تحریر مباني الأحکام

هویة الکتاب

تَحریرُ مَبَاني الأَحکام

تقریر لابحاث آیه الله العظمی المرجع الدینی الشیخ شمس الدین الواعظی (دام ظله)

القضاء - الشهادات - الحدود والتعزيرات - القصاص - الديات

مؤلف: السید عبدالستار کامل موسوي

المجلدات: 4

ص: 1

المجلد 1 - القضاء - الشهادات

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم اجمعين إلى يوم الدين.

ونحن أن لاحظنا هذه المحاضرات التي كتبها فضيلة العلامة المحقق الحجة الورع السيد عبد الستار الموسوي وفقه الله لأبحاثنا الفقهية القضائية فوجدناها في غاية الجودة والاتقان والضبط والبيان ، يكشف عن دقائق البحث ومحافظاً علىمزاياه مع حسن الأداء وجودة التقرير ، واضحة جلية وهو حفظه الله ممن ينعقد عليه الآمال في المستقبل مع دوام دراسته العلمية على حضور ابحاثنا الفقهية والأصولية والاستفادة منها أكثر فأكثر ونسأله تعالى أن يجعله قدوة حسنة في النشاط العلمي ، وهو حفظه الله أحد المتقدمين في طبع تقرير ابحاثنا في الفقه ، وعمله خدمة للحوزة العلمية والرجاء من بقية الطلبة الاقتداء به ، وهو قد استجازنا فيما كتبه من المجلدات لطبعها فأجزناه داعياً له بدوام التوفيق والتسديد من الله جل وعلا إنّه نعم المولى ونعم النصير .

غرة رجب الأصب سنة1440 ه-

شمس الدين الواعظي

ص: 3

الصورة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الغر الميامين الكرام المنتجبين ، لاسيما بقية الله في ارضه الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن العسكري ، روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء ، واللعنة الدائمة على معاديهم ومعانديهم ومنكري فضائلهم إلى يوم القيامة .اللهم انا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام واهله وتذل بها النفاق واهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والأخرة .

أما بعد :

فمن الطبيعي أن الله تعالى عندما خلق الخلائق من العدم لم يتركهم سدىً ، بل وضع لهم قوانين تحفظ حالة التوازن في هذا العالم والعوالم الأخرى بنظام دقيق متقن غاية الإتقان ، يسير عليه بنو البشر ولا يحيدون عنه قال تعالى : «صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ

ص: 5

بِمَا تَفْعَلُونَ»(1)، وهذا ما يراه الإنسان رأي العين ، وما هذه إلا من السنن الالهية الثابتة التي تخضع لهاالكائنات باسرها التي لا تبديل لها قال تعالى : «سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً»(2)، ولم يكن الإنسان الذي خلقه الله تعالى وكرمه وفضله على كثير ممن خلق بدعاً من سائر المخلوقات في هذه الناحية ، بل أن الإنسان احق واولى من غيره ، بأن يكون له نظام حياتي يحفظه وما حوله لأن المخلوقات الاخرى خلقت لأجله وقد سخرها الله تعالى له لتكون تحت سلطته لتعينه على السير في هذه الدنيا على امر اريد له من اجل الغاية المنشودة التي خلق من اجلها ، وهذا النظام الحياتي وعلى كافة المستويات يحدد للإنسان تصرفاته في مختلف الشؤون خاصة كانت أم عامة ، ولابد وأن يتناسبمع أوضاعه واحواله وازمانه ، وهذا النظام هو المعبر عنه بالدين ويعرف بأنه تشريع الله لعباده على لسان أنبياءه ورسله حتى أن بعث الله تعالى بحبيبه المصطفى (صلی الله علیه و آله وسلم) ليكون خاتماً للأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات السماوية ، فما جاء به هو النظام الأمثل والاتم والجامع المانع لكل الناس وعلى مر الدهور حتى قيام الساعة ، ولذا جعل الله تعالى هذا الدين خاتمة الأديان .

فالدين الإسلامي هو النظام الوحيد الذي يستجيب لنداء الإنسان متلائماً مع فطرته التي خلقه الله عليها متكفلاً له بالسعادة في الدارين

ص: 6


1- سورة النمل الآية / 88 .
2- سورة الفتح الآية / 23 .

ورقيه إلى أعلى درجات الكمال ويصل به إلى ما فيه خيره في العاجل والآجل.ولقد اهتم الدين الإسلامي بجميع مفاصل الحياة الإنسانية مالها وما عليها ولذا نراه قد بذل جهداً خاصاً واضح اللمسات لصيانة حقوق الإنسان وحفظ النظام العام بأهمية بالغة ، فشرّع القوانين الحقوقية الثابتة ، وحدود العلاقات العامة والخاصة للإنسان بالإنسان وما له وما عليه ، وكيفية مواصلة الحياة فرداً كان أو مع المجتمع وحدد المسؤولية التي تناط إليه ، ولهذا تقول صريح الآية الشريفة «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»(1)، إلى طريق الحق من خلال الآيات البينات والبراهين الساطعات لمعالجة المشاكل التي تعرض للإنسان والمجتمع بصورة عامة في هذا المقام ، اذاً فهذا الدين يسعىجاداً بإيصال الإنسان وباختياره إلى الكمال المعنوي والفوز برضى الله تعالى والقرب منه عز اسمه ، وذلك لا يتحقق إلا بتنمية الروح الإنسانية المودعة فيه حسب فطرته السليمة التي خلق الله عليها وخلق حالة التوازن للغرائز المختلفة الكائنة فيه ، فأرسل الله تعالى رسله وانبيائه ومعهم الكتاب والحكم والميزان ليتحقق الغرض ، وقد ختمت هذه النبوة بمحمد (صلی الله علیه و آله وسلم) حبيب الله وخيرته من خلقه ، حيث أنه جاء بتعاليم اخلاقية سامية ، عالية المضامين من خلال ما يعلمه به من الكتاب والحكمة، ودعا إلى تهذيب النفوس، وامر بالعدل والاحسان، وايتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء و المنكر والبغي ، وقد نجح إلى حد بعيد في هذا المجال ، فكان في نفس كل إنسان مسلم - ليتأدببآدابه

ص: 7


1- سورة الحديد الآية / 25 .

ويتخلق بأخلاقه - واعزاً داخلياً يمنعه من التعدي على حقوق الاخرين .

والقضاء يمثل السد المنيع امام انتشار الجريمة وغصب الحقوق ، ومرجعاً للناس في فصل الخصومات وقطع المنازعات ، واستئصال جذور الفساد وعناصر البغي بالحد والتعزير ، ومن امكنه الوقوف على جزيئات تلك التشريعات في الفقه الجعفري عرف مدى الدقة المبذولة فيها ، وفي كيفية ملائمتها للفطرة الإنسانية ، ولا غرابة في ذلك وهي مستمدة من ائمة اهل البيت (علیهم السلام) عن جدهم عن الله تبارك وتعالى ، وحينئذٍ تسقط عن الاعتياد والاعتماد سائر التشريعات المنسوبة إلى السماء ، فكيف بالقوانين الوضعيةالحديثة التي كتبت مع الأهواء والمصالح الدنيوية .

فشكر الله تعالى سعي علمائنا الأبرار الذين حققوا ونقحوا هذه المسائل وزادوا في تفريعاتها بحسب ما تقتضيه الحاجة من خلال الاخبار والرواية التي وردت في هذا الباب ، وقد كتبوا في هذه البحوث العلمية العالية المضامين إلى يومنا الحاضر .

وبعد التغيرات التي حصلت في العراق وطرحت اراء الديمقراطية منها تعين قضاة من رجال الدين في المحكمة الرسمية ، انبرئ شيخنا الأستاذ الأكبر آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الحاج الشيخ شمس الدين الواعظي (دامظله الوارف) بتدريس كتاب القضاء والشهادات ، وكذا الحدود والديات لاعداد ثلة من الفضلاء للتأهل بتولي منصب القضاء ، والحق إنها بادرة منه لم يلتفت إليها احد في هذه الفترة ، فشكر الله سعيه وزاد في اجره لأن القضاة إذا صلحوا وساروا حسب

ص: 8

النهج العلمي والعملي الصحيح الذي امرت به الشريعة ، وحكموا بالحق وهم يعلمون واقاموا العدل وحكموا بالقسط صلح المجتمع وساده الامن وانتشر فيه الصلاح والاصلاح .

هذا واشكر الله تعالى ربي لتوفيقاته وعنايته لتدوين ما كان يلقيه شيخنا الاستاذ الاكبر اطال الله بقاءه ، وقد عرضته على شخصه الكريم فلاحظهواقره واجاز في نشره ، وأنا باسمي اقدم هذا المجهود إلى المكتبة الشيعية ليكون مرجعاً من مراجع الشيعة في هذا المجال .

وفي الختام اسأل الله أن يحفظ شيخنا الاستاذ الاكبر للاستفادة منه اكثر واثراء المكتبة الشيعية بما بقي من المؤلفات ، وقد وفقت لنظم هذه الابيات مادحاً بها إياه حفظه الله تعالى واطال في عمره الشريف خدمة للدين الحنيف وذلك من باب الوفاء ورد الجميل على ما اخذنا عنه حفظه الله فأقول :

قد فاق شَمسُ العِلمِ اقرانا اتتْ *** بالعِلمِ والتدريس والاصلاحِ

وه-و الم-وفقُ في ذوي-ه واهله *** والطالبين لعل-مه بنجاحِ

يا شمس أن الشمس من عاداتها *** تعطي الجميع لنهضة وصلاحِ

دم في عطائك واحذرن من عاذلٍ *** لا يرجو غير اثارة إلا تراحِ

الشمس انت وكل شمس قبلها *** سادَ الظلام فشع بالإصباحِوفي الختام دعائي لسماحته بالصحة والعافية ولجميع طلبة العلم بالتقدم العلمي خدمة للدين الحنيف أنه سميع الدعاء .

عبد الستارالموسوي

ص: 9

ص: 10

كتاب القضاء

اشارة

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة

كتاب القضاء

القضاء: هو فصل الخصومة بين المتخاصمين والحكم بثبوت دعوى المدعي أو بعدم حق له على المدعى عليه(1).

----------------------------------------

(1) إنّه شرع من قبل السماء ، إذ شرعه الباري جل وعلا لفصل الخصومات التي تقع بين الخلق ، وحفظاً للهيئة الاجتماعية بعد ما كان من ديدن هذاالنوع اختيار البقاء، هذا غالباً يؤدي إلى الحرص والإثرة والتشاجر والتنازع بين أفرادها وإنّه جلّ وعلا من باب اللطف شرّع لهم قوانين لحسم تلك المنازعات والمشاجرات، وعلى هذا فلابد للمتصدي لهذا الأمر أنّ تكون لديه القدرة والسلطة والعلم في تطبيق كليات مسائل هذا الباب على مصاديقها فالقوانين هي الأحكام الشرعية المجعولة من قبل الله ، فالمسيطر والمطبق لهذه الكليات على جزئياتها هو القاضي الذي يُعيّن لهذه الوظيفة ، فهو خليفة الله في أرضه كما كان نبي الله داوود (علیه السلام) قال تعالى : «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ»(1)، إذاً هو خليفة الله كما كان نبي الله داوود (علیهالسلام) لا كما ذكر في «المجلة»(2) أنّه وكيلاً من قبل السلطان لإجراء

ص: 13


1- سورة ص الآية / 26.
2- هي مجلة صدرت في زمن الحكومة العثمانية وقد ناقش متنها زعيم الشيعة المغفور له سماحة الامام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) فسميت بعد ذلك بتحرير المجلة .

..........................

المحاكمة وإصدار الحكم وفق نظره ولو لم يكن عادلاً ، والحق كما ذكرنا بأنّه منصب إلهي ينصبه الإمام العدل وبعبارة أخرى إنّه منصب مجعول من قبل الإمام (علیه السلام) لمن له الأهلية في ذلك وفي عرض المنصب المجعول للنبي أو الإمام صلوات الله عليهما ، والفرق يكون بالشدة والضعف ، أو في طول المنصب المجعول للإمامكالطهارة الترابية المجعولة في طول الطهارة المائية ، فلابد أن يتصف القاضي بصفات ، منها : العقل والعدالة ، والاجتهاد ، كما سيأتي شرحها مفصلاً .

فينصّب من قبل الإمام (علیه السلام) ، وهذا غير مقيد بزمان أو مكان فله أنّ يحكم في الناس طبقاً للقواعد الشرعية ، وحكمه نافذ ، أيّ وإنّ كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه ، ولا يرد إلا إذا ثبت عدم قابليته على الحكم فينعزل بزوال بعض الصفات التي لابد له أنّ يتصف بها ، أو في ما إذا أنكشف عدم مطابقة حكمه للواقع ، وإن القضاء مستحب بل قد يجب وعلى هذا فالكلام يقع في المعنيين اللغويوالاصطلاحي:

الأول: في المعنى اللغوي للقضاء، لا يخفى بأنّ القضاء استعمل لغة في أمور متعددة ، راجع الصحاح ، وتاج العروس ، والقاموس ، وغيرها من كتب اللغة ، وقال في الجواهر : أنتهت إلى عشرة ، منها الحكم والعلم والاعلام وعبر بعضهم بالإنهاء ، والقول ، والحتم ، والأمر ، والخلق ، والفعل والإتمام ، والفراغ(1).

الثاني : في المعنى الاصطلاحي ويأتي لمعانٍ :

الأول : فعل العبادة المحددة في الوقت وخارج الوقت .

الثاني : قال الراغب الاصفهاني : القضاء فصلالأمر قولاً كان ذلك أو فعلاً(2).

ص: 14


1- جواهر الكلام /40 / 7 .
2- المفردات للراغب الأصفهاني / مادة قضى .

..........................

الثالث : قال الفيروز آبادي - ويقصد - الحكم قضى عليه يقضي قضيّاً وقضاءاً وقضية وهي الأسم أيضاً ، والحتم والبيان ، والقاضي الموت كالقضيّ كغني ، ومن الإبل ، ما يكون جائزاً في الدية وفريضة الصدقة ، وقضى مات وعليه قتله ، ووطره أتمه وأدامه ، وعليه عهداً وصاه وأنفذه ، وإليه نهاه وغريمه دَينَه أداه(1).

الرابع : أنّ يأتي بالعبادة في الوقت أعادة لما أخل في بعض الأجزاء والشرائط ، أو يكونمخالفاً للأوضاع المعتبرة .

الخامس : الإتيان بالشيء والفراغ منه ، وقد نقلت هذه المعاني في كتب فقهائنا ، ويمكن إرجاع بعضها إلى البعض كما قال الزهري : وأشهر تلك المعاني وأنسبها للمقام هو الحكم وفصل الأمر(2).

السادس : الحكم الذي هو محل الكلام ، قال آغا ضياء الدين العراقي : عرفوه بالولاية على الحكم نظراً إلى ظهور تعلق الجعل به في كونه من الأمور الجعلية مضافاً إلى كفاية هذا المقدار في صدق القاضي ولو لم يتلبس بالقضاء أصلاً(3)، وفي الدروس : هو ولاية شرعية على الحكم فيالمصالح العامة من قبل الإمام(4)، وفي المسالك : إنّه ولاية الحكم شرعاً لمن له أهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينة من البرية بإثبات الحقوق واستيفائها للمستحق(5) .

ولكن الحق إن تعريف الدروس أولى لإنّه عام يشمل حتى الحكم بثبوت

ص: 15


1- القاموس المحيط للفيروز آبادي / مادة قضى .
2- النهاية لأبن الاثير / مادة قضى .
3- شرح تبصرة المتعلمين /3 كتاب القضاء .
4- الدروس الشرعية / 2 / 79 .
5- مسالك الافهام /13 / 325 .

..........................

الهلال ، خلاف لمن قال بعدم ثبوت الهلال بحكم الحاكم ، كما أنّه يظهر من كلام المسالك أن القاضي لابد أن يكون مجتهداً .والمراد بالعالم هنا الفقيه المجتهد في الأحكام الشرعية ، وعلى اشتراط ذلك في القاضي إجماع علمائنا ولا فرق بين حالة الاختيار والاضطرار ، ولا فرق في من نقص عن مرتبته بين المطلّع على فتوى الفقهاء وغيره .

وقد عرف القضاء أي الحكم بين الناس(1)، أو الحكم بين الناس لرفع التنازع بينهم بالشرائط الاتية(2)، أو فصل الخصومة بين المتخاصمين والحكم بثبوت دعوى المدعي ، أو بعدم حق له على المدعى عليه(3)، وقد رجح صاحب الجواهر قول الدروس : ولاية شرعية على الحكموالمصالح العامة من قبل الإمام (علیه السلام) ولعله أولى من الأول ضرورة اعميت مورده من خصوص إثبات الحقوق كالحكم بالهلال ونحوه وعموم المصالح(4).

ص: 16


1- الروضة البهية /3 / 61.
2- تحرير الوسيلة / 2 / 364 .
3- مباني تكملة المنهاج /1 /5 .
4- جواهر الكلام /40/ 9 .

الفرق بينه وبين الفتوى

إنّ الفتوى عبارة عن بيان الأحكام الكلية من دون نظر إلى تطبيقها على مواردها وهي - أيّ الفتوى - لا تكون حجة إلا على من يجب عليه تقليد المفتي بها ، والعبرة في التطبيق إنما هي بنظره دون نظر المفتي ، وأمّا القضاء فهو الحكم بالقضايا الشخصية التي هي مورد الترافع والتشاجر ، فيحكم القاضي بأنّ المال الفلاني لزيد أو أنّ المرأة الفلانية زوجة فلان وما شاكل ذلك، وهو نافذ على كل أحد ، حتى إذا كان أحد المتخاصمين أو كلاهما مجتهداً ، نعم قد يكون منشأ الترافع الاختلاف في الفتوى ، كما إذا تنازع الورثة في الأراضي ، فادعت الزوجة ذات الولدالإرث منها ، وأدعى الباقي حرمانها فتحاكما لدى القاضي فإنّ حكمه يكون نافذاً عليهما وإن كان مخالفاً لفتوى من يرجع إليه المحكوم عليه(1).

----------------------------------------

(1) إن الفرق بينهما :

الأول : عبارة عن تطبيق الحكم على موارده الشخصية وهو الذي يصدر من القاضي بعنوان الولاية والسلطنة الشرعية .

الثاني : الفتوى فهي بمعنى بيان الأحكام الكلية، وليس للمفتي نظر إلى تطبيقها .

ومن الآثار الشرعية لحكم الحاكم ، إنّه نافذ حتى بالنسبة إلى غير مقلديه والفتوى مختصة بالمقلدين ، بل حكم الحاكم نافذ بالنسبة إلى المجتهد الآخر إلا إذا حصل لذلك المجتهدالتشكيك بالنسبة إلى مقدمات حكمه .

والمجتهد يسمى قاضياً وحاكماً باعتبار قضائه وحكمه ، ومفتياً باعتبار

ص: 17

مسألة 1 : القضاء واجب كفائي(1).

وجوب القضاء .

----------------------------------------

إخباره عن الحكم الشرعي ، وإنّ حكم الحاكم الزامي دون الفتوى وقد يكون حكماً بالنسبة إلى الموضوعات كالشخص الفلاني رشيد دون الفتوى . لفصل الخصومات بقوانين تنظم أمورهم وتبني سلامة المجتمع ، ويحتاج أيضاً إلى من ينفذ القوانين، وهو الحاكم العالم العادل الجامع للشرائط ، إذاً يجب على المجتمع إطاعة الحاكم، هذا كله بحكم العقل وبما إن الشرع المقدس هو رئيس العقلاء الذي يحث على إصلاح ذات البين ، والذي هو أفضل من عامة الصلاة والصيام فيكونإرشاد إلى ذلك.

رابعاً : الإجماع فقد أدعاه الكثير من الفقهاء ، بل يمكن أن يقال بأنّه مسألة ضرورية ، ومع ذلك فإن الإجماعات في مثل هذه المسألة لا يعتنى بها لكونها مدركية ولا حاجة لنا بهذه الإجماعات .

(1) وهو مما لا اشكال فيه عندهم ، ومع تعدد القضاة أمكن أن يقوم به أحدهم ، وأمّا مع عدم التعدد فيجب عليه عينياً ، ووجوبه بعد إن كان من الأمور النظامية ، وإن النظام يختل بدونه ويصبح الهرج والمرج ، قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : لتوقف حفظ النظام المادي والمعنوي عليه ، ولا فرق في ذلك بين قاضي المنصوب وقاضي التحكيم(1)، وبعد إنْ كان الغرض حفظ النظام فيكون الواجب كفائياً ، فإذا قام به أحد سقط عن البقية الوجوب ، وإلا فالكل معاقبون بتركه ، كما هو كذلك بالنسبة إلى كل واجب كفائي ، وعليه فقد استدلوا على الوجوب بالأدلة الأربعة الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل .

ص: 18


1- المباني / 1 / 6 .

..........................

أولاً: الكتاب قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»(1)، وقوله عز من قائل لداوود(علیه السلام): «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى»(2)، وقوله عز وجل : «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ»(3)، وقوله جل وعلا : «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ»(4).

ثانياً : السنة ، الروايات في هذا الباب كثيرة بلغت حد التواتر .

منها : حديث أبي خديجة ، قال الصادق (علیه السلام)«إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم ، يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضياً ، فإنيقد جعلته قاضياً ، فتحاكموا إليه»(5).

ومنها : عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لشريح يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي»(6) .

ومنها : عن أحمد عن أبيه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة»(7)، وقال (علیه السلام) : «الحكم حكمانحكم الله وحكم أهل

ص: 19


1- سورة النساء الآية / 58 .
2- سورة ص الآية / 26 .
3- سورة النساء الآية / 105 .
4- النساء الآية / 59 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
6- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح2 .
7- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح 6 .

..........................

الجاهلية ، فمن اخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية»(1) وغيرها من الروايات الأخرى في هذا الباب .

ثالثاً : العقل فهو يحكم بوجوبه بعد ما قلنا بوجوب حفظ النظام وعدم جواز الاختلال ، بل يجب على الله - من باب اللطف - تعيين رجل قادر على قطع مادة الخصومة والنزاع ، لكي لا يقع الهرج والمرج ، وأخذ حق المظلوم من الظالمويكون للمظلوم عوناً وللظالم خصماً ، وهذا أمر فطري جُبل عليه الإنسان ، والحكومة كانت تمارس حتى قبل الإسلام ، ولذا ذكروا هذا الشرط بعنوان كمال العقل ، والكمال هو أعلى مراتب العقل ، لإن به الإنسان يدرك الخير والشر وغير ذلك ، بل لابد من أن يصل إلى أعلى مراتب العقل التي هي من الكمالات التي تليق به ، وشأن هذا المنصب الذي ورد إنّه منصب نبي أو وصي نبي ، أمر مفروغ منه ، وبعبارة أخرى إن الأصل عدم نفوذ حكم أحد على الآخر ، بعد إنْ كان الناس بالفطرة لهم سلطة على أنفسهم وأموالهم والتصرف من قبل الآخرين بهذه الأمور ظلم ، وبما إن الإنسان مدني بالطبع لا تحصل لهالمعيشة الدائمية إلا في ظل الاجتماع ، وفي الغالب تحصل له نزاعات وصراعات ويحب الجاه والسلطنة ، والطمع في أموال الناس ، ويسبب هذا القتل والدمار وإتلاف الأموال والأنفس ، لذا يحتاج البشر لفصل الخصومات بقوانين تنظم أمورهم وتبني سلامة المجتمع ، ويحتاج أيضاً إلى من ينفذ القوانين ، وهو الحاكم العالم العادل الجامع للشرائط ، إذاً يجب على المجتمع إطاعة الحاكم ، هذا كله بحكم العقل وبما إن الشرع المقدس هو رئيس العقلاء الذي يحث على إصلاح ذات البين، والذي هو أفضل من عامة الصلاة والصيام فيكون إرشاد إلى ذلك.

ص: 20


1- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح 7 .

مسألة 2 : هل يجوز أخذ الأجرة على القضاءمن المتخاصمين ، أو غيرهما ؟ فيه إشكال ، والأظهر الجواز(1).

----------------------------------------

رابعاً : الإجماع فقد أدعاه الكثير من الفقهاء ، بل يمكن أن يقال بأنّه مسألة ضرورية ، ومع ذلك فإن الإجماعات في مثل هذه المسألة لا يعتنى بها لكونها مدركية ولا حاجة لنا بهذه الإجماعات .

(1) لا يخفى إن القضاء تارة يكون واجباً على القاضي عيناً ، وتارة أخرى كفائياً ، وثالثة يكون محتاجاً إلى أخذ الأجرة ، ورابعة يكون غنياً غير محتاج إلى الأخذ ، وخامسة نتكلم من حيث ارتزاقه من بيت المال ، وسادسة أخذه الأجرة من المتخاصمين أو غيرهما كالمتبرع ، وقبل الدخولفي محل البحث لابد من بيان المراد من بيت المال ، يقول المحقق الاشتياني - ونعم ما قال - : إن المراد منه حسبما يظهر منهم بيت يجمع فيه ما يصرف في مصالح المسلمين ، كبناء المسجد والقنطرة ، والخان وشق الانهار وغيرها مثل الجزية ، وخراج المقاسمة ، وما أوصى في صرفه في وجوه البر وما يصرف من الزكاة في سبيل الله ، إلى غير ذلك مما يشترك فيه جميع المسلمين.

وأمّا ما يجمع فيه الزكاة والخمس ، والصدقات ووجوه المظالم ، وغيرها مما يكون مختصاً بالفقراء ، فلا يكون من بيت المال في شيء ، ولا يجوز صرفه في ما يجمع فيه في مصالح المسلمين بل لابد أن يعطى لمستحقيه منالفقراء(1).

أمّا في صورة أن يكون الوجوب عينياً والقاضي يكون محتاجاً ، فلا إشكال في جواز أخذه الأجرة من بيت المال ، لإنّ ما يصرف من بيت المال لابد أن يكون في مصالح المسلمين ، والقضاء يكون من جملة تلك المصالح لإنّه يكون سبباً

ص: 21


1- كتاب القضاء للأشتياني /25 .

..........................

لاستنقاذ حقوقهم ، ودفع الظلم عنهم ، وإن كان غنياً يجوز له الأخذ ، وكذا في صورة ما إذا كانكفائياً أيضاً يجوز الأخذ - هذا إذا لم يكن هناك متبرعاً فجواز أخذ الاجرة منوط بإنّه هل يجوز الأخذ على الواجبات أو لا ؟ والظاهر من هذا هو الجواز ، يقول المحقق الاشتياني : وإنما الإشكال فيما إذا كان هناك متبرع بالقضاء فهل يجوز له اعطاء الرزق حينئذٍ أو لا ؟ وجهان مبنيان على أن بيت المال هل هو معد لتحصيل مصالح المسلمين ، فلا يجوز صرفه إلا فيما إذا توقف تحصيل المصلحة على صرفه فيحرم بدونه ، أو معد لصرفه على من يقوم بمصالح المسلمين ، وإن لم يتوقف تحصيل المصلحة بقيامه ، أوجههما الثاني نظراً إلى كون تحصيل المصلحة حكمة لجعلبيت المال لا علة يدور الحكم مداره(1).

والحق إن أخذ الأجرة من بيت المال جائز مطلقاً ، أيّ في صورة الكفاية وعدم الاحتياج ، أو إذا لم يحصل متبرع فيصبح من باب الأجرة على الواجب فإنّه جائز خصوصاً إذا كان الواجب توصلياً ، إذا قلنا بإنّ القضاء لم يكن عبادياً وأمّا لو قلنا بأنّه عبادي ، فيجوز أخذ الأجرة ، لإنّه يكون من باب الداعي إلى الداعي ، فلا يكون أخذ الأجرة منافٍ للتقرب بعد ما كان الداعي إلى الفعل ليس إلا التقرب ، والداعي إلى التقرب بالفعل ، وإتيانه بهذا الداعي - أيّ أخذ العوض - لا ينافي قصد القربة ، وإلا لو كان هناك تناف فلايجوز أخذ الأجرة في العبادات ، كالحج ، والصلاة والصوم ، الاستيجارية والحال أن أخذ الأجرة فيها جائز بالاتفاق ، فيجوز هنا سواء كان من متخاصمين أو من متبرع محتاجاً كان أو غنياً ، وسواء كان عينيّاً أو كفائياً نعم في الواجبات على الإطلاق إذا جاء دليل على المنع فنأخذ به ، وأمّا مع عدم المنع كما في المقام فلا بأس بالأخذ .

ص: 22


1- كتاب القضاء للأشتياني / 26 .

مسألة 3 : بناءً على عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء ، هل يجوز أخذ الأجرة على الكتابة ؟ الظاهر ذلك(1).

----------------------------------------

(1) بعد ما كانت الكتابة من الاعمال المحترمة ولم يدل دليل على المنع من أخذ الأجرة ، فيجوز أخذ الأجرة عليها ، كما يجوز أخذ الأجرة على المسير إلى المكان الفلاني ، لإنّه في الحقيقة هما خارجان عن حرمة أخذ الأجرة على الواجب ، كما إن الدفان مثلاً يأخذ الأجرة لأجل استعمال معوله ، أو المسحاة أو غير ذلك مما يستعمل للحفر ، أو يقول إني آخذ الأجرة لأجل الذهاب إلى المكان الكذائي الذي تختارهأنت .

وقال بعض المعاصرين : أمّا أخذ الجعل من المتخاصمين أو أحدهما فالاحوط الترك حتى مع عدم التعيين عليه ، ولو كان محتاجاً بأخذ الجعل أو الأجرة على بعض المقدمات ، وفي مستند تحرير الوسيلة لعدم القائل بالمنع أو ضعف القول بالمنع فيها ، مع أن مقتضى القاعدة الصحة لأنّها أعمال محترمة لا مانع من أخذه الأجرة عليها(1).

ص: 23


1- تحرير الوسيلة /2 / 18- 19 .

مسألة 4 : تحرم الرشوة على القضاء ولافرق بين الآخذ والباذل(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى بأنّ هذه اللفظة وردت في موضعين من الفقه في المكاسب المحرمة والقضاء ، وقد عُرّفت بتعاريف عدّة ، منها ما قاله الفيروز آبادي الرشوة : الجعل(1)، وذهب إليه الارشاد(2)، وجامع المقاصد(3)، وابن إدريس(4) وقال الزمخشري: الرشوة بضم الراء وفتحها الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة من الرشاء(5) ، وقال ابن منظور : الرشوة مأخوذة من رشا الفرخ إذا مدّ رأسه إلىأمه لتزقه(6).

وقال صاحب المصباح : الرشوة بالكسر ما يعطيه للحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد(7)، وقد وردت في هذا روايات كثيرة ، ومن هنا يتضح أن المراد من الرشوة حسب النظر الدقيق في كلمات الأصحاب واللغويين : هي أن يدفع المال مقابل ما يحكم له ولو لم يكن باطلاً ، وإن كان يظهر من كلام البعض بأنّه يعطى لكي يتوصل به إلى ابطال الحق ، أو تمشية الباطل ، ففي المصباح هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له ، أو يحمله على ما يريد ، فمما يظهر من كلماتهم أن لا عمومية لها كي يشملالجعل والأجرة من قبل المتحاكمين ، نعم في ما إذا لم يمكن ذلك في انقاذ حقه وتحصيل الحق إلا بإعطاء المال «الرشوة» فإنّه جائز بالنسبة إلى المعطي «الراشي» إعطاء المال «الرشوة» وإن حرُم على المرتشي أخذه ، فما نسب إلى بعض الفقهاء من حرمتها مطلقاً ولو مع توقف تحصيل الحق عليها في

ص: 24


1- القاموس المحيط / 4 / 334 .
2- كتاب الارشاد .
3- جامع المقاصد /4 /36 - 37 .
4- السرائر/2 /166 .
5- نقلاً عن المصباح المنير /1 /228 .
6- لسان العرب /14 /322 .
7- المصباح المنير/1/ 228.

..........................

غير محله ، وعلى أيّ حال الرشوة محرمة على الراشي والمرتشي , ويدل عليه مضافاً إلى الإجماع بين المسلمين الآية والروايات .فأمّا الآية قوله تعالى : «وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).

وأمّا الروايات فقد وردت الأخبار الكثيرة على حرمتها .

منها : صحيحة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «أمّا الرشا في الاحكام فإن ذلك كفر بالله»(2).

ومنها : معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن البخس ، فقال : هو الرشا في الحكم»(3).

ومنها : حديث يوسف بن جابر قال «قال أبوجعفر (علیه السلام) : لعن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له ، ورجلاً خان أخاه في امرأته ، ورجلاً احتاج إليه الناس لتفقهه فسأل الرشوة»(4)، وهناك روايات أخرى كثيرة جداً في هذا الباب نكتفي منها بهذا القدر .

وأمّا العقل : فهو من أوضح الواضحات فالرشوة مصداق من مصاديق الظلم والعقل يقبح كل ظلم .

وأمّا الإجماع : قال صاحب الجواهر الإجماع بقسميه(5)، وفي المسالك اتفاق

ص: 25


1- سورة البقرة الآية / 188 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب آداب القاضي ح8.
3- الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي ح4.
4- الوسائل باب 8 من أبواب آداب القاضي ج5.
5- جواهر الكلام /40 /131.

..........................

المسلمين على تحريم الرشوة على القاضي والعامل(1). وكما أن الرشوة حرام على المرتشي أخذها فهو حرام على الراشي أيضاً ، للنهي الوارد في الآية ، ولإنّه إعانة على الإثم ، فلو أخذها لابد من ردّها إلى صاحبها ، ولو تلفت عنده لابد من رد مثلها ، أو قيمتها بعد ما لم يقصد المعطي الاعطاء مجاناً ، بل مقابلاً للحكم له .نعم في صورة ما إذا دفعها إليه مجاناً ولو كان الداعي منه الحكم فلا يكون المرتشي ضامناً لو تلف ، لأنّها هبة فاسدة وتشملها قاعدة ما لا يضمن بصحيحهلا يضمن بفاسده . وهذه القاعدة من الأمور المسلمة عندهم إثباتاً ونفياً ومدركها الإجماع وسيرة العقلاء ، وقاعدة اليد ، ولا ضرر ، وهي تجري في كثير من موارد الفقه وقد ذكروا ، أنّها تأتي في كتاب التجارة ، والإجارة ، والعارية ، والوكالة والشركة ، والرهن وغيرها وتفصيل هذه القاعدة في مضانها .

ص: 26


1- مسالك الافهام / 13 / 419 .

المسألة 5 : القاضي على نوعين ، القاضي المنصوب ، وقاضي التحكيم(1).

----------------------------------------

(1) مقتضى الأصل وضعاً عدم نفوذ حكم أحد على غيره كما مرّ , إن مقتضى القاعدة حرمة الحكم من غير النبي ووصيه ، ففي صحيحة سليمان ابن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «اتقوا الحكومة فإنّ الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي النبي»(1)، ولا يمكن الخروج عن هذا الأصل والقاعدة إلا بالدليل ، كما إذا كان القاضي منصوباً من قبلهم (علیهم السلام) نصباً خاصاً أو عاماً ، فالقاضي أو الحاكم يكون على أقسام ثلاثةقاضي المنصوب بالنصب الخاص ، وقاضي المنصوب بالنصب العام ، وقاضي التحكيم .

أمّا الأول : فهو مختص بزمان الحضور ، ولا وجود له في عصر الغيبة لأنّه مختص بإذنٍ خاص منهم (علیهم السلام) لشخص خاص كما نصب أمير المؤمنين (علیه السلام) شريح ومالك الاشتر .

والثاني : هو أنّ يكون النصب بشكلٍ عام منهم (علیهم السلام) لكل من له مواصفات خاصة ومعينة.

والثالث : هو قاضي التحكيم ويقال أنّه لا يحتاج إلى النصب من قبلهم (علیهم السلام) .

أمّا في القسمين الاوليين فلا إشكال في نفوذحكمهما بعد أن نصبهما المعصوم (علیه السلام) نصباً عاماً أو خاصاً .

وأمّا قاضي التحكيم فنفوذ حكمه يحتاج إلى دليل بعد ما قلنا بأنّ الحكم يكون لله ورسوله وللائمة ولمن نصبوه ، وغير خفي بأنّ القاضي المنصوب بالنصب العام لابد أن تكون مواصفاته عين مواصفات قاضي المنصوب بالنصب الخاص ، فالكلام في مَنْ يصح نصبه لهذا الأمر ومن يكون حكمه نافذاً ولو لم يكن منصوباً بالخصوص ، وما هي صفاته .

ص: 27


1- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح3.

..........................

وبعبارة أخرى بعد أنّ لم يكن حكم أحد نافذاًبالنسبة للآخرين كما مرّ وإنّ الحكم بالأصل لله تبارك وتعالى ولرسوله (علیهم السلام) وأوصيائه (علیهم السلام) حيث جعل الله لهم هذا النصب، وقد أذن لهم التنصيب من قبلهم (علیهم السلام) للتصدي لهذا المنصب وعلى العوام الرجوع إلى القاضي المنصوب من قبلهم ، أمّا غير ذلك فقد نهي الرجوع إليهم للآية والرواية .

أمّا الآية فقوله تعالى : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»(1) .

وأمّا الروايات التي دلت على التنصيب .

منها : محمد بن عثمان العمري قال في : التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (علیه السلام) «أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك إلى أن قال :وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة احاديثنا ، فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»(2).

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) : «عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً ، وإن كان حقاً ثابتاً له ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به، قال تعالى : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» ، قلت كيف يصنعان ، قال : ينظران من كان منكمممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا ، فليرضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما

ص: 28


1- سورة النساء الآية / 60 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح9.

..........................

استخف بحكم الله ، وعلينا ردّ والراد علينا الراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله»(1).

وهاتان الروايتان ردهما الاستاذ الاعظم (قدس سره)بالضعف في السند وإنّ كانتا تامتين فيالدلالة(2) .

أمّا ضعف السند فبإسحاق بن عمار لعدم ثبوت وثاقته ، وأمّا الثانية فهي ضعيفة بعمر بن حنظلة ولو أن سند هذه الرواية ضعيف أيضاً ولكنها مشهورة والأصحاب أخذوها بالقبول ، فيحصل الاطمئنان بقولهم بصحة الرواية .

وقد يستدل على ذلك بمعتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال «قال : أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكمواإليه»(3)، فالرواية من جهة السند تامة .

وأمّا من جهة الدلالة ، فيمكن أن يقال بأنّ الرواية كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : لا تدل على نصب القاضي ابتداءً لإنّ قوله (علیه السلام) «قد جعلته قاضياً» متفرع على قوله «فاجعلوه بينكم» وهو القاضي المجعول من قبل المتخاصمين ، إذاً هذه الرواية لا تدل على جواز المراجعة إلى قاضي التحكيم(4).

وقد استدلوا على نفوذ حكم حاكم التحكيم بالآيات :

منها : قوله تعالى : «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ»(5)، وقوله : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ

ص: 29


1- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج /1/10 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
4- المباني / 1 / 8 .
5- سورة النساء اية / 58 .

..........................

بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(1)، وقد استدلوا على ذلك بهاتين الآيتين في نفوذ حكم حاكم التحكيم ، بأن يحكم بالعدل .

ولكن الحق أن الآيتين ليستا بصدد بيان شرائط القاضي ، بل بصدد بيان إن الحكم من القاضي لابد أن يكون بالحق أيّ بما أنزل الله تعالى لا بالجور ، مضافاً إلى ادعاء الإجماع .

وفيه إنّه محتمل المدركية ، وغير ثابت مع أنّ الخلاف والإشكال وردا في المسألة - أي مسألةالإجماع - حتى بالنسبة إلى العامة الذين هم الأصل في هذه المسألة كما قال الشيخ المظفر : هم الأصل له وهو الأصل لهم ، وكذا التمسك بخبر أحمد بن الفضل الكناسي قال : «قال لي أبو عبد الله (علیه السلام) أي شيء بلغني عنكم ؟ قلت ما هو ، قال : بلغني أنكم اقعدتم قاضياً بالكناسة قال : قلت : نعم جعلت فداك رجل يقال له عروة القتات ، وهو رجل له حظ من عقل نجتمع عنده فنتكلم ونتسائل ثم يرد ذلك إليكم قال لا بأس به»(2) فهو ضعيف من جهة السند ، لأن أحمد بن منصور إن كان هو الخزاعي فإنّ الواسطة ساقطة بينه وبين العياشي بعد إن كانالعياشي من أصحاب الهادي والعسكري (علیهما السلام)، وأحمد من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وإن كان أحمد بن منصور غيره فلم يوثق ، إذاً لا دليل على وثاقته .

وأمّا من جهة الدلالة فإن ظاهر الصدر «اقعدتم قاضياً بالكناسة» وإن كان ظاهراً في القاضي بالمعنى المقصود ، ولكن ذيل الرواية لا تدل على ذلك لإن قوله نجتمع عنده فنتكلم ونتسائل ، ثم يرد ذلك إليكم ، فإنّه صريح في البحث الفقهي ، فلو كان فيه شروط القاضي المنصوب فهو داخل فيه ، وإلا فهذه الرواية غير كافية ،

ص: 30


1- المائدة اية / 44 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ج31.

مسألة 6 : هل يكون تعيين القاضي بيد المدعي أو بيده و المدعى عليه معاً(1)، فيه تفصيل .

----------------------------------------

وتكفينا معتبرة أبي خديجة ، وصحيحة الحلبي «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ربما كان بين رجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء فيتراضيان برجل منا ، فقال : ليس هو ذاك إنما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط»(1)، فهي من جهة السند تامة وكذا من جهة الدلالة لإن معنى الرواية من يجبر الناس بالسيف والسوط فحكمه حرام ولا ينفذ أمّا من تراضى به المترافعان وكان شيعياً فحكمه نافذ .(1) لابد أولاً من بيان معرفة المدعي والمدعى عليه المنكر ، وتمييز أحدهما عن الآخر ، عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»(2)، وورد عن جميل وهشام في الصحيح قالا : «قال أبو عبد الله ، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) البينة على المدعي واليمين على من ادعي عليه»(3)، وغيرهما ، وقد اختلفت كلمات الفقهاء في تعريفهما .

الأول : إن المدعي هو من يخالف قوله الأصل ، والمنكر من يوافق قوله الأصل .

الثاني : المدعي من يخالف قوله الظاهر ،والمنكر من يوافقه .

الثالث : المدعي هو الذي لو ترك يترك ، والمنكر هو الذي لا يترك لو ترك أي إن المدعي من شأنه ابداء الالزام على غيره ، وفي قباله المنكر هو الذي من شأنه نفي الزام الغير عن نفسه .

الرابع : المدعي من لا يلزمه شيء بإقراره ، والمنكر مَنْ يلزمه لو أقرّ .

ص: 31


1- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح8 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
3- الكافي /7 /415 .

..........................

والظاهر أن كل هذه التعاريف الأربعة ترجع إلى معنى واحد ، بل قد تجتمع في مصداق واحد فلو ادعى زيد على عمرو - حيث لا صلة بينهماأصلاً - بدين مالي فانكره، فزيد مدعي لأنّه يخالف قوله الأصل ويخالف قوله الظاهر خصوصاً إذا كان المال بيد المدعى عليه ، وهو الذي لو ترك يُترك والذي يلزمه شيء بإقراره ، والمنكر يكون على العكس .

ولذا قال صاحب الجواهر : والذي يظهر أن المدعي والمدعى عليه معنى واحد وليس هذا اختلافاً في معناهما على وجه يوجب اختلاف الأحكام وإنما ذكروا تعريفه ببعض الخواص لإرادة التمييز في الجملة ، وإلا فمن المقطوع إنّه ليست بشيء ، منها معنى المدعي وخصوصاً المراد به هنا ، وهو الذي من التداعي بمعنى صحة إلى أن يقول وكيف كان فالرجوع إلى العرف فيمصداقهما أولى من ذلك كله ، ولعله لا اشتباه فيه بعد امتياز خصوص الدعوى بين المتخاصمين .

نعم قد يقدّم قول المدعي بيمينه في مقامات كثيرة للأدلة الخاصة ، وذلك لا يخرجه عن كونه مدعياً ، وإنما يخرج عن الحكم بإن عليه البينة ، وليس كل من قدم قوله بيمينه منكراً ، وكل من طلب منه بينة مدعياً ، ومن ذلك دعوى الودعي ردّ الوديعة ودعوى الأمين تلف المال وغير ذلك ، بل لعل منه تقدم قول مدعي الصحة ، فإنّه مدعٍ ولكن قدم قوله بيمينه فتأمل ، وبما ذكرنا يظهر لك النظر في كلمات كثيرة في المقام(1).

ص: 32


1- الجواهر/ 40 / 375 .

فإنّ كان القاضي قاضي التحكيم فالتعيين بيدهما معاً ، وإنّ كان قاضياً منصوباً فالتعيين بيد المدعي ، وأمّا إذا تداعيا فالمرجع في تعيين القاضي عند الاختلاف هو القرعة(1).

مسألة 7 : يعتبر في القاضي أمور : الأول : البلوغ ، الثاني العقل الثالث الذكورة ، الرابع الإيمان ، الخامس طهارة المولد ، السادس العدالة السابع الرشد ، الثامن الاجتهاد(2).

----------------------------------------

(1) أمّا لو كان قاضي التحكيم فمعلوم ، لإنّ أصل ثبوت نفوذ حكمه يكون برضاهما .

وأمّا إذا كان القاضي المنصوب مضافاً إلى ورود الإجماع وبما إنّه هو المدعي والمدعي لابدأن يثبت دعواه بأيّ وسيلة كانت وليس للمدعى عليه منعه عن اثبات دعواه ، فالتعيين يكون بيد المدعي رضي المدعى عليه أم لا وتشير إلى ذلك عدة من الآيات الشريفة .

فما نسبه إلى بعض المحققين المعاصرين بإنّه ليس كلاً منهما صاحب حق ففي غير محله ، لأنّه هو صاحب الحق ظاهراً ، فالتعيين بيده وليس للمدعي عليه حق على المدعي ظاهراً لكي يعين القاضي هو .

إذاً قوله واختياره يكون مقدّم فلا نحتاج إلى القرعة ، نعم في صورة التداعي يكون التعيين بالقرعة ، لأنّ كلا منهما مدعي وله أن يعيين الطريق لإثبات مدعاه ومع عدم إمكان هذا فلابدمن القرعة لكون القرعة تكون لكل أمر مشكل .

(2) لابد من الإشارة إلى أنّ هذا الشرط - والذي يليه وهو العقل - هما من الأمور البديهية لعظمة مقام القضاء ، حيث وصفته الروايات بإنّه منصب نبي أو وصي نبي ، لذا قد استدلوا عليه بالإجماع بلا فرق بين أن يكون مراهقاً أم لا ،

ص: 33

..........................

لصحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال : «قال : أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهلالجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(1).

وأمّا ما استدلوا به على اشتراط البلوغ بإن الصبي مسلوب العبارة ومولى عليه ، فلا يصلح في هذا المقام والمرتبة ، ومن يكون محجوراً عليه في ماله كيف لا يكون محجوراً عن القضاء ؟ فلا يمكن التمسك بإطلاق دليل القضاء ، فإذا كان محجوراً عليه وممنوعاً من التصرف مطلقاً فكيف ينفذ بالنسبة إلى الغير ، فيه كلام والعمدة إن المسألة اتفاقية ، كما في الجواهر : بلا خلاف أجده في شيء منها(2).وأمّا البلوغ والعقل الفاقد لهما في الشرع مرفوع عنه القلم وغير مكلف فكيف يعتلي منصب القضاء ، وكذلك بالأدلة القطعية لإنّ افعاله وأقواله لا تنفذ في حقه فكيف تنفذ في حق الغير ؟

وزيادة على ذلك إن بناء العقلاء في ذلك واضح ، ولإنصراف الأخبار وللأصل أيضاً ، وفي المسالك : هذه الشرائط عندنا موضع وفاق ، أمّا الأولان فلأن الصبي والمجنون لا ولاية لهما على أنفسهما فانتفاؤها عن غيرهما أولى ولا ينفذ قولهما على انفسهما ، فأولى أنّ لا ينفذ على غيرهما .

وأمّا الإيمان فإنّ أريد به الإسلام ، أو ما في معناه فاشتراطه واضح ، لأنّ الكافر ليس من أهلالتقليد على المسلم ولا على غيره مثله ، وإن أريد به الخاص

ص: 34


1- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
2- الجواهر /40 /12.

..........................

المتعارف عندنا كما هو الظاهر فلمشاركة غيره للكافر في عدم أهلية التقليد واختلاف الأصول المعتبرة فيه عند الفريقين .

وجوّز بعض العامة تقليد الكافر القضاء على أهل دينه ، وهو شاذ وكذا القول في الفاسق لإنّه لا يصلح للشهادة فللقضاء أولى .

وأمّا طهارة المولد فلقصور ولد الزنا عن تولي هذه المرتبة حتى أن إمامته وشهادته ممنوعتان ،فالقضاء أولى .

وأمّا العلم فللنهي على القول على الله تعالى بدونه وقد قال النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار ، فالذي في الجنة رجل عرف الحق فقضى به ، واللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم ، ورجل قضى للناس على جهل»(1).

وأمّا اشتراط الذكورة فلعدم أهلية المرأة لهذا المنصب لإنه لا يليق بحالها مجالسة الرجال ورفع الصوت بينهم ولابد للقاضي من ذلك ، وقد قال (صلی الله علیه و آله وسلم) «لن يفلح قوم وليتهم امرأة»(2)، وفي الحديث عن علي (علیهالسلام) «إن القلم يرفع عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ»(3).

وللأصل والإجماع ولصحيحة الجمال قال ، «قال : أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(4)، والمؤيدة بالنبوي «لا يفلح قوم وليتهم امرأة»، وفي أخرى

ص: 35


1- عوالي الئلالي /2 /342 .
2- مسند أحمد / 5/ 47 - 50 .
3- الوسائل باب 1من أبواب مقدمة العبادات ح11 .
4- الوسائل باب1من أبواب صفات القاضي ح5 .

..........................

«لا تتولى القضاء»(1)، وفي وصية النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) لعلي (علیه السلام) : «قال يا علي ليس على المرأة جمعة إلى أن قال ، ولا تولى القضاء»(2)، وقوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «لن يفلح قوم وليتهم امرأة»(3) .

والإجماع غير ثابت كما ادعى عليه الاردبيلي، بقوله: أمّا اشتراط الذكورة فذلك ظاهر فيما لم يجز للمرأة فيه أمر ، وأمّا في غير ذلك فلا نعلم له دليلاً واضحاً، نعم ذلك هو المشهور ، فلو كان إجماعاً ، فلا بحث ، وإلا فالمنع بالكلية محلبحث، إذ لا محذور في حكمها بشهادة النساء مع سماع شهادتهن بين المرأتين مثلاً بشيء مع اتصافها بشرائط الحكم»(4) .

مضافاً إلى أن الإجماع المذكور محتمل المدركية، والروايات ضعيفة وصحيحة أبي خديجة لا تنفي عدم جواز تولي المرأة القضاء، والعمدة حصول الاطمئنان من هذه الأدلة كلها وعدم وجود الدليل لجواز تصديها بعد إن قلنا الأصل عدم نفوذ حكم احد على غيره.

أمّا بالنسبة إلى القاضي إذا كان رجلاً ثبت بالدليل في نفوذ حكمه وأمّا المرأة فلا، فتدخل في الأصل، وقد ادعي الإجماع ، ويمكن التمسك بعدم نفوذ حكمها بما دل على المنع من الجمعةوالجماعة .

وأمّا

شرط الإيمان اتفاقي ففي الجواهر: أنّه من ضروريات مذهبنا(5) فإن كان الإيمان مقابل الكفر فهو مسلم لقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ

ص: 36


1- الوسائل باب2 من أبواب صفات القاضي ح1 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب صفات القاضي ح1 .
3- مسند أحمد /5/ 47 ، وسنن البيهقي /1/117 .
4- مجمع الفائدة والبرهان /12 /15.
5- الجواهر /40 / 13 .

..........................

يَكْفُرُوا بِهِ»(1)، مضافاً إلى الاتفاق .

أمّا إذا أريد من الإيمان المعنى الأخص أيلابد أن يكون إماميّاً اثنا عشرياً فالإيمان شرط ، لقوله (علیه السلام) في صحيحة أبي خديجة «فانظروا إلى رجل منكم» كما تقدم وغيرها من الروايات المتواترة والتي منها ، ما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إيّما مؤمن قدم مؤمناً في الخصومة إلى قاض أو سلطان جائر ، فقضى عليه بغير حكم الله ، فقد شركه في الإثم»(2) وعنه أيضاً ما عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال : «قال : أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق (علیه السلام) إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم ،فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(3) وما عن عمر بن حنظلة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكما إلى الطاغوت وما يحكم له إنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له لإنه أخذه بحكم الطاغوت إلى أن قال ينظران من كان منكم ممن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضو به حكماً ، فإني قد جعلته عليكم حاكماً»(4).

ويفهم من هذه المقبولة ورواية أبي خديجةالتي سبقتها في الجملتين منهما وهي «أنظرا إلى رجل منكم» و «ينظران من كان منكم» حيث أنّهما تدلان على شرطية الإيمان أي إن الإيمان له مدخلية في نفوذ الحكم .

ص: 37


1- سورة النساء الآية / 6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح1 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5 .
4- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح1.

..........................

أمّا صدر رواية أبي خديجة ، فلا يدل على الحكم الوضعي ، بل تدل على الحكم التكليفي ، وأمّا صدر رواية ابن حنظلة فهي تدل على الحكم الوضعي وقد دلتا بالصراحة في إطلاق كلمة الطاغوت شيعياً كان أم غيره فلا ينفذ حكمهمااضافة إلى الحرمة .

أمّا في صورة استنقاذ الحق خصوصاً إذا لم يوجد الحاكم العادل أو لا يمكنه أخذ حقه لو مع وجوده إلا بمراجعة حاكم الجور ، ففي هذه الصور يجوز ويكفينا قاعدة نفي الحرج وقاعدة نفي الضرر .

وأمّا شرط طهارة الولادة فلا خلاف فيه ، وفي الجواهر كما هو واضح بناءً على كفره ، أمّا على غيره فالعمدة الإجماع المحكي ، وفحوى ما دل على المنع من إمامته وشهادته ، إن كان وقلنا به مؤيداً بنفر طباع الناس منه وإلا فمقتضى العمومات دخوله(1)، وجواز حكمه حسب القاعدة، لولا اتفاقية المسألة لقلنا بما قاله في الجواهر بدخوله في العمومات ، وما استدل به الاستاذ الاعظم (قدس سره) مضافاً إلى قوله (علیه السلام) في صحيحة الجمال المتقدمة «ولكن انظروا إلى رجل منكم» ينصرف إلى غير ولد الزنا جزماً(2)، أي من الشيعة بأنّها منصرفة عن طهارة المولد ، ولكن يمكن أن يقال بإن الإنصراف بدوي .

وأمّا شرط عدالة القاضي للاتفاق على ذلك ، والأدلة قاصرة عن شمولها للفاسق ، وللأصل ، ولقوله تعالى : «وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَتُنْصَرُونَ»(3)، وكما جاء في صحيحة

ص: 38


1- الجواهر / 40 / 13 .
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 14 .
3- سورة هود الآية / الآية 113 .

..........................

سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : اتقوا الحكومة ، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي»(1)

وما نسب إلى المحقق الخونساري فيه نظر ، فإن الرجوع إلى حكم غير العادل مع وثاقته ليس ركوناً إلى الظالم ألا ترى إن الفقهاء يأخذون بالخبر من غير العادل مع الوثاقة و لا يعدهذا ركوناً .

ولكن لا يخفى أن هناك فرقاً بين الرجوعيين ، فإن الرجوع إلى الظالم والفاسق الموثق والأخذ بقوله - أي الظالم لنفسه وهو الفاسق - فإن الأخذ بقوله لا يكون ركوناً إليه ، فيأخذ منه إذا كان موثقاً وهذا بخلاف الرجوع إلى الحاكم فإنّه يستوجب الميل إليه واطاعته والاعتماد عليه ركوناً إليه ، بل الاطمئنان إلى قوله والسكون إلى حكمه وإظهار الرضا بفعله ، ويمكن الاستدلال بآية أخرى وهي قوله تعالى : «وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً»(2)، فالآية دالة على أن الحاكم المنصوب بغير الطريقالشرعي الصحيح فهو مغفول قلبه وتابع لهواه بتركه الإيمان والعمل بما أمره الله وكان أمره افراطاً وتجاوزاً عن الحدود ، والرجوع إليهم في الحكم يكون متابعة لهم وهو منهي عنه .

وأمّا قوله تعالى : «لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(3) ، أي الذي يقوم بتدبير الأمة وتنظيم أمورها وتأديب جناتها واقامة الحدود على مستحقيها ، وهو مجعول من قبل الطغاة لا يكون لائقاً للقضاء ، حيث كان ظالماً فلا يجوز له أن يرشح نفسه للحكومة أيضاً بعد إن كانت الحكومة منصب عام وهو مختص بالنبي ، أو

ص: 39


1- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح3.
2- سورة الكهف الآية / الآية 28.
3- سورة البقرة الآية / 124 .

..........................

وصي النبي ، أو مَنْ اختاروه ، بل إذا حكم بما أنه ظالم وفاسق فحكمه غير نافذ وكما ورد في الروايات .

منها : مقبولة عمر بن حنظلة «قال سألت أبا عبد الله ... فقال الحكم ما حكم أعدلهما»(1)، فمن هذه الرواية تظهر بإن العدالة شرطيتها مفروغ عنها وإلا كان يقول خذ بالعادل منهم .

ومنها : ما ورد في صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله قال «اتقوا الحكومة، فإن الحكومةإنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي»(2) ، حيث حصر الحكومة لمن يكون عادلاً .

ومنها : رواية أبي خديجة «إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد هؤلاء الفساق»(3)، فإنها صريحة على إن الفسقة غير قابلين لجلوسهم على دكة القضاء وهم غير منصوبين من قبلهم D فلا يجوز التحاكم عندهم ، ولو حكموا بالحق فحكمهم غير نافذ لإن الفاسق ليس له الولاية على المجانين والصغار فكيف يمكنه أن يتولى القضاء وغير ذلك .وأمّا الاستدلال بعدم الصلاة خلف من لا يكون عادلاً ، فللروايات الواردة فيها والتي تدل على عدم جواز الصلاة خلف الفاسق .

وأمّا اشتراط العدالة فلا ، خصوصاً بناءّ على جواز الواسطة بين الفاسق والعادل ، وهو في ما إذا كان أول بلوغه ولم يرتكب ذنباً ، فإنه ليس بفاسق ولا عادل ، أمّا كونه ليس بفاسق لإنه لم يرتكب ذنباً ، وأمّا إنه ليس بعادل لإنه لم

ص: 40


1- الوسائل باب 9 من أبواب صفات القاضي ح1 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح3.
3- الوسائل باب 11من أبواب صفات القاضي ح6 .

الشرط الثامن الاجتهاد(1).

----------------------------------------

يحصل على ملكة العدالة بناءّ على اشتراط العدالة وهي تكون بحصول الملكة والروايات التي تدل على شرطية العدالة ضعيفة من جهة السند .

وقد يستدل بعدالة الشاهد بالتعدي إلى القاضي وروايات باب الشهادة تامة سنداً ودلالة فيمكن أن يتعدى إلى القاضي ونقول بعدم نفوذ حكمه إذا لم يكن عادلاً فبطريق أولى .

أمّا الشرط السابع وهو الرشد فهو من المسائل المسلمة وقد نقل عن الشيخ والكثير من الفقهاء بإنهم لم يتعرضوا لهذه المسألة ، ويكفي فيها دليلالعقل ، وممن لم يتعرض لهذه المسألة أيضاً صاحب الرياض، والمستند

والمسالك والدروس وغيرهم.

(1) الكلام يقع في شرطية الاجتهاد أو بجواز الحكم ولو كان مقلداً وعلى فرض وجوب الاجتهاد ، هل لابد أن يكون مجتهداً مطلقاً ، أو يكفي التجزي ؟ قال المحقق : ويشترط فيه العلم ولذا لا ينعقد لغير العالم المستقل بأهلية الفتوى ولا يكفي فتوى العلماء ولابد أن يكون عالماً بجميع ماوليه(1).

أمّا الكلام في المقام الأول ، فنقول كما مرّ بإن نفوذ حكم شخص على آخر لابد من وجوددليل عليه والأصل عدم ترتب الأثر على حكمه .

لا يخفى بإن أصل العلم شرط وهو بديهي من بديهيات العقل لإنه لا يمكن أن يحكم بما أنزل الله إلا مع العلم وكذا الحكم بالعدل ، كما إنه لابد أن يكون الحكم صادراً ويكون مطابقاً للشريعة ، فما يصدر من الرأي ، أو القياس أو الاستحسان فلا يكون نافذاً .

ويدل عليه مضافاً إلى الإجماع ، ما ورد من الروايات .

ص: 41


1- الشرائع /4 /76 .

..........................

منها : المرفوعة عن أبي عبد الله : «قال القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة»(1).

ومنها : صحيح هشام بن سالم قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما حق الله على خلقه ، قال : أن يقولوا ما يعلمون ويكفوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد ادوا إلى الله حقه»(2) .

ومنها : صحيحة أبو عبيدة قال : «قال أبوجعفر (علیه السلام) من افتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه»(3)، ولذا ورد النهي عن القضاء كما عن محمد بن محمد المفيد عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «قال من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين»(4) وفي رواية عن أنس بن مالك عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس ، فإما إلى الجنة وإما إلى النار»(5) .

وإن وردت هذه الروايات في ذم الجلوس على دكة القضاء ، ولكن بما إن أمر القضاء يكون عظيماً عند الله لأجل أخذ حق المظلوم من الظالموتنظيم أمور المسلمين فمن راعى جانب الدقة والاحتياط في الحكم فأجره يكون عظيماً عند الله ، بل لا يجوز ترك القضاء وجعله مهملاً إلا مع وجود من يقوم به لعدم

ص: 42


1- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح6 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح10 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح1 .
4- المقنعة /721 ، الوسائل باب3 من أبواب صفات القاضي ح8 .
5- الوسائل باب 2 من أبواب آداب القاضي ح3 .

..........................

جواز تعطيل حقوق الله .

والروايات الناهية تحمل أمّا على من حكم بغير العلم أو بغير الحق وهل هذا العلم لابد أن يكون عن اجتهاد أو يكفي أن يكون عن تقليد ؟ وعلى فرض الأول هل لابد أن يكون مجتهداً مطلقاً أو يكفي التجزيء ؟وبعد ما قلنا بإنه يشترط العلم في نفوذ الحكم فلا ينعقد القضاء للجاهل ولا ينفذ حكمه .

قالوا بإن هذا العلم لابد أن يكون مستقلاً بأهلية الفتوى ، ومستنبطاً من الأدلة الأربعة ، فلابد من سبب خاص لإنصراف الأدلة عن العلم الحاصل من أي سبب كان ، ويدل عليه الإجماع والروايات .

منها : مقبولة عمر بن حنظلة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة إلى أن قال ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا»(1)، فيفهم منها السائل بل العرف المراد هوالاجتهاد .

ومنها : التوقيع الشريف قال : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم»(2)، أي حملة الأحاديث العارفون بصحتها وسقمها ، والعارفون بإرجاع العام إلى الخاص والمطلق إلى المقيد ، وكيفية الجمع بين المتعارضين وهو ما يطلق على المجتهد لا من يحمل الحديث فقط .

ثم لو قلنا بإن القاضي أن يكون مجتهداً ، فهل لابد أن يكون مجتهداً مطلقاً أم لا ؟

قال في شرح القواعد : لا فرق في المجتهد بين المطلق والمتجزيء ، كما عليه

ص: 43


1- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح1.
2- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح9.

المصنففي القواعد ، ويشترط أن يكون ذا قوة يتمكن من استخراج الفروع من الاصول ولا يكفي فقط ذلك كله من دون قوة الاستخراج ... وفي تجزي الاجتهاد إشكال الأقرب الجواز(1)، وكذا في التحرير : وهل يتجزأ الاجتهاد أم لا ؟ الأقرب نعم لما ورد عن الصادق (علیه السلام) إنه قال «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»(2) ، نعم يشترط أن يكون عارفاً بجميع ما وليه ولا يكفيه فتوى العلماء(3)،

وكذلك الشهيدان في الدروس : ويتجزأ الاجتهاد علىالأصح(4)،

والمحقق السبزواري في الكفاية : ولا يبعد القول بالاكتفاء بالتجزيء عند فُقْد المجتهد المطلق(5) وغيرهم ولإن الظاهر بل المقطوع إن المنصوبين في زمن النبي والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما والهما ، لم يكن لبعضهم قدرة استنباط جميع المسائل فتأمل .

وقد يدل على كفاية المتجزيء مرفوعة أبي خديجة «...ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا»(6)

، فإنها ظاهرة في أن المجتهد إذا كان عالماً بالمسائل المحتاج إليها في باب القضاء ولو لم يعرف بقية الأحكام يجوز الرجوع إليه إلا إذا قلنا بأن المراد من هذه الرواية هو المجتهدالمطلق أيضاً لإن لفظ النكرة لوحظ بالنسبة إلى علومهم (علیهم السلام) فالمجتهد مهما وصل علمه فإنه يكون قطرة بالنسبة إلى البحر من علومهم (علیهم السلام) .

ص: 44


1- القواعد / 3 / 423 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح5.
3- تحرير الاحكام /5 /111.
4- الدروس /2 /80 .
5- كفاية الفقه /2 /662.
6- الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي /ح5 .

..........................

ثم إن أصل المسألة تأتي بناءً على إمكان التجزيء ، فقد يقال باستحالة التجزي في الاجتهاد نظراً إلى أنه ملكة كملكة الشجاعة والسخاوة وغيرهما من الملكات ، والملكة أمر بسيط غير قابل للتجزئة والتقسيم من التنصيف والتثليث أوغيرهما ، ومقابل ذلك هو الكم دائماً يدور أمر الملكة بين الوجود والعدم ، ولا يعقل أن تتحقق متبعضة، بأن يقال إن لفلان نصف ملكة الشجاعة ، أو نصف ملكة الاجتهاد فالمتصدي للاستنباط إمّا أن يكون مجتهداً مطلقاً ، وإمّا لا يتصف بالاجتهاد أصلاً ، فالتجزيء في الاجتهاد أمر غير معقول .

ولكن هذه المغالطة في الدعوى بينة لوضوح إن مدعي إمكان التجزيء لا يريد به ذلك من أن ملكة الاجتهاد قابلة للتجزئة وإن للمتجزيء نصف الملكة أو ثلثها ، فإنه كما مرّ غير معقول نظير دعوى أن زيداً له نصف ملكة الشجاعة مثلاً ، بل مراده إن متعلق القدرة في التجزيء اضيق دائرة من متعلقها في المجتهد المطلق لإنها فيه أوسع .وتوضيحه إن القدرة تتعدد بتعدد متعلقاتها فإن القدرة على استنباط حكم مغاير للقدرة على استنباط حكم آخر وهما مغايران للقدرة على استنباط حكم ثالث نظير القدرة على بقية الاعمال الخارجية ، فإن القدرة على الأكل غير القدرة على القيام وهما غير القدرة على التكلم ، وهكذا في استنباط الأحكام تختلف بحسب سهولة المدرك والاستنباط وصعوبتها فرُب حكم يختلف فيه الأقوال وتضاربت ادلته واخباره ، وحكم مدركه رواية واحدة ظاهرة الدلالة وتامة السند ، ومن البديهي الاستنباط في الأول أصعب وفي الثاني أسهل فعلى أي حال ، فقد استدلوا على الاجتهاد المطلق بمقبولة عمر بن حنظلة بقوله «نظر فيحلالنا وحرامنا وعرف احكامنا» لإفادة الجمع المضاف للعموم .

ص: 45

..........................

ولكن لو قلنا بإن المرفوعة تدل على كفاية التجزيء وما يفهم منها بمناسبة الحكم والموضوع هو احكام القضاء إذ لا تعارض بينها وبين مرفوعة أبي خديجة ولو فرض إجمال المقبولة يكفي التمسك بإطلاق مرفوعة أبي خديجة .

يقول الشيخ الانصاري : ومما ذكرنا يعلم أن الأقوى جواز القضاء للتجزيء أعني من له ملكةاستنباط بعض المسائل دون بعض ، ووجه الجواز حينئذٍ ما مرّ من الأدلة العامة والخاصة عدا ما يتوهم من مقبولة عمر بن حنظلة من اعتبار المعرفة بكل الأحكام بناءً على حمل الجمع المضاف على العموم فيخصص به من حيث المفهوم المستفاد من كون المقام تعين المرجع في القضاء وتحديده بعموم رواية أبي خديجة والتوقيع الشريف(1).

والحق كما ذهب إليه بعض الفطاحل بعد إنْ قلنا بإمكان التجزيء بل إمكان وقوعه ، وإن الاجتهاد قابل للمراتب من حيث يكون قادراً في بعضها على الاستنباط من كتاب الصلاة أو باب القضاء ، وبناءً على ما برهنوا في محله من محاليةالطفرة يكفي التجزيء أي بناءً على القدرة في استنباط جملة من المسائل المعتد بها لا جميع المسائل .

وقالوا لابد من التجزيء لمحالية الطفرة لإنه أولاً يحصل التجزيء ثم يترقى إلى استنباط كل الأحكام ، ولذا قال صاحب الكفاية : بإنه بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزيء ، نعم ليس ذلك من المستحيلات العقلية نظير اجتماع الضدين أو النقيضين ، وذلك فإن المسائل الفقهية في عرض واحد ولا تقدم لبعضها على الآخر زماناً أو رتبة حتى يكون التمكن من استنباط بعضها مقدمة للقدرة على استنباط بعضها الآخر لكي يتوهم بأن المتأخر

ص: 46


1- كتاب القضاء للشيخ الانصاري / 232.

..........................

يستحيل أن يتحقق قبل حصول المتقدم حيث أن تقدم ذي المقدمة من دون مقدمته في المقام يستلزم الطفرة المحال ، فأيّ مانع لدى العقل من أن تحصل ملكة الاجتهاد المطلق دفعة واحدة ولو بالإعجاز والافاضة من الله جلت عظمته هذا في امكان التجزيء ووقوعه(1).

وما ذكره تام لإن الدليل العقلي غير قابل للتخصيص ، وأمّا الاقتدار على استنباط مسألة أو مسألتين لو صدق عليه شيء فهو منصرف عنهفلابد من عدم الأخذ بإطلاق المقبولة ، وتحمل على ما يراد به مرفوعة أبي خديجة المعرفة بأحكام باب يصدق عليه إنه عرف احكامهم .

قد يقال بإن المقبولة مختصة بالشبهة الحكمية فلا تشمل الأعم .

قلنا الحق إن مورد السؤال غير مختص بالشبهة الحكمية ، بل يظهر من قول السائل «بينهما منازعة في دين أو ميراث» أعم من أن يكون في الحكم أو الموضوع أيضاً .

ثم إنه لابد من الكلام في بيان جواز تفويض القضاء للمقلد أم لا ؟ وهنا أمور ثلاثة :

الأول : جواز تفويض أمر القضاء إلى المقلد على أن يحكم وفق فتوى من يقلده .الثاني : أن يوكل المجتهد من يحكم من قبله طبقاً لإرائه .

الثالث : أن يستخلف المقلد بحيث يكون له ولاية من قبل المجتهد في الفحص عن القضايا وتشخيص مواضعها ، ثم يبين رأي الفقيه الذي ولاه .

أمّا الأمر الأول : فلا إشكال في عدم جوازه بعد إن قلنا لابد من نفوذ

ص: 47


1- كفاية الاصول / 523 طبعة جماعة المدرسين ، وانظر شمس الأصول /5/ 426 لسماحة الأستاذ .

..........................

القضاء بالاجتهاد واعتبار العلم للقاضي وعدمكفاية القضاء عن تقليد وادعي عليه إجماع المسلمين ، لإن العامة يشترطون في القاضي الاجتهاد ، وما نقل عن المناهل بل هذا إجماع المسلمين قاطبة ، فإن العامة أيضاً يشترطون في القاضي الاجتهاد وإنما يجوزون قضاء غيره بشرط أن يوليه ذو الشوكة وهو السلطان المتغلب وجعلوا ذلك ضرورة ، فالقول بجواز القضاء لمن قصر عن الدرجة من غير تولية ذي الشوكة كما هو الواقع مخالف لإجماع المسلمين انتهى .

وكذا ما نقل من دعوى صاحب المفاتيح ، مضافاً إلى الروايات الواردة منها عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «فاتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالمبالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي» والتوقيع الشريف ، ومقبولة ابن حنظلة ، ومشهورة أبي خديجة ، وقد مرّ ذكر ذلك .

وأمّا الثاني : إنه لو فرض أنه يجوز للمقلد الاستقلال بالقضاء ولكن هل للمجتهد أن يأذن له فيه ويوكله في القضاء فيقضي غير المجتهد وكالة عن المجتهد ؟ يقول آغا ضياء الدين العراقي : ولعل هذا أردء من الوجه الأول ، إذ مضافاً إلى ورود النقوض المذكورة عليه ، يرد عليه إن جواز القضاء كجواز الافتاء حكم شرعي ووضعي مترتب على موضوعه الخاص شرعاً ، فكما لا يجوز التوكيل في الافتاء كذلك لا يجوز التوكيل في القضاء ، نعم كما يجوز بيان فتوى الغير كذلك يجوز بيان رأى الغير في القضية من غير أنيكون قضاء شرعياً ، الأمر الذي ينطبق على الوجه التالي(1)، ولكن إذا قلنا بإن للمجتهد والفقيه الولاية كالإمام (علیه السلام) يجوز له أن ينصبه للحكومة ، وأمّا إذا لم تكن له تلك الولاية فلا ، لعدم الدليل لإن الدليل أثبت أن الحكومة للنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أو للإمام (علیه السلام) ومن ينصبانه ، وعدم الدليل كافٍ في

ص: 48


1- كتاب القضاء للعراقي / 15.

..........................

عدم الجواز .وأمّا الثالث : الاستخلاف بأن يولي المجتهد من يفحص عن القضايا ويشخص مواضيعها وبعد ذلك يبين رأي المجتهد في كل قضية فحصها .

ولكن هذا خارج عن القضاء الشرعي ولا يصدق عليه القضاء بالمعنى المتعارف ، بل بمعنى تشخيص الموضوع وبيان رأي المجتهد فيه ، فلابد أن يكون القاضي مجتهداً .

نعم نسب إلى أبي حنيفة وأصحابه الجواز ، قال في المبسوط : القضاء لا ينعقد لأحد إلا بثلاثة شرائط : أن يكون من أهل العلم والعدالة والكمال وعند قوم بدل كونه عالماً أن يكون من أهل الاجتهاد ولا يكون عالماً حتى يكون عارفاً بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والاختلاف ،ولسان العرب وعندهم القياس .

وأمّا الكتاب فيحتاج أن يعرف من علومه خمسة اصناف ، العام والخاص والمحكم والمتشابه ، والمجمل والمفسر ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ...

وأمّا السنة فيحتاج أيضاً أن يعرف فيها خمسة أصناف : المتواتر ، والآحاد والمرسل ، والمتصل ، والمسند ، والمنقطع ، والعام والخاص ، والناسخ والمنسوخ ... وفي الناس من أجاز أن يكون القاضي عاميّاً ويستفتي العلماء ويقضي به والأول هو الصحيح عندنا(1)، هذا في صورة عدم الاضطرار ، وأمّا في حال الاضطرار وهو عدم وجود مجتهد في البلاد وتعسر وتعذر الترافع إليهفالعقل يحكم بالجواز لإن ذلك يستوجب بقاء النظام ورفع التشاجر والتنازع ، فغير المجتهد بعد عمله بفتوى مقلده يحكم بالحق ، فالعقل يحكم بنفوذ حكمه ، وذكر صاحب المستند : إذا فُقد الجامع للشرائط ، أو تعسر الوصول إليه ، أو لم ينفذ قضاءه مطلقاً ، أو على

ص: 49


1- المبسوط / 5 / 451 .

..........................

خصوص المدعى عليه ، أو لم يمكن إثبات الحق عنده فهل يجوز الترافع إلى غيره ؟ ظاهر الأكثر العدم ، وفي الروضة الإجماع عليه(1).ونقل الاردبيلي قولاً منسوباً إلى ابن فهد الحلي بجوازه في الصورة الأولى قال : إنه وجده في حاشية الدروس منقول عن الشيخ حسين بن حسام ، ووجدت أنا أيضاً في حاشية نسخة منه منسوبة إلى مسائل ابن طبي ونسبة هذا القول إلى ابن فهد وإلى الشهيد في الحواشي واختاره نفسه واستقر به بعض المعاصرين(2)،

وجوزه الشهيد الثاني في المسالك(3)، ووالدي في معتمد الشيعة لو توقف حصول الحق عليه ، وظاهرهما الشمول للصور الأربعة ، واستدلوا على الجواز بلزوم تعطيل الأحكام لولاه ينفي العسر والحرج(4).

لا يخفى إن رفع المنازعات من المستقلاتالعقلية التي يحكم بها العقل مستقلاً بوجوب بقاء النظام ، ويمكن الاستفادة من الآية : «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»(5)، أن يكون المتفرع على الخلافة القيد أعني كون الحكم على نحو الحق بأن تكون شرعية أصل الحكم له معلومة بالعقل المستقل، ويكون الغرض من التفريع تأكيد الحكم بالحق في حق الخلفاء.

ولكن ذلك الحكم من العقل على وجه الإيجاب الجزمي بمعنى حكمه بوجوب وجود القاضي والفاصل في الجملة ، وأمّا حكمه بوجوب القضاء على الجميع

ص: 50


1- مستند الشيعة / 17 / 38 / الروضة / 3 / 68.
2- المحقق القمي في رسالة القضاء ، غنائم الايام /674.
3- المسالك / 2 /352.
4- مسند الشيعة /17/ 38 - 39.
5- سورة ص الآية / 26.

..........................

أو على البعض المعين فلا .

ولا يرد عليه أن الإجمال في حكم العقل غير معقول .

فالإجمال ليس في موضوع الحكم ولا في محموله ، بل في مصاديق الموضوع نظير استقلاله بقبح تناول المضر ، فإنه لا ينافي شكه في قبح بتناول شيء باعتبار الشك في أندراجه تحت مفهوم المضر .

والذي يقضي به العقل أن يكون الشخص قاضياً بين الناس مع عدم ترتيب المفسدة علىقضاوته ، ولما لم يشخص عند هذا الشخص ولا يدرك مصاديقه فتعيينه موكول إلى الشارع العالم بخفيات الأمور ، فتعيين الشارع شخصاً للقضاء تشخيص لموضوع حكم العقل ، كما أن حكم الشارع بأصل القضاء تأكيد لحكم العقل ، فإن تعيين القاضي من قبل الشارع فهو المتبع وإلا فإن كان في المكلفين شخص متفق عليه فالقدر المتيقن وجوب الاقتصار عليه لإن الضرورات تقدر بقدرها وإلا وجب على المكلفين جميعاً وجوباً عقلياً كفائياً لاستحالة التعيين المستلزم للترجح بلا مرجح .

وهذا أصل عقلي مطرد في جميع الأمور الحسبية للقاضي التي يحكم بها العقل المستقلكإغاثة الملهوف ، ومحافظة على النفوس ، والأموال الضائعة ونحوها من الأمور الحسبية ، فإن الضابط فيها ما ذكرنا من إتباع التعيين الشرعي للمقيم بها ، ومع عدم التعيين الشرعي والاقتصار على الشخص المتفق عليه وهو القدر المتيقن ومع التساوي فالوجوب كفائي .

ص: 51

بل الضبط على وجه(1). ولا تعتبر فيه الحرية(2).

----------------------------------------

(1) أمّا الضبط ففي مفتاح الكرامة قوله : كما في الإرشاد ، والتبصرة والشرائع ، والنافع ، والدروس ، والروضة ، وتعليق النافع للمحقق الثاني وقد فسر في الشرائع والنافع والتعليق المذكور بإن لا يغلب عليه النسيان(1).

ولكن المسألة محل كلام وإن ادعى بعض المحققين عدم الخلاف فيها وقد نسب إلى مفتاح الكرامة : قد خلا من هذا الشرط كثير من كتب الأصحاب كالتحرير وظاهر غيره ، لكنه يفهم من مطاوي كلامهم ولاسيما عند التعرض للكتابة ، وقد أجمعوا على اعتباره في الراوي(2)، ولكن فيالواقع أصل الضبط في الواقعة التي هي محل الابتلاء كافٍ ولو لم يكن ضابطاً في المسائل الأخرى لإنصراف الأدلة عمّا لا يكون له ضبط أصلا .

(2) قد يقال باعتبارها ونسب إلى الأكثر ، وعن الروضة بقوله : وفي الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الافتاء ، وهي البلوغ والعقل والذكورة والإيمان والعدالة وطهارة المولد اجماعاً والكتابة والحرية ، ثم قال : أيضاً ولابد في القاضي المنصوب من الإمام من الكمال إلى أن قال وانتفاء الخرس والحرية(3).

وقال المحقق : وهل يشترط الحرية قال في المبسوط نعم والأقرب أنّه ليس شرطاً ، وفيالروضة أنه نسب الحرية إلى الأشهر(4)، وشرحه كما في المسالك حيث قال : اشتراط الحرية في القاضي مذهب الأكثر منهم الشيخ واتباعه لإن القضاء ولاية والعبد ليس محلاً لها لاشتغاله عنها باستغراق وقته بحقوق المولى ، ولإنه من

ص: 52


1- مفتاح الكرامة / 25 /25.
2- نفس المصدر .
3- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية / 3 /62 - 67.
4- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية / 3/ 62 .

..........................

المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد ، واستقرب المصنف عدم اشتراطها للأصل، ولإن المناط العلم وهو حاصل وعموم قول الصادق (علیه السلام) «أنظروا إلى رجل منكم يعلموا شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضياً فإني قدجعلته قاضيا» ويمنع من عدم أهليته للولاية مع إذن السيد وعدم تأهله لهذا المنصب مجرد دعوى(1).

وقد استدل للقول الأول : من كان لغيره ولاية عليه لا يكون له الولاية على غيره .

الثاني : إن القضاء منصب عظيم والعبد قاصر عن نيل هذا المنصب .

وقد اجيب عنه أولاً : إذا فرض إن شرائط القضاء مجتمعة فيه فلا مانع من تصديه .

وثانياً : بإن مقتضى الإطلاقات جوازه .

وقد يستدل لعدم الجواز بالآية : «عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ»(2) كما ذكره صاحبالرياض : وفي الأدلة من الطرفين نظر .

فالأول : من الأول بالمنع من عدم أهليته للولاية مطلقاً ، بمجدر ما ذكروه من التعليل بالاشتغال بحقوق المولى المانع من القضاء إذ غايته عدم الأهلية مع عدم ، إذن المولى لا مطلقاً وهو اخص من المدعى .

والثاني : بإنه مجرد دعوى بل ومصادرة أعادة المدعى(3).

خصوصاً لو كان المملوك أوقاته مستغرقة للمولى ، وفيه إنه يجوز له مع إذن المولى ، وما ذكر بإن الأصل عدم الجواز لأن الأذن في العبد غير متيقن وفيه إن

ص: 53


1- المسالك / 13 /330.
2- سورة النحل الآية / 75 .
3- رياض المسائل / 15 / 17.

كما لا تعتبر فيه الكتابة ولا البصر ، فإن العبرة بالبصيرة(1).

----------------------------------------

الإطلاقات حاكمة على الاصل مع إنها غير معارضة بشيء

فالحق هو الجواز تبعاً للمحقق ومن تبعه على ذلك .

قال بعض المعاصرين : بإنه نحن لا نبحث عنها لعدم الابتلاء بها في هذه العصور ، وما ذكره غير تام لإن مثل هذه المسائل لا تخلو من الفائدة العلمية .(1) قال المحقق : والأقرب اشتراط ذلك لما يضطره إليه من الأمور التي لا تتيسر لغير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) بدون الكتابة(1)، وعن صاحب القواعد : وفي اشتراط علمه بالكتابة إشكال وكذا البصر والأقرب اشتراطهما(2)،

والشهيدين بقولهما : والذكورة والكتابة بعسر الضبط بدونها لغير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) والبصر لافتقاره إلى التمييز بين الخصوم وتعتذر ذلك مع العمى في حق غير النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)(3)،

وذكر صاحب مستند الشيعة : شرطه الشيخ والحلي ونسبه في المسالك والروضة وغيرهما إلى الأكثر، وجعله في السرائر من مقتضيات المذهب وقيل إنه مذهب عامة المتأخرين(4)، وإنّهم استدلوا أولاً : بالأصل وبعدم انضباط الوقائع بدون الكتابة أمّا الأصل فيرفع بالإطلاق ، وأمّا الحاجة إلى الانضباط تندفع بإمكان اختيار ثقات يضبطون الوقائع ، والأقوى هو عدم الاشتراط ، وكذا نرى كثيراً من الفقهاء لم يذكروا هذا الشرط كالأستاذ الاعظم (قدس سره) كما إنه لا يشترط البصر خلافاً للمسالك : إنه لا ينعقد لافتقاره إلى التمييز بين الخصوم وتعذر ذلك مع العمى إلا فيما يقل ، كما

ص: 54


1- شرائع الإسلام /4 / 67 .
2- قواعد الاحكام /3 /421 .
3- اللمعة الدمشقية /3 /67 .
4- مستند الشيعة /17 /36 .

مسألة 8: كما أن للحاكم أن يحكم بين المتخاصمين بالبينة والإقرار وباليمين، كذلك له أن يحكم بينهما بعلمه ولا فرق في ذلك بين حق الله وحق الناس، نعم لا يجوز إقامة الحد قبل مطالبة صاحب الحق، وإن كان قد علم الحاكم بموجبه على ما يأتي(1).

----------------------------------------

نقل في الجواهر(1).

ولكن يمكن أن يجاب عن هذا باختيار مميز ثقة أو بطرق أخرى ويكفي الدليل في الجواز الإطلاقات كما قلنا ، فالحق أن يقال تمييز الحق من الباطل إنْ توقف على ذلك فبها وإلا لا دليلعلى اشتراطها ، وكذا شرطية البصر .

(1) أمّا إذا قلنا بإن الإمام لا يقضي بعلمه فبطريق أولى لا يجوز للحاكم أن يقضي به .

وأمّا إذا قلنا إن الإمام يقضي بعلمه ، فهل لحاكم الشرع أن يكون كذلك أو لا يجوز له أن يحكم بعلمه على الإطلاق أو هناك تفصيل بين حق الله وحق الناس فلا يجوز في الأول دون الثاني ؟ وهنا مسائل :

الأولى : إن الإمام (علیه السلام) يقضي بعلمه مطلقاً وغيره من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس وفي حقوق الله سبحانه على قولين أصحهما القضاء(2)

ويجوز أن يحكم في ذلك كله، وفي الانتصار : ومما ظن أنفراد الإمامية به وأهل الظاهر يوافقهما في القول ، بإن للإمام والحكام من قبله أن يحكموا بعلمهم في جميع الحقوق والحدود من غير استثناء وسواء علم الحاكم ما علمه وهو حاكم أو علمه قبل

ص: 55


1- الجواهر/40 /21.
2- شرائع الإسلام /4 /75 .

..........................

ذلك وقد حكي أنه مذهب لابي ثور(1).

وقال في الغنية : ومحكي الخلاف للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأحكام من الأموال والحدود والقصاص وغير ذلك سواء كان من حقوق الله تعالى أو من حقوق الآدميين فالحكمفيه سواء ، ولا فرق بين أن يعلم ذلك بعد التولية في موضع ولايته أو قبل التولية أو بعدها قبل عزله وفي غير ولايته الباب واحد(2)، وفي نهج الحق : ذهبت الإمامية إلى أن للقاضي أن يحكم بعلمه ، وقال الفقهاء الأربعة لا يقضي بعلمه إلا أن أبا حنيفة قال : إن علم بذلك في موضع ولايته قبل التولية أو بعدها حكم وإن علم في غير موضع ولايته قبل التولية أو بعدها لم يقضي(3)،

وظاهر الغنية يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء من الأموال والحدود والقصاص وغير ذلك وسواء في ذلك ما علمه في حال الولاية أو قبلها بدليل إجماع الطائفة(4)،

وقال في الجواهر : لاخلاف بيننا معتداً به في أن الإمام يقضي بعلمه مطلقاً في حق الله وحق الناس(5)،

ولقوله تعالى : «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»(6)، وقال تعالى : «أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ »(7)، وقوله تعالى : «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ»(8) وحكمه

ص: 56


1- الانتصار / 486 .
2- الخلاف /6 /242 .
3- نهج الحق / 563 .
4- الغنية /1 /436 .
5- الجواهر/ 40 / 86 .
6- سورة ص الآية / 26.
7- سورة النساء الآية / 58 .
8- سورة المائدة / 42 .

..........................

بعلمه حكم بالعدل والقسط ، وقد استدلوا بالإجماع ، وفيه ما عرفت حال امثال هذه الإجماعات والأخبار .

منها : ما عن الكليني بسنده إلى الحسين بنخالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال سمعته : «يقول الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد ، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره لإنه أمين الله في خلقه ، وإذا نظر الإمام إلى رجل يسرق ، أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : لإن الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على الإمام إقامته وإذا كان للناس فهو للناس»(1).

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) وقد وصفوه بالشهرة قال : «جاء اعرابي إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) فادعى عليه سبعين درهماً ثمن ناقة باعها منه ، فقال (صلی الله علیه و آله وسلم) : قدأوفيتك ، فقال : أجعل بيني وبينك رجلاً يحكم بيننا ، فأقبل رجل من قريش ، فقال (صلی الله علیه و آله وسلم) احكم بيننا ، فقال : للاعرابي ما تدعي على رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) فقال : سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : ما تقول يا رسول الله ، فقال (صلی الله علیه و آله وسلم) قد أوفيته ، فقال للاعرابي ما تقول ، فقال : لم يوفني ، فقال لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) الك بينة أنك قد أوفيته ، قال (صلی الله علیه و آله وسلم) لا ، فقال للاعرابي اتحلف إنك لم تستوف حقك وتأخذه ، فقال : نعم ، فقال رسول الله لا تحاكمن مع هذا إلى رجل يحكم بيننا بحكم الله ، فأتى علي بنأبي طالب (علیه السلام) ومعه الاعرابي ، فقال : علي (علیه السلام) ما لك يا رسول الله ، قال يا أبا الحسن احكم بيني وبين هذا الاعرابي فقال : علي (علیه السلام) يا اعرابي ما تدعي على رسول الله ، قال : سبعين درهماً ثمن ناقة بعتها منه ، فقال : ما تقول يا رسول الله قال قد أوفيته ثمنها ، فقال (علیه السلام) : يا اعرابي أصدق رسول الله فيما قال ، قال : الاعرابي لا ما أوفاني شيئاً ، فأخرج علي (علیه السلام) سيفه فضرب عنقه ،

ص: 57


1- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .

..........................

فقال رسول الله لما فعلت يا علي ذلك ، فقال يارسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) نحن نصدقك على أمر الله ونهيه ، وعلى أمر الجنة والنار والثواب والعقاب ووحي الله عز وجل ولا نصدقك على ثمن ناقة الاعرابي ، وإني قتلته لإنه كذبك لمّا قلت له اصدق رسول الله ، فقال : لا ما أوفاني شيئاً ، فقال رسول الله أصبت يا علي فلا تعد إلى مثلها ، ثم التفت إلى القرشي وكان قد تبعه ، فقال هذا حكم الله لا ما حكمت به»(1).

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عمه : «إن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أبتاع فرساً من اعرابي فأسرع ليقضيه ثمن فرسه قابضاً الاعرابي ، فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيساومونه بالفرس ولايشعرون بإن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) ابتاعها حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم فنادى الاعرابي فقال إن كنت مبتاعاً لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته ، فقام النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) حين سمع الاعرابي فقال ، أوليس قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي (صلی الله علیه و آله وسلم) وبالاعرابي وهما يتشاجران ، فقال : الاعرابي هلم شهيداً يشهد إني قد بايعتك ومن جاء من المسلمين قال : للاعرابي إن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) لم يكن يقول إلا حقاً حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع لمراجعة النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) للاعرابي ، فقال خزيمة ، إني أنا اشهد إنك قد بايعته ، فاقبل النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) على خزيمة ،فقال : بما تشهد قال : بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله شهادة خزيمة بن ثابت شهادتين وسماه ذا الشهادتين»(2) وقد ذكر العلامة في التحرير إن الإمام يقضي بعلمه مطلقاً ، وأمّا غيره من القضاة فإنه كذلك في حقوق الناس والأقوى القضاء بالعلم أيضاً في حق الله تعالى ، ولا يجوز أن يحكم بالظن الذي لا يستند إلى بينة»(3).

ص: 58


1- الوسائل باب 18 من أبواب كيفية الحكم ح3.
2- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .
3- تحرير الاحكام /5 /130.

..........................

لا يخفى بإن الإمام (علیه السلام) هل يعمل بعلمه أم لا ؟ ولكن بما أن هذا البحث ليس من واجبنا وبما إن الفقهاء بحثوها ، فقد حذونا حذوهم والمسألة لا تخلوا من الفائدة ، فنقول إذالم يعمل هو بعلمه ففي القاضي بطريق أولى لا يجوز العمل بعلمه ، ولكن بعد ما علم بإنه قد يعمل بعلمه فنتكلم بإنه هل يجوز لغيره العمل بعلمه أم لا ؟ وبعد ما عرفت بإن المسألة محل خلاف كما في السرائر فإذا ثبت ذلك فعلم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كافٍ في صحته ومغنٍ عن إقرار وبينة ويمين سواء علم ذلك في حال تقلد الحكم أو قبلها لسكون نفس العالم إلى ما علم في حال حكمه بمقتضاه سواء كان علمه حادثاً في الحال أو باقياً إليها أو متولداً عن أمثاله المعلومة المسطورة(1).

يقول في الجواهر: وذلك لإنه إذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً مثلاً بحضرته ثم جحد كان القولقوله مع يمينه ، فإن حكم بغير علمه وهو استحلافه وتسليمها إليه لزم فسقه ، وإلا لزم إيقاف الحكم لا لموجب(2)،

والمحكي عن الإسكافي حيث منع عن عمله بعلمه في شيء من الحقوق والحدود ، وقال المحقق الاشتياني : ونقول إنه بعدما ثبت احكام مختلفة للموضوعات الواقعية بالخطابات التفصيلية قد خوطب بها الحكام على ما هو المفروض كقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(3)، إلى غير ذلك وفرض علمهم بتحقق تلك الموضوعات على ما هو المفروض يجب عليهم ترتيب آثار تلك الموضوعات وإلا لم تكنالآثار آثار لتلك الموضوعات وهذا خُلف .

ص: 59


1- السرائر/ 3 /583.
2- الجواهر /40 /88 .
3- سورة النور الآية / 3 .

مسألة 9 : يعتبر في سماع الدعوى أن تكون على نحو الجزم ، ولا تسمع إذا كانت على نحو الظن أو الاحتمال(1).

----------------------------------------

وأمّا قيام البينة مثلاً على عدم كون من علم بكونه شارب الخمر شارباً للخمر فلا يوجب خروجه عن ذلك الوصف العنواني ، لإن البينة لا تأثير لها في الموضوعات الواقعية ، غاية الأمر وجوب ترتيب آثار الواقع عليها ما لم يعلم خطائها أو كذبها كسائر الطرق الشرعية المقررة في الموضوعات والمجعولة في الأحكام ، لإنغير العلم لا يعقل أن يجعل في مقابل العلم(1)

فعلى أي حال فقد دل عليه الإجماع والمسألة كأنها شبه اتفاق .

(1) على المشهور وقد خالفهم في ذلك جماعة فأجازوا سماع الدعوى الاحتمالية فضلاً عن الظنية ، وآخرون قالوا بالتفصيل بين ما يعسر الإطلاع عليه كالقتل والسرقة ونحوهما ، وبين ما لا يعسر ، وعن بعض تخصيص السماع بصورة احتمال الإقرار أو وجود البينة إذا أدعى المدعي أحدهما أو من قبيل إقرار المدعى عليه والتدافع بينهم أولا .

نقول لابد من بيان معنى الجزم ثم نشرع بإنه هل الجزم شرط أم لا ؟ فنقول المراد من الجزم أيإبراز المراد بالقطع واليقين في مجلس المحاكمة على نحو لا يشوبه أدنا شك حتى يترتب عليه أثر ملزم ، فلا يسمع لو قال أظن أو أتوهم وقد فسر صاحب الجواهر (قدس سره) كلام المحقق : التي يستدل بها على جزم المدعي بما يدعيه كما عن الكافي والغنية والكيدري وظاهر الوسيلة ، بل في الكفاية نسبته إلى الشهرة ، وحينئذٍ فلو قال أظن أو أتوهم لم تسمع ، لإن من لوازم الدعوى الصحيحة إمكان ردّ اليمين على المدعي وهو منتفٍ وللقضاء بالنكول فيها مع يمين المدعي ، أو عدمه

ص: 60


1- كتاب القضاء للآشياني /52.

..........................

وهو منتف هنا أيضاً(1)،

فعلى أي حال لو أورد الدعوى بصورة الجزم ، فإمّا أن يكون الحاكم عالماً بكونه جازماً أو عالماً بكونه غير جازم، أو يكون شاكاً.

أمّا إذا كان عالماً بجزمه فلا ريب في أنه يجب عليه السماع ، وأمّا إذا كان عالماً بعدم جزمه ، فإن علم الحاكم بإنه لم يستند على دليل شرعي ، فلا إشكال حينئذٍ في عدم وجوب السماع ، وأمًا إن كان عالماً بإنه أستند إلى طريق شرعي كالإقرار من المدعى عليه ، فإنه يجب عليه السماع حينئذٍ ، وأمّا إذا كان الحاكم شاكاً فيهما فيؤخذ حينئذٍ بظاهر اللفظ ويحكم بكونه جازماً ووجب عليه السماع ، وأمّا إذا أورده على صورةغير الجزم ، فتارة يعلم الحاكم استناد المدعي إلى دليل شرعي من أصلٍ أو إقرار أو بينة ، وأخرى فيما إذا لم يعلم بلا فرق بين عدم استناده إلى شيء أو جهل الحال .

أمّا بالنسبة إلى الصورة الأولى فلا إشكال في وجوب السماع بعد اجتماع شرائط الحكم وفُقدَ موانعه لإنه إنْ كان المدعي جازماً جاز له أخذ المال شرعاً فيمكن ألزام المدعى عليه بعد ما لم يكن هناك مانع شرعاً ولا عقلاً بعد إنْ كان جائز له التصرف في المدعي به .

وأمّا في الصورة الثانية أي في ما لم يعلم ذلك بلا فرق بين علمه بعدم الاستناد أو جهل الأمر ، فبعد إن لم يتمكن من ألزام المدعى عليهبالحكم الشرعي لعدم جزمه وعدم إمكانه في المدعي به شرعاً ولا يمكنه ألزام المدعى عليه برفع اليد عن المدعي به ، فالمانع ولو لم يكن موجوداً عقلاً ولكنه موجوداً شرعاً ، والمانع شرعاً كالمانع عقلاً فلا يجوز الحكم ، فإذا فرض عدم جواز الحكم فلا يجوز السماع لإنه يكون مقدمة للحكم بعد ما كان المعهود عدم صدق الدعوى بدون الجزم.

ص: 61


1- الجواهر/40 /153.

مسألة 10 : إذا أدعى شخص مالاً على آخر ، فالآخر لا يخلو من أن يعترف له أو ينكر عليه أو يسكت ، بمعنى إنه لا يعترف ولا ينكر فهنا صور ثلاث : الأولى اعتراف المدعى عليه فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى بعد إن كانت الدعوى جامعة للشرائط ، فهل للحاكم سماعه أم لا ؟ وهل يطلب الحاكم من المدعى عليه الجواب أم لا ؟

قد يقال أن الجواب حق للمدعي فليس للحاكم حق مطالبة المدعى عليه به إلا بعد مطالبة المستحق ، وقال الشيخ الاعظم الانصاري : فالتحقيق إن مطالبة الحاكم للمدعى عليه ، الجواب ليس لأدلة قطع الخصومات لإن الخصومة لا تحصل إلا بعد الجواب، بل هي لأدلة إحقاق الحقوق ونظير وجوب إحضار المدعى عليه عند استدعاء المدعى عليه في كونها من مقدمات إحقاق الحقوق الواقعية لمستحقها الواقعي ، فحينئذٍ لا يعقل كونه حقاً للحاكم بل هو واجب عليه لحقالمدعي .

نعم ما ذكره الجماعة من حصول المطالبة شاهد الحال حسن لو فرض بشهادتها بسؤال مطالبة الجواب فوراً عقيب تحرير الدعوى إلى أن قال وفيه أن يحتمل أن يكون على وجه الاستفهام من دون مطالبة والزام بالجواب فإن الظاهر جواز ذلك من الحاكم ومن الأجنبي(1).

وأمّا من يقول بإنه لابد للحاكم المطالبة بالجواب من المدعى عليه لإن حضور الخصم المجلس وإحضار المدعى عليه شاهد حال على أن المدعي مطالب بالجواب من المدعى عليه ، لإنه متوقف عليه لرفع الخصومة وإحقاق الحق ، بل يكون هو مقتضى الدعوى فهو غير تام .

ص: 62


1- كتاب القضاء للشيخ الانصاري / 186- 187.

..........................

يقول الشيخ الأنصاري: وكأن الجميع متفقون على أن الجواب حق للمدعي لا يطالب المدعى عليه به إلا بعد مطالبة المستحق ، إلا أن الآخرين يكتفون كما عن المبسوط والتحرير والدروس والمسالك ، بإن شاهد الحال يدل على سؤال المدعي المطالبة ، بالجواب للعلم العادي بإن الإنسان لا يحضر خصمه مجلس الحكم وينصرف من غير جواب(1)، كما عن المبسوط : كل موضع تحررت الدعوى هل للحاكم مطالبة المدعى عليه بالجواب من غير مسألة المدعي أم لا ؟ قال قوم لا يطالبه بالجواب بغير مسألة المدعي لإنالجواب حق المدعي فليس للحاكم المطالبة به من غير مسألة كنفس الحق وهو الصحيح عندنا(2)، إذا حرر المدعي دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه عن الجواب ويحتمل توقف ذلك على التماس المدعي لإنه حقه فيتوقف على المطالبة والأول أقرب(3)،

يطالب المدعى عليه بعد التحرير والتماس المدعي مطالبته بالجواب .

وصحح الشيخ إنه لا يطالبه من دون التماس لإن الجواب حق المدعي ثم قوى جوازه مراعاة للعرف(4)، إذا تمت الدعوى ، القولان للشيخ في المبسوط وجه التوقف ما أشار إليه من أن الجواب حق للمدعي فيقف على طلبه ، ووجهالعدم دلالة شاهد الحال على الطلب(5).

ولكن الحق لا يمكنه أن يطالب إلا بالسؤال والمطالبة بعد ما لم يكن له

ص: 63


1- كتاب القضاء للشيخ الانصاري / 185.
2- المبسوط / 5 /515 .
3- التحرير /5 /142.
4- الدروس /2 /104.
5- المسالك / 13 /440 .

..........................

حق المطالبة ، بل هو حق للمدعي ، فلا يمكنه إلا بسؤاله والمطالبة من المدعي إلا أن يقال بإن أخبار الباب مطلقة وهي تدل على مطالبة القاضي للمدعى عليه بالجواب وليس فيها المطالبة ، بل هي خالية عن توقف مطالبة الحاكم بالجواب على التماس المدعي ثم يطالب المدعى عليه بالجواب .

وجوابه لا يخلو من ثلاث ، أمّا الإقرار أيالاعتراف بثبوت المدعى عليه بقوله نعم ، أو إنكار بقوله لا ، أو سكوت ، وظاهر هذا الكلام هو الحصر عندهم ، وهو استقرائي لا عقلي .

وذكر المحقق الاشتياني جواباً آخراً : وإنما الإشكال فيما ذكره شيخنا الاستاذ دام ظله وفاقاً لجمع من متأخري الأصحاب من أن هناك جواباً آخر للمدعى عليه لم يتعرض له الأصحاب بل ظاهرهم الحصر في المذكورات وهو قوله لا أدري ، فهل أدخلوه وأدرجوه في المذكورات أو غفلوا عنه وأدراجه في المذكورات مشكل ونسبة الغفلة إليهم أشكل .

ويمكن أدراجه في السكوت بأن يجعل المراد منه السكوت عن الإقرار والإنكار سواء تكلمبشيء آخر غيرهما كلا أدري ، أم لم يتكلم أصلا .

وهذا كما ترى خلاف ظاهر كلماتهم بل صريح بعضها ، وقد ذكر الاستاذ دام ظله كونه داخلاً في الإنكار عندهم وإن لم يترتب عليه بعض أحكامه من توجيه اليمين وغيره ، فإن المجيب بلا أدري بحسب الواقع ينكر ثبوت الحق ظاهراً ويبني على عدمه في الظاهر ويمتنع عن أدائه إلى المدعي(1).

والحق ما أدرجناه في الثلاث فبها ، وإلا قوله محل تأمل .

ص: 64


1- كتاب القضاء للاشتياني /90.

الأولى: اعتراف المدعى عليه، فيحكم الحاكم على طبقه ويؤخذ به(1).

----------------------------------------

(1) أمّا الإعتراف إذا كان جامعاً للشرائط وقبوله الإعتراف بإن كان كاملاً مختاراً ثبت عليه في ظاهر الشرع ما اعترف به من دون فرق بين المال أو العين وهل يحتاج إلى حكم الحاكم ؟ الظاهر لا ، بعد ما كان إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وبدون احتياج إلى حكم الحاكم وعليه سيرة المسلمين فيلزم المقرّ بمقتضى إقراره ويحكم باشتغال ذمته للمقرّ له .

نعم هناك فرق بين الإقرار والبينة ، فإن الإقرار موجب لإلزامه بما أقرّ سواء حكم الحاكم به أم لا ، بخلاف البينة فإنّها لا تثبت الحق بمجرد إقامتها بل بعد الإقامة لابد من حكم الحاكم لكي يثبتالحق ، وقد علّل البعض بإن البينة تكون منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها مع جامعيتها للشرائط ، وردها مع فاقديتها بخلاف الإقرار كما يأتي .

قال المحقق : أمّا الإقرار فيلزم إذا كان جائز التصرف ، وهل يحكم به عليه من دون مسألة المدعي ؟ قيل لا لإنه حق له فلا يستوفي إلا بمساءلته وصورة الحكم أن يقول الزمتك أو قضيت عليك أو ادفع إليه ماله(1)،

بل قال الشهيد الثاني : لكن متى تحقق الإقرار وكان المقرّ جامعاً لشرائطه المقررة في بابه لزمه ما أقرّ به سواء حكم به الحاكم أم لا ، بخلاف ما إذا أقام المدعي بينة فإنه لا يثبت بمجرد إقامتها ، بل لابد معه من حكم الحاكم ، والفرق إن البينة منوطة باجتهادالحاكم في قبولها وردها وهو غير معلوم بخلاف الإقرار(2).

ص: 65


1- شرائع الإسلام /4 / 83 .
2- المسالك / 13 /442 .

الثانية: إنكار المدعى عليه فيطالب المدعي بالبينة ، فإن أقامها حكم على طبقها وإلا حلف المنكر ، فإن حلف سقطت الدعوى ولا يحل للمدعي بعد حكم الحاكم التقاص من مال الحالف(1).

----------------------------------------

(1) أمّا مع جحود المدعى عليه ، قال المحقق : وأمّا الإنكار فإذا قال لا حق له عليّ فإن كان المدعي يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة ، فالحاكم بالخيار إن شاء قال للمدعي ألك بينة وإن شاء سكت ، أمّا إذا كان المدعي لا يعلم أنّهموضع المطالبة بالبينة ، وجب أن يقول الحاكم ذلك أو معناه ، فإن لم تكن له بينة عرّفه الحاكم إن له اليمين ، ولا يحلف المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي لإنه حق له فيتوقف استيفائه على المطالبة ، ولو تبرع هو أو تبرع الحاكم بإحلافه لم يعتد بتلك اليمين وأعادها الحاكم إن التمس المدعي(1)، وقد ذكر المحقق الاردبيلي (قدس سره) : وإن أنكر وكان جواب المدعى عليه هو الإنكار طولب المدعي بالبينة لقوله (علیه السلام) «البينة على المدعي» فإن حصلت البينة الشرعية بحيث يحكم بها عليه ، يحكم عليه بعد سؤاله ، ولا يثبت الحق عندهم إلا بالحكم ، فإن مجرد البينة لا يكفي فإن لاجتهاده ونظره دخلاً فيالإثبات فلابد من انضمامه فكأنها ليست بحجة شرعية مطلقاً كالإقرار ، بل للحاكم دفع الحكم لغيره أيضاً وإن لم تحصل ، وقال لا بينة ليّ فإن خلى المدعي سبيله فهو الأولى ، وإن طلب احلاف المنكر له ذلك ، ويجاب إليه ، فإن حلف بغير سؤال المدعي تقع اليمين لاغية فوجودها كعدمها فله طلبها بعد وإن حلف بحكم الحاكم لإنه حقه لعله إجماعي(2)،

أمّا أصل المطالبة فللروايات .

ص: 66


1- شرائع الإسلام /4 /84.
2- مجمع الفائدة والبرهان /12 /136- 137.

..........................

منها : صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن القسامة ؟فقال : الحقوق كلها ، البينة على المدعى واليمين على المدعي عليه إلا في الدم خاصة»(1).

ومنها : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي ، فلا دعوى له ، قلت وإن كانت عليه بينة عادلة ، قال : نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له وكانت اليمين قد ابطلت كل ما أدعاه قبله مما قد استحلفه عليه»(2).

وأمّا في صورة عدم علم المدعي فللحاكم إرشاده بأن لك الحق في طلب البينة ، وأمّا مععلمه فلا يجب على الحاكم طلب البينة ، لإنه هو حق للمدعي وكذا إذا لم يكن له بينة فيعلمه الحاكم من باب الإرشاد بأن لك حق في استحلافه أي المدعى عليه المنكر لدعواه لعموم اليمين على من أنكر فإذا حلف المنكر بدون الاستحلاف فلا أثر لحلفه بعد إن كان ترتب الأثر على يمين المدعى عليه بعد استحلافه ، وكذا لو استحلفه المدعي وحلف لا أثر لهذا الحلف لإن الاحلاف يكون من وظيفة الحاكم بعد استحلاف المدعي كما مرّ ذكره ، فإذا التمس المدعي اليمين احلف الحاكم المنكر ، وقلنا ليس للحاكم احلافه ابتداء بدون التماس المدعي ولا يفيد حلف المدعى عليه بلا إشكال بينهم فتوىً ونصاً وبعد استحلافهوحلف ليس له المطالبة .

قال المحقق : فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال

ص: 67


1- الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم ح2.
2- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح1.

..........................

الغريم لم تحل له مقاصته ، ولو عاود المطالبة أثم ، ولم تسمع دعواه ولو أقام بينة بما حلف عليه المنكر لم تسمع(1)،

كما ورد في حسنة خضر النخعي عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده ، قال : إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه»(2)

أيضاً ما عن عبد الله بنوضاح ، قال : كانت بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم فقدمته إلى الوالي فاحلفته فحلف ، وقد علمت إنه حلف يميناً فاجرة ، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة فاردت إن اقتص الالف درهم التي كانت لي عنده واحلف عليها ، فكتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام) فأخبرته إني قد احلفته فحلف، وقد وقع له عندي مال فإن أمرتني إن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت «فكتب لا تأخذ منه شيئاً إن كان ظلمك فلا تظلمه ، ولولا إنك رضيت بيمينه فاحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك ولكنك رضيت بيمينه وقد ذهبت اليمين بما فيها ، فلم آخذ منه شيئاً وانتهيت إلىكتاب أبي الحسن»(3).

وإن حلف فيسقط حق المدعي بعد ذلك وليس له بعد ذلك التقاص كما عليه المحقق قال : فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال الغريم لم يحل مقاصته»(4) للروايات .

منها : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه ، فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق

ص: 68


1- شرائع الإسلام /4 /84 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب كيفية الحكم ح1.
3- الوسائل باب 10 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
4- شرائع الإسلام /4 /84 .

..........................

المدعي ، فلا دعوى له»(1)

.ومنها : صحيحة سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال آخذه لمكان مالي الذي أخذه واجحده وأحلف عليه كما صنع ، قال : إن خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته عليه»(2) .

نعم هناك رواية عن أبي بكر «قال : قلت له رجل ليّ عليه دراهم فجحدني وحلف عليها أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي ؟ قال فقال : نعم»(3)،

ولكنها مضمرة .

ولكن يمكن حملها على من حلف ابتداءً بدون استحلاف ، وإن نكل المنكر عن اليمين ردتّ اليمين على المدعي وحلف المدعي إن أرادإثبات حقه ولا يحكم له بمجرد النكول ، والرد إلى المدعي خلافاً لجماعة ، منهم المحقق في الشرائع حيث قال : وإن رُدّ اليمين على المدعي لزمه الحلف ، ولو نكل سقطت دعواه(4)،

وهذا مما لا خلاف فيه ، وقد ورد بذلك روايات .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «في الرجل يدعي ولا بينة له ، قال : يستحلفه فإن رُدّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف ، فلا حق له»(5) .

ومنها : ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يَرد اليمين على صاحب الحق فإن لم

ص: 69


1- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتب به ح7.
3- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتب به ح4.
4- شرائع الإسلام /4 / 84 .
5- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح1.

نعم لو كذب الحالف نفسه جاز للمدعي مطالبته بالمال فإن امتنع حلت له المقاصة من أمواله(1).

----------------------------------------

يفعل فلا حق له»(1).

ومنها : وحسنة هشام عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «تُردّ اليمين على المدعي»(2)،

وغيرها من الروايات .

(1) لإن الإقرار يبطل اليمين بلا خلاف ، وقد ادعوا عليه الإجماع وليس إقراره بالكذب كالبينةالتي يقيمها المدعي بعد يمين المنكر في عدم التأثير ، بل يؤثر هذا الإقرار بعد ما كان دليل حجية الإقرار مطلقاً .

فإن قيل بإن دليل حجية الحلف وذهابه بحق المدعي أيضاً مطلقاً ، فهو يذهب بحق المدعي سواء أكذب المدعى عليه نفسه أم لا ، بعد ما كانت النسبة بين الدليلين عموم من وجه .

يقال عند التعارض يُقدّم دليل اليمين لحكومته وذهاب اليمين بالحق فيكون حاكماً على دليل الإقرار .

ولكن الحق إن دليل الإقرار مُقدّم لإن أدلة اليمين منصرفة عن صورة تكذيب الحالف نفسه ، فلا إطلاق لأدلة اليمين وادعي عليه الإجماع كماعليه بعض المحققين ففي الجواهر : أمّا لو أكذب الحالف نفسه بالإقرار جاز مطالبته بالحق وحل مقاصته مما يجده له مع امتناعه من التسليم بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد بل عن المهذب والصيمري الإجماع عليه لعموم إقرار العقلاء المقتضي كون ذلك سبباً مثبتاً جديداً لاستحقاق غير ما سقط باليمين والمرجح على

ص: 70


1- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح2.
2- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح3.

..........................

تلك النصوص بعد فرض تسليم أندراج الفرض فيها ، ضرورة كون التعارض بينمها من وجه بما سمعت من الإجماع المعتضد بنفي الخلافوبخصوص المعتبر إلى أن يقول فلو أقرّ وأكذب نفسه بينه وبين المدعي ثم امتنع عن التسليم حل له المقاصة باطناً(1)،

فلا يجوز للمدعي التصرف فيه إذا وقع في يده وإن حلف المدعى عليه كاذباً .

وكذا لا يجوز للمدعى عليه التصرف فيه ولو بعد حلفه كاذباً وحكم الحاكم له ، لإن الحلف لا يغير الواقع عمّا هو عليه ، بل لابد من أرجاع المال على المدعى عليه كما في الرواية بإنه «تائب والله يحب التوابين» ولو فرض بحكم الحاكم اصبح المال له حقيقة لا ظاهراً فلا معنى لتقدم الإقرار .

نعم المال له ظاهر أي يجوز الشراء منه ،وتدل على ذلك رواية مسمع أبي سيار قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) إني كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف ليّ عليه ، ثم إنه جائني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي أودعته إيّاه ، فقال : هذا مالك فخذه وهذه أربعة الآف درهم ربحتها فهي لك مع مالك واجعلني في حل فأخذت منه المال وأبيت أن آخذ الربح منه ورفعت المال الذي كنت استودعته وأبيت آخذه حتى استطلع رأيك فما ترى ، فقال : خذ نصف الربح واعطه النصف وحلّله ، فإن هذا الرجل تائب والله يحب التوابين»(2).

ص: 71


1- الجواهر /4 /173 وما بعدها .
2- الوسائل كتاب الإيمان باب 48 من أبواب إن كان له على غيره مال فأنكره ح3 .

الثالثة : سكوت المدعى عليه فيطالب المدعي بالبينة ، فإن لم يقمها ألزم الحاكم المدعى عليه بالحلف إذا رضى به المدعي وطلبه، فإن حلف فهو وإلا فيرد الحاكم الحلف على المدعي(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : وأمّا السكوت فإن أعتمده أُلزم الجواب فإن عاند حبس حتى يبين ، وقيل يجبر حتى يجيب ، وقيل يقول الحاكم أمّا أجبت وإلا جعلتك ناكلاً ورددت اليمين على المدعي ، فإن أصرّ رُد الحاكم اليمين على المدعي والأول مروي والأخير بناءً على عدم القضاء بالنكول(1).

لا يخفى إن السكوت إذا كان لا عن عنادٍ بل هو من جهة خوف وأمثال ذلك فيصبر الحاكمحتى يزول خوفه ، وأمّا إنْ كان سكوته عن عنادٍ ، ففي المسألة أقوال :

الأول : الحبس حتى يبين ونسب هذا إلى الشيخين والديلمي وابني حمزة وسعيد والفاضل وولده ، وقال في المسالك وإن كان سكوته عناداً ففيه أقوال :

أحدها قول الشيخ في النهاية(2)، والخلاف(3)،

وقَبَلهٌ المفيد(4)، وسلار(5)

واختاره المصنف والمتأخرون(6)، إنه يُلزم بالجواب ، فإن اصرّ حُبس حتى يبين لإن الجواب حق عليه فيجوز حبسه لاستيفائه منه(7).

ص: 72


1- شرائع الإسلام /4 /85 .
2- النهاية /342 .
3- الخلاف /6 /238 .
4- المقنعة /725 .
5- المراسيم /231 .
6- المختلف / 8 /442 .
7- المسالك /13 /466 .

..........................

الثاني : يجبر بالضرب ونحوه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يجيب ، وليس له قائل يعرف على ما في الجواهر .

وأمّا السكوت فإن اعتمده الزم بالجواب ، لإنّه نفسه ليس جواباً والفرض تعلق حق الدعوى بجوابه ، فإن عاند حبس حتى يبين الجواب إلى أن قال ، قلت ومقتضاه إنّه على الثاني يضرب حتى يجيب أو يموت وليس هو قول لاحد(1).

وقال صاحب المسالك : الثاني ما نقله المصنف (قدس سره) من أنه يجبر حتى يجيب من غير حبس ، بل يضرب ويبالغ معه في الإهانةإلى أن يجيب(2).

الثالث : وهو المنسوب إلى الشيخ في المبسوط ، والحلي في السرائر والفاضل ، والقاضي : أن الحاكم يقول له إمّا أجبت وإمّا جعلتك ناكلاً ورددت اليمين إلى المدعي ، فإن أصرّ رُدّ اليمين على المدعي ، يقول في الجواهر : وقضي له ، بل في الأول إنّه الذي يقتضيه مذهبنا ، والثاني يعني الحبس قوي أيضاً وفي الثاني إنّه الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا وما يقتضيه المذهب ، وفي الأخير إنه ظاهر مذهبنا ولا بأس بالعمل بالحبس(3).

والحق إنه مع السكوت يطالب المدعي بالبينةفإن إقامها يحكم الحاكم له وإن لم يقمها ألزم الحاكم المدعى عليه بالحلف مع رضى المدعي لإنّه من حقه فحينئذٍ إن حلف المدعى عليه فهو وتسقط الدعوى ، وإلا فيرد الحاكم الحلف على المدعي إن لم نقل بإنّه بمجرد نكول المدعى عليه يحكم عليه .

ولكن قد ادعي الإجماع برد اليمين على المدعي ، وهناك عدة روايات منها

ص: 73


1- الجواهر /40 / 207 .
2- المسالك /13 /466 .
3- جواهر الكلام /40 / 207.

وأمّا إذا ادعى المدعى عليه الجهل بالحال ، فإن لم يكذبه المدعي فليس له إحلافه و إلا أحلفه على عدم العلم(1).

----------------------------------------

ما تدل على مجرد الحكم بالنكول ، وقسم آخر تدل لابد من لزوم الرد إلى المدعي وبعد حلفه يحكم الحاكم له ، فما استدل بها على الأول صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين وانكره ولم يكن للمدعي بينة ، فقال : إن أمير المؤمنين (علیه السلام) أتي بأخرس إلى أن قال ثم كتب أمير المؤمنين (علیه السلام) والله الذي لا اله إلا هو إلى أن قال ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع فالزمه الدين»(1).

وعلى الثاني بصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يدعى عليهالحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق ، فإن لم يفعل فلا حق له»(2).

وقد يظهر التعارض بين هاتين الروايتين ، وأمّا صحيحة هشام عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «ترد اليمين على المدعي»(3) ، فإنها تدل على ردّ اليمين أيضاً ومع التعارض والتساقط نرجع إلى الأدلة الدالة بإن القضاء لابد أن يكون بالإيمان والبينات بعد ما كان الحكم بمجرد النكول يكون مخالفاً للأصل .

(1) لا يخفى إن المدعى عليه تارة يدعي الجهل ويصدقه المدعي ، وأخرى لا يصدقه ولا يكذبه ، وثالثة يكذبه ، أمّا في الصورة الأولىفأحلاف المدعى عليه غير ممكن ، لا واقعاً ، لإن المدعى عليه مدعي لعدم العلم والجهل ، ولا ظاهراً مع ادعائه عدم العلم بعد إن صدّقه المدعي ، وكذا لا يمكن احلافه في فرض عدم

ص: 74


1- الوسائل باب33 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح2.
3- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح3.

المسألة 11 : لا تسمع بينة المدعي على دعواه بعد حلف المنكر وحكم الحاكم له(1).

----------------------------------------

تصديقه وتكذيبه بعد أن لا يكون المدعي جازماً لإنه لا يقبل الدعوى إلا مع الجزم كما مرّ، نعم في صورة تكذيبه وادعائه علم المدعى عليه بالحال فله تحليفه.وبعبارة أخرى في صورة تصديقه للمدعى عليه فإن كان له بينة وأقام دعواه ثبت حقه ، وإن لم يكن له بينة فليس له احلافه كما مرّ .

قال في جامع المدارك : وإذا اجاب المدعى عليه بعدم العلم ، فقد يقال مع تصديق المدعي له ، فإمّا أن يكون له بينة فهو ، ومع عدمها لا حق له لعدم كون المدعى عليه مكلفاً بالإداء في الظاهر والمدعي معترف بذلك ، فلا يجوز مطالبته ومعه ليست الدعوى مسموعة حتى يقال يصدق عليه المدعي وكل دعوى مسموعة يكون الفصل فيها بالبينة واليمين ، وذلك لعدم البينة وعدم إمكان الحلف على الواقع لعدم العلم به ولا على الظاهرلتصديقه له في براءته بحسب الظاهر(1).

(1) هذا مذهب المشهور وادعي عليه الإجماع ، قال المحقق : لو عاود المطالبة أثم ولم تسمع دعواه(2)،

أي لا يسمع دعوى المدعي مرة ثانية واستماع شهادته ببينة المدعي على أنّه ملك له أي المتنازع عليه ، لإن القضاء جعل حسماً لمادة النزاع لصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي ، فلا دعوى له ، قلت : له وإن كانت عليه بينة عادلة قال : نعم وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ، ما كانله وكانت اليمين قد ابطلت كل ما

ص: 75


1- جامع المدارك ج/ / 41 ، للسيد احمد الخونساري .
2- شرائع الإسلام /4 / 84.

مسألة 12 : إذا امتنع المنكر عن الحلف ورده على المدعي ، فإن حلف المدعي ثبت له مدعاه ، وإن نكل سقطت دعواه(1).

----------------------------------------

ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه»(1).

وعنه أيضاً مثله وزاد «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من حلف لكم على فصدقوه ومَنْ سألكم بالله فأعطوه ذهبت اليمين بدعوى المدعي ولا دعوى له»(2).

وأمّا إن هذا اليمين إذا كان للمدعى عليه المال ظاهراً وواقعاً كان صادقاً وظاهراً إن كانكاذباً ، فيجوز له التصرف فيه كما كان كذلك قبل حلفه .

وأمّا بالنسبة إلى المدعي فلا تجوز له مطالبة المدعى عليه ولا تقاص من ماله، إذا كان له مال عند المدعي ، وأمّا غيره فلا يجوز له التصرف في هذا المال إلا مع الاذن من المدعى عليه ، وأمّا الاثر بالنسبة إلى الحاكم فإن عليه الحكم للمنكر بما ادعاه .

(1) وقد مرّ في السكوت وتدل زائداً على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «في الرجل يدعي ولا بينة له ، قال : يستحلفه ، فإن ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له»(3)،

وعن عبيدة بن زرارةعن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق فإن لم يفعل فلا حق له»(4)،

وعن جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أقام المدعي البينة ، فليس عليه يمين وإن لم يقم البينة فرد عليه الذي ادعى عليه اليمين فأبى ، فلا حق له»(5).

ص: 76


1- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- الوسائل باب 9 من أبواب كيفية الحكم ح2.
3- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
4- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
5- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح6 .

المسألة 13 : لو نكل المنكر بمعنى أنه لم يحلف ولم يرد الحلف فالحاكم يرد الحلف على المدعي فإن حلف حكم له(1).

المسألة 14 : ليس للحاكم احلاف المدعي بعد إقامة البينة إلا إذا كانت دعواه على الميت ، فعندئذ للحاكم مطالبته باليمين على بقاء حقه فيذمته زائداً على بينته(2) .

----------------------------------------

(1) قد مرّ بيان وجهه .

(2) لا يخفى حلف المدعي يكون مخالفاً للقاعدة وحصر الميزان بإن البينة على المدعي مضافاً إلى ما ورد من روايات كثيرة ، منها صحيحة محمد بن مسلم «قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الرجل يقيم البينة على حقه هل عليه أن يستحلف قال لا»(1).

قال المحقق : ولا يستحلف المدعي مع البينة إلا أن تكون الشهادة على ميت فيستحلف على بقاء الحق في ذمته استظهاراً(2).وادعى في الجواهر : لازماً في الإثبات بالبينة بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كما اعترف به غير واحد ، بل في الروضة هو موضع وفاق ، وفي المسالك تارة بنسبة إلى الشهرة من غير ظهور مخالف وأخرى إلى الاتفاق(3).

ولكن العمدة في الدليل الروايات الواردة ، منها صحيحة محمد بن يحيى قال كتب محمد بن الحسن - يعني الصفار - إلى أبي محمد (علیه السلام) : «هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ، فوقع (علیه السلام) إذا شهد معه آخر عدل

ص: 77


1- الوسائل باب 8 من أبواب كيفية الحكم ح1.
2- شرائع الإسلام /4 / 85 .
3- الجواهر/40 / 194.

..........................

فعلى المدعي اليمين إلى أن قال أو تقبل شهادة الوصي على الميت مع شاهد آخر عدل، فوقع (علیه السلام) نعم من بعد يمين»(1).

ولا تعارضها صحيحة صفار الثانية ، حيث قال : «كتبت إلى أبي محمد (علیه السلام) رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار ، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ، ويقضوا دينه ، لمن صح على الميت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار ؟ فوقع (علیه السلام) نعم على الاكابر من الولد يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك»(2)،

فإنها مطلقة تقيد بصحيحته(3).

زيادة عن ذلك اعراض الأصحاب عنها ،فظهر مما ذكرنا إن المدعى عليه لو كان حياً يلزم في إثبات الدعوى إقامة البينة سواء كان المدعي حياً أم ميتاً صغيراً أم كبيراً ، عاقلاً أو مجنوناً .

وأمّا إذا كان المدعى عليه ميتاً فيلزم في إثبات الدعوى مع إقامة البينة حلف المدعي ، وفي صورة ما إذا كان الحلف منه صحيحاً وممكناً كأن يكون المدعي حياً عاقلاً وكبيراً ، أمّا إذا لم يكن فلا يجب ، لإنصراف الرواية عن هذا المورد .

ص: 78


1- الوسائل باب 28 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 50 من أبواب احكام الوصايا ح1.
3- مباني تكملة المنهاج / 1/ 22 .

المسألة 15 : الظاهر اختصاص الحكم المذكور بالديّن ، فلو أدّعى عيناً كانت بيد الميت وأقام بينة على ذلك قبلت منه بلا حاجة إلى ضم يمين(1) .

----------------------------------------

(1) وذلك لإن التقيد على خلاف الأصل الذي يحتاج إلى دليل والدليل جاء بالنسبة إلى الدين ، إذاً بمقتضى الإطلاقات يحكم بكفاية البينة والتعدي من الدين إلى العين لابد من القطع بالملاك ، وقد ذكرنا مراراً بإنا لا نعرف الملاك إلا من جهة الدليل ، أو كما إذا كانت العلة موجودة كما يقال لا تشرب الخمر لإنه مسكر ، فيمكن التعدي منه إلى كل مسكر أي في كل مورد وجد فيه الاسكار .وإن استشكل عليه بعض الفقهاء بإنه قد يكون لمسكرية الخمر خصوصية خاصة لم تكن تلك الخصوصية الخاصة في غيره .

فيجاب عليه بإنه هناك فرق بين أن يقال لا تشرب الخمر المسكر ، ولا تشرب الخمر لأنّه مسكر ، فبالنسبة إلى الأول كلامه صحيح ، وأمّا الثاني فالعرف يرى بإن الحرمة دارت مدار الإسكار فيمكن التعدي إلى الفقاع وماء الشعير المسكر والكحول - الاسبرتو - المسكر فتأمل ، فعلى أي حال فالتعدي يحتاج إلى دليل ، وبمجرد إقامة البينة يحكم له حياً كان أو ميتاً .

ص: 79

المسألة 16 : لا فرق في الدعوى على الميت بين أن يدعيّ المُدعي ديناً على الميت لنفسه أو لموكله أو لمن هو ولي عليه ، ففي جميع ذلك لابد في ثبوت الدعوى من ضم اليمين إلى البينة ، كما إنّه لا فرق بين كون المدعي وارثاً أو وصياً أو أجنبياً(1).

----------------------------------------

(1) قد يقال بأنّه لا يمكن التعدي إلى الموكل أو الولي لأن حكمهما حكم التعدي من الدين إلى العين حيث ، قلنا بأنه يحتاج إلى الدليل ، ولكن الدليل هنا موجود وهو إطلاق الصحيحة ، وهي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت للشيخ (علیه السلام) : «أخبرني عنالرجل يدعي قبل الرجل الحق فلم تكن له بينة بما له ، قال : فيمين المدعى عليه ، فإن حلف فلا حق له وإن رُدّ اليمين على المدعي فلم يحلف ، فلا حق له ، وإن لم يحلف فعليه ، وإن كان المطلوب بالحق قد مات ، فأقيمت عليه البينة ، فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وإن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له لإنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها ، أو غير بينة قبل الموت»(1).

إذاً الدعوى من الشخص على الميت لم يفرق بإن يكون لنفسه ، أو لمن هو ولي عليه ، أو وصيه كما أنّه لا فرق بين أن يكون المدعي وارثاً أو وصياً أو أجنبياً للإطلاق ، لإنّه في الكل يكوندعوى على الميت لإن الوكيل نفس الموكل والولي نزل منزلة المولى عليه .

ص: 80


1- الوسائل باب 4 من أبواب كيفية الحكم ح1.

المسألة 17 : لو ثبت دين الميت بغير بينة ، كما إذا اعترف الورثة بذلك أو ثبت ذلك بعلم الحاكم أو بشياع مفيد للعلم ، واحتمل إن الميت قد أوفى دينه ، فهل يحتاج في مثل ذلك إلى ضم اليمين أم لا ؟ وجهان الأقرب هو الثاني(1) .

----------------------------------------

(1) لو ادعي على الميت دين واعترف الورثة ، أو كان الحاكم عالماً بذلك أو كان ثبوته بالشياع المفيد للعلم ، فهل يحتاج في إثبات بقاء الدينوعدم وفاء الميت إلى اليمين أم لا ؟

قد يقال بالإلحاق لعموم العلة المنصوصة وهو احتمال الوفاء من الميت وقد يقال لا ، لإن الخبرين مختصين بالبينة والحكم بالحلف يكون على خلاف القاعدة ، قال في الشرائع : إلا أن تكون الشهادة على ميت فيستحلف على بقاء الحق في ذمته استظهاراً(1).

لكن لو كنا نحن والأصل - وهو الاستصحاب - فلا يحتاج إلى الحلف وفي المسالك : وإن كانت الدعوى على ميت فالمشهور بين الأصحاب - لا يظهر فيه مخالف - أن المدعي يستحلف مع قيام بينته على بقاء الحق في ذمة الميت(2)،وادعاء عدم المخالفة غير ثابت مع إنّه كما في الجواهر : قد خلت عنه كثير من كتب القدماء إلى أن يقول بل قيل لم يصرح به أحد قبل المصنف أي صاحب الشرائع(3).

نعم قالوا أن العمدة في الاستدلال النصوص ، فإذا ثبت النص فهو مقدّم على

ص: 81


1- شرائع الإسلام /4/ 85 .
2- المسالك / 13 / 461 .
3- الجواهر / 40 / 194 .

..........................

الأصل ولابد من الاستحلاف لرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله «قال : قلت للشيخ (علیه السلام) - أعني موسى بن جعفر - أخبرني عن الرجل يدعي قبَلَ الرجل الحق فلم تكن له بينة بما له ، قال : فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا حق لهوإن رُدّّ اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له ، وإن لم يحلف فعليه ، وإن كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة ، فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وإن حقه لعليه ، فإن حلف وإلا فلا حق له لإنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها أو غير بينة قبل الموت ، فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة ، فان أدعى بلا بينة فلا حق له لإن المدعى عليه ليس بحي ولو كان حياً للزم اليمين أو الحق أو يرد اليمين عليه فمن ثم لم يثبت الحق»(1).

والرواية ضعيفة من جهة السند ، ولم يرد هناك اتفاق في المسألة فالاستصحاب باقٍ على حاله ، فلا حاجة إلى الحلف بعد إن كان علىخلاف الأصل .

ص: 82


1- الوسائل 4 من أبواب كيفية الحكم ح1 .

المسألة 18 : لو أقام المدعي على الميت شاهداً واحداً وحلف فالمعروف ثبوت الدين بذلك ، وهل يحتاج إلى يمين آخر ؟ فيه خلاف قيل بعدم الحاجة وقيل بلزومها ، ولكن في ثبوت الحق على الميت بشاهد ويمين إشكال بل منع(1) .

----------------------------------------

(1) أمّا عدم الثبوت لإن اليمين الثاني يكون لأجل إثبات بقائه إذ لعله قد أدى الميت ما عليه من الدين كما هو مقتضى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الآنفة الذكر ، فالتعدد يكون من أجل تعدد الموجب ، والأصل عدم التداخل .

وقد أجيب عن هذا الأصل بإنّه إذا علم كونالمطلوب من الأسباب شيء يحصل بفعل واحد يحكم بالتداخل والاكتفاء بالفعل الواحد كما في باب الوضوء للغايات المتعددة المطلوب فيها التطهير الحاصل بوضوء واحد .

ولكن الحق أن أصل التعدد غير حاصل حتى نقول بعدم التداخل واستصحاب بقاء الدين كافٍ بعد ما عرفت بإن الرواية ضعيفة ، فيكفي الشاهد الواحد مع اليمين بلا ضم شاهد آخر بعد ما كان اليمين بمنزلة شاهد فتكون بمنزلة البينة كما هو كذلك في إثبات الدعوى بشهادة رجل وامرأتين لإن شهادتهما بمنزلة شهادة رجل واحد ، إذاً إن كان للمدعي شاهد واحد وحلف تثبت الدعوى .

ص: 83

المسألة 19 : لو قامت البينة بدين على صبي أو مجنون أو غائب فهل يحتاج إلى ضم اليمين ؟ فيه تردد وخلاف ، والأظهر عدم الحاجة إليه(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : ولو شهدت على صبي أو مجنون أو غائب ، ففي ضم اليمين إلى البينة تردد اشبهه إنّه لا يمين ، ويدفع الحاكم من مال الميت قدر الحق بعد تكليف القابض بالمال(1)، وهناك قولان في المسألة .

الأول : إلحاق اليمين إلى البينة ونسب إلى المسالك(2).

والثاني : عدم الإلحاق وعليه أكثر المتأخرين .وأمّا مستند القول الأول يقال إن الموتى ليس لهم القدرة على النطق و الجواب فحكمهم حكم الميت ، وأمّا مستند القول الثاني ، عدم الاحتياج إلى ضم اليمين لإنّه خلاف الأصل وعموم القاعدة ، واليمين يكون خلاف القاعدة والرواية الواردة في لزوم ضم اليمين هي مختصة بالميت ولا يمكن قياس الثلاثة عليه ، وقد ذكر البعض الإلحاق لعموم العلة ((لا ندري لعله أوفاه» ، وفيه إن عموم العلة لا يشمل المورد لإنّه بالنسبة إلى الصبي والمجنون بعد ما كان الخطاب متوجه إلى وليهما - ولو فرض الوفاء - فإنه لا أثر للوفاء منهما والغائب ليس مستتراً بالمرة كالميت لإنّه متى ما رجع يمكن المراجعة والدفاع عن نفسه ،فعموم العلة لا تشملهم .

ص: 84


1- شرائع الإسلام /4 /85 .
2- المسالك /13 /470 .

المسألة 20 : لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول ولا يجوز للآخر نقض حكم الأول إلا إذا لم يكن الحاكم الأول واجداً للشرائط ، أو كان حكمه مخالفاً لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنة(1).

----------------------------------------

(1) يدل على حرمة نقض حكم الحاكم الأول الآيات كقوله تعالى : «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً»(1)، فما حكم به الله ورسوله فهو المتبع وليس لهما - أي المؤمن والمؤمنة - الاختيار بعد حكمهما لإنّه قضاء تشريعي لاتكويني ، ولإن الثاني ليس لهم الاختيار فيه أصلاً بخلاف الأول فإنهم يتمكنون إن يختاروا غير ما اختار الله عقلاً .

ولكن لا يتمكنون شرعاً فقضائهما نافذ ولا يجوز ردّه بلا فرق بين أن يكون في الأحكام الكلية أو الجزئية فيشمل القضاء المصطلح .

وهذه وغيرها من الآيات وإن كانت مختصة بالرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) فإنّها تشمل من كان نائباً عنه (صلی الله علیه و آله وسلم) وتشير إلى ذلك مقبولة عمر بن حنظلة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك إلىأن قال : فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله والراد علينا راد على الله ، وهو على حد الشرك بالله»(2)، وقد مرت هذه الرواية فيما تقدم .

وكذا يدل عقلاً بعد إن وضع القضاء في المجتمع لأجل حفظ النظام ودفع

ص: 85


1- سورة الاحزاب الآية / 36.
2- الوسائل باب 11من أبواب صفات القاضي ح1.

..........................

مادة النزاع والتشاجر ، فلابد أن يكون حكم الحاكم متبعاً وإلا أختل النظام وتبقى الخصومات وإن حرمة النقض لا تحتاج في إثباتها إلى دليل آخر كحرمة الرد وأمثالها فنفس الدليل الذي يلزمنابالرضا وقبول حكم القاضي ويتضح مفاده هنا مع الالتفات إلى حقيقة الحكم وحقيقة النقض لإن الحكم عبارة عن فصل الخصومة ، وما الفصل بعد الفصل إلا كفتل الحبل بعد فتله فكما لا يمكن هناك لا يمكن هنا ، فإذا جعل دليل صحة القضاء حكم الفصل معتبراً فلا معنى لفصل آخر .

قال المحقق الاشتياني : إنّه بمجرد حكم الحاكم بعد فرض الدليل على جوازه لا يبقى موضوع الخصومة حتى يترتب عليها احكامها ، وهذا أمر ظاهر(1)،

فإذا عرفت هذا يكون حكم الحاكم بالنسبة إلى المحكوم عليه نافذٌ فلا يجوز له أن يأبى عن قبوله وليس له بعد الحكم المطالبة بتجديد المرافعة عنده أو عند حاكم آخر لإنّهيكون مع عدم قبوله مشمولاً بقوله (علیه السلام) «والراد علينا الراد على الله» وليس هناك ألزام للمحكوم له بالحضور عند حاكم ثانٍ بل لا يجوز الزامه بعد ما لم يكن هناك أثر لرضا المحكوم له ، بل لا يجوز للحاكم الثاني النظر مرة اخرى لصدق الرد عليه أيضاً ، فإن حكم الحاكم الأول نافذاً بالنسبة إلى الجميع بلا فرق بين الحاكم وغيره حتى لو فرض رضا المتخاصمين مع ذلك لا يجوز النظر لصدق الرد .

نعم يجوز النظر في صورة دعوى المحكوم عليه بإن حكم الحاكم الأول مخالفاً للقواعد والأحكام المقررة للقضاء أي يكون حكمه مخالفاً لما هو القطع من الكتاب والسنة أو لم يكن حكمالأول واجداً للشرائط .

ص: 86


1- كتاب القضاء للمحقق الاشتياني / 54 .

المسألة 21 : إذا طالب المدعي حقه وكان المدعى عليه غائباً ولم يمكن احضاره فعلاً ، فعندئذٍ إن أقام البينة على مدعاه حكم الحاكم له بالبينة وأخذ حقه من أموال المدعى عليه ودفعه له وأخذ منه كفيلاً بالمال والغائب إذا قدم فهو على حجته ، فإن أثبت عدم استحقاق المدعي شيئاً عليه استرجع الحاكم ما دفعه للمدعي ودفعه للمدعى عليه(1) .

----------------------------------------

(1) لا يخفى أنّه يشترط في سماع الدعوى حضور المدعى عليه ، وأمّا إذا لم يكن حاضراً فلا تحسم الدعوى بالحكم على نحو البت ، ولكن لو كان المدعى عليه غائباً في السفر أو غيره قريباًكان أو بعيداً ولا يمكن احضاره وأقام المدعي البينة على مدعاه يحكم الحاكم بموجبها ولكن ليس بالحكم القطعي بل يبقى الغائب على حجته إذا حضر ، وفي المجلة العدلية يشترط حضور الخصم حين الدعوى(1)، قال المحقق : إذا التمس الخصم احضار خصمه مجلس الحكم احضره إذا كان حاضراً(2)، وادعى في الجواهر عدم الخلاف(3)، في حضور المدعى عليه وللروايات الواردة في المقام .

منها : صحيحة جميل عن جماعة من أصحابنا عنهما (علیهما السلام) «قالا : الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة ويباع ماله ويقضى عنه دينهوهو غائب ويكون الغائب على حجته إذا قدم ، قال : ولا يدفع المال إلى الذي اقام البينة إلا بكفلاء»(4).

ص: 87


1- تحرير المجلة / 4 / 87 مادة / 1618 .
2- شرائع الإسلام /4/ 78.
3- الجواهر/40/ 134.
4- الوسائل باب 26 من أبواب كيفية الحكم ح1.

..........................

ومنها : ما عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) وزاد : «إذا لم يكن ملياً»(1)

, وهل يمكن الدفع قبل تكفيل القابض أم لا ؟ ظاهر صاحب المسالك أن مَنْ قال بلزوم اليمين لم يقل بلزوم الكفيل وبالعكس فيكون احدهما بدلاً عن الآخر .وملخص كلامه - أي بعد إقامة المدعي كفيلاً له بالمال الذي دفع إليه من مال الغائب - إنما أعتبر المصنف الكفيل ، لإنّه لم يوجب عليه اليمين مع البينة فجعل الكفيل عوضاً عنها لإحتمال براءة الغائب من الحق على وجه لا نعلم البينة .

ومَنْ أوجب عليه اليمين لم يعتبر الكفيل إلا على تقدير تعذر اليمين كما لو كان المدعي على الغائب وكيل المستحق فإنه لا يجوز احلافه فيستظهر بالكفيل ولا شك في إن الكفالة واليمين احتياط واستظهار ، إلا أن ثبوتهما يحتاج إلى دليل(2).

ولكن الحق إن ما ذكره مجرد ادعاء كما في القواعد على ما نسب إليه لإن من الفقهاء منأوجب اليمين مع التزامه بالكفيل ، وأمّا ما ذكر بقوله ولا شك.... الخ فلا دليل عليه إذ لعل أن يكون اعتبار الكفيل من جهة خوف تعذر استيفاء المدعي الحق بموته أو فقره كما تشير إليه الرواية «إلا إذا كان ملياً» وما ذكره (قدس سره) تام إلا إن ثبوتهما يحتاج إلى دليل قد عرفت إن الدليل قام على الثبوت لكل منهما .

وذكر المحقق الاردبيلي : إذا ادعى وكيل شخص في إثبات الحق على غائب وقبضه منه فادعى واقام البينة واثبت الحق عليه ، يجب على الحاكم أو وكيله أن يسلم المال المدعى به إليه من مال الغائب ولا يحلف الوكيل على بقاء الحق إلى الآن ، وإن قيل بالحلف في الدعوى علىالغائب إذ لا يمين على مال الغير كما مرّ ، نعم

ص: 88


1- الوسائل باب 26 من أبواب كيفية الحكم في ذيل ح1 .
2- المسالك /13/ 464.

المسألة 22 : إذا كان الموكل غائباً ، وطالب وكيله الغريم بأداء ما عليه من حق ، وادعى الغريم التسليم إلى الموكل أو الابراء ، فإن أقام البينة على ذلك فهو ، وإلا فعليه أن يدفعه إلى الوكيل(1) .

----------------------------------------

يمكن القول إنه لا يُسلّم إليه المال إلا بكفيل ملّي عوضاً عن اليمين لو كان المدعي هو الموكل حتى إذ أثبت عدم استحقاق المال له رجع إليه بغير نقص وضرر ، ولا يخفى إن التكفيل علىالقول بوجوب اليمين اظهر(1).

قد يقال بإن الكفالة هل كفالة الدين أو العين وهو المال على تقدير استحقاق المدعى عليه به ؟ فلو كان الأول فيكون من قبيل ضمان ما لم يجب والذي حكم به العقل بإنه محال دون الثاني لإنه بمعنى ضمان ما لم يعلم ثبوته ولو فرض ثبوته في الواقع حيث إن الضمان ضمان الاعيان وعلى فرض هذا الفرد يكون مخالفاً للقاعدة ومع ذلك لا ضير بالالتزام به مع ورود الدليل وهو النص عليه .

(1) قال المحقق : لو كان صاحب الحق غائباً فطالب الوكيل فادعى الغريم التسليم إلى الموكل ولا بينة ، ففي الإلزام تردد بين الوقوف في الحكم لإحتمال الاداء ، وبين الحكم والغاءدعواه لإن التوقف يؤدي إلى تعذر طلب الحقوق بالوكلاء والأول اشبه(2).

ولا يخفى حينما كان وكيلاً في المطالبة بالحق يطالب الغريم في أداء الحق فإن ادعى الغريم التسليم إلى الموكل ، أو ادعى الإبراء فيطالبه بإقامة البينة على دعواه ، فإن أقام البينة حكم الحاكم للغريم ، وإذا لم تكن له بينة فليس له احلاف الوكيل بعدم التسليم أو البراءة بعد إنْ لم يكن لليمين أثر فحينئذٍ تسقط دعواه ويلزم دفع الحق .

ص: 89


1- مجمع الفائدة والبرهان/12 /207.
2- شرائع الإسلام / 4 / 86 .

المسألة 23 : إذا حكم الحاكم بثبوت دين على شخص وأمتنع المحكوم عليه عن الوفاء جاز للحاكم حبسه واجباره على الأداء ، نعم إذا كانالمحكوم عليه معسراً لم يجز حبسه ، بل ينظره الحاكم حتى يتمكن من الأداء(1) .

----------------------------------------

نعم في صورة ما إذا ادعى علم الوكيل بالتسليم أو البراءة جاز له احلافه ، وما ذكره المحقق بإن التوقف قد يؤدي إلى تعذر طلب الحقوق ، إنما يتم هذا لو لم يمكن إثبات الحقوق بطريق آخر ، فالحق دفعه إلى الوكيل لإن الأصل هو عدم أداء الحق والبراءة .

(1) بعد ما حكم الحاكم وامتنع المحكوم عليه عن اداء الحق فهل يجوز للحاكم حبسه أو لابد من حبسه إذا التمس خصمه ؟

أمّا إنّه لابد من التماس الخصم لإن الحكمبالحبس يرجع إليه لاستيفاء حقه ويكون من مقدمات الاستيفاء ، ولا أقلّ من الشك في استقلال الحاكم في سلطنته على الحبس من دون التماس الخصم ، وإنما يحبسه فيما إذا أحرز بكونه واجداً ولو بالأصل ، كما إذا علم بكونه سابقاً كان واجداً ، والأصل كونه واجداً ، وإنما قلنا ذلك لكي يدخل تحت عموم ما ورد عن الرضا (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) «قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) الواجد بالدين يحل عرضه وعقوبته ما لم يكن دينه فيما يكره الله عز وجل»(1).

أمّا لو ادعى الاعسار فيقبل كما في الآية الشريفة : «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىمَيْسَرَةٍ»(2) ، أمّا أصل جواز الحبس للروايات .

ص: 90


1- الوسائل باب 8 من أبواب الدين والقرض ح4 .
2- البقرة الآية /280 .

..........................

منها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة وافلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالاً»(1).

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : كان علي (علیه السلام) لا يحبس في الدين إلا ثلاثة : الغاصب ، ومَن أكل مال اليتيم ظلماً ، ومَن ائتمن على امانة فذهب بها ،وإن وجد له شيئاً باعه ، غائباً كان أو شاهداً»(2).

ومنها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يحبس في الدين ثم ينظر ، فإن كان له مال اعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء ، فيقول لهم اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم اجروه وإن شئتم استعملوه»(3) .

ولكن في صورة ثبوت الاعسار فهل ينظر كما هو إطلاق الآية ومعتبرة غياث ، أو يدفع إلى الغرماء ، كما في معتبرة السكوني ؟ قال في الجواهر : اشهرهما عملاً وأصحهما سنداً وأكثرهما عدداً وأوفقهما بالأصل والكتاب كماعرفت رواية الأنظار(4)،

يعني معتبرة السكوني المتقدمة ، وعن أبي حمزة التفصيل بين ما إذا كان متمكناً من العمل فيستعمل ، وما إذا كان عاجزاً عن العمل فينظر حتى حصول الميسرة .

قد يقال بإن رواية السكوني غير مخالفة للكتاب لإنه ما دام متمكناً من العمل لا يُعدّ معسراً كما صرح به العلامة في المختلف بنقله لقول ابن حمزة حيث قال : ليس بعيداً من الصواب ، لإنه متمكن من أداء ما وجب عليه وايفاء صاحب الدين حقه فيجب عليه ، أمّا الكبرى فظاهرة ، وأمّا الصغرى فلأن

ص: 91


1- الوسائل باب 7 من أبواب الحجر ح1.
2- الوسائل باب 11 من أبواب كيفية الحكم ح2.
3- الوسائل باب 7 من أبواب كتاب الحجر ح3.
4- الجواهر/40 / 165.

..........................

الفرض إنه متمكن من الكسب والتحصيل وكما يجب السعي في المؤونة كذا يجب في أداء الدين ، ونمنع اعساره ، لإنّه متمكن .

ولا فرق بين القدرة على المال وعلى تحصيله ولهذا منعنا القادر على التكسب بالصنعة والحرفة من أخذ الزكاة باعتبار الحاقه بالغني القادر على المال وأي منافاة في هذا لأصول المذهب ، بل المنافي لها منع القادر من دفع الحق الذي عليه لغيره مع المطالبة به ، والآية متأولة بالعاجز عن التكسب والتحصيل وكذا ما ورد من الاخبار في هذا الباب(1).

ص: 92


1- مختلف الشيعة / 8 / 453 .

أحكام اليمين

المسألة 24 : لا يصح الحلف إلا بالله وبأسمائه تعالى(1)، ولا يعتبر فيه أن يكون بلفظ عربي بل يصح بكل ما يكون ترجمة لأسمائه سبحانه .

----------------------------------------

(1) تارة نتكلم عن الحكم التكليفي ، وأخرى عن الحكم الوضعي وقبل الدخول في البحث نذكر جملة من الأخبار الواردة عنهم (علیهم السلام) .

منها : حسنة محمد بن مسلم « قال : قلتلأبي جعفر (علیه السلام) قول الله عز وجل: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»(1)«وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»(2)، وما أشبه ذلك .

فقال : إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به»(3) .

ومنها : صحيحة علي بن مهزيار «قال : كتب رجل إلى أبي جعفر (علیه السلام) يحكي له شيئاً ، فكتب (علیه السلام) إليه والله ما كان ذلك وإني لأكره أن أقول والله على حال من الأحوال ولكنه غمني أن يقال ما لم يكن»(4).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «لا أرى للرجل أن يحلف إلابالله»(5).

ص: 93


1- سورة الليل / الآية / 1 .
2- سورة النجم الآية / 1 .
3- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الأيمان ح3.
4- الوسائل باب 1 من أبواب كتاب الأيمان كراهة اليمين الصادقة ح1.
5- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الأيمان ح4.

..........................

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله» .

ومنها : عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن المنصور قال له رفع اليّ إن مولاك المعلى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ، فقال والله ما كان ، فقال لا أرضى منك إلا بالطلاق والعتاق والهدي والمشي ، فقال ابالانداد من دون الله تأمرني أن أحلف ، إنّه من لم يرضى بالله فليس من الله في شيء»(1).وعليه فلا يصح الحلف إلا بالله سبحانه أي لا يترتب الأثر المقصود من الحلف إلا إذا كان به بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كتاب الأيمان عن الشيخين في المقنعة ، والنهاية ، والغنية ، والمقداد ، والسيد في شرح النافع ونسبه في الكفاية إلى ظاهر الأصحاب ، بل لعله إجماع محقق وهو الدليل عليه مضافاً إلى الأصل والنصوص المستفيضة(2).

أمّا الحكم التكليفي فقد ادعى البعض على عدم جواز الحلف بغير الله على الإطلاق ، قال الشيخ الطوسي : استحلفه بالله تعالى لا غير أو بشيء من أسمائه ولا يجوز أن يحلف بغير أسماء الله بشيء من جميع الموجودات لا بالكتب المنزلةولا المواضع المشرفة ولا الرسل المعظمة ولا الائمة المنتجبة فإن اليمين بجميع ذلك بدعة في شريعة الإسلام ولا يحلف بالبرائة من الله ولا من رسله ولا من الائمة ولا من الكتب ولا بالكفر ولا بالعتق ولا بالطلاق فإن ذلك كله غير جائز ، ويجوز أيضاً أن يحلفوا بما يرون هم الاستحلاف به ويكون الأمر في ذلك إلى الحاكم وما يراه إنّه ردع لهم(3).

ص: 94


1- الوسائل باب 14 من أبواب كتاب الأيمان ح3.
2- مستند الشيعة /17 /464.
3- النهاية 346.

..........................

وقال المحقق : ولا يستحلف احد إلا بالله ، ولو كان كافراً(1)،

ويقول في الجواهر : بإنكارأصل واجب الوجود نعوذ بالله فضلاً عن غيره ، بلا خلاف اجده في ذلك نصاً وفتوى(2).

وعليه اتفاق العامة وإجماعهم ، إذاً اتفق الفريقان بإن الحلف لابد أن يكون بالله جل وعلا هذا ما جاء في كتب العامة(3)، بلا فرق بين أن يكون في الدعاوى أم غيرها ، كما دلت عليه الروايات المتقدمة بل في بعضها إن غير المسلمين أيضاً لابد أن يكون حلفهم بالله لصحيحة(4) سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال لا يحلف اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي بغير الله إن الله عز وجل يقول : «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ»(5)

، وما رواه أبو جريرالقمي بسند صحيح «قال ، قلت : لأبي الحسن (علیه السلام) جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك ثم حلفت له وحق رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه إنه لا يخرج ما تخبرني به إلى أحد من الناس وسألته عن أبيه أحي هو أم ميت ؟ قال : قد والله مات إلى أن قال : قلت فأنت الإمام ؟ قال نعم»(6)، وما عن علي بن مهزيار بسند تامٍ «قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر (علیه السلام) إلى داود بن القاسم : إني قد جئت وحياتك»(7)، وقد عمل البعض بالجمع بين ما تنهى الحلف إلا بغير الله سبحانه

ص: 95


1- شرائع الإسلام /87.
2- الجواهر /40 /225.
3- السنن الكبرى /1 /28.
4- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح1.
5- سورة المائدة الآية / 49 .
6- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الأيمان ح6.
7- الوسائل باب 30 من أبواب كتاب الايمان ح14.

..........................

وبين ما كان غير ذلك بأن تحمل الثانية على الكراهة ، ولكن الحق أن بعض الروايات الناهية تأبى عن الحمل على الكراهة ، منها ما عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «من حلف بغير الله فقد كفر و اشرك»(1)، ومنها ما عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أمّا أنه قد كفر»(2)،

والروايتان ضعيفتان من جهة السند .

وأمّا استدلالهم على الجواز بالسيرة فغير تام لإن السيرة إنما تكون كاشفة عن تقرير الحجة إذالم يرد منهم ردع وقد عرفت الردع منهم صلوات الله عليهم ثم يأتي إشكال آخر كما ذكره المحقق الاشتياني وحاصله : بإنّه لا يقال كيف تحمل تلك الأخبار على الكراهة مع حلف الإمام (علیه السلام) بغير الله كما ورد في بعض الأخبار مع أن من مذهبنا عدم صدور فعل المكروه عن الإمام ، لأنا نقول يحمل فعل الإمام (علیه السلام) على أحد الشيئين ، أمّا على بيان الجواز والتشريع على أبعد الاحتمالين ، أو على مصلحة أخرى لا نعلمها(3).

أقول : الثاني هو الصحيح كما في بعض الموارد كان حلفه خوفاً من القتل كما جاء في الرواية عن داود بن الحصين عن رجل منأصحابه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنّه قال : وهو بالحيرة في زمان أبي العباس إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم إلى أن قال فقال : الرجل لأبي عبد الله (علیه السلام) تفطر يوماً من شهر رمضان ، قال : أي والله أفطر يوماً من شهر رمضان أحب الي من أن يضرب عنقي»(4)، فكان الحلف منه (علیه السلام) لمصلحة لا نعلمها فيمكن الجمع على الكراهة ، ولا يخفى بإن الحلف بأسمائه تعالى خاصة كالرحمن والرحيم والقديم والأول الذي ليس قبله

ص: 96


1- مستدرك الوسائل باب 24 من أبواب كتاب الأيمان ح3.
2- مستدرك الوسائل باب 24 من أبواب الايمان ح12.
3- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني /169.
4- الوسائل باب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح4.

المسألة 25 : يجوز للحاكم أن يُحلّف أهل الكتاب بما يعتقدون به ولا يجب الزامهم بالحلف بأسمائه تعالى الخاصة(1).

----------------------------------------

شيء وهكذا أوصافه المشتركة المنصرفة إليه كالخالق والرزاق ، فحكمها حكم الحلف بالله ، أمّا بالنسبة إلى الحكم الوضعي أي الآثار المترتبة على الحلف لقطع الخصومة أو بالنسبة إلى الكفارة وغيرها من الآثار لابد أن الحلف يكون بالله وإذا كان بغير الله فلا يترتب عليه الأثر سواء كان في باب الخصومة أو الكفارة ، إذاً مَنْ حلف بغير الله ولو كان جائزاً إلا إنه لا تتريب عليه الكفارة بمخالفته ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يكون رجلاً أو خنثي أو أنثى حراً أو عبداًمسلماً أو كافراً ملحداً أو مرتداً ، ولا يترتب على هذا الحلف الأثر لو كان الحلف بالمقدسات المحترمة كالأنبياء والائمة والكعبة والقران بل بقية الكتب المنزلة من السماء ، وقد استدلوا على ذلك بالإجماع ، وعرفت حال هذه الإجماعات لإنّها مظنونة المدركية والمدرك تلك الروايات الكثيرة التي مرّ بعضها ويأتي بعضها الآخر.

(1) قال الشيخ الطوسي : استحلفه بالله تعالى لا غير أو بشيء من أسمائه ولا يجوز أن يحلف بغير أسماء الله تعالى بشيء من جميع الموجودات لا بالكتب المنزلة ولا المواضع المشرفة ولا الرسل المعظمة ولا الائمة المنتجبة إلى أن يقول استحلاف أهل الكتاب أيضاً بالله أو بشيء من أسمائه ويجوز أيضاً أن يحلَّفوا بما يرون همالاستحلاف به ويكون الأمر في ذلك إلى الحاكم وما يراه أنّه أردع لهم واعظم عليهم(1).

وهناك طائفتان من الروايات فبعضها تدل على عدم جواز الحلف بغير الله والطائفة الثانية تدل على الجواز فلابد أن نرى كيف يمكن الجمع بين الطائفتين أمّا الطائفة الأولى .

ص: 97


1- النهاية / 346 .

..........................

منها : صحيحتي محمد بن مسلم وعلي بن مهزيار المتقدمتان ، وكذا صحيحتي الحلبي وسليمان بن خالد .

ومنها : معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته هل يصلح لأحد أن يُحلّفأحداً من اليهود والنصارى والمجوس بالهتهم ، قال : لا يصح لأحد أن يُحلّف أحداً إلا بالله»(1).

وأمّا الطائفة الثانية ما عن السكوني بسند تامٍ عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) استحلف يهودياً بالتوراة التي أنزلت على موسى»(2).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : سألته عن الأحكام ، فقال : في كل دين ما يستحلفون به»(3)، وصحيحته الثانية ما عن محمد بن مسلم «قال : سألته عن الأحكام ، فقال : تجوز على كل دين بما يستحلفون»(4).ومنها : ما عن محمد بن قيس «قال سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول : قضى علي (علیه السلام) فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلف بكتابه وملته»(5).

قيل المشهور على عدم جواز احلاف اليهود والنصارى بغير الله للروايات الناهية ، وقالوا بضعف سند خبر السكوني كما عن المحقق الاشتياني بقوله : مع ضعفه كما ترى واحتمال اختصاصه بالإمام (علیه السلام) كما عن الشيخ في التهذيب أو واقعة خاصة أو الحلف بمن أنزلها عليه لا يصلح للمعارضة مع ما عرفت من النصوص الصريحة في خلافها(6).

ص: 98


1- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح5 .
2- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح4 .
3- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح7 .
4- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح9 .
5- الوسائل باب 32 من أبواب كتاب الأيمان ح8 .
6- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 170 .

..........................

وما عن آقا ضياء الدين العراقي : ثم إن ظاهر الإطلاقات عدم جواز الحلف بغير الله حتى من الذمي ولو كان ذلك أردع لهم ، ولكن المحقق في شرائعه التزم بجوازه لخبر السكوني إن أمير المؤمنين (علیه السلام) استحلف يهودياً بالتوارة التي أنزلت على موسى ، وظاهر هذا التعبير كونها المحلوف بها لا غيرها كما احتمله في الجواهر(1).

وما عن صاحب مفتاح الكرامة في شرحه للقواعد : كان يحلفه بالتوارة والانجيل وموسى وعيسى ونحو ذلك قيل في احلاف اليهود أن يقول أقسمت بالله وبرئت من دين اليهود ودخلت في دين النصارى وكلت يوم الفطر خبز الخمر(الجمرخ) بلحم الخنزير وقطعت سبعة أخياط من جبة داود وكفرت بسبع آيات التي نزلت على موسى وبجانب الطور وزنيت بآمنة بنت سليمان وفسقت في بيت المقدس إن كنت فعلت كذا(2)،

وكذا بقية الأخبار الأخرى.

وقالوا إن صحيح محمد بن مسلم مجرد الأخبار عن شرائعهم ، ولكن عن المحقق في الشرائع بقوله : ولو رأى الحاكم احلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع جاز(3)،

ومن قال بالجواز مستنده خبر السكوني ، وقد أٌشكل من حيث ضعف السند ، والظاهر إنه تام ، وما عن الرياض بقوله : ولكن ذكر الماتن وقبله الشيخ في النهاية وجماعة أنه إن رأى الحاكم احلاف الذمي ، بلمطلق الكافر كما قيل بما يقتضيه دينه كونه أردع وأكثر منعاً له عن الباطل إلى الحق من الحلف بالله عز وجل جاز له احلافه به(4).

ص: 99


1- كتاب القضاء لاقا ضياء الدين العراقي /107.
2- مفتاح الكرامة / 25/260 .
3- شرائع الإسلام / 87 .
4- الرياض / 15/ 104 .

..........................

وأمّا أستاذنا الاعظم (قدس سره) بعد إن نفى المعارضة بين الطائفتين بقوله : ولكنه يندفع بعدم المعارضة بين الطائفتين من الروايات فإن النسبة بينهما نسبة المطلق والتقييد فإن المنع عن الحلف بغير الله يعم الحلف بما يستحلفون به في دينهم وغيره فيرفع اليد عن الإطلاق بقرينة المقيد ، فالنتيجة هي جواز الحلف بغير الله في كل دين بما يستحلفون به ولا يجوز بغير ذلك على إنه لوسلّمت المعارضة فهي من قبيل المعارضة بين النص والظاهر فيرفع اليد عن ظهور الظاهر بقرينة النص فيحمل النهي على الكراهة ، بمعنى إن القاضي يكره له أن يحلفهم بغير الله ، أضف إلى ذلك أننا لو سلمنا المعارضة بينهما فلا ترجيح للطائفة الثانية بل يتساقطان فالمرجع هو إطلاقات أدلة القضاء بالأيمان(1).

ولكن ما ذكره (قدس سره) من الجمع لا يناسب التعليل في معتبرة سماعة وصحيحة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «لا يصلح لأحد أن يُحلّف أحد إلا بالله»(2)،

وكذا جمعه الثاني بالحمل على الكراهة ، وقوله مع التعارض تسقطالطائفتان لعدم الترجيح .

ولكن نقول يكفي الترجيح للشهرة والإجماع فلا تصل النوبة إلى التساقط ولابد أن يكون الحلف مختصاً بالله ومع الشك في إثبات الحكم الوضعي يكون الأخذ بالقدر المتيقن وهو الحلف بالله .

ص: 100


1- تكملة مباني المنهاج /26.
2- الوسائل باب 32 من أبواب الايمان ح5.

المسألة 26 : هل يعتبر في الحلف المباشرة أو يجوز فيه التوكيل فيحلف الوكيل نيابة عن الموكل ، الظاهر هو اعتبار المباشرة(1).

----------------------------------------

(1) الحق هو المباشرة ولا يكفي التوكيل في الإثبات بأن يحلف الوكيل وذلك لإن الأدلة قد دلت على حلف الموكل لأنّه هو المنكر وتحليف المنكر شرط في ثبوت الدعوى ، فلا يكون للحلف الصادر من غيره أي أثر لعدم استناده إليه حقيقة .

نعم في بعض الموارد يكون فعل الوكيلمستنداً إلى الموكل حقيقة أو ادعاء ففي الأمور الاعتبارية كالعقود والإيقاعات يكون فعل الوكيل مستنداً إلى الموكل حقيقة ، وفي الأمور التكوينية كالقبض والإقباض يكون قبض الوكيل أو إقباضه ادعاء ، وقد جرت عليها السيرة العقلائية .

وأمّا بالنسبة إلى الحلف فلم يدل دليل على قيام الحلف لشخص آخر مقام المنكر كالوكيل وعدم وجود السيرة وإن وجدت في غير هذا المقام والروايات خصت الحلف بالمنكر كما جاء عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن جميل وهاشم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال قال : رسول لله (صلی الله علیه و آله وسلم) البينة على من ادعى ، واليمين على من ادعيعليه»(1).

ص: 101


1- الوسائل باب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح1.

المسألة 27 : إذا علم إن الحالف قد ورّى في حلفه وقصد به شيء آخر ففي كفايته وعدمها خلاف والأظهر عدم الكفاية(1).

----------------------------------------

(1) أن الإظهار بصيغة الواقع من المنكر في الحلف على نفي ما يدعيه المدعي أو عدم العلم هو الذي يراد من المنكر ، أمّا لو فرض أنّه ورّى وعلم الحاكم به فلا قيمة لهذا الحلف ، لإنّه في الواقع لم يحلف على الأمر المتنازع فيه .

قال استاذنا الاعظم (قدس سره) : وتدل على ذلك مضافاً إلى ما ذكرناه صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) «قال : سألته عن رجل حلف وضميرهعلى غير ما حلف ، قال : اليمين على الضمير»(1)،

ورواها الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن سعد ، وزاد يعني على ضمير المظلوم(2).

ثم قال (قدس سره) أقول : الظاهر إن الجملة الأخيرة من كلام الصدوق لا حجية فيها على أن طريق الصدوق إلى إسماعيل بن سعد مجهول فلا تكون الرواية على طريقه معتبرة ، وتدل على ما ذكرناه صحيحة صفوان بن يحيى أيضاً «قال : سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن الرجل يحلف وضميره على غير ما حلف عليه ، قال : اليمين على الضمير»(3).

