نزهة الالباء: ص6.

2. ابن قتيبة الدينوري ق_ال: (أبو الأسود الدؤلي يعد في النحويين، لأنه أول من عمل كتاباً في النحو بعد علي بن أبي طالب(علیه السلام))(1).

3. قال ابن قتيبة في كتاب المعارف: وقال ابن جني: في الخصائص في باب صدقة النفلة: (أولاً: تعلم ان أمير المؤمنين(علیه السلام) هو البادئ به، المنبه عليه، والمنشيه والمشير إليه، ثم تحقق ابن عباس به).

4. السيوطي في المزهر(2).

5. أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي __ المتوفى سنة 351ه_ __ حيث يقول في كتابه مراتب النحويين: (ثم أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي) (3).

أبو علي القالي قال: حدثنا أبو إسحاق الزجاج قال: حدثنا أبو العباس المبرد قال: (أول من وضع العربية ونقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وقد1. سئل أبو الأسود عمن نهج الطريق له فقال: تلقيت من علي ابن أبي طالب(علیه السلام))(4).

2. الحافظ في الإصابة في ترجمة أبي الأسود(5).

3. الراغب في المحاضرات عند ذكره أبا الأسود:( وهو أول من نقط المصحف، وأسس أساس النحو بإرشاد علي (علیه السلام))(6).

ص: 83


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص40، والشعر والشعراء: ص171.
2- المزهر: ص211.
3- مراتب النحويين: ص506
4- تأسيس الشيعة: ص41.
5- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص41.
6- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص41.

4. أبو هلال الحسن عبد الله العسكري __ المتوفى سنة 395 __ في كتاب الأوائل: (أول من وضع النحو علي بن أبي طالب(علیه السلام))(1).

5. يعقوب الحضرمي: حدثنا سعيد بن سالم الباهلي حدثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود قال: دخلت على علي..(2).

6. أسد الغابة: (وكان أبو الأسود من أصحاب علي(علیه السلام) فاستعمله على البصرة، وهو أول من وضع النحو، وله شعر حسن وجواب حاضر وأخباره مشهورة)(3).1. قيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم __ يعنون به النحو __؟ فقال: (لقنت حدوده من علي بن أبي طالب(علیه السلام)، وكان أبو الأسود من القرّاء،قرأ على علي بن أبي طالب)(4).

2. وقال صاحب وفيات الأعيان: هو أول من وضع النحو، وقيل: ان عليا ا(رضی الله عنه)وضع له(5).

3. الواقدي: قال: أسلم في حياة النبي (صلی الله علیه و آله)، قال غيره: قاتل أبو الأسود الدؤلي يوم الجمل مع علي بن أبي طالب(علیه السلام)، وكان من وجوه الشيعة ومن أكملهم عقلاً ورأياً.

ص: 84


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص41.
2- اعلام النبلاء: ص83.
3- أسد الغابة: ج3، ص69.
4- إنباء الرواة: ص15.
5- وفيات الاعيان:ج2، ص313.

وقد أمره علي (رضی الله عنه) بوضع شيء في النحو لما سمع اللحن قال: فأراه أبو الأسود ما وضع.

فقال علي(علیه السلام): ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، فمن ثم سميّ النحو نحواً(1).1. قال محمد بن سالم: أبو الأسود هو أول من وضع باب الفاعل والمفعول والمضاف وحرف الجر والنصب والجزم، فأخذ ذلك عنه يحيى بن يعمر(2).

2. يقول الفخر الرازي: (تطابقت الروايات على أن أول من وضع النحو أبو الأسود، وإنه أخذه من علي(علیه السلام))(3).

3. قال مولى داوود في حاشيته على شرح العوامل لعبد القاهر الجرجاني __ والشرح لبعض الفضلاء والمتأخرين من أهل السنة __ : (إن في شرح المفتاح أول من استنبط علم النحو أمير المؤمنين علي(علیه السلام))(4).

4. وقال الذهبي: قد أمره علي(علیه السلام) بوضع النحو(5).

5. قال الجزري عند ذكر أبي الأسود: (أول من وضع مسائل النحو بإشارة من الإمام علي(علیه السلام) فلما عرضها على علي(علیه السلام) قال: ما أحسن هذا النحو

ص: 85


1- سير أعلام النبلاء: ص82.
2- سير أعلام النبلاء: ص82.
3- نقل عنه في مدرسة البصرة النحوية: ص47.
4- نقله عن تأسيس الشيعة: ص49.
5- قاموس الرجال : ج5، ص171.

الذي نحوت، ومن ثم سمى النحو نحواً(1)

أي أحسن الشيء الذي قصده).

شيوع اللحن

لا يخفى أن سبب وضع علم النحو هو شيوع اللحن، ذلك بواسطة مخالطة العرب لغيرهم، كما ورد في الرواية أيضاً بقوله(علیه السلام): إني تأملت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء __ يعني العجم __ وهذا يكون من الأمور البديهية، وبعد ان اتسعت الفتوحات الإسلامية، فكلما كان الاختلاط أكثر اتسع اللحن أكثر.

وأيضاً ما ورد عن أبي سعد أنه مر بأبي الأسود، وكان رجلاً فارسياً من أهل زند خان، كان قدم البصرة مع جماعة أهله،فدنوا من قدامة بن مظعون وادعوا أنهم اسلموا على يديه، وانهم بذلك من مواليه، فمر سعد هذا بأبي الأسود __ وهو يقود فرسه __ فقال: مالك يا سعد لم لا تركب؟ فقال: إن فرسي ضالعاً، أراد: ضالعٌ، فقال: فضحك منه بعض من حضره، إلى آخر الرواية(2).

وينقل ابن قتيبة: أن رجلاً دخل على زياد فقال: إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا عن ميراثنا من أبانا، فقال زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك((3)، وغيرها من الروايات التي تدّل على شيوع اللحن.

ص: 86


1- الشعر والشعراء للدينوري: ص280.
2- تأسيس الشيعة: ص42-43. (2) نزهة الألباء: ص2.
3-

كيفية تعليمه لأبي الأسود

نحن حينما نطالع الأخبار المروية نرى كيفية تعليم أمير المؤمنين(علیه السلام) لأبي الأسود أسس النحو. ما يدل التواتر عن أن هذا العلم نشأ من فكر علي(علیه السلام) لا من غيره.

قال أبو القاسم الزجاج في أماليه، عن أبي جعفر الطبري، عن أبي حاتم السجستاني، عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن سعيد بن مسلم الباهلي، عن أبيه، عن جده، عن أبي الأسود الدؤلي أنه قال: دخلت على علي بن أبي طالب فرأيته مطرقاً مفكراً فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟

قال: سمعت ببلدكم هذه لحناً، فأردت ان أضع كتاباً في أصول العربية. فقال: ان فعلت هذا أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة، ثم أتيت بعد ثلاث فألقى إلي صحيفة فيها بسم الله الرحمن الرحيم الكلام كله: اسم وفعل وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمى، والفعل: ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف: ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، وأعلم يا أبا الأسود ان الأشياء الثلاثة: ظاهر،و مضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر.

قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء عرضتها عليه ،فكان من ذلك حروف النصب ،فذكرت فيها (ان) و (أن) و (ليت) و (لعل) و (كأن) ولم أذكر (لكن).

فقال لي: لم تركتها ؟ فقلت :لم أحسبها منها ،فقال:بل هي منها فزدتها ،انتهى ما في أمالي الزجاج(1).

وورد أيضا هكذا:

ص: 87


1- الأخبار المروية في أحاديث وضع العربية للسيوطي: ص41.

قال أبو الأسود: دخلت على علي(علیه السلام) وفي يده رقعة.

فقلت: ما هذه الرقعة يا أمير المؤمنين؟فقال: إني تأملت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء __ يعني العجم _ فأردت أن أضع لهم شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه ،ثم ألقى الرقعة وفيها مكتوب الكلام كله ثلاثة أشياء: فالاسم: ما أنبأ عن المسمى ،والفعل ما انبىء به ، والحرف: ما جاء لمعنى.

اعلم يا أبا الأسود فالاسم ثلاثة: ظاهر، ومضمر، واسم ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل الناس فيما ليس بظاهر ولا مضمر أراد بذلك اسم العلم المضمر_

فقال أبو الأسود: فكان ما وقع إلي أن وأخواتها ما خلا (لكن).

فقلت : ما حسبتها منها.

فقال :هي منها ، فألحقتها بها، ثم قال: ما أحسن هذا أنح نحوه(1).

ملاحظة: النحو لغة بمعنى القصد، ننحو نحو المقبرة: أي نقصد جهتها، وفي الاصطلاح: النحو هو معرفة أحوال أواخر الكلم من حيث الاعراب والبناء، ولذا اشتق منه النحو، وسمي هذا العلم بالنحو.

وقال أبو عثمان المازني: النحو ناحية من الكلام ، والعربية اسم للغة، ويقال: هي اللغة العربية يراد بها الجيدة الفصيحة البينة(2)،

وقالوا: إنما سمي النحو نحوا تيمنا بكلام أمير المؤمنين حيث قال: انحو نحوه.

وقيل: سمي النحو نحوا لأنه بمعنى ننحو طريقة العرب في التراكيب، فنعرب ما أعربوا ونبني ما بنوا، وكان سابقا يعرف باسم علم الإعراب

ص: 88


1- تأسيس الشيعة: ص49.
2- تأسيس الشيعة: ص49.

والتصاريف والالتفاتات في لغة العرب، ولكن في الاصطلاح ما يشمل الأولين فقط.وورد ثالثا بمضمون آخر: قال الشيخ أبو الحسن سلامة بن عياض بن أحمد الشامي النحوي المعروف في أوائل كتاب المصباح في النحو: ان علياً(علیه السلام) دخل عليه أبو الأسود يوما قال: رأيته متفكرا.

فقلت له: مالي أراك متفكرا يا أمير المؤمنين؟

قال: إني سمعت من بعض الناس لحنا، وقد هممت أن أضع كتابا أجمع فيه كلام العرب.

فقلت: ان فعلت ذلك أحييت أقواما من الهلاك، فألقى إلي صحيفة فيها الكلام كله: اسم وفعل وحرف.

فالاسم ما دل على المسمى، والفعل ما دل على حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، وجعل يزيد على ذلك زيادات.

قال: واستأذنته أن أصنع في النحو ما صنع فأذن لي، فأتيته به فزاد به ونقص (1).

وورد رابعاً في كتاب روضة العارفين للسيد هاشم البحراني نقلاً عن كتاب قطب الدين الاشكوري اللاهيجي في كتاب حياة القلوب:

(أنه قال: قال الشيخ ابن ميثم البحراني (رضی الله عنه): إن واضع النحو في اللغة الإسلامية هو أبو الأسود الدؤلي كان ذلك بإرشاد أمير المؤمنين(علیه السلام)، وبداية الأمر أن ابا الأسود سمع رجلاً يقرأ: « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِ_هِ » بالكسرة، فأنكر ذلك وقال: نعوذ بالله من الخور بعد الكور: أي من نقصان الإيمان بعد زيادته، وراجع علياً(علیه السلام) في ذلك، فقال: نحوت أن أضع للناس ميزاناً

ص: 89


1- تأسيس الشيعة: ص51.

يقومون به ألسنتهم، فقال له مولانا (سلام الله عليه): الكلمات ثلاثة: اسم وفعل وحرف.فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره، والفاعل مرفوع وما سواه فرع عليه، والمفعول منصوب وما سواه فرع عليه، والمضاف إليه مجرور وما سواه فرع عليه أنح أبا الأسود نحوه، وأرشده إلى كيفية ذلك الوضع وعلمه إياه)(1).

وورد خامساً عن ابن الانباري في خطبة شرح كتاب سيبويه: (ان رسول الله(صلی الله علیه و آله) سمع يوماً قارئاً يقرأ: « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ» بجر لام الرسول، فغضب (صلی الله علیه و آله) وأشار الى أمير المؤمنين علي(علیه السلام) انحُ النحو وأجعل له قاعدة وامنع من مثل هذا اللحن،فطلب أمير المؤمنين(علیه السلام) أبا الأسود الدؤلي وعلمه العوامل والروابط وحصر كلام العرب وحصر الحركات الإعرابية والبنائية، وكان أبو الأسود كيّساً فطناً ذهيناً فألف ذلك، وإذا أشكل عليه شيء راجع أمير المؤمنين(علیه السلام) فاستحسنه،قال: نعم ما نحوت __ أي قصدت __ فالتفاؤل بلفظ علي(علیه السلام) سمّي هذا العلم نحواً)(2).

ولكن في وقوع هذه القصة في زمان النبي(صلی الله علیه و آله) تأمل، كما قاله السيد الصدر(قدس سرّه)(3).

وورد سادساً عن السيد الأمير شمس الدين محمد عبد الأمير سيد شريف الجرجاني، المشهور في كتابه المسمى ب_(الرشاد في شرح الإرشاد) في النحو للعلامة التفتازاني في وجه تسمية النحو بالنحو: أن أبا الأسود الدؤلي سمع قارئاً يقرأ: « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ» بالجر في المعطوف فيه،

ص: 90


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص54.
2- تأسيس الشيعة: ص56.
3- تأسيس الشيعة: ص57.

فحكى لأمير المؤمنين(علیه السلام) فقال ذلك لمخالطة العجم، ثم قال: أقسام الكلمة ثلاثة: اسم وفعل وحرف.

فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف أداة بينهما، والفاعل مرفوع وما سواه فرع عليه، والمفعول منصوب وما سواه فرع عليه، والمضاف إليه مجرور وما سواه فرع عليه إلى غير ذلك من الضوابط الجامعة، ثم قال: يا أبا الأسود انح هذا النحو(1).

وورد سابعاً عن السيد الشريف المرتضى الموسوي في كتاب الفصول المختارة من كتاب العيون والمحاسن للشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، المعروف ب_(الشيخ المفيد) وعند الناس ب_(ابن المعلم شيخ الشيعة).

قال السيد المرتضى: أخبرني الشيخ أبو عبد الله (دام عزه)، عن محمد بن سلام الجمحي ان أبا الأسود الدؤلي دخل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام) فرمى إليه رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الكلام كلّه ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى.

فالاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره.

فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين هذا كلام حسن فما تأمرني أن أصنع به فإنني زدت بإيقافي عليه.

فقال أمير المؤمنين(علیه السلام) إني سمعت في بلدكم هذا لحناً كثيراً فاحشا فأحببت أن ارسم كتاباً من نظر فيه ميّز بين كلام العرب وكلام هؤلاء فابن عليه ذلك.

فقال أبو الأسود: وفقنا الله بك يا أمير المؤمنين للصواب(2).

ص: 91


1- تأسيس الشيعة: ص59.
2- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص60.

شبهات حول الرواية

لا يخفى أن مؤسس علم النحو هو أمير المؤمنين(علیه السلام) والروايات الواردة عن أبي الأسود الدؤلي في هذا المجال وصلت حد التواتر، فان ابن فارس عدها من متواتر الروايات(1)، وذكر سبب وضعه وكيفية وضعه لمبادئ علم النحو، والمنصف يقطع بعد مراجعتها والتعمق فيها ان علياً(علیه السلام) هو الواضع الأول للنحو وهو الذي وضع الحجر الأساسي لهذا العلم.

نعم، هناك شبهات أثيرت حول هذا الخبر، وهذه الاعتراضات والشبهات بالإضافة إلى أنها واهية في نفسها فهي مردودة، وإنما تعكس لنا رأي شرذمة قليلة وشاذة من الإخوان، فمن جملة اعتراضاتهم ما قيل: ان أبا الأسود هو الذي نقط المصحف، وهذا التنقيط في الحقيقة هو المقصود بكلمة وضع النحو الواردة في الروايات المذكورة(2)،

مع إنا نرى ان الوارد في الروايات هو واضع النحو وتنقيط القرآن، وكما ورد ان زياداً أمر أبا الأسود أن ينقط المصاحف، فنقطها ورسم النحو رسوماً.

إذاً هو فعل شيئين وأنجز إنجازين، لا ان المراد من النحو هو التنقيط كما تخرص البعض من دون أي دليل،بل في الحقيقة اجتهاد في مقابل النص الصريح.

لذا ذكر البحاثّة السيد الجليل محسن الأمين ان تنقيط القرآن لا دخل له بوضع علم النحو الذي كان في زمن أمير المؤمنين(علیه السلام) بأمره لا بأمر زياد(3).وهذا القول هو لكثير من المؤرخين، حيث يشيرون إلى أنه حين أخذ العلم من الإمام علي(علیه السلام)(4) أو وضعه من نفسه لم يخرجه إلى أحد(5)، ويجوز أن يكون

ص: 92


1- الصاحبي: ص10.
2- مدرسة البصرة النحوية: ص154.
3- أعيان الشيعة: ج1، ص162.
4- كالاقتراح: ص230، وأمالي الزجاجي: ص238 ، وحكمة الاشراف: ص81، خزانة الأدب 1/136، والخصائص: 2/8، والزينة: 1/71 وغيرها من الكتب التي نسبت هذا العلم الى علي .
5- مجلة الأقلام السنة الرابعة/العدد6: ص140.

أخفى كتابه الذي صنفه بإملاء أمير المؤمنين(علیه السلام)، ثم أشهره بعد ذلك تحت عنوان إعراب القرآن الكريم، أو رتب يومئذ ما كان تلقنه من علي(علیه السلام) وأضافه هو إليه وجعله كتابا.

وهذا الاحتمال هو مضمون بعض الروايات التي سبقت من جملة اعتراضاتهم ان الأخبار والروايات التي تثبت نسبته إلى الإمام، إنما هي من وضع الشيعة الذين يحاولون نسبة كل علم إلى أئمتهم أو أصحابهم وأتباعهم، وأنت اذا لاحظت هذه الأقوال لا ترى إلا تخرصات واجتهادات في مقابل النص لا تقوم على دليل يعتد به.

أنظر الى ما يقول أحمد أمين المصري في هذا المجال: وأخشى أن يكون ذلك من وضع الشيعة الذين أرادوا أن ينسبوا كل شيء إلى علي وأتباعه(1).

و ليعلم القائل واتباعه ان هذه النسبة هي اقل بكثير مما حباه الله من صنوف العلم و ذلك باعتراف الخلفاء من قولهم علي أعلمنا و علي أقضانا و غيرها.

فعلى أي حال يكفي علياً آلاف الكتب التي كتبت عنه، وملايين الألسن التي لهجت بمدحه من الفريقين، والأذرع التي رفعته وأجلسته على منبر الفخر في سويداء القلب ناهيك عن قول الله ورسوله فيه(علیه السلام).وأعجب من ذلك إنكار أحمد أمين من وضع النحو لأبي الأسود، وإنه نسب إليه إعراب المصحف بالنقط. وادعاؤه أن أبا الأسود ربما كان لا يعرف شيئاً اسمه النحو، أو أي مصطلح نحوي، مع إنه فيما يروى ان عمر بن الخطاب

ص: 93


1- ضحى الاسلام: ج2، ص285.

كتب الى أبي موسى: أما بعد فتفقهوا في الدين وأحسنوا عبارة الرؤيا، وليعلم أبو الأسود أهل البصرة الاعراب(1).

مع أن أكثر الروايات التي تنسب النحو الى علي(علیه السلام) رواتها من غير الشيعة، وأحمد أمين هذا معروف بعدائه اتجاه الشيعة، لذا تراه يتظاهر بعداوة الشيعة لأجل موالاتهم لأهل البيت(علیهم السلام).

فعن الصادق(علیه السلام): ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنه لا تجد رجلاً يقول انا أبغض محمداً وآل محمد، ولكن الناصب من نصب لكم شيعتنا.

وفي تخرصاته وافتراآته الكثيرة على الشيعة في كثير من المجالات من مقالاته ومؤلفاته، وهم بريئون منه ومن أكاذيبه،خصوصاً في هذه العصور التي يكون المسلمون فيها أحوج للتآلف والتحابب من التفرقة والتباغض.

وكذا ما ذكره سعيد الأفغاني بأن في النفس شيئاً من نسبة أولية وضع النحو وسائر العلوم لعلي بن أبي طالب(2)

وكذا لا يضر علياً ما تخرص به علي أكبر (كد خدا) بقوله وهو ان علم النحو في دقة موازينه وضبط قواعده لا يمكن أن يبدعه عربي قادم من البادية، وان الزعم بوجود عربي قادر على وضع أصول هذا العلم في النصف الأول من القرن الأول الهجري إنما هو نسج أساطير.ولذلك تذرع العرب لتقريب هذه الأكذوبة إلى الأذهان بأن نسبوا الأمر إلى علي(علیه السلام) ليضيفوا عليه طابع المعجزة، ولكن القصة في واقعها محض خرافة والإيمان بصحتها من قبيل الإيمان بالغول، ولكن هذا القول منه مجرد اجتهاد مقابل هذه الرواية الواردة على نحو التواتر، وإنكار للحقائق التاريخية بدافع التعصب والمعاداة.

ص: 94


1- أنباء الرواة: ج1، ص16.
2- تاريخ النحو: ص11.

ولو انكرنا هذه الرواية مع إنها متواترة لا بد أن لا نقبل أي قضية تاريخية مضافاً إلى أنه لم يقرأ نهج البلاغة الذي جاء تالياً للقرآن من جهة البلاغة، إما جهلاً أو تعمداً __ كما ذكرنا __ انه جاء أديب نصراني إلى السيد الشهرستاني وقال نهج البلاغة أبلغ من اي كتاب كما سياتي ذكره مفصلاً.

فعلى الرغم من إتفاق المحققين من السلف وتظافر نصوصهم على تحقيق هذه الحقيقة __ التي عدها بعضهم من المتواترات __ نرى هناك من كتب المتأخرين ككتاب أحمد أمين حيث أنكر وضع الضوابط الأولى على يد أبي الأسود وإقراره بتنقيط المصحف فقط وادعاؤه ان أبا الأسود ربما كان لايعرف شيئا اسمه النحو أو أي مصطلح نحوي، ولكن قد تبين من ثنايا البحث ان أبا الأسود اعترف بتعلمه من علي(علیه السلام) وقد أجاب عن هذا الإشكال، العلامة الجليل والمؤرخ العظيم والأديب الباهر الشيخ محمد حسن آل ياسين عن هذا الإشكال(1).

فليس في هذا الكلام إلا التخرص والاجتهاد في مقابل النص تقليداً للمستشرقين، ولا يخرج هذا عن النصب والعداء لعلي(علیه السلام).

إذاً الأخذ بالأقوال التي هي أشهر وأقرب إلى عهد الوضع أحرى بالأخذ من الأقوال التي هي أوهن من بيت العنكبوت.وقال الطنطاوي: فمن الغريب بعدئذٍٍ أن يستنكر المستشرقون هذه النسبة المتواطأ عليها قديماً وحديثاً(2)، __ أي ان علياً(علیه السلام) علّم أبا الأسود مبادىء النحو __ فمن المظنون أن استنكار بعض المتأخرين من المسلمين ذلك ليس إلا تقليداً للمستشرقين، مع أنهم يعرفونهم حقّ المعرفة بأنهم لا يقصدون من ذلك إلاّ

ص: 95


1- راجع ما قدمه على ديوان أبي الأسود الدؤلي: ص 21 .
2- نشأة النحو: ص20.

تشويه سمعة الإسلام، والانتقاص من قدرات الإسلام، لإيجاد الفرقة بين المسلمين.

وأما الإستنكار من القليل من المتقدمين ليس إلاّ العناد والتعصّب الأعمى والاجتهاد في مقابل النص،و إلاّ فكيف يمكن إنكار هذا الشيء مع هذه الروايات الكثيرة، ومع حصول إجماع الذين كانوا معاصرين لأبي الأسود أو من يقرب زمانهم من زمان أبي الأسود،ولو أردنا إنكار هذه الروايات فلا بد أن لا نطمئن بصدور أيّ رواية كما ذكرنا.

إذ يمكن أن يطرح فيها أمثال هذه التشكيكات الواهية التي هي أقرب الى السفسطة أمام الواقع، وليس هذه أول قارورة كسرت في الإسلام، فهم انكروا الخطب الموجودة في نهج البلاغة و نفوها عن علي (علیه السلام) ونسبوها الى الرضي، مع أن هذه الخطب الموجودة في نهج البلاغة كانت موجودة في كتب القدماء قبل وجود السيد الرضي، انظر (ما هو نهج البلاغة) للبحاثة الكبير السيد هبة الدين الشهرستاني.

وما أبعد بين هذا القول وبين قول أديب مسيحي حينما حضر في خدمة هذا البحاثة العلامة السيد الشهرستاني وقال:أني رأيت جملة في نهج البلاغة لم تأتِ على لسان أي أديب عربي في العالم قط وهي: «قلباً حافظاً ولساناً لافظاً وبصراً لاحظاً»(1)

مع ان كل لفظة تشير الى معنى.

وهو يقول والعجب من عقولكم حينما تسألون الإمام(علیه السلام) وهو على المنبر ويقول: (أنا أعلم بطرق السماء من طرق الأرض، سلوني قبل أن تفقدوني) ويقوم أحدكم ويسأل الإمام(علیه السلام): كم شعرة في لحيتي.

ص: 96


1- نهج البلاغة/صبحي الصالح ، الخطبة83: ص112.

ولو أدركنا عصره لترون آلافاًَ منّا جالسين تحت منبره مستفيدين من علومه، وكلام علي دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين،ويقول بعض المحققين وهاهنا مقامات:

المقام الأول: في كونه أعلم الناس وأستاذ العالمين إجمالا.

ومن المعلوم أن قوله (صلی الله علیه و آله) (أنا م_دينة العلم وعلي بابها) ليس المقصود منه إلا أنه هو المنبع الذي تفيض عنه العلوم الأسلامية والاسرار الألهية واللطائف الحِكَمية التي اشتمل عليها القرآن الكريم و السنة المقدسة .

وهو مصدرها والمحيط بها، لأن شأن المدينة بما تحتوي عليه، كذلك ثبت أن عليا(علیه السلام) هو المفزع لتلك الأسرار المصونه عن الأغيار والمهتدي لتفاصيل جملها وأحكامها الكلية وحقائقها الحقيقية بحسب ماله من الكمال والحدس، وفرط الذكاء، وقوة الاستعداد، وكثرة الملازمة للأستاذ الكامل، وصفاء جوهر النفس في حد ذاتها بحيث تصير تلك الأسرار سهلة التناول، قريبة المأخذ لسائر الخلق، لان الباب هو الجهة التي منها ينتفع الخلق من المدينة ويمكنهم تناول ما ارادوا منها.والسبب في بلوغه(علیه السلام) هذا المبلغ تربية رسول الله(صلی الله علیه و آله) له من أول عمره الى أن أعده لأعلى مراتب الكمالات النفسية(1).

يقول(علیه السلام) موضعي من رسول الله(صلی الله علیه و آله) بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا وليد يضمني الى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خلطة في فعل .. الى أخر الكلام حتى صار بهذه الرتبة أستاذ العالمين بعده(صلی الله علیه و آله).

ص: 97


1- كتاب الأربعين/الشيخ الماحوزي: ص460.

قال الفخر الرازي في الأربعين لا نزاع أن علياً(علیه السلام) كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة، والاستعداد للعلم، وكان محمد(صلی الله علیه و آله) أفضل العلماء، وكان علي(علیه السلام) في غاية الحرص في طلب العلم، وكان النبي(صلی الله علیه و آله)في غاية الحرص في تربيته وفي أرشاده الى اكتساب الفضائل ثم أن علياً(علیه السلام) من أول صغره في حجره(صلی الله علیه و آله) وفي كبره صار صهراً له، وكان يدخل إليه في كل الأوقات، ومن المعلوم أن التلميذ اذا كان في غاية الذكاء والحرص وكان الأستاذ في غاية الحرص على التعليم ثم أتفق لمثل هذا التلميذ أن يتصل بمثل هذا الأستاذ من زمان الصغر وكان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الأوقات فانه يبلغ ذلك التلميذ مبلغا عظيما انتهى(1).المقام الثاني: بعد ان عرضنا لما قاله العالم الرباني في أوائل شرح النهج، وقبله الفخر الرازي في الأربعين: إنا قد تفحصنا أحوال العلوم بأصلها، فوجدنا أعظمها وأهمها هو العلم الإلهي.

وقد ورد في خطبة له(علیه السلام) من أسرار التوحيدات والنبوات و القضاء و القدر وأسرار المعاد ما لم يأتي في كلام أحد من أكابر العلماء و أساطين الحكمة، ثم وجدنا جميع فرق الإسلام تنتهي في علومهم إليه ، أما المتكلمون: فإما معتزلة وانتسابهم إليه ظاهر، فان أكثر أصولهم مأخوذة من ظاهر كلامه في التوحيد والعدل، ولذا فأنهم ينتسبون إلى مشائخهم، كالحسن البصري، وواصل ابن عطاء، كانوا منتسبين إلى علي(علیه السلام) ومتلقنين عنه العلوم .

وأما الأشعرية ومعلوم أن إستاذهم أبو الحسن ألاشعري، وكان تلميذا لأبي علي الجبائي ، إلا انه خالفه كثيرا في مواضع تعلمه من مذهبه، وأما الشيعة وانتسابهم إليه ظاهر فأنهم يتلقون العلوم عن أئمتهم، وأئمتهم يأخذ بعضهم عن بعض إلى أن ينتهي إليه(علیه السلام)، وهو امامهم الأول.

ص: 98


1- كتاب الأربعين/ للشيخ الماحوزي: ص461.

وأما الخوارج وان كانوا في غاية البعد عنه فإنهم ينتسبون إلى مشايخهم، وقد كانوا من تلامذة علي(علیه السلام)(1).