ولكن الحق أن الروايتين أجنبيتان عن محلالبحث حيث مضمونهما إن الحالف لو حلف خطأ على غير ما قصده فالحلف ينعقد على ما قصد لا على ما يحلف ، فالروايتان ليستا في فرض المرافعة ، ويكفي في إثبات عدم الكفاية في صورة التورية بما إنّه لم يحلف على ما هو المتنازع فحلفه هذا ليس بشيء ، فلا يمكن للحاكم أن يحكم به بعد عدم حلفه بالمتنازع فيه .

ص: 102


1- الوسائل باب 21 من ابواب كتاب الأيمان ح1.
2- من لا يحضره الفقيه /3 /233 ح1099.
3- المباني /1 /33.

المسألة 28 : لو كان الكافر غير الكتابي المحترم ماله كالكافر الحربي أو المشرك أو الملحد ونحو ذلك ، فقد ذكر بعض أنهم يستحلفون بالله وذكر بعض أنّهم يستحلفون بما يعتقدون به على الخلاف المتقدم ولكن الظاهر أنّهم لا يستحلفون بشيء ولا تجري عليهم أحكام القضاء(1).

المسألة 29 : المشهور عدم جواز احلاف الحاكم أحداً إلا في مجلس قضائه ، ولكن لا دليل عليه فالأظهر الجواز(2).

----------------------------------------

(1) أمّا احلاف الذمي حيث إن ماله يكون محترماً فيجوز احلافه بالله لإيجاب حق أو اسقاطهأو بما يعتقدوه .

وأمّا الحربي بما إن ماله كدمه ليس بمحترم فليس له حق الدعوى على أحد بعد إن كان مهدوراً دمه وماله ويجوز لأي مسلم أخذ ماله وقتله إذ ليس هناك محل للقضاء أصلاً ، بل يجوز أن يحلف ويورّي بأن يقول مالي إذا أراد أخذ مال غير الكتابي ولم يمكن أخذه إلا بالحلف ، كما إذا لم يمكن للمدعي أخذ ماله إلا بالاستحلاف جاز له استحلافه بكل ما يعتقده مقدمة للتوصل إلى الحصول على ماله .

(2) فهل لابد أن يكون الاستحلاف في مجلس القضاء حتى ينفذ الحكم أم لا ؟ عن المحقق : إنّه لا يستحلف الحاكم أحداً إلا في مجلس قضائه إلا مع العذر كالمرض المانع وشبهه، فحينئذٍ يستنيب الحاكم من يحلفه في منزله

وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى مجمع الرجال أو الممنوعة بأحد الاعذار(1)،

وكذا في الجواهر : بلا خلاف أجده كما أعترف به في الرياض بل في ظاهرهم الإجماع كما

ص: 103


1- شرائع الإسلام /88 .

..........................

يستفاد من كثير منهم كالمقدس الأردبيلي(1)،

وفي شرح الإرشاد : وقد استثني عنها الممنوع بالعذر مثل المريض والزمن الذي لا يمكنه أو يشق عليه الحضور إلى مجلس الحاكم أو الخائف من العدو ونحو ذلك وكذا المرأة الغير البرزة أي التي ليستمن عادتها وشأنها البروز والتردد إلى مجمع الرجال والأحكام ويكون ذلك نقضاً في حقها وعيباً عليها(2) وصاحب الكفاية قال : ولا يستحلف الحاكم أحداً إلا في مجلسه إلا مع العذر فليستخلف الحاكم من يحلفه وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى مجمع الرجال(3).

وهو الحجة بإن الاستحلاف لابد أن يكون في مجلس القضاء أي كونهما في مجلس واحد من شرائط نفوذ الحكم ، فلو انفذ الحكم في غير مجلس القضاء لا ينفذ .

وهناك قول نسب إلى المسالك بحمله عبارة المحقق على الكراهة فإنه قال : قد تقدم إن مكانالتغليظ المستحب للحاكم المسجد ونحوه ، وحينئذٍ فالنهي عن الاستحلاف في غير مجلس القضاء المراد به منه الكراهة إنما يتم على تقدير كون مجلس القضاء من أمكنة التغليظ وإلا لم يتم النفي والنهي مطلقاً أو يحمل على يمين لا تغليظ فيها(4)،

وفي السرائر بقوله : وينبغي للحاكم أن لا يُحلّف أحداً إلا في مجلس الحكم بالقول فإن كان هناك من توجه عليه اليمين ومنعه من حضور المجلس مانع من مرض أو عجز أو غير ذلك جاز للحاكم أن يستخلف من ينوب عنه في المضي إليه واستحلافه على ما تقتضيه شريعة الإسلام ، والمرأة إذا

ص: 104


1- الجواهر/40 /240 ، الرياض/ 15 /110.
2- مجمع الفائدة والبرهان / 12 /188.
3- الكفاية / 2 /702 .
4- المسالك /13/ 481 .

المسألة 30 : لو حلف شخص على أن لا يحلف أبداً ولكن اتفق توقف إثبات حقه على الحلف جاز له ذلك(1) .

----------------------------------------

وجبت عليها اليمين استحلفها الحاكم في مجلس الحكم وعٌظّم عليها الأيمان ، فإن كانت المرأة لم تجر لها عادة بالخروج من منزلها إلى مجمع الرجال أو كانت مريضة أو بها علة تمنعها من الخروج إلى مجلس القضاء أنفذ الحاكم إليها من ينظر بينها وبين خصمها من ثقاته ويحدد له وأهل العلم والفقه عنده ، فإن توجهت عليها اليمين استحلفها في منزلها ... وإن توجه عليها الحق الزمها الخروج منه على ما يقتضيه شرع الإسلاموعدله(1)،

ويقول صاحب الجواهر : نعم لا بأس بوقوف الدعوى حتى يرتفع العذر(2)،

ولكن الحق إنّه لا دليل على ما ذهب إليه المشهور والإجماع غير منعقد بعد ما عرفت من القول بالكراهة أو الاستحباب فيكون المرجح البراءة من هذا القيد ، اضافة إلى إطلاق الدليل كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : وذلك لإطلاق الدليل وعدم الدليل على التقييد(3)، فيكون الحكم نافذاً ولو لم يكن في مجلس الحكم .

(1) قد يقال بعدم إمكان ترتب الأثر لإنّه هو الذي أوجب الضرر على نفسه ، فلا تشمله قاعدة نفي الضرر ، ولكن الحق كما قال الاستاذ الاعظم(قدس سره) : إن الحالف لم يقدم على الضرر والضرر إنما نشأ من الزام الشارع بعدم الحلف والمفروض إنه منفي بقاعدة نفي الضرر(4)، فيمكنه الحلف بعد انحلال اليمين السابق ، وهكذا في النذور بلا محذور فيحلف لإثبات حقه لأن عدم الحلف موجب للضرر وهو مرفوع بقاعدة لا ضرر .

ص: 105


1- السرائر / 2 / 186 .
2- الجواهر/40 / 241.
3- المباني / 34 .
4- المباني /1/34.

المسألة 31 : إذا أدّعى شخص مالاً على ميت ، فإن أدّعى علم الوارث به والوارث ينكره فله احلافه بعدم العلم ، وإلا فلا يتوجه الحلف على الوارث(1) .

----------------------------------------

(1) أمّا جواز احلاف الوارث لإنّه منكرفتشمله قاعدة البينة «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه»(1).

ولكن اليمين إنما يتوجه إليه في صورة ما إذا أدعى المدعي علم الوارث بذلك ، قال المحقق الأشتياني : الثامن هل يكفي اليمين على نفي العلم في الدعوى على فعل الغير إذا كان المنكر مجيباً بالنفي واقعاً عالماً به كما أجاب بنفي العلم أو لا يكتفي منه بذلك بل وظيفته حينئذٍ اليمين على البت وجهان ؟ ظاهر الأصحاب بل صريح جماعة منهم الشيخ والعلامة والشهيدان والمحققان قدس الله ارواحهم هو الأول حسب ما عرفت من إن الوظيفة عندهم في اليمين على نفي فعل الغير هي اليمين على نفي العلم من جهةتعذر الحلف على البت فيه نوعاً ، فقد جعل الشارع في الدعوى على فعل الغير اليمين الفاصلة هي اليمين على نفي العلم توسعاً على المدعى عليه(2).

ولكن قول الشيخ بجواز حلف الوارث على نفي العلم مع عدم ادعاء المدعى عليه غير تام ، لإن الاستحلاف إنما يكون بعد توجه ادعاء المدعي وإلا فلا يجب للوارث الحلف لإنّه يكون أجنبياً ، ولذا قال المحقق : لم تتوجه اليمين ما لم يدعِّ عليه العلم فيكفيه الحلف أنّه لا يعلم(3).

ص: 106


1- الوسائل باب 3 من ابواب كيفية الحكم ح5.
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 201.
3- شرائع الإسلام / 4 / 89 .

المسألة 32 : لو علم أن لزيد حقاً على شخص وادعى علم الورثة بموته وإنه ترك مالاً عندهم ، فإن اعترف الورثة بذلك ألزمهم الوفاء وإلا فعليهم الحلف(1)، أمّا على نفي العلم بالموت أو نفي وجود مال للميت عندهم(2).

----------------------------------------

ويظهر من هذه العبارة إن شرط الاستحلاف هو دعوى علمه به فحينئذٍ حينما يدعي الحق على الميت فإن كان له بينة فيثبت حقه ، وإلا فإن ادعى علم الوارث به فلابد من استحلافهم ، فإن حلفوا على نفي العلم تنفصل الخصومة والنزاع ، وإلا لم يحلف الوارث لإنه يكون على فعل الغير بعد إن كان الحلف على نفي العلم يسد الطريق على المدعي ، فلا يتمكن حينئذٍ من أن يلزمالوارث على دفع ما يدعيه أنّه حقه .

(1) لإنّه بعد إقرار الورثة لا يثبت الحق إذا لم يكن للميت مال .

(2) لا يخفى بعد ما علم أنّه لا يجب للوارث أداء دين المورث إلا من أمواله التي تركها بعد الموت ، فإن اعترف الورثة فيثبت الحق وإلا لابد من اليمين ، وقال المحقق : لا يتوجه اليمين على الوارث ما لم يدعِّ عليه العلم بموت المورث ، والعلم بالحق وإنه ترك في يده مالاً(1).

وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده بين من تعرض لذلك من المصنف ومن تأخر عنه(2)، فلابد من وجود هذه الأمور الثلاثة ومتى انتفى أحد هذه الأمور الثلاثة فلم تتوجه عليه الدعوىولا يميناً بعد ما عرفت ، بإن ثبوت الحق على الميت إنما هو مشروط بثبوت هذه الثلاثة ، فلو ادعي عليه أي على الوارث العلم بموته أو بالحق على الميت يكفي أن يحلف الوارث بعدم العلم لإن الدعوى

ص: 107


1- شرائع الإسلام / 4 /90.
2- الجواهر / 40 /250 .

المسألة 33 : إذا ادعى شخص على مملوك فالغريم مولاه ولا أثر لإقرار المملوك في ثبوت الدعوى بلا فرق في ذلك بين دعوى المال والجناية(1) .

----------------------------------------

لا تكون راجعة إليه .

نعم بالنسبة إلى الأمر الثالث المال بيد الوارث فلا يكفي الحلف بعدم العلم بل لابد أن يحلفعلى عدم الوجود لا نفي العلم ، لإن الدعوى تكون متوجهة بأمر راجع إليه ، ولذا قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : فإن ثبوت الحق المدعى يتوقف على أمرين : علم الوارث بالموت ووجود مال للميت عنده فإذا احلف الورثة على نفي العلم بالموت أو نفي مال له عندهم لم يثبت له حق(1).

(1) قال المحقق : إذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه ويستوي في ذلك دعوى المال والجناية(2)، ونسب ذلك إلى القواعد بقوله : إذا ادعى على المملوك فالغريم مولاه سواء كانت الدعوى مالاً أو جناية والاقرب عندي توجهاليمين عليه ، فإن نكل رُدّت على المدعي وتثبت الدعوى في ذمة العبد يتبع بها بعد العتق(3)، وفي الارشاد : ولو ادعى على المملوك فالغريم مولاه على المال والجناية ، يعني إذا ادعى شخص استحق على مملوك مالاً أو جناية موجبة لمال أو قصاص طرف أو نفس فالخصم المدعى عليه هو مولى ذلك المملوك بمعنى إنه لو أقرّ المملوك بذلك لا يسمع ولا يترتب عليه أثر ، بل إنما يترتب الاثر على إقرار مولاه ، فيؤخذ بإقراره المال المدعى على المملوك اصالة أو بواسطة الجناية خطاء(4)،

والدروس بقوله:

ص: 108


1- المباني / 1 /35 .
2- شرائع الإسلام / 4 /90.
3- القواعد / 3 / 445 .
4- مجمع الفائدة والبرهان /12 /196.

نعم إذا كانت الدعوى اجنبية عن المولى كما إذا ادعى على العبد إتلاف مال واعترف العبد به ثبت ذلك ويتبع به بعد العتق(1) .

----------------------------------------

ولو ادعى على العبد فالغريم المولى وإن كانت الدعوى بمال ، ولو إقرّ العبد تبع به ولو كان بجناية وأقر العبد بذلك(1)، لإن المدعى عليه في الحقيقة هو المولى لإنه عبد مملوك لا يقدر على شيء .

ولكن هذا الكلام على الاطلاق غير تام ، ففي الموارد التي ترجع الدعوى إلى بدنه أو ما في يده بما أن كلاهما يكونان للمولى ، ففي الحقيقة المدعى عليه هو المولى فيكون العبرة بإقراره لاإقرار العبد .

(1) أمّا إذا كانت الدعوى عليه وليس للمولى دخل في ذلك ، بل إذا ثبت عليه يتبع به بعد العتق ، كما إذا جنى جناية وقلنا بإن الدية تكون على العبد نفسه ويتبع بها بعد العتق لا على المولى ، وفي هذه الحالة العبرة بإقراره لا إقرار المولى .

أمّا إذا كان هناك مدعٍ في المال الذي بيد العبد إنّه له ، كان المدعى عليه هو المولى ، فإن أقرّ به دفعه إليه ولو أنكر العبد ، وإن أنكره حلف هو لا العبد وبقي المال له ، وإن أنكره العبد فإقرار العبد وأنكاره لا شيء ، والعبرة بإقرار المولى وأنكاره إذا كان المدعى به المال ، كما لوادعى على العبد إنه جنى خطأ حيث يستحق المجني عليه استرقاقه أو فكه ، وبما أن العبد ملك للمولى كان المدعى عليه هو المولى ، بعد إن كان العبد مالاً للمولى فتتعلق الدعوى بمال المولى فإن أقرّ بذلك دفعه إليه أو اعطي الفدية ، وإن أنكر يجب عليه الحلف ، فإن حلف سقطت الدعوى باستحقاق العبد وإن أقرّ العبد بذلك كما مرّ .

ص: 109


1- الدروس /2 /103.

وبذلك يظهر حكم ما إذا كانت الدعوى مشتركة بين العبد ومولاه كما إذا أدعى على العبد القتل عمداً أو خطأ واعترف العبد به فإنه لا أثر له بالنسبة إلى المولى ولكنه يتبع به بعد العتق(1) .

----------------------------------------

(1) وأمّا إذا كانت الدعوى مشتركة بين العبد ومولاه ، كما إذا كانت الجناية توجب قتله ، فهل المنكر هو المولى ويعتبر إقراره أو إنكاره لإنّه هو الغريم أو العبد فيعتبر إقراره أو إنكاره ؟ وجهان فإن قلنا اعتبار إقرار المولى وإنكاره فلا يمكن للمولى أن يقرّ بالجناية لأنه وإن ملك نفس العبد ولكن لا يملك جنايته ، والقاعدة الواردة من ملك شيئاً ملك الإقرار به(1) فلا تجري هنا.أمّا لو قلنا الاعتبار بإقرار العبد وإنكاره ، فإن إقرار العبد موجب للضرر على المولى لتلف ماله وهو نفس العبد .

فإن قلت : يشمله دليل إقرار العقلاء على أنفسهم جائز .

قلنا : إن هذه القاعدة إنما تجري فيما إذا لم يستلزم ضرر على الغير فالقاعدة لا تجري على إطلاقها ، ويمكن أن يقال وإن كانت الجناية عمداً وموجبة لإستحقاق استرقاق العبد ، وقلنا بالتخيير بين الاسترقاق ، وبين القصاص فالخصم المولى أيضاً ، قلنا لو أقّر به دفع المولى العبد للاسترقاق ولو أنكر وحلف سقطت الدعوى ، وبإقراره لا يثبت القصاص بعد إن كان المولى لا يملك إزهاق النفس ، فإقراره لا يفيد ، لذا لو نكَّل بالعبدفنكوله يكون سبباً في عتقه ، نعم لو أقرا معاً يستحق العبد القصاص لإن الحق منحصر بهما .

ولكن نسب إلى المبسوط حسب ما ذكره صاحب المسالك : إذا كان على العبد حق فإنّه ينظر فإن كان حقاً يتعلق ببدنه كالقصاص وغيره فالحكم فيه مع العبد دون السيد ، فإن أقرّ به لزمه عند المخالف ، وعندنا لا يقبل إقراره ولا

ص: 110


1- القواعد الفقهية للأستاذ المحقق البجنوردي /1 /5.

المسألة 34 : لا تثبت الدعوى في الحدود إلا بالبينة أو الإقرار ولا يتوجه اليمين فيها على المنكر(1) .

----------------------------------------

يقتص منه ما دام مملوكاً ، فإن اعتق لزمه ذلك ، فإما إن أنكر فالقول قوله ، فإن حلف سقطتالدعوى وإن نكّل رُدّت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم بالحق وإن كان حقاً يتعلق بمال كجناية الخطأ وغير ذلك فالخصم فيه السيد ، فإن أقرّ به لزمه وإن أنكر فالقول قوله فإن حلف سقطت الدعوى وإن نكل رُدّت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له بالحق(1).

فعلى أيّ حال إقرار المولى وحده الذي يسبب القتل غير مفيد لعدم تسلطه على النفس ، وإقرار العبد أيضاً وحده غير مفيد ، للضرر على المولى نعم لو أقرا معاً ثبت الحق والقصاص فتأمل .

(1) خلافاً لما في المبسوط ومن هذه الحقوق حق الآدمي ، فإنّه يسمع الدعوى فيهويستحلف عليه مثل أن يقذف رجلاً بالزنا فيلزمه الحد وإنما يسقط بتحقيق زنا المقذوف ، فإن ادعى عليه إنه زنا لزمه الاجابة عن دعواه ويستحلف على ذلك، فإن حلف سقطت الدعوى ويلزم القاذف الحد(2).

وقال في الجواهر : بأن قال له يا زاني ثم لما اريد قيام حد القذف عليه ادعى الزنا على المقذوف ولكن لا بينة له على ذلك ، جاز أن يحلف المقذوف على عدم الزنا ليثبت الحد على القاذف(3).

وأمّا اجازته بالحلف لثبوت الحد أولاً لذا قال جاز أن يحلف فيثبت الحد على القاذف ، وفيهإشكال واضح ، إذ لا يمين في حد ، ففي حق الله لا يُثبت اليمين

ص: 111


1- المسالك / 13 / 494 .
2- المبسوط / 5 / 578 .
3- الجواهر/40/257.

المسألة 35 : يُحلّف المنكر للسرقة مع عدم البينة ، فإن حلف سقط عنه الغرم(1)، ولو أقام المدعي شاهداً وحلف غرم المنكر ،

----------------------------------------

الحد ، حتى ولو كان مشتركاً بين حق الله وحق الناس ، وذلك كالقذف للنصوص الواردة في الحق المشترك .

منها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في حديثقال : «لا يُستحلف صاحب الحد»(1).

ومنها : معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیهما السلام) «إن رجلاً استعدى علياً (علیه السلام) عن رجل فقال : إنه افترى عليّ ، فقال : علي (علیه السلام) للرجل فعلت ما فعلت ، فقال : لا ثم ، قال علي (علیه السلام) للمستعدي ألك بينة ؟ قال : فقال مالي بينة، فأحلفه ليّ ، قال علي (علیه السلام) ما عليه يمين»(2).

ومنها : رواية محمد بن أبي منصور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أتى رجل أمير المؤمنين برجل ، فقال هذا قذفني ولم تكن له بينة ، فقال : يا أمير المؤمنين استحلفه، فقال : لا يمين في حد ولا قصاص في عظم»(3)، فمن هذا يتبين إنه لا تثبت الدعوى في الحدود بالحلف .

(1) الحق حقان ، الأول حق الله تعالى وهو الحد ، والثاني وهو حق الناس ، ولا ربط لثبوت أحدهما بالآخر إثباتاً ونفياً ، حيث لا ملازمة بينهما فيمكن إثبات أحدهما دون الآخر ، فمنكر السرقة يتوجه عليه اليمين لإسقاط الغرم ، ولو نكّل لزمه المال دون القطع بناءً على القضاء بالنكول وهو الأظهر وإلا حلف المدعي ولا يثبت الحد على القولين ، وكذا لو اقام شاهد وحلف(4).

ص: 112


1- الوسائل باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح2.
2- الوسائل باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- الوسائل باب 24 من أبواب مقدمات الحدود ح1.
4- شرائع الإسلام /4/91.

وأمّا الحد فلا يثبت إلا بالبينة أو الإقرار ولا يسقط بالحلف ، فإذا قامت البينة بعد الحلفجرى عليه الحد(1).

المسألة 36 : إذا كان على الميت دين ، وادعى الدائن أن له في ذمة شخص آخر ديناً ، فإن كان الدين مستغرقاً رجع الدائن إلى المدعى عليه وطالبه بالدين ، فإن اقام البينة على ذلك فهو ، وإلا حلف المدعى عليه وإن لم يكن مستغرقاً(2).

----------------------------------------

(1) أمّا بالنسبة إلى الحد فلا يثبت بالشاهد الواحد ولا بالحلف ، بل بالبينة والإقرار ، وسيأتي في محله ، ولذا لو حلف المنكر سقط حق المدعي أمّا لو أتى المدعي بعد ذلك بالبينة ولو بعد الحلف جرى عليه الحد لعدم ارتباط أحدهما- أي الحق والحد - بالآخر .

(2) إذا كان الدين مستغرقاً لم يبق موضوع للإرث ، قال المحقق : لو مات وعليه دين يحيط بالتركة لم ينتقل إلى الوارث ، وكانت في حكم مال الميت وإن لم يحط انتقل إليه ما فضل عن الدين ، وفي الحالين للوارث المحاكمة على ما يدعيه لمورثه ، لإنّه قائم مقامه(1).

وقال صاحب الجواهر : وفي الحلف دون الغريم وإن تعلق به حقه وحينئذٍ فلو أقام شاهداً حلف هو معه دون الديان(2).

ونسب إلى العلامة الحلي : ولو أحاط الدين بالتركة ، فالمحاكمة إلى الوارث فيما يدعيهللميت(3).

ص: 113


1- شرائع الإسلام / 4 / 92 .
2- الجواهر /40 / 267 .
3- رشاد الاذهان/2 /144.

..........................

ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في النماء ، فلو قلنا بالانتقال فينتقل إلى الوارث ولا يتعلق به حق الغرماء أصلاً ، وأن قلنا بعدم الانتقال يتعلق به حق الغرماء كما يتعلق بأصله .

والحق إنه لم ينتقل بل هو بحكم مال الميت وإن لم يحط انتقل إليه ما فضل عن الدين ، وذلك لقوله تعالى : «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ»(1) فلو استوعب الدين واحاط بالتركة يصبح الوارث أجنبياً ، والدين الذي يطلبه الميت يكونبمنزلة مال الميت فينتقل إلى الدائن ، لو ثبت ذلك الدين على الميت إذاً في صورة الاستغراق يكون المطالب بالدين هو المدعي فيطالب المدعى عليه بذلك ، فإن أقام البينة ثبت حقه على المدعى عليه وطالبه بالدين ، وإن لم يكن له بينة حلف المدعى عليه وسقط حق المدعي .

وأمّا إذا لم يكن الدين مستغرقاً ، فإذا فرض أن هناك مالاً للميت غير المال المدعى به للميت الذي في ذمة الغير ، فبما إن المال ينتقل إلى الورثة والمطالب هم الورثة فيرجع الدائن إليهم لاستلام حقه منهم .

ص: 114


1- سورة النساء الآية / 12 .

فإن كان عند الورثة مال للميت غير المال المدعى به في ذمة غيره رجع الدائن إلى الورثة وطالبهم بالدين ، وإن لم يكن له مال عندهم فتارة يدعي الورثة عدم العلم بالدين للميت على ذمة آخر ، وأخرى يعترفون به ، فعلى الأول يرجع الدائن إلى المدعى عليه ، فإن أقام البينة على ذلك فهو وإلا حلف المدعى عليه ، وعلى الثاني يرجع إلى الورثة وهم يرجعون إلى المدعى عليه و يطالبونه بدين الميت ، فإن أقاموا البينة على ذلك حكم بها لهم وإلا فعلى المدعى عليه الحلف ، نعم لو أمتنع الورثة من الرجوع إليه فللدائن أن يرجع إليه ويطالبه بالدين على ما عرفت(1) .

----------------------------------------

(1) إذا لم يكن للميت مال عند الورثة ، فتارة لا يعترف الورثة إن في ذمة الميت مال ، فلا يرجع المدعي إلى الورثة لعدم اعترافهم بإن للميت مال للغير ، فالدائن يرجع إلى ذلك الغير ويطالب بالمال الذي للميت بذمة الغير فيطالب ذلك الغير بأداء ما عليه ، وتارة أخرى يعترفون فيرجع المدعي إلى الورثة بعد إن ثبت المال .

فنقول : ينتقل إلى الورثة ويكون بنحو ملك الغير المستقر لإن استقرار الملك يكون بعد الوصية والدين والمطالب يكون هم الورثة ، فإن اقاموا البينة على ذلك حكم لهم ، وإلا لو حلف المدعى عليه يسقط الحق .

أمّا لو أمتنع الورثة من المطالبة فالدائن هويرجع إلى الغير ويطالبه بالدين بعد ما لم يكن للدائن اجبار الورثة بالمطالبة فله حينئذٍ استيفاء حقه من الميت والمال المديون هو للميت ، فالدائن عندما يطالب بالدين الذي على الغير فهو يطلب حقه من ذلك المال .

ص: 115

حكم اليمين مع الشاهد الواحد

المسألة 37 : تثبت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي والمشهور على أنّه يعتبر في ذلك تقديم الشهادة على اليمين(1).

----------------------------------------

(1) سواء كان شهادة العدل الواحد واليمين تثبتا الدعوى في حق الناس ديناً كان أم غيره ، أو تثبتا بهما مطلق الحق كان للناس أو لله سبحانه .

أمّا الأخير فلم يرد بذلك دليل بل جاء الدليل على العكس كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : لو كان الأمر إلينااجزنا شهادة الرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس ، فأمّا ما كان من حقوق الله عز وجل أو رؤية الهلال فلا»(1)فيظهر من هذه الرواية أمران :

الأول : عدم ثبوت حق الله بشاهد ويمين .

الثاني : ثبوته لمطلق حق الناس ، ووردت روايات يثبت بهما مطلق حقوق الناس .

منها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(2).

ومنها : رواية حماد بن عثمان «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : كان علي(علیه السلام) يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي»(3).

ص: 116


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح12.
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح3 .

..........................

ومنها : حسنة حماد بن عيسى «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : حدثني أبي (علیه السلام) إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قضى بشاهد ويمين»(1).

ومنها : صحيح أبي بصير «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال : فقال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضيبشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين»(2)،

وغيرها من الروايات ، لا يخفى أنه وإن ورد في الحديث إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قضى باليمين مع الشاهد الواحد(3)، إلا أن في بعض الموارد كموردنا هذا الذي خرج بالتخصيص للأدلة المعتبرة ، فيظهر من الرواية أنه يثبت بهما مطلق الحق لا أنه مختص بالديون ، نعم حق الله لا يثبت إلا بهما أي بشاهدين .

ص: 117


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح4 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح5 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح15- ح18.

فلو عكس لم تثبت(1)، وفيه إشكال وإن كان لا يخلو من وجه، هذا كله في الدعوى على غير الميت، وأمّا الدعوى عليه فقد تقدم الكلام فيها.

----------------------------------------

(1) هل لابد من تقديم الشهادة على اليمين أم يكفي العكس ؟ قد يقال لابد من تقديم الشهادة لأنّها القدر المتيقن في نفوذ الحكم ، وأمّا إذا تقدم اليمين على الشهادة فالأصل عدم النفوذ ، ونسب إلى الشيخ : عندنا يجوز القضاء بالشاهد الواحد مع يمين المدعي ، وبه قال جماعة ، واباه آخرون وقال بعضهم الترتيب ليس شرطاً ، بل هو بالخيار إن شاء حلف قبل شاهده وإن شاء بعده ، كالشاهدين من شاء شهد قبل صاحبه ، والصحيحأنه على الترتيب يشهد له شاهده ثم يحلف(1).

وقال المحقق : يشترط شهادة الشاهد أولاً وثبوت عدالته ثم اليمين ولو بدأ باليمين وقعت لاغية وافتقر إلى اعادتها بعد الإقامة ويثبت الحكم بذلك(2).

لكن الإنصاف عدم الدليل الواضح على تقديم الشهادة على اليمين غير أصالة عدم ثبوت الحق بدون ذلك بعد الشك في أرادة غيره من الإطلاق قلنا يكفي في ثبوت الحق وعدم وجوب التقديم إطلاق الروايات ولم يرد لابدية تقديم الشهادة ، نعم التقديم اللفظي الذي لا يقتضي تقديم الشهادة عند المحاكمة ، وهي لا تكون لها صلاحية القرينةحتى لا يمكن التمسك بالإطلاق ، فالروايات تثبت بأنّه يكفي في إثبات الدعوى الشاهد واليمين .

أمّا كيفية تقديم أحدهما على الآخر فلم يرد في الرواية ، فلو قدم اليمين على الشهادة

أيضاً كافٍ ، ولكن بما أن المشهور عندهم تقديم الشهادة على اليمين ، بل ادعى في الجواهر عدم الخلاف ، وفي كشف اللثام نسبه إلى قطع الأصحاب(3) فالاحتياط لا يترك.

ص: 118


1- المبسوط /5/ 550.
2- شرائع الإسلام / 4 / 92 .
3- الجواهر /40 /270.

المسألة 38 : الظاهر ثبوت المال المدعى به بهما مطلقاً ، عيناً كان أو ديناً وأمّا ثبوت غير المال من الحقوق الآخر بهما ففيه إشكال والثبوت أقرب(1).

----------------------------------------

(1) في المسألة ثلاثة أقوال .

الأول : اختصاصهما بالدين .

الثاني : يثبت بهما مطلق ما كان مالاً أو ديناً .

الثالث : ما يثبت بهما مطلق الحقوق ولو لم يكن مالاً ، أي حقوق الناس أمّا حقوق الله ، فقد مرّ أنّه لا يثبت بهما ولو كان هناك دعوا فيها حقوق الناس وحقوق الله ، يثبت بهما الأول دون الثاني ، والمشهور على الثاني وادعي عليه الإجماع .أمّا القول الأول نسب إلى جماعة من القدماء ففي الغنية دعوى الإجماع عليه(1).

وأمّا القول الثالث وهو مطلق حقوق الناس ولو لم يكن مالاً فسيأتي بيانه .

فعلى الأول قد وردت به الروايات الدالة على الاختصاص بالدين كمعتبرة أبي بصير ، «قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يكون له عند الرجل الحق وله شاهد واحد ، قال ، فقال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق وذلك في الدين»(2).

ومنها : معتبرة حماد بن عثمان عن أبي عبدالله (علیه السلام) إلى أن يقول «كان علي يجيز في الدين شهادة رجل ويمين المدعي»(3) .

ص: 119


1- الغنية / 1/ 442 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح5 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح3 .

..........................

ومنها : معتبرة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم يجز في الهلال إلا شاهدي عدل»(1)وغيرها

من الروايات .

وأمّا مطلق الحقوق وهو القول الثالث لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال لو كان الأمر إلينا اجزنا بشهادةالرجل الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(2).

ومنها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قضى بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(3).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(4).

ومنها : ما رواه أبو مريم في الصحيح عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : أجاز رسول الله(علیه السلام) شهادة شاهد مع يمين طالب الحق إذا حلف أنّه الحق»(5) وغيرها من الروايات ولم ترد رواية تدل على القول الثاني .

بقي القول الأول والثالث فهل هناك معارضة بينهما حتى يحمل المطلق على المقيد ، قال في الجواهر : نعم قد يقال إن حمل المطلق على المقيد إنما يصح بعد فرض التقييد وعدم قوة المطلق من حيث كونه مطلقاً وهما معاً ممنوعان لإمكان عدم أرادة التقييد في النصوص السابقة ، ضرورة أن القضاء بهما في الدين أو جوازه

ص: 120


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح12 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح8 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح9 .

المسألة 39 : إذا أدعى جماعة مالاً لمورثهم ، وأقاموا شاهداً واحداً فإن حلفوا جميعاً قسمالمال بينهم بالنسبة وإن حلف بعضهم وأمتنع الآخرون ، ثبت حق الحالف دون الممتنع ، فإن كان المدعى به ديناً أخذ الحالف حصته ولا يشاركه فيها غيره وإن كان عيناً شاركه فيها غيره وكذلك الحال في دعوى الوصية بالمال لجماعة ، فإنّهم إذا أقاموا شاهداً واحداً ثبت حق الحالف منهم دون الممتنع(1) .

----------------------------------------

لا يقتضي عدم القضاء ولا عدم جوازه بغيره(1).

فلا يحمل المطلق على المقيد إلا في صورة المعارضة والروايات المذكورة في الدين حاكية عن حكم رسول الله (علیه السلام) وليس فيها أي مفهوم ، أو وردت في موارد خاصة تدل على أنالحكم في الدين بشاهد ويمين ، ولا تدل على أنّهما مختصان بالدين مع إن صحيحة محمد بن مسلم صريحة في ثبوت حقوق الناس بهما ، إذاً يصح القول بثبوت الدين وحقوق الناس .

(1) قال المحقق : ولا يثبت دعوى الجماعة مع الشاهد إلا مع حلف كل واحد منهم ولو أمتنع البعض ثبت نصيب من حلف دون الممتنع(2)،

وفي الجواهر : لإنّها تنحل إلى دعاوى متعددة وإن كانت هي واحدة بالظاهر(3).

أمّا ثبوت حق الحالف بعد حلفه لإن مقتضى الأدلة التي ذكرناها هي ثبوت الحق في الدعوى المالية تثبت بشاهد ويمين ، وبما إن الدعوىبمنزلة الدعاوى المتعددة فبعد قيام الشاهد ثبت حق كل من حلف ، ومن أمتنع لم يثبت حقه ، فإن

ص: 121


1- الجواهر/ 40 / 273 .
2- شرائع الإسلام /4/ 93.
3- الجواهر/40 / 279.

..........................

مجرد وجود الشاهد لا يثبت الدعوى إلا مع ضم اليمين إليه وبما إنّها بمنزلة الدعاوى المتعددة فيمين واحد لا يكفي في ثبوت حصة الجميع فلو كان المدعى به ديناً أخذ المدعي الحالف حقه ولا يشاركه أحد ، لإن الدين يكون على النحو الكلي في الذمة ، فكل واحد من الورثة يستحق مقداراً منه .

أمّا لو كان عيناً بما أنّه شيء واحد فما يأخذهالحالف هو مال مشترك بينه وبين غيره بمقتضى إقراره فعليه إعطاء حصة الآخرين وله بعد إثبات حصته على نحو الشركة ليس له أن يبيعه لكي لا يشارك مع غيره .

قال المحقق : ولو ادعى الجماعة مالاً لمورثهم ، وحلفوا مع شاهدهم تثبت الدعوى وقسم بينهم على الفريضة(1)، وهو مقتضى القاعدة فيما إذا كان المدعى به ديناً ، وأمّا لو كان عيناً فيكون الممتنع منهم شريكاً معهم فيما أخذه لإن المال يكون مشتركاً بينهم ، وعليه فلا تصح إقامة الشهادة ، وكذا الحلف من أحدهم موجباً للقسمة وكذا استيفاء المدعي نصيبه من المال لا يوجب القسمة ، فلا يجوز له حينئذٍ التصرف في الجميع.

ص: 122


1- شرائع الإسلام /4 / 93.

المسألة 40 : لو كان بين الجماعة المدعين مال لمورثهم صغير فالمشهور أنه ليس لوليه الحلف لإثبات حقه ، بل تبقى حصته إلى أن يبلغ(1)، وفيه اشكال والاقرب أن لوليه الحلف فإن لم يحلف ومات الصبي قبل بلوغه قام وارثه مقامه ، فإن حلف فهو وإلا فلا حق له(2).

----------------------------------------

(1) فإنّه لم يحلف وليه لكون المال لغيره(1)،

ولذا قال المحقق : أيضاً لو كان في الجملة مولى عليه يوقف نصيبه فإن كمل ورشد حلف واستحق ، وإن أمتنع لم يحكم له(2)، فما ذكره استاذنا الاعظم(قدس سره) بإن جملة من الروايات مطلقةوهي تدل على ثبوت المدعى به بشاهد واحد ويمين المدعي ولا موجب لتقييدها ، بإن يكون المدعي صاحب الحق لعدم ثبوت المفهوم في الروايات(3).

وفيه إن الروايات منصرفة عن غير صاحب الحق مضافاً إلى أن المسألة غير خلافية ولم يرد دليل على قيام حلف المولى مقام حلف صاحب الحق أو صاحب الدين فحلفه غير مفيد .

(2) قال المحقق : وإن مات قبل ذلك كان لوارثه الحلف واستيفاء نصيبه فإن حلف اخذ حقه وإلا فلا حق له ، ويكفي الشاهد الأول ولا يحتاج إلى اعادة الشهادة لإطلاق الادلة ولإنها دعوى واحدة لا دعوى متجددة بالفعل وإن لم يحلفوا فلاحق لهم .

ص: 123


1- الجواهر/40 /288.
2- شرائع الإسلام /4/ 93.
3- المباني /1 /44 .

المسألة 41 : إذا ادعى بعض الورثة إن الميت قد أوقف عليهم داره مثلاً نسلاً بعد نسل وأنكره الآخرون ، فإن أقام المدعون البينة ثبتت الوقفية ، وكذلك إذا كان لهم شاهد واحد وحلفوا جميعاً(1)، وإن أمتنع الجميع لم تثبت الوقفية وقسم المدعى به بين الورثة بعد اخراج الديون والوصايا إن كان على الميت دين أو كانت له وصية وبعد ذلك يحكم بوقفية حصة المدعي للوقفية اخذاً بإقراره(2) .

ولو

حلف بعض المدعين دون بعض ثبتت الوقفية في حصة الحالف، فلو كانت للميت وصية أو كان عليه دين اخرج من الباقي ثم قسم بين سائر الورثة(3) .

----------------------------------------

(1) حتى وإن ادعى جماعة آخرون غير الورثة ، فإن أتوا بالبينة تثبت الوقفية وكذا لو أتوا بشاهد واحد وحلفوا جميعاً تثبت الوقفية أي لا فرق بين من يدعي وقفية الدار أن يكون وارثاً أو أجنبياً وبعد الحلف يقضى لهم بالوقفية وتصبح تلك الدار خارجة عن التركة للميت فلا يتعلق بها دين إن فرض استيعابه ولا الوصية ، كما إنّه لا تقسم بين الورثة غير المدعين للوقفية .

(2) وأمّا مع امتناعهم أجمع تبقى الدار ميراثاً تقسم بين بقية الورثة حسب ما يستحقون من حصصهم بعد إخراج الدين والوصية ، وأمّا حصة المدعين للوقفية تبقى على وقفيتها لإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز .

(3) أمّا لو حلف بعض الورثة يبقى نصيبهوقفاً ، وأمّا الباقي يبقى ميراثاً فبعد أداء دينه إذا كان عليه دين أو أداء ما أوصى به إن كان له وصية فيقسم الباقي بين سائر الورثة ، يقول المحقق : لو ادعى بعض الورثة إن الميت وقف عليهم داراً وعلى نسلهم ، فإن حلف المدعون مع شاهدهم قضي لهم وإن امتنعوا حكم بها ميراثاً إلى أن قال وما يحصل من الفاضل للمدعين يكون وقفاً(1).

ص: 124


1- شرائع الإسلام /4 /93.

المسألة 42 : إذا أمتنع بعض الورثة عن الحلف ثم مات قبل حكم الحاكم قام وارثه مقامه ، فإن حلف ثبت الوقف في حصته وإلا فلا(1).

----------------------------------------

(1) لإن امتناع الورثة عن الحلف لا يمنع الطبقة التي تأتي بعدهم عن الحلف ، بل لهم أن يحلفوا وتثبت الوقفية في حصتهم ، وإذا كان فيهم أناثاً وحلفن يستحقن من الوقفية بالسوية مع الذكور ، وإذا امتنعن فيأخذن بمقدار حقهن من الإرث أي نصف الذكر ، قال المحقق : ولو انقرض الممتنع كان للبطن التي تأخذ بعده الحلف مع الشاهد ولا يبطل حقهم بامتناع الأول(1).

وقال صاحب المسالك : ثم إذا انقرضالمدعون معاً أو على التعاقب فهل يأخذ البطن الثاني الدار بغير يمين أم يتوقف حقهم على اليمين ؟ فيه وجهان مبنيان على أن البطن الثاني يتلقون الوقف من البطن الأول أو من الواقف ، فإن قلنا بالأول وهو الأشهر فلا حاجة إلى اليمين ... إلى أن يقول وإن قلنا بالثاني لم يأخذ إلا باليمين كالبطن الأول(2)،

ولا منافاة بين امتناع الأول وثبوت الحق لورثتهم لذا لو حلف البطن التي تلي كافٍ لهم أخذ حقهم بعد الحلف مع الشاهد .

ص: 125


1- شرائع الإسلام /4 /94.
2- المسالك /13 /522.

فصل في القسمة

المسألة 43 : تجري القسمة في الأعيان المشتركة المتساوية الأجزاء وللشريك أن يطالب شريكه بقسمة العين ، فإن أمتنع أُجبر عليها(1) .

----------------------------------------

(1) يقع الكلام أولاً في مشروعية القسمة .

لا يخفى بإنّها ثابتة في الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل .

أمّا الكتاب قوله تعالى : «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْمِنْهُ»(1)، أي إذا حضر القسمة هذه الأصناف التي ذكرتها الآية فشهدوا عند تقسيم التركة وتمييز الحصص بعضها من بعض بالقسمة ، فالآية تدل صريحاً على جواز القسمة .

وقد استدلوا بالجواز وتشريع القسمة بآيةٍ أخرى وهي قوله تعالى : «وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ»(2) .

ولكن الحق إن الماء للجميع لا أنّه كان مشتركاً فأمر الله تعالى بجعل ذلك يوم للناقة ويوماً لهم ، فمعنى الآية أي أخبرهم إن الماء للجميع بينهم وبين الناقة «كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ» أي كل يوم خاص لأهله فلا يحق لهم ورود اليومالذي مختص بالناقة ، فالآية أجنبية عن القسمة التي هي محل الكلام ، لإن القسمة إنما تقع في الأموال المشتركة بين الشركاء ، وشرعت لإفراز حصصهم بعضها من بعض لحسم

ص: 126


1- سورة النساء الآية / 8 .
2- سورة القمر الآية / 28 .

..........................

مادة الخصومة .

وأمّا السنة وهي كما روي إنه كان لعلي (علیه السلام) قاسم يقال له عبدالله بن يحيى وكان رزقه من بيت المال(1)، وقسم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) خيبر ثمانية عشر سهماً «وقال (صلی الله علیه و آله وسلم) الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وعرفت الطرقفلا شفعة»(2)، وروي أيضاً إنّه (صلی الله علیه و آله وسلم) قسمها ستة وثلاثين سهماً(3).

يقول في المبسوط : لا تناقض فيه لإن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) فتح نصف خيبر عنوة ونصفها صلحاً فما فتحه عنوة فخمسه لأهل الخمس وأربعة أخماسه للغانمين عندهم وعندنا لجميع المسلمين وما فتحه صلحاً فعندنا هو لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) خاصة وعندهم هو فيء يكون لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) ينفق منه على نفسه وعياله ، وهذا مثل ما عندنا فمن روى قسمها على ثمانية عشر سهماً أراد ما فتحه عنوة ، ومن روى علىستة وثلاثين سهماً أراد الكل نصفها فيء وإن نصفها غنيمة(4).

وأمّا الإجماع فقد أدعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه بقوله : إجماعاً بقسميه بل ضرورة(5)، وقد عرفت حال هذه الإجماعات .

وأمّا العقل بما إن حفظ النظام احياناً يتوقف على القسمة لإنّه قد لا يرضى الشركاء أو يرضى بعضهم بالشركة ، وقد يكون بقاء الشركة موجباً للنزاع والتخاصم ، ولذا حكم العقل بتشريعها لأجل قطع مادة النزاع ، ومعنى التعيين والتمييز إن المال كان معيناً من الأول خاصة في الواقع ، بل يكون أعم ولو ظاهراً ،

ص: 127


1- المبسوط / 5 / 487 .
2- سنن ابي داود /3 /160 ح3015 .
3- سنن ابي داود /3 /159.
4- المبسوط /5 /487 .
5- الجواهر /40 /326.

..........................

فالتمييز يشير على هذا المعنى ، كما عبر المحقق بقوله : لإن القسمة هي تميز حق لا بيع(1)، كي يلحقها أحكامه إنّها ليست معاوضة وإنما هي تمييز حق استخرج بالقرعة حتى في قسمة الرد .

ومن ذلك يظهر لك المناقشة ما في المسالك وغيرها ، ونبه بقوله : يقسم كيلاً ووزناً ... لإن القسمة تمييز حق لا بيع على خلاف بعض العامة حيث زعم أنّها بيع مطلقاً(2)، وفي الجواهر : كي يلحقها أحكامه ...إنّها ليست معاوضة وإنما هي تمييز حق ، استخرج بالقرعة وحتى في قسمةالرد(3).

وقيل المناسب تعريفها : بإن يقال القسمة هي نقل سهم كل شريك من الحصة بيد شريكه بإزاء سهم شريكه من الحصة التي بيده فتأمل .

ثم إنه بعد القسمة يملك كل من أصحاب الحصص حصته مستقلاً ولا علاقة بين الحصتين ، فلكل واحد منهما أن يتصرف في حصته كيف شاء ولا اعتراض للآخر عليه ، بل احياناً هي جعل التعيين بعد إن لم يكن معيناً واقعاً لإن كل جزء من الأصل مشترك بين الشريكين ، ولم يكن نصيب كل واحد وحصته متميزاً في الواقع بل إنما يتميز بالقسمة ، فهي مميزة جعلية عرفية وقد امضاها الشارع ، فهي نظير القرعة فيما إذا قلنابإنها تشمل ما ليس هو معلوماً واقعاً أو ظاهراً ، فإنّها حينئذٍ تكون موجبة للتعيين ومحدثة له ، لا إنّها تكون كاشفة عن كون ما تعلقت به هو المعين واقعاً كما في صورة ما إذا كان معلوماً واقعاً ومشكلاً ظاهراً ، ومقامنا كالقرعة فلا واقع لها إلا بالإفراز .

ص: 128


1- شرائع الإسلام /2 /132.
2- المسالك /14 /31.
3- الجواهر /40 /337 .

المسألة 44 : تتصور القسمة في الأعيان المشتركة غير المتساوية الأجزاء على صور ، الأولى أن يتضرر الكل بها ، الثانية أن يتضرر البعض دون بعض ، الثالثة أن لا يتضرر الكل ، فعلى الأولى لا تجوز القسمة بالإجبار وتجوز بالتراضي ، وعلى الثانية فإن رضى المتضرر بالقسمة فهو ، وإلا فلا يجوز إجباره عليها ، وعلى الثالثة يجوز إجبار الممتنع عليها(1) .

----------------------------------------

وما قيل بإنّها أي القسمة بيع غير تامٍ ، لإنّه مع عدم الخلاف بإنّها ليست داخلة في البيع وكذا ليست من المعاوضة والمبادلة كما نسب إلى الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : علىخلاف بعض العامة حيث زعم إنّها بيع مطلقاً ومنهم مَنْ جعل قسمة الرد بيعاً دون غيرها ، ومنهم من جعل قسمة التراضي بيعاً دون غيرها ووافقنا جماعة على إنّها تمييز حق لا بيع مطلقاً(1).

وهل هناك ثمرة في إثبات إنّها بيعاً أو معاوضة مستقلة ، الظاهر ذلك لأنّه بناءً على كونها بيعاً يجري حكم الربا فيه .

وأمّا إذا كانت معاوضة مستقلة فيه قولان ، جريان الربا وعدمه .

وأمّا إذا كانت بمعنى تفريق الحق وتمييزه فلا يجري الربا كما هو الحق .

(1) لا يخفى بإن القسمة تارة تحصل بالمراضاة بين الطرفين وكلاهما طالبين، وأخرىإن كانا طالبين ، ولكن لم يحصل التراضي بأخذ الحصة ، فهنا لابد من القرعة بعد إن كانت لكل امر مشكل ، وقد ذكر المحقق الأشتياني قول الشهيدين : وقال في اللمعة في كتاب القضاء وإذا عدلت السهام واتفقا على اختصاص كل واحد لزم ، وإلا أُقرع ، قال في الروضة البهية في شرح عبارة اللمعة الدمشقية لزم من غير قرعة لصدق القسمة مع التراضي الموجب لتميز الحق ، ولا فرق بين قسمة

ص: 129


1- المسالك /14 /31.

..........................

الرد وغيرها ، وإلا يتفقا على الاختصاص أُقرع(1).

وأمّا إذا لم يكن الشريكان طالبين للقسمة بلأحدهما فتسمى بالقسمة الإجبارية ، وبعد إن كان المالك له السلطة على ماله لقاعدة الناس مسلطون على أموالهم ويرى أن البقاء على الشركة موجباً للخسارة أو أنّه لا يريد الشركة فله حق الإفراز وليس للطرف الآخر الأمتناع ، فإن أمتنع أجبره الحاكم أو وكيله وإن لم يمكن قسمه الحاكم والمسألة غير خلافية .

ولا يخفى إن المقسوم تارة يتصور متساوي الأجزاء كالحبوب والأدهان وأخرى غير متساوية الأجزاء ، أمّا من جهة القيمة أو من جهة الوصف .

أمّا الأولى في صورة الضرر للكل ، فلا يجوز القسمة بالإجبار لما ورد في نفي الضرر والضرار في الشريعة ، قد يقال بأنّه تعارضه قاعدة الناسمسلطون على أموالهم ، وذلك لحكومة دليل الضرر كما ذكر في محله .

وأمّا إذا ورد الضرر على الممتنع فلا إشكال في عدم جواز القسمة لحصول الضرر عليه .

وأمّا الصورة الثانية إذا ورد الضرر على الطالب ، فإنّه لا إشكال في جواز اجبار الممتنع على القسمة لعدم المانع هنا ، فتجري قاعدة الناس مسلطون على أموالهم .

إن قلت ءإذا توجب القسمة ضرر على الطالب فلا يجوز إجبار الممتنع لأنّه سفه .

قلت قد يكون إقدام الطالب لدفع الاضرار أو يقدم وهو العاقل الرشيد لغرض عقلائي آخر ، إذاً فلا يكون سفهاً .

ص: 130


1- كتاب القضاء للمحقق الاشتياني / 299.

..........................

وأمّا الثالثة يجوز إجبار الممتنع حيث لا ضرر عليه وهنا أيضاً تجري قاعدة الناس مسلطون على أموالهم ، ولابأس في التكلم في معنى الضرر المانع من القسمة إذ أن هناك اختلاف بين الفقهاء .

ذكر صاحب الجواهر قولاً للمحقق : وأمّا الثاني وهو المتفاوتة أجزاؤه فأمّا أن يستضر الكل بقسمته أو البعض أو لا يستضر أحدهم ، ففي الأول لا يجبر الممتنع عن القسمة كالجواهر والعضائد الضيقة إلى أن قال وفي الثاني إن التمس المستضر لقلة نصيبه مثلاً على القسمة أُجبرمن لا يتضرر وإن أمتنع المتضرر لم يجبر(1).

قال المحقق الاشتياني : ثم إن المراد من الضرر المانع من القسمة هل هو عدم الإنتفاع بالنصيب أصلاً ، أو نقصان قيمته ، أو عدم الإنتفاع به منفرداً بما كان ينتفع به مع الشركة ، أو نقصان القيمة نقصاً فاحشاً ؟ وجوه بل أقوال والأولان للشيخ في موضعين من المبسوط ، وللعلامة ، والثاني للشيخ في الخلاف ، وللمصنف في المتن ، والأخير للشهيد في المسالك ، ودليل الكل على نفي الضرر في الإسلام ، وإنما الاختلاف في الصغرى(2).

وفي المبسوط وأمّا إن كان فيها الضرر علىالكل ، وهذا إنما يكون في الدور والعقار والدكاكين الضيقة ونحو هذا ، فإن القسمة فيها ضرر والضرر عند قوم أن لا ينتفع بما إفرز له ولا يراعى نقصان قيمته ، قول الأكثر ، وهو الأقوى عندي ، وقال بعض المتأخرين إن الضرر نقصان قيمة سهمه بالقسمة فمتى أنقص بالقسمة فهو ضرر وهو قوي أيضاً(3) .

ص: 131


1- الجواهر /40 / 338 .
2- كتاب القضاء للآشتياني / 319.
3- المبسوط / 5/490.

..........................

وفي الخلاف كل قسمة كان فيها ضرر على الكل مثل الدور والعقارات والدكاكين الضيقة لم يجبر الممتنع على القسمة والضرر لإن هذا لايمكنه الإنتفاع بما يفرد له ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وقال أبو حامد الضرر يكون بذلك ونقصان القيمة فإذا قسم ينقص من قيمته لم يجبر على القسمة وقال مالك يجبر على ذلك ، دليلنا قوله J «لا ضرر ولا ضرار» وذلك عام(1).

فالحق الرجوع في معنى الضرر إلى العرف ولا إشكال في صدقه عندهم على نقصان المال نقصاناً معتداً به بحسب قيمة النصيب قلّة وكثرة ، فالمراد من الضرر فيما نحن فيه هو المراد منه في باب الغبن وغيره من المقامات من ورود نقص على المستضر ضرراً معتداً به بحسب مالية المال وهذا مما لا إشكال فيه(2).والظاهر عندهم إذا يراجع الإنسان غير هذا الباب كباب الغبن وغيره يرى بإن معنى الضرر ليس بمعنى عدم الإنتفاع بل هو ورود نقص على المتضرر ضرراً معتداً به بحسب مالية المال .

ص: 132


1- الخلاف / 6 / 229.
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 320 .

المسألة 45 : إذا طلب أحد الشريكين القسمة لزمت اجابته سواء أكانت القسمة قسمت إفراز أم كانت قسمة تعديل ، والأول كما إذا كانت العين المشتركة متساوية الأجزاء من حيث القيمة ، كالحبوب والأدهان والنقود وما شاكل ذلك ، والثاني كما إذا كانت العين المشتركة غير متساوية الأجزاء من جهة القيمة ، كالثياب والدور والدكاكين والبساتين والحيوانات وما شاكلها ، ففي مثل ذلك لابد أولاً من تعديل السهام من حيث القيمة كأن كان ثوب يساوي ديناراً وثوبان يساوي كل واحد نصف دينار فيجعل الأول سهماً والآخران سهماً ، ثم تقسم بين الشريكين ، وأمّا إذا لم يمكن القسمة إلا بالرد كما إذا كان المال المشترك بينهما سيارتين تساوي أحدهما ألفدينار

مثلاً والأخرى ألفاً وخمسمائة دينار ، ففي مثل ذلك لا يمكن التقسيم إلا بالرد بأن يرد من يأخذ الأغلى منهما إلى الآخر مائتين وخمسين ديناراً ، فإن تراضيا بذلك فهو ، وإلا بأن طلب كل منهما الأغلى منهما - مثلاً - عيّنت حصة كل منهما بالقرعة(1).

----------------------------------------

(1) أمّا في الصورة الأولى فلا إشكال في جواز الإفراز إذا لم يكن هناك اضرار، كما مرّ وإن حصل الضرر إذا كان من جهة عدم حصول الفرض فإنّه قد يُعدّ عرفاً ضرراً أو ورد نقص من قيمة نصيبه بعد القسمة فحينئذٍ لا يجوز إجبار الممتنع .

وأمّا في الصورة الثانية وهي صورة تعديل السهام، فإن كان تعديل السهام في القسمة التي تكون تارة قسمة تعديل ، وأخرى بالرد ، أمّا في الصورة الأولى فلا إشكال في جواز الإفراز إذا لم يكن هناك ضرر أجبر كما مرّ وأمّا إذا كان هناك ضرر كما لو كان من جهة عدم حصول النفع فإنه قد يُعد عرفاً ضرراً أو ورود نقص من قيمة نصيبه بعد القسمة فحينئذٍ لا يجوز إجبار الممتنع .

ص: 133

..........................

وأمّا الصورة الثانية وهي تعديل السهام عند القسمة لإنّها كانت قسمة تعديل وأخرى بالرد ، أمّا في الأولى لابد أولاً من تعديل السهام كما ذكر في المتن كأن كان هناك ثوب يساوي دينار وثوبان آخران كل واحد منهما يساوي نصفدينار ، فيجعل الأول منهما سهماً والآخران سهماً فإن تراضيا بأن يأخذ واحد ثوباً والآخر ثوبان فبها ، وإلا لابد من القرعة ، وأمّا إذا كانت القسمة قسمة ردّ فلا خلاف في عدم إجباره على القسمة بل تصح القسمة إذا كان التراضي بينهما ولم يدل دليل على الإجبار بالنسبة لهذا النوع من القسمة لإن الدليل الدال على جواز القسمة بالإجبار إنما هو إذا كان الموضوع موجوداً ، فلا يدل هذا الدليل على احداث موضوع القسمة وما هو المتوقف عليه بعد إن لم يكن إفراز المال في هذه الصورة فلا يأتي دليل السلطنة بعد إن كانت القسمة في هذه الصورة وقعت على المعاوضة فلابد من التراضي بين الطرفين بلا فرق بين أن يكون مجموع المنظم والمنظم إليه في مقابلالسهم الآخر أو يكون خصوص المنظم إليه يكون مقابل السهم الآخر والمنظم يكون مقابل الزائد فيكون هناك قسمة التي تضمنت للمعاوضة ، فإن تراضيا بالأخذ بأن يأخذ أحدهما السيارة التي قيمتها ألفاً والآخر السيارة التي قيمتها ألفاً وخمسمائة ، بعد ردّ مائتين وخمسين دينار فيها ، وإلا لو طلب كل منهما الأعلى أو الأدنى فلابد من تعيين الحصة بالقرعة .

ومن هنا ظهر ما ذكر في المجلة فإن القسمة إذا كانت تضر بعض الشركاء وتنفع بعضهم لا يمكن للحاكم أن يجبرهم على القسمة بصورة مطلقة كما يظهر من هذه المادة بل لابد من تدارك ضرر الشريك بالرد والجبران وإلا يكونمن القسم الذي لا يمكن قسمته كما في المادة(1)، وقد عرفت أنّه لا يمكن القسمة وإن حصل الجبران .

ص: 134


1- تحرير المجلة ج2 /231 / مادة 1140.

المسألة 46 : لو كان المال المشترك بين شخصين غير قابل للقسمة خارجاً(1)، وطلب أحدهما القسمة ولم يتراضيا على أن يتقبله أحدهما ويعطي الآخر حصته من القيمة ، اُجبر على البيع وقُسم الثمن بينهما .

----------------------------------------

(1) الكلام يأتي فيما إذا كان المال المشترك بينهما كالجواهر والعضائد الضيقة على ما مرّ ، فبما إنّهما غير قابلين للقسمة للضرر على الطالب للقسمة وغير الطالب فإذا طلب أحدهما القسمة وكان بقاء الإشتراك ضرراً أو لم يكن ضرراً لقاعدة لا ضرر وكذا قاعدة السلطنة فإن قبل الطرف المقابل أو الطالب أن يعطي حصته فبها ، وإلا إذا لم يقبل ذلك فلابد من بيعه واعطاء كل واحد منهماحسب

الحصة التي له من المباع .

قال صاحب المجلة في مسألة (1124) : لا تصح القسمة إلا بإفراز الحصص وتمييزها، فلو قال أحد أصحاب الصبرة المشتركة من الحنطة خذ أنت ذاك الطرف، وهذا الطرف ليّ لا يكون قسمة حق ، هذا أن يقال أن شرط صحة القسمة معلومية الحصص ، فلو كانت مجهولة بطلت وتختلف الجهالة والمعلومية باختلاف الاجناس ، فمعلومية المكيل والموزون بكيله ووزنه ، ومعلومية الأرضين بمساحتها وذرعها وهكذا ، وقد تكفي المشاهدة في جملة الأشياء كما تكفي في البيع وجمهرة شروط صحة القسمة أمور :

الأول: الملكية أي ملكية كل واحد من الشركاء، فلو ظهر كون المقسوم كلاً أو بعضاًمستحقا للغير ، بطلت في جملة من الصور كما سيأتي قريباً ، وكذا لو ظهر وقفاً فإن الوقف لا يقسم ، نعم يقسم ويفرز عن الملك الطلق لو كان مشتركاً معه .

الثاني : المعلومية في الحصص ، فلو كانت مجهولة أو بعضها بطلت .

الثالث : تعديل الحصص التساوي وعدم الغبن ، فلو تبين الغبن فيها على بعض الشركاء بطلت .

الرابع : الرضا من الشركاء أو من حكم الحاكم أو الوصي أو الولي .

ص: 135

المسألة 47 : إذا كان المال غير قابل للقسمة بالإفراز أو التعديل وطلب أحد الشريكين القسمة بالرد وأمتنع الآخر عنها اُجبر الممتنع عليها(1) فإنلم يمكن جبره عليها ، أُجبر على البيع وقسم ثمنه بينهما وإن لم يمكن ذلك أيضاً باعه الحاكم الشرعي أو وكيله وقسم ثمنه بينهما.

المسألة 48 : القسمة عقد لازم فلا يجوز لأحد الشريكين فسخه ولو أدعى وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فإن أثبت ذلك بالبينة فهو ، وإلا فلا تسمع دعواه(2) .

----------------------------------------

الخامس : الطلب في قسمة القضاء من بعض الشركاء .

السادس : قابلية المال المشترك للقسمة بحيث لا تفوت المنفعة المهمة من كل واحد من الحصص بذاته بعد القسمة .السابع : كون المقسوم عيناً خارجية لا ديناً ولا حقاً(1).

(1) وذلك لإن بعد الرد ليس هناك ضرر على الممتنع ، فيأتي دور قاعدة السلطنة فيجبر على القسمة ، وإن لم يمكن ذلك أُجبر على البيع ، لأن البقاء كما مر موجب للضرر على الطالب ، فحينئذٍ بعد البيع قسم ثمنه بينهما حسب حصصهما ، فإن لم يكن ذلك باعه الحاكم أو وكيله بعد المراجعة ويقسم ثمنه بينهما لإن هذا نوع نزاع ولا يحل ذلك إلا بيد الحاكم الشرعي .

(2) من المعلوم أن الأصل في العقد هو اللزوم والقسمة عقد خاص فتدخل تحت هذا العموم ففسخها يحتاج إلى دليل فإن لم يكنهناك دليل يحكم بلزومها ولذا قال المحقق : إذا أدعى بعد القسمة الغلط عليه لم تسمع دعواه فإن أقام بينة سمعت وحكم ببطلان القسمة لإن فائدتها تمييز الحق ولم يحصل ولو

ص: 136


1- تحرير المجلة /2 /226 - 227.

نعم لو أدّعى علم شريكه بوقوع الغلط فله احلافه على عدم العلم(1).

----------------------------------------

عدمها فالتمس اليمين كان له ، إن ادعى على شريكه العلم بالغلط(1).

وهنا لابد أولاً من بيان معنى الغلط ، قال المحقق الاشتياني : ادعاء أحد الشريكين الغلط في القسمة لا يخلو ، إمّا أن يكون على الشريكسواء كان من جهة وقوع الغلط في التعديل أو في القسمة ، وسواء كان المعدّل والقاسم أنفسهما أو غيرهما ، أو على المعدل ، أو على القاسم فيما إذا كانا غير الشريكين وكان المعدل غير القاسم ، وعلى تقدير الدعوى على القاسم لا يخلو إمّا أن يكون هو المنصوب من جانب الإمام (علیه السلام) أو حاكم الشرع أو غيرهما ممن تراضيا على كونه قاسماً ، فقد أدعى في جميع هذه الصور أن الأصل مع منكر وقوع الغلط لأصالة الصحة في القسمة من حيث كونها الأصل في الأفعال الصادرة من المسلم هنا(2).

(1) أمّا إذا لو أتى المدعي بالبينة فقبلت دعواه ويحكم بفساد القسمة لإن فائدتها تمييزالحق وهو لم يحصل كما مرّ في كلام المحقق .

وأمّا إذا لم يكن له بينة فهل له احلاف شريكه أم لا ؟ الظاهر أنّه لا تقبل دعواه مطلقاً ، لإن الأصل في العقد هو اللزوم والصحة ما لم يثبت فساده بل تقبل فيما إذا أدّعى علم شريكه به ، فحينئذٍ لو أدّعى علمه به فيستحلفه وإلا فلا يتوجه اليمين عليه بأن يقول له علمت بالغلط فإن أقرّ الشريك فيثبت المدعى .

وأمّا

إن أنكر فحلفه الحاكم ، لإنّه منكر ووظيفة المنكر الحلف طبقاً للقاعدة فإن حلف على نفي العلم سقطت الدعوى وإن نكل ثبتت ، إن قلنا بأن الدعوى تثبت بالنكول .

وأمّا مع القول لعدم كفاية النكول فيرد اليمين على المدعي ، فإن حلف ثبت حقه وإلا سقط.

ص: 137


1- شرائع الإسلام /4/ 105 في اللواحق .
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني /326 .

المسألة 49 : إذا ظهر بعض المال مستحقاً للغير بعد القسمة(1)، فإن كان في حصة أحدهما دون الاخر بطلت القسمة ، وإن كان في حصتهما معاً ، فإن كانت النسبة متساوية صحت القسمة ووجب على كل منهما ردّ ما أخذه من مال الغير إلى صاحبه(2) ، وإن لم تكن النسبة متساوية ، كما إذا كان ثلثان منه في حصة أحدهما .

----------------------------------------

(1) قال المحقق : إذا اقتسما ثم ظهر البعض مستحقاً ، فإن كان معيناً في أحدهما بطلت القسمة لبقاء الشركة في النصيب الأخر ، ولو كان فيهما بالسوية لم تبطل لإن فائدة القسمة باقية وهي أفراد كل واحد من الحقين ولو كان فيهما لابالسوية بطلت لتحقق الشركة(1).

فنقول بعد إن اقتسم المتقاسمان المال بينهما ثم ظهر بأن بعض المال يكون مستحقاً للغير فإن كان المستحق أحدهما دون الآخر فلا إشكال في بطلان القسمة لإن المال لم ينقسم على نحو الإطلاق والشركة باقية بعد ما كان الغرض هو إفراز كل من الحقين عن الآخر وزوال الشركة ، وهنا الشركة تكون باقية في نصيب الآخر.

(2) أمّا إذا كان المال المستحق في حصتهما على نحو السوية فهنا القسمة لا تبطل بعد إن دفعت حصة كل منهما إليه فما حصل لكل منهما مفرز أي الإفراز حاصل ولم تبق الشركة فالقسمة صحيحة ولا نحتاج إلى أعادتها .والحق كما جاء في الجواهر : نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يحدث نقصاً في حصة أحدهما خاصة بأخذه ولم يظهر به تفاوت بين الحصتين مثل أن يسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه فإن القسمة حينئذٍ باطلة لبطلان التعديل(2).

ص: 138


1- شرائع الإسلام /4 /105 .
2- الجواهر/40/366.

وثلث منه في حصة الآخر بطلت القسمة أيضاً(1).

----------------------------------------

(1) أمّا إذا لم تكن النسب متساوية فإن الغير يكون شريكاً مع كل واحد منهما ولم يفرز حصة أحدهما عن الآخر فتبطل القسمة ، هذا إذا كان المال المستحق معيناً .

أمّا إذا كان مشاعاً فهل تبطل القسمة أم لا ؟ قال المحقق : وإن كان المستحق مشاعاً معهما ، فللشيخ قولان أحدهما لا تبطل فيما زاد عن المستحق والثاني تبطل لإنّها وقعت من دون أذن الشريك وهو الأشبه(1).

والحق البطلان لإن كل ما في حصته منالمقسوم فيه حصة للغير ، فقد يكون تفريق حقه عن الحصص ضرر عليه كما لو كان مستحقاً لحصة غير معينة من الحصص أو جزء مشاع فتبطل ، ويمكن أن يقال إن لصاحب الحصة التي فيها الجزء المشاع فسخ القسمة وأعادتها ، وبين البقاء على الشركة مع المستحق الجديد وأخذ النقصان من الشركاء .

أمّا إذا كان مستحق لجزء المعين في كلا الحصتين أو الحصص مع تساوي ما يستحقه في كل حصة فالقسمة تكون صحيحة ويأخذ المستحق حصصه من الجميع ، وأمّا مع عدم تساوي الحصتين أو الحصص ، يمكن أن يقال بعدم البطلان ويتخير أرباب الحصص بين فسخالقسمة وأعادتها من البداية وبين ابقائها فيأخذ صاحب الحصة الناقصة من شريكه ذي الحصة الزائدة ما يستحقه .

ص: 139


1- شرائع الإسلام /4 /105.

المسألة 50 : إذا قسم الورثة تركة الميت بينهم ، ثم ظهر دين على الميت فإن أدى الورثة دينه أو أبرء الدائن ذمته أو تبرع به متبرع صحة القسمة وإلا بطلت(1)فلابد أولاً من أداء دينه منها ثم تقسيم الباقي بينهم.

----------------------------------------

(1) الكلام يقع تارة في الدين المستغرق ، وأخرى في غيره ثم نتكلم بانتقال المال إلى الورثة .

أمّا الصورة الأولى ذكرها المحقق : لو قسم الورثة التركة ثم ظهر على الميت دين فإن قام الورثة بالدين لم تبطل القسمة وإن امتنعوا نقضت وقضي منها الدين(1)،

وفي الجواهر : فلا ريب فيصحة القسمة وإن كان الدين مستوعباً بل مع العلم بوجود الدين بناءً على المختار من كونها ملكاً لهم معه وتعلق حق الدين بها لا ينافي صحة القسمة وإن بيع نصيب الممتنع منهم من وفائه(2) ويظهر من كلام المحقق : إن التركة تبقي على حكم مال الميت أي لم تنتقل فإن أدى الورثة الدين كان لهم المال ، وإلا كان للديان حق مقابل حقهم ، وبعبارة اخرى إن حق الورثة يكون طولياً أي إن حقهم من الإرث يكون بعد أداء الدين وفي التحرير : إذا اقتسم الورثة التركة ثم ظهر دين على الميت لا وفاء له إلا فيما اقتسموه لم تبطل القسمة ، لكن إن أقام الورثة بالدين فالقسمة بحالها وإن امتنعوا نقضت القسمة وبيعت التركةفي الدين ولو أجاب أحدهم وأمتنع الآخر بيع نصيب الممتنع خاصة وبقي نصيب المجيب بحاله(3)،

ويظهر من كلامه بأن الورثة تملك ولكن ملكيتها متزلزلة فإن أدوا الدين ورثوا وإلا يأخذ الديان التركة ، وأمّا إذا قلنا بإن التركة

ص: 140


1- شرائع الإسلام /4 /105.
2- الجواهر / 40 / 367
3- تحرير الاحكام / 5 / 227 .

..........................

لا تنتقل إلى الورثة ، فهل تبطل القسمة ؟ يمكن إن نقول بعدم بطلان القسمة وإن لم نقل بالانتقال إلى الورثة مع وجود الدين ولكن للورثة أن يتصرفوا في المال في صورة ما إذا لم ينافي حق الديان بعد إن كانوا هم أولى بالميت ، فيمكنالجمع بينها وبين ما دل على مراعاة حق الديان فتأمل ، فما ذكره الأشتياني من الإشكال على صاحب المسالك : من أن القول منه بصحة القسمة في الفرض ينافي ما ذهب إليه من عدم انتقال التركة إلى الوارث وبقائها على حكم مال الميت هذا(1)،

هو الصحيح ، وما قيل في صورة القول بصحة القسمة فلا معنى للقول بفسادها سواء إن لم يؤدوا الدين كل الورثة أو بعضهم ، بل القسمة باقية على صحتها غاية الأمر يبقى وجوب أداء الدين من التركة , فما قيل غير تام وليس لهم التسلط التام بعد إن لم يصل إليهم من مال ، بل يباع ويخرج حق الديان أولاً ثم ينتقل إليهم ، نعم لو قلنا بالانتقال فالقسمة باقية علىصحتها فيجب عليهم أداء الدين وليس لهم التسلط التام مما وصل إليهم من مال بل يباع عليهم ، إن كان الجميع ممتنعين أو البعض منهم ، إذاً ما قالوا بأن هذه التركة تكون كالمال المرهون بحيث لا يجوز للمرتهن التصرف إلا مع أذن الراهن في محله .

ص: 141


1- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 329.

فصل في أحكام الدعاوى

المسألة 51 : المدعي هو الذي يدعي شيئاً على آخر ويكون ملزماً بإثباته عند العقلاء كأن يدعي عليه شيئاً من مال ، أو حق ، أو غيرهما أو يدعى وفاء دين ، أو أداء عين كان واجباً عليه ونحو ذلك(1)، ويعتبر فيه البلوغ والعقل ، وقيل يعتبر فيه الرشد أيضاً ولكن الاظهر عدم اعتباره(2).

----------------------------------------

(1) قد ذكرنا مفصلاً بيان الفرق بينه وبين المنكر .

(2) أمّا الشروط تارة تكون شروط الدعوى ،وأخرى شروط المدعي .

أمّا شروط الدعوى فهي أن تكون جزمية فلا تفيد الظنية أو الاحتمالية وإن تكون معلومة لا مجهولة .

أمّا شروط المدعي هي أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً وفي الأخير محل كلام وهل البلوغ شرط على الإطلاق بلا فرق بين المميز وغير المميز ، أو شرط فيما يوجب التصرف في المال أو غيره ؟

أمّا أصل شرطية البلوغ لا من جهة سلب عبارته بل من جهة إن الصبي بعد إن لم يكن له السلطنة على المطالبة في بعض الأمور ، فكيف تكون له السلطنة على شؤونه ، إذا عرفت هذا فإن الطفل إن لم يكن مميزاً فلا تقبل دعواه علىالإطلاق ، أمّا إذا كان مميزاً تسمع دعواه في الجملة لا على الإطلاق بل لا يقبل قوله فيما إذا كان المدعى به مالاً بعد ما لم يكن له السلطنة عليه فلا يكون له

ص: 142

..........................

السلطنة على شؤونه ، وأمّا إذا كان غير المال فيقبل قوله بعد ما إن جعل القضاء لحفظ الحقوق وهذا حق من الحقوق والله لا يرضى بضياع حقه فلو أدعى بأن فلاناً ضربه وأقام بينة فيقبل قوله ، نعم لو لم تكن له بينة والدعوى احتاجت إلى يمين فلا ، لعدم قبول حلفه .وبعبارة أخرى كما صرح به بعض المحققين المعاصرين البلوغ ليس بشرط في أصل الدعوى ، بل إن الدعوى تسمع لا على الإطلاق لإن أحكام فصل الخصومة وموازين القضاء يشترط في بعضها البلوغ كالحلف والإقرار فلا يَحلف ولا يٌحلّف ولا يترتب الأثر على إقراره فبعض الأمور المترتبة كما مرّ تحتاج إلى البلوغ ، وأمّا صورة البينة وأقامتها فلا دليل على عدم قبولها .

وأمّا العقل فاشتراطه محل وفاق نعم أيضاً عدم قبول دعوى المجنون ليس على الإطلاق ، فإذا أدعى الجناية من جانٍ عليه تقبل بعد إقامة البينة ، نعم لو استوجبت الدعوى الحلف ، فلم تقبل لإنّه كلا حلف حتى لو أدعى ملكية شيء وأقام البينة تقبل فإن إثبات الملكية غير التصرفحتى

يقال بإنّه لا يجوز التصرف.

وأمّا بالنسبة إلى الرشد يقول المحقق الاردبيلي : ثم أن الظاهر لا خلاف في اشتراط البلوغ في المدعي ، بل رشده أيضاً فيصح أنكاره وإقراره والفصل معه(1) وادعى في المعتمد عليه الإجماع .

ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سره) رداً على المحقق الاردبيلي : ولكن الظاهر عدم اعتباره فإن الدليل قد دل على حجر السفيه في تصرفاته المالية ، فإن كان مورد الدعوى هو التصرف المالي فلا شك في اعتبار الرشد في المدعي فإن السفيه ممنوع من التصرف فلا أثر لدعواه ، وأمّا إذا كان متعلق الدعوى أمراً آخر غير مربوطبالتصرف المالي كدعوى القتل أو الجرح أو الغصب وما شاكل ذلك ، فلا دليل على

ص: 143


1- مجمع الفائدة والبرهان / 12 /116.

المسألة 52 : يعتبر في سماع دعوى المدعي أن تكون دعواه لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه ، فلا تسمع دعواه مالاً لغيره إلا أن يكون وليه أو وكيله أو وصيه(1)، كما يعتبر في سماع الدعوى أن يكون متعلقها أمراً سائغاً ومشروعاً فلا تسمع دعوى المسلم على آخر في ذمته خمراً أو خنزيراً أو ما شاكلهما(2) .

----------------------------------------

اعتبار الرشد في مدعيها فتسمع الدعوى من السفيه كما تسمع من غيره(1).(1) الدعوى قد تكون للمدعي لنفسه وأخرى لمن له الولاية فله حق المطالبة بالدعوى عنه ، فلا تسمع الدعوى لغيره إذا كان المدعي به مالاً لغيره نعم تقبل دعوى الولي والوكيل أو الوصي ، أمّا إذا كان للأجنبي حيث لا سلطنة له عليه بوجه فلا تسمع ، لإنّه ليس من شأنه حينئذٍ تحرير الخصومة وإنما تقبل دعوى الولي والوكيل والوصي وغيرهم لقيامهم مقام صاحب المال ، قد يقال لا يجوز لهم احلاف المدعى عليه ، قلنا لهم احلافه لعمومات أدلة الولاية والوكالة والوصاية ، وقد نسب ذلك إلى المشهور أيضاً .

(2) لإنّهما غير قابلين للملكية فلا يصح تملكهما ، ولكن يمكن ذلك بإن المسلم قبلإسلامه قد اعطى للكافر مثله خمراً وبما أنّه كان يملكه في ذلك الوقت فله المطالبة بثمنها ، وكما ذكرنا ليس عدم سماع دعواه على الإطلاق بل ولو لم يكن لهما الملكية ولكن حق الاختصاص موجود كما إذا كان هناك خمر قابل لإن يكون خلاً ، فهنا حق الاختصاص موجود فيسمع دعواه وكذلك بالنسبة إلى الخنزير إذا أمكن أن يجعل لحمه لكلاب الحراسة فحق الاختصاص موجود .

ص: 144


1- مباني تكملة المنهاج /1 /52.

وأيضاً يعتبر في ذلك أن يكون متعلق دعواه ذا أثر شرعي فلا تسمع دعوى الهبة أو الوقف من دون اقباض(1).

المسألة 53 : إذا كان المدعي غير من له الحق كالولي أو الوصي أو الوكيل المفوض ، فإن تمكن من إثبات مدعاه بإقامة البينة فهو ، وإلا فله احلاف المنكر ، فإن حلف سقطت الدعوى وإن ردّ المنكر الحلف على المدعي فإن حلف ثبت الحق ، وإن لم يحلف سقطت الدعوى من قبله فحسب ولصاحب الحق تجديد الدعوى بعد ذلك(2).

----------------------------------------

(1) لا يخفى إن الهبة والوقف وهكذا الرهنغير ملزمة إلا بالإقباض فلو أدّعى المدعي بإنّها هبة أو وقف أو رهن بناءً على إن الإقباض موجباً للزومه فادعائه هبة أو وقفاً أو رهناً قبل القبض غير صحيح لعدم الأثر في ذلك ، فلا يصبح ملكاً للمدعي إلا بعد الإقباض ، فالمدعى عليه والواهب أو الواقف أو الراهن يمكنه أن يرجع ولو لم يرض الموهوب له ، قال المحقق : ولابد من كون الدعوى صحيحة لازمة ، فلو ادعى هبة لم تسمع حتى يدعي الاقباض ، وكذا لو ادعى رهناً(1)

، لإن الهبة بلا قبض أو الرهن كذلك ليس له أثر يلزم به لو ثبت .

(2) حتى في إقامة الدعوى فلهم إقامة البينة ، فإن أقاموها فلهم الحق في أخذ ما ادعوا وإن لميقيموا لهم احلاف المنكر فإن حلف سقطت الدعوى وإن رُدّ المنكر الحلف على المدعي ، فإن حلف ثبت الحق وإن لم يحلف سقطت الدعوى لكن لا مطلقاً ، بل إذا أراد المولى والموصى والموكل لهم إقامة الدعوى وتجديدها لهم ذلك بعد إن لم يكن هناك دليل يدل على أن حلف الولي والوصي والوكيل يكون موجباً لسقوط الدعوى ولهم أيضاً إقامة الدعوى مجدداً .

ص: 145


1- شرائع الإسلام / 4 / 106.

المسألة 54 : إذا كان مال شخص في يد غيره جاز له أخذه منه بدون أذنه(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى إن الحق تارة يكون عيناً وأخرى يكون ديناً ، أمّا إذا كان عيناً فإنه بعد إناعترف المدعى عليه أو اثبت بالبينة فله انتزاعه ولو بالقهر بمساعدة آخر ولو كان ظالماً ما لم يتمكن من استنقاذ العين بنفسه أو بمساعدة غير الظالم .

قد يقال المساعدة من الظالم تكون سبباً للإعانة .

وفيه عدم جواز الإعانة إنما هو فيما إذا كانت أعانة على ظلمه ، ففي صورة الانحصار بالاستعانة منه يجوز ، وتجوز الاستعانة أيضاً ولو تسبب ضرراً كما في الجواهر : فله انتزاعه منه ولو قهراً بمساعدة ظالم أو بنفسه وإن استلزم ضرراً بتمزيق ثوب أو كسر قفل أو نحو ذلك ، ما لم تثر فتنة ، بل وإن أثارت ما لم تصل إلى حد وجوب الكفعن الحق له لترتب تلف الأنفس والأموال وغيره من الفساد الذي يمكن دعوى العلم من مذاق الشرع بعدم جواز فعل ما يترتب عليه ذلك ، وإن كان مباحاً في نفسه أو مستحباً ، بل أو واجباً ، وإن لم يكن الترتيب ترتيب سببية أو عليّة كما اشار (علیه السلام) إليه بقوله «في بيع الوقف...» إنه ربما حصل من الاختلاف تلف الأنفس والأموال ، بل ربما اشير إليه بقوله تعالى «إِلاَ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ »(1)، وغير ذلك بل قد يستفاد من الأول كون المدار على مظنته ، بل احتمالاً معتداً به فضلاً عن العلم(2).

ص: 146


1- سورة الانفال الآية / 73 .
2- الجواهر/ 40 / 387.

وأمّا إن كان ديناً في ذمته فإن كان المدعى عليه معترفاً بذلك وباذلاً له فلا يجوز له أخذه من ماله بدون أذنه ، وكذلك الحال إذا أمتنع وكان امتناعه عن حق كما إذا لم يعلم بثبوت مال له في ذمته ، فعندئذٍ يترافعان عند الحاكم(1)، وأمّا إذا كان امتناعه عن ظلم سواء كان معترفاً به أم جاحداً جاز لمن له حق المقاصة من أمواله ، والظاهر أنّه لا يتوقف على أذن الحاكم الشرعي أو وكيله وإن كان تحصيل الأذن احوط، واحوط منه التوصل في أخذ حقه إلى حكم الحاكم بالترافع عنده وكذا تجوز المقاصة من أمواله عوضاً عن ماله الشخصي إن لم يتمكن من أخذه منه(2).

----------------------------------------

(1) أمّا في صورة جهله فإن طلب منه ودفع إليه المال فهو ، وأمّا مع عدم قبول قوله فله أن يأخذ منه قهراً لقاعدة السلطنة ولا حاجة إلى مراجعة الحاكم إلا مع عدم تمكنه منه إلا بالرجوع إليه ، وأمّا إذا كان المال ديناً وكان الغريم مقراً وباذلاً فلابد للمدعي أخذ ما عيّنه ، لإنّه بعد ما كان في ذمة الغريم المال الكلي يكون تعيينه بيده فليس للمدعي أخذه من ماله من دون تعيينه فالاختيار يكون بيد الغريم ، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده(1).

(2) أمّا إذا كان الغريم يمتنع من البذل هل يجوز له التقاص أو لابد من أذن الحاكم الشرعي لإنه ولي الممتنع كما في صورة ما إذا كان جاحداًللحق وامكن إثباته لدى الحاكم الشرعي حتى يأذن له بالتقاص فلابد من إثبات دعواه عند الحاكم حتى يأذن له ، نعم لو لم يتمكن من إثبات دعواه فله أن يستقل في التقاص ، هذا حسب القاعدة بعد ما قلنا بإن المدعي لو أمكنه من الرجوع إلى

ص: 147


1- نفس المصدر .

..........................

الحاكم لإنّه الولي فلابد من الرجوع وليس له الاستقلال بالتقاص بدون المراجعة لكي يأذن له ، وإلا يظهر من بعض الأخبار الجواز مطلقاً .

منها : عن جميل بن دراج «قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يكون له على رجلالدين فيجحده فيظفر من ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك ؟ قال : نعم»(1).

ومنها : صحيحة داود بن رزين أو داود بن زربي «قال : قلت لأبي الحسن موسى (علیه السلام) إني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه ؟ قال : خذ مثل ذلك ولا تزد عليه»(2).

كما هو الظاهر .

ومنها : صحيحة أبي بكر «قال : قلت له رجل لي عليه دراهم فجحدني وحلف عليها أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي قال، فقال : نعم»(3)،

فيظهر من إطلاق هذه الروايات إنّه يجوز استقلاله بالتقاص ولو في فرض تمكنه من الاستيذان أو يمكنه من إثبات حقه لديه بلا فرق بين أن يكون ما في يد الغريم العين الموجودة أو غير موجودة كما هو ظاهر صحيحة داوود وكذا صحيحة أبي عباس البقباق «إن شهابا مارأه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم ، قال أبو العباس فقلت له خذها مكان الألف التي أخذ منك فأبى شهاب ، قال فدخل شهاب على أبي عبد الله (علیه السلام) فذكر له ذلك ، فقال : أمّا أنا فاحب أن تأخذ وتحلف»(4)، وأمّا الاحتياط فمن جهة مخالفة بعض الفقهاء .

ص: 148


1- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح10.
2- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح1.
3- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح4.
4- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح2.

المسألة 55 : تجوز المقاصة من غير جنس المال الثابت في ذمته ولكن مع تعديل القيمة ، فلا يجوز أخذ الزائد(1).

المسألة 56 : الأظهر جواز المقاصة من الوديعة على كراهة(2).

----------------------------------------

(1) تقدم ذكره .

(2) كما عليه المحقق : نعم لو كان المال وديعة عنده ، ففي جواز الاقتصاص تردد ، أشبهه الكراهة(1)، ونسب ذلك إلى الأكثر .

ومقابل هذا القول بعدم الجواز ونسب إلى النهاية والغنية والكيدري والقاضي كما ذكر في الجواهر : بل عن الغنية الإجماع عليه واضحالضعف(2) وهذا الاختلاف يكون في جواز الاقتصاص وعدمه من جهة اختلاف الروايات ودل على الجواز خبر أبي العباس إلى أن يقول (علیه السلام) «أمّا أنا فاحب أن يأخذ ويحلف» وقد مرّ الحديث ، فتدل على الجواز من غير دلالته على الكراهة ومقابل هذه وغيرها ما يدل على عدم الجواز عمومات النهي عن التصرف في مطلق الأمانة ، وعدم جواز التصرف في مال الغير إلا بأذنه مضافاً إلى صحيحة سليمان بن خالد «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه وحلف ثم وقع له عندي مال آخذه لمكان مالي الذي أخذه واجحده واحلف عليه كما صنع ، قال : إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته عليه»(3).

وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قلت له الرجل يكون لي

عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني مالاً إليّ إن آخذ مالي عنده ، قال: هذه الخيانة»(4).

ص: 149


1- شرائع الإسلام /40/ 109.
2- الجواهر /40/393.
3- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح7.
4- الوسائل باب 83 من أبواب ما يكتسب به ح11.

المسألة 57 : لا يختص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق فيجوز له أن يوكل غيره فيها(1)، بل يجوز ذلك للولي أيضاً فلو كان للصغير أو المجنون مال عند آخر فجحده جاز لوليهما المقاصة منه(2)، وعلى ذلك يجوز للحاكم الشرعي أن يقتص من أموال من يمتنع عن أداء الحقوق الشرعية من خمس أو زكاة(3).

----------------------------------------

ثم إن الروايات التي دلت على عدم الجواز لابد من حملها على الكراهة لصريحة البقباق في الجواز ومع التعارض والتساقط تكون النتيجة هي إطلاقات جواز المقاصة .

(1) لإن في الحقيقة هو وصوله إلى الحق وما يدعي فلا فرق بين إن المقاص صاحب المال المدعي أو وكيله ففي الحقيقة حينما يفعل الوكيل ففعله هو فعل الموكل بل هو نفسه .

(2) أمّا جواز مقاصة الولي إذا كان للمولى عليه مالاً عند شخص وجحده فهنا بعد إن كان الولي هو القائم بشؤون الصغير أو المجنون وإن المولى عليه بما أنّه صغير أو مجنون لا يتمكن من المقاصة ، فعلى الولي القيام بذلك .(3) بعد إن كان هو ولي الممتنع بل ولي الممتنع والمستحق كليهما للحاكم الشرعي أخذ الزكاة والخمس من الممتنع كرهاً ويجوز التقاص أيضاً ولذا بما إنّه وليّ الممتنع والمستحق فيجوز أن ينوي هو القربة .

ص: 150

فصل في دعوى الأملاك

اشارة

المسألة 58 : لو أدّعى شخص مالاً لا يد لأحد عليه حكم به له فلو كان كيس بين جماعة وادّعاه واحد منهم دون الباقين قضي له(1).

----------------------------------------

(1) هل الحكم مختص بمورده أم لا ، أو يكون بعنوان الكلية وإنّه غير مختص بالمال ، بل يشمل سواء أكان مالاً أم غير مال من الحقوق ؟

الظاهر استفادة الكلية منه ، قال الشيخ ضياء الدين العراقي : ولو أدّعى مالاً لا يد لأحد عليه قضي له به مع عدم المنازع ، بمعنى ترتيب آثارالاختصاص عليه لا القضاء ، بمعنى فصل الخصومة ولو كانت متوهمة الذي لازمه عدم سماع دعوى غيره عليه ، بل مثل هذه الدعوى لا تثمر في جعل مثله منكر بعد وجود المعارض له لإن حجيتها مادام يصدق عليها أنّها بلا معارض(1)، لإنّه مع وجود المنازع فمعناه وجود الخصم ، ولذا قال في المسالك : ولإنّه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعي منه ولا لطلب البينة منه ولا لإحلافه إذ لا خصم له حتى يترتب عليه ذلك(2).

ولكن الحق إن جواز القضاء لابد له من دليل يدل عليه فإذا لم يكن مانع يمنع المدعي عن التصرف فيما يدعيه ، وهكذا عدم مطالبته بالبينة لايقتضيان جواز القضاء ، واستدل على الجواز صاحب الجواهر بإصالة صحة قول

ص: 151


1- القضاء في شرح تبصرة المتعلمين للعراقي / 167 .
2- مسالك الأفهام / 14 /76

..........................

المسلم وفعله(1)، وفيه إنه لا دليل على حجية هذا الأصل ولذا استشكل صاحب الرياض وهو بعد تسليم قيام دليل عليه سوى الإجماع اخص من المدعى(2)،

إذ لا خصوصية لسماع دعوى المسلم إذا لم يكن معارض ، بل يشمل الكافر أيضاً .

أمّا ما ذكروه من الإجماع ففيه إنّه منقول و مدركي ، ويحتمل أن مدركهم الرواية التي وردت عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیهالسلام) «قال : قلت عشرة كانوا جلوساً ووسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضاً ألكم هذا الكيس ؟ فقالوا كلهم لا وقال واحد منهم هو ليّ ، فلمن هو قال : للذي ادعاه»(3)، وقد ذكر صاحب المستند الشيخ النراقي المسألة : لو ادعى أحد مالاً لا يد لأحد عليه ليس لأحد منعه من التصرف فيه ، ولا طلب البينة منه ، ولا احلافه ، للأصل والإجماع ، بل الضرورة كما قيل وموثقة منصور بل صحيحته عشرة كانوا جلوساً ووسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضاً ألكم هذا الكيس ، فقال : كلهم لا ، فقال : واحد منهم هو لي فلمن هو ؟ قال : هو للذي ادعاه ، ومقتضى قوله «هو للذي ادعاه» إنه يحكم به له وإنه يجوزابتياعه منه والتصرف فيه بأذنه ، ونفي عنه الخلاف أيضاً ، وقد يستدل له بصحيحة البزنطي أيضاً «عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين وهو يعرف صاحبه أيحل له امساكه ؟ قال : إذا عرف صاحبه ردّه عليه وإن لم يكن يعرفه وملك جناحه فهو له وإن جاء طالب لا تتهمه رده عليه»(4)، إذاً لو كان كذلك فالحكم يكون طبقاً للقاعدة وبما إن الكيس كان في وسط الجماعة فكلهم

ص: 152


1- الجواهر/40 /398.
2- الرياض /15 /164.
3- الوسائل باب 17 من أبواب كيفية الحكم ح1.
4- مستند الشيعة / 17 / 358 .

المسألة 59 : إذا تنازع شخصان في مال ، ففيه صور ، الأولى : أن يكون المال في يد أحدهما ، الثانية : أن يكون في يد كليهما ، الثالثة : أن يكونفي يد ثالث ، الرابعة : أن لا تكون عليه يد .

أمّا الصورة الأولى فتارة تكون لكل منهما البينة على إن المال له وأخرى تكون لاحدهما دون الآخر وثالثة لا تكون بينة أصلاً ، فعلى الأول إن كان ذو اليد منكراً لما ادعاه الآخر حكم بأن المال له مع حلفه، وأمّا إذا لم يكن منكراً بل أدّعى الجهل بالحال ، وإن المال أنتقل إليه من غيره بإرث أو نحوه فعندئذٍ يتوجه الحلف إلى من كانت بينته أكثر عدداً فإذا حلف حكم بإن المال له وإذا تساوت البينتان في العدد أُقرع بينهما فمَنْ أصابته القرعة حلف وأخذ المال .

نعم إذا صدّق المدعي صاحب اليد في دعواه الجهل بالحال ولكنه أدّعى أن من أنتقل منه المالإليه قد غصبه أو كان المال عارية عنده أو نحو ذلك ، فعندئذٍ إن أقام البينة على ذلك حكم بها له وإلا فهو لذي اليد وعلى الثاني فإن كانت البينة للمدعي حكم بها له ، وإن كانت لذي اليد حكم له مع حلفه.

----------------------------------------

صاحب يد فيحكم كونه لهم لكونهم أصحاب يد ليدهم عليه .

ولكن الحق الرواية لا تدل على إن الحكم كان من جهة اليد ، بل من جهة إن الكيس عندما كان في وسطهم فلا يحكم بكونه مختصاً بواحد منهم للترجيح بلا مرجح بل بمعنى أن هناك سلطنة واحدة قائمة بالمجموع لتسويتهم فيه فالحكم منجهة الادعاء وليس هناك منازع من جهة اليد .

ص: 153

وأمّا الحكم له بدون حلفه ففيه إشكال ، والأظهر العدم ، وعلى الثالث ، كان على ذي اليد الحلف فإن حلف حكم له وإن نكل ورُدّ الحلف على المدعي فإن حلف حكم له إلا فالمال لذي اليد .

وأمّا الصورة الثانية ، ففيها أيضاً قد تكون لكل منهما البينة وأخرى تكون لأحدهما دون الآخر ، وثالثة لا ببينة له أصلاً فعلى الأول إن حلف كلاهما أو لم يحلفا معاً قسم المال بينهما بالسوية وإن حلف أحدهما دون الآخر حكم بإن المال له ، وعلى الثاني كان المال لمن عنده بينة مع يمينهوفي جواز الاكتفاء بالبينة وحدها إشكال والأظهر عدمه ، وعلى الثالث حُلّفا فإن حَلَفا حكم بتنصيف المال بينهما وكذلك الحال فيما إذا لم يحلفا جميعاً ، وإن حلف أحدهما دون الآخر حكم له .

وأمّا الصورة الثالثة فإن صدّق من بيده المال أحدهما دون الآخر فتدخل في الصورة الأولى وتجري عليها أحكامها بجميع شقوقها ، وإن اعترف ذو اليد بإن المال لهما معاً جرى عليها أحكام الصورة الثانية ، وإن لم يعترف بإنّه لهما كان حكمهما حكم الصورة الرابعة .

وأمّا الصورة الرابعة ، ففيها أيضاً قد تكون لكل منهما بينة على أن المال له ، وأخرى تكونلأحدهما وثالثة لا تكون بينة أصلاً فعلى الأول إن حلفا جميعاً أو نكلا جميعاً كان المال بينهما نصفين ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان المال للحالف ، وعلى الثاني فالمال لمن كانت عنده البينة وعلى الثالث فإن حلف أحدهما دون الآخر فالمال له

ص: 154

وإن حلفا معاً كان المال بينهما نصفين ، وإن لم يحلفا كذلك أُقرع بينهما ثم إن المراد بالبينة في هذه المسألة هو شهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ، أمّا شهادة رجل واحد ويمين المدعي فهي لا تكون بينة وإن كانت يثبت بها الحق على ما تقدم(1) .

----------------------------------------

(1) أي لو تنازعا على عين ، فإما أن تكونفي يد أحدهما أو في يد كليهما أو لا يد لهما عليها ، فعلى كل التقادير ، أمّا أن يكون لكل منهما بينة على ما يدعيه ، أو لا بينة لأحدهما ، أو يكون لأحدهما دون الآخر .

أمّا في الصورة الأولى أي إذا لم يكن هناك بينة ، فالعين تكون لمن في يده مع حلفه ، ومع عدم حلفه يدخل في مسألة ما لو قلنا بإنّه هل يكفي الحكم بالنكول أو لا ؟

أمّا لو كان لمن لم يكن في يده البينة فيحكم له لقاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر ، وهو المدعى عليه الذي هو صاحب اليد والآخر هو المدعي ، وهنا الحكم نفس الحكم ولو كان لصاحب اليد أيضاً بينة لإنّه بعد ما قلنا إنّه منكر فبينة المدعى عليه غير مفيدة .أمّا إذا كانت في يدهما وليس لأحدهما بينة قضي بينهما نصفين ، هذا إذا لم يكن تداعيهما على نحو التعاقب بل على الدفعة العرفية فالحكم بالتنصيف أولى من الحكم بالتعارض والتساقط لإن الأخذ بهما اولى من طرحهما .

وأمّا إذا كان تداعيهما على وجه التعاقب فيسمع دعوى السابق لإنّه لا تكون لهذه الدعوى معارض في ظرفه ، إذاً يحكم له بناءً على سماع كل دعوى لا معارض لها .

وأمّا دعوى الثاني بعد الأول فلابد لمدعيها من اقامة البينة بعد ما كان القول قول السابق .

ص: 155

..........................

وإمّا الثالث وهو ما إذا لم يكن لأحدهما يد عليه ولم يكن في يد ثالث فهنا بما إن كلتا اليدين خارجتين ، قيل لم يكن هناك مدعي ومنكر ، بل كل منهما مدعٍ فيكون من التداعي لا بصورة المدعي والمنكر فلا يشمل المقام القاعدة ولكن تدل عليه معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) في دابة في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة إنّها نتجت عنده فأحلفهما علي (علیه السلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف فقضى بها للحالف ، فقيل له فلو لم تكن في يد واحد منهما واقاما البينة ، فقال : احلفهما فإيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالففإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين ، قيل فإن كانت في يد أحدهما واقاما جميعاً البينة ، قال : أقضي بها للحالف الذي هي في يده»(1)، فإنّها تدل على أن يحلفهم جميعاً فإيهما حلف جعلت له ولو حلفا جميعاً يكون بينهما نصفين أمّا إذا كانت بيد ثالث ، فتارة يصدّق احدهما المعين واخرى يصدّقهما معاً وثالثة يكذبهما ، فهنا يحكم للمقر له بعد حلفه لإنّه اصبح ذو اليد مقراً ويكون الإقرار من ذي اليد موجباً لجعله مدعى عليه فإقراره له يجعل المقرّ به ملكاً للمقرّ له .

أمّا إذا نكل من الحلف حكم للآخر إن قلنا يكفي النكول أو يرد الحلف له بناءً على عدم كفاية النكول .أمّا لو صدقهما ، فتارة يحلفان واخرى ينكلان ، ففي كلتا الصورتين يحكم بالتنصيف بينهما ، وأمّا إذا حلف أحدهما دون الآخر فيقضى له .

أمّا في صورة التنصيف لكل منهما دعوى النصف وعلى الثالث ، فإن حلف فهو وإلا يغرم لكل منهما النصف ، أمّا إذا لم يصدقهما فتارة يكذبهما ويقول ليّ ،

وتارة يقول بإنّها ليست ليّ ولا لكم من دون أن يثبتها لأحد وثالثة أن يقول لا

ص: 156


1- الوسائل باب 12 من ابواب كيفية الحكم ح2.

..........................

اعرف صاحبها وليست ليّ ورابعة أن يقول إنّها لأحدكما .أمّا في الصورة الأولى فإن حلف فهي له ، وإن لم يحلف وقضينا بالنكول أو رُدّ اليمين ثم حلفا على ما يدعيانه فحكمهما حكم من لا يد لأحدهما وأمّا إذا حلف أحدهما دون الآخر فيحكم له ، وأمّا إن نكلا فيكون لمن في يده لإنّه صاحب اليد .

وأمّا الصورة الثالثة حكمها حكم الصورة الثانية وحكمهما حكم من لم يكن في يد احد فيرجعان إلى التداعي .

وأمّا الصورة الرابعة يرجع إلى التنصيف كما هو المختار .

وقيل كما هو في القواعد : ولو كان في يد ثالث قضي بأكثرهما عدالة فإن تساويا فأكثرهماعدداً ، فإن تساويا أُقرع فمن خرج اسمه أُحلف وقضي له فإن نكل أُحلف الاخر وقضي له ، وإن نكلا قسمت بينهما بالسوية(1).

وقال صاحب السرائر : إذا قال إنسان أول مملوك املكه فهو حر وجعل ذلك نذراً ، ثم ملك جماعة في وقت واحد أقرع بينهم وأعتق من خرج اسمه(2).

البينة لغة واصطلاحا

لا يخفى إن البينة في معناها اللغوي بمعنى الأمر البيِّن وجمعها بينات مؤنث البيِّن : الدليل والحجة(3)، وأيضاً عرفوها بإنّها مأخوذة من ، بآن ، يبين بياناً ، تبياناً ، أي الدلالة الواضحة ، عقليةكانت أو محسوسة(4)، كما وردت في الآيات الشريفة

ص: 157


1- القواعد / 3 / 487 .
2- السرائر / 2 / 174 .
3- المنجد مادة بين .
4- المفردات للراغب الأصفهاني في مادة (بيِّن).

الكثيرة ، منها : قوله تعالى : «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ»(1) ، وقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ»(2)، وقوله تعالى : «وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ»(3).

وأمّا في اصطلاح الفقهاء هي بمعنى الشاهدين أو أكثر ، وقالوا في تعريفها الحجة القوية ، ولكن هذا التعريف غير تام لإنّه تعريف باللازم الأعم ولإن الشياع حجة قوية والتواتر حجة قوية أيضاً ، بل قيل ما دون البينة وهو العدل الواحد بناءً على حجيته في الجملة أيضاً حجة قوية ، فبأيشيء يمكن امتيازها عن الباقين .

والأصح في تعريفها : أن يقال الشاهدان العادلان أو شاهد وامرأتان في بعض الموارد على أمرٍ يترتب عليه حكم شرعي ، ولم ترد في اللغة أو القران الكريم بالمعنى المصطلح ، وأتت بالقران الكريم بصورة المفرد كقوله تعالى : «قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ»(4)، ولهذا وقع بينهم الخلاف هل لها حقيقة شرعية في شهادة العدلين ، وفي أي زمان ظهرت ؟ و حينما نرى أنه يتبادر هذا المعنى في لسان الشرع ففي تحقيق الدلائل بإن اختصاص عنوان البينة في الشريعة عند الإطلاق على ما فوق الواحد من الواضحات بأدنى رجوع إلى كلماتهم وكذا الأخبار ، بعد اشتهارقوله (علیه السلام) «البينة على المدعي» وجعلت شهادة خزيمة بن ثابت شهادتين وسمي بها حتى اشتهر بذي الشهادتين وبه اتفقت الأخبار الحاكية لقضاياهم (علیهم السلام) على شهادة اثنين كما نسب إلى كتاب تحقيق الدلائل(5)،

وقال النراقي في العوائد : إن

ص: 158


1- سورة البينة الآية /1 .
2- سورة الحديد الآية / 9.
3- سورة المجادلة الآية / 5 .
4- الأعراف الآية / 85 .
5- تحقيق الدلائل /59 .

المسألة 60 : إذا ادعى شخص مالاً في يد آخر وهو يعترف بإن المال لغيره وليس له ارتفعت عنه المخاصمة فعندئذٍ إن أقام المدعي البينة على إن المال له حكم بها له ولكن بكفالة الغير على ما مرّ في الدعوى على الغائب(1) .

----------------------------------------

معناها المصطلح في الأخبار هو الشاهد المتعدد ويدل عليه توصيفها في رواية منصور عن الصادق (علیه السلام) بلفظ الجمع قال «فأقام بينة العدول»(1).

وهذا لا يفرق بعد إن قلنا يشترط في صدق البينة التعدد بين أن يكون رجلان أو رجل وامرأتان ، أو الشاهد الواحد واليمين ، وأمّا الشاهد الواحد بلا يمين فلا يصدق عليه البينة وإن ثبت به الحق ، كما في مرسلة يونس «قال : استخراج الحقوق بأربعة وجوه بشهادة رجلين عدلين ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، وإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي فإن لميكن شاهد فاليمين على المدعى عليه»(2)،

وغيرها من الروايات .

(1) تارة يقول الذي يكون المال بيده أنّه ليّ فيكون حكمه حكم المنكر فلابد للمدعي من البينة ، وتارة ينفيه عن نفسه فحينئذٍ أمّا أن يقتصر عليه أي يقول ليس ليّ ، وآخرى يقول هو لشخص لا اسمي مالكه ولا اعرفه ، أو يضيفه إلى شخص معلوم كأن يقول هو لزيد وحينما ينفي المال عن نفسه تصرف عنه الخصومة لإن بنفيه المال عن نفسه يخرج عن كونه مدعى عليه فتنصرف عنه الدعوى ، قال في المسالك : فإن اقتصر عليه أو اضافه إلى مجهول بأن قال هو لرجل لا اعرفه أو لا اسميه ، ففي انصرافالخصومة عنه وانتزاع المال من يده وجهان

ص: 159


1- الوسائل باب 12 من أبواب كيفية الحكم ح14 .
2- الوسائل باب 7 من أبواب كيفية الحكم ح4 .

..........................

اصحهما - وهو الذي لم يذكر المصنف غيره - إنّها لا تنصرف ولا ينتزع المال من يده لإن الظاهر إن ما في يده ملكه وما صدر عنه ليس بمزيل ولم يظهر لغيره استحقاقاً ، وعلى هذا فإن أقرّ بعد ذلك لمعين قُبلّ وانصرفت الخصومة إلى ذلك المعين وإلا فيقيم المدعي البينة عليه أو يحلفه(1).

ولكن الحق إن إنكاره المال له بقوله ليس ليّ موجب لإزالة ملكيته يقيناً لإنّه بعد إقراره تسقط يده عن كونه أمارة للملكية ، نعم هذا الإقرار لايكون موجباً لإزالة يده فلا ينتزع من يده ، بل تكون يده يد أمانة كالوكيل والأمين والمستعير وغيرهم ، لا يد عدوانية ، نعم المدعي لا يوجه إليه الحلف لانصراف الدعوى عنه لإنّه يكون حلفه لمال غيره فما ذكره في المسالك : بإن الانتزاع وعدمه متفرعان على القول بصرف الخصومة وعدمها فعلى الأول ينتزع وعلى الثاني لا ينتزع غير تام بعد ما ذكرنا عدم الملازمة بين صرف الخصومة وازالة اليد ، وبعد ما قلنا بعدم انتزاع المال من يده فإن اقام المدعي البينة فيدفع له لإنّه لا تتوقف اقامة البينة على تمكن المدعى عليه من الحلف وأمّا إذا لم يقم فيبقى المال في يده لإن الإقرار إلى المجهول كلا إقرار .وأمّا لو أقرّ للمعلوم ويمكن المخاصمة معه فحينئذٍ النزاع يكون بينه وبينه فالمقر له أصبح مالكاً ومنكراً فتأتي قاعدة المدعي والمنكر ولو كان غائباً وإن أتى المدعي البينة فيدفع إليه المال مع الكفالة كما مرّ ، وكذا إذا لم يمكن المخاصمة معه فالمخاصم يكون وليه كما إذا أقرّ للطفل .

ص: 160


1- المسالك / 14 /96.

المسألة 61 : إذا ادعى شخص مالاً على آخر وهو في يده فعلاً ، فإن أقام البينة على أنّه كان في يده سابقاً أو كان ملكاً له كذلك فلا أثر لها ولا تثبت بها ملكيته فعلاً ، بل مقتضى اليد إن المال ملك لصاحب اليد(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : لو ادعى داراً في يد إنسان وأقام بينة إنّها كانت في يده امس أو منذ شهر ، قيل لا تسمع هذه البينة وكذا لو شهدت له بالملك امس لإظاهر اليد الآن الملك فلا يدفع بالمحتمل ، وفيه إشكال ، ولعل الأقرب القبول(1).

ولكن الحق عدم القبول بعد إن كانت اليد أمارة على الملكية الفعلية وبينة المدعي لا تثبت إلا اليد والملك السابق ، والامارة الفعلية تكون مقدمة على الامارة القائمة بل مقتضى اليد إن المال ملك لصاحب اليد وتتقدم الامارة الفعلية التي تشهدها بالعيان على الامارة الاحتمالية ولا تعارض لاحتمال الظهور ولا يدفعه .

قد يقال بإن اليد الفعلية وإن كانت دليلالملك الفعلي ولكن اليد السابقة المستصحبة والملك السابق أولى لمشاركة تلك اليد لهذه في الدلالة على الملكية الفعلية وانفرادهما بالزمن السابق بلا معارض فتكونان ، أرجح من هذه اليد ، إلا أن تقوم الحجة الشرعية على انتقال العين إليه بطريق شرعي .

قلنا إن الأمارة هي حجة شرعية على أن له بالفعل وملكه وهذا موجب لزوال الملكية المحتملة السابقة والاستصحاب يكون في طول الامارة لا في عرضها فلا يعارض اليد الفعلية ولذا قال استاذنا الاعظم (قدس سره) : والاستصحاب لا يكون حجة مع اليد الفعيلة(2)، لإن الاصل لا يعارض الدليل ولا يكون مرجحاً فإقامة البينة لاتثبت الملكية الفعلية للمدعي ، فمع وجود إنه بيده ولا اثر لهذه البينة .

ص: 161


1- شرائع الإسلام /4 / 112 .
2- المباني /1 /68.

نعم للمدعي أن يطالبه بالحلف(1)، وإن أقام البينة على أن يد صاحب اليد على هذا المال يد أمانة له أو إجارة منه أو غصب عنه حكم بها له وسقطت اليد الفعلية عن الاعتبار(2).

----------------------------------------

(1) وهو أن يكون طبقاً لقاعدة المدعي والمنكر .

(2) قال المحقق : أمّا لو شهدت بينة المدعي إن صاحب اليد غصبها واستأجرها منه حكم بها لإنّها شهدت بالملك وسبب يد الثاني ، ولو قال غصبني إيّاها وقال الآخر بل أقرّ ليّ بها وأقاماالبينة قضي للمغصوب منه ولم يضمن المقرّ لإن الحيلولة لم تحصل بإقراره بل بالبينة(1)، خصوصاً إذا أدعى أن صاحب اليد قد غصب العين فإنّه يكون موجباً للشك في أن هذه اليد بالفعل يد شرعية وامارية اليد فيما كانت اليد شرعية لا على الإطلاق والبينة أثبتت عدوانية اليد وكذا بالنسبة لو شهدت بإنّها يد امانة ، أو الاجارة ، فاليد إنما تكون حجة فيما إذا لم يعلم حالها ، أمّا إذا علمت ولو بواسطة البينة فلا تكون حجة ، فإذا أقام المدعي البينة حكم له وتسقطت يد الفعلية عن الاعتبار .

ص: 162


1- شرائع الإسلام /4 /113 .

نعم إذا أقام ذو اليد أيضاً البينة على إن المال له فعلاً حكم له مع يمينه(1)، ولو أقرّ ذو اليد بإن المال كان سابقاً ملكاً للمدعي وادعى انتقاله إليه ببيع أو نحوه ، فإن أقام البينة على مدعاه فهو وإلا فالقول قول ذي اليد السابقة مع يمينه(2) .

----------------------------------------

(1) إذا قلنا بإن البينة تكون حجة مع يمينه .

(2) حينما يدعي بالملك للغير سابقاً ويدعي انتقاله إليه فهو يكون مدعياً فإن أقام بينة على ذلك فيحكم له ويبقى في يده وإن لم يقم فإن حلف ذو اليد السابقة لإنّه منكر فينتزع منه ويعطى لذي اليد السابقة .

ص: 163

فصل في الاختلاف في العقود

المسألة 62 : إذا اختلف الزوج والزوجة في العقد بإن ادعى الزوج الانقطاع وادعت الزوجة الدوام أو بالعكس ، فالظاهر أن القول قول مدعي الانقطاع وعلى مدعي الدوام إقامة البينة على مدعاه فإن لم يمكن حكم بالانقطاع مع يمين مدعيّه وكذلك الحال إذا وقع الاختلاف بين ورثة الزوج والزوجة(1) .

----------------------------------------

(1) يقول صاحب الحدائق : لو اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع العقد فادعىأحدهما أنّه متعة وادعى الآخر الدوام ، فإن قلنا بإن اهمال الأجل مطلقاً يقتضي الدوام كان القول قول مدعي الدوام لإن الآخر يدعي الزيادة وهي الأجل والقول قول منكرها ، وإن قلنا إن الاهمال يقتضي الإبطال ما لم يقصد الدوام كما هو القول الآخر فالوجه إنّهما يتحالفان وينفسخ النكاح لإن كلاً منهما مدعٍ ومنكر(1)

، والحق إنه لا دليل على الإنقلاب وإن اهمال الأجل لا يوجب الإنقلاب إلى الدوام بل يحكم بعدم إثبات وقوع العقد لا متعة ولا دواماً ، فالقدر المتيقن بعد اتفاقهما على العقد هو وقوع العقد ، أمّا الدوامية فمشكوك فيها فالأصل عدمه ، فمن يقول منهما بالدوامية فلابد من إقامة البينة بعد إن كان

ص: 164


1- الحدائق النظرة / 24 /146 .

المسألة 63 : إذا ثبتت الزوجية باعتراف كل من الرجل والمرأة وادعى شخص آخر زوجيتها له ، فإن أقام البينة على ذلك فهو ، وإلا فله احلاف إيّهما شاء(1).

----------------------------------------

هو المدعي وحيث لا بينة لأحدهما فالأصل عدمها ، ولو قلنا باستصحاب ثبوت الزوجية الدائمة فإنّه معارض بأصالة عدم اعتبار الزوجية الدائمية فيتعارضان ويتساقطان فترجع النتيجة إلى القدر المتيقن ولمدعي الدوام إثبات الزائد عن القدر المتيقن وهو الدوامية ، نعم لو قلنا بإن اهمال الأجل يقتضي الدوام كان القول قول مدعيالدوام كما قال صاحب الحدائق ، وقال في المختلف : قال ابن البراج إذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على العقد فادعى أحدهما إنّه متعة كان على مدعي المتعة البينة وعلى المنكر اليمين ، لإن الزوج إن ادعى المتعة كان مدعياً لما يسقط عنه حقوقاً من نفقة أو ميراث وغير ذلك ، وإن ادعت المرأة ذلك كانت مدعية لما تملك نفسها معه بغير الطلاق أو ما اشبه ، والمعتمد أن نقول إن كان اهمال الأجل يقتضي الدوام فالقول قول مدعي الدوام لإن الآخر يدعي الزيادة فالقول قول من ينكرها ، وإن كان الاهمال يقتضي الابطال - كما اخترناه نحن - فالوجه إنّهما يتحالفان وينفسخ النكاح لإن كلاً منهما مدعي ، فالقولقول المنكر مع يمينه(1)، وقد عرفت إن أصل العقد ثابت في نظر كليهما فلا معنى للفسخ والنزاع في الأمر الزائد وهو الدوام فيكون القول قول مدعي الانقطاع إيّما كان رجلاً أو امرأة .

(1) لإن بينته اصبحت بلا معارض وتكون حجة ، أمّا كفاية حلف إيّهما شاء لإن كلاً منهما يصبح منكراً فأي منهما حلف تسقط الدعوى .

ص: 165


1- المختلف /7 /243 .

المسألة 64 : إذا أدّعى رجل زوجية امرأة وهي غير معترفة بها ولو لجهلها بالحال وادعى رجل آخر زوجيتها كذلك(1)وأقام كل منهما البينة على مدعاه حلّف أكثرهما عدداً في الشهود فإن تساويا أُقرع بينهما فإيّهما اصابته القرعة كان الحلف له وإذا لم يحلف أكثرهما عدداً أو من اصابته القرعة لم تثبت الزوجية لسقوط البينتين بالتعارض(2) .

----------------------------------------

(1) لما ورد في معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان علي (علیه السلام) إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم أُقرع بينهم علىإيّهما تصير اليمين ، وكان يقول اللهم رب السماوات السبع إيّهم كان له الحق فاده إليه ، ثم يجعل الحق للذي يصير عليه اليمين إذا حلف»(1).

(2) فأما القرعة فلإنّها لكل أمر مشكل هذا إذا لم يكن أحدهما أكثر شهوداً فالقول قوله مع يمينه لإن اليمين يكون سبباً لزوال مادة النزاع ، وأمّا إذا كانا متساويين في العدد اقرعت القرعة فلابد على من وقعت باسمه القرعة حلف وتكون حينئذٍ الزوجة زوجته ، وأمّا إذا لم يحلف من وقعت عليه القرعة أو أكثر عدد فتسقط دعوتهما للتعارض .

ص: 166


1- الوسائل باب 12 من أبواب كيفية الحكم ح5.

المسألة 65 : إذا اختلفا في عقد فكان الناقل للمال مدعياً البيع وكان المنقول إليه المال مدعياً الهبة ، فالقول قول مدعي الهبة وعلى مدعي البيع الإثبات(1)، وأمّا إذا انعكس الأمر فادعى الناقل الهبة وادعى المنقول إليه البيع فالقول قول مدعي البيع وعلى مدعي الهبة الإثبات(2).

----------------------------------------

(1) تارة تكون الهبة بالنسبة إلى الأرحام حيث ليس للواهب الرجوع وأخرى له الرجوع لإنّه لغير ذوي الأرحام ، أمّا في الصورة الثانية أي العين كانت موجودة والموهوب إليه لم يكن من ذوي الرحم لا معنى لهذ النزاع لإنّه يمكنه ارجاع المال بدون المخاصمة ، وأمّا في الصورة الأولىيكون القول قول مدعي الهبة لإصالة عدم اشتغال ذمة المنقول إليه بالعوض إذا كانت الهبة غير معوّضة فحينئذٍ لابد من ثبوت العوض من البينة ، لإن المالك هو المدعي والموهوب إليه هو المنكر ، فإذا لم تكن له البينة فالقول قول من يدعي الهبة مع يمينه ، وإذا كانت الهبة معوّضة فكل منهما يدعي العوض غاية الأمر الناقل يدعي عوض البيع والمنقول إليه يدعي عوض الهبة .

(2) وأمّا في صورة ما إذا أدّعى الناقل الهبة والمنقول إليه البيع فالقول قول من يدعي البيع لإنّه حينما يدعي الناقل الهبة فمعناه أنّه يتمكن من الرجوع وازالة ملكية المنقول إليه فهو في هذه الحالة مدعٍ والمنقول إليه منكر فلابد من إثباتمدعاه ، فإن أتى بالبينة رجع فيأخذ العين وإلا يكون المال للموهب إليه مع يمينه .

ص: 167

المسألة 66 : إذا أدّعى المالك الإجارة وادعى الآخر العارية فالقول قول مدعي العارية(1)، ولو انعكس الأمر كان القول قول المالك .

المسألة 67 : إذا اختلفا فادعى المالك إن المال التالف كان قرضاً وأدّعى القابض إنّه كان وديعة فالقول قول المالك مع يمينه(2)، وأمّا إذا كان المال موجوداً وكان قيمياً فالقول قول من يدعي الوديعة .

----------------------------------------

(1) هذا ليس من باب تقديم قول ذي اليد لإن حكم ذي اليد بعد إن اعترف صاحب اليد أن العين تكون للغير ، ولكن أدّعى هو ما يخالف دعوى المالك ، بل من جهة الأصل براءة ذمته منمال الإجارة فلو لم يكن للمالك بينة فيحكم لذي اليد ، وأمّا إذا كان مدعي الإجارة ذو اليد ومدعي العارية المالك فالقول قول المالك لأصالة عدم ملكية المنفعة له أي لذي اليد والأصل عدم وجوب ابقائه إلى المدة .

(2) تارة نتكلم حسب القاعدة ، وأخرى حسب الدليل ، أمّا بحسب القاعدة يكون القول قول القابض لإنه المنكر والمالك مدعِ حيث يدعي الضمان واشتغال ذمة القابض فلابد من إثباته بالبينة ، فإذا لم يكن له بينة فالقول قول القابض مع يمينه ، ولكن حسب الدليل يكون القول قول المالك كما دلت عليه معتبرة إسحاق بن عمار «قال : سألت أبا الحسن (علیه السلام)عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل كانت عندي وديعة وقال الآخر إنما كانت لي عليك قرضاً ، فقال : المال لازم له إلا أن يقيم البينة إنّها كانت وديعة»(1).

ومعتبرته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قال لرجل ليّ عليك ألف درهم ، فقال الرجل لا ولكنها وديعة ، فقال : أبو عبد الله القول قول صاحب المال

ص: 168


1- الوسائل باب 7 من أبواب احكام الوديعة ح1.

المسألة 68 : إذا اختلفا فأدّعى المالك إن المال كان وديعة وأدّعى القابض إنّه كان رهناً فإن كان الدين ثابتاً فالقول قول القابض مع يمينه وإلا فالقول قول المالك(1).

----------------------------------------

مع يمينه»(1) .

قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) ونعم ما قال : بإنّه لابد من حملها على موارد تلف المال حيث إن الدرهم مثلي فلو كانت الدراهم موجودة لم يكن أثر يترتب على الدعوى(2)، لإنه للمالك أن يطلب المال وهو المختار .

(1) فبحسب القاعدة يكون القول قول من يدعي الوديعة إذا لم يكن هناك دين ثابت لعدم الضمان بالأصل وللقابض أن يأتي بالبينة ، ولا دليل على ثبوت قول القابض كما هو كذلك بالنسبة إلى القرض ولإن الرهينة لا تثبت إلا إذاثبت بإن هناك دين أو شيء آخر مما يصح الرهن به لإنّه إذا لم يثبت لا معنى لمدعي الرهن لإنّه يدعي الرهن على دين لم يثبت ولذا يكون القول قول مدعي الوديعة ، فمن يدعي الرهينة لابد له من الإثبات ، أمّا إذا كان الدين ثابتاً فالقول قول القابض، ويدل عليه روايات .

منها : معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال في حديث : «فإن كان الرهن أقلّ مما رهن به أو أكثر واختلفا فقال أحدهما هو رهن وقال الآخر هو وديعة ، قال : على صاحب الوديعة البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب الرهن»(3) .

ومنها : ومعتبرة عباد بن صهيب «قال : سألتأبا عبد الله (علیه السلام) عن متاعٍ في يد رجلين احدهما يقول استودعتكاه والآخر يقول هو رهن ، قال ، فقال: القول

ص: 169


1- الوسائل باب 18 من أبواب احكام الرهن ح1.
2- مباني تكملة المنهاج /1/ 75 .
3- الوسائل باب 16 من أبواب احكام الرهن ح2.

المسألة 69 : إذا اتفقا في الرهن وادعى المرتهن إنه رهن بألف درهم مثلاً وأدّعى الراهن إنّه رهن بمائة درهم ، فالقول قول الراهن مع يمينه(1).

----------------------------------------

قول الذي يقول إنّه رهن إلا أن يأتي الذي أدّعى إنّه أودعه بشهود»(1)

فتحمل هذه الرواية على ثبوت الدين ، أمّا صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «إنّه قال : في رجلرهن عند صاحبه رهناً ، فقال الذي عنده الرهن ارتهنته عندي بكذا وكذا ، وقال الآخر إنما هو عندك وديعة ، فقال : البينة على الذي عنده الرهن إنّه بكذا وكذا فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين»(2)

، تحمل على صورة عدم إثبات الدين لإنّها مطلقة فتحمل على ذلك بمعتبرة ابن أبي يعفور .

(1) وذلك للأصل فإن أثبت المرتهن دعواه بالبينة فبها وإلا فالقول قول المالك ، وتدل عليه جملة من الأخبار .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل يرهن عند صاحبه رهناً لا بينة بينهما فيه فأدّعى الذي عنده الرهن إنّهبألف ، فقال صاحب الرهن أنه بمائة ، قال : (علیه السلام) البينة على الذي عنده الرهن إنّه بألف وإن لم يكن له بينة فعلى الراهن اليمين»(3).

ومنها : خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا اختلفا في الرهن، فقال أحدهما رهنته بألف وقال الآخر بمائة درهم ، فقال : يسأل صاحب الألف البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب المائة»(4).

ص: 170


1- الوسائل باب 16 من أبواب احكام الرهن ح3.
2- الوسائل باب 16 من أبواب أحكام الرهن ح1.
3- الوسائل باب 17 من أبواب أحكام الرهن ح1.
4- الوسائل باب 17 من أبواب أحكام الرهن ح2.

المسألة 70 : إذا اختلفا في البيع والإجارة ، فأدّعى القابض البيع والمالك الإجارة ، فالظاهر أن القول قول مدعيّ الإجارة وعلى مدعي البيع إثبات مدّعاه هذا إذا اتفقا في مقدار العوض أو كان الثمنعلى تقدير البيع أكثر وإلا كان المورد من موارد التداعي ، فيحكم بالانفساخ مع التحالف(1) .

----------------------------------------

ومنها : ما عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل رهن عند صاحبه رهناً لا بينة بينهما فأدّعى الذي عنده الرهن إنّه بألف وقال صاحب الرهن هو بمائة ، فقال : البينة على الذي عنده الرهن إنّه بألف فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين إنّه بمائة»(1).

(1) لاتفاقهما في المنفعة وإنما الكلام يقع في إن المال هل هو للمالك أو القابض وهو بيد القابض وهو مدعيّ والمالك منكر ولابد للقابض من أقامة البينة ، وإلا يكون القول قول المالك معيمينه ، ولاستصحاب بقاء الملك على ملك مالكه لو كان الثمن مجهولاً ؟ فهنا يرجع إلى التنازع كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : فإن ملكية المنفعة لمدعي البيع وإن كان متفق عليها إلا أن ما يملكه مدعي الإجارة على مدعي البيع مجهول فكل منهما يدعي على الآخر شيئاً وهو ينكره فإن مدعي البيع يدعي ملكية العين والآخر ينكرها ومدعي الإجارة يدعي الأجرة على مدعيّ البيع وهو ينكرها ، فإن لم يثبت شيء من الدعويين ببينة أو حلف حكم بالانفساخ(2).

وبعبارة أخرى تدخل المسألة في التنازع فإن جاء أحدهما بالبينة فيحكم له أو حلف أحدهما دون الآخر وإلا لو لم يكن هناك بينة أو لم يحلفأحدهما فيحكم بالانفساخ .

ص: 171


1- الوسائل باب 17 من أبواب أحكام الرهن ح3.
2- مباني تكملة المنهاج / 1 / 77 .

المسألة 71 : إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن زيادة ونقيصة فإن كان المبيع تالفاً ، فالقول قول المشتري مع يمينه ، وإن كان المبيع باقيّاً لم يبعد تقديم قول البائع مع يمينه كما هو المشهور(1) .

----------------------------------------

(1) فهنا أي في صورة التلف يكون البائع هو المدعي لإنّه مدعيّ الزيادة فلا بد له أن يأتي بالبينة فإن لم يكن له بينة فالقول قول المشتري لإنّه ينكر الزيادة والأصل عدم الزيادة عما يعترف به المشتري إلا أن يكون للبائع حجة شرعية لما بيناه .

وأمّا إذا كان المبيع باقياً يكون القول قولالبائع وقد أدعيّ عليه الإجماع ولكن عرفت مراراً حال هذه الإجماعات فالعمدة النص ، وقد استدلوا بخبر أحمد ابن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (علیه السلام) «في الرجل يبيع الشيء فيقول المشتري هو بكذا وكذا بأقلّ مما قال البائع ، فقال : القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائما بعينه»(1)، وقال استاذنا الأعظم (قدس سره) الاستدلال بهذه الرواية مبني على أحد أمرين :

الأول : دعوى إن البزنطي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة .

الثاني : إن الرواية الضعيفة تنجبر بعمل المشهور ، ولكن كلا من الدعويين لم تثبت علىما أوضحناه في محله(2)،

وما ذكره الاستاذ (قدس سره) هو الحق وتكفينا معتبرة عمر بن يزيد عن أبيه عن أبي عبد الله (علیه السلام) « قال ، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إذا التاجران صدقا بورك لهما ، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا ، فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا»(3) ، ولابد من حمل الرواية على

ص: 172


1- الوسائل باب 11 من أبواب أحكام العقود ح1.
2- مباني تكملة المنهاج/ ج1/ 79.
3- الوسائل باب 11 من أبواب أحكام العقود ح2.

المسألة 72 : إذا أدّعى المشتري على البائع شرطاً كتأجيل الثمن أو اشترط الرهن على الدرك أو غير ذلك كان القول قول البائع مع يمينه وكذلك إذا اختلفا في مقدار الأجل وادعىالمشتري الزيادة(1) .

المسألة 73 : إذا اختلفا في مقدار المبيع مع الاتفاق على مقدار الثمن فأدعى المشتري إن المبيع ثوبان مثلاً وقال البائع إنّه ثوب واحد فالقول قول البائع مع يمينه ، وإذا اختلفا في جنس المبيع أو جنس الثمن كان من موارد التداعي(2) .

----------------------------------------

صورة أن تكون العين باقية بعد ما عرفت أن في صورة التلف يكون القول قول المشتري .

(1) لإن المشتري هو المدعي في كلا الموردين فلابد له من إثبات دعواه بحجة معتبرة ، وهكذا في صورة الاختلاف في زيادة الأجل فبما إن البائع يكون هو المنكر لذا يكون معه الأصللإن الأصل عدم وقوع البيع على الأكثر .

(2) لإن الأصل عدم الزيادة حيث يدعي المشتري الزيادة ويكون البائع منكراً فلابد للمدعي إثباته فإن لم تكن له البينة فيكون القول قول البائع مع يمينه .

أمّا إذا كان الاختلاف في جنس المبيع بإن كان كلاً منهما يدعي خلاف ما يدعيه الآخر من جهة الجنس ويدعي أحدهما كون المبيع فرساً وقال الآخر ثوباً أو أدعى أحدهما إن الثمن ذهباً وقال الآخر فضة وحيث إنّه يدعي أحدهما خلاف ما يدعيه الآخر فلابد لكل منهما إثبات مدعاه بالبينة أو الحلف ، فإن لم يثبت كلاً مدعاه يحكم بالانفساخ .

ص: 173

المسألة 74 : إذا اتفقا في الإجارة واختلفا في الاجرة زيادة ونقيصة فالقول قول مدعي النقيصة وعلى مدعي الزيادة الإثبات ، وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف في العين المستأجرة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في الأجرة أو كان الاختلاف في المدة زيادة ونقيصة مع الاتفاق في العين ومقدار الأجرة(1) .

المسألة 75 : إذا اختلفا في مال معين فأدعى كل منهما إنه اشتراه من زيد واقبضه الثمن ، فإن اعترف البائع لأحدهما دون الآخر فالمال للمقر له(2).

----------------------------------------

(1) كل ذلك لإن مدعيّ النقيصة هو المنكر بلا فرق بين أن يكون الاختلاف في الاجرة أو العين المستأجرة أو المدة ومدعي الزيادة هو المدعي فلابد من إثبات مدعاه بالبينة كما مرّ ، فإن لم يكن له البينة فالقول قول مدعي النقيصة .

(2) فتارة لا بينة لأحدهما وتكون يديهما خارجتين ويكون المال في يد صاحبه الأصلي ، فإن صدّق من في يده أحدهما احلف وقضي له لإن المال يكون لصاحبه والإقرار به نافذ ما لم يكن له بينة .

وأمّا إذا كانت البينتان متعارضتان ويكون مَنْ في يده هو الحجة ، أمّا إذا أقام غير من أقرت له البينة على مدعاه فاعتراف البائع سقط عن الاعتباروالبائع يكون ضامناً لمن جاء بالبينة وله أن يرد إلى المقرّ له ما أخذه باعترافه على الخلاف فبما إن زيداً الذي هو صاحب المال منكر ومدعى عليه والذي لم يقر له مدعي فلابد للمدعي من إثبات دعواه بالبينة وحيث ليس له بينة يكون القول قول صاحب اليد مع يمينه ، وهكذا لو كانت لهما بينتان فبعد اعتراف البائع لاحدهما

ص: 174

..........................

وصيرورته ذي اليد بإقراره له فيقبل قوله شرعاً وعرفاً .

ولكن قد يستشكل بإنه هل بعد أن أقام البينةكلاهما هل يكون اعترافه مفيداً أم لا ؟ قال صاحب قواعد الأحكام : ولو أقام كل منهما بينة على الشراء وتساويا عدالة وعدداً وتاريخاً حكم لمن تخرجه القرعة مع يمينه ولا يقبل قول البائع لأحدهما(1)، وقال صاحب التحرير : وإن أقرّ لكل واحد منهما بنصفها سلمت إليهما وحلف لكل واحد منهما على نصفها(2)،

وقال صاحب الجواهر في شرح كلام المحقق : لإنه صار بالإقرار له كذي اليد في قيام الشاهد فعلاً على ملكه فيكون الثاني بالنسبة إليه مدعياً وهو مدعى عليه(3)

، والحق ما ذكره صاحب الجواهر .

ولكن قد استشكل البعض بإن قيام البينتينليس مثل عدم قيامهم لها لإنّه بعد اقامة البينتين يكون كاشفاً من أن يد المقر مستحقة للإزالة وإقراره ليس بشيء لإنّه كإقرار الأجنبي ، وهذا أول الكلام لأن عدم سماع إقراره إنما هو إذا كان بعد الحكم بمقتضى القرعة بعد انتزاعه منه ، أما إذا كان قبل ذلك فيكون الإقرار مسموعاً لأنّه في يده وهو المالك .

وللآخر احلاف البائع على ما يأتي ، سواء أقام كل منهما البينة على مدعاه أو لم يقيما جميعا ، نعم إذا أقام غير المقرّ له البينة على مدعاه سقط اعتراف البائع عن الاعتبار وحكم له بالمال ، وعلى البائع حينئذٍ أن يرد إلى المقرّ له ما قبضه منه باعترافه ، وإن لم يعترف البائع اصلاً .

ثم لو أقام أحدهما البينة أي غير المقرّ لهفيكون اعتراف البائع ساقطاً

ص: 175


1- قواعد الأحكام /3/ 478 .
2- تحرير الاحكام /5/199 .
3- الجواهر/40 /407 .

فإن أقام أحدهما البينة على مدعاه حكم له وللآخر احلاف البائع فإن حلف سقط حقه وإن رُدّ الحلف إليه ، فإن نكل سقط حقه أيضاً وإن حلف ثبت حقه في أخذ الثمن منه ، وإن أقام كل منهما البينة على مدعاه أو لم يقيما جميعاً توجه الحلف إلى البائع فإن حلف على عدم البيع من كل منهما سقط حقهما وإن حلف على عدم البيع من أحدهما سقط حقه خاصة ، وإن نكل ورد الحلف إليهما ، فإن حلفا معاً قسم المال بينهما نصفين ، وإن لم يحلفا جميعاً سقط حقهما ، وإن حلف أحدهما دون الآخر كان المال للحالف وإناعترف البائع بالبيع من أحدهما لا على التعيين جرى عليه حكم دعويين على مال لا يد لاحد عليه(1) .

----------------------------------------

ويكون بمنزلة المنكر ويحكم له أي للغير بالمال ، ثم لابد للبائع أن يخسر للمقرّ له لإنّه أقرّ له باعترافه .

أمّا إذا لم يقر أحدهما ففي هذا الفرض تجري قاعدة المدعي والمنكر ، فإن أقام أحدهما البينة على مدعاه حكم له وللآخر احلاف البائع ويكفي حلفه بإنه لا يعلم .

وأمّا إذا أقام كل منهما البينة أو لم يقيما البينة جميعاً ، فإما في الصورة الأولى فيقع البائع بحكمالمنكر بعد تعارض البينتين وسقوطهما ، وأمّا في الصورة الثانية فهو أيضاً منكر فلابد له الحلف بعدم وقوع البيع ، فإن حلف سقط حقهما وإن لم يحلف فيرد الحلف على المدعيين ، فإن حلف أحدهما يكون المال له ولو حلفا يكون المال لهما بالتنصيف .

ص: 176

المسألة 76 : إذا ادعى أحد رقية الطفل المجهول النسب في يده حكم بها له ، وإذا أدّعى الحرية بعد البلوغ لم تسمع إلا إذا أقام البينة عليها وكذلك الحال في البالغ المملوك في يد أحد إذا أدعى الحرية(2) .

----------------------------------------

(1) أمّا لو كان مقرّاً بالبيع فالمال يكون خارجاً بإقراره ويكون الحكم في هذه الصورة بمنزلة الحكم في العين التي لا يد لإحدهما عليها فيصبح كل منهما مدعٍ ومنكراً ، فمع حلفهما أو نكولهما تقسم بينهما ومع حلف أحدهما ونكول الآخر يكون المال للحالف ، وكذا لو أقام أحدهما البينة فيكون المال لهما بالتنصيف في الصورة الأولى ولمن أقام البينة في الصورة الثانية .(2) أمّا قبول دعوى المدعي فلأنّه يمكن أن يكون المدعى عليه في الواقع رقاً وقد أدعى رقيته ولا معارض له في دعواه مع أنّه ذو اليد فيقضى له وقد أدعى في الجواهر عدم الخلاف(1).

وقال المحقق الاشتياني : أقول هذا الحكم مما لم يوجد فيه مخالف بل ولم ينقل فيه خلاف أيضاً في الجملة ، وإن اختلفت كلمتهم فيه من حيث الافتقار إلى انضمام اليمين كما ذهب إليه الشيخ في أحد قوليه(2)، ولكن يأتي الإشكال فيما إذا ادعى الحرية بعد البلوغ ، فهل تسمع دعواه أم لا ؟ هناك أقوال :

الأول : إنه لا يسمع قول الصبي ودعواهالحرية بعد البلوغ ولو مع البينة ونسب ذلك إلى الشهيد الثاني في المسالك حيث قال بعد الجزم بثبوت الحكم في المسألة ما هذا لفظه : وحيث تثبت الرقية لا يلتفت إلى إنكار الصغير بعد بلوغه لسبق الحكم برقيته(3)،

وظاهره عدم سماع قول الصبي حتى ولو أقام البينة .

ص: 177


1- الجواهر /40 / 476 .
2- كتاب القضاء للمحقق الأشتياني / 455 .
3- مسالك الافهام /14 /118.

..........................

الثاني : قول الشيخ إن القول بعدم السماع حتى مع إقامة البينة غير موجود وإن المقصود من عدم الالتفات إلى انكاره إنما هو من حيث عدم تأثيره في توجه الحلف على ذي اليد لا سقوطقوله ولو مع البينة(1)، أي لا يلتفت إلى انكاره لإنّه لا تسمع دعوى الطفل حتى مع البينة .

الثالث : السماع ظاهراً من دون ضميمة الحلف أو معه كما نسب إلى الشيخ والعلامة في التذكرة من غير فرق بين المميز وغيره .

الرابع : السماع في المميز وعدمه في غير المميز إلا بضميمة البينة ، ولكن الحق هو السماع مطلقاً مميزاً كان أو غيره لإنه ذو اليد ودعواه بلا معارض ولا يحتاج إلى الحلف ، بل حتى ولو لم يدعي المدعي رقية العبد ، بل عامل معه معاملة الرقية وتصرف فيها تصرف الملاك في املاكهم كما إذا عرضه معرضاً للبيع ، فيكون قول ذي اليد حجة بعد ادعاءه بالرقية قولاً أو فعلاً ، كما وردفي صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته عن مملوك أدعى إنه حر ولم يأت ببينة على ذلك اشتريه ، قال نعم»(2)

وكما في رواية حمزة ابن حمران «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) أدخل السوق وأريد أن اشتري جارية فتقول إني حرة ، فقال : اشترها إلا أن يكون لها بينة»(3).

ص: 178


1- كتاب القضاء للمحقق الاشياني 455.
2- الوسائل باب 5 من أبواب بيع الحيوان ح1.
3- الوسائل باب 5 من أبواب بيع الحيوان ح2.

نعم لو أدّعى أحد إنه مملوك له وليس بيده وأنكره المدعى عليه لم تسمع دعوى المدعي إلا ببينة(1) .

----------------------------------------

(1) وهل تقبل دعوى مملوكية الصغير الذي لا يد له عليه ولم يكن هناك معارض لما يدعيه أم لا ؟ قد يقال بسماع الدعوى التي لا معارض لها على الإطلاق ومن القدر المتيقن إنما يسمع دعواه إذا كان في يده وهو دليل على سماع دعواه على نحو الكلية .

والحق عدم قبول دعواه إلا إذا أقام المدعي البينة كما تدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقولكان علي بن أبي طالب (علیه السلام) يقول : الناس كلهم احرار إلا من أقرّ على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة ومَنْ شهد عليه بالرق صغيراً كان أو كبيراً»(1) .

ورواية حمران بن اعين «قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن جارية لن تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة أدعى الرجل إنّها مملوكة له ، وأدعت المرأة أنّها بنتها، فقال : قد قضى في هذا علي (علیه السلام) قلت وما قضى في هذا ؟ قال : كان يقول الناس كلهم احرار إلا مَنْ أقرّ على نفسه بالرق وهو مدرك ومن أقام بينة على من عبد أو أمة فإنه يُدفع إليه ويكون له رقاً، قلت : فما ترى أنت ؟ قال : أرى أن اسأل الذي أدّعىإنّها مملوكة له بينة على ما أدّعى فإن احضر شهوداً يشهدون إنّها مملوكة لا يعلمون باع ولا وهب دفعت الجارية إليه حتى تقيم المرأة من يشهد لها إن الجارية ابنتها حرة مثلها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل قلت : فإن لم يقم الرجل شهوداً إنّها مملوكة له ؟ قال: تخرج من يده فإن أقامت المرأة البينة على إنّها ابتها دفعت إليها فإن لم يقم الرجل البينة على ما أدّعى ولم تقم المرأة البينة على ما أدعت خلي سبيل الجارية تذهب حيت تشاء»(2).

ص: 179


1- الوسائل باب 29 من أبواب العتق ح1.
2- الوسائل باب 12 من كيفية الحكم ح9 .

المسألة 77 : إذا تداعى شخصان على طفل فأدّعى أحدهما إنّه مملوك له وأدعى الآخر إنّه ولده ، فإن أقام مدعيّ الملكية البينة على ما ادعاه ولم تكن للآخر بينة حكم بملكيته له(1)، وإن كانت للآخر بينة على إنّه ولده حكم به له سواء أكانت للأول بينة أم لم تكن ، وإن لم تكن لهما بينة خلى سبيل الطفل يذهب حيث شاء .

المسألة 78: لو ادعى كل من شخصين مالاً في يد الآخر وأقام كل منهما البينة على أن كلا المالين له حكم بملكية كل منهما ما في يده مع يمينه(2) .

----------------------------------------

(1) لإنّه مدعٍ فلابد من إثبات دعواه من اقامة البينة حتى يدفع إليه كما لو كانت للآخر بينةعلى أنّه ولده حكم به له بلا فرق بين أن يكون للآخر بينة أم لا ، لإن قوله يكون مطابقاً للأصل حيث إن الأصل في الإنسان الحرية .

وأمّا إذا لم تكن لأحدهما بينة لم تثبت دعوى كل منهما وخلى سبيله ويدل على ذلك كله صحيحة حمران بن اعين المتقدمة .

(2) وذلك لإنّه بعد تعارض البينتين بتساقطهما فكل من بيده المال ظاهره إنه مالك له فيكون القول قوله لإنه منكر ولما ورد في ذيل صحيحة إسحاق بن عمار «... المال لازم له إلا أن يقيم البينة إنّها كانت وديعة»(1).

ومعتبرته الأخرى «في رجل قال لرجل ليّ عليك ألف درهم ، فقال الرجل لا، ولكنها وديعة ،فقال : أبو عبد الله (علیه السلام) القول قول صاحب المال مع يمينه»(2)،

فكل منهما مالك لما في يده ويكون القول قوله ، والآخر حينما يدعي إنّه له فهو مدعٍ فلابد من الاتيان بالبينة .

ص: 180


1- الوسائل باب 7 من أبواب الوديعة ح1.
2- الوسائل باب 18 من أبواب الرهن ح1.

المسألة 79 : إذا اختلف الزوج والزوجة في ملكية شيء فما كان من مختصات أحدهما فهو له وعلى الآخر الإثبات ، وما كان مشتركاً بينهما كأمتعة البيت وآثاثه فإن علم أو قامت البينة على أن المرأة جاءت بها فهي لها وعلى الزوج إثبات مدّعاه من الزيادة فإن أقام البينة على ذلك فهو وإلا فله احلاف الزوجة ، وإن لم يعلم ذلك قسم المال بينهما وكذلك الحال فيما إذا كان الاختلاف بين ورثة أحدهما مع الآخر أو بين ورثة كليهما(1).

----------------------------------------

(1) قال المحقق : إذا تداعى الزوجان متاع البيت قضي لمن قامت له البينة ولو لم تكن بينة في يد كل واحد منهما على نصفه(1).

وقال في المبسوط : يحلف كل واحد منهما لصاحبه ويكون بينهما نصفين سواء كانت يدهما من حيث المشاهدة أو من حيث الحكم سواء كان مما يصلح للرجال دون النساء كالعمائم والطبالسة والدراريع والسلاح ، أو يصلح للنساء دون الرجال كالحلي والمقانع وقمص النساء ، أو يصلح لكل واحد منهما كالفراش والأواني ، وسواء كانت الدار لهما أو لأحدهما أو لغيرهما ، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما أو بعد الزوجيةوسواء كانت التنازع بينهما أو بين ورثتهما أو بين أحدهما وورثة الآخر ، وفيها خلاف(2).

وقال في التهذيب : ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء فللمرأة وما يصلح لهما يجعل بينهما ، وفي بعض الروايات إن الكل للمرأة(3)،

وقال في الخلاف :

ص: 181


1- شرائع الإسلام /2 /119.
2- المبسوط /5 /680 .
3- التهذيب / 6 / 294 .

..........................

إذا اختلف الزوجان في متاع البيت فقال كل واحد منهما كله ليّ ولم يكن مع أحدهما بينة نظر فيه فما يصلح للرجال ، القول قوله مع يمينه وما يصلح للنساء فالقول قولها مع يمينها ، وما يصلح لهما كان بينهما ، وقد روي أيضاً إن القول فيجميع ذلك قول المرأة مع يمينها والأول احوط(1).

فعلى أي حال لو تداعيا الزوجان متاع البيت وكل منهما يدعي إن المتاع ملك له وقد تكون لكل واحد بينة واخرى لا أو تكن لأحدهما بينة دون الآخر فالأقوال في المسألة ثلاثة :

الأول : ما عن المشهور كما حكى في الرياض إذا تداعا الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما مع ورثة الآخر متاع البيت الذي في يدهما قضي لمن له البينة مطلقاً بلا خلاف(2)، أي لو كانت لأحدهما بينة قضى له بها وإن كانت لكل منهما بينة يدخل في باب تعارض البينات إذا كانت العين في يدهما وإن لم يكن لهما بينة اصلاً فيقضى بينهما بالتنصيف بعد حلف كل منهمالصاحبه بلا فرق بين ما يختص بالرجال كالعمائم وبالنساء كالحلي والمقانع وبين أن يكون الدار لهما أو لأحدهما سواء كانت الزوجية باقية أو زائلة .

الثاني : ما حكي عن الشيخ بقوله : إن ما يصلح للرجال للرجل ، وما يصلح للنساء فللمرأة ، وما يصلح لهما جعل بينهما(3)،

ونسبه في المسالك إلى الخلاف، وقبله ابن الجنيد وتبعهما ابن إدريس والمصنف رحمه الله والعلامة في التحرير والأكثر(4)، وعن نكت النهاية نسبته إلى المشهور وعن الخلاف(5)

ص: 182


1- الخلاف / 6 / 352 .
2- الرياض /15 /189 .
3- المبسوط /5 /680.
4- مسالك الافهام /14 /139 .
5- نفس المصدر السابق.

..........................

والسرائر(1) الإجماع عليه.

الثالث : إنه للمرأة وبه أفتى الشيخ كما مرّ ، ولكل منهم دليل على مدّعاه .

ولكن العمدة الروايات كما نذكره ، أمّا ما كان من مختصات النساء للمرأة ومختصات الرجال للرجل وما يصلح لهما يقسم بالنصف ، فقد ادعوا نسبته إلى الأكثر بل الإجماع عليه والدليل على ذلك صحيح رفاعة النخاس عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما قال : وإذا طلق الرجل المرأة فأدعت إن المتاع لها وأدّعى الرجل إن المتاع له كان له ما للرجال ولها ما يكونللنساء وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما»(2).

فهذه الرواية وإن وردت في الطلاق ولكن كانت من باب التمثيل ولإنّها غير مختصة في باب الطلاق ، لإن المورد لا يخصص لأننا لا نرى فرقاً بين المرأة المطلقة والباقية ما كان من مختصات الرجل فهو للرجل فعلى الآخر إثبات ذلك بالبينة ، وكذا ما كان من مختصات النساء فهو لها وعلى الآخر إثبات ذلك ، وما كان مشتركاً يقسم بينهما كما هو ظاهر الرواية ، وكما ورد في معتبرة يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة تموت قبل الرجل أو الرجل قبل المرأة قال : ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن استولى علىشيء منه فهو له»(3)

لإنه بيده خاصة واليد علامة الملكية لا أن تكون يده مالكة كما في اثاث المطبخ الذي يقال بإن المرأة ذو اليد وأمّا البقية فما كان من مختصات الرجال للرجال ومختصات النساء للنساء والبقية تقسم بينهما .

ص: 183


1- السرائر /2 /196.
2- الوسائل باب 8 من ابواب ميراث الأزواج ح4.
3- الوسائل باب 8 من أبواب ميراث الازواج ح3

المسألة 80 : إذا ماتت المرأة وادعى أبوها أن بعض ما عندها من الأموال عارية فالأظهر قبول دعواه ، وأمّا إذا كان المدعي غيره فعليه الإثبات بالبينة وإلا فهي لوارث المرأة مع اليمين(1) .

----------------------------------------

(1) قال المحقق : ولو ادعى أبو الميتة إنّه اعارها بعض ما في يدها من متاع أو غيره كلف البينة كغيره من الأنساب ، وفيه رواية بالفرق بينالأب و غيره ضعيفة(1)،

وهذا واضح للقاعدة بإن البينة على المدعي .

ولكن هناك رواية وردت على خلاف القاعدة وهي معتبرة جعفر بن عيسى «قال : كتبت إلى أبي الحسن يعني علي بن محمد (علیهما السلام) المرأة تموت فيدعي أبوها إنه كان اعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم اتقبل دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه بلا نية ؟ فكتب إليه - يعني علي بن محمد (علیه السلام) - يجوز بلا بينة قال : وكتبت إليه إن أدّعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو أم زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي أدّعى أبوها من عارية بعض المتاع والخدم أيكون في ذلك بمنزلة الأب في الدعوى ؟ فكتب لا»(2)،فإن الرواية وإن كانت واضحة الدلالة ولكن ضعفها المحقق .

يقول استاذنا الاعظم (قدس سره) : وذكر المحقق في الشرائع إن الرواية ضعيفة ولكن الأمر ليس كذلك فإن توهم ضعف الرواية إن كان من جهة محمد بن جعفر الكوفي الأسدي الواقع في طريق الكليني فيدفعه إنه هو محمد بن جعفر ابن محمد بن عون الأسدي وهو ثقة على أنه غير موجود في طريق الصدوق (قدس سره) وإن كان من جهة محمد بن عيسى الواقع في طريق الصدوق فالصحيح إنه ثقة وإن توقف فيه ابن الوليد كما نبّه عليه غير واحد من علماء الرجال وإن كان من جهة جعفر بن عيسى الواقع في كلا الطريقين فهو ممدوح مدحاً لا يقل عن التوثيقعلى

ص: 184


1- شرائع الإسلام /4 /120.
2- الوسائل باب 23 من أبواب كيفية الحكم ح1.

..........................

أنه وارد في اسناد كامل الزيارات(1).

ولكن قد عرفت حال هذا الكتاب وأن ما ذكره الاستاذ (قدس سره) بإنه لا يروي إلا عن ثقة فقد كشف إنّه يروي عن غير الثقة ، والحق إن محمد بن إسماعيل البرمكي هو ثقة أيضاً كما عن النجاشي ، وإن كان من جهة جعفر بن محمد بن عيسى فهو أيضاً ثقة ، وأمّا بالنسبة إلى اصل العمل بهذا الخبر فقد ذكر صاحب الجواهر : وقد اطنب ابن إدريس في ردّها بإنّها كتابة ولا يجوز للمستفتي أن يرجع لا إلى قول المفتي دون مايجده بخطه بغير خلاف من محصل ضابط لأصول الفقه إلى أن قال ولقد شاهدت جماعة من متفقهة أصحابنا المقلدين لشواذ الكُتّاب يطلقون بذلك وإن أبا الميتة لو أدّعى كل المتاع وجميع المال كان قوله مقبولاً بغير بينة ، وهذا خطأ عظيم في هذا الأمر الجسيم ، لإنّهم إن كانوا عاملين بهذا الحديث فقد اخطأوا من وجوه :

الأول : إنه لا يجوز العمل بأخبار الآحاد عند محصلي أصحابنا على ما كررنا القول فيه واطلقناه .

الثاني : أن من يعمل بأخبار الآحاد ولا يقول بذلك ولا يعمل به ِإلا إذا سمعه من الراوي من الشارع .الثالث : إن الحديث ما فيه إنه ادعى أبوها جميع متاعها وخدمها وإنما قال البعض ما كان عندها ولم يقل جميع ما كان عندها ، ثم إنه مخالف لأصول المذهب ولما عليه إجماع المسلمين ، إن المدعي لا يعطى بمجرد دعواه إلى أن قال ثم لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا ، ومن أورده في كتابه لا يورده إلا في باب النوادر وشيخنا المفيد وسيدنا المرتضى لم يتعرضا له ولا أوراده في كتبهما وكذلك

ص: 185


1- مباني تكملة المنهاج /1 /86 .

..........................

غيرهما من محققي أصحابنا وشيخنا أبو جعفر ما أورده في كتبه بل في كتابين منها فحسب ايراداً لااعتقاداً كما أورد امثاله من غير اعتقاد لصحته ، ثم قال صاحب الجواهر عن كشف اللثام : إن الذي رأيناه في حائريات الشيخ إنه سأل عن الرجل إذا أدّعى بعد وفاة ابنته إذا هلكت عند زوجها إنه قد اعارها جميع متاعها هل يقبل قوله في ذلك كما يقبل في بعضه وإن أدّعى عليها في حياتها ما أدّعاه بعد وفاتها من اعارتها بعض المتاع أو كله فما الحكم في ذلك فأجاب الشيخ القول قول ابيها في الحالين مع يمينه إنه كان اعارها ولم يهبه لها ولا استحقه على وجه ، ثم قال في الكشف أيضاً وعندي لا إشكال ولا مخالفة فيه للأصول وإن المراد أدعاء الأب فيما جهزها به وعلم إنه نقلها من بيت أبيها وإنه الذي اعطاها ، فحينئذٍ إذا أدّعىإنه اعارها فالقول قوله لإن الأصل عدم انتقال الملك والفرق بينه وبين الزوج وأبيه وأمه ظاهر لجريان العادة بنقل المتاع والخدم من بيت الأب ، ثم قال وقريب منه ما في التحرير من الحمل على الظاهر من أن المرأة تأتي بالمتاع من بيت أهلها(1).

إذاً الرواية تكون طبقاً للقاعدة لإنّه بعد ما ثبت نقل المتاع من بيت الأب فيقع النزاع بين الأب وبين الوارث في إنه عارية ويدعي الوارث الملك فيكون القول قول الأب لإنه منكر ويكون طبقاً للقاعدة .

أمّا إذا كان المدعي غير الأب كالزوج مثلاً فلابد من إثباته بالبينة وإلا فالمال يكون للوارثلإنّه منكر مع يمينه .

ص: 186


1- الجواهر / 40 /502 - 503.

نعم إذا اعترف الوارث بإن المال كان للمدعي وأدّعى إنّه وهبه للمرأة المتوفاة انقلبت الدعوى ، فعلى الوارث إثبات ما يدعيه بالبينة أو استحلاف منكر الهبة(1) .

----------------------------------------

(1) نعم في صورة ما إذا كان الوارث معترفاً بإن المال كان للمدعي وأدّعى إنه وهبه للمرأة المتوفاة فلابد من إثبات دعواه بالبينة أو يستحلف منكر الهبة فإذا حلف فينتزع ويدفع المال إلى المالك الأصلي .

ص: 187

فصل في دعوى المواريث

المسألة 81 : إذا مات المسلم عن ولدين مسبوقين بالكفر واتفقا على تقدم إسلام أحدهما على موت الأب واختلفا في الآخر ، فعلى مدعيّ التقدم الإثبات وإلا كان القول قول أخيه مع حلفه إذا كان منكراً للتقدم وأمّا إذا أدّعى الجهل بالحال فلمدعي التقدم احلافه على عدم العلم بتقدم إسلامه على موت أبيه إن أدّعى عليه علمه به(1) .

----------------------------------------

(1) تارة لا يعلم تاريخ إسلام أحدهما ، وأخرى يعلم تاريخ موت الأب دون الآخر ، ففيهاتين الصورتين يكون الوارث فقط المتفق عليه إسلامه دون الآخر لإن كلتا الصورتين بما أن إسلامه مسبوق بالكفر فاستصحاب بقاء كفره إلى زمان موت أبيه موجب لعدم استحقاقه ، وأمّا استصحاب عدم موت أبيه قبل إسلامه فلا يكون موجباً لتأخر موت الأب عن إسلام الأبن إلا بناءً على الأصل المثبت .

وأمّا الصورة الثالثة هو أن يكون تاريخ إسلام الأبن معلوماً وتاريخ موت الأب مجهولاً ، قال المحقق : لو اتفقا إن أحدهما اسلم في شعبان والآخر في غرة رمضان ثم قال المتقدم مات الأب قبل شهر رمضان ، وقال المتأخر مات بعد دخول شهر رمضان ، كان الأصل بقاء الحياة والتركةبينهما نصفين(1) فالمشهور هو

ص: 188


1- شرائع الإسلام /4 /120 .

المسألة 82 : لو كان للميت ولد كافر ووارث مسلم فمات الأب واسلم الولد وأدّعى الإسلام قبل موت والده وأنكره الوارث المسلم فعلى الولد إثبات تقدم إسلامه على موت والده فإن لم يثبت لم يرث(1).

----------------------------------------

قول الآخر ويكون الأخوان مشتركين في التركة فالمحقق استدل بالاستصحاب حيث قال : الأصل بقاء الحياة(1)، وحيث لا يجري الاستصحاب في معلومالتاريخ .

والحق إن استصحاب بقاء حياة المورث إلى زمان إسلام الآخر لا يترتب عليه الأثر المطلوب ، فإنّه لا يثبت موت المورث في حال كون الوارث مسلماً إلا بناءً على الأصل المثبت ، ففي هذا أيضاً يكون القول قول المنكر مع يمينه لعدم علمه بتقدم إسلام أخيه على موت أبيه لو ادعى عليه أخيه بعلمه به .

(1) فالقول قول وارث المسلم لإنّه منكر ولابد للذي يدّعي إسلامه قبل موت أبيه من البينة ، فإن لم يثبت فالمال يكون كله للوارث المسلم إلا إذا أدّعى علم الوارث المسلم فلابد من احلافه أواحلافهم على عدم علمه أو علمهم .

ص: 189


1- نفس المصدر .

المسالة 83 : إذا كان مال في يد شخص وأدّعى آخر إن المال لمورثه الميت فإن أقام البينة على ذلك وأنه الوارث له دفع تمام المال له(1)وإن علم إنه له وارثاً غيره دفعت له حصته وتحفظ على حصة الغائب وبحث عنه فإن وجد دفعت له وإلا عوملت معاملة مجهول المالك إن كان مجهولاً أو معلوماً لا يمكن ايصال المال إليه ، وإلا عومل معاملة المال المفقود خبره .

----------------------------------------

(1) إذا أقام البينة على ذلك وإنه هو الوارث وليس هناك وارث سواه دفع إليه المال بتمامه ، وإن علم إنّه هناك أخ له ولا وارث سواهما دفع إليه نصف المال والباقي يبقى لأخيه ، وهل يبقىفي يد من كان المال في يده حتى يأتي الغائب ويدفع إليه ؟ قال في المبسوط : وقال قوم يؤخذ من المدعى عليه نصيب الحاضر ويقر الباقي في يدي من هو في يده حتى يحضر الغائب وهو الأقوى عندي(1)، وذلك لعدم ثبوتها له قبل دعواه بها إذ البينة حجة للمدعي بها لا غيره ، أو ينتزع من يده كما في الخلاف والباقي يجعل في يد أمين حتى يعود الغائب(2)، لإن البينة حجة شرعية كما هو مقتضى إطلاق دليلها إلا إذا ردّها ذو الحق أو رفع يداً عن حقه والحاكم ولي الغائب ولإنّه بإنكاره سقطت الامانة فالأقوى هو الثاني فبعد ما حفظ حصة الغائب فإن وجد دفع إليه وإنلم يوجد ولم يعرف فيكون حكمه أي المال حكم المال المجهول المالك ، وأمّا إذا علم ولم يعلم المال صاحبه فيعامل مع المال معاملة المال المفقود خبره .

ص: 190


1- المبسوط / 5 /643 .
2- الخلاف / 6 /340.

المسألة 84 : إذا كان لامرأة ولد واحد وماتت المرأة وولدها وأدّعى أخ المرأة إن الولد مات قبل المرأة(1)، وأدّعى زوجها إن المرأة ماتت أولاً ثم ولدها فالنزاع بين الأخ والزوج إنما يكون في نصف مال المرأة وسدس مال الولد(2)، وأمّا النصف الآخر من مال المرأة وخمسة اسداس مال الولد فللزوج على كلا التقديرين ، فعندئذٍ إن أقام كل منهما البينة على مدعاه حكم بالتنصيف بينهمامع حلفهما وكذا الحال إذا لم تكن بينة وقد حلفا معاً وإن أقام أحدهما البينة دون الآخر فالمال له ، وكذلك إن حلف أحدهما دون الآخر ، وإن لم يحلفا جميعاً أُقرع بينهما(3) .

----------------------------------------

(1) ولم يعلم سابقية أحدهما ولا الإقتران فيدعي الأخ إن الولد مات أولاً ثم المرأة فله استحقاق الإرث فما لها يكون بينه وبين زوجها بالتنصيف .

(2) وأدّعى الزوج بإن المرأة ماتت أولاً فإرثها ليّ ولولدها وبالنتيجة يكون المال كله للزوج ، فالنزاع يقع بين الأخ والزوج ، ولكن هذا النزاع يكون في نصف مال المرأة .(3) أمّا نصفه الآخر يكون لا محالة للزوج وخمسة اسداس الولد ونصف ما انتقل إليها من مال ولدها وهو السدس إن كان موتها بعد موت ولدها فحينئذٍ المقدار المتنازع فيه بين الأخ والزوج ، فإن أقام أحدهما البينة دون الآخر يعطى المال له ، وهكذا لو حلف أحدهما وإن أقام كل واحد منهما يحكم البينة بالتنصيف ، وأمّا إذا لم يحلف أحدهما ولا بينة أُقرع بينهما فمن وقعت القرعة باسمه يعطى له لإن القرعة لكل أمر مشكل .

ص: 191

المسألة 85 : حكم الحاكم إنما يؤثر في رفع النزاع ولزوم ترتيب الآثار عليه ظاهراً ، وأمّا بالنسبة إلى الواقع فلا أثر له أصلاً ، فلو علم المدعي إنه لا يستحق على المدعى عليه شيئاً ومع ذلك أخذه بحكم الحاكم لم يجز له التصرف فيه ، بل يجب ردّه إلى مالكه ، وكذلك إذا علم الوارث إن مورثه أخذ المال من المدعى عليه بغير حق(1) .

----------------------------------------

(1) لا يخفى بإن حكم الحاكم يجب اتباعه وترتيب الأثر عليه لإن هذا الحكم إنما يكون لرفع مادة النزاع وقطع الخصام ويجوز لكل واحد أن يرتب عليه آثار الواقع ، هذا إذا كان جاهلاًبالواقع وغير عالم ببطلان الحكم وذلك لإطلاق الأدلة ولكن مع علمه ببطلان الحكم يكون الحكم مخالفاً للواقع .

أمّا من جهة علمه بإن المال ليس لزيد كما إذا علم المدعي أو غيره بإنه لا يستحق على المدعى عليه شيء ومع ذلك أخذه بحكم الحاكم ، أو إذا علم أن البينة كانت فاسقة فالواقع يبقى على حاله ، والعلم بالواقع لا يصادمه الحكم ولا يجوز للمدعي أو غيره التصرف فيه إلا بإذن مالكه الأصلي ، فإذا علم بفسق شاهدي الطلاق فلا يجوز أن يتزوج بتلك المرأة ، كما إنّه لو أدّعى زوجية امرأة وهو يعلم أنّها ليست بزوجته فبحكم الحاكم له لا يجوز مناكحتها وإذا ماتت لا يرثهاكما إن للمرأة إذا علمت بالواقع وبطلان الحكم لا يجوز لها تمكين نفسها كما في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال ، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إنما اقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم الحن بحجته من بعض ، فإيما رجل قطعت له من مال اخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار»(1).

ص: 192


1- الوسائل باب 2 من أبواب كيفية الحكم ح5.

كتاب الشهادات

ص: 193

ص: 194

كتاب الشهادات(1).

اشارة

----------------------------------------

(1) يقع الكلام أولاً في معنى الشهادة ، وهي لغة تكون بمعنى الحضور كما في قوله تعالى : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»(1)، وقوله تعالى : «نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ»(2)، وقوله تعالى : «وَمَا شَهِدْنَا إِلاَ بِمَا عَلِمْنَا»(3).

وفي قول الرسول (صلی الله علیه و آله وسلم) وقد سئل عن الشهادة «فقال : هل ترىالشمس ؟ على مثلها فاشهد أو دع»(4)، وروي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك»(5).

ولا يخفى بأنّه لم تثبت حقيقة شرعية أو متشرعة لهذا اللفظ ، فما في الآيات المباركة ، وما ورد عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) والأئمة الأطهار (علیهم السلام) فلابد أن يحمل على المعنى العرفي .

ص: 195


1- سورة البقرة الآية / 185 .
2- سورة المنافقون الآية / 1 .
3- سورة يوسف الآية / 81 .
4- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح3.
5- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح1 .

فصل في شرائط الشهادة

الأول : البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان(1).

----------------------------------------

(1) الصبي تارة يكون غير مميز وأخرى يكون مميزاً ، أمّا في الصورة الأولى فلا إشكال في عدم نفوذ شهادة الصبي غير المميز ، وأمّا الثانية ، فهل تكون شهادته نافذة أو لا ؟ الظاهر عدم نفوذها أيضاً ، كما قال صاحب الجواهر : بلا خلاف إجماعاً بقسميه(1)، إلا أنّ عدم الخلاف فيقبول شهادته في الجملة ، فما يتمسك بإطلاق بعض الآيات والروايات ينصرف إلى البالغ كما في قوله تعالى: «فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً»(2)

وقوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «إنما اقضي بينكم بالبينات والأيمان»(3)،

ويؤيد ذلك ما ورد من الاحاديث .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) قال «في الصبي يشهد على الشهادة ، فقال : إن عقله حين يدرك أنّه حق جازت شهادته»(4).ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام):

ص: 196


1- الجواهر / 41 / 4 .
2- سورة النساء الآية / 6.
3- الوسائل باب 2 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
4- الوسائل باب 21 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

إن شهادة الصبيان إذا أشهدوهم وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها»(1).