وأما الفقهاء فمذاهبهم المشهورة أربعة أحدها: مذهب أبي حنيفة و من المشهور ان أبا حنيفة قرأ على الأمام الصادق(علیه السلام) وأخذ عنه الأحكام، ومن المعلوم ان الامام الصادق(علیه السلام) أخذ علومه عن آبائه عن علي(علیه السلام) عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن جبرائيل عن الله.الثاني: مذهب مالك بن أنس، وكان تلميذاً لربيعة الرأي، وربيعة الرأي تلميذ عكرمة، وعكرمة تلميذ أبن عباس، وأبن عباس تلميذ أمير المؤمنين(علیه السلام)(2).

والثالث: مذهب الشافعي وكان تلميذا لمالك وقد علمت انتهاءه الى علي(علیه السلام).

الرابع: مذهب ابن حنبل، وهوتلميذ الشافعي.

ومرجع انتساب مذهب الجميع الى علي(علیه السلام) ومما يؤيد كماله في الفقه قول الرسول(صلی الله علیه و آله): أقضاكم علي، و الأقضى لابد أن يكون أفقه وأعلم بقواعد الفقه وأصوله.

واما الفصحاء فمعلوم أن من ينتسب الى الفصاحة من بعده يملأون اوعية أذهانهم من الفاظه، ويظمنونها كلامهم وخطبهم، فيكون منها بمنزلة درر العقود كابن نباتة وغيره والأمر في ذلك ظاهر(3)،

وقال الصدوق بسنده عن عامر الشعبي(قدس سرّه) تكلم علي(علیه السلام) بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن، ثلاث منها في المناجات وثلاث منها في الحكمة وثلاث منها في الأدب، فأما اللاتي في

ص: 99


1- كتاب الأربعين/ للشيخ الماحوزي ص462.
2- كتاب الأربعين/ للشيخ الماحوزي ص462.
3- كتاب الأربعين/للشيخ الماحوزي: ص463.

المناجات فقال: (إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب).

وأما اللاتي في الحكمة فقال: (قيمة كل أمرء ما يحسنه و ما هلك امرء عرف قدره والمرء مخبوء تحت لسانه).وأما اللاتي في الأدب فقال: (امنن على من شئت تكن أميره وأحتج الى من شئت تكن أسيره واستغن عمن شئت تكن نظيره)(1).

قال الشاعر:

كلام علي كلام الهدى *** وما قاله المرتضى مرتضى

فعلى أي حال فشخصية أمير المؤمنين(علیه السلام) ورفعتها اسمى من ان يمسها إنكار هذه النسبة، وينتقص من مقامه الشريف بعد ما كان أعلم الصحابة واعلم الناس بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) وأنه باب مدينة علم الرسول(صلی الله علیه و آله).

ويكفينا ما ذكره ابن أبي الحديد كما سيمر عليك نص قوله، وهذا يكاد يلحق المعجزات، وان القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر، ونسأل الله الهداية إلى طريق الحق والرشاد، لكي نضع العصبيات إلى جانب، ونأخذ بما هو الحق والسداد، آمين.

ص: 100


1- الخصال/من أبواب التسعة: ج1، ص14.

الجمع بين الروايات

لا يخفى عليك أن بعض الروايات يشير إلى ان الواضع الأول للنحو هو أبو الأسود الدؤلي، كما في رواية ركن الدين: (ان أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي)(1).

وقال أبو سعيد السيرافي في كتاب أخبار النحويين: (أكثر الناس على ان أول من رسم النحو أبو الأسود الدؤلي)(2).

وورد في بعض الروايات الأخر: أن واضع النحو هو علي بن أبي طالب(علیه السلام)، كما في رواية الشيخ أبي الحسن

سلامة بن غياض الشامي النحوي __ المعروف في أوائل كتاب المصباح في النحو __ : (ان علياً(علیه السلام) دخل عليه أبو الأسود يوماً إلى ان قال: قال أمير المؤمنين(علیه السلام): فقد هممت ان أضع كتاباً أجمع فيه كلام العرب..... الخ)(3).

وقال شارح كتاب الإرشاد:

(ان أبا الأسود الدؤلي سمع قارئاً يقول: « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ ...»__ الى أن قال: __ فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): الكلمة ثلاثة: اسم وفعل وحرف)(4).

ص: 101


1- تاسيس الشيعة: ص48.
2- نقله عنه في تأسيس: ص49.
3- تأسيس الشيعة: ص51.
4- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص59.

وفي المجلد الأول من كتاب أنباء النحاة تأليف الفاضل علي بن يوسف الشيباني: (إجماع من أشار إليه ان مولانا علي(علیه السلام) هو المبتدئ بعلم النحو، كما نقله السيد ابن طاووس في كتاب الملاحم والفتن)(1).قال الشيخ الحسن بن علي الطبرسي في كتاب تحفة الأبرار_ بالفارسية _ : (ان علم النحو أيضاً مأخوذ عن أمير المؤمنين(علیه السلام)، قال: فقد قال ابن الانباري في خطبة شرح كتاب سيبويه: ان رسول الله(صلی الله علیه و آله) سمع يوماً قارئاً يقرأ: « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ» بالجر، فغضب(صلی الله علیه و آله) وأشار على أمير المؤمنين(علیه السلام) انح النحو واجعل له قاعدة)(2).

وقال الشيخ محمد بن إسحاق بن محمد الحموي من علمائنا في كتاب منهج الفاضلين في الامامة __ بالفارسية _ ما معناه : (ان الواضع لعلم النحو هو أمير المؤمنين(علیه السلام)، وسبب وضعه انه قد سمع النبي(صلی الله علیه و آله) يوماً قارئاً يقرأ: « أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ» بجر اللام في رسوله، فقال(صلی الله علیه و آله) لعلي(علیه السلام): أصنع قانوناً ترتفع بمراعاته تلك اللحون، فدعا علي(علیه السلام) أبا الأسود الدؤلي وعلمه العوامل، وروابط كلام العرب، وحصر الحركات الاعرابية والبنائية، ... الخ)(3).

وقال المولى داود في حاشيته على العوامل لعبد القاهر الجرجاني ___ و الشرح لبعض الفضلاء المتأخرين من أهل السنة ___: (ان في شرح المفتاح أول من استنبط علم النحو أمير المؤمنين(علیه السلام))(4).

وهناك روايات أخرى تدل على ان أبا الأسود أخذ هذا العلم من علي(علیه السلام).

ص: 102


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص53.
2- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص56.
3- المصدر السابق.
4- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص49.

قال ركن الدين علي بن أبي بكر الحديثي في كتابه الركني ___ في تقوية كلام النحوي ___ : (إن أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي أستاذ الحسن والحسين (علیهما السلام)، فقيل: أخذ النحو عن علي(علیه السلام))(1)،

وغيرها من الروايات.

وقد روى عن أبي الأسود أنه سُئل من أين لك هذا العلم؟

فقال: لقنت حدوده من علي بن أبي طالب (علیه السلام)(2)، وفي حديث آخر القى إلى علي أصولاً احتذيت عليها(3).

فمن المجموع نتمكن أن نقول: بان الواضع لأسس علم النحو هو علي(علیه السلام) كما ورد في بعض الروايات بان الواضع والراسم لهذا العلم هو علي بن أبي طالب(علیه السلام) رسمه لأبي الأسود، وكان أبو الأسود لا يحب ان يظهر ذلك بخلاً به على أهل زمانه، ولم يزل يدافع عن إظهاره حتى سمع قارئاً يقرأ: «أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ»، أو من جهة التقية، خصوصاً حسب ما مر بأنه وضع النحو بأمر من زياد ومن هذا الجمع الذي استفدناه من الروايات والقرائن الأخرى التي ذكرناها في طي الكتاب نقطع بأن الواضع هو علي(علیه السلام).

ص: 103


1- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص48.
2- أنباء الرواة: ج1، ص156.
3- طبقات النحويين: ص13، مراتب النحويين: ص24.

شرح الحديث من جوانبه اللغوية والأصولية والكلامية

قال: «بسم الله الرحمن الرحيم»، فبدأ الإمام(علیه السلام) حديثه ب_(بسم الله) إقتداء بالقرآن الكريم، وقد ورد في الحديث الشريف: كل أمر لم يبدأ ب_ (بسم الله) فهو ابتر(1).

والأبتر: المقطوع الذنب، وبَتَرَ لغة من باب قتل،أي قطعه قبل الإتمام، والآية الشريفة: (ان شانئك هو الأبتر)(2) أي مبغضك هو المنقطع عن الخير أو النسل وفيالحديث: (من سد طريقاً بتر الله عمره)(3)، أي قصر أجله وقطعه، إذاً

ص: 104


1- مسند أحمد بن حنبل: ج2 ص359 ، تفسير الصافي: ج1 ، ص70.
2- الكوثر: 3.
3- مجمع البحرين: ج3، ص213 (مادة بتر).

المراد من الأبتر عدم الموفقية لإتمام العمل وفي حديث آخر: وكل أمر لم يبدأ ب_(بسم الله) فهو أقطع(1)،

والأقطع مقطوع اليد.

وفي الحديث إذا قال العبد: «بسم الله الرحمن الرحيم» قال الله عزّوجل: (بدأ العبد باسمي حق عليّ ان اتمم أموره، وأبارك له في ماله)(2)،

كسر الباء في (بسم الله) لتكون حركتها من جنس عملها، ويكون فارقاً بينها وبين ما لا يلزم الجر، وهذه الباء تكون للاستعانة، لأن الإنسان محتاج على الإطلاق إلى ذاته عزّوجل في حدوثه وبقائه، بل في جميع أطوار حياته، والله هو الغني المطلق، فالمحتاج المطلق لا بد ان يستعين بالغني المطلق، وتطبيقاً بين لسان الحال والمقال يكون بمعنى الاستعانة بالله جّل وعلا أو لعل مراده بيان دلالته وإرشاده على التوحيد، ويصف نفسه من مقام معرفة التوحيد، ولذا وجبت ولايته، وقال (بسم الله) ولم يقل، بالله، تعظيماً وقيل: الاسم يكون زائداً هنا، فتكون الاستعانة في الواقع بذاته.

قال الشاعر:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *** ومن يبكي حولاً كاملاً فقد اعتذر(3)

وقيل: للمصاحبة، والأول أولى، لأنه بواسطة دخولها على اسم الجلالة يتوقع وقوع الفعل على الوجه الأكمل كأنه فرض عدم وقوع الفعل في الخارج بدون التبرك باسمه ووجوده في البسملة إشارة إلى أن الاستعانة منحصرة باسمه

ص: 105


1- مسند أحمد بن حنبل: ج2، ص 359.
2- بحار الأنوار: ج92، ح3 ص 226.
3- مجمع البيان: ج1-2، ص20.

وفي الحديث عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (أنا النقطة تحت الباء)(1) لأن جميع الكتب السماوية في القرآن وجميع علوم القرآن في الفاتحة، وجميع علومها في البسملة وجميع علوم البسملة تكون في الباء أو بمعنى إن النقطة كما تكون سبباً لتميز الكلمات، فأمير المؤمنين(علیه السلام) يميز جميع العلوم، وقيل: الاسم هنا بمعنى المسمى، والاسم إما مأخوذ من وسم أي بمعنى علامة لأنه يكون علامة على الذات، والحق أنه مأخوذ من السمو بمعنى الرفعة، لأن جمعه يكون أسماء، وتصغيره سمي لا وسيم، قال الشاعر:

والله أسماك سماً مباركاً *** آثرك الله به تباركاً(2)

ص: 106


1- وقد ورد في مصابيح الانوار: ص394 ح216 ما هذا لفضه: ما روي عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في غرر الحكم أنه قال: أناالنقطة أنا الخط أنا النقطة والخط، وقد نسب الى المحدث الشريف الجزائري في توجيهه أمور، الأول: المراد من النقطة القدرة الالهية التي هي الأصل، ومن الخط محلها وهو الجسد النوراني، وثانيها: ان العلوم والاخبار تنتهي اليه، وعلمه ممتد الى جميع الائمة، كما انّ النقطة نهاية الخط، وهو الامتداد الطولي وثالثها: ان يكون اشارة الى قول الامام(علیه السلام): أنا الأول اي بعد الاول « وهو اول عرفي و أنا الآخر اي قبل الاخر وهو اخر عرفي، أنا الظاهر فمعلوم، أنا الباطن اي لايعرف حقيقتي الا الله والنبي كما ورد في الحديث ( ياعلي لايعرفك الا الله وانا). ورابعها: أنه(علیه السلام) مركز دائرة الكون ومحيطها، ولولاه لما خلق الله شيئاً. وخامسها: أنه(علیه السلام) صاحب رئاسة الامامة التي هي منتهى الكمالات والاذعان بها واجب على جميع الموجودات، وهي ممتدة منه(علیه السلام) الى ولده صاحب العصر والزمان(عجل الله فرجه). وسادسها: انه قد اجتمعت قبة اسرار النبوة التي هي الغاية والامامة العامة الممتدة الى سلطنته القاهرة (عجل الله ظهوره). وسابعها: انه العالم العلوي بالنظر الى اسرار قدسه وتجرده، والسفلي لكونه بشراً مركباً من العناصر الاربعة.
2- لسان العرب: ج14، ص401 (مادة سما).

لفظ الاسم هنا: المراد به اسم الجنس لأسماء غير محصورة على مرور الزمان والأيام تحدث وتزول بلهجات غير متناهية، ويسمى هذا في اصطلاح الفلاسفة (اللايتناهي اللايقفي).

معنى الأسماء

لا بأس بان نشير إلى ما ذكره بعض المحققين بالنسبة إلى الأسماء ، فان الأسماء بالنسبة إلى ذاته المقدسة على ثلاثة أقسام :

الأول: ما يمنع إطلاقه عليه تعالى، وهو كل اسم يدل على معنى يستحيل نسبته إلى ذاته المقدسة، كالأسماء الدالة على الأمور الجسمانية، أو ما هو مشتمل على النقص.

الثاني: ما يجوز إطلاقه عليه عقلاً، وورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة تسميته به، فهذا لا يضر إطلاقه عليه، بل اللازم امتثال الأمر الشرعي في كيفية إطلاقه بحسب الأحوال والتعبدات، إما وجوباً أوندباً.الثالث: لم يرد ذلك في الكتاب ولا السنة كالجوهر، وكذا العلة في أحد معانيها: أي كون الشيء قائماً بنفسه وغير مفتقر إلى غيره، وهذا المعنى ولو هو ثابت له تعالى وفرض أنّ العقل لا يمنع من إطلاقه عليه، ولكن ليس من الأدب، ولعله لا يناسب ذاته الشريفة، لأن العقل الناقص لا يمكنه الإطلاع على جميع ما يمكن أن يكون معلوماً، بل كثير من الأشياء لا يدركه العقل ولو على نحو

ص: 107

الإجمال، وبما أن الأسماء توقيفية فما لم يرد به من الشرع نفسه والإذن من الشارع لا يمكننا أن نطلقه عليه.

إذا عرفت هذا فاعلم ان أسماء الله إما أن تدلّ على الذات من غير أمر، أو مع اعتبار أمر.

وذلك الأمر إما أن يكون إضافة ذهنية فقط، أو سلب فقط ، أو إضافة وسلب.

أما الأول: وهو ما يدل على الذات فقط وهو لفظة (الله) فانه اسم للذات الموصوفة بجميع الكمالات الربانية المنفردة بالوجود الحقيقي، فان كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته، بل إنما استفاده من غيره.

ويقرب من هذا لفظ (الحق) إذا أريد به الذات من حيث هي واجبة الوجود، فان الحق يراد به دائم الثبوت، والواجب الذي هو ثابت دائماً وغير قابل للعدم، والفناء هو حق، بل هو أحق من كل حقّ.

الثاني: ما يدل على الذات مع الإضافة كالقادر، فانّه بالإضافة إلى مقدوره تعلّقت به القدرة بالتأثير.

(العالم) فانه أيضاً اسم للذات باعتبار انكشاف الأشياء لها.

(الخالق) فانه اسم للذات باعتبار تقدير الأشياء.

(البارئ) فانّه اسم للذات باعتبار اختراعها وإيجادها.

(المصور) باعتبار انه مرتب صور المخترعات أحسن الترتيب.

(الكريم) باعتبار إعطاء السؤالات والعفو عن السيئات.(العلي) باعتبار انه فوق سائر الذوات.

(العظيم) فانه اسم للذات باعتبار تجاوزها حدّ الادراكات الحسيّة والعقلية.

فالأول : باعتبار سبقه على الموجودات.

والثاني : باعتبار صيرورة الموجودات إليه.

ص: 108

(الظاهر) هو باعتبار دلالة العقل على وجوده دلالة بينّة.

(الباطن) فأنه اسم للذات بالإضافة إلى عدم إدراك الحسّ والوهم إلى غير ذلك من الأسماء.

الثالث: ما يدل على الذات باعتبار سلب الغير عنه ك_(الواحد) باعتبار سلب النظير والشريك له.

(الفرد) باعتبار سلب القسمة والبعضية عنه.

(الغني) باعتبار سلب الحاجة والفقر عنه.

(القديم) باعتبار سلب العيوب والنقائص عنه.

(القدوس) باعتبار سلب ما يخطر البال عنه، إلى غير ذلك.

الرابع: باعتبار الإضافة والسلب معاً كما في (الحي) فأنّه المدرك الفعّال الذي لاتلحقه الآفات.

(الواسع) باعتبار سعة علمه وعدم فوت شيء منه.

(العزيز) وهو الذي لا نظير له وما يصعب إدراكه والوصول إليه.

(الرحيم) وهو اسم للذات باعتبار شمول رحمته لخلقه وعنايته لهم وإرادته الى غير ذلك.

(الله): إما مأخوذ من اله حذفت منه الهمزة وعوض عنها حرف التعريف، وجعل علماً: أي رجع إليه في الحوائج، أو من وَلَه: أي تحير العقول في كنه ذاته وصفاته.اعلم ان لفظ الجلالة تحيّر في عظمة معناه أرباب العقول، وهو الذي غير خفي بالآثار، ومستور على جميع الخلق بالذات، وقد عجزت العقول عن كيفية ذاته، ولذا كلما زاد الإنسان تأملاً فيه زاد تحيّره وجهله، اذاَ هو ممّا تتحيّر فيه العقول مع اعتراف الجميع بوجوده.

ص: 109

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم وعدمه(1):

مشتق من لاه الشيء اذا خفي، قال الشاعر:

لا هت فما عُرفِتْ يوماً بخارجة *** يا ليتها خرجت حتى عرفناها

مشتق من التحيّر لتحيّر العقول في كنه عظمته، قال الشاعر:

ببيداء تيهٍ تألَهُ العيرُ وسطَها *** مخفقةً بالآلِ جرد واملق

مشتق من الغيبوبية، لأنه سبحانه لا تدركة الأبصار،قال الشاعر:

لاه ربي عن الخلائق طرّاَ *** خالق الخلق لا يرى ويرانا

مشتق من التعبّد، كقول الشاعر:

لله درّ الغانيات المدّه *** ألهن واسترجعن من تألهي

انه مشتق من ألِه بالمكان اذا قام به، قال الشاعر:

ص: 110


1- كما في حاشية المصباح: ص315 نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة أنه مشتق.

إلهنا بدار لا يدوم رسومها *** كان بقاها وشام على اليد

مشتق من ولاه يلوه بمعنى ارتفع.

مشتق من وله بامه اذا أولع بها، كما ان العباد مولهون أي مولعون بالتضرع إليه تعالى.

مشتق من الرجوع الهت الى فلان، أي فزعت إليه ورجعت، يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه، والهت الى فلان سكت، والمعنى: ان الخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه. وقيل: للمألوه إليه اله، كما يقال: للمؤتم به امام.

مشتق من السكون، والهت الى فلان أي سكنت، والمعنى: ان الخلق يسكنون الى ذكره.

مشتق من الإلهية، أي القدرة والاختراع.

مشتق من وله، أي تحير من معرفة كنه ذاته.

وهذا الاسم قد امتاز عن غيره من اسمائه:

1. اشهر أسماء الله.

2. أعلاها محلاً في القرآن.

3. جعل منه سائر الأسماء.

4. أعلا محلاً في الدعاء.

5. خصت به كلمة الإخلاص.

6. وقعت به الشهادة.

ص: 111

7. علم على الذات المقدسة، وهو مختص بالمعبود بالحق تعالى، ولا يطلق على غيره لا حقيقة ولا مجازاً، هل تعلم له سميّاً؟ أي هل تعلم أحداً يسمى (الله)؟ وقيل: شبيهاً.

8. جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم، ولا يتسمّى هو بشيء منها. ولا يقال: (الله) اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور، ولكن يقال: الصبور اسم من أسماء الله.

وقيل: هو غير مشتق من شيء، بل هو علم لزمته الألف واللام، ونسب الخليل: من ان لفظ الجلالة بسيط وليس بمشتق، واللام جزء اللفظ.

ومعنى (الله): أي الذي يحق له العبادة، وإنما حق له ذلك لقدرته على أصول النعم، وهذا الاسم مختص بالمعبود بالحق، ولذا لا يطلق على غيره وهو اسم وليس صفة، لأننا نقول: إله واحد ولا نصف به، فلا نقول لشيء إله، فهو اسم للذات الواجب الوجود الجامع لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى، وفي الحديث: سئل علي(علیه السلام) عن معنى (الله)، فقال: استولى على ما دقّ وجلّ(1)

(الرحمن الرحيم): هما مشتقان من الرحمة، وهي في الإنسان بمعنى رقة القلب، امّا في الله التفضل والإحسان والعطف على خلقه بالرزق لهم ودفع الآفات عنهم.وبعبارة أخرى: الرحمة من البشر تعتبر بحسب المبادئ التي بمعنى الانفعالات وهي الانعطاف.

وقولك: انظر إلى رحمة فلان: أي الفعل الذي حدث عن الرقة في قلب فلان.

ص: 112


1- مجمع البحرين: ج6، ص340 (ماده اله).

وأمّا بالنسبة الى البارئ تؤخذ باعتبار الغايات التي هي الأفعال، فهو رحيم لا رحمة رقة. وفي كتاب الاهليلجة: قال الصادق(علیه السلام): ان الرحمة هي تحدث لنا الشفقة، منها الجود ورحمة الله ثوابه لخلقه(1).

وبعبارة أخرى: الرحمة من العباد شيئان:

أحدهما: يحدث في القلب الرأفة لما نرى بالمرحوم الضرر والحاجة وضروب البلاء.

والثاني: ما بعده أي الرقة واللطف على المرحوم، والرحمة منّا لأجل ما نزل به، وقد يقال : انظر الى رحمة فلان: أي انما يريد الفعل الذي حدث عن الرأفة التي في قلب فلان، فالرحمة بالمعنى الأول منفي عن الله تعالى، وفي نهج البلاغة: رحيم لا يوصف بالرقة(2).

لا يخفى أن رحمته غير محدودة، وغير قابلة للاحاطة، وفي قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ»(3)

يشير إلى مظاهر رحمته الواسعة، فان جميع الأنبياء معترفون بعدم امكان الاحاطة بمراتب رحمته الواسعة «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»(4).ولا يخفى أن في (الرحمن) المبالغة ما ليس في (الرحيم) ف_(الرحمن) بجميع الخلق، و(الرحيم) بالمؤمنين خاصة.

وفي الحديث عن الصادق(علیه السلام) أنه قال: (الرحمن) اسم خاص لصفة عامة، و(الرحيم) اسم عام لصفة خاصة(5).

ص: 113


1- نقله عنه في تفسير نورالثقلين: ج1، ح52 ص11.
2- نهج البلاغة، الخطبة179/صبحي الصالح: ص258.
3- لقمان: 27.
4- الأعراف:156.
5- مجمع البيان: ج1-2، ص21.

ف_(الرحمن) لا يوصف به غير الله بخلاف (الرحيم)، فانه يوصف به غيره يقال: فلان رحيم.

وأما قول بني حنيفة في مسيلمة: (رحمان اليمامة) وهو الذي تنبا في اليمامة وآمنت به بنو حنيفة، وقال شاعرهم:

أنت غيث الورى لا زلت رحمانا(1).

فهي كلمة كفر صدرت من كافر فلا يعبأ بها، وقتل مسيلمة في الحرب بينه وبين المسلمين في وقعة عرباء سنة 11هجرية.

قلنا: في (الرحمن) مبالغة ما ليس في (الرحيم)، لأن زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني على ما قيل، أو زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، ويكون

ذلك باعتبار الكمية والكيفية(2).

وفي الحديث القدسي: (ورحمتي تغلب على غضبي)(3). أي انه تعالى حبه لإيصال الرحمة أكثر من إيصال العقوبة، لأن الأوّل: يكون من مقتضيات ذاته.

والثاني: لأجل صدور المعصية.

وفي الحديث: (الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة )(4).فرحمن الدنيا يشمل الكافر والمؤمن، ورحيم الآخرة مختص بالمؤمن.

وفي الحديث الآخر: (رحمن الدنيا والآخرة)(5).

لأن النعم الأخروية كلها جسام، أما الدنيوية فقليلة وحقيرة.

وهناك فرق ثان: بأن (الرحمن) قيل: مختص بالدنيا، و(الرحيم) بالآخرة كما مرّ في الحديث: (الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الآخرة).

ص: 114


1- مجمع البحرين: ج6، ص69 (مادة رحم).
2- قال استاذ الاعظم في البيان ان زيادة المباني لاتدل على زيادة المعاني، فراجع.
3- مجمع البحرين: ج6، ص70 (مادة رحم).
4- مجمع البيان: ج1-2، ص21
5- تفسير نور الثقلين: ج1، ح55 ص12.

والثالث: بأن (الرحمن) عام لجميع الخلائق كما مر في الآية:« وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ »(1)، و(الرحيم) خاص بالمؤمنين، كما جاء في الدعاء: (رؤوف بالمؤمنين)(2).

(الكلام والكلمة): ففي بعض هذه الروايات ورد الكلام ثلاثة، وفي بعضها الآخر الكلمة ثلاثة: اسم وفعل وحرف، ولكن في اصطلاح النحويين الذي يشمل الثلاثة هو الكلمة.

وأمّا الكلام في اصطلاح اللغويين: عبارة عن أصوات متتابعة لمعنى مفهوم، وفي عرف النحاة عبارة عن المسند والمسند إليه، وهل يقع الكلام مصدراً؟

قيل: يقع الكلام مصدراً كقولك: كلمته كلاماً، ولكن الذي ينسب إلى بعض المحققين، كما نقله ابن الخشاب انه اسم المصدر.

والفرق بين المصدر واسم المصدر ثلاثة: الأول: ان المصدر مدلوله الحدث، و اسم المصدر مدلوله لفظ المصدر: أي ان المصدر يدل على الحدث بنفسه، واسم المصدر يدل على الحدث بواسطة المصدر.الثاني: ان مدلول المصدر هو الحدث كالتوضؤ، وأما اسم المصدر هو الحاصل من الحدث، كالوضوء بفتح الواو وضم الضاد، والطهارة الحاصلين من التوضؤ.

الثالث: ان اسم المصدر غالباً يجاري فعله في حروفه، كالاغتسال من غسل. أما المصدر فيخالفه في الأغلب، كالغسل بالنسبة إلى الاغتسال.

اذا عرفت هذا فهل الكلام هنا يراد به الكلام اللغوي __ وهو الأصوات المتتابعة __ أو الحروف المنتظمة المسموعة او كلام النحوي؟

ص: 115


1- الأعراف:156.
2- مجمع البحرين: ج5، ص61 (مادة رؤف).

قالوا: بالأول، لأن الأصل تأخير النقل. والظاهر هو الثاني بقرينة الحرف. اذاً ليس المراد هو ما يتكلم، بل الكلام من الإنسان هو ما ذكرنا، وأما بالنسبة إلى البارئ إذا قيل: انه متكلم فليس بمعناه انه يتكلم بلسان وشفتين، لأنه ليس بجسم، ولو قلنا: بأن المراد من الكلام اللغوي هو الحروف والأصوات المركبة التي تكون مفهمة للمعاني المقصودة، لأن التكلم من الصفات الحادثة القائمة بجسم من الأجسام والله سبحانه خالق الأجسام. نعم ان الله يوجد الكلام في ذلك الجسم كما أوجد الكلام في الجبل والشجر.

إذاً ليس المراد من الكلام النفسي، وان التكلم معنى قائم بالذات ويكون قديما ًومغايراً للعلم والقدرة، كما قال الشاعر:

ان الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جعل الكلام على الفؤاد دليلاً

لأنه

أولاً: كما ذكرنا ان الكلام هو عبارة عن الحروف والأصوات المفهمة للمعاني المقصودة، كما في عرف العقلاء.ثانياً: ان هذا المعنى غير قابل للتصور، كما ذكرناه في كتابنا الفلسفة العامة.

ثالثاً: انه بناءً على هذا لا بد ان نلتزم بتعدد القديم، وان الواجب يصبح مركباً من الذات والصفة فيصبح محتاجاً، فينقلب الواجب الى الممكن المحتاج.

قالوا: بان التكلم بالنسبة الى البارئ من الصفات القديمة، ويكون قائماً بالذات وهو متكلم بالحروف، لا انه يوجد الكلام، في الغير، وقد استشكلوا على هؤلاء وقالوا: بان هذه الألفاظ المركبة من الاصوات غير قارة: أي إنها ينعدم منها جزء، ويوجد الجزء الآخر بعد انعدام الجزء الذي كان قبله. فمعناه:

ص: 116

إنها _ أي الألفاظ _ تكون محدثة ومسبوقة بالعدم، فكيف يتصور إنها قديمة؟ ولكن هذا الإشكال يرد:

أولا: ان قلنا: بأن الألفاظ غير قارة بالذات، كما كان المعتقد في العصور القديمة: أما لو قلنا: بأن الألفاظ باقية في الجو، لا إنها ينعدم جزء ويوجد جزء آخر، فلا يرد هذا الإشكال.