قلنا لا تقبل في الجملة ، لأنّه تقبل شهادته في القتل كصحيحة محمد ابن حمران قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن شهادة الصبي قال ، فقال : لا إلا في القتل يؤخذ بأول كلامه ، ولا يؤخذ بالثاني»(2).وبإزاء هذه الروايات روايات تدل على قبول شهادة الصبي .

منها : عن إسماعيل بن جعفر «متى تجوز شهادة الغلام ، فقال : إذا بلغ عشر سنين»(3)، ولكن لا يمكن الاستناد إليها لأنّها غير مسندة إلى المعصوم (علیه السلام) ولا يمكن الأخذ بإطلاقها .

ومنها : معتبرة عبيد بن زرارة ، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن شهادة الصبي والمملوك ، فقال : على قدرها يوم اشهد تجوز في الأمر الدون ولا تجوز في الأمر الكبير»(4).

وقد أورد استاذنا الاعظم (قدس سره)علىهذه الرواية بأنّها رواية شاذة مهجورة ، ومشتملة على ما هو مقطوع البطلان من عدم جواز شهادة المملوك في الكبير ، فلا بعد في ورودها مورد التقية ، على أنّ متنها مجمل فإن الكبر والصغر امران متضايفان وليس لهما واقع معلوم ، فالشيء الواحد كبير بالإضافة إلى شيء وصغير بالإضافة إلى شيء أخر(5)،

ولكن لا يخفى أنّ الرواية ولو فرض مهجوريتها وعدم عمل الأصحاب بها ، فلا يكون اعراض المشهور عنده موجباً لضعف الرواية .

ص: 197


1- الوسائل باب 21 من أبواب الشهادات ح2.
2- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح2.
3- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح3.
4- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح5.
5- مباني تكملة المنهاج / 1/95.

..........................

وأمّا ما قال بأن الرواية على ما هو مقطوعةالبطلان وهو عدم شهادة المملوك.

وفيه إن الرواية بمنزلة روايتين ، فإذا فرض بطلان جملة منها ، فهذا لا يضر بالنسبة للجملة الأخرى أي بحجيتها بالنسبة إلى الصبي ، وهكذا لو فرض حمل تلك الجملة على التقية فلا تضر في العمل بالجملة الأخرى .

وأمّا ما قال في إجمال المتن بالنسبة إلى الصغير والكبير ، فإنه ولو فرض فيه إجمال ، يرجع إلى العرف ، فالعرف بعد ما علم من سن الطفل المميز ذكائه يمكن أن يقبل منه في مورد وقد لا يقبل في غيره ، كما لو كان ذكائه أقلّ أو سنه أقلّ .

ويمكن أن يقال بأن هجرانه موجب للقطعبعدم الجواز ، بعد ما ورد الإجماع بقسميه على عدم الجواز وبعد ما كان المورد محل ابتلاء للعموم ولو كان جائزاً لأصبح شائعاً .

ومنها : معتبرة طلحة بن زيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) عن علي (علیه السلام) قال «قال : شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم»(1).

وفيه إن الحديث دل على اعتبار الشهادة بينهم ، فلا يدل على اعتبار شهادة الصبيان بالنسبة إلى الغير .

قد يقال بأنّ الرواية مخدوشة بطلحة لأنّه لم يوثق ، وأنّه عامي المذهب كما عن الشيخ فيالفهرس وله كتاب ، إلا أنّ كتابه معتمد ، وروى عنه البجلي ، وهو لا يروي إلا عن ثقة ، إذاً هو كما ذكره الاستاذ الاعظم (علیه السلام) من أن الرواية معتبرة .

ص: 198


1- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح6.

نعم تقبل شهادتهم في القتل(1)، إذا كانت واجدة لشرائطها ويؤخذ بأول كلامهم ، وفي قبول شهادتهم في الجرح إشكال .

----------------------------------------

(1) أمّا شهادتهم في القتل ، فتدل عليها شهرة عظيمة كما في كلام استاذنا الاعظم(1)، مضافاً إلى ذلك صحيحة محمد بن حمران «لا إلا في القتل» المتقدمة الذكر ، وصحيحة جميل قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) تجوز شهادة الصبيان، قال : نعم في القتل يؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني منهم»(2).

وأمّا اشتراط بلوغه عشر سنين في قبول شهادته فلم يرد عليه دليل إلا رواية أبي أيوب الخزاز ، قال : «سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام ، فقال : إذا بلغ عشر سنين»(3)، وقد عرفت أنّها غير حجة لعدم استنادها إلى المعصوم ، وهل تقبل شهادتهم مطلقاً إذا لم يتفرقوا ؟ قد يقال بأنّها تقبل إذا لم يتفرقوا ، ومستندهم في ذلك معتبرة طلحة بن زيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي (علیهم السلام) «شهادة الصبيان جائزة بينهمما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم»(4)، وقد عرفت أن موردها شهادة الصبيان فيما بينهم لا مطلقاً ، فلا تقبل شهادتهم على الاطلاق ونسب إلى النهاية في قبول شهادتهم أن يكون اجتماعهم على أمر مباح(5).

والحق كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : ولم يعرف له أي وجه فإن الصبي قد رفع عنه القلم فلا فرق بين أن يكون اجتماعهم على امر مباح أو على

ص: 199


1- المباني /1 /95.
2- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح3 .
4- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح6.
5- النهاية 96.

الثاني : العقل(1)، فلا عبرة بشهادة المجنون حال جنونه ، وتقبل حال إفاقته .

----------------------------------------

غيره(1).

وأمّا ما ذكر المحقق بالحديث والأخذ به بالنسبة إلى القتل بأن التهجم على الدماء بخبر الواحد خطر(2)، وفيه أن تعطيل الحدود وهدر دم المسلم أيضاً مشكل ، وما ذكره (قدس سره) غير تام بعد ورود الرواية المعتبرة كما هو المفروض .

وأمّا بالنسبة إلى الجرح فالالتزام به مشكل لعدم ورود الدليل ، فالدليل إنما ورد في القتل فلا يمكن التعدي ، نعم لو كان هناك إجماع قطعي كاشف عن قول المعصوم (علیه السلام) يؤخذ به ، وأمّا هنا فأصل الإجماع غير تام لمخالفة فخر المحققين على ما نسب إليه ، ونسب الاردبيلي فيمجمع الفائدة والبرهان بقوله : ثم اعلم إن النصوص ليست بصحيحة ولا صريحة في قبول شهادة غير البالغ ، فالفتوى بقبول شهادتهم في القتل الذي يجب الاحتياط فيه أكثر بمجرد هذه الاخبار مشكل ، لعدم الصحة والصراحة على ما رأيت مع ما مرّ من الأدلة الدالة على المنع ، وأشكل منه الفتوى فيه وفي غيره ، وأشكل منهما الفتوى في الجرح ونحوه دون القتل وهو ظاهر(3).

(1) فالمجنون تارة يكون مطبقاً وأخرى أدوارياً ، أمّا بالنسبة إلى الأول فمما لا خلاف فيه بين المسلمين ، وعليه السيرة العقلائية ، وفي الجواهر : إجماعاً بقسميه بل ضرورة من المذهب أو الدين على وجه لا يحسن من الفقيه ذكر ما دلعلى ذلك من الكتاب والسنة ، أمّا من يناله الجنون ادواراً هو كالمطبق حال جنونه ،

ص: 200


1- المباني /1 /96 .
2- شرائع الإسلام /4 /125.
3- مجمع الفائدة والبرهان /12 / 296.

الثالث : الإيمان فلا تقبل شهادة غير المؤمن ، وأمّا المؤمن فتقبل شهادته وإن كان مخالفاً في الفروع ، وتقبل شهادة المسلم على غير المسلم ولا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم(1).

----------------------------------------

نعم لا بأس حال إفاقته فحكمه بشهادته في الأدلة حينئذٍ كتاباً وسنة(1)،

قال المحقق : أمّا من يناله الجنون ادواراً فلا بأس بشهادته حال افاقته ، لكن بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنهواستكمال فطنته(2)، وما ذكره تام ومما لا خلاف فيه ، يقول في الجواهر : وإلا طرح شهادته بلا خلاف أجده في شيء من ذلك ، بل ولا إشكال(3).

(1) المراد بالإيمان بالمعنى الأخص أي المقرّ بإمامة الأئمة الاثني عشر (علیهم السلام) والمسألة غير خلافية ، وقد ورد الاجماع عن لسان غير واحد ، وفي الجواهر قوله : بلا خلاف اجده فيه ، بل عن جماعة الإجماع عليه ، بل لعله من ضروري المذهب في هذا الزمان ، للأصل بعد اختصاص اطلاقات الكتاب والسنة ، ولو للتبادر وغيره بالمؤمن خصوصاً نحو «رِجَالِكُمْ» وممنترضون وبناءً على المعلوم من مذهب الإمامية من اختصاص الخطاب بالمشافهين دون غيرهم ، وليس المخالف بموجود في زمان الخطاب ، ولو سلم العموم فقد عرفت الخبر المفسر لقوله تعالى : «تَرْضَوْنَ» برضا دينه ولاريب في كونه غير مرضي الدين(4)، كما في قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي

ص: 201


1- الجواهر /41/15.
2- شرائع الإسلام /4 /126.
3- الجواهر/41 /15.
4- الجواهر /41 / 16.

..........................

عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء»(1)، ثم إن استاذنا الاعظم (قدس سره) قال : فإن غير المؤمن إذا كان مقصراً فيما اختاره من المذهب فلا إشكال في أنّه فاسق أشد الفسق وتارك لأهم الواجبات الالهية بغير عذر ، فلا يكون خيّراً ومرضياً وعادلاً كي تقبل شهادته ، بل هو مخزي في دينه(2)،

ويقول المحقق : فلا تقبل شهادة غير المؤمن وإن اتصف بالإسلام لا على مؤمن ولا على غيره ، لاتصافه بالفسق والظلم المانع من قبول الشهادة(3) .واستدل الأستاذ الأعظم (قدس سره) بمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان لا يقبل شهادة فحاش ولا ذي مخزية في الدين»(4)، ثم قال: وأمّا إذا كان قاصراً كما إذا كان مستضعفاً فمقتضى اطلاقات عدة من الروايات قبول شهادته(5)، ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(6) .

قد يقال بأنه لا يمكن العمل بالرواية الأولى وذلك :

أولاً: لو أخذنا بظاهر الرواية هو كفاية فعلواحد

منه وصف بالخير ولو كانت بقية أفعاله اجمع شرّاً ، ولكن الحق أنّ ظهور الرواية والمتبادر منها معنى أنه علم منه خيراً بالمعاشرة معنا ، ويكون خيّراً في أفعاله لا معنى أنّه يعمل عملاً واحداً خيراً .

ص: 202


1- سورة البقرة الآية / 282.
2- مباني تكملة المنهاج /1/97 - 98 .
3- شرائع الإسلام /4/126.
4- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح1.
5- المباني /1/98.
6- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح8.

..........................

وثانياً : بأنّه لو أخذ بإطلاق الرجل فمعناه أنّه يمكن الأخذ من الكافر أي كون الرجل كافراً ، أنّه لو فرض إطلاق الرواية ، ولم تكن منصرفة إلى المسلم ، إلا أنّها تقيد بما ورد من الأدلة الدالة على عدم قبول قول الكافر .

وقد استدل (علیه السلام) بصحيحة محمدبن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمي ويعتق العبد أتجوز شهادتهما على ما كانا اشهدا عليه ، قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(1).

وأمّا ما أشكل به على الرواية فعين الاشكال في تلك الرواية والجواب عين الجواب ، فاذا تم الإجماع فبه ، وإلا فمقتضى الروايات هو قبول شهادة القاصر ، ولكن مقتضى حديث ابن أبي يعفور هو عدم قبول شهادة غير المؤمن على الإطلاق مقصراً كان أم قاصراً ، وإليك نص الرواية قال عبد الله ابن أبي يعفور «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) بم تعرف عدالة الرجل بينالمسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك كله أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واضب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين ، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة ، فإذا كان كذلك لازماً لمصلاه عند حضورالصلوات الخمس ، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما راينا منه إلا خيراً ، مواظباً على الصلاة متعاهداً لأوقاتها في مصلاه ، فإن ذلك يجيز

ص: 203


1- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

شهادته وعدالته بين المسلمين ، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب ، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين ، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممن لا يصلي ، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ، ولو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح ، لأن من لا يصلي لا صلاح له بينالمسلمين ، فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) هم بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين ، وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك ، وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله (صلی الله علیه و آله وسلم) فيه الحرق في جوف بيته بالنار ، وقد كان يقول لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة»(1).

إذاً لابد أن يكون الشاهد عادلاً ، والمخالف ليس بعادل ويكفي في عدم القبول شرطية العدالة وأنها تقيد تلك الاطلاقات .

وأمّا شهادة المسلم وقبولها على غير المسلمفمما لا خلاف ولا إشكال فيه للآية المباركة : «كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً»(2)، ولصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل ، ولا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين»(3)، وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب»(4)

ويؤيد ذلك أيضاً قول النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينهم ، إلا المسلمين فإنّهم عدول عليهم وعلى غيرهم»(5).

ص: 204


1- الوسائل باب 41 من ابواب الشهادة ح1.
2- سورة البقرة الآية / 143.
3- الوسائل باب 38 من أبواب الشهادات ح1.
4- الوسائل باب 38 من أبواب الشهادات ح3.
5- مستدرك الوسائل باب 32 من باب قبول شهادة علم على الكافر ح4 .

نعم تقبل شهادة الذمي على المسلم في الوصية إذا لم يوجد شاهدان عادلان من المسلمين(1)، وقد تقدم ذلك في كتاب الوصية ، ولا يبعد قبول شهادة أهل كل ملة على ملتهم .

----------------------------------------

(1) وأمّا في الوصية فهل تقبل شهادة الذمي فقط أو مطلق الكافر ؟ نعم تقبل شهادتهما وإن كانت في الجملة محل وفاق إذا لم يكن هناك مسلم وهل الشهادة مختصة بالمال أو مطلق الوصية كما لو أوصى بتعيين الوصي على أولاده الصغار غير البالغين .

لا يخفى أنّه بعد إن كان من شروط قبول الشاهدة بأن يكون الشاهد مسلماً استثنوا من ذلكما إذا كان الشاهد ذمياً فإنّها تقبل شهادته في الوصية على المسلم ، وأمّا بالنسبة إلى الذمي فمما لا خلاف فيه من قبول شهادته على المسلم ، ويدل عليه الآية الشريفة : «آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ»(1)، ففي صحيح أحمد بن عمر قال : «سالته عن قول الله عز وجل «ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» قال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب فإن لم يجد من أهل الكتاب فمن المجوس لأن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قال : سنّّوا بهم سنة أهل الكتاب ، وذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يشهدهما فرجلان من أهل الكتاب»(2)،

وهل يختص بكونه ذمياً ؟ الظاهر لا لأطلاق الآيةوصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في قوله عز وجل «أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» قال : إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم في الوصية»(3)، وفي حديث آخر ورد على تخصيص الحكم بالكتابي ، كما في حديث أحمد بن عمر الذي مرّ ذكره ، ففي هذا الحديث ذكر شيئان ، الأول قبول شهادة المجوسي ، والثاني قبوله

ص: 205


1- سورة المائدة الآية / 106.
2- الوسائل باب40 من أبواب الشهادات ح2.
3- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح3.

..........................

إذا لم يكن هناك كتابياً .والكلام هنا يقع أولاً في أن المجوسي هل يعتبر من أهل الكتاب أو لا قد يقال : أنّهم ليسوا من أهل الكتاب ، فلو قلنا بذلك فقبول شهادتهم إنما هو استثناء لعدم قبول قول الكافر ، ولكن ورد في بعض الروايات بأن لهم كتاب يقال له جاماس عن محمد بن علي بن الحسين (علیهم السلام) «قال : المجوس تؤخذ منهم الجزية لإن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) قال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، وكان لهم نبي اسمه داماس فقتلوه ، وكتاب يقال له جاماست كان يقع في اثني عشر الف جلد ثور فحرقوه»(1)،

وما عن سفينة البحار وأيضاً عن الكافي عن بعض أصحابنا قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عنالمجوس أكان لهم نبياً ؟ فقال : نعم أما بلغك كتاب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إلى أهل مكة إن اسلموا وإلا نابذتكم بحرب فكتبوا إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أن خُذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه - يريدون بذلك تكذيبه - زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور»(2).ومنها : أيضاً عن ابن فضال عن أبي بكير عن زرارة ، «قال : سألته عن المجوس ما حدهم ؟ فقال : هم من أهل الكتاب ، ومجراهم مجرى اليهود والنصارى في الحدود والديات»(3)، وموثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : بعث النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) خالد بن الوليد إلى البحرين ، فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى

ص: 206


1- الوسائل باب 49 من أبواب جهاد العدو ح5.
2- سفينة البحار /8 /29 باب الميم بعده الجيم.
3- الوسائل باب 13 من أبواب ديات النفس ح11.

..........................

والمجوس ، فكتب إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) : إني أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم بثمانمائة ثمانمائة ،وأصبت دماء قوم من المجوس ولم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً ، فكتب إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) : أنِّ ديتهم مثل دية اليهود والنصارى ، وقال : أنهم أهل كتاب»(1)، فتدل هذه الروايات على أنّهم من أهل الكتاب ، وورد في حديث صحيح عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي «قال كنت قاعداً عند أبي عبد الله (علیه السلام) بمكة إذ دخل عليه أُناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة وناس من رؤسائهم ، وذلك حدثان قتل الوليد إلى أن قال يا عمرو ارأيت لو بايعت صاحبك الذي تدعوني إلى بيعته ثم اجتمعت لكم الأمة فلم يختلف عليكم رجلان فيها فأفضيتم إلىالمشركين الذين لا يسلمون ولا يؤدون الجزية أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المشركين في حروبه ؟ قال : نعم ، قال : فتصنع ماذا ؟ قال : ندعوهم إلى الإسلام ، فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية ، قال : وإن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب ؟ قال : سواء ، قال : وإن كانوا مشركي العرب وعبدة الاوثان ؟ قال : سواء ، قال : اخبرني عن القران تقرؤه ؟ قال : نعم ، قال اقراء «قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(2)، فاستثناءالله تعالى واشتراطه من أهل الكتاب فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء ؟ قال : نعم ، قال : عمن أخذت ذا ؟ قال : سمعت الناس يقولون ، قال : فدع ذا»(3)، فيحمل على أنّهم بالفعل ليسوا من أهل الكتاب لما ورد بأنّهم

ص: 207


1- الوسائل باب 13 من أبواب ديات النفس ح7 .
2- سورة التوبة الآية / 29 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب من يجوز له جمع العساكر والخروج إلى الجهاد / 19950.

..........................

قتلوا نبيهم وحرقوا كتابهم ، فالمجوسي ليس حكمه حكم الكتابي .

وأمّا ما ذكر بأن بعض الفقهاء كالشهيد في المسالك حيث قال : والحكم مختص بوصية المال ، فلا تثبت الوصية بالولاية المعبّر عنها بالوصايا ، وقوفاً فيما خالف الأصل علىمورده»(1)، فما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله الصحيح إن الحكم يعم الوصاية أيضاً لأطلاق الأدلة ولم نظفر برواية مشعرة بالاختصاص ، ولعل الاردبيلي (قدس سره)أراد بها ما في بعض الروايات كموثقة سماعة من تعليل الحكم بأنه لا يصلح ذهاب حق احد ، ولكن من الظاهر أن حق الوصايا من حقوق الميت فلا يصلح ذهابه ثم قال الاستاذ (قدس سره) الثاني : إن المذكور في كلمات غير واحد من الفقهاء اعتبار كون الشاهد ذمياً بل ادعي عليه الاجماع(2)،

ولم نعرف له وجهاً ظاهراً ، فإن الإجماع لم يتحقق ، وعنوان الذمي لم يذكر إلا في روايتين ، أحدهما صحيحة الحلبي ، قال :«سألت أبا عبد الله (علیه السلام) هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم ؟ قال : نعم إذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم أنه لا يصلح ذهاب حق أحد»(3)، ورواية ابن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال سألته عن قوله عز وجل : «ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» فقال : اللذان منكم مسلمان ، واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فقال : إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته ، فلم يجد مسلمين ، فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما»(4)،

قال : وكلاهما لا تدلان على اعتبار كون الشاهد لابد أنيكون

ص: 208


1- المسالك /14/163.
2- المباني /1/ 100 - 101.
3- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح1.
4- الوسائل باب 20 من أبواب الوصايا ح7 .

..........................

ذمياً ، أمّا الاولى فمخدوشة من حيث الدلالة في نظره ، والثانية من حيث السند ، ويمكن أن يستدل بإطلاق الآية الشريفة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآَثِمِينَ»(1)، فإن كلمة وآخران من غيركم ، بأطلاقها تشمل الذمي وغيره وهل يشترطأن يكون بأرض غربة ؟ الظاهر لا كما قال المحقق ، ولا يشترط كون الموصي في غربة ، وباشتراطه رواية مطروحة(2)، وفي نظره الشريف المراد من الرواية المطروحة هي رواية حمزة ، وهي ضعيفة من حيث السند ، لأن العلة هي عدم ضياع حق الموصي ، إذاً لو لم يكن في أرض غربة ولم يوجد هناك إلا الذمي كما إذا كان مسجوناً في بلده وكان الموكل عليه في سجنه هو الذمي فيجوز الوصية للذمي حينئذٍ ، وهل تقبل شهادة مسلم واحد عدلاً منضماً إلى واحد عدل من أهل الكتاب عندهم ؟ قد أجاب الاستاذ الأعظم (قدس سره) نقلاً عن المستند عدم القبول بدعوى الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النصودعوى الاولوية ممنوعة لعدم العلم بالعلة(3)، واختار هو القبول بالأولوية القطعية ، وهل يكفي وجود أربع ذميات ؟ الظاهر لا اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع النص ، قال المحقق : وهل تقبل شهادة الذمي على الذمي ؟ قيل لا وكذا لا تقبل على غير الذمي ، وقيل تقبل شهادة كل ملة على ملتهم وهو استناد إلى «رواية سماعة والمنع اشبه»(4) المشهور على

ص: 209


1- سورة المائدة الآية / 106 .
2- شرائع الاسلام /4 /126.
3- المباني /1 /104.
4- شرائع الإسلام /4 /126.

..........................

عدم القبول ، وعن الشيخ في النهاية تقبل شهادةكل ملة على ملتهم وعليهم(1)

وقد استدل بموثقة سماعة قال «سألت أبا عبد الله عن شهادة أهل الملة قال ، فقال : لا تجوز إلا على أهل ملتهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية لأنّه لا يصلح ذهاب حق أحد»(2)،

وقد ضعفت الرواية بيونس بن ضبيان ، كما في رجال النجاشي بقوله : ضعيف جداً لا يلتفت الى ما رواه كل كتبه تخليط(3) .

أمّا صاحب المقال ربما لم يقبل رواية الكشي الذي اعتمد عليها الأصحاب الواردة في لعن يونس بن ضبيان ، أو ربما أنّه اعتمد أيضاً على ما في تفسير القمي الذي اخرج له عدة روايات من الأصحاب الذين رووا عنه بعضهم ثقات فيكونحال هذا الرجل بحسب ما يعتمد عليه من البناء والحال أن الشيخ حفظه الله لم يقبل هذا المبنى ظاهراً هذا ما طرء في البال ومنه التوفيق فتأمل .

وما نسب إليه من الطعن فإنّه غير تام راجع تنقيح المقال(4)، وعلى أي حال يكفينا ما رواه الحلبي في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) هل تجوز شهادة أهل الذمة على غير أهل ملتهم ، قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة غيرهم ، أنه لا يصلح ذهاب حق أحد»(5).

ورواية محمد بن مسلم قال : «سألته هل تجوز شهادة أهل ملة من غير أهل ملتهم ، قال : نعم إذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادةغيرهم ، أنّه لا يصلح ذهاب حق أحد»(6).

ص: 210


1- النهاية 334.
2- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح4 .
3- رجال النجاشي رقم / 1210 .
4- تنقيح المقال في يونس بن ضبيان .
5- الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح1 .
6- الوسائل باب الوصايا ح3 .

الرابع : العدالة فلا تقبل شهادة غير العادل(1).

----------------------------------------

(1) قال في الجواهر : كتاباً وسنة مستفيضة ، أو متواترة ، وإجماعاً بقسميه(1)،

يقول المحقق : الرابع العدالة إذ لا طمأنينة مع التظاهر بالفسق ولاريب في زوالها بمواقعة الكبائر كالقتل ، والزنا ، واللواط ، وغصب الأموال المعصومة ، وكذا بمواقعة الصغائر مع الإصرار ، أو في الأغلب(2)، فما ذكره غير تام ، لأن الكلام في اشتراط العدالة إنما هو بالنسبة إلى الواقع ، لأن التظاهر بالفسق وعدمه مربوط بمقام الإثبات ، اللهم إلا أن يقالبأن كفاية من أظهر الإسلام وعدم ظهور الفسق ليس هو العدالة ، بل مراده ومراد غيره ممن تفوه بهذا الكلام إنما هو من طرق ما يعرف به العدالة ومعرفتها ولذا تراهم يستدلون بأصالة عدم الفسق وأصالة الصحة في أقوال المسلمين وافعالهم وغيرها من الاستدلالات كدعوى أن الإسلام مختص لفعل الواجبات وترك المحرمات ، والسبب للفسق يكون لمانع ، فإذا شك في وجود المانع يبني على عدمه ببركة الأصل ، وكذا تراهم يقولون إذا لم يقبل قول من أظهر الإسلام وعدم ظهور الفسق منه لم يتمكن الحكام من تنظيم أمورهم ، فظهر مما ذكرنا أن معنى عدم التظاهر ليس بمعنى العدالة ، وعلى أي حال فاشتراطالعدالة في الشاهد مما لا خلاف فيه ، وفي المستند قال البحث الاول : في بيان اشتراطها في الشاهد وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الكفاية بل هو مجمع عليه وصرح بالإجماع أيضاً جماعة منهم المحقق الاردبيلي ، والشهيد الثاني ، وصاحب المفاتيح ، وشارحه ، بل أدعى الاخيران وبعض مشايخنا المعاصرين الضرورة الدينية عليه(3).

ص: 211


1- الجواهر /41/25.
2- شرائع الإسلام ج4/26 .
3- المستند / 18 /51 .

..........................

وقد استدل بالآيات والعمدة منها آية الوصية : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْأَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآثِمِينَ»(1)، قد يقال بأنّها مختصة بباب الوصية ولا يمكن استفادة القاعدة الكلية منها ، ذكر استاذنا الاعظم (قدس سره) جواباً على ذلك ، بأن اعتبار العدالة في الشاهد على الوصية المبني أمرها على التوسعة ، فتقبل فيها شهادة المرأة وشهادة غير المسلم إذا لم يوجد المسلم يقتضي اعتبارها في غير الوصية جزماً وكيف يمكن الالتزام بعدم ثبوت الوصية بشهادة رجلين غير عدلين وثبوت الزواج والقتل ودعوى المال وماشاكل ذلك بشهادتهما(2).

وأمّا بقية الآيات كآية الطلاق : «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»(3)، وآية الصيد : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ»(4).

فلا يمكن الاستدلال بهما ، وذلك :

ص: 212


1- سورة المائدة الآية / 106 .
2- المباني / 2 / 106.
3- سورة الطلاق الآية / 2 .
4- سورة المائدة الآية / 95 .

..........................

أولاً : لاختصاصها في الطلاق ، فلا يمكن استفادة القاعدة العامة منها .

ثانياً : ولأنها كما ورد في التفسير أنّ المراد بالمماثلة في الخلقة لا القيمة أي في النعامة بدنه ، وفي حمار الوحش وشبهه بقرة ، وفي الظبي والأرنب شاة وهو المروي عن أهل البيت (علیهم السلام) فالمقصود هو النبي ، أو الإمام ، وهم الذين يعينون هذه الكفارة ، فالآية خارجة عن محل البحث ، وقد ورد بذلك صحيح زرارة عن أبي جعفر في قوله عز وجل : «يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ» فالعدل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) والإمام من بعده يحكم به وهو ذوعدل ، فإذا علمت ما حكم به رسول الله والإمام فحسبك ، فلا تسأل عنه»(1).

أمّا آية : «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ»(2) فيمكن أن تكون دليلاً على أن العدالة شرط في الشهود ، يقول صاحب مجمع البيان : ويدل أيضاً على أنا لم نتعبد بإشهاد مرضيين على الاطلاق ، لقوله : «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ» ولم يقل من المرضيين ، لأنّه لا طريق لنا إلى معرفة من هو المرضي عند الله تعالى ، وإنما تعبدنا بإشهاد من هو مرضي عندنا في الظاهر وهو من نرضى دينه ، وامانته ونعرفه بالستر ، والصلاح(3)،

فالإشكال أن المرضي أعمّ من العادل ، لأنّه قد يكون مرضياًولم يكن عادلاً ، بل يكون ثقة في غير محله ، وأمّا الروايات .

منها : صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم»(4).

ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا بأس بشهادة

ص: 213


1- الوسائل باب 7 من أبواب صفات القاضي ح26 .
2- سورة البقرة الآية / 282 .
3- مجمع البيان / 1/ 513 .
4- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح1 .

..........................

الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبيجعفر «قال : لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل ، إذا عُلم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(2).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما يرد من الشهود قال ، فقال : الظنين والمتهم ، قال : قلت فالفاسق والخائن ، قال : ذلك يدخل في الظنين»(3).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان علي (علیه السلام) إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم أقرع بينهم على إيّهما تصير اليمين»(4).ومنها : صحيحة عبد الرحمن الحجاج عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : أمير المؤمنين لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»(5).

وأمّا الإشكال بأن هذه الرواية معارضة بالروايات التي دلت على الحرية فتسقط عن إمكان الاستدلال بها .

فنقول ولو أنّها بالنسبة إلى المملوك مشكل ، ولكن بالنسبة إلى أصل العدالة يمكن الاستدلال بها بعد ما قلنا بإمكان التجزئة ، وتكون كالروايتين.

ومنها : معتبرة علاء بن سيّابة عن أبي عبد الله (علیه السلام) أن أبا جعفر «قال : لا تقبل شهادة سابق الحاج ، لأنّه قتل راحلته ، وافنى زاده ،واتعب نفسه واستخف

ص: 214


1- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح3 .
2- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح8 .
3- الوسائل باب 30 من أبواب الشهادات ح1 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح5 .
5- الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح1 .

ولا بأس بقبول شهادة أرباب الصنائع المكروهة والدنيئة(1).

الخامس : أن لا يكون الشاهد ممن له نصيب فيما يشهد به(2).

----------------------------------------

بصلاته ، قلت فالمكاري ، والجمال ، والملاح ، فقال : وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء»(1)، وصحيحة أخرى لمحمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ، ثم يسلم الذمي ويعتق العبد أتجوز شهادتهما على ما كانا اشهداعليه ، قال: نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(2) .

والإشكال على هذه الرواية قد يقال بأنّه لا تدل على اشتراط العدالة قلنا إن كلمة خيراً ، أو صالحاً ، ولو لم تكونا بمعنى العدالة ، طريقان لمعرفة العدالة ككلمة ترضون ، وغير ذلك من الروايات .

(1) كبيع الأكفان والصرافة ، وبيع الطعام ، ومن كان كسبه في الذبح والنحر من المكاسب المكروهة ، وأمّا الدنيئة كالزبال ، والوقاد ، وذلك للإطلاقات ، لأنّ الميزان حسب الأدلة عدالته ، فلا يضرّ كسبه ولو كان مكروهاً ، أو دنيّئاً بعمله بعد ما كان الشخص متلبساً بالعدالة .(2) هل عدم قبول هذه الشهادة لأجل التهمة ؟ الحق أنّه ليس ذلك لأن مجرد التهمة إذا لم تكن منافية للعدالة لا تضر ، فالشخص العادل حينما يشهد للحق لا لجر النفع إلى نفسه وهو لا يجر النفع بغير الحق ، كما ورد في صحيحة ابان قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلا في شيء له فيه نصيب»(3)، ولا لما قيل بأنّ الشريك إن شهد لشريكه فيما هو شريك لا يخلو الحال من ثلاثة، أمّا أن تقبل شهادته بالنسبة إلى تمام المال المشترك،

ص: 215


1- الوسائل باب 34 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب الشهادات ح3 .

..........................

أو بالنسبة إلى خصوص حق شريكه ، أو لا تقبل بالنسبة إليهما .

وأمّا قبول الشهادة بالنسبة إلى الأول فمعناه شهادة الإنسان لنفسه ، فإنّه غير مقبول قطعاً ، وأدلة قبول الشهادة منصرفة عن هذا المورد ، وقد ادعي الإجماع عليه ، وأمّا بالنسبة للثاني ، فإنّه يلزم التفكيك بالنسبة إلى عدم قبول الشهادة في حصته وقبولها بالنسبة إلى حصة الشريك ، يتعين حينئذٍ الثالث وهو عدم قبول الشهادة بالنسبة إلى تمام المال المشترك إذا شهد الشريك والأمر في عدم قبول هذه الأمور ليس من جهة التهمة في العدالة ، لأنّه أصبح داخلاً في شرط العدالة ، ولا بشرط جديد ، إذ لو لم يكن هنا دليل لقلنا بقبولشهادته ، فالوجه في عدم القبول هو ورود النصوص .

منها : معتبرة سماعة قال: «سألته عما يُرد من الشهود، قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير، والعبد والتابع والمتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم»(1).

ومنها : وموثق عبد الرحمن ، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن ثلاثة شركاء، شهد اثنان عن واحد ، قال : لا تجوز شهادتهما»(2)، قال الشيخ : وكل من يجر بشهادته نفعاً إلى نفسه أو يدفع ضرراً عنها ، فإنّ شهادته لا تقبل(3).

وأمّا ما ورد في الصحيحة الأخرى عن عبدالرحمن عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن ثلاثة شركاء ادعى واحد وشهد الاثنان قال يجوز»(4).

وهذه الرواية تكون ساقطة أو تحمل على أن شهادته تقبل على غير مال

ص: 216


1- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح3 .
2- الوسائل باب 27 من أبواب الشهادات ح1 .
3- المبسوط /5/581 .
4- الوسائل باب 27 من أبواب الشهادات ح4 .

فلا تقبل شهادة الشريك في المال المشترك ولا شهادة صاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال(1).

----------------------------------------

الشركة ، كما يظهر من الروايات بعدم قبول شهادة الشريك في مال الشركة ، ويدل عليه ماورد في الصحيح عن ابان قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته إلا في شيء له فيه نصيب» إذاً لا تقبل شهادة الشريك فيما هو شريك فيه ، أمّا بالنسبة إلى ما هو ملك لشريكه خاصة فهو جائز .

(1) أمّا شهادة صاحب الدين للمعسر المحجور عليه وهو مسلم به ، قال صاحب المستند : ومنها رد شهادة صاحب الدين للمعسر المحجور عليه بفلس إذ لو قلنا بانتقال المال إلى الغرماء ، فهو يكون شريكاً ، وإلا فيكون له حق التسلط على استيفاء نصيبه منه ، قال : المحقق الاردبيلي فيه وفي سابقه : لعله لا خلاف فيهما(1)،وذلك لأنّه بعد أن قبلت شهادته فيكون المدين صاحب المال فيتمكن من أخذ حقه منه وإن لم يكن هو المحجور عليه ، وقال استاذنا الاعظم (قدس سره) : يدل عليه ما دل من الروايات على عدم الاعتبار بشهادة الخصم(2)،

للاستدلال بالروايات كصحيحة الحلبي ، قال : «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عمّا يُردّ من الشهود ، قال : الظنين، والمتهم، والخصم، قال: قلت فالفاسق والخائن ؟ فقال: هذا يدخل بالظنين» ، وبموثقة سماعة قال «سألته عمّا يُردّ من الشهود ، قال : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبدوالتابع والمتهم كل هؤلاء تُردّ شهاداتهم»(3).

ص: 217


1- المستند /18/240 .
2- المباني / 1/ 111 .
3- الوسائل باب 30 من أبواب الشهادات ح5 .

ولا شهادة السيد لعبده المأذون(1)، ولا شهادة الوصي فيما هو وصي فيه(2).

----------------------------------------

والحق إن كلمة الخصم لا تشمل محل الكلام ، لأنّ الخصم بمعنى العدو ولا تقبل شهادة العدو لعدوه ، كما يأتي إذا لم تكن هذه العداوة موجبة لرفع العدالة ،

وإلا تدخل في شرط العدالة .

(1) أمّا شهادة السيد لعبده المأذون فلا تقبل ، لأنّه هو وماله لمولاه فشهادته بمنزلة الشهادة على نفسه ، وهو مردود بالاتفاق .(2) وكذا شهادة الوصي ، وفي الرياض : إلا أنّ الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا كما هو ظاهر جماعة(1)،

لأنّ شهادته تجرّ نفعاً إليه ، وقد استدل بمكاتبة الصفار إلى أبي محمد (علیه السلام) «هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟ فوقع (علیه السلام) إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي اليمين ، وكتب : أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً - وهو القابض للصغير - وليس للكبير بقابض ، فوقع (علیه السلام) : نعم»(2)،

وكما قال استاذنا الاعظم (قدس سره) فإنّها ظاهرة في عدم الاعتداد بشهادة الوصي وإلافلا حاجة إلى ضمّ اليمين إلى شهادة رجل أخر ، فالمتحصل من الرواية أن شهادة الوصي ساقطة ، وإنما يثبت حق الميت بشاهد ويمين(3).

ص: 218


1- الرياض /15/284 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب الشهادات ح1 .
3- المباني /1/112 .

ولا شهادة من يريد دفع الضرر عن نفسه كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية(1)، ولا شهادة الوكيل أو الوصي بجرح شهود المدعي على الموكل أو الموصي(2).

----------------------------------------

(1) أمّا عدم قبول شهادة أحد العاقلة فتكون من جهة من يدفع الضرر عن نفسه ، لأنّه حينما يجرح شهود الجناية ، فبجرحه هذا يكون موجباً لدفع الضرر ، إلا أن هذا لا يكون سبباً لعدم قبول شهادته بعد إن كان عادلاً ، ولذا ادخلها الماتن في شهادة الخصم ، وبمقتضى صحيحة عبد الله بن علي الحلبي ومعتبرة سماعة المتقدمة الذكر ، وعليه فلا تقبل شهادته ، لأنّه يُعد من الخصم حقيقة .ولكن يمكن أن يقال بقبول شهادته ، لأنّ معنى الخصم العداوة ، وهذا يوجب عدم بقاء العدالة ، وإلا لو فرض بقاء عدالته يقبل قوله .

(2) لا يخفى أن الوكيل أو الوصي تارة يكون الموصى به له ، وأخرى يكون لغيره وله حق التصرف .

أمّا في الصورة الاولى ، فلا اشكال في عدم قبول شهادته ، لأنّه موجب لجلب النفع إلى نفسه فيكون شاهداً لنفسه .

وأمّا الصورة الثانية ، فهي كسابقتها لأنّه موجب لجر النفع ، وهو التصرف ، وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) فهما بشهادتهما يثبتان لأنفسهما حقاً ، فيكون ذلك من شهادة الخصم التي لا تسمع بمقتضى الصحيحةالمذكورة(1)،

وقال في المستند : لا تقبل شهادة يدفع بها ضرر عن الشاهد كشاهدة العاقلة ، بجرح شهود قتل الخطأ ، وشهادة الوصي والوكيل بجرح شهود ردّ المال الذي للوكيل والوصي أخذه بلا خلاف فيه ، وإن وقع الخلاف في الأخيرين أنّه هل هو دفع ضرر أو لا ؟ والظاهرأن فيهما أيضاً دفع ضرر فترد شهادة الجميع لأنّها أيضاً شهادة للنفس عرفاً ويجر بها

ص: 219


1- المباني /1/112 .

ولا شهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه حق الشفعة(1)، وأمّا إذا شهد شاهدان لمن يرثانه فمات قبل حكم الحاكم فالمشهور عدم الاعتدادبشهادتهما ، ولكنه مشكل والاقرب القبول(2).

----------------------------------------

نفعاً لنفسه ، فلا تشملها عمومات القبول ، فتبقى تحت الأصل .

وتدل على ردّها مرسلة ابان من حيث أن فيه نصيباً للشاهد أيضاً وموثقة سماعة من حيث أن في الشهادة دفع مغرم عن نفسه ، ولا يعارضها العمومات لعدم شمولها ولا أقلّ من عدم العلم بشمولها لها(1)، فما استدل به من الرواية فهو غير تام لأنّها مرسلة ، وما ذكر من أنّه لا تعارضها العمومات ففيه ما دام الدليل موجوداً ، فإنّه لا يمكن التمسك بالإطلاقات والعمومات وإذا لم يكن موجوداً فالعمومات هي الدليل .(1) وأما عدم قبول شهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه حق الشفعة إنما هو لأجل أن شهادته تكون موجبة للنفع ، ويمكن إدخالها في الخصم أيضاً .

(2) قال في المستند : ومنها شهادة الوارث لجرح مورثه عند الجرح وإمكان السراية، فان الدية تجب له عند الموت(2)، وذكر في التحرير(3)

والقواعد(4)،

وشرح الارشاد(5)،

والدروس(6)،

والمسالك(7)،

وكفاية الاحكام(8)

ودليلهم في ردّها هو وجود التهمة ، وقد عرفت حالها ، ولا نصيب للشاهد حين الشهادة فلا تشمله سائر ادلة

ص: 220


1- المستند /18/243 .
2- المستند /18/242.
3- التحرير /2 /209.
4- القواعد /2 /237.
5- مجمع الفوائد /12 /386.
6- الدروس /2/128.
7- المسالك /14 /190.
8- كفاية الاحكام /281.

المسالة 86 : إذا تبين فسق الشهود ، أو ما يمنع من قبول شهادتهم بعد حكم الحاكم ، فإن كان ذلك حادثاً بعد الشهادة لم يضر بالحكم وإن علم أنّه كان موجوداً من قبل ، وقد خفي على الحاكم بطل حكمه(1).

----------------------------------------

المنع(1) ، والعجب إن أكثرهم صرحوا بقبول شهادة شخص لثبوت مال لمورثه لو كان ميتاً وكان وقت الشهادة مجروحاً أو مريضاً قبل شهادته ، بل زاد في شرح الارشاد للاردبيلي ، وإن كان تيقن بموته بعد شهادته واستندوا في القبول إلى أنّه إثبات مال لمورثه لا لنفسه وجرالنفع إليه غير معلوم لاحتمال أن يموت قبله ، ولا يخفى أنّه إن كان المناط التهمة ، فإن وجدت فيوجد فيهما ، وإن كان غيرها فلا يوجد فيهما واحتمال تقدم موت المورث فيهما متحقق ، وما ذكره في شرح الارشاد في وجه الفرق بأن الموجب لانتقال المال إلى الوارث في الأول الجراحة وهي تثبت بالشهادة فلا تقبل ، وفي الثاني الموت وهو غير ثابت بالشهادة فتقبل ، فهو غريب إلى أن يقول فالأقوى فيهما القبول(2).

(1) من المعلوم أنّ الحكم تارة يكون بالنسبة إلى حقوق الناس ، وأخرى بالنسبة إلى حقوق الله تعالى ، وأن الفسق تارة يكون طارئاً ، وأخرى قد علم بوجوده من قبل .أمّا في صورة ما إذا كان طارئاً ، فتارة يكون بعد الحكم ، فلا إشكال في صحة الحكم ، وقد ادعي عليه الاجماع ، وأمّا إذا كان الطروء قبل الحكم وكان من موارد حقوق الناس ، ففيه خلاف ونسب إلى الشيخ في المبسوط قوله : وإن بآن أنّهما فاسقان نظرت ، فإن كان الفسق بعد الحكم أو قامت البينة عنده بالجرح

ص: 221


1- مستند الشيعة / 1/ /242.
2- المستند /18/242.

..........................

مطلقة من غير تاريخ لم ينقض حكمه(1)، كذا في الخلاف : إذا شهد عنده شاهدان ظاهرهما العدالة ، فحكم بشاهدتهما ، ثم تبين أنّهما كانا فاسقينقبل الحكم نقض حمكه(2)، والحلي ، والمحقق بقوله : إذا حكم الحاكم ثم تبين في الشهود ما يمنع القبول فإن كان متجدداً بعد الحكم لم يقدح وإن كان حاصلاً قبل الإقامة وخفي عن الحاكم نقض الحكم إذا علم(3)،

والعلامة في التحرير بقوله : إذا حكم الحاكم ثم ظهر في الشهود ما يمنع القبول ، فإن كان متجدداً بعد الحكم لم يقدح ، وإن كان سابقاً على إقامة الشهادة وخفي على الحاكم نقض الحكم(4)،

والقواعد حيث قال : ولو شهدا ثم فسقا قبل الحكم حكم ، لأنّ المعتبر بالعدالة وقت الإقامة(5)،

خلافاً للشيخ في قول الآخر والفاضل في المختلف: إذا شهد عدلان عندالحاكم بحق ، ثم فسقا قبل أن يحكم بشهادتهما حكم بشاهدتهما ولم يردّه ، واستدل بأن الاعتبار بالعدالة حين الشهادة لا حين الحكم(6)،

وذكر صاحب المسالك : إذا حكم الحاكم بشهادة اثنين ثم بان له ما يمنع قبول الشهادة ، فإن كان المانع متجدداً بعد الحكم كالكفر والفسق لم ينقض الحكم مطلقاً لوقوعه بشهادة عدلين ، وإن كان حدوثه بعد الشهادة وقبل الحكم فسيأتي البحث فيه ، وإن كان حاصلاً قبل الإقامة وخفي على الحاكم كما لو تبين له أنّهما كانا كافرين أو صبيين أو عبدين على وجه لا تقبل فيه شهادتهما ، أو امرأتين ، أو

ص: 222


1- المبسوط /5 /615.
2- الخلاف /6 /288.
3- شرائع الإسلام /4 /132.
4- التحرير /5/270.
5- القواعد /3 /515.
6- المختلف /8 /534.

..........................

عدويّن للمشهود عليه ، أو أحدهما عدواً ، أو ولداً له على القول به ، نقض حكمه لأنّه تيقن الخطأ فيه، كما لو حكم باجتهاده ثم ظهر النص بخلافه(1).

والحق جواز الحكم وإن حكم الحاكم فيكون حكمه طبقاً للقاعدة لاستناده إلى حكم شاهدين عدلين ، وأنّهما يكونان عادلين حين الأداء وإن كانا فاسقين بالفسق الطارئ ، والمفروض عدالتهما في ذلك الحين ، وقيل لا ينفذ الحكم لكونهما فاسقين عند الحكم ، فإذا حكم الحاكم حينئذٍ يكون حكمه مستنداً إلى شهادة الفاسقين، ولكن قد عرفت بأن المدار في العدالة حينالأداء.

ويؤيد ما ذكرنا ما لو أصبح الشاهد مجنوناً بعد الأداء وقبل الحكم فلابد أن نقول بعدم قبول شهادته ، قد يقال بأن المورد يكون من قبيل رجوع الشاهد عن الشهادة قبل الحكم ، قيل هذا قياس مع الفارق ، لأنّه برجوعه يكون موجباً لبطلان الشهادة من الأول وتكون كالعدم ، وأمّا الفسق الطارئ لا يكون كذلك، ولا يكشف عن فسقه عند الأداء ، نعم لو علم أنّه كان فاسقاً من قبل وكان مستوراً في زمان الحكم بطل حكمه ، وقد يقال أيضاً إن ظهور الفسق موجباً لأن يصبح الظن بالعدالة ضعيفاً ، فلا أثر حينئذٍ لعدالته وفيه أنّه بعد إن ثبتت عدالته في وقته بالدليل الشرعي فعند ذلك لا تضر عدم قوة الظن بالعدالة ، نعم لوفرض بعد الفسق زوال الاطمئنان ويكون شكه سارياً ، فلا يجوز الحكم ، هذا بالنسبة إلى حقوق الادمي ، أمّا بالنسبة إلى حق الله ، فقال المحقق : ولو كان حقاً لله تعالى كحد الزنا لم يحكم ، لأنّه مبني على التخفيف ولأنّه نوع شبهة(2)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه(3).

ص: 223


1- المسالك /14/220.
2- الشرائع /4/ 142.
3- الجواهر /41 /70.

المسألة 87 : لا تمنع العداوة الدينية من قبول الشهادة ، فتقبل شهادة المسلم على الكافر(1)، وأمّا العداوة الدنيوية فهي تمنع عن قبول الشهادة ، فلا تسمع شهادة العدو على أخيه المسلم ، وإن لم توجب الفسق .

----------------------------------------

وقد يستشكل بأن الإجماع محتمل المدركية فهو غير حجة ، وما ذكر أنّه مبني على التحقيق وأنّها تدرأ بالشبهات وهذا أحد موارده .

وفيه أنّه بعد ثبوت الدليل فهذه الأمور غير مفيدة لرد الشهادة ، وأنّه ليس دليلاً لفظياً ، بل ولا حتى اتفاق ، ثم أنّه بما أن الشارع المقدس يهتم بالدماء والفروج فالحكم يكون محل تأمل ، وهناك فرق بين الشهادة التي طرأ عليها الفسق للشاهد ، وبين طروء الجنون ، لاتفاقهم على عدم سقوط الحكم هناك وسقوطه هنا .

(1) أمّا العداوة فتارة تكون دينية كما مثل لها الماتن وأخرى دنيوية ، أمّا في الصورة الأولى فتقبل شهادته ، قال في المسالك : والعداوةالدينية لا توجب ردّ الشهادة ، بل تقبل شهادة المسلم على الكافر والمحق على المبتدع وكذا من ابغض الفاسق لفسقه لم ترد شهادته عليه(1).

وأمّا العداوة الدنيوية قال في المسالك ، والعداوة التي تردّ بها الشهادة هي التي تبلغ حداً يتمنى هذا زوال نعمة ذاك ويفرح بمصيباته ويحزن بمسراته(2)،

قال المحقق : فإنّها تمنع سواء تضمنت فسقاً أو لم تتضمن(3)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه بل والاجماع بقسميه(4)، ونسب إلى المسالك من أسباب التهمة

ص: 224


1- المسالك /14/192.
2- المسالك /14/192.
3- الشرائع /4 /129.
4- الجواهر /14/70.

..........................

العداوة الدنيوية ، فلا تقبل شهادة العدو على عدوه عندنا وعند أكثر العامة(1)،

وهل إن العداوة في نفسها موجبة للمنع أو إذا تلبست ببعض الأمور ، كما قيل بأن العداوة من أسباب التهمة ، ولا تقبل شهادة المتهم .

وفيه : أنّه ليس هناك أيّ تهمة إذا كان بغضه له لأجل قتل ولده خطأ وكان الشاهد العدو في غاية العدالة ، فلا يصدق عليه التهمة ، قد يقال المنع يكون من جهة دخوله في الخصم ، قلنا إن الخصم بمعنى المنازع وليس بمعنى العدو - تخاصم القوم يعني تنازعوا وتجادلوا - وقد يكون بين الخصماء عداوة وقد لا يكون ، والنسبة بينهما أعم من وجه ، وقد تكون عداوة موجودةولا نزاع ، وقد يكون النزاع والمخاصمة كلاهما موجودين ، وقد يكون النزاع موجود بدون عداوة ، وقد يدخل المورد في شرطية العدالة كما في المسالك بقوله : والعداوة التي تردّ بها الشهادة هي التي تبلغ حداً يتمنى هذا زوال نعمة ذاك ويفرح بمصيباته ويحزن بمسراته ، وذلك قد يكون من الجانبين ، وقد يكون من أحدهما فيختص بردّ شهادته على الآخر ، فإن أفضت العداوة إلى ارتكاب ما يوجب الفسق فهو مردود الشهادة على الإطلاق ، وإن عاداه من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجب وسكت ثم شهد عليه قبلت شهادته ، وإلا اتخذ الخصماء ذلك ذريعة الى إسقاط الشهادة(2)،

فهذا لا يكون شرطاً آخروراء شرط العدالة .

وفيه : إن العداوة بما أنّها من الأمور القلبية ، فلا يتوجه إليها النهي نعم اظهار العداوة موجبة للفسق كالغمز بمعنى الطعن فيه ، وما ينسب إليه ما ليس فيه واظهاره ما يوجب منقصة فيه وهو محرم فيكون هو الفسق .

ص: 225


1- المسالك /14/191.
2- المسالك /14/191.

المسألة 88 : لا تمنع القرابة من جهة النسب عن قبول الشهادة فتسمع شهادة الأب لولده وعلى ولده ، والولد لوالده ، والأخ لأخيه وعليه(1).

----------------------------------------

أمّا العداوة والبغض القلبي فلا يكون موجباً للفسق ، ومن هنا ظهر ما ذكره السيد في الرياض : العدو كما فسره الأصحاب هنا ودل عليه العرفواللغة أيضاً ، هو الذي يسر ويفرح بالمساءة والمكروهات الواردة على صاحبه ويساء ويغتم بالمسرة والنعم الحاصلة له وزاد جملة ، ومنهم هو في الكتاب المتقدم أن يبلغ حدّاً يتمنى زوال نعمه ، وهو حينئذٍ عين المبغض والحاسد كما يستفاد من تعريفه لهما في الكتاب المزبور حيث قال بعد قول الماتن : والحسد معصية وكذا بغض المؤمن والتظاهر بذلك قادح في العدالة ما لفظه : والمراد بالحسد كراهة النعمة عن المحسود وتمني زوالها عنه سواء وصلت إلى الحاسد أم لا ؟ وبغضه كراهته واستثقاله لا بسبب ديني(1)، وقد أوردنا المتن والشرح هنا ليتضح المطلب أكثر .

والحق أنّه لا دليل على ما تعنيه العداوةالدنيوية إذا لم توجب فسقاً بعد ما كان الشاهد عادلاً وتكون شهادته طبق القاعدة .

(1) قال المحقق : النسب وإن قرب لا يمنع من قبول الشهادة كالأب لولده وعليه ، والولد لوالده والأخ لأخيه وعليه(2)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده في شيء من ذلك نصاً وفتوى ، بل الاجماع بقسميه عليه مضافاً إلى عموم الأدلة وإطلاقها المقتضيين عدم الفرق بين الضميمة وعدمها خلافاً للمحكي عن الشيخ في النهاية فاعتبرها ، ولا دليل عليه(3).

والمشهور كما في المسالك : ليس من أسباب التهمة عندنا البعضية فتقبل

ص: 226


1- الرياض / 15 /287.
2- الشرائع /4/130
3- الجواهر /41/74.

..........................

شهادة جميع الأقرباء لأقربائهم حتى الابن والأب للأصل(1)،

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة الولد لوالده والوالد لولده والأخ لأخيه»(2)، وعن الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته عن شهادة الولد لوالده والوالد لولده والأخ لأخيه ، فقال : تجوز»(3).

ولا تشترط الضميمة في شهادة كل من الولد والوالد والأخ والزوجين للأخر خلافاً للشيخ في النهاية(4)، للأصل وعموم الاخبار(5)

، وغيرها منالروايات .

ولا يخفى إن موارد الروايات إنما هي الشهادة لهم ، وأمّا الشهادة عليهم فتجوز للإطلاقات والاتفاق وللأولوية القطعية ، وأمّا ما ورد في حسنة السكوني عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) «إن شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّا ومعه شاهد آخر»(6)،

واستدل الشيخ في النهاية على قبول شهادة القريب للقريب باعتبار انضمام شاهد أجنبي إليه(7)،

وردّ هذا القول الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : لكن من الظاهر أن الرواية في مقام بيان أنّه لا اعتبار بشهادة الواحد ، بل لابد من أن ينظم إليه شاهد آخر ، وليس فيها دلالة ولاإشعار بأن الشاهد الآخر لابد أن يكون أجنبياً ، فلا موجب لتقييد المطلقات(8) فتأمل ، والحق أن الرواية شاذة مطروحة ولم يعمل بها أحد غير الشيخ .

ص: 227


1- المسالك /14/194.
2- الوسائل باب 26 من أبواب الشهادات ح1.
3- الكافي /7/ 393 ح1 .
4- النهاية / 330.
5- المسالك /14/194.
6- الوسائل باب 26 من أبواب الشهادات ح5.
7- النهاية 330
8- المباني /1/117.

وأمّا قبول شهادة الولد على الوالد ، ففيه خلاف ، والأظهر القبول(1).

----------------------------------------

(1) أمّا شهادة الولد على الوالد سواء كان مالاً أو حقاً ففيه خلاف ونسب إلى المشهور عدم القبول ، وقد ادعي الاجماع عليه ، واستدل بقول الصادق(قدس سره) «لا تقبل شهادة الولد على والده»(1)،

وقالوا ولو أنّها ضعيفة من جهة السند ،ولكنها منجبرة بعمل الأصحاب، وفيه كما ذكرنا في محله أن الانجبار لا يكون كاسراً ولا جابراً.

وبالآية الشريفة بقوله تعالى : «وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً»(2)، وشهادة الولد على الوالد تكون تكذيباً وهذا لا يُعد معروفاً ، بل يكون عقوقاً له والعقوق موجباً للفسق ، إذاً لا تقبل شهادته ، ورده في المسالك بقوله : ولا يخفى عليك ضعف هذه الحجة فإن قول الحق ، ورده عن الباطل وتخليص ذمته من الحق عين المعروف ، كما ينبه عليه قوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «انصر أخاك ظالماً و مظلوماً ، فقيل : يا رسول الله كيف انصر ظالماً ؟ قال (صلی الله علیه و آله وسلم) :ترده عن ظلمه فذلك نصرك اياه»(3)، ولأن إطلاق النهي عن العصيان يستلزم وجوب طاعته عند أمره له بارتكاب الفواحش وترك الواجبات ، وهو معلوم البطلان(4) ومضافاً إلى أنّه لابد أن لا تقبل الشهادة على الوالدة أيضاً ، وهذا القول من أن الشهادة عليه تكون تكذيباً للأب فعلى اطلاقه لا يتم ، فلأنه قد يكون الوالد مشتبهاً ، ثم إذا قلنا بأن كتمان الشهادة حرام على الإطلاق فالولد حينما شهد على أبيه عمل بالواجب ، ولا طاعة للمخلوق في معصية الخالق وعن السيد وجماعة قبول شهادته عليه كما عن الدروس : وعاشرها انتفاء توهم العقوق ، فلو شهد الولد على والدهردت عند

ص: 228


1- الوسائل باب 26 من أبواب الشهادات ح6.
2- سورة لقمان الآية / 15 .
3- صحيح البخاري 9/28 - 29 ، مسند أحمد 3/99.
4- المسالك /14/195.

..........................

الأكثر(1)، ونقل الشيخ فيه الاجماع(2)«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً»(3).

واستدل أيضاً بخبر داود بن الحصين قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول اقيمواالشهادة على الوالدين والولد ولا تقيموها على الأخ في الدين الضير ، قلت وما الضير ؟ قال : إذا تعدى فيه صاحب الحق الذي يدعيه قبله خلاف ما أمر الله به ورسوله»(4) ، وعن علي بن سويد عن أبي الحسن (علیه السلام) في حديث ، قال «كتب إليّ في رسالته إلي : وسألت عن الشهادات لهم ، فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيماً فلا»(5) .

أما الآية فهو قوله تعالى : « كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ» قد يقال لو لم نقل بوجوب القبولفلزم العبث بشهادته المأمور بها ، قلنا أنّه لا تنحصر فائدة الإقامة بالقبول ، وقد تكون الفائدة لإقامة المشهود عليه عن غفلته وتنبيهه عن نسيانه ، وأيضاً لا ملازمة بين وجوب الإقامة من الولد على الوالد ، وحكم الحاكم بما شهد ، فلو فرض في نظره بشهادته هذه هو فاسق يجب عليه أن يقيمها ، ويجب على الحاكم أن لا يعمل بها ، فظهر مما ذكر قبول شهادة الولد بالنسبة إلى الوالد له أو عليه .

ص: 229


1- الدروس /2 / 154 .
2- الخلاف / 6 / 298 .
3- سورة النساء الآية / 135 .
4- الوسائل باب 19 من أبواب الشهادات ح3.
5- الوسائل باب 3 من أبواب الشهادات ح1.

المسألة 89 : تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها ، وأمّا شهادة الزوجة لزوجها أو عليه فتقبل إذا كان معها غيرها(1).

----------------------------------------

(1) هل هذه الشهادة تكون على طبق القاعدة ؟ قد يقال بأنّها تكون على طبق القاعدة بانضمام شاهد واحد إلى الزوجة ، إنما هو من جهة لا تقبل شهادة المرأة الواحدة ، وأمّا الرجل يكتفي بها مع ضم اليمين ، إلا أنّه لا إطلاق للقبول ، لكفاية الرجل الواحد في جميع الموارد ، والعمدة الدليل وادعيّ الإجماع كما في الجواهر(1)، وحال هذه الإجماعات بأنّها محتملة بل مظنونة المدرك ، فالعمدة حينئذٍ هي الروايات .

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها»(2)،

وروايةعمار بن مروان ، قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) أو قال سأله بعض أصحابنا ، عن الرجل يشهد لامرأته قال (علیه السلام) : إذا كان خيراً جازت شهادته لامرأته»(3).

ومنها : موثق سماعة في حديث قال : «سألته عن شهادة الرجل لامرأته قال (علیه السلام) : نعم والمرأة لزوجها ، قال (علیه السلام) لا إلا أن يكون معها غيرها»(4) فظهر منها أنّ الضميمية كانت في شهادة الزوجة دون الزوج ، وما نسب إلى الشيخ في النهاية ، والقاضي ، وابن حمزة أنّه يعتبر في قبول شهادة الزوج والزوجة أن ينظم إلى شهادة كل منهما شهادة غيرهما من أهل الشهادة ،لا دليل له بعد ما كان الانضمام مختصاً بشهادة الزوجة ، وإسراء الحكم إلى شهادة الزوج قياس مع الفارق ، هذا بالنسبة

ص: 230


1- الجواهر /41/78.
2- الوسائل باب 25 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 25 من أبواب الشهادات ح2 .
4- الوسائل باب 25 من أبواب الشهادات ح3 .

وكذا تقبل شهادة الصديق لصديقه، وإن تأكدت بينهما الصداقة والصحبة(1).

المسألة 90: لا تسمع شهادة السائل بالكف، المتخذ ذلك حرفة له(2).

----------------------------------------

إلى شهادة كل منهما للآخر ، أمّا شهادتهما أي شهادة كل منهم على الآخر ، فجوازه يكون بالأولوية .

(1) يقول المحقق : وتقبل شهادة الصديقلصديقه ، وإن تأكدت بينهما الصحبة والملاطفة ، لأنّ العدالة تمنع التسامح(1)، وادعى في الجواهر الاجماع بقسميه(2)، خلافاً لما في المسالك ، فإنّه قال : إذا كان بينهما ملاطفة وهدية لا تقبل شهادته له ، وعموم الأدلة يمنعه ، والتهمة تندفع بالعدالة(3).

(2) هل المراد بهذا مطلق السائل بالكف ، أو المراد منه هو الذي اتخذ ذلك حرفة ، والمراد به من جعل السؤال ديدناً له ، ويسأل الخلق في أبواب الدور ، وفي الاسواق ، والدكاكين والحجرات ، لأنّه المتبادر وبحسب الفهم العرفي لا يصدق على من يسأل في بعض الأحيان لحاجةماسة .

أمّا أصل عدم القبول وعدم السماع ، فهو المشهور ، يقول في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(4)، ويشهد على ذلك النصوص كصحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (علیه السلام) قال «سألته عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته ؟ فقال (علیه السلام) : كان أبي (علیه السلام) لا يقبل شهادته إذا سأل في كفه»(5)،

ص: 231


1- الشرائع /4 /130.
2- الجواهر/41/ 79 .
3- المسالك /14 / 199 .
4- الجواهر / 41 / 81 .
5- الوسائل باب 35 من أبواب الشهادات ح1.

المسألة 91 : إذا تحمّل الكافر والفاسق والصغير الشهادة وأقاموها بعد زوال المانعقبلت(1).

----------------------------------------

وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : ردّ رسول الله شهادة السائل الذي يسأل في كفه ، وقال : أبو جعفر (علیه السلام) لأنّه لا يؤمن على الشهادة ، وذلك لأنّه إن اعطي رضى وإن منع سخط»(1).

(1) كل ذلك لوجود المقتضى وعدم وجود المانع يقول في الجواهر : بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه(2)،

مضافاً إلى ورود النصوص في بعض هذه الموارد .

منها : ما رواه محمد بن مسلم قال «سألت أباجعفر (علیه السلام) عن الذمي والعبد يشهدان على شهادة ثم يسلم الذمي ويعتق العبد ، أتجوز شهادتهما على ما كانا اشهدا عليه ؟ قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلك خير جازت شهادتهما»(3)،

وصحيحة أخرى لمحمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) قال : «سألته عن الصبي والعبد والنصراني يشهدون شهادة فيسلم النصراني أتجوز شهادته ، قال : نعم»(4).

ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) اليهودي والنصراني إذا أُشهدوا ، ثم اسلموا جازت شهادتهم»(5).ومنها : صحيح صفوان بن يحيى أنّه «سئل أبو الحسن (علیه السلام) عن رجل أشهد أجيره على شهادة ، ثم فارقه أتجوز شهادته بعد أن يفارقه ؟ قال : نعم قلت : فيهودي أُشهد على شهادة ثم اسلم ، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم»(6).

ص: 232


1- الوسائل باب 35 من أبواب الشهادات ح2.
2- الجواهر /41 /86.
3- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح1 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح4 .
5- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح5.
6- الوسائل باب 39 من أبواب الشهادات ح2.

وأمّا إذا أقاموها قبل زوال المانع ردّت ، ولكن إذا أعادوها بعد زواله قبلت(1).

----------------------------------------

نعم هناك رواية أخرى تدل على عدم القبول كصحيحة جميل ، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن نصراني أشهد على شهادة ثم اسلمبعد أتجوز شهادته ؟ قال : لا»(1)، وهذه الرواية مع صحة سندها لا يمكن أن تتعارض مع تلك الروايات ، لأنّه لم يرد في الرواية شهد بعد إسلامه ، نعم الشهادة السابقة منه غير مقبولة ، مع أنّه لا يمكن من تعارض تلك لمخالفتها الكتاب والسنة ، وللاتفاق وهكذا تقبل شهادة الفاسق والصغير بعد عود العدالة وبلوغ الصبي ، والعبرة بوقت الأداء ، قد يقال بعدم قبول شهادته ، لأنّه متهم بعد كونه مستتراً بفسقه ، وردّ الحاكم شهادته بجرح ، فبعد إن تاب يقع مورداً للتهمة ، إذ هذه التوبة لعلها من جهة حرصه على قبول شهادته ، إذ يقع حينئذٍ في مقام الاتهام ، وكما مرّ في شرح معنى التهمة ، فإنّها لا تشمل المورد لأنّها ليستبهذه السعة فالحق قبول شهادته لشمول الاطلاقات والعمومات لها .

(1) لأنّ هذه الشهادة تكون شهادة جديدة ، وهي في حال قبول شهادة الشاهد ، فرد تلك الشهادة لا يستلزم ردّ الشهادة الثانية بعد إن كانت مستجمعة لشرائط القبول .

ص: 233


1- الوسائل باب 39 من ابواب الشهادات ح7 .

المسألة 92 : تقبل شهادة الضيف وإن كان له ميل إلى المشهود له(1) وكذلك الأجير بعد مفارقته لصاحبه ، وأمّا شهادته لصاحبه قبل مفارقته ففي جوازها إشكال ، والأظهر عدم القبول(2).

----------------------------------------

(1) أمّا شهادة الضيف فقبولها يكون طبقاً للقاعدة وتشملها العمومات والإطلاقات ، مضافاً إلى ما ورد من الروايات كمعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(1).

(2) وأمّا الأجير فهل تقبل شهادته مطلقاً ، أو تقبل إذا فارقه صاحبه ؟ الظاهر التفصيل ، وهوعدم جواز شهادته إلا بعد المفارقة ، كما ورد في صحيحة صفوان عن أبي الحسن (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة ثم فارقه، أتجوز شهادته له بعد إن يفارقه ؟ قال (علیه السلام) : نعم وكذلك العبد إذا اعتق جازت شهادته»(2)،

يظهر من هذه الرواية وتشبيهه الأجير بالعبد أنّه كما أن العبد لا تجوز شهادته إلا بعد العتق ، كذلك الأجير لا تقبل شهادته إلا بعد المفارقة ، وما ورد من الروايات من عدم القبول على الإطلاق كموثق سماعة «سألته عمّا يرد من الشهود ، قال (علیه السلام) : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابعوالمتهم ، كل هؤلاء ترد شهاداتهم»(3)،

تحمل على المفارقة بقرينة صحيحة صفوان ، ويؤيد ذلك موثق أبي بصير بناءً على أن الكراهة بمعناها اللغوي أي الحرمة ، فما نسب إلى المشهور بالجواز للعمومات لا معنى له بعد صراحة الروايات ، وهكذا موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : ويكره شهادة الأجير لصاحبه ولا

ص: 234


1- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح3 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح1 .
3- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح3 .

المسألة 93 : تقبل شهادة المملوك لمولاه ولغيره وعلى غيره(1).

----------------------------------------

بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس له بعد مفارقته»(1)،

وعليه تقبل شهادته لا على نحو الإطلاق إنما تقبل بعد المفارقة .

(1) قد يقال بأنّنا لا نتعرض لهذه المسألة لخروجها عن محل الابتلاء خصوصاً في زماننا هذا ، إلا أنّه أمكن التعرض لها لما فيها من ثمرة علمية لهذا بحثها أكثر الأعلام منهم الاستاذ الاعظم (قدس سره) مفصلاً وإليك اقوالهم فيها :

الأول : قد يقال بعدم قبول شهادة العبد لمولاه مطلقاً ، وهو مختار أبي عقيل وأكثر العامة(2).

الثاني : قال المحقق : قيل لا تقبل شهادةالمملوك أصلاً(3)، وقد تبعه في ذلك صاحب المسالك واستدل بروايات .

منها : صحيحة الحلبي عن الصادق (علیه السلام) قال : «سألته عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لا ، ولا العبد»(4)،

ومعتبرة سماعة قال : «سألته عمّا يردّ من الشهود ، قال : المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد»(5).

ومنها : صحيحة أبي بصير قال : «سألته عن شهادة المكاتب كيف تقول فيها، قال : فقال : تجوز على قدر ما اعتق منه إن لم يكن اشترط عليه أنك إن عجزت رددناك ، فإن كان اشترط عليه ذلك لم تجزِ شهادته حتى يؤدي أو يستيقنأنّه عجز»(6).

ص: 235


1- الوسائل باب 29 من أبواب الشهادات ح3.
2- كما ذكره المباني /1 / 124 .
3- الشرائع /4/131 ، المسالك / 14 / 206 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح6 .
5- الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح3 .
6- الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح14 .

وأمّا شهادته على مولاه ففي قبولها إشكال ، والأظهر القبول(1).

----------------------------------------

(1) ولا إشكال أنّ هذه الروايات تدل بإطلاقها على عدم قبول شهادة العبد لمولاه أو لغيره أو عليهم أصلاً ، يقول صاحب الجواهر : على أن الشهادة من المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد كالقضاء لاستغراق وقته بحقوق المولى على وجه يقصر عن أدائها وعن تحملها كما أومأ إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في المروي عنه في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (علیه السلام) الذي هو أحدأدلة المسألة أيضاً قال «كنا عند رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) وهو يذاكرنا بقوله تعالى : «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ» قال : احراركم دون عبيدكم فإنّ الله تعالى شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادة وادائها»(1) .

وقد عرفت إذا كان عبد عادلاً فلا مانع من قبول شهادته ، وأن هذه الأمور لا تكون دليلاً على عدم القبول بعد ما كان الحديث ضعيفاً من جهة السند .

ومقابل هذه روايات فهناك أيضاً روايات تدل على الجواز مطلقاً ، منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) لا بأس فيشهادة المملوك إذا كان عدلا»(2)،

وصحيحته الأخرى قال : دخل الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل على أبي جعفر (علیه السلام) فسألاه عن شاهد ويمين «فقال : قضى به رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) إلى أن قال : إن علياً (علیه السلام) كان قاعداً في مسجد الكوفة فمر به عبد الله بن قفل التميمي ومعه درع طلحة ، فقال له علي (علیه السلام) : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال له عبد الله بن قفل : اجعل بيني وبينك قاضيك الذي رضيته للمسلمين فجعل بينه وبينه شريحاً ، فقال علي (علیه السلام) هذه درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال له شريح : هات على ما تقول بينة

ص: 236


1- الجواهر/41 /89 .
2- الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

إلى أن قال فدعا قنبراً فشهد أنّه درع طلحة اخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال شريح : هذا مملوك ولا اقضي بشهادة المملوك ، قال : فغضب علي (علیه السلام) وقال خذها فإن هذا قضى بجور في ثلاث مرات إلى أن قال : ثم اتيتك بقنبر فشهد أنه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقلت : هذا مملوك وما بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً»(1) وغيرها من الروايات .

وهناك قول اخر قد ذكره صاحب الجواهر : قيل والقائل ابن الجنيد تقبل على مثله وعلىالكافر دون الحر المسلم للجمع بين النصوص أيضاً(2)

وكذلك صاحب المستند بقوله الثالث : وهو عدم القبول على الحر المسلم والقبول على غيره وهو مذهب الإسكافي المحكي عنه في المختلف والإيضاح والمسالك ، وغيرها في جانبي الرد والقبول .

الرابع : القبول في الشهادة مطلقاً إلا على مولاه خاصة ، فلا تقبل وتقبل له أيضاً ، ذهب إليه الشيخان ، والسيدان ، والديليمي ، والقاضي وابن حمزة ، والحلي والفاضلان ، والفخر ، والصيمري وغيرهم .

الخامس : عدم القبول للمولى والقبول عليه وعلى غيره وله .السادس : القبول في غير المولى وعدمه فيه ، لا له ولا عليه .

السابع : القبول على المولى وعدم القبول له ولا لغيره أو عليه(3).

ولا يخفى أن هذه الأدلة إن تمت يمكن أن تكون صورة جمع بين ما دل على القبول وعدم القبول ، والحق هو القبول وذلك للإطلاقات وللقاعدة في هذا ، وأمّا ما قيل بالنسبة إلى شهادة العبد على مولاه بأن هذا شاهد جمع بين ما دل على

ص: 237


1- الوسائل باب 14 من أبواب كيفية الحكم ح6.
2- الجواهر /41 /91.
3- المستند / 18 / 311 .

المسألة 94 : لا يبعد قبول شهادة المتبرع بها إذا كانت واجدة للشرائط ، بلا فرق في ذلك بينحقوق الله تعالى وحقوق الناس(1).

----------------------------------------

قبول شهادة العبد مطلقاً وعلى ما لا يجوز ، بحمل الطائفة الأولى على غير شهادته على المولى ، فلم يثبت شيء من هذه التفصيلات ، فيبقى التعارض باقٍ على حاله ، لأنّه لو فرض عدم ترجيح الأدلة التي تدل على القبول مطلقا والتي تقول بعدم القبول مطلقاً فيتساقطان ، ويرجع إلى اطلاق الأدلة بالجواز ، قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) : إن ما دل على عدم قبول شهادة العبد محمول على التقية(1)،

والحمل يحتاج إلى دليل ولم يذكره (قدس سره).

(1) أمّا بالنسبة إلى حقوق الله فلا يمنع التبرعبالشهادة ، وأنّ المراد من المتبرع هو أن يشهد قبل طلب الحاكم سواء كان قبل دعوى المدعي أو بعدها وقبولها هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أيضاً ، بل لم يعرف الخلاف في ذلك إلا ما حكي عن الشيخ في النهاية التي هي متون الأخبار ، بقوله : لا يجوز للشاهد أن يشهد قبل أن يسئل عن الشهادة ، كما لا يجوز كتمانها وقد دعي إلى إقامتها إلا أن تكون شهادة تبطل حقاً قد علمه فيما بينه وبين الله أو تؤدي إلى ضرر على المشهود عليه لا يستحقه ، فإنه لا يجوز له حينئذٍ اقامة الشهادة وإن دُعي إليها(2)، وذكر في القواعد : الحرص على الشهادة بالمبادرة قبل الاستدعاء ، فلو تبرع بإقامة الشهادة عند الحاكم قبل السؤاللم تقبل للتهمة ، وإن كان بعد الدعوى ولا يصير به مجروحاً(3).

أمّا بالنسبة إلى حقوق الناس فيمنع القبول كما في الجواهر بلا خلاف

ص: 238


1- المباني / 1 ، المستند /2 / 664 الطبعة القديمة / النهاية / 330 .
2- الشرائع /4 /131 .
3- القواعد / 3/497.

المسألة 95 : لا تقبل شهادة ولد الزنا مطلقاً ، إلا في الشيء اليسير على إشكال(1).

----------------------------------------

أجده(1)، وقد استدلوا بالتهمة - أي أنّ شهادته قبل طلب الحاكم معرضة للتهمة - على ما استدل الشيخ على مبناه في النهاية بعدة روايات ، منها :النبوي قوله (صلی الله علیه و آله وسلم) «ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسالوها»(2)، وبنبوي آخر «ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد»(3) .

والحق إن تم الاتفاق فبه ، أمّا الإجماع فهو منقول وليس بحجة ، مضافاً إلى أنّه محتمل المدركية ، وأمّا ما قيل بالاتهام فهو على اطلاقه غير تام ، فلا تقبل شهادته إذا ثبتت عدالته ، فإن وجود العدالة مانع من تطرق التهمة والنبويان لا يمكن الاستناد إليهما ، لأنّهما ضعيفان من جهة السند ، مضافاً إلى معارضتهما بنبويًّ آخر أنّه «قال (صلی الله علیه و آله وسلم) : إلا أخبركمبخير شهود ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال : أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد»(4)، وما قيل بأن النبويين منجبران بعمل الأصحاب، فهو مخدوش صغرى وكبرى ، إذاً لو ثبت اتفاق على عدم القبول فهو ، وإلا فالأقوى قبوله للإطلاقات بعد ما كان عدلاً .

(1) كما في الجواهر : على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً ، بل هي كذلك في محكي الانتصار والخلاف والغنية والسرائر(5)

والظاهر أن عدم قبولها ليس بكونه كافراً ، بل لأجل الدليل والنصوص الواردة .

ص: 239


1- الجواهر /41/104.
2- مسند أحمد / 4 / 446 .
3- سنن ابن ماجة /2/791.
4- صحيح مسلم /3 /1344 .
5- الجواهر/41 /117 .

منها : معتبرة أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته ؟ فقال : لا ، فقلت : إن الحكم بن عتيبة يزعم أنّها تجوز ، فقال اللهم لا تغفر ذنبه ما قال الله للحكم ، وأنّه لذكر لك ولقومك»(1) .

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال «قال : أبو عبد الله لا تجوز شهادة ولد الزنا»(2).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لا ، ولا عبد»(3).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال «سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته ؟ قال : نعمتجوز ولا يؤم»(4)،

وما ورد في هذه الصحيحة فهو محمول على التقية ، كما قال صاحب الوسائل بعدما ذكر هذه الرواية أنّها محمولة على التقية .

ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة عن أبيه قال سمعت أبا جعفر (علیه السلام) «يقول : لو أن أربعة شهدوا عندي بالزنا على رجل وفيهم ولد زنا لحددتهم جميعاً ، لأنّه لا تجوز شهادته ، ولا يؤم الناس»(5)،

وقد ذكر الاستاذ الاعظم (قدس سره) أنّه نسب إلى الشيخ في النهاية وابن حمزة قبول شهادته في الشيء اليسير ، مستند ذلك(6) إلى رواية ابان عن عيسى بن عبد الله قال «سألت أبا عبد الله عن شهادة ولد الزنا ، فقال (علیهالسلام) : لا تجوز إلا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً»(7)،

وهذه الرواية

ص: 240


1- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح3 .
3- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح6 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح7 .
5- الوسائل باب 31 من أبواب الشهادات ح4 .
6- المباني / 1/ 135
7- التهذيب /6 /244.

وتقبل شهادة من لم يثبت كونه ولد زنا وإن ناله بعض الالسن(1).

----------------------------------------

لا تعارض تلك ، لإعراض الأصحاب عنها ، حتى أن الشيخ الذي هو الأصل في العمل بها رجع عنها في الخلاف والمشهور لم يفرقوا في عدم القبول بين الشيء الكثير واليسير ، وفي محكي المختلف والجواب : القول بالموجب شهادته في الشيء اليسير يعطي المنع عن قبول الكثير منحيث المفهوم ، ولا يسير إلا وهو كثير بالنسبة إلى ما دونه فإذاً لا تقبل شهادته إلا في أقلّ الأشياء الذي ليس بكثير بالنسبة إلى ما دونه إذ لا دون له ، ومثله لا يتملك(1)، وتبعه على ذلك الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : إنما الإشكال من جهة أن الشيء اليسير والكثير ليس لهما واقع محفوظ ، كما تقدم بل هما أمران إضافيان ، فالشيء الواحد يسير بالإضافة إلى شيء ، وكثير بالإضافة إلى آخر أو أنّه يسير بالإضافة إلى شخص ، وكثير بالإضافة إلى آخر ، وأنّه يسير في مكان أو زمان ، وكثير في مكان أو زمان آخر وعلى ذلك فلا يبقى للتفصيل في قبول شهادته في الشيء اليسير وعدمقبولها في الشيء الكثير الفائدة(2)، وما ذكره محل تأمل لأنّ اليسير والكثير معنيان عرفيان ، ففي كل ما يراه العرف كثيراً لا يقبل ، وفي كل ما يراه يسيراً يقبل .

(1) أمّا قبول شهادة من لم يثبت عليه أنّه ولد زنا فيكون طبقاً للقاعدة لأنّه بعد إن ثبتت عدالته فتشمله العمومات والاطلاقات ، لأنّ الذي يكون غير مقبول هو ولد الزنا ، وإذا شككنا في ذلك فنرفعه بالأصل .

ص: 241


1- المختلف /8 /490 .
2- المباني /1 /136 .

المسألة 96 : لا تجوز الشهادة إلا بالمشاهدة أو السماع أو ما شاكل ذلك ، وتتحقق المشاهدةفي مورد الغصب والسرقة والقتل والرضاع وما شاكل ذلك ، وتقبل في تلك الموارد شهادة الأصم ، ويتحقق السماع في موارد النسب والإقرار ، والشهادة على الشهادة ، والمعاملات من العقود والإيقاعات وما شاكل ذلك(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى أن الشهادة على قسمين :

الأولى : أن تكون بالعلم والقطع لأنّ الشاهد يخبر عن ثبوت المشهود به في الخارج .

الثانية : لا تجوز الشهادة مع عدم العلم والقطع في ثبوت المخبر به لديه ، وقد ورد بذلك آيات وروايات .

أمّا الآيات فقوله تعالى : «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَلَكَ بِهِ عِلْمٌ»(1) وقوله تعالى : «إِلاَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(2).

وأمّا الروايات كخبر غياث عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا تشهدن بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك»(3)،

ومرسلة جعفر بن الحسن بن سعيد ذكرها المحقق في الشرائع عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «وقد سئل عن الشهادة قال : هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع»(4)،

وغيرها من الروايات .

فظهر مما ذكرنا إن الشهادة حيث كانت من الشهود وهو بمعنى الحضور والمشاهدة أي بمعنى المعاينة ، وبعد إن استعملت الشهادة بمعنىالحضور في عدة

ص: 242


1- سورة الاسرى الآية / 36 .
2- سورة الزخرف الآية / 86 .
3- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح1
4- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح3.

..........................

آيات ، منها قوله تعالى : «عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»(1)، ومنها قوله : «وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً»(2)، وقوله تعالى : «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(3)، وغيرها من الآيات، فبما أن حجية إخبار المخبر لا تثبت إلا بالدليل، وهو لابد أن يكون عن حس دون الرأي والحدس، وهذا العلم الناشئ عن الحس يختلف بحسب الموارد،وهو قد يحصل بالبصر كالمبصرات وبالاستماع في المسموعات وبالذوق كالمذوقات، وبما أن الأمر بالشهادة يكون بالحس المربوط به، وحيث لا يمكن تحصيل الشهادة في كثير من الموارد، فلا تقبل الشهادة إلا بالعلم بالرؤيا أو السماع.

وأمّا في ما يختص العلم بالسماع ، فيكون في مورد النسب والإقرار والشهادة على الشهادة ، والمعاملات من العقود والإيقاعات وأمثالها ، وكذا تقبل الشهادة إذا كان ما يقرب من الحس كالشهادة بالتواتر والاستفاضة ففي الدروس : والضابط في تحمل الشهادة العلم بالسماع أو الرؤية أو بهما معاً فتكفي الاستفاضة في تسعة ، النسب ، والملك المطلق ، والوقف ، والنكاح والموت ، والولاية ، والولاء ، والعتق ، والرق ،والمراد بها اخبار جماعة يتاخم قولهم العلم(4)، ويدل على هذا بعد إن كانت حجية العلم والقطع تكون بنفسها فمن أي طريق حصلت فبها ، فما يقرب من الحس كالتواتر والاستفاضة يكون حجة ، ويؤيد ذلك صحيحة محمد بن الحسن يعني الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمد (علیه السلام) في رجل باع ضيعته من رجل آخر وهي قطاع ارضين ولم يعرف الحدود في وقت ما اشهده ، وقال إذا اتوك بالحدود فاشهد بها هل يجوز له ذلك ، أو لا يجوز له أن يشهد ؟ فوقع : نعم يجوز والحمد لله إلى أن

ص: 243


1- سورة التوبة الآية / 94 .
2- سورة النساء الآية / 79 .
3- سورة النور الآية / 2 .
4- الوسائل باب 20 من أبواب الشهادات ح3.

وعلى هذا الضابط لا تقبل الشهادة بالملكالمطلق مستندة إلى اليد نعم تجوز الشهادة على أنّه في يده أو على أنّه ملكه ظاهراً(1).

----------------------------------------

قال : وكتب هل يجوز للشاهد الذي اشهده بجميع هذه القرية أن يشهد بحدود قطاع الأرض التي له فيها إذا تعرف حدود هذه القطاع بقوم من أهل هذه القرية إذا كانوا عدولاً ، قال فوقع (علیه السلام) : نعم يشهدون على شيء مفهوم معروف»(1).

(1) أمّا الكلام في الملك المطلق ، فهل تقبل الشهادة بالملك المطلق باليد أو يمكنه أن يشهد أنّه في يده أو ملك له ظاهراً ؟ أي هل يجوز الشهادة على الملكية الواقعية كما يجوز له أنيشهد بالملكية الظاهرية بعد إن كانت اليد امارة على الملكية .

وهذا مما لا خلاف فيه ، فإذا شهد بأن المال الذي كان في يد شخص ملك له، ولم يكن هناك منازع يقبل منه ، إنما الإشكال فيما إذا كانت الشهادة على الملكية الواقعية ، وهو في مقام الترافع ، فهل تقبل هذه الشهادة أو لا ؟ قد يقال بقبولها وذلك لمعتبرة حفص بن غياث عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : له رجل إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن اشهد أنّه له ؟ قال : نعم ، قال : الرجل اشهد أنّه في يده ، ولا اشهد أنّه له فلعله لغيره ؟ فقال : أبو عبد الله (علیه السلام) أفيحل الشراء منه ؟ قال : نعم ، فقال : أبو عبد الله (علیه السلام) فلعله لغيره فمن أين جازلك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ، ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ، ثم قال : أبو عبد الله (علیه السلام) لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(2).

قالوا بأن ظاهر هذه الرواية جواز الشهادة على الملكية الواقعية حيث أنّه كما يجوز ترتيب الأثر الواقعي على مقتضى اليد في الملكية فكذلك تجوز الشهادة بالملكية الواقعية ، مع أنّه لا يمكن أن يحصل العلم بالملكية الواقعية إلا بالفرد

ص: 244


1- الوسائل باب 48 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 25 من أبواب كيفية الحكم ح2 .

..........................

النادر ، وما هو المبتلى بها عند عامة الناس الملكية الظاهرية .

ولكن إذا قلنا بأن المراد بالشهادة هنا هو جوازها حتى بالنسبة الواقعية أي جوازها على الاطلاق حتى في مقام الترافع ، فمعناه أنّه لم يرد هناك مورد لم يكن لصاحب اليد البينة ، فلو فرض أنّ المدعي أقام البينة فلا أثر لإقامته وفي الحقيقة إثبات الملك بالشهادة في اليد ينافي ما تقدم من أن المدعي إذا اقام بينة ولم تكن لصاحب اليد بينة حكم له ، فلابد من حمل الرواية على الملكية الظاهرية دون الواقعية ، ويؤيد ذلك ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : ويؤكد ما ذكرناه من حمل الرواية علىالأخبار لا على الشهادة في مقام الترافع ذيل المعتبرة ، وهو قوله (علیه السلام) «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» فإنّه ظاهر الدلالة على أن المراد أن يعامل ذو اليد معاملة المالك عملاً وقولاً(1).

ولكن هذا الكلام لا يصح أن يكون مؤيداً لما قيل إن البينة تكون من المدعي لا على المنكر ، فوجود البينة للمنكر بلا ثمرة ، لأنّه ليس له إقامة البينة ، فما قاله الاستاذ (قدس سره) لا يكون محذوراً ، فظاهر الرواية هو ثبوت الملكية الواقعية ولو بالإطلاق، ومما يسهل الأمر أن الرواية من جهة السند ضعيفة بالقاسم ابن يحيى، والقاسم بن محمد الاصفهاني لم يرد فيهما توثيق ووجود القاسم فياسانيد كامل الزيارات لا يوجب كونه ثقة كما عرفت حال الكتاب ، وأنّه ليس كل من فيه ثقة ، فالرواية من جهة السند ضعيفة بعد ما ثبت أن الشهادة لابد أن تكون عن علم ، فإن الشهادة بالملكية الظاهرية لا إشكال فيها لأنّه عالم بذلك قطعاً ، فلا يكون تخصيصاً للعلم ، إلا أنّ عدم جواز الشهادة الواقعية يكون طبقاً للقاعدة ، لأنّه لا علم له بها، ومقتضى عدم العلم عدم جوازها بعد اشتراط العلم في قبول الشهادة.

ص: 245


1- المباني /1 /140 .

المسألة 97 : لا تجوز الشهادة بمضمون ورقة لا يذكره بمجرد رؤية خطه فيها إذا احتمل التزوير في الخط ، أو احتمل التزوير في الورقة أو أن خطه لم يكن لأجل الشهادة ، بل كان بداعٍ آخر ،وأمّا إذا علم أن خطه كان بداعي الشهادة ولم يحتمل التزوير ، جازت له الشهادة، وإن كان لا يذكر مضمون الورقة فعلاً(1).

----------------------------------------

(1) قال صاحب المستند : لا تجوز الشهادة برؤية الشاهد خطه وخاتمه إذا لم يتذكر الواقعة وإن أمن التزوير ، بلا خلاف إذا لم يكن معه عدل آخر ولا المدعي ثقة ، للإجماع ، والأصل ، وعمومات اشتراط العلم ، وأدلة اعتبار الحس(1)،

وكذلك ما ذكره العلامة الحلي في التحرير : لا يجوز أن يشهد إلا مع الذكر وإن وجد خطه مكتوباً وعلم عدم التزوير عليه وإن كان محفوظاً عنده وسواء أقام غيره من العدول لشهادة أو لميقم ، خلافاً لبعض علمائنا حيث جوز إقامة الشهادة بما يجده بخطه مكتوباً إذا أقام غيره الشهادة(2)، وتدل عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) لا تشهد بشهادة لا تذكرها ، فإنّه من شاء كتب كتاباً ونقش خاتماً»(3)،

فيظهر من هذه المعتبرة أنّه لا تجوز الشهادة مع عدم العلم ووجود احتمال التزوير ، ومادام أنّه لا يتذكر لعله كتب لأجل شيء آخر لا للشهادة ، وذلك لمكاتبة جعفر بن عيسى «جعلت فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنّهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطي قد عرفته ولست أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليهافاشهدُ لهم على معرفتي أن اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة ، أو لا تجب الشهادة عليّ حتى أذكرها كان اسمي في الكتاب ، أو لم يكن ،

ص: 246


1- المستند / 18/ 347.
2- تحرير الاحكام / 5 / 265 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب الشهادات ح4 .

المسألة 98 : يثبت النسب بالاستفاضة المفيدة للعلم عادة(1) ويكفي فيها الاشتهار في البلد ، وتجوز الشهادة به مستندة إليها .

----------------------------------------

فكتب لا تشهد»(1)، وأمّا ما ذكر صاحب المستند بأنّه إذا لم يكن معه عدل آخر ولا المدعي ثقة ، للإجماع والأصل ، وعمومات اشتراط العلم ، وأدلة اعتبار الحسن كما مرت(2)، فيفهم منصحيحة عمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) الرجل يشهدني على الشهادة ، فأعرف خطي وخاتمي ، ولا أذكر من الباقي قليلاً ولا كثيراً ، قال ، فقال : لي إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له»(3).

ولكن الحق أنّه بعد إن كان عالماً وله معرفة بخطه ، فهو كافٍ في جواز الشهادة بعد إن كان العلم حجة ، ولو حصل من أي جهة ، فلا يحتاج إلى أن يكون المدعي ثقة ، وكما قال الاستاذ (قدس سره) فإنّه وإن لم يكن ذاكراً لمضمون الورقة فعلاً إلا أنّه عالم بصحته وموافقته للواقع مستنداً إلى حسه السابق فلا مانع من الشهادةعليه(4)، إذاً لو حصل له العلم بخطه فهو كافٍ في جواز الشهادة وإن لم يكن ذاكراً لمضمون الورقة .

(1) قلنا جواز الشهادة إذا كانت مستندة إلى العلم من أيّ سبب حصل فهو كافٍ ، ويؤيد ذلك صحيحة حريز المتضمنة لقصة إسماعيل ، وفيه إلى أن قال فقال : إسماعيل يا ابة إني لم اره يشرب الخمر ، وإنما سمعت الناس يقولون ... «قال (علیه السلام) : يا بني أن الله يقول في كتابه : «يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ»(5) يقول يصدق

ص: 247


1- الوسائل باب 8 من أبواب الشهادات ح2 .
2- المستند / 18 / 347 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب الشهادات ح1.
4- المباني /1 /142.
5- سورة التوبة الآية / 61 .

وأمّا غير النسب كالوقف والنكاح والملك وغيرها فهي(1)، وإن كانت تثبت بالاستفاضة إلا أنّه لا تجوز الشهادة استناداً إليها وإنما تجوز الشهادة بالاستفاضة.

----------------------------------------

الله ، ويصدق للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم ولا تأتمن شارب الخمر»(1)، فإن الحديث يدل على أنّه لابد من ترتيب اثار الواقع على مجرد الشيوع والاستفاضة ، أي إذا شاع عند الناس أنّه يشرب الخمر فلابد من اتباع قولهم ويحكم ، بأنّه شارب للخمر ، قد يقال أن المأمور به ليس هو ترتب اثار الواقع بأجمعها ، بل خصوص ما ينفع المخبر إليه ولا يضر المخبرعنه ، قلنا أنّه مطلق .

(1) أمّا الثبوت بالاستفاضة فلأنّه يكفي في ثبوت حصول العلم ولو من أي طريق حصل ، فالاستفاضة هنا هي علم عادي ويحصل منها الاطمئنان قال في الرياض : وأعلم أنّه قد اختلف الأصحاب في الاستفاضة التي هي مستند الشهادة هل يشترط ايرائها العلم القطعي أو يكفي الظن مطلقاً أو القوي منه المتاخم للعلم خاصة على أقوال ثلاثة أقواها عند الجماعة الأول : كالماتن في ظاهر الكتاب والشرائع ونحوه من الأصحاب ممن جعل ضابط الشهادة العلم من دون استثناء للاستفاضة المفيدة للمظنة ، وهو صريح الفاضل في جملة من كتبه وولده في الإيضاح والفاضل المقداد في شرح الكتاب وغيرهم .وأمّا أنّه لا تجوز الشهادة في غير النسب وإن كان يثبت بها ، والشهادة لا يمكن الاستناد إليها إلا إذا حصلت من العلم ، أو الاستفاضة التي هي العلم العادي إلى أن يقول والثاني خيرة الشيخ في الخلاف والمبسوط ...الثالث مختار الفاضل في الارشاد والشهيدين في الدروس والمسالك واللمعتين(2).

ص: 248


1- الوسائل باب 6من أبواب الوديعة ح1
2- رياض المسائل / 15 / 368 وما بعدها .

المسألة 99 : يثبت الزنا واللواط والسحق بشهادة أربعة رجال ويثبت الزنا خاصة بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين أيضاً ، وكذلك يثبت بشهادة رجلين وأربع نساء ، إلا أنّه لا يثبت بها الرجم ، بل يثبت بها الجلد فحسب ولا يثبت شيء من ذلك بشهادة رجلين عدلين(1).

----------------------------------------

(1) الحقوق على قسمين وهما حق الله و حق الناس ، أمّا الثاني فيثبت بالبينة ، وأمّا الأول كالزنا واللواط والسحق يثبت بشهادة أربعة رجال ، ويدل على ذلك الكتاب والسنة .

أمّا الكتاب فللآية الشريفة : «وَاللاَتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً»(1) ، وأمّا السنة فالروايات كثيرة .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : حد الرجم أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يُدخل ويُخرج»(2).ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يُشهد عليه أربعة شهود على الايلاج والاخراج»(3).

ومنها : عن الحلبي في صحيحة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن شهادة النساء في الرجم ، فقال : إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم تجز في الرجم»(4).

ص: 249


1- سورة النساء الآية / 15.
2- الوسائل باب 12 من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 12 من أبواب حد الزنا ح2
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح3.

..........................

ومنها : صحيحة الحلبي الأخرى عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أنّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأة ، فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان ، وجب عليه الرجم وإن شهد عليه رجلان واربع نسوة ، فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حد الزاني»(1).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين واربع نسوة ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان»(2)،

كما ذكره الاستاذ(3)

الاعظم (قدس سره) عن الصدوقين والعلامة في المختلف إلى عدم ثبوت الحدّ بذلك أيضاً أي برجلينوأربع نسوة .

وقد استدلوا للأصل ، وفيه لا معنى للتمسك بالأصل ، مع وجود الدليل وكذلك بالملازمة ، وأمّا قول المختلف فهو ، فالوجه عندي المنع لأنّه لو ثبت الزنا بشهادتهم لثبت الرجم ، والتالي باطل للأخبار الدالة على عدم سماع رجل وأربع نسوة في الرجم ، وهي كثيرة فالمقدم مثله .

بيان الملازمة دلالة الإجماع على وجوب الرجم على المحصن الزاني فإن ثبت هذا الوصف ثبت الحكم وإلا فلا(4)،

أي لو ثبت الزنا بشهادتهن ثبت الرجم ، والملازمة ممنوعة خصوصاً بعد ما دل الدليل .

وأمّا بالنسبة لثبوت شهادة رجلين عدلين لمامر في صحيحة الحلبي ومحمد بن قيس المتقدمتين .

ص: 250


1- الوسائل باب 30 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10.
3- المباني /1/145.
4- المختلف / 8 / 472 .

وهذا بخلاف غيرها من الجنايات الموجبة للحد كالسرقة وشرب الخمر ونحوهما ، ولا يثبت شيء من ذلك بشهادة عدل وامرأتين ولا بشاهد ويمين ، ولا بشهادة النساء منفردات(1).

----------------------------------------

(1) أمّا بقية الجنايات الموجبة للحد فتثبت بشاهدين ، لأنّه تشملها عمومات البينة ، مضافاً إلى ما ورد في بعضها نص خاص ، كصحيحة محمد أبن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل اخر فقالا :هذا السارق وليس الذي قطعت يده إنما شبهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرمّهما نصف الدية»(1)،

وموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت يده»(2).

نعم تثبت بشاهد وامرأتين ، وشاهد ويمين الديون والأموال والغصب وعقود المعاوضات كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارات والمساقات والرهن والوصية له وغيرها من الموارد كما يأتي تفصيلها في مظانها .

أمّا شهادة النساء منفردات فلا تقبل وإن كثرن ، نعم تقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع ميراث المستهل ، وهل أن اللواط والسحق يكونانملحقان بالزنا أو لا ؟ الظاهر ذلك وقد ادعى عليه الاجماع ، وقال استاذنا الاعظم (قدس سره) : أمّا اللواط والسحق ، فقد الحقهما الأصحاب بدون خلاف بالزنا والظاهر إن المسألة متسالم عليها ، فقد ادعي الإجماع في كلماتهم(3)، وقال الشهيد في المسالك : فمن حقوق الله تعالى الزنا وفي معناه اللواط والسحق عندنا(4).

ص: 251


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2.
3- المباني /1/ 147.
4- المسالك / 14 / 246.

..........................

ويدل عليه صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من اصحابه إذ اتاه رجل، فقال يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني ، فقال له : يا هذا امض إلى منزلك لعل مراراً هاج بك ، فلما كان من غد عاد إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني ، فقال : اذهب إلى منزلك لعل مراراً هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرته الأولى ، فلما كان في الرابعة ، فقال له : يا هذا إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) حكم في مثلك بثلاثة أحكام ، فاختر أيّهن شئت ، قال : وما هن يا أمير المؤمنين ، قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت ، أو اهداب من جبل مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراق بالنار ، قال : يا أمير المؤمنين أيهن أشد علي ، قال : الإحراق بالنار ، قال : فإني اخترتهايا أمير المؤمنين ، فقال : خذ لذلك اهبتك ، فقال : نعم قال : فصلى ركعتين ثم جلس في تشهده ، فقال : اللهم إني قد اتيت من الذنب ما قد علمته وإني تخوفت من ذلك فأتيت إلى وصي رسولك وابن عم نبيك فسألته أن يطهرني فخيرني ثلاثة اصناف من العذاب ، اللهم فإني قد اخترت أشدهن ، اللهم فإني اسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنوبي وأن لا تحرقني بنارك في اخرتي ، ثم قام وهو باكٍ حتى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو يرى النار تتأجج حوله ، قال فبكى أمير المؤمنين (علیه السلام) وبكى أصحابه جميعاً ، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) : قم يا هذا فقد ابكيت ملائكةالسماء وملائكة الأرض ، فإن الله قد تاب عليك فقم ولا تعاودن شيئاً مما فعلت»(1).

أمّا المساحقة هل هي ملحقة بالزنا أم لا ؟ يقول في الجواهر : نعم غير الزنا من اللواط والسحق باقٍ على مقتضى ما دل على اعتبار الأربعة رجال(2)،

إذاً لا تقبل

ص: 252


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد اللواط ح1.
2- الجواهر /41/ 157.

..........................

في حقهما إلا بشهادة امرأتين وثلاثة رجال أو رجلين واربع نساء خلافاً للمحكي عن الوسيلةبقوله : إنما يثبت السحق بالبينة أو الإقرار على حد ثبوت الزاني واللواط بهما ، والحدّ فيه مثل الحدّ في الزنا ويعتبر فيه الاحصان(1)،

وخلافاً لما نسب إلى ابن الجنيد بأن اللواط والسحق مساويان بالزنا .

ويدل على ما ذكرنا أولاً : ما ذكروا من التخفيف والدرء في الحدود صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) المتقدمة ، وكما في حسنة عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم عن أبيه في حديث طويل «إن امرأة أتت أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرت عنده بالزنا أربع مرات ، قال : فرفع رأسه إلى السماء ، فقالت : يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني طهرك الله ، فإنعذاب الدنيا ايسر من عذاب الاخرة الذي لا ينقطع، فقال : لها مما اطهرك ، فقالت إني زنيت ، فقال : لها وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك ؟ قالت : بلى ذات بعل ، فقال : لها افحاضراً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائباً كان عنك ؟ قالت : بل حاضراً ، فقال : لها انطلقي فضعي ما في بطنك ثم آتني اطهرك فلما ولت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه ، قال اللهم أنّها شهادة إلى أن يقول في اخر الحديث ، أبعد أربع شهادات بالله لتكفلنه وأنت صاغر الحديث وذكر أنّه رجمها»(2)،

فتكون النتيجة إن اللواط لا يثبت إلا بأربع شهادات ، فلا تقبل شهادة ثلاث رجال وامرأتين أو رجلين وأربعنسوة ، فإذا ثبت بأن السحق بمنزلة اللواط كما رواه الحسن الطبرسي في مكارم الاخلاق عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) «قال : السحق في النساء بمنزلة اللواط في الرجال ، فمن فعل من ذلك شيئاً فاقتلوهما ثم اقتلوهما»(3)والرواية ضعيفة والعمدة هو الاتفاق

ص: 253


1- الوسيلة / 414 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب ثبوت الزنى بالإقرار ح1.
3- الوسائل باب 16 من أبواب حد السحق والقيادة ح3 .

المسألة 100: لا يثبت الطلاق والخلع والحدود والوصية إليه والنسب ورؤية الاهلّة والوكالة وما شاكل ذلك في غير ما يأتي إلا بشاهدين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء لا منضمات ولا منفردات(1).

----------------------------------------

بالنسبة إلى السحق واللواط جميعاً .

(1) أمّا ثبوت هذه الأمور ، فتارة يكون بشهادة الرجال ، وأخرى بشهادة النساء ، أمّا بشهادة الرجال أي بشاهدين عدلين يكون طبقاً للقاعدة ، لأنّه لو لم يرد دليل على التقييد كانت شهادتهما كافية ، وأمّا ثبوتها بغيرهما فيحتاج إلى دليل بعد إن انحصر دليل الإثبات بشاهدين عدلين ، فلا تجزي شهادة النساء منضمات فضلاً عن الانفراد ، وكذا لا يجزي الشاهد الواحد مع اليمين ، ويدل على ذلك جملة من النصوص .

منها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا فيالديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(1) .

ومنها : صحيحة العلاء عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ، وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن ؟ قال : نعم في العذرة والنفساء»(2).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن ، قال : نعم في العذرة والنفساء»(3)،

وصحيحته الأخرى قال «قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال ولا في الطلاق ، وقال سألته عن النساء تجوز شهادتهن ، قال :

ص: 254


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح18.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح8 .

ولا بشاهد ويمين(1).

المسألة 101 : تثبت الديون والنكاح والدية بشهادة رجل وامرأتين وأمّا الغصب والوصية إليه والأموال والمعاوضات والرهن ، فالمشهور أنّها تثبت بها ، وكذلك الوقف والعتق على قول جماعة ، ولكن الجميع لا يخلو عن إشكال ، والأقرب عدم الثبوت(2) .

----------------------------------------

نعم في العذرة والنفساء»(1)،

ورواية السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) بامرأة بكر زعموا أنّها زنت ، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء ،فقال : ما كنت لأضرب مَنْ عليها خاتم من الله ، وكان يجيز شهادة النساء في مثل هذا»(2).

ومنها : معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلا امرأة أتجوز شهادتها ؟ فقال : تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة»(3).

(1) لأن ثبوت الدعوى مختص بالأموال على ما سيأتي .

(2) أمّا الديون فقد ادعي عليه عدم الخلاف ، وتدل على ذلك أولاً الآية الشريفة والرواية ، قال تعالى : «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْيَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ»(4)، وأما الروايات فصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) أجاز شهادة النساء في الدين وليس معهن رجل»(5)،

وفي

ص: 255


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح8 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح13 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح21.
4- سورة البقرة الآية / 282 .
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح20 .

..........................

صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز إذا كان معهن رجل ، وكان علي (علیهالسلام) يقول لا اجيزها في الطلاق ، قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين ، قال نعم»(1)، ومعتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن إذا كانت المرأة منكرة ، فقال : لا بأس به ، إلى أن قال : وكان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار ، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، فقلت: فأنى ذكر الله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ» فقال ذلك في الدين إذا لم يكن رجلان فرجل وامرأتان»(2).أمّا النكاح ففي المستند : اختلفوا في قبول شهادتهن مع الرجال في النكاح فعن المفيد والخلاف والديلمي وابن حمزة والحلي وظاهر التحرير

المنع ، وعن الصيميري نسبته إلى المشهور لرواية السكوني المتقدمة ، وعن العماني والاسكافي والصدوقين والحلبي والتهذيب والمبسوط وابن زهرة والشرائع والإرشاد والقواعد والإيضاح والدروس وغيرهم من المتأخرين بل الأكثر كما عن المسالك القبول ، وعليه الإجماع عن الغنية ، وصرح جماعة بعدم القبول شهادة النساء لا منفردات ولا منضمات ، وذكر القول بالتفصيل بقوله : ما لا تشترط فيه الذكورة ، بل تقبل فيه شهادة النساء منضمات مع الرجل(3).وإمّا الاختلاف في الاقوال فإنما هو لأجل اختلاف الروايات ، وأما ما دل على القبول .

ص: 256


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح2 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح35 .
3- المستند / 18 / 289 وما بعدها .

..........................

منها : رواية زرارة قال «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح ، قال : نعم»(1)،

والرواية ضعيفة بابن نجران .

ومنها : عن إبراهيم الحارقي قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه ، وتجوز شهادتهن في النكاح ، ولا تجوز في الطلاق ، ولا في الدم ، وتجوز في حدّ الزنا إذاكان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز إذا كان رجلان وأربع نسوة ، ولا تجوز شهادتهن في الرجم»(2)، وهذه الرواية أيضاً ضعيفة بالحارقي لأنّه مجهول .

ومنها : رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال : علي (علیه السلام) شهادة النساء تجوز في النكاح ولا تجوز في الطلاق ، وقال : إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان جاز في الرجم وإذا كان رجلان واربع نسوة لم يجز ، وقال : تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال»(3)والرواية ضعيفة بمحمد بن الفضيل وغيرها من الروايات كلها ضعاف ، فلا تصل النوبة إلى الجمع بينها ،وبين ما دل على المنع مطلقاً ، كما جمعهما الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : وهذه الطائفة تكون شاهد جمع بين الطائفتين الأولتين على أن الطائفة الثانية غير قابلة للاعتماد عليها في نفسها واطلاق معتبرة السكوني يقيد بصحيح الحلبي(4)، وصاحب المسالك بقوله : وبالجملة فالأخبار مختلفة ليس فيها خبر نقي والأكثر ما دل على القبول ، ويمكن الجمع بينها بحمل اخبار المنع على ما إذا كان المدعي الزوج لأنّه لا يدعي مالاً ، واخبار القبول على ما إذا كان المدعي المرأة لأنّها دعواها

ص: 257


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح11.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح5.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح25.
4- المباني /1/154

..........................

تتضمن المال من المهر والنفقة ، وهذا متجه(1)، وفيه :

أولاً : قلنا لا تصل النوبة إلى الجمع بعد إن كانت أحاديث الجواز ضعيفة .

ثانياً : لأنّه تبرعي لا يكون هناك شاهد عليه .

بقي هناك روايات المنع كمعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود»(2)،

وأمّا التفصيل .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیهالسلام) «أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز إذا كان معهن رجل»(3).

ومنها : صحيحة أبي بصير قال «سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهن رجل»(4)،

فتحمل الروايات المطلقة على المقيدة ، فتكون النتيجة أنّه تقبل شهادتهن في النكاح إذا كان معهن رجل .

وأمّا الدية فقلنا حسب القاعدة أنّه تقتضي عدم اعتبار شهادتهن إلا فيما إذا قام الدليل على اعتبار شهادتهن ، والظاهر إن الدليل موجودبالأولوية حيث ثبت في القتل في حسنة محمد بن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلنا أتجوز شهادة النساء في الحدود ، قال : في القتل وحده أن علياً (علیه السلام) كان يقول لا يبطل دم أمرئ مسلم»(5)

، فإذا كان القتل يثبت بشهادتهن حيث لا يبطل دم المسلم ولم يجز

ص: 258


1- المسالك /14 / 253.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح2.
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح4.
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح1.

المسألة 102 : تثبت الأموال من الديون والأعيان بشاهد ويمين وأمّا ثبوت غيرها من الحقوق بهما فمحل إشكال ، وإن كان الأقرب الثبوت كما تقدم في القضاء(1)، وكذلك تثبت الديون بشهادة امرأتين ويمين(2) وأمّا ثبوت مطلقالاموال بهما فمحل اشكال ، وعدم الثبوت اقرب(3).

----------------------------------------

القود ، فلا محالة لابد من ثبوت الدية لأجل عدم إبطال دم المقتول .

وأمّا عدم ثبوت الشهادة في هذه الموارد إنما يكون حسب القاعدة حيث لا دليل على اعتبار شهادة امرأتين مع رجل واحد ، وما دل من العمومات بأن شهادة المرأة غير مقبولة إلا في الموارد الخاصة كما في صحيحة أبي بصير المتقدمة قال : «سألته عن شهادة النساء ، فقال : تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه» إذاً قبول شهادتهن في غير هذهالموارد يحتاج الى دليل .

وأمّا ما قيل بأنه يمكن الاستدلال بالآية الكريمة بأنّه يجوز قبول شهادة رجل وامرأتين في الدين كما في الآية «فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ» فيه أنّها واردة في الدين ولا يمكن التعدي إلى غيره مع عدم وجود الدليل كما مرّ بأنّه لا يجوز شهادتهن مطلقاً إلا فيما قام الدليل وغيرها من الأمور المستدل بها على الجواز حيث أنّها كلها غير تامة .

(1) قد مرّ البحث في مسألة (38) من مسائل القضاء .

(2) أمّا اصل قبول شهادتهن في الديون فكما في صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (علیهالسلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) اجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله أن حقه لحق»(1).

(3) قال في الجواهر في كتاب الشهادات : والثاني منها - أي حقوق الادمي -

ص: 259


1- الوسائل باب 15 من أبواب كيفية الحكم ح3.

المسألة 103 : تثبت العُذرة وعيوب النساء الباطنة ، وكل ما لا يجوز للرجال النظر إليه(1) .

----------------------------------------

ما يثبت بشاهدين وبشاهد وامرأتين ، وبشاهد ويمين وهو الديون والأموال كالقرض والقراض والغصب وعقود المعاوضات كالبيع والصرف والسلم والصلح والإجارة والمساقات والرهنوالوصية له ، والجناية التي توجب الدية كالخطأ وشبه العمد ، وقتل الحر العبد والأب الولد والمسلم الذمي والصبي والمجنون وغيرهما ، والمأمومة والجائفة وكسر العظام وغير ذلك مما كان متعلق الدعوى فيه مالاً أو المقصود منه المال ، فإن ذلك هو الضابط عندهم لهذا القسم(1)، وهو المشهور مضافاً إلى ما ورد من رواية منصور بن حازم إن أبا الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) «قال : إذا شهد لطالب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز»(2)، قالوا إن هذه الرواية ضعيفة بماجيلويه والحق أن الرجل ثقة وذلك :

أولاً : لأن العلامة وثقه وعده الفاضلالجزائري في زمرة الثقات .

وثانياً : هو من مشايخ الصدوق فتأمل ، فالأقرب هو الثبوت وفاقاً للمشهور .

(1) أمّا قبول شهادتهن في العذرة فقول المحقق : الثالث ما يثبت بالرجال والنساء منفردات ومنضمات وهو الولادة والاستهلال وعيوب النساء الباطنة وفي قبول شهادة النساء منفردات في الرضاع خلاف أقربه الجواز(3)،

وفي الجواهر : كالقرن ونحوه لا ، الظاهرة كالعرج ونحوه(4)، ويدل على ذلك عدة روايات .

منها : موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة النساء في

ص: 260


1- الجواهر /41 / 165.
2- الوسائل باب 15 من أبواب كيفية الحكم ح1.
3- شرائع الإسلام /4 /137.
4- الجواهر/41 /170

والرضاع(1) .

----------------------------------------

العذرة وكل عيب لا يراه الرجل»(1) .

ومنها : صحيحة العلاء عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال وسألته هل تجوز شهادتهن وحدهن قال : نعم في العذرة والنفساء»(2)، وصحيح عبد الله بن سنان (علیه السلام) «قال : سمعت أبا عبد الله : يقول لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال إلى أن يقول تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، وتجوز شهادةالقابلة وحدها في المنفوس»(3).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن ، قال : نعم في العذرة والنفساء»(4).

ومنها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(5)،

وغيرها من الروايات .

(1) وأمّا الرضاع فهل يثبت بشهادة النساء ؟ فيه خلاف بين الفقهاء وعبر صاحب المستند بقوله : اختلفوا في قبول شهادتهن في الرضاع المحرم فعن الخلاف وموضع من المبسوط والسرائروالجامع المنع ، وعن السرائر والتحرير والمسالك أنّه مذهب الأكثر ، وعن ظاهر المبسوط دعوى الإجماع عليه حيث قال : وشهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا ، ونسبه فيه إلى روايات الأصحاب ، بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه صريحاً ، وعن العماني والاسكافي والمفيد والديلمي

ص: 261


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح9.
2- السوائل باب 24 من أبواب الشهادات ح18.
3- السوائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10.
4- السوائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10.
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42.

..........................

وابن حمزة ، وموضع من المبسوط والفاضلين والشهيدين والفخر والصيمري وسائر المتأخرينالقبول ، وعن السيد الإجماع عليه(1).

وقد استدل الاستاذ الاعظم(2)،

بصحيحة عبد الله بن سنان «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال إلى أن قال : تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه»(3) .

ومنها : معتبرة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : تجوز شهادة النساء في العذرة وكل عيب لا يراه الرجل»(4) .

ومنها: معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «أنّه كان يقول: شهادةالنساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح ولا في حدود إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(5)

كما في معتبرة السكوني .

وما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه تبعاً للرياض لأنّه أمر لا يطلع عليه الرجال غالباً فمسّت الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه كغيره من الأمور الخفية على الرجال من عيوب النساء وغيرها(6).

وقد اجيب بأن الروايات غير مقيدة بالرجال الأجانب ، مع أن الأقارب من الرجال يجوز لهم الاطلاع ، واستدلوا بالإجماع ، وفيه أنه ليس بتعبدي واستدل أيضاً برواية عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) فيامرأة ارضعت غلاماً وجارية «قال : يعلم ذلك غيرها ؟ قال : لا ، قال فقال (علیه السلام) :

ص: 262


1- المستند / 18 / 286 / 287.
2- المباني /1 / 158 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح10
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح9
5- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح42 .
6- الرياض/ 15/ 338 .

بشهادة أربع نسوة منفردات(1) .

----------------------------------------

لا تصدق إن لم يكن غيرها»(1)

، فالاستدلال بها يكون عندهم بمفهوم الشرط أي أنّها تصدق إذا علم بذلك غيرها ، سواء كان ذلك الغير ذكراً أو انثى ، ولكن الرواية مرسلة ، فلا يمكن الاستدلال بها .

(1) فإذا ثبت قبول الشهادة في مثل هذه الأمور ، فلابد أن تكون أربع من النساء ، وهوالمشهور كما في الجواهر للأصل ، بل يمكن دعوى القطع به من الكتاب والسنة ، أن المرأتين يقومان مقام الرجل في الشهادة ، وهو ظاهر قوله تعالى: «أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى»(2)، قيل هو الحق وذلك لأن الأصل عدم قبول شهادتهن إلا ما قام الدليل عليه ، فيخرج عن هذا الأصل شهادة الأربع كما أن شهادة الأربعة خارجة بالاتفاق نصاً وفتوى ولأن ما دل على الجواز كالروايات التي ورد فيهن لفظ النساء ، وأقلّ الجمع ثلاثة وكل مَنْ قال بما زاد على الاثنين قال بالاربع .

هذه الأمور كما ذكر في محله مجرد استحسان لا يمكن الاستدلال بها مضافاً إلى ما ورد منالدليل على خلاف ذلك كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «تجوز شهادة الواحدة ، أوقال تجوز شهادة النساء في المنفوس والعذرة»(3)،

وخبر أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال : تجوز شهادة امرأتين في استهلال»(4)،

وقد مر ذكرهما ، وعليه يجوز شهادة امرأة واحدة إلا ما قام الدليل على شرطية أكثر من ذلك في قبول الشهادة .

ص: 263


1- الوسائل باب 12 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح3.
2- سورة البقرة الآية / 282 ، وانظر الجواهر /41/ 176 وما بعدها .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح2.
4- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح41.

المسألة 104 : المرأة تصدق في دعواها أنّها خلية ، وإن عدتها قد انقضت(1)، ولكنها إذا أدعت ذلك وكانت دعواها مخالفة للعادة الجارية بين النساء ، كما إذا أدعت أنّها حاضت في شهرواحد ثلاث مرات فإنّها لا تصدق ، ولكن إذا شهدت النساء من بطانتها بأنّ عادتها كذلك قبلت(2).

المسألة 105: يثبت بشهادة المرأة الواحدة ربع الموصى به للموصى له(3).

----------------------------------------

(1) وذلك لأنّ هذه الشهادة تكون للأمور التي لا يمكن للرجال الاطلاع عليها لكي يشهدوا ، وإنما تعرف من قبلها ، مضافاً إلى ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : العدة والحيض للنساء إذا ادعت صدّقت»(1).

(2) لأنّها موجبة لاحتمال كذبها وإن الأصل في شهادة المرأة عدم النفوذ إلا ما خرج بالدليل ، وهنا جاء الدليل على العكس ، وهو عدم القبولفي دعواها ويكون سبباً لعدم قبول دعواها ، ويؤيد ذلك معتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) أن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال : في امرأة ادعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض ، فقال : كلفوا نسوة من بطانتها إن حيضها كان فيما مضى على ما ادعت ، فإن شهدت صدّقت وإلا فهي كاذبة»(2).

(3) أمّا شهادة امرأة واحدة في الربع وبشهادة امرأتين في النصف وبشهادة ثلاثة في ثلاثة ارباع ، والأربعة في الجميع بالنسبة إلى الوصية فمحل اتفاق ، ونسب إلى الحلي الإجماع ، وقد دلت على ذلك روايات .منها : صحيحة محمد بن قيس قال : «قال أبو جعفر (علیه السلام) : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في وصية لم يشهدها إلا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصية إذا

ص: 264


1- الوسائل باب 47 من أبواب الحيض ح1.
2- الوسائل باب 47 من أبواب الحيض ح3.

..........................

كانت مسلمة غير مريبة في دينها»(1).

ومنها : عن ربعي بسند تامٍ عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شهادة امرأة حضرت رجل يوصي ليس معها رجل ، فقال : يجاز ربع ماأوصى بحساب شهادتها»(2) .

ومنها : ما عن ابان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه قال : في وصية لم يشهدها إلا امرأة ، فأجاز شهادتها في ربع من الوصية بحسب شهادتها»(3)وهي تدخل في الحسان ولذا عبر عنها الاستاذ الاعظم (قدس سره) بالمعتبرة .

وهناك روايات تدل على قبول شهادة النساء في الوصية .

منها : ما عن عبد الرحمن قال : «سألت أبا عبد الله عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها إلا امرأة أتجوز شهادتها؟ قال: تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس، وقال : تجوز شهادة النساءفي الحدود مع الرجل»(4).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان قال «سألته عن امرأة حضرها الموت وليس عندها إلا امرأة اتجوز شهادتها ، فقال لا تجوز شهادتها إلا في المنفوس والعذرة»(5) .

ومنها : صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع قال «سألت الرضا (علیه السلام) عن امرأة ادعى بعض أهلها أنّها أوصت عند موتها من ثلثها بعتق رقيق لها ايعتق ذلك وليس على ذلك شاهد إلا النساء ؟ قال : لا تجوز شهادة النساء في هذا»(6).

ص: 265


1- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح3.
2- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح1.
3- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح2.
4- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح6.
5- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح7.
6- الشرائع /4 /131.

كما يثبت ربع الميراث للولد بشهادة القابلةباستهلاله ، بل بشهادة مطلق المرأة وإن لم تكن قابلة ، وإذا شهدت اثنتان ثبت النصف وإذا شهدت ثلاثة نسوة ثبت ثلاثة أرباعه ، وإذا شهدت أربعة نسوة ثبت الجميع ، وفي ثبوت ربع الدية بشهادة المرأة الواحدة في القتل ونصفها بشهادة امرأتين ، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاثة إشكال ، وإن كان الأقرب الثبوت ، ولا يثبت بشهادة النساء غير ذلك(1).

----------------------------------------

والجمع بين هاتين الطائفتين يكون بأن روايات منع النفوذ مطلقة فتقيد بروايات النفوذ حيث إنّها بإطلاقها تشمل حتى النفوذ بالوصية التمليكية ويقال بالنفوذ بالوصية التمليكية بالمال ، أو تحملما دل على عدم النفوذ على التقية ، حيث إن العامة بعضهم يفتون بعدم قبول شهادة النساء في الوصية على الإطلاق والبعض الاخر يقول بالقبول إذا كان معهن رجل ، وعدم القبول إذا كن منفردات وبدون الرجال ، ولهذا تحمل ما دل على التفصيل كما عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال «كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن (علیه السلام) امرأة شهدت على وصية رجل لم يشهدها غيرها وفي الورثة من يصدقها ومنهم من يتهمها ، فكتب (علیه السلام) : لا، إلا أن يكون رجل وامرأتان ، وليس بواجب أن تنفذ شهادتها»(1)، على التقية ، مضافاً إلى أن الرواية ضعيفة بإبراهيم ، لأنّه لم تثبت وثاقته كما قيل فتأمل ، لأنّه وكيلمن الناحية المقدسة مضافاً إلى توثيق البعض له .

(1) أمّا ثبوت الربع في القتل إذا كانت المرأة واحدة ، وثبوت النصف بشهادة امرأتين ، وثبوت ثلاثة أرباع بشهادة ثلاثة نسوة فبلا خلاف والمشهور قبول شهادتهن في القتل ، ووردت به روايات كثيرة ، منها : حسنة محمد بن حمران عن

ص: 266


1- الوسائل باب 22 من أبواب الوصايا ح8

..........................

أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قلنا اتجوز شهادة النساء في الحدود ، فقال : في القتل وحده إنعلياً (علیه السلام) كان يقول لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1)

، وغيرها من الروايات .

وأمّا بالنسبة إلى إثبات الربع ، فيمكن الاستفادة من صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً في بئر فقتله ، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»(2)، ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) إلا أنّه اسقط قوله «بحساب شهادة المرأة» وهذا لا يضر لأنّه بعد إثبات أصل الشهادة وبعد ما علم بعدم إمكان إثبات تمام القتل ، فلابد من أن تحملالرواية على إثبات الربع ، ولعله اسقطت الجملة نسياناً ، ويؤيده ما رواه عبد الله بن الحكم قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة شهدت على رجل أنّه دفع صبياً في بئر فمات ، فقال : على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة»(3)

والرواية ضعيفة لأنّه ورد في سندها ابن أبي عمير ، وفي الفقيه ابن عمران لعله موسى الارمني ومحمد بن حسان الزيني فيه كلام ، وتكفي الرواية للتأييد .

ويمكن أن يقال بالثبوت ، بشهادة امرأة واحدة ربع الدية فتأمل ، لما مرّ بأنّ الأصل عدم قبول شهادة النساء إلا ما ورد فيه دليل خاص .

ص: 267


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح26.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح33.

المسألة 106 : لا يعتبر الإشهاد في شيء من العقود والإيقاعات إلا في الطلاق(1) والظهار(2).

----------------------------------------

(1) ومن شرائط صحة الطلاق الإشهاد أي إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان الإنشاء , ويدل على ذلك :

أولاً : الآية الشريفة : «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»(1).

وثانياً : الروايات الصحيحة ، منها ما عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال «سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين ، قال : ليس هذا طلاقاً ،قلت : فكيف طلاق السنة ؟ قال : يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله ، قلت : فإن طلق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين ، قال : لا تجوز شهادة النساء في الطلاق»(2)

وفي صحيح الفضلاء أو حسنتهم عن الصادقين (علیهما السلام) في حديث أنّه قال «وإن طلقها في استقبال عدتها طاهراً من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إيّاها بطلاق»(3).

وأمّا غير الطلاق من العقود والإيقاعات فلا يشترط ذلك لعدم الدليل والأدلة الواردة في هذهالأمور مطلقة .

(2) بلا خلاف وتدل على ذلك جملة من الروايات ، منها : صحيحة حمران في حديث قال : «قال : أبو جعفر (علیه السلام) لا يكون ظهار في يمين ، ولا في اضرار ، ولا في غصب ، ولا يكون ظهار إلا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(4)،

ص: 268


1- سورة الطلاق الآية / 2 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب مقدمات الطلاق ح4.
3- الوسائل باب 10 من أبواب مقدمات الطلاق ح3.
4- الوسائل باب 2 من أبواب الطهارة ح1.

..........................

وفي صحيحته الأخرى عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : لا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(1).وإنما الإشكال ، بأنّه هل يكفي شهادة المسلم ، أو لابد أن يكون الشاهد عادلاً اختار في المسالك : من شرط قبول الشهادة إسلام الشاهد وهو بالنسبة إلى غير الذمي موضع وفاق وكذلك فيه في غير الوصية(2)، لإنّ الظاهر من الآية اعتبار أمر آخر مع الإسلام لقوله : «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فإنّ الخطاب للمسلمين يستفاد منه اعتبار إسلام الشاهدين من قوله منكم ويبقى الوصف بالعدالة زائداً بالاكتفاء فيهما هنا بالإسلام كما عن الشيخ في النهاية وجماعة منهم القطب الراوندي ، ولكن ما ذكره (قدس سره) محل تأمل ، وهو خلاف المشهور ، ويؤيد قول المشهور مرسلة ابن فضال عمن أخبره عن أبي عبد الله (علیه السلام)«لا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق»(3) ، فإنّ العدالة شرط في الطلاق فهي شرط في الظهار .

ويمكن الاستدلال بما ورد في الصحيح بأنّ قبول الشهادة على الإطلاق لابد أن يكون الشاهد عادلاً ، كما في صحيحة ابن أبي يعفور «قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) بمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ، فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان»(4)،

وذكرنا سابقاً بأنّه يظهر من الرواية مفروغية اعتبار العدالة فكانت مشروطية العدالة في قبول الشهادة مفروغ عند السائل عنها ، ولذا سأل عن معرفة العدالة ، وإذاقلنا أصل الإسلام لا يفيد ، بل لابد أن يكون مؤمناً عادلاً فالناصبي بطريق أولى

ص: 269


1- الوسائل باب 2 من أبواب الطهارة ح4.
2- المسالك /14 / 161 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب الظهار ح3.
4- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح1 .

نعم يستحب الإشهاد في النكاح(1).

----------------------------------------

شهادته لا تقبل ، مضافاً إلى أن الناصبي يحكم بكفره ونجاسته ، فما عن عبد الله بن المغيرة «قال : قلت لأبي الحسن الرضا (علیه السلام) رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيين ، قال كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح من نفسه جازت شهادته»(1)، أنّها محمولة على التقية ، وهي مهجورة لم يعمل بها أحد وأنّهم كفار ، ولا تقبل شهادة الكفار بالاتفاق .(1) أمّا الإشهاد في النكاح فلا يكون شرطاً بلا كلام عندنا ، وخلافاً للعامة، وذلك للإطلاقات ، مضافاً إلى ورود روايات كثيرة .

منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إنما جعلت البينات للنسب والمواريث»(2).

ومنها : صحيحة زرارة بن اعين قال سئل أبو عبد الله (علیه السلام) «عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود ، فقال : لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله ، إنما جعل الشهود في تزويج البتة ، من اجل الولد لو لا ذلك لم يكن به بأس»(3).

ومنها : صحيحة حفص البختري عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يتزوج بغير بينةقال : لا بأس»(4).

ومنها : صحيحة زرارة قال : «قال : أبو جعفر (علیه السلام) إنما جعلت الشهادة في النكاح للميراث»(5)،

نعم هناك رواية استدل بها ابن أبي عقيل في العقد الدائم برواية مهلب الدلال أنّه كتب إلى أبي الحسن (علیه السلام) «إن امرأة كانت معي في الدار ثم

ص: 270


1- الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح5.
2- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ج1.
3- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ح3.
4- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ح4.
5- الوسائل باب 43 من أبواب مقدمات النكاح ح8.

والمشهور أنّه يستحب في البيع والدين ونحو ذلك أيضاً(1).

----------------------------------------

إنها زوجتني نفسها واشهدت الله وملائكته علىذلك ، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر فما تقول ؟ فكتب (علیه السلام) : التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر ، استر على نفسك واكتم رحمك الله»(1) والرواية ضعيفة من جهة السند بالمدائني ومهلب الدلال وحملها الشيخ على التقية .

ومنها : معتبرة معلى بن خنيس «قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما يجزي في المتعة من الشهود ، فقال : رجل وامرأتان يشهدهما ، قلت : ارأيت إن لم يجدوا واحداً ، قال : أنّه لا يعوزهم ، قلت : ارأيت إن اشفق أن يعلم بهم أحد ايجزيهم رجل واحد ؟ قال : نعم ، قال : قلت جعلت فداك كان المسلمون على عهدرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) يتزوجون بغير بينة قال : لا»(2)

وهذه الرواية أيضاً لا تدل على لزوم الشهود ، وعلى الفرض لم تدل على الشهود في العقد الدائم ، وإنما وردت في المتعة وأنّها مهجورة لم يعمل بها أحد مضافاً إلى أنّها لا تتمكن من المعارضة مع الروايات الكثيرة المستفيضة .

(1) أمّا استحباب الإشهاد في النكاح فهو ما دلت عليه معتبرة داود بن الحصين عن أبي عبد الله (علیه السلام) «يقول : فسنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) في ذلك الشاهدين تأديباً ونظراً لئلا ينكر الولد والميراث»(3)،

وأمّاالاستحباب في البيع والدين فقد اشتهر شهرة عظيمة ، إذ استدلوا بالآيات والروايات والحق عدم دلالتها على ذلك لأنّها وردت للإرشاد وليس هناك أمر مولوي قال سيدنا الأستاذ الأعظم (قدس سره) : على المشهور شهرة عظيمة ، واستدل على الاستحباب بالأمر بالإشهاد في المبايعة والدين

ص: 271


1- الوسائل باب 11 من أبواب المتعة ح11.
2- الوسائل باب 31 من أبواب المتعة ح3.
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح35.

المسألة 107 : لا خلاف في وجوب أداء الشهادة بعد تحملها مع الطلب إذا لم يكن فيه ضرر عليه(1).

----------------------------------------

في الآية الكريمة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَاتَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ»(1)، وقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ»، مع قيام الضرورة والسيرة القطعية على جواز البيع والدين بغير إشهاد كما استدل عليه بما ورد في عدّة من الروايات من عدم استجابة دعاء من كان له على غيره مال بدين أو غيره ولم يشهد على ذلك(2).(1) يشترط في أداء الشهادة شيئان :

الأول : الطلب لذا من تحمل الشهادة باستدعاء صاحب الحق للتحمل فلا إشكال في وجوب أداء الشهادة ، وقد ادعي عليه الإجماع ، ويشهد له قوله تعالى : «وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» (3)، وقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ» (4).

وأمّا الروايات ، منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله عز وجل : «وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » قال بعد الشهادة»(5)، ومنها صحيحة

ص: 272


1- سورة البقرة الآية / 282 .
2- المباني /1 / 169.
3- سورة البقرة الآية / 283 .
4- سورة النساء الآية / 135 .
5- الوسائل باب 2 من أبواب الشهادات ح1.

..........................

أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) من كتم شهادة ، أو شهد بها ليهدر بها دم أمرئ مسلم أو ليزوي بها مال أمرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر ، وفي وجهه كدوح - الخدوش - تعرفه الخلائق باسمه ، ونسبه ، ومَنْ شهد شهادة حق ليحيي بها حق أمرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مد البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ثم قال أبو جعفر (علیه السلام) ألا ترى أن الله عز وجل يقول :«وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ»(1) وغيرها من الروايات ، أمّا إذا لم يكن باستدعائه ، فهل يجب الأداء بعد التحمل أو لا ؟ الظاهر لا .

الثاني : هو تحمل الشهادة ابتداء فالمشهور والمروي وجوبه أيضاً على الكفاية كالإداء لقوله تعالى «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا»(2) الشامل بعمومه للأمرين(3)،

ونسب إلى جماعة من القدماء منهم الشيخ وابن جنيد وأبو الصلاح ، بل نسب إلى المشهور بينهم عدم الوجوب ، وأنّه يكون مخيراً بين أداء الشهادة وعدمها ومنشأ الاختلاف أنّه يفهم من إطلاق الآيات والروايات المتقدمة عدم الوجوب وحرمة الكتمان ، قال في المسالك: وإنّها أمانة حصلت عنده فوجب عليه الخروج منها كما أن الأمانات المالية ، تارة تحصل عنده بقبولها كالوديعة ، وتارة بغيره كتطير الريح ، وذهب جماعة منهم الشيخ وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى عدم الوجوب إلا مع الاستدعاء لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها إن شاء شهد ، وإن شاء سكت»(4)

وعن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل

ص: 273


1- سورة الطلاق الآية / 2 .
2- سورة البقرة الآية / 282 .
3- المسالك /14/ 266 .
4- المسالك /14/ 264 .

..........................

الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد ، وإن شاء سكت»(1)،

وغيرها من الروايات .

قال في الرياض : وبالجملة دلالة هذه النصوص بعد ضم بعضها إلى بعض على عدم الوجوب عيناً ، وكونه كفاية فيما إذا زاد عدد الشهود عن العدد المعتبر شرعاً واضحة ، ولا إشكال فيها من هذه الجهة ، بل الإشكال فيها إنما هو من حيث دلالتها على التفصيل بين صورتي الاستدعاء لتحمل الشهادة ، فتجب الإقامة - عيناً مطلقاً ولو زاد عددهم عن المعتبر شرعاً - وعدمه فتجب كفاية مع الزيادة ، وعيناً مع عدمها ، وهو مخالف لما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين حيث حكموا بوجوب الإقامة كفاية مطلقاً ولو فيالصورة الأولى مع الزيادة وادّعوا إجماعاتهم المتقدمة على ذلك كذلك(2)،

نعم في صورة ما إذا كان الشاهد عالماً ، بأنّه لو لم يشهد يذهب الحق لسكوته يجب عليه الأداء ، كما ورد في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد ، وإن شاء سكت ، إلا إذا علم من الظالم فيشهد»(3)، ولذا ما نسب إلى ما حمله الصدوق ما تضمن التخيير على ما إذا كان على الحق غيره من الشهود ، فمتى علم إن صاحب الحق مظلوم ولا يحيى حقه إلا بشهادته وجب إقامتها ولم يحل له كتمانها ، ويؤيد ذلكمرسلة يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت ، إلا إذا علم من الظالم فيشهد ، ولا يحل له أن لا يشهد»(4).

ص: 274


1- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ح2.
2- الرياض /15 /377 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ج4 .
4- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ج10 .

..........................

والحق أن وجوب أداء الشهادة إذا لم يكن هناك ضرر ، أمّا إذا ترتب بسبب الشهادة ضرر على الشاهد أو المشهود عليه أو بعض المؤمنين ، فلا يجب ، وفي الجواهر : أي الشاهدين التخلف عن أداء الشهادة حيث تجب عليهما(1)

والرياضالاجماع ، بل قال الثاني بالحرمة ، ويدل على ذلك حديث «لا ضرر ولا ضرار»(2)،

وموثقة محمد بن القاسم بن فضيل عن أبي الحسن (علیه السلام) «قال سألته قلت : له رجل من مواليك عليه دين لرجل مخالف يريد أن يعسره ويحبسه ، وقد علم أنّه ليس عنده ولا يقدر عليه وليس لغريمه بينة هل يجوز له أن يحلف له ليدفعه عن نفسه حتى ييسر الله له ، وإن كان عليه الشهود من مواليك قد عرفوه أنّه لا يقدر ، هل يجوز أن يشهدوا عليه ؟ قال : (علیه السلام) لا يجوز أن يشهدوا عليه ولا ينوي ظلمه»(3)،

وغيرها من الروايات ، ثم إن الأداء لا يجب في صورة ما إذااستوجب العسر والحرج بمقتضى القاعدة مثلاً لو توقف أداء الشهادة بالسفر إلى بلد وهو يشق عليه ،

فلا يجب ، ويرفع الوجوب بقاعدة نفي العسر والحرج الثابتة بالكتاب بقوله تعالى : «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(4)، وقوله تعالى : «مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ»(5)، وقوله تعالى : « لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَ وُسْعَهَا»(6).

ص: 275


1- الجواهر/41 / 188.
2- الرياض /15 / 379.
3- الوسائل باب 19 من أبواب الشهادات ح1.
4- سورة الحج الآية / 78 .
5- سورة المائدة الآية / 6 .
6- سورة البقرة الآية / 286 .

المسألة 108 : الظاهر أن أداء الشهادة واجب عيني ، وليس للشاهد أن يكتم شهادته ، وإن علم أن المشهود له يتوصل إلى إثبات مدعاه بطريق آخر ، نعم إذا ثبت الحق بطريق شرعي سقط الوجوب(1).

----------------------------------------

(1) هل وجوب الشهادة يكون عينياً أو كفائياً ؟ فقد نسب إلى أكثر المتأخرين أنّه كفائي وعن جماعة من العلماء أنّه عيني ، واستدلوا للقول الأول بأنّه كما أنّ الإقامة يكون وجوبها كفائياً وكذلك الأداء ، وبالآية الشريفة : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »أي لا يأب الرجلان أو الرجل وامرأتان من الإجابة ، فالخطاب ليسمتوجهاً إلى كل أحد ، بل على الرجلين أو الرجل وامرأتين على نحو الكفاية ، فإذا أقاما فلا معنى للإجابة ، كما هو شأن الواجب الكفائي ، ولكن الوجوب يكون عينياً ، وذلك بمقتضى إطلاق الآية والروايات .

منها : صحيح محمد بن الفضيل عن أبي الحسن(علیه السلام) «في قول الله عز وجل« وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »قال (علیه السلام) إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق لم ينبغِ لك أن تقاعس عنه»(1).

ومنها : موثقة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قول الله عز وجل :

«وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »فقال : لا ينبغيلأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم»(2)،

وغيرهما من الروايات ، نعم هذا الوجوب العيني مشروط بعدم الضرر أو العسر أو الحرج وبعدم أداء الشهادة من الغير كما مرّ ذكره.

ص: 276


1- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح7.
2- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح5.

المسألة 109 : يختص وجوب أداء الشهادة بما إذا أُشهد ، ومع عدم الإشهاد ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء لم يشهد ، نعم إذا كان أحد طرفي الدعوى ظالماً للآخر وجب أداء الشهادة لدفع الظلم ، وإن لم يكن إشهاد(1).

المسألة 110 : إذا دعي من له أهلية التحمّل ، ففي وجوبه عليه خلاف ، والأقرب هو الوجوبمع عدم الضرر(2).

----------------------------------------

(1) لا إشكال في وجوب الأداء بما إذا شهد ، وأمّا إذا لم يشهد فهو بالخيار في أداء الشهادة وعدمها كما مرّ ، وأمّا إذا كان تركه للإشهاد يستوجب الظلم بالنسبة إلى المشهود عليه وضياع حقه ، فإنّه لابد أن يشهد سواء اُشهد أم لا ، كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها ، فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت إلا إذا علم مَنْ الظالم ، فيشهد ولا يحل له إلا أن يشهد»(1).

(2) قال صاحب المستند : المشهور كما فيالمسالك والكفاية وشرح الإرشاد للاردبيلي ، وغيرها وجوب تحمل الشهادة إذا دعي إليه ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، والمفيد ، والإسكافي ، والحلبي ، والقاضي ، والديلمي ، وابن زهرة ، والفاضلين ، والفخر ، والشهيدين ، والصيميري ، وغيرهم من المتأخرين ، والمروي وجوبه أيضاً على الكفاية كالأداء لقوله تعالى : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »

الشامل بعمومه للأمرين أو لاختصاصه بهذه الحالة ، فإنّ الله تبارك وتعالى بعد إن سماهم شهداء نهاهم عن الإباء إذا ما دعوا ، ومعنى الآية ولا تمنعوا من أداء الشهادة وإقامتها أو تحمل الشهادة إذا طلب منهم ذلك أداء أو تحملاً ، فظاهرالآية

ص: 277


1- الوسائل باب 5 من أبواب الشهادات ح4.

..........................

من أن النهي للتحريم ، وتدل عليه روايات.

منها : صحيحة هشام عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله تعالى : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا» قال : قبل الشهادة قوله :« وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ »(1) قال : بعد الشهادة»(2).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قوله تعالى : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »قال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلىشهادة ليشهد عليها أن يقول لا أشهد لكم عليها»(3).

ومنها : موثق سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قوله عز وجل : «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا »قال : لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول لا اشهد لكم»(4)،

فبمقتضى الآية والروايات وجوب التحمل إذا دعي وأمّا عدم الوجوب فيما إذا كان التحمل سبباً إلى الضرر فيكون بمقتضى أدلة نفي الضرر، وكذا إذا كان حرجياً وهو ما إذا طلبه للتحمل وهو مستوجب للعسر والمشقة ، فلا يجب لأدلة الحرج ، وبعد ما قلنا بأنّ وجوبه عيني بمقتضى إطلاق الآية والروايات، فيجب عليه القبول إذا دعي وإنكان هناك اشخاص يمكن إشهادهم ، نعم بعد أن فرض إشهاد جماعة تقبل شهادتهم لم يجب على الآخرين تحمل الشهادة إذا دعوا له ، حيث إن القبول يجب عند الطلب منذ الاستشهاد ، وهو مختص برجلين أو رجل وامرأتين ، وقد حصل كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : بقي هنا شيء وهو أن ظاهر الروايات الواردة في تفسير الآية الكريمة هو أن وجوب تحمل الشهادة

ص: 278


1- سورة البقرة الآية / 283 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح1، والمستند / 18 / 364 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح1
4- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح4

المسألة 111: تقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس كالقصاص والطلاق والنسب والعتق والمعاملة والمال وما شابه ذلك ولا تقبل في الحدود سواء أكانت لله محضاً أم كانت مشتركةكحد القذف والسرقة ونحوهما(1).

----------------------------------------

عيني لا كفائي ، فمن دعي إلى الشهادة وجب عليه القبول وإن كان هناك من يمكن إشهاده ، نعم إذا تحقق تحمل الشهادة ممن تقبل شهادته لم يجب على الآخرين تحمل الشهادة إذا دعوا له فأن ظاهر الآية المباركة أن الواجب هو تحمل الشهادة عند الاستشهاد والاستشهاد المأمور به في الآية يختص باستشهاد رجلين أو رجل وامرأتين فحسب(1)،

وخلاصة البحث أن عدم الشهادة يكون لأمور :

الأول : أن لا تفيد شهادته عند الحاكم ، لأنّه بدون الطلب تكون شهادته تبرعية ، وإن كانعادلاً ، لأنّها موجبة للتهمة .

الثاني : عدم فائدة شهادته، كما إذا لم يكن هناك شاهد آخر ، ولا تفيد شهادته وحدها .

الثالث : أن يكون الشاهد امرأة ولا يثبت المورد بشهادتها .

الرابع : أن تكون شهادته فيها ضرر .

الخامس: أن تكون فيها حرج ، وإلا تجب الشهادة لأنّها أمانة أشهده المدعي أي سواء طلب منه الشهادة أم لا ، إلا إذا أمكن ثبوت الدعوى بطريق آخر.

(1) لا يخفى إنّ الشهادة على الشهادة تارة تكون في حقوق الناس وأخرى في حقوق الله ، وثالثة تكون مشتركة بين حقوق الله وحقوق الناس .أمّا الأولى كالديون والأموال من القرض والاقتراض وعقود المعاوضات وكذا الحقوق المتعلقة بالادمي سواء كانت عقوبة أو قصاصاً أوغيرها كالطلاق والنسب وعيوب النساء والولادة والاستهلال وما شاكل ذلك ، فتقبل بلا خلاف أجده كما

ص: 279


1- المباني / 1/ 172.

..........................

هو في الرياض بقوله : سواء كانت عقوبة كالقصاص أو غيرها كالطلاق والنسب والعتق وعيوب النساء والولادة والاستهلال والوكالة والوصية بفرديه ، بلا خلاف أجده ، وبه صرح في الكفاية بقوله : لا أعرف خلافاً بين الأصحابفي قبول الشهادة على الشهادة مرة واحدة في غير الحدود واتفاقهم على ذلك منقول في كلامهم(1)،

وذكر صاحب الرياض بقوله بل عليه الإجماع في كلام جماعة وهو الحجة(2)،

وادعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من الأصحاب ، بل في الجواهر بقوله : بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع أيضاً بقسميه(3)، يمكن دعوى القطع به من مجموع النصوص المستفاد منها ذلك صريحاً وفحواً مضافاً إلى إطلاقات أدلة اعتبار الشهادة طائفة خاصة من النصوص .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد ، قال : نعم ، ولو كانخلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة الشهادة على الشهادة»(4).

ومنها : معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل»(5)،

ومعتبرته الأخرى «إن علياً (علیه السلام) قال : لا أقبل شهادة رجل على رجل حي وإن كان باليمن»(6).

ص: 280


1- الكفاية / 7 / 777 .
2- الرياض / 15 / 404 .
3- الجواهر/41/ 190.
4- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح1
5- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح4
6- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح3

..........................

ومنها : معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه (علیهما السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان لا يجيز شهادة على شهادة في حد»(1) .

قلنا أنّه تقبل الشهادة على الشهادة بالاستهلال ، خلافاً للعلامة في التذكرة أنّه لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة مستدلاً على ذلك بأصالة البراءة ، وباختصاص قبول الشهادة على الشهادة بالأموال وحقوق الادميين(2).

وفيه : أن قبول الشهادة على الشهادة يكون بمقتضى إطلاق الروايات وخرج منه فيما دل الدليل على عدم القبول كالحدود ، فمع وجود الدليل لا يمكن التمسك بالبرائة ، مضافاً إلى أنّهلا معنى للتمسك في اصالة البرائة في امثال المقام .

وأمّا الثاني قلنا فتارة يكون حقاً لله محضاً فلا تقبل الشهادة على الشهادة كالحدود ، وادعى في المسالك بقوله : أمّا الحدود فإن كانت مختصة بالله كحد الزنا لم تسمع إجماعا(3)، وفي الرياض قال : وما كان عقوبة لله تعالى إجماعاً في المختصة به سبحانه كحد الزنا واللواط ونحوهما على الظاهر المصرح به في الارشاد والايضاح والتنقيح(4)،

الإجماع عليه ويشهد له معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه (علیهما السلام) عن علي (علیه السلام) «أنّه كان لا يجيز شهادةعلى شهادة في حد»(5)، ومعتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) «قال : عن علي (علیه السلام) قال : لا تجوز شهادة على شهادة في حد ولا كفالة في حد»(6)

فالمشهور هو القبول .

ص: 281


1- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح1
2- التذكرة /6 /135 .
3- المسالك /14/ 270.
4- الرياض /15 / 407 .
5- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح1
6- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح2

المسألة 112 : في قبول الشهادة على الشهادة على الشهادة فصاعداً إشكال(1)والأظهر القبول .

----------------------------------------

وأمّا إذا كان الحد مشتركاً بينه وبين الله ففيه خلاف ، فقيل عدم القبول مختص بما إذا كان الحد لله محضاً ، كحد الزنا والسحق ، وقيل بعدم القبول وقال في الجواهر: خلافاً للمحكي عنالمبسوط وابن حمزة وفخر الإسلام والشهيد في النكت، واختاره في المسالك لعدم دليل صالح للتخصيص بعد ضعف الخبرين المزبورين(1).

والحق أنّه يعم ما كان مشتركاً أيضاً ، كما عليه المشهور ، لإطلاق الروايتين وخرج الحد بالدليل .

(1) لأنّ القبول يحتاج إلى دليل ، ولذا نسب إلى المشهور عدم القبول وادعي عليه الإجماع ، فإذا لم يكن هناك دليل يكون مقتضى الأصل عدم الحجية ، وتكون معتبرتا طلحة وغياث مختصتين بقبول الشهادة على الشهادة فلا تشملان المورد ، مضافاً إلى ما ورد من الدليل على عدم القبول ، كما في رواية عمرو بن جميع عن أبي عبد اللهعن أبيه (علیهما السلام) «قال : اشهد على شهادتك من ينصحك ، قالوا : كيف يزيد وينقص ؟ قال : ولكن من يحفظها عليك ، ولا تجوز شهادة على شهادة على شهادة»(2)،

والرواية ضعيفة بعمرو ابن جميع ، ولو فرض إن الرواية ضعيفة فلا دليل على الحجية ، والحق ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بقوله : أقول المناقشة في شمول معتبرتي طلحة بن زيد ، وغياث بن إبراهيم وإن كانت لا بأس بها ، إلا أن المناقشة في شمول الإطلاقات في غير محلها ، فإنّ دليل حجية البينة ، ودليل حجية خبر الواحد يثبتان الحكم على نحو القضية الحقيقية ، فلا مانع من ثبوت بينة

ص: 282


1- الجواهر /41 / 191.
2- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح6

المسألة 113 : لو شهد رجلان عادلان على شهادة عدول أربعة بالزنا لم يثبت الحدّ ، وفي ثبوت غيره من الأحكام ، كنشر الحرمة بالنسبة إلى ابن الزاني أو أبيه ، خلاف والأظهر هو الثبوت(1).

----------------------------------------

ببينة وهكذا كما يثبت خبر بخبر وهكذا على ما فصلنا الكلام فيه في مبحث حجية الخبر الواحد(1).

(1) ادعي عليه الإجماع ، وقد عرفت حال هذه الإجماعات ، لأنّ الحدود تدرأ بالشبهة ، وكما مرّ في معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعن أبيه (علیهما السلام) «عن علي (علیه السلام) أنّه كان لا يجيز شهادة على شهادة في الحد»(2)، وهكذا معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن ابيه (علیهما السلام) قال «قال : علي (علیه السلام) لا تجوز الشهادة على شهادة في حد ، ولا كفالة في حد»(3)، أما في غيرهما من الأحكام فهل يثبت أو لا ؟ الظاهر هو الثبوت ، ففي السرقة التي فيها حقوق الله وحقوق الناس لا تقطع يد السارق أي لا يجري حكم الله ، ولكن يؤخذ المال منه لأنّه يشمله إطلاق أدلة قبول الشهادة على الشهادة ، ولا مانع من التفكيك بين الحكمين ، فتحرم أُم الملوط وأخته على اللائط ،وإن كان لا يثبت قتله .

ص: 283


1- المباني /1 /175.
2- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح1
3- الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح2

المسألة 114 : تثبت الشهادة بشهادة رجلين عدلين ، ولا تثبت بشهادة رجل واحد ، ولا بشهادة رجل وامرأتين(1)، ولو شهد عادلان على شهادة رجل أو على شهادة امرأتين أو عليهما معاً تثبت(2).

ولو شهد رجل واحد على أمر وشهد أيضاً على شهادة رجل آخر عليه وشهد معه رجل آخر على شهادة ذلك الرجل تثبت الشهادة(3).

----------------------------------------

(1) أمّا ثبوتها بشاهدين عدلين ، فقد ادعي عليه الإجماع ، وقد عرفت مراراً حال هذه الإجماعات بعد إن كانت منقولة أو محتملة المدركية ، فلا يمكن الاستناد إليها ، والعمدةالنصوص التي دلت على القبول .

وأمّا عدم قبول شهادة الرجل فلعدم الدليل ، بل جاء الدليل على عدم القبول كما مرّ ، وكذا لا تقبل شهادة رجل وامرأتين لأنّ شهادة النساء لا تقبل إلا في الموارد الخاصة ، وقد مر حديثا طلحة وغياث ، وكذا شهادة رجل واحد وامرأتين مختص بالموارد الخاصة .

(2) لإطلاق الادلة ومعتبرة غياث بن إبراهيم «كان علياً (علیه السلام) لا يجيز شهادة رجل إلا شهادة رجلين على شهادة رجل»((1)، ويظهر من مفهوم هذه المعتبرة أنّه يجوز شهادة رجلين على شهادة رجل واحد لا على ما شهد به الرجل الواحد .(3) وذلك لإطلاق أدلة الشهادة ، وبضم الوجدان إلى البينة ، كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سره) بضم الوجدان إلى البينة ، فإنّ شهادة أحد الرجلين وجداني وشهادة الآخر تثبت بالبينة(2).

ص: 284


1- (1) الوسائل باب 45 من أبواب الشهادات ح2 .
2- المباني /1 / 176.

المسألة 115: لا تقبل شهادة الفرع الشهادة على الشهادة على المشهور إلا عند تعذر شهادة الأصل لمرض أو غيبة أو نحوهما ، ولكنه لا يخلو من إشكال ، والقبول أقرب(1).

----------------------------------------

(1) قال في التبصرة وإنما تقبل مع تعذر حضور شاهد الأصل ، ولو أنكر الأصل ردّتالشهادة مع عدم الحكم(1)، عند المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، وما عن الخلاف الظاهر من المذاهب أنّه لا تقبل شهادة الفرع مع تمكن حضور شاهد الأصل ، وإنما يجوز ذلك مع تعذره ، أما بالموت ، أو بالمرض المانع من الحضور أو الغيبة ، وبه قال الفقهاء(2) ، وبناء على قولهم لو تمكن من الحضور كما لو كان حاضراً في البلد ، أو في مكان يمكنه الحضور لا تقبل شهادة الفرع ، نعم لو فرض إمكانه من الحضور لكن مع المشقة الرافعة للتكليف ، فالظاهر قبول شهادة الفرع ، والدليل اختص بما تعذر ولكن بما إنّ مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب الحضور علىالأصل فلابد من قبول شهادة الفرع ، لأنّ إبطال المشهود له باطل بالإجماع ، فيتعين قبول شهادته .

ولكن الأقوى قبول شهادة الفرع مع حضور الأصل ، قال الشيخ في الخلاف : وأيضاً روى أصحابنا أنّه إذا اجتمع شاهد الأصل وشاهد الفرع واختلفا فإنّه تقبل شهادة أعدلهما ، حتى إنّ في أصحابنا من قال تقبل شهادة الفرع وتسقط الأصل ، لأنّه يصير الأصل مدعاً عليه ، والفرع بينة المدعي للشهادة على الأصل(3)، أمّا ما قيل من عدم القبول فإنما مدركهم الإجماع ورواية محمد بن مسلم .

وفيه : إن الإجماع غير ثابت لوجود المخالف، وأنّه منقول ، وأمّا رواية محمد

ص: 285


1- تبصرة المتعلمين / 108 .
2- الخلاف / 6 / 314 .
3- الخلاف /6 / 315 .

المسألة 116 : إذا شهد الفرع فأنكر الأصل شهادته ، فإن كان بعد حكم الحاكم لم يلتفت إلى إنكار الأصل ، وأمّا إذا كان قبله ، فلا يلتفت إلى شهادة الفرع ، نعم إذا كان شاهد الفرع أعدل(1)، ففي عدم الالتفات إليه إشكال ، والأقرب هو الالتفات .

----------------------------------------

بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في الشهادة على شهادة الرجل وهو بالحضرة في البلد قال «قال : نعم ولو كان خلف سارية يجوز ذلك إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أنيحضره ويقيمها ، فلا بأس بإقامة الشهادة على الشهادة»(1)، فلا يمكن الاستناد إليها لإنّها ضعيفة من جهة السند ، والانجبار لا يفيد كما ذكرنا في محله ، بأن الشهرة غير جابرة ولا كاسرة فلا دليل على عدم القبول ، والأصل القبول ، وما ذكره الماتن (قدس سره) الأقرب القبول هو الصحيح لعدم الدليل على المنع.

(1) لا يخفى إن الأصل تارة يقع بعد حكم الحاكم وأخرى قبله ، وهناك أقوال في المسألة ، قال صاحب الجواهر: وما عن الشيخ في النهاية والقاضي والصدوقين العمل بأعدلهما ، وإن تساويا أُطرح الفرع، وأيضاً نسب إلى ابن حمزة ،والماتن ، والمختلف عدم الالتفات إلى الإنكار إذا كان بعد الحكم وأمّا قبله فيطرح الفرع .

أمّا إذا وقع بعد الحكم فلم يلتفت إلى الإنكار للشهرة العظيمة ، وقد ادعي الإجماع وهو الصحيح بعد أن ثبتت الشهادة بالبينة الشرعية ، وإنما حكم الحاكم مبنيٌ عليها ، فلا معنى لنقض حكمه بإنكار الأصل ، لأنّ حكم الحاكم جاء لأجل حسم مادة النزاع ، وبعد الحكم لا يجوز نقضه(2)، وما ورد في

ص: 286


1- الوسائل باب 44 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الجواهر /41 / 201 .

المسألة 117 : يعتبر في قبول شهادة الشاهدين تواردها على شيء واحد وإن كانا مختلفين بحسب اللفظ(1). ولا تقبل مع الاختلاففي المورد، فإذا شهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار به لم يثبت البيع، وكذلك إذا اتفقا على أمر واختلفا في زمانه ، فقال أحدهما إنّه باعه في شهر كذا ،

----------------------------------------

الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل ، فقال : إني لم اشهده ، قال (علیه السلام) : تجوز شهادة أعدلهما وإن كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته»(1)،

وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل شهد على شهادة رجل ، فجاء الرجل فقال : لم اشهده قال ، فقال : تجوز شهادةأعدلهما ولو كان أعدلهما واحداً لم تجز شهادته»(2)

فإنهّما محمولتان على ما قبل الحكم ، لأنّ التعبير بالجواز وعدمه يكون مختصاً بما هو قبل الحكم ، وأما إذا كان بعد الحكم ، فقد عرفت بأنّه يحكم طبقاً لأعدلهما ، وعليه لو كانت شهادة الفرع أعدل يلتفت إليه وذلك بعد ما عرفت بأنّه لا يشترط في قبول شهادة الفرع عدم حضور الأصل لصريح الروايات .

(1) وذلك لأنّ العبرة إنما هي بالاتفاق في المشهود به ، ولا عبرة باختلاف اللفظ ، كأن يقول أحدهما أن زيداً غصب مال عمرو ويقول الآخر أخذه قهراً أو عدواناً لاتحادهما معناً ومفهوماً ، ولا يشترط اعتبار الاتحاد في اللفظ ، لعدم الدليل ،أمّا لو اختلفا في المعنى والمورد لم تقبل ، كما إذا شهد أحدهما بالبيع والآخر بالإقرار ، لم يثبت البيع ولا الإقرار ، لعدم قيام البينة على شيء منهما ، ويظهر بذلك حال جميع ما ذكره الماتن في المسألة .

ص: 287


1- الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ج1
2- الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ح3.

وقال الآخر إنّه باعه في شهر آخر ، وكذلك إذا اختلفا في المتعلق ، كما إذا قال أحدهما إنّه سرق ديناراً ، وقال الآخر سرق درهماً ، وتثبت الدعوى في جميع ذلك بيمين المدعي منضمة إلى أحدى الشهادتين(1)، نعم لا يثبت في المثال الأخير إلا الغرم دون الحد ، وليس من هذا القبيل ما إذا شهد إنّه سرق ثوباً بعينه، ولكن قال أحدهما إن قيمته درهم ، وقال الآخر إن قيمته درهمان ، فإنّ السرقةتثبت بشهادتهما معاً(2).

والاختلاف إنما هو في قيمة ما سرق ، فالواجب عندئذٍ على السارق عند تلف العين ردّ درهم دون درهمين ، نعم إذا حلف المدعي على إن قيمته درهمان غرم درهمين(3).

----------------------------------------

(1) لما ثبت في محله من ثبوت الدعوى إذا كان بشاهد ويمين ، وهل يثبت ذلك على الإطلاق أو إذا لم يكن هناك تكاذب ؟ فعن المحقق والجواهر نعم لو حلف مع أحدهما ثبت ما شهد به تكاذباً أم لا ، وإن نسب الاجتزاء باليمين في صورة التكاذب في الدروس إلى القيل مشعراً بتمريضه ، لكنه في غير محله ، لأنّ التكاذبالمقتضي للتعارض الذي يفزع فيه للترجيح وغيره إنما يكون بين البينتين الكاملتين لا بين الشاهدين كما هو واضح(1).

(2) لأنّه لابد من ثبوته بالبينة ولا يثبت بشاهد ويمين .

(3) لأنّ أصل السرقة يكون ثابتاً ولا يضر الاختلاف في القيمة ، نعم لو تلفت العين ردّ درهماً لا درهمين ، لثبوت الدرهم فقط ، أمّا لو حلف المدعي بأن قيمته درهمان ثبت بشاهد ويمين .

ص: 288


1- الجواهر/41 /212.

المسألة 118 : إذا شهد شاهدان عادلان عند الحاكم ، ثم ماتا حكم بشهادتهما ، وكذلك لو شهدا ، ثم زكيا من حين الشهادة(1)، ولو شهدا ثمفسقا(2)

أو فسق أحدهما قبل الحكم ، فالمشهور عدم جواز الحكم بشهادتهما في حقوق الله ، وأمّا حقوق الناس ففيه خلاف ، والظاهر هو الحكم بشهادتهما مطلقاً ، لأنّ المعتبر إنما هو العدالة حال الشهادة .

----------------------------------------

(1) بلا خلاف ولا إشكال بينهم ، والدليل هو إطلاقات أدلة نفوذ الشهادة ، ولا تكون تلك الأدلة قاصرة لشمولها للمورد جزماً ، بلا فرق بين حقوق الله وبين حقوق الناس ، فلا يفرق حينئذٍ بين الحد وغيره ، وكذلك ما لو شهدا ثم زكيا بعد الموت، لأنّ الحكم لابد أن يكون مستنداً إلى شهادة شاهدين عدلين وقد حصل.

(2) أمّا إذا شهدا ثم فسقا ، فهل تقبلشهادتهما مطلقاً أو لا تقبل أو هناك تفصيل بين حق الله فلا تقبل وحقوق الناس فتقبل ؟ الحق أنّها تقبل شهادتهما مطلقاً سواء فسقا أو كفرا ، فتكون الشهادة بالنسبة إلى حقوق الله أو حقوق الناس خلافاً لما عليه المشهور في عدم جواز الحكم بشهادتهما ، أمّا جواز الحكم فحسب القاعدة الأولية ، حيث إنّهما كانا عادلين ، والفسق اللاحق لا يكشف عن عدم عدالتهما أو أحدهما حين الشهادة ، والمفروض تحقق عدالتهما حين الشهادة ، ومع ذلك استشكلوا على عدم القبول بوجوه :

الأول : أنّه لو حكم الحاكم على طبق شهادتهما يكون مرجعه إلى أنّ حكمه كان مستنداً إلى شهادة فاسقين وهو غير نافذ .وفيه إنّ فساد هذا القول واضح غاية الوضوح ، لأنّ المعتبر في نفوذ الشهادة هو عدالتهما حين الأداء ، والحاكم حينما يحكم إنما يحكم بشهادة العادلين لا الفاسقين ، وما قيل من أنّه لم يجز لو طرأ الفسق ، فلابد من أنّ يقول بعدم الجواز

ص: 289

..........................

لو صار الشاهد بعد شهادته مجنوناً .

الثاني : إن حكم طروء الفسق بعد الشهادة كحكم رجوعهما أو أحدهما عن الشهادة قبل الحكم ، وفيه :

أولاً : أنّه قياس ، ولا نقول به .ثانياً : إن الرجوع يوجب بطلان الشهادة ويجعلها كالعدم ، وأمّا الفسق الطارئ فبما أنّه كاشفٌ عن عدم العدالة بعد الشهادة ، فلا يوجب بطلان الشهادة، نعم يوجب فقد شرط قبول الشهادة بقاءً .

الثالث : إنّ ظهور الفسق وطروءه يستلزم ضعف ظن العدالة ، وفيه :

أولاً : هذا لا يكون دائماً .

ثانياً : ولو فرض أنّه استوجب ضعف الظن ، ولكن لا يشترط ذلك ولا اثر له بعد ما ثبتت عدالته حين الأداء ، نعم ، إن ظهور الفسق لو أصبح موجباً لتشكيك عدالته ويكون شكاً سارياً بحيث لا يمكن الحكم بثبوت عدالته في حينه ، كما إذا فرض ثبوت عدالتهما بالاطمئنانالشخصي ، وبعد ظهور الفسق زال الاطمئنان وحصل الشك حين الأداء في عدالتهما فيكون ذلك سبباً في زوال العدالة ، وقادحاً في قبول شهادتهما ، وإن قلنا بقبول شهادتهما ، لا يفرق في قبولها على الإطلاق ، بلا فرق بين حق الله ، وحق الناس .

وأمّا بالنسبة إلى حق الله إضافة إلى ما ذكروا من الوجوه المتقدمة بعدم جواز الحكم بشهادتهما ، فقد استدلوا عليه بالإجماع ، وفيه مجال للمناقشة في ثبوته صغروياً وكبروياً ، لأنّه على فرض ثبوته ، هو محتمل المدركية ، للوجوه المتقدمة وبدرء الحدود بالشبهة ، إذ لا شبهة بعدم وجود الدليل على عدم القبول ، والرد لا وجه له بعد وجود الدليل التام في الحكم بلا فرق بينطروء الفسق أو الكفر إلا بناءً على سريانهما ، فإنّه موجب للقدح في الحكم قطعاً .