ثانيا: ويرد عليهم بأنه بناءً على هذا القول لا بد أن نقول: بان البارئ تعالى له آلة التكلم، و مآله الى الاعتراف بالجسمية والى الاحتياج إلى الآلة، مع انه منزه عن الجسمية والاحتياج.

وقال آخرون: كالكّرامية بان التكلم صفة حادثة قائمة بالذات أيضا، وهو باطل لاحتياجه الى الآلة، ويثبت الجسمية لله جل وعلا، وانه يكون محلاً للحوادث.

إذاً الحق ان المراد من التكلم هو إيجاد الكلام في الأجسام.

هل كلام الله حادث او قديم، وقد تكلم المتكلمون فيه مفصلاً، ولكن الذي يظهر في الآية الشريفة «وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ»(1) انه حادث.إذاً التكلم من الصفات المحدثة، لأنه من صفات الأفعال، وانه فعل من الأفعال، وأفعاله تكون مسبوقة بالعدم وقائمة بجسم، والدليل على ذلك انه يكون عرضاً، والعرض يحتاج الى المحل.

اما الكلمة: وهي التي تكون اسماً وفعلاً وحرفاً، وقد وردت في القرآن لمعانٍ:

الأولى: قوله تعالى: «بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ»(2)

وهو عيسى(علیه السلام)، سمي بذلك لأنه وجد بأمره من دون أب، فشابه الأمور المبدعة التي أوجدها الله تعالى بمجرد

ص: 117


1- الشعراء: 5.
2- آل عمران: 39.

قوله: (كن)، ويمكن ان يكون المراد عالم الخلق، والأمر الصادرين من المتكلم الحقيقي، كما قال تعالى في حق عيسى: «وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ»(1).

الثانية: «وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً»(2)

والمراد بها التوحيد، فانها الكلمة الباقية تكلم بها إبراهيم(علیه السلام) وبعده ذريته، فيظهر من هذه الآية ان أولاد إبراهيم(علیه السلام) ____ أي اجداد النبي (صلی الله علیه و آله) __ موحدون.

الثالثة: كلمة (العذاب) كما في قوله تعالى:« أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ»(3) و هي قوله تعالى:« لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(4).

الرابعة: كلمة (الصدق والعدل)، كما في قوله تعالى:« وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً»(5) هي مواعيده وأحكامه وأخباره.الخامسة: كلمة (التقوى) هي الإيمان او شهادة ان لا اله الا الله كقوله تعالى:« وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى»(6)،

وفي الحديث: في معنى كلمة (التقوى) عن النبي (صلی الله علیه و آله) ان الله عهد الى علي عهداً، قلت: يا رب بينه لي، قال: استمع، قلت : سمعت، قال (جل وعلا): ان عليا(علیه السلام) آية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، والكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبني أحبه، ومن أطاعني أطاعه(7).

ص: 118


1- النساء: 171.
2- الزخرف: 28.
3- الزمر: 19.
4- هود: 119.
5- الانعام: 115.
6- الفتح: 26.
7- مجمع البحرين: ج6، ص165 (مادة كلمة).

السادسة: قوله تعالى:« وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ»(1) معناه: أرادة تأخير العقوبة والعذاب عن الأمة المرحومة.

السابعة: قوله تعالى:« َكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا»(2)

وهي دعوتهم إلى الإسلام.

الثامنة: قوله تعالى:« كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى»(3) وهي دعوتهم إلى الكفر.

(الاسم ما أنبأ عن المسمى): لذاته بذاته مقابل الفعل الذي يكون بذاته لغيره كضرب زيد، ومقابل الحرف الذي هو ملحوظ لغيره بغيره نحو: في الدار زيد.

فالإنباء بمعنى الإخبار، والنبأ العظيم اختلف في معناه. قيل: هو القيامة والبعث، وقيل: هو القرآن، لأنه نبّأ عن التوحيد وتصديق الرسول، والخبر عما يجوز وعما لا يجوز.والحق ان المراد منه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام)، كما ورد عن لسانه وهو الصادق الأمين: ما لله نبأ هو أعظم مني، وما لله آية هي أكبر مني، وقد عرض فضلي على الأمم الماضية على اختلاف ألسنتها، فلم تقف بفضلي(4).

وعن الإمام الباقر(علیه السلام) النبأ العظيم علي أمير المؤمنين(علیه السلام)(5)، هو النبأ العظيم وفلك نوح وباب الله وانقطع الخطاب.

سمي النبي نبياً لأنه يخبر عن الله بغير واسطة البشر وهو أعم من ان يكون له شريعة، أو ليس له شريعة ك_(يحيى) مقابل الرسول الذي هو أيضاً مخبر عن الله

ص: 119


1- يونس: 19.
2- التوبة: 40.
3- التوبة: 40.
4- تفسير البرهان: ج5، ح2 ص419.
5- سفينة البحار: ج2، ص564.

بغير واسطة احد من البشر، وله شريعة مبتدئة ك_(آدم(علیه السلام))، وناسخة ك_(محمد(صلی الله علیه و آله)).

الفرق الثاني: ان النبي : هو الذي يرى في منامه، ويسمع الصوت، ويرى في المنام، ولا يعاين الملك. والرسول: هو الذي يسمع الصوت، ويرى في المنام، ويعاين الملك.

الفرق الثالث: بأن الرسول قد يكون من الملك بخلاف النبي.

الفرق الرابع: ان النبي هو الإنسان الكامل المبعوث من قبل الله بلا واسطة بشر، فلو كان نبياً لنفسه يطلق عليه نبي فقط، وان كان مبعوثاً للناس كافة فيقال له: سفير، ولو كان له شريعة جديدة تكون ناسخة للشريعة التي سبقت. فيقال لصاحب هذه: أنه من أولي العزم.

فالنبي يكون اعم من الرسول، لأن كل نبي رسول ولا عكس، والرسول اعم من أولي العزم، لأن كل واحدٍ من أولي العزم يكون رسولاً ولا عكس. وقد يأتي النبي بمعنى الخبير لا انه بمعنى المخبر، كما ورد عنه كنت نبياً وآدم بين الماء والطين.ومن المعلوم ان النبوة هنا ليست بمعنى المخبر به ، بل بمعنى انه كان خبيراً، وأيضاً كما ثبت في محلة انه قبل البعثة لم يكن تابعاً لأحد من الأنبياء السلف، بل كان يعمل بشريعته اذا كان نبياً قبل البعثة ولم يكن رسولاً.

(المسمى): الألف واللام قد تأتي للعهد وقد تأتي للجنس، والمراد هنا الجنس.

لا يخفى بان اللفظ والمعنى يكونان متباينين.فالاسم بسيط ومن الكيف المسموع، والمسمى قد يكون جوهراً وقد يكون عرضاً، فكيف يحصل المعنى ويخطر بالبال بسبب إلقاء اللفظ؟ هل هذا يكون من جهة العلقة الذاتية ام من جهة الجعل؟

الحق هو الثاني، لأنه لو كانت هذه العلقة ذاتية لما أمكن الجهل باللغات أصلاً، وأنه لو كان سماع اللفظ علة للانتقال إلى سماع المعنى وانتقال المعنى في

ص: 120

ذهن السامع بدون وضع، فنتيجته احاطة كل شخص بكل اللغات، وهذا بديهي البطلان.

إذاً لا بد ان يكون بالوضع، وهو الذي يحصل بواسطته ارتباط خاص بين اللفظ والمعنى, ومن هنا وقع الخلاف في معنى الوضع هذا، فمنهم من فسره بالالتزام والتعهد من الواضع بإرادة المعنى من اللفظ عند الاستعمال: أي استعماله في المعنى بلا قرينة، وهذا القول منسوب إلى الفاضل النهاوندي(1).

وقال صاحب الكفاية: بانه عبارة عن اختصاص اللفظ بالمعنى، وارتباط خاص بينهما ناشيء عن تخصيصه به تارة، ومن كثرة استعماله أخرى(2)، ومنهم من فسره بجعل اللفظ علامة لإرادة المعنى، ومنهم كالأستاذ المحقق(قدس سرّه)(3)حيث قال ب_(الهوهوية).وقد شرحنا الأقوال في محاضراتنا في النجف الأشرف وفي قم المقدسة، وبعد شرح جميع الأقوال مفصلاً وردّ الجميع، اخترنا القول الأخير، وهو القول ب_(الهوهوية) تبعاً للأستاذ المحقق (قدس سرّه) وقلنا: ان هذا الاتحاد لا بد ان يحصل بين طبيعي اللفظ وطبيعي المعنى، ولا نعني بها الهوهوية الاعتبارية، بل الواقعية، مع قطع النظر عن سبب خارجي: أي ان طبيعي اللفظ مستعد لإحضار طبيعي المعنى، وليست من الأمور التكوينية، بل من الأمور الواقعية، ويكون من باب التوسعة في الموضوع كالطواف بالبيت صلاة، وليس من الأمور الاعتبارية المحضة أيضاً، ولا من الأمور الانتزاعية، بل كما ذكرنا يكون من الأمور الواقعية، فحقيقة اللفظ هي ان يعتبر الواضع وجود اللفظ وجوداً تنزيلياً للمعنى.

ص: 121


1- منتهى الدراية: ج1، ص32.
2- كفاية الاصول: ص9.
3- وحيد عصره المحقق الكبير اية الله العظمى السيد البجنوردي(قدس سرّه)

إذاً هذا الاتحاد ولو انه يحصل بواسطة الاعتبار لا تكويناً، ولكن بعد الوضع يحصل الاتحاد واقعا إذاً معنى الوضع هو فناء اللفظ في المعنى، ودليلنا على ذلك: انه مع وجود المباينة بين اللفظ والمعنى كيف يكون إلقاؤه إلقاء المعنى لولا هذه الهوهوية والاتحاد؟ وهل يمكن ان يكون إلقاء شيء إلقاءاً لشيء آخر مبيناً له؟

فهذا لا يمكن إلا بجعل اللفظ وجوداً تنزيليا للمعنى أيضاً ، وكيف يسري حسن اللفظ او قبحه الى المعنى؟ وعلى العكس كيف يسري حسن المعنى وقبحه الى اللفظ لولا هذا الاتحاد والهوهوية.

(ما): ترد اسمية وحرفيه، فالاسمية تكون موصولة نحو قوله تعالى: « وما عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ»(1).وتامة نحو: غسلته غسلاً نعماً: أي نعم الغسل. وناقصة موصوفة ويقدر بشيء نحو قوله: مررت بما معجب لك: أي بشيء معجب لك. واستفهامية نحو قوله:«وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى»(2).

وشرطية نحو قوله: «وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ»(3).

وحرفية مصدرية نحو قوله:«عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ»(4).

وزائدة نحو قوله:«فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ»(5).

وكافة عن عمل النصب والرفع كقوله:«إِنَّمَا اللّهُ إِلَ_هٌ وَاحِدٌ».

وزمانية نحو قوله:« فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ»(6).

وغير زمانية نحو قوله:«مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ»(7).

ص: 122


1- النحل: 96.
2- طه: 17.
3- البقرة: 197.
4- التوبة: 128.
5- آل عمران: 159.
6- التوبة: 7.
7- البقرة: 106.

بمعنى النافية نحو قوله:« مَا هَ_ذَا بَشَراً»(1).

وكافة عن عمل الرفع كقول الشاعر:

قلما يبرح اللبيب الى ما *** يورث المجد داعياً أو مجيباً

وكافة عن عمل الرفع والنصب، وهي المتصلة ب_(ان وأخواتها) نحو ق_وله: «إِنَّمَا اللّهُ إِلَ_هٌ وَاحِدٌ»(2).

وكافة عن عمل الجر كقول الشاعر:

ربما أوفيت في علم *** ترفعن ثوبي شمالات

و (ما) غالباً تطلق على غير ذوي العقول، ولكن قد تطلق على جماعة من العقلاء نحو قوله:« أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»(3).

وخلاصة القول في (ما) أنها ترد في العربية ولها أربعة عشر مورداً.

و(من) تكون على العكس، فالأغلب تأتي لذوي العقول نحو قوله:« فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى»(4)وتستعمل

لغير ذوي العقل نادراً نحو قوله:« فَمِنْهُم مَّن

ص: 123


1- يوسف: 31 .
2- النساء: 171.
3- النساء:3.
4- طه: 49.

يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ»(1)، تلحق ما ب_(رب) و(الكاف) و(الباء) و(من) وغيرهما.

وتكون للتعجب نحو (ما أحسن زيداً)، وتجيء محذوفة الألف إذا ضمت إليها الباء فن_قول: بم، و(عن) نح_و قوله تعالى:« عَمَّ يَتَسَاءلُونَ»(2)

و (لم) نحو قولك : لِمَ فعلت هذا؟. وكثيراً ما يقال: (فمه) وكان المعنى (فماذا تريد) والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى.والفعل: عبارة عن كل عمل معتد به أو غير معتد به، وقيل: بمعنى اسم المصدر، لان مصدره الفعل بالفتح، وهو عبارة عن تأثير الفاعل مادام مؤثراً،والانفعال عبارة عن تأثير الشيء.

والحركة: أيضاً اسم من التحريك، وهو الانتقال خلاف السكون.

والحركة عند المتكلمين: عبارة عن حصول الجسم في مكان بعد حصوله في مكان آخر، أعني: عبارة عن مجموع الحصولين.

وعند الحكماء: هي عبارة عن الخروج من القوة الى الفعل، والمراد هنا حركة الحادث تحققاً، أو اتصافاً قياماً أو قعوداً.

قال النحويون: ان الاسم: هو ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، والفعل: ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحدها، والحرف: ما دل على معنى في غيره.

قال الشيخ البهائي في الصمدية: الفعل: كلمة معناها مستقل مقترن بأحدها _ أي الأزمنة الثلاثة _ (3).

ص: 124


1- النور: 45.
2- النبأ: 1.
3- جامع المقدمات: ص301.

وعن نجم الائمة في حد الفعل ما لفظه: هو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة معيناً، بحيث يكون ذلك الزمان المعين مدلول اللفظ الدال على ذلك المعنى بوضعه له، فيكون الظرف والمظروف مدلولي لفظ واحد بالوضع الأصلي(1).

وفي الهداية: وحد الفعل بأنه كلمة تدل على معنى في نفسه مقترناً بأحد الأزمنة الثلاثة، كضرب يضرب إضرب(2).فعلى أي حال اتفق النحويون على دلالة الفعل على الزمان، بل نسب هذا الاتفاق الى علماء المعقول أيضاً، وقد استدلوا بالتبادر أيضاً، ولكن التبادر غير ثابت، إذا لابد ان يكون من حاق اللفظ و استدلوا بالإجماع، ولكن الإجماع ليس بحجة، لان الذي يكون حجة هو الإجماع التعبدي الكاشف عن قول المعصوم(علیه السلام).

نعم، لو كان هذا الاتفاق كاشفاً عن تنصيص الواضع يكون حجة، ولكنه غير ثابت، فالحق ان الزمان ليس جزء لمدلول الأفعال لأمور:

الأول: لأنه لو كان مدلولاً للفعل لكان إما مدلولاً لهيئته أو مادته، اذ الدال على ذلك منحصر فيهما، والمادة لا تدل الا على نفس الطبيعة المجردة، وأما الهيئة فهي لا تدل إلا على نسبة المادة إلى الفاعل، وهو معنى حرفي، والزمان معنى اسمي له معنى استقلالي، فكيف يمكن ان تدل الهيئة التي هي من المعنى الحرفي على الزمان الذي هو معنى اسمي؟

الثاني: لو كان الزمان مدلولاً لفعل للزمت دلالته على أمرين ًمتباينين بإطلاق واحد، وهما: النسبة الى فاعل ما والزمان.

ص: 125


1- الكافية في النحو: ج1، ص11.
2- جامع المقدمات: ص184.

الثالث: ان النسبة الى فاعل ما تكون معنى حرفياً، والزمان يكون معنى اسمياً، ودلالة الهيئة عليهما مستلزمة لصيرورتهما اسماً وحرفاً في معنى واحد.

الرابع: لو كان دالاً على الزمان فلا يجوز استعماله في نفس الزمان، كقولك: مضى الزمان، وخلق الله الزمان، لان الزمان لا يكون في زمان آخر، فلا بد عند الاستعمال من التجريد عن الزمان، و هو خلاف الوجدان، لعدم الفرق بين إسناد الفعل الى الزماني وبين إسناده إلى نفس الزمان، بل المجردات عن المادة سواء أكان في صفات الذات كقولك: علم الله جل جلاله، ام من صفات الفعل كقولك: خلق الله الأرواح.

الخامس: لو كان دالاً على الزمان لما جاز إسناده إلى الزمان ،ولو بنحو التجوز لاستحالة وقوع الحدث المسند الى الزمان في الزمان، مضافاً الى عدم وجود علقةمصححة للاستعمال، ولو جاز فمجرد وجود علقة الكل والجزء لا تكون هذه العلقة مصححة، فظهر مما ذكرنا بأن الفعل لا يدل على الزمان.

نعم، لو نسب الى الزماني فهو يدل عليه، ولكن هذه الدلالة ليست مستندة الى الوضع بل إلى الإطلاق.

قد يقال: ان الاختلاف بين الاسم والفعل ليس من جهة انه دال على الزمان دون الاسم، بل عبارة عن المعنى البرزخي بين المعنى الاسمي والحرفي، ولكن هذا الكلام غير تام، للفرق الواضح بين المسمى وحركة المسمى.

وقد يستشكل على التعريف المشهور للنحويين: بان المراد من الفعل الذي هو مستقل في نفسه، والغرض منه الاستقلالية بالمفهوم.

وعليه فيكون التعريف جامعاً بين الاسم والفعل، ولكن الحق ان المستقل بالمعنى هو الاسم، وإما الفعل بما انه مركب من الحدث الذي هو مفهوم مستقل، والإسناد الذي هو معنى حرفي فهو برزخ، ولكن هذا الكلام انما يتم على إيجادية المعنى الحرفي، اما بناءً على اخطاريته فالفعل له مفهوم مستقل بالنسبة للإسناد أيضاً.

ص: 126

(والحرف ما أوجد المعنى في غيره): ان الحرف بمعنى الطرف، حرف كل شيء طرفه وشفيره وحدّه.

وقال النحويون: بأنه ما يدل على معنى لا في نفسه بل في غيره.و يسمى الحرف حرفا، لأنه وقع في الطرف ، وقالوا: ان الحروف وضعت للربط بين المعاني المستقلة كالباء، فأنها وضعت لمجرد الربط: أي إلصاق الفعل أو ما في معناه بمدخولها والإلصاق هو حقيقي ومجازي، فالحقيقي كقولك: أمسكت بزيد، والمجازي نحو: مررت بزيد وسائر الخصوصيات من التعدية والتفدية والظرفيةوالمصاحبة والاستعانة تعرف من القرائن الخارجية كقولك: كتبت بالقلموالبدلية كقول الشاعر:

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا *** شنوا الإغارة فرساناً وركبانا

والمجاوزة كقوله تعالى:« فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً»(1).

والاستعلاء كقوله تعالى:«مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ»(2)، أي على قنطار.

والمقابلة كقوله تعالى:« وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »(3).

والسببية كقوله تعالى:« فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ»(4).

والغاية كقوله تعالى:« وَقَدْ أَحْسَنَ بَي»(5).

ص: 127


1- الفرقان: 59.
2- آل عمران: 75.
3- الزخرف: 72.
4- النساء: 160.
5- يوسف: 100.

والتبعيض كقوله تعالى:« وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ»(1).

وفي الحديث : سئل(علیه السلام)إنهم يقولون نزل القران على سبعة أحرف؟

فقال: كذب أعداء الله، ولكنه نزل القران على حرف واحد(2)،

وفيه ردُ لما رووه في أخبارهم من ان القرآن نزل على سبعة أحرف، ثم إنهم اختلفوا في معناه على أقوال.فقيل إن المراد بالحرف الاعراب، وقال الآخر: الكيفيات، وقال الثالث: إنها وجوه القراءة التي اختارها القراء، ومنه : فلان يقرأ بحرف ابن مسعود.

وورد عن أبي عبيدة على سبعة أحرف _ أي لغات من لغات العرب _ وقال: ليس معناه ان يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، ولكن نقول: هذه اللغات السبع معروفة في القرآن، فبعضه بلغة قريش،وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، ثم قال: ومما يبين ذلك قول ابن مسعود: اني سمعت القراء فوجدتهم متقاربين: فاقرأوا كما علمتم انما هو كقول احدهم: هلم وتعال واقبل(3).

ويأتي بمعنى الفصل كما في الحديث: الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً(4) __ يعني فصلاً ____ .

وقد وقع الخلاف في المعنى الحرفي وفيه أقوال:

القول الأول: هو المنسوب إلى صاحب الكفاية(5):

من عدم الفرق بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي، لا من جهة الموضوع له ولا المستعمل فيه، بل المعنى

ص: 128


1- المائدة: 6.
2- الكافي:ج2، ص630.
3- مجمع البحرين: ج5، ص37.
4- الكافي: ج3، ص302.
5- كفاية الاصول: ص12.

الحرفي هو المعنى الاسمي. فان كلمة (من) والابتداء كلاهما موضوعان لمعنى واحد، والآلية والاستقلالية ليستا جزءاً للموضوع له ولا المستعمل فيه.

ولذا الوضع يكون فيهما عاماً وكذا الموضوع له، والمستعمل فيه يكونان عامين، وعدم جواز استعمال كل من لفظ الابتداء و (من) في مكان آخر، انما هو من جهة ان الاسم وضع ليراد به المعنى في نفسه، والحرف وضع آلة لملاحظة الغير، وانه وضع ليراد منه معناه، لا بما هو هو بل بما هو حالة للغير.ونحن أثبتنا في بحوثنا الأصولية بان الوضع في الحرف عام والموضوع له خاص، والتباين بين المعنى الاسمي والحرفي ذاتي، وليس التباين بينهما من جهة اللحاظ، وبينا هنا الاحتمالات الممكنة في لحاظي الآلية والاستقلالية باستيعاب، ولا مجال هنا للتوضيح أكثر من ذلك في هذه الرسالة المختصرة.

القول الثاني: ما عن نجم الأئمة بان الحروف لا معنى لها حتى يوضع لها لفظ الحرف، بل حالها حال علامات الاعراب، حيث تجعل علامة لخصوصية المعنى في مدخوله، فكما ان الرفع يكون علامة لفاعلية الفاعل وهو (زيد) في قولك: ضرب زيد، وكذلك (من) تكون علامة للابتدائية وهي ابتدائية مدخولها كالبصرة، في قولك سرت من البصرة الى كربلاء. وهكذا (في) علامة على ظرفية مدخولها كالدار في قولنا: زيد في الدار.

إذا لا معنى للحرف أصلا، ولكن الحق ان الحرف له معنى، لان قولك: زيد في الدار، ف_(زيد) يدل على نفس المسمى، وكذا الدار فإنها موضوعة لنفس معناها، و(في) تدل على خصوصية الظرفية، ونفس الخصوصية التي تدل عليها الحروف بذاتها هي معنى الحروف.

القول الثالث: ما هو المنسوب الى المحقق النائيني(1):

ص: 129


1- أجود التقريرات: ص21.

(هو ان الحروف ايجادية بخلاف الأسماء فانها إخطارية، فالمعنى الحرفي يباين المعنى الاسمي بالذات، والمعنى الاسمي إخطاري، فالاسم معناه يحضر في الذهن استقلالاً، وله مفهوم ثابت قبل الاستعمال).

واما المعنى الحرفي فلا مفهوم له، بل هو إيجادي وهو بمعنى الربط بين المعاني الاسمية والمتباينة كالدار وزيد والسير والبصرة. وبما ان المعاني الاسمية لا ارتباط بين بعضها والبعض الآخر، فاحتيج في مقام التأليف الى ربط يربط بينهما، ولكنلقد شرحنا مفصلاً وبينا بان الحروف ايضاً يكون معناها إخطارياً كالاسم لا إيجادياً، وقد استدل المحقق النائيني على مبناه بأمور:

الأول: بما روي عن أبي الأسود الدؤلي، عن أمير المؤمنين(علیه السلام) الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد المعنى في الغير،قال يظهر في عدوله من الانباء إلى الإيجاد بالنسبة الى الحرف، ان المعنى الحرفي لا تقرر له في أي وعاء غير وعاء الاستعمال حتى يدل عليه الحرف ويحكى عنه كحكاية أخويه عن معانيهما، فتبين ان الحرف يكون آلة لإيجاد معناه فقط، وقد اجبنا عن هذا الاستدلال بان الرواية نقلت بألفاظ مختلفة ومنها:

أولاً: بان الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد المعنى في غيره(1)،

وهذه هي التي استدل بها على مبناه.

ثانياً: الاسم ما دل على المسمى، والفعل ما دل على حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل(2).

ثالثاً: أقسام الكلمة ثلاثة: اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أوجد معنى في غيره(3).

ص: 130


1- تأسيس الشيعة: ص55.
2- تأسيس الشيعة: ص51-61.
3- تأسيس الشيعة: ص53.

رابعا: الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبىء به، والحرف ما جاء لمعنى(1).

وورد بطريق خامس: الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف أداة بينهما(2).

فالرواية الثانية والرابعة تدلان على الإخطارية.إذاً لا يمكن الاستدلال بالرواية مع اختلافها من جهة المضمون وأما ما قيل: بأنه لا يمكن الاستدلال بالرواية، لأنها عامية لا يمكن الاعتماد عليها، انه ولو كانت ولكن من المسلم صدورها عن أمير المؤمنين(علیه السلام)، كيف وقد اتفق العامة والخاصة على إنها صدرت منه(علیه السلام) سوى شرذمة منهم، وهذا الاتفاق يكون سبباً للقطع بصدورها منه، وانه(علیه السلام) يكون واضعاً للنحو كما ذكرنا، وقد ذكر المحقق الجليل السيد علي البهبهاني: بان الرواية مشتهرة بين أهل العربية اشتهار الشمس في رائعة النهار(3)،

أو رابعة النهار ولكل من هذين اللفظين له معنا خاصاً به لا يسع بيانه هنا.

وعن ابن أبي الحديد: (انه يظهر في حصر الكلمة الى اسم وفعل وحرف، وتقسيم الاعراب إلى الرفع والنصب والجزم يكاد يلحق بالمعجزات، لآن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستدلال)(4).

ومعناه: انه من المسلم صدوره من علي(علیه السلام)، فان عدم إمكان الاستدلال بالروايات على المطلق انما هو من جهة اختلاف المضمون، لا من جهة الشك في الصدور، و إلا فهي مقطوعة الصدور واضحة المعنى.

ص: 131


1- تأسيس الشيعة: ص49.
2- تأسيس الشيعة: ص59.
3- نقله عنه في فوائد الاصول: ج1، ص50.
4- نقله عنه في تأسيس الشيعة: ص54.

الثاني: بان حرف النداء مثل: (يا زيد) لا يمكن ان يكون منبئاً، وحاكياً عن النسبة الابتدائية المقررة في غير موطن الاستعما ، اذ قبل الاستعمال لا منادى ولا منادي، بل هذه العناوين انما توجد بنفس الاستعمال.

وثالثاً: ان مفاهيم أجزاء الجملة مفاهيم بسيطة غير مرتبطة بعضها ببعض سواء أكانت الجملة اسمية أم فعلية، خبرية ام إنشائية، ناقصة ام تامة، كالماء والكوز. ولولا كلمة (في) لما حصل ربط بينهما، مع أنهما في ذاتهما متباينان.وقد اجبنا عن هذه الاستدلالات مفصلاً، وقلنا: بأنها غير تامة، والحق بان المعنى الحرفي إخطاري لا إيجادي، وسيأتي بيان حقيقة الرأي المختار.

القول الرابع: ما عن هداية المسترشدين: من التفصيل بين الحروف، فان بعضها يكون ايجادياً كحروف النداء والتمني والترجي، وبعضها إخطارياً ك_(الى) و(على) و(في)(1)، وأيضاً ذكرنا بأنها كلها إخطارية.

القول الخامس: ان المعنى الحرفي يكون من قبيل الوجود الرابطي كالأعراض، فأنها وضعت لمعنى لوحظ حالة للغير ونعتاً له، فلا يمكن ان يوجد في الذهن مستقلاً وفي غير الموضوع، بل حاله حال الأعراض الخارجية التي لا توجد مستقلة(2).

ولكن ذكرنا بان المعنى الحرفي يكون من قبيل وجود الربط، ويحتاج إلى الطرفين، والأعراض تحتاج إلى طرف واحد، فراجع.

القول السادس: ما ذكره سيدنا الأستاذ الاعظم السيد الخوئي(قدس سرّه)(3)

في المحاضرات بعدما ذكر الفرق بين المعنى الحرفي والاسمي من التباين، وبعد ان

ص: 132


1- هداية المسترشدين: ص22.
2- نهاية الدراية: ج1، ص29.
3- المحاضرات: ج1، ص75.

قسم الحروف إلى قسمين: قسم منها يدخل على المركبات الناقصة والمعاني الافرادية ك_(من) و (إلى).

والقسم الآخر ما يدخل على المركبات التامة ومفاد الجملة كحروف النداء والتشبيه والتمني والترجي.

قال: أما القسم الأول: فهو موضوع التحصص _ أي تحصص المعنى الاسمي في عالم المفهوم __ لأنها قابلة للتقسيمات الى غير النهاية، فتارة: يراد منه تفهيم ذاتالمعنى بإطلاقه، واخرى: تفهيم حصة معينة، فان أريد الأول أمكن الاكتفاء بالاسم بإطلاقه، وان أريد الثاني فإنها لا تفهم من مجرد الإطلاق. فالاسم لا يدل عليهما، والذي يدل عليهما هو الحرف.