ص: 290

المسألة 119 : لو رجع الشاهدان عن شهادتهما في حق مالي وأبرزا خطأهما فيها قبل الحكم لم يحكم(1).

----------------------------------------

(1) لا يخفى أن الرجوع تارة يكون قبل الحكم ، وأخرى بعد الحكم أمّا في الصورة الاولى ، أي لو كان رجوعهما قبل الحكم فلا يحكم بشهادتهما

وادعي عدم الخلاف ، فلو رجعا وقالا أخطانا أو أغلطنا ، لا اعتبار بشهادتهما لانصراف دليل اعتبار الشهادة عن صورة الانتقاض وقصور شموله ، وعدم جريان السيرة العقلائية ، على حجية خبر الثقة إذا رجعالمخبر عن إخباره ويؤيد المدعى مرسلة جميل بن دراج عمّن أخبره عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ، ولم يغرموا الشهود شيئاً»(1)

وزيادة على ذلك أن رجوع الشاهد عن شهادته وإبراز خطأه في الشهادة الأولى شهادة منه على نفي المشهود به سابقاً ، وبذلك تسقط الشهادة الأولى للمعارضة ، كما أنّه كذلك لو صرّح بأنّه كذب عمداً ، ينكشف بإقراره أنّه كان فاسقاً حين الشهادة ، فكان من الأول فاقداً للعدالة ، وهي شرط في قبول الشهادة .إذاً تسقط الشهادة الأولى للمعارضة ، وقد يقال بأنّه لا اعتبار بالقول الثاني ، مستدلاً بصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كان أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يأخذ بأول الكلام دون اخره»(2)،

وهذه الصحيحة لا يمكن الأخذ بها ، بل لابد من حملها على الإنكار بعد الإقرار ، مع أنّها غير تامة بنفسها مع اختلاف العبارة ، لأنّها وإن كانت كما ذكر في التهذيب وفي الوافي ، ولكن ورد في النسخة الخطية الصحيحة ، وفي الوسائل هكذا «كان أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يأخذ بأول الكلام

ص: 291


1- الوسائل باب 10 من أبواب الشهادات ح1.
2- الوسائل باب 4 من أبواب آداب القاضي ح3.

ولو رجعا بعده وبعد الاستيفاء وتلف المحكوم به لم ينقض الحكم وضمنا ما شهدا به ، وكذا الحكم قبل الاستيفاء أو قبل التلف على الأظهر(1).

----------------------------------------

دون اخره» فمع الاختلاف في متن الرواية لا يمكن التمسك بها ، وقد ذكر صاحب الوسائل ليس في المصدر (لا) .

(1) وفاقاً للمشهور ، وفي المبسوط قال : إذا شهد الشهود عند الحاكم بحق فعرف عدالتهم ثم رجعوا لم يخلوا من ثلاثة أحوال ، أمّا أن يرجعوا قبل الحكم ، أو بعده وقبل القبض ، أو بعد الحكم والقبض معاً ، فإن رجعوا قبل الحكم لم يحكم بلا خلاف ، إلا أبا ثور فإنّه قال يحكم به ، والأولأصح وإن رجعوا بعد الحكم وقبل القبض نظر ، فإن كان الحق حدّاً لله كالزنا والسرقة وشرب الخمر لم يحكم بها ، لأنّها حدود تدرأ بالشبهات ورجوعهم شبهة ، وإن كان حقاً لأدمي يسقط بالشبهة كالقصاص وحد القذف لم يستوف لمثل ذلك ، وأمّا إن رجعوا بعد الحكم وبعد الاستيفاء أيضاً لم ينقض حكمه بلا خلاف إلا سعيد بن المسيب والاوزاعي(1).

وتدل على ذلك إطلاقات أدلة عدم نقض الحكم ، ويؤيد ذلك مرسلة جميل«في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئاً»(2)

فهيتشمل بإطلاقها حتى إذا كانت العين باقية ، ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «إن النبي(صلی الله علیه و آله وسلم) قال : من شهد عندنا ثم غير أخذناه بالأول وطرحنا الأخير»(3)

أي يلزم الشاهد بشهادته الأولى ومؤاخذته والمراد بها ضمانه ، لأنّه

ص: 292


1- المبسوط /5 /611 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب الشهادات ح1
3- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح4

المسألة 120 : إذا رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة في الحدود خطأ ، فإن كان قبل الحكم لم يحكم ، وإن كان بعد الحكم والاستيفاء ضمنا إن كان الراجع كليهما ، وإن كان أحدهما ضمن النصف(1)، وإن كان بعده وقبل الاستيفاء نقض الحكم على المشهور ولكنه لا يخلو عنإشكال ، والأقرب نفوذ الحكم .

----------------------------------------

بشهادتهما أصبح المال بحكم التلف .

قد يقال بأنّه إذا كانت العين باقية ردّت على صاحبها ، وذكر صاحب الجواهر: لكن في النهاية ومحكي الوسيلة والكافي والقاضي ترد العين على صاحبها ولا غرامة على الشهود ، لا لما ذكروه لهم من الوجوه الواضحة الفساد ، بل لما عن جامع المقاصد الرواية بذلك(1)، ولعل المراد ما عن صحيحة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) في شاهد الزور «قال : إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل»(2)،

إلا أنهذه الرواية وردت أولاً في شاهد الزور ، والتعدي إلى مطلق الشاهد يحتاج إلى دليل ، فهي مختصة بموردها ، فمقتضى عدم جواز نقض حكم الحاكم وإطلاق أدلته فلابد من بقاء الحكم وضمانه ولو كان المال باقياً وفرض أن العين باقية ، ولكن بما أنّه خرج من ملك المشهود عليه إلى ملك المشهود له يكون بحكم التلف .

(1) أمّا قبل الحكم فلا يحكم كما مرّ ، وأمّا إذا كان بعد الحكم والاستيفاء فلم ينقض الحكم ، وقد ادعى في الجواهر بقوله : أمّا لو حكم وسلم المال للمحكوم له فرجعوا والعين قائمة فإنّه أولى بعدم النقض مما سمعت ، ولذا كان الأصح وفاقاً للمشهور لا ينقض ولا تستعاد العين ، بل قيل أن عليه عامة

ص: 293


1- الجواهر/ 41 /224.
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2

..........................

المتأخرين ، بل والقدماء كما يفهم من المبسوط قال : وإن رجعوا بعد الحكم وبعد الاستيفاء لم ينقض حكمه بلا خلاف(1).

ويدل على ذلك أيضاً إطلاقات عدم جواز نقض الحكم ، ويؤيده مرسل جميل بن دراج عمّن أخبره عن احدهما (علیهما السلام) «قال في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئاً»(2)، ومنها صحيحة محمد بن قيس عن أبيجعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنّه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر ، فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، إنما شبهنا ذلك بهذا ، فقضي عليهما أن غرمهما نصف الدية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر»(3)،

ومن جملة الروايات أيضاً معتبرة السكوني عن أبي جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت يده ثم رجع أحدهما ، فقال : شّبه علينا غرما دية اليد من أموالهما خاصة»(4)، لا يخفى أنّ صدر الرواية وإن دل على غرامة تمام الدية إذا رجع شاهد واحد مع أنّه عليهنصف الدية ، ولكن المراد بالرجوع الرجوع الخارجي ، وإلا الرواية تشير إلى رجوع كليهما ، حيث قال الاخر شبه علينا ، وحيث رجعا معاً فغرمهما الدية الكاملة ، ولو فرض أنّ صدر الرواية فيه إطلاق ، ويقيد هذا الإطلاق بقرينة سائر الروايات وبقرينة ما دل في ذيل معتبرة السكوني المتقدمة على ما إذا رجع كلاهما فيحكم بنصف الدية ، ومعتبرته الأخرى وقال «في أربعة شهدوا على رجل أنّهم

ص: 294


1- الجواهر/41 / 223 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب الشهادات ح1
3- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح3
4- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2

المسألة 121 : لو أعاد الشاهدان شهادتهما بعد الرجوع عنها قبل حكم الحاكم ، فهل تقبل ؟ فيه وجهان الأقرب عدم القبول(1).

المسألة 122 : إذا رجع الشهود أو بعضهم عنالشهادة في الزنا خطأ جرى فيه ما تقدم ، ولكن إذا كان الراجع واحداً وكان رجوعه بعد الحكم والاستيفاء غرم ربع الدية ، وإذا كان الراجع اثنين غرما نصف الدية ، وإذا كان الراجع ثلاثة غرموا ثلاثة ارباع الدية ، وإذا كان الراجع جميعهم غرموا تمام الدية(2).

----------------------------------------

رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون ، فرجم ثم رجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال شبه عليَّ ، وإذا رجع اثنان وقالا شبه علينا غرما نصف الدية ، وإن رجعوا كلهم وقالوا شبه علينا غرموا الدية ، فإن قالوا شهدنا بالزور قتلوا جميعاً»(1).(1) وذلك كما إن الرجوع معناه أن يشهدان على خلاف ما شهدا به أولاً ، ويبطلانه حيث بعد الرجوع وإبراز الخطأ ، تكون شهادتهما على خلاف ما شهدا به أولاً ، فتعارض الشهادة الأولى للثانية ، وكذلك تعارضان الشهادة الثالثة أيضاً ، فلا دليل على القبول ، وللشك في شمول اعتبار الشهادة لمثل ذلك .

(2) فتدل على ذلك معتبرة السكوني المتقدمة في المسألة السابقة ، نعم هناك روايتان إحداهما معتبرة كردين عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في اربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ثم رجع أحدهم ، فقال : شككت في شهادتي قال : عليه الدية ، قال ، قلت : فإنه قال : شهدت عليه متعمداً، قال : يقتل»(2)، قال الاستاذ الأعظم (قدس سره) : فهي وإن كانت ظاهرة في لزوم تمام الدية على الراجع إلا أن ظهورها كان بالإطلاق

ص: 295


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2
2- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح3

المسألة 123 : تحرم الشهادة بغير حق ، وهي من الكبائر(1).

----------------------------------------

فيرفع اليد عنه بمعتبرة السكوني فيقيد بالربع(1).

ولكن الحق أن الرواية لم تكن ناظرة للمقدار ، بل تدل على ثبوت أصل الدية أمّا ربعها أو نصفها أو تمامها فلا ، ولا نحتاج أن نجري قاعدة الإطلاق والتقييد كما فعل الاستاذ الأعظم ، وهكذاما ورد عن ابن محبوب عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (علیه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل ، قال : إن قال الراجع أوهمت ، ضرب الحد وأغرم الدية، وإن قال تعمدت قتل»(2)،

وفيه :

أولاً : أنّها مرسلة .

ثانياً : كما ذكر لا نظر للرواية بالنسبة إلى المقدار ، بل نظرها إلى أصل غرم الدية ، فلا حاجة إلى جريان قاعدة الإطلاق والتقييد أيضاً كما مرّ .

(1) أولاً : هل يمكن تحديد الكبائر وتميزها عن الصغائر ، أو أنّه لا وجود للصغيرة وليس هناكذنب صغير بإزاء الكبير ، قالوا بأن ضابطة الكبير هو ما جاء في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قول الله عز وجل : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً»(3)، قال : الكبائر التي أوجب الله عزّ وجل عليها النار»(4) أي إذا اجتنبتم الذنوب الكبيرة التي نهاكم سبحانه وتعالى عنها «نكفر سيئاتكم» أي نعفوا عن صغائر ذنوبكم ونموحوها عن صحائفكم و نتجاوز عنها لطفاً ورحمة وكرماً وأنتم في

ص: 296


1- المباني /1 / 188 .
2- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح1
3- سورة النساء الآية / 31 .
4- الوسائل باب 45 من أبواب اجتناب الكبائر ح2 .

..........................

الآخرة إلى مقام سام ، وفي صحيحة الحلبي قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قول عز وجل : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ» قال : الكبائر السبع الموجبات ، قتل النفس الحرام ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف»(1)

، وعن العياشي في تفسيره عن علقمة الحضرمي وأبي حسان العجلي وعبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (علیه السلام) في حديث «قالوا ، قلنا : وما الكبائر ؟ قال : وهي في كتاب الله على سبع ، قلنا فعدها علينا جعلنا فداك ، قال : الشرك بالله العظيم ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا بعد البينة وعقوق الوالدين ،والفرار من الزحف ، وقتل المؤمن وقذف المحصنة»(2)

والمعروف بين أصحابنا الإمامية كما هو في مصنفاتهم ما ذكر في صحيحة الحلبي ، قد يقال : هذا التحديد غير تام ولا يكون مميزاً بين الصغيرة والكبيرة لأنّ جميع المعاصي قد أوعد الله عليها النار ، كما في قوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً»(3)

ويمكن أن المراد الاستمرار على الصغائر ، أو نقول أن المخالفة لله وإن كانت صغيرة توجب دخول النار بذاتها ، ولكن ترك الكبائر يكون كفارة عن الصغائر فمع إتيان الصغائر لا يستوجب التخليد ، وإن نسب إلى ابن عباس ، كل ما نهىعنه الله فهو كبيرة(4)،

أي في حد ذاتها لأنّها مخالفة ما هو عظيم شديد العقاب ، وقال المحقق الاردبيلي : قد اختلف في أن الذنوب هل هي تنقسم إليها وإلى الصغائر أو كلها كبائر قيل بالثاني فلا صغيرة ، بل الذنوب كلها كبيرة ، وإنما سميت صغيرة

ص: 297


1- الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ح32
2- مستدرك الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح1 .
3- سورة الجن الآية / 23 ،
4- مجمع البيان تفسير الآية 31 سورة النساء .

..........................

وكبيرة بالنسبة ، فإن القبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر(1)، وقد نسب إلى الصدوق رحمه الله الأخبار في الكبائر ليست مختلفة وإن كان بعضها ورد بأنها خمس ، وبعضها سبع ، وبعضها ثمان ، وبعضها أكثر ، لأنّكل ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة إلى ما هو أصغر منه ، وكل كبير صغير بالنسبة إلى الشرك بالله(2)

، فالذنوب الكبيرة بالإضافة إلى ما هو أصغر منها ، وكل كبير صغير بالإضافة إلى الشرك بالله العظيم ، ولذا ورد في حديث أبي الصامت عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أكبر الكبائر سبع ، الشرك بالله العظيم ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل أموال اليتامى ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وأنكار ما أنزل الله»(3).

وقد قيل أنّ عدد الكبائر خمسة كما في العلل والخصال عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال :وجدنا في كتاب علي (علیه السلام) الكبائر خمسة : الشرك ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا بعد البينة والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة»(4)،

وقيل سبع كما في رواية أبي الصامت وغيرها ، وقيل تسع كما عن كنز الفوائد قال : «قال النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) : الكبائر تسعة اعظمهن الإشراك بالله عز وجل ، وقتل النفس المؤمنة ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وعقوق الوالدين ، واستحلال البيت الحرام ، والسحر ، فمن لقي الله عزّ وجل وهو بريء منهن كان معي في الجنة مصاريعها الذهب»(5)، وقيل عشرة كما عن مسعدة بن صدقة قال : «سمعت أبا

ص: 298


1- مجمع الفائدة والبرهان /12 /315.
2- الوسائل باب 1 من أبواب الشهادات ح5 .
3- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح20.
4- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح27.
5- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح37.

..........................

عبد الله (علیه السلام) يقول الكبائر القنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن مكر الله ، وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وأكل الربا بعد البينة والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، والفرار بعد الزحف»(1)وقيل اثنتا عشرة ، وقيل عشرون كما عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : «حدثني أبو جعفر الثاني (علیه السلام) قال : سمعت أبي يقول سمعت أبي موسى بن جعفر (علیه السلام) يقول دخل عمرو بن عبيد علىأبي عبد الله (علیه السلام) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية : «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ»(2) ثم أمسك ، فقال له أبو عبد الله : ما اسكتك ؟ قال : أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزّ وجل ، فقال : نعم يا عمرو أكبر الكبائر الشرك بالله يقول الله : «مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»(3)، وبعده اليأس من روح الله ، لإنّ الله عزّ وجل يقول : «لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»(4)، ثم الأمن من مكر الله لأنّ الله عزّ وجل يقول : «فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ»(5)، ومنها عقوق الوالدين لأن الله سبحانه جعل العاق جباراً شقياً وقتل النفس التيحرم الله إلا بالحق ، لأن الله عزّ وجل يقول : «فَجَزَاؤُهُ

جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا»(6) إلى آخر الآية وقذف المحصنة لأن الله عزّ وجل يقول : « لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(7) وأكل مال اليتيم لأنّ الله عزّ وجل يقول : «إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي

ص: 299


1- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح13.
2- سورة الشورى الآية / 37 .
3- سورة المائدة الآية / 72 .
4- سورة يوسف الآية / 87 .
5- سورة الاعراف الآية / 99 .
6- سورة النساء الآية / 93 .
7- سورة النور الآية / 23 .

..........................

بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً»(1)، والفرار من الزحف لأنّ الله عزّ وجل يقول : «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْبَاء بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(2) وأكل الربا لأن الله عزّ وجل يقول : «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ»(3)، والسحر لأنّ الله عزّ وجل يقول : «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ»(4)، * والزنا لأن الله عز وجل يقول : «يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً»(5)، واليمين الغموس الفاجرة لأن الله عزّ وجل يقول : «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ »(6)والغلول لأن الله عزّ وجل يقول : «وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(7) ومنعالزكاة المفروضة لأن الله عزّ وجل يقول : «فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ»(8)وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله عزّ وجل يقول : «وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ »(9)، وشرب الخمر لأنّ الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمداً أو اشياءً مما فرض الله عزّ وجل ، لأن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) قال : من ترك الصلاة متعمداً فقد بريء من ذمة الله ، وذمة رسوله ونقض

ص: 300


1- سورة النساء الآية / 10 .
2- سورة الانفال الآية / 16 .
3- سورة البقرة الآية / 275 .
4- سورة البقرة الآية / 102 .
5- سورة القرقان الآية / 68 - 69 .
6- سورة آل عمران الآية / 77 .
7- سورة آل عمران الآية / 161 .
8- سورة التوبة الآية / 35 .
9- سورة البقرة الآية / 283 .

..........................

العهد ، وقطيعة الرحم لأنّ الله عزّ وجل يقول : «لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(1) قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول : هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم»(2)،

وقيل أربع وثلاثون ، وقيل أربعون ، كما نسب إلى السيد بحر العلوم في مصابيحه قال : يستفاد من مجموع الروايات الواردة في تعداد الكبائر والنصوص الواردة في بعض المعاصي على الخصوص بعد إسقاط المكررات منها ، أنّ الكبائر أربعون :

1_ الكفر بالله .

2_ إنكار ما انزل الله .

3_ اليأس من روح الله .

4_ الامن من مكر الله .

5_ الكذب على الله ورسوله وعلى الاوصياءأو مطلق الكذب .

6_ المحاربة لأولياء الله .

7_ قتل النفس المحترمة .

8_ معونة الظالمين والركون إليهم .

9_ الكبر .

10_ عقوق الوالدين.

11_ قطيعة الرحم .

12_ الفرار من الزحف .

13_ التعرب بعد الهجرة .

14_ السحر .

ص: 301


1- سورة الرعد الآية / 25 .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح2 .

..........................

15_ شهادة الزور .

16_ كتمان الشهادة .17_ اليمين الغموس .

18_ نقض العهد .

19_ الجنف في الوصية .

20_ أكل مال اليتيم ظلماً .

21_ أكل الربا بعد البينة .

22_ أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به .

23_ أكل السحت .

24_ الخيانة .

25_ الغلول أو مطلق السرقة .

26_ البخس في الميزان والمكيال .

27_ حبس الحقوق من غير عسر .

28_ الإسراف والتبذير .

29_ الاشتغال بالملاهي .30_ القمار .

31_ شرب الخمر.

32_ الغناء .

33_ الزنا .

34_ اللواط .

35_ قذف المحصنات .

36_ ترك الصلاة .

ص: 302

فإن شهد الشاهدان شهادة الزور(1).

----------------------------------------

37_ منع الزكاة .

38_ الاستخفاف بالحج .

39_ ترك شيء مما فرض الله .

40_ الإصرار على الذنوب .وقد ذكر صاحب الرياض بقوله : ووجه الجمع بين الأخبار السابقة وهذه الأخبار ونحوها المتوهم تعارضها لها ، من حيث تضمن هذه تعداد الكبائر وحصرها في عدد مخصوص من سبع كما في الأول ونحوه أو ما زاد كما في الباقي وهو مناف لما تضمنته تلك من أنّها أوجب الله تعالى عليها النار وهو يزيد عن الأفراد المعدودة في هذه النصوص وترتقي إلى سبعمائة كما عن ابن عباس(1)، وتبعه من الأصحاب جماعة(2)،

ما ذكره بعض الأصحاب من أنّه يجوز أن يكون مراتب الكبائر مختلفة ، بأن يكون السبع اكبر من الباقي(3)،

فعلى أي حال يكون الاختلاففي التعداد دليلاً على أن النسبة تكون بين الكبيرة إلى الأكبر لا الكبيرة والصغيرة .

(1) أمّا شهادة الزور التي عدّت من الكبائر ، فهي بمعنى أن الزور إنما يستحق بتعمد الكذب كما مرّ في تعدادها ، وأمّا نقض الحكم فيكون طبقاً للقاعدة ، لأنّه بعد أن ثبت كذبهما في انكشاف وقوع الحكم في غير محله .

وأمّا وجوب ردّ العين فلأنّه مال للغير ، فيجب شرعاً ردّه إلى صاحبه ، مضافاً إلى ورود صحيحة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) في شاهد الزور قال : «إن كان

ص: 303


1- حكاه عن الطبري في جامع البيان /4/ 27.
2- منهم الفاضل المقداد في التنقيح /4 /291 ، والشهيد الثاني في الروضة /3/ 129 ، وصاحب الحدائق / 10/ 51 .
3- الحدائق /10/ 49.

..........................

الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف»(1).

وأمّا لو تلف فإنّه يكون ضامناً ، لأنّ اتلاف مال الغير موجب للضمان وصحيحته الثانية ، أو حسنته ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شهادة الزور إن كان قائماً وإلا ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(2)

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في شاهد الزور ما توبته «قال : يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله ، إن كان النصف أو الثلث ، إن كان شهد هذا وآخر معه»(3) .

أمّا في صورة ما إذا كان المشهود له عالماًبالحال ، فإنّه لا حق له ، فمع ذلك أتلف ماله فتغريم الشهود محل إشكال ، لأنّ أخذه للمال يكون غصباً والتصرف فيه حراماً ، والمشهود له هو الغاصب ، فإذا أتلفه كان ضامناً ، فما دلّ من الحديث كحديث جميل بإطلاقه فهو منصرف إلى صورة جهل المشهود به ، وعلى أي حال إذا غرم الشاهدان فلهما الرجوع إلى المشهود له ، ولا عكس بعد إن كان الضمان مستقراً في ذمته ، لأنّه هو الذي أتلف مال الغير غصباً وكان هو المسبب للتلف .

وأمّا إذا كان المشهود له جاهلاً ولم يكن أخذه للعين عن غير الحق ظاهراً ولا يكون غاصباً وتلف ، فلا يكون ضامناً ، فيكون الضمان علىالشاهد لأنّه هو الذي أصبح سبباً للإتلاف ، ويدل عليه الروايات المتقدمة بقوله (علیه السلام) «يؤدي من المال بقدر ما تلف» .

ص: 304


1- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح3
3- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح1

وحكم الحاكم بشهادتهما ثم ثبت عنده إنّ شهادتهما كانت شهادة زور انتقض حكمه ، وعندئذٍ إن كان المحكوم به من الأموال ضمناه ووجب ردّ العين على صاحبها إن كانت باقية ، وإلا غرما ، وكذلك المشهود له إذا كان عالماً بالحال ، وأمّا إذا كان جاهلاً بالحال ، فالظاهر أنّه غير ضامن ، بل الغرامة على الشاهدين ، وإن كان المحكوم به من غير الأموال كقطع اليد والقتل والرجم ، وما شاكل ذلك ، اقتص من الشاهد(1).

----------------------------------------

(1) وقد استدلوا على ذلك :

أولاً : بالإجماع ، وفيه أنّه غير تعبدي بحيث يكون كاشفاً عن رأي المعصوم ، بل هو محتملأو مظنون المدركية ، ولعل مدركهم بناء العقلاء .

ثانياً : بقاعدة الإقرار ، وهذه القاعدة مما اتفق عليها العقلاء كافة من جميع الملل على نفوذ إقرار كل عاقل على نفسه عادلاً كان أو فاسقاً مسلماً كان أو كافراً ، يقول استاذنا المحقق (قدس سره) في كتابه القواعد الفقهية في قاعدة الإقرار قوله : اتفاق العقلاء من جميع الملل كافة على نفوذ إقرار كل عاقل على نفسه ، بمعنى أن إقرار العاقل على نفسه طريق مثبت لما أقر به عندهم جميعاً ولم ينكره أحد ، وذلك أن العاقل لا يقدم على إضرار نفسه إلا لبيان ما هو الواقع لوخز ضميره من الخلاف الذي صدر عنه ، سواء كان ذلك الخلاف هي السرقة أو جناية أو غصب أوقذف وما شابه ذلك ، أو يقر على نفسه ببيان الواقع حذراً من العذاب الآخروي ، مثلاً لو كان مال غيره في يده وتحت سيطرته وتصرفه ، فلا يعترف أنّه لذلك الغير إلا لما ذكرنا من الوجوه ، كما أنّه لو كان لنفسه ، فلا يعترف أنّه لغيره لعدم الداعي إلى ذلك في الغالب انتهى(1)، فلو أقرّ على نفسه فلا يسئل أحد في تصديقه وقبول قوله

ص: 305


1- القواعد الفقهية /3 /45 .

..........................

ويؤيد ذلك ما في مرسلة محمد بن الحسن العطار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) «المؤمن اصدق على نفسه من سبعينمؤمناً عليه»(1) وروى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلم) أنّه قال : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(2)،

وصدور هذا الحديث محل اطمئنان ، لأنّه مشهور بين الفريقين ، وقد عبر عنه بالمستفيض أو المتواتر ، فهو تام ويكون نافذاً ، والذي لابد أن يقوم عليه الدليل المعتبر هو تسبب القتل كالقاتل ، وقد استدلوا على ذلك بروايات .

منها : معتبرة السكوني الآنفة الذكر عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت إلى أن قال ، وقال : في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه معامرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم ، ثم رجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال شبه علي ، وإذا رجع اثنان وقالا شبه علينا غرما نصف الدية ، وإن رجعوا كلهم وقالوا شبه علينا غرموا الدية فإنّ قالوا شهدنا بالزور قتلوا جميعاً»(3)

، ومعتبرة مسمع كردين التي مرّ ذكرها عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ثم رجع أحدهم فقال شككت في شهادتي ، قال : عليه الدية ، قال : قلت : فإنّه قال شهدت عليه متعمداً قال (علیه السلام) يقتل»(4).

ومنها : صحيحة إبراهيم بن نعيم الأزدي قال : «سألت أبا عبد الله عن أربعة شهدوا ، على رجلبالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته قال : فقال يقتل الرابع ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة ارباع الدية»(5)، وتحمل على العمد كما ذكره

ص: 306


1- الوسائل باب 3 من أبواب الاقرار ح1.
2- الوسائل باب 3 من أبواب الاقرار ح2.
3- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح3 .
5- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح2 .

المسألة 124: إذا أنكر الزوج طلاق زوجته وهي مدعية له ، وشهد شاهدان بطلاقها ، فحكم الحاكم به، ثم رجعا وأظهرا خطأهما، فإن كان بعد الدخول لم يضمنا شيئاً ، وإن كان قبله ضمنا نصف المهر المسمى على المشهور، ولكنه لا يخلو من إشكال، بل الأظهر عدم الضمان(1).

----------------------------------------

الاستاذ الاعظم (قدس سره) فهذه الصحيحة وإنكانت مطلقة إلا أنّه لابد من تقييدها بصورة التعمد وإلا فليس عليه إلا الدية(1).

ومنها : عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطع ثم رجع واحد منهما وقال : وهمت في هذا لكن كان غيره يلزم نصف دية اليد ولا تقبل شهادته على الآخر ، فإن رجعا جميعاً ، وقالا وهمنا بل كان السارق فلاناً الزما دية اليد ، ولا تقبل شهادتهما على الآخر ، وإن قالا إنا تعمدنا قطع يد أحدهما بيد المقطوع ويرد الذي لم يقطع ربع دية الرجل على اولياء المقطوع اليد ، فإن قال المقطوع الأول لا ارضى أو تقطع ايديهما معاً رد دية يد فتقسم بينهما و تقطع ايديهما(2)وغيرها من الروايات .

(1) أمّا عدم نقض حكم الحاكم فلأنّه يكون طبقاً لمقتضى القاعدة ولإطلاقات ما دل على عدم جواز نقض حكم الحاكم ، وأمّا إذا كان بعد الدخول وإن فوتا المنفعة على الزوج ولكن بشهادتهما فلا يفوتان عليه المال والمنفعة لا تضمن، والمسألة غير خلافية ، قد يقال إذا كان قبل الدخول ضمنا نصف المهر المسمى، حيث أنّه لا يضمنان إلا بمقدار ما عين المشهود عليه ولكن الحق أنّهما ليس عليهما شيء ، لأنّهما لم يتلفا شيئاً على الزوج لأنّ نصف المهر قد استقر بمجرد العقد ، سواء طلق أم لم يطلق ، دخل بها أم لم يدخل ، نعم يستقر نصفه

ص: 307


1- المباني /1/191.
2- الوسائل باب 18 من أبواب فصاص الاطراف ح1 .

المسألة 125 : إذا شهد شاهدان بطلاق امرأة زوراً فاعتدت المرأة وتزوجت زوجا آخر مستندة إلى شهادتهما ، فجاء الزوج وأنكر الطلاق فعندئذٍ يفرق بينهما ، وتعتد من الأخير ، ويضمن الشاهدان الصداق للزوج الثاني ويضربان الحدّ ، وكذلك إذا شهدا بموت الزوج فتزوجت المرأة ثم جاءها زوجها الأول(1) .

----------------------------------------

الآخر بالدخول ، ولذا حكى صاحب الجواهر : بلا خلاف أجده في شيء من ذلك إلا ما يحكى عن الشيخ في النهاية إن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته فاعتدت وتزوجت ودخل بها ثم رجعا وجب عليهما الحدّ وضمنا المهر للزوجالثاني(1).

(1) لا يخفى بأنّ المستند في هذا صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق ، قال : يضربان الحدّ و يضمنان الصداق للزوج ثم تعتد ثم ترجع إلى زوجها الأول»(2)، هذا كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سره) أقول : الشهادة في هذه الصحيحة وإن لم يصرح بإنّها شهادة زور إلا أنّه لابد من حملها عليها بقرينة ما ورد فيها من الحدّ حيث لا حدّ إلاّ على شاهد الزور بلا إشكال(3)، لأنّ شهادة الخطأ لا حد لها ، ثم أنّهاتعتد وبعد أتمام العدة ترجع إلى الزوج الأول ، ويضمن الشاهدان الصداق ، لأنّهما هما اللذان اصبحا سبباً وغرا الزوج الثاني ، بحسب الرواية ، وإلا لولا الغرور فالمهر يكون على الزوج بالدخول أي بمجرد العقد النصف من المهر ، وبعد الدخول تمام المهر ، وهكذا بالنسبة إلى الشاهدين الذين شهدا زوراً بموت الزوج أيضاً لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة

ص: 308


1- الجواهر / 41/ 232.
2- الوسائل باب 13 من أبواب الشهادات ح1.
3- المباني /1/ 193.

المسألة 126 : إذا شهد شاهدان بطلاق امرأة ، فاعتدت المرأة فتزوجت رجلاً آخر، ثم جاء الزوج فأنكر الطلاق ، ورجع أحد الشاهدين وأبرز خطأه ، فعندئذٍ يفرق بينهما ، وترجع إلى زوجهاالأول وتعتد من الثاني ، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع(1).

----------------------------------------

شهد عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت ، ثم جاء زوجها الأول ، قال (علیه السلام) : لها المهر بما استحل من فرجها الأخير ، ويضرب الشاهدان الحدّ ويضمنان المهر لها بما غرا الرجل ، ثم تعتد وترجع إلى زوجها الأول»(1)، وقد تقدم بأنّ جريان الحد إنما هو إذا شهدا زوراً لا جهلاً .

(1) ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلقها ، فاعتدت المرأة وتزوجت ، ثم إن الزوج الغائبقدم فزعم أنّه لم يطلقها وأكذب نفسه أحد الشاهدين ، فقال : لا سبيل للأخير عليها ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع ، فيرد على الأخير ويفرق بينهما وتعتد من الأخير ، ولا يقربها الأول حتى تنقضي عدتها»(2)،

فالرواية وإن كانت مطلقة تشمل ما إذا كانت الشهادة زوراً فلابد أن تحمل على شهادة غير الزور، لأنّه لم يرد فيها ذكر الحدّ فرجوع الشاهد من جهة الخطأ والاشتباه ، وإطلاق ذكر المهر أي تمامه على الراجع ولابد من الالتزام به ولو فرض أن هناك إجماعاً على الخلاف .

ص: 309


1- الوسائل باب 13 من أبواب الشهادات ح2
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2.

المسألة 127 : إذا حكم الحاكم بثبوت حق مالي مستنداً إلى شهادة رجلين عادلين فرجع أحدهما ضمن نصف المشهود به ، وإن رجع كلاهما ضمنا تمام المشهود به وإذا كان ثبوت الحق بشهادة رجل وامرأتين، فرجع الرجل عن شهادته دون المرأتين ضمن نصف المشهود به، وإذا رجعت أحدى المرأتين عن شهادتها ، ضمنت ربع المشهود به وإذا رجعتا مما ضمنتا تمام النصف ، وإذا كان ثبوت الحق بشهادة أربع نسوة كما في الوصية فرجعن جميعاً عن شهادتهن ضمنت كل واحدة منهن الربع ، وإذا رجع بعضهن ضمنت بالنسبة(1).

----------------------------------------

(1) ويدل على هذا ما ورد من صحيحة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في شاهد الزور ، قال : إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(1)،

والرواية ولو أنّها وردت في شهادة الزور ولكن لا نرى أي خصوصية ، بل يكون لأجل أصل الشهادة حيث إن سبب الإتلاف كان هو الشهادة فلا فرق بين أن تكون الشهادة زوراً أو لا تكون ، لأنّ الإتلاف هو موضوع الضمان ، وهو مشترك في الموردين .

ص: 310


1- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح2.

المسألة 128 : إذا كان الشهود أكثر مما تثبت به الدعوى ، كما إذا شهد ثلاثة من الرجال ، أو رجل وأربع نسوة ، فرجع شاهد واحد ، قيل أنّه يضمن بمقدار شهادته ، ولكن لا يبعد عدم الضمان ، ولو رجع اثنان منهم معاً فالظاهر أنّهما يضمنان النصف(1).

المسألة 129 : إذا ثبت الحق بشهادة واحد ويمين المدعي ، فإذا رجع الشاهد عن شهادته ضمن النصف ، وإذا كذّب الحالف نفسه اختص بالضمان ، سواء أرجع الشاهد عن شهادته أم لم يرجع(2).

----------------------------------------

(1) أمّا عدم الضمان فلأنّ الإتلاف لا يكونمستنداً إليه بعد إن تثبت شهادة الشاهدين ، إذاً وجود الأكثر وعدمه سواء ، أي شهادة الراجع وعدمه سواء ، وأمّا إذا رجع اثنان فبما أن الشهادة لا تثبت بالرجل الواحد الباقي بل لابد من شهادته منضماً إلى شهادة رجل آخر حتى تثبت البينة ، فحينئذٍ بما أن رجوعهما معاً يسبب الإتلاف فلا محالة أنّهما يضمنان النصف ، وهكذا لو رجعوا جميعاً ، فإنّ على الكل أي الثلاثة كل ، وكذا بالنسبة إلى الرجل واربع نسوة ، فلو رجع اثنان منهن فلا ضمان ، وأمّا لو رجع أربعة فالكل يكون ضامناً بالنصف أي تضمن كل واحدة منهن ربع النصف .

(2) أمّا ضمانه النصف فحيث إن ثبوتالحكم مستند إلى الشهادة واليمين والمدعى ثبت بها وباليمين ، فلابد من الانتصاف ، أمّا أن أصل الضمان وتمامه جاء من قبل دعواه ويمينه ، فيؤخذ به لأنّ إقراره يكون سبباً لإبطال أصل الدعوى ، فهو حجة عليه فيؤخذ به ولا تأثير بعد ذلك لرجوع الشاهد ، بل رجوعه وعدم رجوعه سواء .

ص: 311

المسألة 130 : إذا شهد شاهدان وحكم الحاكم بشهادتهما ، ثم انكشف فسقهما حال الشهادة ، ففي مثل ذلك تارة يكون المشهود به من الأموال ، وأخرى من غيرها ، فإنّ كان من الأموال ، استردت العين من المحكوم له إن كانتباقية ، وإلا ضمن مثلها أو قيمتها(1)، وإن كان من غير الأموال ، فلا إشكال في أنّه لا قصاص ولا قود على من له القصاص أو القود وإن كان هو المباشر(2).

----------------------------------------

(1) لأنّ ظهور الفسق يستوجب بطلان الحكم ، ومن شروط صحة الحكم هو عدالة الشهود ، فلو ظهر بطلان الحكم يكون المال باقٍ على ملك مالكه شرعاً ، فلا يمكن للمحكوم له التصرف فيه ، بل لابد من إرجاعه إلى مالكه ويكون تصرفه تصرفاً في ملك الغير ويُعد غصباً ، وإذا أتلف المال بما أنّه هو المتلف فعليه أن يرد مثله إذا كان مثلياً أو قيمته إذا كان قيمياً .(2) لأنّه بعد أن حكم الحاكم واقتص منه فلا قصاص ولا قود على الذي قام بالحد ، ولو فرض أن المحكوم له هو المباشر لأنّه لم يصدر منه ظلماً بل القصاص والقود إنما يثبت على القاتل إذا صدر منه ظلماً ، وبما أنّه صدر بحكم الحاكم ، فلا موجب لأنّ يقتص منه .

ص: 312

وأمّا الدية ، ففي ثبوتها عليه أو على الحاكم من بيت المال خلاف و الأقرب أنّها على من له الولاية على القصاص إذا كان هو المباشر وعلى بيت المال إذا كان المباشر من أذن له الحاكم(1).

----------------------------------------

(1) أمّا الدية فتارة يقوم الولي بالاقتصاص ويكون هو المباشر ، فمن صدر منه القتل يكون حكمه حكم شبيه العمد حيث هو الذي قام بالقصاص لكي يستوفي حقه من المحكوم عليه ، ولم يكن هذا الإقدام مرتبطاً بحكم الحاكم حتى يكون من بيت المال .

وأمّا إذا فرض أنّه باشر ولكن كانت مباشرته بأذن الحاكم ، فإنّه لو فرض بعد أن أذن له الحاكم وأقدم ، فهل تكون الدية على المباشر ، أو علىالحاكم فتخرج من بيت المال ؟ الظاهر أنّها على الحاكم وتخرج من بيت المال ويدل على ذلك معتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أن ما اخطأت به القضاة في دم أو قطع ، فعلى بيت مال المسلمين»(1)، ويؤيد ذلك رواية أصبغ بن نباتة قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أن ما اخطأت القضاة في دم أو قطع ، فهو على بيت مال المسلمين»(2).

قد

يقال بأنّ إطلاق الروايتين كون الدية من بيت المال ، ولو فرض أن المباشر من له الولاية على القصاص لأنّ المباشر إنما عمل بالعمل بعد حكم الحاكم .الحق أن يقال كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سره) : ولكنه يندفع بأنّهما منصرفتان إلى مورد تكون الدية فيه على القاضي ، أو على المباشر من قبله بطبيعة الحال وفي نفسه ، فجعلت الدية في بيت المال لأجل رفعها عنهما ، وأمّا إذا كان المكلف بالدية شخصاً آخر غير القاضي والمأذون من قبله ، فلا تشمله الروايتان،

ص: 313


1- الوسائل باب 7 من أبواب دعوى القتل ح1 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب آداب القاضي ح1

المسألة 131 : إذا شهد شاهدان بوصية أحد لزيد بمال ، وشهد شاهدان من الورثة برجوعه عنها ووصيته لعمرو ، قيل تقبل شهادة الرجوع ، وقيل لا تقبل والأقرب أنّها لا تقبل فيما كان بيد الورثة أو كان مشاعاً ، وإلا فتقبل(1).

----------------------------------------

بل المرجع فيه ما تقتضيه القاعدة من ثبوت الدية على المباشر(1).

(1) هناك قولان في المسألة ، قول بعدم القبول ، وقول بالتفصيل كما عليه استاذنا الاعظم (قدس سره) بقوله : فإنّ الصحيح في المقام هو التفصيل بين ما إذا كان المال المتنازع فيه تحت يد الوارث أو كان مشاعاً ، وبين ما إذا كان المال المتنازع فيه عيناً خارجية ولم تكن تحت يد الوارث ، على الأول ، فالموصى له - بمقتضى قيام البينة على أن الميت قد أوصى له - مدعٍ للشركة مع الوارث في المقدار الموصى به ، أو مدعٍ للمال الموجود تحت يده ، وعلى كلا التقديرين يكون الوارث غريماً له ، ولا تقبلشهادة الغريم كما تقدم ، وعلى الثاني فبما أنّ الوارث ليس غريماً له فلا مانع من قبول شهادته(2)، لأنّ في الأول تكون من شهادة الشريك ولا تقبل شهادة الشريك لشريكه من جهة الاتهام وفي الثاني تكون بمنزلة البينة الداخلة ، وتكون مقدمة على البينة الخارجة .

ولكن الحق تقبل مطلقاً بعد ما ذكرنا بأنّ العمدة العدالة ، فتقبل شهادة الشريك لشريكه على الإطلاق ، وتفصيل الاستاذ (قدس سره) في غير محله .

ص: 314


1- المباني /1 / 198.
2- المباني /1 / 198.

المسألة 132: إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية وشهد واحد بالرجوع عنها وأنّه أوصى لعمرو فعندئذٍ إن حلف عمرو ثبت الرجوع وإلا كان المال الموصى به لزيد(1).

----------------------------------------

(1) وذلك لثبوت المال ببينة المدعي مع الحلف ، وقد ذكر صاحب المسالك (قدس سره) بقوله : لما تقدم في باب القضاء أنّ الشاهد مع اليمين لا يعارض الشاهدين ، بل يقدم الشاهدان مع التعارض ، نبّه هنا على دفع توهم أنّه مع شهادة شاهدين بالوصية لزيد بعين ، وشهادة واحد بالرجوع عنها وأنّه أوصى بها لعمرو ، من ذلك القبيل، وأنّه يقدم الشاهدان ، فنبّه على ما بهيندفع الموهم ، وأنّه يحكم هنا بالشاهد واليمين، لأنّه لا تعارض بين الشاهدين وبينه ، لأنّ الشاهد يشهد بأمر آخر غير ما شهد به الشاهدان ويصدق الشاهدين على ما شهدا به ، ولكن يدعى الرجوع عما شهدا به وأنّه أوصى لغيره فيقدم، لعدم التعارض، ويعمل بكل منهما في مورده ويحكم ببطلان الوصية الأولى بالرجوع عنها(1)،

وإن لم يكن هناك حلف فالمرجع هو القرعة للتعارض ، وهي لكل أمر مشكل .

ص: 315


1- المسالك / 14 /318 .

المسألة 133 : إذا أوصي شخص بوصيتين منفردتين فشهد شاهدان بأنّه رجع عن أحدهما ، قيل : لا تقبل ، وهو ضعيف ، والظاهر هو القبول والرجوع إلى القرعة في التعيين(1).

----------------------------------------

(1) قد يقال بعدم القبول لأنّ المدعى به مجمل ، ولكن الحق أنّه لا يضر هذا الإجمال في القبول ، ولا يشترط في قبول المشهود به أن يكون معيناً خارجياً لإطلاق أدلة الشهادة وعموماتها ، كما إذا قامت البينة على نجاسة أحد الإنائين غير المعين ، فهل يجب هنا الاحتياط والاجتناب عنهما ، وبعد ما قلنا بالقبول يكون المشهود به أحد الأمرين في الواقع فيرجع في تعيينه إلىالقرعة لأنّها لكل أمر مشكل ، فلا معنى للاحتياط لإمكان معرفة الفرد الواقعي بالقرعة ، إلا إذا قلنا بعدم العمومية ، بل دليلها مختص بموارد خاصة ، فحينئذٍ إن أمكن المصالحة فبها، وإلا لابد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي لأنّه ولي الممتنع .

ص: 316

المحتويات

كتاب القضاء

المقدمة...........5

كتاب القضاء ..........11

تعريف القضاء .........13

الفرق بينه وبين الفتوى .....17

هل القضاء واجب كفائي ..........18

هل يجوز أخذ الأجرة من المتخاصمين أو غيرهما ........21

جواز أخذ الأجرة على الكتابة ...23

تعريف الرشوة وحرمتها ............24

قاضي المنصوب وقاضي التحكيم واعتبار الاجتهاد في الأول ........27

هل يكون تعين القاضي بيد المدعي أو بيده أو المدعى عليه .......31

شرائط القاضي .........33

ص: 317

للحاكم أن يحكم بعلمه بين المتخاصمين .....55

اعتبار سماع الدعوى كونها على نحو الجزم .......60

لو أدعى شخص مالاً على آخر ............ 62

عدم سماع بينة المدعي على دعواه بعد حلف المنكر ............75

لو أمتنع المنكر عن الحلف ورده على المدعى ............76

ليس للحاكم احلاف المدعي بعد إقامة البينة ........77

لو ادعى عيناً بيد الميت وأقام البينة على ذلك .........79

عدم الفرق في الدعوى على الميت بين أن يدعي المدعي ديناً ......80

لو ثبت دين الميت بغير بينة .....81

لو أقام المدعي على الميت شاهداً واحداً وحلف ..........83

لو أقام المدعي على الميت شاهداً واحداً وحلف ..........83

هل يحتاج اليمين لو قامت البينة بدين على صبي أو مجنون ........84

عدم جواز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول ...........85

لو طالب المدعي حقه وكان المدى عليه غائباً .........87

حكم مطالبة وكيل الغائب الغريم بأداء ما عليه من حق ........89

لو حكم الحاكم بثبوت دين على شخص وامتنع المحكوم ............90

أحكام اليمين ..........93

عدم صحة الحلف إلا بالله وبأسمائه تعالى .......93

هل يجوز للحاكم أن يحلف أهل الكتاب بما يعتقدون به .....97

ص: 318

هل يعتبر في الحلف المباشرة أو يجوز فيه التوكيل ......101

لو علم أن الحالف قد ورّى في حلفه وقصد به شيئاً آخر ...........102

هل تجري أحكام القضاء على الكافر غير الكتابي ......103

هل يجوز للحاكم احلاف أحداً في مجلس غير مجلس القضاء ........103

لو حلف شخص على أن لا يحلف أبداً .........105

لو ادعى شخص مالاً على ميت ........... 106

لو علم أن لزيد حقاً على شخص وادعى علم الورثة بموته ......107

لو أدعى شخص على مملوك ...108

لا تثبت الدعوى في الحدود بالبينة أو الإقرار ......111

سقوط الغرم عن المنكر للسرقة مع عدم البينة بحلفه ......112

لو ادعى الدائن على الميت أن له في ذمة شخص دينا .......113

حكم اليمين مع الشاهد الواحد ........116

ثبوت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي ........116

ثبوت الدعوى في الأموال بشهادة عدل واحد ويمين المدعي ........116

الأقوال في ثبوت غير المال في الحقوق الآخر بشاهد ويمين ..........119

حكم ما لو ادعى جماعة مالاً لمورثهم وأقاموا شاهداً واحداً ........121

لو كان بين الجماعة المدعين مالاً لمورثهم الصغير .......123

لو أدعى بعض الورثة أن الميت قد أوقف عليهم داره نسلاً .....124

لو أمتنع بعض الورثة عن الحلف ثم مات قبل حكم الحاكم .....125

ص: 319

فصل في القسمة ............126

جريان القسمة في الأعيان المشتركة المتساوية الأجزاء .....126

صور القسمة في الأعيان المشتركة غير المتساوية الأجزاء .....129

لو طلب أحد الشريكين القسمة ............ 133

لو كان المال المشترك بين شخصين غير قابل للقسمة خارجاً ..........135

لو كان المال غير قابل للقسمة بالإفراز أو التعديل ........136

هل أن القسمة عقد لازم وفسخه يحتاج إلى دليل ..........136

لو ظهر استحقاق بعض المال للغير بعد القسمة .....138

لو قسم الورثة تركة الميت بينهم ثم ظهر دين .........140

فصل في أحكام الدعاوى .......142

تعريف المدعي وما يعتبر فيه ....142

يعتبر في سماع دعوى المدعي أن تكون دعواه لنفسه .....144

لو كان المدعي غير من له الحق .......... 145

لو كان مال شخص في يد غيره ........... 146

هل تجوز المقاصة من غير جنس المال الثابت في ذمته .........149

جواز المقاصة من الوديعة على كراهة . 149

عدم اختصاص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق ......150

عدم اختصاص جواز المقاصة بمباشرة من له الحق ......150

ص: 320

فصل في دعوى الأملاك ......... 151

لو أدّعى شخص مالاً لا يد لأحد عليه .... 151

صور تنازع شخصان في مال ....153

البينة لغة واصطلاحاً .........157

لو أدّعى شخص مالاً في يد آخر وهو يعترف بأن المال لغيره ......159

لو أدّعى شخص مالاً على آخر وهو في يده فعلاً ...........161

فصل في اختلاف العقود ........164

لو اختلف الزوج والزوجة في العقد ..... 164

لو ثبتت الزوجية باعتراف كل من الرجل والمرأة .....165

لو اختلف المتعاقدان في الهبة أو البيع . 167

لو أدّعى المالك الإجارة وأدّعى وأدّعى الآخر العارية أو العكس ............168

لو أدّعى المالك أن المال التالف كان قرضاً وأدّعى القابض ........168

لو اختلف المتعاقدان في أن المال كان وديعة أو رهناً ..........169

لو اتفقا في الرهن واختلفا في المقدار .. 170

لو اختلفا في البيع والإجارة ......171

لو اختلفا البائع والمشتري في مقدار الثمن .......172

إذا أدّعى البائع على المشتري شرطاً ..... 173

ص: 321

لو اختلفا في مقدار المبيع مع الاتفاق على مقدار الثمن ......173

لو اتفقا في الإجارة واختلفا في الاجرة ... 174

حكم اختلاف شخص في شراء مال معين واتيان ثمنه للبائع .....174

لو أدّعى شخص رقية الطفل المجهول النسب في يده .........177

حكم تداعي شخصين على طفل .......... 180

لو أدّعى كل من الشخصين مالاً في يد الآخر .......180

لو اختلف الزوج والزوجة في ملكية شيء ........181

لو ماتت المرأة وأدّعى أبوها أن بعض ما عندها من أموال عارية.....184

فصل في دعوى المواريث ......188

لو مات المسلم عن ولدين مسبوقين بالكفر ......188

لو كان للمرأة ولد واحد وماتت المرأة وولدها .....191

حكم الحاكم ظاهري لا واقعي ............. 192

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات .....195

معنى الشهادة ...........195

فصل في شرائط الشهادة ...........196

البلوغ ......196

ص: 322

العقل .......200

الإيمان .....201

العدالة ......211

أن لا يكون الشاهد ممن له نصيب فيما يشهد به ...........215

لو تبين فسق الشهود بعد حكم الحاكم . 221

هل تمنع العداوة الدينية من قبول الشهادة ............224

عدم منع القرابة من جهة النسب عن قبول الشهادة ............226

قبول شهادة الزوج لزوجته أو عليه إذا كان معها غيرها ........230

قبول شهادة الزوج لزوجته أو عليه إذا كان معها غيرها ........230

هل تسمع شهادة السائل بالكف المحترف ..........231

إذا تحمل الكافر والفاسق والصغير الشهادة ............232

هل تقبل شهادة الضيف والاجير قبل وبعد مفارقته لصاحبه .......234

هل تقبل شهادة المملوك لمولاه وعليه ولغيره وعلى غيره ............235

حكم شهادة المتبرع بها إذا كانت واجدة للشرائط ...........238

عدم قبول شهادة ولد الزنا ........239

عدم جواز الشهادة إلا بالمشاهدة أو السماع .....242

عدم جواز الشهادة إلا بالمشاهدة أو السماع .....242

هل تجوز الشهادة بمضمون ورقة لا يذكره ......246

ثبوت النسب والوقف والنكاح والملك وغيرها بالاستفاضة ...........247

ما يثبت به الزنا واللواط والسحق وغيرها من الجنايات ............249

ما يثبت به الطلاق والخلع والحدود والوصية والنسب ......254

ص: 323

ثبوت الديون والنكاح والدية بشهادة رجل وامرأتين ..........255

ثبوت الأموال والديون والأعيان وغيرها من الحقوق بشاهد ويمين.........259

ثبوت العُذرة وعيوب النساء الباطنة بشاهد وأربع نسوة منفردات......260

تصدق المرأة في دعواها أنّها خلية وأن عدتها انقضت ..........264

ما يثبت بشهادة المرأة الواحدة للموصى له ............264

ما يثبت بشهادة اثنين أو ثلاثة أو أربع نسوة ........266

عدم اعتبار الشهادة في شيء من العقود والإيقاعات إلا في الطلاق ........268

وجوب أداء الشهادة بعد تحملها مع الطلب إذا لم يكن فيه ضرر ......272

هل أن أداء الشهادة واجب عيني ......... 276

اختصاص وجوب أداء الشهادة بما إذا أُشهد وإلا فهو بالخيار ......277

لو دعيّ إلى الشهادة من له أهلية التحمل ................277

موارد قبول الشهادة على الشهادة ......... 279

هل تقبل الشهادة على الشهادة فصاعداً ....282

لو شهد رجلان عادلان على شهادة عدول أربعة بالزنا .....283

لو شهد عادلان على شهادة رجل وامرأتين أو عليهما ...........284

هل تقبل شهادة الفرع على الشهادة عند تعذر شهادة الأصل ..........285

حكم ما لو شهد الفرع فأنكر الأصل الشهادة ............286

حكم ما لو شهد الفرع فأنكر الأصل الشهادة ............286

اعتبار قبول شهادة الشاهدين تواردها على شيء واحد .......287

لو شهد شاهدان عادلان عند الحاكم ثم ماتا أو زكيّا من حين الشهادة.....289

ص: 324

حكم ما لو رجع الشاهدان عن شهادتهما في حق مالي ............291

حكم ما لو رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة في الحدود ............293

لو اعاد الشاهدان شهادتهما بعد الرجوع عنهما قبل حكم الحاكم.....295

لو رجع الشهود أو بعضهم عن الشهادة في الزنا ............295

حرمة الشهادة بغير الحق وضمان الشاهد ................296

لو أنكر الزوج طلاق زوجته وهي مدعيّة له وشهد شاهدان .....307

لو شهد شاهدان بطلاق امرأة فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق .....308

لو شهد شاهدان بطلاق امرأة وبعد العدة تزوجت وأنكر الزوج .......309

لو حكم الحاكم بثبوت حق مالي مستنداً إلى شهادة رجلين عادلين..........310

لو كان الشهود أكثر مما تثبت به الدعوى فرجع شاهد أو اثنان ....311

لو ثبت الحق بشهادة واحد ويمين المدعي فرجع الشاهد .......311

إذا شهد شاهدان وحكم الحاكم بشهادتهما ، ثم انكشف فسقهما ........... 312

لو شهد شاهدان بوصية أحد لشخص وشهد آخران من الورثة ............314

لو شهد شاهدان بالوصية وشهد واحد بالرجوع عنها ...........315

لو أوصى شخص بوصيتين منفردتين فشهد شاهدان بأنه رجع ...........316

المحتويات......317

ص: 325

المجلد 2 - الحدود والتعزيرات

هویة الکتاب

تَحریرُ مَبَاني الأَحکام

تقریر لابحاث آیه الله العظمی المرجع الدینی الشیخ شمس الدین الواعظی (دام ظله)

الحدود والتعزيرات

مؤلف: السید عبدالستار کامل موسوي

المجلدات: 4

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتاب الحدود والتعزيرات

اشارة

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

كتاب الحدود

الحدود وأسبابها

وهي ستة عشر

الأول : الزنا ، ويتحقق ذلك بإيلاج الإنسان حشفة ذكره في فرج امرأة محرمة عليه أصالة من غير عقدٍ ولا ملك ولا شبهة(1) .

______________________________________________

(1) يقول المحقق : فهو إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة ، ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة ، قبلاً أو دبراً(1).

وهذا التحريم يكون بالأصالة ، لا من جهة الحيض أو الاعتكاف ، أو النذر كما لا يستوجب الحدَّ إذا كان المولج خنثى ، لعدم العلم بكون ذكره ذكر الذكر ، بل يمكن أنْ يكون لحماً زائداً ، وهكذا لو أخل رجل في فرج الخنثى لأنّه لا يعلم بأنّه فرج امرأة ، ولذا قال في الرياض : أمّا الزنا الموجب للحد فهو إيلاج الإنسان وادخاله فرجه أو ذكره الأصلي في فرج امرأة محرمةعليه أصالة من غير عقد نكاح ولا متعة بينهما ولا ملك من الفاعل القابل ولا شبهة دارئة ، وضابطها ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده وبه صرح في الغنية بقوله : متى ثبت الجماع

ص: 5


1- شرائع الإسلام /4/ 149 .

................................

في الفرج على عاقلين مختارين من غير عقدٍ ولا شبهة عقد ولا ملك يمين ولا شبهة ملك يمين ثبوتاً شرعياً فهما زانيان يجب عليهما الحدّ بلا خلاف(1)، ولعله المفهوم منه عرفاً ولغة(2)، وعلى أيِّ حال التحريمُ ثابتُ بالإجماع ، والعقل ، والكتاب والسنة ، أمّا الأولان فمعلومان .

وأمّا الكتاب فقد ورد التحريم في موارد قال تعالى : «وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً» (3)، وقوله تعالى : «وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً»(4)، وقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(5)، وأمّا وجوب الحد فتدل عليه الآية الشريفة : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(6).

ص: 6


1- الغنية 1 / 421 .
2- رياض المسائل / 15 / 434 .
3- سورة الإسراء الآية / 32 .
4- سورة الفرقان الآية / 68.
5- سورة الممتحنة الآية / 12.
6- سورة النور الآية / 2 .

ولا فرق في ذلك بين القبل والدبر(1).

______________________________________________

(1) على المشهور وكما ورد في صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها ، هل عليها عدة منه ؟ فقال (علیه السلام) : إنما العدة من الماء ، قيل له : فإنْ كان واقعها في الفرج ولم ينزل ؟ فقال (علیه السلام) : إذا ادخله وجب الغسل والمهر والعدة»(1).

ومعنى الفرج في اللغة : هو العورة من الإنسان قُبله ودبره(2)، كما قال الله تعالى : «وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ»(3)وأيضاً كما عن حسنة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر»(4).

والولوج لغة : هو الدخول ، وهو مطلق يصدق على القُبل والدبر .

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل والمرأة ، متى يجب عليهما الغسل قال : إذا ادخله وجب الغسل والمهر والرجم»(5)وكما في غيرها من الروايات .

ص: 7


1- الوسائل باب 54 من أبواب المهور /1 .
2- مجمع البحرين باب فَرَجَ .
3- سورة النور الآية / 30 .
4- الوسائل باب 54 من أبواب المهور /5.
5- الوسائل باب 54من أبواب المهور / 9 .

فلو عقد على امرأةٍ محرّمة __ كالأم والأخت وزوجة الولد و زوجة الأب ونحوها جاهلاً بالموضوع أو بالحكم ، فوطأها سقط عنه الحدّ وكذلك في كلِّ موضع كان الوطء شبهة ، كمن وجد على فراشه امرأة فاعتقد أنّها زوجته ووطأها .

وإن كانت الشبهة من أحد الطرفين دون الطرف الآخر سقط الحد عن المشتبه خاصة دون غيره ، فلو تشبهت امرأة لرجل بزوجته فوطأها فعليها الحدّ دونه(1) .

______________________________________________

(1) وضابط الشبهة كما عن الرياض : هو ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده وبه صرح في الغنية(1)، وفي المسالك : ضابط الشبهة المسقطة للحد توهم الفاعل أو المفعول أنّ ذلك الفعل سائغ له لعموم درء الحدود بالشبهات(2)، قال رسول الله k : «أدرؤا الحدود بالشبهات ولا شفاعة ولا كفالة ولا يمين في حدّ»(3)، وفي الجواهر : قد تقدم في كتاب النكاح تحقيق وطء الشبهة الذي عن كثير تعريفه : بأنّه الوطء الذي ليس بمستحق مع ظن الاستحقاق وتفصيل الكلام وبيان الفارق في التعاريف يكون راجعاً إلى كتاب النكاح(4)، إذاً فلا حدّ بالنسبة إلى وطء الشبهة بل هو ملحق بالنكاح الصحيح ، لأنّه لا يصدق عليه الزنا والفجور ، ومع ذلك تدلُّ عليه عدة من الروايات .منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لو أنّ رجلاً دخل في

ص: 8


1- الرياض /15 / 434 ، الغنية / 1/ 421 .
2- المسالك / 14 / 329.
3- الوسائل باب 24من أبواب مقدمات الحدود الباب / 24 ح4 .
4- الجواهر / 41 / 262 .

................................

الإسلام وأقرَّ به ، ثمّ شرب الخمر وزنى وأكل الربا ، ولم يتبيّن له شيء من الحلال والحرام ، لم اُقم عليه الحد إذا كان جاهلاً ، إلا أنْ تقوم عليه البينة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا ، وإذا جهل ذلك اعلمته واخبرته ، فإن ركبه بعد ذلك جلدته وأقمت عليه الحد»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجلُّ دعوناه إلى جملة الإسلام فأقر به ، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام ، أُقيم عليه الحد إذا جهله ؟ قال : لا إلا أن تقوم عليه بينة أنّه قد كان أقرّ بتحريمها»(2)، وهكذا في رواية الحذاء وغيرها من الروايات بلا فرق بين أن تكون الشبهة موضوعية أو حكمية والجاهل بالحكم قاصراً كان أو مقصراً .

وما استدل بالإجماع بأن الجاهل المقصر غير القاصر بل يكون في حكم العالم .

وفيه أن الإجماع لا يشمل المورد ، لأنّه دليل لبّي والقدر المتيقن غير هذا المورد مضافاً إلى أن إطلاق الأدلة ، كصحيحة عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : في حديث «أن رجلاً اعجمياً دخل المسجد يلبّي وعليه قميصه فقال لأبي عبد الله (علیه السلام) : إنيّ كنت رجلاً اعمل بيدي واجتمعت لي نفقةفجئت أن احج لم اسأل أحداً عن شيء ، وافتوني هؤلاء أن اشق قميصي وانزعه من قبل رجلي ، وإنّ حجي فاسد ، وإن عليّ بُدنة ، فقال (علیه السلام) له : متى لبست قميصك أبَعْدَ ما لبيّت أم قبل ؟ إلى أن قال : أيّ رجل ركب امراً بجهالة فلا شيء عليه»(3)، فإنّها مطلقة تشمل أي نوع من الجهل الموضوعي والحكمي ، قاصراً كان المكلف أو مقصراً وسيأتي الشرح في المسألة الآتية.

ص: 9


1- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود / 1.
2- الوسائل باب 14من أبواب مقدمات الحدود / 2.
3- الوسائل باب 45 من أبواب تروك الاحرام / 3.

المسألة 134 : المراد بالشبهة الموجبة لسقوط الحد هو الجهل عن قصور أو تقصير في المقدمات مع اعتقاد الحلية حال الوطء(1)، وأمّا من كان جاهلاً بالحكم عن تقصير وملتفتاً إلى جهله حال العمل حكم عليه بالزنا وثبوت الحد .

______________________________________________

(1) أمّا ثبوت الحد لتحقق الزنا بالنسبة إليها فيكون الوطء بالإضافة إلى المرأة زنا ، وأمّا عدم الحد بالنسبة للرجل المتوهم زوجته لتحقق الشبهة للأصل وعدم تحقق موضوع الزنا .

وأمّا في صورة الجهل عن قصور أو تقصير إذا كان عالماً بالحلية فقد مرّ أنّه يسقط عنه الحد لإطلاق الأدلة ، أمّا إذا كانت الجهالة غير مغتفرة فإنّها تكون موجبة للحد لحسنة يزيد الكناسي قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها فقال : إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم إلى أن قال : قلت أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة ؟ قال ، فقال : ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت ، ولقد كنَّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك ، قلت فإنْ كانت تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي ؟ فقال (علیه السلام) إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة ، فتسأل حتى تعلم»(1).

فإن قلت : أنّه مع عدم احراز الحرمة الواقعية نشك في صدق الزنا ومعه يكون شكاً في ثبوت الحد .قلت بأن معنى الزنى الوطء غير المستحق شرعاً ، وهو صادق على غير المستحق ظاهراً ، وبما أنّه يجوز الوطء في الزوجة وفي غير الزوجة يصدق الزنا وبما أنّه لا يعلم أنّها ليست بزوجة يصدق الزنا ، ولكن الدليل المثبت لعدم الجواز هو

ص: 10


1- الوسائل باب 27 من أبواب حد الزنا / 3.

المسألة 135 : يشترط في ثبوت الحد أمور :

الأول : البلوغ فلا حد على الصبي(1) .

الثاني : الاختيار فلا حد على المكره ونحوه(2) .

______________________________________________

الخبر والاستصحاب فهما يثبتان أنّها ليست بزوجة ، إذاً الأظهر ثبوت الحد في كل وطء محرم بالأصالة بظاهر الشرع .

(1) وقد أدّعى عليه الإجماع بقسميه ، بل الضرورة الفقهية ، ولرفع القلم(1)، ولا فرق بين الصغير والصغيرة ، وقد دلت على ذلك نصوص خاصة أيضاً منها صحيحة يزيد الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها الُيتم ، وزُوِّجت وأُقيمت عليها الحدود التامة لها وعليها ، قال : قلت : الغلام إذا زوجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال : أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنه، ولا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم»(2).

(2) أمّا المكره فيسقط الحد عنه بعد أن اشترط في ثبوت الحد الاختيارويدل على ذلك حديث الرفع بفقرة «رفع ما استكره عليه» كما مرّ في محله بأن المراد رفع جميع آثاره ، ومن جملة تلك الآثار الحد ووردت روايات خاصة .

منها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إن علياً (علیه السلام) أتي بامرأة مع رجل فجر بها . فقالت : استكرهني واللهِ يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحد...»(3)الحديث .

ص: 11


1- الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح11 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب مقدمات الحدود /1.
3- الوسائل باب 18من أبواب حد الزنا / 1.

................................

ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : قال : «أمير المؤمنين في امرأة أقرّت على نفسها أنّه استكرهها رجل على نفسها ، قال : هي مثل السائبة لا تملك نفسها فلو شاء لقتلها ، فليس عليها جلد ولا نفي ولا رجم»(1)ونحو ذلك كما في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) في امرأة مجنونة زنت فحبلت قال : «مثل السائبة لا تملك أمرها وليس عليها رجم ولا جلد ولا نفي»(2).

وهل يصدق الإكراه بالنسبة إلى الرجل أم لا ؟ قد يقال في تحقق الكراهة في جانب الرجل فيه تردد ، ونسب إلى الغنية الجزم بعدمه(3)، لأن الإكراه يمنع من انتشار العضو وانبعاث القوى ، لأنّها متوقفة على الميل النفساني ، وذلك لإنصراف النفس عن الفعل الذي يصدق عليه الإكراه وفي محكي الكشف أنّه علّله بعدم الانتشار إلا من الشهوة المنافية للخوف ولكن الحق بعد أن فَسّر الإكراه بحمل الغير على ما يكرهه ، فهذا يصدق مع الميل النفساني ولو فرض أن النفس لا تميل إلى العمل ولكن المانع من هذا العمل ، لأن في الزنا الضرر الآخروي والنهي الشرعي فلو أنّه لو ترك الزنا احتمل أنّه يترتب على تركه الضرر فيجوز له العمل ويصدق عليه الإكراه ولو بنفسه يكون غير مائل مع أنّه يمكن أدخال الحشفة ولو لم ينتشر .

ص: 12


1- الوسائل باب 18 من أبواب حد الزنا / 4 .
2- الوسائل باب 18من أبواب حد الزنا / 3 .
3- الغنية / / 424 .

الثالث : العقل ، فلا حد على المجنون(1) .

______________________________________________

(1) ولا حدّ على المجنون ولا المجنونة ونسب إلى المبسوط بل بالغنية والسرائر دعوى الإجماع ، أمّا المجنونة فالمسألة بالنسبة إليها اتفاقية وإنّ التكاليف مشروطة بالعقل ، وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أحدهما (علیهما السلام) : «في امرأة مجنونة زنت ، قال : أنّها لا تملك أمرها ليس عليها شيء»(1).

وأمّا المجنون ، فقد ورد في صحيح حماد بن عيسى ، عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیهما السلام) عن علي (علیه السلام) قال : «لا حدّ على مجنون حتى يفيق ، ولا على صبي حتى يدرك ، ولا على نائم حتى يستيقظ»(2).

وصحيح فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول : «لا حدّ لمن لا حد عليه ، يعني لو أن مجنوناً قذف رجلاً لم أر عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال : يا زانٍ ، لم يكن عليه حد»(3)، وقد دلَ على ذلك حديث رفع القلم ونفس الحديث ولكن بطريق آخر كما في معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) نفس الحديث السابق(4).

إذاً ما ورد عن الشيخين والصدوق والقاضي وابن سعيد(5)، إن وطأ المجنون عاقلة مثلاً وجب عليه الحد لخبر أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «إذا زنا المجنون أو المعتوه جلد الحد ، وإن كان محصناًرجم ، قلت : ما الفرق بين المجنون والمجنونة ، والمعتوه والمعتوهة ؟ فقال : المرأة إنما تؤتى

والرجل يأتي ، وإنما يزني إذا عقل كيف ، يأتي اللذة ، وأن المرأة إنما تستكره ويفعل بها وهي لا تعقل ما

ص: 13


1- الوسائل باب 21من أبواب حد الزنا ح 1.
2- الوسائل باب 8 من أبواب مقدمات الحدود ح 1 .
3- الوسائل باب 19من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
4- الوسائل باب 19من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
5- انظر المباني /1/ 208 ، المقنعة / 786 ، المقنع / 436 .

المسألة 136 : إذا أدعت المرأة الإكراه على الزنا قبلت(1) .

المسألة 137 : يثبت الزنا بالإقرار وبالبينة(2)ويعتبر في المقرّ العقل والاختيار ، والحرية ، فلو أقرّ عبد به فإن صدّقه المولى ثبُت بإقراره ، وإلا لم يثبت .

______________________________________________

يفعل بها»(1)، وفيه إن الخبر ضعيف، أولاً من جهة السند بعمرو بن عثمان، وثانياً على فرض عدم ضعفه لا يمكن أن تعارض ما تقدم، فلابد من طرحها أو تحمل على ما إذا كان له عقل في ساعته كما تشير الرواية إلى ذلك أي يكون الجنون أدواريا .

(1) وقد أدّعى عليه الإجماع، ولأجل ما ورد من أن الحدود تدرء بالشبهات ولِمَا ورد في صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إنّ علياً (علیه السلام) أُتى بامرأة مع رجل فجر بها، فقالت : استكرهني والله يا أمير المؤمنين، فدرأ عنها الحد»(2)وغيرها من الروايات .

(2) من الرجل والمرأة فإن أقرّا معاً ثبت عليهما الحد، فلو أقرّ أحدهما ثبت عليه خاصة، والمسألة متفق عليها، مضافاً إلى ورود الروايات الدالة علىذلك .

منها : حسنة صالح بن ميثم عن أبيه، قال : أتت امرأة مجحُّ(3)أمير المؤمنين (علیه السلام) فقالت : يا أمير المؤمنين إنيّ زنيت فطهرني طهرك الله، فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع، فقال لها : مما أطهرك ؟ فقالت : إنيّ زنيت، فقال لها: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت، أم غير ذلك ؟ قالت : بل ذات بعل، فقال لها: أفحاضر كان بعلك إذ فعلت ما فعلت، أم غائباً كان عنك؟ قالت : بل حاضراً،

ص: 14


1- الوسائل باب 21من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 18من أبواب حد الزنا ح1.
3- أي الحامل المقرب التي دنت ولادتها .

................................

فقال لها : انطلقي فضعي ما في بطنك، ثم ائتني اطهرك، فلما ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه، قال: اللهم إنّها شهادة، فلم تلبث أن اتته، فقالت: قد وضعت فطهرني، قال : فتجاهل عليها، فقال : اطهرك يا امة الله مماذا، قالت: إنيّ زنيت فطهرني، قال : وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت نعم، قال: فكان زوجك حاضراً أم غائباً، قالت : بل حاضراً، قال : فانطلقي فارضعيه حولين كاملين كما أمرك الله، قال : فانصرفت المرأة، فلما صارت منه حيث لا تسمع كلامه، قال : اللهم إنّهما شهاداتان .

قال : فلما مضى الحولان، أتت المرأة، فقالت قد ارضعته حولين فطهرني يا أمير المؤمنين، قال : فتجاهل عليها، قال : اطهرك مماذا ؟ فقالت : إنيّ زنيت فطهرني، فقال : لها وذات بعلٍ أنت إذ فعلت ما فعلت ؟ فقالت : نعم، قال : وبعلك غائب عنك إذ فعلت ما فعلت ؟ فقالت : بل حاضراً .

قال : فانطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردى منسطح، ولا يتهور في بئر.

قال : فانصرفت وهي تبكي، فلما ولّت فصارت حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم هذه ثلاثة شهادات .

قال : فاستقبلها عمرو بن حريث فقال لها : ما يبكيك يا أمة الله ؟ وقد رأيتك تختلفين إلى علي تسألينه أن يطهرك .

قالت : إنيّ أتيت إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فسألته أن يطهرني فقال : اكفلي ولدك حتى يعقل ويشرب ولا يتردى من سطح، ولا يتهور في بئر وقد خفت أن يأتي عليّ الموت ولم يطهرني .

فقال لها عمرو بن حريث : ارجعي إليه فأنا اكفله، فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين (علیه السلام) بقول عمرو بن حريث، فقال لها أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو متجاهل

ص: 15

نعم، لو انعتق العبد واعاد إقراره كان إقراره حجة عليه، ويثبت به الزنا و تترتب عليه أحكامه(1) .

______________________________________________

عليها، ولمَ يكفل عمرو ولدك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين إنيّ زنيت فطهرني، فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت : نعم، قال : أفغائباً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت بل حاضراً، قال فرفع رأسه إلى السماء، فقال : اللهم إنّه قد ثبت عليها أربع شهادات إلى أن قال فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرُّمّان يفقأ في وجهه، فلما رأى ذلك عمرو قال : يا أمير المؤمنين، إنيّ إنما أردت أن اكفله إذ ظننت أنك تحب ذلك، فإما إذ كرهته فإنيّ لست افعل، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) : أبَعدَ أربع شهادات باللهِ لتكفلنه وأنتصاغر» ... الحديث وذكر أنّه رجمها(1)وغيرها من الروايات ويثبت بالبينة على ما يأتي .

(1) ويشترط في المقرّ أمور :

الأول : البلوغ فلا يثبت بإقرار الصبي وأن كان مراهقاً كسائر اقراراته.

الثاني : كمال العقل، فلا عبرة بإقرار المجنون إذا كان في حال الجنون .

الثالث : الاختيار، فلا يلتفت إلى إقرار المكره عليه كما مرّ، وقيل إنّه يرفع عنه بحديث الرفع وبفقرة الإكراه، والروايات الخاصة، إذاً الفعل المكره بما أنّه كالعدم فلا يؤخذ فاعله عليه، ولا يقام عليه الحد .

الرابع : الحرية، وقد ادّعي عليها الإجماع، لأن العبد بما أنّه ملك للمولى فإقراره يكون سبباً للنفوذ في حق الغير، أي لا يكون إقرار على نفسه بل هو إقرار على الغير وهو حق المولى، وقد دلت عليه صحيحة فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع، وإن شهد عليه

ص: 16


1- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح1.

................................

شاهدان قطع»(1).

وأمّا ما قيل بأنّه لا مانع من أخذ العبد بإقراره ولكن يتبع به بعد العتق، ففيه :

أولاً : إن الرواية مطلقة وأنّها تشمل حتى هذه الصورة .

ثانياً : قال استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : ولكنه يندفع بأن وجوبالجلد أو الرجم إن ثبت فلا يتأخر عن الإقرار، وإن لم يثبت عند الإقرار فلا دليل على ثبوته بعد العتق، إلا أن يقر به ثانياً، فلا يقاس الإقرار بالزنا، أو السرقة على الإقرار بإتلاف المال _ مثلاً _ فإنّه يثبت به الضمان من حين الإقرار ويكلف بتفريغ الذمة بعد العتق(2).

نعم يثبت بتصديق المولى لأنّه بمنزلة إقرار المولى على نفسه بعد أن كان العبد ملكاً له، إذاً المقتضى لإجراء الحد موجود والمانع مفقود .

أمّا ما ورد في صحيحة ضريس(3)والفضيل(4)بجواز إقامة الحد بالنسبة إلى العبد فمحمول على التقية، لأنّه بعد العتق يصبح حراً وإقراره على نفسه يكون نافذاً وتشمله إطلاقات وعمومات الإقرار لثبوت الزنا .

ص: 17


1- الوسائل باب 35من أبواب حد السرقة ح1.
2- المباني /1 / 210.
3- الوسائل باب 35من أبواب حد السرقة ح2.
4- الوسائل باب 33من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 138 : لا يثبت حدّ الزنا إلا بالإقرار أربع مرات، فلو أقرّ به كذلك اجري عليه الحدّ، وإلا فلا(1) .

______________________________________________

(1) يقول المحقق : وتكرار الإقرار أربعاً في أربعة مجالس(1)، وقال صاحب الجواهر : بلا خلاف معتداً به أجده في الأول عندنا، نعم عن أكثر العامة الإكتفاء بالمرة، ونسب إلى ظاهر ابن أبي عقيل منا ولا ريب في ضعفه(2)وتدل عليه حسنة جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرتين، ولا يرجم الزاني حتى يقر بالزنا أربع مرات»(3)، وما ورد من معتبرة الأصبغ بن نباتة(4)، وحسنة أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) قال : «اتّاه رجل بالكوفة فقال : يا أمير المؤمنين، إنيّ زنيت فطهرني، قال : ممن أنت ؟ قال من مزينة، قال : أتقرا من القران شيئاً ؟ قال : بلى، قال : فاقرأ فقرأ فأجاد، فقال : أبك جِنّة ؟ قال : لا، قال : فأذهب عني حتى نسأل عنك، فذهب الرجل ثم رجع إليه بعد فقال : يا أمير المؤمنين إنيّ زنيت فطهرني قال : ألك زوجة ؟ قال: بلى، قال : فمقيمة معك في البلد ؟ قال : نعم، فأمره أمير المؤمنين (علیه السلام) فذهب وقال : حتى نسأل عنك، فبعث إلى قومه فسأل عن خبره، فقالوا : يا أمير المؤمنين صحيح العقل، فرجع إليه الثالثة، فقال مثل مقالته، فقال : أذهب حتىنسأل عنك، فرجع إليه الرابعة فلما أقرّ، قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لقنبر : احتفظ به» (5)الخ الحديث .

ص: 18


1- شرائع الإسلام / 4 / 152.
2- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام /41 /280.
3- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح3
4- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح1 .
5- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح2.

................................

أمّا أن الزنا لا يثبت إلا بأربع لأنّه بمنزلة الشهادة، إذ لو أقرّ بما دون الأربع لا يقام عليه الحد كما هو كذلك في الشهادة .

وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في رجل قال لأمراته: يا زاينة أنا زنيت بك، قال (علیه السلام) : «عليه حد واحد لقذفه إياها وأمّا قوله : أنا زنيت بك، فلا حد فيه، إلا أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام»(1), وهي بإطلاقها تشمل الحد مطلقاً رجماً كان أو جلداً .

أمّا صحيحة الفضيل، قال : سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول : «من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة، حراً كان أو عبداً، أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان إلا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء»(2)... الحديث، قال في الجواهر : إلا أنّه مع موافقته للعامة واشتماله على عدم الفرق بين الحر والعبد، وعلى الفرق بين المحصن وغيره الذي لم يحك عن الخصم القول به، بل ظاهر المحكي عنه خلافه قاصر عن معارضة غيره من وجوه فوجب طرحه أو حمله على غير الزنا من الحدود أو غير ذلك(3)، ولكن ماذكره بحمل غير الزنا غير تام، فلابد من طرحها لعدم إمكان معارضتها للصحاح أو حملها على التقية .

ثم إنّه يأتي الكلام بأنّ الإقرار أربعاً هل لابد أن يكون في أربعة مجالس متعددة أو يكفي ولو كان في مجلس واحد، كما نسب إلى الخلاف بقوله : إلا بإقرار أربع مرات في أربعة مجالس(4)والمبسوط بقوله : لا يثبت حدّ الزنا إلا بالإقرار أربع

ص: 19


1- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات حد القذف ح1.
2- الوسائل باب 32 من أبواب الحدود ح1.
3- الجواهر / 41 / 282.
4- الخلاف / 5/ 377 .

المسألة 139 : لو أقرّ شخص، بما يوجب رجمه، ثمّ جحد، سقط عنه الرجم دون الحد، ولو أقر بما يوجب الحد غير الرجم ثم أنكر لم يسقط(1).

______________________________________________

مرات من الزاني في أربعة مجالس متفرقة، وبه قال جماعة .

وقال قوم يثبت بإقراره دفعة واحدة كسائر الإقرارات، واعتبر قوم أربع مرات سواء كان في مجلس واحد أو في مجالس متفرقة(1)، قال في الجواهر : بل منع وفاقاً لإطلاق الأكثر، وصريح غير واحد ممن تأخر، بل في الرياض(2)نسبته إلى كافة المتأخرين ومنه يعلم وهن الإجماع المزبور(3).

(1) وقد أُدعي عليه الإجماع، قال المحقق : لو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم(4)، وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده كما عن الفخرالاعتراف به، بل يمكن تحصيل الإجماع(5)، وقال المحقق : أيضاً بالنسبة لغير الرجم، ولو أقرّ بحد غير الرجم لم يسقط بالإنكار(6)وقد أدعى عليه الإجماع ولكن العمدة الروايات بالنسبة إلى كلا القولين .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) : في رجل أقرّ على نفسه بحد، ثم جحد بعد، فقال : «إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق، ثم جحد قطعت يده، وإنْ رغم أنفه وإن أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة، قلت : فإن أقرّ على نفسه بحد يجب فيه الرجم، أكنت راجمه ؟ فقال : لا ولكن

ص: 20


1- المبسوط / 5/ 337 .
2- الرياض / 15 / 453 .
3- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام / 41 _ 383.
4- شرائع الاسلام / 4 / 152.
5- الجواهر / 41 / 291.
6- شرائع الإسلام / 4 / 152.

المسألة 140: لو أقرّ بما يوجب الحدّ من رجم أو جلد كان للإمام (علیه السلام) العفو وعدم إقامة الحد عليه، وقيَّدهُ المشهور بما إذا تاب المقرّ ودليله غير ظاهر(1) .

______________________________________________

كنت ضاربه الحد»(1).

ومنها : صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أقرّ الرجل على نفسه بحد أو فرية ثم جحد جلد، قلت : أرأيت أن أقرّ على نفسه بحد يبلغ فيه الرجم أكنت ترجمه ؟ قال : لا ولكن كنت ضاربه»(2).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «من أقرّعلى نفسه بحد اقمته عليه إلا الرجم، فإنّه إذا أقرّ على نفسه، ثم جحد لم يرجم»(3)، ويؤيده رواية الكناني(4)، ومرسل جميل(5)، فيظهر من هذه الروايات إنّ الرجم يسقط، أمّا الحد فلا يسقط .

(1) بلا خلاف أجده في الأول، بل في محكي السرائر(6)، الإجماع عليه بل لعله كذلك في الثاني أيضاً وإن خالف هو فيه للأصل الذي يدفعه أولوية غير الرجم منه بذلك، كذا ذكره صاحب الجواهر(7)، كما في معتبرة طلحة بن زيد عن

ص: 21


1- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح1.
2- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح2.
3- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح3.
4- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح1. الرواية في ذيل الحديث
5- الوسائل باب 12من أبواب مقدمات الحدود ح4.
6- السرائر /3 / 476 .
7- الجواهر / 41 / 293.

................................

جعفر (علیه السلام) قال : حدثني بعض أهلي أن شاباً أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقر عنده بالسرقة، قال : فقال له علي (علیه السلام) : «أني أراك شاباً لا بأس بهبتك فهل تقرأ شيئاً من القران ؟ قال : نعم سورة البقرة، فقال : قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال : وإنما منعه أن يقطعه لأنّه لم يقم عليه بينة»(1), وتؤيده رواية البرقي عن بعض أصحابه عن بعض الصادقين (علیهما السلام) قال : «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرّ بالسرقة، فقال له : أتقرأ شيئاً من القران ؟ قال : نعم، سورة البقرة، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة قال : فقال الاشعث : أتعطل حداً من حدود الله ؟ فقال : وما يدريك ماهذا ؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع»(2)، وصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام، فأمّا ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام»(3).

ولكن لابد من رفع اليد عن إطلاق هذه الصحيحة بالروايات التي دلت على التفصيل بين ثبوته بالبينة أنّه لا يعفى، وبالإقرار فيعفى وغيرها من الروايات .

وأمّا ما ورد من التقييد بالتوبة في العفو فلم يرد عليه دليل إلا ادعاء الإجماع فإن تم فهو، وإلا لم يدل عليه دليل من الرواية الصحيحة فتأمل .

ص: 22


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح5.
2- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 141 : إذا حملت المرأة وليس لها بعل لم تُحَدّ، لاحتمال أن يكون الحمل بسبب أخر دون الوطء، أو بالوطء شبهة أو اكراهاً أو نحو ذلك، نعم إذا أقرت بالزنا أربع مرات حدت كما مر(1) .

المسألة 142 : لا يثبت الزنا بشهادة رجلين عادلين، بل لابد من شهادة أربعة رجال عدول، أو ثلاثة وامرأتين، أو رجلين وأربع نساء إلا أنّه لا يثبت الرجم بالأخيرة، ولا يثبت بغير ذلك من شهادة النساء منفردات، أو شهادة رجل وست نساء، أو شهادة واحد ويمين(2) .

______________________________________________

(1) بعد أن عرفت بأن الحد إنما يجري بعد ثبوت الزنا سواء كان بالبينة أو بالإقرار، يقول المحقق : لو حملت ولا بعل لم تحد إلا أن تقر بالزنا أربعاً(1)وفي الجواهر : أو تقوم عليها البينة لاحتمال الاشتباه أو الإكراه وغيرهما خلافاً لمالك وضعفه واضح بل ليس علينا سؤالها للأصل، بل الأصول، فما عن ظاهر المبسوط من لزومه لا وجه له(2)أي يكون الحمل بسبب آخر غير الزنا، كما إذا جرفت إلى نفسها مني الآخر وهو قد يتفق في الحمام أو غيره .

(2) والمسألة غير خلافية، وقد مر ذلك مفصلاً في كتاب الشهادات.

ص: 23


1- شرائع الإسلام / 4 / 152.
2- الجواهر/ 41 / 295.

المسألة 143 : يعتبر في قبول الشهادة على الزنا أن تكون الشهادة شهادة حس ومشاهدة، ولو شهدوا بغير المشاهدة والمعاينة لم يحد المشهود عليه وحد الشهود(1).

______________________________________________

(1) لابد من المشاهدة بالولوج في الفرج كالميل في المكحلة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة كما قال المحقق ولابد في شهادتهم من ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة(1)، ويقول في الجواهر : بلا خلاف معتد به أجده فيه بينهم(2)، وقال صاحب المسالك : لما كان الزنا قد يطلق على ما دون الجماع فيقال زنت العين وزنت الأذن وزنى الفرج، والجماع يطلق على غير الوطء لغة، وكان الأمر في الحدود _ سيّما الرجم _ مبنياً على الاحتياط التام ويدرأ بالشبهة، فلابد في قبول الشهادة به من التصريح بالمشاهدة لوقوع الفعل على وجه لا ريبة فيه، بأن يشهدوا بمعاينة الإيلاج(3).

ونسب إلى الشيخ في محكي النهاية، فالبينة بالزنا أن يشهد أربعة نفر عدول على رجل بأنه وطأ امرأة وليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد وشاهدوه وطأها في الفرج، فإذا شهدوا كذلك قبلت شهادتهم وحكم عليه بالزنا(4)، وقد دل عليه روايات .

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «حد الرجمأن يشهد أربعة أنّهم راوه يدخل ويخرج»(5).

ص: 24


1- شرائع الإسلام / 4 / 152.
2- الجواهر / 41 / 298.
3- المسالك / 14 / 352.
4- النهاية / 3/ 282 .
5- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح1.

................................

ومنها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج»(1).

ومنها : صحيحته الأخرى عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يجلد رجل ولا امرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهود على الإيلاج والإخراج»(2).

ثم أن الحكم ثابت مع العلم ولا يكفي الظن، وهل تعتبر الرؤية في أربعة شهود على الإيلاج والإخراج أم يكفي العلم وعدم كفاية الظن ؟ ففي الرياض : ولأن الشهادة إنما تسمع بما عُويّن أو سمع، ولا معنى للزنا حقيقة إلا ذلك فلا تسمع الشهادة به إلا إذا عوين كذلك(3).

وأستدل على ذلك، بمعتبرة أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «لا يرجم رجل ولا المرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهود على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة»(4)وصحيحة حريز عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «القاذف يجلد ثمانين جلدة إلى أن قال ولا تقبلشهادتهم حتى يقول أربعة رأينا مثل الميل في المكحلة»(5).

ولكن الحق كفاية العلم بل هو المعتبر في باب الشهادة فالرؤية الواردة في الرواية إنما هي لأجل طريقيتها إلى العلم وثبوت المشهود به الذي يكون في المبصرات لا لخصوصية فيها، إذاً يكفي العلم الحاصل من طريق آخر .

ص: 25


1- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح11.
3- الرياض / 15 / 465 .
4- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح4.
5- الوسائل باب 2من أبواب حد القذف ح 5 .

................................

وبعبارة أخرى فالخبرين لابد أن لا يكونا على اعتبار شيء زائد على العلم، يقول استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) والظاهر أنّ ما ذكروه أمر لا يتحقق في الخارج إلا في فرض نادر ولازم ذلك سد باب الشهادة في الزنا نوعاً مع أن كثيراً ما تحققت الشهادة على الزنا في زمان رسول الله k و بعده ورتب على الشهادة أثرها من رجم أو جلد، فالجماع كغيره من الأفعال التي يمكن الشهادة عليها من جهة رؤية مقدماتها الملازمة لها خارجاً المحققة لصدق الرؤية و الحس بالإضافة إلى المشهود به عرفاً .

وأمّا معتبرة أبي بصير فلا دلالة فيها على اعتبار الرؤية في الإيلاج و الإدخال كالميل في المكحلة، و إنما المعتبر فيها الشهادة على ذلك، وقد عرفت أن الشهادة تتحقق برؤية الأفعال الملازمة له خارجاً فيشهد الرائي على الإدخال كالميل في المكحلة .

وأمّا صحيحة حَرِيز فلابد من حملها على رؤية المقدمات الملازمة له خارجا الموجبة لصدقها بالإضافة إلى الجماع عرفاً هذا تمام كلامه(1).ولو فرضنا بأنهما صريحتان بالرؤية، فالمتعين تخصيصهما بموردهما و هو الرجم، أمّا بالنسبة إلى الجلد فلا، بل نقول أن العلم بما أنّه يحصل من خلال الرؤية التي تحصل برؤية الافعال الملازمة له خارجاً فيمكنه أن يشهد على الإدخال كالميل في المكحلة حينئذٍ .

ص: 26


1- المباني / 1 / 219 .

ويعتبر أن تكون الشهادة شهادة بفعل واحد زمانا ومكانا، فلو اختلفوا في الزمان أو المكان لم يثبت الزنا وحد الشهود(1).

وأمّا لو كان اختلافهم غير موجب لتعدد الفعل واختلافه، كما إذا شهد بعضهم على أن المرأة المعُيّنة المزني بها من بني تميم _ مثلاً _ وشهد البعض الآخر على أنّها من بني أسد _ مثلاً _ أو نحو ذلك من الاختلاف في الخصوصيات، لم يضر بثبوت الزنا بلا إشكال(2).

وأمّا إذا كان اختلافهم في خصوصية الزنا، كما لو شهد بعضهم على أن الزاني قد أكره المرأة على الزنا، وشهد الآخر على عدم الإكراه وأن المرأة طاوعته ففي ثبوت الزنا بالإضافة إلى الزاني عندئذ إشكال(3) ولا يبعد التفصيل بين ما إذا كان الشاهد على المطاوعة شاهداً على زناها، وأمّا إذا لم يكن، فعلى الأول لا يثبت الزنا بشهادته ويثبت على الثاني .

______________________________________________

(1) وذلك بعدما لم تثبت شروط الشهادة بالحس واليقين، فإن شهادتهم مستوجبة للقذف، فيحد الشاهد بعد ذلك حد القذف .

(2) كأن شهد بعضهم في الوقوع بالزنا في ركن خاص من البيت والباقون في الركن الآخر، أو بعضهم في بيت خاص والآخرون في غيره، أو شهد بعضهم بوقوع العمل في يوم السبت والآخرون في يوم الأحد فبما أنّه لميثبت الزنا بشهادتهم فلم يحد المشهود عليه وحد الشهود للقذف .

(3) لعدم ما يوجب ضرراً بالنسبة إلى ثبوت الزنا بعد أن كانت المرأة المزني بها مُعيّنة، ولكن الحق كما عليه استاذنا الاعظم(1)، بإن الإشكال في غير محله،

ص: 27


1- المباني / 1/ 220 .

المسألة 144 : إذا شهد أربعة رجال على امرأة بكر بالزنا قُبَلا وأنكرت المرأة وأدعت أنّها بكر، فشهدت أربع نسوة بأنّها بكر، سقط عنها الحد(1) .

______________________________________________

لأنّه بعد أن يكون الزنى فعل واحد فلا يفرق كون المرأة مكرهة أو مطاوعة وفي كلا الأمرين لا أثر له بالإضافة إلى تحقق الزنا من الزاني قد يقال بأنّه قسماً من الشهود الذين ادعوا المطاوعة فشهادتهم للزنا تكون موجبة للقذف لها فيكونوا قاذفين لها فيصبحوا فُساقاً لا تقبل شهادتهم .

وفيه ان هناك فرق بين قولهم وشهادتهم بالزنا والجماع، فإن في الصورة الأولى لا تقبل شهادتهم لأنّهم اصبحوا فساقاً بقذف المرأة، أمّا ما لو شهدوا بالجماع فتقبل شهادتهم .

(1) أمّا سقوط الحد فللإجماع، كما في الجواهر : بلا خلاف أجده(1)والإجماع المذكور غير مقبول، لأنّه منقول ومدركي، حتى وإن كان محتمل المدركية، فهو ليس بحجة، وكذا إطلاقات بعض الروايات مما استفيد منهاالدالة على قبول شهادة النساء في العذرة، ويدل عليه صحيحة زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) : «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا، فقالت: أنا بكر فنظر إليها النساء فوجدنها بكراً، فقال: تقبل شهادة النساء»(2).

ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) بامرأة بكر زعموا أنّها زنت، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن : هي عذراء فقال : ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله، وكان يجيز شهادة النساء في مثل هذا»(3)وغيرها من الروايات.

ص: 28


1- الجواهر /41 /362.
2- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح44.
3- الوسائل باب24 من أبواب الشهادات ح13.

................................

وهل يحد الشهود ؟ هناك قولان : قال المحقق : وهل يحد الشهود للفرية وهو مختار المحقق(1)، وهو المحكي عن جماعة كما قال في النهاية(2)، وقال في المبسوط : لا حد لاحتمال الشبهة في المشاهدة والأول اشبه(3)، وقال في المسالك : إذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا فشهد أربع نسوة على أنّها عذراء، فإن لم يعين شهود الزنا محله فلا منافاة، لإمكان كونه دبراً إنْ لم نوجب التفصيل فيثبت الزنا، ولا يقدح فيه البكارة، وأولى بالحكم إذا صرحوا بكونه دبراً .

ويحتمل مع الإطلاق سقوط الحد عنها، لقيام الشبهة الدارئة للحدّ حيث يحتمل كون المشهود به قبلاً، وإن صرحوا بكون الزنا قبلاً، فهذا موضعالخلاف، فقيل: لا حدّ على المشهود عليه، ولا على الشهود، ذهب إلى ذلك الشيخ في المبسوط(4)، وابن إدريس(5)، والعلامة(6)، وجماعة(7)لتعارض البينتين، فلا يكون تصديق النساء أولى من تصديق الرجال وذلك شبهة دارئة للحد(8)، إذاً الحق عدم ثبوت الحد تأييداً للمسالك حيث لم يكن هنالك فرية والحد بواسطة القذف إنما هو إذا لم يكون الشهود أربعة .

ص: 29


1- شرائع الإسلام / 4 / 152 .
2- النهاية / 3 / 282 / 283 .
3- المبسوط / 5/ 343 .
4- المبسوط / 5/ 343 .
5- السرائر / 3 / 429 __ 430 .
6- مختلف الشيعة .
7- منهم ابي حمزة في الوسيلة ، وابي سعيد الحلي في الجامع للشرائع ، وفخر المحققين في ايضاح الفوائد / 4/ 489 .
8- المسالك / 14 / 391.

المسألة 145 : إذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنا وكان أحدهم زوجها، فالأكثر على أنّه يثبت الزنا وتُحَدّ المرأة، ولكن الأظهر أنّه لا يثبت(1).

______________________________________________

وأمّا إذا كانوا أربعة وهم عدول فلا قذف مع ما مرّ بأن لا تكون المشاهدة شرطاً في ثبوت الجماع، فلعل الخطأ في العلم والسقوط من جهة ذلك، أو من جهة التعارض، ويؤكد ما ذكرنا سكوت الإمام (علیه السلام) في هذه الروايات عن ذلك، وهكذا يسقط الحد عن الزاني بعد إن لم يثبت أصل الزنا وللشبهة .

(1) هناك ثلاثة أقوال في المسألة :

الأول : أنّه يثبت الزنا وتحد المرأة .

الثاني : عدم الثبوت، ويحد الشهود، وتلاعن زوجها .الثالث : قول بالتفصيل بين سبق الزوج بالقذف فيعتبر في الثبوت أربعة غير الزوج، وبين عدمه فيثبت، ولو كان أحد الشهود الزوج .

أمّا القول الأول : هو المنسوب إلى الأكثر كما في المسالك(1)، وقد عرفت فيما سلف أن شهادة الزوج لزوجته وعليها مقبولة، ومقتضى ذلك أنّه لو شهد عليها أربعة بالزنا أحدهم الزوج قبل وثبت عليها الحد، لوجود المقتضى له وانتفاء المانع، ويؤيده رواية إبراهيم بن نعيم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ؟ قال تجوز شهادتهم»(2).

وذكر في الجواهر تجوز شهادتهم مؤيدة بعدم الفرق بين الزوج وغيره في قبول شهادته للمرأة وعليها، بل لعل الزوج أولى بالقبول لهتك عرضه فيندرج فيما دل

ص: 30


1- المسالك / 14 / 394.
2- الوسائل باب 12من أبواب اللعان ح1.

................................

على ثبوت الزنا بشهادة الأربعة، لقوله تعالى: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَ أَنْفُسُهُمْ»(1)مشعرٌ بأنّه نفسه شاهد أيضاً لو حصل معه تمام العدد وصدق الشهداء أي الثلاثة على أن المقام من الحب التي لا يدعي فيها خاص كما حرر في محله بغير ذلك، وقوله تعالى: «وَاللاَتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ»(2)الشامل للزوج وغيره(3).أمّا القول الثاني وهو عدم الثبوت قال المحقق : والأحرى يحد الشهود الثلاثة ويلاعن الزوج(4).

وأمّا الثالث : وهو المنسوب إلى السرائر، فإن شهد الزوج ابتداءً من غير أن يتقدم منه القذف لها مع الثلاثة المذكورة قبلت شهادتهم ووجب على المرأة الحد، فإن كان قد رمى الزوج المرأة بالزنى أولاً ثم شهد مع الثلاثة المذكورة عليها به فلا تقبل شهادته لأنّه يدفع بها ضررا(5).

وما في الوسيلة فإن كان زوجها أحد شهود البينة ولم يقذفها جاز وإن قذفها لم يجز، والزم الحد الثلاثة واسقط الحد عن الزوج باللعان إن شاء(6).

وما في الجامع بقوله : والزوج أحد الأربعة، فإن لم يعدل أو سبق بالقذف لاعن وحدوا(7)، بأنّه لو سبق الزوج بالقذف فلابد إنْ يأتِ بأربعة غير الزوج

ص: 31


1- سورة النور الآية / 6 .
2- سورة النساء الآية / 15.
3- الجواهر/34 /81 .
4- الجواهر / 34 / 81 .
5- السرائر /3 / 460.
6- الوسيلة /410.
7- الجامع للشرائع/ 548.

................................

وعدم سبق الزوج فيكفي الثبوت ولو كان أحد الشهود الأربعة هو الزوج .

والحق هو القول الثاني فإن إطلاق الآية المباركة دلت على أن الزوج إذا رمى زوجته لابد بأن يأتي بأربعة شهداء وإلا فلابد من الملاعنة، وصحيح إبراهيم بن نعيم عن أبي سيار مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في أربعة شهدوا على امرأة بفجور، أحدهم زوجها، قال : يجلدون الثلاثة، ويلاعنها زوجها،ويفرق بينهما، ولا تحل له ابداً»(1).

ويؤيد ذلك أيضاً رواية زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) : «في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا، أحدهم زوجها، قال : يلاعن الزوج ويجلد الآخرون»(2)يقول في الجواهر مؤيداً بظاهر قوله تعالى : «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَ أَنْفُسُهُمْ» بناءً على رجوع الضمير فيها إلى القاذفين ومنهم الزوج فإنّه لا يقال جاء الإنسان بنفسه(3).

وما استدلوا به على الثبوت، فبرواية إبراهيم فهو غير تام لأن رواية إبراهيم ضعيفة بعباد بن كثير لأنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح، بل هو امامي مجهول، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فلا تصلح لمعارضة صحيحة مسمع المؤيدة بإطلاق الآية الكريمة(4).

ولا يخفى بأنّه لو قذف الزوج الزوجة اولاً فلابد في الثبوت من الإتيان بأربعة شهداء، ومحل البحث فيما إذا لم يقذف وشهد الشهود الأربعة وكان أحدهم الزوج من دون سبق قذف منه .

ص: 32


1- الوسائل باب 12من أبواب اللعان ح3.
2- الوسائل باب 12من أبواب اللعان ح2.
3- الجواهر / 43 / 81 __ 82 .
4- المباني / 1 / 223.

المسألة 146 : لا فرق في قبول شهادة أربعة رجال بالزنا بين أن تكون الشهادة على واحد أو أكثر(1).

المسألة 147 : يجب التعجيل في إقامة الحدود بعد أداء الشهادة(2)

ولا يجوز تأجيلها .

______________________________________________

(1) فلو شهدوا أي الأربعة على أن فلاناً وفلانة زنيا، أو جماعة زنوا قُبل منهم وذلك لإطلاق الأدلة، ويؤيده رواية عبد الله بن جذاعة قال: «سألته عن أربعة نفر شهدوا على رجلين وامرأتين بالزنا قال، يرجمون»(1)وهي ضعيفة وتكفي للتأييد .

(2) والمسألة متفق عليها ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك وتدل عليه معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) : «في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، فقال علي (علیه السلام) اين الرابع ؟ قالوا الآن يجيء، فقال (علیه السلام) حدوهم فليس في الحدود نظر ساعة»(2)ويؤيده ما روي عن محمد بن علي ابن الحسين بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) قال : «إذا كان في الحد لعل أو عسى فالحد معطل»(3).

ص: 33


1- الوسائل باب 12 من أبواب حد الزنا ح7.
2- الوسائل باب 12من أبواب حد الزنا ح8.
3- الوسائل باب 25من أبواب مقدمات الحدود ح2.

كما لا يجوز التسريح بكفالة(1)، أو العفو بشفاعة(2).

______________________________________________

(1) وأيضاً المسألة متفق عليها وقد دلت معتبرة السكوني على ذلك عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : قال رسول الله k «لا كفالة في حد»(1).

(2) وأمّا الشفاعة فهي متفق عليها أيضاً، وتدل عدة روايات .

منها : حسنة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «كان لام سلمة زوج النبي k أَمْة فسرقت من قوم، فأتى بها النبي k فكلمته أم سلمة فيها فقال النبي k يا أم سلمة هذا حد من حدود الله لا يضيّع، فقطعها رسول الله k»(2).

ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام): «لا يشفعن أحد في حد إذا بلغ الإمام، فإنّه لا يملكه، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم، واشفع عند الإمام في غير الحد مع الرجوع من المشفوع له، ولا يشفع في حق أمرئ مسلم لا غيره إلا بإذنه»(3)أي أنّه اشفع في ما له العفو كما يثبت موجب الحد بالإقرار، و لا تشفع في ما لا يملك الإمام العفو .

ص: 34


1- الوسائل باب 21من أبواب مقدمات الحدود ح1.
2- الوسائل باب 20 من أبواب مقدمات الحدود ح1.
3- الوسائل باب 20من أبواب مقدمات الحدود ح4.

المسألة 148 : لو تاب المشهود عليه قبل قيام البيّنة، فالمشهور سقوط الحدّ عنه، ودليله غير ظاهر، وأمّا بعد قيامها فلا يسقط(1).

______________________________________________

(1) فقد أُدعيّ الخلاف في الأول، ونسب إلى المشهور ذلك، وقد نسب إلى كشف اللثام مما يظهر من عبارته، وإن تاب قبل قيامها سقط اتفاقاً كما هو الظاهر(1)، وقول أحدهما (علیهما السلام) في مرسلة جميل بن دراج، عن أحدهما (علیهما السلام) في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى، فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح «فقال (علیه السلام): إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد»(2).

ولكن الرواية مرسلة ولا يمكن الأخذ بها، وأمّا إذا تاب بعد قيامها قال المحقق : فلو تاب بعد قيامها لم يسقط حداً كان أو رجماً(3)، ويقول في الجواهر : عند المشهور للأصل(4)، وليس هناك دليل على أنّ الحدّ يسقط بالتوبة، مضافاً إلى ما ورد من صحيحة حسين بن خالد قال : «قلت لأبي الحسن (علیه السلام) اخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة، هل يرد حتى يقام عليه الحد ؟ فقال : يرد، ولا يرد، فقلت كيف ذلك ؟ إلى أن قال.... وإن كان إنما قامت عليه البينة وهو يجحد، ثم هرب رُدّ وهو صاغر، حتى يقامعليه الحد»(5).

ويؤيّده مرسلة أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب ؟ قال : لا، ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم

ص: 35


1- كشف اللثام / 10/ 435 .
2- الوسائل باب 16من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- شرائع الإسلام كتاب حد الزنا .
4- الجواهر /41/ 308 .
5- الوسائل باب 15 من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 149 : لو شهد ثلاثة رجال بالزنا أو ما دونهم حُدّوا حد القذف، ولا ينتظر لإتمام البينة، وهي شهادة الأربعة(1).

______________________________________________

يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة رد حتى يصيبه أَلَمَ العذاب»(1)أي أنّه إذا تاب بينه وبين الله فلا شيء عليه، أمّا إذا وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، ومضافاً إلى الروايات الدالة من الرد إلى الحفيرة لو قامت البينة ولم يرد إذا ثبت بالإقرار، وهكذا الروايات الواردة في الفرق بين الإقرار والبينة .

(1) وذلك لعدم ثبوت الزنا، وعلى الشهود حدّ القذف حتى ولو انظم إليهم النساء، لعدم الدليل بشهادتهن انفردنّ أو انضمّمن، بل دلت الاخبار على عدم قبول شهادتهن في الحدود كما في حسنة محمد بن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : قلنا : «أتجوز شهادة النساء في الحدود ؟ فقال : في القتل وحده، إنّ علياً (علیه السلام) كان يقول : لا يبطل دم أمرئ مسلم»(2).

وصحيحة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي(علیه السلام) «قال: لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في القوْد»(3)، وغيرها من الروايات .

ص: 36


1- الوسائل باب 15 من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح1.
3- الوسائل باب 24من أبواب الشهادات ح29.

المسألة 150 : لا فرق في الأحكام المتقدمة بين كون الزاني مسلماً أو كافراً، وكذا لا فرق بين كون المزنيّ بها مسلمة أو كافرة، وأمّا إذا زنى كافرٌ بكافرة، أو لاط بمثله، فالإمام مخيّر بين اقامة الحد عليه، وبين دفعه إلى اهل ملته ليقيموا عليه الحد حدّ الزاني(1) .

______________________________________________

(1) أمّا إذا كان الزاني مسلماً وإن كانت الزانية كافرة أو الزاني كافر والمزني بها مسلمة، فلابد من إقامة الحد للعمومات والإطلاقات الشاملة في المقام، أما إذا زنى كافر بكافرة أو لاط بمثله فللإمام (علیه السلام) الخيار بين إقامة الحد على الزاني حسب المصلحة، أو يدفعهم إلى أهل ملتهم لإقامة الحد عليهم وذلك لقوله تعالى : «فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ»(1)وقوله تعالى «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ»(2).

ويؤيد ذلك أيضاً ما رواه إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه D أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي (علیه السلام) في رجل زنى بالمرأة اليهودية أو النصرانية فكتب (علیه السلام) إليه : «إن كان محصناً فارجمه، وإن كان بكراً فاجلده مائة جلدة وأما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها وليقضوا فيها ما احبوا»(3).وصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الانجيل يتحاكمون إليه، كان ذلك إليه، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء تركهم»(4)،

ص: 37


1- سورة المائدة الآية / 42.
2- سورة المائدة الآية / 48.
3- الوسائل باب 8 من أبواب الزنا ج5.
4- الوسائل باب 27 من كيفية الحكم ج1.

المسألة 151 : من زنى بذات محرم له _ كالأم والبنت والأخت وما شاكل ذلك _ يقتل بالضرب بالسيف في رقبته(1).

______________________________________________

وصحيحة أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دية اليهود والنصارى والمجوس، قال : هم سواء ثمانمائة درهم، قلت إن أخذوا في بلاد المسلمين وهم يعملون الفاحشة أيقام عليهم الحد ؟ قال نعم يحكم فيهم بأحكام المسلمين»(1).

والجمع بين هذه الروايات هو التخيير بين الحكم و بين إقامة الحد أو الدفع إلى أهل ملتهم، إنْ قلت إنّ ذلك موجب لتعطيل الحدود ؟ قلنا أنه اجتهاد مقابل النص.

(1) قال في الجواهر : بلا خلاف اجده فيه كما اعترف به غير واحد بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منها مستفيض كالنصوص الدالة على ذلك في الجملة(2)، كما في حسنة أبي أيوب قال : «سمعت ابن بكير بن اعين يروي عن أحدهما (علیهما السلام) قال : من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت، منه ما أخذت، وإن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيفأخذت منها ما أخذت، قيل له فمَنْ يضربهما وليس لهما خصم ؟ قال : ذلك إلى الإمام إذا رفعا إليه»(3)، وصحيحة جميل بن دراج قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) اين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف، أين هذه الضربة ؟ قال : تضرب عنقه أو قال تضرب رقبته»(4)، وهذه الرواية تكون مفسرة للرواية الأولى، بأن المراد من الضرب هو القتل، وكذا ما ذكر في رواية سليمان بن هلال عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل يفعل بالرجل، قال، فقال إن كان دون الثقب فالجلد وإن كان ثقب أقيّم قائماً، ثم ضرب بالسيف ضربة أخذ

ص: 38


1- الوسائل باب 13 من أبواب ديات النفس ح8.
2- الجواهر / 14 /309.
3- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح1.
4- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح3.

................................

السيف منه ما أخذ : فقلت له هو القتل، قال : هو ذاك»(1)، فإنّها تكون مؤيدة.

وأمّا رواية محمد بن عبد الله بن مهران، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل وقع على اخته، قال : يضرب ضربة بالسيف قلت : فإنه يخلص قال : يحبس أبداً حتى يموت»(2)، وعن عامر بن السمط عن علي بن الحسين (علیه السلام) في الرجل يقع على أخته، قال : «يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت، فإن عاش خُلّد في السجن حتى يموت»(3).

ولكن الروايتين ضعيفتان من جهة السند، والإرسال في الأولى، وأنمحمد بن مهران غالٍ كذاب، وعامر بن السمط لم يوثق، وما ذكر عن صاحب الجواهر بقوله : نعم في الرياض ظاهر أكثر النصوص المزبورة الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً، أو في الرقبة، وهي لا تستلزم القتل كما في صريح بعضها المشتمل(4)، على التخليد في الحبس مع فرض عدم إتيانها عليه .

قلت : قد يقال مع أنّه كما اعترف به شيء لم يذكره أحد ممن تقدم أو تأخر، بل عباراتهم طافحة بذكر القتل الحاصل بضرب السيف وغيره وبالضربة الواحدة وغيرها، وقد سمعت معاقد الإجماعات المحكية، وفي النبوي المنجبر بما عرفت «من وقع على ذات محرم فاقتلوه»(5)وقد سمعت أيضاً في مرسل جميل الذي رواه في الفقيه أن المنساق من قوله (علیه السلام) في خبر جميل السابق يضرب عنقه القتل، بل لعله

ص: 39


1- الوسائل باب 1من أبواب حد اللواط ح2، الوسائل باب1 من ابواب نكاح البهائم ح7.
2- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح4.
3- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح10.
4- الرياض / 15 / 475 .
5- سنن البيهقي /8 /237.

ولا يجب جلده قبل قتله(1).

______________________________________________

المراد أيضاً من الضربة في الحسن الأول ولو بقرينة ما تعرفه من النص والفتوى على القتل في الزنا بغير ذات المحرم مع الاكراه، وإن ورد في بعض نصوصها الضربة أيضاً بالسيف فليس حينئذٍ إلا ما صرح به في ما سمعت من التخليد في السجن مع فرض الخلاص ولا ريب في قصوره عن معارضة ما عرفت من الوجوه، بل هو شاذ بالنسبة إلى ذلك(1).

(1) فهل يجب الجلد قبل قتله إذا اتى بما يوجب الجلد ؟ قد يقالبوجوب الجلد كما إذا كان شخصاً محصناً الذي يجمع فيه بين الجلد والرجم وذكر صاحب السرائر بقوله : فأمّا من يجب عليه القتل على كل حال سواء أكان محصناً أم غير محصناً، حراً كان أم عبداً، مسلماً كان أم كافراً، شيخاً كان أم شاباً، فهو كل من وطئ ذات محرم له، أُماً أو بنتاً أو أُختاً أو بنتهما أو بنت أخيه، أو عمته أو خالته، فإنه يجب عليه القتل على كل حال بعد جلده حد الزاني، لأنّه لا دليل على سقوطه عنه، لقوله تعالى: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(2)ولا منافاة بين جلده وبين قتله بعد الجلد وليس إطلاق قول أصحابنا «ويجب عليه القتل على كل حال» دليلاً على رفع حد الزنا عنه(3)، وهو مقتضى الجمع بين الأدلة، ونسب إلى المشهور على أن الزاني يجلد .

وأمّا ما دل على القتل يؤيده خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «إذا زنى الرجل بذات محرم حد حد الزاني، إلا أنّه أعظم ذنبا»(4)، فإذا كان الزاني يجلد وقلنا

ص: 40


1- الجواهر /41 /311.
2- سورة النور الآية / 2.
3- السرائر /3 _ 368.
4- الوسائل باب 19من ابواب حد الزنا ح8 .

................................

أن في المقام لابد أن يقتل فقط، فلابد أن يكون حد الزاني بالرجم أعظم، إذاً أولاً لابد من الجلد قضاءً للتسوية مع الزاني، ثم القتل لأنّه لو قلنا بدون الجلد فلا تساوي بينهما مع أن الزنا بالمحارم يكون أشد ولكن الحق أن خبر أبي بصير ضعيفٌ .

وما دل على القتل إنما هو يكون في بيان تمام ما يجب عليه، ولعلالمراد بأنّه أعظم أي حرمته وعقابه، إذ لا دليل على وجوب الجلد، وهكذا الرجم لأجل أن الزنا بذات محرم رواياته مطلقة، بل عامة تشمل المورد الذي يثبت به الرجم للزاني، فإذا كان بالمحصن فلا يجب الرجم بل يكفي القتل بالسيف لعدم الدليل، وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : وأمّا الرجم والجلد في غيره فهما وإن ثبتا بالإطلاقات إلا أن نسبتهما إلى ما دل على وجوب القتل بالسيف في الزنا بذات محرم نسبة العام إلى الخاص، فإن نسبته إلى كل مما دل على وجوب الرجم في غير المحصن ووجوب الرجم في المحصن وإن كانت نسبة العموم من وجه إلى أنّه لابد في تقديم هذه الروايات لأنّها ناظرة إلى إثبات خصوصية الزنا بذات محرم، فيرفع اليد عن إطلاق ما دل على ثبوت الجلد أو الرجم(1).

وبعبارة أخرى إن الاخبار الدالة على الزاني بالمحرم بعمومها وإطلاقها تكون حاكمة وشارحة لأدلة مطلق الزنا، إذ أن الزاني بالمحرم لا يجب عليه الجلد.

ص: 41


1- المباني /1 / 231 .

ولا فرق في ذلك بين المحصن وغيره(1).

______________________________________________

(1) لإطلاقات الادلة، يقول المحقق ولا يعتبر في هذه المواضع الاحصان بل يقتل على كل حال شيخاً كان أو شاباً ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر(1)، وقال في الجواهر بلا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد، بل للإجماع بقسميه عليه(2)، ولكن هناك معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا زنى الرجل بذات محرم حُدّ، حَدّ الزاني، إلا أنّه اعظم ذنباً»(3)، أي كما يثبت للزاني في غير المحرم الجلد والرجم كذلك الزاني بذات المحرم ويظهر منها عدم خصوصية الزاني بذات المحرم، بل فقط الفرق في زيادة الأثم وعدمه فهي وإن كانت معارضة بما ورد في الرواية بأنّه يقتل بالسيف ولكن لا يمكن الأخذ بالمعتبرة لأنّها شاذة، و حملها الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)على التقية .

وأما رواية القتل فهي مشهورة فلا يمكن تركها، فالفرق بين الزنا بذات محرم وغيره موجود .

ص: 42


1- الشرائع / 4 / 154.
2- الجواهر / 41 / 309 .
3- الوسائل باب 19من أبواب حد الزنا ح8 .

والحر والعبد والمسلم والكافر والشيخ والشاب(1)، كما لا فرق في هذا الحكم بين الرجل والمرأة إذا تابعته(2).

______________________________________________

(1) للإطلاق وعموم الدليل .

(2) وهل الحكم يشمل المحرم بالرضاع وبالمصاهرة أيضاً، قد يقال بذلك كما عن المبسوط بقوله : إذا إبتاع رجل ذات محرم له، كالأخت والخالة والعمة من نسب أو رضاع أو لأم والبنت من الرضاع، فإنّه يحرم عليه وطؤها(1)، وفي الخلاف كرر نفس الحكم ولكن ذكر : مع العلم بالتحريم كان عليه الحد، وقال الشافعي في الأخت والعمة والخالة والأم من النسب والرضاع فيه قولان أحدهما عليه الحد، والثاني لا حد عليه وبه قال أبو حنيفة(2)، وفي الجامع بقوله : وكذلك من زنى بذات محرم كالأم والبنت والأخت، نسباً ورضاعاً، أو عقد عليها ووطئها وهو يعرفها قتل(3)، وفي التبصرة يقتل الزاني بأمه أو بأحد المحرمات نسباً أو رضاعاً أو بامرأة الأب .

ولعل قولهم كان لأجل ما ورد من الروايات بذات محرم ولذا أُلحق الموردين الرضاع وامرأة الأب(4).

والحق أن المنساق من المحرم إلى الذهن كما هو الوارد في النصوص أي تكون محرمة بقول مطلق في نفسها إلا إذا حصل بسبب كالمصاهرة أو الرضاع وما شابه ذلك، قال في المسالك : المتبادر من ذات المحرم النسبية،ويمكن شمولها للسببية وقد تقدم أن المحرم من يحرم نكاحه مؤبداً بنسب أو رضاعة

ص: 43


1- المبسوط /5 / 342.
2- الخلاف /5/ 375 .
3- الجامع للشرائع/ 549.
4- التبصرة / 109 .

والأظهر عموم الحكم للمحرم بالرضاع أو بالمصاهرة(1) نعم يستثنى من المحرم بالمصاهرة زوجة الأب، فإنّ من زنى بها يرجم وإن كان غير محصن(2).

______________________________________________

أو مصاهرة(1)، وهكذا ورد عن غيره، أمّا زوجة الأب فقد دل النص عليه أنّه يرجم كما عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر، عن أبيه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «أنّه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير محصن»(2)، فعمل به الأصحاب، فإذا كان عملهم منجبر لضعف الرواية فيكون حجة وإلا مشكل وقد عبر عنها الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بالمعتبرة .

(1) وذلك لإطلاق الأدلة، وقد يقال بأنّه ينصرف إلى من هو محرم بالسبب، وقد نسب ذلك إلى الكثير من الفقهاء إلا أنّه لا دليل على هذا الانصراف بل هو انصراف بدوي لأن المراد بالمحرم من حرم نكاحها، وهو مطلق يشمل المحرم بالنسب والرضاع على حد سواء، بل والمصاهرة أيضاً ولكن إن تم الإجماع وقلنا بحجيته، فنقول بالاختصاص ولا نعمل بالإطلاق وعموم الحكم .

(2) الدليل الدال على استثناء زوجة الأب من عموم المحرم بالمصاهرة فالزاني بها يرجم ما ورد في معتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيهعن أمير المؤمنين D«أنّه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه وكان غير محصن»(3).

ص: 44


1- المسالك /14 / 361.
2- الوسائل باب 19من أبواب حد الزاني ح9.
3- الوسائل باب 19 من أبواب حد الزنا ح9 .

المسألة 152 : إذا زنى الذمي بمسلمة قتل(1) .

______________________________________________

(1) بلا فرق بين أن تكون مطاوعة له أو مكرهة، وبلا فرق أيضاً بين أن يكون على شرائط الذمة أم لا، لإطلاق صحيحة حنان بن سدير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن يهودي فجر بمسلمة، قال : يقتل»(1)، بل حتى وإن كان كافراً على الإطلاق، كما في التبصرة : أو بالمسلمة إذا كان ذمياً أو بمن اكرهها عليه محصناً كان أو غير محصن، عبداً أو حراً مسلماً كان، أو كافراً(2)وقد أدعي على ذلك عدم الخلاف بالنسبة إلى مطلق الكافر، وصرحوا بالأولوية لأن الكفر ملة واحدة، وهل يقتل حتى بعد إسلامه أو لا ؟ لا يخفى أن إسلامه قد يكون بعد ثبوت الحكم عند الحاكم أو قبله .

أمّا في الصورة الأولى فيقتل للاتفاق ولإطلاق الصحيحة ولخبر جعفر بن رزق الله قال قُدّمَ إلى المتوكل نصرانيٌ فجر بامرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحد فاسلم، فقال يحيى بن أكثم قد هَدَم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم يفعل به كذا وكذا، فأمر المتوكل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (علیه السلام) وسُئل عن ذلك، فلما قُدّم الكتاب كتب أبو الحسن (علیه السلام) : يضرب حتى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا : يا أمير المؤمنين سَله عن هذا فإنّه شيء لم ينطق به كتاب، ولم تجيء به السنة فكتب : إن فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا لم تجيء به سنة ولم ينطق به كتاب، فبين لنا بما أوجبت عليه الضرب حتى يموت ؟فكتب (علیه السلام) : Pفَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي

ص: 45


1- الوسائل / باب 36من أبواب حد الزنا ح1.
2- التبصرة / 109.

................................

عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَO(1)، قال فأمر به المتوكل فضرب حتى مات(2)وبعد هذا الاتفاق لا يمكن التمسك بحديث الجب، بل يكون الدليل مخصص له .

وأمّا إذا كانت التوبة قبل ثبوت الحكم عليه فيمكن إن يقال بسقوط الحد لحديث الجب، وعليه جماعة ورواية جعفر أن عدم السقوط كان لعدم فائدة التوبة بعد رؤية البأس والحكم بالقتل، ولكن الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) قال : أقول مقتضى إطلاق الصحيحة عدم السقوط وإن زنا اليهودي بالمسلمة موجب للقتل وإن اسلم بعد ذلك، وأمّا رواية جعفر بن رزق الله فليس فيها دلالة على السقوط إذا كان إسلامه قبل الحكم عليه، وإنما هو مجرد اشعار فلا حجية فيه على أن الرواية ضعيفة سنداً، فان جعفر بن رزق الله لم تثبت وثاقته ولم يرد فيه مدح .

وأمّا حديث الجب فهو لم يثبت من طرقنا فلا يمكن الاستدلال به، وإنما الثابت سقوطه بالإسلام هو ما دلت عليه الرواية المعتبرة أو ما قامت عليه السيرة القطعية، ومن المعلوم أن محل الكلام ليس كذلك بل المشهور بين الفقهاء عدم السقوط على ما هو مقتضى اطلاق كلماتهم(3)ولكن الروايةمشهورة بين العامة والخاصة ولذا يحصل للإنسان الاطمئنان بصدورها .

وأمّا من جهة الدلالة يقول الاستاذ المحقق (قدس سرُّه) فما هو الظاهر المتفاهم العرفي من هذه الجملة هو أن ما صدر عن الكافر في حال كفره من قول أو فعل، بل ما كان له من اعتقاد يترتب على ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ضرر أو عقوبة عليه بحيث يكون ذلك الضرر من آثار ما ذكر في الإسلام لا في حال الكفر، فالإسلام يقطع بقاء ذلك الفعل أو القول أو الاعتقاد ويجعله كالعدم وبلا

ص: 46


1- سورة غافر الآية / 84 __ 85 .
2- الوسائل باب 36من أبواب حد الزنا ح2.
3- المباني / 1 / 235 .

المسألة 153 : إذا أكره شخص امرأة على الزنا فزنى بها قتل، من دون فرق في ذلك بين المحصن و غيره(1) .

______________________________________________

أثر إلى أن يقول وحاصل الكلام أن الأفعال أو الأقوال التي تصدر من الكافر في حال كفره إن كانت تترتب على ذلك الفعل أو القول الصادر عنه حال كفره أثراً في الإسلام يكون ضرراً عليه بمعنى أن ذلك الفعل أو ذلك القول لو كان يصدر عنه في حال الإسلام لكان يعاقب كما أنّه لو زنا وشرب الخمر أو قتل مسلماً، وكذا في غير ما ذكر من الأفعال المحرمة شرعاً التي على من يرتكبها عقاب من تعزير أو حد أو قصاص أو دية، فالإسلام يقطع ما قبله ويجعله كالعدم بمعنى رفع آثاره(1).

اذاً حينما أسلم وتاب قبل أن يصل إلى الحاكم حتى يكون إسلامه عن خوف الحد فإنّه لا حد عليه والإسلام يجب ما قبله، ولأن الحديث يكون من باب الامتنان لكي يرغب إلى الإسلام فمقتضى الحديث عدم إقامة الحد .(1) وقد ادعوا عليه الإجماع، ولكن العمدة في ذلك الروايات، منها صحيحة بريد العجلي قال : «سُئل أبو جعفر (علیه السلام) عن رجل اغتصب امرأة فرجها ؟ قال : يقتل محصناً كان أو غير محصن»(2)، وصحيحة زرارة عن احدهما (علیهما السلام) : «في رجل غصب امرأة نفسها قال : يقتل»(3).

نعم هناك روايتان ربما يتوهم منهما الخلاف كرواية زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل غصب امرأة فرجها، قال يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت»(4)ويمكن دفع هذا التوهم بأمرين :

ص: 47


1- القواعد الفقهية / 1 / 49 _ 50.
2- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح4.
4- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح3.

المسألة 154 : الزاني إذا كان شيخاً وكان محصناً يجلد ثم يرجم وكذلك الشيخة، إذا كانت محصنة، وأمّا إذا لم يكونا محصنين ففيه الجلد فحسب(1).

______________________________________________

الأول : الرواية ضعيفة من جهة السند، فان في سندها علي بن حديد وهو ضعيف .

الثاني : حملها على أن المراد منها القتل كما تقدم نظير ذلك في روايات الزنا بذات المحرم .

وأمّا معتبرة أبي بصير الآتية فهي غير قابلة لمعارضة الروايات المتقدمة فلا مناص من طرحها، مضافاً إلى أنّها غير ظاهرة في تحقق الزنا(1)، ومعتبرةأبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش»(2).

يقول صاحب الجواهر : إني لم أجد عاملاً بهما فوجب طرحهما في مقابل ما عرفت أو حملهما على مالا ينافي ذلك(3).

(1) يقول في التبصرة : فإن كان محصناً وهو الذي له فرج مملوك بالعقد الدائم، أو الملك يغدو إليه ويروح، ويكون عاقلاً، جُلد مائة جلدة ثم يرجم إن زنى ببالغة عاقلة، وإن كان زنى بصغيرة أو مجنونة جلد خاصة، وكذا المرأة المحصنة ترجم بعد الحد، واحصانها كإحصان الرجل(4).

ص: 48


1- المباني / 1/ 236 .
2- الوسائل باب 17من أبواب حد الزنا ح6.
3- الجواهر /41 / 316.
4- التبصرة / 109.

................................

إذاً بالنسبة إلى المحصن أو المحصنة إذا وقع منهما الزنى أي زنى ببالغة عاقلة أو زنت ببالغ عاقل ثبت عليها الرجم، والمسألة غير خلافية وأدّعي الإجماع عليها، وقد عرفت حال هذه الإجماعات، فالعمدة هي الروايات والتي منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «في الشيخ والشيخة جلد مائة، والرجم، والبكر والبكرة جلد مائة، ونفي سنة»(1).

فإنّها وإن لم تشر إلى التقييد بالإحصان وهي مطلقة من هذه الجهة ولكن يمكن تقييدها بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة،وقضى للمحصن الرجم، وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة، ونفي سنة في غير مصرهما، وهما اللذان قد أُملكا ولم يدخل بها»(2)نعم هناك صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «الرجم في القران قول الله عز وجل : «إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قضيا الشهوة»(3)وصحيحة سليمان بن خالد، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في القرآن رجم ؟ قال نعم، قلت، كيف ؟ قال، الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنّهما قضيا الشهوة(4)، فإنّهما وإن دلتا بأن الشيخ والشيخة يرجمان ولو لم يكونا محصنين لأنّه جعل علة وجوب الرجم قضيان الشهوة، لكن لابد من الحمل على التقية، ولا يمكن العمل بهما لأنّه لا قائل بهما بعدما فرض بأن الرجم يكون مختصاً بالمحصن، إذاً يكون حكمهما هو الجلد إذا لم يكونا محصنين .

ص: 49


1- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح9.
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح2.
3- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح4.
4- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح18.

وإذا كان الزاني شاباً أو شابة فإنه يرجم إذا كان محصناً(1) .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد أدّعى عليه الإجماع ولصحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال : «الرجم حد الله الأكبر، والجلد حد الله الأصغر فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد»(1)، وكذا في موثقة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «الحر والحرة إذا زنيا جلد كل واحدمنهما مائة جلدة، فأما المحصن والمحصنة فعليهما بالرجم»(2)، فالرجم يكون مُسَلمّاً في المحصن من غير الشيخ والشيخة إنما الكلام بإنه هل يجلدان أولاً ثم يرجمان أو لا ؟

فالمسألة خلافية وفيها أقوال :

القول الأول : الاقتصار على القتل فقط، وهذا مذهب المحقق في الشرائع قال : فيجب على من زنى بذات محرم كالأم والبنت وشبههما والذمي إذا زنى بمسلمة وكذا من زنى بامرأة مكرهاً لها، ولا يعتبر في هذه المواضع الإحصان بل يقتل على كل حال شيخاً كان أو شاباً ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر(3).

القول الثاني : التفصيل إن كان محصناً جلد، ثم رجم وإن لم يكن محصناً جلد ثم قتل، وهو ما ذهب إليه ابن إدريس في السرائر قال : إذا ملك رجل ذات محرم من نسب أو رضاع فوطئها مع العلم بتحريم الوطء عليه لزمه القتل على كل حال عندنا بعد حد الزنا، وقال بعض أصحابنا عليه القتل واطلق الكلام ولم يذكر الحد ولا دليل على سقوطه لقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ» وهذا زانٍ بغير خلاف(4).

ص: 50


1- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح3.
3- الشرائع / 4 / 154.
4- سورة النور الآية / 2 ، السرائر /3/ 464 .

................................

القول الثالث : التفصيل بخلاف القول الثاني الجلد والقتل في المحصن وغير المحصن وهذا رأي الشهيدين(1)، ويجمع للزاني في هذه الصور«زنىالرجل بذات محرم وزنى الذمي بالمرأة المسلمة، وزنى الرجل بالمرأة مكرهاً لها» بين الجلد ثم القتل على الأقوى جمعاً بين الأدلة .

القول الرابع : التردد .

ومصدر الخلاف اختلاف الروايات، أمّا روايات الجلد فقد مضت وروايات الرجم كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في المحصن والمحصنة جلد مائة، ثم الرجم(2)، وصحيح الفضيل، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : من أقرَّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حراً كان أو عبداً، أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه إلى أن قال إلا الزاني المحصن، فإنّه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحد مائة جلدة، ثم يرجمه»(3)، وخبري زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «المحصن يرجم، والذي قد املك ولم يدخل بها فجلد مائة ونفي سنة»(4)وخبره الآخر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال «الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة، ولا ينفى، والذي قد املك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى»(5). والحق أنه يجب الرجم فيهما دون الجلد لما قلنا بأن المسألة غير خلافية ولما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من الجمع بقوله : أقول الصحيح أنّه لا جلد وإنما يجب الرجم

ص: 51


1- المسالك / 14 / 361 ، غاية المراد معه حاشية الارشاد / 4/ 197 .
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح8 .
3- الوسائل باب 32من أبواب مقدمات الحدود ح1.
4- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح6.
5- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح7.

و يجلد إذا لم يكن محصناً(1).

______________________________________________

فقط، فأن ما ورد من الروايات في الجمع بين الجلد والرجم مطلق ولم يذكر في شيء منها الشاب والشابة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في المحصن والمحصنة جلد مائة، ثم يرجم»(1)ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في المحصن والمحصنة جلد مائة ثم الرجم»(2). وعليه فلابد من رفع اليد عن اطلاقهما بصحيحة عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «الرجم حد الله الأكبر والجلد حد الله الأصغر، فإذا زنا الرجل المحصن رجم ولم يجلد»(3)، وهذه الصحيحة لابد من تقييدها بغير الشيخ والشيخة لما مرّ من الجمع بين الجلد والرجم فيهما فتحمل هذه الصحيحة على الشاب والشابة فتكون اخص من الصحيحتين المتقدمين فتحمل الصحيحتان على الشيخ والشيخة(4).

(1) لدلالة الآية الشريفة : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(5)، والمسألة غير خلافية والآية، وإن كانت مطلقة ولكن تقيد بغير المحصن، ولصحيحة صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله (علیه السلام) إلى أن يقول «ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة»(6)، وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة، ولا ينفى والذي قد أُملك ولم يدخل بها يجلد مائة، وينفى»(7)وغيرها من الروايات .

ص: 52


1- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح8.
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح14.
3- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح1.
4- المباني / 1 / 239240.
5- سورة النور الآية / 2 ، السرائر /3/ 464 .
6- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح12.
7- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح7.

المسألة 155 : هل يختصّ الحكم فيما ثبت فيه الرجم بما إذا كانت المزني بها عاقلة بالغة، فلو زنى البالغ المحصن بصبية أو مجنونة فلا رجم؟ فيه خلاف ذهب جماعة إلى الاختصاص منهم المحقق في الشرائع ولكنّ الظاهر عموم الحكم(1).

______________________________________________

(1) يقول المحقق : لو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو المجنونة فعليه الجلد لا الرجم(1)، يقول صاحب الجواهر : عند الشيخ في المحكي عن نهايته(2)ويحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه(3)، بل في الروضة(4)، دعوى الشهرة على عدم الرجم في الثاني، وإن كنا لم نتحققها للأصل ونقص حرمتهما بالنسبة إلى الكاملة، ولذا لا يحد قاذفهما، ولنقص اللذة في الصغيرة وفحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبي كما تسمع(5)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وذلك للإطلاقات الدالة على ثبوت الرجم مع الإحصان وعدم وجود ما يصلح للتقييد إلا ما قيل من نقص حرمة المجنونة والصبية بالإضافة إلى العاقلة البالغة ومن نقص اللذة في الزنى بالصغيرة ومن قياس ذلك بها إذا زنت البالغة العاقلة بالصبي .

ولكن من الظاهر أن شيئاً من ذلك غير قابل لأن ترفع به اليد عن إطلاقات الادلة(6)، ويدل عليه موثق ابن بكير خصوصاً بالنسبة إلى من زنىبغير البالغ عن أبي مريم قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ

ص: 53


1- شرائع الإسلام /4 باب الرجم .
2- النهاية / 289 .
3- الجامع للشرائع / 552 .
4- الروضة الفقهية / 9/ 254 .
5- الجواهر / 41/ 320.
6- المباني /1 / 241 __ 320.

المسألة 156 :إذا زنت المرأة المحصنة وكان الزاني بها بالغاً رجمت(1) وأمّا إذا كان الزاني صبياً غير بالغ فلا ترجم وعليها الحد كاملاً ويجلد الغلام دون الحد(2) .

المسألة 157 : قد عرفت أن الزاني إذا لم يكن محصناً يضرب مائة جلدة ولكن مع ذلك يجب جز شعر رأسه أو حلقه، ويغرب عن بلده سنة كاملة(3) .

______________________________________________

الحلم وقع على امرأة أو فجر بامرأة، أي شيء يصنع بهما ؟ قال : «يضرب الغلام دون الحد، ويقام على المرأة الحد قلت : جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها ؟ قال : تضرب الجارية دون الحد ويقام على الرجل الحد»(1).

(1) كما مرّت الاشارة إليها .

(2) وأمّا إذا كان الزاني صبيٌ غير بالغ فهل ترجم لأنّها محصنة أو لا ؟ الظاهر العدم، يقول في الجواهر : لا يخلو من قوة وفاقاً لجماعة لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة قال يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحد كاملاً قيل فان كانت محصنة ؟ قال لا ترجم لأن الذي نكحها ليس بمدرك ولو كان مدركاًرجمت»(2)اذاً لو كان الزاني صبياً فلا ترجم وإن كانت محصنة .

(3) يقول المحقق : أمّا الجلد والتغريب فيجبان على الذكر الحر غير المحصن ويجلد مائة ويجز رأسه، ويغرب عن مصره عاماً، مملكاً كان أو غير مملك(3)،

ص: 54


1- الوسائل باب 9 من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 9 من أبواب حد الزنا ح2 ، وانظر الجواهر /41 / 321.
3- الشرائع / 4 / 155 .

................................

وهنا قولان :

الأول : أن الحكم مطلق كما يقول المحقق(1)، ونسبه صاحب الجواهر إلى العماني والإسكافي والحلبي وصريح المحكي عن المبسوط والخلاف والسرائر وغيرهم(2).

الثاني : أنّه يخص التغريب بمن أُملك ولم يدخل وهو ظاهر الصدوق والمفيد وسلار وابن حمزة والتحرير الفاضل وغيرهم(3). وأمّا جز الشعر فقد دل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه ؟ قال : (علیه السلام) يجلد الحد، ويحلق رأسه، ويفرق بينه وبين أهله، وينفى سنة»(4).

وصحيحة حنان قال : «سأل رجل أبا عبد الله (علیه السلام) وأنا اسمع عن البكر يفجر وقد تزوج ففجر قبل أن يدخل بأهله ؟ فقال : يضرب مائة،ويجز شعره وينفى من المصر حولا، ويفرق بينه وبين أهله»(5).

والظاهر أن المراد من الجز هو الحلق وظهور الحلق هو حلق تمام الرأس إذاً لا يفيد الجز من غير الرأس ولا جز مقدار كجز الناصية فقط، كما نسب إلى المقنعة والمراسم والوسيلة، وكذا لا يجوز حلق اللحية والحاجب لعدم الدليل بل للأصل وظهور الاتفاق .

ص: 55


1- نفس المصدر .
2- الجواهر /41/ 323 .
3- نفس المصدر .
4- الوسائل باب 7من أبواب حد الزنا ح8 .
5- الوسائل باب 7من أبواب حد الزنا ح7.

وهل يختص هذا الحكم وهو جز شعر الرأس أو الحلق أو التغريب بمن أملك ولم يدخل بها أو يعمه وغيره ؟ فيه قولان، الأظهر هو الاختصاص، وأمّا المرأة فلا جز عليها بلا إشكال، وأمّا التغريب ففي ثبوته إشكال، والأقرب الثبوت(1) .

______________________________________________

(1) أمّا وجوب التغريب فلصحيحة حنان وكذا صحيحة علي بن جعفر(1)، وقد عرفت بأن التغريب مختص فيهما بما إذا أملك ولم يدخل بها إذاً الحكم بالإطلاق سواء أملك أو لا، يحتاج إلى دليل بل ورد الدليل على العدم وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة ولا ينفى والذي قد أُملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى»(2)وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «... فيالبكر والبكرة إذا زنيا جلدا مائة ونفياً سنة في غير مصرهما وهما اللذان قد املكا ولم يدخل بهما»(3)يقول العلامة : ولا جز على المرأة ولا تغريب، بل تجلد مائة لا غير والمملوك لا جز عليه ولا تغريب أيضاً، بل يجلد خمسين(4).

أقول : أمّا عدم الجز لعدم الدليل، بل الدليل ورد في الرجل الحر وأمّا التغريب فقد استدلوا على عدم الوجوب :

ص: 56


1- قد مر تخريجهما .
2- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح7.
3- الوسائل باب 1من أبواب حد الزنا ح2.
4- التحرير / 5 / 318.

................................

أولاً : بالشهرة العظيمة(1)وحكى الإجماع عليه(2).

وثانياً : ما ورد في كلماتهم بأن المرأة عورة ولابد من حفظها، والنفي يكون سبباً لعدم صيانتها لأنّه لا يؤمن عليها(3).

ولكن الحق هو الثبوت للروايات التي تقدم ذكرها ومنها صحيحة محمد بن قيس، وصحيحة الحلبي المتقدمة .

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وتدل على ذلك أيضاً الروايات المتقدمة الواردة في نفي الرجم والتغريب عن المرأة المجنونة والمستكرهة معللة بأنّها لا تملك أمرها، فإنّها تدل بوضوح على أنّها لو كانت مالكة لأمرها لكان عليها الرجم والنفي، وعلى هذا فإن كان الإجماع موجود في المقام فهو ولكنه لا إجماع، وعليه فلا موجب لرفع اليد عما دلت عليه الروايات الصحيحة(4).

وهذا مدفوع ولذلك :

أولاً : الإجماع ليس بحجة .

وثانياً : لو فرض وجود الإجماع فلا يعارض الأدلة الصحيحة، إذاً لابد من النفي كما قال (قدس سرُّه) في المتن الأقرب الثبوت .

ص: 57


1- المسالك / 14 / 396 .
2- الخلاف / 5/ 368 / المبسوط / 8/ 2 .
3- الرياض / 15 / 488 ، المسالك / 14 / 370 .
4- المباني / 1 / 245.

المسألة 158 : يعتبر في إحصان الرجل أمران(1) .

الأول : الحرية، فلا رجم على العبد(2) .

______________________________________________

(1) ثبوت الإحصان يتم بأمور : وهي كونه بالغاً عاقلاً وله فرج مملوك يغدوا عليه ويروح، ويكون متمكناً من الوطء متى أراد بلا خلاف، ولابد أن تكون الزوجة دائمة فلا يكفي وجود المتعة، أمّا الدوام فلأجل أن المسألة اتفاقية، ولموثقة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن الرجل إذا زنى وعنده السرية والأمة يطؤها تحصنه الأمة تكون عنده، فقال : إنما ذلك لأن عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها فقال : لا يُصَدّق، قلت : فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه ؟ فقال : لا إنما هو على الشيء الدائم عنده»(1)، ويؤيده رواية هشام بن حفص البختري عمن ذكره، عن أبي عبد الله (علیه السلام) : في الرجل يتزوج المتعة أتحصنه ؟ قال : «لا إنما ذاك على الشيء الدائم عنده»(2).

(2) أمّا اشتراط الحرية فقد وقع الاتفاق عليه، يقول المحقق : المملوك يجلد خمسين، محصناً كان أو غير محصن، ذكراً كان أو أنثى(3)، وصريح عبارة صاحب الجواهر : شيخاً كان أو شاباً بكراً أو غير بكر، بلا خلاف أجده فيه بل الظاهر الإجماع عليه(4)، والعمدة في ذلك الروايات، كصحيحة أبي بصير المرادي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «في العبد يتزوج الحرة ثم يعتقفيصيب فاحشة قال، فقال : لا رجم عليه حتى يواقع الحرة بعدما يعتق...»(5).

ص: 58


1- الوسائل باب 2من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب 2من أبواب حد الزنا ح3.
3- الشرائع /4 / 155 .
4- الجواهر/41/ 329 .
5- الوسائل باب 7من أبواب حد الزنا ح5.

الثاني : أن تكون له زوجة دائمة قد دخل بها أو امة كذلك وهو متمكن من وطئها متى شاء وأراد(1).

______________________________________________

ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في العبيد إذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة، وإن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانياً، ولا يرجم ولا ينفى»(1).

وكذا يصدق الإحصان إذا كانت تحته مملوكة لمعتبرة إسحاق بن عمار _ آنفه الذكر _ قال «سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن الرجل إذا زنى وعنده السرية والأمة يطؤها تحصنه الأمة تكون عنده، فقال : إنما ذلك لأن عنده ما يغنيه عن الزنا، قلت فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لا يطؤها، فقال : لا يُصَدّق، قلت : فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه ؟ فقال : لا إنما هو على الشيء الدائم عنده» ولا يخفى أن صدر الرواية يشمل المتعة بقوله «لان عنده، ما يغنيه عن الزنا» ولكن الذيل صريح بأنه على الدائم ولكن المسألة كما ذكرنا اتفاقية .

وصحيحة عمرو بن يزيد الصريحة بعدم رجم صاحب المتعة وهي عن عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث قال : «لا يرجم الغائب عن اهله، ولا المملّك الذي لم يبن بأهله، ولا صاحب المتعة»(2).(1) وقد دلت عليه صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة، وصحيحة علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) قال : «سألته عن الحر تحته المملوكة، هل عليه الرجم إذا زنى، قال نعم»(3)، وغيرها من الروايات .

وبعد ما ذكرنا من أن الإحصان لا يثبت إلا مع توفر الشرائط وهي: كونه

ص: 59


1- الوسائل باب 31من أبواب حد الزنا ح5.
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح3.
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح11.

فلو كانت زوجته غائبة عنه بحيث لا يتمكن من الاستمتاع بها(1) أو كان محبوساً فلا يتمكن من الخروج إليها لم يترتب حكم الإحصان(2).

______________________________________________

عاقلاً، وبالغاً، وله فرج مملوك بالعقد الدائم متمكناً من الوطء متى أراد بلا خلاف، فلو كانت زوجته غائبة عنه أو هو غائب عنها فلا يتمكن من الاستمتاع، وهكذا لو كان محبوساً ولا يتمكن من الخروج إليها، فلا يترتب عليهما حكم الإحصان، وقد دل على هذا الحكم روايات كثيرة .

منها : عن إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : قلت : ما المحصن رحمك الله ؟ قال «من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن»(1).

ومنها : صحيحة حريز قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المحصن قال فقال : «الذي يزني وعنده ما يغنيه»(2).(1) للروايات منها صحيحة محمد بن مسلم، قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم، إلا أن يكون الرجل مع المرأة، والمرأة مع الرجل»(3).

(2) أمّا عدم الرجم بالنسبة إلى المحبوس فقد وردت به روايات.

منها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة إن يُدرء عنه الرجم ويضرب حد الزاني، قال، وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة حرة في بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزنى في السجن قال : عليه الحد ويدرأ عنه الرجم»(4).

ص: 60


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد الزنا ح. 1.
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح1.
4- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح2.

المسألة 159 : يعتبر في إحصان المرأة، الحرية، وأن يكون لها زوج دائم قد دخل بها، فلو زنت والحال هذه وكان الزاني بالغاً رجمت(3).

______________________________________________

ومنها : صحيحة عمرو بن يزيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : لا يرجم الغائب عن أهله ولا المملك الذي لم يَبْنِ بأهله ولا صاحب المتعة»(1).

(3) يشترط في رجم المرأة أمور :

الأول : الحرية فلا يجري الحد على المملوكة .

الثاني : أن تكون معقودة بالعقد الدائم ولو كانت متعة فلا يجري كذلك.

الثالث : أن تكون بالغة، فلو كانت صبية غير بالغة فلا يجري عليها الحد، فإحصان المرأة كإحصان الرجل من جهة الشروط، وقد أدّعى البعض الإجماع عليه(2)، والعمدة الروايات .

أمّا بالنسبة إلى شرط الحرية في جريان الحد فلصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتبة زنت إلى أن قال وأبَى أن يرجمها، وأن ينفيها قبل أن يبين عتقها»(3)، وتؤيد ذلك رواية بريد العجلي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الأمة تزني قال : «تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج»(4).

وأمّا شرط وجود الرجل كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم، إلا أن يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل»(5)، وصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال :

ص: 61


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح3.
2- التنقيح الرائع / 4/ 330 ، المهذب البارع / 5/ 16 ، التحرير / 2/ 220 .
3- الوسائل باب 33 من أبواب حد الزنا ح3.
4- الوسائل باب 31 من أبواب حد الزنا ح2.
5- الوسائل باب 3 من أبواب حد الزنا ح1.

................................

سألته عن امرأة تزوجت رجلاً ولها زوج ؟ قال : فقال «إن كان زوجها الأول مقيماً معها في المصر التي هي فيه تصل إليه ويصل إليها، فأنّ عليها ما على الزاني المحصن الرجم، وإن كان زوجها الأول غائباً عنها أو كان مقيماً معها فيالمصر لا يصل إليها ولا تصل إليه، فأنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة»(1).

أمّا إذا كان محبوساً ولم يتمكن من الخروج أيضاً فلا يصدق عليه الإحصان كما مرّ ذكره، وذلك لأن المدار هو التمكن، فمَنْ لم يتمكن فهو غير محصن ولا خصوصية للسفر والغياب، كما ورد في صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: قلت له ... ما المحصن رحمك الله قال : «من كان له فرج يغدوا ويروح فهو محصن»(2)وعلى هذا موضوع السفر أو الحبس وغيرهما الذي يكون مانعاً حقيقياً عن الاستمتاع سواء أكان سفره بحد المسافة أم لا فهو غير محصن، وكل من كان بعكس ذلك أي أنّه متمكن من الاستمتاع مسافراً كان أو غير مسافرٍ فهو محصن، نعم في صحيحة عمر بن يزيد، قال قلت : لأبي عبد الله (علیه السلام) اخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة وهو غائب عنها ؟ قال: «لا يرجم الغائب عن أهله إلى أن قال : ففي أي حد سفره لا يكون محصناً ؟ قال : إذا قصر وأفطر فليس بمحصن»(3)ولكن بعد ما ذكرنا من أن العمدة في صدق الإحصان إنما هو التمكن من الاستمتاع وليس للسفر أي دخل، فلابد من طرح هذه الرواية بعد أن كانت مخالفة لتلك الروايات الصحيحة وللاتفاق .

ص: 62


1- الوسائل باب 27 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل أبواب حد الزنا باب 2 ح1 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 160 : المطلقة رجعية زوجة مادامت في العدة، فلو زنت والحال هذه عالمة بالحكم والموضوع رجمت وكذلك زوجها، ولا رجم إذا كان الطلاق بائناً، أو كانت العدة عدة وفاة(1).

______________________________________________

(1) لأنّها زوجة كما ورد في صريح الروايات بأن المطلقة الرجعية زوجة إذاً، يرد عليها حكم الرجم لكن يشترط أن تكون عالمة بالحال من التحريم في العدة، فلو أدّعت الجهل بالحكم أو الموضوع قبل منها لأنّه شبهة والحدود تدرء بالشبهات، وكذا بالنسبة إلى الزوج، فلو علم أحدهما وجهل الآخر يرجم العالم دون الجاهل، مضافاً إلى إطلاق الروايات كما في صحيحة يزيد الكناسي قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة تزوجت في عدتها فقال : «إن كانت تزوجت في عدة الطلاق لزوجها عليها الرجعة فأنّ عليها الرجم وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة فأنّ عليها حد الزاني غير المحصن، وإن كانت تزوجت في عدة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة اشهر والعشرة إيام فلا رجم عليها، وعليها ضرب مائة جلدة»(1).

وأمّا ما ورد في موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (علیه السلام) عن رجل كانت له امرأة فطلقها أو ماتت، فزنى قال : «عليه الرجم، وعن امرأة كان لها زوج فطلقها أو مات ثم زنت عليها الرجم ؟ قال : نعم»(2)، فتحمل على الطلاق الرجعي، وكذا رواية علي بن جعفر عن أخيه (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل طلق أو بانت امرأته ثم زنى، ما عليه ؟ قال : الرجم» وروايتهالأخرى قال : «سألته عن امرأة طُلّقت فزنت بعد ما طلقت هل عليها الرجم ؟ قال : نعم»(3)، مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً ومخالفة لما اتفق عليه من عدم الرجم في البائن .

ص: 63


1- الوسائل باب 27من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل باب 27 من أبواب حد الزنا ح8.
3- الوسائل باب 6 من أبواب حد الزنا ح1، 2 .

المسألة 161 : لو طلق شخص زوجته خلعاً، فرجعت الزوجة بالبذل ورجع الزوج بها، ثم زنى قبل ان يطأ زوجته، لم يرجم وكذلك زوجته وكذا المملوك لو اعتق والمكاتب لو تحرر، فلو زنيا قبل أن يطأ زوجتيهما لم يرجما(1).

المسألة 162 : إذا زنى المملوك جلد خمسين جلدة، سواء أكان محصناً أم غير محصن، شاباً أو شيخاً، وكذلك الحال في المملوكة(2).

______________________________________________

(1) أمّا المخالع فلو رجع الزوج لم يرجم حتى يطأها لأنّها بحكم الزوجة الجديدة ويعتبر الوطء في صدق الإحصان، وهكذا بالنسبة إلى الزوجة، فإنّها لا ترجم قبل الوطء بها لأن الرجوع في حكم الزوج الجديد وهكذا بالنسبة إلى المملوك لأنّه يشترط الحرية، كما مرّ في إحصانه، فلو أعتق، أو تحرر المكاتب أيضاً لا يرجمان إذا زنيا قبل أن يطاءا زوجيهما .

(2) والمسألة اتفاقية لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال سألته عن الحر تحصنه المملوكة؟ قال: «لا تحصن الحر المملوكةولا يحصن المملوك الحرة»(1).

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث، قيل له: فان زنى وهو مكاتب ولم يؤد شيئاً من مكاتبته ؟ قال : «هو حق الله يطرح عنه من الحد خمسين جلدة ويضرب خمسين»(2).

ومنها: رواية حسن بن السرى عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إذا زنى العبد والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم، وإنما عليهما الضرب خمسين، نصف الحد»(3).

ص: 64


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 31 من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 31 من أبواب حد الزنا ح3.

ولا تغريب عليهما ولا جز(1)، نعم المكاتب إذا تحرر منه شيء جلد بقدر ما أعتق ويقدّر ما بقي، فلو أعتق نصفه جلد خمساً وسبعين جلدة وإن أعتق ثلاثة أرباعه جلد سبعاً وثمانين جلدة ونصف جلدة ولو أعتق ربعه جلد اثنتين وستين جلدة ونصف جلدة، وكذلك الحال في المكاتبة إذا تحرر منها شيء(2) .

______________________________________________

ففي هذه الرواية وقع في سندها حسن بن السري العبدي الانباري أو الكاتب لم يوثق، وهو مشترك وقيل هو متحد، بينه وبين حسن بن السرى الكاتب، كذلك في وثاقته محل كلام، ولذا قال الماماقاني : على الأظهر ولم يعلم بأن حسن بن السرى أيُّ منهما الانباري أو الكاتب، فلابد من إثبات أنهما واحد، وهو صريح مع اتحاده مع سابقه لجمعه بين اللقبين والاتحاد اسماً واباً وروايةعنهما وهو ابن محبوب، والاتحاد صريح الخلاصة ورجال ابن داود ثم إثبات وثاقة الكاتب محل تأمل(1).

(1) أمّا التغريب فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتبة زنت قال: ينظر ما أدّت من مكاتبتها فيكون فيها حد الحرة، وما لم تقضِ فيكون فيه حد الأمة»(2)، وأمّا بالنسبة إلى الأمة يكفي الاتفاق، مضافاً إلى أن نفيها يكون ضرراً على المولى .

(2) إذا أدّى المكاتب مما كاتب عليه قبال حريته تحرر منه بمقداره مثلاً فلو اعتق ثلاثة أرباعه جلد سبعة وثمانين جلدة ونصف كما في صحيحة محمد ابن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتبة زنت، قال ينظر ما أدّت من مكاتبتها فيكون فيها حد الحرة، وما لم تقض فيكون فيه حد الأمة،

ص: 65


1- تنقيح المقال الطبعة القديمة /1/ 281 _ 282 .
2- الوسائل باب 33 من أبواب حد الزنا ح3.

المسألة 163 : لا تُجلّد المستحاضة ما لم ينقطع عنها الدم، فإذا انقطع جلدت(1).

المسألة 164 : لا يجلد المريض الذي يخاف عليه الموت حتى يبرأ(2).

______________________________________________

وقال في مكاتبة زنت وقد أعتق منها ثلاثة أرباع وبقي الربع جلدت ثلاثة أرباعالحد حساب الحرة على مائة فذلك خمس وسبعون جلدة وربعها حساب خمسين من الأمة اثنا عشر سوطاً ونصف وذلك سبعة وثمانون جلدة ونصف، وأبى أن يرجمها وأن ينفيها قبل أن يبين عتقها»(1).

(1) المسألة ليست خلافية، وتدل عليها معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لا يقام الحد على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها»(2)وموثقة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أُتيّ أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل أصاب حداً وبه قروح، فقال أمير المؤمنين، أقروه حتى تبرأ، لا تنكؤها عليه فتقتلوه»(3)، وعن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) أن أمير المؤمنين (علیه السلام) أُتي برجل أصاب حداً وبه قروح ومرض واشباه ذلك، فقال : أمير المؤمنين أخروه حتى تبرأ، لا تنكأ قروحه عليه فيموت، ولكن إذا برأ حددناه»(4)، ولكن في طريق الرواية محمد بن حسن بن شمون وهو ضعيف .

(2) قد أدّعي الإجماع هنا، ولكن قد عرفت حال هذه الاجماعات، والعمدة معتبرة السكوني إلى أن قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : «أقروه حتى يبرأ لا تنكؤ عليه

ص: 66


1- الوسائل باب 33 من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
3- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح4.
4- الوسائل باب 13من أبواب مقدمات الحدود ح6.

ومع اليأس من البرء يضرب بالضغث المشتمل على العدد مرة واحدة(1)، ولا يعتبر وصول كل شمراخ إلى جسده(2).

______________________________________________

فتقتلوه»(1)، وهذا التأخير إنما هو في ما إذا خيف عليه الموت كما في الرواية، فلو لم يخف عليه فلا يجوز التأخير .

(1) وهناك روايات أخرى دلت على أن المريض يضرب بالضغث المشتمل على العدد، كمعتبرة سماعة عن أبي عبد الله عن ابائه D عن النبي k : «انه أُتى برجل كبير البطن قد أصاب محرماً، فدعا رسول الله بعرجون فيه مائة شمراخ، فضربه مرة واحدة، فكان الحد»(2)وصحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أُتى رسول الله k برجل دميم قصير قد سقى بطنه، وقد درت عروق بطنه، قد فجر بالمرأة، فقالت المرأة، ما علمت به إلا وقد دخل عليَّ، فقال له رسول الله k أزنيت ؟ فقال له : نعم _ ولم يكن احصن _ فصعد رسول الله بصره و خفضه، ثم دعا بعذقٍ فقدّه مائة، ثم ضربه بشماريخه»(3). إذا كان ذلك في نظر الحاكم، وقد حمله الأصحاب لما فيه مصلحة للضرب، ولكن يمكن أن نحمله على ما إذا كان ميؤوساً من البرء لصحيحة أبي العباس .

(2) لتعذر وصول الجميع للقاعدة وللإطلاق لا يخفى إنما يتأخر بالنسبة إلى الجلد فإنّهما أي المستحاضة والمريض يرجمان لإطلاق الأدلة ولأجل ما ورد من عدم جواز تعطيل الحدود(4)وتأخيرها وأنّه ليس في النظر ساعة .

ص: 67


1- الوسائل باب 13 من أبواب مقدمات الحدود ح4.
2- الوسائل باب 13من أبواب مقدمات الحدود ح7.
3- الوسائل باب 13من أبواب مقدمات الحدود ح5.
4- الوسائل أبواب مقدمات الحدود الباب 1ح6 .

المسألة 165 : لو زنى شخص مراراً وثبت ذلك بالإقرار أوالبينة حُدّ حَداً واحداً(1).

______________________________________________

(1) وذلك للإطلاق سواء كان ذلك بامرأة واحدة أو نساء متعددات حد حداً واحداً، هذا إذا لم يكن التكرار بعد قيام الحد وإلا يحد مرة ثانية، كما عليه العلامة في التبصرة، قال : فإن زنى بعد الحد ثانية تكرر الحد وإن لم يحد كفى حداً واحداً، فأن زنى ثالثة بعد الحدين قتل وقيل في الرابعة(1)وقد ادعوا عليه الشهرة وبلوغ الإجماع .

ولا يخفى أنا تارة نقول بأن تعدد الاسباب لا يكون سبباً لتعدد المسببات فهذا واضح، فلا يتعدد الحد سواء كان بامرأة واحدة أو نساء متعددات .

وأمّا لو قلنا تتعدد المسببات بتعدد الاسباب، فلابد من تعدد الحد إذا تكرر بامرأة فضلاً عن النساء المتعددات .

ولكن الحق عدم التعدد، لأن الحكم كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إنما يثبت على الزاني أو الزانية ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين وحدة الزنا وتكرره(2).

ولكن هناك رواية واحدة تدل على التفصيل بين أن يكون المزنى بها واحدة فلا تكرار أو أكثر فيكرر الحد وهي رواية أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: سألته عن الرجل يزني في اليوم الواحد مراراً كثيرة قال، فقال (علیه السلام) : «إن زنى بامرأة واحدة كذا وكذا مرة فإنما عليه حد واحد، وإن هو زنى بنسوة شتى في يوم واحد في ساعة واحدة، فإنّ عليه فيكل امرأة فجر بها حداً»(3)إلا أن الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني .

ص: 68


1- التبصرة / 109.
2- المباني /1/ 258 .
3- الوسائل باب 23من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 166 : لو أقيم الحدّ على الزاني ثلاث مرات قتل في الرابعة، إنْ كان حراً(1).

______________________________________________

(1) الكلام يقع في قتله بعد الثالثة، كما عند الصدوقين والحلي فيما حكي عنهم لصحيح يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أقيّم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(1).

وقيل، والقائل المشهور يقتل في الرابعة، بل عن الانتصار والغُنية الإجماع عليه هنا(2)، كما هو عليه المشهور، والاختلاف إنما هو لأجل اختلاف الروايات .

دليل الأول هو معتبرة أبي بصير قال : قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا ويقتل في الرابعة»(3)، ويؤيد ذلك خبر محمد بن سنان عن الرضا (علیه السلام) فيما كتب إليه : «إن علة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني والزانية لاستخفافهما وقلة مبالاتهما بالضرب»(4).

والدليل الثاني صحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام)قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أُقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(5).

ولكن هذه الصحيحة مطلقة فتقيد بصحيحة أبي بصير وتكون النتيجة هو القتل في الرابعة، مضافاً إلى ما ورد من الشارع على وجوب التحفظ في الدماء .

ص: 69


1- الوسائل باب 20 من أبواب حد الزنى ح3.
2- الجواهر /41 / 331 ، الانتصار / 256 ، الغنية / 1/ 421 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح2.
4- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
5- الوسائل باب 5من أبواب مقدمات الحدود ح1.

ويقتل في الثامنة بعد إقامة الحد عليه سبعاً إن كان مملوكا(1).

______________________________________________

(1) وأمّا المملوك فلو كنا نحن والقاعدة فمهما حصل منه الزنا بعد إقامة الحدّ فلابد أن لا يقتل، ولكن بعد ما جاء الدليل بجواز القتل، فهنا لابد أن نرفع اليد عن القاعدة، وقد ورد في الرواية الصحيحة يقتل في الثامنة بعد إقامة الحد عليه سبعاً وهناك قول بالقتل في التاسعة .

أمّا الأول فعليه المشهور(1)، وتدل عليه صحيحة جميل عن بريد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا زنا العبد جلد خمسين، فأن عاد ضرب خمسين، فأن عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرات، فان زنى ثماني مرات قتل وأدى الإمام (علیه السلام) قيمته إلى مواليه من بيت المال»(2).

ولكن نُسب إلى النهاية والقاضي والجامع والمختلف(3)، أنّه يقتل في التاسعة، ودليلهم رواية بريد العجلي عن عبيد بن زرارة .... قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) أمة زنت ؟ قال : تجلد خمسين جلدة، قلت : فإنّها عادت ؟ قال تجلد خمسين قلت، فيجب عليها الرجم في شيء من الحالات ؟ قال : إذا زنت ثماني مرات يجب عليها الرجم قلت كيف صار في ثماني مرات ؟ فقال : لأن الحر إذا زنى أربع مرات وأقيّم عليه الحد قتل، فإذا زنت الأمة ثماني مرات رجمت في التاسعة، قلت : وما العلة في ذلك ؟ قال : لأنّ الله عز وجل رحمها أن يجمع عليها ربق الرّق وحد الحر، قال، ثم قال، وعلى إمامالمسلمين ان يدفع ثمنه إلى مواليه من سهم الرقاب»(4).

لا يخفى لو كانت هذه الرواية صحيحة لكنا نأخذ بها ونترك الأولى ولكن

ص: 70


1- المقنعة / 779 ، الانتصار / 256 / السرائر / 4 / 442 .
2- الوسائل باب 32من أبواب حد الزنا ح2.
3- النهاية / 695 ، المهذب / 2/ 520 ، الجامع للشرائع / 551 .
4- الوسائل باب 32 من أبواب حد الزنا ح1.

وأدى الإمام قيمته إلى مواليه من بيت المال(1).

المسألة 167 : إذا كانت المزني بها حاملاً، فان كانت محصنة تربص بها حتى تضع حملها، وترضعه مدة اللباء، ثم ترجم(2) .

______________________________________________

لا يمكننا ذلك لضعف سندها بأصبغ بن الأصبغ، ومحمد بن سليمان وهناك عدة من الروايات كلها مجملة أو مهملة إلا رواية النوفلي فهي حسنة فالرواية الأولى تكون صحيحة .

(1) وبما أنّه ملك للغير ويتضرر الغير فلابد أن يدفع قيمته إلى مالكه والدافع يكون هو الإمام (علیه السلام) .

(2) الكلام في هذه المسألة يقع في أمور :

الأول : هل التربص مطلق بالنسبة إلى الرجم والجلد، أو مختص بالرجم ؟ ثم أنّه هل التأخير شرط إلى اتمام الوضع والرضاع أو مدة اللباء .

أمّا بالنسبة إلى الرجم، يقول المحقق : لا يقام الحد على الحامل حتى تضع وتخرج من نفاسها وترضع الولد إن لم يتفق له مرضع، ولو وجد له كافل جاز إقامة الحد(1)، واستدل بموثقة عمار الساباطي، قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن محصنة زنت وهي حبلى قال (علیه السلام) : «تقر حتى تضع مافي بطنها وترضع ولدها ثم ترجم»(2)، وعن محمد بن محمد المفيد في الإرشاد عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قال : لعمر وقد أُتى بحامل قد زنت فأمر برجمها، فقال له علي (علیه السلام) : «هب لك سبيل عليها، أي سبيل لك على ما في بطنها والله يقول : «وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(3)فقال عمر

ص: 71


1- الشرائع /4 / 156.
2- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح4.
3- سورة فاطر الآية / 18.

................................

لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن، ثم قال فما اصنع بها يا أبا الحسن ؟ قال (علیه السلام) احتط عليها حتى تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فاقم الحدّ عليها»(1).

وهل التربص إلى بعد ما شرب اللباء أو اتمام الرضاع ؟ الظاهر هو الثاني كما في معتبرة عمار الساباطي الآنفة الذكر .

وأمّا ما استدل به الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بإرضاع مدة اللباء(2)، بصحيحة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «أتت امرأة أمير المؤمنين (علیه السلام) فقالت : قد فجرت، فأعرض بوجهه عنها، فتحولت حتى استقبلت وجهه، فقالت : إني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته، فقالت، إني قد فجرت، فأعرض عنها، ثم استقبلته، فقالت : إني فجرت فأمر بها فحبست وكانت حاملاً فتربص بها حتى وضعت، ثم أمر بها بعد ذلك، فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوباً جديداً، وادخلها الحفيرة إلى الحقووموضع الثديين واغلق باب الرحبة ورماها بحجر»(3).

وفيه أن هذه الرواية لم يرد فيها الرضاع مطلقاً، فيمكن حملها على الرضاع بقرينة الرواية الأولى لا شرب اللباء، ولذا قال العلامة : لا يقام الحد على الحامل حتى تضع ويستغني الولد(4)، كما في الرواية التي مرت .

ص: 72


1- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح7.
2- المباني /1 / 261 .
3- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح5.
4- التبصرة / 110.

وإن كانت غير محصنة حدت، إلا إذا خيف على ولدها(1).

المسألة 168 : إذا وجب الحد على شخص ثم جن لم يسقط عنه بل يقام عليه الحد حال جنونه(2).

______________________________________________

(1) وأمّا بالنسبة إلى الجلد فيقام إلا أن يضر بالولد، ما ذكره في المسالك : ولا فرق في المنع من إقامة الحد على الحامل بين أن يكون جلداً أو رجماً مراعاة لحق الولد فإنّه لا سبيل عليه(1)، وكذا قال في التحرير : الحامل لا يقام عليها الحد _ سواء كان جلداً أو رجماً _ حتى تضع وترضع الولد إن لم تحصل له مرضع، سواء كان الحمل من زنا أو غيره، ولو لم يظهر الحمل ولم تدعه يؤخر، بل تحد في الحال، ولا اعتبار بإمكان الحمل من الزنا، نعم لو أدعت الحمل قَبَل قولها(2)، فظهر مما ذكرنا بأن التربص يكون بالنسبة إلى الرجم أو الجلد إذا ضر بالولد لا مطلقاً، والظاهر الرجم يكون بعد الارضاع لا بعد الوضع وشرب اللباء كما عليه المشهور وهو المطابق للاحتياط .

(2) يقول العلامة : لو زنى العاقل ثم جن، لم يسقط الحد، بل يستوفى منه وإن كان مجنوناً، جلداً كان أو رجما(3)، لإطلاق الأدلة، والمسألة اتفاقية ولصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل وجب عليه الحد فلم يضرب حتى خولط، فقال : إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقل أقيّم عليه الحد كائناً ما كان»(4).ولا فرق بين أن يكون الحد رجماً أو جلداً، وفاقاً لما عليه المحقق بقوله :

ص: 73


1- المسالك /14 / 376.
2- التحرير/5 / 323.
3- التحرير /5 / 323.
4- الوسائل باب 9من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 169 : لا تجوز إقامة الحد على أحد في أرض العدو إذا خيف أن تأخذه الحمية ويلحق بالعدو(1) .

______________________________________________

ولا يسقط الحد باعتراض الجنون ولا الارتداد(1)، وخلافاً لما عليه في المسالك بقوله : ولا فرق في الحد هنا بين القتل وغيره وإن اجتمع على المرتد للقتل سببان، ثم إن كان قتلاً لم ينتظر بالمجنون الإفاقة، وأن كان جلداً ففي انتظار افاقته إن كان له حالة افاقة وجهان، من أنّه أقوى في الردع، ومن إطلاق الأمر بإقامته عليه في صحيحة أبي عبيدة عن الباقر (علیه السلام) «في رجل وجب عليه حد فلم يضرب حتى خولط، فقال : إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقلٍ، أقيّم عليه الحد كائناً ما كان» وهذا أجود(2).

وكذا نسب إلى بعض السقوط بالنسبة إلى المطبق، وإلى الآخر السقوط إذا لم يحس بالألم(3)، وهذه الأمور هي اجتهاد في مقابل النص مضافاً إلى الاتفاق كما ذكرنا .

(1) لمعتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : قال « أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يقام على أحد حد بأرض العدو»(4)، ومعتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي Dأنّه قال : «لا أقيم على رجل حداًبأرض العدو حتى يخرج منها مخافة أن تحمله الحمية فيلحق بالعدو»(5)، ومثله موثقة إسحاق ابن عمار، وهذه وإن كانت مطلقة لكن تقيد بالأولى، والنتيجة أنّه إذا خيف أخذ الحمية واللحاق بالعدو لا يجرى الحد .

ص: 74


1- الشرائع /4 /156.
2- المسالك / 14/ 380 ، وانظر التهذيب /10/19 ح58 .
3- كشف اللثام /2/ 405 ، الرياض / 15 / 501 .
4- الوسائل باب 10من أبواب مقدمات الحدود ح1.
5- الوسائل باب 10من أبواب مقدمات الحدود ح2.

المسألة 170 : إذا جنى شخص في غير الحرم ثم لجأ إليه لم يجز أن يقام عليه الحد، ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع حتى يخرج ويقام عليه الحد، وأمّا إذا جنى في الحرم أقيم عليه الحد فيه(1).

المسألة 171: لو اجتمعت على رجل حدود بُدئ بالحد الذي لا يفوت معه الآخر، كما لو اجتمع عليه الحد والرجم بدئ بالحد أولاً ثم الرجم(2).

______________________________________________

(1) المسألة اتفاقية مضافاً إلى الآية الشريفة : «مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»(1)وتدل عليه أيضاً صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الرجل يجني في غير الحرم، ثم يلجأ إلى الحرم، قال : «لا تقام عليه الحد، ولا يطعم ولا يسقى، ولا يكلم، ولا يبايع، فإنّه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، وإن جنى في الحرم جناية أقيّم عليه الحد في الحرم، فإنّه لم ير للحرم حرمة»(2).

(2) هكذا لو اجتمع عليه حد القطع والرجم بدئ بالقطع أولاً، لأنّه لوبدئ بالرجم قبل الحد يفوت محل الحد، والمسألة اتفاقية، ولما ورد من الروايات، قال العلامة الثالثة : لو اجتمع الجلد والرجم بدأ بالجلد(3)ولصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «أيمّا رجل اجتمعت فيه حدود فيها القتل، يبدأ بالحدود التي هي دون القتل، ثم يقتل بعد ذلك»(4)وعن عبد الله بن سنان وابن بكير جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) في رجل اجتمعت عليه حدود فيها القتل قال : «يبدأ بالحدود التي هي دون القتل ويقتل بعدُ»(5)وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الرجل

ص: 75


1- سورة آل عمران الآية / 97 .
2- الوسائل باب 34من أبواب مقدمات الحدود ح1.
3- التبصرة/ 110.
4- الوسائل باب 15من أبواب مقدمات الحدود ح1.
5- الوسائل باب 15من أبواب مقدمات الحدود ح6.

................................

يؤخذ وعليه حدود أحدها القتل، فقال : «كان علي (علیه السلام) يقيم عليه الحد، ثم يقتله ولا تخالف علياً»(1)، وغيرها من الروايات، وهل يتوقع برءُ جلده، قيل والقائل الشيخان وابنا زهرة وحمزة والبراج وسعيد(2)، نعم على ما حكي تأكيداً في الزجر .

وقيل كما عن ابن إدريس : لا يجب وإنما هو مستحب(3)، وعن جماعة من المتأخرين ومتأخريهم الميل إليه لأن القصد الاتلاف(4)، فلا فائدة في الانتظار، مع ما ورد أنّه لا نظرة في الحد ولو ساعة(5)، ومنه يتجه عدم القولبالجواز كما عن مجمع الفائدة البرهان(6)، بل قد يشعر به عبارة الإرشاد(7)كما اعترف به هو أيضاً، وعن أبي علي أنه يجلد قبل الرجم بيوم لما روي من أن أمير المؤمنين (علیه السلام) جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة(8)، ولكن الرواية ضعيفة وأنّها قضية في واقعة، والحق عدم جواز التأخير لما دل عن عدم الجواز ولو ساعة وما ذكروه لا دليل عليه، وعن حسن بن كثير عن أبيه قال : خرج أمير المؤمنين (علیه السلام) بسراقة الهمدانية، فكاد الناس يقتل بعضهم بعضاً من الزحام، فلما رأى ذلك امر بردها حتى إذا خفت الزحمة اخرجت واغلق الباب فرموها حتى ماتت(9).

ص: 76


1- الوسائل باب 15من أبواب مقدمات الحدود ح4.
2- المقنعة / 775 ، النهاية / 699 ، الغنية / 1/ 424 ، الوسيلة / 413 ، المهذب /2/ 527 .
3- السرائر / 3/ 438 .
4- مفاتيح الشرائع / 2/ 80 .
5- الوسائل / أبواب مقدمات الحدود باب 25ح1 .
6- مجمع البرهان والفائدة .
7- غاية المراد في شرح نكت الارشاد / 4/ 198 .
8- الرواية عامية في سنن الدار قطني / 3/ 122 _ 123 ، المستدرك على الصحيحين / 4/ 364 .
9- الوسائل باب 14من أبواب حد الزنا ح5.

المسألة 172: يدفن الرجل عند رجمه إلى حقويه، وتدفن المرأة إلى موضع الثديين(1)، والمشهور على أنّه إذا ثبت الزنا بالإقرار بدأ الإمام بالرجم ثم الناس بأحجارٍ صغار، ولو ثبت بالبينة وجب الإبتداء على الشهود وهو لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد وجوب بدأ الإمام بالرجم مطلقا(2).

______________________________________________

(1) الحقو هو معقد الازار أما أصل وجوب الدفن فللإجماع والنصوص المعتبرة، أمّا وجوب الدفن بالنسبة إلى الرجل إلى حقويه فتدل عليه روايات منها معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «تدفن المرأة إلى وسطها ثم يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلىحقويه»(1)، وصحيحة أبي مريم المتقدمة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «أتت امرأة أمير المؤمنين، فقالت أني فجرت إلى أن قال ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوباً جديداً وأدخلها الحفيرة إلى الحقو وموضع الثديين و اغلق باب الرحبة و رماها بحجر»(2)، والمرأة تدفن إلى صدرها على المشهور(3), وهو المراد من الوسط بقرينة صحيحة أبي مريم .

(2) وهل يكفي ربطها بشجرة أو لابد من الحفيرة، الظاهر ذلك إذ لعل للحفيرة خصوصية وموضوعية خاصة .

وهل في الحالتين _ أي في صورة الإقرار أو البينة _ لابد من البدء بالإمام، أو هناك تفصيل بين الإقرار فيبدأ به الإمام، وبين الثبوت بالشهود فيبدأ به ؟

يقول العلامة: الزنى إن ثبت بالشهود كان أول من رجمه الشهود وجوباً ثم يرجمه الإمام ثم يرجم الناس وإن ثبت بالإقرار بدأ الإمام بالرجم ثم يرجم الحاضرون(4).

ص: 77


1- الوسائل باب 14من أبواب حد الزنا ح3.
2- الوسائل أبواب حد الزنا الباب 16ح5 .
3- المقنعة /780 ، الجامع للشرائع / 551 ، غاية المراد /4/ 200 ، المسالك / 14/ 383 ، الرياض /15 / 505 .
4- التحرير /5 / 320.

................................

وما فعله علي (علیه السلام) في رجم سراقة الهمدانية(1)، الثابت زناها بالإقرار والتي مرّ ذكرها، وخبر صفوان عمن رواه عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا أقرّ الزاني المحصن كان أول من يرجمه الإمام، ثم الناس،فإذا قامت عليه البينة كان أول من يرجمه البينة، ثم الإمام، ثم الناس»(2).

فالأولى ضعيفة بابن كثير لأنّه امامي مجهول، والثانية بقوله (عمن رواه) وهو مجهول فالروايتان ضعيفتان، والانجبار بعمل المشهور، أولاً : أنّه غير ثابت، وثانياً : لا دليل على حجيّته، فلابد من التمسك بإطلاق معتبرة أبي بصير قال : «قال أبو عبد الله تدفن المرأة إلى وسطها إذا أرادوا أن يرجموها ويرمي الإمام ثم يرمي الناس بعد بأحجار صغار»(3)، ومعتبرة أو حسنة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «تدفن المرأة إلى وسطها، ثم يرمي الإمام، ويرمي الناس بأحجار صغار، ولا يدفن الرجل إذا رجم إلا إلى حقويه»(4)، فبإطلاق الروايتين نقول بعدم التفصيل بل في كلتا الحالتين يبدأ الإمام أولاً .

وأمّا ما أورده الحسين بن خالد في قضية ماعز بن مالك من أن رسول الله k أمر الناس بالرجم من دون حضوره k أو أمير المؤمنين (علیه السلام) لم يكن حاضراً كما في مفروض الرواية(5)، فهي أما قضية في واقعة أو أن النبي k كان معذوراً من الحضور، لا يبعد وجوب بدء الإمام بالرجم مطلقاً .

ص: 78


1- الوسائل / أبواب حد الزنا الباب 14ح5 ، والباب 16ح5 .
2- الوسائل باب 14 أبواب حد الزنا ح2.
3- الوسائل باب 14من أبواب حد الزنا ح3.
4- الوسائل باب 14من أبواب مقدمات الحدود ح1.
5- الوسائل أبواب حد الزنا الباب 15ح1 .

المسألة 173 : لو هرب المرجوم أو المرجومة من الحفيرة، فإن ثبت زناه بالإقرار لم يُرد إن أصابه شيء من الحجارة، وإن كان قبل الإصابة أو ثبت زناه بالبينة رُدّ، وأمّا الجلد فلا يسقط بالفرار مطلقاً(1).

______________________________________________

(1) يقول العلامة : العاشر لو فر الرجل أو المرأة من الحفيرة، فإن ثبت الزنا بالبينة أُعيّد، وإن ثبت بالإقرار قولان الأول، لا يعاد مطلقاً وهو اختيار المفيد(1)، الثاني، أنّه لا يعاد إن أصابه شيء من الحجارة، وإن لم يصيبه الحجر أُعيد، اختاره الشيخ(2)، ولو فر من يجب عليه الجلد أُعيد مطلقاً(3).

وأمّا عدم الرد بالنسبة إلى من ثبت عليه الزنا بالإقرار فهو المنسوب إلى الأصحاب، ولكن عن النهاية والوسيلة لم يرد إذا أصابه شيء من الحجارة وقد استدلوا برواية حسين بن خالد عن أبي الحسن (علیه السلام) قال : «قلت لأبي الحسن اخبرني عن المحصن إذا هو هرب من الحفيرة هل يرد حتى يقام عليه الحد ؟ فقال : يرد ولا يرد فقلت : كيف ذلك ؟ فقال : إن كان هو المقرّ على نفسه ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شيء من الحجارة لم يرد، وإن كان إنما قامت عليه البينة وهو يجحد ثم هرب رُدّ وهو صاغر حتى يقام عليه الحد» وذلك أن ماعز بن مالك أقرّ عند رسول الله k بالزنا فأمر به أن يرجم فهرب من الحفرة فرماه الزبير بن العوام بساق بعير فعقله فسقط فلحقه الناس فقتلوه(4)، وقد عبر عن هذه الرواية استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بالصحيحة ولكنه اشكل بقوله : وقد يقال بأن الحسين بن خالد الوارد في سند الرواية مشترك بين الصيرفي وبين الحسين بن خالد الخفاف، والأول لم

ص: 79


1- المقنعة / 775 .
2- النهاية / 700 .
3- التحرير 590 / 319.
4- الوسائل باب 15من الزنا ح1.

................................

تثبت وثاقته فلا تكون الرواية حجة(1)، ولكنا ذكرنا في محله أن الحسين بن خالد المشهور والذي كثرت الرواية عنه هو الحسين بن خالد الخفاف، وحينئذٍ تكون الرواية صحيحة(2).

والحق أن الكثرة لا تكون دلالة على أن الرواية صحيحة، وأمّا صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له المرجوم يفر من الحفيرة فيطلب ؟ قال : (علیه السلام) لا ولا يعرض له إن كان أصابه حجر واحد لم يطلب، فإن هرب قبل أن تصيبه الحجارة رُدّ حتى يصيبه الَمُ العذاب»(3).

وأمّا مرسل الصدوق «محمد بن علي بن الحسين، قال : سئل الصادق (علیه السلام) عن المرجوم يفر ؟ قال : إن كان أقر على نفسه فلا يرد، وأن كان شهد عليه الشهود يرد»(4)، فإنها وإن كانت مطلقة ولكنها أولاً مرسلة، وثانياً تقيد بخبر أبي بصير .

وأمّا إذا قامت البينة فإنّه يرد لعدم الخلاف والاتفاق في المسألة، ويؤيد ذلك خبر حسين بن خالد «...وإن كان مما قامت عليه البينة وهو يجحد وهرب رد»(5)، وأمّا ما ورد من الإطلاق كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه إن كان أصابه ألم الحجارة فلا يرد، وإن لم يكن أصابه ألم الحجارة رد»(6)فتقيد بما ورد بالصحيحة المتقدمة بأنّه إذا ثبت بالبينة يرد علىالإطلاق .

ص: 80


1- معجم رجال الحديث ترجمة الحسين بن خالد .
2- المباني /1 / 268.
3- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح3.
4- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح4.
5- الوسائل باب 15 من أبواب حد الزنا ح1.
6- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح5.

المسألة 174 : ينبغي اعلام الناس لحضور إقامة الحد، بل الظاهر وجوب حضور طائفة لإقامته، والمراد بالطائفة الواحد وما زاد(1).

______________________________________________

(1) لمِا روي عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد رفعه إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) قال : «أتاه رجل بالكوفة، فقال، يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، وذكر أنّه أقر أربع مرات إلى أن قال، ثم نادى في الناس : يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحد»(1).

وعن أبي بصير عن عمران بن ميثم، أو صالح بن ميثم، عن أبيه إن امرأة أقرت عند أمير المؤمنين بالزنا أربع مرات، فأمر قنبراً فنادى بالناس فاجتمعوا «وقام أمير المؤمنين (علیه السلام) فحمد الله واثنى عليه، ثم قال : أيها الناس إنَّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى الظهر ليقيم عليها الحد إن شاء الله»(2)الحديث.

وهذه الرواية رواها الشيخ الصدوق بسنده الصحيح رواها أيضاً محمد ابن يعقوب بسند صحيح عن خلف بن حماد كما رواها الشيخ بذلك السند عن خالد بن حماد القلانسي الكوفي يقول صاحب تنقيح المقال : عنونه ابن داود وعدّه من أصحاب الصادق والكاظم، ونسب إلى النجاشي أنّه مولى ثقة فالظاهر اشتباه قلمه الشريف في ذلك فإنّه ليس لخالد بن حماد ذكر في كلامالنجاشي ولا في كتب الرجال وإنما فيها خالد بن مادّ القلانسي الآتي إن شاء الله تعالى فاشتبه عليه مادّ بحماد(3)، وقد أدعي عليه الإجماع ولكن العمدة في ذلك هي الروايات، والظاهر هو وجوب الحضور ولو شخص واحد كما نسب هذا إلى ابن عباس بأن الطائفة من الواحد فما فوقه، وفي الغريين الطائفة منهم الجماعة ويجوز ان يقال للواحد

ص: 81


1- الوسائل باب 15من أبواب حد الزنا ح5.
2- الوسائل باب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح1.
3- تنقيح المقال أبواب الخاء /388.

المسألة 175 : هل يجوز تصدي الرجم لمن كان عليه حد من حدود الله أم لا؟ وجهان، المشهور هو الأول على الكراهة، ولكن الأقرب هو الثاني(1).

______________________________________________

الطائفة(1)، أمّا وجوب الحضور كما هو ظاهر الآية : «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2)وتدل على أن الطائفة هي الواحد فما زاد معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في قول الله عز وجل : «وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ» قال : في اقامة الحدود، وفي قوله تعالى : «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» قال : الطائفة واحد(3).

(1) في هذه المسألة عدة أمور :

الأول : هل يجوز لمن عليه حد أن يتصدى للرجم أو لا ؟ أو يجوز مع الكراهة ؟ وهل هناك فرق بين ثبوت الحد بالإقرار أو البينة ؟ قال المحقق :وقيل لا يرجمه مَنْ لله قبله حد وهو على الكراهية(4)،

ونسب إلى المسالك حمله على الكراهة، لقصوره سنداً عن افادة التحريم، مضافاً إلى أصالة الاباحة(5).

وأدّعى في الرياض : ولا يحرم كما هو ظاهر الاكثر، بل المشهور كما في شرح الشرائع للصيمري(6)، ونقل عن السرائر : وروي أنّه لا يرجمه إلا من ليس لله سبحانه في جنبه حد، وهذا غير متعذر لأنّه يتوب بينه وبين الله ثم يرميه(7)، وفي الجواهر : ويسقط الحد خاصة بالتوبة قبل ثبوته كغيره من الحدود بلا خلاف

ص: 82


1- مجمع البحرين مادة طوف .
2- سورة النور الآية / 2 .
3- الوسائل باب 11من أبواب حد الزنا ح5 .
4- الشرائع /4 / 157.
5- المسالك /14 / 389.
6- الرياض /15 / 520.
7- السرائر /3 / 486.

................................

أجده فيه، بل الإجماع بقسميه(1).

ويقول الاستاذ الأعظم (قدس سرُّه) فيما يخص القول الثاني لعدة(2)،

روايات .

منها : ما عن ابن أبي عمير عمن رواه عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور، فقال أمير المؤمنين لأصحابه اغدوا غداً عليّ متلثمين، فقال لهم مَنْ فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف قال : فانصرف بعضهم وبقي بعضهم، فرجمه مَنْ بقي منهم»(3).ومنها : عن أحمد بن محمد بن خالد _ رفعه _ إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) قال «اتاه رجل بالكوفة إلى أن قال : معاشر المسلمين إن هذه حقوق الله فمَنْ كان لله في عنقه حق فلينصرف، ولا يقيم حدود الله مَنْ في عنقه حد فانصرف الناس وبقي هو والحسن والحسين»(4).

وقريب منهما معتبرة الأصبغ بن نباتة إلى أن قال «نشدت الله رجلاً منكم يحضر غداً لما تلثم بعمامته حتى لا يعرف بعضكم بعضا، واتوني بغلس حتى لا يبصر بعضكم بعضا إلى أن قال نشدت الله رجلاً منكم لله عليه مثل هذا الحق أن يأخذ لله به، فأنّه لا يأخذ لله بحق من يطلبه الله بمثله»(5).

ولكن الروايتين الاخيرتين لا تدلان على المطلب، فأنّه يمكنه أن يتوب ولم يبق عليه الحد، أمّا الرواية الأولى فهي تامة من جهة الدلالة والسند إلا أن الاتفاق قام على عدم الحرمة فيحمل على الكراهة، والاتفاق يستوجب ذلك حيث أن المبنى

ص: 83


1- الجواهر /41 / 539.
2- المباني /1 / 270.
3- الوسائل باب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح2.
4- الوسائل باب 31 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
5- الوسائل باب 31 من أواب مقدمات الحدود ح4.

المسألة 176 : لو وجد الزاني عارياً جلد عارياً، وإن وجد كاسياً قيل يجرد فيجلد، وفيه إشكال(1)، والأظهر جواز جلده كاسيا(2).

______________________________________________

هو حصول الاطمئنان .

والظاهر عدم الفرق في الحرمة أو الكراهة بين ثبوت الزنا بالإقرار أو البينة و ما نسب إلى الصيميري من اختصاصه بالأولى قائلاً أنّه محل خلافوأنه إذا قامت البينة فالواجب البدء بالشهود والنهي إنما ورد على صورة الإقرار ولولا الاتفاق لقلنا هو الصحيح، لأن النهي ورد في صورة الإقرار .

(1) علة الاختلاف هو اختلاف الروايات، فعن العلامة في القواعد : ثم أن الحد إن كان جلداً ضرب مجرداً وقيل على حالة الزنا قائماً أشد الضرب(1)

وعلى ما نسب إلى صاحب غاية المرام لمعتبرة إسحاق بن عمار قال سألت أبا ابراهيم (علیه السلام) عن الزاني كيف يجلد ؟ قال : «أشد الجلد، قلت : فمِنْ فوق ثيابه، قال : بل تخلع ثيابه»(2)

وفي معتبرته الأخرى «يجرد»(3).

(2) عن جماعة أخرى كصاحب الغنية بقوله : يقام الحد على الرجل على الهيئة التي رؤي زانياً عليها من عري أو لباس(4)، والمدرك معتبرة طلحة ابن زيد عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) قال : «لا يجرد في حد ولا يشبح _ يعني يمدد _ قال ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها أن وجد عرياناً ضرب عرياناً وإن وجد وعليه ثياباً ضرب وعليه ثيابه»(5).

ص: 84


1- القواعد /3 / 530.
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح2.
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح3.
4- الغنية /1 / 425.
5- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح7.

وأمّا المرأة الزانية فتجلد وهي كاسية(1)، والرجل يجلد قائماً والمرأة قاعدة، ويتقى الوجه والمذاكير(2).

______________________________________________

وهاتان الروايتان متعارضتان فعن البعض إن الرواية الأولى تحمل على ما لو كان حين الزنا مجرداً ولكن الحق عدم إمكان الحمل لأن الرواية الأولى ظاهرها وجوب التجرد والثانية ظاهرها حرمة التجرد .إذاً إمّا نقول بتقدم خبر طلحة، لأن له مرجح وهو فتوى الأكثر، أو نقول كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بما أن معتبرة طلحة بن زيد معارضة بمعتبرتي إسحاق بن عمار نظراً إلى أنّها ظاهرة في حرمة التجريد وهما ظاهرتان في وجوبه فيتساقطان، فالمرجع هو إطلاقات أدلة الجلد من الكتاب والسنة، ومقتضاها جواز الجلد كاسياً، ويمكن أن يقال بأن معتبرة إسحاق بن عمار مطلقة من ناحية أنّه كان في حال وجدانه عارياً وأكتسى بعد ذلك، أو أنّه كان كاسياً حال وجدانه وعليه فيقيد إطلاقها بمعتبرة طلحة بن زيد فالنتيجة هي اختصاص وجوب الخلع بما إذا كان في حال وجدانه عارياً، وأمّا إذا كان كاسياً حين وجدانه ضرب وعليه ثيابه(1).

(1) لأنّها عورة فلا تهتك وقد أدّعي الاتفاق، ولما وردت في بعض الروايات في امرأة أقرت عند الوصي (علیه السلام) بالفجور إلى أن قال فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوباً جديداً وأدخلها الحفيرة إلى الحقو بموضع الثديين(2).

(2) وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «يضرب الرجل الحد قائماً والمرأة قاعدة، ويضرب على كل عضو ويترك الرأس والمذاكير»(3).

فأمّا ما نسب إلى صاحب المقنع : أنّها كالرجل في جلدها عريانة إن وجدت

ص: 85


1- مباني التكملة /272.
2- الوسائل باب 16من أبواب حد الزنا ح5.
3- الوسائل باب 11من أبواب حد الزنا ح1.

المسألة 177: يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود علىالأظهر(1).

______________________________________________

كذلك(1)، ومستند هذا القول هو الروايات التي تقدمت ولكن كلها للرجل وارادة الجنس بحيث يشمل الزانية يحتاج إلى قرينة وقاعدة الاشتراك لا تجري مع احتمال الخصوصية للرجل مضافاً إلى ما ورد من الاتفاق والروايات التي ذكرناها والتي صرحت بأنها عورة .

(1) المشهور عندهم الجواز عدا ابن إدريس والمقصود في إقامة الأحكام المتعبد بها وصحة التنفيذ يفتقر إلى معرفة من يصح حكمه ويمضي تنفيذه فإذا ثبت ذلك فتنفيذ الأحكام الشرعية، والحكم بمقتضى التعبد فيها من فروض الأئمة D المختصة بهم دون من عداهم ممن لم يؤهلوا لذلك فإن تعذر تنفيذها بهم D والمأمول لها لأحد الاسباب لم يجز لغير شيعتهم المنصوبين لذلك من قبلهم D تولي ذلك ولا التحاكم إليه، ولا التوصل بحكمه إلى الحق ولا تقليد الحكم مع الاختيار ولا لمن يتكامل له شروط النائب عن الإمام في الحكم من شيعته وهي العلم بالحق في الحكم المردود إليه(2)،

وابن زهرة، وهكذا نسب التوقف إلى العلامة بقوله : لابد أن يكون مكلفاً مؤمناً عالماً طاهر المولد ضابطاً ولا يكفيه فتوى العلماء، ولابد من أذن الإمام(3)،

ولكن الحق هو الأول لعدة من الروايات .

منها : ما عن إسحاق بن يعقوب قال : «سألت محمد بن عثمان العمري ... إلى أن قال فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه : أمّا ماسألت عنه أرشدك الله وثبتك إلى أن قال وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى

ص: 86


1- المقنع / 428 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد الزنا ح1.
3- التبصرة / 105.

................................

رواة حديثنا فإنذهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله»(1).

ولا يخفى أنه ليس المراد من رواة الأحاديث هم رواة الالفاظ بدون تفهم وتفقه لما افادته الرواية، نظير ضبط المسجلات وبدون تفهم بل مجرد الحفظ، والإمام (علیه السلام) محال أن يُرجعَ إليهم بل مراده الفقهاء المستنبطون للأحكام ومستندهم الروايات الواردة عنهم صلوات الله عليهم أي لم يأخذوا من الاقيسة والاستحسانات الظنية كما يفعله غيرهم .

والمراد من الحوادث هي مطلق الأمور التي لابد من الرجوع إليها وليس المراد بها اختصاصها بما اشتبه حكمه ولا بالمنازعات كما عن الشيخ الانصاري لقوله: ثم إن الظاهر من الروايات المتقدمة نفوذ حكم الفقيه في جميع خصوصيات الأحكام الشرعية وفي موضوعاتها الخاصة بالنسبة إلى ترتب الأحكام عليها، لأن المتبادر عرفاً من لفظ الحاكم هو المتسلط على الإطلاق فهو نظير قول السلطان لأهل بلدة جعلت فلاناً حاكماً عليكم حيث يفهم منه تسلطه على الرعية في جميع ماله دخل في أوامر السلطات جزئياً أو كلياً(2)، بل في أخذ الروايات والفتاوى وفصل الخصومات ورفع المنازعات وتنفيذ الأحكام الشرعية واجرائها واعمال الولاية .

وقد دلت عليه رواية حفص بن غياث قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) من يقيم الحدود السلطان أو القاضي ؟ فقال : «إقامة الحدود إلى منإليه الحكم»(3)،

والحكم في عصر الغيبة منحصر في الفقهاء، ويؤيد ذلك ما ورد بأن العلماء حكام على الناس أي جعل منصب الحكومة في عصر الغيبة لهم وهم المعنيون بحكم الشرع كما فهمت من بقية الروايات وبعد ما عرفت أن احكام الله وبالأخص الحد

ص: 87


1- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح9.
2- كتاب القضاء للشيخ الانصاري _ 48.
3- الوسائل باب 28من أبواب إقامة الحدود ح1.

................................

لا يجوز تعطيله، ولم يرد في الآيات والروايات ما يدل بأن اجراء الحدود مختص بعصر الحضور ويكون من مختصات الإمام كقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(1)وقوله تعالى «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»(2)، نعم هناك روايات ضعاف دلت على أنّه مختص بالإمام .

وأمّا غير الفقيه فليس له حق في اجراء الحد لعدم الدليل، مضافاً إلى ما ورد في الصحيح عن داود بن فرقد، قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «أن أصحاب رسول الله k قالوا لسعد بن عبادة أرأيت لو وجدت على بطن امراتك رجلاً ما كنت صانعاً به ؟ فقال : كنت اضربه بالسيف، قال فخرج رسول الله k فقال : ماذا يا سعد ؟ فقال سعد : قالوا لو وجدت على بطن امراتك رجلاً ما كنت صانعاً به، فقلت : اضربه بالسيف، فقال : يا سعد فكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال : يا رسول الله ابعد رأي عيني وعلم الله أن قد فعل ؟ فقال : أي والله بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل، إن الله قد جعل لكل شيء حدا وجعل لمن تعدى ذلك الحد حدا»(3)،

إذاً إقامة الحد في عصر الغيبةمنحصر بالفقهاء لأنّه هو المتيقن ولا دليل على جواز غيرهم مضافاً إلى ذلك لو قام به كل أحد يوجب اختلال النظام، وقد قال استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) ونعم ما قال : ويدل على ما ذكرناه أمران :

الأول : إن إقامة الحدود إنما شرعت، للمصلحة العامة، ودفعاً للفساد وانتشار الفجور والطغيان بين الناس وهذا ينافي اختصاصه بزمان دون زمان وليس لحضور الإمام (علیه السلام) دخل في ذلك قطعاً، فالحكمة المقتضية لتشريع الحدود تقضي بإقامتها في زمان الغيبة كما تقضى بها في زمان الحضور .

ص: 88


1- سورة النور الآية / 2.
2- سورة المائدة الآية 38.
3- الوسائل باب 2 من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 178 : على الحاكم أن يقيم الحدود بعلمه في حقوق الله كحد الزنا وشرب الخمر والسرقة ونحوها، وأمّا في حقوق الناس فتتوقف إقامتها على مطالبة من له الحق حداً كان أو تعزيراً(1) .

______________________________________________

الثاني : أن أدلة الحدود كتاباً وسنة مطلقة وغير مقيدة بزمان دون زمان كقوله تعالى : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(1)إذاً الفقيه لابد له من إقامة الحد إذا كان مبسوط اليد .

(1) في المسألة أقوال :

القول الأول : الجواز مطلقاً كما عن المسالك : وأصح الأقوال جواز قضاء الحاكم مطلقاً بعلمه مطلقاً، لأن العلم أقوى من الشاهدين اللذين لا يفيد قولهما عند الحاكم إلا مجرد الظن إن كان، فيكون القضاء به ثابتاً بطريقأولى(2)،

وأدعي عليه الإجماع ونسب هذا القول إلى المرتضى وابي الصلاح والشيخ في الخلاف وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس ويحيى بن سعيد الحلي والعلامة الحلي وولده والشهيد الأول والثاني والعلامة السيوري(3).

القول الثاني : وعن ابن الجنيد العدم مطلقاً(4).

القول الثالث : بالتفصيل وهو لصاحب الرياض قال : وجوب إقامة الحاكم حدود الله سبحانه بعد ثبوتها عنده بمجرده، دون حدود الناس التوقف إقامته لها بعده على مطالبتهم إيّاها ولا خلاف فيها ظاهراً ولا إشكال أيضاً(5).

ص: 89


1- مباني التكملة /1 / 273.
2- المسالك /13 / 384 .
3- الانتصار / 236 ، الخلاف / 6/ 242 ، المهذب / 2/ 586 ، الغنية / 2/ 437 ، السرائر/ 2/ 179 وغيرها .
4- نقله عنه السيد المرتضى في الانتصار / 237 .
5- الرياض /15 / 225 _ 526 .

................................

أمّا ما ذكره ابن الجنيد :

أولاً : مخالف للإجماع بل محل اتفاق بأن الحاكم يحكم بعلمه .

وثانياً : قال في الانتصار : وإنما عول ابن الجنيد فيها على ضرب من الرأي والاجتهاد وخطأه ظاهر(1)، ويمكن الاستدلال على أن الحاكم يجوز له أن يحكم بعلمه .

أولاً : لرواية «رجل قضى بالحق وهو يعلم» .

ثانياً : كما في بعض الموارد لو لم يحكم بعلمه فهذا يستوجب فسقه فلو علم الحاكم أن فلاناً طلق زوجته وأدّعى الزوج بقاء الزوجية، فإن القول قولالزوج مع يمينه ومع عدم البينة من الطرف المقابل، مع أنّه لو حكم على طبق اليمين وابقى الزوجية يصبح فاسقاً، وإن لم يحكم لزم الايقاف(2)، وقد تقدمت المسألة .

أمّا بالنسبة إلى حقوق الناس فهل يتمكن أن يحكم بعلمه ؟ الظاهر أن الحكم متوقف على مطالبة من له الحق حداً كان أو تعزيراً .

قد يقال بأن للحاكم أن يعمل بعلمه مطلقاً في حقوق الله وحقوق الناس لأنّ المعلوم من القاضي هو إقامة الحق والقسط والعدل الواقعي، فلو حكم بخلافه كان جائراً في الحكم ولو توقف عن الحكم كان ظالماً في حكومته لأنّه حبس الحقوق كما هو المنقول عن المبسوط : وعندنا أن الحاكم إذا كان مأموناً قضى بعلمه وإن لم يكن كذلك لم يحكم به(3).

ص: 90


1- الانتصار/ 488 .
2- الخلاف / 6/ 244 .
3- المبسوط /5 / 475 .

................................

نعم ورد في بعض الروايات أنّه ليس له أن يقضي بعلمه لمكان التهمة ولكن العمدة في التفصيل وورود الروايات .

منها : صحيحة الفضيل قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «مَنْ أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرةً واحدة حراً كان أو عبداً أو حرة كانت أو أمة، فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه _ إلى أن قال إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق الله، وإذا أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً حده، فهذا من حقوق الله، وإذا أقرّ على نفسه بالزنا وهو غير محصنفهذا من حقوق الله، قال وأمّا حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحده حتى يحضر صاحب الفرية أو وليه، وإذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول، فيطالبوا بدم صاحبهم»(1).

ومنها : صحيحته الثانية عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال : «مَنْ أقرّ على نفسه عند الإمام بحق أحد من حقوق المسلمين فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذي أقرّ به عنده حتى يحضر صاحب حق الحد أو وليه ويطلبه بحقه»(2).

ص: 91


1- الوسائل باب 32من أبواب مقدمات الحدود ح1.
2- الوسائل باب 32من أبواب مقدمات الحدود ح2.

المسألة 179 : لا فرق فيما ذكرناه من الأحكام المترتبة على الزنا بين الحي والميت، فلو زنى بامرأة ميتة، فإن كان محصناً رجم، وإن كان غير محصن جلد(1).

______________________________________________

(1) بمقتضى القاعدة لا يمكن القول بإقامة الحدود على من فعل بالميتة لأنّها إذا ماتت لا يصدق عليها إنسان بل هي شبه خشبة، ولكن بما أن المسألة اتفاقية في أجراء الحد، يقول : ووطء الميتة من بنات آدم كوطئ الحية في تعلق الاثم والحد، أو رجماً أو قتلاً(1)ويعضد

ذلك صاحب الجواهر بقوله : بلا خلاف أجده بل يمكن تحصيل الإجماع فضلاً عن محكيه في بعض العبارات(2)،

وهناك روايات تدل على أن حكم الميت كحكم الحي .

منها : عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر (علیه السلام) في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها قال : «إن حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب، ويقام عليه الحد في الزنا، إن احصن رجم وإن لم يكن أُحصن جلد مائة»(3).

ومنها : رواية إبراهيم بن هاشم قال «لما مات الرضا (علیه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (علیه السلام) وقد حضر خلق من الشيعة إلى أن قال، فقال : أبو جعفر (علیه السلام) سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ؟ فقال أبي يقطع يمينه للنبش، ويضرب حد الزنا فإن حرمة الميتةكحرمة الحيه...»(4).

ص: 92


1- شرائع الإسلام /4 /188.
2- الجواهر /41 / 644.
3- الوسائل باب 2 من أبواب نكاح البهائم ووطء الاموات ح6.
4- الوسائل باب 19 من أبواب حدّ الرقة ح6 .

الثاني : اللواط

المسألة 180 : المراد باللواط وطء الذكران ويثبت بشهادة أربعة(1) رجال وبالإقرار أربع مرات، ولا يثبت بأقل من ذلك، ويعتبر في المقرّ العقل والاختيار، والحرية، فلو اقرّ المجنون أو المكره أو العبد لم يثبت الحدّ.

______________________________________________

(1) وهو بمعنى وطء دبر الرجل أي وطء الذكران بعضهم لبعض وحرمته من الضروريات كتاباً وسنة، وقد دلت عليه من الكتاب الكريم الآية الشريفة : «وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ»(1)، أي تفعلون العمل الشنيع القبيح، وهو إتيان الرجال أدبارهم وهي فعلة قبيحة ما سبقكم بها من أحد وتأتون الرجال في أدبارهم وتتركون إتيان النساء اللائي خلقن مباحات لهذه الغاية، وقوله تعالى : «أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ»(2).

وأمّا السنة فمنها : صحيح مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من أصحابه إذ أتاه رجل، فقال يا أمير المؤمنين إنيّ قد أوقبت على غلام فطهرني، فقال له يا هذاامض إلى منزلك لعل مراراً هاج بك، فلما كان من غد عاد إليه فقال له يا أمير المؤمنين إني أوقبت على غلام فطهرني، فقال له أذهب إلى منزلك لعل مراراً هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرته الأولى، فلما كان في الرابعة، فقال له يا هذا إن رسول الله k حكم في مثلك بثلاثة أحكام فأختر أيّهن شئت، قال وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت أو اهداب من الجبل مشدود اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار، قال

ص: 93


1- سورة الأعراف آية / 80 _ 81 .
2- سورة الشعراء آية / 165 _ 166.

المسألة 181 : يقتل اللائط المحصن ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد و المسلم والكافر(1)، وهل يقتل غير المحصن ؟ المشهور أنّه يقتل وفيه إشكال والأظهر عدم القتل ولكنه يجلد، كما أنّه يقتل الملوط مطلقاً على ما سيأتي، نعم لا قتل على المجنون ولا على الصبي .

______________________________________________

يا أمير المؤمنين أيّهن أشد عليّ ؟ قال الإحراق بالنار...»(1).

وأمّا ثبوته فعن العلامة يثبت بالإقرار أربع مرات من البالغ العاقل الحر المختار وبشهادة أربع رجال بالمعاينة، ولو أقرّ دون الأربع عزروا ولو شهدوا دونها حدوا للفرية(2)،

وبالإقرار به أربعاً كما ورد في الصحيح بأنّه لا يثبت اللواط بأقل من أربعة اقرارات، وصحيحة مالك بن عطية المتقدمة .

(1) أمّا المحصن من الحر، أو العبد، أو المسلم، أو الكافر، وجوب قتلهم وذلك لإطلاق الأدلة فإنه لم يقيد بالمسلم أو الحر، إذاً كلهم يقتلون .أمّا إذا لم يكن محصناً فهل يقتل أم لا ؟ يقول المحقق : ويستوي في ذلك الحر والعبد والمسلم والكافر و المحصن وغيره(3)،

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده(4)، وفي المسالك : العبد هنا كالحر بالإجماع(5)، وأمّا غير المحصن لو كنا نحن وإطلاق الأدلة لكنا نحكم بأنّه يقتل .

وذكر الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وجه لا الإشكال هو أن الاصحاب قد اتفقوا ظاهراً على عدم الفرق بين المحصن وغيره في ذلك عدا ما نسبه صاحب الرياض

ص: 94


1- الوسائل باب 5من أبواب حد اللواط ح1.
2- إرشاد الاذهان /2 /175.
3- شرائع الإسلام /4 /159 .
4- الجواهر /41 /383 .
5- المسالك/14 /402 .

................................

إلى بعض متأخري المتأخرين(1)،

بل أدّعى عليه الإجماع في كلمات غير واحد، فإن تم الإجماع فهو وإلا فللمناقشة في ذلك مجال أوسع(2)

وقد عرفت حال هذه الإجماعات، إذاً العمدة في ذلك الروايات .

أمّا الأولى : هي ما دلت على قتله مطلقاً محصناً كان أم لا كصحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من أصحابه إذ أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين انيّ أوقبت على غلام فطهرني إلى أن يقول قال رسول الله k حكم في مثلك بثلاثة احكام فاختر ايّهن شئت قال وما هن يا أمير المؤمنين قال ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت أو اهداب من جبل مشدود اليدين والرجلينأو إحراق بالنار...»(3).

وهل يقتل غير المحصن ؟ فيه إشكال والأظهر عدم القتل كما يقتل الملوط مطلقاً على ما سيأتي، نعم لا قتل على المجنون و لا على الصبي .

والثانية : ما دلت على أن اللائط المحصن يقتل وغير المحصن يجلد كما في معتبرة حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : رجل أتى رجلاً ؟ قال : «عليه إن كان محصناً القتل، وإن لم يكن محصناً فعليه الجلد، قال : قلت: فما على المؤتى به ؟ قال : عليه القتل على كل حال محصناً أو غير محصن(4).

والثالثة : ما دلت على أن المحصن يرجم وغير المحصن يجلد، منها معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول في

ص: 95


1- رياض المسالك /16 /10 .
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 280 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد اللواط ح1 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح4 .

................................

اللوطي إن كان محصناً رجم، وإن لم يكن محصناً جلد الحد(1)

ومعتبرة يزيد بن عبد الملك، قال : سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول : «أن الرجم على الناكح والمنكوح ذكراً كان أو انثى إذا كانا محصنين، وهو على الذكر إذا كان منكوحاً احصن أو لم يحصن(2)، ورواية ابن أبي عمير عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الذي يوقب أن عليه الرجم إنْ كان محصناً وعليه الجلد إن لم يكن محصناً(3).فعلى أيّ حالٍ جمع الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من : أن مقتضى الجمع بين هذه الطوائف هو تقييد الطائفة الأولى بالطائفة الثانية، فالمحصن يحكم عليه بالقتل وغير المحصن يحكم عليه بالجلد .

وأمّا ما دل على وجوب رجم المحصن فمقتضى إطلاقه وجوب الرجم تعيناً، كما أن مقتضى صحيحة مالك بن عطية هو تعيّن القتل بأحد الأمور المذكورات فيها فترفع اليد عن إطلاق كل منهما بنص الأخرى، فتكون النتيجة هي التخيير .

ثم قال فإن تم الإجماع فهو وإلا فاللازم هو التفصيل بين المحصن وغيره(4)

وهذا الكلام منه عجيب لأنّه لا يرى للإجماع حجية، ولعل مراده الاتفاق ثم نقول ويؤيد رواية التفصيل ما ورد بأنّهما زانيان، فالزاني إذا كان محصناً يرجم وإما إذا لم يكن محصناً فلا .

ولذا إذا كان اللائط غير المحصن عبداً فبما أن حكم اللائط حكم الزاني جلد خمسين جلدة، ففي صحيحة سليمان خالد، عن ابي عبد الله (علیه السلام) _ في حديث _ قال: «قيل له فإن زنى وهو مكاتب ولم يؤدِ شيئاً من مكاتبته ؟ قال : هو حق الله

ص: 96


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح8 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح8 .
4- المباني /1/ 282.

................................

يطرح عنه من الحد خمسين جلدة ويضرب خمسين»(1)، وصحيحته الثانية عن ابي عبد الله (علیه السلام) في عبد بين رجلين اعتق احدهما نصيبه، ثم أن العبد اتى حداً من حدود الله، قال : «إن كان العبد حيث اعتق نصفه قُوّم ليُغرم الذي اعتقه نصف قيمته، فنصفه حر يضرب نصف الحر ويضرب نصف حدالعبد، وإن لم يكن قوّم فهو عبد يضرب حد العبد(2)، وأما ما جاء في الرواية من أن العبد اتى حداً من حدود الله تشمل اللواط، فهي واضحة الدلالة .

أما قتل الملوط على الاطلاق فسيأتي، وأما عدم قتل المجنون والصبي فعن المحقق ولو لاط مجنون بعاقل حد العاقل، بلا خلاف ولا اشكال كما في الجواهر، وفي ثبوته على المجنون، قولان أشبههما السقوط(3)،

وفي الجواهر اشهرهما عملاً، بل عن الغنية الاجماع عليه(4)، خلافاً للمحكي عن الشيخين واتباعهما(5)، استناداً إلى وجوبه عليه مع الزنا، والاصل عندنا ممنوع كما عرفت سابقاً(6)، ولكن الحق عدم قيام الحد عليه لرفع القلم، وكذا بالنسبة إلى الصبي، وأما البالغ الموطوء يقتل لإطلاق الادلة .

ص: 97


1- الوسائل باب 31 من ابواب حد الزنا ح1.
2- الوسائل باب 33 من ابواب حد الزنا ح6 .
3- شرائع الاسلام /4 /159 .
4- الغنية / 2/ 440 .
5- يعني المفيد والطوسي فالنظر المقنعة / 786 ، والنهاية / 705 ، الوسيلة / 413 ، المهذب / 2/ 531 .
6- الجواهر /41 /379 .

المسألة 182: إذا لاط البالغ العاقل بالمجنون حُدّ اللائط دون الملوط(1).

المسألة 183: إذا لاط الرجل بصبي حُدّ الرجل وأدب الصبي، وكذا العكس(2).

______________________________________________

(1) قال المحقق : لو لاط مجنون بعاقل حد العاقل وفي ثبوته على المجنون قولان اشبههما السقوط(1)، وذلك لرفع القلم بالنسبة إلى المجنون واطئاً كان أو موطوءً واما بالنسبة إلى العاقل بما أنّه بالغ وعاقل فتشمله إطلاقات الأدلة الدالة على وجوب الحد واطئاً أو موطوءاً .

(2) أمّا لو ليطَ بالصبي فالصبي لا يحد لرفع القلم عنه، يقول المحقق ولو لاط البالغ بالصبي موقباً قتل البالغ، وأدب الصبي(2).

وفي الجواهر : بما يراه الحاكم مع الشعور به(3)،

وقد دلت على ذلك صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «سمعته يقول : إن في كتاب علي (علیه السلام) إذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين، ضرب الرجل وأدب الغلام، وإن كان ثقب وكان محصناً رجم(4).

ويؤيد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وامرأته قد لاط زوجها بأبنها من غيره وثقبه وشهد عليه الشهود بذلك فأمر به أمير المؤمنين (علیه السلام) فضرب بالسيف حتى قتل وضرب الغلام دون الحد، وقال أمّا لو كنت مدركاًلقتلتك لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك»(5).

ص: 98


1- شرائع الإسلام /4 /159 .
2- شرائع الإسلام /4 /159 .
3- الجواهر /41 /378 .
4- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح7 .
5- الوسائل أبواب حدّ اللواط الباب 2ح1 .

المسألة 184 : إذا لاط بعبده حُدّا، ولو أدعى العبد الإكراه سقط الحد عنه إذا احتمل صدقه(1)، وكذا الحال في دعوى الإكراه من غير العبد .

______________________________________________

(1) أمّا حدهما معاً لإطلاقات الأدلة الشاملة للمولى والعبد، وأمّا درء الحد بواسطة الإكراه لأنه محتمل الصدق، والحدود تدرء بالشبهات، يقول في الجواهر : لقيام القرينة فيه المقتضية للشبهة فيه دونه(1)،

بل في الرياض : لقيام القرينة على ذلك ولأنّه شبهة محتملة فيدرء بها الحد ومنه يظهره انسحاب الحكم في ما لو أدعى الإكراه من غير مولاه مع إمكانه(2).

ولذا قال الماتن «إذا احتمل صدقه» كما إذا كان المفعول به ضعيفاً والفاعل قوياً بحيث لا يمكنه الدفاع عن نفسه، أمّا لو كان بالعكس فلا يقبل منه، وهذا الحكم يجري بالنسبة لكل مكره ولو لم يكن عبداً أو احتمل صدقه ويرفع الحد عنه لقاعدة رفع الحد عن المكره، إذاً يحدان مع عدم الإكراه .

ص: 99


1- الجواهر /41 /179.
2- الرياض /16 / 7 _ 8 .

المسألة 185 : إذا لاط ذمي بمسلم، فإن كان مع الإيقاب قتل(1)وإن كان بدونه فالمشهور أنّه يقتل أيضاً، وهو غير بعيد(2).

______________________________________________

(1) إن كان الفاعل ذمياً فالمفعول تارة يكون مسلماً وأخرى يكون ذمياً أو كافراً، أمّا إذا كان الفاعل ذمياً والمفعول مسلماً فلا إشكال في وجوب قتله مع الإيقاب، بلا فرق بين أن يكون محصناً أو غير محصن كما مرّ في باب الزنا بناءً على أن اللواط زنا أو بحكمه، بل هو أشد، ففي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) لو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجم اللوطي»(1).

وأمّا إذا لم يوقب يقول المحقق : ولو لاط الذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب(2)،

وكذا العلامة بقوله : ولو لاط ذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب ولو لاط بمثله تخير الحاكم في إقامة الحد عليه بمقتضى شرعنا(3).

(2) يقول في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه لهتك حرمة الإسلام فهو أشد من الزنا بالمسلمة، كما إن الحربي أشد من الذمي(4)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه يعتبر في الذمي أن لا يرتكب ما ينافي حرمة الإسلام فإذا ارتكبه خرج عن الذمة فيقتل(5).

وأمّا إذا لاط بذمي آخر أو بغير ذمي من الكفار فالحكم كما تقدم في باب الزنا(1).

ص: 100


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح2.
2- شرائع الإسلام /4 /160.
3- القواعد /3 /536 .
4- الجواهر/41 /379 .
5- مباني المنهاج /1 /234 .

المسألة 186 : إذا تاب اللائط قبل قيام البينة فالمشهور أنّه يسقط عنه الحد(2)، ولو تاب بعده لم يسقط بلا إشكال ولو أقرّ به ولم تكن بيّنة كان الإمام مخيراً بين العفو والاستيفاء .

______________________________________________

(1) أمّا إذا لاط الذمي بمثله أو بكافر آخر، يقول المحقق : ولو لاط بمثله كان الإمام مخيراً بين إقامة الحد عليه وبين دفعه إلى أهله ليقيموا عليه الحد(1)

وهذا معلوم لعدم ورود أي نص على ذلك كما قال في الجواهر : على نحو ما سمعته في الزنا إذ لا نص هنا بالخصوص عليه(2).

(2) وذلك للاتفاق قد مرت المسألة في باب الزنا أو الحكم واحد، ففي صحيحة مالك بن عطية عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (علیه السلام) في ملاء من أصحابه، إذ أتاه رجل، فقال : يا أمير المؤمنين إنيّ أوقبت على غلام فطهرني إلى أن قال فقال اللهم إنيّ قد أتيت من الذنب ما قد علمته إلى أن قال ثم قام وهو باك حتى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين وهو يرى النار قد تتأجج حوله، قال فبكى أمير المؤمنين (علیه السلام) وبكى أصحابه جميعاً، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) قم يا هذا فقد ابكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض فإن الله قد تاب عليك، فقم ولا تعاودن شيئاً مما فعلت»(3)، ويؤيد ما ورد عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) : «قال لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام،فأمّا ما كان من حق الناس في حد فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام»(4).

ص: 101


1- الجواهر /41 /379 .
2- الجواهر /41 /379 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد اللواط ح1.
4- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح1.

المسألة 187 : إذا لاط بميت كان حكمه حكم من لاط بحي(1) .

______________________________________________

فالرواية ضعيفة فأن ضريساً امامي مجهول والراوي عنه مجهول أيضاً وما عن عبد الله البرقي عن بعض أصحابنا عن الصادقين (علیهما السلام) قال : «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقر بالسرقة، فقال له اتقرأ شيئاً من القرآن ؟ قال نعم سورة البقرة، قال قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الاشعث اتعطل حدّاً من حدود الله ؟ فقال وما يدريك ما هذا ؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع»(1).

والرواية ضعيفة أولاً، وثانياً يمكن أن يكون له أن يعفو عن القطع في السرقة .

(1) تارة نتكلم حسب القاعدة وأخرى حسب الأدلة .

أمّا بحسب القاعدة فقد قلنا بأن الشخص إذا مات فحكمه حكم الخشب إذا ادخل فيه فليس هناك حد .

وأمّا من حيث الأدلة فإن على الفاعل التعزير، وما ورد في الروايات حرمة الميت كحرمة الحي يدل على الحكم التكليفي لا الوضعي، ولذا فيبعض المقامات حيث ورد عليه حكم من قبل الشارع إنما كان بالدليل، نعم ما ورد عن إطلاق بعض الأدلة من لاط بغلام وغيره نفهم بأنّه حكم الميت كحكم الحي فتأمل، إذاً فالعمدة أن المسألة محل اتفاق .

ص: 102


1- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح3.

كيفية قتل اللائط

المسألة 188 : يتخير الإمام في قتل اللائط المحصن وكذلك غير المحصن إن قلنا بوجوب قتله بين أن يضربه بالسيف وإذا ضربه بالسيف لزم احراقه بعده بالنار على الأظهر(1) أو يحرقه بالنار، أو يدحرج به مشدود اليدين والرجلين من جبل ونحوه، وإذا كان اللائط محصناً فللإمام أن يرجمه، وأمّا الملوط فالأمام مخير بين رجمه والأحكام الثلاثة المذكورة، ولا فرق بين كونه محصناً أو غير محصن .

______________________________________________

(1) أمّا احراقه بعد الضرب بالسيف لصحيحة عبد الرحمن العرزمي قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : «وجد رجل مع رجل في امارة عمر فهرب أحدهما وأخذ الآخر فجيء به إلى عمر، فقال للناس ما ترون في هذا ؟ فقال هذا اصنع كذا وقال هذا اصنع كذا، قال فما تقول : يا أبا الحسن ؟ قال : اضرب عنقه، فضرب عنقه، قال : ثم أراد أن يحمله، فقال : مه أنّه قد بقي من حدوده بشيء، قال أي شيء بقي ؟ قال : ادع بحطب، فدعا عمر بحطب فأمر به أمير المؤمنين (علیه السلام) فاحرق به»(1)،

وكما عليه المشهور للردع ويستفاد من قوله (علیه السلام) : «فلو كان ينبغي لأحد أن يرجم مرتين لرجماللوطي»(2).

وظاهر صحيحة العزرمي هو الوجوب لولا وجود الإجماع على الخلاف وأمّا التخيير بين الأربعة فهو الجمع بين النصوص الصحيحة التي مرّ ذكرها.

ص: 103


1- الوسائل باب 3من أبواب حد اللواط ح4.
2- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح2.

................................

أمّا الملوط فهو التخيير أيضاً وهو مقتضى الجمع بين النصوص .

منها : صحيحة بريد بن عبد الملك المتقدمة .

ومنها: ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال، قال: «أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا كان الرجل كلامه كلام النساء ومشيته مشية النساء، ويمكّن من نفسه ينكح كما تنكح المرأة، فارجموه ولا تستحيوه»(1)وفي اللغة يسمى بالمخنث وهو من يوطء في دبره .

والثانية: ما دلت على أن حكمه القتل، كصحيحة حماد بن عثمان المتقدمة.

والثالثة : ما دلت على أن حكمه الاحراق بالنار كرواية عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كتب خالد إلى أبي بكر : سلام عليك أمّا بعد فاني أُتيت برجل قامت عليه البينة أنّه يؤتى في دبره كما تؤتى المرأة فاستشار فيه أبو بكر، فقالوا اقتلوه، فاستشار فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) فقال احرقه بالنار»(2).

وفي الطريق جعفر بن محمد وهو مجهول يقول الاستاذ الاعظم (قدسسرُّه)وإن لم يوثق في كتب الرجال إلا أنّه موجود في اسناد كامل الزيارات فالرواية صحيحة(3)،

وقد عرفت حال هذا الكتاب وحال الرجال الموجودين فيه ويكفينا الاتفاق، ثم أنّه مقتضى الجمع هو التخيير بعد رفع اليد عن ظهور التعيين فيها إلى التخيير وإن ثبتت هذه الأمور في اللائط ففي الملوط تكون بطريق أولى، إذاً لو فرض أن الإمام (علیه السلام) بعدما كان متخيراً بين الثلاثة ضربه بالسيف أو احراقه بالنار أو رميه من الجبل كما في صحيحة العرزمي فإن إطلاقها يشمل اللائط والملوط .

ص: 104


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح5.
2- الوسائل باب 3من أبواب حد اللواط ح9.
3- مباني تكملة المنهاج /1 /287.

الثالث: التفخيذ

المسألة 189 : حد التفخيذ إذا لم يكن إيقاب مائة جلدة(1) .

______________________________________________

(1) كما عن الحسن، والمفيد، والسيد، وسلار، والحلبي، وابني زهرة وابن إدريس، بل في المسالك هو المشهور وعليه سائر المتأخرين هذا ما ذكره صاحب الجواهر(1).

وفي الانتصار ودليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد(2)،

وفي الغنية بقوله : بدليل إجماع الطائفة(3)، ونسب إلى جماعة أنّه يرجم إن كان محصناً ويجلد إن كان غير محصن(4)فالصحيح هو المشهور وتدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال سمعته يقول : «إن فيكتاب علي (علیه السلام) إذا أُخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين، ضرب الرجل وأدب الغلام، وإن كان ثقب وكان محصناً رجم»(5).

ولكن إنما تدل هذه الصحيحة على الجلد إذا حملنا الضرب على الحد الشرعي كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإن الظاهر من ضرب الرجل في هذه الصحيحة هو الحد الشرعي في مقابل الرجم بقرينة التفصيل بينهما وبقرينة التعبير بالتأديب بالنسبة إلى الغلام(6)، وبقرينة ما إذا ثقب الرجل إذاً دون الثقب هو الجلد .

ويؤيد ذلك مرفوعة ابن يحيى الواسطي قال : «سألته عن رجلين يتفاخذان ؟ قال : حدهما حد الزاني، فإن أدعم أحدهما على صاحبه، ضرب الداعم ضربة

ص: 105


1- الجواهر /41 /382 .
2- الانتصار / 511 .
3- الغنية /1 /425 _ 426 .
4- منهم الشيخ في النهاية / 704 ، وتبعه ابن البراج في المهذب / 2/ 530 ، وابن حمزة في الوسيلة / 413 .
5- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح7 .
6- المباني/1 / 289.

ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر والمحصن وغيره والفاعل والمفعول، والمشهور أنّه لا فرق بين الحر والعبد، ولكنّ الظاهر هو الفرق(1)، وإن حد العبد نصف حد الحر .

______________________________________________

بالسيف أخذت منه ما أخذت وتركت ما تركت يريد بها مقتله والداعم عليه يحرق بالنار»(1)، ورواية سليمان بن هلال قال : «سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) فقال : جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد، فقال : ذوا محرم ؟ فقال لا إلى أن قال، إن كان دون الثقب فالحد، وإن هوثقب أُقيم قائماً ثم ضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه مأخذه»(2).

(1) ويؤيد ذلك الإجماع وأمّا ما نسب إلى الشيخ من الرجم والقتل مطلقاً وإن لم يكن محصناً، لعل مدركهم صحيحة الحسين بن سعيد، قال : «قرأت بخط رجل اعرفه إلى أبي الحسن (علیه السلام) وقرأت جواب أبي الحسن بخطه هل على رجل لعب بغلام بين فخذيه حد إلى أن قال : وكتب أيضاً هذا الرجل ولم ارَ الجواب ما حد رجلين نكح أحدهما الآخر طوعاً بين فخذيه وما توبته، فكتب القتل»(3)، فلا يمكن الاستدلال بها مع جهل الرجل الكاتب وأن حسين بن سعيد مجهول، مضافاً إلى اعراض الأصحاب عن الرواية ولعل مدرك الشيخ كان الرواية الواردة وهي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) اللواط ما دون الدبر، والدبر هو الكفر»(4)، ورواية حذيفة بن منصور قال سالت أبا عبد الله (علیه السلام) عن اللواط «فقال ما بين الفخذين، وسألته عن الذي يوقب، قال : ذاك الكفر بما

ص: 106


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد اللواط ح6.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح21.
3- الوسائل باب 1 من أبواب حد اللواط ح5.
4- الوسائل باب 20 من أبواب نكاح المحرم ح2.

المسألة 190: لو تكرر التفخيذ ونحوه وحُدَّ مرتين قتل في الثالثة(1).

______________________________________________

أنزل الله على نبيه»(1)،

فالروايتان ناظرتان إلى الحكم التكليفي أي عقابه كذلك وإلا فهو ليس بمرتد لكي يجب قتله .وأمّا عدم الفرق بين المسلم والكافر والمحصن وعدم المحصن للإطلاق ولكن الحق هناك فرق بين الحر والعبد، فإن العبد يجلد نصف ما على الحر كما إذا كان المفعول مسلماً والفاعل كافراً يقتل الكافر وكذلك الذمي كما مرّ .

(1) والمسألة محل كلام، فهل يقتل في الثالثة أو الرابعة ؟ فالمشهور أنّه يقتل في الرابعة كما في حكم الزنى، وقد مرّ بأن حد اللائط هو حد الزنا وأن اللواط يصدق عليه الزنا .

وما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) الصحيح هو أن يقتل في الثالثة واستدل بصحيح يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أُقيّم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(2)فيخصص ما ورد من عموم الصحيحة بالقتل بالثالثة بما ورد في الصحيحة التي تقول يقتل في الرابعة وهو مطابق للاحتياط أيضاً.

ولا يخفى بأن التكرار بالنسبة إلى ثلاثة أو أربعة إنما هو في ما إذا وقع الحد بين كل مرة وأخرى وإلا فلا يقتل لما ورد في الروايات إذا أقيم عليهم الحد .

ص: 107


1- الوسائل 20 من أبواب النكاح المحرم ح3.
2- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح1، المباني /1 _ 291.

المسألة 191 : إذا وجد رجلان تحت لحاف واحد مجردين من دون أن يكون بينهما حاجز، فالمشهور بين المتأخرين أنّهما يعزران من ثلاثين سوطاً إلى تسعة وتسعين سوطاً(1)، والأظهر أن يجلد كل واحد منهما تسعة وتسعين سوطاً، وكذلك الحال في امرأتين وجدتا مجردتين تحت لحاف واحد أو رجل وامرأه .

______________________________________________

(1) يقول العلامة : و يعزر الاجنبيان المجتمعان في أزار واحد مجردين من ثلاثين إلى تسعة وتسعين(1)، ويقول الماتن : يجلد كل واحد منهما تسع و تسعين سوطاً، واستدل المشهور بروايتي سليمان بن هلال، وابن سنان .

أمّا الأولى: عن سليمان بن هلال، قال: «سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) فقال جعلت فداك الرجل ينام مع الرجل في لحاف واحد فقال (علیه السلام) ذوا محرم ؟ فقال : لا، فقال : من ضرورة ؟ قال : لا، قال (علیه السلام) : يضربان ثلاثين سوطاً»(2).

وأمّا الثانية : خبر ابن سنان _ يعني عبد الله _ عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين يوجدان في لحاف واحد، قال : يجلدان غير سوط واحد»(3)

أي تسعة وتسعين، والروايتان ضعيفتان، قالوا بأن ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب ولذا الجمع بينهما يقتضي البناء من الثلاثين إلى المائة إلا سوطاً واحداً، ولكن قد عرفت في أن عمل الأصحاب لا يفيد الانجبار، وقد عرفت بأن رواية سليمان ابن هلال ضعيفة لأن سليمان بن هلال الجبان الكوفيامامي مجهول .

ولكن هناك روايات بعضها تدل على الحد وهو مائة جلدة وبعضها على أقل من الحد بسوط، أمّا الروايات التي دلت على ضرب الحد .

ص: 108


1- التبصرة / 110.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح21.
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح18.

................................

منها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال : «كان علي (علیه السلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مائة جلدة كل واحد منهما وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مائة جلدة»(1).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «حد الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد والمرأتان تجلدان إذا أخذتا في لحاف واحد الحد»(2).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) إلى أن يقول : «كان علي (علیه السلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد»(3).

ومنها : صحيحة عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول حد الجلد في الزنا أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يوجدان في لحاف واحد، والمرأتان توجدان في لحاف واحد»(4)،

ومقابل هذه الروايات ما يدل بأن الجلد يكون أقلّ من مائة .منها : صحيحة معاوية بن عمار، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) المرأتان تنامان في ثوب واحد، فقال : تضربان، فقلت : حدا ؟ قال : (علیه السلام) لا قلت : الرجلان ينامان في ثوب واحد، قال : يضربان، قال : قلت الحد ؟ قال : لا»(5)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : وهذه الرواية صحيحة على الأظهر فإن طرق الشيخ إلى يونس بن عبد الرحمن وإن كان أكثرها ضعيفة إلا أن طريقاً واحداً منها صحيح، وإن كان فيه

ص: 109


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح15.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح1.
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح2 .
4- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح23.
5- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح16.

................................

ابن أبي جيد فإنه ثقة على الأظهر، لأنّه من مشايخ النجاشي(1).

ولكن ما ذكره بأن طرق الشيخ إلى يونس وإن كان أكثرها ضعيفة إلا أن طريقاً واحداً منها صحيح، من اين نعلم أن ذلك الطريق هو الصحيح ومجرد كونه شيخ النجاشي لا يفيد في الوثاقة، إلا على ما ذكره صاحب تهذيب المقال في وثاقة مشايخ النجاشي، يظهر عن عدة من أصحابنا وثاقة مشايخ النجاشي وبه قد صرح غير واحد من اعاظم المتأخرين وقد اعتمدوا على رواية جماعة ممن لم يصرح بتوثيقه من مشايخه بدعوى أن المستفاد من بعض كلماته أنّه لا يروي إلا عن الثقات، ثم يقول في ترجمة أحمد بن محمد ابن عبيد الله بن الحسن بن عياش الجوهري قال : كان سمع الحديث وأكثر واضطرب في آخر عمره إلى أن قال رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ووالدي وسمعت منه اشياء كثيرة ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أروِ عنه شيئاً وتجنبته(2).

ومنها : صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجلينيوجدان في لحاف واحد، قال : يجلدان غير سوط واحد»(3)، وأمّا ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من صحيحة ابن عثمان وحريز فخارجتان عن المسألة، لأنّهما وردتا في ما إذا وجد المرأة والرجل تحت لحاف واحد وكلامنا في ما إذا وجد الرجلان تحت لحاف واحد فجمع الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)بين الطائفتين بالتخيير أو الحمل على التقية وهو أولى لصريح رواية معاوية قال : بأنّه لا يضربان الحد، ولصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال : «كنت عند أبي عبد الله (علیه السلام) فدخل عليه عباد البصري ومعه أُناس من أصحابه، فقال له : حدثني عن الرجلين إذا أُخذا في لحاف واحد فقال له: كان

ص: 110


1- المباني /1/ 293 .
2- تهذيب المقال في تنقيح كتب الرجال /1 /71.
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح18.

الرابع : تزويج ذمية على مسلمة بغير إذنها

المسألة 192 : من تزوج ذمية على مسلمة فجامعها عالماً بالتحريم قبل اجازة المرأة المسلمة كان عليه ثمن حد الزاني(1)وإن لم ترض المرأة بذلك فرق بينهما، وإمّا إذا تزوج أمة على حرة مسلمة فجامعها عالماً بالتحريم قبل اجازتها فقال جماعة عليه ثمن حد الزاني أيضاً، وهو لا يخلو من إشكال، بل منع، والأظهر ثبوت تمام الحد .

______________________________________________

علي (علیه السلام) إذا أخذ الرجلين في لحاف واحد ضربهما الحد، فقال له عباد : إنك قلت لي : غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث حتى اعاد ذلك مراراًفقال غير سوط»(1)

فإصرار الإمام على الحد التام واخباره خبر مائة إلا واحد، دليل أن هناك مع عبّاد من لابد أن يتقى منه، إذاً هذا دليل على أن الروايات الواردة بالحد الكامل تحمل على التقية ولابد أن يجلد مائة إلا سوطاً .

(1) لا يخفى بأن الذمية يحرم الزواج بها من الرجل المسلم وهو متزوج بالمسلمة، بل لابد له من أخذ الإجازة من المسلمة ولذا مع عدم رضاها يفرق بينهما، وقد وردت بذلك صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل تزوج ذمية على مسلمة قال يفرق بينهما ويضرب ثمن حد الزاني اثنا عشر سوطاً ونصفاً، وإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما، قلت كيف يضرب النصف ؟ قال يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به»(2)وغيرها كرواية منصور بن حازم(3)،

ولو لم يذكر في الحديث الجماع ولكن المسألة اتفاقية .

ص: 111


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح2.
2- الوسائل باب7 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ح4.
3- الوسائل باب7 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوها ح4 ، ذيل الحديث .

................................

وأمّا عدم جواز زواج الأمة على الحرة المسلمة أيضاً مما لا خلاف فيه بل لابد من إجازتها .

وقد يقال حكم المتزوج أمة حكم من تزوج ذمية على المسلمة فإنه يحد ثمن حد الزاني، ولكن لم يدل دليل على هذا القول إلا رواية ضعيفة هي رواية حذيفة بن منصور، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها، قال (علیه السلام) يفرق بينهما، قلت عليهأدب قال : نعم اثنا عشر سوطاً ونصف ثمن حد الزاني، وهو صاغر»(1).

والانجبار بعمل الأصحاب في صحة الرواية لا يفيد، فقد وقع في طريقها إبراهيم بن اسحاق الأمري النهاوندي، وأحمد بن هوذة، أمّا الأول يقول صاحب تنقيح المقال : ضعفه مثل الشيخ والنجاشي والعلامة رحمهم الله فلا نتيجة لأمثال ذلك غاية ما هناك دعوى كون الرجل مشتبه الحال لا كونه غير مُوثَقاً به، اللهم إلا أن يستفاد من روايته لأخبار المتعة ونفى أبي ذر كونه من الشيعة ويستفاد مدحه مما ذكره الوحيد فتكون الرواية من الحسان(2).

أقول : لعل تضعيف من ضعفه لأجل نقله الروايات التي كانت في نظرهم ضعيفة وفيها غلو .

وأمّا أحمد بن هوذة هو أحمد بن نصر بن سعيد كما في تنقيح المقال وهو أحمد بن النصر النصير (النصر) بن سعيد الكوفي المعروف بابن أبي هراسة يلقب أبوه هوذة مجهول(3)، إذاً فالرواية ضعيفة .

ص: 112


1- الوسائل باب 47 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح2.
2- تنقيح المقال النسخة الحجرية ج1 ص13.
3- تنقيح المقال النسخة الحجرية / 1/ 99 .

الخامس : تقبيل المحرم غلاماً بشهوة

المسألة 193 : مَنْ قَبّلَ غلاماً بشهوة(1) فإن كان محرماً ضرب مائة سوط، وإلا عزره الحاكم دون الحد حسبما يراه من المصلحة .

______________________________________________

(1) الكلام يقع في هذه المسألة تارة من جهة الحكم التكليفي، وأخرى من جهة الحكم الوضعي .أمّا في الأول فقد ورد عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قبل غلاماً من شهوة الجمه الله يوم القيامة بلجام من نار»(1).

وأمّا بالنسبة إلى الثاني فقد أدعيّ عليه الإجماع، وقد عرفت حال هذه الإجماعات صغرى وكبرى، فهل يعزر مطلقاً ؟ أو هناك فرق بين المحرم وغير المحرم وبين الحج في المحرم والعمرة وغيرها ؟ قال صاحب الجامع للشرائع : ويعزر مَنْ قبّل غلاماً غير محرم له فإنْ قبله في حال الاحرام غلظت عقوبته وروي أنه يضرب مائة سوط(2)،

كما في رواية عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) محرم قبّل غلاماً بشهوة، قال : يضرب مائة سوط»(3).

وأيضاً ما قاله ابن إدريس في السرائر : من قبّل غلاماً ليس بمحرم له على جهة الالتذاذ والشهوة وميل النفس وجب عليه التعزير، فإن فعل ذلك وهو محرم بحج أو عمرة غلظ عليه تأديبه كي ينزجر عن مثله في مستقبل الاحوال، فإن كان التقبيل للغلام أو الرجل على غير ذلك الوجه إمّا لأمر ديني أو صداقة دنيوية ومودة اصلاحية وعادة عرفية، فلا حرج في ذلك ولا أثم فإنّه قد روي استحباب تقبيل القادم من مكة بغير خلاف، وإنما يحرم من ذلك ما يقصد به الريبة والشهوة

ص: 113


1- الوسائل باب 21 من أبواب النكاح المحرم ح1 .
2- الجامع للشرائع / 555 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد اللواط ح1 .

السادس : السحق

المسألة 194 : حد السحق إذا كانت غير محصنة مائة جلدةويستوي في ذلك المسلمة والكافرة، وكذلك الأمة والحرة على المشهور، وفيه إشكال بل منع(1).

______________________________________________

والفسوق، وهذا شيء راجع إلى النيات والعقائد، فقد قال (علیه السلام) «الاعمال بالنيات، إنما لكل امرء ما نوى»(1)

وفي الفاظ الاخبار عن الأئمة الأطهار (علیهم السلام) تقييد التحريم من ذلك في ما يكون بشهوة أورَد ذلك ابن بابويه في رسالته وقيده في كلامه(2).

ولكن رواية إسحاق بن عمار مطلقة، فإما أن يعلم الشهود أنّه قبله بشهوة، أو اعترف الرجل، وأمّا بدون ذلك فمشكل، ولذا قيده الماتن أنّه إذا قبله بشهوة، وأمّا الفرق بين المحارم وغيرهم كما قال به البعض فلم يدل عليه دليل .

(1) السحق بمعناه اللغوي : هو دلك المرأة فرجها بفرج امرأة غيرها كما في المجمع(3)وهو من المعاصي الكبيرة وأدعيّ عليه الإجماع، وتحدّ المساحقة على المشهور مائة جلدة، والمسألة غير خلافية وقد دلت عليه عدة روايات .

منها: صحيحة محمد بن أبي حمزة، وهشام بن حفص كلهم عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق فقال : «حدها حد الزاني، فقالت المرأة : ما ذكر الله ذلك في القران، فقال : بلى قالت واين هن ؟ قال : هن أصحاب الراس»(4)،

وفي تفسير علي بن إبراهيم أصحابالراس هن اللواتي باللواتي وهن الراسيات(5).

ص: 114


1- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات العبادات ح7.
2- السرائر /3 /461.
3- مجمع البحرين باب سحق .
4- الوسائل باب 1 من أبواب حد السحق ح1 .
5- نقلا عن مجمع البحرين مادة ر س س.

................................

ومنها : وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «السحّاقة تجلد»(1)،

وهي وإن كانت من جهة كيفية الحد وكميتها مطلقة فتقيّد بالروايات الواردة في الزاني بالحد مائة .

يقول العلامة : يجب به جلد مائة على البالغة العاقلة حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة محصنة أو غير محصنة فاعلة أو مفعولة، وقيل إن كانت محصنة رجمت فاعلة و مفعولة(2)، وقد أدّعى البعض عدم الخلاف، وقال الماتن فيه إشكال لإطلاق الروايات، ويؤيد ذلك المرسلة الواردة عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «السحق في النساء كاللواط في الرجال»(3)، ولكن فيه جلد مائة لأنّه ليس فيه ايلاج، وهذه مرسلة وغير قابلة للاستدلال بها .

وأمّا الإطلاق فيقيّد بما ورد في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث قال : «قيل له : فإنْ زنى وهو مكاتب ولم يؤد شيئاً من مكتابته ؟ قال : هو حق لله يطرح عنه من الحد خمسين جلدة ويضرب خمسين»(4)،

ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن المحبوب عن حماد بن زياد .

وقد يقال بأنّها مختصة بالزاني، ولكن يفهم من عموم العلة «بأن حدّ الله» في غير الحر النصف .إذاً هما متقدمتان على الإطلاقات كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله فهما بهذا اللسان تتقدمان على الإطلاقات في مورد الاجتماع والمعارضة(5).

ص: 115


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد السحق ح2
2- القواعد /3 / 37.
3- مستدرك الوسائل / 18 أبواب حد السحق الباب 1ح4 .
4- الوسائل باب 1 3 من أبواب حد الزنا ح1 .
5- المباني /1 /301.

وقال جماعة: إن الحكم في المحصنة أيضاً كذلك، ولكنه ضعيف بل الظاهر أن المحصنة ترجم(1).

______________________________________________

(1) هل حكم المحصنة وغير المحصنة سواء في الحد أو أن المحصنة ترجم هو محل خلاف، فالمشهور بين الأصحاب كما في الرياض : بلا خلاف في شيء من ذلك أجده إلا في جلد المحصنة مائة(1)،

وأمّا في المسالك فيقول : والحكم بالجلد على المساحقة في الجملة لا إشكال فيه وإنما يتم المطلوب مع عمومه(2)، ونسب إلى الانتصار قوله : دليلنا ما تقدم إجماع الطائفة فلا خلاف بينهم في ذلك أيضاً، فلا خلاف في أن هذا الفعل فاحش قوي الخطر يجري مجرى اللواط(3)، وعن الشيخ في النهاية قوله: إذا ساحقت امرأةٌ امرأةً أخرى وقامت عليهما البينة بذلك كان على كل واحدة منهما الحد مائة جلدة إن لم تكونا محصنتين، فإن كانتا محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم، وقد ذكر المفيد تجلدان مائة جلدة محصنتين كانتا أو غير محصنتين(4)وبه قال المرتضى وأبو الصلاح وسلار قال : ترجم(5)، ومال إليه في المسالك وقواه في الرياض بحسب النصوص، ولكن لم يفت به لمخالفة الجماعة، فالعمدة في ذلك هو اختلاف الروايات أمّا ما يدل على الرجم روايات عدة .منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : « سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله (علیهما السلام) يقولان: بينما الحسن بن علي (علیه السلام) في مجلس أمير المؤمنين (علیه السلام) إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين، قال : وما حاجتكم ؟ قالوا : أردنا أن نسأله عن مسألة، قال : وما هي تخبرونا بها ؟ قالوا : امرأة جامعها زوجها، فلما قام عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فوقعت النطفة فيها فحملت، فما

ص: 116


1- الرياض / 16 / 19.
2- المسالك / 14 / 414.
3- الانتصار 513 .
4- المقنعة / 787 __ 788 .
5- النهاية ونكتها /3 / 309 ، وانظر الكافي في الفقه / 409 ، المراسيم العلوية / 255 .

المسألة 195 : لو تكررت المساحقة، فإن اُقيّم الحد عليها بعد كل مساحقة قتلت في الثالثة، وأمّا إذا لم يقم عليها الحد لم تقتل(1).

______________________________________________

تقول في هذا ؟ فقال الحسن : معضلة وأبو الحسن لها، وأقول فإن أصبت فمن الله ومن أمير المؤمنين، وإن اخطأت فمن نفسي، فأرجوا أن لا اخطأ إن شاء الله، يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة، لأن الولد لا يخرج منها حتى تشق فتذهب عذرتها، ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويرد الولد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد الجارية الحد، قال : فانصرف القوم من عند الحسن (علیه السلام) فلقوا أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال : ما قلتم لأبي محمد ؟ وما قال لكم ؟ فاخبروه، فقال : لو أنني المسؤول ما كان عندي فيها أكثر مما قال ابني»(1)، قيل هو مخالف للأصل والشهرة والاحتياط في الدماء ولكن إذا ورد دليل فهو اجتهاد في مقابل النص والشهرة غير جابره ولا كاسرة .

ومنها : معتبرة المعلى بن خنيس قال : «سألت ابا عبد الله (علیه السلام)عن الرجل وطئ امراته فنقلت ماءه إلى جارية بكر فحبلت ؟ فقال : الولد للرجل وعلى المرأة الرجم، وعلى الجارية الحد»(2) وغيرها من الروايات .

(1) المشهور أنّها تقتل في الرابعة، والحق أنّها تقتل في الثالثة لما ورد في صحيحة صفوان عن يونس عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال : «أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(2)،

نعم وردت صحيحة أخرى عن أبي بصير، قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) الزاني إذا زنى يجلد ثلاثاً ويقتل في الرابعة _ يعني جلد ثلاث مرات»(3)،

ولكن هذه مختصة بالزاني .

ص: 117


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السحق ح1 . (2) الوسائل باب 3 من أبواب حد السحق ح4.
2- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .

المسألة 196 : إذا تابت المساحقة قبل قيام البينة، فالمشهور سقوط الحد عنها ودليله غير ظاهر ولا أثر لتوبتها بعد قيام البينة بلا إشكال(1).

المسألة 197 : لو جامع الرجل زوجته فقامت الزوجة فوقعت على جارية بكر فساحقتها فالقت النطفة فيها فحملت، فعلى المرأة مهر الجارية البكر، ثم ترجم المرأة، وأمّا الجارية فتنظر حتى تضع ما في بطنها ويرد إلى أبيه صاحب النطفة، ثم تجلد، وما نُسب إلى بعض المتأخرين من أنكار كون المهر على المرأة، بدعوى أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة، لا وجه له(2) .

السابع : القيادةوهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، وبين الرجال والرجال للواط وبين النساء والنساء للسحق(3) .

______________________________________________

(1) ووجه ذلك قد بيناه في باب الزنا .

(2) قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تقدم أن الصحيحة نص في خلاف ذلك وما نسب إلى البعض فهو، اجتهاد في مقابل النص فلا يمكن المساعدة عليه بوجه(1)،

مضافاً إلى أنّه لا يصدق عليه الزنا لا لغة ولا عرفاً .

(3) وهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، وبين الرجال والرجال للواط، وقد زاد على ذلك صاحب الغنية بين النساء والنساء للسحق، ومن جمع بين رجل و امرأة، او غلام، او بين امرأتين للفجور(2).

ص: 118


1- المباني /1/ 303 .
2- الغنية /2/ 427 .

المسألة 198 : تثبت القيادة بشهادة رجلين عادلين ولا تثبت بشهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة النساء منفردات(1)، وهل تثبت بالإقرار مرة واحدة ؟ المشهور عدم ثبوتها بذلك، بل لابد من الإقرار مرتين، ولكن لا يبعد ثبوتها بالإقرار مرة واحدة .

______________________________________________

(1) المسألة غير خلافية، كما ادّعى عليه صاحب الجواهر بقوله : بلا خلاف ولا إشكال(1)،

ونسب إلى المراسم قوله : كل ما يثبته شاهدان عادلانمن الحدود فالإقرار فيه مرتان(2).

ولكن الحق أنّه يثبت بالإقرار مرة واحدة ولا دليل على ما ذكره المشهور من اعتبار الإقرار مرتين، كما أن ما أدّعاه في المراسم لا دليل عليه، وهكذا ما ورد في اعتبار الأربعة في ما تثبته شهادة الأربع لعدم الدليل بل هو قياس كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله ودعوى أن اعتبار الإقرار فيه مرتين لفحوى اعتبار الأربع في ما تثبته شهادة الأربع واضحة الفساد، فإنّها قياس محض لا نقول به(3)،

إذاً إثباته يكون بالمرة للعمومات .

أمّا ما يخص بيانه في الحكم التكليفي ثم الوضعي، فنقول :

أولاً : الحكم التكليفي : لا إشكال في أنّ القيادة من المعاصي الكبيرة فعن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) : «من قاد بين امرأة ورجل حراماً حرم الله عليه الجنة ومأواه جهنم وساءت مصيراً، ولم يزل في سخط الله حتى يموت»(4)،

وأمّا أنّها من الكبائر فمحل اتفاق، وادّعى البعض عدم الخلاف .

ص: 119


1- الجواهر /41 /400 .
2- المراسم / 259 .
3- مباني تكملة المنهاج /1 /304 .
4- الوسائل باب 27 من أبواب النكاح المحرم ح2 .

المسألة 199 : إذا كان القواد رجلاً فالمشهور أنّه يضرب ثلاثة ارباع حد الزاني، بل في كلام بعض عدم الخلاف فيه بل الإجماع عليه(1) وقال جماعة : أنّه مع ذلك ينفى من مصره إلى غيره من الامصار، وهو ضعيف وقيل يحلق رأسه ويشهر، بل نسب ذلك إلى المشهورولكن لا مستند له وأمّا إذا كان القواد امرأة فالمشهور أنّها تجلد، بل أدعيّ على ذلك عدم الخلاف لكنه لا يخلو من إشكال، وليس عليها نفي ولا شهرة ولا حلق.

______________________________________________

ثانياً : الحكم الوضعي قد مر بيانه في أول المسألة .

وأمّا كمية الحد فهي خمس وسبعون جلدة أي ثلاثة ارباع الحد بلا خلاف، بل عليه الإجماع كما في الانتصار والغنية والمسالك(1).

(1) الكلام يقع في هذه المسألة في أمور :

الأول : في بيان حد القواد فالمشهور ثلاثة أرباع الحد خمس وسبعون جلدة وقد أدعيّ عليه الإجماع، ويقول صاحب المسالك : اتفق الجميع على أن حد القيادة مطلقاً خمس وسبعون جلدة(2).

الثاني : واختلفوا في ثبوت شيء آخر معها فأثبت الشيخ في النهاية بقوله : يجلد ويحلق رأسه ويشهر في البلد ثم ينفى عن البلد الذي فعل فيه إلى غيره من الامصار(3)، وتبعه ابن البراج وابن إدريس(4)، وقال المفيد : يجلد في المرة الأولى

ص: 120


1- الانتصار / 254 ، الغنية / 427 ، المسالك / 14 / 422 .
2- المسالك /14 /422 ، الكافي في الفقه / 410 ، المراسيم / 259 .
3- النهاية / 710 .
4- المهذب / 2/ 534 ، السرائر / 3/ 471 .

................................

ويحلق رأسه ويشهر، فإن عاد ثانية جلد ونفي(1)، وتبعه أبو الصلاح وسلار(2)،

وقال صاحب الرياض : بلا خلاف أجده(3)، بل عليه الإجماع في الانتصار(4)والغنية(5)،

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده(6).

واستدلوا بالخبر الوارد عن عبد الله بن سنان، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) اخبرني عن القواد ما حدّه ؟ قال : لا حد على القواد، أليس إنما يعطى الأجر على أن يقود ؟ قلت : جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر والانثى حراماً، قال : ذاك المؤلف بين الذكر والانثى حراماً، فقلت : هو ذاك، قال : يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعين سوطاً، وينفي من المصر الذي هو فيه»(7).

ولا يخفى أنّه ورد في الطريق محمد بن سليمان وهو اسم عدة من الرواة الاسدي، فهو غير ثقة امامي مجهول، سليمان الأصفهاني ثقة، محمد بن سليمان البصري الديلمي ضعيف أو مجهول، محمد بن سليمان بن جلاب امامي مجهول، محمد بن سليمان بن جهم بن بكر بن اعين ثقة، وغيرهم فبعضهم ثقة وبعضهم لا، إذاً لا يمكن القول بأنه ثقة .

الثالث : كون المسألة اتفاقية، فيمكن أن يقال بأنّه يحد ثلاثة أرباع ويمكن أن يقال النفي إلى غير مصره لإطلاق الرواية .

ص: 121


1- المقنعة / 791 .
2- المسالك /14 /422 .
3- الرياض /16 /28 .
4- الانتصار/254 .
5- الغنية (الجوامع الفقهية)/ 622 .
6- الجواهر /41 /400 .
7- الوسائل باب 5 من أبواب حد السحق ح1

الثامن: القذف

وهو الرمي بالزنا أو اللواط، مثل أن يقول لغيره: زنيّت أو أنت زانٍ، أو ليط بك، أو أنت منكوح في دبرك، أو أنت لائط، أو ما يؤدي هذا المعنى(1).

______________________________________________

وفي الرواية ورد الجمع بين الرجل والمرأة، أمّا الجمع بين الرجلين يكون حكمه حكم الرجل والمرأة فيكون ثبوته بالأجماع أو الاولوية، والنفي في كل مرة لإطلاق الرواية .

أمّا الحلق والتشهير فلا دليل عليه بالنسبة إلى المرأة لأن الخبر مختص بالرجل ويظهر من إطلاق الرواية عدم الفرق بين أن يكون القواد حراً أو عبداً أو مسلماً أو كافرا .

(1) وهو عند أهل اللغة الرمي من بعيد للحجارة، وذكر صاحب مجمع البحرين: والقذف الرمي يقال قذفت الحجارة قذفاً من باب ضرب رميت بها، وقذف المحصنة رماها بالفاحشة(1).

وشرعاً : قيل رمي المسلم الحر الكامل المستتر بالزنا أو اللواط، كأن يقول يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية، أو قال لمن اعترف ببنوته لست بولدي أو لغيره لست لأبيك، فهنا يقع الكلام في هذه المسألة في الحكم الوضعي وأخرى في التكليفي .

أمّا الثاني : لا يخفى بأنّه من الكبائر وهو أحد الموبقات السبع، وهن كما عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال : «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل : وما هن ؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وأكلالربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات»(2).

ص: 122


1- مجمع البحرين / مادة قَذَفَ .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح34 .

المسألة 200 : لا يقام حد القذف إلا بمطالبة المقذوف ذلك(1).

المسألة 201 : يعتبر في القاذف البلوغ والعقل، فلو قذف الصبي أو المجنون لم يحد(2) .

______________________________________________

وتدل عليه الآيات، منها قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ»(1)، وقوله جل شانه : «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(2).

وقد ورد عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال : «ومن رمى محصناً أو محصنة احبط الله عمله، وجلده يوم القيامة سبعون الف ملك من بين يديه ومن خلفه، ثم يؤمر به إلى النار»(3).

(1) بعد إن قلنا بأنّه يُعدّ من حقوق الناس، فهو متوقف على مطالبة من له الحق وتدل عليه موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قال لرجل يا ابن الفاعلة _ يعني الزنا _ فقال: إن كانت أمه حيّة شاهدة ثم جاءت تطلب حقها ضرب ثمانين جلدة، وإن كانت غائبة انتظر بها حتى تقدم ثم تطلب حقها، وإن كانت قد ماتت ولم يعلم منها إلا خير ضرب المفتري عليها الحد ثمانين جلدة»(4).(2) لحديث الرفع فلو قذف الصبي أو المجنون لم يحدا، إلا إذا كان المجنون ادوارياً، وقذف في حال عقله فإنه يحد، ولو كان مجنوناً بعد القذف وذلك لصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) في رجل وجب عليه الحد فلم يضرب حتى خولط، فقال : «إن كان أوجب على نفسه الحد وهو صحيح لا علة به من ذهاب عقل، أُقيّم

ص: 123


1- سورة النور الآية / 19 .
2- سورة النور الآية / 23 .
3- الوسائل باب1من أبواب حد القذف ح6 .
4- الوسائل باب 6 من أبواب حد القذف ح1 .

ولا فرق في القاذف بين الحر والعبد , ولا بين المسلم والكافر(1) .

______________________________________________

عليه الحد كائناً ما كان»(1).

ويدل على عدم وجوب الحد على المجنون صحيحة فضيل بن يسار قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا حد لمن لا حد عليه، يعني لو أن مجنوناً قذف رجلاً لم ارَ عليه شيئاً، ولو قذفه رجل فقال : يا زانٍ لم يكن عليه حد»(2),

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «لا حد لمن لا حد عليه»(3).

وهكذا بالنسبة إلى قذف الصبي لصحيحة أبي مريم الانصاري قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد ؟ قال (علیه السلام) : لا وذلك لو أن رجلاً قذف الغلام لم يجلد»(4).

ولكن قاسم بن سليمان الذي ورد في سند الرواية توقف في وثاقتهصاحب التنقيح ووثقه الاستاذ الاعظم(5).

(1) لما عليه المشهور ولإطلاق الآية : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء»(6)، ولما ورد من الروايات الصحيحة .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا قذف العبد الحر جلد ثمانين، وقال : هذا حق من حقوق الناس»(7).

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه سئل عن

ص: 124


1- الوسائل باب 9 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
2- الوسائل باب 19 من أبواب مقدمات الحد ح1 .
3- الكافي /7 / 253 ح1 باب لا حد لمن لا حد عليه .
4- الوسائل باب 5 من أبواب الحد القذف ح1 .
5- المباني / 1/ 308 .
6- سورة النور الآية / 4 .
7- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح4.

................................

المكاتب افترى على رجل مسلم ؟ قال : «يضرب حد الحر ثمانين، إن كان أدى من مكاتبته شيئاً أو لم يؤد»(1).

ومنها : ومعتبرة أبي بكر الحضرمي، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مملوك قذف حراً ؟ قال : يجلد ثمانين، هذا من حقوق الناس»(2)، وغيرها من الروايات المعتبرة .

ولكن مقابل هذه الروايات رواية وردت عن القاسم بن سليمان، قال: «سألت أبا عبد الله عن العبد افترى على الحر كم يجلد ؟ قال : أربعين، قال إذا أتى بفاحشة فعليه نصف العذاب»(3).

وكما ذكر الاستاذ(4)

الاعظم (قدس سرُّه) لإطلاق الأدلة ولخصوص معتبرةبكير عن أحدهما (علیها السلام) أنّه قال : «من افترى على مسلم ضرب ثمانين يهودياً أو نصرانياً أو عبداً»(5).

ولكن هذه الرواية سندها ضعيف فأن صاحب التنقيح توقف في قاسم بن سليمان، ولو عبر الأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) عن الرواية بالمعتبرة، هذا أولاً .

وثانياً : تلك الروايات مقدمة على هذه الرواية على فرض صحة هذه الرواية لأنّها مشهورة بينهم وموافقة للآية : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ» وقد أدّعى الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بأنّها مخالفة للعامة(6)،

نعم وردت هناك روايتان تدلان على خلاف تلك الروايات كصحيحة حريز عن محمد عن أبي جعفر «في العبد يفترى

ص: 125


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح9.
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح10.
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح15.
4- المباني / 1 / 309 .
5- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح13 .
6- انظر المباني .

المسألة 202 : يعتبر في المقذوف البلوغ والعقل والحرية، والإسلام والإحصان(1)، فلو لم يكن المقذوف واجداً لهذه الأوصاف لم يثبت الحد بقذفه نعم يثبت التعزير حسبما يراه الحاكم من المصلحة على ما سيأتي في باب التعزير .

______________________________________________

على الحر، قال يجلد حداً إلا سوطاً أو سوطين»(1)فإنّها شاذة لم يفتِ بمضمونها أحد، وكذا معتبرة سماعة قال : «سألته عن المملوك يفترى على الحر قال : عليه خمسون جلده»(2), وهما مخالفتان لإطلاق الآية .(1) والمراد من الإحصان هنا هو العفة وعدم التظاهر بالمنكرات كاللواط أو الزنا، واعتبار هذه الأمور مورد اتفاق، وقد أدعيّ عليه الإجماع بقسميه، ولحديث الرفع ولصحيحة فضيل بن يسار، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : لا حد لمن لا حد عليه، يعني: لو أن مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً، ولو قذفه رجل فقال: يا زانٍ، لم يكن عليه حد»(3).

وأمّا بالنسبة إلى شرط البلوغ فلصحيحة أبي مريم الأنصاري قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل هل يجلد ؟ قال : لا وذلك لو أن رجلاً قذف الغلام لم يجلد»(4).

وهكذا لا يجلد ولو كان المقذوف صبية لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام): «في الرجل يقذف الصبية يجلد ؟ قال : (علیه السلام) لا حتى تبلغ»(5)

وأيضاً صحيحة عاصم

ص: 126


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح19 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح20 .
3- الوسائل باب 19 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
4- الوسائل باب 5 من أبواب حد القذف ح1 .
5- الوسائل باب 5 من أبواب حد القذف ح4 .

فلو قذف الأب أبنه لم يحد , وكذلك لو قذف أم أبنه الميتة، نعم لو كان لها ابن من غيره ثبت له الحد، وكذا الحال إذا كان لها قرابة(1) .

______________________________________________

بن حميد قال : «سألت ابا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة ؟ قال : لا يجلد إلا أن تكون قد ادركت أو قاربت»(1).

أمّا العقل فهو شرط اساسي في التكليف، وأمّا اعتبار الحرية فلصحيحةأبي بصير، عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال : «من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام»(2)،

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الحر يفترى على المملوك، قال : يسئل ؟ فأن كان أمه حره جلد الجلد»(3).

والمراد من الفرية القذف، ففي مجمع البحرين : الفرية أيضاً القذف وحد الفرية يكون بثلاثة وجوه، رمي الرجل الرجل بالزنا، وإذا قال إنّ أمهُ زانية، وإذا أدعى لغير أبيه(4)،

لحرمته أي : المقذوف واذيته .

(1) وذلك لصحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قذف أبنه بالزنا قال : لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم يجلد له , قلت : فإن قذف أبوه أمه ؟ إن قال : قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا لم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه، وفرق بينهما ولم تحل له أبداً، قال وإن كان قال لابنه وأمّه حية يا ابن الزانية، ولم ينتف من ولدها جلد الحد لها ولم يفرق بينهما قال : وإن كان قال لأبنه يا ابن الزانية، وأمّه ميتة ولم يكن لها من يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه فإنه لا يقام عليه الحد لأن حق الحد قد صار لولده منها، فإن كان لها ولد من غيره فهو وليها

ص: 127


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد القذف ح3 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح12 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح11 .
4- مجمع البحرين مادة ف ر ي .

المسألة 203 : لو قذف رجل جماعة بلفظ واحد فإن اتوا به مجتمعين ضرب حداً واحداً(1)، وإن اتوا به متفرقين ضرب لكلٍّ منهم حداً، ولو قذفهم متفرقين حُدّ لكل منهم حدا .

______________________________________________

يجلد له، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان لها قرابة يقومون بأخذ الحد جلد لهم»(1),

كما في ذيل الصحيحة .

(1) لا يخفى بأنّه إذا قذف جماعة واحد تلو الآخر، فلكل واحد منهم حد سواء، إن جاؤوا يطلبون الحد مجتمعين أو متفرقين، والمسألة غير خلافية نعم نسب إلى الاسكافي(2)، بأنّه اعتبر في تعدد الحد إذا جاؤا متفرقين، وإلا يحد حداً واحداً، أمّا تعدد الحد لأن الأصل عدم التداخل في المسببات ويتعدد المسبب بتعدد السبب، وذلك لصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل افترى على قوم جماعة، قال : إن اتوا به مجتمعين ضرب حداً واحداً وإن اتوا به متفرقين ضرب لكل منهم حداً»(3),

وصحيحة محمد بن حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل افترى على قوم جماعة قال : فقال : إن اتوا به مجتمعين ضرب حداً واحداً وإن اتوا به متفرقين ضرب لكل رجل حداً»(4).

ولكن في الطريق محمد بن حمران وهو مشترك بين الثقة وغيره، فإنّه يطلق على ثلاثة محمد بن حمران بن اعين مولى بني شيبان فأنّه يُعدّ من الحسان، ومحمد بن حمران مولى بني فهد إمامي مجهول، ومحمد بن حمران النهدي فهو ثقة، فحسب القاعدة لا يمكن القول بصحة الرواية بعد إن كان الراوي _ محمد بن حمران _

ص: 128


1- الوسائل باب 14 من أبواب حد القذف ح1.
2- رأي الاسكافي في مختلف الشيعة / 781 ، الطبعة القديمة .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح1
4- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح3 .

المسالة 204 : إذا عفا المقذوف حد القذف عن القاذففليس له المطالبة به بعد ذلك(1).

______________________________________________

مردداً بين الموثق وغير الموثق وذكر الأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وما يتوهم من اشتراك محمد بن حمران بين الثقة وغيره يندفع بما ذكرنا في معجم رجال الحديث من أن الوارد في الروايات هو النهدي الثقة(1)،

فإذا كان كذلك فالرواية صحيحة .

إذاً هناك فرق بين ما إذا اتوا جميعاً أو متفرقين، فما ورد من معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل افترى على نفر جميعاً فجلده حداً واحداً»(2)، فيحتمل إطلاقها على ما إذا اتوا به جميعاً .

وأمّا رواية بريد عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في الرجل يقذف القوم جميعاً بكلمة واحدة، قال له : إذ لم يسمهم فإنما عليه حداً واحداً، وإنْ سمى فعليه لكل رجل حد»(3)،

ولعل إذا سمى يكون في حكم المتفرق، ولكن الرواية ضعيفة من جهة السند فلا يمكن الاعتماد عليها، فأن أبا الحسن الشامي لم يوثق، إذاً لو قال زيد زانٍ وعمرو وبكر، فإنّه يصدق عليه أنّه قذف قوماً بكلمة واحدة، ففي هذه الصورة لم يتعدد الحد أيضاً .

(1) لو عفى هل يسقط الحد أم لا ؟ الظاهر أنّه يسقط وأدعيّ عدم الخلاف بعد أن فرض كون الحد من حقوق الآدميين، فيكون قابلاً للسقوط لمعتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عنالرجل يفترى على الرجل فيعفو عنه، ثم يريد أن يجلده بعد العفو ؟ قال (علیه السلام) : ليس له أن يجلده بعد العفو»(4)،

ص: 129


1- المباني /1 / 313.
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح4 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح5.
4- الوسائل باب 21 من أبواب حد القذف ح1.

المسألة 205 : إذا مات المقذوف قبل أن يطالب بحقه أو يعفو فلأوليائه من اقاربه المطالبة به، كما أن لهم العفو، فإن تعدد الولي كما إذا مات عن ولدين أو أخوين فعفا أحدهما كان للآخر المطالبة بالحق ولا يسقط بعفو الأول(1).

______________________________________________

ومعتبرته الثانية : قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقذف الرجل بالزنى، فيعفو عنه ويجعله من ذلك في حل ثم أنّه بعد ذلك يبدو له في أن يقدمه حتى يجلده فقال : ليس له حد بعد العفو»(1).

(1) لا يخفى أنّه تارة يستوفى الحد للمقذوف وأخرى لا، ففي الصورة الثانية للورثة المطالبة بالحق وكذا إذا لم يعفِ عنه المقذوف وقد أدعيّ عدم الخلاف ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة(2)،

وإن كان قد قال لأبنه يا بن الزانية وأمّه ميتة إلى أن يقول : فإن كان لها ولد من غيره فهو وليّه يجلد له، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان له قرابة يقومون بأخذ الحدّ ويجلد لهم ومعتبرة عمار الساباطي(3).

ويدل عليه أيضاً صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «لا يعفى في الحدود التي لله دون الإمام، فأمّا ما كان من حقوقالناس في حد فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام»(4).

نعم وردت رواية في خصوص المملوكة التي فرقت بين رفع الحد وأنه يرفع إذا كان قبل المرافعة فهي أولاً : وردت في خصوص الجارية ولا يمكن أن يستفاد منها قاعدة كلية، ثم تبين أنّه لا يمكن الاستدلال بها لضعفها وهي رواية حمزة بن

ص: 130


1- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح3.
2- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح4.
3- الرسائل باب 22 من أبواب القذف ح2 .
4- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح1.

المسألة 206: إذا قذف أحد ابن شخص أو ابنته، فقال له: ابنك زانٍ، أو ابنتك زانية، فالحدّ حق لهما، وليس لأبيهما حق المطالبة به أو العفو(1).

______________________________________________

حمران(1)فهي ضعيفة سنداً، فأن حمزة بن حمران لم تثبت وثاقته ولم يمدح، وعليه فلا يمكن الاعتماد عليها، هذا ما قاله الاستاذ الاعظم(2).

وما عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول : أن الحد لا يورث كما تورث الدية والمال، ولكن من قام به من الورثة فهو وليه ومن تركه فلم يطالبه فلا حق له، وذلك مثل رجل قذف وللمقذوف أخوان فإن عفى عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقه لأنّها امهما جميعاً والعفو إليهما جميعاً»(3).

وأمّا ما ورد من معتبرة السكوني «أن الحدّ لا يورث» فيحمل على أنّه لا يورث كما يورث المال، لأنّه لا يورث مطلقاً، فمجرد الولاية لا يسقط جميعهولا بعضه بعفو بعض الورثة إنما يسقط بعفو الجميع لأنّه حق آدمي فيقبل العفو كغيره من الحقوق، وكما هو واضح من معتبرة عمار الساباطي وصحيحة محمد بن مسلم .

(1) خلافاً لما عليه الشيخ في النهاية أن للأب العفو والاستيفاء(4)

واحتج له في المختلف بأن العار لاحق به، فله المطالبة بالحد والعفو(5)،

وقال في المسالك : أن قوله ابنك كذا ونحوه قذف للمنسوب إليه لا للمواجه، لأنّه لم ينسب إليه فعلاً قبيحاً ولازم ذلك أن حق المطالبة والعفو فيه للمقذوف لا للمواجه(6)

وفيه نظر

ص: 131


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد القذف ح3.
2- مباني تكملة المنهاج / 315.
3- الوسائل باب 22 من أبواب حد القذف ح2.
4- النهاية /724 .
5- المختلف .
6- المسالك /14/ 446.

المسألة 207: إذا تكرر الحدّ بتكرار القذف قتل القاذف في الثالثة(1).

المسألة 208: إذا تكرر القذف من شخص واحد لواحد قبل أن يقام عليه الحد، حدّ حداً واحداً(2).

______________________________________________

_ أي قول النهاية _ لمنع الكبرى فالأولى التفصيل كما اختاره ابن إدريس، والعلامة وهو ثبوت المطالبة مع الصغر لا غيره، وقد قال الشيخ في الرابعة وهل للأب العفو، فاطلق الشيخ في النهاية، وقال صاحب التنقيح : وليس بشيء لأن الحد للمقذوف فليس لغيره اسقاطه كغير الحد من الحقوق بل المطالبة والعفو إلى المستحق(1)،

لكن كل من توجه إليه الخطاب له حق المطالبة والأبأجنبي .

(1) هل يقتل في الثالثة أو في الرابعة ؟ قيل في الرابعة وهو الأحوط وبالأولوية، لأن الزنا إذا كرر يقتل في الرابعة، ففي القذف يكون بطريق أولى، ولكن وردت رواية صحيحة يونس المتقدمة بأن أصحاب الكبائر إن أقيّم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة .

(2) يتعدد القذف بتعدد الحد، ولكن لا على الإطلاق وذلك لصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «في الرجل يقذف الرجل فيجلد فيعود عليه بالقذف، فقال : إن قال أن الذي قلت لك حق لم يجلد، وإن قذفه بالزنا بعد ما جلد فعليه الحد، وإن قذفه قبل ما يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلا حد واحد»(2).

ص: 132


1- التنقيح /4 / 362 _ 263.
2- الوسائل باب 10 من أبواب حد القذف ح1.

المسألة 209 : لا يسقط الحدّ عن القاذف إلا بالبينة المصدقة وبتصديق من يستحق عليه الحدّ(1) أو بالعفو .

نعم، لو قذف الزوج زوجته سقط حق القذف باللعان أيضاً على ما تقدم(2) .

المسألة 210 : لو شهد أربعة بالزنا ثم رجع أحدهم حُدّ الراجع ولا فرق في ذلك بين كونه قبل حكم الحاكم وبعده(3).

______________________________________________

(1) لعموم حجية البينة بعد إن أقرّ من له الحد وصدقه لم يبق موضوع الافتراء بعد إن كان اقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وإمّا بالنسبة إلى العفو فقد وردت في ذلك معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل يفترى على الرجل فيعفو عنه، ثم يريد أن يجلده بعد العفو ؟ قال : (علیه السلام) ليس له أن يجلد بعد العفو»(1).

ومعتبرة سماعة الأخرى قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقذف الرجل بالزنى فيعفو عنه ويجعله من ذلك في حل، ثم أنّه بعد ذلك يبدو له في أن يقدمه حتى يجلده فقال : ليس له حد بعد العفو»(2).

(2) لصحيحة محمد بن مسلم ... «قلت : فإن قذف أبوه أمّه قال : إن قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا ولم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه، وفرق بينهما، ولم تحل له أبداً»(3).

(3) لا يخفى أنّه تارة يكون قبل حكم الحاكم وأخرى بعده، أمّا إذا كان بعد الحكم فإنّه لا إشكال في حد الراجع، والمسألة غير خلافية، وهكذا إذا كان قبل الحكم لقذفه بالزنا .

ص: 133


1- الوسائل باب 21 من أبواب حد القذف ح1 .
2- الوسائل باب 20 من أبواب حد القذف ح3 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب حد القذف ح1 .

المسألة 211 : حدّ القذف ثمانون جلدة، ولا فرق في ذلك بين الحر و العبد والذكر والأنثى(1)، ويضرب بثياب بدنه، ولا يجرد، ويقتصر فيه على الضرب المتوسط(2).

______________________________________________

أمّا البقية فلا شيء عليهم بعد أن تم الشهود وشهدوا والرجوع كان بعداتمام الشهادة .

وهكذا لو شهدوا وظهر فسق أحدهم من الأول أيضاً لا يحد الباقين ولا يمكن القياس بما إذا جاء الشهود الثلاثة وأُخر الرابع فإنه يحُدّ الثلاث .

(1) قد أدعوا الإجماع عليه، والمسألة اتفاقية ويدل عليه إطلاق الكتاب قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً»(1)، وإطلاق الروايات كما في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «القاذف يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبداً إلا بعد التوبة أو يكذب نفسه»(2)، ومعتبرة أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «في امرأة قذفت رجلاً، قال : تجلد ثمانين جلدة»(3).

(2) أي فوق الثياب والضرب المتوسط، ويفهم من معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (علیه السلام) قال : «المفترى يضرب بين الضربين، بضرب جسده كله فوق ثيابه»(4).

ص: 134


1- سورة النور الآية / 4 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد القذف ح5 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد القذف ح1.
4- الوسائل باب 15 من أبواب حد القذف ح3.

المسألة 212: يثبت القذف بشهادة عدلين(1) وأمّا ثبوته بالإقرار فقد اعتبر جماعة كونه مرتين، ولكن الأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة.

______________________________________________

(1) أمّا ثبوته بشاهدين عادلين لإطلاق الدليل أو عمومه، وأمّا ثبوتهبالإقرار لأنّه أمر عقلائي ولم يردع عنه الشارع، بل امضاه في كثير من الموارد أمّا كون الإقرار فلابد أن يكون مرتين لما ورد من الروايات أن كل إقرار بمنزلة الشهادة، وقد أدعيّ عدم الخلاف .

ويقول الماتن الأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة، ففي الجواهر قال : كما صرح به غير واحد بل لا أجد فيه خلافاً، وإن لم نظفر بنص خاص فيه وعموم إقرار العقلاء يقتضي الاجتزاء به مرة(1)، ولعله ما قيل من التكرار مرتين لما عرفت من الاتفاق على كفاية المرة عليه ظاهر بناء الحدود على التخفيف والأصل عدم ثبوته إلا بالمتيقن الذي هو نحو الإقرار مرتين المنزل بمنزلة الشهادة في نفسه كذلك فيكون كالشاهدين .

ولكن قد ورد في باب القيادة بأن الإقرار الواحد كافٍ ولا دليل على ما ذهب إليه من الإقرار مرتين، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات أو مجتمعات لعدم الدليل لما ورد من عدم تأثير شهادة النساء في حد من الحدود .

ص: 135


1- الجواهر /41 /430 .

المسألة 213: لو تقاذف شخصان درئ عنهما الحد، ولكنهما يعزران(1).

______________________________________________

(1) لو كنا نحن والقاعدة لحكمنا بحد كل واحد منهما، ولكن جاء الدليل على خلاف القاعدة، وهو سقوط الحد وثبوت التعزير، وأدّعى صاحب الجواهر بقوله : بلا الخلاف(1)،

لصحيح ابن سنان(2).

وأدّعى البعض الإجماع، والعمدة في هذا هو الصحيحتان الأولى عن ابن سنان، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين افترى كل واحد منهما على صاحبه ؟ فقال : يدرأ عنهما الحد ويعزران»(3).

وصحيحة أبي ولاد الحناط، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : اُتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه، قال : فدرأ عنهما الحد وعزرهما»(4)

.

ص: 136


1- الجواهر /41 /431 .
2- الوسائل باب 18 من أبواب حد القذف ح1 .
3- الوسائل باب 18 من أبواب حد القذف ح1 .
4- الوسائل باب 18 من أبواب حد القذف ح1 .

التاسع : سب النبي(صلی الله علیه و آله وسلّم)

المسألة 214 : يجب قتل من سب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) على سامعه، ما لم يخف الضرر على نفسه أو عرضه أو ماله الخطير، ونحو ذلك(1)ويلحق به سب الأئمة (علیهم السلام) وسب فاطمة الزهراء (علیها السلام)(2).

______________________________________________

(1) أمّا قتل الساب للنبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) وكذا أحد الأئمة (علیهم السلام)، يقول العلامة ويحل دمه لكل سامع(1)،

والمسألة غير خلافية وأدّعى في الجواهر : بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه(2)،

وتدل عليه صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «أنّه سئل عمّن شتم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقال : يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام»(3)،

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «إن رجلاً من هذيل كان يسب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) إلى أن قال : فقلت لأبي جعفر : أرأيت لو إن رجلاً الآن سب النبي أيقتل ؟ قال : إن لم تخف على نفسك فاقتله»(4).

(2) لإطلاق أدلة دفع الضرر والمسألة غير خلافية، ولصحيحة هذيل المتقدمة بقوله «إن لم تخف على نفسك فاقتله».

أمّا الأئمة والزهراء فلأنّهم (علیهم السلام) نفس النبي (صلی الله علیه و آله) أيضاً،والمسألة غير خلافية وأدّعي عليها الإجماع بقسميه، ووردت بذلك عدة روايات .

منها : صحيحة هشام بن سالم قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما تقول في رجل سبابة لعلي (علیه السلام) ؟ قال : فقال لي حلال الدم، والله لو لا أن تعم بريئاً ... قال قلت : لأي شيء يعم به بريئاً ؟ قال : يُقتل مؤمن بكافر»(5).

ص: 137


1- المختصر النافع .
2- الجواهر / 41 / 432 .
3- الوسائل باب 7 من أبواب حد المرتد ح1 .
4- الوسائل باب25 من أبواب حد القذف ح3 .
5- الوسائل باب 27 من أبواب حد القذف ح1 .

................................

ومنها : صحيحة داود بن فرقد، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما تقول في قتل الناصب ؟ فقال : حلال الدم، ولكن أتقي عليك، فإن قدرت إن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل»(1).

ويؤيد ذلك رواية علي بن حديد قال : «سمعت من سأل أبا الحسن الأول (علیه السلام) فقال : إني سمعت محمد بن بشير يقول : إنّك لست موسى بن جعفر الذي أنت إمامنا وحجتنا فيما بيننا وبين الله، قال : فقال : لعنه الله _ ثلاثاً _ أذاقه الله حر الحديد، قتله الله اخبث ما يكون من قتلة، فقلت له : إذا سمعت ذلك منه أو ليس حلال لي دمه ؟ مباح كما أبيح دم السباب لرسول (علیه السلام) والإمام ؟ قال : نعم، حلّ والله، حلّ والله دمه، وأباحه لك ولمن سمع ذلك منه»(2).

وامّا الزهراء (علیها السلام) فلا يحتاج التمسك بطهارتها إلى رواية، كما عن صاحب الروضة بقوله : ويمكن اختصاص الحكم بها للإجماع علىطهارتها بآية التطهير(3)،

وهل يلحق باقي الأنبياء (علیهم السلام) في الحكم ؟ يقول في المسالك : وفي الحاق باقي الأنبياء بذلك قوة لأن من كمالهم وتعظيمهم عُلم من دين الإسلام ضرورة فسبهم ارتداد ظاهر(4)،

ولكن في صدق الارتداد في جميع الموارد إشكال، ثم إن المرتد لا يجوز قتله مطلقاً، ولكن لولا دعوى الاتفاق ففي الإلحاق إشكال والتمسك بالنبوي على ما في صحيفة الرضا (علیه السلام) عن ابائه (علیهم السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) «قال : مَنْ سب نبياً قتل، ومَنْ سب صاحب نبي جلد»(5)والرواية ضعيفة، والانجبار بالفتوى لا يفيد .

ص: 138


1- الوسائل باب 27 من أبواب حد القذف ح5 .
2- الوسائل باب 27 من أبواب حد القذف ح6.
3- الروضة /9 /194 .
4- المسالك /14 / 453 .
5- الوسائل باب 25 من أبواب حد القذف ح4 .

ولا يحتاج جواز قتله إلى الأذن من الحاكم الشرعي(1).

العاشر : دعوى النبوة

المسألة 215 : من ادّعى النبوة وجب قتله مع التمكن والأمن من الضرر من دون حاجة إلى الإذن من الحاكم الشرعي (2).

______________________________________________

(1) الرواية ضعيفة بابن حديد فتكون مؤيدة، وأمّا عدم احتياجه إلى إذن الإمام أو نائبه فلظهور الإطلاق، وأدّعي الاتفاق عليه، ولما ورد من قوله (علیه السلام) «يقتله الأدنى إلى الأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام» .

(2) إذا لم يكن هناك خوف على العرض والنفس والمال الخطير والمسألة غير خلافية، ويدل عليه معتبرة أبن أبي يعفور قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) أن بزيعاً يزعم أنه نبيّ، فقال : إن سمعته يقول ذلكفأقتله»(1)ومعتبرة أبي بصير يحيى بن أبي القاسم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال في حديث قال النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) : أيّها الناس أنّه لا نبيّ بعدي، ولا سنة بعد سنتي، فمن أدّعى ذلك فدعواه وبدعته في النار فاقتلوه، ومن تبعه فإنّه في النار»(2).

وأمّا عدم الاحتياج إلى الإذن فللإطلاقات، وأمّا وجوب القتل فهل يدخل في صغريات الردة ؟ قال الشهيد الثاني في المسالك : أمّا وجوب قتل مدّعي النبوة فللعلم بانتفاء دعواه من دين الإسلام ضرورة فيكون ذلك ارتداداً من المسلم وخروجاً من الملل التي يقرّ عليها أهلها من الكفار فيقتل لذلك(3)ونحوه في الروضة، بقوله : لثبوت ختمه للأنبياء من الدين ضرورة فيكون دعواها كفراً(4)،

وقال الاردبيلي :

ص: 139


1- القواعد /3 /548 .
2- الوسائل باب 7 من أبواب حد المرتد ح2 .
3- المسالك /14 / 453 .
4- الروضة البهية في شرح اللمعة /9 / 195.

الحادي عشر : السحر

المسألة 216 : ساحر المسلمين يقتل(1) .

______________________________________________

دليل وجوب قتل مدّعي النبوة أنّه يدّعي حقيقة، ما علم بطلانه من الدين ضرورة فيرتد فيقتله، ثم قال : وهكذا وجوب قتل الشاك في نبوة النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) إذا كان مسلماً ظاهراً، فإنّه ارتداد واضح من المسلم فيجب قتله(1).

(1) لا يخفى بأنّ عمل السحر من المعاصي الكبيرة، يقول العلامة : مَنْعمل السحر يقتل إن كان مسلماً، ويعزر إن كان كافراً(2)، وقال في الخلاف : مَنْ استحل عمل السحر فهو كافر ووجب قتله بلا خلاف(3)،

وفي الرياض : بلا خلاف فتوى ونصاً(4)، والمسألة غير خلافية كما في الجواهر : بلا خلاف أجده(5)،

ففي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) : ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفّار لا يقتل، فقيل : يا رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) ولمَ لا يقتل ساحر الكفار ؟ قال : لأن الكفر اعظم من السحر ولأن السحر والشرك مقرونان» (6)، ومعتبرة زيد بن علي (علیه السلام) عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) «قال : سئل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) عن الساحر، فقال : إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حل دمه»(7).

ص: 140


1- مجمع الفائدة والبرهان /13 /194.
2- شرائع الإسلام /4/ المسألة الثالثة من عمل السحر .
3- الخلاف /5 / 329 .
4- الرياض /16 / 58 _ 59 .
5- الجواهر /41/ 442 .
6- الوسائل باب 1 من أبواب بقية الحدود ح1 .
7- الوسائل باب 2 من أبواب بقية الحدود ح1 .

وساحر الكفّار لا يقتل(1)، ومن تعلم شيئاً من السحر كان أخر عهده بربه، وحدّه القتل إلا أن يتوب(2).

الثاني عشر : شرب المسكر

المسألة 217: من شرب المسكر والفقاع عالماً بالتحريم مع الاختيار والبلوغ والعقل حدّ، ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير، كما لا فرق في ذلك بين أنواع المسكرات مما اتخذ من التمروالزبيب أو نحو ذلك(3).

______________________________________________

(1) وذلك لعدم الخلاف وبعد أن عرفت أنّه من المعاصي الكبيرة وعمل الساحر الكافر يخل بالنظام، فعلى الحاكم أن يعزره حسب المصلحة ولا يخفى بأنّ التعلم والعمل إذا كانا لأجل إبطال السحر فليس بحرام .

(2) لما في معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) : «إن علياً (علیه السلام) كان يقول من تعلم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربه وحَدّهُ القتل إلا أن يتوب»(1)، إذاً الرواية مطلقة كما مرّ ذكرها في جواز العمل والتعلم لغرض ابطال السحر .

(3) وهو على ما قال صاحب الرياض : ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السرّ المكتوم، وعلى آخر ما يغير العقل ويحصل معه سرور وقوة النفس في غالب المتناولين، وأمّا ما يغير العقل لا غير، فهو المرقد إن حصل معه تغيّب الحواس الخمس، وإلا فهو المفسد للعقل كما في البنج والشوكران(2).

والكلام يقع في هذه المسألة في أمور :

الأول : في الحكم التكليفي .

الثاني : في الحكم الوضعي .

ص: 141


1- الوسائل باب 3 من أبواب بقية الحدود ح2.
2- الرياض / 16 / 64 .

................................

أمّا الأمر الأول فلا يخفى بأنّه من الكبائر، وأمّا الثاني فإن متناول المسكريحدّ، ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع، بل هو من ضروريات الدين، والحد أيضاً من تناول المسكر أو الفقاع ولو لم يكن مسكراً، وقد ادعوا عليه الإجماع بقسميه، لأن الحرمة تدور مدار الاسم، وتدل عليه روايات كثيرة .

منها : صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كل ما يجب في الخمر من الحد»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيغ عن أبي الحسن (علیه السلام) «قال : سألته عن الفقّاع فقال : هو الخمر، وفيه حد شارب الخمر»(2).

ومنها : معتبرة ابن فضال، قال : «كتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام) اسأله عن الفقّاع، فقال : هو الخمر وفيه حد شارب الخمر»(3).

الثالث : أن يكون عالماً، فالجاهل مرفوع عنه الحكم بلا فرق بين أن يكون جهله بالحكم والموضوع، لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لو أن رجلاً دخل في الإسلام واقرّ به ثم شرب الخمر وزنى واكل الربا، ولم يتبين من الحلال والحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلاً»(4).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجلاً دعوناه إلى جملة الإسلام فاقرّ به، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، أقيّم عليه الحد إذا جهله ؟ قال : لا إلا أن تقوم عليه بينة أنّه قد كان اقرّ بتحريمها»(5).

ص: 142


1- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب حد المسكر ح2 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب الاشربة المحرمة ح1 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .

................................

وصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال : «قال أبو جعفر (علیه السلام) : لووجدت رجلاً كان من العجم أقرّ بجملة الإسلام لم يأته شيء من التفسير، زنى، أو سرق، أو شرب خمراً، لم أقم عليه الحد إذا جهله إلا أن تقوم عليه بينة أنّه قد أقرّ بذلك وعرفه»(1)،

وغيرها من الروايات .

الرابع: الاختيار فلو أُكره عليه لم يحد، والمسألة غير خلافية، وكذا بالنسبة إلى البلوغ والعقل، لأنّهما من الأمور والشرائط العامة بالنسبة إلى كل تكليف حداً كان أو غيره، ومع ذلك قد وردت نصوص كثيرة في الأبواب المختلفة .

الخامس: يجب الحد على من شرب مسكراً من أي شيء حصل _ لا شرب الخمر لأنّه مسكر _ لأن الحكم يدور مدار العلّة سواء كان متخذاً من العنب أو التمر ويسمى بالخمر أو يسمى بالنبيذ أو الزبيب ويسمى بالنقيع أو العسل وهو النبع والفقّاع المتخذ من الشعير، وغيرها لصدق المسكر على كل هذه الاصناف للإطلاقات .

وصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر الحد»(2).

السادس: أن شرب المسكر مطلقاً ولو قطرة منه موجب للحدّ والمسألة غير خلافية، ويدل عليه إطلاق الروايات، منها ما مر في الخامس «كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد»(3).

وصحيحة عبد الله بن سنان، قال : أبو عبد الله (علیه السلام) : «الحد في الخمر أن يشرب منها قليلاً أو كثيراً»(4).

ص: 143


1- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .
2- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1 .
3- نفس المصدر السابق .
4- الوسائل باب 4 من أبواب حد المسكر ح3 .

المسألة 218 : لا فرق في ثبوت الحد بين شرب الخمر وإدخاله في الجوف، وإن لم يصدق عليه عنوان الشرب كالاصطباغ(1) .

______________________________________________

(1) لا يخفى إنّ في هذه المسألة ليس المراد هو الشرب ما يفهمه العرف بل الموضوع هنا هو الشرب أو الإدخال في جوف الإنسان وإن كان ليس بعنوان الشرب، والإدخال على فرض حرمته، هل لابد أن يكون في الحلق أو تثبت الحرمة ولو لم يكن من الحلق ؟ قد يقال أنّه لو جعله ممزوجاً بالأغذية الظاهر الصدق للتسالم لأنّه قد تناول المسكر، ولو لم يصدق عليه الشرب وفي المسالك : يخرج من ذلك استعماله بالاحتقان والسعوط حيث لا يدخل الحلق لأنّه لا يُعد تناولاً، ولا يحدّ به وإن حرم مع احتمال حدّه على تقدير افساده الصوم(1)،

ولكن ما ذكره في القواعد: لو تسعط به حُدّ ولو احتقن به لم يحد لأنّه ليس بشرب ولأنّه لم يصل إلى جوفه فأشبه ما لو داوى جرحه(2)،

وعلله بعضهم بأنّه يصل إلى باطنه، ولكن الحق في الصدق هو أدخاله في الجوف وإن لم يصدق عليه الشرب، وقد ذكر صاحب التحرير : يجب الحد بتناول المسكر والفقاع من العالم بالتحريم المختار في التناول العالم بالمسكر البالغ الرشيد سواء تناول بشرب أو اصطباغ أو مزجه بالغذاء والدواء كيف كان والمراد بالمسكر هنا ما من شأنه من يسكر سواء اسكر أو لا لقلته فإن القطرة يجب بتناولها الحد كما يجب بتناول الكثير(2).

ص: 144


1- المسالك /14 / 458 .
2- القواعد /3 /553 ، (2) التحرير / 5 / 343 .

وأمّا عموم الحكم لغير ذلك كما إذا مزجه بمائع آخر واستهلك فيه وشربه فهو المعروف بل المتسالم عليه بين الأصحاب، إلا أنّه لا يخلو عن إشكال وإن كان شربه حراماً(1) .

المسألة 219 : لا يلحق العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه بالمسكر في ايجابه الحد وإن كان شربه حراماً بلا إشكال(2).

______________________________________________

(1) لا يخفى لو وقع مقدار قليل من الخمر كالقطرة أو قطرتين في الماء الكثير، فإذا لم يكن كراً فلا إشكال في تنجيسه، وهل إذا شرب هذا الماء حدّ الظاهر لا، ولا إشكال في حرمة شربه، ولكن لا يحد لأنّه لا يصدق عليه شرب الخمر بعد استهلاكه، والذي يستوجب الحد هو شرب المسكر ولو قليلاً .

(2) قد يقال بأن العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثلثاه يحرم شربه ويجب الحد لأنّه بمنزلة الخمر إذا تحقق الإسكار منه، وفي صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد»(1)

ولكن استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) ذكر خلافاً للمشهور حيث الحقوه بالخمر في ايجابه احكامه من الحرمة والنجاسة والحد، ولكن نبيّن عن قريب أنّه لا يستفاد من الروايات إلا ثبوت التحريم له فحسب ولا ملازمة بين ثبوت التحريم والحد كما عرفت(2)،

إذاً حرمة شربه محل اتفاق وإنما الكلام يأتي من جهة الحد قال (قدس سرُّه) من دون خلاف بين الأصحاب وتدل عليه عدة روايات(3)، منها صحيحة معاوية بن عمار، قال :«سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث، وانا اعرف أنه يشربه على النصف، افأ شربه

ص: 145


1- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 /329 .
3- المباني /1 / 329 .

................................

بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال : لا تشربه»(1).

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) كذا في ما عندنا من نسخة التهذيب وهذه الرواية هي مستند القول في النجاسة وثبوت الحد بشرب العصير، ولكنا قد ذكرنا في كتاب الطهارة أنّه لا يستفاد من الرواية إلا تنزيل العصير منزلة الخمر في عدم جواز شربه لا في مطلق احكامه وإلا لقال خمر، فلا تشربه والفرق بين العبارتين ظاهر إلى أن يقول أن صاحب الوسائل قد روى هذه الرواية عن الشيخ أيضاً خالية عن ذكر كلمة الخمر فيظهر أن هذه الكلمة لم تكن موجودة في جميع نسخ التهذيب وإنما هي موجودة في بعضها، فلا يمكن الاستدلال بها لا على نجاسة العصير ولا على ثبوت الحد في شربه(2).

ولكن الحق يكفينا صحيحة الكناني في ثبوت النجاسة والحد فإنّه إذا فرض أن العصير العنبي يوجب الإسكار فهو نجس ويوجب الحدّ .

ص: 146


1- الوسائل باب 7 من أبواب الاشربة المحرمة ح4 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 /329 _ 330 .

المسألة 220 : يثبت شرب المسكر بشهادة عدلين وبالإقرار مرّة واحدة نعم، لا يثبت بشهادة النساء لا منظمات و لا منفردات(1).

______________________________________________

(1) وذلك مقتضى عموم حجية البينة في جميع الموضوعات، ولا دليل على حجية قول النساء منظمات أو منفردات في حد من الحدود، وهل يكفي الإقرار مرة واحدة أو لابد من الإقرار مرتين ؟ أما بالنسبة إلى كفاية الإقرار مرّة فلا اشكال فيه ولا خلاف، وإنما الاشكال في الإقرار مرتين، وقد ذكر صاحب المسالك قول الشرائع أنّه : يثبت بشهادة عدلين مسلمين، ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ولا منضمات، وبالإقرار دفعتين، ولا تكفي المرة(1)

لأنّه ورد في بعض النصوص أن كل إقرار بمنزلة شهادة واحدة، وقد نسب إلى المراسم أنّه يعتبر الإقرار مرتين في كل مورد يثبت فيه الحد بشهادة عدلين ولذا ذهب المشهور من أنّه لابد من الثبوت بالإقرار مرتين ولا يكفي مرة واحدة .

قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) خلافاً للمشهور حيث اعتبروه مرتين، ولكن قد تقدم أنّه لا دليل عليه، فالصحيح هو كفاية الإقرار مرة واحدة، لإطلاق دليلها(2)،

وقد عرفت من النصوص عدم كفاية المرة، والمسألة غير خلافية عندهم ولو أن مقتضى عموم القاعدة يفيد كفاية الإقرار مرة واحدة .

ص: 147


1- المسالك /14 / 462 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 /272 .

الحد وكيفيته

وهو ثمانون جلدة ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة والحر والعبد والمسلم والكافر (1) .

______________________________________________

(1) المسألة متفق عليها ولاستفاضة الروايات ولما دلّت بعضها بالإطلاق، ومضافاً إلى ذلك صرحت طائفة أخرى كمعتبرة أبي بصير عن أحدهما (علیهما السلام) قال : «كان علي (علیه السلام) يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين، الحر والعبد، واليهودي والنصراني، قلت وما شأن اليهودي والنصراني ؟ قال : ليس لهما أن يظهروا شربه، ويكون ذلك في بيوتهم»(1).

ومنها : المعتبرة الثانية لأبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «قال كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ ثمانين»(2).

ومنها : صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال : حد اليهودي والنصراني والمملوك في الخمروالفرية سواء»(3).

وأمّا ما دل على أن المملوك يحد نصف الحر رواية أبي علاء عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «كان أبي يقول : حد المملوك نصف حد الحر»(4)ومعتبرة حماد بن عثمان

ص: 148


1- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح2 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح5 .
4- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح9 .

................................

«قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) التعزير كم هو ؟ قال : دون الحد، قلت دون ثمانين، قال : لا، ولكن دون الأربعين، فإنّها حد المملوك قال : قلت : كم ذاك ؟ قال : قال علي (علیه السلام) : على قدر ما يرى الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه»(1)، وأمّا ما ورد من صحيحة أبي بكر الحضرمي، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن عبد مملوك قذف حراً، قال : يجلد ثمانين هذا من حقوق المسلمين فأمّا ما كان من حقوق الله، فإنّه يضرب نصف الحد، قلت : الذي من حقوق الله ما هو ؟ قال : إذا زنى أو شرب الخمر، فهذا من الحقوق الذي يضرب نصف الحد»(2). ولا يخفى أن هذه الرواية لا تعارض تلك الروايات كما اشار إليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وأمّا ما ذكره الشهيد الثاني في المسالك من تقديم رواية أبي بكر الحضرمي على الروايات المتقدمة بعد المناقشة في سند كلتا الطائفتين، قال : لأن رواية أبي بكر الحضرمي أوضح طريقاً ومشتملة على القليل دون تلك الطائفة(3)

فلا يمكن المساعدة عليه إذ لم يظهر لنا وجه كون رواية أبي بكرالحضرمي أوضح طريقاً والقليل لا يكون مرجحاً، ولا سيّما إذا كانت الرواية غير نقية السند على ما زعمه (قدس سرُّه)(5) .

ص: 149


1- الوسائل باب 6 من أبواب حد المسكر ح6 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب حد الزنا ح7 .
3- المسالك / 14 / 465 ، (5) المباني / 1/ 332 .

المسألة 221 : يضرب الرجل الشارب للمسكر من خمر أو غيرها مجرداً من الثياب بين الكتفين، وأمّا المرأة فتجلد من فوق ثيابها(1).

المسألة 222 : إذا شرب الخمر مرتين وحُدّ بعد كل منها قتل في الثالثة وكذلك الحال في شرب بقية المسكرات(2) .

______________________________________________

(1) لصحيحة أبي بصير في حديث قال : «سألته عن السكران والزاني ؟ قال: يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين»(1).

وأمّا المرأة فيكون جلدها من فوق الثياب لعدم الدليل، قال المحقق يضرب الشارب عرياناً على ظهره وكتفيه(2)، وما قيل من أنّه لا يجرد عن ثيابه لأن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد، فضعيف للصحيحة الواردة الآمرة بالتجريد، وأمّا المرأة فهل تجرد عن ثيابها أو لا ؟ فالمشهور هو الثاني لأنّها عورة وتهتك بإبداء جسدها، ولكن الظاهر عدم الدليل كما عليه الماتن .

(2) لابد في هذه المسألة من بيان أمور .

الأول : لا يخفى إن قلنا يقتل في الثالثة أو الرابعة على اختلاف بينهم فهو فيما إذا حُدّ بعد كل شرب، وأمّا إذا لم يحد وشرب مرات عديدة ولم يقم عليه حد، يُعد مرة واحدة، والمسألة غير خلافية، لأن الروايات الصحيحة الواردة في القتل في الثالثة أو الرابعة كلها تشير إلى أنه فيما إذا حد بعد كلشرب .

الثاني : فهل يقتل في الرابعة، أو الثالثة ؟ المشهور أنّه يقتل في الثالثة وأدّعى في الغنية : أنّه يقتل المعتاد لشرب المسكر في الثالثة، وقد حد فيما قبلها بدليل الإجماع المشار إليه(3)، وتدل عليه صحيحة يونس عن بن الحسن الماضي (علیه السلام) قال:

ص: 150


1- الوسائل باب 8 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- شرائع الاسلام /4 /170 .
3- الغنية /1 / 429 .

................................

«أصحاب الكبائر كلها إذا أُقيم عليهم الحدود مرتين قتلوا في الثالثة»(1)،

وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاقتلوه»(2)،

وصحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه»(3).

وفي الخلاف من شرب الخمر وجب عليه الحد إذا كان مكلفاً بلا خلاف فإن تكرر ذلك منه وكثر قبل أن يقام عليه الحد أقيم عليه حدّ واحد بلا خلاف، فإن شرب فحد ثم شرب فحد ثم شرب فحد ثم شرب رابعاً قتل عندنا(4)، ومحكي المبسوط والمقنعة أنه يقتل في الرابعة، وفي الفقيه ارسله رواية وقد استدل في الخلاف بالنبوي من شرب الخمر فاجلدوه ثم أن شرب فاجلدوه ثم أن شرب فاجلدوه ثم أن شرب فاقتلوه(5).والحق الرواية مرسلة وغير قابلة للحجية فضلاً عن معارضتها لتلك الصحاح، إذاً يقتل في الثالثة ولاهتمام الشارع في الدماء والفروج يقتل في الرابعة .

الثالث : أن حكم بقية المسكرات حكم شرب الخمر لصحيحة يونس المتقدمة وصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : كل مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر منه الحد»(6)،

وتؤيد ذلك مرسلة سليمان بن خالد قال : «كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجلد في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في

ص: 151


1- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح2 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح3 .
4- الخلاف /5 /473 .
5- الوسائل باب 7 من أبواب حد المرتد ح1 .
6- الوسائل باب 7 من أبواب حد المسكر ح1.

المسألة 223 : لو شهد رجل واحد على شرب الخمر وشهد آخر بقيّئها لزم الحد(1) .

______________________________________________

الخمر ويقتل في الثالثة كما يقتل صاحب الخمر»(1)ورواية أبي الصباح الكناني الأخرى قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) كان النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) إذا أٌتي بشارب الخمر ضربه، فإن أُتي به ثانية ضربه، فإن أُتي به ثالثة ضرب عنقه، قلت النبيذ، قال : إذا أخذ شاربه قد انتشى ضرب ثمانين، قلت : أرأيت أن اخذته ثانية، قال : اضربه، قلت : فأن أخذته ثالثة ؟ قال : يقتل كما يقتل شارب الخمر»(2).

(1) وعن السرائر : فإن شهد أحد الشاهدين بالشرب وشهد الآخر بالقيء قبلت شهادتهما ووجب بها الحد على ما رواه أصحابنا واجمعوا عليهوكذلك إن شهدا جميعاً بأنّه قاء خمراً، اللهم إلا أن يدعى من قائها أنّه شربها مكرهاً عليها غير مختار لذلك، فيدرأ الحد عنه لمكان الشبهة(3)،

يقول في التنقيح : وهذا الحكم مما اتفق عليه الأصحاب، وقال الشهيد لم نقف فيه على مخالف وهو معلوم من قول علي (علیه السلام) في حق الوليد لما شهد عليه واحد بشربها وآخر بقيئها، فقال علي (علیه السلام) ما قاءها إلا وقد شربها(4)،

لأن ذلك شهادة بشربه فيحد المشهود عليه بشهادتهما فيثبت، وتؤيد ذلك رواية الحسين بن زيد عن أبي عبد الله عن أبيه (علیهما السلام) قال : «أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر، فشهد عليه رجلان إلى أن قال وشهد أحدهما أنّه رآه يشرب، وشهد الآخر أنّه رآه يقئ الخمر، فأرسل عمر إلى ناس من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فيهم أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال لأمير المؤمنين (علیه السلام)

ص: 152


1- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح13
2- الوسائل باب 11 من أبواب حد المسكر ح11.
3- السرائر / 3 / 510 .
4- التنقيح / 4/ 370 ، (3) الوسائل باب 14 من أبواب حد المسكر ح1 .

نعم إذا احتمل في حقه الاكراه أو الاشتباه لم يثبت الحد(1)وكذلك الحال اذا شهد كلاهما بالقيء(2).

______________________________________________

ما تقول يا أبا الحسن ؟ فأنك الذي قال له رسول الله (علیه السلام) أنت اعلم هذه الأمة واقضاها بالحق، فإن هذين قد اختلفا في شهادتهما، قال : ما اختلفا في شهادتهما وما قاءها حتى شربها»(3).

(1) لما ورد من الروايات الكثيرة من أن الحدود تدرأ بالشبهات .

(2) وهل إذا شهد كلاهما بالقيء يثبت الشرب أو لا ؟ قال المحقق معتوضيح من صاحب الجواهر : ومن هنا يتجه أن يلزم على ذلك وجوب الحد لو شهدا معاً بقيئها نظراً إلى التعليل المروي كما عن الشيخ التصريح به بل عن بعض دعوى الشهرة عليه، ولكن فيه تردد كما عن جماعة منهم الفاضل وابن طاووس لاحتمال الاكراه، ولو على بعد فيدرأ الحد للشبهة، وفيه أنّه لعل هذا الاحتمال يندفع بأنّه لو كان الإكراه واقعاً لدفع به عن نفسه مع أنّه على خلاف الأصل والظاهر(1)، إذاً الحق هو الثبوت للنص ولأن التقيؤّ بمنزلة الشرب، بل ما قيء إلا أنّه شرب ولكن الاحتياط في محله .

ص: 153


1- الجواهر /41 / 463 .

المسألة 224 : من شرب الخمر مستحلاً، فإن احتمل في حقه الاشتباه كما إذا كان جديد العهد بالإسلام أو كان بلده بعيداً عن بلاد المسلمين لم يقتل(1)وإن لم يحتمل في حقه ذلك ارتدّ، وتجري عليه أحكام المرتد من القتل ونحوه، وقيل يستتاب أولاً، فإن تاب أقيم عليه حد شرب الخمر، وإلا قتل وفيه منع، وكذلك الحال في شرب سائر المسكرات .

______________________________________________

(1) لا يخفى تارة يكون الكلام في استحلال الخمر وأخرى بالنسبة إلى سائر المسكرات، أمّا من شرب الخمر مستحلاً فيقتل كما عن المحقق : وأمّا سائر المسكرات فلا يقتل مستحلها لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها، ويقام الحد مع شربها مستحلا ومحرّماً(1)،

يقول في الجواهر : الرافع لضرورتها وكذا الكلام في الفقاع خلافاً للحلبي فكفر مستحله وأوجب قتله، وهو واضح الضعف بعد أن لم تكن حرمته ضرورية، فهو حينئذٍ كغيره من المسكر غير الخمر(2)، وقال المحقق : تفصيل الكلام أمّا مع احتمال الاشتباه لعدم صدق الارتداد في هذه الحالة، وتدل على ذلك معتبرة أبي بكير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر، فرفع إلى أبي بكر، فقال له : أشربت خمراً ؟ قال : نعم قال : ولمَ ؟ وهي محرمة، قال : فقال له الرجل : إني أسلمت وحسن إسلامي، منزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلون ولو علمت أنّها حرام اجتنبتها، فالتفت أبو بكر إلى عمر، فقال : ماتقول في أمر هذا الرجل ؟ فقال عمر معضلة وليس لها إلا أبو الحسن إلى أن قال فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) : ابعثوا معه من يدور به على مجالس

ص: 154


1- الشرائع /4 /170.
2- الجواهر /41 /466 .

................................

المهاجرين والانصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه، ففعلوا ذلك به فلم يشهد عليه احد بأنّه قرأ عليه أية التحريم، فخلى عنه، فقال له : إن شربت بعدها اقمنا عليك الحد»(1)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لو أن رجلاً دخل في الإسلام وأقرّ به، ثم شرب الخمر وزنى واكل الربا، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلاً، أن تقوم البينة أنه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا وإذا جهل ذلك اعلمته واخبرته فإن ركبه بعد ذلك جلدته واقمت عليه الحد»(2)

وصحيحة محمد بن مسلم «قال : قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجلاً دعوناه إلى جملة الإسلام فأقرّ به، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا، ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، أقيم عليه الحد إذا جهله ؟ قال : لا، إلا أن تقوم عليه البينة أنه قد كان اقرّ بتحرمها»(3)،

وصحيحة أبي عبيدة الحذاء، «قال : أبو جعفر (علیه السلام) لو وجدت رجلاً كان من العجم اقرّ بجملة الإسلام لم يأته شيء من التفسير وزنى، أو سرق، أو شرب خمراً، لم أُقم عليه الحد إذا جهله، إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد اقرّ بذلك وعرفه»(4)،

وغيرها من الروايات .

أمّا إذا لم يحتمل في حقه الاشتباه وشرب الخمر مستحلاً، فهناك قولانقال في الرياض : القائل الحلي والتقي كما حكي أن حكمه حكم المرتد، لا يستتاب إذا ولد على الفطرة بل يقتل من غير استتابة وهو قوي متين وعليه عامة المتأخرين لإنكاره ما علم تحريمه ضرورة من الدين، ومعه لا شبهة إلا إذا ادعاها وامكنت في حقه، لقرب عهده بالإسلام ونحوه، فيدفع عنه الشبهة ولا يقتل بلا شبهة كما

ص: 155


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد المسكر ح1 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح3.

................................

هو الحال في انكار سائر الضروريات(1)، وفي المقنعة : ومن شرب الخمر ممن هو على ظاهر الملة مستحلاً لشربها خرج عن ملة الإسلام وحل دمه بذلك إلا أن يتوب قبل قيام الحد عليه ويراجع الإيمان(2)،

وقال في النهاية : ومن شرب الخمر مستحلاً لها حل دمه ووجب على الإمام أن يستتيبه فإن تاب قام عليه الحد للشرب إن كان شربه، وإن لم يتب قتله(3)،

وذكر في الجامع : من استحل شرب الخمر وكان مسلماً فقد ارتد وحل دمه إن لم يتب(4)،

وقال المحقق : وقيل يكون حكمه حكم المرتد وهو قوي(5)،

وعلى ما حكي عنه بل عن المتأخرين كما في المسالك : والأصح ما اختاره المصنف رحمه الله والمتأخرون، ومنهم ابن إدريس من كونه مرتداً(6)،

وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إذ لم يثبت ما يكون مخصصاً لما دل على أن المرتد الفطري لاتقبل منه التوبة(7)، ويقول في الجواهر تبعاً للمحقق : وهو قوي لكونه من الضروري الذي حكمه ذلك واحتمال عروض الشبهة له فاستحله والحدود تدرأ بالشبهات جارٍ في غيره من الضروري المتفق على تحقق الكفر بإنكاره نصاً وفتوى، نعم لو امكنت الشبهة في حقه لقرب عهده بالإسلام أو بُعد بلاده عن بلاد الإسلام جرى عليه حكم غيره من الضروري(8).

ص: 156


1- الرياض / 16 / 77 .
2- المقنعة / 799 .
3- النهاية /3 / 316 _ 317 .
4- الجامع / 558.
5- الشرائع /4 / 170.
6- المسالك /14 /468 / 469 .
7- مباني تكملة المنهاج /1 /336 .
8- مباني تكملة المنهاج /1 /336 .

................................

فإذا كان المرتد فطرياً واستحل حرمة ضرورية من ضروريات الدين مع العلم بها كحلية شرب الخمر التي هي تكذيباً للرسول (صلی الله علیه و آله) وإنكار الرسالة فهو موجب لارتداده ولذا يقتل، وهل تقبل منه التوبة أم لا ؟ قال الماتن يقتل ولا تقبل منه التوبة، والعلة في ذلك لما قالوه في محله بأن المرتد الفطري يقتل ولا تقبل منه التوبة، ولابد أن يكون هناك دليل مخصص، نعم ورد رواية مرسلة عن الشيخ المفيد في الارشاد قال : روت العامة والخاصة أن قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يحدّه، فقال : لا يجب عليَّ الحد أن الله يقول : «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(1)فدرأ عنه عمر الحد، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (علیه السلام) فمشى إلى عمر، فقال : ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله، أن الذين امنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراماً فأراد قدامة فاستتبه مما قال، فإن تاب فاقم عليه الحد، وإن لم يتب فاقتله فقد خرجعن الملة، فاستيقظ عمر لذلك وعرف قدامة الخبر، فأظهر التوبة والاقلاع فدرأ عنه القتل ولم يدر كيف يحده، فقال لعلي اشر علي (علیه السلام) فقال حده ثمانين جلدة(2)، ولكن هي مرسلة ولا يمكن الأخذ بها .

وأمّا صحيحة عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) الحد في الخمر أن يشرب منها قليلاً أو كثيراً، ثم قال : اتي عمر بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر وقامت عليه البينة، فسأل علياً (علیه السلام) فأمره أن يجلده ثمانين فقال قدامة : يا أمير المؤمنين ليس علي حد، أنا من أهل هذه الآية : Pلَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا

ص: 157


1- سورة المائدة الآية / 93 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد المسكر ح1 .

المسألة 225 : إذا تاب شارب الخمر قبل قيام البينة فالمشهور سقوط الحد عنه، ولكنه مشكل والأظهر عدم السقوط، وإن تاب بعد قيامها لم يسقط بلا إشكال ولا خلاف(1).

______________________________________________

وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَO فقال علي (علیه السلام) لست من أهلها أن طعام أهلها لهم حلال ليس يأكلون ولا يشربون إلا ما احل الله لهم ثم قال (علیه السلام) أن الشارب إذا شرب لم يدر ما يأكل ولا ما يشرب فاجلدوه ثمانين جلدة(1).

فهذه من جهة السند تامة، وأمّا من جهة الدلالة فإنها تدل على أنّه احتمل بأن الشرب حلال له لأنّه من الذين امنوا فحصل له شبهة ولم يقل أنهحلال بل قال ليس علي الحد، ولذا لم يرد فيها الاستتابة، إذاً لا تكون الرواية دالة على الاستتابة ولا على التخصيص لأدلة قتل المرتد .

(1) أمّا سقوط الحد فقد أدّعي عدم الخلاف عليه، كما عن الرياض بقوله : بلا خلاف في الظاهر مصرح به في جملة من العبائر(2).

أقول مراده من العبائر أي ما ذكره الفقهاء كما في المسالك : التوبة قبل ثبوت العقوبة عند الحاكم مسقطة للحد مطلقاً(3)، وما عن المقدس الاردبيلي بقوله : الظاهر لا خلاف في سقوط الحد بل التعزير أيضاً بالتوبة قبل ثبوته عند الحاكم المستوفي فلا يترتب على إقراره أو البينة بعدها اثر(4)

والسرائر أو تاب مما يوجب التأديب قبل قيام البينة عليه سقط عنه الحد(5).

ص: 158


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد المسكر ح5.
2- الرياض /16 /80 .
3- المسالك /14 /470 .
4- مجمع الفائدة /13 /204 .
5- السرائر /3 /512 .

المسألة 226 : إن أقرّ شارب الخمر بذلك ولم تكن بينة، فالإمام مخير بين العفو عنه وإقامة الحد عليه(1).

______________________________________________

وأمّا بعد قيام البينة فلا يسقط الحد يدل عليه المرسلة عن جميل بن دراج عن رجل عن أحدهما (علیهما السلام) «في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح، فقال (علیه السلام) إذا صلح وعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد»(1).

ولكن الرواية مرسلة ولا يمكن الاعتماد عليها، إذاً حسب القاعدة لابد من اجراء الحد لإطلاق الروايات، نعم لو علم أن هناك اتفاقاً يمكن القولبالسقوط، كما قال في الرياض مصرح به في جملة من العبائر وهو الحجة فيه، مضافاً إلى جميع ما مر في الزنى من الأدلة(2)، ومضافاً إلى حديث رفع القلم عنه من غير معارض فيه، وهو إن دل على نفي التعزير أيضاً إلا أنه لا خلاف فيه .

ويمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس من باب التكليف، بل وجوب التأديب على الحاكم لاشتماله على المصلحة ورفع المفسدة، كما في كل تعزير، ولكن حكي عن الشيخ في النهاية والقاضي والمصنف في المختلف أنه يعفى عنه أولاً فإن عاد قطعت انامله وإن عاد قطع كما تقطع الرجل .

(1) أي يرفع الحد والإمام مخير بين العفو والاستيفاء، لأن التوبة بعد الإقرار تكون مسقطة لتحتم أقوى العقوبتين وهي الرجم ورفع الاضعف وهو الجلد يكون بطريق أولى، وقال صاحب الجواهر بعد ذكره لقول المحقق : كان الإمام مخيراً بين العفو والاستيفاء لتخيره في حد الزنى واللواط الذي هو اعظم كما عرفت فهنا أولى، ومنهم من منع التخيير وحتم الاستيفاء هنا كأبن ادريس بل حكاه في المسالك عن

ص: 159


1- الوسائل باب 16 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .
2- الرياض /16 / 80 .

الثالث عشر : السرقة

يعتبر في السارق أمور :

الأول : البلوغ، فلو سرق الصبي لا يحد، بل يعفى في المرة الأولى بل الثانية أيضاً، ويعزر في الثالثة، أو تقطع انامله، أو يقطع من لحم أطراف أصابعه، أو تحك حتى تدمى، إن كان له سبع سنين، فإن عاد قطع من المفصل الثاني، فإن عاد مرة خامسة قطعت أصابعه، إنكان له تسع سنين، ولا فرق في ذلك بين علم الصبي أو جهله بالعقوبة(1) .

______________________________________________

المبسوط والخلاف وهو الأظهر، بناء على أنّه لا خيار هناك إلا في الرجم(1).

وذكر المسالك القول الثاني : هو عدم التخيير للإمام بل يتحتم الحد لثبوته بالإقرار فيستصحب ولأن التوبة موضع التهمة وهذا أقوى إلى أن يقول والحق الرجوع في الحكم إلى الأصل وهو إثبات الحد إلى أن يثبت دليل صالح للإسقاط أو لم يحصل(2).

(1) أمّا عدم القطع لحديث رفع القلم(3)، بأنّه يدل على سقوط الحد عن الطفل غير البالغ قال في الرياض : بلا خلاف في الثاني بل أدّعي الوفاق على عدم حدّه، وهو الحجة فيه، مضافاً إلى حديث رفع القلم عنه من غير معارض فيه، هو وإن دل على نفي التعزير أيضاً إلا أنّه لا خلاف فيه ويمكن الاعتذار عنه بما يأتي من أنّه ليس من باب التكليف بل وجوب التأديب على الحاكم لاشتماله على المصلحة ودفع المفسدة كما في كل تعزير(4)،

ولذا قال في الروضة : لا يعد في تعيين الشارع

ص: 160


1- الجواهر /41 _ 468 _ 469.
2- المسالك /14 _ 471.
3- الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح11 .
4- الرياض /16 / 83 _ 84 .

................................

نوعاً خاصاً من التأديب لكونه لطفاً وإن شارك خطاب التكليف في بعض افراده(1).وقد ادعوا الاتفاق، نعم يؤدب بما يراه الحاكم الشرعي حتى لو تكررت سرقته، ونسب إلى يحيى بن سعيد من العمل بما في ذلك إذا سرق الصبي عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع اطراف الأصابع فإن عاد قطع اسفل من ذلك(2)، وعن النهاية كما نقله صاحب الرياض : يعفى عن الطفل أولاً فإن عاد أدب، فإن عاد حكت انامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت انامله، وإن عاد قطع كما يقطع البالغ(3)

وهذان الدليلان جاريان في عدم حد الصبي وتعزيره، كما أطلقه المصنف وعامة المتأخرين، وفاقاً للمفيد والحلي كما حكي(4)، والعمدة الروايات :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الصبي يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرة ومرتين ويعزر في الثالثة، فإن عاد قطعت اطراف أصابعه، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(5).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (علیهما السلام) «قال : سألته عن الصبي يسرق ؟ فقال : إذا سرق مرة وهو صغير عفي عنه، فإن عاد عفي عنه فإن عاد قطع بنانه، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(6).

ومنها : معتبرة إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن (علیه السلام) «قال : قلت الصبي يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرتين، فإن عاد الثالثة قطعت انامله، فإن عاد قطع المفصل

ص: 161


1- الروضة البهية / 9 / 222 _ 223 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الرياض /16 / 84 .
4- حكاه عنهما في التنقيح / 4 / 373 ، والمقنعة 803 ، والسرائر / 3 / 485 .
5- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح1 .
6- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح4 .

الثاني، فإن عاد قطع المفصل الثالث وتركت راحته وابهامه»(1).

ومنها : عن الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا سرق الصبي عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطع اطراف الأصابع، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(2)،

وهذه الرواية مطلقة، أنّه لو عاد في المرة الأولى يقطع وتلك مقيدة فتقيد هذه بالعود على المرة الثالثة، وهكذا بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الصبي يسرق، قال : «يعفى عنه مرة، فان عاد قطعت انامله أو حكت حتى تدمى، فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع اسفل من ذلك»(3)،

فإن هذه الصحيحة لابد أن تحمل كسابقتها على العود في المرة الرابعة، لصراحة تلك الصحاح بالعفو أو التعزير في الثالثة وقطع اسفل من ذلك في الخامسة .

وخلاصة الكلام بعد الجمع بين الروايات، فالطفل إذا سرق مرة أو مرتين يعفى ويعزر في الثالثة، وفي الرابعة يحك اطراف انامله أو تقطع انامله وفي الخامسة أنّه تقطع كما يقطع الرجل، أما قيد القطع بالسبع أو التسع من العمر، فقد ورد ذلك كما في صحيحة محمد بن مسلم، قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الصبي يسرق ؟ فقال : إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه فإن عاد بعد سبع سنين قطعت بنانه أو حكت حتى تدمى فإن عاد قطع منه اسفل من بنانه، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطع يده ولا يضيع حد من حدود الله عز وجل»(4).والعمدة إطلاقات الروايات التي مضت، نعم ورد في رواية محمد بن خالد بن عبد الله القسري، قال : كنت على المدينة فأُتيت بغلام قد سرق : «فسألت أبا عبد

ص: 162


1- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح15 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح7 .
4- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح12 .

الثاني : العقل، فلو سرق المجنون لم تقطع يداه(1) .

______________________________________________

الله (علیه السلام) عنه فقال : سله حيث سرق هل كان يعلم أن عليه في السرقة عقوبة ؟ فإن قال : نعم، قيل له أي شيء تلك العقوبة ؟ فإن لم يعلم أن عليه في السرقة قطعاً، فخل عنه، فأخذت الغلام وسألته، فقلت له أكنت تعلم أن في السرقة عقوبة؟ قال : نعم، قلت : أي شيء هو ؟ قال : أُضرب، فخليت عنه»(1)فهي وإن فرقت بين علم الصبي وجهله بالعقوبة بأنه مع علمه بقطعه دون جهله، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها .

(1) المجنون تارة يكون مطبقاً وأخرى يكون أدوارياً، فإذا كان الجنون مطبقاً أو ادوارياً وفي حال جنونه سرق لا تقطع يده، وأمّا لو سرق وهو عاقل وفي حال افاقته قطع، ولا يمنعه اعتراض الجنون ولو تكررت منه السرقة خلافاً للصبي، حيث قيل فيه مع التكرار بالقطع في الجملة، إن قلت : رفع القلم يشمل كليهما، قلنا في الصبي ورد نص، قال في المسالك : وفي التحرير نسب تأديبه إلى القيل ولعله لعدم تمييزه الموجب لارتداعه بالتأديب عن المعاود، ولكن هذا يختلف باختلاف أحوال المجانين، فان منهم من يردعه التأديب وهم الأكثر ومنهم من لا يشعر بذلك والجنون فنون واناطة التأديب برأي الحاكميحصل المطلوب(2)،

بل يؤدب إن نفعه التأديب وذلك لعدم الخلاف في المسألة وأدعيّ عليه الإجماع لرفع القلم عنه .

ص: 163


1- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح11 .
2- المسالك /14/ 480 .

الثالث : ارتفاع الشبهة، فلو توهم أن المال الفلاني ملكه فأخذه ثم بآن أنّه غير مالك له لم يحد(1) .

الرابع : أن لا يكون المال مشتركاً بينه وبين غيره، فلو سرق من المال المشترك بقدر حصته أو أقلّ لم تقطع يده، ولكنه يعزر، نعم لو سرق أكثر من مقدار حصته وكان الزائد بقدر ربع دينار من الذهب قطعت يده، وفي حكم السرقة من المال المشترك السرقة من المغنم أو من بيت مال المسلمين(2) .

______________________________________________

(1) قد يقال لأن الحدود تدرأ بالشبهات، ويمكن أن يقال بعدم صدق السرقة، لأن السرقة تحتاج في ثبوتها القصد، فلو لم يكن قاصداً لأخذ مال الغير فلا يصدق عليه السرقة، إذاً لا نحتاج إلى الدليل في رفع الحد، لأنّه كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) هذا الشرط ليس شرطاً خارجياً حتى يحتاج في إثباته إلى دليل، بل هو مقوم لمفهوم السرقة، فلا تصدق بدون قصدها(1).

(2) لا يخفى أنّه لو قلنا يعتبر في ارتفاع الشبهة بالنسبة إلى الحد سواءكان حكماً أو موضوعاً، ولذا لو أخذ الشريك مال شريكه بظن الجواز لا يقطع ولو كان بدون إذنه من جهة الشبهة، بل من جهة عدم صدق السرقة كما مرّ، ولو أخذ ما زاد عن حصته، نعم لو أخذ بقصد السرقة أزيد من نصيبه وكان الزائد بقدر النصاب يقطع، ويدل عليه روايات بعضها مطلقة وبعضها مقيدة بعد حمل المطلق على المقيد .

منها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) إن علياً (علیه السلام) قال : «في

ص: 164


1- المباني /1 / 344.

................................

رجل أخذ بيضة من المقسم فقالوا : قد سرق اقطعه، فقال أني لا اقطع احداً له فيما أخذ شرك»(1).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت : رجل سرق من المغنم _ أيش الذي يجب عليه ؟ يقطع _ قال : ينظر كم نصيبه فإن كان الذي أخذ أقلّ من نصيبه عزر ودفع إليه تمام ماله، وإن كان أخذ مثل الذي له فلا شيء عليه، وإن أخذ فضلاً بقدر ثمن مجن _ وهو ربع دينار _ قطع»(2).

أمّا صحيحة صالح عن يزيد بن عبد الملك عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام)، وعن المفضل بن صالح عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليهإنما أخذ حقه، فإذا كان من إمام عادل عليه القتل»(3).

فالرواية الأولى مطلقة تحمل على ما إذا أخذ بعنوان الجواز، أو كان أقلّ أو مساوياً لنصيبه، والثالثة فإنّها لا يمكن العمل بها، لأن عدم جواز قتل السارق محل اتفاق بين المسلمين .

ص: 165


1- الوسائل باب 24 من أبواب حد السرقة ح1 وفي بعض النسخ بدل المقسم المغنم .
2- الوسائل باب 24 من أبواب حد السرقة ح4 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب حد السرقة ح5 .

الخامس: أن يكون المال في مكان محرز ولم يكن مأذوناً في دخوله ففي مثل ذلك لو سرق المال من ذلك المكان وهتك الحرز قطع(1) .

______________________________________________

(1) كما عليه المشهور، فإنّ المعتبر عندهم مثل هتك الحرز في القطع بقفل، أو غلق، أو دفن، قال في الغنية : إن الحرز في المكان هو الذي لا يجوز لغير مالكه أو مالك التصرف فيه دخوله إلا بأذن(1)،

أمّا لو لم يكن المال محرزاً لم يقطع، وقد ادعوا عدم الخلاف، بل ادعي إجماع الطائفة، ونسب إلى الرياض بقوله : إجماعاً منا فتوى ونصاً إلا نادراً(2)أيضاً، وهكذا أدّعى في الجواهر الإجماع بقسميه(3)، والعمدة الروايات، منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) كل مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه _ يعني : الحمامات والخانات والارحية»(4)وكذا معتبرته الثانية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أيضاً «لا يقطع إلا من نقب بيتاً أو كسر قفلاً»(5)إذاً لو سرق من غير حرز لم يقطع .

ص: 166


1- الغنية /2 / 430 .
2- الرياض /16 / 103 .
3- الجواهر / 41 / 499 .
4- الوسائل باب 18 من أبواب حد السرقة ح2 .
5- الوسائل باب 18 من أبواب حد السرقة ح3 .

وأمّا لو سرقه من مكان غير محرز أو مأذون في دخوله أو كان المال تحت يده لم يقطع، ومن هذا القبيل المستأمن إذا خان وسرق الأمانة وكذلك الزوج إذا سرق من مال زوجته وبالعكس(1) فيما لم يكن المال محرزاً، ومثله السرقة من منزل الأب ومنزل الأخ والأخت ونحو ذلك مما يجوز الدخول فيه، ومن هذا القبيل أيضاً السرقة من المجامع العامة كالخانات والحمامات والارحية والمساجد وما شاكل ذلك، ولا قطع في الطرّار والمختلس(2) .

______________________________________________

(1) لأنّه في الكل لا يصدق عليه هتك الحرز، والمسألة غير خلافية وقد وردت في ذلك صحيحة أبي بصير «قال : سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع بعض ؟ فقال : هذا خائن لا يقطع، ولكن يتبع بسرقته وخيانته، قيل له : فإن سرق من أبيه، فقال : لا يقطع لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه فهذا خائن، وكذا إن أخذ من منزل أخيه أو أخته، إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول»(1).

(2) لعدم صدق الحرز مضافاً إلى ما ورد من الروايات، منها معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : ليس على الذي يستلب قطع وليس على الذي يطرُّ الدراهم من ثوب الرجل قطع»(2)ومعتبرة السكوني، عن أبي عبد الله «قال : أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) بطرار قدطرَّ دراهم من كُم رجل، قال : إن كان طرَّ من قميصه الأعلى لم اقطعه وإن كان قد طرَّ من قميصه السافل قطعته»(3)،

ص: 167


1- الوسائل باب 18 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب حد السرقة ح1 .
3- الوسائل باب 13 من أبواب حد السرقة ح2 .

المسألة 227: من سرق طعاماً في عام المجاعة لم يقطع(1) .

______________________________________________

لأنّه بمنزلة الحرز كما يظهر من الرواية ولذا يحمل قطع الطرار على ما ورد في صحيحة منصور بن حازم «قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول يقطع النباش والطرَّار ولا يقطع المختلس»(1).