وفيه: ان المعنى الحرفي سبب للتحصص، لا انه بمعنى التحصص، فاذا قلت: سرت من البصرة، فإن لم تلاحظ السير ولم تلاحظ البصرة ولم تلاحظ النسبة بينهما بحيث يفهم بأنه ليس المراد مطلق السير،لان الملاك منحصر في حصة خاصة من السير لم يحصل التحصص.

إذاً الحرف يكون موضوعاً لشيء يكون سبباً للتحصص. ولم نذكر القسم الثاني من كلامه، لانه غير مربوط بمحل البحث.

الحق _ بعد ذكرنا لهذه الأقوال واستشكالنا عليها مفصلاً _ ان المعنى الحرفي يكون بمعنى الإخطارية، وليست اخطاريته مستقلة كالأسماء، بل تكون اخطارية في وعاء المفاهيم: أي في ضمن وجود ركنيه، كما انه ليس بمغفول عنه، لذا قد يسأل عن كيفية مجيء الشخص مع علمه بأصل مجيئه.

اذا لا معنى للقول بأنها لا معنى لها بما هي هي ما عدا التراكيب الكلامية.

قوله:

(ظاهر) أي يفهم معناه عرفا بلا واسطة شيء لكي يفهم المعنى منه.

(مضمر) أي مخفي معناه، ويحتاج في فهم معناه الى واسطة او وسائط.

ص: 133

(وشيء ليس بظاهر ولا مضمر) منه بطون المعاني وإدراك الأحكام المستترة.

قال الحموي: ومثل الزجاج لقوله: (ما ليس بظاهر ولا مضمر)بالمبهمات نحو: (هذا) و (من) و (ما) و (الذي) و (أي) و (كم) و (متى) و (أين) وما أشبهه(1).

ويمكن ان نفسر هذه الجملة بوجوه:المراد بالظاهر هو الاسم الظاهر، والمراد بالمضمر الضمائر البارزة، وشيء منه ليس بظاهر ولا مضمر كالضمائر المستترة. وقد قيل __ كما في الرواية السابقة __: أراد بذلك اسم العلم المضمر.

اللفظ اما ظاهر: أي ملحوظ بذاته لذاته، من غيره مقابل بذاته لذاته من ذاته، ومقابل بذاته ولكن لا لذاته بل في غيره، ومقابل ليس بذاته ولا في ذاته بل لغيره وفي غيره.

فالأول: الجوهر وهو الموجود الذي يكون قوامه بنفسه، وهو على خمسة أقسام:

أ: العقل.

ب: النفس.

ج: المادة.

د: الصورة.

ه_: الجسم.

الثاني: ذات البارئ.

الثالث: العرض: وهو الموجود الذي يكون قوامه بالجوهر، ويكون على أقسام تسعة:

أ: الكم

ب: الكيف

ص: 134


1- قاموس الرجال: ج5، ص175.

ج: الأين

د: متى

ه_: الوضع

و: الجدةز: الإضافة

ح: الفعل

ط:الانفعال

وتفصيل معاني هذه الأمور يكون في محلها.

الرابع: الحروف بناء على المشهور الذي هو الايجادية.

وإما مضمر: أي ملحوظ بذاته لغيره ، وشيء منها ليس بظاهر ولا مضمر وهو الحرف.

الظاهر كالاسم والمضمر كالفعل ، وليس باحدهما كأسماء الأفعال.

الظاهر ك_(زيد) ومضمر كالاسم المحذوف (فاسأل القرية) أي أهل القرية ليس بظاهر ولا مضمر(وتسمع بالمعيدي خير من ان تراه).

الاعراب: إما ظاهر كالاعراب بالحركات، أو مضمر كالاعراب بالحروف، وليس باحدهما كالاعراب في غير المنصرف نحو: مررت بأحمد.

الاعراب اما ظاهر كالاعراب اللفظي، او مضمر كالاعراب التقديري، أو ليس بظاهر ولا مضمر كالاعراب المحلي.

العامل: إما ظاهر كالعوامل اللفظية، او مضمر كالعوامل المحذوفة كما في قولك: سقياً ورعياً ونحوهما، أو ليس بشيء منها كالعامل المعنوي كالابتدائية في الابتداء.

المقصود من قوله: ظاهر: أي يفهم من اللفظ كالمناطيق، والمضمر المفاهيم، كالماء اذا قدر كُراً لا ينجسه شيء، فان مفهومه انه اذا لم يبلغ الى ذلك الحد

ص: 135

ينجسه كل شيء. وليس بظاهر ولا مضمر كدلالة الإشارة على اقل الحمل، فانهيفهم من النظر الى الآيتين وهما: «وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً»(1) و«وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ»(2).

فيكون الناتج بعد الطرح ستة اشهر.

الظاهر كالجسم: وهو الجوهر المركب من المادة والصورة، وله أبعاد ثلاثة: الطول والعرض والعمق ولا بد ان يكون في مكان.

والمضمر كالنفس: هو الجوهر البسيط، ولو انه في ذاته لا يحتاج الى المادة، ولكن في الفعل يحتاج إلى المادة، وهما من أفراد الجوهر تمييز النفس من الجسم والعرض.

لا يخفى بان النفس ليست بجسم ولا عرض لأنها حيثما ترى في الإنسان شيئاً يكون مضاداً لأفعال الجسم وأجزاء الجسم وخواصه وهو غير مشاركة معه في حال من الأحوال، وأيضاً هي تباين الأعراض وإيفادها اذا عرفناه بانه ليس بجسم ولا عرض وهذا الشيء ليس قابلاً للتغير ولا التبديل، وبعد ان فرض لكل جسم صورة خاصة.

وهو غير قابل لقبول صورة أخرى، الا بعد ان يفارق الصورة الأولى مفارقة تامة، ولو فرض هناك جسم مثلثي الشكل فهو لا يقبل شكلا اًخر على صورة التربيع أو التدوير الا بعد مفارقة الصورة الأولى، ولو بقي فيه شي من ذلك الشكل او الصورة أيضاً لم يقبل الصورة الثانية، بل تخبط الصورتان. هذا حكم مستقيم ومستمر في الأجسام يقال: إذا قبل الشمع صورة نقش الخاتم لم يقبل غيره من النقوش الا بعد ان يزول عنه رسم النقش الأول.

ص: 136


1- الاحقاف: 15.
2- البقرة: 233.

ولكن نحن بعد ان تأملنا وجدنا من أنفسنا تقبل الصور المختلفة سواءٌ أكانت من المحسوسات ام المعقولات، وفي وقت واحد من دون مفارقة للأولى ولا معاقة ولا زوال رسم بل يبقى الرسم الأول باقياً على نحو التمام والكمال. وفي حينه يتقبل الرسم الثاني تاماً كاملاً، بل النفس تقبل الصور المتعددة دوماً بدون الضعف أو القصور في اي من الأوقات، بل حينما ترد الصورة الثانية تكون سبباً لقوة الصورة الأولى.

أما انها ليس بعرض، لان العرض غير قابل لحمل عرض أخر، لأنه في نفسه محمول أبداً ويوجد في غيره وليس له قوام بذاته.

والنفس في نفسها جوهر قابل أبداً لان يكون حاملاً وأكمل من حمل الأجسام للعرض وما يتصور من الطول والعرض والعمق للجسم في الذي صار به الجسم حسبما يتصور بالنسبة إلى النفس بالنسبة إلى قوتها الوهمية، من غير ان تصبح عريضة وطويلة وعميقة .

أيضا ليس كالحواس لأنها تدرك المحسوسات فقط، اما النفس تدرك أسباب الاتفاقات وأسباب الاختلافات التي تأتي من المحسوسات، بل تدرك المعقولات بنفسها من دون ان تستعين بالجسم.

و ذكر بعض الأجّلة: لا يخفى أن النفس تطلق على معان:

أحدها: ذات الشيء يقال: هذا نفس الشيء أي ذاته وعينه.

وثانيها: الدم السائل كقول الفقهاء: كل ما كان له نفس سائله فحكمه كذا.

وثالثها: الهواء، كقولهم: هلك نفسه اذا انقطع نَفَسُه، ولم يبق في جسمه هواء يخرج من جوانبه.

ورابعها: ميل الطبع «إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ»(1) أي ان الهوى داع الى القبيح.

ص: 137


1- يوسف: 53.

وخامسها: النقمة «وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ»(1)

أي نقمة وعقوبة. «مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(2) لأنهم كلهم كانوا خصماءه، وكان هذا القتل بمنزلة قتل الجميع. وبما أنهم أصبحوا متأثرين، فمن شدة التأثر كان هذا القتل متوجهاً إليهم كلهم.

ومن أحيا نفساً من جهة الاستنقاذ من الحرق او الغرق او غيرهما أو استنقذه من ضلال فكأنما أحياهم جميعاً أي أجره على الله كان كأجر إحياء جميع الناس، وفيه فرعان:

الفرع الأول: من قتل نبياً أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن شد على عضد نبي او إمام فكأنما أحيا الناس جميعاً في استحقاق الثواب.

الفرع الثاني: من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً، لأنه سهل لهم هذا العمل في نظر الغير وسن القتل، فكان عقابه عقاب الجميع، لأنه كان بمنزلة من شارك في قتل جميع الناس.

أما من اجتنب عن قتل الغير ويعظم تحريم القتل فقد أحيا الناس جميعاً لعدم إقدامه على هذا العمل الشنيع.

والنفس مدبر للبدن، والحكماء يعبرون عنها بالنفس الناطقة، وبما ان لها شؤوناً وأطواراً مختلفة ولذا عبر عنها البارئ بقوله: «وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً»(3).

إذا بحسب كل شأن وطور اصطلحوا عليه معنى ومراتب، وقالوا بان لها خمس مراتب:

ص: 138


1- آل عمران: 28.
2- المائدة: 32.
3- نوح: 14.

الأولى: الأمارة بالسوء: وهي التي تمشي على وجهها تابعة لهواها، وتسمى بالأمارة لان الأعمال القبيحة الموجودة عندها حسب تخيلاتها، وتسويلاتها تصبح حسنة عندها، وتسمى حينئذ بالنفس المسولة أيضاً.

لا يخفى ان النفس واقعة بين القوى العقلية والشهوانية، بالأولى تحرص على تناول العلوم والخصال الحميدة المؤدية إلى السعادة الباقية أبد الآبدين.

وبالثانية: تحرص على تناول اللذات البدنية البهيمية كالغذاء والفساد والتغالب وسائر اللذات العاجلة الفانية، والى هاتين القوتين أشار تعالى: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»(1)،

وقوله تعالى: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً»(2)،

فان جعلت أيها الإنسان الشهوة منقادة للعقل فقد فزت فوزاً عظيما، واهتديت صراطاً مستقيما، وان سلطت الشهوة على العقل وجعلته منقاداً لها ساعياً في استنباط الحيل المؤدية الى مراداتها هلكت يقيناً وخسرت خسراناً مبينا، وقد عبرت عن أقسام النفس بتعبير آخر، وهو إن النفس إذا تابعت القوة الشهوية تسمى بالبهيمة.

وإذا تابعت الغضبية تسمى بالسبعية، وان جعلت رذائل الأخلاق لها ملكة سميت بالشيطانية، وعبر البارئ عنها بالنفس الأمارة اذا كانت رذائلها ثابتة، وان لم تكن ثابتة بل تكون مائلة إلى الشر تارة، والى الخير أخرى، وتندم على الشر وتلوم عليها تسمى لوامة، وان كانت منقادة للعقل العملي تسمى مطمئنة، والمعين على هذه المتابعات هو قطع العلائق البدنية.

قال الشاعر:

اذا شئت أن تحيا فمت من علائق

ص: 139


1- البلد: 10.
2- الانسان: 3.

من الحس خمس ثم من مدركاتها

وقابل بعين النفس مرآة عقلها *** فتلك حياة النفس بعد مماتها

والثانية: اللوامة كقوله تعالى: «وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ»(1) وهي التي كما ذكرنا لا تزال تلوم نفسها وان اجتهدت في الإحسان وتلوم على تقصيرها في التعدي في الدنيا والآخرة، ويقال: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها يوم القيامة ان كانت عملت خيراً هلا ازدادت منه، وان كانت عملت شراً لم عملته.

الثالثة: الملهمة كقوله تعالى: «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(2) وتسمى بالملهمة، لان البارئ جل وعلا هداها الى صراط الخير والشر، الهمه الله خيراً: أي القمه إياه.

الرابعة: المطمئنة بقوله تعالى «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً»(3).

فاذا خلصتها من الوساوس الشيطانية والخيالات، وتحرزت عن الشهوات ولم تأتها من الغضب فسميت مطمئنة، لأنها آمنة ولا يستفزها خوف ولا حزن وتثق بكل شيء، أو المطمئنة إلى الحق التي سكنها روح العلم وثلج اليقين ولايخالجها

ص: 140


1- القيامة: 2.
2- الشمس: 91.
3- الفجر: 27- 28.

شكّ، كل ما جرى عليها القلم الإلهي من الخير والشر والنقمة والنعمة، فتكون مسرورة وراضية بما أوتيت.

الخامسة: الراضية: وهي التي رضيت بما أوتيت، والراضي الذي لا يسخط بما قدر ولا يرضى لنفسه بالقليل من العمل وفي الدعاء: خذ لنفسك رضاءاً من نفسي.

وفي الحديث: من رضى بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته، وتنعم أهله، وبصره الله داء الدنيا ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام، وإنما لقب علي بن موسى ب_(الرضا) لأنه كان رضا الله في سمائه، ورضا الرسول(صلی الله علیه و آله) في أرضه، ورضا للأئمة من بعده، ورضى به المخالفون من أعدائه، كما رضي به الموافقون من أوليائه... الخ(1).

السادسة: المرضية: وهي التي رضي عنها.

وفي الحديث: (من عرف نفسه فقد عرف ربه)(2)،

وفي هذا أقوال: منها: انه من تعمق في خلق نفسه يعرف بأن له رباً.

ومنها: انه كما لا يمكن التوصل الى معرفة النفس لا يمكن التوصل الى معرفة الرب.

وقد شرحناها مفصلاً في بحث الأخلاق، وقد يقال: انها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القوة التي بها يكون الفكر والتمييز والنظر في حقائق الأمور، والقوة التي يكون بها الغضب و النجدة والإقدام على الأهوال، والشوق الى التسلط والترفع، والقوة التي بها تكون الشهوة وطلب الغذاء والشوق الى الملاذ التي في

ص: 141


1- الغدير: ج3، ص 199.
2- سفينة البحار: ج2، ص 603.

المأكل والمشرب والمناكح والهروب وشرف اللذات الحسية، وهذه الثلاثة متباينه وبعبارة أخرى هناك قوى ثلاث متباينة.الناطقة: هي التي سميت بالملكة وآلتها التي تستعمل في البدن الدماغ، والقوة الشهوية: وهي التي تسمى بالبهيمة وآلتها التي تستعمل في البدن الكبد، وقد شرحنا هذه في الكتب الأخلاقية مفصلاً.

وفي حديث كميل ابن زياد قال: سألت مولانا أمير المؤمنين(علیه السلام) قلت: أريد ان تعرفني بنفسي.