(1) لا يخفى إنما لا يقطع إذا كان مأكولاً، أمّا لو سرق مالاً لشراء المأكول ولو كان في سنة المجاعة يقطع وذلك للإطلاقات، التي خرج منها المأكول في سنة المجاعة، كما أنّه ضامن كما ورد في باب الغصب، وأمّا عدم القطع لمن يسرق طعاماً مضافاً إلى دعوى الاتفاق، وقد ورد به روايات منها معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال : لا يقطع السارق في عام سنة يعنى : عام مجاعة»(2)،

ومعتبرته الأخرى عن جعفر بن محمد عن أبيه (علیه السلام) «قال : لا يقطع السارق في عام سنة مجدية، يعني، في المأكول دون غيره»(3).

قد يقال بأن المنسبق إلى الذهن هو الأعم من المأكول وإنما ذكره من باب أنّه أحد اسباب الاضطرار، ولكن ذكر صاحب الخلاف : أنّه روى أصحابناأن السارق إذا سرق عام المجاعة لا قطع عليه ولم يفصّلوا(4)،

وفي المبسوط : إن سرق في عام مجاعة وقحط، فإنّ كان الطعام موجوداً والقوت مقدور عليه، لكن بالأثمان الغالية فعليه القطع، وأن كان متعذراً لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه(5)،

ص: 168


1- الوسائل باب 13 من أبواب حد السرقة ح3 .
2- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح4 .
4- الخلاف /5 /432 .
5- المبسوط /5 /371 .

المسألة 228 : لا يعتبر في المحرز أن يكون ملكاً لصاحب المال، فلو استعار بيتاً أو استأجره فنقبه المعير أو المؤجر فسرق مالاً للمستعير أو المستأجر قطع(1).

______________________________________________

وروي عن علي (علیه السلام) قال : «لا قطع في أيام المجاعة»(1)،

وروي أيضاً «لا قطع في سنة المحلّ»(2)وأيضاً في حديث أخر «لا يقطع في عام سنة _ يعني عام مجاعة _ »(3)،

ونسب إلى الشافعي أيضاً قوله : إن كان الطعام موجوداً مقدوراً عليه، ولكن بالثمن الغالي فعليه القطع، وإن كان القوت متعذراً لا يقدر عليه فسرق سارق طعاماً فلا قطع عليه(4)،

وفي الجواهر قال : وعلى كل حال فلا ريب في اقتضاء إطلاق النص والفتوى الأعم من ذلك(5)،

ولكن الحق أنّه تحمل الرواية المطلقة على المقيدة كما قال في المسالك : حملوا ما اطلق في الروايتين السابقتين من المسروق على المقيد في هذه وهوالمأكول(6)، وفي الرياض : وإطلاقهما وإن شمل سرقة المأكول وغيره إلا أنّه مقيد بالأول بالاتفاق(7)،

ولو شككنا في ذلك نرجع إلى الإطلاقات كما أنّه لو لم يكن مضطراً، فيقطع لمناسبة الحكم والموضوع.

(1) وذلك للإطلاقات التي لا خلاف ولا إشكال فيها بين الأصحاب .

ص: 169


1- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح3.
2- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح1.
3- الوسائل باب 25 من أبواب حد السرقة ح2 .
4- الخلاف /5 /432 .
5- الجواهر /41 /58 .
6- المسالك /14 /500 .
7- الرياض /16 /111 .

المسألة 229 : إذا سرق باب الحرز أو شيئاً من ابنيته المثبتة فيه قطع(1)، وأمّا إذا كان باب الدار مفتوحاً ونام صاحبها ودخل سارق وسرق المال فهل يقطع ؟ فيه إشكال وخلاف، والظاهر هو القطع(2).

المسألة 230 : إذا سرق الأجير من مال المستأجر، فإن كان المال في حرزه قطع، وإلا لم يقطع، ويلحق به الضيف، فلا قطع في سرقته من غير حرز(3) .

______________________________________________

(1) قد يقال بعدم القطع الذي نسب إلى بعض لأنّه ما سرق وإنما هدم الحائط، أقول أن الحرز عرفاً هو المكان المعد لحفظ الأشياء الثمينة، فلا قطع في نفس ما يحرز به، نعم لو كان هو أيضاً في حرز بسبب شيء آخر كالباب الداخل فهو يُعدّ من الحرز، وإن فرض أنّه وسيلة لحرز شيء آخر، وهكذا ما على الجدار الداخلي، إذاً لو كسر الباب ودخل وأخذ شيئاً من الباب الداخل أو الجدار قطع، فما ذكره الاستاذ(1)

الاعظم (قدس سرُّه)غير تام لأن مجرد إثباته بالعمارة لا يُعد حرزاً بعد ما كان مكشوفاً .

(2) لأنّه يصدق عليه السرقة من الحرز، ومع الشك فالمرجع هو الإطلاق .

(3) العمدة في القطع هو صدق الحرز كما في المسالك بقوله : هذا يتضمن شرطين، أحدهما كون المال محرزاً فلا قطع في سرقة ما ليس بمحرز لما روي أن النبي (صلی الله علیه و آله) «قال : لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل، فإذاآواها المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن»(2)،

الثاني : أن يكون الآخذ هو مهتك الحرز أما بالنقب أو فتح الباب أو كسر القفل ونحو ذلك(3)،

وفي الرياض قال : إجماعاً منا،

ص: 170


1- مباني تكملة المنهاج /1 /349 .
2- مستدرك الحاكم /4 / 381 .
3- المسالك /14 / 484 .

................................

فتوى ونصاً إلا نادراً(1)،

ومال إليه في التحرير إذ قال ولو لم يكن المال محرزاً لم يجب القطع والحرز لم ينص الشارع على تعينه وإنما ردهم فيه الى العرف، فكل ما عُدّ في العرف حرزاً فهو حرز كالمحرز بقفل أو غلق أو دفن(2)، وقال في التنقيح : وروى سليمان عن الصادق (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل استأجر اجيراً فسرق من بيته هل تقطع يده فقال : هذا مؤتمن وليس بسارق هذا خائن» .

ومثله رواية سماعة قال : «سألته عن رجل استأجر اجيراً فأخذ الأجير متاعه فسرقه ؟ فقال : هو مؤتمن ثم قال الأجير والضيف أمناء ليس يقع عليهم حد السرقة»(3)،

وعمل على ذلك الصدوق في المقنع(4)، والشيخ في النهاية(5)،

وهذه الروايات ليست مشهورة بل الروايات الشهيرة أن كلّ من أحرز من دونه مال فسرقه فإنّه يقطع، فلذلك قال المصنف على الأشهر، هو مذهب ابن إدريس والعلامة وعليه الفتوى، مع أن الروايات بعدم القطع تحمل على عدم الاحراز ولفظها يدل على ذلك(6)،

وفي المختلف : قال الشيخ في النهايةوالأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن عليه قطع وكذلك الضيف إذا سرق من مال مضيفه لا يجب عليه قطع، وقال ابن الجنيد وسرقة الأجير والضيف والزوج فيما اؤتمنوا عليه خيانة لا قطع عليهم فيه، وإن سرقوا مما لم يأتمنوا عليه قطعوا(7)،

وقد ذكرت أقوال كثيرة فراجع .

ص: 171


1- الرياض /16 /103 .
2- التحرير / 5 /352 .
3- الوسائل باب 14 من أبواب حد السرقة ح3 .
4- المقنع / 151 .
5- النهاية / 151 .
6- التنقيح /4 / 375 .
7- المختلف /9 /205 .

المسألة 231 : إذا كان المال في محرز، فهتكه أحد الشخصين، وأخذ ثانيهما المال المحرز، فلا قطع عليهما(1).

______________________________________________

ولذا يشترط أن يكون المسروق في حرز مضافاً إلى عموم الروايات الدالة على أن شرط القطع هو وجود المال في الحرز كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه «قال : في رجل استأجر اجيراً واقعده على متاعه فسرقه قال له : هو مؤتمن»(1)،

وصحيحة سليمان بن خالد، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يستأجر اجيراً فيسرق من بيته، هل تقطع يده ؟ فقال : هو مؤتمن ليس بسارق، هذا خائن»(2)،

وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : الضيف إذا سرق لم يقطع، وإذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف»(3)، للإطلاق وعدم الدليل على عدم القطع .

(1) تارة يهتك أحدهما ويسرق الآخر فلا قطع لأحدهما، أمّا الأول فلأنّه ليس بسارق، وأما الثاني، لأنّه لم يأخذ المال المحرز، وأمّا لو هتك كلاهماوأخذ المال أحدهما، فيقطع الآخذ لاجتماع الشرائط بالنسبة إليه دون الآخر، لعدم تحقق السرقة منه، فالقطع بالنسبة إليه يكون لوجود الموضوع، وهكذا لو انفرد أحدهما في الهتك واشتركا في السرقة قطع الهآتك السارق لأنّه سرق من المال المحرز.

ص: 172


1- الوسائل باب 14 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب حد السرقة ح3 .
3- الوسائل باب 17 من أبواب حد السرقة ح1 .

المسألة 232: لا فرق في ثبوت الحد على السارق المخرج للمتاع من حرز بين أن يكون مستقلاً أو مشاركاً لغيره، فلو اخرج شخصان متاعاً واحداً ثبت الحد عليهما جميعاً، ولا فرق في ذلك أيضاً بين أن يكون الاخراج بالمباشرة وإن يكون بالتسبيب فيما إذا استند الاخراج إليه(1).

السادس : أن لا يكون السارق والداً لصاحب المتاع، فلو سرق المتاع من ولده لم تقطع يده، وأمّا لو سرق ولد من والده مع وجود سائر الشرائط قطعت يده، وكذلك الحال في بقية الأقارب(2).

______________________________________________

(1) لأنّه لو اشتركا أيضاً يثبت الموضوع بالنسبة إليهما معاً، فيترتب حكم القطع عليهما، إذا سرقا دفعة وكان المجموع حد النصاب، وأمّا إذا سرق الأول بانفراده أقلّ من النصاب، ثم الثاني أيضاً كذلك فلا يقطعان والسبب في وذلك هو عدم تمامية النصاب الموجب للقطع لكل واحد منهما نعم لو اخرجا نصاباً بالاشتراك أو بالانفراد فلكل منهما القطع .

(2) المسألة غير خلافية وأدّعى عليها الإجماع، وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قذف أبنه بالزنا، قال لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم يجلد له»(1)،

أي حيث يستفاد منه عموم الحكم للسرقة من ذلك، وفي المسالك بقوله : لعموم آية السرقة وغيرهامن الأدلة متناول السرقة الأقارب والأجانب، لكن خرج من ذلك سرقة الأب وإن علا من الولد بالإجماع فيبقى الباقي على العموم(2)، وقد عرفت في محله أن الإجماع ليس بحجة، وكذا ما

ص: 173


1- الوسائل باب 14 من أبواب حد القذف ح1 .
2- المسالك / 14 / 487 .

السابع : أن يأخذ المال سراً، فلو هتك الحرز قهراً وعلناً وأخذ المال لم يقطع(1) .

______________________________________________

ذكره صاحب التنقيح في شرح عبارة المختصر : وإلا يكون والد من ولده أمّا في الأب فالإجماع عليه، وهل الأم كذلك ؟ قال التقي نعم واستحسنه العلامة في المختلف لاشتراكهما في وجوب التعظيم(1)وما قيل من أن الإجماع يخصص عموم الكتاب والسنة، ففيه أن الإجماع ليس بحجة في حد نفسه، وكذا وما ورد في النبوي «إنك ومالك لأبيك»(2)

لعدم حجية السند .

(1) لعدم صدق السرقة، فإن صدقها إنما يكون إذا كان سراً، نعم يصدق عليه الغاصب، وأدّعى البعض الإجماع، مضافاً إلى عدة روايات .

منها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل اختلس ثوباً من السوق، فقالوا : قد سرق هذا الرجل فقال : أنا لا اقطع في الدغارة المعلنة ولكن اقطع منيأخذ ثم يخفي»(3).

ومنها : معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال : ليس على الطرَّار، والمختلس قطع لأنّها دغارة معلنة، ولكن يقطع من يأخذ ويخفي»(4).

ص: 174


1- التنقيح / 4 / 372 .
2- الوسائل باب 78 من أبواب ما يكتب به ح2.
3- الوسائل باب 12 من أبواب حد السرقة ح2 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب حد السرقة ح7 .

الثامن : أن يكون المال ملك غيره، وأمّا لوكان متعلقاً لحق غيره ولكن كان المال ملك نفسه كما في الرهن، أو كانت منفعته ملكاً لغيره كما في الإجارة، لم يقطع(1).

التاسع : أن لا يكون السارق عبداً لأنسان، فلو سرق عبده من ماله لم يقطع(2).

وكذلك الحال في عبد الغنيمة اذا سرق منها(3).

______________________________________________

(1) وذلك لظهور أدلة السرقة إذا كانت من مال الغير ولا يصدق إذا كان ملكه، وأن تعلق به حق الغير وذلك للروايات كما في صحيحة محمد ابن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في كم يقطع السارق ؟ قال : في ربع دينار إلى أن قال : كل من سرق من مسلم شيئاً قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، وهو عند الله سارق، ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، ولو قطعت أيدي السراق في أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين»(1).

(2) أمّا عدم القطع في عبده، لأنّه ملكه وكما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تدل على ذلك مضافاً إلى أن قطع يده زيادة ضرر على المولى عدة روايات (3)، منها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في عبد سرق واختان من مال مولاه، قال : ليس عليه قطع»(2)،

وغيرها من الروايات .(3) لأنّه يكون سبباً لزيادة الضرر، وقد دلت على ذلك عدة روايات .

منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) عبدي إذا سرقني لم اقطعه، وعبدي إذا سرق غيري قطعته وعبد الامارة إذا سرق

ص: 175


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح1 ، (3) مباني تكملة المنهاج / 1/ 353 .

المسألة 233 : لا قطع في الطير(1) وحجارة الرخام واشباه ذلك على الأظهر .

______________________________________________

لم اقطعه لأنّه فيء»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجلين سرقا من مال الله أحدهما عبد مال الله والآخر من عرض الناس، فقال : أمّا هذا فمن مال الله ليس عليه شيء، مال الله أكل بعضه بعضاً، وأمّا الآخر فقدّمه وقطع يده، ثم أمر أن يطعم اللحم والسمن حتى برئت يده»(2)،

وصحيحته الثانية عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إذا أخذ رقيق الإمام لم يقطع، وإذا سرق واحد من رقيقي من مال الامارة قطعت يده»(3).

(1) لا يخفى أن حسب القاعدة يقطع لهذه الأمور التي ذكرها الماتن مع تمامية الشروط، إلا إذا دل دليل خاص .

أمّا بالنسبة إلى الطير فقد دل الدليل على عدم جواز القطع كما في معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن علياً (علیهالسلام) أُتى بالكوفة برجل سرق حماماً فلم يقطعه، قال : ولا اقطع في الطير»(4)ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله قال : «قال : أمير المؤمنين لا قطع في ريش _ يعني الطير كله»(5).

أمّا في الرخام هل يقطع أو لا ؟ الظاهر لا، لعدم صدق الحرز والعمدة الروايات، منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا قطع على من سرق الحجارة _ يعني : الرخام» واشباه ذلك .

ص: 176


1- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح2 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح4 .
3- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح5 .
4- الوسائل باب23 من أبواب حد السرقة ح1 .
5- الوسائل باب 22 من أبواب حد السرقة ح2 .

مقدار المسروق

المشهور بين الأصحاب أنّه يعتبر في القطع أن تكون قيمة المسروق ربع دينار، والدينار عبارة عن ثماني عشرة حمصة من الذهب المسكوك وقيل يقطع في خمس دينار، وهو الأظهر(1).

______________________________________________

(1) الأقوال في المسألة كثيرة .

الأول : هو المشهور بين الأصحاب بأنّ نصاب القطع ربع دينار .

والثاني : خمس دينار .

والثالث : دينار .والرابع : ثلث دينار .

والمشهور هو الأول، وقد أدعيّ عليه الإجماع، كما نسب إلى الخلاف أن النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعداً(1)،

والغنية : أنّه يكون مقدار المسروق ربع دينار فصاعداً(2)،

والسرائر : القدر الذي يقطع به السارق عندنا ربع دينار، أو ما قيمته ربع دينار من أي جنس كان، وجملته متى ما سرق ما قيمته ربع دينار، فعليه القطع سواء سرق ما هو محرز بنفسه كالثياب والأثمان والحبوب اليابسة ونحوها أو غير محرز بنفسه(3)وقد

عرفت حال هذه الإجماعات والعمدة الروايات .

ص: 177


1- الخلاف /5 /411 .
2- الغنية / 2 / 430 .
3- السرائر /3 /518.

................................

منها : صحيحة محمد بن مسلم، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في كم يقطع السارق ؟ قال : في ربع دينار، قال : قلت له : في درهمين قال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ، قال : قلت له أرأيت من سرق أقلّ من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق، وهل هو عند الله سارق ؟ فقال : كل من سرق من مسلم شيئاً حواه واحرزه فهو يقع عليه اسم السارق، وهو عند الله سارق، ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار أو أكثر، ولو قطعت أيدي السارق فيما أقلّ هو من ربع الدينار لألفيت عامة الناس مقطعين»(1).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا تقطع يد السارق إلا في شيء تبلغ قيمته مجناً، وهو ربع دينار»(2).

ومنها : معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال :قطع أمير المؤمنين (علیه السلام) في بيضة، قلت : وما بيضة ؟ قال : بيضة قيمتها ربع دينار قلت هو ادنى حد السارق ؟ فسكت»(3).

ومقتضى هذه الروايات أنّها لم تفرق بين أن يكون المسروق ربع دينار أو ما قيمته كذلك، وهناك روايات تدل على أن حدّ النصاب خمس الدينار وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : فالنتيجة أنّ القول باعتبار الخمس هو الأظهر(4)،

كما في المتن ويدل عليه الروايات .

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : أدنى ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار»(5).

ص: 178


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح2 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح4 .
4- المباني /1 / 359.
5- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح3 .

................................

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : يقطع السارق في كل شيء بلغ قيمته خُمس دينار إن سرق من سوق، أو زرع أو ضرع أو غير ذلك»(1).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم الثانية «قال : أبو جعفر (علیه السلام) أدنى ما تقطع فيه يد السارق خُمس دينار، والخمس آخر الحدّ الذي لا يكون القطع في دونه، ويقطع فيه، وما فوقه»(2).

ومنها : معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان، قال : يقطع به»(3)، ولا يخفى أن المراد من الدرهمين هو ما يساوي خمس دينار .ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام) «قال سألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق ؟ فقال : قال أمير المؤمنين (علیه السلام) بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة»(4).

قد يقال إن المشهور قد اعرض عن تلك الطائفة فلا يمكن الاعتماد عليها، مضافاً إلى أن الرواية الأخيرة دلت على التخيير، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) والمشهور هو اعتبار الربع ونسب إلى الصدوق اعتبار الخمس، وقد حمل الشيخ رحمه الله الروايات الدالة على اعتبار الخمس على التقية ولا نعرف لهذا الحمل وجهاً، فإنّه لم ينقل من العامة قول باعتبار الخمس، إذ المعروف بينهم كما مرّ هو اعتبار الربع، وقد ذكروا أن قول النبي (علیهم السلام) : «لا تقطع إلا في ربع دينار»(5)،

متفق

ص: 179


1- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح12 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح13 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح14 .
4- الوسائل باب 2 من أبواب حد السرقة ح22 .
5- مسند أحمد /6/ 104ح 1040، صحيح مسلم /3/ 32 ح 1312 ، سنن ابن ماجه /2/ 862 ح2585 .

المسألة 234: من نبش قبراً وسرق الكفن قطع، هذا إذا بلغت قيمة الكفن نصاباً(1).

______________________________________________

عليه، وقد نسب هذا القول إلى المشاهير منهم، فحينئذٍ كان حمل ما دل عليه اعتبار ربع دينار على التقية هو الأقرب، ومع الاغماض عن ذلك فالروايات متعارضة والترجيح مع روايات الخمس لموافقتها لظاهر الكتاب وموافقة الكتاب أول مرجح في مقام التعارض .

وبيان ذلك : أن مقتضى إطلاق الآية المباركة وجوب القطع في السرقةمطلقاً، قليلاً كان المسروق أم كثيراً، ولكنّا علمنا من الخارج أنّه لا قطع في أقلّ من خمس فترفع اليد عن إطلاق الآية بهذا المقدار، أمّا التخصيص الزائد فلم يثبت لمعارضة ما دل على ذلك بالروايات الدالة على اعتبار الخمس، فتطرح من ناحية مخالفتها لظاهر الكتاب فالنتيجة : أن القول باعتبار الخمس هو الأظهر(1).

وفيه أن كلتا الطائفتين متعارضتان لظاهر القول وإطلاق الآية، فالقول باعتبار الربع هو المقدّم لحصول الاطمئنان بعد عمل الفقهاء به إلا الشاذ لذا حمل الشيخ قول الصدوق على التقية بعد أن حصل له الاطمئنان من عمل الفقهاء، إذاً الأظهر اعتبار الربع لا الخمس، وأمّا بقية الأقوال فمطروحة لأنّها خلاف المقطوع به .

(1) لإطلاق الآية والروايات، بل أدعيّ عليه الإجماع بلا فرق بين أن يكون الكفن واجباً أو بعض اجزائه مندوباً، وقد عرفت حال هذه الإجماعات وهنا لابد لنا أن نبين بعض الأمور :

الأول: هل يقطع مطلقاً لكون القبر حرزاً، ولا يعتبر في الكفن بلوغ النصاب كما سيأتي من أن حدّ النباش حدّ السارق للروايات، وهو أعم من أن يكون بمقدار

ص: 180


1- مباني تكملة المنهاج /1 /358 _ 359 .

................................

النصاب وعدمه، وعليه جملة من العلماء كالشيخ(1)والقاضي(2)وابن

إدريس(3).الثاني : اشتراط قيمته النصاب، وحكمه حكم مطلق السراق، كما عليه المحقق في الشرائع وسلار(4)،

والمفيد(5)،

وأبو صلاح وغيرهم .

الثالث : يشترط بلوغ النصاب في المرة الأولى خاصة، وأمّا في الثانية فلا، لاعتياده ويطلق عليه المفسد فيقطع لإفساده، وهو المنسوب إلى ابن إدريس(6).

الرابع : أن يقطع مع اخراج الكفن مطلقاً، أو اعتياده النبش ولو لم يأخذ الكفن وهو للشيخ في الاستبصار(7)،

جامعاً بين الأخبار .

الخامس : عدم قطعه مطلقاً لا مع النبش مراراً، أمّا الأول فلا، لأن القبر ليس حرزاً من حيث أنه قبر، وأمّا الثاني فلإفساده، وهو قول الصدوق والعمدة الروايات .

منها : معتبرة إسحاق بن عمار «إن علياً (علیه السلام) قطع نباش القبر، فقيل له : اتقطع في الموتى ؟ فقال : إنا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»(8).

ومنها : صحيحة حفص بن البختري قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: حد النباش حد السارق»(9).

ص: 181


1- النهاية / 722 .
2- المهذب /2 /542 .
3- السرائر /3 / 514 _ 515 .
4- المراسم / 258 .
5- المقنعة / 804 .
6- السرائر / 3 / 514 .
7- الاستبصار / 4 / 247.
8- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح12 .
9- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح1 .

................................

ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : النباش إذا كان معروفاً بذلك قطع»(1).ومنها : رواية علي بن سعيد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألته عن رجل أُخذ وهو ينبش ؟ قال : لا أرى عليه قطعاً إلا أن يؤخذ وقد نبش مراراً فأقطعه»(2)، وروايته الثانية قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن النباش ؟ قال إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر»(3).

ولكن هاتين الروايتين ضعيفتان، فإن علي بن سعيد مجهول ولم يرد فيه توثيق ولا محمدة .

وأمّا رواية الفضيل وإن كانت صحيحة من جهة السند ولكن من جهة الدلالة غير تامة، لأنّها تدل على لزوم التكرار للعمل، بل تدل على المعروفية في العمل، مع أنّه قد يكون العمل متكرراً وغير معروف وقد يكون الفاعل معروفاً ولكنه لم يتكرر منه العمل مراراً، مضافاً إلى أنّهما غير معمول بهما، فحكمه حكم السرقة من الحي ولا دليل على اشتراط الزائد من السرقة في الاحياء بعد إطلاق موثقة عمار، إذاً ما دلّ من الروايات على عدم القطع كصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن الطرّار والنباش والمختلس، قال : لا يقطع»(4)، فيحمل ذلك على التقية لأن أبا حنيفة والثوري كما نسب إليهما ذهبا إلى عدم القطع .

ص: 182


1- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح15 .
2- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح11 .
3- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح13 .
4- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح14 .

وقيل : يشترط ذلك في المرّة الأولى دون الثانية والثالثة، وقيل : لا يشترط مطلقاً، ووجههما غير ظاهر(1) .

______________________________________________

(1) أمّا الاعتبار في الأولى دون الثانية، والثالثة فقول ابن إدريس، كمامرّ لقولهم (علیهم السلام) «يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الاحياء» وفي حديث آخر قال (علیه السلام) : «إنّا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا»(1).

وقيل لا يشترط مطلقاً كما مرّ ذكره عن جمهرة من الفقهاء في السرائر(2)

فكلا القولين ليسا بصحيحين لإطلاق الآية والروايات، ولما ورد في رواية إسحاق بن عمار من التساوي بين السرقة من الحي أو الميت، فإذا فرض أن القطع في الحي يكون مشروطاً ببلوغ النصاب، كان كذلك بالنسبة إلى القطع من الميت في كل مرة .

ص: 183


1- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح48 .
2- السرائر / 3 / 514 _ 515 .

ما يثبت به حد السرقة

المسألة 235 : لا يثبت حدّ السرقة إلا بشهادة رجلين عدلين(1)، و لا يثبت بشهادة رجل وامرأتين ولا بشهادة النساء منفردات(2) .

______________________________________________

(1) أمّا شهادة العدلين فذلك لعموم حجية البينة، مضافاً إلى ما ورد في خصوص الروايات في باب السرقة، مثل ما عن أبي جعفر (علیه السلام) في صحيح محمد بن قيس قال : «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق، فقطع يده»(1)وصحيح

الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال : «سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجل نقب بيتاً فأُخذ قبل أن يصل إلى شيء، قال يعاقب ... يدرأ عنه القطع إلا أن تقوم عليه بينة، فإن قامت البينة عليه قطع»(2).

(2) وذلك لعدم الدليل وانحصار الإثبات في القطع للروايات الواردة في البينة، لا منفردات ولا منظمات كما ورد في باب الشهادات من عدم قبول شهادتهن في حقوق الله، ولعدم الدليل على اعتبار شهادتهن إلا في المال .

ص: 184


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح1 .

المسألة 236: المعروف بين الأصحاب أنّه يعتبر في ثبوت حد السرقة الإقرار مرتين، وهو لا يخلو من نظر، فالأظهر ثبوته بالإقرار مرة واحدة(1) .

______________________________________________

(1) هل القطع يكون بالإقرار مرة واحدة، أو مرتين، أو ثلاث مرات ؟ المشهور هو القطع مرتين، ونسب إلى كشف اللثام المصرح به في بعض العبائر(1)،

بل فيه عن الخلاف والتصريح بالإجماع وهو الحجة(2)،

نعم بالنسبة إلى المال فيضمن لأنّه يكفي فيه الإقرار مرة واحدة كما هو الموجود في كتاب الإقرار .

أمّا الاحتياج في القطع كما ورد في خبر الأصبغ بالإقرار ثلاث مرات فلا، لأنّه لم يقل به أحد، والرواية الواردة ضعيفة من جهة السند، وهي وردت في كتاب التحصين للسيد رضي الدين بن طاووس رحمه الله عن كتاب نور الهدى للحسن بن طاهر عن الأصبغ بن نباته : «أنّه أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) جماعة بعبدٍ أسود، وثق كتافاً، فقالوا جئناك بسارق، فقال (علیه السلام) يا أسود أنت سارق ؟ قال : نعم يا مولاي، ثم قال له ثانية يا أسود أنت سارق أنت سارق ؟ فقال نعم يا مولاي، قال (علیه السلام) إذا قلتها ثالثة قطعت يمينك، يا أسود أنت سارق ؟ قال نعم فقطع يمينه» .

فإنها أولاً: الرواية غير موجودة إلا في كشف اللثام وقد نسبها إلى كتاب البحار.وثانياً : أنّها وردت في العبد واقراره ليس بحجة، مضافاً إلى أنّه لم يعمل بها أحداً، وهناك طائفتان من الروايات قسم منها دالة على أنّ القطع يثبت بمرتين، والقسم الآخر يثبت بمرة، وذهب المشهور إلى الطائفة الأولى، وقد أدّعى البعض منهم الإجماع، وقد وردت بذلك عدة روايات .

ص: 185


1- كشف اللثام /10 /616 ، ونقله عن البحار / 40 / 281 ح44 .
2- الخلاف /5 /443 .

................................

منها : مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (علیهما السلام) في حديث «قال : لا يقطع السارق حتى يقرّ بالسرقة مرتين، فإن رجع ضمن السرقة، ولم يقطع إذا لم يكن شهود»(1)،

ولكنها ضعيفة من جهة السند بالإرسال .

ومنها : صحيحة ابان بن عثمان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه قال : كنت عند عيسى بن موسى، فأتي بسارق وعنده رجل من آل عمر، فاقبل يسألني فقلت : ما تقول في السارق إذا أقرّ على نفسه أنه سرق ؟ قال : يقطع، فقلت فما تقول في الزنا إذا أقرّ على نفسه أربع مرات ؟ قال : نرجمه، قلت : ما يمنعكم من السارق إذا أقرّ على نفسه مرتين أن تقطعوه ويكون بمزلة الزاني»(2)، فإنّها تدل على أن الإقرار مرتين شرط في القطع، فإنّه بمنزلة الزاني أي يحتاج إلى التعدد في الإقرار، وبعد أن ثبت في باب الشهادة بأن كل إقرار يكون بمنزلة الشهادة، وأنّه لا يثبت الحدّ إلا بإقرار مرتين، نعم يثبت الضمان .

وأمّا رواية جميل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : لا يقطع السارقحتى يقرّ بالسرقة مرتين، ولا يرجم الزاني حتى يقرّ أربع مرات»(3)،

فإنّها ضعيفة أيضاً لأن في السند علي بن سندي، ولكن يقول المامقاني : أنّه في أعلى الحسن أي أنه ثقة، وقد ضعفه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فعلى أي حال يكفي صحيحة ابان نعم ورد كفاية المرة في صحيحة فضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إن أقرّ الرجل الحر على نفسه مرة واحدة عند الإمام قطع»(4)،

وتكون هذه معارضة لصحيحة ابان، وقد حمل

ص: 186


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح1
2- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقةح4
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقةح6
4- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقةح3.

وأمّا الغرم فلا إشكال في ثبوته بالإقرار مرّة واحدة(1).

المسألة 237 : إذا أخرج المال من حرز شخص وادعى أنّ صاحبه أعطاه إيّاه سقط عنه الحدّ(2)، إلا إذا أقام صاحب المال البينة على أنّه سرقه فعندئذٍ يقطع .

______________________________________________

البعض هذه على أنّه يقطع بالمرة إذا كان الإقرار عند الإمام (علیه السلام) وأمّا عند غيره لابد من الإقرار مرتين .

ولكن هذا الجمع لم يعمل به أحد، بعد التعارض بين الصحيحتين يكون الترجيح لصحيحة ابان، لأنّها مسندة بعمل المشهور، مضافاً إلى ادعاء الإجماع عليه وأنّه لا عامل برواية فضيل .

(1) لكفاية المرة الواحدة في الأموال مما لا شك ولا إشكال، بل ولا خلاف لما ورد من إطلاق الثبوت بالإقرار ولم يدل دليل على التقييد .

(2) لاحتمال صدقه بكونه غير سارق، فيدرأ الحدّ بالشبهة، والقطعيحصل مع العلم بالسرقة مضافاً إلى صحيحة الحلبي، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) في رجل ثقب بيتاً فأُخذ قبل أن يصل إلى الشيء ؟ قال : يعاقب إلى أن قال : وسألته عن رجل أخذوه وقد حمل كارة من ثياب، وقال : صاحب البيت أعطانيها ؟ قال : يدرأ عنه القطع إلا أن تقوم عليه بينة، فإن قامت البينة عليه قطع»(1).

ص: 187


1- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح1 .

المسألة 238 : يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل، فلا اعتبار بإقرار الصبي و المجنون، والحرية(1)، فلو أقرّ العبد بالسرقة لم يقطع، وإن شهد عليه شاهدان قطع(2).

______________________________________________

(1) بعد أن كان من الشروط العامة وهي ثابتة بالنسبة إلى التكاليف وبالاتفاق وأدعيّ الإجماع بل المسألة محل اتفاق .

(2) لأنّه لا اعتبار بإقرار الصبي والمجنون عند العقلاء وإقرارهما خارج عن قاعدة نفوذ إقرار العقلاء .

وأمّا العبد إذا أقرّ بالسرقة فلا يقطع أيضاً، لأنّه إقرار في حق الغير مضافاً إلى ما ورد من صحيحة الفضيل، قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع وإن شهد عليه شاهدان قطع»(1)وهذه معارضة برواية أخرى لفضيل أيضاً «مَنْ أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حراً كان أو عبداً، أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه الذي أقرّ به على نفسه كائناً ما كان إلا الزاني المحصن»(2)

وكذا صحيحة ابن رئاب عن ضريس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : العبد إذا أقرّ على نفسه مرة أنّه قد سرق قطعه، والأمة إذا أقرّت على نفسها بالسرقة قطعها»(3)،

فتحملان على التقية لأنّها كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكن بما أن هاتين الصحيحتين موافقتان لأكثر العامة على ما في المغني فتحملان على التقية، فالمرجح هو العمل على طبق الصحيحة السابقة، وعلىتقدير الاغماض عن ذلك فالطائفتان تسقطان من جهة المعارضة فلا دليل على القطع، لأن عموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم لا يشمل المقام نظراً إلى أن إقرار

ص: 188


1- الوسائل باب 35 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح2 .

نعم، يثبت بإقراره الغرم(1) .

حدّ القطع

المسألة 239 : تقطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى وتترك له الراحة والإبهام(2) .

______________________________________________

العبد إقرار في حق الغير وهو المولى(1)

ولعموم حجية أدلة البينة الشاملة للمورد .

(1) لعموم نفوذ الإقرار، ولكن بما أنّه لا يملك شيئاً فهو ضامن لعموم أدلة الضمان فيتبع به بعد العتق .

(2) والمسألة غير خلافية فيها وما بعدها، بالنسبة إلى أصل القطع، أمّا الخصوصيات فسيأتي، وتدل على ذلك .

منها : معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (علیه السلام) «قال : تقطع يد السارق ويترك إبهامه وصدر راحته، وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها»(2).

ومنها : معتبرة عبد الله بن هلال عن أبيه عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له : اخبرني عن السارق إلى أن قال إن القطع ليس من حيث رأيتيقطع، إنما يقطع الرجل من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلي ويعبد الله، قلت له : من أين تقطع اليد ؟ قال : تقطع الأربع أصابع ويترك الابهام ويعتمد عليها في الصلاة، ويغسل بها وجهه للصلاة»(3)،

وتؤيد ذلك رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : القطع من وسط الكف فلا يقطع الابهام، وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع»(4)

ورواية عبد الحميد عن عامة أصحابه يرفعه إلى أمير

ص: 189


1- مباني تكملة المنهاج /2 /366 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح4 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح8 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح2 .

................................

المؤمنين (علیه السلام) «إنّه كان إذا قطع ترك الابهام والراحة»(1)،

فالرواية مرفوعة وضعيفة، ولكنها تكفي للتأييد .

ومنها : رواية معاوية بن عمار قال «قال : أبو عبد الله (علیه السلام) يقطع من السارق أربع أصابع ويترك الابهام، وتقطع الرجل من المفصل ويترك العقب يطأ عليه»(2).

وأمّا ما ورد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له من أين يجب القطع ؟ فبسط اصابعه وقال : من هنا يعني : مفصل الكف»(3)

فإنّها خلاف الاتفاق ومحمولة على التقية لموافقتها للعامة .

وأمّا قطع يده اليمنى لما ورد من صحيحة بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشلّ الشمال سرق، قال : تقطعيده اليمنى على كل حال»(4)، وصحيح زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «أن الأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو صحيحة، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فإن عاد خلد في السجن واجري عليه من بيت المال وكُفّ عن الناس»(5)، وغيرها من الروايات .

ص: 190


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح6 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ج7 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح1 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح1 .
5- الوسائل باب 4 من أبواب حد السرقة ح4 .

ولو سرق ثانية قطعت رجله اليسرى وترك له العقب(1).

______________________________________________

(1) أمّا قطع الرجل وترك العقب فبلا خلاف، وادعي عليه الاجماع وتدل عليه معتبرة سماعة قال : «قال : إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن فإن سرق في السجن قتل»(1)، وقد رواه العياشي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) وغيرها من الروايات كمعتبرة إسحاق بن عمار وعبد الله بن هلال الماضيتين، واستدل بصحيحة القاسم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل سرق ؟ فقال : سمعت أبي يقول : أتي علي (علیه السلام) في زمانه برجل قد سرق فقطع يده، ثم أتي به ثانية فقطع رجله من خلاف، ثم أتي به ثالثة خلّده في السجن وانفق عليه من بيت مال المسلمين، وقال : هكذا صنع رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) لا اخالفه»(2)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) _ في حديث السرقة _ قال : «تقطع اليد والرجل ثم لا يقطع بعد، ولكن إن عاد حبس وانفق عليه من بيت مال المسلمين»(3)،

ومعتبرة سماعة قال : «سألته عن السارق وقد قطعت يده ؟ فقال : تقطع رجله بعد يده، فإن عاد حبس في السجن وانفق عليه من بيت مال المسلمين»(4)،

وغيرها من الروايات ويصرف له من بيت المال ولو كان غنياً لإطلاق الروايات، وما يقال بأنّه لاوجه في صرف ما في بيت المال مع غناه مع أنّه معد لمصالح المسلمين فهو اجتهاد في مقابل النص .

ص: 191


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح4 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح3 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح7.
4- الوسائل باب 5 من ابواب حد السرقة ح12 .

وإن سرق ثالثة حبس دائماً وانفق عليه من بيت المال(1)، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر والذكر والانثى والحر والعبد(2).

المسألة 240 : لو تكررت السرقة ولم يظفر به، ثم ظفر به، فعليه حدّ واحد(3)وهو قطع اليد اليمنى فقط .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، وتدل عليه معتبرة سماعة بن مهران قال «قال : إذا أُخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع في السجن، فإن سرق في السجن قتل»(1).

(2) وذلك لإطلاق الروايات .

(3) والمسألة غير خلافية بين العامة والخاصة، يقول العلامة : ولو تكررت السرقة ولم يظفر به حدّ حداً واحداً(2)،

وقد ذكرنا أنّه حسب القاعدة لابد من التكرار للقطع، خصوصاً مع اختلاف المسروق منه، وذلك لأن الأصل عدم تداخل المسببات وهو قطع اليد اليمنى فقط .

وأمّا لو أخذ وشهدت البينة بالسرقة الأولى ثم أمسك لتقطع يده فقامت البينة بالسرقة الثانية قطعت رجله اليسرى أيضاً، وتدل على ذلك صحيحة بكير بن أعين عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في رجل سرق فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى فلم يقدر عليه، وسرق مرة أخرى فأخذ فجاءت البينة فاشهدوا عليه بالسرقة الأولى والسرقة الأخيرة، فقال : تقطع يده بالسرقة الأولى، ولا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة، فقيل له وكيف ذاك ؟ قال لأن الشهود شهدواعليه جميعاً في مقام واحد بالسرقة الأولى والأخيرة، قبل أن يقطع بالسرقة الأولى ولو أن الشهود شهدوا عليه بالسرقة الأولى ثم امسكوا به حتى يقطع، ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت

ص: 192


1- الوسائل باب 5 من ابواب حد السرقة ح4.
2- القواعد /3 /566 .

وأمّا لو أخذ وشهدت البينة بالسرقة الأولى ثم أمسك لتقطع يده فقامت البينة على السرقة الثانية قطعت رجله اليسرى أيضاً(1).

المسألة 241 : تقطع اليد اليمنى في السرقة ولا تقطع اليسرى وإن كانت اليمنى شلاء أو كانت اليسرى فقط شلاء أو كانتا شلاءين(2).

______________________________________________

رجله اليسرى»(1).

(1) لعدم الخلاف لمطابقة المسألة للقاعدة .

(2) ولا خلاف في هذه المسألة وبلا فرق أن تكون اليمنى شلاء أو اليسرى أو كانتا شلاءين، وقد أدّعيّ الإجماع عن بعض، ويشهد بذلك صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل أشلّ اليد اليمنى أو أشل الشمال سرق، قال : تقطع يده اليمنى على كل حال»(2)

وصحيحته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) في نفس المضمون وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) : «إن الأشلّ إن سرق قطعت يمينه على كل حال شلاء كانت أو صحيحة، فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فإن عاد خلد فيالسجن وأُجري عليه من بيت المال وكف عن الناس»(3).

ونسب إلى الإسكافي عدم القطع فيما إذا كانت اليد اليسرى شلاء(4)

واستدل على ذلك بمرسلة المفضل بن صالح عن بعض أصحابه، قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام) إذا سرق الرجل ويده اليسرى شلاء لم تقطع يمينه ولا رجله وإن كان أشل، ثم قطع يد رجل قصَّ منه، يعني لا يقطع في السرقة ولكن يقطع في القصاص»(5)،

ص: 193


1- الوسائل باب 9 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب حد السرقة ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب حد السرقة ح4 .
4- المختلف /9/ 230 _ 238 .
5- الوسائل باب 11 من أبواب حد السرقة ح2 .

المسألة 242 : المشهور بين الأصحاب أنّه تقطع يمينه وإن لم تكن له يسار، ولكنه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد عدم جواز قطع اليمين حينئذٍ(1) .

______________________________________________

والرواية ضعيفة بالإرسال، مضافاً إلى ضعف المفضل بنفسه ولا يعتمد على روايته، وقد ضعفه جمع فلا يمكن الأخذ بها .

وأمّا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن السارق يسرق فتقطع يده، ثم ... سرق فتقطع رجله، ثم يسرق، هل عليه قطع ؟ فقال : في كتاب علي (علیه السلام) أن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) مضى قبل أن يقطع أكثر من يدٍ ورجلٍ، وكان علي (علیه السلام) يقول : إني لأستحي من ربي أن لا أدع له يداً يستنجي بها، أو رجلاً يمشي عليها»(1)، فمن هذه يمكن استفادة عموم العلة منها، ولكن بما أن هناكروايات خاصة فلا يمكن أن تعارض هذه تلك وأمّا لو كانتا كلتاهما شلاءين أيضاً فيقطع، لعموم قوله في صحيحة عبد الله ابن سنان تقطع يده اليمنى على كل حال أي سواء كانت اليمنى شلاء أو اليسرى أو كلاهما .

(1) والمسألة غير خلافية إلا ما نسب إلى أبي علي، وقال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وجه المشهور في المسألة هو الإطلاقات المؤيدة بصحيحة ابن سنان(2)، المتقدمة الدالة على القطع فيما إذا كانت اليد اليسرى شلاء، ولكنه لا يصح ذلك لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن السارق يسرق فتقطع يده، ثم يسرق فتقطع رجله، ثم يسرق، هل عليه قطع ؟ فقال : في كتاب علي (علیه السلام) إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) مضى قبل أن يقطع أكثر من يدٍ ورجلٍ، وكان علي (علیه السلام) يقول: إني

ص: 194


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح9 .
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 371 .

المسألة 243 : لو كانت للسارق يمين حين السرقة فذهبت قبل اجراء الحد عليه لم تقطع يساره ولا رجله(1).

المسألة 244 : لو سرق من لا يمين له سقط عنه القطع ولا ينتقل إلى اليسرى ولا إلى الرجل اليسرى ولا إلى الحبس(2).

______________________________________________

لأستحي من ربي أن لا ادع له يداً يستنجي بها، أو رجلاً يمشي عليها»(1).

قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وهذه الصحيحة واضحة الدلالة على أن في حق الله لا يترك الرجل بغير يد، بل لابد أن تترك له يد واحدة يستنجي بهاكما لابد أن تترك له رجل واحدة يمشي عليها فإذا لم تكن له اليد اليسرى لم تقطع اليمنى وإنما خرجنا عن ذلك في اليد الشلاء بدليلٍ(2).

وفيه مضافاً إلى ما تقدم من أن الرواية في الشلاء أن الشلل بمنزلة العدم وهو لا يتمكن من الاستنجاء مع ذلك أمر الإمام (علیه السلام) بالقطع، إذاً في جواز القطع مع الشلل إنما هو لأجل الدليل، ولكن قد عرفت إن قلنا بالاتفاق لا مجرد الشهرة، فتقطع للاتفاق لأنه دليل خامس ومقدم على الصحيحة .

(1) والمسألة غير خلافية، ثم إن الحق تعليق الحكم باليمنى، ولكنه ذهب بذهابها، وانتقال الحد منها إلى غيرها يحتاج إلى دليل، ثم أنه ورد في الصحيحة أنه لابد أن يبقى له يد يتمكن من الاستنجاء بها فلو قطعت شماله فلا يتمكن من الاستنجاء، إذاً لو لم تكن له يد يمنى فلا يجوز قطع اليسرى .

(2) خلافاً لما ذكره الشيخ في النهاية حسب ما نسبه إليه صاحب الجواهر والمحكي عن الوسيلة، والكامل قطعت الأخرى أي يساره، من أنّه لو سرق وقد كان لا يمين له لخلقة، أو لقصاص، أو غيرهما مما هو غير القطع لسرقة قطعت الأخرى،

ص: 195


1- الوسائل باب 5 من أبواب حد السرقة ح9 .
2- مباني تكملة المنهاج /1 / 372 .

................................

ثم قال أيضاً أي يساره لعموم الآية في الأيدي المقتصر في تقييدهما باليمنى في حال وجوده كاختصاص قطع الرجل اليسرى في السرقة الثانية(1)، وقال في المسالك : لو سرق ولا يمين، الأصل في قطع السارق أن تقطع يده اليمنى في السرقة الأولى، ثم رجله اليسرى في الثانية ثم يخلد الحبس في الثالثة، ولم يرد قطع غير ذلك فلذلك وقع الإشكال في هذه المواضع فمنها ما إذا لم يكن لهيمين حال السرقة الأولى، قال الشيخ في النهاية(2)يقطع

يساره لعموم «فاقطعوا ايديهما» الصادق باليسار، غايته تقديم اليمين عليها بالسنة، فإذا لم توجد قطعت اليسار، لوجوب امتثال ما دلت عليه الآية بحسب الإمكان، ومنها : لو سرق ولا يد له ولا رجل، أمّا مطلقاً أو المنفي اليد اليمنى أو الرجل اليسرى اللتين هما محلّ القطع شرعاً قال الشيخ : حبس كما يحبس في المرة الثالثة بعد قطع يده ورجله، لأن هذا بمعناه، وقال في المبسوط ينتقل إلى رجله اليسرى لأنّها محل القطع حداً للسرقة في الجملة بل بعد قطع اليمين وقد حصل(3)،

والمصنف (رحمه الله) استشكل في القولين معاً لأنه خروج عن موضع الإذن الشرعي في القطع(4).

ولكن ما ذكروه من الأقوال كلها اجتهادات، أمّا بالنسبة إلى الحبس فلا معنى له، لأنّه لا يمكن التعدي من قطع اليد إلى الحبس، وكذا بالنسبة إلى الرجل، لأن الآية أيضاً لا تشمله، والحكم هو قطع اليد، فالتعدي إلى الرجل لا معنى له، وأمّا عدم الانتقال إلى اليد اليسرى فلأن السرقة أول مرة مختصة بقطع اليد اليمنى، وإذا قطعت انتفى الموضوع .

ص: 196


1- الجواهر /41 / 538.
2- النهاية / 717 .
3- المبسوط / 8 / 39 .
4- المسالك /14 / 523.

وكذا لو سرق فقطعت يده اليمنى ثم سرق ثانياً ولم تكن له رجل يسرى فإنّه يسقط عنه القطع ولا تقطع يده اليسرى ولا رجله اليمنى و لا ينتقل إلى الحبس كما أن مثل هذا الرجل لو سرق ثالثة لم يحبس(1).

المسألة 245 : يسقط الحدّ بالتوبة قبل ثبوته، ولا أثر لها بعدثبوته بالبينة(2) .

______________________________________________

إن قلت بإطلاق الآية التي تقيد باليمنى مع وجودها فقطع اليد اليمنى مختص بحال وجودها .

قلنا : لا يمكن قطع اليسرى كما ورد في الصحيحة المتقدمة وهي : أن الرجل لا يمكن أن يترك بدون يد، وأن اليد اليسرى لابد من ابقائها للاستنجاء، وما ذكرنا من الحكم الذي هو سقوط الحكم مع عدم الموضوع وهو يد اليمنى أنه لا فرق بين فقدها خلقة أو لعارض من مرض أو قصاص.

(1) لعدم الدليل، وكذلك رجله اليمنى وهكذا لا ينتقل إلى الحبس لأن السارق لو سرق أول مرّة كان حكمه القطع، وكذا في الثانية والتعدي إلى الحبس يحتاج إلى دليل، ولأن حكم الحبس في الثالثة إنما هو فيما إذا جرى عليه الحكم مرتين، نعم لابد من تأديبه فيعزر حسب ما يراه الحاكم الشرعي وكذا في الرابعة لا يحبس .

(2) أمّا إذا كانت توبته قبل قيام البينة، أو الإقرار فلا إشكال ولا خلاف في عدم القطع، وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى الله وردَّ سرقته على صاحبها فلا قطع عليه»(1).

ص: 197


1- الوسائل باب 31 من أبواب حد السرقة ح1.

وأمّا إذا ثبت بالإقرار ففي سقوطه بها إشكال وخلاف، والأظهر عدم السقوط(1) .

______________________________________________

وأمّا إذا كانت التوبة بعد الثبوت فلا أثر للتوبة ولما ورد من الروايات في باب حدّ الزنى وغيره من الحدود، وأمّا ما قيل بأن إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان تشمل ما إذا جاء السارق وهو تائب حتى بعد قيام البينة ولكن تكون هذه معارضة بما جاء من الروايات التي دلت على أنّه إذا تاب بعد قيام البينة قطع، فيتعارضان ويتساقطان، والمرجع هو إطلاق الآية والروايات .

(1) أمّا التوبة بعد الإقرار فلا دليل على سقوطه، ولكن يتخير الإمام حينئذٍ بين العفو والقطع، وذلك لما ادعي عليه الإجماع، كما عن الخلاف والنهاية، والعمدة الروايات، منها : معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر (علیه السلام) «قال : حدثني بعض أهلي أن شاباً أتى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرّ عنده بالسرقة قال : فقال له علي (علیه السلام) : إني اراك شاباً لا بأس بهبتك، فهل تقرا شيئاً من القرآن ؟ قال : نعم سورة البقرة، فقال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، قال إنما منعه أن يقطعه لأنه لم يقم عليه بينة»(1).

ويؤيد ذلك مرسلة أبي عبد الله البرقي عن بعض أصحابه عن الصادقين (علیهما السلام) «قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقرَّ بالسرقة، فقال : أتقرأ شيئاً من القرآن ؟ قال : نعم سورة البقرة، قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الاشعث : أتعطل حدّاً من حدود الله ؟ قال : وما يدريك ما هذا ؟ إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو، وإذا أقرَّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء قطع»(2).

ص: 198


1- الوسائل باب 3 من أبواب حد السرقة ح5 .
2- الوسائل باب 18 من أبواب مقدمات الحدود ح3.

المسألة 246 : لو قطع الحدّاد يد السارق مع علمه بأنّهايساره فعليه القصاص(1)، ولا يسقط القطع عن السارق على المشهور، ولكن فيه إشكال، بل منع فالأظهر عدم القطع، وأمّا لو اعتقد بأنّها يمينه فقطعها فعليه الدية(2)ويسقط به القطع عن السارق .

المسألة 247 : إذا قطعت يد السارق ينبغي معالجتها والقيام بشؤونه حتى تبرأ(3) .

______________________________________________

(1) المسألة غير خلافية، وذلك لإطلاق أدلة القصاص، وقد أدّعى البعض عدم الخلاف وإطلاق الأدلة، ولكن الحق عدم القطع لما ذكرنا بأنّه لا يترك بغير يد، وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أُمر به أن تقطع يمينه، فقدمت شماله فقطعوها وحسبوها يمينه، وقالوا : إنما قطعنا شماله، أتقطع يمينه؟ قال: فقال: لا، لا تقطع يمينه قد قطعت شماله»(1)،

إذاً ما نسب إلى الشيخ في المبسوط والفاضل في محكي التحرير من عدم سقوط الحد عن السارق، لا يتم بعدما ذكرنا من الأدلة .

(2) لأنّه شبه العمد، ومقتضاه هو دفع الدية .

(3) وذلك لأنّ المراد هو القطع لا موت الرجل، لأنّه لو لم يحبس ويعالج قد يستوجب موته، وللروايات الواردة، كصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجلين قد سرقا من مال الله والآخر من عرض الناس إلى أن قال وأمّا الآخرفقدَّمه وقطع يده، ثم أمر أن يطعم اللحم والسمن حتى برئت يده»(2)،

ورواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال :

ص: 199


1- الوسائل باب 6 من أبواب حد السرقة ح1 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب حد السرقة ح4 . (2) الوسائل باب 30 من أبواب حد السرقة ح3 .

المسألة 248 : إذا مات السارق بقطع يده فلا ضمان على أحد(1).

______________________________________________

أُتى أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوم سرّاق قد قامت عليهم البينة واقرُّوا، قال : فقطع أيديهم ثم قال: يا قنبر ضمهم إليك فداو كلومهم وأحسن القيام عليهم، فإذا برؤا فأعلمني، فلما برئوا اتاه، فقال : يا أمير المؤمنين القوم الذين اقمت عليهم الحدود قد برئت جراحاتهم، فقال : اذهب فاكس كل رجل منهم ثوبين وآتني بهم، قال : فكساهم ثوبين ثوبين وأتى بهم في أحسن هيئة متردين مشتملين، كأنهم قوم محرمون، فمثلوا بين يديه قياماً، فأقبل على الأرض ينكتها بأصبعه مليّا، ثم رفع رأسه إليهم، فقال : اكشفوا أيديكم ثم قال : ارفعوا رؤوسكم إلى السماء فقولوا : اللهم إن علياً قطعنا ففعلوا فقال : اللهم على كتابك وسنة نبيك، ثم قال لهم : يا هؤلاء إن تبتم سلمتم أيديكم، وإن لم تتوبوا أُلحقتم بها، ثم قال : يا قنبر خل سبيلهم واعط كل واحد منهم ما يكفيه إلى بلده»(2).

(1) لا يقع الضمان على الحاكم ولا على المباشر بعد إذن الحاكم الشرعي، والمسألة غير خلافية، وتدل عليه عدة روايات .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إيّما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له»(1)،

فلا تعارضها رواية الحسن بن صالحالثوري عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول : مَنْ ضربناه حداً من حدود الله فمات، فلا دية له علينا، ومَن ضربناه حداً من حدود الناس فمات، فإن ديته علينا»(2).

ومنها : مرسلة الصدوق عن صالح الثوري عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : إن أمير المؤمنين (علیه السلام) أمر قنبراً أن يضرب رجلاً حداً، فغلط قنبر فزاده ثلاثة اسواط، فأقاده علي (علیه السلام) من قنبر بثلاثة اسواط»(3)،

وغيرها من الروايات لأن هاتين

ص: 200


1- الوسائل باب 24 من أبواب قصاص النفس ح9 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب قصاص النفس ح3 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب مقدمات الحدود ح3 .

المسألة 249 : يجب على السارق ردّ العين المسروقة إلى مالكها(1) وإن تعيبت ونقصت قيمتها فعليه أرش النقصان، ولو مات صاحبها وجب دفعها إلى ورثته، وإن تلفت العين ضمن مثلها إن كانت مثلية وقيمتها إن كانت قيمية(2).

______________________________________________

الروايتين فيهما ضعف من جهة السند، ولذا فهما غير قابلتين للاستدلال حتى يمكن القول بالتعارض .

(1) يستعاد المال من السارق بلا فرق بين قطع يد السارق وعدمه ولكن يرد مع بقائه، ومع عدم بقائه يعطي مثله أو قيمته، وأدّعي عليه الاتفاق وقد وردت عليه النصوص الكثيرة .

منها : صحيحة سليمان بن خالد قال : «قال أبو عبد الله (علیه السلام)إذا سرق السارق قطعت يده وغرم ما أخذ»(1)

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال : السارق إذا جاء من قبل نفسه تائباً إلى الله ورد سرقته على صاحبها فلا قطع عليه»(2).

(2) لأنّه غصب فلابد من ردّ ما أخذه إلى مالكه، وإن مات فلابد أن يعطيه إلى الورثة، وهكذا بالنسبة إلى العيب أو النقص، فيجب عليه الأرش لأنّه لابد أن يوصل المال سالماً إلى أهله، وهكذا بالنسبة إلى ما بعد تلفه في ضمان المثل إن كان مثلياً وقيمته إن كان قيمياً .

ص: 201


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد السرقة ح1.
2- الوسائل باب 31 من أبواب حد السرقة ح1.

المسألة 250 : إذا سرق اثنان مالاً لم يبلغ نصيب كل منهما نصاباً فلا قطع(1).

______________________________________________

(1) فهل لو سرق اثنان مالاً يكفي بأن المجموع يكون نصاباً، أو لابد من كون حصة كل منهما نصاباً ؟ الظاهر هو الثاني وفاقاً للمسالك بقوله : ووجه ثبوت القطع على كل منهما مع اجتماعهما على اخراجه صدق اخراجهما للنصاب الذي هو شرط قطع المخرج وهو مستند إليهما فترك قطعهما يستلزم سقوط الحد مع وجود شرطه، وقطع أحدهما دون الآخر فترجيح من غير مرجح، فلم يبق إلا قطعهما، وإلى هذا ذهب الشيخ(1)، في أحد قوليه والمفيد(2)، والمرتضى(3)،

واتباع الشيخ(4)،

وذهب الشيخ في المبسوط(5)، والخلاف(6)،

وابن الجنيد وابن إدريس(7)، والعلامة في المختلف((8)إلى أنّه لا قطع لأحدهما للأصل، ولأنّه موجب القطع، وهو إخراج النصاب ولم يحصل من كل منهما، ولا يصح استناد المعلول الشخصي إلى علل متعددة، والبعض الصادر عن كل منهما ليس موجب للقطع، وهذا هو الأقوى(9).

وأمّا في صورة ما إذا كان بسبب كل واحد منهما نصاب فيقطع، فلأن المقتضي موجود فتشملهما الإطلاقات .

ص: 202


1- النهاية / 717 .
2- المقنعة / 804 .
3- الانتصار / 264 .
4- المهذب /2 /540 ، الوسيلة / 419 ، الغنية / 433 ، مصباح الشيعة /524 .
5- المبسوط / 8 /28 .
6- الخلاف /5 /420 .
7- السرائر / 3 / 492 .
8- (8) المختلف /9 /215
9- المسالك /14 /528.

المسألة 251 : إذا عفا المسروق منه عن السارق قبل رفع أمره إلى الإمام سقط عنه الحد، وأمّا إذا عفا بعد رفع أمره إلى الإمام لم يسقط عنه الحد(1).

______________________________________________

(1) أمّا في الصورة الأولى فلأنّه مقتضى كونه حقاً للمسروق منه، بل لو كنّا نحن والقاعدة لقلنا بالنسبة إلى الصورة الثانية أيضاً، والعمدة في التفصيل بين الصورتين هي الروايات .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه ؟ فقال : إن صفوان بن أمية كان مضطجعاً في المسجد الحرام، فوضع رداءه وخرج يهرق الماء إلى أن قال، فقال الرجل : تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله ؟ قال : نعم، قال : فأنا أهبه له، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فهلا كان هذا قبل أن ترفعه اليّ قلت : فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه ؟ قال : نعم قال : وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام ؟ فقال : حسن»(1).

ومنها : معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه، فإن قال الذي سرق له : أنا أهبه له لم يدعه إلى الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذلك قول الله عز وجل : «وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِِ»(2)، فإذا انتهى الحد إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه»(3).

ص: 203


1- الوسائل باب 17 من أبواب مقدمات الحكم ح2.
2- سورة التوبة الآية / 112 .
3- الوسائل باب 17 من أبواب مقدمات الحكم ح3.

المسألة 252 : إذا ثبتت السرقة بإقرار أو بينة بناءً على قبول البينة الحسبية كما قويناه سابقاً، فهل للإمام أن يقيم الحدّ عليه من دون مطالبة المسروق منه(1) ؟ فيه خلاف، والأظهر جواز إقامة الحدّ عليه .

______________________________________________

(1) هذا لو كنا نحن والقاعدة لكنا نقول بالقطع، ذلك لإطلاق الآية والروايات، وليس هناك دليل على تقييد ذلك الإطلاق بمطالبته للمسروق والثابت بالإقرار يقيد الإطلاقات .

والمشهور على خلاف ذلك واستدلوا بصحيحة الحسين بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سمعته يقول الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ، ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنّه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه ويمضي ويدعه قلت : وكيف ذلك ؟ قال : لأن الحق إذا كان لله فالواجب على الإمام اقامته وإذا كان للناس فهو للناس»(1)،

بل يمكن أنّ نقول بما أن الحق له فله أن يعفو عن السارق كما مرّ في صحيحة الحلبي، إذاً لابد أن يكون القيام بإذنه .

وأمّا ما استدل به الاستاذ(2)الاعظم (قدس سرُّه) بصحيحة الفضيل قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق منحدود الله مرة واحدة إلى أن قال، فقال له بعض أصحابنا، يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرة واحدة على نفسه أقيم عليها الحد فيها ؟ فقال : إذا أقرّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق الله»(3).

ص: 204


1- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح3.
2- مباني تكملة المنهاج / 1/ 380 .
3- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .

المسألة 253 : لو ملك السارق العين المسروقة، فإن كان ذلك قبل رفع امره إلى الإمام سقط عنه الحد، وإن كان بعده لم يسقط(1).

______________________________________________

ولكن قد استشكل على هذا الحديث بأنّه :

أولاً : ورد في كفاية الإقرار مرة، مع أنّه لابد من الإقرار مرتين كما ذكرنا .

وثانياً : أن الحق لابد من القطع للسارق، ولابد من دليل على التقييد بمطالبة المسروق منه ويكفي أن يكون الدليل نفس رواية الحسين، وعلى فرض التعارض فالترجيح لتلك الصحاح الواردة بعدم القطع بعد أن عمل المشهور بها وهو موجب للاطمئنان، نعم يمكن أن يقال بأن قطع الإمام من باب الولاية له أمّا الحاكم الشرعي فلا .

(1) لما دلت عليه معتبرة سماعة المتقدمة، بأنّ عدم القطع إنما هو فيما إذا وهبه قبل أن يرفع إلى الإمام، ففي الرياض : ولو وهبه المالك العين بعد السرقة، أو عفا عن القطع قبل المرافعة سقط القطع وإن كان لو رافعه لم يسقط عنه الحد مطلقاً، ولو عفا عنه أو وهبه لقول النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم)المروي في الصحيح والحسن وغيرهما لصفوان بن أمية حين سرق رداؤه فقبض السارق وقدمه إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) ثم وهبه إلا كان ذلك قبل أن ينتهي به الي، وللموثق «مَنْ أخذ سارقاً فعفا عنه فذاك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه فإن قال الذي سرق منه أنا أهب له، لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفعه إليه وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذاك قول الله عز وجل : «وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ» فإذا انتهى إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه»(1)

وقد ذكر روايات أخرى، ومع ذلك فالمسألة اتفاقية .

ص: 205


1- الرياض /16 / 147 _ 148.

المسألة 254 : لو أخرج المال من حرز شخص ثم ردّه إلى حرزه فإن كان الرد إليه رداً إلى صاحبه عرفاً سقط عنه الضمان(1)وفي سقوط الحد خلاف، والأظهر عدم السقوط .

المسألة 255 : إذا هتك الحرز جماعة وأخرج المال منه واحد منهم فالقطع عليه خاصة(2).

______________________________________________

(1) لأنّ الضمان يسقط برد المال إلى صاحبه، قال في الجواهر : ولكن فيه تردد كما في القواعد من حيث إن القطع موقوف عن المرافعة، فإذا دفعه إلى محل حرزه فكأنّه دفعه إلى صاحبه فلم تبق له مطالبة يستحق بها القطع(1).

أقول : وإن لم يعد ذلك رداً إلى صاحبه فإن سرقه أخر فهو ضامن ومجرد إرجاعه إلى الحرز لا يكفي في سقوط الضمان، بل الأظهر سقوط الحدّخصوصاً فيما إذا كان رده كاشفاً عن توبته، هذا بعد أن بيّنا بأنّ القطع لابد أن يكون بمطالبة المسروق منه، نعم لو قلنا بأن للإمام (علیه السلام) القطع بدون مطالبة المسروق منه وهو سارق قدر النصاب فسقوط الحد يحتاج إلى دليل فلا يسقط بمجرد الرد .

(2) لأنّه هو المخرج والهاتك، فشرائط القطع موجودة بالنسبة إليه دون من معه من الجماعة، فما نسب إلى أبي حنيفة من توزيع السرقة عليهم فإن أصاب كل منهم قدر النصاب قطعهم واضح الفساد(2).

وبعبارة أخرى إنّ على المخرج الهاتك القطع منحصر به لانفراده بالموجب، وهو إخراج المال من الحرز بعد هتكه، وهكذا في هذه الصورة لأن السارق يكون هو بحسب الموازين الشرعية، فالمقرّب لا يصدق عليه السارق بل يكون حاله حال من رفع المال من موضع إلى موضع آخر، خلافاً لما نسب إلى أبي حنيفة من عدم

ص: 206


1- الجواهر / 41 / 553 .
2- الجواهر / 41 / 555.

وكذلك الحال لو قرّبه أحدهم إلى النقب وأخرج المال منه آخر فالقطع على المخرج خاصة، وكذا لو دخل أحدهم النقب ووضع المال في وسطه وأخرجه الآخر منه، فالقطع عليه دون الداخل(1) .

______________________________________________

القطع على أحدهما لعدم صدق الإخراج من الحرز على كل منه .

(1) فالأقوال في المسألة هي على ما يلي :

الأول : نسب إلى العلامة في القواعد بقوله : ولو هتك الحرز جماعةفأخرج المال أحدهم اختص بالحد ولو قربه أحدهم، فأخرجه آخر فالقطع على المخرج ولو وضعه الداخل في وسط النقب وأخرجه الخارج، قيل لا قطع على أحدهما، لأن كلاً منهما لم يخرجه عن كمال الحرز(1)، وعن كشف اللثام(2)

القطع عليهما .

الثاني : وجوب القطع على الداخل كما في التحرير : ولو اشتركا في النقب ودخل أحدهما فاخرج المتاع وحده، أو أخذه وناوله للآخر خارجاً عن الحرز، أو رمى به إلى خارج الحرز فأخذ الاخر فالقطع على الداخل وحده(3).

الثالث: وجوب القطع على المخرج أخيراً وهو مختار الحلي بقوله : وكذا لو نقبا نقباً وقرّبه أحدهما من النقب وأدخل الخارج يده فأخرجه فالقطع على المخرج(4).

الرابع : عن المبسوط إذا نقبا معاً ودخل أحدهما فوضع السرقة في بعض النقب فأخذها الخارج، قال قوم لا قطع على واحد منهما، وقال آخرون عليهما القطع، لأنّهما اشتركا في النقب والإخراج معاً فكانا كالواحد المنفرد بذلك بدليل أنهما لو نقبا معاً ودخلا فأخرجا معاً كان عليهما الحد كالواحد، ولأنا لو قلنا

ص: 207


1- القواعد / 3 / 559 .
2- كشف اللثام /10 / 612.
3- التحرير / 5 / 374.
4- التحرير / 5 / 374.

المسألة 256 : لو أخرج المال من الحرز بقدر النصاب مراراً متعددة فعندئذ إن عُدّ الجميع عرفاً سرقة واحدة قطع، وإلا فلا(1) .

______________________________________________

لا قطع كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة، لأنّه لا يشاء شيئاً إلا شارك غيره فسرقا هكذا فلا قطع، والأول أصح لأنّ كل واحد منهما لم يخرجه من كمال الحرز، فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب واجتاز مجتاز فأخذه من النقب، فإنّه لا قطع على كل واحد منهما(1)،

وتبعه القاضي على ما نقله صاحب المسالك بقوله : انتفاؤه عنهما، لأنّ كل واحد منهما لم يخرجه عن كمال الحرز، فإنّ الأول أخرجه إلى نصفه مثلاً، والثاني أكمل إخراجه، فهو كما لو وضعه الأول في ذلك الموضع فأخذه غيره من لم يشارك في النقب(2).

فالحق أنّ القطع يكون على المخرج لأنّه هو الذي أخرجه من الحرز ويصدق عليه السارق .

(1) قال في المسالك : اختلف الفقهاء في اشتراط اتحاد إخراج النصاب وعدمه، فذهب أبو الصلاح إلى اشتراطه مطلقاً، لأنّه لما هتك الحرز وأخرج دون النصاب لم يجب عليه القطع، لفقد الشرط، فلمّا عاد ثانياً لم يخرج من حرز، فلا قطع وإن بلغ الثاني نصاباً فضلاً عن كونه مكملاً له، وذهب القاضي إلى عدم اشتراط الاتحاد مطلقاً، ورجحه المصنف رحمه الله لصدق إخراج النصاب، وأصالة عدم اشتراط الاتحاد مطلقاً، فيتناوله عموم الأدلة الدالة على قطع سارق النصاب الشامل بإطلاقه للأمرين، وتردد الشيخ في القولين وكذلك ابن إدريس لذلك، واختلف كلام العلامة، ففي القواعد فرق بين قصر زمان العود وعدمه فجعل الأول بمنزلة المتحد دون الثاني، وفي المختلف فصّل بأمر آخر، فحكم بالقطع مع

ص: 208


1- المبسوط / 5 /363 .
2- المسالك /14 / 533 .

المسألة 257 : إذا نقب فأخذ من المال بقدر النصاب، ثمأحدث فيه حدثاً تنقص به قيمته عن حدّ النصاب، وذلك كأن يخرق الثوب أو يذبح الشاة ثم يخرجه، فالظاهر أنّه لا قطع(1) .

______________________________________________

التعدد إن لم يشتهر بين الناس هتك الحرز وعدمه وإن علم هتكه، لخروجه عن كونه حرزاً، وقواه ولده الفخر رحمه الله(1).

والمعتبر في القطع هو أن يكون المسروق بقدر النصاب في سرقة واحدة أمّا لو بلغ ضم سرقة إلى سرقة أخرى فهو غير مكمل للنصاب، فلو كان هناك شيء واحد ذا أجزاء بحيث لا يمكن إخراجه دفعة واحدة فهذا يخرجه جزءً تلو جزء، بحيث لا يقع فصلاً طويلاً يخرجه عن اسم الدفعة في نظر العرف فيقطع .

أمّا لو أخرج اجزاءً منه صباحاً وجزءً آخر مساءً، فبعد ذلك اصبح المجموع بمقدار النصاب فلا يقطع، كما لا يصدق عليه سرقة واحدة إذا سرق نصف النصاب من حرز والآخر من حرز آخر لاحتمال تعدد السرقة فتأمل .

(1) لا يخفى بأنّه من شروط القطع هو إخراج المال من الحرز بمقدار النصاب، فلو دخل الحرز وأخذ بمقدار النصاب ولكن قبل أن يخرج نقص النصاب لم يقطع لعدم حصول الشرط الثاني وهو إخراج النصاب، وعدم تحقق ما يوجب القطع كما ورد في معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في السارق إذا أُخذ وقد أُخذ المتاع وهو في البيت لم يخرج بعد، قال : ليس عليه القطع حتى يخرج به من الدار(2)،وهكذا رواية إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه : «إن علياً (علیه السلام) كان يقول : لا قطع على السارق حتى يخرج بالسرقة

ص: 209


1- المسالك / 14 / 535 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح2 .

وأمّا إذا أخرج المال من الحرز وكان بقدر النصاب ثم نقصت قيمته السوقية بفعله أو بفعل غيره فلا إشكال في القطع(1).

المسألة 258 : إذا ابتلع السارق داخل الحرز ما هو بقدر النصاب فإنّ استهلكه الابتلاع كالطعام فلا قطع(2).

______________________________________________

من البيت، ويكون فيها ما يجب فيه القطع»(1)،

وهكذا أبضاً في رواية طلحة بن زيد(2)، وكما عليه المشهور لما ذكرنا من أن المعتبر في القطع أن يكون المسروق ربع دينار حين إخراجه، فإنّه قبل الإخراج وإن كان بمقدار النصاب ولكن لا تصدق عليه السرقة إلا بعد الإخراج وإن كان بمقدار النصاب، ولكن بما أن قيمته حينئذٍ أقلّ من الربع فلا قطع .

(1) وأمّا إذا كان قيمته بعد الإخراج بمقدار النصاب وهو المعتبر في القطع وتشمله الإطلاقات فيقطع فلا أثر بعد ذلك إذا نقصت قيمته، بلا فرق بين أن يكون النقص حصل بفعله أو بفعل غيره .

(2) لأنّه لم يصدق عليه الإخراج من الحرز بمقدار النصاب بعد أن يستهلك كالطعام، وكذا إذا لم يستهلك، ولكن تعذر إخراجه أيضاً لا يقطع لأنّه يكون بمنزلة التالف، إذ لم يخرج شيء يكون بمقدار النصاب .

ص: 210


1- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح3 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب حد السرقة ح4 .

وإن لم يستهلكه كاللؤلؤ ونحوه فإن كان إخراجه متعذراً فهو كالتالف فلا قطع أيضاً، ولكنه يضمن المثل إن كان مثلياً، والقيمة إن كان قيمياً(1)، وفي مثل ذلك لو خرج المال اتفاقاً بعد خروج السارق من الحرز وجب عليه رد نفس العين ولا قطع أيضاً، نعم، لو رد إلى مالكه مثله أو قيمته ثم اتفق خروجه، فالظاهر عدم وجوب ردّه عليه، وأمّا لو ابتلع ما يكون بقدر النصاب في الحرز ثم خرج منه(2)، ولكن كان إخراجه من بطنه غير متعذر عادة وكان قصد إخراجه من الحرز بهذه الطريقة قطع، ولو كان قصده من ذلك إتلافه ضمن ولا قطع عليه .

______________________________________________

(1) فهو يكون ضامناً على كل حال حيث أتلف مال الغير مثلياً أو قيمياً، وأمّا إذا أخرج السارق بعد ابتلاعه المال في الحرز أيضاً فلا يقطع ولكن لو أخرج المال اتفاقاً بعد خروجه من الحرز فلابد من ردّ نفس المال ولكن لو ردّ السارق المثل أو القيمة ثم خرج من بطنه اتفاقاً، فلا يجب عليه ردّ العين لعدم امكان الجمع بين البدل والمبدل، فإذا دفع المثل أو القيمة تصبح العين ملكاً للسارق بعدما دفع إلى المسروق منه البدل، قد يقال بأن خروج المال اتفاقاً يكون كاشفاً عن عدم صدق التلف من أول الأمر ؟ فهذا غير تام بعد أن يرى العرف بأن المال أصبح بمنزلة التالف .

(2) لأنّه لم يكن من قصده السرقة بل كان إتلافاً وتشمله قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن، ولا قطع عليه لأنّه لا يصدق عليه هتك الحرزوإخراج المال الذي هو بمقدار النصاب، وحكمه حكم من أدخل المال في جيبه وأخرجه، فإنّه لا يقطع وكان بمنزلة التالف ولا يصدق عليه إخراج المال من الحرز بمقدار النصاب .

ص: 211

الرابع عشر: بيع الحرّ

المسألة 259 : من باع إنساناً حراً، صغيراً كان أو كبيراً ذكراً كان أو انثى قطعت يده(1).

______________________________________________

(1) لا يخفى أنّه حسب القاعدة لابد أن لا يقطع، لأنّ الحر ليس بمال فهو في هذا الفرض لم يسرق مالاً، ولذا قال المحقق : من سرق صغيراً، فإن كان مملوكاً قطع ولو كان حراً فباعه لم يقطع حداً، وقيل يقطع دفعاً لفساده(1)وقال في الرياض : لو كان المسروق حراً فباعه السارق قطع وفاقا للنهاية(2)

وجماعة(3)،

بل ادعى في التنقيح عليه الشهرة(4)، والنصوص به مستفيضة(5)والعمدة الروايات كمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) أُتي برجل قد باع حراً، فقطع يده»(6)،

وتؤيدها رواية سفيان أو سنان الثوري كما في التهذيب، وفي الوسائل قال : «سألت جعفر بن محمد (علیهما السلام) عن رجل سرق حرة فباعها، قال، فقال فيها أربعة حدود : أمّا أولها فسارق تقطع يده، والثانية إن كان وطأها جلد الحدّ، وعلىالذي اشترى إن كان وطأها وقد علم إن كان محصناً رجم، وإن كان غير محصن جلد الحدّ وإن كان لم يعلم فلا شيء عليه، وعليها هي إن كان استكرهها فلا شيء عليها وإن كانت اطاعته جلدت الحدّ»(7)، ومنها : عن عبد الله بن طلحة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يبيع الرجل وهما حران، يبيع هذا هذا وهذا

ص: 212


1- شرائع الإسلام /4 / 175.
2- النهاية / 722 .
3- المختلف / 9 / 237 ، المسالك / 14 / 501 .
4- الرياض / 16 / 112 _ 113.
5- التنقيح الرائع / 4 / 380 .
6- الوسائل باب 20 من أبواب حد السرقة ح2 .
7- الوسائل باب 20 من أبواب حد السرقة ح1

الخامس عشر : المحاربة

المسألة 260 : من شهر السلاح لإخافة الناس نفي من البلد، ومن شهر فعقر اقتص منه، ثم نفي من البلد، ومن شهر وأخذ المال قطعت يده ورجله، ومن شهر وأخذ المال وضرب وعقر ولم يقتل فأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان على الإمام أن يقتله، ومن حارب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام إن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه، وإن عفا عنه أولياء المقتول كان على الإمام أن يقتله، وليس لأولياء المقتول أن يأخذوا الدية منه فيتركوه(1) .

______________________________________________

هذا ويفران من بلد إلى بلد فيبيعان انفسهما ويفران بأموال الناس، قال : تقطع أيديهما، لأنهما سارقا أنفسهما وأموال الناس»(1).(1) أي كل من جرد السلاح كالسيف وغيره للإخافة، بلا فرق بين أن يكون في بر، أو بحرٍ، في مصر أو غيره، ليلاً، أو نهاراً كما عليه المحقق(2)وفي

المسالك : يشترط في المحارب تجريد السلاح والمراد به هنا ما يشمل المحدد حتى العصى والحجارة، وإن كان إطلاقه على ذلك لا يخلو من تجوز وقصد اخافة الناس، فلو اتفق خوفهم منه من غير أن يقصده فليس بمحارب، ولا فرق بين الواحد والمتعدد، ولا بين أن يحصل معه خوف الناس أو أخذ ما لهم وعدمه، بل متى خرج بقصد ذلك فهو محارب، وكذا لا فرق بين البر والبحر(3)، وما عن الرياض بقوله :

ص: 213


1- الوسائل باب 20 من أبواب حد السرقة ح3 .
2- شرائع الإسلام /4/ الباب المحارب في حد المحارب .
3- المسالك / 15 / 5.

................................

وهو كل مجرِّد سلاحاً كالسيف أو غيره كالحجر ونحوه في بر أو بحرٍ، مصر أو غيره، ليلاً، أو نهاراً لإخافة السابلة والمترددين من المسلمين مطلقاً، وإن لم يكن المحارب من أهلها أي أهل الإخافة بأن كان ضعيفاً عنها، ولا من أهل الفتنة ولا ذكراً على الأشبه الاقوى، وعليه عامة متأخري أصحابنا، وفي كنز العرفان نسبته إلى الفقهاء مشعراً بدعوى الإجماع عليه لعموم الآية : «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)وشموله للإناث وإن كان فيه نوع غموض، بناءً على أنالضمير للذكور ودخول الاناث فيهم مجاز، إلا أن العموم لمن جاء من قبل النصوص(2)، ولكن الحق أنّ عموم الآية الشريفة هو كافٍ لشمول الانثى، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : من شهر السلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتص منه ونفي من تلك البلد، ومن شهر السلاح في مصر من الأمصار وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل فهو محارب فجزاؤه جزاء المحارب، وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وصلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، قال : وإن ضرب وقتل وأخذ المال فعلى الإمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة، ثم يدفعه إلى أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه إلى أن قال، وقال، فقال أبو عبيدة، أرأيت إن اراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه، الهم ذلك ؟ قال : لا، عليه القتل»(3)، وعن علي بن حسان عن أبي جعفر (علیه السلام)

ص: 214


1- سورة المائدة الآية / 33 _ 34 .
2- الرياض /16 /149 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب حد المحارب ح1 .

المسألة 261 : لا فرق في المال الذي يأخذه المحارب بين بلوغه حدّ النصاب وعدمه(1) .

______________________________________________

«قال : من حارب الله وأخذ المال وقتل كان عليه أن يقتل أو يصلب، ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان عليه أن يقتل ولا يصلب ومن حارب وأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن تقطع يده ورجله من خلاف ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن ينفى، ثم استثنى عز وجل : «إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» يعني : يتوبواقبل أن يأخذهم الإمام»(1)،

وبلا فرق بين الذكر والانثى وقد ادعى بعض الإجماع، والعمدة عموم الآية المباركة.

(1) ولا يعتبر في قطع المحارب أن يصدق عليه السارق فضلاً عن اعتبار النصاب، أو من الحرز لإطلاق الأدلة ولم يكن هناك دليل يدل على الاشتراط خلافاً للشيخ في الخلاف بقوله : قد قلنا أن المحارب إذا أخذ المال قطع ولا يجب قطعه حتى يأخذ نصاباً يجب فيه القطع للسرقة، وللشافعي فيه قولان أحدهما مثل ما قلناه وعليه عامة أصحابه، وقال بعضهم يقطع في قليل المال وكثيره وهو قوي أيضاً، لأنّ الأخبار وردت أنّه إذا أخذ المال وجب قطعه ولم يقيّدوا، فوجب حملها على عمومها، ودليلنا أنّ ما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع به، وما قالوه ليس عليه دليل وأيضاً قوله (علیه السلام) «القطع في ربع دينار»(2).

ص: 215


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المحارب ح11 .
2- الخلاف / 5 / 464 .

المسألة 262 : لو قتل المحارب أحداً طلباً للمال فلولي المقتول أن يقتله قصاصاً إذا كان المقتول كفواً، وإن عفا الولي عنه قتله الإمام حداً وإن لم يكن كفواً فلا قصاص عليه، ولكنه يقتل حداً(1) .

المسالة 263 : يجوز للولي أخذ الدية بدلاً عن القصاص الذي هو حقه، ولا يجوز له ذلك بدلاً عن قتله حدّاً(2) .

______________________________________________

(1) لا يخفى أنّ حدّ المحارب غير مختص بأن يقتل شخصاً أم لا، ولا بين أن يرفع ولي الدم أمره إلى الحاكم أم لا ؟ وذلك لإطلاق أدلة المحارب، لأنّ المحارب عنوان مستقل وهو بنفسه يوجب الحدّ كبقية العناوين، فإذا قتل اشخاصاً فيتعدد عليه الحكم بتعدد الأسباب، نعم لو رفع الولي أمره إلى الحاكم الشرعي يقتل قصاصاً بشرط أن يكون المقتول كفواً كما يأتي من أنّه يعتبر في القصاص أن يكون المقتول كفواً للقاتل وإلا فلا يقتص منه، ولكن لو عفى عنه يكون أمره إلى الحاكم، وكذا لو جرح ولم يقتل فللولي القصاص ولو اقتص فللحاكم الاختيار بين الأمور المتقدمة لإطلاق أدلة حد المحارب بل الأصل هو تعدد المسبب عند تعدد الاسباب .

(2) أي دية القصاص لأنّه له الحق بين أن يقتص أو يأخذ الدية، نعم ورد في صحيحة محمد بن مسلم إلى أن يقول فقال أبو عبيدة : «أن أراد أولياء المقتول أن يأخذوا منه الدية ويدعونه، ألهم ذلك ؟ قال (علیه السلام) لا عليه القتل»(1)،

ولكن أخذه للدية إنما هو فيما إذا أراد أولياء المقتول القصاصوتركه على حاله بدون قتله لا لأجل أنه يصدق عليه المحارب، أي عدم قتله من هذه الجهة .

ص: 216


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المحارب ح1 .

المسألة 264 : لو جرح المحارب أحداً، سواء أكان جرحه طلباً للمال أم كان لغيره، اقتص الولي منه ونفي من البلد، وإن عفا الولي عن القصاص فعلى الإمام أن ينفيه منه(1).

المسألة 265 : إذا تاب المحارب قبل أن يقدر عليه سقط عنه الحد ولا يسقط عنه ما يتعلق به من الحقوق كالقصاص والمال، ولو تاب بعد الظفر به لم يسقط عنه الحد(2).

______________________________________________

(1) لما ذكرنا من أنّ تعدد الأسباب يستوجب تعدد المسببات، والأصل عدم التداخل فللولي الاقتصاص لأجل الجرح، ولابد من نفيه من البلد لأنّه لم يقتل، وهكذا لو عفى الولي فالنفي ثابت، لأنّ سقوط القصاص بالعفو لا يقتضي سقوط النفي الذي هو حدّ المحارب، لما ذكرنا من تعدد المسبب بعد العفو، فعلى الإمام أن ينفيه من البلد .

(2) لقوله تعالى : «إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ»(1)، أي قبل أن يأخذهم الإمام (علیه السلام) كما في الحديث(2)،

عن علي بن حسان عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: من حارب الله وأخذ المال وقتل، كان عليه أن يُقتل أو يصلب ومن حارب فقتل ولم يأخذ المال كان عليه أن يُقتل ولا يصلب، ومن حارب وأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن تقطع يده ورجله من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن ينفى، ثم استثنى عزوجل: «إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ».

ولكن يختص السقوط بالحد دون حقوق الناس لاختصاص الآية بالحد ولا نظر للتوبة في حق الناس المتوقف سقوطه على اسقاط المستحق، إذاً حقوق الناس

ص: 217


1- سورة المائدة الآية / 34 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح1 .

كما لا يسقط غيره من الحقوق(1) .

المسألة 266 : لا يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم بعد ذلك ينزل ويصلى عليه ويدفن(2) .

______________________________________________

كالقتل والجرح والمال باقية، أمّا لو تاب بعد الظفر عليه فلا يسقط لعدم الدليل وقد أدّعي الإجماع عليه أيضاً .

(1) بعد أن قلنا بأنّها مختصة بسقوط الحدّ فقط .

(2) وعن المسالك : ظاهر الأصحاب أن النهي عن تركه أزيد من ثلاثة أيام على وجه التحريم، ومقتضاه كون الثلاثة من يوم صلبه لا من موته، والمعتبر من الأيام النهار دون الليل نعم تدخل الليلتان المتوسطتان تبعاً إلى أن يقول ولا فرق في ذلك بين الأيام الطويلة والقصيرة ولا الحارة ولا الباردة، وإن حصل به في الثلاثة مثلة عملاً بالعموم، وقد قيل إن الصلب سمي صلباً لسيلان صليب المصلوب وهو الودك حتى اعتبره، وبعض العامة لذلك(1).

والحق أنّه إذا علم بحصول المثلة في الثلاثة لابد أن ينزل قبلها لأنّ المثلة لا تجوز مطلقاً، وما دل على بقائه ثلاثة أيام روايات، منها : معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «إن أمير المؤمنين (علیه السلام)صلب رجلاً بالحيرة ثلاثة أيام ثم أنزله في اليوم الرابع فصلى عليه ودفنه»(2)،

ومعتبرته الاخرى : «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال : لا تدعو المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل فيدفن»(3)ومرسلة الصدوق قال، قال الصادق (علیه السلام) : «المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيام ويغسّل ويدفن، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيام»(4).

ص: 218


1- المسالك / 15 / 16 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح1.
3- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح2.
4- الوسائل باب 5 من أبواب حد المحارب ح3.

المسألة 267 : ينفى المحارب من مصر إلى مصر ومن بلد إلى بلد إلى آخر ولا يسمح له بالاستقرار على وجه الأرض، ولا أمان له ولا يبايع ولا يؤوى ولا يطعم ولا يتصدق عليه حتى يموت(1) .

______________________________________________

(1) أي يكتب إلى كل بلد ياؤي إليه بالمنع عن مؤاكلته ومعاشرته ومبايعته ومناكحته ومشاورته إلى أن يتوب، وهو المشهور بين الأصحاب وأدّعى البعض الإجماع عليه، والعمدة الروايات كمعتبرة عبيد الله المدائني عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) _ في حديث المحارب _ قال : «قلت كيف ينفى وما حد نفيه ؟ قال : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنّه منفي، فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه، فيفعل ذلك به سنة، فإن خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة، قلت : فإن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها ؟ قال : إن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتلأهلها»(1)

وفي صحيحة العياشي عن زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) في قول الله عز وجل : «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ» قال : لا يبايع ولا يؤتى بطعام ولا يتصدق عليه»(2)ونحوهما رواية زرارة وإسحاق المدائني عن أبي الحسن (علیه السلام) : «إلا أنّه قال : فقال له الرجل فإن أتى أرض الشرك فدخلها ؟ قال : يضرب عنقه إن أراد الدخول في أرض الشرك»(3)،

وأمّا استمرار الحكم إلى أن يموت فيفهم من إطلاق الروايات.

ص: 219


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد المحارب ح2 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب حد المحارب ح8 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد المحارب ح3 .

السادس عشر: الارتداد

المرتد عبارة عمن خرج عن دين الإسلام، وهو قسمان فطري وملي، الاول : المرتد الفطري، وهو الذي ولد على الإسلام من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم، ويجب قتله، وتبين منه زوجته وتعتد عدة الوفاة، وتقسّم أمواله حال ردّته بين ورثته(1) .

______________________________________________

(1) الردة هي من أفحش أنواع الكفر واغلضها حكماً، كما دل عليه كتاباً وسنة، والكلام يقع في هذه المسألة بأمور، الأول ما يحصل به الارتدادالثاني ما في حكمه إن حصل، الثالث في أقسام المرتد، وهي على قسمين :

الأول : فطري وهو ما كان متولداً من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلم.

الثاني : وهو الملي سيأتي بيانه مفصلاً .

ويثبت الارتداد أمّا بالبينة، أو بالإقرار على نفسه بخروجه عن الإسلام أو ببعض أنواع الكفر، بل بكل فعل دال صريحاً على الاستهزاء بالدين والاستهانة به ورفع اليد عنه، كإلقاء المصحف في القاذورات وتمزيقه واستهدافه ووطئه، وتلويث الكعبة، أو أحد الأضرحة المقدسة بالقاذورات أو السجود للصنم، وعبادة الشمس ونحوها وإن لم يقل بربوبية ما يعبد من دون الله تعالى، ويدل على ذلك الإجماع، وقد عرفت حال هذه الإجماعات والمسألة غير خلافية والعمدة فيها الروايات .

منها : معتبرة عمار الساباطي قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمداً (صلی الله علیه و آله) نبوته وكذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(1).

ص: 220


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح3.

الثاني : المرتّد الملّي وهو من اسلم عن كفر ثم ارتد ورجع إليه وهذا يستتاب، فإن تاب خلال ثلاثة إيام فهو، وإلا قتل في اليوم الرابع(1)، ولا تزول عنه املاكه(2)، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته وتعتد عدة المطلقة إذا كانت مدخولاً بها(3).

______________________________________________

ومنها : صحيحة الحسين بن سعيد، قال : «قرات بخط رجل إلى أبي الحسن الرضا (علیه السلام) رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب ؟ فكتب (علیه السلام) يقتل»(1).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (علیه السلام) قال : «سألته عن مسلم تنصر، قال يقتل ولا يستتاب، قلت النصراني أسلم ثم ارتد، قال : يستتاب فإن رجع، وإلا قتل»(2)،

فهذه الصحيحة بإطلاقها تشمل ما إذا كان متولداً من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلم .

(1) أمّا عدم قتله واستتابته، فتدل عليه رواية علي بن جعفر المتقدمة وأمّا تحديده بالثلاثة أيام فلما جاء في معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) : «المرتد عن الإسلام تعزل عنه امرأته، ولا تؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل في اليوم الرابع، إذا كان صحيح العقل»(3).

(2) لأنّ الزوال مختص بالفطري، ولا دليل عليه بالنسبة إلى الملي .

(3) كما في معتبرة السكوني التي مرّ ذكرها، وتدل عليه معتبرة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (علیه السلام) « إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثاً، وتعتد منه كما تعتد المطلقة، فإن رجع إلى الإسلام

ص: 221


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح5 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب حد المرتد ح5 وقد رواه الصدوق بهذا الاسناد .

المسألة 268 : يشترط في تحقُّق الارتداد : البلوغ، وكمال العقل والاختيار، فلو نطق الصبي بما يوجب الكفر لم يحكم بارتدادهوكفره وكذا المجنون والمكره(1)، ولو أدعى الإكراه على الارتداد، فإن قامت قرينة على ذلك فهو وإلا فلا أثر لها(2) .

______________________________________________

وتاب قبل أن تتزوج، فهو خاطب ولا عدة عليها منه له وإنما عليها العدة لغيره»(1).

(1) والمسألة اتفاقية لحديث رفع القلم، بأن الصبي لا يحد ولكن يؤدب وكذا المجنون إن أثّر فيه التأديب خلافاً للمحكي عن خلاف الشيخ(2)فاعتبر إسلام المراهق وارتداده والحكم بقتله إن لم يتب للخبر «إن الصبي إذا بلغ عشر سنين اقيمت عليه الحدود التامة واقتص منه وتنفذ وصيته وعتقه»(3)ولكن شذوذه وعدم صراحته ومعارضته بما هو أقوى منه من وجوه يمنع من العمل به(4).

(2) قيل قُبل منه ذلك لدرأ الحدود بالشبهات، وقيل حتى ولو قامت البينة على ارتداده لأنّها تثبت الظاهر وهو يخبر عن الواقع، وقد استشكل استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بأن الرواية مرسلة(5)،

وأمّا ما ذكر بأن الرواية ذكرت في غير واحد من كتب الحديث ومدلوله مفتى به عند الفقهاء، ولكن ذلك كله لا يدفع إشكال السند ولا يكون هذا جابراً للخبر .

والحق كما ذكرنا تحقق التسالم بين الفقهاء فلا إشكال ولا خلاف بعدم الأخذ بالشبهة كما في غيره من الحدود، وهو قوله (صلی الله علیه و آلهوسلّم) : «ادرأوا الحدود بالشبهات» .

ص: 222


1- الوسائل باب 6 من أبواب موانع الارث ح5 .
2- الخلاف / 3/ 591 .
3- من لا يحضره الفقيه / 4/ 145 ، التهذيب / 9/ 181 .
4- الجواهر / 41 / 609 .
5- المباني /1 / 397 .

المسألة 269 : لو قتل المرتد الملّي أو مات كانت تركته لورثته المسلمين، وإن لم يكن له وارث مسلم، فالمشهور أنّ ارثه للإمام (علیه السلام) وهو لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد أن يكون كالكافر الأصلي فيرثه الكافر(1).

______________________________________________

وقال (قدس سرُّه) : فإنا قد ذكرنا أن المراد بالشبهة إن كانت هي الشبهة الواقعية فهي متحققة في أكثر موارد ثبوت الحد، وإن كان المراد بها الشبهة واقعاً وظاهراً فهي غير متحققة في المقام لتحقق ما يوجب الارتداد وجداناً والمانع هو الاكراه مدفوع بالأصل(1)، ولكن الحق القاعدة ثابتة عندهم كما ذكرنا فلا تصل النوبة إلى الأصل .

(1) ذكر صاحب التحرير : إن المرتد عن غير فطرة إذا قتل أو مات كانت تركته لورثته المسلمين، فإن لم يكن له وارث مسلم فهو للإمام

وأولاده الاصاغر بحكم المسلمين، فإن بلغوا مسلمين فلا بحث، وإن اختاروا الكفر استتيبوا، فإن تابوا وإلا قتلوا، سواء ولدهم قبل الإسلام أو بعده وأمّا لو ولدهم حال ارتداده، فإن كانت الأم مسلمة كانوا بحكمها، كما قلنا في الأب، وإن كانت مرتدة أو كافرة والحمل بعد ارتدادهما، فالأولاد بحكمهما(2)، وفي الجواهر : أمّا لو كان الميت مرتداً عن ملة أو فطرة ورثه الإمام (علیه السلام) مع عدم الوارث المسلم، أو مّا في حكمه كولده المنعقدة نطفته حال إسلامأبويه أو أحدهما فإنه كالمسلم، بلا خلاف أجده في الفطري، بل الإجماع بقسميه عليه، وعلى المشهور بين الأصحاب في الملي شهرة عظيمة كادت تكون اجماعاً، بل هي كذلك لتحرّمه بالإسلام، ولذا لا يجوز

ص: 223


1- مباني تكملة المنهاج /1 / 397 .
2- التحرير / 5 / 390 _ 391 .

................................

استرقاقه ولا يصح نكاحه لكافرة ولا مسلمة(1).

ولكن الحق إذا لم يكن له وارث مسلم، فيرثه ولده الكافر لصحيحة إبراهيم بن عبد الحميد، قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) نصراني اسلم، ثم رجع إلى النصرانية ، ثم مات، قال : ميراثه لولده النصارى، ومسلم تنّصر ثم مات ؟ قال : ميراثه لولده المسلمين»(2).

وتحمل هذه على أن ميراثه لولده النصارى إذا لم يكن له وارث مسلم وتدل معتبرة ابان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل يموت مرتداً عن الإسلام وله أولاد، فقال : ماله لولده المسلمين»(3).

فهذه الرواية مقيدة للرواية الأولى إذا لم يكن للنصراني المرتد ولد مسلم ورثه ولده الكافر، أمّا مع وجود الورثة المسلمين فلا يرثه ولده الكافر والمسألة اتفاقيه.

ص: 224


1- الجواهر / 39/ 17 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب موانع الارث ح1 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب موانع الارث ح6 .

المسألة 270 : إذا كان للمرتد ولد صغير فهو محكوم بالإسلام ويرثه ولا يتبعه في الكفر، نعم إذا بلغ فاظهر الكفر حكم بكفره(1)، ولو ولد للمرتد ولد بعد ردته، كان الولد محكوماً بالإسلام أيضاً إذا كان انعقاد نطفته حال إسلام أحد أبويه فإنه يكفي في ترتب احكام الإسلام انعقاد نطفته حال كون أحد أبويه مسلماً وإن ارتد بعد ذلك(2).

المسألة 271 : إذا ارتدت المرأة ولو عن فطرة لم تقتل(3) .

______________________________________________

(1) لا يخفى أن الولد الذي ارتد أبوه، فهو إن كان حال انعقاد نطفته والده مسلماً فهو تابع لأبيه في الإسلام لا في الارتداد، والمسألة متفق عليها وذلك لاستصحاب حالته السابقة التي لا دليل على تغير هذه الحالة بارتداد الأب، ولذا لو كان أحد أبويه مسلماً، وانعقدت نطفة الطفل بإسلام أحد أبويه حكم بإسلامه، فلو ماتت الأم وهي مرتدة وكانت حامل به تدفن في مقابر المسلمين، نعم الطفل لو ولد وبلغ استتيب لأنه بحكم المرتد عن ملة فإن تاب وإلا قتل .

لأن الإسلام يكون حال انعقاد نطفته وهو مسلم وكان ارتداد الأب بعد اسلام الطفل، واستصحاب بقاء اسلامه جارٍ، إذاً لا يضر ارتداد أبيه .

(3) وقد ادعي عليه الإجماع، وفي الجواهر : بقسميه(1)، وفي الشرائع ولا تقتل المرأة بالردة، بل تحبس دائماً، وإن كانت مولودة على الفطرة وتضربأوقات الصلوات(2)، وتدل على ذلك صحيحة حماد عن أبي عبد الله (علیه السلام) في المرتدة عن الإسلام قال (علیه السلام) : «لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب، وتضرب على الصلوات»(3).

ص: 225


1- الجواهر / 41 / 611 .
2- شرائع الاسلام / 4 / 183 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب حد المرتد ح1 .

وتبين من زوجها(1)، وتعتد عدة الطلاق(2)، وتستتاب فإن تابت فهو وإلا حبست دائماً وضربت في أوقات الصلاة، واستخدمت خدمة شديدة، ومنعت الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها، والبست خشن الثياب(3) .

______________________________________________

ومنها : معتبرة عباد بن صهيب عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والمرأة تستتاب، فإن تابت وإلا حبست في السجن، وأُضرّ بها»(1).

ومنها : صحيحة ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) : «في المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والمرأة إذا ارتدت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت وإلا خلدت في السجن وضيّق عليها في حبسها»(2).

(1) أمّا بينونيتها من زوجها لأنّه لا يجوز نكاح الكافرة ابتداء و استدامة واستثنى منه نكاح الكتابية بالمتعة وعلى اختلاف في الدوام قال تعالى : «وَلاَتُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ»(3)أي لا يجوز نكاح الكافرة إلا ما استثني .

(2) أمّا العدة للطلاق وذلك لأنّه إذا دخل بها تجب العدة فحينئذ يكون الفسخ والبينونة بعد انقضاء العدة والمنصرف منها عدة الطلاق إلا إذا كان هناك دليل خاص دل على أن العدة تكون عدة الوفاة كما مر في مسألة ارتداد الزوج إذا كان عن فطرة، ولعله لأجل عدم قبول توبته فهو يكون بحكم الميت.

(2) كل ذلك للروايات التي مرت .

ص: 226


1- الوسائل باب 4 من أبواب حد المرتد ح4 .
2- الوسائل باب 4 أبواب حد المرتد ح6 .
3- سورة الممتحنة الآية / 10 .

المسألة 272 : إذا تكرر الارتداد في الملي أو في المرأة قيل، يقتل في الرابعة(1)، وقيل يقتل في الثالثة وكلاهما لا يخلو من إشكال بل الأظهر عدم القتل .

______________________________________________

(1) لقول الشيخ في الخلاف : المرتد الذي يستتاب إذا رجع إلى الإسلام ثم كفر ثم رجع، ثم كفر قتل في الرابعة ولا يستتاب إلى أن يقول ودليلنا إجماع الفرقة على أن كل مرتكب لكبيرة فإذا فعل به ما يستحقه قتل في الرابعة وذلك على عمومه(1)،

فنقول :

أولاً : على فرض ثبوته ليس بحجة .

ثانياً : مضافاً إلى ثبوت عدمه لأنّه نسب إليه بأنه قال : وروى أصحابنا بأنّه يقتل في الثالثة، أيضاً لما مر من الرواية «بأن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة» فالرواية وإن كانت صحيحة، ولكن لا تشمل المقام فإنّها خاصة بما إذا أقيم الحد على الجاني مرتين، وهو غير متحقق في المقام، نعم روى الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن جميل بن دراج وغيره عن أحدهما (علیهما السلام) : «في رجل رجع عن الإسلام، فقال : يستتاب فإن تاب وإلا قتل، قيل لجميل : فما تقول إن تاب ورجع عن الإسلام ؟ قال : يستتاب، قيل فما تقول إن تاب ثم رجع ؟ قال لم اسمع في هذا شيئاً ولكنه عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحد مرتين ثم يقتل بعد ذلك، قال : روى أصحابنا أن الزاني يقتل في المرة الثالثة»(2)، ورواهالشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، إلا أن هذه الرواية أولاً : ضعيفة بعلي بن حديد، وثانياً : من جهة الدلالة غير تامة، لأن المذكور فيها فتوى جميل .

ص: 227


1- الخلاف / 5 / 504 .
2- الكافي / 7 باب حد المرتد ح5 ، الوسائل باب 3 من أبواب حد المرتد ح3.

المسألة 273 : غير الكتابي إذا أظهر الشهادتين حكم بإسلامه، ولا يفتش عن باطنه، بل الحكم كذلك حتى مع قيام القرينة على أن اسلامه إنما هو للخوف من القتل، وأمّا الكتابي فقال جماعة بعدم الحكم بإسلامه في هذا الفرض وهو لا يخلو من إشكال، بل الأظهر هو الحكم بإسلامه(1) .

______________________________________________

أمّا رواية جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) هل تقدم على رواية الشيخ قال : أُتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل من ثعلبة، قد تنصر بعد اسلامه فشهدوا عليه، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) ما يقول هؤلاء الشهود ؟ فقال : صدقوا وأنا ارجع إلى الإسلام

فقال، أما إنك لو كذبت الشهود لضربت عنقك، وقد قبلت منك فلا تعد وإنك إن رجعت لم أقبل منك رجوعاً بعده»(1).

وفيها :

أولاً : في متنها موجود اشياء لم يقل به أحد وذلك ما قال به جميل، وقد ذكرنا في محله من البحوث الاصولية أن الرواية إذا كان فيها جمل متعددة فهي بمنزلة الروايات المتعددة، إذاً لا يضر بطلان جملة في صحة الرواية، وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أيضا .وثانياً : ضعفها بمحمد بن سالم فهو مشترك بين الثقة وغيره وعمرو بن شمر وهو ضعيف .

(1) وذلك لكفاية القول باللسان وقد أدعي على ذلك السيرة القطعية وقد كانت جارية في زمن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) بأنّه كل من يتشهد الشهادتين كان يقبل منه وإن كان منافقاً ولا يحتاج إلى التفتيش لأنّه يحتمل أن يكون الإسلام هو الإقرار باللسان ولو لم يعلم بأنّه قصد إلى مدلوله، بل كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من البعيد جداً

ص: 228


1- التهذيب / 10 / 137 _ 138 ، باب في حد المرتد والمرتدة .

................................

لو لم يكن مستحيلاً عادة حصول اليقين القلبي للكفرة بمجرد مشاهدتهم غلبة الإسلام وتقدمه .

ومن هذا القبيل اسلام المرتد الملي فإنّه يستتاب ثلاثة أيام، فان لم يتب قتل فإن اسلامه حينئذٍ يكون في الغالب خوفاً من القتل، وكذلك المرأة المرتدة ولو عن فطرة فإنها تحبس وتضرب أوقات الصلاة ويضيق عليها في الطعام والشراب حتى تتوب أو تسلم(1).

فإن توبتها غالباً تكون عن اكراه والخوف من الضرب، وقلنا بأن الإسلام هو إظهار الشهادتين وبه تحقن الدماء وتجري عليه قاعدة المواريث ويجوز له التزويج من مسلمة وقد وردت في ذلك رواية معتبرة كما عن سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) اخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان ؟ فقال : إن الإيمان يشارك الإسلام، والإسلام لا يشارك الإيمان، فقلت : فصفها لي فقال : الإسلام شهادة أن لا اله إلا الله والتصديق برسول الله (صلیالله علیه و آله وسلّم) به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث»(2).

ص: 229


1- مباني تكملة المنهاج / 1 / 403 .
2- الكافي /2 باب الايمان يشارك الاسلام ح1 .

المسألة 274: إذا صلى المرتد أو الكافر الأصلي في دار الحرب أو دار الإسلام، فإن قامت قرينة على أنّها من جهة التزامه بالإسلام حكم به، وإلا فلا(1) .

______________________________________________

(1) يقول المحقق : إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده، سواء فعل ذلك في دار الحرب أو دار الإسلام(1)،

وفي الجواهر : إذا لم يسمع منه الشهادتان أو كان كفره بغير انكارهما(2)

وعن صاحب المسالك : إنما لم تكن الصلاة اسلاماً لإمكان فعلها تقية أو اراءة وهذا يتم مع عدم سماع لفظ الشهادتين، أو مع كون الارتداد بإنكار غير الصلاة من فروض الإسلام، أمّا مع سماع لفظهما وكون المطلوب من اسلامه ذلك، فالمشهور أن الأمر فيه كذلك لأن الصلاة لم توضع دليلاً على الإسلام ولا توبة للمرتد، وإنما وضعت الشهادتان دلالة عليه مستقلتين لا جزء من غيرهما وفيه نظر(3).

قد يقال: بأن الصلاة حيث أنّها تشتمل على الشهادتين فالآتي بالصلاة يكون مظهر لهما .

قلنا : إن الشهادتين إنما تكفيان إذا قصدتا لفظهما كما في الصلاة وإن كان قصدهما ضمنياً والمعتبر في إثبات الإسلام هو قصد معناهما، إذاً الاتيان بالصلاة لا يكون كاشفاً عن الإسلام وبمجرد كونهما جزء من الصلاة لا يكشفان عن الإسلام، إلا إذا قامت قرينة كاشفة عن التزامه بالإسلام فيها وإلا فلا، نعم يكفي إذا قصد معناهما، ولكن لا يمكن الاطلاع على ذلك إذاً بمجردالاتيان بالصلاة لا يكشف عن اسلامه .

ص: 230


1- شرائع السلام /4 / 185 .
2- الجواهر / 41 /624 .
3- المسالك /15 /32 .

المسألة 275 : لو جنّ المرتد الملي وبعد ردته وقبل توبته لم يقتل وإن جنّ بعد امتناعه عن التوبة قتل(1) .

المسألة 276 : لا يجوز تزويج المرتد بالمسلمة، وقيل بعدم جواز تزويجه من الكافرة أيضاً، وفيه إشكال بل الأظهر جوازه، ولاسيما في الكتابية، ولاسيما في المتعة(2) .

______________________________________________

(1) لأن قتله متوقف على امتناعه من التوبة وامتناع المجنون لا حكم عليه، نعم لو امتنع من التوبة وجن فيقتل لأنّه حصل شرط قتله وهو الامتناع من التوبة، وعروض الجنون بعده لا يكون سبباً لسقوط القتل عنه لعدم الدليل على سقوطه ولإطلاق الأدلة كما أن المرتد الفطري يقتل إذا طرأ عليه الجنون أيضاً وذلك لعدم سقوط قتله بالتوبة .

(2) قال المحقق : إذا تزوج المرتد لم يصح سواء تزوج بمسلمة أو كافرة لتحرمه بالإسلام المانع من التمسك بعقد الكافرة واتصافه بالكفر المانع من نكاح المسلمة(1)وفي الدروس : ولا يصح تزويج المرتد والمرتدة على الاطلاق لأنه دون المسلمة وفوق الكافرة، ولأنه لا يقر على دينه والمرتدة فوقه لأنها لا تقتل(2).

قال في الجواهر : لكنه لا يتم في الكتابية بناء على جواز تزويج المسلم بها مطلقاً أو متعة، ضرورة أن الإسلام لا يمنع من التمسك بعقدها على هذاالوجه فأولى أن لا يمتنع ما دونه(3).

إذاً التزويج من غير المسلم يكون بطريق أولى جائز، وأمّا تزويجه من غير الكافرة فقد ادعي الإجماع عليه، وفيه لم يثبت إجماع تعبدي، ففي الكافرة جائز من

ص: 231


1- شرائع الإسلام /4 /185 .
2- الدروس / 2 / 69 .
3- الجواهر / 41 / 629 .

المسألة 277 : لا ولاية للأب أو الجد المرتد على بنته المسلمة لانقطاع ولايتهما بالارتداد(1) .

المسألة 278 : يتحقق رجوع المرتد عن ارتداده باعترافه بالشهادتين إذا كان ارتداده بإنكار التوحيد أو النبوة الخاصة، وأمّا إذا كان ارتداده بإنكار عموم نبوة نبينا محمد (صلی الله علیه و آله وسلّم) لجميع البشر فلابد في توبته من رجوعه عما جحد وأنكر(2) .

______________________________________________

جهة عدم الدليل، ولكن يمكن أن يقال بأنه مادام متصفاً بالإسلام ولو ادون فجواز تزويجه مشكل .

(1) بل لو زوج بنته المسلمة فتزويجها باطل وأدّعي عدم الخلاف وللأصل ولأنّه لم تثبت ولايته والتسلط عليها قال تعالى : «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»(1)، فلها أن تتزوج بدون اذنهما وتسقط شرطية اذنهما .

وقال في المسالك : أمّا انتفاء ولايته على أبنته فلأنّه محجور عليه في نفسه فلا يكون ولياً لغيره ولأنّه بكفره لا يصلح ولياً على المسلم، ولا سبيل لهعليها وهو منفي بالآية الشريفة(2).

(2) لا يخفى أنّه يثبت الارتداد أمّا بشهادة عدلين، أو بالإقرار، وأمّا إثبات رجوعه أيضاً لابد من إثباته بهما لما عرفت أن اظهار الشهادتين يكفي في الحكم بالإسلام سواء كان كافراً اصليا واظهر الشهادتين أو مرتداً، نعم لو كان ارتداده بانكار غير الشهادتين وجحوده لغيرهما فلابد من رجوعه وتوبته عما جحد وأنكر بعد أن رجع انكاره لتكذيب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) .

ص: 232


1- سورة النساء الآية 141 .
2- المسالك / 15 / 35 _ 36.

المسألة 279 : إذا قتل المرتد عن فطرة أو ملة مسلماً عمداً جاز لولي المقتول قتله فوراً، وبذلك يسقط قتله من جهة ارتداده بسقوط موضوعه نعم لو عفا الولي أو صالحه على مال قتل من ناحية ارتداده(1).

المسألة 280 : إذا قتل أحد المرتد عن ملة بعد توبته، فإن كان معتقداً بقاءه على الارتداد لم يثبت القصاص(2)ولكن تثبت الدية .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، وأيضاً لتقديم حق الناس على حق الله، أمّا سقوط قتله بالردة لأنّه لم يبق موضوع، نعم لو عفى الولي أو صالحه على مال فيقتل بالردة لبقاء الموضوع .

(2) خلافاً لما حكي عن الشيخ في التحرير حيث قال : لو تاب المرتد فقتله من يعتقد بقاءه على الردة، قال الشيخ يثبت القود لوجود المقتضي وهوقتل المسلم ظلماً، وفيه اشكال من حيث عدم القصد إلى قتل المسلم(1)

وكذا قال في الخلاف : إذا ارتد الرجل ثم رأهُ آخر من المسلمين مخلّىً فقتله معتقداً أنّه على الردة فبآن أنّه كان رجع إلى الإسلام، فإن علمه راجعاً إلى الإسلام كان عليه القود بلا خلاف، وإن لم يعلم رجوعه كان عليه أيضاً القود(2).

وقال في القواعد : ولو تاب فقتله من يعتقد بقاءه على الردة، قيل يقتل لتحقق قتل المسلم ظلماً، ويحتمل عدمه لعدم القصد إلى قتل المسلم(3).

ونسب إلى ابن شهر آشوب في محكي متشابه القرآن، أمّا سبب جواز قتل من قتله لأنه قتل مسلماً ظلماً ولا يصدق عليه المرتد بعد توبته فهو مسلم حقيقة

ص: 233


1- التحرير / 5 / 393 .
2- الخلاف / 5 / 503 .
3- القواعد / 3 / 575.

المسألة 281 : إذا تاب المرتد عن فطرة لم تقبل توبته بالنسبة إلى الأحكام اللازمة عليه من وجوب قتله وانتقال أمواله إلى ورثته وبينونة زوجته منه، وأمّا بالإضافة إلى غير تلك الأحكام فالأظهر قبول توبته فتجري عليه أحكام المسلم، فيجوز له أن يتزوج من زوجته السابقة أو امرأة مسلمة أخرى وغير ذلك من الأحكام(1) .

______________________________________________

فتشمله عموم الآية : «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1)، ولكن القصاص من القاتل في ما إذا كان متعمداً لقتل مسلم وهو موضوع وجوب القصاص قال تعالى : «وَمَنْيَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»(2).

وأمّا ثبوت الدية لكي لا يذهب دم المسلم هدراً، وأمّا إذا قتله وهو عالم بتوبته فيقتص منه لأنّه قتل مسلماً .

(1) لا يخفى بأن ما ورد من عموم قبول التوبة تشمل جميع احكام المرتد بالنسبة إلى عدم جواز قتله وابقاء ماله وعدم بينونة زوجته وعدم انتقال ماله إلى الورثة، وهكذا يجوز له أن يتزوج زوجته السابقة أو امرأة مسلمة أخرى لأنّها أي التوبة اصبحت سبباً لرجوع اسلامه، وإذا اظهر الشهادتين يحكم بإسلامه وأنّه مكلف بالفروع، ولو قلنا بعدم قبول توبته لامتنع تكليفه بها، لأنّه غير قادر على الاتيان بها بعد عدم قبول توبته مع أنّه مسلم وهو مكلف بالإتيان بالأعمال كافة .

نعم في موارد خاصة جاء الدليل من وجوب قتله إذا كان فطرياً وانتقال أمواله إلى ورثته وبينونة زوجته فقد خرج عن هذا العموم كما في موثقة عمار

ص: 234


1- سورة المائدة الآية / 45 .
2- سورة النساء الآية / 93 .

الساباطي قال : «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمداً (صلی الله علیه و آله وسلّم) نبوته وكذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(1)، وصحيحة محمد ابن مسلم، قال : «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن المرتد فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما أُنزل على محمد (صلی الله علیه و آله وسلّم) بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجبقتله وبانت منه امرأته، ويقسم ما ترك على ولده»(2)، وهذه وإن كانت مطلقة ولكن ببركة موثقة عمار تحمل على المرتد الفطري .

ص: 235


1- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح3 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب حد المرتد ح2 .

ص: 236

كتاب التعزيرات

ص: 237

ص: 238

كتاب التعزيرات

المسألة 282 : من فعل محرماً أو ترك واجباً إلهياً عالماً عامداً عزّرهُ الحاكم حسب ما يراه من المصلحة(1) .

______________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ونعم ما قال : وتدل على ذلك عدة أمور :

الأول : فعل أمير المؤمنين (علیه السلام) ذلك في موارد مختلفة كما يظهر في عدة روايات في أبواب متفرقة، وهذا يدل بوضوح على مشروعية ذلك .

الثاني : إن الإسلام قد اهتم بحفظ النظام المادي والمعنوي واجراء الأحكام على مجاريها، ومن الطبيعي أن هذا يقتضي التعزير من قبل الحاكم لكل من خالف النظام(1).

الثالث : النصوص الخاصة الواردة في موارد مخصوصة الدالة على أنللحاكم التعزير و التأديب حتى في الصبي والمملوك .

الرابع : ما ورد في عدة روايات من أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء حداً، منها : معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «قال إن لكل شيء حداً ومن تعدى

ص: 239


1- مباني تكملة المنهاج /1 /339 .

................................

ذلك الحد كان له حداً»(1).

وأمّا أنّه يكون حسب نظر الحاكم ولما يراه من المصلحة، فهذا أيضاً متفق عليه، كما ورد في صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قلت له كم التعزير ؟ فقال : دون الحد، قال : قلت دون الثمانين، قال : لا ولكن دون اربعين فإنه حد المملوك، قلت وكم ذاك، قال : على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه»(2).

وأمّا مقداره فعن جماعة منهم المحقق في الشرائع : أنّه لا يبلغ حد الحر في الحر وحد العبد في العبد(3)ونسبه

المجلسي في مرآة العقول إلى الأصحاب(4)وهكذا تحديد معتبرة إسحاق بن عمار، قال : «سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن التعزير كم هو، قال : بضعة عشر سوطاً ما بين العشرة إلى العشرين»(5)،

في غير محله، بل لابد من حملها إذا رأى الإمام ذلك لأجل ضعف بدن الرجل أو لأجل توبته بذلك ورجوعه عن المنكر .

ص: 240


1- الوسائل باب 3 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب بقية الحدود ح3 .
3- الشرائع / 4 / 172 .
4- مرآة العقول / 23 / 374 .
5- الوسائل باب 10 من أبواب بقية الحدودح1 .

ويثبت موجب التعزير بشهادة شاهدين وبالإقرار(1) .

______________________________________________

(1) وأمّا بالنسبة إلى شهادة شاهدين، فإن المسألة غير خلافية ولعموم ما دل على حجيتها وإطلاقها كصحيحة فضل بن شاذان عن الرضا (علیه السلام) «وجعل بعد التكبير الشهادتان، لأن أول الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة، وإن طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، ولأن أصل الإيمان إنما هو الشاهدتان، فجعل الشهادتين كما جعل في سائر الحقوق شاهدان»(1)،

وغيرها من الروايات .

وأمّا الإقرار فلعموم ما دل على أن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز(2)

وهل يكفي الإقرار لمرة أو لابد من المرتين، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : وأمّا ثبوته بالإقرار فلعموم دليله وعدم موجب للتقييد، نعم قيل كما عن الحلي وغيره أنه لا يثبت إلا بالإقرار مرتين(3)، لأنّه يعتبر شهادة عدلين، إذاً كل إقرار يكون بمنزلة شهادة واحدة فغير تام، وفي المسالك ذكر قول المحقق ثم بعد ذلك قال : كلما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه يثبت بشاهدين أو الإقرار مرتين على قول(4)، ثم قال رحمه الله أمّا ثبوته بشاهدين فلا إشكال فيه لأنّ ذلك حق ليس بمال فلا يثبت بدونهما، ولا زنا فلا يتوقف على الزائد فيدخل في عموم ما دل على اعتبار الشاهدين، وأمّا توقفه على الإقرار مرتين فهو المشهور(5)، لأنّه كما ورد في محله أن كل إقرار بمنزلة الشهادة .

ص: 241


1- الوسائل باب 19 من أبواب الاذان والاقامة ح14 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب كتاب الاقرار ح2 .
3- مباني تكملة المنهاج / 1 / 409 .
4- شرائع الإسلام / 4 / 167 .
5- المسالك / 14 / 456 .

المسألة 283 : إذا أقرّ بالزنا أو اللواط دون الأربع لم يحد ولكنه يعزر(1) .

المسألة 284 : من اقتض بكراً غير الزوجة والمملوكة بأصبع أو نحوها عزر على المشهور، وفيه إشكال، والأقرب يحد ثمانين جلدة(2) .

______________________________________________

(1) لا يخفى بأن اللواط أو الزنا لا يثبتان إلا بالإقرار لأربع، فأقل من ذلك لا يكفي في إثباتهما، أمّا لزوم التعزير يكون اجراؤه من قبل الحاكم لردع اشاعة الفحشاء ولكشف ما ستره الله تعالى، والإقرار نافذ في حق المقر في ثبوت الجلد أو الحد المشروط بأربع مرات لا ينافي لزوم التعزير وبعد أن كان الإسلام دين النظام والقانون وجاء لإسعاد البشرية والمنع عما يرتكب من الأمور التي تكون سبباً للانحطاط الخلقي فلابد من وضع الحدود .

(2) في المسألة أمور :

الأول : أن المقتض رجلاً كان أو امرأة لإطلاق الأدلة .

الثاني : أن المراد من البكر الحرة لا المملوكة كما هو المنساق .

الثالث : ورود في بعض الروايات لفظ الحد، ولكن يكون المراد به التعزير لا الحد التام .

الرابع : مقدار الحد، فما عن الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إن تم إجماع على ذلك فهو، ولكنه غير تام، فإذاً لا موجب لرفع اليد عن ظهور صحيحة ثمانينفي تعيين ذلك(1).

أقول : بما أن الإجماع ليس حجة عنده سواء تم الإجماع أم لم يتم، فلابد من الرجوع إلى الصحيحة الدالة على الثمانين تبعاً للمفيد بقوله : من افتض جارية بأصبعه ضرب من ثلاثين سوطاً إلى ثمانين عقوبة على ما جناه والزم صداق المرأة

ص: 242


1- مباني تكملة المنهاج / 1 / 411 .

................................

لذهابه بعذرتها(1)،

والديلمي(2)،

وقال في الجواهر : يحكى عن المفيد والديلمي أنّها أكثره، قالا فيجلد حينئذٍ من ثلاثين إليها، وعن الشيخ من ثلاثين إلى سبعة وتسعين، وعن ابن إدريس إلى تسعة وتسعين تنزيلاً على قضية المصلحة أو لا تقدير فيه قلة ولا كثرة فيفوض إلى رأي الحاكم(3).

فعلى أي حال قد وردت هناك صحيحتان الأولى عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في امرأة افتضت جارية بيدها قال، قال : عليها مهرها، وتجلد ثمانين»(4)،

وصحيحته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في امرأة افتضت جارية بيدها، قال : عليها المهر وتضرب الحد»(5)، أي التعزير لأنّه حد أيضاً وتحمل هذه على الأولى، إذاً يكون التعزير ثمانين، كما مرّ ذكر رأي الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) في هذه المسألة، ولعل مراده من الإجماع الاتفاق ولكن المشهور يكون على تفويض رأي الحاكم، كما عن الأكثر، وقال في الجواهر : ولعله الأقوى لإطلاق ما دل على ذلك فيه، ولامعارض له إلا خبر الثمانين الظاهر في تعينها، ولا قائل به اصلاً، فيطرح أو يكون المراد بيان أحد أفراده(6).

وأمّا بالنسبة إلى رأي الحاكم فالمسألة غير خلافية، وأمّا بالنسبة إلى الثمانين لم يقل به أحد، فقول المشهور هو الأقوى، هذا إذا كان المقتض غير الزوج، أمّا لو كان هو فقد فعل حراماً خصوصاً إذا أصبح سبباً لإيذائها وليس عليه شيء .

ص: 243


1- المقنعة / 785 .
2- المراسم / 255 .
3- الجواهر / 41 / 371 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب حد الزنا ح4 .
5- الوسائل باب 39 من ابواب حد الزنا ح1.
6- الجواهر / 41 / 371 .

المسألة 285: لابأس بضرب الصبي تأديباً خمسة أو ستة مع رفق(1).

______________________________________________

(1) لا يخفى بأنّ أصل التأديب جائز، بل في بعض الموارد لازم، ولكن الكلام في مقدار الضرب، والروايات مختلفة في ذلك، ثم إن المؤدب تارة يكون الولي وأخرى غيره وثالثة المعلم .

وأمّا بالنسبة إلى الولي فقد ورد في ذلك معتبرة حماد بن عثمان قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في أدب الصبي والمملوك، قال خمسة أو ستة وارفق»(1)،

ومعتبرة إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم، قال : وكم تضربه ؟ قلت ربما ضربته مائة فقال مائة مائة ؟ فأعاد ذلك مرتين، ثم قال : حدّ الزنا اتّق الله، فقلت : جعلت فداك، كم ينبغي لي أن اضربه ؟ فقال : واحداً فقلت : والله لو علم أني لا اضربه إلا واحداً ما ترك لي شيئاً إلا أفسده، قال : فاثنين، فقلت هذا هو هلاكي، قال : فلم أزل أُماكسه حتى بلغ خمسة، ثم غضب، فقال يا إسحاق إنكنت تدري حدّ ما أجرم، فاقم الحدّ فيه، ولا تعدّ حدودَ الله»(2).

وأمّا بالنسبة إلى غير الولي قد ورد في ذلك معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) أدب اليتيم بما تؤدب منه ولدك، واضربه مما تضرب منه ولدك»(3).

وأمّا في المعلم، فلا يجوز الضرب أكثر من ثلاثة لمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) القى صبيان الكتاب الواحهم بين يديه ليُخيّر بينهم، فقال : أمّا أنّها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم ابلغوا معلّمكم إن ضَرَبكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أُقتصّ منه»(4).

ص: 244


1- الوسائل باب 8 من أبواب بقية الحدود ح1.
2- الوسائل باب 30 من أبواب مقدمات الحدود ح2 .
3- الوسائل باب 85 من أبواب احكام الاولاد ح1 .
4- الوسائل باب 8 من أبواب بقية الحدود ح2 .

كما لابأس بضرب المملوك تأديباً إلى عشرة(1) .

______________________________________________

(1) لا إشكال في عدم تأديب المملوك في أكثر من عشرة لصحيحة حريز بن عبد الله عن أبي الله (علیه السلام) قال : «لا بأس إن يؤدب المحرم عبده ما بينه وبين عشرة اسواط»(1)،

فهذه وإن وردت في المحرم ولكن في غيره يكون بطريق أولى، والجمع بينها وبين رواية حماد بن عثمان قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) في أدب الصبي والمملوك، فقال : خمسة أو ستة، وأرفق»(2)، وهكذا رواية زرارة بن أعين المروي في المحاسن قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما ترى في ضرب المملوك، قال : ما أتى فيه على يديهفلا شيء عليه، وأمّا ما عصاك فيه فلا بأس، قلت : كم اضربه ؟ قال : ثلاثة، أو اربعة أو خمسة»(3).

ويفهم من الروايات أن له الضرب إلى العشرة أو أنّه مخير بين العشرة أي من واحد إلى العشرة، ويكره أن يزداد في تأديب الصبي على عشرة اسواط وكذا المملوك .

قال في الجواهر: وإن لم أجد له شاهداً، بل ولا موافقاً، وقيل والقائل الشيخ في النهاية إن ضرب عبده في غير حدٍ حداً لزمه اعتقاه، ولكن هو على الاستحباب(4).

ولصحيح أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : من ضرب مملوكاً حداً من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه، لم يكن الكفارة إلا عتقه»(5)،

ولكن ما استدل به ليس بصحيح وذلك :

أولاً : من جهة الدلالة فهي غير تامة، لأنّها لم تدل على الضرب فوق الحد .

ثانياً : لابد من طرحها لعدم العمل بها .

ص: 245


1- الوسائل باب 9 من أبواب تروك الاحرام ح1 .
2- الوسائل باب 95 من أبواب بقية الحدود ح1 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب بقية الحدود ح3 .
4- الجواهر / 41 / 446 .
5- الوسائل باب 27 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .

المسألة 286 : من باع الخمر عالماً بحرمته غير مستحلٍّ عُزّر، وإن استحله حكم بارتداده، وإن لم يكن عالماً بحرمته فلا شيء عليه، ولكن يبين له حرمته ليمتنع بعد ذلك وكذلك من استحل اشياء من المحرمات المعلوم حرمتها في الشريعة الإسلامية، كالميتة والدم ولحم الخنزير والربا ولو ارتكب اشياء منها غير مستحلٍّ عُزّر(1) .المسألة 287 : لو نبش قبراً ولم يسرق الكفن عزر(2).

______________________________________________

(1) وذلك للردع عن المنكر وهذا يأتي بالنسبة إلى غير مستحل المحرمات، وأمّا إذا كان مستحلاً للمحرمات التي اجمع المسلمون على تحريمها فإنه إذا كان انكاره واستحلاله سبباً لتكذيب أو إنكار صاحب الشريعة فإنّه مرتد، فإن كان عن فطرة يقتل، ويستتاب إن كان عن ملة ولكن قال المحقق بنحو الإطلاق : من باع الخمر مستحلاً يستتاب فإن تاب وإلا قتل(1)، وهو الحق لأن المستحل مطلقاً لا يقتل إلا بعد الإستتاب .

(2) أمّا الحد يكون على السرقة وهذا لم يسرق كما ورد في مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في النباش إذا أُخذ أول مرة عزر، فإن عاد قطع»(2)، وصحيحة علي بن سعيد قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) : عن النباش ؟ قال : إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر»(3).

وقال ابن سعيد الحلي : ومن نبش قبراً ولم يسلب لم يقطع(4)،

وقال العلامة في القواعد : ولو نبش ولم يأخذ عزر، فإن تكرر وفات السلطان كان له قتله

ص: 246


1- شرائع الإسلام / 4 في مسألة بائع الخمر .
2- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح16.
3- الوسائل باب 19 من أبواب حد السرقة ح13.
4- الجامع للشرائع / 562 _ 563 .

المسألة 288 : لو سرق ولا يمين له أو سرق ثانياً وليس له رجل يسرى سقط عنه الحد وعزره الإمام حسب ما يراه منالمصلحة(1).

المسألة 289 : قد تقدم اختصاص قطع اليد بمن سرق من حرز(2) وأمّا المستلب الذي يأخذ المال جهراً أو المختلس الذي يأخذ المال خفية ومع الاغفال والمحتال الذي يأخذ المال بالتزوير والرسائل الكاذبة فليس عليهم حد وإنما يعزرون .

______________________________________________

للردع(1)، ولما ذكر بأن الإسلام دين السلام والنظام وهذا سبب للأخلال بالنظام كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه فعل معصية كبيرة فيثبت بها التعزير(2)، ولكنه غير تام لأن بعض المعاصي الكبيرة لا يجب فيها التعزير إلا إذا استوجب الاخلال .

(1) قد مرّت هذه المسألة مفصلاً، ولأنّه لم يبق موضوع يكون قابلاً للقطع، وأمّا التعزير لأجل عدم الاخلال بالنظام لا للمعصية الكبيرة، لأن بعض المعاصي _ كالكذب _ لا تعزير لمرتكبه، نعم في بعض المعاصي الكبيرة الحد وبعضها فيها التعزير، كما ورد الدليل حسب ما يراه الحاكم، كما مرّ إذا لم يكن التعزير محدداً من قبل الشارع .

(2) قد تقدّم شرح هذه المسألة مفصلاً، وأمّا من سرق لا من الحرز أو يأخذ المال جهراً أو المختلس الذي يأخذ المال خفية ومع الاغفال والمحتال وهو صاحب التزوير والرسائل الكاذبة فليس عليهم الحد، وإنما يعزرون لأجل اخلالهم بالنظام، ويكون ذلك حسب نظر الحاكم، ووردت به رواية كما فيموثقة سماعة قال «قال : من سرق خلسة خلسها لم يقطع ولكن يضرب ضرباً شديداً»(3).

ص: 247


1- القواعد / 3 / 563 .
2- المباني /1 / 314 .
3- الوسائل باب 12 من أبواب حد السرقة ح5.

المسألة 290 : من وطىء بهيمةً مأكولة اللحم أو غيرها فلا حدّ عليه ولكن يعزره(1)، الحاكم حسبما يراه من المصلحة، ويُنفى من بلاده إلى غيرها، وأمّا حكم البهيمة نفسها وحكم ضمان الواطئ فقد تقدما في المسألة التاسعة من باب الاطعمة والاشربة .

______________________________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في أمور :

الأول : في ثبوت التعزير، لا شك ولا شبهة إن المسألة غير خلافية وقد ادعوا الإجماع، ولكن هذا الإجماع في ذاته كما مرّ ليس بحجة، لأنّه مقطوع المدركية، وإن العمدة الروايات وهي المدرك :

منها: معتبرة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) : «أنه سئل عن راكب البهيمة، فقال : لا رجم عليه ولا حدّ ولكن يعاقب عقوبة موجعة»(1).

ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل يقع على بهيمة، فقال : ليس عليه حدّ ولكن يضرب تعزيراً»(2).

ومنها : حسنة سدير عن أبي جعفر (علیه السلام) : «في رجل يأتيالبهيمة قال : يجلد دون الحدّ ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها»(3).

ومنها : موثق سماعة «قال : سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يأتي البهيمة إلى أن قال : أن يجلد حداً غير الحدّ»(4).

الثاني : وهناك عدة روايات، منها ما دلت على أنه يقتل، ومنها : على أنه حدّهُ حد الزاني .

ص: 248


1- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح11 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح5 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح4 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح2 .

................................

الثالث : ما دلت على أنه ربع حدّ الزاني .

أمّا ما يدل على أنه يقتل كصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل أتى بهيمة ؟ قال يقتل»(1)،

وخبر سليمان بن هلال، قال : «سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يأتي البهيمة، فقال : يقام قائماً ثم يضرب ضربة بالسيف أخذ السيف منه ما أخذ، قال : فقلت : هو القتل، قال : هو ذاك»(2)،

والحق كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : مضافاً إلى أنّها لا عامل بها من الأصحاب معارضة بما يأتي(3).

وأمّا ما دل بأن حدّه حد الزاني كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في رجل أتى بهيمة فأولج، قال : عليه الحد»(4)، ورواية أبي فروة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : «الذي يأتي بالفاحشة والذي يأتي البهيمة حدّه حد الزاني»(5)، وهذه الروايات أيضاً لم يعمل بها أحد ومع ذلكفهي معارضة بما يأتي من الروايات، مضافاً إلى أن صحيحة أبي بصير لم تدل على المطلب وغير صريحة في حدّ الزنى، والثانية ضعيفة من جهة السند، وأمّا الروايات التي دلت على أنه ربع حدّ الزاني، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) وعن حسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام)، وعن صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم موسى (علیه السلام) : «في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعاً إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت فإذا ماتت احرقت بالنار، ولم ينتفع بها، وضرب هو خمسة وعشرين سوطاً ربع حد الزاني»(6)،

ص: 249


1- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح6 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح7 .
3- المباني / 1 / 415 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح8 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح9 .
6- الوسائل باب 1 من ابواب نكاح البهائم ح1.

................................

وعليها تحمل معتبرة سماعة قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يأتي بهيمة شاة، أو ناقة، أو بقرة، قال، فقال : عليه أن يجلد حداً غير الحد، ثم ينفى من بلاده إلى غيرها»(1)، ومعتبرة سدير عن أبي جعفر (علیه السلام) : «عن الرجل يأتي البهيمة، قال (علیه السلام) يجلد دون الحد»(2)وأمّا

ما ورد من الروايات بأنّه يقتل لا عامل بها، فتحمل على من يستحل ذلك أو تكرر منه العمل، وأمّا ما ورد بأنه حُدّ حدّ الزاني، فعن الشيخ حمل على ما لو عاد بعد التعزير، أو ما تحقق الإيلاج، ونصوص التعزير على الإتيان دون الإيلاج، ولكن هو جمع تبرعي، فالعمدة أنّه لم يعمل أحد بها، وأمّا ما دلت على ربع الحدّ فهي :

أولاً : معارضة بروايات التعزير وبقية الروايات .ثانياً : إن روايات التعزير تقدم ما يسندها من عمل المشهور بها، وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : لموافقتها لما دل على ثبوت التعزير على ارتكاب كل معصية كبيرة(3)،

وقد ذكرنا بأنّه ليس في كل معصية كبيرة حداً، إذاً الحق هو تعزيره بما يراه الحاكم حسب المصلحة، وأمّا نفيه من البلاد لما ورد في معتبرة سماعة قال : «سألت أبا عبد الله عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة، قال، فقال : عليه أن يجلد حداً غير الحد ثم ينفى من بلاده إلى غيرها»(4).

وأمّا البهيمة الموطوءة تارة تكون مأكولة اللحم كالشاة والبقر ونحوهما قال في الجواهر _ بعد أن ذكر قول المصنف _ : وأمّا التحريم فيتناول لحمها والبانها

ص: 250


1- الوسائل باب 1 من ابواب نكاح البهائم ح2 .
2- الوسائل باب 1 من ابواب نكاح البهائم ح4 .
3- المباني / 1 / 417 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح2.

المسألة 291 : من بال أو تغوط في الكعبة متعمداً أخرج منها ومن الحرم، وضربت عنقه(1)، ومن بال أو تغوط في المسجد الحرام متعمداً ضرب ضرباً شديداً .

______________________________________________

ونسلها تبعاً لتحريمها(1)، قال الباقر والصادق (علیهما السلام) في اخبار عبد الله ابن سنان والحسين بن خالد وإسحاق بن عمار، ذبحت واحرقت بالنار ولم ينتفع بها، وقال سدير عن أبي جعفر «في الرجل يأتي البهيمة يجلد دون الحد، ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنّه أفسدها عليه»(2)،

هذا إذا كانت مشخصةومعلومة ولو وقع بين قطيع من الغنم واشتبه بها قسم القطيع نصفين ثم يقرع ثم قسم الخارج بالقرعة إلى أن يصل إلى واحده فيعمل بها ما يعمل بالمعلومة من الذبح والحرق، وأمّا إذا كانت غير مأكولة أي كان المقصود منها الظهر كالبغل والحمار نفيت من البلد وبيعت في غيره ويغرم قيمتها لصاحبها إن عرف المالك وإذا لم يعرفه تصدق بثمنها.

(1) أمّا التبول والتغوط تارة يكون في المسجد الحرام وأخرى في الكعبة ويكون متعمداً فيهما، وأخرى بدون تعمد أفلت منه بوله أو غائطه .

أمّا إذا كان متعمداً في مسجد الحرام، فلا يقتل بل يضرب ضرباً شديداً، وأمّا إذا كان في الكعبة فيخرج منها لئلا لا تهتك ويضرب عنقه كما ورد في الحديث، وما ذكر مطلقاً يحمل على المقيد .

وأمّا إذا صدر بدون تعمد فلا يقتل إذا كان في الكعبة فضلاً عن المسجد الحرام، وهو ما ورد في صحيحة أبي الصباح الكناني قال : «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام)

ص: 251


1- الجواهر / 41 / 637 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب نكاح البهائم ح4، وانظر الجواهر /41/ 639 .

................................

أيّما هما افضل الإيمان أو الإسلام ؟ إلى أن قال، فقال : الإيمان قلت : فأوجدني ذلك، قال : ما تقول في من أحدث في المسجد الحرام متعمداً ؟ قال : قلت يضرب ضرباً شديداً، قال : اصبت فما تقول في من أحدث في الكعبة متعمداً، قلت : يقتل، قال : اصبت ألا ترى أن الكعبة أفضل من المسجد الحديث»(1)، وصحيحة عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث الإسلام والايمان قال : «وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة،وأحدث في الكعبة حدثاً، فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار»(2)،

وكذا معتبرة سماعة قال : «سألته وذكر حديثاً يقول فيه لو أن رجلاً دخل الكعبة فبال فيها معانداً أخرج من الكعبة ومن الحرم، وضربت عنقه»(3).

لا يخفى أن المراد من المعاند أي المتعمد في قبال من أفلت منه بوله بغير اختيار كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تمسكاً بالحديث «قال : لو أن رجلاً دخل الكعبة، فافلت منه بوله خرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم، فغسل ثوبه وتطهر ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة الحديث»(4).

ص: 252


1- الوسائل باب 6 من أبواب بقية الحدود ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب بقية الحدود ح3 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب بقية الحدود ح4 .
4- الوسائل باب 46 من أبواب مقدمات الطواف ح2 .

المسألة 292 : من استمنى بيده أو بغيرها عزّرهُ الحاكم حسبما يراه(1)، من المصلحة .

______________________________________________

(1) أمّا أصل الحرمة فالمسألة اتفاقية بينهم جميعاً، وكذا بالنسبة إلى التعزير، وذكر صاحب الجواهر : أنّه من المعاصي الكبيرة(1)،

ويكون بنظر الحاكم، وقد قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه من الكبائر(2)،

ويشهد لهما الآية «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»(3)، وهذا الفعل يكون مما وراء ذلك فهو عاد كما في رواية محمد بن عيسى عن أبيه قال : «سئل الصادق (علیه السلام) عن الخضخضة ؟ فقال : أثم عظيم قد نهى الله عنه في كتابه، وفاعله كناكح نفسه، ولو علمت بما يفعله ما أكلت معه، فقال : السائل فبين لي يأبن رسول الله من كتاب الله فيه، فقال : قول الله «فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ» وهو ما رواه ذلك، فقال «الرجل أيما أكبر الزنا أو هي ؟ فقال (علیه السلام) : هو ذنب عظيم»(4)

.

وفي اللغة : خضخض الماء حركه فتحرك، وعند الفقهاء الاستمناء باليد فكل ما يصدر من الإنسان بإراقة مائه من غير الطرق الشرعية التي حددها له الشارع فهو من مصاديق الآية «فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ» .

وأمّا الروايات كموثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل ينكح بهيمة أو يدلك، فقال : كل ما أنزل به الرجل ماءه من هذاوشبهه فهو زنا»(5)أي حكمه حكم الزانى وغيرها من الروايات، وأمّا ثبوت هذا العمل يكون بالبينة،

ص: 253


1- الجواهر / 41 / 647 .
2- المباني / 1 / 419 .
3- سورة المؤمنون الآية / 5 _ 6 .
4- الوسائل باب 3 من أبواب نكاح البهائم ح4.
5- الوسائل باب 26 من أبواب النكاح المحرم بالبهيمة وإن كانت ملك الفاعل ح1.

المسألة 293 : مَنْ شهد شهادة زور جلده الإمام(1)، حسبما يراه

ويطاف به وليعرفه الناس، ولا تقبل شهادته إلا إذا تاب وكذب نفسه على رؤوس الاشهاد .

______________________________________________

أو الإقرار لعموم حجية البينة والإقرار .

(1) يقول في الجواهر : وعلم الحاكم بذلك ولو بالخبر المفيد له لا بالبينة لأنّه تعارض، ولا بالإقرار لأنّه رجوع إلى نقض الحكم لتبين اختلال ميزان الحكم(1)، فإذا كانت الدعوى مالية استعيد، أمّا إن تعذر لابد من غرامة الشهود، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) في : «شاهد الزور ما توبته، قال : يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا و أخر معه»(2)،

فلا إشكال حينئذٍ في ذلك .

وأمّا أنّه يعزره لأن عمله كان خلافاً للنظام، وأنّه من المعاصي الكبيرة مضافاً إلى ما ورد من معتبرة سماعة «قال : إن شهود زور يجلدون جلداً ليس له وقت، فذلك إلى الإمام، ويطاف بهم حتى يعرفهم الناس، وتلا قوله تعالى : «وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا»(3)، قلت: بم تعرف توبتهم ؟ قال : يكذب نفسه على رؤوس الأشهاد حيث يضرب ويستغفر ربه عزّ وجلّ، فإذا فعل ذلك فثمَّ ظهرت توبته»(4)،

ومعتبرته الثانية قال «قال : شهود الزور يجلدون حداً، ليس له وقت، وذلك إلى الإمام ويطاف بهم حتى يعرفوا ولا يعودوا، قال، قلت له : فإن تابوا واصلحوا تقبل شهادتهم بعد ؟ قال : إذا تابوا تاب الله

ص: 254


1- الجواهر / 41 / 230 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب الشهادات ح1.
3- سورة النور الآية / 4 .
4- الوسائل باب 15 من أبواب بقية الحدود ح2 .

المسألة 294 : إذا دخل رجل تحت فراش امرأة اجنبية عزر(1).

______________________________________________

عليهم، وقبلت شهادتهم بعد»(1)،

وغيرها من الروايات(2).

(1) أمّا أصل التعزير فلأنّه معصية كبيرة أو اختلال النظام، وعلى هذا فللمسألة فروع ثلاثة :

الأولى : اجتماع رجلين تحت ازار واحد .

الثانية : اجتماع امرأتين تحت ازار واحد .

الثالثة : اجتماع رجل وامرأة تحت ازار واحد .

وقد اختلفت آراؤهم في تحديد حدّ التعزير وذلك من خلال اختلاف الروايات .

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال : حدّ الجلد أن يوجدا في لحاف واحد، والرجلان يجلدان إذا وجدا في لحاف واحد الحد، والمرأتان تجلدان إذا اخذتا في لحاف واحد الحد»(3).ومنها : حسنة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال : كان علي (علیه السلام) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجردين جلدهما حد الزاني مائة جلدة، كل واحد منهما، وكذا المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجردتين جلدهما كل واحدة منهما مائة جلدة»(4).

ومنها : رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله (علیه السلام) : «في الرجل والمرأة يوجدان في اللحاف، قال : يجلدان مائة مائة غير سوط»(5)،

وعن عبد الرحمن الحذاء، قال : «سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) يقول : إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة

ص: 255


1- الوسائل باب 15 من أبواب الشهادات ح1 .
2- رواية عبد الله بن سنان، الوسائل باب 15 من أبواب الشهادات ح2 .
3- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح1.
4- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح15.
5- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح3.

المسألة 295 : من أراد الزنا بامرأة جاز لها قتله دفاعاً عن نفسها ودمه هدر(1) .

______________________________________________

جلدة»(1)،

وعن الجواهر نقلاً عن المحقق : يعزران من ثلاثين إلى تسعة وتسعين سوطاً وكما عن الشيخ(2)وابن إدريس(3)وأكثر المتأخرين(4)لخبر سليمان بن هلال إلى أن يقال ثلاثين سوطاً(5)،

وقد ذكرت الروايات المرأتان ومقدار حد تعزيرهما مائة، والأقوى كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : تسعة وتسعين سوطاً(6).وأمّا اجتماع المرأة والرجل فقد ورد مائة إلا سوط واحداً .

(1) لا يخفى بأن الدفاع عن النفس واجب، وإذا قتلت تُعد شهيدة إذاً لو قتلته دفاعاً عن نفسها ليس عليها شيء، ويصبح دمه هدر، والمسألة غير خلافية، وقد دلت على ذلك الروايات، منها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : في رجل أراد امرأة على نفسها حراماً فرمته بحجر فأصابت منه مقتلاً، قال : ليس عليها شيء فيما بينها وبين الله عز وجل، وإن قدمت إلى إمام عادل اهدر دمه»(7).

ص: 256


1- الوسائل باب 10 من أبواب حد الزنا ح5.
2- النهاية / 705 .
3- السرائر / 3 / 460 .
4- إرشاد الاذهان / 2/ 175، التنقيح الرائع / 4/ 352 .
5- الجواهر / 41 / 384 .
6- المباني / ح1/ 152 .
7- الوسائل باب 23 من أبواب قصاص النفس ح1.

المسألة 296 : إذا دخل اللص دار شخص بالقهر والغلبة جاز لصاحب الدار محاربته، فلو توقف دفعه عن نفسه أو أهله أو ماله(1) على قتله جاز له قتله وكان دمه ضائعاً .

______________________________________________

(1) لا يخفى إن الدفاع عن النفس والمال والحريم واجب بمقدار الاستطاعة وهو واجب عيني، وإذا لم يقدر فيجب على من أطلع عليه من باب الكفاية، وقال صاحب المسالك : لا إشكال في أصل الجواز مع القدرة وعدم لحوق الضرر إلى أن يقول وإنما جعله كالشهيد ولم يجعله شهيداً مطلقاً لأنّ احكام الشهيد من ترك غسله وتكفينه لا يلحق إلا من قتل في جهاد بين يدي إمام عادل كما سبق في محله، وأما من قتل دون ماله ونحوه فهو كالشهيد في الثواب لا في باقي الأحكام، وقد روي عن الصادق (علیه السلام) : «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال من قتل دون عقال فهو شهيد»(1)والمراد به ذلك جمعاً بين الاخبار(2).

ويدل عليه ما عن السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) عونك الضعيف من أفضل الصدقة»(3)،

وعنه أيضاً «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»(4).

ص: 257


1- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح5.
2- المسالك /15 / 51 .
3- الوسائل باب 59 من أبواب جهاد العدو ح2.
4- الوسائل باب 59 من أبواب جهاد العدو ح1 .

ولا ضمان على الدافع(1)، ويجوز الكف عنه في مقابل ماله وتركه قتله، هذا فيما إذا أحرز ذلك، وأمّا إذا لم يحرز وأحتمل أن قصد الداخل ليس هو التعدي لم يجز له الابتداء بضربه أو قتله، نعم له منعه عن دخول داره(2) .

______________________________________________

(1) إذا لم يندفع إلا بذلك بلا فرق بين الجرح والقتل، لمعتبرة وهب عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) أنه «قال : إذا دخل عليك رجل يريد أهلك ومالك فابدره بالضربة إن استطعت، فإن اللص محارب لله ولرسوله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فما تبعك منه من شيء فهو علي»(1)،

ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه (علیهما السلام) : «إن الله ليمقت العبد يُدخل عليه في بيته فلا يقاتل ولا يحارب»(2)وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قال : أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا دخل عليك اللص المحارب فأقتله فما أصابك فدمه في عنقي»(3).

(2) لقاعدة تقدم الاهم، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (علیهما السلام) «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون ماله فهو شهيد، وقال : لو كنت أنا لتركت المال ولم أقاتل»(4)، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقاتل دون ماله، فقال : قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون مالهفهو بمنزلة الشهيد، فقلت : أيقاتل أفضل أو لا يقاتل ؟ فقال إن لم يقاتل فلا بأس، أمّا أنا فلو كنت لم أقاتل وتركته»(5).

ص: 258


1- الوسائل باب 5 من أبواب الدفاع ح1 .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح2.
3- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح7 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب الدفاع ح1.
5- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح10 .

المسألة 297 : لو ضرب اللص فعطل لم يجز له الضرب مرة ثانية ولو ضربه مرة ثانية فهي مضمونة(1).

المسألة 298 : من أعتدى على زوجة رجل أو مملوكته أو غلامه أو نحو ذلك من أرحامه وأراد مجامعتها أو ما دون الجماع فله دفعه(2)، وإن توقف دفعه على قتله جاز له قتله ودمه هدر .

______________________________________________

(1) لا إشكال في أن الضرب إنما كان جائزاً لأجل الدفع، بعد إن ضربه وأصبح معطلاً بحيث يؤمن من ضرره، فلا يجوز ضربه ثانية، فلو فعل ذلك عُدّ تعدياً منه فهو ضامن، وهكذا إذا أدبر لأنّه لا معنى للدفع مع الادبار، فإذا تعدى عليه وضربه فهو ضامن، وأمّا لو أقبل فضربه دفاعاً عن نفسه فجُرح فلا ضمان عليه، حتى لو سرى ومات، وكان الدفع متوقف على الجرح، نعم لو ولى بعد ذلك مدبراً، أو أعرض عما أراد فضربه مرة أخرى فتكون الثانية مضمونة، لأنّه لا يجوز إلا للدفع، فإذا أدبر لم يبق للدفع موضوع، فهو متعدٍ وضامن كما بيناه .

(2) المسألة غير خلافية، لذلك قلنا بأن الدفاع واجب، ولا يخفى إن هذا ليس مختصاً بنفسه وعرضه من زوجته ومملوكته وأقاربه، بل له أن يدفع عن الاجنبية أيضاً كما ورد في الروايات، منها : «قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلّم) : من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم»(1)،

وغيرها من الروايات التي مرّ ذكرها بذلك .

ولكن الحق إذا قلنا بوجوب الدفع فلا ضمان عليه فهو هدر، فعلى أيّ حال فالدفع واجب، لصحيحة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) : «قال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون مظلمته فهو شهيد، ثم قال : يا أبا مريم هل تدري ما دون مظلمته، قلت : جعلت فداك الرجل يقتل دون أهله ودون ماله واشباه ذلك، فقال :

ص: 259


1- الوسائل باب 59 من أبواب جهاد العدو ح1.

المسألة 299 : من أطلع على قوم في دارهم لينظر عوراتهم فلهم زجره، فلو توقف على أن يفقؤوا عينيه أو يجرحوه فلا دية عليهم(1).

______________________________________________

يا أبا مريم إن من الفقه عرفان الحق»(1).

وتدل عليه أيضاً فحوى صحيحة الحسين بن أبي العلاء قال : «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقاتل دون ماله فقال، قال : رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) من قتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد، فقلت : أيقاتل أفضل أو لا يقاتل ؟ فقال : أمّا أنا فلو كنت لم أقاتل وتركته»(2).

ويظهر من الروايتين ما دام الدفاع عن المال جائز فعن النفس يكون بطريق أولى .(1) والمسألة غير خلافية كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) : بلا خلاف بين الأصحاب(3)، ولابد أولاً زجره فإن انزجر فلا يجوز جرحه أو قتله، ثانياً لو لم يندفع فلابد من دفعه، لأنّه يدخل تحت المدافعة عن العرض ولو توقف على فقء عينيه أو جرحه فلا دية عليه، بل لو كان دفعه سبباً لموته وذلك لمعتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : أطلع رجل على النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) من الجريد فقال له النبي : لو اعلم أنك تثبت لي لقمت إليك بالمشقص حتى افقأ به عينيك، قال : فقلت : له وذاك لنا ؟ فقال : ويحك أو ويلك أقول لك إن رسول الله فعل، وتقول ذاك لنا»(4)،

ومعتبرته الثانية قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول : بينما رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) في حجراته مع بعض ازواجه ومعه مغازل يقبلها، إذ بصر بعينين تطلعان، فقال : لو اعلم أنك

ص: 260


1- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح9 .
2- الوسائل باب 46 من أبواب جهاد العدو ح10 .
3- المباني / 1 /423 .
4- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح4.

نعم لو كان المطلع محرماً لنساء صاحب المنزل ولم تكن النساء عاريات لم يجز جرحه ولا فقء عينيه(1) .

______________________________________________

تثبت لي لقمت حتى انخسك، فقلت : نفعل نحن مثل هذا إن فعل مثله ؟ فقال : إن خفى لك فافعله»(1)،

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال : ايّما رجل أطلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقؤوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم، وقال : ومن اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له»(2).نعم وردت رواية تدل على جواز قتله، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها للضعف في سندها بمحمد بن سنان، ومخالفة لما اتفق عليه كرواية العلاء أبن الفضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : إذا اطلع رجل على قوم يشرف عليهم أو ينظر من خلال شيء لهم، فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينيه فليس عليهم غرم»(3).

(1) وذلك لأنّه يجوز النظر اليهن في تلك الحالة، ولا يدخل في باب الدفاع عن العرض، وأمّا إذا كنّ عارياتٍ فلا يجوز النظر لأنّه ليس للمحرم جواز النظر إلى عورات من يكون من محارمه، ففي الصورة الأولى : له زجره ولا يجوز رميه ولو فعله فهو ضامن، أمّا في الصورة الثانية : من أن النساء عاريات جاز زجره ورميه لأنّه لا يجوز له الاطلاع على العورة منهن .

ص: 261


1- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح5.
2- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح7.
3- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص النفس ح6.

المسألة 300 : لو قتل رجلاً في منزله وادعى أنه دخله بقصد التعدي على نفسه أو عرضه أو ماله، ولم يعترف الورثة بذلك، لزم القاتل إثبات مدعاه، فإن اقام البينة على ذلك(1)، أو على ما يلازمه فهو وإلا اقتص منه.

______________________________________________

(1) لاشك ولا شبهة أنّه يجب على الإنسان الدفاع عن نفسه وحريمه فإذا دخل عليه وقتله صاحب المنزل فليس عليه شيء بينه وبين ربه، ولكن لو أدّعى أنه أراد نفسه، أو عرضه، أو ماله ولكن أنكر الورثة، فإن اقاموا بينة على ذلك فهو، وإن ادعت الورثة أنّه دخل عليه وكان ذا سيف مشهور مقبلاً على صاحب الدار كان ذلك علامة واضحة بصحة قول القاتل ويسقط عنه الضمان، لأن رؤيته على هذه الحالة كاشفة بأن دخوله كان للقتل أو التعدي، وإذا لم تكن له بينة على ذلك أو ما يلازمها فيقتص منه قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): وتدل على ذلك مضافاً إلى أنّه مقتضى الأصل فإن القتل عمداً وجداني وهو يوجب القصاص إلا أن يثبت أنّه كان دفاعاً عن نفسه، أو عرضه، أو ماله، وإذا شك فيه فالأصل عدمه(1)،

ولصحيحة داود أبن فرقد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال : سألني دواد بن علي عن رجل كان يأتي بيت رجل فنهاه أن يأتي بيته فأبى أن يفعل، فذهب إلى السلطان، فقال السلطان إن فعل فاقتله، قال : فقتله فما ترى فيه ؟ فقلت أرى أن لا يقتله إنه إنْ استقام هذا ثَمَّ شاء أن يقول كل إنسان لعدوه دخل بيتي فقتلته»(2).

ص: 262


1- المباني / 1 / 423 .
2- الوسائل باب 69 من أبواب قصاص النفس ح3 .

المسألة 301 : يجوز للإنسان أن يدفع عن نفسه أو ما يتعلق به من مال و غيره الدابة الصائلة، فلو تلفت بدفعه مع توقف الحفظ عليه فلا ضمان عليه(1) .

______________________________________________

(1) لا يخفى بأن للإنسان جواز الدفع عن نفسه، بل عن غيره وماله الدابة الصائلة، وإن تلفت بالدفع فلا ضمان، إذا فرض توقف الدفع عليها وقال في الجواهر : بلا خلاف أجده، بل في كشف اللثام : عندنا مشعراً بالإجماع عليه(1)، وفي المسالك : كما يجوز دفع الادمي الداخل عليه يريد نفسه أو ماله، يجوز دفع الدابة كذلك ونحوه لاشتراك الأمرين في الدفاع المأذون فيه ولا ضمان مع توقف الدفاع على قتلها، أو انزال عيب بها(2)، لا إشكال في أصل الجواز مع القدرة وعدم لحوق الضرر .

نعم نسب إلى أبي حنيفة الضمان مع تجويزه الإتلاف، مضافاً إلى الأولوية، كما ادعى الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : بلا خلاف عندنا، وتدل عليه مضافاً إلى الأولوية القطعية بالإضافة إلى تلف الإنسان المهاجم المقتول دفاعاً في خصوص الدفاع عن النفس(3)،

صحيحة معلى عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال : «سألته عن رجل غشيه دابة فأرادت أن تطأه وخشى ذلك منها فزجر الدابة فنفرت بصاحبها فصرعته فكان جرح أوغيره، فقال : ليس عليه ضمان، إنما زجر عن نفسه وهي الجبار»(4).

ص: 263


1- الجواهر / 41 / 664 .
2- المسالك / 15 / 57 .
3- مباني تكملة المنهاج / 1 / 425 .
4- الوسائل باب 37 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 302 : لو عض يد إنسان ظلماً، فانتزع يده فسقطت اسنان العاض بذلك فلا قود، ولا دية وكانت هدراً(1).

______________________________________________

ففيه فبما أنّها _ أيّ الرواية _ جبار وظالم ومتعدي فإذا قتل لا ضمان نعم إنما يكون الضمان إذا امكنه التخلص ولو بالفرار من دون قتل فإذا قتله حينئذ فهو ضامن .

(1) لا يخفى بأن المسألة اتفاقية عند عامة المسلمين، قال في الجواهر : كان هدراً عندنا وعند جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى في محكي المبسوط(1)

وقال في المسالك : ندرت بالنون أي سقطت، وإنما كان هدراً لأنّه متعدٍ بالفعل والفعل معه دفاع فلا يكون مضموناً، مع مراعاة التخلص بالأسهل فالأسهل وكذا لو افضى التخلص إلى جرحه وغيره من أنواع الاذى حيث لا يمكن بدونه، كالتخلص بغيره من أنواع الدفاع، وهو واضح(2).

ولا يخفى تارة يكون عض يد رجل ظلماً ويريد المظلوم نزع يده تخلصاً فسقطت اسنان الظالم فهي كانت هدراً، ولا دية عليه، لأنّه يُعد دفاعاً، وتدل عليه الروايات الواردة في باب الدفاع وهكذا تؤيده المرسلة : «إن رجلاً فعل ذلك فأتى النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فاهدر سنه»(3)،

وتارة أخرى لو كان على العكس فالمعضوض ظالم وكان تخلصاً من ظلمه اتجهالضمان لأنّه جناية من الجنايات .

ص: 264


1- الجواهر / 41 / 665 .
2- المسالك / 15 / 57.
3- صحيح البخاري / 9 باب إذا عض رجل فوقع ثنيتاه .

المسألة 303 : لو تعدى كل من رجلين على آخر ضمن كل منهما ماجناه على الآخر، ولو كف أحدهما فصال الآخر وقصد الكاف الدفع عن نفسه فلا ضمان عليه(1) .

المسألة 304 : لو تجارح اثنان وادعى كل منهما أنّه قصد الدفع عن نفسه، فإن حلف أحدهما دون الآخر ضمن الاخر(2)، وإن حلفا أو لم يحلفا معاً ضمن كل منهما جنايته .

______________________________________________

(1) أي كان قصد كل منهما قتل الآخر أو أخذ ماله أو النيل من عرضه لقاعدة الضمان، أمّا لو كف أحدهما وصال الآخر، فيكون عادياً وقصد المكف الدفع فلا ضمان عليه إذا كان عمله مقتصراً على الدفع فقط ويضمن الآخر لأنّه عاد لإطلاق الأدلة .

(2) للأصل أي تقديم قول المنكر، لأن الأصل في نفس المسلم أن تكون محترمة، فمدعي المسقط للضمان يحتاج إلى البينة والآخر منكر، أمّا إذا أتى كل واحد منهما بالبينة، أو حلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه فيثبت الجرحان بالدية، إذاً لو كانت الجنايتان متساويتان فتسقطان بالتهاتر وأمّا إذا كانت أحداهما زائدة عن جناية الآخر فهو ضامن بالنسبة إلى الزيادة.

ص: 265

المسألة 305 : أجرة من يقيم الحدود من بيت المال(1)، وقيل أجرته فيما إذا لم يكن بيت مال، أو كان هناك أهم منه على من يقام عليه الحد ولكن لا وجه له .

______________________________________________

(1) لأنّه معد لأمثال هذه الأمور، هذا إذا كان هناك بيت المال، أمّا إذا لم يكن هناك بيت مال، أو كان هناك ما هو الأهم منه كانت الأجرة على المجني عليه، ولا يضمن المقيم للحد سراية القصاص، ونقل الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) قول المحقق في الشرائع : بأن الأجرة على من يقام عليه الحد، ولكن الحق أنّه لا دليل عليه كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله : ولكنه مما لا وجه له اصلاً لأن الواجب على الجاني إنما هو التسليم، وأمّا الزائد عليه فلا دليل على وجوبه فالصحيح إن اجرة ذلك على بيت مال المسلمين، غاية الأمر أن الإمام (علیه السلام) يستدين إذا لم يكن بيت مال، أو كان هناك ما هو أهم(1).

هذا تمام كتاب الحدود بعد توفيق من الله تعالى، وبجوار من يقضي بقضاء الانبياء بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وسيليه كتاب القصاص إن شاء الله تعالى، والحمد لله أولاً واخراً .

ص: 266


1- المباني / 1 / 427 .

المحتويات

كتاب الحدود

كتاب الحدود ........

الاسباب: الزنا وما يتحقق به....... 5

بيان الشبهة الموجبة لسقوط الحد........ 10

شرائط الحد...........

الأول: البلوغ فلا حد على الصبي ...... 11

الثاني: الاختيار فلا حد على المكره .......... 11

الثالث: العقل فلا حد على المجنون .......... 13

قبول دعوى المرأة في الاكراه على الزنا ...... 14

ثبوت الزنا بالإقرار والبينة ........ 14

عدم ثبوت حد الزنا إلا بالإقرار أربع مرات ........ 18

لو أقرّ شخص بما يوجب رجمه ثم جحد .......... 20

ص: 267

للإمام (علیه السلام) العفو بعد الإقرار بما يوجب الحد .......21

لو حملت المرأة وليس لها بعل ......... 23

عدم ثبوت الزنا بشهادة رجلين عادلين ........ 23

ما يعتبر في قبول الشهادة على الزنا ........... 24

لو شهد أربعة رجال على امرأة بكر بالزنا ........... 28

هل يثبت الزنا وتحد المرأة بشهادة أربعة رجال أحدهم زوجها ...... 30

عدم الفرق في قبول شهادة أربعة رجال بالزنا على واحد أو أكثر ..........33

وجوب التعجيل في إقامة الحد بعد أداء الشهادة ......... 33

لو تاب المشهود عليه قبل قيام البينة .......... 35

لو شهد ثلاثة رجال بالزنا أو ما دونهم ........ 36

لو زنا كافر بكافرة أو لاط بمثله ........ 37

حكم ما لو زنا بذات محرم له .......... 38

لو زنا الذمي بمسلمة ........ 45

لو أكره شخص مرأة فزنا بها ........... 47

حكم الشيخ إذا زنا وكان محصناً وكذا الشيخة ........... 48

لو زنا البالغ المحصن بصبية أو مجنونة ....... 53

لو زنت المرأة المحصنة وكان الزاني بها بالغ ...... 54

هل يختص حكم جز شعر الرأس والتغريب بمن أملك ......... 54

ص: 268

ما يعتبر في إحصان الرجل ....... 58

ما يعتبر في إحصان المرأة ........ 61

لو زنت المطلقة الرجعية وهي عالمة بالحكم والموضوع ....... 63

حد المملوك إذا زنا محصناً كان أو غير محصن ......... 64

عدم جلد المستحاضة مالم ينقطع عنها الدم ........ 66

عدم جلد المريض الذي يخاف عليه الموت حتى يبرأ ......... 66

حكم الزاني مراراً وثبوت ذلك بالإقرار أو البينة ......... 68

حكم الزاني الحر في الرابعة بعد قيام الحد عليه ثلاث مرات ......... 69

حكم الحامل إذا زنت ....... 71

لو وجب الحد على شخص ثم جن .......... 73

عدم جواز قيام الحد على أحد في أرض العدو .......... 74

حكم الجاني في الحرم أو في غير الحرم ثم لجأ إليه .......... 75

لو اجتمعت على رجل حدود بدئ بالحد الذي لا يفوت معه الآخر ........ 75

دفن الرجل عند رجمه إلى حقويه والمرأة إلى موضع الثديين ....... 77

حكم ما لو هرب المرجوم أو المرجومة من الحفيرة ..... 79

اعلام الناس لحضور إقامة الحد ......... 81

هل يجوز تصدي الرجم لمن كان عليه حد من حدود الله أو لا ...... 82

كيفية جلد الزاني والزانية .......... 84

ص: 269

هل يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود ......... 86

إقامة الحدود في حقوق الناس من قبل الحاكم متوقفة على مطالبة ...... 89

عدم الفرق في الأحكام المترتبة على الزنا بين الحي والميت......... 92

الثاني: اللواط معنى اللواط وما يثبت به وما يعتبر في المقرّ ........... 93

حكم اللائط المحصن وغير المحصن ......... 94

لو لاط البالغ العاقل بمجنون ..... 98

لو لاط الرجل العاقل بالصبي ........... 98

لو لاط بعبده ........... 99

لو لاط الذمي بمسلم ......... 100

للإمام الخيار بين العفو والاستيفاء لو أقرّ اللائط على نفسه ........... 101

حكم اللائط بالميت كالحي ...... 102

كيفية قتل اللائط..... 103

للإمام الخيار في كيفية قتل اللائط المحصن وغير المحصن........... 103

الثالث: التفخيذ حد التفخيذ إذا لم يكن ايقاب ........... 105

لو تكرر التفخيذ ونحوه وحُدّ مرتين .......... 107

لو وجد رجلان تحت لحاف واحد مجردين من دون حاجز بينهما ......... 108

الرابع: تزويج ذمية على مسلمة بغير إذنها ........... 111

الخامس: تقبيل الغلام بشهوة ..... 113

ص: 270

السادس: السحق حد السحق إذا كانت غير محصنة ...... 114

حكم ما لو تكررت المساحقة ........... 117

حكم ما لو تابت المساحقة ....... 118

لو جامع رجل زوجته فقامت الزوجة ووقعت على جارية بكر ........ 118

السابع: القيادة .......... 118

ما تثبت به القيادة ..... 119

حد القواد إذا كان رجلاً أو امرأة ........ 120

الثامن: القذف ومعناه ........ 122

عدم قيام الحد فيه إلا بمطالبة المقذوف ..... 123

ما يعتبر في القاذف ........... 123

ما يعتبر في المقذوفة ........ 126

حكم ما لو قذف رجل جماعة بلفظ واحد .......... 128

لو عفى المقذوفعن القاذف .......... 129

لو مات المقذوف قبل أن يطالب بحقه أو يعفو .......... 130

لو قذف أحد ابن شخص أو ابنته ....... 131

حكم تكرر الحد بتكرر القذف .......... 132

لو تكرر القذف من شخص واحد لآخر قبل أن يقام عليه الحد 132

عدم سقوط الحد عن القاذف ........... 133

ص: 271

لو شهد أربعة بالزنا ثم رجع أحدهم .......... 133

حد القذف ...... 134

ما يثبت به القذف ..... 135

لو تقاذف شخصان ........... 136

التاسع: سب النبي (صلی الله علیه و آله) ........... 137

العاشر: دعوة النبوة ........... 139

الحادي عشر: السحر ......... 140

الثاني عشر: حد شرب المسكر أو الفقاع عالماً بالتحريم مع الاختيار والبلوغ......... 141

عدم الخصوصية لعنوان الشرب في ثبوت الحد ......... 144

هل يلحق العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه بالمسكر في ايجاب الحد......... 145

ما يثبت به شرب المسكر .......... 147

حد المسكر وكيفيته......... 148

حد الرجل والمرأة الشاربين للمسكر .......... 150

لو شرب الخمر مرتين وحد كل منهما ........ 150

لو شهد رجل واحد على شرب الخمر وشهد آخر بقيئها ....... 152

لو شرب الخمر مستحلاً لها ....... 154

هل يسقط الحد إذا تاب شارب الخمر قبل قيام البينة .......... 158

الإمام مخير بين العفو وإقامة الحد بعد إن أقر شارب الخمر ......... 159

ص: 272

الثالث عشر: السرقة .......... 160

ما يعتبر في السارق الأول: البلوغ ....... 160

الثاني: العقل ........... 163

الثالث: في ارتفاع الشبهة .......... 164

الرابع: أن لايكون المال مشتركاً بينه وبين غيره ......... 164

الخامس: أن يكون المال في مكان محرز ..... 166

لو سرق طعاماً في عام المجاعة ......... 168

لا يعتبر في المحرز أن يكون ملكاً لصاحبه ......... 169

لو سرق باب الحرز أو شيئاً من ابنيته المثبتة فيه ......... 170

لو سرق الأجير من مال المستأجر ....... 170

لو كان المال محرز فهتكه أحد الشخصين وأخذ ثانيهما المال المحرز......... 172

هل يثبت الحد على السارق إن لم يكن مباشراً للإخراج ....... 173

السادس: لو كان السارق والداً لصاحب المتاع ........... 173

السابع: أن يأخذ المال سراً ........ 174

الثامن: أن يكون المال ملكاً لغيره ....... 175

التاسع: عدم كون السارق عبداً للإنسان ....... 175

عدم القطع في سرقة الطير وحجارة الرخام واشباه ذلك ....... 176

ص: 273

مقدار المسروق ..... 177

ما يعتبر في القطع ..... 177

لو نبش قبراً وسرق الكفن ......... 180

ما يثبت به حد السرقة ........... 184

لا يثبت حد السرقة إلا بشهادة رجلين عادلين ........... 184

لو أخرج المال من حرز شخص وأدّعى أن صاحبه اعطاه إياه ....... 187

ما يعتبر في المقرّ بالسرقة ......... 188

حد القطع ........... 189

تقطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى وتترك له الراحة والإبهام ....... 189

لو تكررت السرقة ........... 192

هل تقطع اليد اليمنى إن كانت اليسرى شلاء ....... 193

هل تقطع اليد اليمنى إن لم تكن له يسرى ......... 194

لو كانت للسارق يمين حين السرقة فذهبت قبل اجراء الحد ......... 195

حكم السارق إن لم تكن له يمين ...... 195

سقوط الحد بالتوبة ........... 197

لو قطع الحداد يد السارق مع علمه بأنّها يساره .......... 199

معالجة يد السارق المقطوعة والقيام بشؤونه حتى تبرأ ......... 199

ص: 274

لو مات السارق بقطع يده ......... 200

يجب على السارق ردّ العين المسروقة إلى مالكها ...... 201

لو سرق اثنان مالاً لم يبلغ كل منهما نصاباً .......... 202

لو عفا المسروق منه عن السارق قبل وبعد رفع أمره إلى الإمام ...... 203

هل للإمام أن يقيم الحد على السارق إذا ثبتت السرقة بإقرار أو بينة ..... 204

لو ملك السارق العين المسروقة ........ 205

لو أخرج المال من حرز شخص ثم ردّه إلى حرزه ...... 206

لو هتك الحرز جماعة وأخرج المال منه واحد منهم ..... 206

اعتبار كون المسروق بقدر النصاب في سرقة واحدة ........... 208

إذا نقب فأخذ من المال بقدر النصاب ........ 209

لو ابتلع السارق داخل الحرز ما هو بقدر النصاب ......... 210

الرابع عشر: بيع الحر ......... 212

الخامس عشر: حد المحارب وأحكامه ........ 213

حكم أخذ المحارب للمال في بلوغه حد النصاب أو لا ....... 215

لو قتل المحارب أحداً طلباً للمال ...... 216

يجوز للولي أخذ الدية بدلاً عن القصاص .......... 216

لو جرح المحارب أحداً ........... 217

لو تاب المحارب قبل أن يقدر عليه .......... 217

ص: 275

لا يترك المصلوب على خشبة .......... 218

ينفى المحارب من مصر إلى مصر ..... 219

السادس عشر: الارتداد ومعناه .......... 220

المرتد الفطري واحكامه ........... 220

المرتد الملي واحكامه ....... 221

ما يشترط في تحقق الارتداد ........... 222

لو قتل المرتد الملي أو مات ..... 223

ولد المرتد محكوم بالإسلام ..... 225

لو اردت المرأة وإن عن فطرة .......... 225

حكم إذا تكرر الارتداد في الملي رجلاً كان أو امرأة .......... 227

هل يحكم بإسلام الكتابي وغيره بإظهار الإسلام ......... 228

هل إذا صلى المرتد أو الكافر في دار الحرب أو دار الإسلام يحكم 230

لو جن المرتد الملي بعد ردته وقبل توبته .......... 231

هل يجوز تزويج المرتدة .......... 231

انقطاع ولاية الأب أو الجد المرتد عن أبنته المسلمة ........... 232

هل يتحقق رجوع المرتد عن ارتداه باعترافه بالشهادتين ....... 232

حكم ما لو قتل المرتد عن فطرة أو ملة مسلماً عمداً ........... 233

حكم من قتل المرتد عن ملة بعد توبته ....... 233

حكم التائب المرتد عن فطرة ........... 234

ص: 276

كتاب التعزيرات

كتاب التعزيرات ........... 239

للحاكم أن يعزر من فعل حراماً أو ترك واجباً ..... 239

ما يثبت به موجب التعزير ......... 241

حكم ما لو أقرّ بالزنا أو اللواط دون الأربع ........ 242

حكم ما لو اقتض بكراً غير الزوجة والمملوكة بإصبع .......... 242

عدم البأس في ضرب الصبي للتأديب ........ 244

عدم البأس في ضرب المملوك للتأديب ..... 245

تعزير بائع الخمر العالم بحرمته غير مستحل له ........... 246

تعزير من نبش قبراً ولم يسرق الكفن .......... 246

لو سرق ولا يمين له أو سرق ثانياً وليس له رجل يسرى ....... 247

تعزير المستلب والمغتلس والمحتال .......... 247

حكم من وطئ بهيمة مأكولة اللحم أو غيرها ....... 248

حكم المحدث في الكعبة المشرفة أو المسجد الحرام متعمداً ........ 251

حكم من استمنى بيده أو بغيرها ......... 253

حكم شهادة الزور ........... 254

لو دخل رجل تحت فراش امرأة اجنبية ....... 255

يجوز للمرأة قتل من أراد الزنا بها دفاعاً ودمه هدرا ..... 256

ص: 277

جواز محاربة اللص إذا دخل الدار قهراً وغلبة ........... 257

لو ضرب اللص فعطل ...... 259

من اعتدى على زوجة رجل أو مملوكته أو غلامه ........ 259

لو اطلع على قوم في دارهم لينظر عوراتهم ......... 260

لو قتل رجلاً في منزله وأدّعى أنه دخل بقصد التعدي .......... 262

جواز دفع الدابة الصائلة عن نفسه وما يتعلق به .......... 263

لو عض يد إنسان ظلماً فانتزع يده فسقطت اسنان العاض .......... 264

لو تعدى كل من رجلين على الآخر .......... 265

لو تجارح اثنان وأدّعى كل منهما أنه قصد الدفع عن نفسه .......... 265

أجرة من يقيم الحدود ....... 266

المحتويات........... 267

ص: 278

المجلد 3 - القصاص

هویة الکتاب

تَحریرُ مَبَاني الأَحکام

تقریر لابحاث آیه الله العظمی المرجع الدینی الشیخ شمس الدین الواعظی (دام ظله)

القصاص

مؤلف: السید عبدالستار کامل موسوي

المجلدات: 4

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتاب القصاص

اشارة

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

كتاب القصاص

وفيه فصول:

الفصل الأول في قصاص النفس(1).

_______________________________________________________________

(1) قالوا في القصاص: قصّ يقصّ الشعر، ونحوه أي قطعه، وقص يقص قصصاً عليه الخبر حدّثه به، وقصّ يقصّ قصاً وقصصاً أثره تتبعه وقاصّه قصصاً ومقاصة بما كان قبله، أو وقع به القصاص وجازاه وفعل به فعله، وفي المجمع: القصاص بالكسر اسم للاستيفاء والمجازاة قبل الجناية مَنْ قتل، أو قطع، أو ضرب، أو جرح، وأصله اقتفاء الأثر، فكأنّ المقتصّ يتبع أثر الجاني، فيفعل مثل ما فعله، فيجرح مثل جرحه، ويقتل مثل قتله ونحو ذلك(1).

وكيفما كان فقد وقع البحث في الفقه عنه بالمعنى المعروف في اللغة والعرف، لكونه موضوعاً للأحكام الشرعية والتكليفية والوضعية، فعلى هذاعقدت له أبحاثاً لبيان الأسباب الموجبة له، وكذا شروطه وما يثبت به وكيفية استيفائه النفس، وأخرى في ما دون النفس من الطرف .

ص: 5


1- مجمع البحرين / مادة قصص .

المسألة 1: يثبت القصاص بقتل النفس المحترمة المكافئة عمداً و عدواناً، ويتحقق العمد بقصد البالغ العاقل القتل، ولو بما لا يكون قاتلاً غالباً، فيما إذا ترتب القتل عليه، بل الأظهر تحقق العمد بقصد ما يكون قاتلاً عادة، وإن لم يكن قاصداً القتل ابتداءً(1).

_______________________________________________________________

وأمّا القصاص للنفس فقد ذكرت له أسبابه الموجبة إزهاق النفس المحترمة عمداً وبشرائطه المقررة التي سوف نأتي على بيانها مفصلاً .

(1) القصاص تارة يكون في النفس، وأخرى ما دون ذلك، والمراد من القصاص هو الانتقام من الجاني مثل ما جنى، فيفعل مثل فعله .

وموجب القصاص هو إزهاق النفس المكافئة على نحو العمد، ويتحقق العمد بأن يكون قاصداً للقتل بما يقتل ولو نادراً، ويدل عليه الكتاب كقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ»(1).

ويؤيد ذلك الإجماع والسنة ووردت فيها روايات كثيرة بحيث وصلت حدّ الاستفاضة، وقد ادعي التواتر.

منها: صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنه «قال: إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد، قال: سألته عن الخطاء الذي فيه الدية والكفارة أهو أن يعتمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله ؟ فقال: نعم، قلت:رمى شاة فأصاب إنساناً، قال: ذاك الخطأ الذي لا شك فيه، عليه الدية والكفارة»(2)، هذا كما ذكره السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)كما في السند المذكور لأنّ هذا العمل عادة يترتب عليه القتل _ أي الضرب بالحديدة _ فيعد من القتل العمدي ولو لم يقصد القتل، أمّا إذا قصد

ص: 6


1- سورة البقرة الآية / 179 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح9.

وأمّا إذا لم يكن قاصداً القتل ولم يكن الفعل قاتلاً عادة، كما إذا ضربه بعود خفيف أو رماه بحصاة فاتفق موته، لم يتحقق به موجب القصاص(1).

_______________________________________________________________

ذلك فبأي شيء ضربه فيصدق عليه القتل العمدي، ولا خصوصية للحديث .

ومنها: صحيحة أبي العباس وزرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن العمد أن يتعمد فيقتله بما يقتل مثله، و الخطاء أن يتعمده ولا يريد قتله بقتله بما لا يقتل مثله، والخطاء الذي لاشك فيه أن يتعمد شيئاً آخر فيصيبه»(1) ويظهر من الرواية حيث قيده «بما لا يقتله» يصدق عليه العمد وإن لم يكن قصده القتل بعد إن كانت الآلة قتالة .

(1) بما أنّه لا يتحقق العمد منه في القتل فلا يصدق عليه قاتلاً، كما مرّت الرواية، وتدل عليه أيضاً صحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت له أرمي الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله، قال: هذا خطاء ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشاة فأصيب رجلاً، قال: هذاالخطاء الذي لاشك فيه، والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله»(2).

خلاصة الكلام أن العمد هو أن يرمى الشخص متعمداً بشيء يقتل غالباً ولو لم يقصد القتل، وكذا يصدق القتل بشيء يقتل به نادراً إذا كان من قصده القتل وقتل، أمّا إذا رمى بشيء لا يقتل مثله إلا نادراً ولم يكن من قصده القتل أو رمى أشياء آخر فأصاب الإنسان فمات فهو يعد خطاء .

ص: 7


1- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح11 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح7.

المسألة 2: كما يتحقق القتل العمدي فيما إذا كان فعل المكلف علة تامة للقتل أو جزءً أخيراً للعلة بحيث لا ينفك الموت عن فعل الفاعل زماناً، كذلك يتحقق فيما إذا ترتب القتل عليه من دون أن يتوسطه فعل اختياري من شخص آخر، كما إذا رمى سهماً نحو من أراد قتله فأصابه، فمات بذلك بعد مدة من الزمن، ومن هذا القبيل ما إذا خنقه بحبل ولم يرخه عنه حتى مات، أو حبسه في مكان ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات، أو نحو ذلك، فهذه الموارد وأشباهها داخلة في القتل العمدي(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه يصدق عليه عرفاً قتل العمد، لإنّ الملاك في القتل العمدي هو أن يصدر منه العمل بقصد الموت ولو لم يقصد ذلك، ولكن بما أنّه يترتب عليه الموت غالباً فيصدق عليه العمد أيضاً .

وبعبارة أخرى فالقتل العمدي هو أن يتحقق بما يقصد به البالغ العاقلبفعله للقتل وإن كان فعله بما لا يكون قاتلاً غالباً إذا ترتب القتل عليه، كما إذا قصد قتل إنسان بشيء يكون صالحاً للقتل نادراً كما في الجواهر: بل لم أجد فيه خلافاً وإن أرسل، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الأكثر(1)، لإنّ موضوع القصاص هو قتل العمد، وهو يتحقق بما ذكرنا .

وبعبارة أدق قد يكون حصول القتل المباشرة، وقد يكون بالتسبيب لحصول تحقق القتل العمدي في كليهما، لإن ملاك العمد هو ايجاد عمل يكون نتيجته الموت غالباً وهو متحقق في كلا الموردين، وفي المورد نوع من التسبيب، فهو من مصاديق القتل العمدي لأنّه قصد إلى الفعل الذي يترتب عليه الموت غالباً .

ص: 8


1- الجواهر/42/13.

المسألة 3: لو القى شخصاً في النار أو البحر متعمداً فمات، فإن كان متمكناً من الخروج ولم يخرج باختياره فلا قود ولادية(1)، وإن لم يكن متمكناً من الخروج وإنجاء نفسه من الهلاك فعلى الملقي القصاص(2).

المسألة 4: لو أحرقه بالنار قاصداً به قتله أو جرحه كذلك فمات فعليه القصاص، وإن كان متمكناً من إنجاء نفسه بالمداواة وتركها باختياره(3).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الموت عرفاً مستند إلى نفسه لا إلى الملقى، فلا يتحقق حينئذٍ موجب القصاص، وهل يجب على الملقي الدية، هناك قولان في المسألة .الأول: يجب لأنّه هو الجاني بألقائه في النار، وعدم الخروج عمداً لا يسقط الضمان .

الثاني: أنّه لا يجب أيضاً ولا دية على الملقي، لأنّه بتمكنه من الخروج وبقائه في النار هو الذي أهلك نفسه وأتلفها، وهذا هو الأقوى، نعم الدية على ما أحرقته النار منه إلى أول أزمنة إمكان خروجه على الملقي، وبعبارة أخرى الموت مستند إلى نفسه لا إلى الملقي، فلا يتحقق موجب القصاص .

(2) وذلك لتحقق موضوع القصاص وهو القتل العمدي .

(3) قد يقال إن المقتضي لإحراقه وازهاق روحه هو النار وفعل القاتل هو من قبيل إيجاد ما هو الشرط، فكما في صورة عدم الخروج إبقاء للشرط كذلك المقام، ولذا عبر الشهيد الثاني في مسالكه: هناك مسائل متشابهة الأطراف أحدها إذا طرحه في النار، فإنّ لم يمكنه الخروج منها بأن كان في حفيرة لا يقدر على الخروج منها على ذلك الوجه، أو ضعيف الحركة فقهرته النار، أو مكتوفاً ونحو ذلك، فلا إشكال في القود، لأنّ النار على هذا الوجه مما يقتل، وإن أمكنه الخروج، وذلك قد يعلم من قبله بأن يقول، إنّي قادر على الخروج ولست بخارج، أو بالقرائن المفيدة للعلم، بأن كان وقوعه نفسه فلا قود، لأنّه أعان على نفسه، وهل تثبت الدية؟ فيه قولان:

ص: 9

................................

أحدهما: الثبوت لأنّه هو الجاني بألقائه في النار وترك التخلص مع القدرة لا يسقط الضمان عن الجاني، كما لو جرحه فترك المجروح مداواة نفسه حتى مات، فإنّه ضامن .

والثاني: أنّه لا دية عليه أيضاً، وهو الذي اختاره المصنف وقبله الشيخفي المبسوط، لأنّه لما قدر على الخلاص فلم يفعل كان هو الذي أهلك نفسه وأتلفها، فهو كما لو خرج منها ثم عاد إليها، ويفارق المجروح إذا لم يداوِ نفسه بأنّ السراية عنه حصلت ولم يزد ذلك بترك التداوي، السراية، وليس كذلك للملقى في النار عنه بإحتراق متجدد، لأنّ المداواة هو إيجاد للمانع ولا فرق في استناد الموت إلى شخص بين كونه موجوداً أو مبقياً للشرط وكونه غير موجود للمانع و غير رافع له .

وبعبارة أخرى في استناد القتل إلى الشخص يكفي كونه الجزء الأخير للعلة التامة مستنداً إليه، ولا يعتبر كونه أزيد، فاستناد القتل في الصورتين يكون إلى نفس المقتول لتركه للخروج وعدم المداواة لنفسه .

والحق هو الأول فما ذكره صاحب المسالك من قوله: لأنّها استأنفت أطرافاً غير الأول فمحل تأمل، بل هو دخيل في تحقق الموت، ولكن الموت لم يستند إلى ترك المداواة، فإن الموت من آثار المقتضي، والمداواة دخيلة في المانع فإذا لم يوجد الأول باختياره، فلا أثر مستند إلى المقتضي، يقول الاستاذ الأعظم (قدس سرُّه): فإنّ الموجود إنما ينشأ من الموجود ويترتب عليه ولا يستند إلى أمر عدمي فالقتل عند عدم المداواة يستند إلى المحرق أو الجارح دون المقتول، وذلك نظير من قتل شخصاً وكان المقتول متمكناً من الدفاع عن نفسه ولم يدفع حتى قتل فإنّه لا يُشكّ في استناد القتل إلى القاتل دون المقتول، نعم لا شك في أن المقتول في كلتا الصورتين قد أرتكب محرماً، لأنّه لم يحفظ نفسه مع تمكنه وهذا لا ينافي استناد القتل إلى غيره(1)،

ص: 10


1- المباني / 2 / 6.

المسألة 5: إذا جنى عمداً ولم تكن الجناية ممّا تقتل غالباً ولم يكن الجاني قد قصد بها القتل، ولكن اتفق موت المجني عليهبالسراية فالمشهور بين الأصحاب ثبوت القود، ولكنه لا يخلو من إشكال(1)، بل لا يبعد عدمه فيجري عليه حكم القتل الشبيه بالعمد .

المسألة 6: لو ألقى نفسه من شاهق على إنسان عمداً قاصداً به قتله أو كان مما يترتب عليه القتل عادة فقتله، فعليه القود(2).

_______________________________________________________________

والمسألة اتفاقية بأنّ على القاتل القصاص .

(1) لأنّ المشهور ذهب إلى أن السراية في الجناية العمدية مضمونة وإن لم تكن مقصودة فيثبت القصاص إذا سرت، ولكن عدم القصاص لأنّه لم يكن من قصده القتل ولا كون الفعل مما يترتب عليه القتل، إذاً لا يصدق عليه قتل العمد فلا قصاص، لأنّه بحكم شبه العمد(1)، كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)لأنّه لا يكون قاصداً للقتل ولم يكن الفعل قاتلاً، عادة كما إذا ضربه بعود خفيف أو رماه بحصاة صغيرة فاتفق موته، وسيأتي شرح شبيه العمد .

(2) قد عرفت ذلك لأنّ قصده القتل وفعل عامداً فعليه القود، وحينئذٍ إذا لم يكن من قصده القتل ولم يكن مما يقتل، فلا يصدق عليه القتل العمد فلا قود، وفي المسالك: هذا جارٍ على قاعدة العمد السابقة، فإنّ الوقوع من فعله، فإن كان مما يقتل غالباً فهو متعمد للقتل، وإن لم يقتل غالباً فهو قتل مقصود له، فكان شبيه عمد، وهذا إذا لم يقصد به لقتله وإلا كان عمداً(2) وقال في التحرير: لو ألقى نفسه من شاهق على إنسانٍ وكان الوقوع مما يقتل غالباً أو نادراً مع تصدر الملقي نفسه إلى إتلاف الأسفل فهلك الأسفل وجب على الملقي نفسه، وإن لم يقتل غالباً

ص: 11


1- المباني / 2 / 7.
2- المسالك / 15 / 75 .

وأمّا إذا لم يقصد به القتل ولم يكن مما يقتل عادة، فلا قود عليه وأمّا إذا مات الملقي فدمه هدر(1) على كلا التقديرين .

المسألة 7: ليس للسحر حقيقة موضوعية(2)، بل هو إراءة غير الواقع بصورة الواقع، ولكنه مع ذلك لو سحر شخصاً بما يترتب عليه الموت غالباً أو كان بقصد القتل، كما لو سحره فتراءى له أن الأسد يحمل عليه فمات خوفاً، كان على الساحر القصاص .

_______________________________________________________________

أو لم يقصد الإتلاف فهو شبيه عمد ودم الملقي نفسه هدر(1).

(1) لأنّه هو الذي أصبح سبباً في قتل نفسه، وفعل محرماً فدمه يكون هدراً.

(2) الكلام يقع في معنى السحر، قيل هو كلام أو رقية يؤثر في بدن الإنسان أو قلبه أو عقله، وهل له حقيقة أو لا ؟ قيل إنّه ليس للسحر واقع بل مجرد تخييل، ورد في الحديث: حل ولا تربط، فهذا دليل على واقعيته .

والحق أن السحر على أقسام، قسم منه لا واقع له كما في قوله تعالى: «أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ»(2) باحتيالهم في تحريك الحبال جعلوا فيها من الزئبق الذي يتمدد بحرارة الشمس فيحركها، وهذا صار سبباً لإرهاب الناس حينما اروهم أشياء عجيبة، ومنه ما له حقيقة كقوله تعالى: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ»(3)، قال الشهيد في الدروس: تحرمالكهانة والسحر بالكلام، والكتابة، والرقية، والدخنة بعقاقير الكواكب، وتصفية النفس والتصوير، والعقد والنفث، وبالأقسام، والعزائم بما لا يفهم معناه ويضر بالغير فعله، ومن

ص: 12


1- التحرير / 5 / 434 .
2- سورة الاعراف الآية 116.
3- سورة البقرة الآية 102.

................................

السحر الاستخدام للملائكة والجن واستنزال الشياطين في كشف الغائب، وعلاج المصاب، ومنه الاستحضار بتلبس الروح ببدن ممن فعل كالصبي والمرأة، وكشف الغائب عن لسانه، ومنه النيرنجيات وهي اظهار غرائب خواص الامتزاجات واسرار النيرين، ويلحق به الطلسمات وهي امتزاج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب، فعمل هذا كله والتكسب به حرام(1)،

وقال الشهيد الثاني: يحرم السحر من كلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله، ومنه عقد الرجل عن حليلته والقاء البغضاء بينهما، ومنه استخدام الملائكة والجن واستنزال الشياطين في كشف المغيابات وعلاج المصاب وتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة في كشف أمر على لسانه(2)، فقسم من السحر لا واقع له وقسم آخر له واقع، خلافاً لما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): بأنّه ليس للسحر حقيقة موضوعية، بل هو إرادة غير الواقع بصورة الواقع(3)، لاواقع له، ويؤيد ذلك أيضاً ما ذكره في الجواهر لشرحه قول المحقق، بقوله: بما دل من الأخبار على أن له حقيقة وأن منه ما هو من المطبب تأثيراً وعلاجاً(4).فعلى أيّ حال لو قلنا له واقعية أو لا ؟ فلو سحر شخصاً بالتصرف في عالم الخيال أو سحره بحيث يتراءى أن أسداً يحمل عليه فمات، كان على الساحر القود، لأنّه تعمد إلى فعل يكون قاتلاً غالباً، وهذا الفعل العمدي يكون مستنداً إليه، ولو فرض أنّه ليس للسحر واقع، لأنّ واقعية السحر وعدمه اجنبية عن التأثير، وعلى فرض أنّه لا واقعية للسحر إنما يكون بالنسبة إلى نفسه وما في الخارج، وأما

ص: 13


1- الدروس /3 /192.
2- اللمعة الدمشقية /3 /215.
3- المباني / 2 / 8 .
4- الجواهر / 42 / 32 .

المسألة 8: لو أطعمه عمداً طعاماً مسموماً يقتل عادة، فإن علم الآكل بالحال وكان مميزاً، ومع ذلك أقدم على أكله فمات، فهو المعين على نفسه، فلا قود ولا دية على المطعم(1)، وإن لم يعلم الإكل به(2)، أو كان غير مميز فأكل فمات فعلى المطعم القصاص، بلا فرق بين قصده القتل به وعدمه، بل الأظهر أن الأمر كذلك فيما لو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل وكان السمّ مما يقتل عادة، فأكل صاحب المنزل جاهلاً بالحال فمات(3).

_______________________________________________________________

بحسب آثاره فيمكن التأثير في القتل كما يمكن التأثير في التفرقة بين المرء وزوجه، خلافاً لما ذكره في التحرير بقوله: فعلى ما ورد في الأخبار لو سحره فمات بسحره ففي القود إشكال والأقرب الدية لعدم اليقين بذلك، ولو أقرّ أنّه قتله بسحره عملاً بإقراره وقال الشيخ في الخلاف: يحمل ذلك على قتله حداً(1).(1) وذلك لأنّه لم يستند القتل إلى المطعم، بل استند إلى نفس الآكل

فلا قود ولا دية هنا .

(2) في صورة عدم علمه أو لم يكن مميزاً، فأكل ومات عليه القود لاستناد القتل إلى المطعم، وهكذا لو قال كذباً إن فيه سماً غير قاتل، بل يفيد العلاج فأكله فمات فعليه القود، وأمّا إذا قال بأن فيه سمّاً وأطلق فلا قود ولا دية إذا أكله، لأنّه لم يكن استناد القتل إليه محرزاً مع أنّه أعلمه بأن فيه السم.

(3) لأنّه صدق عليه العمد وأمّا لو جعله بقصد قتل الكلب فأكله صاحب المنزل فلا قود لأنّه لا يصدق عليه العمد كما في صحيحة الحلبي، قال «قال أبو عبد الله: العمد كل ما أعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة، فهذا

ص: 14


1- التحرير / 5 / 425 .

المسألة 9: لو حفر بئراً عميقة في معرض مرور الناس متعمداً وكان الموت يترتب على السقوط فيها غالباً، فسقط فيها المار ومات فعلى الحافر القود، بلا فرق بين قصده القتل وعدمه، نعم لو لم يترتب الموت على السقوط فيها عادة وسقط فيها أحد المارة فمات اتفاقاً فعندئذٍ إن كان الحافر قاصد القتل فعليه القود وإلا فلا، وكذلك يثبت القصاص لو حفرها في طريق ليس في معرض المرور، ولكنه دعا غيره الجاهل بالحال لسلوكه قاصداً به القتل، أو كان السقوط فيها مما يقتل عادة، فسلكه المدعو وسقط فيها فمات(1).

_______________________________________________________________

كله عمد، والخطأ من أعتمد شيئاً فأصاب غيره»(1) هذا في صورة عدم علمه بأن صاحب المنزل يأكل منه، أمّا لو علم بذلك فالظاهر عليه القود، لأنّه مع علمه بذلك يصدق عليه التعمد، كما ورد في صحيحة ابن أبي العباس «إن العمد أن يتعمده فيقتله بما قتل مثله، والخطأ أن يتعمده ولا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله، والخطأ الذي لا شك فيه أن يتعمد شيئاً آخر فيصيبه»(2) كما أنّه لو كان في بيته طعام مسموم، فدخل عليه شخص فأكله بلا إذنه ومات فلا قود ولا دية، حتى لو دعاه إلى داره لا للإطعام ولكن دخل بيته وأكل بلا إذنه فمات ففي كلتا الحالتين لم يكن القتل مستنداً إلى صاحب الدار فلا قود ولا دية .

(1) لأنّه يستند إليه القتل عرفاً وهو في عمله هذا يُعدّ قاتلاً عمداً .

وكذلك لو حفرها في غير طريق المرور، قال في المسالك: ولو كان الوقوع لا يقتل غالباً وقصد القتل فكذلك، وإلا فهو شبيه عمد(3)، وتفهم المسألة من المسائل المتقدمة.

ص: 15


1- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح3.
2- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح13.
3- المسالك / 15 / 78 .

المسألة 10: إذا جرح شخصاً قاصداً به قتله فداوى المجروح(1) نفسه بدواء مسموم أو أقدم على عملية ولم تنجح فمات، فإن كان الموت مستنداً إلى فعل نفسه فلا قود ولا دية على الجارح، نعم لولي الميت القصاص من الجاني بنسبة الجرح أو أخذ الدية منه كذلك، وإنكان مستنداً إلى الجرح فعليه القود، وإن كان مستنداً إليهما معاً كان لولي المقتول القود بعد ردّ نصف الدية إليه، وله العفو وأخذ نصف الدية منه.

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى تارة يستند القتل إلى فعل المقتول لأنّه بواسطة تسممه مات، فهنا لا قود ولا دية على الجارح، ولكن للولي القصاص في الجرح وتارة يكون القتل مستنداً إليهما ولكن بما أن الاقتصاص لم يكن تاماً فلولي المقتول الأخذ بالدية كما في الآية الشريفة: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»(1)، وله القصاص ولكن بعد إعطاء نصف الدية لأنّ القتل منسوب إليهما، كما إذا قتل شخصان واحداً واراد ولي المقتول الاقتصاص منهما فلابد أن يدفع لأولياء كل واحد منهما نصف الدية ثم يقتلهما، كما لو قتل الرجل امرأة فلابد من إعطاء نصف الدية ثم يقتل الرجل القاتل .

ص: 16


1- سورة الأسراء الآية 33 .

المسألة 11: لو ألقاه من شاهق قاصداً به القتل أو كان مما يترتب عليه القتل عادة، فمات الملقى في الطريق خوفاً قبل سقوطه إلى الأرض كان عليه القود، ومثله ما لو ألقاه في بحر قاصداً به قتله أو كان مما يترتب عليه الموت غالباً فالتقمه الحوت قبل وصوله إلى البحر(1).

المسألة 12: لو أغرى به كلباً عقوراً قاصداً به قتله أو كان مما يترتب عليه القتل غالباً فقتله فعليه القود(2).

وكذا الحال لو ألقاه إلى أسد كذلك، وكان مما لا يمكنه الاعتصام منه بفرار أو نحوه، وإلا فهو المعين على نفسه فلا قود عليه ولا دية ومثله ما لو أنهش حية قاتلة أو ألقاها عليه فنهشته فعليه القود، بلا فرق بين قصده القتل به وعدمه(3).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ في كلتا الصورتين يتحقق ملاك العمد، فيجب القود ونسب إلى الشيخ والفاضلين: إنّ نفس الألقاء في البحر عادة يكون سبباً للإتلاف وإن لم يبتلعه الحوت، وهكذا الألقاء من شاهق ولو لم يمت خوفاً، وإنما يقتل به عادة، فمع التوجه إلى ذلك يُعد قاصداً للقتل عادة، فلابد من القود في الصورتين .

(2) لأنّ القتل مستندٌ إليه وهو الأصح، ولأنّ المباشر هنا كالآلة، فلا ينسب إليه القتل، وقيل أن الفعل منسوبٌ إلى الكلب ولم يكن المغري قاتلاً وإن كان سبباً فيضمن الدية حينئذٍ، هذا إذا لم يمكنه الفرار، وإلا فهو المعينعلى نفسه فلا قود ولا دية .

(3) لأنّ عمله هذا مما يصدق عليه العمد وينتسب إليه القتل لا إلى المقتول.

ص: 17

المسألة 13: لو جرحه بقصد القتل ثم عضّه الأسد مثلاً وسرتا فمات بالسراية، كان لولي المقتول قتل الجارح(1) بعد ردّ نصف الدية إليه كما أن له العفو عن القصاص ومطالبته بنصف الدية .

المسألة 14: لو كتّفه ثم ألقاه في أرض مسبعة مظنّة للافتراس عادة(2)، أو كان قاصداً به قتله فافترسه السباع، فعليه القود(3)، أو كان قاصداً به قتله فافترسه السباع، فعليه القود(4)، نعم لو ألقاه في أرض لم تكن مظنة للافتراس عادة ولم يقصد به قتله، فافترسه السباع اتفاقاً فالظاهر أنّه لا قود، وعليه الدية فقط .

_______________________________________________________________

(1) فهو أي الولي بالاختيار بين القصاص والدية، لأنّ القتل العمدي إمّا أنّ يأخذ نصف الدية لكون قتله منسوباً إلى القاتل والأسد، أو يقتله ويدفع نصف الدية حينئذٍ، وحال هذا حال ما إذا قتل رجلان رجلاً واحداً فإذا أراد ولي المقتول قتلهما فلابد من أن يرد إلى ولي كل منهما نصف الدية لأنّ القتل منسوب للشخصين، والمسألة واضحة لا تحتاج إلى مؤنة زائدة للبيان .

(2) بل ولو كان مع احتماله بتردد السباع لصدق العمد عادة، لأنّه حصل منه فعل يوجب قتله فيصح استناد القتل العمدي إليه .

(3) وقصد القتل يكون مصداقاً آخر من القتل الموجب للاقتصاص .

(4) أي كان عالماً أو مطمئناً بأنّه لا يتردد السباع عادة مع أنّه غير قاصد لقتله أيضاً فأفترسه السباع اتفاقاً، فالظاهر أنّه لا قود عليه، وتجب عليه الدية لأنّه كشبه العمد، لأن القتل لا يكون مستنداً إليه .

ص: 18

المسألة 15: لو حفر بئراً فسقط فيها أخر بدفع ثالث، فالقاتل هو الدافع دون الحافر(1).

المسألة 16: لو امسكه وقتله آخر، قتل القاتل، وحبس الممسك مؤبداً حتى يموت بعد ضرب جنبيه، ويجلد كل سنة خمسين جلدة(2)ولو اجتمعت جماعة على قتل شخص فامسكه أحدهم وقتله آخر ونظر إليه ثالث، فعلى القاتل القود، وعلى الممسك الحبس مؤبداً حتى الموت وعلى الناظر أن تفقأ عيناه .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الدافع هو المباشر للقتل دون الحافر، فاستناد القتل يكون إليه عرفاً، وهكذا لو ألقاه من شاهق وقبل وصوله إلى الأرض ضربه الآخر وقدّه نصفين، فالقتل منسوب إلى الضارب وغيرها من الأمثلة، فمن استند القتل إليه يقتص منه.

قال في المسالك ونعم ما قال: إذا اجتمع السبب والمباشر فقد تغلب المباشرة عن السبب وهو الأكثر، وقد ينعكس، وقد يستويان وما ذكره هنا حكم الأول، فإذا حفر واحد بئراً فدفع آخر فيه ثالثاً فالقاتل هو الدافع، لأنّه المباشر للقتل بما يقتل هو لالقاءه لأنّه السبب البعيد(1).

(2) القاتل في الحقيقة هو الذي يستحق القتل دون الماسك، والماسكيحبس حتى يموت في الحبس، وإذا كان هناك ناظر تفقأ عيناه، وذلك للروايات الواردة .

منها: معتبرة عمرو بن أبي المقدام «إن رجلاً قال لأبي جعفر المنصور _ وهو يطوف _: يا أمير المؤمنين إن هذين الرجلين طرقا أخي ليلاً، فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليّ ووالله ما أدري ما صنعا به ؟ فقال لهما: ما صنعتما به ؟ فقالا: يا أمير المؤمنين

ص: 19


1- المسالك / 15 / 83 .

................................

كلمناه ثم رجع إلى منزله إلى أن قال، فقال: لأبي عبد الله جعفر بن محمد (علیهما السلام) اقض بينهم إلى أن قال، فقال: يا غلام أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم): كل من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن إلا أن يقيم عليه البينة أنّه قد ردّه إلى منزله، يا غلام نح هذا فاضرب عنقه، فقال: يابن رسول الله، والله ما أنا قتلته ولكني امسكته، ثم جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) يا غلام نح هذا فاضرب عنقه للآخر، فقال: يابن رسول الله، ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة، فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه بحبس عمره، ويضرب كل سنة خمسين جلدة»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «قضى علي (علیه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر، قال: يقتل القاتلويحبس الآخر حتى يموت غمّاً كماً حبسه حتى مات غمّاً»(2).

ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) واحد منهم أمسك رجلاً، وأقبل الآخر فقتله، والآخر يراهم، فقضى في صاحب الرؤية أن تسمل عيناه، وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، وقضى في الذي قتل أن يقتل»(3).

ص: 20


1- الوسائل باب 18 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- الوسائل باب 17 من أبواب القصاص في النفس ح1.
3- الوسائل باب 17 من أبواب القصاص في النفس ح3.

المسألة 17: لو أمر غيره بقتل أحد، فقتله، فعلى القاتل القود وعلى الآمر الحبس مؤبداً إلى أن يموت ولو أكره على القتل(1).

فإن كان ما توعد به دون القتل فلا ريب في عدم جواز القتل، ولو قتله، والحال هذه كان عليه القود وعلى المكره الحبس المؤبد، وإن كان ما توعد به هو القتل، فالمشهور أنّ حكمه حكم الصورة الأولى، ولكنه مشكل، ولا يبعد جواز القتل عندئذٍ، وعلى ذلك فلا قود، ولكن عليه الدية وحكم المكرِه _ بالكسر _ في هذه الصورة حكمه في الصورة الأولى، هذا إذا كان المكرَه _ بالفتح _ بالغاً عاقلاً، وأمّا إذا كان مجنوناً أو صبياً غير مميز، فلا قود لا على المكرهِ، ولاعلى الصبي، نعم على عاقلة الصبي الدية وعلى المكره الحبس مؤبداً(2).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّه تارة يكون مجرد أمر ولا إكراه هنا، والإكراه تارة يكون ما دون القتل من الجرح وغيره، وأخرى يكون هو القتل والمكره تارة يكون بالغاً عاقلاً وأخرى صبياً أو مجنوناً، أمّا في الصورة الأولى ما إذا أمر غيره بقتل أحد فقتله فيقتص من القاتل ويحبس الآمر مؤبداً، وتدل على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل أمر رجلاً بقتل رجل، فقال: يقتل به الذي قتله، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت»(1).

(2) وذلك لإطلاق صحيحة زرارة المتقدمة، أمّا إذا كان ما توعد به هو القتل، فالمشهور هو صدور القتل من المباشر، وذلك لعدم الإكراه على القتل، لأن حديث الإكراه وارد مورد الامتنان، ولا امتنان على الأمة في جواز قتلهم، وقال في

ص: 21


1- الوسائل باب 13 من أبواب القصاص في النفس ح1.

................................

الجواهر: فالحكم عندنا نصاً وفتوى، بل الإجماع بقسميه عليه أن القصاص على المباشر دون الآمر المكره، بل ولا دية ولا كفارة، بل ولا يمنع من الميراث، وإن استشكل عليه فيه القواعد لأن الإكراه وإن ولد في المكره داعية القتل التي سببها من المكره، والأصل في القصاص كونه على المباشر الذي هو المكره، لأنه هو القاتل لغة وعرفاً، بل لا يتحقق الإكراه شرعاً عندنا في القتل، ولكنيتحقق فيما عداه من قطع اليد والجرح ونحوها فإنه يتحقق إذا جاز دفع الخوف بفعل المكره عليه، ثم يقول في الجواهر لا يجوز هنا دفع الخوف على النفس بذلك، بل في الصحيح وإنما جعلت التقية ليحقن بها الدماء فإذا بلغ الدماء فلا تقية(1)، وموثق أبي حمزة قال أبو عبد الله (علیه السلام) «لم تبق الأرض إلا وفيها منا عالم، يعرف الحق من الباطل، قال: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي، ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وامهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حدّ الله»(2)، إذاً المباشر هو القاتل لأنّه قتل شخصاً آخر ظلماً لحفظ نفسه، ويمكن أن يقال حكمه حكم من قتل شخصاً آخر في المخمصة ليأكله ليحفظ نفسه، يقول استاذنا (قدس سرُّه): وفيه إنما ذكره وإن كان صحيحاً حيث أن حديث الإكراه الوارد مورد الامتنان لا يشمل المقام وأمثاله، إلا أنّه مع ذلك لا يكون القتل محرماً، فإنّ ذلك داخل في باب التزاحم إذ الأمر يدور بين ارتكاب محرم وهو قتل النفس المحترمة، وبين واجب وهو حفظ النفس وعدم تعريضها للهلاك، وحيث لا ترجيح في البين فلا مناص من الالتزام بالتخيير،

ص: 22


1- الجواهر /42 / 47 _ 48.
2- الوسائل باب 31 من أبواب الامر والنهي ح2.

المسألة 18: المشهور جريان الحكم المذكور فيما لو أمر السيد عبده بقتل شخص فقتله، ولكنه مشكل، بل لا يبعد أن يقتل السيد الآمر ويحبس العبد(1).

_______________________________________________________________

وعليه فالقتل يكون سائغاً وغير صادر عن ظلم وعدوان، فلا يترتب عليه القصاص، ولكن تثبت الدية، لأن دم المرء المسلم لا يذهب هدراً(1)، وما ذكره الاستاد الاعظم (قدس سرُّه) يأتي في المخمصة مع أنّه لم يقل به أحد، مضافاً إلى ما ورد في الصحيحة والموثقة على الخلاف الذي مرّ .

وأمّا إذا كان مجنوناً أو صبياً غير مميز، فالقتل يكون على المكره لأنّهما بمنزلة آلة، وأمّا إذا كان مميزاً فلا قود على المكره، لأنّه لم يكن هو المباشر ولا على الصبي لأنّه لا قود على الطفل، بل يكون على البالغ العاقل .

وأمّا حبس المكره مؤبداً فتدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة ولو ورد فيها لفظ رجل لكن لا خصوصية لهذا اللفظ، بل المراد البالغ العاقل رجلاً كان أو امرأة .

(1) الأقوال في المسألة مختلفة، قال البعض إنّه يقتل العبد، وقال المحقق ويستوي في ذلك الحر والعبد(2)، وعن الخلاف اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر غلامه بقتل غيره فقتله على من يجب القود ؟ فروي في بعضها أنّ على السيد القود وروي في بعضها أن على العبد القود، ولم يفصلوا إلى أن قال: والوجه في ذلك أنّه إن كان العبد مميزاً عاقلاً يعلم أن ما أمره بهم معصية، فإن القود على العبد، وإن كان صغيراً أو كبيراً لا يميز ويعتقد أن جميع ما أمره سيده به واجب عليه فعله، كان القود على السيد والأقوى في نفسي أن نقول إن كان العبد عالماً بأنّه

ص: 23


1- المباني /2 / 14.
2- الشرائع /4 /199.

................................

لا يستحق القتل أو يتمكن من العلم به فعليه القود، وإن كان صغيراً أو كبيراً لا يميز واعتقد أن جميع ما أمر سيده به واجب عليه فعله كان القود على السيد(1)، وقال في الجواهر: وجعلهما في التهذيب أنّه مخالفين للقرآن حيث نطق: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(2)، ثم أولهما بمن كانت عادته أن يأمر عبد بقتل الناس ويغريهم بذلك ويلجئهم، فإنّه يجوز للإمام أن يقتل من هذا حاله، لأنّه مفسد في الأرض(3).

والحق لو قلنا بأنّ العبد لابد أن يقتل، فقتل المولى بإفساده لا ينافي قتل العبد بعد مباشرته بذلك، ففي معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً فقتله قال، فقال: يقتل السيد به»(4) ومعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أمر عبده أن يقتل رجلاً فقتله، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) وهل عبد الرجل إلا كسوطه أو كسيفه، يقتل السيد ويستودع العبد السجن»(5) فترى أنّهما تامتان سنداً ودلالة، وفي الحديثين لا يمكن أن يكافئه ما دل على قتل العبد كما ورد في الآية أيضاً: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ولذا جعل الشيخ الروايتين مخالفتين للكتاب والسنة، وقال: ينبغي أن يلغى أمرهما ويكون العمل بما سواهما .وفيه أنك قد عرفت أنّه لا مخالفة بين المطلق والمقيد كما اشار إليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: وليت شعري كيف تكون الروايتان مخالفتين للكتاب مع أن

ص: 24


1- الخلاف /5/ 168 _ 169.
2- سورة المائدة الآية / 45 .
3- الجواهر /42 / 48 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب القصاص في النفس ح1.
5- الوسائل باب 14 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 19: لو قال أقتلني فقتله، فلا ريب في أنّه قد ارتكب محرماً وهل يثبت القصاص عندئذٍ أم لا ؟ وجهان، الأظهر ثبوته، هذا إذا كان القاتل مختاراً أو متوعداً بما دون القتل، وأمّا إذا كان متوعداً بالقتل فالحكم فيه كما تقدم(1).

_______________________________________________________________

تقييد إطلاقات الكتاب والسنة بالروايات المعتبرة غير عزيز، أضف إلى ذلك أن معتبرة السكوني تدل على أن القاتل في مفروض الكلام هو السيد، فإن العبد بمنزلة سوطه وسيفه، وعليه فلا تقييد لإطلاقات الكتاب حيث أن الإمام (علیه السلام) في مقام بيان أن القاتل هو السيد فالقود عليه وحينئذٍ كيف يمكن أن يقال أن الروايتين مخالفتان للقرآن والأخبار .

وقد نوقش بهاتين الروايتين كما في الرياض من أن ما دل على قتل السيد قاصر سنداً، واجاب عنه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله إن الروايتين موثقتان مع أن الثانية على طريق الصدوق صحيحة فكيف يصح دعوى القصور في السند(1).

(1) لا يخفى أنّه قد يكون قوله اقتلني مع التوعد، وأخرى بدون التوعد ففي الأولى قد يكون بالقتل، وقد يكون ما دون القتل، أمّا أصل الحرمة فمما لاإشكال فيه، قال المحقق: لو قال اقتلني أو لأقتلنك لم يسغ القتل، لأن الإذن لا يرفع الحرمة ولو باشر لم يجب القصاص، لأنّه كان مميزاً سقط حقه بالإذن فلا يتسلط الوارث(2)، يقول في الجواهر: عند الشيخ في محكي المبسوط والفاضل في التلخيص والإرشاد في المسالك أنّه الأشهر(3)ويقول المحقق: لأنّه اسقط حقه بالإذن فلا

ص: 25


1- المباني /2 / 16.
2- الشرائع / 4 / 200 .
3- الجواهر / 42 / 53 .

المسألة 20: لو أمر شخص غيره بأنّ يقتل نفسه، فقتل نفسه(1) فإن كان المأمور صبياً غير مميز فعلى الآمر القود، وإن كان مميزاً أو كبيراً بالغاً، فقد أثم فلا قود على الآمر، هذا إذا كان القاتل مختاراً أو مكرهاً متوعداً بما دون القتل أو بالقتل، وأمّا إذا كان متوعداً بما يزيد على القتل من خصوصياته كما إذا قال اقتل نفسك وإلا لقطعتك إرباً إرباً فالظاهر جواز قتل نفسه عندئذٍ، وهل يثبت القود على المكره وجهان الأقرب عدمه.

_______________________________________________________________

يتسلط الوارث(1)، الذي هو فرع على المقتول وبعد ما ذكرنا بأن الإنسان غير مسلط على اتلاف نفسه ويكون إذنه كلا إذن، فلا يكون هذا الإذن مسقطاً للضمان، وهكذا لو كان متوعداً بما دون القتل فيجب القصاص للعمومات، نعم لو كان متوعداً بالقتل فهل يجوز أو لا ؟ فقد مر فيه الكلام بأنّه هل يجوز قتل الغير دفاعاً عن نفسه أو لا ؟ فراجع .(1) هنا المأمور تارة يكون صبياً غير مميز وأخرى مميزاً، ففي الصورة الثانية تارة يكون مختاراً، وأخرى يكون مكرهاً، وإكراهه تارة يكون بما دون القتل، وأخرى يكون بالقتل، وإكراهه بالقتل، تارة يكون فيه زيادة على القتل بأن يكون متوعداً بالخصوصيات وأخرى لا .

وأمّا في الصورة الأولى فلا إشكال من الاقتصاص من الآمر، لأن القاتل كالآلة فالآمر هو القاتل في الحقيقة عرفاً، وفي صورة ما إذا كان مميزاً فلا يقاد من الآمر بعد إن فرض عدم استناد القتل إلى الآمر، وكذلك لو أكرهه على ما دون القتل فإنّه لو قتل نفسه فعل محرماً ولا قصاص على الآمر حتى لو أكرهه على القتل أيضاً لا يجوز قتل نفسه ولو فعل يكون دمه هدراً.

ص: 26


1- الشرائع / 4 / 200 .

المسألة 21: لو أكره شخصاً على قطع يد ثالث معيناً كان أو غير معين وهدده بالقتل إن لم يفعل، جاز له قطع يده، وهل يثبت القصاص على المكره، أو أن القصاص يسقط وتثبت الدية على المباشر ؟ وجهان الظاهر هو الثاني(1).

_______________________________________________________________

وأمّا إذا كان في الإكراه زيادة على القتل كالتمثيل فيجوز حينئذٍ قتل نفسه لشمول أدلة الاكراه لمثل ذلك فلا يكون قتله هذا لنفسه محرماً ولا تشمله أدلة حرمة قتل النفس المحترمة، وأما القود من الآمر فلا، لعدم استناده القتل إليه، إن قلت بأنّه يقتل لأن السبب أقوى من المباشر، اجاب عن هذا الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بأنّه لا دليل على ذلك، فإن العبرة في القصاص إنما هي باستناد القتل عرفاً، وقد عرفت أنّه غير مستند إلى المكرهِ بالكسر، ومن هنا لم يلتزم الأصحاب بذلك فيما لو اكره على قتل غيره حيث إنّهم هناك التزموا بأنالقاتل هو المكره بالفتح دون المكره بالكسر(1) وبعبارة أخرى قلنا القود مختص بمن نسب القتل إليه .

(1) أمّا أصل قطع يد الغير فهو محرم، ولكن بما أنّه هنا تأتي مسألة الأهم والمهم فيجوز له قطع يد غيره، وهل القود يكون عليه أو على الآمر ؟ الحق أنّه لا قود عليهما، أمّا بالنسبة للآمر فلأنه غير مباشر، وأمّا بالنسبة إلى الفاعل فلأنه لم يقطع يد غيره ظلماً وعدواناً وكان عمله على نحو الإكراه وأمّا ثبوت الدية فلكي لا تذهب يد مسلم هدراً، وبما أنّه هو المباشر فالدية عليه أي المكرهَ بالفتح .

ص: 27


1- المباني /2 / 20.

المسألة 22: لو أكرهه على صعود جبل أو شجرة أو نزول بئر فزلّت قدمه وسقط فمات، فإن لم يكن الغالب في ذلك السقوط المهلك ولا هو قصد به القتل فلا قود عليه ولا دية، وإلا ففيه الوجهان والأقرب أنّه لا شيء عليه، وكذلك الحال فيما إذا أكره على شرب سم فشرب فمات(1).

المسألة 23: إذا شهدت بينة بما يوجب القتل كما إذا شهدت بارتداد شخص أو بأنّه قاتل لنفس محترمة أو نحو ذلك أو شهد أربعة بما يوجب الرجم كالزنا(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ القتل غير مستند إلى الآمر بعدما لم يكن هذا الصعود مما تزل القدم به غالباً ولا كان من قصد الآمر القتل ولا السقوط غالباً كان مما يقتل به، إذاً لا قود عليه ولا دية، وأمّا إذا أمره بالصعود وصعد مكرهاً فإنّه لو علم بأنّه يقع فحكمه حكم من قتل نفسه بلا فرق بين من توعد بما دون القتل أو القتل على المشهور، وأمّا إذا كان جاهلاً بإنّه سوف يقع فحكمه حكم من قدم إليه الطعام المسموم وهو جاهل به فيقتص من الآمر وأمّا إذا كان عالماً، فلا قود على الآمر ولو أكره وكان متوعداً، لأنّه هو الذي قتل نفسه، ففي هذه الحالة أيضاً استناد القتل إلى الآمر مشكل .

(2) لا يخفى أنّ الشهود تارة يدعون بأنّه شبه عليهم، وأخرى يدعون بأنّهم شهدوا زوراً، ففي الصورة الأولى عليهم الدية، وفي الصورة الثانية عليهم القود، والمسألة غير خلافية وعليه عدة روايات .

منها: معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «فيرجلين شهدا على رجل أنّه سرق فقطعت يده، ثم رجع أحدهما، فقال: شبه علينا غرما دية اليد من أموالهما خاصة، وقال: في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم، ثم رجع واحد منهم، قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبه عليّ، وإذا

ص: 28

ثم بعد إجراء الحد ثبت أنّهم شهدوا زوراً، كان القود على الشهود ولا ضمان على الحاكم الآمر، ولا حدّ على المباشر للقتل أو الرجم(1)، نعم لو علم مباشر القتل بأنّ الشهادة شهادة زور كان عليه القود دون الشهود.

_______________________________________________________________

رجع اثنان وقالا: شبه علينا غرما نصف الدية، وإن رجعوا كلهم وقالوا: شبّه علينا غرموا الدية، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جميعاً»(1).

ومنها: معتبرة مسمع بن كردين عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم، ثم رجع أحدهم، فقال: شككت في شهادتي قال: عليه الدية، قال قلت: فإنّه قال: شهدت عليه متعمداً، قال: يقتل»(2).

ومنها: صحيحة إبراهيم بن نعيم الأزدي قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن أربعة شهود على رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته قال: فقال يقتل الرابع ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية»(3)، وهذهالرواية مطلقة تقيد بتلك وتحمل على صورة العمد .

(1) قد يقال بأنّ القتل يستند إلى الآمر والمباشر والشهود لأنّهم شركاء في القتل، أمّا على الآمر فلأنه هو السبب بحكمه في وقوع القتل عدواناً كما أنّه لو كان هو المباشر في القصاص، لا ينبغي الإشكال في ثبوت القصاص عليه، وقد يقال على المباشر لمقتضى القاعدة، بل الحق على الشهود حسب الدليل، وما ذكروه اجتهاد مقابل النص، نعم في صورة أن المباشر يعلم بأن الشهادة تكون زوراً، فهنا يقتص من المباشر .

ص: 29


1- الوسائل باب 14 من أبواب الشهادات ح2.
2- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح3.
3- الوسائل باب 12 من أبواب الشهادات ح2.

المسألة 24: لو جنى على شخص فجعله في حكم المذبوح ولم تبق له حياة مستقرة بمعنى أنّه لم يبق له إدراك ولا شعور ولا نطق ولا حركة اختيارية ثم ذبحه آخر، كان القود على الأول وعليه دية ذبح الميت(1).

وأمّا لو كانت حياته مستقرة، كان القاتل هو الثاني وعليه القود والأول جارح سواء أكانت جنايته مما يفضي إلى الموت كشق البطن أو نحوه أم لا، كقطع أنملة أو ما شاكلها(2).

المسألة 25: إذا قطع يد شخص وقطع آخر رجله قاصداً كل منهما قتله فاندملت أحدهما دون الأخرى ثم مات بالسراية، فمن لم يندمل جرحه هو القاتل وعليه القود(3)، ومن أندمل جرحه فعليه القصاص في الطرف أو الدية مع التراضي(4).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية لأنّه حينئذٍ في هذه الحالة يكون بحكم الميتفالقاتل هو الأول لا الثاني، نعم على الثاني دفع الدية أي دية قطع رأس الميت بعدما فرضنا أنّه بمنزلة الميت فتأمل .

(2) لأنّه هو القاتل فعليه القود، نعم يصدق على الأول الجارح بلا فرق بين أن يكون الجرح يقتل مثله أو لا يقتل مثله، بعد إن نسب القتل إلى الثاني، واختلاف أثر الجرح لا يصدق بأن الأول هو القاتل، ولو فرض أن الجرح مما يقتل غالباً، لأنّه مادام لم يؤثر الجرح أثره يصدق عليه الحي، فهو قتل بسبب ثانٍ فيكون القود على الثاني .

(3) ذكرنا بأن القتل مستند إليه عرفاً فيكون عليه القود .

(4) أي له القصاص أو الدية إذا رضى به الولي، وعن المحقق في الشرائع: فمن اندمل جرحه فهو جارح والآخر قاتل يقتل بعد ردّه دية الجرح المندمل(1).

ص: 30


1- الشرائع /4 /201.

وقيل يرد الدية المأخوذة إلى اولياء القاتل، ولكنه لا يخلو من اشكال بل لا يبعد عدمه(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الفرض نقص المقتول الذي أُخذ واستحق عوض العضو البائن الذي لم يبرء جرحه قصاصاً أو دية فيرد عليه حينئذ نصف الدية، و الحق هو عدم الرد لأولياء القاتل لعدم الدليل، نعم هناك وردت رواية استدلوا بها وهي عن سورة بن كليب عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول اقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن ارادأولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يده وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيء، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة»(1) .

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكنها ضعيفة بسورة بن كليب، فإنه لم يثبت توثيقه ولا مدحه، فلا يمكن الاعتماد عليها(2)، ولكن ذكر صاحب التنقيح أنّه حسن، وقيل بأن سورة امامي حسن ولكن هذا مجرد احتمال وهو لا يكفي في الوثاقة(3).

ص: 31


1- الوسائل باب 50 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- المباني /2 / 23 .
3- تنقيح المقال .

المسألة 26: لو جرح اثنان شخصاً جرحين بقصد القتل فمات المجروح بالسراية، فادعى أحدهما اندمال جرحه وصدّقه الولي(1) نفذ إقراره على نفسه ولم ينفذ على الآخر وعليه فيكون الولي مدعياً استناد القتل إلى جرحه، وهو منكر له، فعلى الولي الإثبات .

المسألة

27: إذا قطع اثنان يد شخص، ولكن أحدهما قطع من

الكوع والآخر من الذراع فمات بالسراية، فإن استند الموت إلى كلتا الجنايتين معاً كان كلاهما قاتلاً، وإن استند إلى قاطع الذراع، فالقاتل هو الثاني، والأول جارح نظير ما إذا قطع أحد يد شخص وقتله الآخر فالأول جارح والثاني قاتل(2).

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: لو جرحه اثنان كل واحد جرحاً فمات فادعى أحدهما اندمال جرحه وصدقه الولي لم ينفذ تصديقه على الآخر، لأنّه قد يحاول أخذ دية الجرح من الجارح والدية من الآخر، فهو متهم في تصديقه ولأنّ المنكر مدعي للأصل فيكون القول قوله مع يمينه(1)، بل ينفذ على نفسه لأن إقرار العقلاء حجة على أنفسهم، فليس للولي الاقتصاص منه، وأمّا بالنسبة إلى الآخر فلا يثبت لأنّ إثبات القتل بالنسبة إلى الآخر يحتاج إلى دليل، فإن أمكن من إثبات القتل مستنداً إلى الجرح الثاني فله القود ولا يرجع له نصف الدية لأنّ القتل مستند إليه بتمامه، وإذا لم يتمكن وأنكر الآخر فعليه الحلف، وإن أدّعى عدم علمه بذلك، والولي ادعى علمه بالاندمال فعليه اليمين على عدم علمه بالاندمال، فلا يمكن الاقتصاص منه،بل يأخذ منه نصف الدية كما يأخذ من الأول أرش الجناية .

(2) لا يخفى بأن القود يكون على من انتسب إليه القتل، ففي صورة استناد القتل إلى كليهما يكونان قاتلين فيقتص منهما بعد ردّ نصف الدية إلى كل واحد،

ص: 32


1- الشرائع /4 /201 .

المسألة 28: لو كان الجارح والقاتل واحداً فهل تدخل دية الطرف في دية النفس أم لا ؟ وجهان، والصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان القتل والجرح بضربة واحدة، وأمّا إذا كان بضربتين فعلى الأول تدخل دية الطرف في دية النفس فيما تثبت فيه الدية أصالة، وعلى الثاني فالمشهور _ المدعى عليه الإجماع _ هو التداخل أيضاً والاكتفاء بدية واحدة وهي دية النفس، ولكنه لا يخلو من إشكال والأقرب عدم التداخل، وأمّا القصاص فإن كان الجرح أو القتل بجناية واحدة، كما إذا ضربه ضربة واحدة فقطعت يده فمات فلا ريب في دخول قصاص الطرف في قصاص النفس، ولا يقتص منه بغير القتل، كما أنّه لاريب في عدم التداخل إذا كان الجرح والقتل بضربتين متفرقتين زماناً، كما لو قطع يده ولم يمت به ثم قتله(1).

_______________________________________________________________

أمّا إذا استند إلى الثاني وهو القاطع إلى الذراع، فيكون الأول جارحاً فيؤخذ منه دية الجرح والثاني قاتلاً فيقتص منه، وتقدم حكم الموت بالسراية .

(1) وقد ادعوا عدم الخلاف والإجماع واستدلوا أيضاً بصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاًبعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له، فإنه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين السنة أُقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله أُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قلت: فما ترى عليه في الشجة شيئاً ؟ قال: لا لأنّه إنما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت

ص: 33

وأمّا إذا كانت الضربتان متواليتان زماناً، كما إذا ضربه ضربة فقطعت يده مثلاً وضربه ضربة ثانية، فقتلته، فهل يحكم بالتداخل ؟ فيه إشكال وخلاف، والأقرب عدم التداخل(1).

_______________________________________________________________

الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه، فأن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه، قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات»(1) .

ولا يخفى أن الرواية ولو وردت في دخول دية الطرف في دية النفس ولكن مقتضى عموم التعليل وهو قوله «ألزمته أغلظ الجنايتين دخول دية الطرف في دية النفس» أيضاً في مفروض الكلام .

(1) أمّا إذا كان بضربتين، خصوصاً مع الفصل الطويل بينهما، فإنالمشهور بل المجمع عليه كما عليه المحقق بقوله: ولو كان الجاني واحداً دخلت دية الطرف في دية النفس اجماعاً منا إلى أن قال، والأقرب ما تضمنته النهاية ثبوت القصاص بالجناية الأولى، ولا كذلك لو كانت الضربة واحدة(2) وصاحب الجواهر ادعي الإجماع بقسميه إلى أن يقول وبالأصل وهو عدم التداخل إذا كان بضربتين، ولكن ثبوت الإجماع أول الكلام، مضافاً إلى ذلك فإن التداخل خلاف الأصل، وأن الإجماع منقول وهو ليس بحجة والمسألة غير خلافية، وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أحدهما (علیهما السلام) «في رجل فقأ عيني رجل وقطع أذنيه ثم قتله،

ص: 34


1- الوسائل باب 7 من أبواب ديات المنافع ح1 .
2- الشرائع /4 201 .

................................

فقال: إن كان فرق ذلك اقتص منه ثم يقتل وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم يقتص منه»(1) وصحيحة حفص بن البختري، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات، فقال: إن كان ضربه ضربة بعد ضربه اقتص منه ثم قتل، وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه»(2) مضافاً إلى أن القتل لا ينفك عن الجرح فلو قلنا بعدم التداخل فلابد أن نقول به مطلقاً مع أنّه لم يقل به أحد .

فقد يفرق بين الضربتين المتواليتين أو متفرقتين، فيقال في الأول فيدخل قصاصها في قصاص النفس دون الثاني .وأمّا عدم التداخل فللأصل ولكن يظهر من صحيحة أبي عبيدة الحذاء التداخل بقوله (علیه السلام) «ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلا أن يكون فيهما الموت بواحدة، فتطرح الاخرى فيقاد به ضاربه» ولكن مقتضى صحيحتي محمد بن قيس عدم التداخل فيقع التعارض بينهما ويكون الأظهر عدم التداخل، وذلك لأنّ عدم التداخل موافق للكتاب، ويمكن أن يقال بأنّه لا تعارض بين صحيحتي محمد بن قيس وصحيحة الحذاء، لأن الاولتين تحملان على التفريق بين الضربتين والثانية تحمل على التوالي .

ص: 35


1- الوسائل باب 51 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 51 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 29: إذا قتل رجلان رجلاً _ مثلاً _ جاز لأولياء المقتول قتلهما، بعد إن يردوا إلى أولياء كل منهما نصف الدية(1)، كما أنّ لهم أن يقتلوا أحدهما، ولكن على الآخر أن يؤدي نصف الدية إلى أهل المقتص منه، وإن قتل ثلاثة واحداً كان كل واحد منهم شريكاً في قتله بمقدار الثلث، وعليه فإن قتل ولي المقتول واحداً من هؤلاء الثلاثة وجب على كل واحد من الآخرين أن يرد ثلث الدية إلى أولياء المقتص منه، وإن قتل اثنين منهم وجب على الثالث أن يرد ثلث الدية إلى أولياء المقتص منهما، ويجب على ولي المقتول المقتص أن يرد إليهم تمام الدية ليصل إلى أولياء كل واحد من المقتولين ثلثا الدية قبل الاقتصاص وإن أراد قتل جميعهم، فله ذلك بعد إن يردّ إلى أولياء كل أولياء واحد منهم ثلثي الدية .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه تارة يقتل رجلان رجلاً واحداً، وأخرى ثلاثة يقتلون رجلاً واحداً، فتارة يقتل ولي المقتول بعضهم وأخرى كليهما أو كل الثلاثة .

أمّا في الصورة الأولى وهو ما إذا قتل رجلان رجلاً واحداً، فتارة يقتل واحد منهما فيدفع الثاني نصف الدية إلى ولي المقتول، وأخرى يقتلهما ويرد إلى كل واحد منهما نصف ديته ويقتلهما، ويدل على ذلك روايات .

منها: صحيحة دواد بن سرحان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً، قال: إن شاء أولياء المقتول أن يؤدوا دية ويقتلوهما جميعاًقتلوهما»(1).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في عشرة اشتركوا في قتل رجل، قال: يخيّر أهل المقتول، فأيهم شاؤوا قتلوا ويرجع أولياؤه على الباقين بتسعة

ص: 36


1- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح1.

................................

اعشار الدية»(1)، وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً، قال: إن اراد أولياء المقتول قتلهما أدّوا دية كاملة وقتلوهما وتكون الدية بين أولياء المقتولين، وإن ارادوا قتل أحدهما قتلوه وأدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول، وإن لم يؤد دية أحدهما ولم يقتل أحدهما قَبلَ الدية صاحبه من كليهما وإن قبل أولياؤه الدية كانت عليهما»(2).

ومنها: معتبرة الفضيل بن يسار قال: «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) عشرة قتلوا رجلاً، قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعاً وغرموا تسع ديات وإن شاؤا تخيروا رجلاً، فقتلوه وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عشر الدية كل رجل منهم، قال: ثم الوالي بعد يلي ادبهم وحبسهم»(3).

وفي مقابل هذه الروايات رواية قاسم بن عروة عن أبي العباس وغيره عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد حكم الوالي إن يقتل أيّهم شاؤوا وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن الله عزوجل يقول: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً»(4)، وإذا قتل ثلاثة واحداً خيّر الولي أي الثلاثة شاء أن يقتل ويضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول»(5).

والرواية ضعيفة من جهة السند أولاً فإن قاسم بن عروة لم يوثق، ثم أنها

ص: 37


1- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح3.
2- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح4.
3- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح6.
4- سورة الاسراء آية 33.
5- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح7، 8 .

المسألة 30: تتحقق الشركة في القتل بفعل شخصين معاً وإن كانت جناية أحدهما أكثر من جناية الآخر، فلو ضرب أحدهما ضربة والآخر ضربتين أو أكثر فمات المضروب واستند موته إلى فعل كليهما كانا متساويين في القتل، وعليه فلولي المقتول أن يقتل أحدهما قصاصاً كما أن له أن يقتل كليهما معاً على التفصيل المتقدم(1).

_______________________________________________________________

موافقه للعامة كما ورد عن بعضهم ليس للولي أكثر من قتل واحد منهم ويأخذ ديته من الآخرين ولا يقتل الجميع، فتحمل على التقية أو تحمل على أنّه لا يجوز له قتل الجميع من دون ردّ الدية كما ورد عن البعض الآخر من العامة من استحقاق الولي دم كل واحد منهم مجاناً من غير ردّ، فلا تعارض لهذه مع تلك الصحاح .

(1) بأن يكون فعل كل واحد سبباً للقتل بانفراده كما إذا أخذاه جميعاً وألقوه في النار، أو في البحر، أو من شاهق، أو كل واحد جرحه بجراحةوتكون كل واحدة قاتله لو انفردت، وهكذا تصدق الشراكة بالسراية من عمل الجميع، فلو اجتمع عليه عدة فجرحه كل واحد ولو لم يكن فعل كل واحد على الانفراد سبباً للقتل وسرت الجراحات جميعاً فمات، فعليهم القود كما ذكرنا أي بعد ردّ الدية،

ولكن الحق لا يعتبر التساوي بل لو كان جناية أحدهما أكثر كما لو ضربه أحدهما ضربة والآخر ضربتين والثالث أكثر فمات بعد إن استند قتله إلى فعل كليهما فيكون القصاص على الجميع والدية عليهم بالسوية وذلك لإطلاق الروايات، مع أن فرض التساوي غالباً بين الجنايتين نادر فلا يمكن حمل الروايات عليهما حتى أنّه لا يجب في صدق الشركة التساوي في فعل الجناية وجنسها فلو جرحه أحدهما في الجائفة والآخر في الموضحة، أو جرحه أحدهما وضرب الآخر وكان الموت بسراية، فعلهما يقتص منهما والدية عليهما بعد إن أصبح الموت بسراية فعلهما .

ص: 38

المسألة 31: لو اشترك إنسان مع حيوان _ بلا إغراء _ في قتل مسلم فلولي المقتول أن يقتل القاتل بعد أن يرد إلى وليه نصف الدية وله أن يطالبه بنصف الدية(1).

المسألة 32: إذا اشترك الأب مع أجنبي في قتل ابنه جاز لولي المقتول أن يقتل الأجنبي(2)، وأمّا الأب فلا يقتل، بل عليه نصف الدية يعطيه لولي المقتص منه في فرض القصاص، ولولي المقتول مع عدم الاقتصاص، وكذلك إذا اشترك مسلم وذميّ في قتل ذميّ .

_______________________________________________________________

(1) تارة أنّ الحيوان يشترك في القتل بإغرائه، فيجب على المغري اعطاء تمام الدية، وتارة أخرى لم يكن بإغراء منه وكان له صاحب، والحيوان صائل وقصر في حفظه عمداً، فعليه نصف الدية وعلى صاحبه النصف الآخر، وأمّا إذا لم يكن شيء من ذلك فللولي قتل القاتل بعد أن يرد إلى وليه نصف الدية، أو له أخذ نصف الدية من القاتل وترك قتله، أمّا أنّه يجوز قتله لأنّه شريك في القتل، ولذلك يجب عليه ردّ نصف الدية إلى أولياء القاتل .

(2) أمّا جواز قتل الأجنبي فلأنّه هو القاتل، وبما أنّه لم يستقل بالقتل فيدفع لوليه نصف الدية، وأمّا بالنسبة إلى الأب فلا يقتل ولا يقتص منه لأجل ولده كما ورد في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وقضي أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع وغيره ويكون له الدية والإيقاد»(1) وكذا عن حماد بن عمرو عن الصادق (علیه السلام) «في وصية النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) لعلي (علیه السلام)

ص: 39


1- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح10 .

................................

قال: يا علي لا يقتل والد بولده»(1) وهي مؤيدة لما نحن فيه، ولكن بما أنّه اشترك في القتل فعليه نصف الدية وهذا يدفع لولي المقتص منه في فرض القصاص،ولولي المقتول في فرض عدم القصاص، ونصفه الآخر لابد أن يدفعه الأجنبي، هذا إذا اشترك الأب مع البالغ في قتل الابن، كما يدل على ذلك معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا بلغ الغلام خمسة اشبار اقتص عنه، وإذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضي بالدية»(2).

أمّا لو اشترك مع الصبي فلا قود على الأب لأنّه لا يقاد في قتله للأبن ولا الصبي، لأنّه مرفوع عنه القلم، بل يدفع نصف الدية الأب ونصف الآخر أولياء الصبي، وكذا لو اشترك المسلم والذمي في قتل الذمي فعلى المسلم نصف الدية لأنّ المسلم لا يقتص منه بقتله للكافر ولو كان ذمياً فيتعين عليه نصف الدية يعطيها لأولياء المقتول في فرض عدم الاقتصاص من المسلم .

ص: 40


1- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح11 .
2- الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 33: يقتص من الجماعة المشتركين في جناية الأطراف حسب ما عرفت في قصاص النفس(1)، وتتحقق الشركة في الجناية على الأطراف بفعل شخصين أو أشخاص معاً على نحو تستند الجناية إلى فعل الجميع، كما لو وضع جماعة سكّيناً على يد شخص وضغطوا عليها حتى قطعت يده(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية بل كما ذكره الاستاذ (قدس سرُّه) بقوله: وذلك للأولوية القطعية حيث إن القصاص من الجماعة المشتركين في جناية النفس ثابت بالنصوص المتقدمة، فإذا ثبت ذلك في النفس ثبت في الأطراف بطريق أولى(1)، كما ورد به النصوص، فإذا فرض ثبوته في النفس ثبت في الأطراف بطريق، ولصحيحة أبي مريم الانصاري عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل، قال: إن أحب أن يقطعهما أدى إليهما دية يد، قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت ربع الدية»(2).

(2) فإنّ القطع حينئذٍ مستند إلى الجميع بنحو الاشتراك، ولو فرض ضغط أحدهم أقلّ والأخر اكثر .

ص: 41


1- المباني /2/ 33.
2- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص الطرف ح1.

وأمّا إذا وضع أحد سكّينا فوق يده وآخر تحته وضغط كل واحد منهما على سكّينة حتى التقيا، فذهب جماعة إلى أنّه ليس من الاشتراك في الجناية، بل على كل منهما القصاص في جنايته، ولكنه مشكل جداً ولا يبعد تحقق الاشتراك بذلك، للصدق العرفي(1).

_______________________________________________________________

(1) وهكذا لو وضع أحد سكيناً فوق يده والآخر تحتها حتى قطعت اليد فيصدق عليه الاشتراك عرفاً، قال في الجواهر: وكذا تتحقق الشركة لو قطع أحدهم بعض اليد من غير ابانة والثاني في موضع آخر كذلك والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى سقطت اليد نحو تحققها في النفس إذا جرحوه جراحات فسرت الجميع كما صرح به الفاضل في القواعد(1)، حيث قال: أو وضع أحدهما آلته فوق يده والآخر تحتها واعتمدا حتى التقت الآلتان فلا قصاص على كل واحد منهم في اليد، بل في قدر جنايته، لأنّ كل واحد منهم قد انفرد بجناية عن صاحبه، أمّا لو أخذ الثلاثة آلة واحدة واعتمدوا عليها حتى قطعوا اليد تحققت الشركة، وكذا لو قطع أحدهم بعض اليد والثاني في موضع آخر والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى سقطت اليد(2).

فما ذكره بعض المحققين المعاصرين بقوله: كان من جهة عدم استبعاد الصدق العرفي في امثال هذه الموارد، وهذا ناشئ عن التسامح العرفي ومقتضى الدقة عدم الشركة وعدم استناد قطع اليد إلى المجموع في هذا الفرض، بل استناد كل جزء إلى واحد مستقلاً .وفيه: إنّ العرف هو المتبع ولو قلنا بالدقة في صورة ما إذا وضع جماعة سكيناً

ص: 42


1- الجواهر / 42 / 71 .
2- القواعد / 3 / 595 .

المسألة 34: لو اشتركت امرأتان في قتل رجل كان لولي المقتول قتلهما معاً بلا رد(1)، ولو كنّ أكثر كان له قتل جميعهن، فإن شاء قتلهن أدى فاضل ديتهن إليهن ثم قتلهن جميعاً، وأمّا إذا قتل بعضهن، كما إذا قتل اثنين منهن مثلاً وجب على الثالثة ردّ ثلث دية الرجل إلى أولياء المقتص منهما(2).

_______________________________________________________________

وضغطوا وقطعت اليد فلابد أن نقول بأنّه حسب الدقة كل شخص قطع جزءً مع أنّه يصدق عليهم جميعاً قطع اليد لاشتراكهم في ذلك .

(1) وذلك لأنّ دية امرأتين تعادل دية رجل واحد، والمسألة غير خلافية وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن امرأتين قتلتا رجلاً عمداً، قال: تقتلان به ما يختلف في هذا أحد»(1) وفي سند الرواية محمد بن عبد الله الظاهر هو ابن هلال بقرينتين الأولى روايته عن العلاء، والثانية رواية محمد بن الحسين عنه .

(2) وذلك لما ورد في صحيحة داود بن سرحان المتقدمة إن شاء أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كاملة أو يقتلوهما، وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً قال: أن اراد أولياء المقتولقتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما»(2)، ولو أن المورد الرجل في هذه الروايات وغيرها ولكن نحن نعلم أنّه لا خصوصية للرجل عرفاً، فالرواية تعم المرأة والرجل، نعم ذكرنا أنّه لا يجوز قتل الجميع إلا بعد ردّ الدية إذا كن أكثر من امرأة، وقتل بعضهن كاثنين مثلاً ردّ ثلث دية الرجل كما في المتن .

ص: 43


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح15.
2- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح4.

المسألة 35: إذا اشترك رجل وامرأة في قتل رجل جاز لولي المقتول قتلهما معاً، بعد أن يرد نصف الدية إلى أولياء الرجل دون أولياء المرأة كما أن له قتل المرأة ومطالبة الرجل بنصف الدية، وأمّا إذا قتل الرجل وجب على المرأة ردّ نصف الدية إلى أولياء المقتص(1).

_______________________________________________________________

(1) حال الجميع معلوم هنا والمسألة متفق عليها، بعد إن كانت دية المرأة نصف الدية للرجل وقتلهما أولياء المقتول، لابد أن يرد على أولياء الرجل نصف الدية، ولا ردّ على أولياء المرأة بعد إن كانت ديتها نصف دية الرجل، فالرد مختص بالرجل .

وما نسب إلى المفيد في المقنعة إذا اجتمع رجل وامرأة على قتل رجل حر عمداً كان لأولياء الحر قتلهما جميعاً ويؤدون إلى ورثتهما خمسة آلاف درهماً يقتسمونها على ثلاثة أسهم لورثة الرجل الثلثان ولورثة المرأة الثلث وهذا ليس بتام.

وقال في الرياض: وفاقاً للنهاية والقاضي والحلي وعامة المتأخرينوعزاه شيخنا في المسالك إلى الأكثر وفي الروضة إلى المشهور استناداً إلى أنّهما نفسان جنتا على نفس واحدة فكان على كل واحد نصف الدية، ومع قتلهما فالفاضل للرجل خاصة لأنّ القدر المستوفى منه أكثر قيمة من جنايته بقدر ضعفه والمستوفى من المرأة بقدر جنايتها فلا شيء عليها(1).

وأما وجه عدم تمامية قول المفيد، كما في الرياض ووجهه غير واضح عدى ما يتخيل له من أن جناية الرجل ضعف جناية المرأة لأنّ الجاني نفس ونصف نفس جنت على نفس فتكون الجناية بينهما أثلاثاً بحسب ذلك(2).

ص: 44


1- الرياض /16/ 201.
2- نفس المصدر .

المسألة 36: كل موضع وجب فيه الرد على الولي عند إرادته القصاص _ على اختلاف موارده _ لزم فيه تقديم الرد على استيفاء الحق كالقتل ونحوه، فإذا كان القاتل اثنين واراد ولي المقتول قتلهما معاً وجب عليه أولاً ردّ نصف الدية إلى كل منهما، ثم استيفاء الحق منهما(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّ ظاهر الروايات هو وجوب التقديم كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله قال (علیه السلام) «في الرجل يقتل المرأة متعمداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك لهم إذا ادوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، وإن قتلت المرأة الرجل، قتلت به ليس لهم إلا نفسها»(1) .وظاهر التقديم أنّه قيد وعلق جواز القتل على أداء نصف الدية أولاً خارجاً وإذا لم يؤدوا فليس لهم الحق في قتله .وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجلين قتلا رجلاً، قال: إن أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما»(2) .

إذاً علق في الرواية جواز القتل على أداء الدية أولاً خارجاً، فبناءً على هذا يمكن لأولياء القاتل المنع من القصاص إلا بعد أخذ الدية، ثم إنّه قال (قدس سرُّه) في كل موضع وجب فيه الرد على الولي عند إرادته القصاص على اختلاف الموارد، لأنّه ورد في النصوص لفظ الرجل، ولكن لا خصوصية فيه ولذا لا فرق بين أن يكون القاتل رجلاً أو امرأة .

ص: 45


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح3.
2- الوسائل باب 12 من أبواب القصاص في النفس ح4.

المسألة 37: لو قتل رجلان رجلاً وكان القتل من أحدهما خطأ ومن الآخر عمداً، جاز لأولياء المقتول قتل القاتل عمداً بعد ردهم نصف ديته إلى وليه ومطالبة عاقلة القاتل خطأ نصف الدية، كما لهم العفو عن قصاص القاتل وأخذ الدية منه بقدر نصيبه، وكذا الحال فيما إذا اشترك صبي مع رجل في قتل رجل عمداً(1).

المسألة 38: لو اشترك حر وعبد في قتل حر عمداً كان لولي المقتول قتلهما معاً بعد ردّ نصف الدية إلى أولياء الحر، وأمّا العبد فيقوّم فإن كانت قيمته تساوي نصف دية الحر أو كانت أقلّ منه فلاشيء على الولي، وإن كانت أكثر منه فعليه أن يرد الزائد إلى مولاه، ولا فرق في ذلك بين كون الزائد بمقدار نصف دية الحر أو أقلّ، نعم إذا كان أكثر منه، كما لو كانت قيمة العبد أكثر من تمام الدية لم يجب عليه ردّ الزائد على النصف، بل يقتصر على ردّ النصف(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا جواز قتل العامد لفرض اشتراكه في القتل فيجوز قتله، ولكن بعد ردّ نصف الدية، وله أخذ نصف الدية من الآخر لأنّ قتله كان خطأ وتستوفى الدية من العاقلة، وهكذا بالنسبة إلى اشتراك رجل مع الصبي فهنا لا يقتل الصبي لرفع القلم عنه وعلى العاقلة نصف الدية .

(2) إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمداً فعلى كل واحد منهما نصف دية الحر، فإن أراد المدعي قتلهما فلابد إن يدفع إلى أولياء الحر نصف الدية، وأمّا العبد فتقدير جنايته معتبرة بقيمته ما لم يزد على دية الحر، فإن

كانت قيمته بقدر نصف دية الحر وقتله الولي، فليس عليه شيء، وإن نقصه قيمته عن نصف الدية فلا شيء على المولى، لأنّه ليس هو القاتل ولا معنى أن يترتب على القاتل أكثر من

ص: 46

المسألة 39: إذا اشترك عبد وامرأة في قتل حر، كان لولي المقتول قتلهما معاً بدون أن يجب عليه ردّ شيء بالنسبة إلى المرأة، وأمّا بالنسبة إلى العبد فقد مرّ التفصيل فيه(1).

_______________________________________________________________

نفسه، وإن زادت قيمته على نصف الدية ردّ المقتول عن مولى العبد الزائد لماورد في صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية العبد قيمته، فإن كان نفيساً فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم ولا يجاوز به دية الحر»(1).

(1) وذلك لأنّ دية المرأة هي نصف دية الرجل، ولم يكن هناك فاضل حتى يرد على أوليائها، أمّا بالنسبة إلى العبد فقد مرّ تفصيله بعد إن كان له الخيار بذلك، وأمّا استرقاقه فتارة يكون قيمته مساوٍ لنصف دية المقتول، أو الأقل فلا ردّ على ولي العبد، أمّا لو كان أكثر ردّ الزائد لمولاه مالم يتجاوز دية الحر فيرد إليها، لصحيحة ضريس الكناسي قال «سألت: أبا عبد الله (علیه السلام) عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ، فقال: إن خطاء المرأة والعبد مثل العمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما، فإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم، فليردوا على سيد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم، وإن احبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا إلا أن تكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده، وإن كانت قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد»(2).

ص: 47


1- الوسائل باب 6 من أبواب دية النفس ح2.
2- الوسائل باب 34 من أبواب القصاص في النفس ح2 .

وإذا لم يقتل العبد كان له استرقاقه، فعندئذٍ إن كانت قيمته أكثر من نصف دية المقتول ردّ الزائد على مولاه وإلا فلا(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّ الرواية تتضمن أمرين:

الأول: بأن خطأ المرأة والعبد بمنزلة العمد .

الثاني: أن لولي المقتول استرقاق العبد، وغير خفي بأن الرواية إذا كان لها جمل متعددة، فكل جملة تكون بمنزلة رواية، فإن كانت أحدى الجملتين فنحن لا نقول به وهو خطأ المرأة والعبد عمد، فلا تضر الجملة الثانية ليست بصحية وهي جواز استرقاق العبد من جانب الولي المقتول .

ص: 48

شروط القصاص

وهي خمسة:

الأول: التساوي في الحرية والعبودية .

المسألة 40: إذا قتل الحرُّ الحرَّ عمداً قُتل به، وكذا إذا قتل الحرّة ولكن بعد ردّ نصف الدية إلى أولياء المقتص منه(1).

_______________________________________________________________

(1) أي لا يجوز قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر، أمّا قتلهما بالعكس فجائز، والنفس بالنفس، وأمّا إذا قتل الرجل المرأة فلأوليائها قتل الرجل ولكن بعد ردّ نصف الدية، وادعى عدم الخلاف بل الإجماع بقسميه، ولكن العمدة الروايات الواردة .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الرجل يقتل المرأة متعمداً فاراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك لهم إذا أدوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، وإن قتلت المرأة الرجل، قتلت به ليس لهم إلا نفسها»(1).ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: في رجل قتل أمرأته متعمداً، قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدوا إلى أهله

ص: 49


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح3.

................................

نصف الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم وقال: في امرأة قتلت زوجها متعمدة، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه»(1).

ومنها: صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة، فإن أرادوا القود أدوا فضل دية الرجل على دية المرأة واقادوه بها، وإن لم يفعلوا قبلوا الدية، دية المرأة كاملة، ودية المرأة نصف دية الرجل»(2)ولا تعارض هذه الروايات رواية السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) قتل رجلاً بامرأة قتلها عمداً، وقتل امرأة قتلت رجلا عمداً»(3). والرواية ضعيفة من جهة السند وهي مطلقة ويقيد إطلاقها بتلك الروايات الصحاح كما قال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإنّها مضافاً إلى ضعف سندها لا تنافي لزوم الدية في قتل الرجل بالمرأة فيقيد إطلاقها بذلك بمقتضى الصحاح المتقدمة»(4).وأمّا ما ورد في معتبرة إسحاق بن عمار، عن جعفر (علیه السلام) «إن رجلاً قتل امرأة فلم يجعل علي (علیه السلام) بينهما قصاصاً وألزمهالدية»(5)، فيحمل على عدم جعل القصاص مجرداً من ردّ نصف الدية بقرينة الروايات المتقدمة إن أمكن ذلك، وإلا ردّ علمها إلى أهله(6).

ص: 50


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح2.
3- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح14 .
4- المباني /2 /40 .
5- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح16، (6) المباني /2 /40 .

المسألة 41: إذا قتلت الحرةُّ الحرةَّ قتلت بها، وإذا قتلت الحر فكذلك، وليس لولي المقتول مطالبة وليها بنصف الدية(1).

_______________________________________________________________

(1) المسألة محل اتفاق وعليه عدة من الروايات .

منها: صحيحة الحلبي المتقدمة لقوله في آخر الصحيحة «وإن قتلت المرأة الرجل قتلت به وليس لهم إلا نفسها» .

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة أيضاً وفيها «في امرأة قتلت زوجها متعمدة، قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه» ولا تعارضها صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: في امرأة قتلت رجلاً، قال: تقتل ويؤدي وليها بقية المال»(1) .

أولاً: أنّها مخالفة للكتاب لقوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(2).

وثانياً: هي شاذة وتلك الروايات مشهورة بين الأصحاب، وما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولاسيما أنّها مخالفة للكتاب المجيد: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» فتطرح لا محالة، على أنّها قاصرة دلالة، فإن المذكور فيها أن الولييؤدي بقية المال، وليست ظاهرة في تأدية نصف الدية فلا مناص عندئذٍ من ردّ علمها إلى أهله(3) فتأمل .

ص: 51


1- الوسائل باب 33 من أبواب القصاص في النفس ح17.
2- سورة المائدة الآية 45 .
3- المباني /2 / 40 .

المسألة 42: إذا قتل الحرُّ الحرَّ أو الحرة خطأً محضاً أو شبيه عمد فلا قصاص(1)، نعم تثبت الدية وهي على الأول تحمل على عاقلة القاتل وعلى الثاني في ماله على تفصيل يأتي في باب الديات، إن شاء الله تعالى.

المسألة 43: إذا قتل الحر أو الحرة العبد(2)، عمداً فلا قصاص وعلى القاتل قيمة المقتول يوم قتله لمولاه إذا لم تتجاوز دية الحر، وإلا فلا يغرم الزائد .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ القصاص إنما يكون في القتل العمدي فقط، وأمّا في قتل الخطأ فلابد أن يعطى الدية، وكيفية اعطاء الدية في القتل الخطأ على العاقلة وشبيه العمد على نفسه يأتي مفصلاً .

(2) لا يقتل والمسألة غير خلافية، وقال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده بل الإجماع عليه بقسميه(1)، وتدل عليه الآية الشريفة «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى»(2) أي لابد من التساوي عند القصاص، خلافاً لما عليه في الجاهلية، حيث كانوا يقتصون للأنثى برجل، ويقتصون من الحر للعبد، ولا يخفى بأن الروايات تعضد مفهوم الوصف في الآية، منها صحيحة ابن بصير عن أحدهما (علیهما السلام): «قال قلت له قول الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَعَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى »قال: فقال لا يقتل الحر بعبد، ولكن يضرب ضرباً شديداً ويغرم ثمنه دية العبد»(3)، ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لا يقتل الحر

ص: 52


1- الجواهر /42 /91 .
2- سورة البقرة الآية / 178 .
3- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح1.

................................

بالعبد، وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضرباً شديداً»(1)، نعم ورد في معتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) «أنه قتل حراً بعبد»(2)،

قتله عمداً، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإنّها قضية في واقعة ومن المحتمل أنّ الحر كان معتاداً على قتل العبيد(3).

قيل والقائل الشيخ في كتابي الأخبار وابنا حمزة وزهرة وسلار وأبو صلاح على ما حكي أن الحر إن اعتاد قتل العبيد له أو الغيره قتل حسماً للجرأة وللفساد(4)، وقال في المسالك: وهذا الحكم متفق عليه عندنا مع عدم الاعتياد لقتلهم ومعه قيل: يقتل سواء كان عبده أم لا(5)،

وكذا ورد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (علیه السلام) «قال: ليس بين الرجال والنساء قصاص إلا في النفس، وليس بين الاحرار والمماليك قصاص إلا في النفس، وليس بين الصبيان قصاص في شيء إلا في النفس»(6)، وهذه الرواية لا يمكن أن يعمل بها لأن جملها مخالفة لما هو المتفق عندهم، ومخالفة للكتاب، والسنة،والقصاص ثابت بين الرجال والنساء في غير النفس أيضاً، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): فإن القصاص ثابت بين الرجال والنساء في غير النفس أيضاً غاية الأمر أنّه لابد من ردّ فاضل الدية فيما إذا جاوز الثلث إذا كان المقتص هي المرأة كما هو الحال في النفس، وأمّا الجملة الثانية فهي أيضاً كذلك حيث أنّه لا يقتل الحر بالعبد بنفس الآية الكريمة والروايات المتظافرة على ذلك

ص: 53


1- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح9.
3- المباني /2 /43 .
4- الجواهر /42 / 42 .
5- المسالك /15/ 113 .
6- الوسائل باب 22 من أبواب قصاص الطرف ح2 .

وإذا قتل الأمة فكذلك وعلى القاتل قيمتها إذا لم تتجاوز دية الحرة ولو كان العبد أو الأمة ذميّاً غرم قيمة المقتول إذا لم تتجاوز دية الذمي أو الذمية(1)، ولا فرق فيما ذكرناه بين كون العبد أو الأمة قنّاً أو مدبراً وكذلك إذا قتل الحر أو الحرة مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً، ولم يؤد من مال الكتابة شيء(2).

_______________________________________________________________

فلا مناص حينئذٍ من طرح الرواية، وأما ما ذكره في صدر رواية زيد من أنّه ليس بين الاحرار والمماليك قصاص إلا في النفس فهو مخالف للكتاب والسنة وهكذا .

أمّا ما ورد من أنّه ليس بين الصبيان قصاص إلا في النفس فهو كذلك أيضاً، إذاً لابد من دفع الدية للعبد وتكون ديته يوم قتله لأنّه هو يوم اشتغال ذمته .

(1) والمسألة غير خلافية، ويغرم إذا قتل عبد غيره قيمته، بشرط أن لا يتجاوز بها دية الحر، ولا بقيمة المملوكة دية الحرة، وقد وردت صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأُدب قيل:فإن كان قيمته عشرين الف درهم ؟ قال: لا يجاوز بقيمة عبد دية الحر»(1)

وصحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية العبد قيمته، فإن كان نفيساً فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم، ولا يجاوز دية الحر»(2)، قلنا بالنسبة إلى المملوكة أيضاً كذلك، لأنّ الروايات ولو كان موردها هو قتل الحر للعبد، ولكن تشمل الحرة للملوكة أيضاً بعد إن كانت المسألة غير خلافية، إذاً ما عن المالك بأنّه من دفع القيمة مهما بلغ فغير تام .

(2) لم يرد هناك دليل على ذلك إلا الإجماع وادعوا عدم الخلاف في ذلك ولم يرد فيه نص .

ص: 54


1- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح4 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب القصاص في النفس ح2.

ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى ومثل ذلك القتل الخطائي غاية الأمر أن الدية تحمل على عاقلة القاتل الحر إذا كان خطأ محضاً(1) وإلا ففي مال القاتل نفسه على تفصيل يأتي(2).

المسألة 44: إذا اختلف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم القتل فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم تكن للمولى بينة(3).

_______________________________________________________________

(1) لأنه يُعدّ قناً فيشمله الإطلاق .

(2) أنّه لابد من دفع الدية لا القصاص، فإن القصاص يكون في قتل العمد، والفرق بين الصورتين أن في الفعل الخطأ دفع الدية على العاقلة وفي غيره تكون من ماله , ويأتي تفصيله .

(3) للأصل، أي أصل عدم الزيادة مما يقوله إلا إذا كان هناك بينةفيكون القول قول مولى العبد، وإلا حُلّف الجاني، وإذا لم يحلف ردّ اليمين على مولى العبد فيحلف، فإن حلف يعطى له بمقدار ما حلف بشرط أن لا يتجاوز عن قيمة الحر، ويؤيد ذلك حسنة أبي الورد قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل عبداً خطأً، قال: عليه قيمته ولا يجاوز بقيمته عشرة آلاف درهم، قلت: ومن يقوّمه وهو ميت ؟ قال: إن كان لمولاه شهود أن قيمته كانت يوم قتل كذا وكذا أخذ بها قاتله، وإن لم يكن شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه»(1).

ص: 55


1- الوسائل باب 7 من أبواب ديات النفس ح1.

المسألة 45: لو قتل المولى عبده متعمداً، فإن كان غير معروف بالقتل ضرب مائة ضربة شديدة وحبس وأخذت منه قيمته يتصدق بها أو تدفع إلى بيت مال المسلمين، وإن كان متعوداً على القتل قتل به(1).

_______________________________________________________________

(1) أنّه لا يقتل المولى بالعبد، وأمّا ضربه شديداً لما ورد في صحيحة يونس عنهم (علیهم السلام) «قال: سئل عن رجل قتل مملوكه، قال: إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضرباً شديداً، وأخذ منه قيمة العبد ويدفع إلى بيت مال المسلمين»(1)، وقيل في السند ضعف بإسماعيل بن مرّار، ويقول في التنقيح محل وثوق، والاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)في معجم الرجال من أنّه ثقة على الأظهر(2).

وأمّا ما ذكره الشهيد من أنّها مرسلة مقطوعة فلم يظهر لنا وجهه، فإن يونس وإن لم يرو عن غير الكاظم والرضا (علیهما السلام) بلا واسطة إلا أنّه يصح له أن ينسب ما سمعه منهما، أو من أحدهما، إلى الائمة (علیهم السلام) فالرواية في نظر الاستاذ (قدس سرُّه) صحيحة لا مرسلة .

وأمّا معتبرة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات فضربه مائة نكالاً وحبسه سنة وأغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه»(3)،

وقد وردت الرواية عن الصدوق عن السكوني بالدية، وأحذف السكوني «لفظ سنة» والجمع بينالروايتين هو التخيير بين التصدق بالدية واعطاءها إلى بيت المال، ولو كان الخبر مشتملاً على الحبس ولم يقل به أحد، فلا يضرّ كما مرّ سابقاً .

وأمّا إذا كان متعوداً على القتل فيقتل به كما في ذيل صحيحة يونس بقوله

ص: 56


1- الوسائل باب 38 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- المباني /2 / 47 .
3- الوسائل باب 37 من أبواب القصاص في النفس ح5 .

ولا فرق في ذلك بين العبد والأمة، كما أنّه لا فرق بين القن والمدبّر والمكاتب سواء أكان مشروطاً أم مطلقاً لم يؤد من مال كتابته شيئاً(1).

المسألة 46: إذا قتل الحر أو الحرّة متعمداً مكاتباً أدى من مال مكاتبته شيئاً لم يقتل به(2)، ولكن عليه دية الحر بمقدار ما تحرر منه ودية العبد بمقدار ما بقي كما هو الحال في القتل الخطأ، ولا فرق في ذلك بين كون المكاتب عبداً أو أمة(3).

_______________________________________________________________

«وإن كان متعوداً للقتل قتل به» ويؤيده رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (علیه السلام) « في رجل قتل مملوكه أو مملوكته، قال: إن كان المملوك له أدب وحبس إلا أن يكون معروفاً بقتل المماليك، فيقتل به»(1) والرواية ضعيفة لأن فيها عدّة مجاهيل ولذا تكون مؤيدة .

(1) وقد مرّ الكلام فيها .

(2) لما ذكرنا بان الحر لا يُقتل بالعبد واما المكاتب وإن تحرر منه مقدرفهو يُعدّ عبداً لأن الحر لا يقتل إلا بالحر التام .

(3) لأنّه بعد عدم جواز قتله بالعبد فعليه الدية، ولكن بما أن مقداراً منه تحرر فلا يمكن أن يتصور بأن الدية قيمته فلابد أن يقسط بمقدار ما تحرر منه، فعليه دية الحر، وبمقدار ما بقي على الرقيّة تكون الدية قيمته، وقد استدل استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بروايتين صحيحتين:

الأولى: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في مكاتب

ص: 57


1- الوسائل باب 38 من أبواب القصاص في النفس ح1، ونقل صاحب الوسائل عن الفتح الجرماني وهو خطأ .

................................

قتل رجلاً خطأً، قال: عليه دية بقدر ما أعتق وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك الحديث»(1)،

قد يقال بأن الرواية تكون ضعيفة لأنّ في سندها إسماعيل بن مرار كما عن مجمع البرهان بقوله: والثاني للجهل بحال إسماعيل ابن مرار واشتراك يونس، والظاهر أنه بن عبدالرحمن(2)بل

يكون الرجل ثقة كما عليه الاستاذ الأعظم (قدس سرُّه) بقوله: ولا يضر في صحتها أن يكون في سندها إسماعيل بن مرار فأنّه ثقة على الأظهر(3)،

وصاحب التنقيح(4)، يقول: إلا أن المجموع من حيث المجموع يورث الوثوق بالرجل .

الثانية: وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتب قتل، قال: يحسب ما أعتق منه فيؤدي دية الحر وما رقّ منه فدية العبد»(5).لا يخفى أن الروايتين كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) موردهما وإن كان فرض المكاتب قاتلاً ولكن في تقسيط دية المقتول عليه فيؤدي دية الحر بمقدار ما تحرر، ودية العبد بمقدار ما رقّ دلالة على أن ديته إذا كان مقتولاً أيضاً كذلك، نظراً إلى أن ذلك من خصوصية الحر والمملوك، فلا أثر لكونه قاتلاً أو مقتولاً من هذه الناحية(6).

ص: 58


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح1.
2- مجمع الفائدة والبرهان /14 / 42 _ 44 .
3- مباني تكملة المنهاج /2 / 49 .
4- تنقيح المقال /1 /145 .
5- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح2 .
6- الوسائل باب 10 من أبواب القصاص في النفس ح3، الاستبصار ج4 _ 277/ 1049 .

كما لا فرق بين كونه قد أدى نصف مال كتابته أو أقلّ من ذلك(1)، وكذا الحال فيما لو قتل المولى كاتبته عمداً(2).

_______________________________________________________________

(1) بعد أن فرض بأنّ الأحكام تكون لكافة المماليك، فلا فرق بين كونه مملوكاً أو مملوكة .

(2) لا يخفى أن المكاتب لو لم يؤدِّ جميع ديته وهو رق وليس بمنزلة الحر فما نسب إلى الشيخ في الاستبصار بأنّه إن كان أدى نصف ديته فهو بمنزلة الحر وتمسك برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (علیهما السلام) «قال: سألته عن مكاتب فقأ عين مكاتب أو كسر سنه ما عليه ؟ قال: إن كان أدى نصف مكاتبته فديته دية حر إلى أن يقول، قال: إذا أدى نصف مكاتبته تفقأ عين الحر أو ديته إن كان خطأ، هو بمنزلة الحر، وإن لم يكن أدى النصف قُوّم فأدى بقدر ما أُعتق منه»(1)،

وقد جعلها مقيدة لإطلاق صحيحة محمد بن قيس فحملها على صورة ما أعتق منه ما دون النصف، وأمّا إذا كانالنصف فديته دية الحر، ولكن رواية علي بن جعفر ضعيفة سنداً بمحمد بن أحمد العلوي وقد عرفت مما بينا حال هذه الفقرة .

ص: 59


1- الوسائل باب 10 نت أبواب ديات النفس ح3 .

المسألة 47: لو قتل العبد حراً عمداً قتل به ولا يضمن مولاه جنايته(1)، نعم لولي المقتول الخيار بين قتل العبد و استرقاقه(2)، وليس لمولاه فكّه(3).

إلا إذا رضي الولي به ولا فرق فيما ذكرناه بين كون القاتل أو المقتول ذكراً أو أنثى(1)، كما أنّه لا فرق بين كون القاتل قنّا أو مدبّراً وكذلك أم الولد .

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ المسألة غير خلافية ولا دليل على ضمان جنايته من قبل المولى، وتدل على ذلك صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتب قتل إلى أن قال العبد لا يغرم أهله وراء نفسه أشياء»(1)، وراوية ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل العبد الحر فدفع إلى أولياء الحر فلا شيء على مواليه»(2)، والرواية تكون مؤيدة لأن طريق الشيخ إلى ابن مسكان ضعيف .

(2) والمسألة غير خلافية وقد قال صاحب الجواهر: بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، بل الإجماع بقسميه وهو الحجة بعد استفاضة النصوص المعتبرة فيه، ففي صحيحة زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) «في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه»(3).

(3) مع كراهية مولى المقتول كما عرفت من صحيحة زرارة بأن الاختياربيد ولي المقتول، نعم يجوز مع رضاه للمولى فكه .

ص: 60


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح2.
2- الوسائل باب 41 من أبواب القصاص في النفس ح6.
3- الوسائل باب 41 من أبواب القصاص في النفس ح1.

المسألة 48: إذا قتل المملوك أو المملوكة مولاه عمداً، جاز لولي المولى قتله، كما يجوز له العفو عنه، ولا فرق في ذلك بين القنّ والمدبّر والمكاتب بأقسامه(2).

المسألة 49: لو قتل المكاتب حراً متعمداً قتل به مطلقاً(3) سواء أكان مشروطاً أم مطلقاً، أدى من مال الكتابة شيئاً أم لم يؤد، نعم لو أدى المطلق منه شيئاً لم يكن لولي المقتول استرقاقه تماماً، وله استرقاقه بمقدار ما بقي من عبوديته(4).

وليس له مطالبته بالدية بمقدار ما تحرر منه إلا مع التراضي(5).

_______________________________________________________________

(1) لإطلاق الروايات ولا نرى الخصوصية للذكورة أو الأنوثة، بل المراد به المملوك، بل الأحكام جاءت للمماليك مقابل الأحرار .

(2) أيضاً لإطلاق الدليل .

(3) والمسألة غير خلافية، ويدل عليه الكتاب، والسنة، بأن العبد يقتل بالحر مطلقاً قناً كان أو مدبراً مشروطاً أو مطلقاً أدى من مال الكتابة شيئاً أو لم يؤدِّ .

(4) لأنّ بالمقدار الذي أدى يصبح حراً والحر لا يملك، نعم له استرقاق ما تبقى، أو بيعه .

(5) لأنه أولاً وبالذات عليه القصاص، وثانياً وبالعرض تلزمه الدية ولابد أن تكون مع التواطيء، نعم ورد في صحيحة أبي ولاد «قال: سألت أبا عبد الله عن مكاتب جنى على رجل حر جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرممن جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، وإن عجز عن حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه، قلت: فإن الجناية لعبد، قال على مثل ذلك يدفع إلى ولي العبد

ص: 61

المسألة 50: لو قتل العبد أو الأمة الحر خطأ، تخير المولى بين فك رقبته بإعطاء دية المقتول أو بالصلح عليها، وبين دفع القاتل إلى(1) ولي المقتول ليسترقه وليس له الزام المولى بشيء من الأمرين، ولا فرق في ذلك بين القنّ والمدبرّ والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤدِّ من مال الكتابة شيئاً، وأُم الولد .

_______________________________________________________________

الذي جرحه المكاتب»(1) وبما أن المسألة محل اتفاق بأن الأصل هو القصاص والدية لابد أن تكون مع التراضي، إذاً لابد أن تحمل الرواية على صورة التراضي .

(1) لا يخفى بعد أن لا يكون المولى ملزماً بدفع شيء من دية العبد والقتل ولو كان خطأ، وهو يستوجب إعطاء الدية ولكن يكون برقبتهما لا برقبة المولى، فهو بالخيار بين أن يفك رقبة العبد القاتل أو يدفعه إلى ولي المقتول ليسترقه، نعم له أن يفك رقبة العبد باختياره، وقد دلت على ذلك صحيحة محمد بن حمران، عن أبي عبد الله (علیهما السلام) «في مدبر قتل رجلاً خطأ قال: إن شاء مولاه أن يؤدي إليهم الدية، وإلا دفعه إليهم يخدمهم، فإذا ماتمولاه _ يعني الذي اعتقه _ رجع حراً»(2)،

وصحيحة جميل أيضاً، قال: «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) مدبر قتل رجلاً خطأً، من يضمن عنه ؟ قال: يصالح عنه مولاه، فإن أبى، دُفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبّره، ثم يرجع حراً لا سبيل عليه»(3) .

وبعبارة أخرى في قتل الخطأ لابد من الدية ودية العبد أو الأمة تكون عليهما لا على الغير كالمولى، فالمولى غير ملزم بدفعها لأنّه لا يلزمه شيء وتدل على

ص: 62


1- الوسائل باب 10 من ابواب ديات النفس ح5.
2- الوسائل باب 9 من أبواب ديات النفس ح3.
3- الوسائل باب 9 من أبواب ديات النفس ح1.

................................

ذلك الصحيحتان اللتان مرتا، فلو لم يدفع موالي القاتل الدية باختياره فلولي المقتول أن يسترقه ولو فرض أن قيمته نقصت من الدية فلا شيء على المولى، نعم لو زادت فعلى ولي المقتول دفع الزيادة إلى مولى القاتل وتدل على ذلك صحيحة أبي بصير، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن مدبر قتل رجلاً عمداً، فقال: يقتل به، قال، قلت: فإن قتله خطأ، قال، فقال: يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم رقاً، إن شاؤوا باعوا وإن شاؤوا استرقوا وليس لهم أن يقتلوه، ثم قال: يا أبا محمد ان المدبر مملوك»(1)،

وصحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن مكاتب قتل رجلاً خطأ قال، فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا باعوا»(2)،

وهذاالعمل يكون طبقاً للقاعدة، وما في رواية محمد بن مسلم «إن شاؤوا قتلوا» فغير تام لأن القتل كان خطأ،

وقد ذكر صاحب الوسائل بقوله: يتعين حمل الخطأ هنا على ما يقابل الصواب لا على ما يقابل العمد للحكم بالقصاص فيه، فيراد به القتل بغير الحق أنتهى كلامه، لو أريد به الخطأ مقابل العمد فهو مقطوع البطلان لما ذكرنا .

ص: 63


1- الوسائل باب 42 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- الوسائل باب 46 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 51: لو قتل المكاتب الذي تحرر مقدار منه الحر أو العبد خطأ فعليه الدية بمقدار ما تحرر، والباقي على مولاه فهو بالخيار بين ردّ الباقي إلى أولياء المقتول، وبين دفع المكاتب إليهم، وإذا عجز المكاتب عن أداء ما عليه كان ذلك على إمام المسلمين(1).

_______________________________________________________________

(1) وأمّا على الإمام بقدر ما فيه من الحرية إن لم يكن العاقلة، ولكن هذا في صورة ما إذا عجز، وأمّا في صورة التمكن فلابد أن يسعى هو كما ورد في الروايات كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في مكاتب قتل رجلاً خطأ، قال: عليه من ديته بقدر ما أعتق وعلى مولاه ما بقي من قيمة المملوك، فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له إنما ذلك على إمام المسلمين»(1)،

وصحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن مكاتب قتل رجلاً خطأ، قال، فقال: إن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه إلى أن قال وإن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه، وكان قد أدى من مكاتبته شيئاً، فإن علياً (علیه السلام) كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من مكاتبته فإن على الإمام أن يؤدي إلى أولياء المقتول من الدية بقدر ما أعتق من المكاتب ولا يبطل دم أمرئ مسلم»(2)،

ولكن الرواية مطلقة وتقيد بصحيحة عبد الله بن سنان فيما إذا لم يكن مال وكان عاجزاً عن الكسب .

ص: 64


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح1.
2- الوسائل باب 46 من أبواب القصاص في النفس ح2.

المسألة 52: لو قتل العبد عبداً متعمداً قتل به بلا فرق بين كون القاتل والمقتول قنّين او مدبّرين أو كون احدهما قنّا والاخر مدبّراً(1) وكذلك الحكم لو قتل العبد امة ولا رد لفاضل ديته إلى مولاه .

المسألة 53: لو قتل العبد مكاتباً عمداً، فإن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِّ من مال الكتابة شيئاً فحكمه حكم قتل القنّ(2)، وإن كان مطلقاً تحرر بعضه، فلكل من مولى المقتول وورثته حق القتل .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد دل عليها الكتاب والسنة، وهكذا لو قتل العبد عبداً أو أمة بين أن يكونا قنيّن أو مدبرين أو أحدهما قناً والآخر مدبّراً وإن أراد أولياء المقتول الدية فتكون برقبة العبد القاتل، فلو قتلوه فلا ردّ لفاضل ديته من أولياء المقتول على مولاه وذلك لعدم الدليل، نعم ورد في قتل رجل الحر امرأة حرة فإن على أولياء المرأة إذا أرادوا قتل الرجل ردّ نصف الدية أولاً إلى أولياء الرجل .

(2) لما ورد في الصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة من أنّه «إن كان مولاه اشترط عليه، فإن عجز فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك»(1)، فإنّه يقاص للعبد منه، وأمّا إذا أدى من مال الكتابة شيئاً تحرر منه بحسابه ولا يقتل بالعبد .

ص: 65


1- الوسائل باب 46 من أبواب القصاص في النفس ح2.

فإن قتلاه معاً فهو، وإن قتله أحدهما دون الآخر سقط حقه بسقوط موضوعه، وهل لولي المقتول استرقاق القاتل بمقدار حرية المقتول ؟ نعم له ذلك(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ المقتول بما أنّ بعضه حر فلأولياء الحر وورثته حق القصاص وهكذا لمولاه لأنّه أي القاتل قاتل للحر والعبد، وحيث أنّه قتل العبد فلوليه القصاص، وكذا إن قتل الحر فلأوليائه القصاص، أمّا لو تقدم أحدهم لقتله وقتله فلم يبق موضوع للأخر .

وهل لولي المقتول استرقاق القاتل بمقدار حرية المقتول ؟ الظاهر ليس لولي المقتول استرقاقه تماماً بعد إن أصبح مقدار منه حراً، بل يمكن استرقاق ذلك المقدار الذي بقي من عبوديته، بعد إن قلنا جناية العبد تكون في رقبته ولا تكون في رقبة المولى ولا يُغَرِم أهله أي المقتول وراء نفسه شيء .

وتدل عليه صحيحة ابن محبوب عن أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مكاتب جنى على رجل حرٍّ جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، وإن عجز من حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه قلت: فإن الجناية لعبد قال: على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكاتب، ولا تقاص بين المكاتب وبين العبد إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئاً، فإن لم يكن أدى من مكاتبته شيئاً فإنّه يقاص للعبد منه أو يغرم المولى كلما جنى المكاتب، لأنّه عبده ما لم يؤدِّ من مكاتبته شيئاً، وقال: وولد المكاتبة كأمه إن رقت رق، وإنأعتقت أعتق»(1).

ص: 66


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح5 .

المسألة 54: لو قتلت الأمة أمة قتلت بها بلا فرق بين اقسامها وكذا لو قتلت عبداً(1).

المسألة 55: لو قتل المكاتب عبداً عمداً فإن كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤد من مال الكتابة شيئاً، فحكمه حكم القنّ(2) وإن أدى(3) منه شيئاً لم يقتل به ولكن تتعلق الجناية برقبته بقدر ما بقي من الرقيّة .

_______________________________________________________________

(1) للآية الشريفة النفس بالنفس بلا فرق بين أن تكونا قنيّن أو مدبرتين أو أحدهما قناً والأخرى مدبرة، أو مكاتبتين مشروطتين أو مطلقتين بشرط عدم أدائها من مال الكتابة شيئاً، وهكذا لو قتلت عبداً، والمسألة اتفاقية والأدلة الدالة تكون مطلقة .

(2) أي يقتل به .

(3) فبما إن مقداراً منه حر فلا يقتل به، ولصحيحة أبي ولاد، قال: «سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن مكاتب جنى على رجل حر جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر، وإن عجز عن حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه، قلت: فإن الجناية للعبد، قال: على مثل ذلك يدفع إلى مولى العبد الذي جرحه المكاتب ولا تقاص بين المكاتب وبين العبد إذا كان الكاتب قد أدى من مكاتبته شيئاً»(1).

ص: 67


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح5 .

ويسعى في نصيب حريته إذا لم يكن عنده مال، وإلا فيؤدي من ماله(1)، فإن عجز كانت الدية على مولى المكاتب، وأمّا ما تعلق برقبته فلمولى المقتول استرقاقه بمقدار رقيّته ليستوفي حقه، ولا يكون مولى القاتل ملزماً بدفعه الدية إلى مولى المقتول(2)، ولا فرق في ذلك بين كون القاتل أو المقتول ذكراً أو أنثى، كما أنّه لا فرق بين كون المقتول قناً أو مدبّراً(3).

_______________________________________________________________

(1) لما مرّ أنّ دية جناية العبد مطلقاً تكون برقبته من أي نوع كان ولا يلزم المولى بشيء .

(2) لصحيحة أبي ولاد بقوله «إن عجز عن حق الجناية أخذ ذلك من المولى الذي كاتبه» إذاً يدفع لمولى المقتول كي يستوفي حقه ويسترق بمقدار ما بقي منه من الرقية، هذا إذا كان قيمته مساوية لقيمة العبد المقتول، أمّا لو كان ما بقي من قيمته أكثر لزم على مولى المقتول ردّ الزائد، وذكرنا بأنّ مولى المكاتب غير ملزم لصحيحة أبي ولاد المتقدمة ويدفع إلى مولى العبد الذي قتله المكاتب، وهذا دال على أنّ جنايته تكون برقبته .

(3) لإطلاق الأدلة الشاملة لمطلق المماليك .

ص: 68

المسألة 56: لو قتل المكاتب الذي تحرر مقداراً منه مكاتباً مثله عمداً فإن تحرر من المقتول بقدر ما تحرر من القاتل أو أكثر(1) قتل به وإلا فالمشهور أنّه لا يقتل، ولكنه لا يخلو من إشكال، والأقرب أنّه يقتل.

_______________________________________________________________

(1) لصدق النفس بالنفس والمسألة غير خلافية وأمّا إذا كان أقلّ _ أي قيمة المقتول _ من قيمة القاتل، فلا قصاص يقول المحقق: وإن قتل مملوكاً فلا قود(1)،

ويقول في الجواهر(2): لعدم التساوي ولما في صحيحة أبي ولاد ومفهوم قوله تعالى: «وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): وفي كلا الدليلين ما لا يخفى، أمّا الأول فلأنّه لم يدل الدليل على اعتبار التساوي حتى في هذا المقدار فإن الثابت بالدليل هو أن الحر والمكاتب الذي تحرر منه شيء لا يقتلان بالعبد، وعليه فلا مقيد لإطلاق الآية الكريمة: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وأمّا الثاني فلأنّه لا ينفي القتل في المقام ليكون مقيداً لإطلاق الآية فإنّ المستفاد من قوله تعالى: «وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» أي غير العبد لا يقتل بالعبد ولا دلالة فيه بوجه على أن من تحرر بعضه لا يقتل بمن تحرر بعضه أيضاً إذا كان تحرر القاتل أكثر، فالنتيجة أنّه لا دليل على ما هو المشهور، وعليه فالأقرب أنّه يقتل بمقتضى إطلاق الآية الكريمة(3) .

ص: 69


1- الشرائع /4 /206 .
2- الجواهر / 42 / 111، (3) المباني /2 / 63 _ 64 .

المسألة 57: إذا قتل عبدٌ عبداً خطأً، كان مولى القاتل بالخيار بين فكه بأداء دية المقتول، وبين دفعه إلى مولى المقتول يسترقه ويستوفي حقه من قيمته(1)، فإن تساوت القيمتان فهو، وإن زادت قيمة القاتل على قيمة المقتول ردّ الزائد إلى مولى القاتل(2)، وإن نقصت عنها فليس له أن يرجع إلى مولى القاتل ويطالبه بالنقص(3)، ولا فرق في ذلك بين كون القاتل ذكراً أو أنثى، كما أنّه لا فرق في ذلك بين كونه قنّاً أو مدبّراً أو مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدِ من مال الكتابة شيئاً(4)، وأمّا لو قتل مكاتباً تحرر مقدار منه فقد ظهر حكمه مما تقدم(5).

_______________________________________________________________

(1) بعد إن مرّ بأن جنايته تكون برقبته وليس للمولى دخل في ذلك وقلنا المولى بالخيار بين دفع قيمة العبد ونفسه كما ذكرنا .

(2) قد مرّ أن المسألة غير خلافية .

(3) لما ذكر من أن المولى غير ملزم بشيء وجناية العبد تكون برقبته إذا دفع نفس العبد القاتل ولو كان قيمته أقلّ من قيمة العبد المقتول، وقد مرت الروايات التي دلت على هذا الموضوع .

(4) وذلك لأنّ هذه الأحكام تشمل مطلق المماليك، ولا خصوصية لصنف دون صنف أو الذكورة والأنوثة .

(5) ذكرنا بأنّ للمولى المكاتب القاتل أن يدفع نصيب ما تحرر منه إلى ورثته ونصيب عبوديته إلى مولى المقتول، كما أن له أن يدفعه إلى مولىالمقتول وإلى ورثته.

ص: 70

المسألة 58: لو كان للحر عبدان قتل أحدهما الآخر، خيّر المولى بين قتل القاتل والعفو عنه(1).

المسألة 59: لو قتل حرُّ حريّن فصاعداً فليس لأوليائهما إلا قتله(2) وليس لهم مطالبته بالدية إلا إذا رضي القاتل بذلك، نعم لو قتله ولي أحد المقتولين فالظاهر جواز أخذ الآخر(3) الدية من ماله .

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: يقتل العبد بالعبد(1) وفي الجواهر: كتاباً وسنة وإجماعاً في الجملة والأمة بالأمة وبالعبد إذا كانا لمالك واحد إلى أن يقول وكذا لو كان لمالكين وتساويا بالقيمة أو تفاوتا(2)،

لما ورد من الإطلاق في الآيتين قوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ »وقوله «وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ »فلمولاهما قتل المقتول أو العفو عنه ويدل عليه أيضاً معتبرة إسحاق بن عمار، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه أله أن يقيده به دون سلطان إن أحب ذلك ؟ قال: هو ماله يفعل به ما شاء إن شاء قتل وإن شاء عفا»(3).

(2) والمسألة غير خلافية .

(3) أي ليس لهما إلا القتل لا مطالبته بالدية لعدم الدليل، ولهما أن يقتلاه معاً أو يبدر أحدهما فلم يبق موضوع للآخر، أمّا جواز أخذ الدية فلأنّه لا يذهب دم المسلم هدراً، وفي الرواية لا يبطل دم أمرئ مسلم والمسألةإجماعية، وقد دلت عليه معتبرة أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن

ص: 71


1- الشرائع /4 / 205 .
2- الجواهر /42 / 90 .
3- الوسائل باب 44 من أبواب القصاص في النفس ح1.

المسألة 60: لو قتل عبد حرين معاً ثبت لأولياء كل منهما حق الاقتصاص مستقلاً فلا يتوقف على أذن الاخر(1)، نعم لو بادر أحدهما واسترقه جاز للآخر أيضاً ذلك، ولكنهما يصبحان شركيين فيه، وإذا قتل أحدهما واسترقه أولياؤه ثم قتل الثاني اختص العبد بأولياء الثاني بمعنى أنّ لهم استرقاقه وأخذه من أولياء الأول أو قتله(2).

_______________________________________________________________

الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة ادّاه الإمام، فإنّه لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1).

لا يخفى بأن مورد الرواية ولو كان هارباً، ولكن لا نرى أي خصوصية لهذا القيد، بل كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فأن مورد هذه الرواية وإن كان هو هروب القاتل وعدم التمكن منه إلا أن العبرة إنما هي بعموم التعليل، فأن مقتضاه أن دم المسلم لا يذهب هدراً، فإذا لم يمكن القصاص انتقل الأمر إلى الدية في ماله، ولا فرق بين كون عدم القدرة من جهة الهرب أو من جهة أخرى(2).

(1) بعدما دلت الآية «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ »والروايات بأن لكل واحد حقالاقتصاص، ويكون هذا القتل ثابتاً على نحو الاستقلال، لا يتوقف على إذن الآخر، ولو تقدم أحدهم وقتله سقط حق الآخر لعدم بقاء الموضوع، كما أنّه لو استرقه أحدهما وللآخر أيضاً حق استرقاقه بعد إن كان الموضوع باقياً إذاً هما شريكان في استرقاقه، فإن لهما معاً قتله، كما أن لهما استرقاقه .

(2) لأنّه حينما قتل الحرّ الأول أصبح عبداً لهم مطلقاً باسترقاقهم له ثم إذا قتل حراً ثانياً فإنّ لأوليائهم استراقاقه، كما أن لهم قتله، فالعبد يصبح مملوكاً لأولياء الثاني، ويدل على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في عبد جرح

ص: 72


1- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1.
2- مباني تكملة المنهاج /2 / 66 .

المسألة

61: لو قتل عبد عبدين عمداً جاز لمولى كل منهما الاقتصاص منه(1)، وأمّا استرقاقه فيتوقف على رضى مولى القاتل، فلو سبق أحدهما بالاقتصاص سقط حق الآخر بسقوط موضوعه، ولو رضي المولى باسترقاقه فعندئذٍ إن اختار أحدهما استرقاقه واقتص الآخر سقط حق الأول، وإن اختار الآخر الاسترقاق أيضاً اشترك معه، ولا فرق في ذلك بين كون استرقاقه في زمان استرقاق الأول أو بعده، كما لا فرق في ذلك بين قتله العبدين دفعة واحدة أو على نحو التعاقب، نعم إذا استرقه مولى الأول وبعد ذلك قتل الثاني، كان مولى الثاني بالخيار بين قتله واسترقاقه مع رضا مولاه(2).

_______________________________________________________________

رجلين، قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته، قيل له فإنّ جرح رجلاً في أول النهار وجرح آخر في آخر النهار، قال: هو بينهما ما لم يحكم الواليفي المجروح الأول، قال: فإن جنى بعد ذلك جناية فإنّ جنايته على الأخير»(1).

(1) أمّا جواز اقتصاص كل منهما فمعلوم، والمسألة غير خلافية .

(2) لأن لكليهما حق الاسترقاق ولو فرض أنّ استرقاق الثاني بعد استرقاق الأول لأن هناك عبداً واحداً يشترك فيه موليان على حدّ سواء فتقدم الأول بالاسترقاق لا ينافي تأخر الثاني، ويكون العبد القاتل مشتركاً بينهما بلا فرق بين قتل العبدين على التعاقب أو دفعة واحدة، خلافاً لما نسب إلى الشيخ بتقدم حق الأول لأنّه أسبق، وكلامه لا دليل عليه بعد تعلق حقين برقبته، وليس هناك دليل في استيفاء حق الثاني على أن يكون مشروطاً بعدم استيفاء الآخر، نعم في صورة ما إذا قتل العبد أحد العبدين واسترقه مولاه ثم قتل عبداً آخر فينتزعه مولى المقتول الثاني من مولى المقتول الأول، وهذا واضح، وقد ذكر صاحب المسالك: إذا

ص: 73


1- الوسائل باب 45 من أبواب القصاص في النفس ح1.

المسألة 62: لو قتل عبدُ عبداً لشخصين عمداً اشتركا في القود والاسترقاق(1)، فكما أنّ لهما قتله فكذلك لهما استرقاقه بالتراضي مع مولى القاتل، ولو طلب أحدهما من المولى ما يستحقه من القيمة فدفعه إليه سقط حقه عن رقبته(2)، ولم يسقط حق الآخر فله قتله بعد ردّ نصف قيمته إلى مولاه .

_______________________________________________________________

قتل العبد عبدين وكانت قيمة كل واحد تستوعب قيمته، فإن كان القتل دفعة فلا إشكال في اشتراك الموليين في الحق، قصاصاً واسترقاقاً، وإن كان على التعاقب فقد تقدم أن التخيير في القتل والاسترقاق لمولى المجني عليه، فإن كان مولى الأول قد اختار الاسترقاق قبل الجناية الثانية صار ملكاً له، فإذا جنى بعد ذلك كانت واقعة في ملك مولى الأول، فيكون الحق منحصراً في مولى الثاني، وإن لم يكن قد سبق اختياره الاسترقاق، ففي اشتراكهما أو تقدم الأول قولان، أصحهما الأول لتعلق الجنايتين برقبته، فلا وجه للترجيح، وإن كان أحد السببين اسبق، لأنّ مجرد الجناية لم يوجب انتقاله إلى ملك المجني عليه، بل يتوقف على اختياره ولم يحصل، والثاني للشيخ في المبسوط نظراً إلى سبق الاستحقاق، وقد ظهر كونه غير كافٍ في التقدم بمجرده(1).

(1) ولكن إن قتله أحدهما لم يبق موضوع للثاني، وأمّا القول بالتراضي وتوقفه على ذلك فقد مرّ .

(2) لأنّ له الحق أيضاً، إذاً هو بالخيار بين قتله بعد أن يعطي نصفقيمته إلى مولاه، وسقوط حق الثاني يحتاج إلى دليل، أمّا اعطاء نصف القيمة فلأنّه مشترك .

ص: 74


1- المسالك /15 / 132.

المسألة 63: لو قتل عبدان أو أكثر عبداً عمداً فلمولى المقتول قتل الجميع(1).

كما أنّ له قتل البعض ولكن إذا قتل الجميع فعليه أن يرد ما فضل عن جناية كل واحد منهم إلى مولاه وله ترك قتلهم ومطالبة الدية من مواليهم، وهم مخيرون بين فك رقاب عبيدهم بدفع قيمة العبد المقتول وبين تسليم القتلة إلى مولى المقتول ليستوفي حقه منهم، ولو كان باسترقاقهم لكن يجب عليه ردّ الزائد على مقدار جنايتهم على مواليهم(2).

_______________________________________________________________

(1) المسألة واضحة، وإن ورد الدليل في الحر فيجري في العبد أيضاً لعدم الخصوصية للمورد، يقول المحقق: لو قتل عشرة أعبد عبداً فعلى كل واحد عشر قيمته، فإنّ قتل مولاه العشرة، أدى إلى مولى كل واحد ما فضل عن جنايته، ولو لم تزد قيمة كل واحد عن جنايته، فلا ردّ وإن طلب الدية فمولى كل واحد بالخيار، بين فكه بأرش جنايته، وبين تسليمه ليسترق إن استوعب جنايته قيمته، وإلا كان لمولى المقتول من كل واحد بقدر أرش جنايته، أو يرد على مولاه ما فضل عن حقه ويكون له، ولو قتل المولى بعضاً جاز، ويرد كل واحد عشر الجناية، فإن لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل، أتم مولى المقتول مايعوز، أو يقتصر على قتل من ينهض الرد بقيمته(1).

(2) قد مرّ شرح ذلك .

ص: 75


1- الشرائع / 4 / 209 .

المسألة 64: لو قتل العبد حراً عمداً، ثم أعتقه مولاه، فهل يصح العتق ؟ فيه قولان والأظهر الصحة(1).

_______________________________________________________________

(1) قيل أنّه لا يصح، قال المحقق: ولو قيل لا يصح لأنّه لا يبطل حق المولى من الاسترقاق كان حسناً، وكذا البحث في بيعه وهبته(1)،

ونسب إلى النافع كما في الرياض قوله: والأشبه أنّه لا ينعتق، لأن للولي التمييز في الاسترقاق عند الماتن هنا، وفي الشرائع وشيخنا في شرحه وفخر الدين والفاضل المقداد في الشرع لأن للولي التخيير في الاقتصاص والاسترقاق بالنص والوفاق، وهو ينافي صحة العتق، لعدم إمكان أحد فردي متعلق الخيار معه، وقال في الجواهر: وهو الحجة للقائل بعدما عرفت من اقتضاء العتق بطلان الحق المتعلق بعينه، وهو الاسترقاق الذي هو لازم جنايته وبطلان اللازم يقتضي بطلان المزوم(2).

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأن حق الاسترقاق إذا نفي يرفع هذا المحذور أي إن اقتص منه أو قتل بطل حقه، ولكن هذا الجواب في غير محله لأن العتق من شرطه التنجز ولا يمكن فيه التعليق، بل بعد إن أعتق أصبح حراً فلا معنى لرجوعه إلى الاسترقاق خصوصاً مع ترجيح أدلة الحرية والأصل اللزوم، والحق الصحة للإطلاقات خلافاً لجمع من المحققين .

وأمّا ما ذكره المحقق وغيره بأنّه متعلق لحق الغير من الاسترقاق أي مانع نفوذ العتق، فيقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه): وادعي أنّ العبد في مفروضالمسألة بما أنّه متعلق لحق الغير _ وهو الاسترقاق _ فإنّه مانع عن نفوذه، مدفوعة بأنّه ليس من حق المانع عن ذلك كحق الرهانة أو نحوه، بل هو حكم شرعي فحسب وهو لا يقتضي بقاء موضوعه وهو العبد، فما دام موضوعه محققاً فهو باقٍ والا فلا، وعليه

ص: 76


1- الشرائع / 4 / 209 .
2- الجواهر /42 /136.

وأمّا بيعه أو هبته فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في صحته(1)، وإن قيل بالبطلان فيه أيضاً .

المسألة 65: لو قتل العبد حراً خطأً، ثم أعتقه مولاه صح(2) وألزم مولاه بالدية .

_______________________________________________________________

فلا مانع من نفوذ العتق وصحته وهو رافع لموضوعه فيرتفع بارتفاعه، وذكر قدس سره عدة موارد فراجع(1).

(1) أمّا بالنسبة إلى بيعه وهبته، فقد ذكره المحقق بقوله: وكذا البحث في بيعه وهبته(2)، ونسب الجواهر إلى القواعد بقوله: لو باعه أو وهبه وقف على اجازة الولي، وفي شرحها للأصبهاني لتعلق حقه بالرقبة فلا ينتقل إلى الغير بدون إذنه ولا يكفي علم المشتري والمتهب بالحال كما لا يكفي في الرهن(3)، ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وذلك لشمول إطلاقات أدلة نفوذهما لمثل المقام قطعاً ولا تنافي بين صحة البيع ونحوه والاسترقاق، لفرض إمكانه بعد البيع والهبة أيضاً نظراً إلى أن الموضوع باقٍ ومعه لا مانعمن صحتهما نعم إذا كان المشتري جاهلاً بالحال ثبت له الخيار(4).

(2) بعدما مرّ بأنّ المولى ليس مجبراً وهو بالخيار بين دفع الديه أو دفع نفس العبد إلى ولي المقتول، وتؤيد ما ذكرنا رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في عبد قتل حراً خطأً فلما قتله أعتقه مولاه، قال:

ص: 77


1- مباني تكملة المنهاج /2 /71 .
2- الشرائع /4 /209 .
3- الجواهر /42 /138 .
4- مباني تكملة المنهاج /2 /72 .

الشرط الثاني: التساوي في الدين، فلا يقتل المسلم بقتله كافراً ذمياً كان أو مستأمناً أو حربياً، كان قتله سائغاً أم لم يكن(1) .

_______________________________________________________________

فأجاز عتقه وضمنه الدية»(1) وعمرو بن شمر إن كان يزيد بن عبد الله الجحفي الكوفي فهو ضعيف والظاهر أنّه هو، وإن كان غيره فهو مهمل، مضافاً إلى أن الرواية مرسلة إلا أنّها تكون مؤيدة لما ذكرنا .

(1) لا يخفى بأن المسلم لا يُقْتَل بكافرٍ إلا في صورة الاعتياد ولا يفرق بين أن يكون ذمياً أو مستأمناً أو حربياً والمسألة غير خلافية، وأدعى في الجواهر الإجماع بقسميه(2)

فتأمل، ولكن العمدة الروايات .

منها: معتبرة إسماعيل بن الفضل قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة ؟ فقال: لا إلا أن يكون معوّداً لقتلهم فيقتل وهو صاغر»(3).

ومنها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: لايقاد مسلم بذمي في القتل، ولا في الجراحات ولكن يؤخذ من المسلم جناية للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم»(4)، وقوله تعالى: «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(5).

ص: 78


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات النفس ح1.
2- الجواهر /42 /150 .
3- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح6 .
4- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح5 .
5- سورة النساء الآية / 141 .

نعم إذا لم يكن القتل سائغاً عزره الحاكم حسبما يراه من المصلحة(1)، وفي قتل الذمي من النصارى واليهود والمجوس يغرم الدية كما سيأتي، هذا مع عدم الاعتياد(2)، وأمّا لو اعتاد المسلم قتل أهل الذمة جاز لولي الذمي المقتول قتله بعد ردّ فاضل ديته(3) .

_______________________________________________________________

(1) بأن لا يكون كافراً حربياً ويعزر حيث ارتكب ما كان ممنوعاً شرعاً وفعل محرم وحيث لم يحدد تعزيره فيكون حسب نظر الحاكم الشرعي فهو يحدد حسب ما يراه من المصلحة .

(2) والمسألة اتفاقية وأدعى الجواهر عدم الخلاف ولما ورد من الروايات كصحيح محمد بن قيس(1).

(3) كما هو المشهور وادعوا عليه الإجماع ويدل على ذلك روايات صحاح كصحيحة إسماعيل بن فضل، قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دماء المجوس واليهود والنصارى، هل عليهم وعلى من قتلهم شيء، إذا غشوا المسلمين واظهروا العداوة لهم ؟ قال: لا إلا أن يكون متعوداً لقتلهم قال: وسألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة وأهل الكتاب إذا قتلهم ؟ قال: لا إلا أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم، فيقتل وهو صاغر»(2)

وصحيحته الأخرى، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة ؟ قال: لا إلا أن يكون معوداً لقتلهم فيقتل وهو صاغر»(3)

ورواية ثالثة أيضاً عن إسماعيل بنفضل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت له: رجل قتل رجلاً من أهل الذمة، قال: لا يقتل به إلا أن يكون متعوداً

ص: 79


1- قد مر الحديث .
2- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
3- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح6 .

................................

للقتل»(1)،

وغيرها من الروايات .

أمّا رد فاضل الدية فقد ادعوا عليه الإجماع وعرفت حال هذه الإجماعات مراراً، فالعمدة الروايات .

منها: صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل المسلم يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً فأرادوا أن يقيدوا ردوا فضل دية المسلم وأقادوه»(2).

ومنها: معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قتل رجلاً من أهل الذمة، فقال: هذا حديث شديد لا يحتمله الناس ولكن يعطى الذمي دية المسلم، ثم يقتل به المسلم»(3).

ومنها: صحيحة أبي بصير، قال «سألته عن ذمي قطع يد مسلم ؟ قال: تقطع يده إن شاء أولياؤه ويأخذون فضل ما بين الديتين، وإن قطع المسلم يد المعاهد خير أولياء المعاهد، فأن شاؤوا أخذوا دية يده وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم وادّوا إليه فضل بما بين الديتين، وإذا قتله المسلم صنع كذلك»(4).

ص: 80


1- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح7 .
2- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
3- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح3 .
4- الوسائل باب 22 من أبواب قصاص الاطراف ح1 .

المسألة 66: يقتل الذمي بالذمي وبالذمية، بعد ردّ فاضل ديته إلى أوليائه(1)، وتقتل الذمية بالذمية وبالذمي ولو قتل الذمي غيره من الكفار المحقوني الدم قتل به(2).

المسألة 67: لو قتل الذمي مسلماً عمداً، دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا عفو عنه، وإن شاؤوا استرقوه، وإن كان معه مال دفع إلى أوليائه هو وماله(3).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية ولو فرض اختلاف ملتهما لعموم قوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وأنّهم ملّة واحدة ولا فرق بين الذكر والأنثى، ولما ورد في معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان يقول: يقتص اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض ويقتل بعضهم ببعض إذا قتلوا عمداً»(1) وأمّا رد فاضل الدية إلى الأولياء فذلك للإطلاقات .

(2) فلو قتل الذمي الحربي لا يقتل الذمي لعدم حقن دم الحربي كما نقله صاحب الجواهر عن كشف اللثام لقوله: لا يقتل الذمي والمستأمن بالحربي(2)،

نعم الحربي يقتل بالذمي .

(3) يقول المحقق: ولو قتل الذمي مسلماً عمداً دفع هو وماله إلى أولياء المقتول وهم مخيرون بين قتله أو استرقاقه(3)، وقد ادعى الاستاذ الاعظم (قدسسرُّه) عدم الخلاف(4)، وادعى البعض الإجماع والعمدة الروايات، ومنها وهي صحيح ضريس الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام) «في نصراني قتل مسلماً فلما أخذ اسلم، قال: اقتله به،

ص: 81


1- الوسائل باب 48 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الجواهر /42 / 156 .
3- شرائع الإسلام / 4 / 211 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 77 .

ولو أسلم الذمي قبل الاسترقاق، كانوا بالخيار بين قتله والعفو عنه وقبول الدية إذا رضي بها(1).

المسألة 68: لو قتل الكافر كافراً ثم أسلم، لم يقتل به(2)، نعم تجب عليه الدية إن كان المقتول ذا دية .

المسألة 69: لو قتل ولد الحلال ولد الزنا قتل به(3).

_______________________________________________________________

قيل وإن لم يسلم، قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استرقوا، قيل وإن كان معه مال، قال: دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله»(1)، ويؤيد ذلك بقية الروايات .

(1) وليس لهم أي أولياء المقتول حق الاسترقاق لعدم بقاء الموضوع لأن موضوع استرقاق الكافر الذمي فبإسلامه ينتفي الموضوع، إذاً يكون ولي المقتول مخيراً بين قتله، والعفو عنه وأخذ الدية .

(2) أمّا عدم قتله فلعدم المساواة بعد إسلامه، ولأن حكمه كان كحكم من كان مسلماً حال قتله ويؤيده قوله (صلی الله علیه و آله وسلّم) «لا يقتل مؤمن بكافر»(2)،

وأمّا وجوب الدية فلأنّ المسلم إذا قتل الذمي لابد من دفعديته دون الحربي ولأن المقتول ذو دية.

(3) للآية الشريفة: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ولإطلاق الروايات بناءً على القول بإسلامه كما هو الحق، نعم بناءً على قول من يقول بكفره فلا يقتل لعدم التساوي، قال المحقق: ويقتل ولد الرشيدة بولد الزانية لتساويهما في الإسلام(3)،

ص: 82


1- الوسائل باب 49 من أبواب القصاص في النفس ح1.
2- المحلى / 10 / 355 .
3- شرائع الاسلام / 4 / 212 .

المسألة 70: الضابط في ثبوت القصاص وعدمه إنما هو حال المجني عليه حال الجناية، إلا ما ثبت خلافه، فلو جنى مسلم على ذمي قاصداً قتله، أو كانت الجناية قاتلة عادة، ثم أسلم فمات، فلا قصاص(1) وكذلك الحال فيما لو جنى على عبد كذلك، ثم أعتق فمات نعم تثبت عليه في الصورتين دية النفس كاملة .

_______________________________________________________________

ويقول في الجواهر: وعندنا نعم(1)، وقال في المسالك: ولد الرشيدة بفتح الراء وكسرها خلاف ولد الزانية بهما والمراد بكونه يقتل به بعد بلوغه وإظهاره الإسلام كما يرشد إليه التعليل بناءً على الأصح من الحكم بإسلامه كذلك، ومن قال أنّه لا يحكم بإسلامه، قال لا يقتل به ولد الرشيدة ولو قتله قبل البلوغ لم يقتل به مطلقاً لانتفاء الحكم بإسلامه ولو بالتبعية للمسلم لانتفائه عمّن تولد منه(2).

(1) لأنّه لم يقتل مسلماً ولم يكن المساوات بينهما حين القتل وما وردمن الروايات بأنّه يقتل المسلم بالمسلم أنّها ظاهرة في أن العبرة بالإسلام إنما هي حال وقوع الجناية لا حال القصاص، فلا يجوز القصاص حينئذٍ، وكذا الحال فيها إذا قتل العبد فلا قصاص أيضاً، لأنّه لم يقتل حراً حين الجناية وبعبارة أخرى كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه لم يكن قاصداً قتل المسلم(3)،

فيجب عليه دفع الدية في الصورتين .

ص: 83


1- الجواهر /42 / 159 .
2- المسالك /15 / 146.
3- مباني تكملة المنهاج /2 /66.

المسألة 71: لو جنى الصبي بقتل أو بغيره، ثم بلغ لم يقتص منه(1) وإنما تثبت الدية على عاقلته .

_______________________________________________________________

(1) لرفع القلم عنه وأن عمده يحسب خطأ لعدم التكليف لما ورد في الروايات الصحيحة والمعتبرة، منها معتبرة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: عمد الصبي وخطاه واحد»(1)،

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبيه «إن علياً(علیه السلام) كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة»(2)، وفي التحرير: عمده وخطاءه واحد تؤخذ الدية فيهما من عاقلته سواء قتل صبياً أو بالغاً رشيداً(3)،

وكذا في المسالك بأن الرواية الواردة بالاقتصاص عن الصبي إذا بلغ عشراً لم تقف عليها بخصوصها، ولكن الشيخ لما روى عن أبي بصير عن الباقر (علیه السلام) «أنّه سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلاً فقال: إن خطأ المرأة والغلام عمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما»(4)، حمل هذه الرواية على بلوغ الغلام عشرة سنين أو خمسة أشبار نعم روى الحسن بن راشد عن العسكري (علیه السلام) «قال إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله وقد جلب عليه الفرائض والحدود»(5).

وأمّا الرواية الدالة على أن البالغ خمسة أشبار يقام عليه الحد فرواها السكوني عن أبي عبدالله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام)سئل عن رجل وغلام اشتركا في قتل رجل، فقال إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإذا لم يكن قد بلغ خمسة أشبار قضي بالدية»(6)، ثم قال إن هذه الروايات مع ضعف سندها شاذة

ص: 84


1- الوسائل باب11 من أبواب العاقلة ح2.
2- الوسائل باب 11من أبواب العاقلة ح3.
3- التحرير /5 / 463 .
4- الوسائل باب 34 من أبواب القصاص ح3.
5- الوسائل باب 15 من ابواب احكام الوقوف والصدقات ح4.
6- الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 72: لو رمى سهماً وقصد به ذمياً أو كافراً حربياً أو مرتداً، فأصابه بعدما أسلم، فلا قود، نعم عليه الدية(1)، وأمّا لو جرح حربياً أو مرتداً فأسلم المجني عليه، وسرت الجناية فمات، فهل عليه الدية أم لا ؟ وجهان الظاهر هو الأول(2).

المسألة 73: لو رمى عبداً بسهم، فأعتق ثم أصابه السهم فمات فلا قود ولكن عليه الدية(3).

المسألة 74: إذا قطع يد مسلم قاصداً به قتله، ثم ارتد المجني عليه فمات، فلا قود في النفس ولا دية(4).

_______________________________________________________________

مخالفه للأصول الممهدة، بل لما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ فلا يلتفت إليها(1).

(1) لأن الاعتبار إنما هو بحال الرمي، وفي تلك الحالة كان قصده الذمي أو الحربي أو المرتد، فلا قصاص عليه، ولكن بما أن قتل المسلم مستند إليه فلابد من اعطاء الدية، ولما ورد من قوله (علیه السلام) «ولا يذهب دم امرئ مسلم هدراً» كما تقدم ذلك، أمّا ما قيل من عدم وجوب الدية ففيه ضعف .(2) لأنّه على أي حال قتل المسلم مستند إليه في نظر العرف وحينما مات كان مسلماً، فلابد من إعطاء الدية لكي لا يصبح دمه هدراً .

(3) أمّا عدم القود فلأنّه لم يكن قاصداً قتل الحر، وأمّا وجوب الدية لأنّ قتل الحر استند إليه وإذا صدق عليه قتل الحر فلابد من إعطاء الدية .

(4) لأنّه بعد إن ارتد فلا قصاص ودمه هدر والمسلم لا يقتل بالكافر ولا دية عليه بل لا تقطع يده لعدم التكافؤ والتكافؤ في الإسلام ليس بحاصل كي يصدق قتل المسلم عمداً ولأنّ موضوع الحكم هو قتل المسلم عمداً .

ص: 85


1- المسالك /15 / 163 .

وهل لولي المقتول الاقتصاص من الجاني بقطع يده أم لا ؟ وجهان ولا يبعد عدم القصاص(1)، ولو ارتد ثم تاب ثم مات، فالظاهر ثبوت القصاص(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّه إذا لم يجز الاقتصاص في حال الحياة لأنّه ليس بمسلم فكيف الحق للاقتصاص يثبت بعد موته .

(2) يقول المحقق: ففي القصاص تردد أشبهه ثبوت القصاص(1)، وفاقاً لما نسبه في الجواهر وفاقاً للفاضل وغيره وإلى المحكي عن أبي علي والشيخ في الخلاف(2)بقوله للشافعي قولان أحدهما مثل ما قلنا، والثاني لا قود عليه دليلنا قوله تعالى: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» و«الْحُرُّ بِالْحُرِّ» و«َالأنْثَى بِالأنْثَى» ولم يفصل، قال في الجواهر: والفرض أنّه مسلم حالته فلا يسقط الضمان بالارتداد المتخلل بين الابتداء والاستقرار بعد تحقق عنوان القصاص(3)

فالتساوي فيالقصاص موجود، ولو فرض أنّه ارتد عن الفطرة كما يقوله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أنّه مسلم حال الموت وإن كان ارتداده عن فطرة فضلاً عن غيره لما ذكرنا من أن عدم قبول توبته إنما هو بالنسبة إلى الأحكام الخاصة الثابتة له لا بالنسبة إلى إسلامه واقعاً فهو مسلم حقيقة وتترتب عليه احكام الاسلام(4)

فالقصاص ثابت خلافاً لما نسب إلى المبسوط بقوله: فأما إن قطع يد مرتد ثم أسلم ثم مات أو يد حربي ثم أسلم ثم مات، فكان القطع حال كفره والسراية حال إسلامه فلا قود(5).

ص: 86


1- شرائع الاسلام /4 /213.
2- الخلاف / 5 / 164 .
3- الجواهر / 42 / 162 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 68 .
5- المبسوط /5 /29 .

المسألة 75: لو قتل المرتد ذمياً، فهل يقتل المرتد أم لا ؟ وجهان الأظهر أنّه يقتل به، ولو عاد إلى الإسلام لم يقتل حتى وإن كان فطرياً(1).

المسألة 76: لو جنى مسلم على ذميّ قاصداً قتله، أو كانت الجناية قاتلة عادة، ثم ارتد الجاني وسرت الجناية فمات المجني عليه(2) قيل لا قود عليه، لعدم التساوي حال الجناية، والأظهر ثبوت القود .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّ المرتد تارة يتوب ويرجع إلى الإسلام وأخرى لا، أمّا في الصورة الثانية، فإنّه يقتل لإطلاق الآية: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» للتساوي في الكفر، والإطلاق شامل له، إذاً الخارج هو عنوان المسلم فبما أنّ المرتد ليسبمسلم فهو داخل تحت إطلاق الكفر، ويقتل بالكافر ذمياً كان أو غيره، وبما أن المرتد القاتل ليس بمسلم كما هو المفروض، فلا يترتب عليه حكم الإسلام فيشمله إطلاق الآية فمقتضاه أنّه يقتل سواء كان ارتداده عن فطرة أو ملة، وأمّا إذا تاب المرتد ولو كان فطرياً بعد ما مرّ بأنّه مسلم حقيقة ولو لم تقبل توبته إلا في بعض الأحيان، ولم ترفع عنه الأحكام الخاصة التي تثبت عليه بارتداده، ومنها القتل ولكن لا يقاد لعموم «لا يقاد مسلم بكافر» فلا يقتل وإن تكافئا حال الجناية .

(2) قيل لا قصاص وادعى البعض عدم الخلاف لعدم التساوي حال الجناية فلا يصدق أنّه كافر قصد قتل كافر، فلو قتل المسلم ذمياً ثم ارتد فإنّه لا يقتل به، ولكن كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: لإطلاق أدلة القصاص لقوله تعالى: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» ولا دليل على تقييده بغير المفروض في الكلام، ولا فرق في ذلك بين كون ارتداده عن فطرة أو ملة(1).

ولكن الحق عدم القصاص لأن العبرة حال الجناية وفي هذه الحالة كان

ص: 87


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 82 .

المسألة 77: لو قتل ذميّ مرتداً قتل به(1)، وأمّا لو قتله مسلم فلا قود عليه لعدم الكفاءة في الدين(2)، وأمّا الدية ففي ثبوتهما قولان الأظهر عدم ثبوتها في قتل المسلم غير الذميّ من أقسام الكفار(3).

المسألة 78: إذا كان على مسلم قصاص، فقتله غير الولي بدون إذنه، ثبت عليه القود(4).

_______________________________________________________________

مسلماً، لا حال الاستيفاء .

(1) والمسألة غير خلافية ويقول المحقق لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي(1)،

فيشمله قوله تعال: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وليس هناك دليل على التقييد وأنّه ليس مباح الدم بالنسبة إلى كل أحد، وهذا لا يفرق بين المرتد الملّي والفطري .

(2) لعدم التكافؤ، لأنّ المرتد بحكم الكافر .

(3) لأنّه كافر، ولا دليل على وجوب الدية على الكافر مطلقاً، فقط خرج الذميّ فإنّه لابد من الدية .

(4) لأنّه بالنسبة إلى غير الولي يكون محقون الدم، وهذا القتل منه يكون ظلماً فتشمله الآية: «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» فلولي المقتول حق القصاص ويقول في المسالك: من ثبت عليه القصاص معصوم الدم بالنسبة إلى غير ولي القصاص وحق قتله خاص بوليه(2).

ص: 88


1- شرائع الإسلام / 4 / 213 .
2- المسالك /15 / 155 .

المسألة 79: لو وجب قتل شخص بزنا أو لواط أو نحو ذلك غير سب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقتله غير الإمام (علیه السلام) قيل أنّه لا قود ولا دية عليه ولكن الأظهر ثبوت القود أو الدية مع التراضي(1).

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: ولو وجب قتله بزنا أو بلواط فقتله غير الإمام (علیه السلام) لم يكن عليه قود ولا دية لأن علياً (علیه السلام) قال: «لرجل قتل رجلاً وأدعى أنّه وجده مع امرأته، عليك القود إلا أن يأتي ببينة»(1).

ولعل نظره إلى رواية سعيد بن مسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري أن ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امراته فقتله، فاسال لي علياً (علیه السلام) عن هذا، قال: أبو موسى فلقيت علياً (علیه السلام) فسألته إلى أن قال «فقال: أنا أبو الحسن أن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد، وإلا دفع برمته»(2) ولكن الرواية ضعيفة من جهة السند والدلالة لاختصاصها بالزوج .

والحق ثبوت القود والدية مع التراضي للإطلاقات والعمومات، وعن العلامة في القواعد لا يقول بوجوب القتل بقوله: لو وجب على أنّه زانٍ أو لائط قتل لم يجب على قاتله دية، ولا قود لما روي «إن علياً (علیه السلام) قال لرجل قتل رجلاً وأدعى أنّه وجده على امرأته، عليك القود إلا أن تأتي بالبينة وهذا حكم ينسحب على كل قريب للرجل أو ولد أو مملوك، وهل ينسحبعلى الاجانب ؟ إشكال(3)

أي أن التعدي إلى الأقارب مفروغ عنه، والإشكال في غير محله، إذاً القود ثابت والدية مع التراضي .

ص: 89


1- شرائع الاسلام / 4 / 213 .
2- الوسائل باب 69 من أبواب القصاص في النفس ح2.
3- القواعد / 3 / 606 .

المسألة 80: لا فرق في المسلم المجني عليه بين الأقارب والاجانب(1) ولا بين الوضيع والشريف، وهل يقتل البالغ بقتل الصبي ؟ قيل نعم(2) وهو المشهور، وفيه إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

(1) وذلك لشمول إطلاق قوله تعالى: «أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»ومضافاً إلى ما ورد في صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) خطب الناس في مسجد الخيف، فقال: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها إلى أن قال المسلون أخوة تتكافأ دمائهم ويسعى بذمتهم أدناهم»(1).

(2) وفاقاً للمشهور وعن المسالك بقوله: القول بقتل البالغ بالصبي مذهب أكثر الأصحاب، بل هو المذهب، فعموم الأدلة المتناولة له(2)،

وعن السرائر بقوله: ومن قتل صبياً متعمداً، والصبي غير بالغ قتل به ووجب عليه القود على الأظهر من أقوال أصحابنا ولقوله تعالى :«أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وليس هذا كمنْ قتل مجنوناً عمداً، لأنّ الإجماع منعقد أنّه لا قود على قاتل المجنون، وليس معنا إجماع منعقد على أنّه ليس على قاتل الصبي غير البالغ قود، وأيضاً القياس عندنا باطل(3).

مضافاً إلى أنّه مخالف لخصوص مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كل من قتل بشيء صغيراً أو كبيراً بعدأن يتعمد فعليه القود»(4)

مع الانجبار بعمل الأصحاب فتأمل .

ويؤيده ما قال في كشف اللثام: من أنّه لم نظفر له بمستند والحمل على

ص: 90


1- الوسائل باب 31 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- المسالك / 15 / 164 .
3- السرائر / 3 / 394 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب القصاص في النفس ح4 .

................................

المجنون قياس، والرواية وإن كانت مرسلة ولكن الدلالة تامة، نعم رواه الصدوق بسند صحيح، ولكن دلالته غير تامة أي «كل من قتل بشيء صغيراً أو كبيراً» فصغيراً يكون صفة للشيء .

وقد استدل الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) على عدم القود بصحيحة أبي بصير _ بعني المرادي _ قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود ولا دية، ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين، قال: وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها ورثة المجنون، ويستغفر الله ويتوب»(1).

قد يقال بأن الرواية وردت في المجنون فلا يمكن التعدي إلى الصغير ولكن يمكن استفادة الكبرى الكلية منها فتشمل الصغير أيضاً حيث إنّه لا يقاد من الصغير، وقالوا الرواية اعرض عنها المشهور .

قلنا لا يضر اعراض المشهور، والعجب مما ذكره الاستاذ الاعظم (علیه السلام) بقوله: إن تم إجماع مع أن الإجماع ليس بحجة عنده .

ص: 91


1- الوسائل باب 28 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أباً للمقتول، فإنّه لا يقتل بقتل أبنه(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، كما ادعي الإجماع منا ومن أكثر العامة وفي المسالك بقوله: لا قصاص على الوالد بقتل الولد ذكراً كان أو أنثى إجماعاً منّا ومن أكثر العامة لقوله (صلی الله علیه و آله وسلّم): «لا يقاد الوالد بالولد»(1)

وقول الصادق (علیه السلام) «لا يقتل الأب بأبنه إذا قتله، ويقتل الابن بأبيه إذا قتل أباه»(2)،

ولأن الوالد سبب وجود الولد، فلا يحسن أن يصير الولد سبباً معدماً له، ولا يليق ذلك بحرمة الأبوة والرعاية، حرمة لم يحد لقذفه(3)،

وأدعى في الجواهر الإجماع بقسميه(4)، ولكن العمدة الروايات .

منها: صحيحة حمران عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «لا يقاد والد بولده»(5) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن الرجل يقتل أبنه أيقتل به قال: لا»(6).

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) «إن علياً كان يقول: لا يقتل والد بولده إذا قتله»(7).

ومنها: صحيحة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وقضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطعوغيره ويكون له الدية، ولا يقاد»(8).

ص: 92


1- مسند أحمد / 1/ 22 .
2- الوسائل باب 32 قصاص النفس ح6 .
3- المسالك / 15 / 156 .
4- الجواهر /42 / 169 .
5- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
6- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
7- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح8 .
8- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح10 .

وعليه الدية ويعزر(1)، وهل يشمل الحكم أب الأب أم لا وجهان لا يبعد الشمول(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا وجوب الدية فللعموم، ولم يدل دليل على سقوطه من الأب فتشمله الإطلاقات، مضافاً إلى أن دم المسلم لا يذهب هدراً، ويعطي الدية إلى غيره من الوارثة، لأنّ القتل مانع من موانع الارث .

وأمّا التعزير فيكون حسبما يراه الحاكم، ولما ورد في كتاب الحدود من ثبوت التعزير لكل معصية كبيرة، وأمّا ما ورد من خبر جابر عن أبي جعفر (علیه السلام) «في الرجل يقتل أبنه أو عبده، قال (علیه السلام): لا يقتل به، ولكن يضرب ضرباً شديداً، أو ينفى عن مسقط رأسه»(1)،

والرواية بما أنّها ضعيفة من جهة سندها تكفي للتأييد، ويقول في الجواهر بما يراه الحاكم(2)، العمدة أن الرواية ضعيفة، فلا يجب النفي لعدم الدليل.

(2) المشهور عدم قتله وادعى البعض الإجماع، نعم عن المحقق التردد كما في النافع وبعض الناس لكنه في غير محله(3)

لأن إطلاق صحيحة حمران بقوله «ولا يقاد والد بولده» وصحيحة ظريف «وقضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده» التي مرّ ذكرها تفصيلاً، يقتضي شمول الوالد لأب الأب عرفاً وعن المسالك من أنّه: ويحتمل اختصاص الحكم بالأب لأنّه المتيقن في مخالفةعموم الآية لأن الجد ليس أباً حقيقة كما تقدم نظائره، والحق أنّ الموضوعات بيد العرف، والعرف يطلق عليه الأب، لا بل أن القرآن الكريم نص على ذلك في سورة البقرة: Pوَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا

ص: 93


1- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح9 .
2- الجواهر /42 / 170 .
3- الجواهر /42 / 170 .

المسألة 81: لو قتل شخصاً، وادعى أنّه ابنه، لم تسمع دعواه ما لم تثبت بينة أو نحوها(1)، فيجوز لولي المقتول الاقتصاص منه، وكذلك لو ادعاه اثنان، وقتله أحدهما أو كلاهما(2)، مع عدم العلم بصدق أحدهما وأمّا إذا علم بصدق أحدهما أو ثبت ذلك بدليل تعبدي، ولم يمكن تعيينه فلا يبعد الرجوع فيه إلى القرعة .

_______________________________________________________________

نَعْبُدُ إِلَهَكَ قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ O(1)، فالأب يشمل أب الأب كما أن لفظ الابن يشمل ابن الأبن حتى أن الأب ولو كان كافراً ولم يكن كفؤاً أيضاً لا يقتل بالولد المسلم للإطلاق، ولو لم يكونا متكافئين في الإسلام .

(1) إلا في صورة ما أن يسمع دعواه، بأن كان مشهوراً بين الناس أنّه ولده وولد على فراشه مع وجود بقية الشرائط، أو كان تحت يده وقلنا بأنّه ذو اليد، فإنّه لا إشكال في عدم جواز قتله، أو يثبت بالبينة وإلا يجوز للولي قتله، فإنه يمكن اثبات موضوع جواز القتل بالأصل، أي الموضوع وهو ثبوتالقصاص، فأنّ أحد أجزاء الموضوع ثبت بالأصل وهو عدم الأبوة والثاني بالوجدان وهو القتل بناءً على جريان استصحاب العدم الأزلي فتأمل.

(2) فإنّه يقتل القاتل كان أحدهما أو كلاهما لعدم ثبوت الأبوة بينهما أمّا مع العلم بصدق أحدهما المعين وهو القاتل، فلا يقتل به ويقتل الثاني لو كان قاتلين .

وأمّا لو علم بصدق أحدهما غير المعين أو ثبت بدليل تعبدي ولم يمكن تعينه، يقول الماتن: لا يبعد ثبوته بالقرعة، ولعل عدم جواز قتله فيما ادعيّاه ولو

ص: 94


1- البقرة الآية / 132 _ 133 .

................................

قتلاه كلاهما فالمشهور عدم جواز قتلهما، لإنّ الاحتمال قائم في كل منهما وهو يكون سبباً للدرء ومانعاً من التهمة في الدم، وأمّا من قال بالقرعة فلما ورد من الروايات، مضافاً إلى إطلاقات باب القرعة فإنّه يستفاد في باب القضاء بأن كل دعوى بين المتخاصمين إذا لم يثبت بإحدى الطرق الشرعية فلابد من القرعة، ومن جملة الموارد محل البحث وهو الدعوى في بنوة شخص، وقد وردت روايات في هذا .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا وقع الحر والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد وادعوا الولد أُقرع بينهم، وكان الولد للذي يقرع»(1).

ومنها: صحيحة عاصم عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (علیه السلام) «بعث رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) علياً (علیه السلام) إلى اليمن،فقال له حين قدم حدثني بأعجب ما ورد عليك، فقال: يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية، فوطأها جميعهم في طهر واحد، فولدت غلاماً فاحتجوا فيه كلهم يدعيه، فأسهمت بينهم، فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم): ليس من قوم تنازعوا، ثم فوضوا امرهم إلى الله، إلا خرج سهم المحق»(2).

ص: 95


1- الوسائل باب 13 من أبواب كيفية الحكم ح1 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب كيفية الحكم ح5 .

المسألة 82: لو قتل الرجل زوجته، وكان له ولد منها فهل يثبت حق القصاص لولدها ؟ المشهور عدم الثبوت، وهو الصحيح(1) كما لو قذف الزوج زوجته الميتة ولا وارث له إلا ولدها منه .

_______________________________________________________________

(1) هناك قولان في المسألة القول الأول هو الجواز، وذلك بأنّ الدليل الدال على أنّ الوالد لا يقتل بولده لا يشمل المورد، لأنّ الظاهر عدم قتله فمقتضى العمومات هو الجواز، وقيل بعدم الجواز، والقائل به الشيخ بقوله رجل له زوجة وله منها ولد فقتل هذا الرجل زوجته لم يرثها، ورثها ولده ولم يرث القصاص من أبيه لأنّه لو قتله أبوه لم يملك القصاص عليه(1)

والفاضل وكما عليه المشهور، وفي المسالك بقوله: كما لا يثبت القود للولد على والدهبالأصالة وكذا التبعية والارث على المشهور، قطع بذلك الشيخ في المبسوط والعلامة في كتبه لعموم الأدلة وصلاحية العلة المقتضية بذلك(2)،

وذكر ذلك صاحب القواعد بقوله: ولو قتل زوجته والولد هو الوارث أو قتل زوجة الابن ولا وارث سواه فلا قصاص(3).

ولكن الحق هو عدم الجواز لأنّ النص الذي دل على أن الوالد لا يقتل بولده وإن لم يشمل المقام ولكن يكفي عموم التعليل في ذيل صحيحة محمد ابن مسلم الوارد في قذف الوالد ولده عن الإمام الباقر (علیه السلام) «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: لو قتله ما قُتل به، وإن قذفه لم يجلد له إلى أن قال وإن كان قال لأبنه يابن الزانية وأمه ميتة ولم يكن لها مَنْ يأخذ بحقها منه إلا ولدها منه، فإنّه لا يقام عليه الحد، لأن حق الحد صار لولده منها، فإن كان لها ولد من

ص: 96


1- المبسوط / 5 / 12 .
2- المسالك / 15 / 159 .
3- القواعد /3 / 608 .

المسألة 83: لو قتل أحد الأخوين أباهما والآخر أمهما، فلكل واحد منهما على الآخر القود، فإن بدر أحدهما فاقتص(1)، كان لوارث الآخر الاقتصاص منه(2).

_______________________________________________________________

غيره فهو وليها يجلد له»(1)،

ويظهر من هذا الحديث بعموم العلة التي تشمل المقام وأنّه لا قود عليه خلافاً للمحقق بقوله: ولو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص لولدها منه، قيل لا، لأنّه لا يملك أن يقتص من والده ولو قيل يملكهنا أمكن اقتصار المنع على مورد النص(2)، هذا إذا كان الولد منه، أمّا إذا كان من غيره فعليه القصاص .