قال: يا كميل أي نفس تريد؟

قلت: يا مولاي هل هي الا نفس واحدة؟

فقال: يا كميل انما هي أربع: النامية النباتية، والحسية الحيوانية، والناطقة القدسية، والكلية الإلهية، ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصتان.

فالنامية النباتية لها خمس قوى: ما سكه وجاذبه وهاضمة ودافعة ومربية، ولها خاصتان: الزيادة والنقصان، وانبعاثها من الكبد، وهي أشبه شيء بنفس الحيوان.

الثانية: الحيوانية الحسية ولها خمس قوى: سمع وبصر وشم وذوق ولمس، ولها خاصتان: الرضا والغضب، وانبعاثها من القلب، وهي أشبه الأشياء بنفس السباع.

الثالثة: الناطقة القدسية ولها خمس قوى: فكر وذكر وعلم وحكم ونباهة، وليس لها انبعاث، وهي أشبه الأشياء بنفس الملائكة، ولها خاصتان: النزهة والحكمة.

الرابعة: الكلية الإلهية ولها خمس قوى: بقاء في فناء، ونعيم في شقاء، وعز في ذل، وفقر في غناء، وصبر في بلاء، ولها خاصتان: الحكم والكرم، وهذه هي التي مبدأها يكون من الله وإليه تعود، ليس بظاهرولا مضمر كالعقل، ويطلق على معان:

ص: 142

الأول: العقل العملي.

الثاني: العقل النظري، فان كان الشيء المدرك من الأمور التي ما يتأتى ويحسن ان يفعل ولا يحسن تركه، فيسمى هذا الإدراك بالعقل العملي، وإما إذا كان مما ينبغي ان يعلم كالواحد نصف الاثنين ويسمى بالعقل النظري. ولذا ذكر الشيخالرئيس ان مطلق الإدراك والإرشاد إنما هو من العقل النظري، فهو بمنزلة المشير الناصح، والعقل العملي بمنزلة المنفذ لإشاراته، وقد اصطلحوا على العقل بمعنيين آخرين: العقل المطبوع والمسموع، وقالوا: أريد من الأول العلم المستفاد من ذلك، وهذا ما أريد في الحديث: (ما خلقت خلقاً هو أحب ألي منك، بك اخذ وبك أعطى)(1).

والثاني: العقل المسموع، وهو المراد من الحديث: (ما كسب الإنسان شيئاً أفضل من عقل يهديه الى الهدى)(2).

وفي حديث آخر: أول ما خلق الله العقل.

ثم قال له: أقبل فأقبل.

ثم قال له: (أدبر فأدبر.... الخ)(3).

فمعنى الإقبال والإدبار اما أن يكون بمعناه الحقيقي، أو طلبه لأجل الاستنطاق غير الحقيقي، ويكون المراد به الإقرار بالحق بالنسبة الى الإقبال، والإعراض عن الباطل بالنسبة للإدبار، او المراد به كونه مناطاً بالتكليف، ومحلاً للثواب والعقاب، كما يشعر به في رواية أخرى: (بك أثيب وبك أعاقب، أو إياك آمر وإياك أنهى، وإياك أعاقب وإياك أثيب)(4).

ص: 143


1- بحار الأنوار: ج1، ص92.
2- مجمع البحرين: ج1، ص426.
3- الكافي: ج1، ص10 ح1.
4- الكافي: ج1، ص 10 ح1.

وقد يراد بالعقل قوة النفس، وقد يراد بها أيضاً المصدر، وهو فعل تلك النفس، وقد يراد ثالثاً ما يقابل الجهل، وهو الحالة المفضية لا معنى عقل الرواية __ أي نقل ألفاضه فقط __ وهذا معنى الخبر الوارد: أعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقلالرعاية لا الرواية، فان رواة العلم كثير ورعاته قليل(1)،

والمراد بعقل الرعاية التدبر والتفكر فيها وتفهم معناها، وفي رواية أخرى: ورواة الكتاب كثير ورعاته قليل، وكم من مستنصح للحديث مستفش للكتاب(2)،

فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، أي رعاية الحق وامتثال ما علموه من العلم فان حزنهم عليه لعدم حصول الغاية منه، فالعالم منهم كالراقم على الماء، بل ربما كان علمه وبالاً عليه.

ومنه قيل: ويل للعالم من علمه، فانهم ليسوا من رعاة الدين، كما في الحديث الآخر __ أي ليسوا من ولاته وحفظته __ فالعالم الحقيقي يكون والياً وقيماً على الدين.

وفي الزيارة الجامعة: استرعاكم أمر خلقه: أي جعلكم ولاة على خلقه، وجعلهم رعية لكم تحكمون بهم بما أمرتم.

والقوة العقلية على ما نقل عن أهل العرفان أربعة: منها: القوة التي يفارق فيها الأنسان البهائم.

ومنها: القوة التي تعرف بها عواقب الأمور فتقمع الشهوات الداعية إلى اللذات العاجلة، وتتحمل المكروه المعجل لأجل السلامة في الأجل، واذا حصل الإنسان على هذه القوى سمي صاحبها عاقلاً من حيث ان إقدامه كان بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب.

ص: 144


1- مجمع البحرين: ج1، ص437.
2- الكافي: ج1، ص49 ح6.

والى هذا أشار أمير المؤمنين(علیه السلام):

رأيت العقل عقلين *** فمطبوع ومسم_وع

فلا ينفع مسم_وع *** أذا لم يك مطب_وع

كما لا تنفع الشمس *** وضوء العين م_منوع

ومنها قوتان آخريان: إحداهما: ما يحصل بها العلم بان الاثنين أكثر من الواحد، والشخص الواحد لا يكون في مكانين. فيقال لها: التصورات والتصديقات الحاصلة للنفس الفطرية.

والاخرى: التي تحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال، فمن اتصف بها يقال: انه عاقل في العادة.

1. الظاهر ك_عالم الخلق والشهادة، والمضمر كعالم الأمر والغيب، وليس بظاهر ولا مضمر، كعالم الجبروت، وهو عالم الأسماء والصفات.

ص: 145

2. الظاهر عالم الناسوت، والمضمر عالم الجبروت، وما ليس بظاهر ولا مضمر وهو عالم الملكوت، فانه مقابل الناسوت ليس بظاهر، ومقابل الجبروت: أي عالم القهر والغلبة ليس بمضمر.1. المراد بالظاهر هو الوجود،وبالمضمر الماهيات، لأنه بالوجود تظهر الماهيات، وما ليس بظاهر ولا مضمر هو وجود الحق، لأنه ظاهر من حيث الصفات ومضمر من حيث الذات والفرق بين الوجود والماهية على نحو الاختصار.

اعلم ان أي موجود ممكن يتصور فيه جهتان:

الأولى: الوجودية.

والثانية: الماهية.

والوجود: هو الذي يكون منشأً للآثار. وفي حال وجود الممكن فهو ثابت له، وفي حال عدمه فهو مسلوب عنه: أي بما ان الوجود والعدم بالنسبة إلى الممكن متساويان فبعد وجود علته يوجد، وفي حال عدمه ينعدم.

وأما الماهية: هي أمر انتزاعي حيث ينتزع عن حد الوجود، ويكون امتياز الموجودات بعضها من بعض هي الماهية، والوجود خلاف العدم ونقيضه، واختلف في انه عين الماهيات أم لا، فجمهور المتكلمين عن انه زائد على الماهيات في الواجب والممكن، والحكماء في الواجب عينه، وفي الممكن يكون زائداً عليه وتفصيل البحث في الوجود وتحقيقه يكون في محله.

وقد ذكر مصطلحات العقل بعض المحققين المحدثين بطرق اخرى:

الأول: هو قوة إدراك الخير والشر، والتميز بينهما، والتمكن من معرفة أسباب الأمور وذوات الأسباب، وما يؤدي إليها وما يمنع منها. و يكون العقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب.

الثاني: ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخير والنفع واجتناب الشرور والمضار.

ص: 146

الثالث: القوة التي يستعملها الناس في أمور معاشهم، فان وافقت قانون الشرع واستعملت فيما استحسنه الشارع تسمى ب_(العقل المعاشي)، وهو ممدوح في الأخبار، واذا استعمل في الأمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمى ب_(النكراء والشيطنة) في لسان الشرع.

الرابع: مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريات وقربها وبعدها عن ذلك، واثبتوا لها مراتب أربعة: سموها بالعقل الهيولائي، والعقل بالملكة، والعقل بالفعل، والعقل المستفاد. وقد تطلق هذه الاسامي على النفس من تلك المراتب... الخ.

الخامس: النفس الناطقة الإنسانية التي يتميز بها عن سائر البهائم.

السادس: ما ذهب إليه الفلاسفة، وأثبتوه بزعمهم جوهر مجرد قديم لا تعلق له بالمادة ذاتاً ولا فعلاً. ثم هجم على الفلاسفة بان القول بالجوهر المجرد القديم موجب لإنكار كثير من ضروريات الدين من حدوث العالم وغيره _ إلى ان قال: _ مع انه لا يظهر من الأخبار وجود مجرد سوى الله تعالى.

ثم ذكر قول بعض المحققين من الفلاسفة ايضاً بقوله: قال بعض محققيهم: انه نسبة العقل العاشر الذي يسمونه ب_(العقل الفعال) إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن، كما ان النفس صورة للبدن والبدن مادتها، فكذلك العقل صورة للنفس والنفس مادته. هو مشرف عليها، وعلومها مقتبسة منه يكمل هذا الارتباط إلى حد تطالع العلوم فيه وتتصل به، ثم قال: المحدث الكبير ليس لهم على هذه الأمور دليل إلا مموهات وشبها أو خيالات غريبة زينوها بلطائف من العبارات.

وما ذكرناه نص كلامه تقريباً، ولكن أكثر ما ذكره من معاني العقل، ويدعى انه من مصطلحات معاني العقل لا ينطبق على ما اصطلح عليه أهل التحقيق من هذا الفن.

ص: 147

اما مضمرية الذات فنذكر بعض الأدلة على عدم أمكان درك كنهها:الأول: بما ان واجب الوجود هو صرف الوجود وهو بسيط، وليس بمركب لا بالتركيب الخارجي: أي ليس له اجزاء في الخارج، ولا المركب الذهني العقلي: أي ليس مركباً من الجنس والفصل، ولا الوهمي:أي ليس مركباً من الوجود والماهية، فلا يمكن ان تدرك كنه ذاته، لأنه كل ما ادركه الذهن ويصل إليه فكر الانسان يكون حداً من حدود الوجود المطلق، وتكون مرتبة من الحقيقة الكلية لصرف الوجود، لأن الفكر والادراكات أيضاً هي نوع من الوجودات، وتكون محدودة بحد خاص وما هية مخصوصة، فاحاطة الذهن في حال انه محاط ومحدود لا يمكنه الاحاطة على الشيء غير المتناهي، وغير المحدود وهو حقيقة الواجب. اذاً لا يمكن ان يطلع الإنسان على كنه ذاته.

وثانياً: لو كانت حقيقة الواجب قابلة للادراك، فيلزم ان تحصل حقيقته في الذهن وبما انه صرف الوجود الخارجي فوجوده في الذهن يكون موجباً لانقلاب الذات، وهذا محال.

وثالثا: ان الممكن محدود والمحدود لايمكنه الاحاطة بغير المحدود والسيطرة عليه. اذن ان ذات الباري بما انها غير محدودة فانها غير قابلة للادراك وتفصيل الكلام في محله.

تنبيه: الى هنا انتهى البحث بحمد الله تعالى قد يقال ان الكتاب يبحث حول شخصية الدؤلي و قد ظهر خروج عن اصل الموضوع في نهاية الكتاب ؟

اقول : لقد حفظت شيئاً وغابت عنك اشياء، ان البحث لم يكن ترجمة لشخصية الدؤلي بما هي هي، و انما البحث منصب على الرواية التي نقلها محدثوا الشيعة و السنة و اتفقوا عليها ان اول من وضع قواعد علم النحو هو أمير المؤمنين(علیه السلام) ثم علمه تلميذه الوفي الدؤلي وقد شذ البعض و ازداد شذوذهم في الفترة الاخيرة فرأيت من الواجب اظهار الحقيقة هذا اولاً.

ص: 148

و ثانيا:مع شديد الأسف ان الكثير من اهل زماننا اصبحوا ولم يهتموا بعلم النحو الاهمية التي تليق وشأن هذا العلم الذي به اوضحت معالم القرآن الكريم والسنة المطهرة، فاثبتنا من خلال هذا البحث ان علم النحو هو دخيل في علم الفلسفة و الكلام والتفسير و الاصول والرواية و الدراية و غيرها من العلوم الأخرى و خير دليل على هذه الرواية التي ذكرت في ثنايا هذا الكتاب و التي تقول ان الدؤلي مر برجل فسمعه يقرأ «أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ» بكسر اللام فقال معاذ الله متى برئ الله من رسوله و الصحيح هي بفتح اللام أي رسولَه فانظر أيها اللبيب الى هذه الحركة الأعرابية كيف دخلت في امر اعتقادي صرف فان قرئت على الاول فيكون الله تعالى بريئاً من النبي و المشركين وهذا كفر و ان كانت على الثاني فيكون الله تعالى ورسوله بريئآن من المشركين فافهم واغتنم .

ربي اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم اكن بدعائك ربي شقيا واسأله تعالى بوصي نبيه عليهما وآلهما آلاف التحية والسلام ان يغفر لي ولوالدي و للمؤمنين يوم يقوم الحساب.

ص: 149

وفاته

مات أبو الأسود بالطاعون الجارف سنة تسع وستين بالبصرة. وهذا هو الصحيح. وقيل قبل ذلك.

وصلى عليه أمير المؤمنين(علیه السلام)(1) فتأمل، وعاش خمساً وثمانين سنة وأخطأ من قال توفي في خلافة عمر(2).

وقال ابن خلكان(3): انه مات قبل الطاعون، بعلة الفالج وقيل: انه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.

ولكن هذا بعيد، و قيل لأبي الأسود عند الموت : أبشر بالمغفرة، فقال : وأين الحياء ممن كانت له المغفرة؟

ص: 150


1- قاموس الرجال: ج5، ص171.
2- اعيان الشيعة: ج7، ص403.
3- وفيات الأعيان: ج2، ص539.

وقيل: كان يموت في كلّ يوم سبعون ألفاً، حتى صارت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم(1).

وقيل: لم يحضر الجمعة إلا سبعة نفر وامرأة(2) من شدّة فتك مرض الطاعون بالناس..

تم بحمد لله تعالى

هذا السفر من الاشارات الى ماروي في أبي الأسود الدؤلي

في الثالث عشر من شهر رجب المرجب لسنة 14(ص)6ه_

على هاجرها وآله ألاف التحية والسلام

وبجوار سيدي ومولاي أمير المؤمنين وسيد الوصيين طالبا منه القبول

وأن يجعله الله لي ذخرا يوم حشري ونشري بمحمد وآله الطاهرين

ص: 151


1- تاريخ الاسلام: ج2، ص383.
2- المصدر السابق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.