(1) الكلام بعد أن يكون لكل واحد منهما حق الاقتصاص من الآخر بعد إن ارتكب كل واحد القتل العمدي، يجوز لكل واحد مبادرة في الاقتصاص ولا يحتاج إلى القرعة عند التشاح، نعم لو فرض أن حكم الاقتصاص متوقف على حكم الحاكم فلابد من الرجوع إلى القرعة حتى لو فرض أحدهما أقدم جناية، فلا دليل على جواز مبادرته .

(2) لأنّ كل الحقوق المثبتة تنتقل إلى ورثته، وهذا حق من الحقوق إذاً الورثة يقومون مقام مورثهم في مقام استيفاء الحق .

ص: 97


1- الوسائل باب 14من أبواب حد القذف ح1 .
2- الشرائع /4 / 214 / 215 .

الشرط الرابع: أن يكون القاتل عاقلاً بالغاً، فلو كان مجنوناً لم يقتل(1) من دون فرق في ذلك بين كون المقتول عاقلاً أو مجنوناً، نعم تحمل على عاقلته الدية، وكذلك الصبي لا يقتل بقتل غيره صبياً كان أو بالغاً وعلى عاقلته الدية، والعبرة في عدم ثبوت القود بالجنون حال القتل.

_______________________________________________________________

(1) بلا فرق بين أن يكون مطبقاً أو أدوراياً إذا قتل حال جنونه والمسألة غير خلافية، وادعى في الجواهر الإجماع بقسميه(1)، وهكذا فالمقتول عاقلاً أو مجنوناً مطبقاً أو أدوارياً للإطلاقات والدية تكون على عاقلته، لأنّ عمده خطأ وهكذا بالنسبة إلى الصبي لا يقتل بقتل غيره صبياً كان أو بالغاً والدية تكون على عاقلته، والعمدة الروايات .

منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمداً»(2)وصحيحته الأخرى عمد الصبي وخطأه واحد(3)،

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبيه عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة»(4).

ومنها: معتبرة إسماعيل بن زياد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) يسأله عن رجلمجنون قتل رجلاً عمداً فجعل الدية على قومه وجعل خطأه وعمده سواء»(5)،

وبإزاء هذه الروايات هناك روايات أخرى مختلفة في تحديد عمر الصبي القاتل بالنسبة إلى البلوغ ولذا نقل أنه استدل

ص: 98


1- الجواهر /42 /177 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح2 .
4- الوسائل باب 11 من أبواب حد القذف ح3 .
5- الوسائل باب 11من أبواب حد العاقلة ح5 .

................................

الشيخ في المبسوط والاستبصار والنهاية برواية العشر سنين وفي المسالك والجواهر: إنا لم نظفر بها مسندة كما اعترف به غير واحد من الاساطين، ولكن في رواية مقطوعة ومرسلة في الكتب إذا بلغ الصبي عشر سنين(1)

وبما أنّها مرسلة لا تصلح للمعاقبة، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولعل الشيخ قد استند في ذلك إلى صحيحة أبي أيوب الخزاز «قال: سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام ؟ قال: إذا بلغ عشر سنين، قلت: ويجوز أمره ؟ قال، فقال: إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته»(2).

ولكن الرواية لا يمكن العمل بها لأنّها نقلت عن غير المعصوم فقوله ليست بحجة تكون مبنية على قياس فاسد وباطل، ونسب إلى الشيخ في الاستبصار بأن الصبي إذا بلغ خمسة اشبار اقتص منه .

واستدل على ذلك بمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه فقال أمير المؤمنين (علیه السلام)إذا بلغ الغلام خمسة اشبار اقتص منه، وإذا لم يكن يبلغ خمسة اشبار قضي بالدية»(3).

ولا يخفى أن هذه الرواية لابد من طرحها ورد علمها إلى أهله، لأن ما ذكر فيه من القاعدة غير تام، ولو فرض أن صبيين متساويين في السن إذا بلغ طول أحدهما خمسة اشبار فقتلا نفساً متعمدين فكيف يقتص منه دون الآخر وهذا مقطوع البطلان، وأنه ورد في صحيحة سليمان بن حفص المروزي عن الرجل

ص: 99


1- الجواهر /42 / 180 .
2- الوسائل باب 22 من أبواب الشهادات ح3 .
3- الوسائل باب 36 من أبواب القصاص في النفس ح1.

فلو قتل وهو عاقل ثم جنّ لم يسقط عنه القود(1).

_______________________________________________________________

«قال: إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود، وإذا تمّ للجارية تسع سنين فكذلك»(1)، وهذه لم تعارض تلك الصحاح، مع أنّه في كثير من الموارد والمناسبات في أبواب الفقه أن البلوغ في الغلام خمسة عشر سنة فلابد من طرحها .

(1) ولو قتل وهو عاقل ثم جن فيقتل لأطلاق الروايات، والرواية الدالة على عدم قتل المجنون إنما هي إذا قتل وهو مجنون فلا تشمل المورد وهكذا أدلة رفع القلم، وتؤيد ذلك رواية بريد بن معاوية العجلي «قال: سئل أبو جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً عمداً، فلم يقم عليه الحد ولم تصح الشهادة عليه حتى خولط وذهب عقله، ثم إن قوماً آخرين شهدوا عليه بعدما خولط أنّه قتله، فقال: إن شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس بهعلة من فساد عقل قتل به، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل، وإن لم يكن له مال اعطي الدية من بيت المال، ولا يبطل دم أمرئ مسلم»(2)

والرواية ضعيفة بخضر الصيرفي وهو مجهول .

ص: 100


1- الوسائل باب 28 من أبواب حد السرقة ح13 .
2- الوسائل باب 29 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 84: لو اختلف الولي والجاني في البلوغ وعدمه حال الجناية، فادعى الولي أنّ الجناية كانت حال البلوغ، وأنكره الجاني كان القول قول الجاني مع يمينه، وعلى الولي الإثبات، وكذلك الحال فيما إذا كان مجنوناً ثم أفاق فادعى الولي أنّ الجناية كانت حال الإفاقة وادعى الجاني أنّها كانت حال الجنون، فالقول قول الجاني مع يمينه(1)، نعم لو لم يكن الجاني مسبوقاً بالجنون فادعى أنّه كان مجنوناً حال الجناية فعليه الإثبات، وإلا فالقول قول الولي مع يمينه .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية حسب ما ادعى البعض ولاستصحاب صغره وأنّه منكر فاليمين عليه ولمدعي القصاص الإتيان بالبينة، وإذا لم يكن عنده بينة فيقدم قول الجاني لأنّ البينة على المدعي واليمين على من أنكر، هذا إذا كان المدعى عليه حال الدعوى بالغاً، وإلا فلا موجب للحلف، ولكن مع إقراره تثبت الدية في ماله، وهكذا لو كان مجنوناً ثم أفاق وادعى بأنّه وقع القتل حال الجنون، وذلك لأنّ الأصل هو بقاء جنونه والولي مدعٍ وهو منكر فعليه الحلف، ولكن قد يختلف فيصبح الولي منكراً والجاني مدعياً، هو ما إذا لم يكن مسبوقاً بالجنون وادعى أنّه وقع القتل حال الجنون فلابد من الإتيان بالبينة وإلا فالقول قول الولي مع يمينه ولاستصحاب عدم تحقق الجنون في زمان تحقق الجناية فعلى الجاني الإتيان بالبينة للإثبات والولي منكر فيحلف .

ص: 101

المسألة 85: لو قتل العاقل مجنوناً لم يقتل به(1) نعم عليه الدية إن كان القتل عمدياً أو شبيه عمد .

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية حتى لو كان الجنون أدوارياً، وقد نسب هذا إلى الغنية وغيرها بقوله: ومنها أن يكون القاتل بالغاً كمال العقل، فإنّ حكم العمد ممن ليست هذه حاله، حكم الخطأ بدليل إجماع الطائفة ويحتج على المخالف بما رواه من قوله (علیه السلام) «رفع القلم عنه ثلاث» ومنها أن لا يكون المقتول مجنوناً بلا خلاف بين أصحابنا(1)، وكذا نسب إلى كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب، وعن كشف الرموز أدعاء الإجماع لأطلاق الدليل الذي لا يفرق بين القسمين من الجنون حتى ولو كان قتله عن عمد، وتدل على ذلك صحيحة أبي بصير المرادي قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلا مجنوناً، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شيء عليه من قود ولا دية ويعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين، قال: وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، ويستغفر الله ويتوب إليه»(2).

ص: 102


1- الغنية / 1 / 403 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 86: لو أراد المجنون عاقلاً فقتله دفاعاً عن نفسه أو عمّا يتعلق به، فالمشهور أنّ دمه هدر(1)، فلا قود ولا دية عليه .

وقيل إنّ ديته على بيت مال المسلمين، وهو الصحيح(2).

_______________________________________________________________

(1) أي فلا قصاص عليه ولا غيره كما عليه المحقق بقوله: ولو قصد العاقل دفعه كان هدراً، وفي رواية في بيت المال(1)،

يقول في الجواهر: لا قصاص ولا دية على القاتل ولا على عاقلته، بل ولا غيرهم وكما عن النهاية والمهذب والسرائر وكشف الرموز والتنقيح والمقتصر وروض الجنان ومجمع البرهان وغيرها(2).

وأمّا قول الرياض: لا دية على العاقل ولا عاقلته اتفاقاً ظاهر فتوى ونصاً خاصاً وهو الصحيح المتقدم، وعاماً وهو كثير وشطر منه، قد تقدم في كتاب الحدود في اواخر الفصل السادس في حد المحارب(3)

وعن غاية المرام أنّه المشهور، والحق ديته على بيت مال المسلمين كما عليه الاستاذ(4)

الاعظم (قدس سرُّه) لصحيحة أبي بصير بقوله: «إن كان المجنون أراد فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء من قود ولا من دية ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين»(5)

لأن دم المسلم لا يذهب هدراً كما مرّ .

(2) وتؤيد ذلك رواية أبي الورد قال: «قلت لأبي عبد الله أو لأبي جعفر (علیهما السلام) اصلحك الله، رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنونضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله، فقال: أرى أن لا يقتل به ولا يغرم ديته، وتكون ديته على الإمام، ولا يبطل دمه»(6)

والرواية تكون قابلة للتأييد وإن

ص: 103


1- الشرائع / 4 / 216 .
2- الجواهر / 42 / 185 .
3- الرياض / 16 / 257 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 96 .
5- قد مرت .
6- الوسائل باب 28من أبواب القصاص في النفس ح2 .

المسألة 87: لو كان القاتل سكراناً، فهل عليه القود أم لا ؟ قولان نسب إلى المشهور الأول(1)، وذهب جماعة إلى الثاني، ولكن لا يبعد أن يقال أنّ من شرب المسكر إن كان يعلم أن ذلك مما يؤدي إلى القتل نوعاً وكان شربه في معرض ذلك فعليه القود، وإن لم يكن كذلك، بل كان القتل اتفاقياً، فلا قود عليه بل عليه الدية .

_______________________________________________________________

كانت ضعيفة من جهة السند وكانت تامة من جهة الدلالة .

(1) قال المحقق: وفي ثبوت القود على السكران تردد والثبوت أشبه لأنّه كالصاحي في تعلق الأحكام(1)،

يقول في الجواهر: وفاقاً للأكثر(2)، كما في المسالك: منشأ التردد أن الشارع لم يعذر السكران مطلقاً، بل نزله منزلة الصاحي فيقتص منه وهو اختيار الأكثر، ومن أن القصد شرط في العمد وهو منتفٍ في حقه وتنزيله منزلة الصاحي مطلقاً ممنوع ولعل هذا الأظهر(3)

وما عن الجواهر بقوله: بل قد يظهر في غاية المراد نسبته إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه، بل في الايضاح دعواه صريحاً عليه ناسباً له مع ذلك إلىالنص، ذكر ذلك في مسألة شارب المرقد والمبنج(4)،

ولعل المراد من النص هو معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فسجنهم فمات منهم رجلان وبقي رجلان، فقال أهل المقتولين يا أمير المؤمنين اقدهما بصاحبينا فقال للقوم ما ترون ؟ قالوا: نرى أن تقيدهما، فقال علي (علیه السلام) للقوم، فلعل دينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا:

ص: 104


1- الشرائع / 4 / 216 .
2- الجواهر / 42 / 186 .
3- المسالك / 15 / 165 _ 166 .
4- الجواهر / 42 / 186 .

................................

لا ندري فقال علي (علیه السلام): بل اجعل دية المقتولين على قبائل الاربعة وآخذ دية جراحة الباقيين من دية المقتولين»(1).

ولا يخفى بأنه يظهر من ظاهر الرواية مسلّمية القود لو فرض العلم بأن الباقيين قتلاهما، قد يقال كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من الفرق بين ما إذا علم السكران قبل سكره أنّ شربه المسكر يوقعه في معرض القتل وأنّه يؤدي إليه نوعاً، فهو بشربه قاصداً للقتل فيكون القتل المترتب على السكر قتلاً عمدياً، وأمّا إذا لم يكن كذلك وكان القتل اتفاقياً لم يجرِ عليه أحكام القتل العمدي، وإنما يترتب عليه الدية(2)، كما يدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في أربعة شربوا مسكراً، فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان وجرح اثنان فأمر المجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة وقضى بدية المقتولين علىالمجروحين، وأمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية، فإن مات المجروحان، فليس على أحد من أولياء المقتولين شيء»(3)، فحمل تلك الرواية على ما إذا قصد القتل من البداية، أو إذا لم يكن من قصدهما ذلك .

ص: 105


1- الوسائل باب1 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 97 .
3- الوسائل باب1 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 88: إذا كان القاتل أعمى، فهل عليه القود أم لا ؟ قولان نسب إلى أكثر المتأخرين الأول(1)، ولكن الأظهر عدمه نعم تثبت الدية على عاقلته وإن لم تكن له عاقلة فالدية في ماله، وإلا فعلى الإمام .

_______________________________________________________________

(1) المشهور بين المتأخرين أن الأعمى كالمبصر في وجوب القصاص عليه إذا صدر منه عن عمد، ونسب إلى غاية المراد وروض الجنان، وقال الماتن وجملة من متأخري المتأخرين، وفي الجواهر: وعن أبي علي والشيخ والصهرشتي والطبرسي وابني البراج وحمزة، بل والصدوق في ظاهره العمل بها، بل في غاية المراد هذا القول مشهور بين الأصحاب، وبه هذا الأثر فجاز مخالفة الأصل، وعن ثاني الشهيدين في روض الجنان موافقته على ذلك(1) أقول لو كنا نحن والقاعدة لابد من القول بوجوب القصاص.

ولكن هناك رواية صحيحة وهي عن محمد الحلبي قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله، قال: فقال أبو عبد الله (علیه السلام) هذان متعديان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى، والاعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقله لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين، ويرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه»(2)،ومعتبرة أبي عبيدة، قال: «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن أعمى فقأ عين صحيح، فقال: إن عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام ولا يبطل حق أمرئ مسلم»(3)، واستشكل

ص: 106


1- الجواهر / 42 / 189 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب العاقلة ح1 .
3- الوسائل باب 35 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

................................

الشهيد الثاني في المسالك بقوله: وهاتان الروايتان مشتركتان في الدلالة على أن عمد الأعمى خطأ وفي ضعف السند، ومختلفتان في الحكم، ومخالفتان للأصول لاشتمال الأولى على كون الدية تجب ابتداء على العاقلة، ومع عدمها تجب على الجاني، وهذا مخالف لحكم الخطأ وفي الثانية مع جعله الجناية كالخطأ أوجب الدية على الجاني، ومع عدم ماله على الإمام، ولم يوجبها على العاقلة وظاهر اختلاف الحكمين ومخالفتهما لحكم الخطأ(1).

فإن ظاهر خبر الحلبي أن في السند محمد بن عبد الله بن هلال وهو لم يوثق أي لا توثيق ولا مدح فيه ولكن غفل بأن ما رواها في الفقيه بأن سند الصدوق إلى العلاء صحيح في المشيخة ورواية أبي عبيدة فلا موجب لتضعيفها غير أن في سندها عمار الساباطي وهو موثق، ولو فرض أنّه فطحياً فالخبر معتبر .

وأمّا من جهة الدلالة فهي تامة لو قلنا بأن الأعمى جنايته خطأ بالرفع وإن كان بالنصب فهو غير صريح في المطلوب لأن معناه أن جنايته خطأ على العاقلة كالمبصر، ولكن لا يمكن حمله على ذلك لأنّه ورد فيها هذان متعديان جميعاً، وهذا لا يجتمع مع قتل الخطأ .وهكذا ما ورد قتله حين قتله وهو أعمى، اذاً الذكر بالنصب لعله خطأ من الناقل أو من التصحيف، فالرواية من جهة الدلالة أيضاً غير تامة .

وأمّا المعتبرة بقوله (علیه السلام) «الدية من ماله» تحمل على أنّه إذا لم يكن له عاقلة بقرينة ما جاء في صحيحة الحلبي بقوله (علیه السلام) «فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى من ماله» .

ص: 107


1- المسالك / 15 / 167 _ 168 .

الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم، فلا قود في القتل السائغ شرعاً(1)، كقتل ساب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) وقتل المرتد الفطري ولو بعد توبته، والمحارب والمهاجم القاصد للنفس أو العرض أو المال، وكذا من يقتل بقصاص أو حد وغير ذلك والضابط في جميع ذلك هو كون القتل سائغاً للقاتل .

_______________________________________________________________

(1) إذا كان بالنسبة إلى القاتل كالقصاص أو بالنسبة إلى عموم الناس كسب النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) والأئمة الأطهار (علیهم السلام) وكذا قتل المحارب، والمهاجم بالنسبة إلى من هُجم عليه، بلا فرق بين أن يكون هجومه للنفس، أو العرض، أو المال فإنّ دمه تارة يكون هدراً بالنسبة إلى جميع الناس، وتارة يكون هدراً بالنسبة إلى شخص فيجوز له قتله، ولا قصاص، ولا دية عليه .

أمّا بالنسبة إلى الآخر فلا يجوز قتله، وقد أدعى عليه الإجماع كما في الغنية والسرائر حسبما نقله الرياض بقوله: ولو قَتل من وجب عليه القصاص غير الولي، قُتل به، لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره، والأصل في هذا الشرط بعد الإجماع الظاهر المصرح في كثير من العبائر كالغنية والسرائر الاعتبار ،والمعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر(1)،

ففي الصحيح عن الكناني وغيره عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال: «سألته عن رجل قتلهالقصاص، له دية ؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتص من أحد وقال: من قتله الحد فلا دية له»(2)، مضافاً إلى ما ورد من النصوص .

منها: حسنة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أنّه سئل عمّن شتم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقال (علیه السلام): يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام»(3)

وهناك روايات

ص: 108


1- الرياض / 16 / 263 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
3- الوسائل باب 7 من أبواب المرتد ح1 .

................................

أخرى وردت في مَنْ قتله الحد والقصاص .

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: أيّما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له»(1).

ومنها: صحيحة أبي العباس عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عمّن أُقيم عليه الحد، أيقاد منه أو تؤدي ديته ؟ قال: لا، إلا أن يزاد على القود»(2) فإنّها مطلقة تشمل إذا أقيم عليه الحد من جهة الارتداد أو الزنا أو اللواط أو قتل النفس المحترمة .

ومنها: ما ورد عن المحارب والمهاجم الدال على أنّ دمه هدر فلا قصاص ولا دية، وفيها روايات كثيرة منها ما عن منصور عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «اللص محارب لله ولرسوله فاقتلوه، فما دخل عليك فعليّ»(3)وغيرها

من الروايات .

ص: 109


1- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح9 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح7 .
3- الوسائل باب 7 من أبواب حد المحارب ح1.

المسألة 89: المشهور على أنّ من رأى زوجته يزني بها رجل وهي مطاوعة، جاز له قتلهما(1) وهو لا يخلو عن إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: إذا وجد مع زوجته رجلاً يزني فله قتلهما ولا إثم عليه وفي الظاهر عليه القود، إلا أن يأتي على دعواه ببينة أو يصدقه الولي(1)،

هذا إذا كانت الزوجة طاوعته، ولا يفرق في جواز القتل كما ذكره بعض العلماء بوجوب الرجم أو الجلد فيما إذا كان الزاني غير محصن والزوجان كانا حرين أو عبدين أو أحدهما الحر والثاني عبداً دخل بها الزوج أم لا بلا فرق بين أن تكون الزوجية على نحو الدوام أو الانقطاع .

فالمشهور بين الأصحاب بل لم يظهر الخلاف في البين أنّه لا قود عليه هذا إذا كان هناك بينة، وأما إذا لم يكن هناك بينة فلا إشكال في ثبوت القود واستدلوا على جواز القتل وأنّه لا قود عليه بناءً على وجود البينة بعدة روايات .

منها: رواية سعيد بن المسيب على رواية الشيخ ورواية يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الاشعري أن ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امرأته فقتله، فاسال لي علياً عن هذا فقال أبو موسى: «فلقيت علياً (علیه السلام) فسألته إلى أن قال فقال: أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد وإلا دفع برمته»(2).

ومنها: خبر الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (علیه السلام) «فيرجل دخل دار آخر للتلصص، أو الفجور، فقتله صاحب الدار، أيقتل به أم لا ؟ فقال: اعلم أن من دخل دار غيره فقد اهدر دمه ولا يجب عليه شيء»(3).

ص: 110


1- شرائع الاسلام / 4 /158 .
2- الوسائل باب 69 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب القصاص في النفس ح2 .

................................

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: إيّما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقؤوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم، وقال: من اعتدى فاعتدي عليه فلا قود له»(1).

وقد ناقش الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) مجموع هذه الروايات من جهة السند والدلالة بقوله: أمّا الرواية الأولى فإنّها وإن كانت تامة دلالة، إلا أنّها ضعيفة سنداً من عدة جهات، فإن في سندها الحصين بن عمرو، وهو مجهول وكذا يحيى بن سعيد، على أن طبقة أحمد بن النضر متأخرة عن الحصين بن عمرو فلا يمكن روايته عنه، فالرواية مرسلة من هذه الجهة فلا يمكن الاعتماد عليها .

وأمّا الرواية الثانية فلأنّها ضعيفة سنداً ودلالة، أمّا سنداً فلأن في سندها عدة مجاهيل، وأمّا دلالة فلأن موردها دخول دار أحد للفجور والتلصص، فيجوز قتله للدفاع، ومن هنا قلنا أنّه لا يختص بالزنا فلو دخل دار غيره لتقبيل زوجته _ مثلاً _ جاز قتله أيضاً، كما أنّه لا يختص بالزوج فلو دخل دار غيره للفجور بأبنته أو أخته، أو لتقبيلهما جاز له قتله كما تقدم ذلك مفصلاً، وهذا بخلاف مورد كلامنا فإنّه فيما إذا لم ينطبق عليه عنوان الدفاع، فإذاً لا يقاس ما نحن فيه بالموارد المتقدمة، فالرواية أجنبية عن محل الكلام، وبذلك يظهر الجواب من الرواية الثالثة، فإنّها وإن كانت تامة سنداً إلا أنّها أجنبية عمّا نحنفيه، فإنّها وردت في مقام الدفاع عن العرض وقد تقدم أنّه لا شبهة في جواز القتل لأجله(2).

ولكن الحق أنّ هذه الرواية الأخيرة لها دلالة بالاولوية إذا أراد شخص تقبيل زوجته فيجوز قتله فكيف إذا راه يفعل بزوجته فكيف لا يجوز، ثم أنّ المسألة محل اتفاق .

ص: 111


1- الوسائل باب 25 من أبواب القصاص في النفس ح7 .
2- المباني / 2 / 103 .

................................

وأمّا استدلاله (قدس سرُّه) بصحيحة داود بن فرقد «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إن أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قالوا لسعد بن عبادة ارأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به ؟ قال: كنت اضربه بالسيف، قال فخرج رسول الله (علیه السلام) فقال: ما ذا يا سعد ؟ فقال لسعد: قالوا لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به، فقلت اضربه بالسيف، فقال: يا سعد فكيف بالأربعة شهود ؟ فقال: يا رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بعد رأى عيني وعلم الله أن قد فعل قال: أي والله بعدما رأى عينك وعلم الله أنّه قد فعل، إن الله قد جعل لكل شيء حداً وجعل لمن تعدى ذلك الحد حداً»(1)

قال الاستاذ (قدس سرُّه) أنّها ظاهرة في عدم جواز قتله(2).

ولكن الظاهر من الرواية المراد من الحد هو الإثبات والبينة ليست لها موضوعية، بل طريق إلى الواقع وفي الواقع الزنا وقع كما قال في الجواهر ويمكن أن يكون بياناً للحكم في الظاهر وإن لم يكن عليه إثم فيما بينه وبينالله(3).

إذاً فيجوز له قتله ولا قصاص ولا دية ولا إثم عليه، ومع ذلك يكفينا اتفاق الكل في ذلك، والاحتياط في محله وهو دفع الدية خصوصاً لو كان الحاكم عالماً بذلك .

ص: 112


1- الوسائل باب 2 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 104 .
3- الجواهر / 41 / 369 .

الفصل الثاني: في دعوى القتل وما يثبت به

المسألة 90: يشترط في المدعي العقل، والبلوغ، وقيل يعتبر فيه الرشد أيضاً، والأظهر عدم اعتباره(1)، ويشترط في المدعى عليه إمكان صدور القتل منه، فلو ادعاه على غائب لا يمكن صدور القتل منه عادة لم تقبل، وكذا لو ادعاه على جماعة يتعذر اجتماعهم على قتل واحد عادة كأهل البلد مثلاً(2).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه كما ورد في محله من كتاب القضاء أنّه رفع القلم عن الصبي والمجنون والمكره وهل يشترط فيه الرشد أو لا ؟ الظاهر لا، وتفصيل المسألة قد مرّ.

(2) لأنّ ذلك يكشف عن كذبه، ويشترط في قبول قول المدعي احتمال الصدق .

ص: 113

المسألة 91: لو ادعى على شخص أنّه قتل أباه مثلاً مع جماعة لا يعرفهم(1) سمعت دعواه، فإذا ثبت شرعاً، كان لولي المقتول قتل المدعى عليه ولأولياء الجاني بعد القود الرجوع إلى الباقين بما يخصهم من الدية فإن لم يعلموا عددهم رجعوا إلى المعلومين منهم، وعليهم أن يؤدوا ما يخصهم من الدية .

_______________________________________________________________

(1) فله قتل الجميع كما أنّه له قتل الواحد إذا كان هو القاتل، وهذا لا يفرق بين أن يعرف المشتركين في القتل بأجمعهم، أو عرف بعضهم، أو عرف واحداً منهم، فإن قتل الواحد منهم فيرجع أولياء المقتول إلى أولياء الباقين إن كانوا يعرفون بأجمعهم .

وأمّا إذا لم يعرف الجميع فيرجعوا إلى أولياء ما يعرفونه لكي يدفعوا بمقدار حصصهم، وأمّا ما قيل بأنّه إذا لم يعرف الولي المقتول الكل فلا يكون له حق القود من الكل، لأنّه متوقف على إمكان ردّ ما فضل من ديته من جنايته، وهذا متوقف على معرفة عدد الشركاء وهي منتفية هنا، قد ذكر الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: ولكنه مندفع بأن مقتضى الروايات الواردة في موضوع الاشتراك في القتل إن لولي المقتول اختيار ذلك وأنّه غير مقيد بإمكان رد أولياء الباقي ما يخصهم من الدية إلى أولياء الجاني المقتول فأنّه وظيفتهم، ولا صلة لهذا الحكم بولي المقتول وعلى ذلك ففي فرض عدم معرفتهم بعدد الشركاء يرجع إلى الصلح أو يقتصر على أخذ الدية على المقدار المتيقن .

ص: 114

المسألة 92: لو ادعى القتل ولم يبين أنّه كان عمداً أو خطأ، فهذا يتصور على وجهين :

الأول: أن يكون عدم بيانه لمانع خارجي لا لجهله بخصوصياته فحينئذٍ يستفصل القاضي منه(1).

الثاني: أن يكون عدم بيانه لجهله بالحال وأنّه لا يدري أنّ القتل الواقع عمداً أو خطأ وهذا أيضاً يتصور على وجهين فإنّه تارة يدعي أنّ القاتل كان قاصداً لذات الفعل الذي لا يترتب عليه القتل عادة ولكنه لا يدري أنّه كان قاصداً للقتل أيضاً أم لا ؟ فهذا يدخل تحت دعوى القتل الشبيه بالعمد(2)وأخرى لا يدعي أنّه كان قاصداً لذات الفعل أيضاً لاحتمال أنّه كان قاصداً أمراً آخر، ولكنه أصاب المقتول اتفاقاً .

_______________________________________________________________

(1) أمّا القتل العمدي فهو أن يكون قاصداً للقتل ويقع منه مباشرة كالذبح، والخنق، والضرب بالسيف، أو السكين، أو بأي آلة يقتل به غالباً، أو الجرح الذي يؤدي إلى الموت مما يصدر بفعله المباشر، وقد يكون بالتسبيب وذلك لأنّ العبرة في صدق العمد هو تحقق القتل منه بأي طريقة كانت، أو بأي آلة كانت سبباً للقتل، وكان من قصده القتل وهذا يصدق على وقوعه منه مباشرة أو بالتسبيب .

(2) وذلك لأنّ الأصل عدم العمد فبمقتضى هذا الأصل وقوع الفعل منه وبضم الأصل إلى الوجدان يثبت أن القتل شبيه بالعمد .

ص: 115

فعندئذٍ يدخل في دعوى القتل الخطائي المحض(1) وعلى كلا الفرضين تثبت الدية إن ثبت ما يدعيه، ولكنها في الفرض الأول على القاتل نفسه، وفي الفرض الثاني تحمل على عاقلته .

المسألة 93: لو أدعى على شخص أنّه القاتل منفرداً، ثم ادعى على آخر أنّه القاتل كذلك، أو أنّه كان شريكاً مع غيره فيه(2)، لم تسمع الدعوى الثانية(3)، بل لا يبعد سقوط الدعوى الأولى أيضاً.

_______________________________________________________________

(1) والقتل الخطائي هو أنّ لا يقصده اصلاً، ولكن قصد شيئاً آخر فأصاب المقتول على نحو الصدفة وهذا خطأ محض، إذاً في القسم الأول يقاد منه دون القسمين الآخرين، والفرق بين الآخرين، بأن الأول الدية على القاتل وفي الثاني على العاقلة .

(2) بعد اعترافه بأن القاتل هو الأول فقط وأنكر بأن يكون الثاني قاتلاً لا على نحو الانفراد، ولا الاشتراك وإقرار العقلاء واعترافهم على انفسهم حجة، فلا تثبت الدعوى على الثاني .

(3) لأنه حينما ادعى ثانياً فادعائه هذا موجب لكذب ادعاء الأول إذاً كلا الدعويين يكونان باطلين، وقال في المسالك: وعن شروط دعوى القتل سلامتها عما يكذبها ويناقضها فلو ادعى على شخص أنّه منفرد بالقتل ثم ادعى على آخر أنّه شريك فيه أو منفرد به لم تسمع الدعوى الثانية لأنّ الأولى تكذبها ثم لا يمكن من العود إلى الأولى أيضاً إذا لم يكن قد أقسم عليها وامضىالحكم بها كانت الثانية تكذبها(1).

ص: 116


1- المسالك /15 / 172 .

المسألة 94: لو ادعى القتل العمدي على أحد وفسّره بالخطأ، فإنّ احتمل في حقه عدم معرفته بمفهوم العمد والخطأ سمعت دعواه(1) وإلا سقطت الدعوى من أصلها، وكذلك الحال فيما لو ادعى القتل الخطائي وفسره بالعمد(2).

_______________________________________________________________

(1) دعواه الثانية لم تكذب بالدعوى الأولى، أمّا الدعوى الثانية تكون مسموعة .

(2) لأنّه بالدعوة الثانية كذب نفسه وتكون دعوى الأولى أيضاً باطلة فتسقط الدعويان فلا يثبت في حق المدعى عليه لا القصاص ولا الدية، قال في المسالك: هذه المسألة كالمتفرعة على السابقة من حيث إنّ كل قاصد من العمد والخطأ يخالف الآخر، وإنما فصلها عنها وحكم بالقبول، لأنّ كل واحد منهما قد يخفى مفهومه على كثير من الناس، فقد يظن ما ليس بعمد عمداً فتبين بتفسيره أنّه يخطئ في اعتقاده وبالعكس وأيضاً، فقد يكذب في الوصف ويصدق في الأصل فلا يرد أصل الدعوى ويعتمد على تفصيله ويمضي حكمه، ويحتمل عدم القبول، لأنّ في دعوى العمدية اعترافاً ببراءة العاقلة، فلا يتمكن من مطالبتهم، ولأن في دعوى العمدية اعترافاً بأنّه ليس بمخطئ بالعكس فلا يقبل الرجوع عنه، وكذا القول فيما لو ادعى الخطأ المحض ثم فسره بشبه العمد(1).

ص: 117


1- المسالك / 15 / 174 .

المسألة 95: يثبت القتل بأمور: الأول الإقرار وتكفي فيه مرة واحدة(1).

_______________________________________________________________

(1) وقد ادعي عدم الخلاف، وهل لابد من التعدد أو يكفي مرة واحدة ونسب إلى الأشهر، بل عامة المتأخرين كما في الرياض: على الأظهر الأشهر بل عليه عامة من تأخر لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز وهو متحقق بالمرة حيث لا دليل على اعتبار التعدد(1)، أنه تكفي المرة خلافاً للشيخ في النهاية(2)، وابن ادريس(3)، والقاضي في المهذب(4)،

والطبرسي(5)،

ويحيى بن سعيد(6)،

وجماعة بأنّه لابد من مرتين ولكن يكفي في ذلك أولاً إطلاق أدلة الإقرار بكفاية المرة، مضافاً إلى صحيحة فضيل «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود الله مرة واحدة حراً كان أو عبداً أو حرة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه إلى أن قال فقال له بعض أصحابنا يا أبا عبد الله فما هذه الحدود التي إذا أقرّ بها عند الإمام مرة واحدة على نفسه أقيم عليه الحد الذي أقر به عنده إلى أن قال وإذا أقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطلبوا بدم صاحبهم»(7)

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي إلى أن قال حتى أتاهم رجل فأقرّ عند الوالي أنّهقتل صاحبهم عمداً وأن هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود بريء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به

ص: 118


1- الرياض /16 / 264 .
2- النهاية / 772 .
3- السرائر / 3 / 341 .
4- المهذب / 2 / 502 .
5- غاية المراد / 4 / 408 .
6- الجامع / 265 .
7- الوسائل باب 32 من أبواب مقدمات الحدود ح1 .

................................

وخذوني بدمه ؟ قال، فقال أبو جعفر (علیه السلام) إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه، فليقتلوه ولا سبيل لهم على الآخر»(1).

ويؤيد ذلك بمرفوعة علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال أُتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وجد في خربة وبيده سكين ملطخ بالدم، وإذا برجل مذبوح يتشحط في دمه، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) ما تقول ؟ قال: انا قتلته، قال، اذهبوا به فأقيدوه به»(2).

وأمّا ما قيل بأنّه يعتبر الإقرار مرتين فليس لهم دليل وقياس المورد على الزنا باطل وإلا لابد من الإقرار أربع مرات، وهكذا القول بأن القتل ليس أقلّ من السرقة وأنّه احتياط للدماء، وقال صاحب الرياض: ومنه يظهر جواب آخر عن الأول وهو وجود الفارق لكون متعلق الإقرار هنا حقاً آدمياً فيكفي فيه المرة كسائر الحقوق الادمية، ولا كذلك السرقة فإنّها من الحقوق الالهية المبنية على التخفيف والمسامحة(3).

وفيه بعد وجود الدليل لا يمكن الأخذ بهذه الأمور، مضافاً كما قلنا بأنّه لو تم لابد من اعتبار أربع مرات لإنّه ليس القتل أدون من الزنا، وما ورد عن البعض من أن الاحتياط يعارض هنا بمثله في جانب المقتول لعموم لا يبطل دم أمرئ مسلم، فنقول يمكن الجمع برفع القود ووجوب الدية .

ص: 119


1- الوسائل باب 5 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
3- الرياض / 16 / 265 .

ويعتبر في المقر: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار والحرية على تفصيل(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّهما من الشروط العامة، ويشملهما حديث الرفع، فلا عبرة بإقرار المجنون حال جنونه، ولا بإقرار الصبي ولو كان مراهقاً، ولا بإقرار المكره لما قلنا لحديث رفع القلم، ويؤيد ذلك خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال: من أقرّ عند تجريد، او حبس، او تخويف، أو تهديد فلا حد عليه»(1)، وهكذا بالنسبة إلى القصد ولا يعتبر إقرار السكران والغافل والنائم والهازل، لأنّ إقرارهم لم يكن عن قصد، فلا يكون حجة عند العقلاء والأدلة اللفظية منصرفة عن هذه الأمور، فإذا أقرّ بالقتل العمدي ثبت القود، وإذا أقرّ بالقتل الخطائي ثبتت الدية في ماله لا على العاقلة .

أمّا إقرار العبد فإنّ لم صدّقه المولى إذا كان الإقرار عن قتل فلا يقبل بعد إن كان ملكاً للمولى وإقراره يكون سبباً لإضرار الغير، وأمّا إذا صدّقه المولى فيقبل إقراره، لأنّ الحق لا يعدوهما، وليس هناك خلاف بين الأصحاب وإنما لم يقبل من جهة حق المولى وقد انتفى، فإن لم يصدقه المولى فلا يقبل إقراره، والمسألة كما ذكرنا غير خلافية وادعى الكثير الإجماع عليها هذا بالنسبة إلى المولى .

وأمّا بالنسبة إلى العبد فإن كان بالمال فيقبل فعليه اداؤه بعد العتق وهكذا بالنسبة إلى الجناية فتارة تكون عمدية وأخرى غير عمدية، ففي الأولى يقتص منه بعد العتق، وفي الثانية يؤخذ منه الدية كذلك، ويؤيد عدم نفوذإقراره بالنسبة إلى المولى صحيحة الفضيل بن يسار «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إذا أقرّ المملوك على نفسه بالسرقة لم يقطع، وإن شهد عليه شاهدان قطع»(2).

ص: 120


1- جامع أحاديث الشيعة / 24 باب من أبواب الإقرار ح1 .
2- الوسائل باب 35 من أبواب حد السرقة ح1 .

وأمّا المحجور عليه لفلس أو سفه فيقبل إقراره بالقتل عمداً فيثبت عليه القود(1)، وإذا أقرّ المفلس بالقتل الخطائي، ثبتت الدية في ذمته ولكن ولي المقتول لا يشارك الغرماء إذا لم يصدقوا المقر(2).

_______________________________________________________________

ويؤيد ذلك أيضاً رواية أبي محمد الوابشي «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن قوم ادعوا على عبد جناية تحيط برقبته، فأقرّ العبد بها، قال: لا يجوز إقرار العبد على سيده، فإن اقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ بها العبد، أو يفتديه مولاه»(1)،

والرواية وإن كانت ضعيفة بمحمد الوابشي ولكن تكفي أن تكون مؤيدة .

أمّا أن الدية في مال العبد فذلك لصحيحة زيد بن علي عن ابائه (علیهم السلام) «قال: لا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة، قال: واتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصة، ولم يجعل على العاقلة شيئاً»(2).

(1) وذلك لأنّ الحجر كان بالنسبة إلى أمواله ومنعه من التصرف فيها أمّا بالنسبة إلى إقراره فلا يكون محجوراً فيه، فحينئذٍ يشمله إطلاق أدلة نفوذ الإقرار.(2) أمّا ثبوته ونفوذه بالنسبة إلى نفسه فلعدم الدليل على المنع فتثبت عليه الدية في الذمة، أمّا إقراره بالنسبة إلى الغير فغير نافذ لعدم الدليل ومقتضاه أن الدية تثبت في ذمته دون أن يشارك الغرماء، نعم في صورة تصديقهم له يشاركهم في إثبات الغرماء ديناً آخر في ذمة المحجور فهو يشاركهم .

ص: 121


1- الوسائل باب 13 من أبواب دعوى القتل ما يثبت به ح1 .
2- الوسائل باب 9من أبواب العاقلة ح1 .

المسألة 96: لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً وأقرّ آخر بقتله خطأ تخير ولي المقتول في تصديق إيّهما شاء، فإذا صدّق واحداً منهما فليس له على الآخر سبيل(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة شبه اتفاقية وعن الانتصار: ومما انفردت به الإمامية القول بأنّ من وجد مقتولاً فجاء رجلان فقال أحدهما أنا قتلته عمداً وقال الآخر أنا قتلته خطأً أن أولياء المقتول مخيرون بين الأخذ للمقر بالعمد وبين الأخذ للمقر بالخطأ وليس لهم أن يقتلوهما جميعاً ولا أن يلزموهما جميعاً الدية(1)،

والعمدة بعد إن كان إقراره سبباً في إثبات مقتضاه في المقر به، إذاً كلا الإقرارين قابل للتصديق، ولكنه لا يمكنه تصديق كليهما للعلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع فالنتيجة هو مخير بين الأخذ بأحد الإقرارين كما هو مقتضى أدلة نفوذ الإقرار، وأمّا إذا أخذ بأحد الإقرارين وصدقه فلا سبيل له على الآخر، ويؤيده الرواية الواردة عن الحسن بن صالح «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وجد مقتولاً فجاء رجلان إلى وليه، فقال أحدهما: أنا قتلته عمداً وقال الآخر أنا قتلته خطأ، فقال: إن هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل»(2)،

فالرواية وإن كانت ضعيفة بحسن بن صالح ولم يوثق وما ذكروا بأن الرواية صحيحة فغير تام، وما ادعي من الإجماع فقد عرفت بأن الإجماع المنقول ليس بحجة، ولكن الرواية كافية للتأييد، وقد ذكر الاردبيلي: لعل دليل تخيّر ولي الدم في تصديق من أقرّ أنّه قتل مورثه خطأ، ومَنْ أقرّ أنّه قتله عمداًإن كل واحد مقرّ فيؤاخذ به، ولا يمكن أخذ الجميع للتنافي بين الإقرارين، وإذا صدق أحدهما لا سبيل له على الآخر، ولا سبيل للمأخوذ أيضاً على غيره(3).

ص: 122


1- الانتصار / 543 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
3- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 162 .

المسألة 97: لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً، وأقرّ الآخر أنّه هو الذي قتله ورجع الأول عن إقراره، فالمشهور أنّه يدرأ عنهما القصاص والدية، وتؤخذ الدية من بيت مال المسلمين(1)وفيه إشكال بل منع فالظاهر أنّ حكمهما حكم المسألة السابقة، وأمّا إذا لم يرجع الأول عن إقراره، تخير الولي في تصديق إيّهما شاء، بلا خلاف ظاهر .

_______________________________________________________________

(1) أمّا قول المشهور فهو استدلالهم بمرفوعة علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا، ورفعه إلى أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: أُتى أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وجد في خربه وبيده سكين ملطخ بالدم، وإذا رجل مذبوح يتشحط بدمه، فقال له أمير المؤمنين ما تقول ؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبو به فاقيدوه به، فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرع إلى أن قال، فقال: أنا قتلته، فقال أمير المؤمنين للأول ما حملك على إقرارك على نفسك ؟ فقال: وما كنت استطيع أن أقول، وقد شهد على امثال هؤلاء الرجال وأخذوني، وبيدي سكين ملطخ بالدم، والرجل يتشحط في دمه وأنا قائم عليه، خفت الضرب فأقررت وأنا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة وأخذني البول فدخلت الخربةفرأيت الرجل متشحطاً في دمه، فقمت متعجباً، فدخل علي هؤلاء فأخذوني، فقال: أمير المؤمنين (علیه السلام) خذوا هذين فاذهبوا بهما إلى الحسن، وقولوا له: ما الحكم فيهما، قال: فذهبوا إلى الحسن وقصوا عليه قصتهما، فقال الحسن (علیه السلام) فقولوا لأمير المؤمنين (علیه السلام) إن كان هذا ذبح ذاك فقد أحيا هذا، وقد قال الله عز وجل: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(1)، يخلى عنهما وتخرج دية المذبوح من بيت المال»(2)ولكن

الرواية ضعيفة والانجبار بعمل الأصحاب

ص: 123


1- سورة المائدة الآية / 32 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .

الثاني: البينة وهي أن يشهد رجلان بالغان عاقلان عدلان بالقتل(1).

_______________________________________________________________

لا دليل عليه فيكون حكمه حكم المسألة السابقة، لأنّ رجوعه بعد الإقرار لا يفيد فللمولى قتل إيّهما أراد، فإذا لم يقر فبطريق أولى له التخيير . (1) والمسألة غير خلافية وذلك لعموم أدلة حجية البينة مضافاً إلى ما ورد من روايات خاصة كصحيح يزيد بن معاوية عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة، فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، إلا في الدم خاصة، فإنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجده قتيلاً، فقالت الأنصار: إن فلاناً اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) للطالبين اقيموا رجلين عدلين من غيركم اقيده برمته فإن لم تجدوا شاهدين، فاقيمواقسامة خمسين رجلاً أقيد برمته»(1) وصحيح مسعدة بن زياد عن جعفر (علیه السلام) «قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدعون البينة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتهمين قتلوه حلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حي واحد»(2)،

وصحيح زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «فبمن يشهد عليه الشهود بالقتل فأقرّ آخر أنّه قتل صاحبهم وأنّه أرادوا أن يقتلوا الذي شهدوا عليه فليقتلوه»(3)وصحيح أحمد محمد بن أبي نصر عن إسماعيل بن أبي حنيفة «قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان، والزنا لا يجوز فيه إلا أربعة شهود والقتل أشد من الزنا ؟ فقال: لأن القتل فعل واحد والزنا فعلان، فمن ثم لا يجوز إلا أربعة شهود على

ص: 124


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .

المسألة 98: لا يثبت القتل بشاهد وامرأتين ولا بشهادة النساء منفردات ولا بشاهد ويمين، نعم يثبت ربع الدية بشهادة امرأة واحدة ونصفها بشهادة امرأتين، وثلاثة ارباعها بشهادة ثلاث نسوة، وتمامها بشهادة أربع نسوة(1).

_______________________________________________________________

الرجل شاهدان وعلى المرأة شاهدان»(1)، وفي حديث ابن شبرمة عن جعفر بن محمد (علیه السلام) معاتباً أباً حنيفة في القياس

«ويحك إيّهما أعظم قتل النفس أو الزنا، قال: قتل النفس، قال: فإن الله عز وجل قد قبل في قتل النفسشاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة»(2).

(1) وذلك بمقتضى عدة روايات تدل على عدم قبول شهادة النساء مطلقاً .

منها: معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «أنّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق، ولا نكاح، ولا في حدود، إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»(3).

ومنها: صحيحة ربعي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لا تجوز شهادة النساء في القتل»(4) يقول في المسالك: بعدم الثبوت ما يجب به القصاص بشاهد وامرأتين، للشيخ في الخلاف وابن ادريس عملاً بالقاعدة المشهورة من أن قبول شهادة المذكورين مشروطة بكون متعلقه المال، ورواية محمد بن فضيل عن الرضا (علیه السلام) «قال: لا تجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم وغيرها»(5)،

وذهب جماعة منهم

ص: 125


1- الوسائل باب 49 من أبواب الشهادات ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب صفات القاضي ح25 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ما تجوز شهادة النساء فيه وما لا تجوز ح42 .
4- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ما تجوز شهادة النساء فيه وما لا تجوز ح27 .
5- الوسائل باب 2 من أبواب دعوى القتل ح3 .

المسألة 99: يعتبر في الشهادة على القتل أن تكون عن حس أو ما يقرب منه، وإلا فلا تقبل(1).

المسألة 100: لو شهد شاهدان بما يكون سبباً للموت عادة، وادعى الجاني أنّ موته لم يكن مستنداً إلى جنايته، قبل قوله مع يمينه(2).

_______________________________________________________________

الشيخ في المبسوط، والمصنف في كتاب الشهادات إلى ثبوته بذلك ويترتب عليه موجبه من القود، وآخرون منهم الشيخ في النهاية، وابن الجنيد وأبو الصلاح والقاضي إلى ثبوته بذلك لكن تجب الدية لا القود وهو القول الذي نسبه المصنف هنا إلى الشذوذ مع ذهاب أكثر الأصحاب إليه ومنهم العلامة في المختلف، ومستنده الجمع بين الاخبار التي دل بعضها على عدم ثبوته كما اشرنا إليه، وبعضها على ثبوته مطلقاً كصحيحة جميل بن دراج عن الصادق (علیه السلام) «وقد سأله عن شهادة النساء في الحدود، قال: في القتل وحده إن علياً (علیه السلام) كان يقول لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1) بحمل ما دل على الثبوت على الدية، وعلى عدمه على القود(2)

وتفصيل المسألة قد مرّ في محله .

(1) قد مرّ تفصيله في باب الشهادات .

(2) أمّا قبول قوله فلأنّه مطابق للأصل، إذاً من يدعي أن الموت يكون بسبب الجناية فلابد من الإثبات بالبينة ولا ينافي قوله مع شهادة الشهود لأن البينة قامت على أصل الجناية لا على الاستناد، وحيث لم يكن إثبات الموت بسببه فيقبل قول الجاني مع يمينه كما عليه القاعدة، فلابد من دفع الدية إذا كانت الجناية مقدرة، وإلا فلابد من المصالحة .

ص: 126


1- الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح1 .
2- المسالك /15 / 177 _ 179 .

المسألة 101: يعتبر في قبول شهادة الشاهدين توارد شهادتهما على أمر واحد، فلو اختلفا في ذلك لم تقبل(1)، كما إذا شهد أحدهما أنّه قتل في الليل، وشهد الآخر أنّه قتل في النهار أو شهد أحدهما أنّهقتله في مكان، والآخر شهد بأنّه قتله في مكان آخر وهكذا(2).

المسألة 102: لو شهد أحدهما بالقتل، وشهد الآخر بإقراره به، لم يثبت القتل(3).

_______________________________________________________________

(1) بعدما ورد بأنّه يثبت المورد الواحد بشهادتهما، فهنا لم تتحقق شهادة البينة على شيء واحد بعد أن قال كل واحد غير ما قاله الآخر بل لازم قول كل نفي ما يقوله الآخر، فمع الاختلاف لا اعتبار بهذه الشهادة .

(2) لتحقق التكاذب فلا يؤخذ بالبينة .

(3) لا يخفى بأنّ القتل يثبت إمّا بالبينة أو بالإقرار، وهنا لم تقم البينة على القتل ولا بوجود إقرار على ذلك، قال المحقق الاردبيلي: لو شهد أحد العدلين بأنّه أقرّ الجاني، بأنه قتل فلاناً والآخر شهد بأنّه رآه قتله لم يثبت القتل هنا لعدم توارد الشاهدين على أمر واحد، نعم لا يحصل بهما لعدم التعارض والتكاذب لاحتمال صحتهما وعدم المنافات بينهما فللمدعي القسامة(1).

ص: 127


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 168 _ 169.

المسألة 103: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل من دون تعيين العمد والخطأ وشهد الآخر بالإقرار به عمداً ثبت إقراره وكلف بالبيان فإن أنكر العمد في القتل فالقول قوله وتثبت الدية في ماله، فإن ادعى الولي أن القتل كان عن عمد فعليه الإثبات، ومثل ذلك ما لو شهد أحدهما بالقتل متعمداً وشهد الآخر بمطلق القتل وأنكر القاتل العمد فإنّه لا يثبت القتل العمدي وعلى الولي إثباته بالقسامة على تفصيل يأتي إن شاء الله(1).

_______________________________________________________________

(1) فلا يقبل منه إنكار أصل القتل بعد إن ثبت على نحو الإجمال بالشهادة، أمّا إنكاره للقتل العمدي فيقبل لأنّ الأصل عدم وقوعه عن عمدٍ ولو ادعى الولي القتل عمداً فلابد من إثباته لأنّ قوله يكون مخالفاً للأصل وبعد إن ثبت القتل منه في الجملة يجب عليه دفع الدية من ماله لا على العاقلة، لأنّها إنما تتحمل الدية فيما إذا ثبت القتل بالبينة لا بالإقرار .

ص: 128

المسألة 104: لو ادعى شخص القتل على شخصين، وأقام على ذلك بينة، ثم شهد المشهود عليهما بأن الشاهدين هما القاتلان له فإنّ لم يصدّقهما الولي فلا أثر لشهادتهما(1)، وللولي الاقتصاص منهما أو من أحدهما على تفصيل قد تقدم، وإن صدّقهما سقطت الدعوى رأساً(2).

_______________________________________________________________

(1) لأنّهما يدفعان التهمة والحد عن نفسهما، وقد مرّ عدم قبول الشهادة فيما إذا دفع الغرم والضرر عن نفسه، هذا مع عدم تصديقهما الولي فبعد إن شهد الشهود فللولي أن يقود من أحدهما أو كليهما .

(2) وأمّا مع تصديق الولي فيشمل المورد عموم حجية الشهادة، ولكن بعد إن قبل الولي شهادة المشهود عليهما فيستلزم تكذيب شهادتهما وحينما يدّعي القتل على المشهود عليهما يستلزم نفي القتل على الشاهدين فالنتيجة سقوط المدعى على نحو الكلية كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وذلك لأنّ تصديق الولي شهادة المشهود عليهما على الشاهدين بطبيعة الحال يستلزم تكذيب شهادتهما ودعواه القتل على المشهود عليهما أولاً تستلزم نفي القتل عن الشاهدين، فالنتيجة سقوط الدعوى بالكلية(1).

ص: 129


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 118 .

المسألة 105: لو شهد شخصان لمن يرثانه بأنّ زيداً جرحه وكانت الشهادة بعد الاندمال قبلت، وأمّا إذا كانت قبله، فقيل لا تقبل ولكن الأظهر القبول(1).

المسألة 106: لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل فإنّ كان المشهود به القتل عمداً أو شبه عمد قبلت وطرحت شهادة الشاهدين(2). وإن كان المشهود به القتل خطأ لم تقبل شهادتهما(3).

_______________________________________________________________

(1) قبلت مطلقاً لعموم حجية الشهادة والمورد يكون من صغرياتها ولا فرق بين أن يكون قبل الاندمال أو بعده، ودعوى أنّه لا تقبل قبل الاندمال للتهمة المانعة من قبول الشهادة أي أن شهادتهما كانت لأجل السراية وأخذ الدية، ولكن الحق أنّه بعدما كانا عادلين فتقبل شهادتهما على الإطلاق نعم ورد الدليل في عدم القبول في موارد خاصة وليس هذا منها .

(2) لأنّه ليس مكاناً للتهمة ولا تقبل شهادة الشاهدين للجرح .

(3) وأمّا عدم قبول شهادة الشاهدين من العاقلة بفسق شاهدي القتل وذلك للتهمة من جهة دفع الغرم عن أنفسهم، وهذا مختص بمن تشمله الدية من العاقلة، وإلا فتقبل شهادتهما فتأمل .

ص: 130

المسألة 107: لو قامت بينة على أنّ زيداً قتل شخصاً منفرداً، وقامت بينة أخرى على أن القاتل غيره سقط القصاص عنهما جزماً وكذا الدية(1)وقيل وجبت الدية عليهما نصفين، وفيه إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

(1) هناك أقوال في المسألة :

الأول: سقوط القصاص والدية .

الثاني: سقوط القصاص ووجوب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبه العمد، وعلى عاقلتهما إن كان خطأ، وهذا القول منسوب إلى الشيخين، والقاضي، والصهرشتى، وأبي منصور والطبرسي والفاضل في بعض كتبه وولده وأبي العباس في محكي الجواهر في بعض كتبه وولده(1).

الثالث: أن الولي مخير في تصديق إيّهما يشاء، والحق هو القول الأول لسقوط البينة بالتعارض فلا قصاص ولا دية، فلا دليل على شيء منهما بعد أن سقطت البينة بالتعارض، وأمّا ما ذكر من القول الثاني من ثبوت الدية فلعدم بطلان دم المسلم وهما متساويان بعد قيام البينة على كل منهما ويتساويان في دفع الدية، فلكل واحد منهما يكون النصف وإن لم نقل بذلك يلزم أمور ثلاثة: ذهاب دم المسلم هدراً إن لم نقل بوجوب الدية عليهما وإن وجوبهما علىغيرهما يكون بلا سبب، والوجوب على أحدهما المعين ترجيح بلا مرجح، والوجوب على أحدهما لا بعينه محال، فلا يبقى إلا الوجوب عليهما بنحو التنصيف، ولكن الحق بعد إن لم تثبت البينة قتلهما فلا قصاص ولا دية .

ص: 131


1- الشيخ المفيد في المقنعة / 736، الشيخ الطوسي في النهاية / 742، القاضي في المهذب / 2 / 502 الفاضل في القواعد / 3 / 615، ابن الفاضل في الايضاح / 4 / 608 ، ابو العباس في المهذب البارع / 5 / 202 _ 204، وحكاه الصهرشتي وابو منصور الطبري في الجواهر / 42 / 219 .

................................

وعدم بطلان دم المسلم وهدره غير مربوط بمقامنا، وهذا لا يستوجب الدية عليهما بعد إن لم يظهر بأنّهما قتلاه أو أحدهما، نعم لو كان هناك علم إجمالي بقتل أحدهما له فلابد من الدية لعدم امكان القود فكما قلنا وجوب الدية عليهما مما لا دليل عليه، وبعد إن لم يمكن اثبات القتل تكون الدية من بيت المال .

وهكذا بالنسبة إلى القول الثالث أيضاً باطل بعد إن لم يثبت القتل بالنسبة إلى كل منهما لا بالعلم ولا بالبينة وبالإقرار بعد سقوط بالبينة بالتعارض والآية لا تشمل البينتين المتعارضتين ولا يمكن قياس المقام بقيام البينة والإقرار ولا يعارض الإقرار البينة، نعم يجوز العمل بمقتضى عموم الإقرار وهذا لا يستوجب سقوط البينة، بل تبقى الحجة على حالها وفي مورد البحث البينة ساقطة فلا معنى لتخيير الولي .

ص: 132

المسألة 108: لو قامت بينة على أنّ شخصاً قتل زيداً عمداً وأقرّ آخر أنّه هو الذي قتله دون المشهود عليه وأنّه بريء واحتمل اشتراكهما في القتل كان للولي قتل المشهود عليه(1)وعلى المقرّ ردّ نصف الدية إلى ولي المشهود عليه وله قتل المقر، ولكن عندئذٍ لا يرد المشهود عليه إلى ورثة المقر شيئاً وله قتلهما بعد أن يرد إلى ولي المشهود عليه نصف ديته ولو عفا عنهما ورضى بالدية كانت عليهما نصفين، وأمّا إذا علم أن القاتل واحد فالظاهر جواز قتل المقر أو أخذ الدية منه بالتراضي .

_______________________________________________________________

(1) ويدل عليه صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي وجاءه قوم فشهد عليه الشهود إنّه قتل عمداً فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به، فلم يريموا (يبرحوا) حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي إنّه قتل صاحبهم عمداً، وأنّ هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود بريء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به وخذوني بدمه، قال: فقال أبو جعفر (علیه السلام) إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه ولا سبيل لهم على الآخر، ثم لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه، وإن أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليهم فليقتلوه ولا سبيل لهم على الذي أقرّ، ثم ليؤدِّ الدية الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية قلت: ارأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً قال: ذاك لهم، وعليهم أن يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه خاصة دون صاحبه ثم يقتلونهما،قلت: إن أرادوا أن يأخذوا الدية، قال: فقال الدية بينهما نصفان لأنّ أحدهما أقرّ والآخر شهد عليه، قلت: كيف جعلت لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حيث قتل، ولم تجعل لأولياء الذي أقرّ على أولياء الذي شهد عليه ولم يقر، قال: فقال لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقرّ، الذي شهد

ص: 133

................................

عليه ولم يقر ولم يبرئ صاحبه والآخر أقرّ صاحبه، فلزم الذي أقرّ وبرأ برّاء صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر ولم يبرئ صاحبه»(1)، ولكن العمل بالرواية وإن فرض أن سندها صحيح فمشكل وإن عمل بها الكبار من العلماء كالشيخين وأبو علي والحلبي والقاضي ويحيى بن سعيد وابنا حمزة وزهرة(2)،

ومال إليهما الشهيدان، بل في الرياض وبشهرتها صرح الفاضل في كتبه المتقدمة وغيره من الجماعة مشعرين ببلوغها درجة الإجماع ولعله كذلك فقد افتى به الشيخ واتباعه والاسكافي والحلبي وغيرهم بل لم نر له مخالفاً عدا من مر(3)

قد صرحوا بشهرة الرواية مشعرين ببلوغها درجة الإجماع كما نسب إليهم لأنّها مخالفة للقواعد .

وإليك توضيح هذه المخالفة من أن جواز قتلهما معاً مختص بصورة الاشتراك في القتل ولذا يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وهو الحق الصحيح من أنّه لا مجال لما ذهب إليه المشهور، ولا للقول بالتخيير .أمّا الأول، فلأن الصحيحة إن دلت على ذلك فإنما تكون دلالتها بالإطلاق، وكيف يمكن الأخذ به ورفع اليد عما دل على عدم جواز قتل المؤمن بغير حق من الآيات والروايات، فالمتعين هو رفع اليد عن إطلاق الصحيحة وحملها على صورة احتمال الاشتراك، وأمّا الثاني، فلأن القول بالتخيير يحتاج إلى دليل والأصل عند تعارض الحجتين وعدم إمكان العمل بهما هو التساقط دون التخيير على ما حققناه في محله، على أنّ المقام ليس من موارد التعارض، فإنّ الظاهر من بناء

ص: 134


1- الوسائل باب 5 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
2- المفيد في المقنعة / 736، الطوسي في النهاية / 742، القاضي في المهذب / 2 / 502، يحيى بن سعيد في الجامع / 578، ابن زهرة في الغنية الجوامع الفقهية / 619، ابن حمزة في الوسيلة / 461 .
3- الرياض / 16 / 271.

................................

العقلاء في أمثال المقام هو الأخذ بالإقرار وعدم ترتيب الأثر على البينة وعليه فالمتعين هو الأخذ بالإقرار والاقتصاص من المقر أو أخذ الدية منه بالتراضي(1)،

ثم إن الوارد في الرواية إشكال آخر وهو الزام المقر برد نصف الدية مع أنّه إذا كان هو القاتل لابد من دفع تمام الدية وإلا فلا شيء عليه، نعم في صورة الاشتراك وأراد الولي قتل المشهود عليه فعلى المقر نصف الدية وأيضاً لا معنى لإلزام المقر برد نصف الدية، لأنّه إذا كان المقر قد اعترف ببراءة المقتول أي المشهود عليه فلابد أن يدفع تمام الدية، ولا وجه ولا معنى لرد نصف الدية، وهكذا يأتي إشكال آخر وهو لا معنى للقول بالزام أولياء المقتول بدفع نصف الدية إلى أولياء الذي شهدت عليه البينة خاصة دون ورثة الذي أقر، فكل هذه الأمور مخالفة للقاعدة، وما يظهر من الرواية لا يمكن الأخذ بها والإقدام على قتل المؤمن بلا حق، كما هو ظاهر الآيات والروايات فلابد من أخذ تمام الدية من المقر فقط أو قتله، مضافاً إلى ذلك أنّ الروايةضعيفة .

ص: 135


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 123 .

المسألة 109: لو ادعى الولي أن القتل الواقع في الخارج عمدي وأقام على ذلك شاهداً وامرأتين، ثم عفا عن حق الاقتصاص(1) قيل بعدم صحة العفو، حيث إنّ حقه لم يثبت فيكون العفو عفواً عمّا لم يثبت، ولكن الظاهر هو الصحة .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّ صحة العفو غير متوقفة على إمكان ثبوت حقه في الخارج، بل ثبوت الحق ولو في الواقع ولم يمكنه ثبوته عند الحاكم، ولذا له العفو، فإنّ كان في الواقع له حق وأسقطه وبعد ذلك ثبت عند الحاكم بأنّ له الحق فلا يترتب لهذا الثبوت أثر بعد اسقاط حقه، قال في المسالك: قد عرفت الخلاف في ثبوت موجب القصاص بالشاهد والمرأتين وعدمه، فإن قلنا به وعفا من أقام البينة كذلك عن حقه فلا إشكال في صحة العفو لثبوت حقه وقبوله للعفو، وإن لم نقل بثبوته بذلك فهل يصح عفوه ؟ نفاه في المبسوط محتجاً بأنّه عفا عمّا لم يثبت فوقع العفو لغواً، ولا يخفى ضعفه، لأنّ العفو عن الحق يوجب سقوطه فيما بينه وبين الله تعالى وإن لم يثبت الحق عند الحاكم، كما لو عفا مدعي القتل عمداً من غير أن يقيم البينة، وتظهر الفائدة في عدم سماع دعواه بعد ذلك ممن علم منه العفو لوجود المقتضي لصحته وهو الصيغة الدالة عليه وانتفاء المانع إذ ليس إلا عدم ثبوته عند الحاكم وهو غير صالح للمانعية لأنّ فائدة العفو إسقاط الحق بحيث تبقى ذمة المعفو عنه خالية عن الحق ولا مدخل للحاكم في ذلك(1).

ص: 136


1- المسالك / 15 / 195 .

الفصل الثالث: في القسامة

المسألة 110: لو ادعى الولي القتل على واحد أو جماعة، فإن اقام البينة على مدعاه فهو، وإلا فإن لم يكن هنا لوث طولب(1)المدعى عليه بالحلف، فإن حلف سقطت الدعوى وإن لم يحلف كان له رد الحلف إلى المدعي، وإن كان لوث طولب المدعى عليه بالبينة، فإن أقامها على عدم القتل فهو وإلا فعلى المدعي الإتيان بقسامة خمسين رجلاً لإثبات مدعاه وإلا فعلى المدعى عليه القسامة كذلك، فإن أتى بها سقطت الدعوى وإلا الزم الدعوى .

_______________________________________________________________

(1) وفي التحرير: إنما تثبت القسامة في القتل أو الجرح مع اللوث، فلا قسامة في المال، ولا مع انتفاء اللوث، والمراد به قرينه حال تدل على صدق المدعي ظناً لا قطعاً، كقتيل في محلة بينهم عداوة، أو قتيل دخل داراً ضيفاً وتفرق عنه جماعة محصورون، أو قتيل في صف الخصم المقابل، أو قتيل في الصحراء وعلى رأسه رجل معه سكين، أو قتيل في قرية مطروقة، أو خلة من خلال العرب، أو محلة منفردة مطروقة بشرط العداوة في ذلك كله، فإن انتفتفلا لوث(1).

ص: 137


1- تحرير الاحكام / 5 / 475 .

................................

المراد من اللوث هي أمارة يظن بها صدق المدعى فيما ادعاه من القتل كوجود ذي سلاح ملطخ بالدم عند قتيل في دار .

ونسب إلى النهاية اللوث وهو أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلاناً قتلني أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما، أو تهديد منه له .

والمراد من القسامة هي خمسون يميناً بالله تعالى في العمد إجماعاً على الأشهر، وقيل خمس وعشرون فإنّ كان للمدعي قوم حلف كل واحد منهم يميناً إن كانوا خمسين، ولو زادوا عنها اقتصر على حلف الخمسين والمدعي من جملتهم، ولو نقصوا عن الخمسين كررت عليهم، أو على بعضهم حسبما يقتضيه العدد، فإن أقام المدعي البينة على مدعاه فهو، فإنّ لم يكن هناك لوث يطلب من المدعي عليه بالحلف، فإنّ حلف سقطت الدعوى وإن امتنع ردّ الحلف على المدعي، وإن كان لوث طولب المدعى عليه بالبينة فإنّ أقامها على عدم القتل فهو وإلا فعلى المدعي الإتيان بالقسامة، فإن لم يكن له قسامة أي قوم يقسمون أو أمتنع المدعي عن اليمين له ردت الدعوى على المدعى عليه ولابد له من القسامة وهي خمسون لإثبات براءته وإن أنكر سقطت الدعوى، وقد وردت روايات في القسامة .

منها: صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة، فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعىعليه، إلا في الدم خاصة، فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجده قتيلاً، فقالت الأنصار: أن فلاناً اليهودي قتل صاحبنا فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) للطالبين أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيده برمته فإن لم تجدوا شاهدين فاقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيد برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن

ص: 138

................................

يقتل به فكف عن قتله، وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً، وإلا أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين اظهرهم إذا لم يقسم المدعون»(1).

ومنها: معتبرة زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إنما جعلت القسامة ليغلظ بها في الرجل المعروف بالشر المتهم فإن شهدوا عليه جازت شهادتهم»(2).

ومنها: صحيحته الأخرى لزرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إنما جعلت القسامة احتياطاً للناس لكيما إذا أرارد الفاسق أن يقتل رجلاً، أو يغتال رجلاً حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل»(3).ومنها: صحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر (علیه السلام) «قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدعون البينة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنّ المتهمين قتلوه، حلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حي واحد، فإما إذا قتل في عسكر، أو سوق مدينة، فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال»(4).

لا يخفى أن اللوث يكون ثابتاً حتى يجري عليه القسامة، أمّا مع عدمه أو أنّه مشكوك فتدخل المسألة في قاعدة حكم المدعي والمنكر، فإذا كان هناك بينة فيعمل بها، ومع عدمها لابد أن يحلف المنكر حلفاً واحداً، كما هو في جميع موارد الحقوق .

ص: 139


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح7 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

................................

أمّا أصل المسألة ففي ادعاء المدعي، فالمسألة معلومة أنّه لابد من إقامة البينة لشمولها عموم أدلة حجية البينة .

وأمّا ما ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلى أن قال لئلا يبطل دم أمرئ مسلم»(1)

فتحمل على موارد اللوث .

وأمّا في غيرها فنعمل بالعموم وهو البينة على المدعي إذا دعي الولي القتل شخصاً أو جماعة، فإن أقام بينة فيحكم له، وإلا إذا لم يكن هناك لوث فيطلب من المدعى عليه الحلف، فإن حلف سقطت الدعوى والمسألة غيرخلافية، وتكون طبقاً للقاعدة في كلتا الحالتين أي صورة إتيان المدعي للبينة والمنكر الحلف، وإن لم يحلف كان له أن يرد الحلف على المدعي فإن حلف ثبتت الدعوى، هذا إذا لم يكن هناك لوث، وأمّا إذا كان هناك لوث طولب المدعى عليه بالبينة، وتدل عليه صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة، فقال الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه إلا في الدم خاصة، فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) بينما هو بخيبر وقد مرّ الحديث»(2)

وهكذا صحيحة مسعدة بن زياد(3)وغيرها، فإذا أتى بالقسامة سقطت الدعوى وإلا لزم الدعوى القتل عمداً أو خطأ .

ص: 140


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح4 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

المسألة 111: إذا كان المدعي أو المدعى عليه امرأة، فهل تُثبت القسامة ؟ فيه وجهان الأظهر هو الثبوت(1).

كمية القسامة

المسألة 112: في القتل العمدي خمسون يميناً(2).

_______________________________________________________________

(1) للإطلاقات والمسألة غير خلافية كما دلت عليها صحيحة زرارة التي مرت، وكذا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة كيف كانت ؟ فقال: هي حق وهي مكتوبة عندنا، ولولا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً، ثم لم يكن شيء إنما القسامة نجاة للناس»(1)،

ولو أن ظاهر بعض الروايات يكون ثبوت القسامة للرجل كصحيحة بريد بن معاوية وابي بصير ولكن يظهر من عموم التعليل أن المورد غير مخصص .

(2) وقد ادعى البعض عدم الخلاف وادعي الإجماع وقد عرفت كراراً عدم اعتبار هذه الإجماعات، والمشهور يكون على ذلك والعمدة الروايات .

منها: صحيحة عبد الله بن سنان قال: «قال أبو عبد الله (علیه السلام) في القسامة خمسون رجلاً في العمد، وفي الخطأ خمسة وعشرون رجلاً، وعليهم أن يحلفوا بالله»(2).

ومنها: صحيحة يونس وابن فضال عن محمد بن عيسى عن يونس جميعاً عن الرضا (علیه السلام) «والقسامة جعل في النفس على العمد خمسين رجلاً وجعل في النفس على الخطاء خمسة وعشرين رجلاً»(3).وأمّا ما ذكره ابن حمزة وإن كان معه شاهد واحد كان القسامة خمس وعشرين يميناً رجلاً(4) .... الخ الحديث فكلامه مخالف لصحيحتين وهو مبني على أن

ص: 141


1- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
3- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
4- الوسيلة / 460 .

وفي الخطأ المحض والشبيه بالعمد خمس وعشرون يميناً، وعليه فإن أقام المدعي خمسين رجلاً يقسمون فهو، وإلا فالمشهور تكرير الأيمان عليهم حتى يتم عدد القسامة وهو غير بعيد(1).

_______________________________________________________________

الخمسين بمنزلة شاهدين عدلين وهو كلام ضعيف .

(1) وقيل خمس وعشرون في الخطأ المحض وشبه العمد، وأمّا الخمسون فالمسألة غير خلافية، ولو أنّه لم يرد هناك دليل، ولكن مقتضى صحيحتي بريد بن معاوية، وزرارة، وهو حلف خمسين، وادعى البعض الإجماع، نعم ورد في صحيحة يونس عن الرضا (علیه السلام) «في ما أفتى به أمير المؤمنين (علیه السلام) في الديات فمما أفتى به في الجسد وجعله ست فرائض: النفس، والبصر والسمع، والكلام، ونقص الصوت من الغنن، والبحح، والشلل من اليدين والرجلين، ثم جعل مع كل شيء من هذه قسامة على نحو ما بلغت الدية إلى أن قال والقسامة في النفس، والسمع، والبصر، والعقل والصوت من الغنن، والبحح، ونقص اليدين والرجلين فهو ستة اجزاء الرجل تفسير ذلك: إذا أصيب الرجل من هذه الأجزاء الستة، وقيس ذلك فإن كان سدس بصره أو سمعه أو كلامه أو غير ذلك حلف هو وحده، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد، وإن كان نصف بصره حلف هووحلف معه رجلان، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف معه أربعة، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر، وكذلك القسامة في الجروح كلها، فإن لم يكن للمصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان، إلى أن قال وإن كان كله حلف ست مرات ثم يعطي»(1)، ومورد الرواية القسامة في الأجزاء والتعدي إلى القسامة في النفس

ص: 142


1- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .

المسألة 113: إذا كان المدعون جماعة أقلّ من عدد القسامة، قسمت عليهم الأيمان بالسوية على الأظهر(1).

_______________________________________________________________

يحتاج إلى دليل، ثم أن القسامة الثابت منها هي الدية فإثبات القود بتكرار الأيمان يحتاج إلى دليل، ولو فرض هناك إجماع وبما أنّه غير حجة فلا يمكن الإثبات به .

ثم قد يقال إنما جعلت القسامة احتياطاً للناس لئلا يغتال الفاسق رجلاً فيقتله حيث لا يراه أحد، فإذا كانت علة جعل القسامة ذلك فكيف يمكن تعليق القود على حلف خمسين رجلاً، فإنّه أمر لا يتحقق إلا نادراً، فكيف يمكن أن يكون ذلك موجباً لخوف الناس بالاغتيال .

(1) أمّا بالنسبة إلى التكرار فقلنا لا دليل عليه، نعم قد دعوا الإجماع فإذا قلنا به هل لابد بالسوية ؟ نسب ذلك إلى المحقق في الشرائع بقوله: وهي في العمد خمسون يميناً فإنّ كان له قوم حلف كل واحد يميناً إن كانوا عددالقسامة، وإن نقصوا عنه كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا القسامة وفي الخطأ المحض والشبيه بالعمد خمس وعشرون يميناً، ومن الأصحاب من سوى بينهما وهو أوثق في الحكم والتفصيل أظهر(1).

والفاضل في القواعد: لو كانوا أقلّ من خمسين كررت عليهم الأيمان حتى يستوفي الخمسون(2)،

والإرشاد: ولو كان للمدعي قوم حلف كل واحد يميناً إن كانوا خمسين وإلا كررت عليهم(3)،

والاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان(4)، بل في شرح القواعد للأصبهاني: ذكوراً كانوا أو إناثاً أو مختلفين وارثين بالسوية، أم لا لأنّهم

ص: 143


1- الشرائع / 4 / 224 .
2- القواعد / 3 / 618 .
3- ارشاد الاذهان / 2 / 219 .
4- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 196 .

المسألة 114: المشهور أنّ المدعى عليه إذا كان واحد(1) حلف هو واحضر من قومه ما يكمل عدد القسامة، فإنّ لم يكن كررت عليهم الأيمان حتى يكمل عددها، وفيه إشكال .

_______________________________________________________________

مشتركون في الدعوى، وخلافاً لما في الجواهر حيث أنه قال: يقسم عليهم بالسوية وحسب حصصهم(1).

حيث لم يكن هناك دليل ونصوص الباب خالية عن ذلك وليس هنا حكم في التفاضل لأنّ التفاضل يكون في الإرث ولا ربط في محل الكلام ولكن بما أن المسألة اتفاقية وأنّه القدر المتيقن نقول بالتساوي، وكذا لا دليلعلى الاختلاف كما عليه الشيخ في المبسوط: ومن قال تغلظ قال إن كان المدعى عليه واحد حلف خمسين يميناً، وإن كانوا جماعة فعلى قولين أحدهما يحلف كل واحد منهم خمسون يميناً، والثاني يحلفون خمسين يميناً على عدد الرؤوس(2).

(1) لا يخفى أنّه تارة يكون المدعي واحداً وأخرى أكثر، وتارة أخرى يكون المدعى عليه واحداً وأخرى أكثر، أمّا إذا كان المدعي أكثر فيكفي خمسين قسامة كما عليه الروايات والفتوى، وأمّا إذا كان المدعي عليه واحداً فيكفي خمسين قسامة، وأمّا إذا كان أكثر فلا تكفي قسامة واحدة، وقلنا إذا لم يكن قومه بمقدار خمسين فتكرار القسم يحتاج إلى دليل .

وأمّا رواية أبي بصير «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن القسامة اين كان بدوها ؟ فقال: كان من قبل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) إلى أن قال فعلى المدعي أن يجيء بخمسين يحلفون أن فلاناً قتل فلاناً، فيدفع إليهم الذي حلف عليه، فإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا قبلوا الدية وإن لم يقسموا، فإن على الذين ادعي عليهم أن

ص: 144


1- الجواهر / 42 / 244 .
2- المبسوط / 5 / 251 _ 253 .

................................

يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً فإن فعلوا أدى أهل القرية الذي وجد فيهم»(1)،

وكما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فهي مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً بعلي بن أبي حمزة، لا تدل على أن المدعى عليه يُحضر من قومه من يحلف معه لأكمال العدد الذي هو محل الكلام، بل المفروض فيها طلبالحلف من المدعى عليهم(2)،

بل مقتضى صحيحة مسعدة بن زياد المتقدمة عن جعفر (علیه السلام) إلى أن «قال: المتهمين بالقتل خمسين يميناًً بالله ما قتلناه»(3).

قد يقال بأنّه يستفاد من صحيحة بريد التي تدل على أن القسامة أي خمسين رجلاً من الخارج غير حلف المدعي، وادعى الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: وأمّا صحيحة بريد بن معاوية المتقدمة من قوله (علیه السلام) «وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا وما علمنا قاتلاً» فلا دلالة فيه على لزوم حلف غير المدعى عليه، بل تدل على أن المدعى عليه لابد وأن يكون هو الحالف ولكن لا يكتفي بحلفه مرة واحدة، بل لابد أن يكون حلفه قسامة خمسين رجلاً بمعنى أنّه يلزم عليه حلف خمسين مرة وعلى الجملة فإن تم إجماع على اعتبار حلف خمسين رجلاً بالإضافة إلى المدعى عليه فهو وإلا فالظاهر كفاية خمسين يميناً من المدعى عليه بلا حاجة إلى ضم حلف شخص آخر إليه(4).

والحق لابد من ضم خمسين يميناً من الآخرين مضافاً إلى الاتفاق الذي تدل عليه ذيل صحيحة بريد «خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً» .

ص: 145


1- الوسائل باب 10 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح5 .
2- المباني / 2 / 135 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 135 .

وأمّا إذا كان أكثر من واحد(1)، بمعنى أن الدعوى كانت متوجهة إلى كل واحد منهم، فعلى كل واحد منهم قسامة خمسين رجلاً .

المسألة 115: إذا لم تكن بينة للمدعي ولا للمدعى عليه ولم يحلف المدعي، وحلف المدعى عليه، سقطت الدعوى(2)ولا شيء على المدعى عليه، ويعطى الدية لورثة المقتول من بيت المال .

_______________________________________________________________

(1) فلا يكفي قسامة واحدة، بل الأوجه تعدد القسامة حسب تعدد المدعى عليه، ويدل عليه صحيحة بريد «حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً» أي من يصدق عليه مدعى عليه لابد أن يأتي بالقسامة، ولو كان المدعي عليه أكثر فلابد من التعدد وفي صحيحة مسعدة بن زياد عن الباقر (علیه السلام) «كان يحلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً»،

وأمّا ما قيل بكفاية الخمسين بدون تعدد القسامة لأنّه يصدق المدعى عليه على مجموع المتهمين، فغير تام بعدما ورد في الصحيحتين التعدد فما نسب إلى الشيخ في محكي الخلاف غير مقبول بكفاية قسامة واحدة .

(2) فإذا حلف حكم ببراءته على المشهور شهرة عظيمة، وكما ظهر من صحيحة بريد بأن الدية علقت على عدم الحلف، وأمّا صحيحة مسعدة بقوله «يؤدي الدية» فلا تدل على أن الدية على المدعى عليه، بل تدفع الدية من بيت المال لئلا يذهب دم مسلم هدراً .

ص: 146

المسألة 116: القسامة كما تثبت بها الدعوى في قتل(1) النفس

كذلك تثبت بها في الجروح بالإضافة إلى الدية، وفي عددها في الجروح خلاف، قيل خمسون يميناً إن بلغت الجناية فيها الدية كاملة، وإلا فبحسابها، وقيل ستة أيمان فيما بلغت ديته دية النفس، وما كان دون ذلك فبحسابه هذا وهو القول الصحيح(2).

_______________________________________________________________

(1) وادعوا على ذلك الشهرة العظيمة، بل ادعوا الإجماع في كلمات الأصحاب كما في المبسوط بقوله: فأمّا إن كانت الدعوى دون النفس فعندنا فيه قسامة وعندهم لا قسامة فيها(1)، والأصل في ذلك صحيح يونس عن الرضا وفيها قوله (علیه السلام) «وكذلك القسامة في الجروح كلها فإن لم يكن المصاب من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان» وقد مرّت الرواية .

ولا يخفى بأن القاعدة الأولية هي البينة على المدعي واليمين على من أنكر، فهنا بمقتضى الصحيحة نعمل على خلاف القاعدة، ولكن القدر المتيقن اعتبار اللوث في القسامة ومع أنّه هو المتسالم عليه هنا بينهم، فما نسب إلى المبسوط من عدم اعتبار ذلك فلا دليل عليه .

(2) كما نسب إلى المفيد بقوله: والقسامة خمسون رجلاً على ما قدمناه في النفس وفيما دونها بحساب(2)،

وسلار(3)،

وابن إدريس بقوله: والقسامة فيها واجبة مثلها في النفس وكل شيء من أعضاء الإنسان يجب فيه الدية كاملةمثل الأنف والذكر والسمع والشم واليدين والعينين وغير ذلك كان فيه القسامة مثل ما في

ص: 147


1- المبسوط / 5 / 253 .
2- المقنعة / 728 .
3- المراسم / 232 .

المسألة 117: إذا كان القتيل كافراً، فادعى وليه القتل على المسلم ولم تكن له بينة، فهل تثبت القسامة حينئذٍ وجهان(1) قيل تقبل وهو لا يخلو من إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

النفس سواء وفيما نقص من الأعضاء القسامة فيها على قدر ذلك(1)،

وفي المسالك: فذهب الأكثر إلى أنّها كالنفس فيما فيه الدية كاللسان والانف واليدين، وبنسبتها من الخمسين فيما ديته دون ذلك(2)

وعن السرائر الإجماع عليه(3).

وهذا القول لا دليل عليه سوى القول بأن القسامة مخالفة للأصل والقاعدة في باب الدعاوي والمنازعات فيقتصر على المتيقن الذي هو الخمسون .

ولكن يرد عليه إذا لم يكن هناك دليل معتبر على الخلاف فالاعتماد على الأصل، والمتيقن إنما هو فيما إذا لم يكن هناك دليل وهنا الدليل موجود وهو صحيحة يونس عن الرضا (علیه السلام) إلى أن «قال: والقسامة جعلت في النفس على العمد خمسين رجلاً، وجعلت في النفس على الخطأ خمسة وعشرين رجلاً، وعلى ما بلغت من الجروح الف دينار ستة نفر وما كان دونذلك فحسابه من ستة نفر»(4).

(1) هناك قولان في المسألة :

الأول: أنّه تقبل قسامة الكافر على المسلم ونسب هذا القول إلى جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط فإن كانت بالضد وكان المقتول مشركاً والمدعى عليه القتل مسلماً، قال قوم مثل ذلك، يقسم وليه ويثبت القتل على المسلم، وقال قوم لا قسامة للمشرك على مسلم، والأول أقوى عندنا لعموم الأخبار غير أنّه

ص: 148


1- السرائر / 3 / 363 .
2- المسالك / 15 / 208 .
3- السرائر / 3 / 364 .
4- الوسائل باب 11 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .

................................

لا يثبت له القود وإنما يثبت به المال(1)،

والعلامة في التحرير: الرابع للمسلم القسامة على الكافر إجماعاً وهل تثبت للكافر على المسلم القسامة، قال الشيخ الأقوى ذلك لعموم الأخبار غير أنّه لا يثبت بذلك قصاص بل الدية(2).

والوجه ما قاله في الضد أنّ أصالة البراءة يعمل بها ما لم يظهر الضد وقد ظهر، لأن ثبوت الدية اللوث ينفي ظن استصحاب أصالة البراءة ودليل إثبات القتل في القسامة ينفي القود ويثبت المال، وكما لا يجوز تخصيص عموم قوله (علیه السلام) «اليمين على من أنكر» بالمسلم في المال، كذلك هنا ترجيحاً إلى أن قسامة الكافر تقبل على المسلم ولكن لا يثبت بها القود وإنما تثبت بها الدية حفاظاً للناس، وذلك لإطلاق الروايات لصحيحة زرارةعن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: إنما جعلت القسامة احتياطاً للناس لكي ما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلاً»(3)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة كيف كانت، فقال: هي حق وهي مكتوبة عندنا، ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً ثم لم يكن شيء، وإنما القسامة نجاة الناس»(4)،

وقريب منه صحيحة عبد الله بن سنان «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إنما وضعت القسامة لعلة الحوط يحتاط على الناس لكي إذا رأى الفاجر عدوه فرَّ منه مخافة القصاص»(5).

الثاني: تدل عليه معتبرة أبي بصير فإنّها تدل بالصراحة وبوضوح على «أنّ

ص: 149


1- المبسوط / 5 / 245 _ 246 .
2- التحرير / 5 / 485 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
5- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح9 .

................................

جعل اليمين على المدعي إنما هو لعدم بطلان دم امريء مسلم»(1)

وفي صحيح بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) « قال: سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلى أن قال إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل فكف عن قتله»(2)، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وبهذه الروايات يقيد اطلاق الروايات المتقدمة(3).

ولكن القسامة تثبت على الإطلاق لأنّ مخالفتها للأصل لا يضر مع وجودالدليل والروايات الواردة في حقن دم المسلم لا تعارض الروايات الثابت إطلاقها لأنّ المورد لا يخصص ولو فرض أن القود لا يكون موجوداً بالنسبة إلى المسلم للكافر ولكن بهذا تثبت الدية، نعم يمكن أن تقيد الإطلاقات بما ورد في معتبرة أبي بصير فإنّها دلت على الاختصاص كما ورد فيها على أن جعل اليمين على المدعي إنما هو لعدم بطلان دم المسلم وصحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلى أن قال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل فكف عن قتله»(4)، ولا يمكن التعدي من المسلم إلى غيره .

ص: 150


1- قد مر الحديث .
2- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 141 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح3 .

المسألة 118: إذا قٌتل رجل في قرية أو في قريب منها أغرم أهل تلك القرية الدية إذا لم توجد بينة على أهل تلك القرية أنّهم ما قتلوه وإذا وجد بين قريتين ضمنت الأقرب منهما(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة ليست خلافية وما عن الغنية الإجماع عليه وبقوله: إذا وجد القتيل في قرية ولم يعرف من قتله فديته على أهلها، فإن وجد بين القريتين فالدية على أهل الأقرب إليه منهما، فإن كان وسطاً فالدية نصفان وحكم القبيلة والمحلة والدرب والدار حكم القرية(1)، ولصحيحة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: سألته عن الرجل يوجد قتيلاً في القرية أو بين قريتين، قال: يقاس ما بينهما فإيهما كانت أقرب ضمنت»(2)،

ورواية محمد بن قيس «قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل قتل في قرية، أو قريباً من قرية أن يغرم أهل تلك القرية أن توجد بينة على أهل تلك القرية أنّهم ما قتلوه»(3)،

والرواية مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها، فلا تعارض تلك المعتبرات والصحاح، نعم هناك رواية أخرى لمحمد بن قيس «قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: لو أن رجلاً قتل في قرية، أو قريباً من قرية ولم توجد بينة على أن أهل تلك القرية أنّه قتل عندهم، فليس عليهم شيء»(4).

وقال في الرياض: أو وجد بين قريتين وهو إلى أحداهما أقرب فهو لوث لأقربهما كما في الصحيحة والموثق عن الرجل يوجد قتيلاً في القرية أوبين قريتين «يقاس بينهما فإيهما كانت اقرب ضمنت»(5)،

ولو تساوى مسافتهما كانتا سواء في

ص: 151


1- الغنية / 1 / 414 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح4 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح5 .
4- الوسائل باب 8 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
5- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

المسألة 119: إذا وجد قتيل في زحام الناس، أو على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع أو في شارع عام أو جامع أو فلاة أو ما شاكل ذلك(1) والضابط أن لا يكون مما يستند القتل فيه إلى شخص خاص أو جماعة معينة، أو قرية معلومة فديته من بيت مال المسلمين .

_______________________________________________________________

اللوث وإن ثبت العداوة لاحداهما دون الأخرى فاللوث لها وإن كانت ابعد(1).

(1) قد ذكر الماتن من المصاديق المصنع، وهذا في غير محله لأنّ المصنع يشتغل فيه جماعة معينون فتأمل، وفي هذه الموارد بما أن الضابط أنّه لا يظن أن القتل من شخص أو جماعة معينة أو قرية معلومة، والمسألة غير خلافية ونسب إلى الغنية الإجماع بقوله: ودية كل قتيل لا يعرف قاتله ولا يمكن اضافته الى أحد على بيت المال كقتيل الزحام والموجود بالأرض التي لا مالك لها كالبراري والجبال كل ذلك بطريقة إجماع الطائفة(2)،

مضافاً إلى الروايات المستفيضة .

منها: صحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر (علیه السلام) «قال: كان أبي رضي الله عنه إذا لم يقم القوم المدعون البينة على قتل قتيلهم ولم يقسموا بأنالمتهمين قتلوه، حلف المتهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً، ثم يؤدي الدية إلى أولياء القتيل، ذلك إذا قتل في حي واحد، فأما إذا قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال»(3).

ص: 152


1- الرياض / 16 / 281 _ 282 .
2- الغنية / 2 / 414 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح6 .

المسألة 120: يعتبر في اليمين أن تكون مطابقة للدعوى، فلو ادعى القتل العمدي وحلف على القتل الخطائي فلا أثر له(1).

_______________________________________________________________

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان وعبد الله بن بكير جميعاً عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل وجد مقتولاً لا يدري من قتله، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم أمرئ مسلم لأنّ ميراثه للإمام، فكذلك تكون ديته على الإمام ويصلون عليه، ويدفنونه، قال: وقضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات، أن ديته من بيت مال المسلمين»(1).

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: ازدحم الناس يوم الجمعة في إمرة علي (علیه السلام) بالكوفة فقتلوا رجلاً، فودى ديته إلى أهله من بيت مال المسلمين»(2)،

ومعتبرة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: من مات في زحام الناس يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت مال المسلمين»(3).

(1) وهذا ظاهر، لأنّه ما حلف عليه لم يدّعه وما ادعى عليه لم يحلف عليه، فما ذكره الاستاذ واضح .

ص: 153


1- الوسائل باب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح2 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح5 .

المسألة 121: لو ادعى إن احد هذين الشخصين قاتل ولكنه لا يعلم به تفصيلاً، فله أن يطالب كلاً منهما(1) بالبينة على عدم كونه قاتلاً فإن أقام كل منهما البينة على ذلك فهو، وإن لم تكن لهما بينة فعلى المدعي القسامة، وإن لم يأتِ بها فعليهما القسامة وإن نكلا ثبتت الدية دون القود .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن الدعوى وإن كانت متوجهة إلى واحد منهما غير المعين فلا يمكن القصاص من أحدهما المعين أو كليهما، فلابد للمدعى عليه رفع التهمة عن نفسه، وهذا لا يمكن إلا بإتيان بالبينة على عدم قتله، فتارة يأتي كلٌ منهما بالبينة على عدم القتل فتسقط حينئذٍ الدعوى، وتارة أخرى لا يأتيان ونكلا فلابد للمدعي القسامة، وثالثة إذا نكل المدعي فلابد لكل منهما القسامة فإن نكلا ثبتت الدية لأنّه لا يمكن قتل أحد منهما ولا قتلهما بعدما لم يكن تعيين القاتل، إذاً لابد من الدية حتى لا يهدر دم أمرئ مسلم .

ص: 154

المسألة 122: لو ادعى القتل على اثنين بنحو الاشتراك ولم تكن له بينة، فله أن يطالبهما بالبينة، فإن أقاما البينة على عدم صدور القتل منهما فهو(1)، وإلا فعلى المدعي الإتيان بالقسامة، فإن أتى بها على أحدهما دون الآخر فله قتله(2)، بعد ردّ نصف الدية إلى أوليائه، كما أنّ له العفو وأخذ نصف الدية منه، وإن أتى بها على كليهما فله قتلهما بعد إن يرد إلى أولياء كل منهما نصف الدية، كما أن له مطالبة الدية منهما، وإن نكل فالقسامة عليهما، فإن أتيا بها سقط عنهما القصاص والدية، وإن أتى بها أحدهما سقط عنه ذلك وللولي أن يقتل الأخر بعد ردّ نصف ديته إلى أوليائه، وله أن يعفو عنه ويأخذ نصف الدية(3).

_______________________________________________________________

(1) أي سقط عنهما القتل والدية .

(2) لأنّه بالقسامة ثبت القتل في حق من حلف عليه كما وردت في الروايات المتقدمة، ولكن بما أنّ ادعائه وقوع القتل من كليهما فيجوز له قتل من أتى بالقسامة عليه، بعد ردّ نصف الدية إلى أوليائه لأنّه باعترافه ليس هو القاتل فقط بل كان مشتركاً في القتل، وله أن يعفو عنه ويأخذ نصف الدية من أوليائه .

(3) حيث أن المقتول واحد والقاتل اثنان، فإن قتلهما فله أن يدفع الدية إلى كل من أولياء القاتلين نصف الدية، وله أيضاً العفو عن قتلهما ويأخذ من كل منهما نصف الدية، قلنا يجوز له قتلهما أو قتل واحد مع القسامة فإن نكلتالقسامة ترد إليهما القسامة، فإن أتيا بها سقط عنهما القصاص والدية، وأمّا إن أتى بها واحد سقط عنه كذلك .

ص: 155

وإن نكلا معاً كان للولي قتلهما معاً بعد ردّ نصف دية كل منهما إلى أوليائه، أو مطالبته الدية منهما(1).

المسألة 123: لو ادعى القتل على أثنين، وكان في أحدهما لوث فعلى المدعي إقامة البينة بالإضافة إلى من ليس فيه لوث، وإن لم يقم فعلى المنكر اليمين، وأمّا بالإضافة إلى من فيه لوث فالحكم فيه كما سبق(2).

_______________________________________________________________

(1) المسألة واضحة .

(2) لأنّه يكون طبقاً للقاعدة وهي البينة على المدعي واليمين على من أنكر كما هو حكم بقية الدعاوي، والمسألة غير خلافية، وفي الجواهر: بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق الأدلة(1)

ولا يكون على المنكر إلا يميناً واحداً فاليمين المتكرر يحتاج إلى دليل، وأمّا بالنسبة إلى من فيه اللوث فقد مرّ حكمه .

ص: 156


1- الجواهر / 42 _ 266 .

المسألة 124: لو كان للمقتول وليان وكان أحدهما غائباً فادعى الحاضر على شخص أنّه القاتل ولم تكن له بينة، فإن حلف خمسين يميناً في دعوى العمد، وخمساً وعشرين في دعوى الخطأ ثبت حقه ولو حضر الغائب، فإن لم يدّعِ شيئاً انحصر الحق بالحاضر، وإن ادعى كان عليه الحلف بمقدار حصته فيما كانت الدعوى القتل عمداً أو خطأ، وكذا الحال إذا كان أحد الوليين صغيراً وادعى الكبير على شخص أنّه القاتل(1).

_______________________________________________________________

(1) لأن الحق يثبت بالقسامة، ونسب ذلك إلى الخلاف بقوله: وأيضاً فبثبوت اللوث ثبت حق للوليين، فإذا كذب أحدهما لم يسقط حق الآخر(1) وقال في المبسوط: إذا ثبت أن له أن يحلف فلا يثبت له حق بأقل من خمسين يميناً، لأنّ القسامة لا يفتتح بأقل من خمسين يميناً، وكان الخمسون في القسامة كاليمين الواحدة في الأموال ثم ثبت له لو ادعى مالاً حلف يميناً واحدة فوجب أن يقسم هاهنا خمسين يميناً، فإذا حلف هذا خمسين يميناً وأخذ نصيبه من الدية ثم كبر الصغير وقدم الغائب وأراد أن يطالب بحقه حلف واستحق(2)، وأمّا ما قاله في القواعد بقوله: ولو كان أحد الوارثين غائباً وحصل لوث، وحلف الحاضر خمسين يميناً وثبت حقه من غير ارتقاب، فإن حضر الغائب حلف خمساً وعشرين، وكذا لو كان أحدهما صغيراً أو مجنوناً(3)، وأمّاما ذكره في المسالك بقوله: فإذا كان الولي اثنين وأحدهما غائب تخّير الحاضر بين أن يصبر إلى أن يحضر الغائب فيحلف كل

ص: 157


1- الخلاف / 5 / 315 .
2- المبسوط / 5 / 264 _ 265 .
3- قواعد الأحكام / 3 / 620 .

المسألة 125: إذا كان للقتيل وليان، وادعى أحدهما القتل على شخص وكذبه الآخر بأن ادعى أنّ القاتل غيره، أو أنّه اقتصر على نفي القتل عنه لم يقدح هذا في دعوى الأول، ويمكنه إثبات حقه بالقسامة(1) إذا لم تكن للمدعى عليه بينة على عدم كونه قاتلاً(2).

المسألة 126: إذا مات الولي قام وارثه مقامه(3)، ولو مات أثناء الأيمان كان على الوارث خمسون يميناً مستأنفة(4)، فلا اعتداد بالأيمان الماضية .

_______________________________________________________________

واحد بقدر حصته، وبين أن يحلف في الحال خمسين يميناً ويأخذ قدر حقه(1)،

وغيرها من الأقوال، ولأنه لا يشترط في صحة القسامة عدم التكذيب حتى لو كان الولي الثاني غائباً، نعم في صورة وجود البينة لا تصل النوبة إلى القسامة .

(1) لأنّ أدلة القسامة مطلقة تشمل التكذيب وعدمه .

(2) لتقدم البينة على القسامة، لأنّ من شروط حجية القسامة عدم وجود البينة على الخلاف، فإذا كان للمدعى عليه بينة على عدم القتل فلا تأثير للقسامة .

(3) فإن تحقق الموت قبل إقامة الدعوى والحلف كان لوارثه إقامة الدعوى، لأنّه حق من الحقوق التي ينتقل إلى الورثة لما دل من أنّ ما تركهالميت من حق أو مال ينتقل إلى الورثة .

(4) لأنّه حينما حلف المورث لم يكن للوارث حق وكان أجنبياً وبعد موت المورث فله الحق، فلابد له من الأيمان الكاملة وهي خمسون يميناً، لأنّ ما حلف المورث فيكون حلفه أجنبياً فلو قلنا بكفاية الاتمام لابد أن نقول بكفايته وإثباته بيمين الأجنبي، إذاً لا أثر لما حلف المورث حال حياته إذا لم يكملها .

ص: 158


1- مسالك الافهام / 15 / 216 .

المسألة 127: لو حلف المدعي على أنّ القاتل زيد، ثم اعترف آخر بأنّه القاتل منفرداً، قال الشيخ في الخلاف إنّه مخير بين البقاء على مقتضى القسامة وبين العمل على مقتضى الإقرار ولو كان الإقرار بعد استيفاء الحق من المدعى عليه ولكنه لا وجه له(1)وإذا صدّق المدعي المقر سقطت دعواه الأولى أيضاً(2).

المسألة 128: إذا حلف المدعي واستوفى حقه من الدية ثم قامت البينة على أن المدعى عليه كان غائباً حين القتل، أو كان مريضاً، أو نحو ذلك مما لا يتمكن معه من القتل بطلت القسامة وردت الدية وكذلك الحال فيما إذا اقتص منه(3).

_______________________________________________________________

(1) وذلك بأنّ القسامة تكون سبباً لإقرار صاحبه بأن القاتل من حلف عليه، وأمّا المقر فلا يكون قاتلاً، فلا معنى للتخيير .

(2) لأنّ إقامة القسامة تكون موجبة لبطلان الإقرار وعدم الأثر له وتصديقه للمقر يستوجب تكذيب القسامة، فلا قود ولا دية هناك له .

(3) هناك وجهان في المسألة، الأول صحة القسامة، لأنّ فصل الخصومة يحصل باليمين لما ورد عن أبي الحسن (علیه السلام) «ذهبت اليمين بما فيها»(1)،

والثاني هو البطلان كما ذهب إليه المحقق في الشرائع: لو حلف مع اللوث واستوفى الدية ثم شهد اثنان أنّه كان غائباً في حال القتل غيبة لا يقدرمعها القتل، بطلت القسامة واستعيدت الدية(2)،

وذلك تقديماً للبينة على اللوث الذي هو أمر ظني، بل وهكذا كما نسب في كشف اللثام والبينة تكشف عن كذب القسامة، وأنّها مخالفة

ص: 159


1- الوسائل باب10 من أبواب كيفية الحكم ح2 .
2- شرائع الإسلام / 4 / 227 .

المسألة 129: لو أتهم رجل بالقتل حبس ستة أيام، فإن جاء أولياء المقتول بما يثبت به القتل فهو، وإلا خلى سبيله(1).

_______________________________________________________________

للواقع فلا أثر للقسامة معها ولا يثبت بأنّه هو القاتل، إذاً لو قتله أخذت الدية منه حتى لا يذهب دم مسلم هدراً، لأنّه لم يكن قتل عمد، هذا إذا لم يعترف بتعمد الكذب وإلا لابد من الاقتصاص منه لأنّه قتله عمداً .

(1) يحبس إذا التمس الولي من الحاكم حبسه، وقد نسب ذلك إلى الشيخ وأتباعه كما عن المسالك بقوله: القول بحبس المتهم بالدم ستة أيام للشيخ(1) وأتباعه(2) استناداً إلى الرواية المذكورة، وإطلاق الدم يشمل الجرح والقتل(3)،

قال الاردبيلي: مقدار الحبس ستة أيام فإن جاء المدعي ببينة أو أقسم وإلا خلي سبيله، وقال الشيخ والقاضي والصهرشتي(4)

والطبرسي ستة أيام(5)،

وابن حمزة(6)،

ثلاثة أيام، وقال ابن الجنيد: إن أدعى الولي البينة حبس إلى ستة أيام ومأخذ الحكمين رواية السكوني، ومدة حبسه وهي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) كان يحبس فيتهمة الدم ستة أيام، فإن جاء أولياء المقتول، يثبت وإلا خلى سبيله»(7)،

وعن ابن إدريس منع عن الحبس وزعم الرواية مخالفة للأدلة من تعجيل العقوبة قبل ثبوت الموجب، وقال المصنف في المختلف: إن حصلت التهمة في نظر الحاكم الزمه الحبس، عملاً بالرواية وحفظاً للنفوس عن الإتلاف، وإن حصلت لغيره فلا، عملاً بالأصل(8).

ص: 160


1- النهاية / 744 .
2- المهذب / 2 / 503 .
3- المسالك / 15 / 223 .
4- غاية المراد / 4 / 439 .
5- الوسيلة / 461 .
6- مجمع الفوائد / 14 / 214 .
7- الوسائل باب12من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ح1 .
8- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 214.

الفصل الرابع: في أحكام القصاص

المسألة 130: الثابت في القتل العمدي القود دون الدية(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، وقد قال صاحب المختلف: المشهور عند علمائنا أنّ الواجب بالأصالة في قتل العمد القود، والدية إنما تثبت صلحاً فإنّ اختار ولي المقتول القود كان له ذلك، وإن أختار الدية لم يكن له ذلك إلا برضى القاتل فإن دفع نفسه للقود لم يكن للولي غيره اختاره الشيخان(1) وأبو الصلاح(2)،

وسلار(3)،

وهو قول الأكثر(4)،

وفي الخلاف: القتل العمد يوجب القود فقط، فإنّ اختار الولي القصاص فعل، وإن اختار العفو فعل وسقط حقه من القصاص، ولا يثبت له الدية على القاتل إلا برضاه، وإنما يثبت المال على القاتل إذا اصطلحوا على مال قليلاً كان أو كثيراً، فأمّا ثبوت الدية عليه بغير رضاه فلا دية، قاله أبو حنيفة، ومالك، وللشافعي قولان(5).

ص: 161


1- المقنعة / 735، والنهاية ونكتها / 3 / 360 .
2- الكافي في الفقه / 391 _ 392 .
3- المراسم / 236 .
4- المختلف / 9 / 274 .
5- الخلاف / 5 / 176 _177.

................................

ويدل على وجوب القصاص:

أولاً: قوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» وقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى»(1).

ثانياً: الروايات: منها صحيحة عبد الله بن سنان، وابن بكير جميعاً عن ابن محبوب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمداً، إلى أن قال، فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول، فاقرّ عندهم بقتل صاحبه، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه اعطاهم الدية، واعتق نسمة وصام شهرين متتابعين، واطعم ستين مسكيناً توبة إلى الله عز وجل»(2) وصحيحة عبد الله بن سنان الثانية، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه سئل عن رجل قتل مؤمناً، وهو يعلم أنّه مؤمن، غير أنّه حمله الغضب على أنّه قتله هل له من توبة إن أراد ذلك، أو لا توبة له ؟ قال: توبته إن لم يعلم انطلق إلى أوليائه، فاعلمهم أنّه قتله، فإن عفى عنه أعطاهم الدية، وأعتق رقبة وصام شهرين متتابعين، وتصدق على ستين مسكيناً»(3).

يؤيد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي، «قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل قتل رجلاً متعمداً، قال: جزاؤه جهنم، قال قلت له: هل له من توبة ؟ قال: نعم يصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستين مسكيناً، ويعتق رقبة ويؤدي ديته، قال: قلت لا يقبلون منه الدية، قال يتزوج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها قال قلت: لا يقبلون، منه ولا يزوجونه، قال: يصره صرراً يرمي بهافي دارهم»(4)،

وقد ورد نبويان

ص: 162


1- سورة البقرة الآية / 178 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب الكفارات ح1 .
3- الوسائل باب 28 من أبواب الكفارات ح3 .
4- الوسائل باب 28 من أبواب الكفارات ح4 .

فليس لولي المقتول مطالبة القاتل بها، إلا إذا رضي بذلك وعندئذ يسقط عنه القود وتثبت الدية ويجوز لهما التراضي على أقل من الدية أو على أكثر منها(1)، نعم إذا كان الاقتصاص يستدعي الرد من الولي، كما إذا قتل رجل امرأة، كان ولي المقتول مخيراً بين القتل ومطالبة الدية(2).

_______________________________________________________________

في أحدهما «من قتل له قتيلاً فهو مخير بين نظرين، إمّا يفدي أو يقتل» وفي الثانية «من أصيب بدم أو جرح، فهو بالخيار بين أحدى ثلاث، أمّا أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو» ولكن رواية الحضرمي والنبويين ضعيفان من جهة السند .

وأمّا الصحيحتان الأوليتان فهما وإن دلتا على القول بالتخيير، لأنّه إذا وجب على القاتل إعطاء الدية عند عفو الولي ترك القصاص ومطالبته بالدية لا محالة، وهو معنى التخيير، ولكن يتعارضان بصحيحة عبد الله بن سنان «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: من قتل مؤمناً متعمداً قيد منه إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية»(1)،

فتكون هذه الصحيحة مقدمة على تينك الصحيحتين لموافقتها للكتاب فإنّ ظاهرها أن للولي ثبوت الولاية في القصاص فقط وليس له المطالبة بالدية، إذاً لا تثبت الدية إلا برضا الجاني وليس هنا اختيار للولي بين القصاص ومطالبة الدية .(1) إن قلنا بجواز الدية إنما يكون بالتراضي بين الطرفين، فتكون العبرة برضاهما معاً، وإن وقعت المراضاة وكانت أكثر من الدية أو أقل فعلى أي مقدار تراضيا ثبت، والمسألة غير خلافية .

(2) قد مرّ شرح المسألة .

ص: 163


1- الوسائل باب 19 من أبواب القصاص في النفس ح3 .

المسألة 131: لو تعذر القصاص لهرب القاتل أو موته أو كان ممن لا يمكن الاقتصاص منه لمانع خارجي، انتقل الأمر إلى الدية، فإن كان للقاتل مال، فالدية في ماله، وإلا أخذت من الأقرب فالأقرب إليه وإن لم يكن أدى الإمام الدية من بيت المال(1).

_______________________________________________________________

(1) للأدلة الدالة على عدم جواز ضياع دم المسلم، وهذا غير مختص بالهارب أو الموت، بل يشمل كل مكان لا يمكن من القصاص ولو لمانع خارجي، كما ورد في معتبرة أبي بصير «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) في رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة أداه الإمام، فإنه لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1)،

وصحيحة أبي نصر عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل قتل رجل عمداً، ثم فرّ فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب»(2) .

فيستفاد من معتبرة أبي بصير قاعدة كلية، وهي عدم القدرة، وهذا يشملولو كان لمانع خارجي فمن لا يتمكن من الاقتصاص منه يحال أمره إلى الدية لئلا يبطل دم أمرئ مسلم .

ص: 164


1- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح3 .

المسألة 132: لو أراد أولياء المقتول القصاص من القاتل فخلصه قوم من أيديهم، حبس المخلص حتى يتمكن من القاتل، فإن مات القاتل أو لم يقدر عليه، فالدية على المخلص(1).

المسألة 133: يتولى القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج(2).

_______________________________________________________________

(1) كلا الحكمين بالحبس والدية عليه في صورة موت القاتل أو عدم القدرة عليه يظهر من صحيحة حريز عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل قتل رجلاً عمداً فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فوثب عليه قوم فخلصوا القاتل من أيدي الأولياء، قال: أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قيل فإن مات القاتل وهم في السجن، قال: إن مات فعليهم الدية يؤدونها جميعاً إلى أولياء المقتول»(1).

(2) وأمّا ما قاله في المبسوط بقوله: وأمّا الكلام في القصاص وهو إذا قتل عمداً محضاً فإنّه كالدية في الميراث يرثه من يرثها، فالدية يرثها من يرث المال، والقود يرثه من يرث الدية والمال معاً، هذا مذهب الأكثر(2)، وقال قوم يرثه العصبات من الرجال دون النساء، وفيه خلاف والأقوى عندي الأول وإن كان الثاني قد ذهب إليه جماعة من أصحابنا وذكرناه نحن في النهاية(3)ومختصر الفرائض(4)،

والسرائر بقوله: أمّا الزوج والزوجة فلا خلاف بين أصحابنا أنّه لاحظ لهما في القصاص،

ص: 165


1- الوسائل باب 16 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- المبسوط / 5 / 62 .
3- النهاية / 3 / 252 .
4- مختصر الفرائض الرسائل العشر / 277 .

................................

ولهما نصيبهما من الميراث من الدية(1)،

في موضع منها التحرير بقوله: يختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال بخلاف العقل فإنّه يختص الذكور من العصبة دون من يتقرب بالأم ودون الزوج والزوجة(2)،

والمختلف بقوله: الدية يرثها الأولاد ذكوراً كانوا أو اناثاً للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا الوالدان، ولا يرث الأخوة والأخوات من قبل الأم منها شيئاً، ولا الأخوة والأخوات من قبل الأب وإنما يرثها من بعد الوالدين والأولاد الأخوة من قبل الأب والأم أو العمومة(3)

والزوج والزوجة يرثان من الدية وكل من يرث الدية يرث القصاص إلا الزوج والزوجة فإنه ليس لهما من القصاص شيء على حال والإرشاد بقوله: ويرث القصاص والدية وارث المال عدا الزوج والزوجة في القصاص ويرثان من الدية إن رضي الأولياء بها(4).

وهكذا في البقية كما حكاه الجواهر عنهم والإيضاح واللمعة والمسالك بقوله: هذا موضع وفاق وعلل بأن القصاص يثبت للولي للتشفي والأنسب في الزوجية من حيث هي زوجية يوجبه(5)،

والروض والروضة وعن المبسوطنسبته إلى الأكثر، بل يظهر من ابن فضال الإجماع عليه(6)،

ويمكن أن يستدل بعموم الآية: «وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ» (7)وقوله تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»(8).

ص: 166


1- السرائر / 3 / 350 .
2- التحرير / 5 / 638 .
3- المختلف / 9 / 284 .
4- الارشاد / 2 / 198 .
5- المسالك / 13 / 45 .
6- الجواهر / 42 / 283 .
7- سورة الانفال الآية / 75 .
8- سورة الاسراء الآية / 33 .

ومن يتقرب بالأم(1)، وأمّا النساء فليس لهن العفو ولا قود(2).

_______________________________________________________________

وأمّا الزوج ولو يرث الدية والمال ولكن مع ذلك فإنّه لا يرث القصاص وقد ادعى في الجواهر الإجماع بقسميه(1)، ولم أجد مخالفاً من العامة إلا عن ابن أبي ليلى، بناءً منه على زوال الزوجية بالوفاة، ولاريب في فساده(2).

(1) وحكاه الجواهر عن الشيخ في النهاية وكذا عن الاستبصار ومختصر الفرائض في شرح قول المحقق: لا يرث القصاص إلا العصبة دون الأخوة والأخوات من الأم ومن يقترب بها، وهو الأظهر كما عن الشهيد في الحواشي، بل عن الحلي في موضع من السرائر أن كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا القود بلا خلاف(3).

وتدل عليه معتبرة أبي العباس فضل البقباق عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت هل للنساء قود أو عفو ؟ قال: لا وذلك للعصبة»(4)، وحيث أن ما ورد من الروايات في كلالة الأم أنّها لا ترث الدية فإنّها تدل بالأولوية على عدم استحقاقهم القصاص .(2) كما عليه المحقق بقوله ليس للنساء عفو ولا قود(5)

وغيره كالشيخ في المبسوط، وقد دلت على ذلك معتبرة أبي العباس المتقدمة .

ص: 167


1- الجواهر / 24 / 283 .
2- الجواهر / 42 / 283 .
3- الجواهر / 42 / 284 .
4- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الارث ح6 .
5- الشرائع / 4 / 228 .

المسألة 134: إذا كان ولي المقتول واحداً، جازت له المبادرة إلى القصاص والأولى الاستئذان من الإمام ولاسيما في قصاص الأطراف(1).

_______________________________________________________________

(1) هناك قولان في المسألة :

الأول: جواز المبادرة من دون الاستئذان من الحاكم الشرعي .

والثاني: وجوب الاستئذان، فلا يجوز له المبادرة بدون الرجوع إلى الحاكم الشرعي .

أمّا القول الأول فهو مقتضى إطلاقات أدلة القصاص في القرآن والسنة وعدم تقييدها بالإجازة من الإمام (علیه السلام)، وقد يستدل على الثاني:

أولاً: بأن معرفة القصاص وإثباته يحتاج إلى النظر والاجتهاد مع أنّ هناك اختلافاً في شرائط الوجوب وكيفية الاستيفاء .

ولكن يرد عليه بأن هذا يرجع إلى عدم العلم بثبوت القصاص، وهو خارج عن محل البحث .

ثانياً: إن أمر الدماء خطير ولذا أهتم الشارع اهتماماً بالغاً بالنسبة إلى الدماء والفروج .

وهذا أيضاً غير تام، لإن اهتمامه لا ينافي أخذ من له الحق حقه، كما في الآية الشريفة: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(1).

ثالثاً: أنّه عقوبة تتعلق ببدن الادمي فلابد من مراجعة الحاكم .وهذا أيضاً يحتاج إلى دليل، فالأقوى هو الجواز والأحوط الاستئذان لما ادعى البعض الإجماع عليه، وهكذا بالنسبة إلى الأطراف فإنه يجوز المبادرة والمسألة غير خلافية، فالأولى أن لا يبادر إلا بعد الإذن من الإمام (علیه السلام) .

ص: 168


1- سورة البقرة الآية / 179 .

المسألة 135: إذا كان للمقتول أولياء متعددون فهل يجوز لكل واحد منهم الاقتصاص من القاتل مستقلاً وبدون إذن الباقين أو لا ؟ فيه وجهان الأظهر هو الأول(1).

_______________________________________________________________

(1) كما ذكر ذلك الشيخ في المبسوط والخلاف بقوله: لو بادر أحدهم بالاستيفاء جاز له ذلك وضمن الدية عن حصص الباقين، وهو خيرة السيدين مدعيين عليه الإجماع كالشيخ في الكتابين، وهو الحجة لا ما يقابل لهم أو قالوا من قوله تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» وقد نسب إلى الفاضلين والمحقق والشهيدين(1)،

قال المحقق في الشرائع: وإن كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع، أمّا بالوكالة أو بالإذن لواحد(2)، مع الإذن من الإمام (علیه السلام) ربما استدل عليه بأن حق الاقتصاص لا يخلو من أن يكون قائماً بالمجموع كحق الخيار، أو بالجامع على نحو صرف الوجود، أو لطبيعي الولي على نحو الانحلال، فعلى الأول وقف على الاجتماع، وعلى الثاني يجوز لكل منهم الاقتصاص، ولكن الحق هو الأخير، لأن الأول .

أولاً: لا دليل عليه بل هو خلاف ظاهر الآية كما يأتي، فيمكن للجاني أنيتوسل إلى أحد الأولياء كي يعفو عنه مجاناً، أو بالدية، فإذا فعل الولي وقبل بذلك فلابد أن نقول بسقوط حق الباقين كما لو قتل أحد الأولياء كان قتله وقع على نحو الظلم، فلابد أن يقتص منه وهو لم يقل به أحد ولا يمكن الالتزام به، وكذا بالنسبة إلى الثاني لأنّ لازمه سقوط القصاص بإسقاط واحد منهم، والحق هو الثالث: كما يظهر من الآية الشريفة: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» فإن الظاهر من الآية أنّ الحق جعل لطبيعي الولي فإذا كان كذلك

ص: 169


1- الرياض / 16 / 302 .
2- الشرائع / 4 / 228 .

................................

فبطبيعة الحال ينحل بانحلاله كما هو كذلك في القضايا الحقيقية، وتدل على ذلك صحيحة أبي ولاد الحناط «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل وله أم وأب وابن، فقال الابن أنا أريد أقتل قاتل أبي، وقال الأب أنا أريد أن أعفو، وقالت الأم أنا أريد أن آخذ الدية، قال، فقال: فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية ويعطي ورثة القاتل السدس من الدية حق الأب الذي عفا، وليقتله»(1).

وهناك رواية أخرى مؤيدة وهي خبر جميل بن دراج عن بعض أصحابه رفعه إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) «في رجل قتل وله وليان فعفا أحدهما وأبى الاخر أن يعفو، قال: إن أراد الذي لم يعف أن يقتل قتل ورد نصف الدية على أولياء المقتول المقاد منه»(2)، وهي تصلح للتأييد لأنّها ضعيفة بعلي بن حديد، وفي مقابل هذه هناك روايات صحاح ومعتبرة تدل على سقوط القصاص إن عفى واحد لابد للآخر من أخذ الدية كصحيح عبد الرحمن _ فيحديث _ «قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجلان قتلا رجلاً عمداً وله وليان فعفا أحد الوليين، قال، فقال: إذا عفا بعض الأولياء درئ عنهما القتل وطرح عنهما من الدية بقدر حصة من عفا، واديا الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفوا»(3)، ومعتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) فيمن عفا من ذي سهم، فإن عفوه جائز، وقضي في أربعة أخوة عفا أحدهم، قال (علیه السلام) يعطي بقيتهم الدية ويرفع بحصته الذي عفا»(4)

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يقول: من عفى عن الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز، وسقط الدم وتصير دية ويرفع عنه حصة الذي عفا»(5).

ص: 170


1- الوسائل باب 52 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 52 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
3- الوسائل باب 54 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
4- الوسائل باب 54 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
5- الوسائل باب 54 من أبواب القصاص في النفس ح4 .

المسألة 136: إذا اقتص بعض الأولياء فإن رضي الباقون بالقصاص فهو، وإلا ضمن المقتص حصتهم، فإن طالبوه بها فعليه دفعها إليهم وإن عفوا فعليه دفعها إلى ورثة الجاني(1).

_______________________________________________________________

والحق هو الأول بعد التعارض والترجيح والشهرة ومخالفة العامة يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إن هذه الروايات موافقة للمشهور بين العامة منهم أبو حنيفة وأبو ثور وظاهر مذهب الشافعي فتحمل على التقية(1)، فيظهر أن أي واحد من الأولياء يجوّز للآخر القصاص لأن الحق ثابت لكل واحد من الأولياء المبادرة من القصاص بلا توقف على إذنْ الآخرين .

(1) والمسألة غير خلافية، قال في الجواهر: بل الإجماعات المزبورة كلها عليه(2)، وتدل عليه صحيحة أبي ولاد متقدمة الذكر، إذاً بما أن الباقين إذا طلبوا الدية فلابد من المقتص دفعها إليهم، وإن عفوا فالحق أصبح لورثة الجاني فلابد أن يدفع إليهم، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)أن ضمان حصة الأم _ مع أن حق الاقتصاص غير ثابت لها _ يدل بالأولوية القطعية على ضمان حصة من له حق الاقتصاص، فلابد من اعطائه له إذا طالب به .

بقي هنا شيء وهو أنّه لا يمكن التعدي عن مورد الصحيحة وهو الأم إلى غيرها من النساء من الموارد لابد من الاقتصار على موردها، فلو كان للمقتول أخ وأخت فليس للأخت مطالبة الدية إذا أقتص الأخ من القاتل لما ثبت من أنّه ليس للنساء حق في القصاص ولا العفو ولهم الحق من الدية فيفرض عدم الاقتصاص والتراضي بها(3)، نعم في صورة التراضي يجوز لبقية الأقارب كالأخت أخذ الدية .

ص: 171


1- المباني / 2 / 160 .
2- الجواهر / 42 / 291 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 160 .

المسألة 137: إذا كان المقتول مسلماً ولم يكن له أولياء من المسلمين وكان له أولياء من الذميين، عرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن اسلم فهو وليه ويدفع القاتل إليه فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاءعفا(1)، وإن لم يسلم منهم أحد فأمره إلى الإمام (علیه السلام) فإن شاء قتله وإن شاء أخذ الدية منه .

_______________________________________________________________

(1) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بلا خلاف بين الأصحاب ظاهراً(1)

وذلك لأن الكافر لا يرث المؤمن ولا يمكن أن يكون ولياً له، لأن الإسلام قطع الصلة والقرابة بين المسلم والكافر للآية، والعمدة في المسألة كونها غير خلافية صحيحة أبي ولاد الحناط «قال: سألت أبا عبد الله (قدس سرُّه) عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً عمداً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته (دينه) الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، إلى أن قال لأن جناية المقتول كانت لإمام المسلمين، قلت فإن عفا عنه الإمام، قال، فقال: وإنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو»(2).

ص: 172


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 162 .
2- الوسائل باب 60 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 138: لا تجوز مثلة القاتل عند الاقتصاص، والمشهور بين الأصحاب أنّه لا يقتص إلا بالسيف، وهو الصحيح(1).

_______________________________________________________________

(1) هناك قولان في المسألة:

الأول: وهو المشهور وهو القتل بالسيف حتى ولو كانت الجناية بالتحريق للمجني عليه أو التغريق، أو الرمي بالحجارة ونحوها، ولا يجوز الاقتصاص بمثل قتله، وقال في المسالك: يتعين الاستيفاء بضرب العنق بالسيف سواء كانت جنايته به أم بغيره من التغريق والتحريق والضرب المجرد وغيرها عند أكثر الأصحاب، لأن المقصود القود بازهاق الروح، وهو متحقق بذلك والزيادة عليه مثلة منهي عنه، وقال ابن الجنيد: يجوز قتله بمثله القتلة التي قتل بها لقوله تعالى: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(1)

وما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) «أنّه قال: من حرّق حرّقناه ومن غرق غرقناه»(2)

وروي «إن يهودياً رضخ رأس جارية بالحجارة فامر (صلی الله علیه و آله وسلّم) فرضخ رأسه بالحجارة» لأن المقصود من القصاص التشفي وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به(3)

وقد ردّ عليه صاحب المسالك بقوله: هذا القول لا بأس به وإن كان الأشهر خلافه(4)،

وفي الغنية الإجماع عليه وعن التنقيح: لولا انعقاد الإجماع على خلافه(5)،

وقال في الروضة: وهو متجه _ أيقول ابن الجنيد _ لولا الاتفاق على خلافه(6).

الثاني: جواز قتله بمثل القتلة التي قتل بها، والحق هو الأول مضافاً إلى ما

ص: 173


1- سورة البقرة الآية / 194 .
2- سنن البيهقي / 8 / 43 .
3- مسند احمد / 3 / 173 .
4- مسالك الأفهام / 15 / 236 .
5- التنقيح / 4 / 446 .
6- الروضة / 10 / 92 .

................................

عليه المشهور ولصحيحة الحلبي ورواية أبي الصباح الكناني جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قالا: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصاً فلم يقلع عنه الضرب حتى مات، أيدفع إلى ولي المقتول فيقتله ؟ قال: نعم ولكن لا يترك إن يعبث به، ولكن يجهز عليه بالسيف»(1) فلا تجوز المثلة كما هو في الراوية وإطلاقات أدلة تحريم المثلة ولأنّه إسراف، قال تعالى: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً»(2).

والقول الثاني منسوب إلى الاسكافي في جواز قتله بمثل القتلة التي قتل بها، أمّا مطلقاً كما يحكى عنه كثير أو مشروط بما إذا وثق بأنّه لا يعتدي واستدل له بالآية: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(3) وفيه أنّها أولاً تدل بالإطلاق فتقيد بالصحيحة، وثانياً على فرض التنزل إنما يتم لو كان المراد من المماثلة بالاعتداء لا المعتدى به وهو ممنوع لأنّ حمله على ذلك يستلزم كون الباء زائدة وكون (المثل) صفة لمفعول مطلق محذوف وهو الاعتداء، وهذا خلاف الظاهر، اللهم إلا أن يقال أنّه من جهة ما ورد في رجل قتل رجلاً في الحرم الدال على أنّه يقتل في الحرم مستدلاً بالآيةالكريمة فعلى أي حال يكفينا الصحيحة .

وأمّا ما ورد من النبوي «من حرّق حرّقناه ومن غرق غرقناه» ونحوه من نبوي آخر بإنّهما ضعيفان .

وأمّا ما قيل بأن المقصود من القصاص التشفي وإنما يكمل إذا قتل القاتل بمثل ما قتل به فهذا أمر اعتباري لا يصلح أن يكون مدركاً للحكم .

ص: 174


1- الوسائل باب 62 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- سورة الأسراء الآية / 33 .
3- سورة البقرة الآية / 194 .

المسألة 139: الاقتصاص حق ثابت للولي، وله أن يتولاه مباشرة أو بتسبيب غيره مجاناً أو بأجرة(1).

_______________________________________________________________

(1) أي أنّه يوكل غيره في استيفاء القصاص لأنّ الوكالة جائزة في كل شيء لإطلاق أدلتها إلا ما خرج بالدليل، ولم يدل دليل على الخلاف كالواجبات العينية، ولذا بالنسبة إلى الإجارة في الصلاة لابد أن الأجير يجعل نفسه بمنزلة مؤجر وإلا لا تصح الإجارة، لأن الخطاب متوجه إلى الميت، ولأن له السلطنة في اجراء القصاص مباشرة أو تسبياً .

وقال في المسالك: سواء كانت حدود الادميين كحدّ السرقة والقذف أم حدود الله تعالى كحدّ الزنا، والمراد استيفاءها بعد ثبوتها عند الحاكم بمعنى مباشرتها أو تحصيلها ولا فرق في ذلك بين حضور المستحق وغيبته ونبه بقوله مطلقاً على خلاف بعض العامة المانع من التوكيل في استيفاء حدود الآدميين في غيبة المستحق، لأنّه لا يتيقن بقاء الاستحقاق لجواز العفو، ولأنّه ربما رقّ قلبه بحضوره فيعفو، ويضعف باب الأصل البقاء والاحتمال لا أثر له معحضوره ولا ينهض مانعاً لأنّ الفرض استحقاقه الآن ومطالبته به نيابة(1).

ص: 175


1- المسالك / 5 / 257 .

المسألة 140: لو كان بعض أولياء المقتول حاضراً دون بعض، جاز الاقتصاص مع ضمان حصة الباقي من الدية، وكذلك الحال إذا كان بعضهم صغيراً(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه بعدما ثبت أنّه يجوز لكل واحد من الأولياء المبادرة إلى القصاص ويجوز الاستبداد لأن لكل واحد حق مستقل، فلو بادر بالاقتصاص لابد أن يضمن حصة الباقين من الدية، وهكذا لو كان بعضهم صغيراً، قال في المسالك: أمّا مع تعدده، فهل يتوقف على اجتماع الأولياء في الاستيفاء أو يجوز لكل واحد منهم المبادرة إليه، فيه قولان:

أحدهما _ وهو الذي ذهب إليه الشيخ _ الجواز مع ضمان حصص الباقيين لتحقق الولاية لكل واحد بانفراده فيتناوله العموم، ولبناء القصاص على التغليب، ومن ثَمّ لا يسقط بعفو البعض عندنا على مال أو مطلقاً، بل للباقيين الاقتصاص، مع أن القاتل قد احرز بعض نفسه فهنا أولى .

الثاني _ هو الذي اختاره المصنف رحمه الله _ المنع كما لا ينفرد باستيفاء تمام الدية لأنّه حق مشترك فيتوقف تحصيله على اجتماعهم كغيره من الحقوق التي لا يمكن فصل حق بعض المستحقين عن بعض(1).

ص: 176


1- المسالك / 15 / 230 .

المسألة 141: إذا كان ولي الميت صغيراً أو مجنوناً، وكان للولي ولي كالأب أو الجد أو الحاكم الشرعي، فهل لوليه الاقتصاص من القاتل أم لا ؟ قولان: لا يبعد العدم، نعم إذا اقتضت المصلحة أخذ الدية من القاتل أو المصالحة معه في أخذ شيء، جاز لوليه ذلك(1).

_______________________________________________________________

(1) ونسب إلى الشيخ لو كان الولي صغيراً أو مجنوناً وله أب أو جد لم يكن لأحد أن يستوفي القصاص حتى يبلغ الصبي، سواء كان في الطرف أو النفس، ونسب الإجماع عليه إلى المبسوط، وذلك لعدم ثبوت الولاية على مثل ذلك للولي، كما أنّه ليس له العفو، وعمومية الولاية تحتاج إلى دليل، ولا إطلاق ولا عموم يدلان على ثبوت مطلق الولاية، نعم بالنسبة إلى أخذ الدية أو المصالحة فيمكن هذا إذا كان هناك مصلحة لورثة المقتول بعد إن ثبت في محله بأن الولي دائماً يراعي مصلحة الطفل أو المجنون .

ويؤيد ما ذكرنا من عدم جواز الاستيفاء قول المسالك: أمّا الإشكال على تقدير كون الولي مولاً عليه في تأخير الاستيفاء إلى أن يبلغ فمنشؤه من أن الحق له، وهو قاصر عن أهليه الاستيفاء فيتعين تأخيره إلى أن يكمل، ومن أن الولي مسلّط على استيفاء حقوقه مع المصلحة وهذا منها، وهو أقوى(1).

ص: 177


1- المسالك / 15 / 239 .

المسألة 142: إذا كان للميت وليان، فادعى أحدهما أنّ شريكه عفا عن القصاص على مال أو مجاناً، لم تقبل دعواه على الشريك وإذا اقتص المدعي وجب عليه ردّ نصيب شريكه(1)، فإن صدّقه الشريك بالعفو مجاناً أو بعوض وجب عليه ردّه إلى ورثة المقتول قصاصاً(2).

المسألة 143: إذا كان ولي المقتول محجوراً عليه لفلس أو لسفه جاز له الاقتصاص من القاتل كما جاز له العفو عنه، ويجوز له أخذ الدية بالتراضي(3).

_______________________________________________________________

(1) قال المحقق: إذا أقرّ أحد الوليين بأنّ شريكه عفا عن القصاص على مال، لم يقبل إقراره على الشريك(1)،

لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وأمّا الإقرار بالنسبة إلى الغير فحجيته تحتاج إلى دليل، فحق الشريك باقٍ فليس له الاختصاص، لأنّ القود لا يسقط في حقه، فله القتل ولكن بعد ردّه على شريكه نصيبه من الدية .

(2) لأنّه بعد العفو إمّا مجاناً أو بعوض، فنصيب الولي يكون لورثة المقتص منه، إذاً يجب على من يقتص ردّ الدية إليهم .

(3) لا يخفى إن المحجور بقسميه يمنع من التصرف بالمال، وهذا ليس من موارد الحجر، واستيفاء القصاص ليس بتصرف مالي حتى يمنع، وحاله حال غيره في القود، بل يجوز له العفو مجاناً أو مع مطالبته الدية، أمّا جواز العفو مجاناً أو عدم القصاص، قيل لا يجوز بل لابد من اختيار الدية أمّا هذا فلا دليلعليه، يقول في الجواهر: هو تكسب لا يجب عليه(2)، نعم في صورة ما إذا عفى وأخذ الدية ورضي القاتل فتقسم على الغرماء كغيره من الأموال التي يكتسبها .

ص: 178


1- شرائع الإسلام / 4 / 230 .
2- الجواهر / 42 / 312 .

المسألة 144: لو قتل شخص وعليه دين وليس له مال، فإن أخذ أولياؤه الدية من القاتل وجب صرفها في ديون المقتول وإخراج وصاياه منها(1)، وهل لهم الاقتصاص من دون ضمان ما عليه من الديون ؟ فيه قولان، الأظهر هو الأول(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وادعى في الجواهر: الإجماع بقسميه(1)،

لأنّ الدية تكون بحكم تركة الميت، ويدل عليه معتبرة إسحاق بن عمار، عن أبي جعفر (علیه السلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالاً، فهي ميراث كسائر الاموال»(2).

(2) هناك قولان في المسألة وهما الجواز وعدمه، فنسب إلى الشيخ والحلي والقاضي الأول، وادعى عن ابن إدريس الإجماع، وفي المسالك: إذا قتل الشخص عمداً وعليه دين فإن أخذ الورثة الدية صرفت في دين المقتول ووصاياه كما تقدم غير مرة من أن الدية بحكم مال الميت سواء وجبت أصالة أو صلحاً، وهل للورثة استيفاء القصاص مع بذل الجاني الدية من دون ضمان ما عليه من الديون أو ضمان مقدار الدية منها ؟ فيه قولان أحدهما هو مختار المصنف رحمه الله، وقبله ابن إدريس وبعده العلامة في أكثر كتبه نعم لأنّ موجب العمد القصاص وأخذ الدية اكتساب وهو غير واجب على الوارث في دين مورثة ولعموم قوله تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» و «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»، والثاني: أن لا يجوز لهم القصاص إلا بعد ضمان الدين أو الدية إنكانت أقل منه، وقيل ليس لهم العفو أيضاً بدونه(3).

ص: 179


1- نفس المصدر .
2- الوسائل باب 14 من أبواب موانع الارث ح1 .
3- المسالك / 15 / 246 .

................................

واختار الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) القول الأول وذلك لإطلاق الكتاب والسنة ومقتضاه ثبوت حق القصاص لولي المقتول من دون ضمان، وليس هنا ما يدل على الضمان إلا ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفار عن محمد بن الحسين(1)،

والتي سيأتي ذكرها، وهو الصحيح للعمومات والإطلاقات، ففي الآية الشريفة: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» وهكذا إطلاق الروايات، وهناك خبران عن ابي بصير .

الأول: ما رواه الشيخ بإسناده عن الصفار عن محمد بن الحسين بن ابي حطاب عن محمد بن أسلم الجبلي عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان عن أبي بصير، «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقتل وعليه دين وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين ؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهبوا أولياؤه دية القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا»(2).

والثاني ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير بطريقين الأول عن محمد ابن أسلم الجبلي عن يونس بن عبد الرحمن عن بن مسكان عن أبي بصير وسند الثاني عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير «قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجل يقتل وعليه دين وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوادمه لقاتله وعليه دين قال، فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل فإن وهب أولياؤه دية القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا»(3)،

ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن الجبلي مثله، فمن قال بالضمان استند إلى الأول

ص: 180


1- المباني / 2 / 160 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب الدين ح2 .
3- الوسائل باب 59 من ابواب القصاص في النفس ح1 .

................................

لأنّه ورد فيها «وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمن الدين للغرماء وإلا فلا» ومن قال بعدم الضمان استدل بالثاني لأنّه حصر الضمان في صورة إن يهب الأولياء فقط بقوله (علیه السلام) «وإلا فلا» .

ولكن على الظاهر أنّهما خبر واحد فباليقين الأول مضطرب المتن كما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ومن المطمئن به وقوع الغلط في النسخة أو الأشتباه في النقل فإنّ هذه الرواية رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن أسلم الجبلي عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان عن أبي بصير، ورواها أيضاً بإسناده عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير «قال: سألت أبا عبد الله عن رجل يقتل وعليه دين وليس له مال فهل لأوليائه أن يهب دينه لقاتله وعليه دين، فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإنّ وهب أوليائه دمه للقاتل ضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا» وعلى ذلك لم تثبت الرواية الأولى ولو صحت كانت معارضة بما رواه الشيخ والصدوق، فإنّها تدل على عدم الضمان مع الاقتصاص وانحصار الضمان بفرض هبة الدم للقاتل بمقتضى قوله (علیه السلام) في آخرها «وإلا فلا»فإنّه يدل على عدم الضمان في فرض الاقتصاص(1)،

إذاً لا يمكن الاعتماد عليها ثم على فرض أنّهما روايتان فالأولى معارضة بالثانية فلا يمكن القول بما في الصحيحة الأولى بعد أن بُيّن الثاني بأن الضمان منحصر بالهبة وقوله (علیه السلام) «وإلا فلا» أي في فرض الاقتصاص لا ضمان هناك، فالحق هو الأول أي عدم الضمان .

ص: 181


1- مباني تكملة المنهاج / 2/ 165 _ 166 .

المسألة 145: إذا قتل شخص وعليه دين وليس له مال، فإن كان قتله خطأ أو شبه عمد، فليس لأولياء المقتول عفو القاتل أو عاقلته عن الدية، إلا مع أداء الدين أو ضمانه، وإن كان القتل عمداً فلأوليائه العفو عن القصاص والرضا بالدية، وليس لهم العفو عن القصاص بلا دية، فإن فعلوا ذلك ضمنوا الدية للغرماء(1).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ الدية ملك للميت ويكون بحكم بقية أمواله فلابد أن يصرف في وصياه أو ديونه، فإذا زاد يرثها الوارث وليس للأولياء العفو عن الدية، والورثة لا يمكنهم العفو لعدم كون المال كله لهم، نعم لو فرغت ذمة الميت من الدين فلهم العفو عن البقية إن زادت .

وتدل على ما ذكرناه معتبرة إسحاق بن عمار المتقدمة، وأيضاً بما أن المال ليس للأولياء فوجب عليهم أخذ الدية من القاتل وليس لهم العفو بلادية، بل تؤخذ الدية ويقضي ديونه ووصاياه، ولو فرض القتل عمداً، وقد دلت على ذلك صحيحة أبي بصير المتقدمة، وخبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) «قال: قلت له جعلت فداك، رجل قتل رجلاً متعمداً أو خطأً وعليه دين وليس له مال، واراد اولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل قال: إن وهبوا دمه ضمنوا ديته»(1)،

وهناك روايات في الوصايا كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أوصى لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصي فودي فقضى في وصيته أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى»(2)، وتؤيده خبر السكوني عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال «قال:

ص: 182


1- الوسائل باب 59 من أبواب القصاص في النفس ح2.
2- الوسائل باب 14 من أبواب الوصايا ح3 .

................................

أمير المؤمنين (علیه السلام) من أوصى بثلثه ثم قتل خطأً فإنّ ثلث ديته داخل في وصيته»(1).فما

ذكر بأنّ الوصية لا يشمل الدية وأنّها لا تدخل في الدين لأنّ الدين كان متعلقاً بالمديون في حال حياته وبماله بعدها، والميت لا يملك بعد وفاته، فإنّه اجتهاد في قبال النص وهكذا ما قيل بأن الواجب في العمد القصاص الذي هو حق الوارث فالدية المأخوذة هي عوض عن حقه لا مدخلية للميت فيها، فهو أيضاً اجتهاد قبال النص، فليس للأولياء العفو بدون أخذ الدية فإن فعلوا ذلك ضمنوا الدية للغرماء، بل يمكن أن يقال ليس لهم حق الاقتصاص، لأن في الروايتين ورد هكذا «بأن الغرماء هم الخصماء» فتأمل،ويتمكن كل واحد من الأولياء الاقتصاص، والمسألة غير خلافية .وأما جواز قيام كل واحد لاستحقاقه فله أن يقوم بأخذ حقه ويقتص وسيتوفى الجميع مباشرة أو تسبيباً إن رضى أولياء بعض المقتولين بالدية وقبل القاتل أو عفوا عن الدية لم يسقط حق الآخر وله الاقتصاص لإطلاق الأدلة كتاباً وسنة، فالإطلاق يثبت حق كل من أولياء المقتولين على نحو الاستقلال وعدم الموجب لسقوطها عن الآخرين بعفو البعض .

ص: 183


1- الوسائل باب 14 من أبواب الوصايا ح2 .

المسألة 146: إذا قتل واحد اثنين على التعاقب أو دفعة واحدة ثبت لأولياء كل منهما القود(1)، فإن استوفى الجميع مباشرة أو تسبيباً فهو، وإن رضي أولياء أحد المقتولين بالدية وقبل القاتل أو عفوا عن القصاص مجاناً، لم يسقط حق أولياء الآخر .

_______________________________________________________________

(1) كما قلنا إن استوفى الجمع مباشرة أو تسبيباً فلا كلام، وليس لهم إلا نفسه والجاني لا يجنى عليه أكثر من ذلك .

وأمّا إذا قام أولياء أحد المقتولين وبادر فلا إساءة لهم ولا يحتاج إلى القرعة، وسواء وقع قتل أحدهما أولاً أم لم يقع، وأمّا إذا عفى عنه قسم من الأولياء .

ولا يخفى بأنّه تارة يقع القتل من الجاني دفعة واحدة كما لو هدم عليهم بناءً لم يكن أحد الوليين أولى بالقود من الآخر ويقع القتل من الجاني على التعاقب، فإنّ اتفقا على قتله وقتلوه فقد استوفوا حقوقهم، وإن قتله واحد بالقرعة أو مطلقاً أستوفى حقه .

وأمّا الاستحقاق الثاني الدية ففيه قولان، الأول أن الواجب في العمد القصاص وقد فات محله، والثاني من استلزامه ان يبطل دم أمرئ مسلماً فينتقل إلى البدل وهو الدية، ولكن الثاني هو الأجود .

وأمّا في حال قتلهما على التعاقب فهل يقدم السابق في الاستيفاء أم يستويان؟ وجهان الأول السابق بما أنّه استحق القصاص منفرداً لو لم يكن هناك معارض قبل تعلق حق الباقين، فالاقتصاص مختص به ومن أن السبب الموجب الاستحقاق القصاص، هو قتل النفس المكافئة عمداً ظلماً، فهومساوي لتحقق حق الجميع، وأخذوا الدية فلا يسقط حق الباقين فيجوز للآخرين كما ذكرنا القصاص .

ص: 184

المسألة 147: لو وكل ولي المقتول من يستوفي القصاص(1)، ثم عزله قبل الاستيفاء، فإن كان الوكيل قد علم بانعزاله ومع ذلك أقدم على قتله فعليه القود(2)، وإن لم يكن يعلم به فلا قصاص ولا دية(3) وأمّا لو عفا الموكل القاتل ولم يعلم به الوكيل حتى استوفى فعليه الدية(4)، ولكن يرجع بها إلى الموكل(5)، وكذلك الحال فيما إذا مات الموكل بعد التوكيل وقبل الاستيفاء(6).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن أصل الوكالة يكون جائزاً لعموم أدلتها وأنّه يجوز في كل شيء إلا ما خرج بالدليل ولم يكن هنا دليل على عدم الجواز، إذاً يشمل المورد إطلاقات الأدلة .

(2) لأنّه صدر منه قتل عمدي بعد عدم كونه مرخصاً في ذلك والمسألة غير خلافية، وقد ادعي عليه الإجماع .

(3) لعدم تحقق موجب القصاص والدية وتصرفاته كلها ماضية ما لم يعلم بالانعزال، ووكالته باقية .

(4) وذلك لأنّه باشر بالقتل وبما أن دم الإنسان محترم ولم يكن هذا يُعدّ من قتل العمد فيدخل في شبيه العمد وبما أنّه هو المباشر لابد أن يدفع الدية.

(5) لأنّه مغرور حيث استوفى بأمره الذي هو موجب للضمان فالموكليكون ضامناً .

(6) أي استوفى الوكيل القصاص بعد موت الموكل ولم يكن يعلم بموته فلا قصاص عليه وعليه الدية، لأنّه كما مرّ يدخل في شبيه العمد، أمّا إذا كان عالماً مع ذلك استوفاه فعليه القصاص لأنّه لم يجز له الاستيفاء بعد العلم وسقوط وكالته، فعمله يكون من القتل العمدي فيجب عليه القصاص .

ص: 185

المسألة 148: لا يقتص من المرأة الحامل حتى تضع(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وادعى في كشف اللثام الاتفاق عليه لكونه إسرافاً في القتل المنهي عنه، ولما جاء في الآية المباركة: «فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ»(1)، فالقاتل هي المرأة فما ذنب الحمل بعد إن كانت النفس محترمة ومحقونة الدم، ولما ورد في رواية الحمل، كما في رواية صالح بن ميثم عن أبيه التي مرّ ذكرها(2) .

ولا يخفى بأنّه لا يجوز القصاص سواء كان في إقامته من هلاك الجنين أو الخوف عليه، والجنين بريء فلا يهلك بجريمة غيره، ولا فرق بين أن يكون الحمل من الحلال أو الحرام، وهل تقبل دعواها على الإطلاق أي قبل إقامة الشهود من القوابل ؟ الظاهر لا لأنّها تدفع بذلك السلطان بالقتل، وبعد أن أهتم الشارع في الدماء فالأحوط العمل بقولها، فلابد من الصبر بالاستيفاء، فإن ظهر كذبها يقتص منها وإلا صبر حتى تضع، وهل يصبر عليها بعد الوضع أيضاً لسلامة الولد بالرضاع، الأقوى ذلك، إلا إذا يعيش الولد من غير لبن الأم، وإلايقام عليها الحد كما في الرواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «فقال: لها انطلقي وضعي ما في بطنك»(3)،

وصحيحة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: أتت امرأة أمير المؤمنين (علیه السلام) فقالت: قد فجرت فاعرض بوجهه عنها فتحولت حتى استقبلت وجهه، فقالت: إنيّ قد فجرت فاعرض عنها، ثم استقبلته فقالت إنيّ قد فجرت، فأمر بها فحبست وكانت حاملاً فتربص بها حتى وضعت»(4)، وغيرها من الروايات .

ص: 186


1- سورة الاسراء الآية / 33 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزنا ح1 .
3- الوسائل باب 16 من ابواب حد الزناح1 .
4- الوسائل باب 16 من أبواب حد الزناح5 .

ولو كان حملها حادثا بعد الجناية(1)، أو كان الحمل عن زنا(2)، ولو توقفت حياة الطفل على إرضاعها إيّاه مدة لزم تأخير القصاص إلى تلك المدة(3)، ولو أدعت الحمل قبل قولها على المشهور، إلا إذا كانت أمارة على كذبها وفيه إشكال، بل منع(4).

_______________________________________________________________

(1) لإطلاق الأدلة .

(2) لأنّه محترم وقلنا لإطلاق الأدلة فهو لم يرث ولكن لا يجوز قتله .

(3) وذلك لأنّه نفس محترمة يجب حفظها، فلا يمكن إجراء الحدود إلا بعد إكمال الرضاع، نعم لو وجد ما يرضع به الولد جاز القصاص لوجود المقتضى .

(4) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإن كان في المسألة إجماع فهو، وبما أنّه لا إجماع فيها كما عرفت فلا دليل على قبول قولها، وأمّا الآية المباركة:«وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ»(1) فهي واردة في خصوص المطلقة فلا إطلاق لها، وأمّا رواية الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان عن الصادق (علیه السلام) في قوله تعالى: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ» قال: قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض، والطهر، والحمل، فهي ضعيفة سنداً فلا يمكن الاعتماد عليها(2).

والحق بما أنّه قد أهتم الشارع المقدس بأمور منها الدماء، فالأحوط عدم قيام الحد لانكشاف حالها، كما عليه المحقق وصاحب الجواهر، ولو قيل يؤخذ بقولها فيؤخر حتى يعلم حالها _ كان أحوط _ احتياطاً يلزم مراعاته كما عن الفاضل في الإرشاد وولده والشهيدين والاردبيلي على ما حكي عن بعضهم لأن للحمل إمارات تظهر وإمارات تخفي، وهي عوارض تجدها الحامل في نفسها وتختص

ص: 187


1- سورة البقرة الآية / 228 .
2- المباني / 2 / 168 _ 169 .

المسألة 149: لو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً، فلا شيء على المقتص(1)، نعم إن أوجب ذلك تلف الحمل ففيه الدية، وهي تحمل على العاقلة، وإن لم تلجه الروح على المشهور، ولكن الأظهر أن الدية على المتلف نفسه قبل ولوج الروح في الحمل .

_______________________________________________________________

بمراعتها على وجه يتعذر إقامة البينة عليها فيقبل قولها فيه كالحيض، وقال صاحب الجواهر: بل لم نجد مخالفاً صريحاً فإن المصنف والفاضل في القواعد والشيخ في محكي المبسوط وإن ذكر وإن الأولى الاحتياط وقلت يمكن إرادتهم الاحتياطاللازم(1) .

فالمسألة مظنة للإجماع مضافاً إلى قبول قولهن في نظائره كما مرّ في الآية المباركة، أمّا ما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بما أنّه لا إجماع فيها كما عرفت فلا دليل على قبوله(2)،

وفيه أنّه (قدس سرُّه) لم يقل بحجية الإجماع، فوجود الإجماع وعدمه سواء في نظره ونظرنا فهو ليس بحجة .

(1) وذلك لأنّ القاتل قصاصه لم يكن عن باطل فما دام لم يعلم بالحمل فلا حرمة، ولكن بما أنّه قتل نفساً فلابد من دفع الدية حتى لا يهدر دم مسلم، وهل الدية تكون على العاقلة مطلقاً ولو قبل ولوج الروح ؟ المشهور كذلك، ولكن بعد الولوج بما أنّه قتل نفسه خطأ تكون الدية على العاقلة وإنما قبل ولوج الروح لا يصدق القتل أصلاً، فلا معنى للقول بأنّ الدية تكون على العاقلة، فلابد من الرجوع لإطلاقات إسقاط الجنين فإنّها واردة بأنّ الدية على نفس المقتص لأنّه مسبب للإسقاط، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فإن تم إجماع فهو وإلا فلا، فالأظهر الدية على المقتص نفسه(3)، ولعل مراده من الإجماع الاتفاق وإلا الإجماع

ص: 188


1- الجواهر / 42 / 322 _ 323 .
2- المباني / 2 / 168 .
3- المباني / 2 / 170 .

المسألة 150: لو قطع يد شخص، ثم قتل شخصاً آخر، فالمشهور بين الأصحاب أن تقطع يده أولاً، ثم يقتل(1)، وفيه إشكال بل منع وإذا قتله أولياء المقتول قبل قطع يده، فهل تثبت الدية في ماله أم لا ؟ وجهان ولا يبعد ثبوتها(2)، كما مرّ في قتل شخص أثنين .

_______________________________________________________________

في نظره ونظرنا ليس بحجة، ورد الإجماع أم لا فإن الدية تكون على المقتص.

(1) فالمشهور كذلك للجمع بين الحقين، وقد ادعي الإجماع، فلو قتله ولي المقتول فقد أثم ولابد من تعزيره لمخالفته للحكم وهو الصبر حتى يقطع يده .

والحق أن هذا الكلام غير تام بعد أن كان للولي السلطنة في عدم إبقاء حقه ولا دليل على تقييد ذلك، ولا يجب عليه التحفظ على حق من قطعت يده، غاية الأمر أنّه لا يجوز له المنع إذا أراد استيفاء حقه وهو قطع اليد فلا مانع من الاقتصاص .

قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ويؤيد ما ذكرناه أنّه لو كان من قطعت يده غائباً لم يجب على ولي المقتول تأخير القصاص إلى أن يحضر(1)

وإلا لو كان الحق كما يقولون الواجب عليه الصبر حتى يحضر ويقطع يد الجاني ثم يقتله وهذا قد يستوجب تضييع حقه .

(2) أمّا ثبوت الدية في ماله فلئلا يذهب دم المسلم هدراً، لأنّه قتل ولم يبق له موضوع في استيفاء حقه، فما ذكره صاحب العروة ولا ضمان .

نعم لا ضمان على الولي المقتص لأنّه مستحق للكل، أمّا عدم الضمان مطلقاً فغير صحيح لأنّه يذهب كما ذكرنا دم المسلم هدراً، وقد مرّ في مسألة ما إذا قتل شخصين واقتص منه أحد الاولياء، فالدية تكون على الآخر على تفصيل ذكرناه .

ص: 189


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 170 .

المسألة 151: إذا قطع يد رجل ثم قتل شخصاً آخر فاقتص منه بقطع يده وبقتله، ثم سرت الجناية في المجني عليه فمات(1)وجبت الدية في مال الجاني .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّ السراية قد تكون قبل القود فهما سواء في القود وحكم المسألة حكم ما إذا قتل شخصين، لأنّ سبب الاستحقاق تارة يكون بواسطة حق المباشر وأخرى بواسطة سراية الجناية، وفي هذه الصورة قال في الجواهر: قيل من أنّه لا يجب له في تركه الجاني شيء لأنّ الدية لا تثبت في العمد إلا صلاحاً والفرض عدمه، والقصاص قد فات محله(1)،

وقد ادعي الأصل، والأصل يمكن الرجوع إليه إذا لم يكن هناك دليل، والدليل أن دم المسلم لا يذهب هدراً .

وأمّا الجواب عن الجواهر فإنما يتم لو كانت _ كما هو المعروف _ السراية في الجناية العمدية في حكم القتل العمدي، إذاً لابد من القصاص دون الدية، والدية تكون بالتراضي وقد فات محله، أمّا إذا قلنا كما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بأن السراية إلى النفس في الجناية العمدية ليست في حكم العمد، بل هي حكم القاتل الشبيه بالعمد والثابت فيه الدية في مال الجاني وهنا تكون الدية ثابته، مضافاً إلى ما ذكر عدم جواز هدر دم المسلم .

ص: 190


1- الجواهر / 42 / 326 .

المسألة 152: إذا قطع يد شخص ثم اقتص المجني عليه من الجاني فسرت الجنايتان، فقد تكون السراية في طرف المجني عليه أولاً ثم في الجاني، وأخرى تكون بالعكس، أمّا على الأول فالمشهور أن موت الجاني يقع قصاصاً، وعلى الثاني يكون هدراً(1)، وفيه إشكال والأظهر التفصيل بين ما إذا كان كل من الجاني والمجني عليه قاصداً للقتل أو كان الجرح مما يقتل عادة، وبين ما إذا لم يكن كذلك، فعلى الثاني تثبت الدية في مال الجاني دون الأول(2).

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: لو اقتص من قاطع اليد ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني وقع القصاص بالسراية موقعة(1)،

ويقول صاحب الجواهر: ضرورة كونه حينئذٍ كمن باشر قتله بعد موت المجني عليه(2).

وأمّا لو سرى القطع إلى الجاني أولاً، ثم سرى قطع المجني عليه لم تقع سراية الجاني قصاصاً، لأنّها حاصلة قبل سراية المجني عليه، فتكون هدراً كما ذكره المحقق، وفي الجواهر لا قصاصاً لكونها غير مضمونة بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الشيخ مع الفاضلين والشهيدين إذ لا يكون القصاص سلفاً .

(2) التفصيل هو أولى كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّه في صورة ما إذا قصد القتل أو الجرح الذي مما يقتل به عادة، فبعد السرايةللمجني عليه فإنّه لا يطلب إلا نفسه فلا معنى للدية، لأنّ موته بمنزلة القصاص، ولكن في صورة ما إذا لم يقصد القتل، والقتل وقع بالسراية بدون قصد الجاني ذلك، فلا يقع موت الجاني هدراً فلابد من الضمان من الجاني .

ص: 191


1- شرائع الإسلام / 4 / 232 .
2- الجواهر / 42 / 333 .

المسألة 153: حق القصاص من الجاني إنما يثبت للولي بعد موت المجني عليه، فلو قتله قبل موته كان قتله ظلماً وعدواناً، فيجوز لولي الجاني المقتول الاقتصاص منه، كما أن له العفو والرضا بالدية، وأمّا دية المجني عليه بعد موته فهي من مال الجاني(1).

المسألة 154: لو قتل شخصاً مقطوع اليد، قيل إن كانت يده قطعت في جناية جناها، أو أنّه أخذ ديتها من قاطعها، فعلى المقتول إن أراد الاقتصاص أن يرد دية يده إليه، وإلا فله قتله من غير ردّ، ولكن الأظهر عدم الرد مطلقاً(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك معلوم لعدم ثبوت الموضوع، فإن القصاص قبل الموت من الولي يكون ظلماً، قال تعالى: «فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً» فإذا بادر وقتل الجاني فيجوز لولي الجاني الاقتصاص منه كما أن له الرضا بالدية أو العفو لما ورد من الروايات بأن لولي المقتول القصاص، أو الرضا بالدية، أو العفو أمّا دية المجني عليه حيث أنّه لم يبق هناك موضوع للقصاص يكون من مال الجاني وإلا يذهب دمه هدراً .

(2) قال المحقق في الشرائع: لو قطع يد إنسان فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي القصاص في النفس بعد رد دية اليد، ويعلل هذا في الجواهربقوله: لأنّه لا يقتل الكامل كمثل هذا بالناقص إلا بعد ذلك لما تسمعه من خبر سورة وغيره لا للقياس على المرأة الذي هو باطل عندنا، كما لا يؤخذ منه إلا دية لناقص، والفرض أن المقطوع بعد عفوه صار كذلك(1)،

والرواية عن سورة بن كليب، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول أقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها عن نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده

ص: 192


1- الجواهر / 42 / 335، وشرائع الإسلام / 4 / 232 .

المسألة 155: لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصاً، وظن أنّه قتله فتركه وبه رمق، ثم برئ، قيل ليس للولي قتله حتى يقتص هو من الولي بمثل ما فعله(1)ولكن الأظهر إن ما فعله الولي إن كان سائغاً كما إذا ضربه بالسيف في عنقه فظن أنّه قتله فتركه، ولكنه لم يتحقق به القصاص، جاز له ضربه ثانياً قصاصاً، وإن كان ما فعله غير سائغ جاز للمضروب الاقتصاص منه بمثل ما فعله .

_______________________________________________________________

من الذي قطعها، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدوا إلى أولياء قاتله دية يده الذي قيد منها إن كان أخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤا اطرحوا عنه دية يده وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت من غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً، وإن شاؤوا أخذوا دية كاملة، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي»(1)

والرواية ضعيفة من جهة السند لأنّه في الطريق سورة بن كليب النهدي وهو إمامي مجهول، نعم لو كان إمامياً معلوماًولو لم يوثق فتدخل في الحسنة كما روايات أبي إبراهيم .

(1) هذا على إطلاقه غير تام، بل كما قال المحقق: لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصاً وتركه ضناً إنّه قتله وكان به رمق فعالج نفسه وبريء لم يكن للولي القصاص في النفس حتى يقتص منه بالجراحة أولاً(2)،

والمستند هو رواية أبان بن عثمان وضعف على إرساله السند، والأقرب أن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به اقتص منه، وإلا كان له قتله ثانياً كما ظن أنّه أبان عنقه ثم تبين خلاف ظنه بعد اصلاحه، فهذا له قتله ولا يقتص من الولي لأنّه فعل سائغ، كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فعل الولي إن لم يكن سائغاً فهو ظالم في فعله وللجاني الاقتصاص

ص: 193


1- الوسائل باب 50 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- شرائع الإسلام / 4 / 233 .

................................

منه، وأمّا إذا كان سائغاً فقد وقع في محله، ولكن حيث لم يترتب عليه الموت جاز له الضرب ثانياً، نعم كان الضرب الأول لم ينطبق على عنوان القصاص ووقع جنباً عنه خارجاً فلا يذهب هدراً، ويثبت على الولي الدية له بذلك، وأمّا مستند القول المزبور هو رواية عثمان(1)،

والرواية هكذا محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أحدهما (علیهما السلام) «قال: أُتي عمر بن الخطاب برجل قد قتل أخا رجل فدفعه إليه وأمره بقتله، فضربه الرجل حتى رأى أنّه قد قتله، فحمل إلى منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه فبرأ، فلما خرج أخذه أخو المقتول الأول، فقال: أنت قاتل أخي ولي إن أقتلك، فقال: قد قتلني مرة فانطلق به إلى عمر فأمر بقتله، فخرج وهو يقول: والله قتلني مرة، فمروا على أمير المؤمنين (علیه السلام)فاخبروه خبره، فقال: لا تعجل عليه حتى أخرج إليك، فدخل على عمر، فقال: ليس الحكم فيه هكذا، فقال: ما هو يا أبا الحسن ؟ فقال: يقتص هذا من أخ المقتول الأول ما صنع به ثم يقتله بأخيه، فنظر الرجل أنّه إن أقتص منه أتى على نفسه فعفا عنه وتتاركا»(2)، وفي المسالك: وهذه الرواية ضعيفة بالرجال والإرسال وإن كان قد عمل بمضمونها الشيخ في النهاية وأتباعه، ولذا اختار المصنف رحمه الله التفصيل، بأنّه إن كان ضربه بما ليس له الاقتصاص به كالعصا لم يكن له القصاص حتى يقتص منه الجاني أو الدية، وإن كان قد ضربه بما له ضربه به كالسيف كان له قتله من غير قصاص عليه في الجرح، لأنّه استحق عليه إزهاق نفسه وما فعله من الجرح مباح له، لأنّ جرحه بما له فعله والمباح لا يستعقب الضمان كما لو ضرب عنقه فظن أنه مات(3).

ص: 194


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 175 _ 176 .
2- الوسائل باب 61 من ابواب القصاص في النفس ح1 .
3- المسالك / 15 / 268 .

................................

أمّا من جهة الرجال ففي السند أبان وهو من الناووسية، وفيه أولاً لا يضر ذلك إذا كان ثقة، وثانياً نقل عن الاردبيلي أنّه من القادسية، ثم أن الشيخ والنجاشي شهدا بأن أبان روي عن أبي الحسن (علیه السلام) ومعه كيف يمكن أن يكون من الناووسية وهم وقفوا على الإمام الصادق (علیه السلام) وقالوا أنّه حي لم يمت وهو المهدي الموعود، ولكن يكفي الارسال، ويمكن أن يقال قضية في واقعة على فرض صحة السند .

ص: 195

الفصل الخامس: في قصاص الأطراف

المسألة 156: يثبت القصاص في الأطراف بالجناية عليها عمداً(1) وهي تتحقق بالعمد إلى فعل ما يتلف به العضو عادة، أو بما يقصد به الإتلاف، وإن لم يكن مما يتحقق به الإتلاف عادة .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى المراد من الطرف اليد والإذن والأنف وغيرهما مما هو دون النفس، وإن لم يتلف بتلك الأطراف كما في الجرح في البطن والظهر وغيرهما، وثبوت القصاص في هذه الموارد قد ادعي الإجماع عليها، بل الضرورة، ويدل عليه الكتاب والسنة .

أمّا الكتاب فقوله تعالى: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ»(1).

وأمّا الروايات فمنها: معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين فيما كان من جراحات الجسد أن فيها القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(2)،

ومعتبرته الأخرى عن أبيعبدالله (علیه السلام) «قال: قضى

ص: 196


1- سورة المائدة الآية / 45 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح3.

المسألة 157: يشترط في جواز القصاص فيها البلوغ والعقل(1) وإن لا يكون الجاني والد المجني عليه(2).

_______________________________________________________________

أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللطمة إلى أن قال، وأمّا ما كان من جراحات في الجسد فإن فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(1)،

وغيرها من الروايات .

وأمّا معنى العمد فهو عرفي فلا يحتاج إلى الدليل، وقد ذكر صاحب التحرير بقوله: يجب القصاص في الطرف مع إتلافه عمداً دون الخطأ المحض وشبيه العمد، ويتحقق العمد فيه بما يتحقق في النفس من الجناية عليه بما يتلف به غالباً أو القصد إلى إتلافه بما يتلف به نادراً(2).

(1) والمسألة اتفاقية ولأنّها من الشروط العامة .

(2) قال في التحرير: ويشترط فيه التساوي في الإسلام والحرية وكون المقتص منه أخفض وانتفاء الأبوة فلا يقتص من الأب وإن علا للأبن(3)وقد دلت على ذلك عدة نصوص كصحيحة حمران عن أحدهما (علیه السلام) «قال: لا يقاد والد بولده، ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً»(4)، وصحيحة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: قضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه فأصابه عيب من قطع وغيره ويكون له الدية ولا يقاد»(5)،مضافاً إلى ما ورد من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمداً»(6)

وصحيحته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: عمد الصبي

ص: 197


1- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح5 .
2- التحرير / 5 / 505 .
3- التحرير / 5/ 505 .
4- الوسائل باب 32 من أبواب القصاص في النفس ح1.
5- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح3 .
6- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح1.

ويعتبر فيه أيضاً أمران: الأول التساوي في الحرية والرقية، فلا يقتص من الحر بالعبد(1).

_______________________________________________________________

وخطاه واحد»(1)

ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة».

(1) يشترط التساوي في ذلك من الإسلام والحرية، فلا المسلم بالكفار يقتص منه، ولا يقتص من الحر إذا قتل عبداً، ولا العكس من قصاص العبد بالحر، بل يقتص من الحر بالحر والحرة بالحرة، ولا فرق بين عدم القصاص من الحر بالعبد ذكراً كان أو أنثى، والمسألة غير خلافية وفي الجواهر الإجماع بقسميه(2)، وصحيحة الحلي عن الصادق (علیه السلام) التي مرّ ذكرها وصحيحة أبي ولاد الحناط «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مكاتب اشترط عليه مولاه حين كاتبه جنى إلى رجل جناية، فقال: إن كان أدى من مكاتبته شيئاً غرم في جنايته بقدر ما أدى من مكاتبته للحر إلى أن قال ولا تقاص بين المكاتب وبين العبد إذا كان المكاتب قد أدى من مكاتبته شيئاً»(3)فهي دالة على أن المكاتب الذي تحرر جزئياً منه لا يقتص بالعبد فضلاً عن الحر، ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «قال: ليس بين العبد والحر قصاص فيما دون النفس وليس بين اليهودي والنصراني والمجوسي قصاص فيما دون النفس»(4)،

وقال في التحرير: يشترط في قصاص الطرف أمور ثلاثة التساوي في المحل والصفات، والعدد، فتقطع اليمنى بمثلها، لا باليسرى ولا بالعكس، ولا السبابة بالوسطى، ولا الزائدة بالأصلية، ولا بالعكس،

ص: 198


1- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح3 .
2- الجواهر / 42 / 91.
3- الوسائل باب 46 من ابواب القصاص في النفس ح1.
4- الوسائل باب 22 من ابواب قصاص الطرف ح3 .

................................

ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحل وإن تساويا في الحكومة .

وأمّا الصفات فلا تقطع الصحيحة بالشلاء وإن رضي الجاني، فلا تقطع الشلاء بمثلها، وبالصحيحة إلا أن يحكم أهل المعرفة بعدم الحسم فتثبت الدية حذراً من السراية، ولا يضم إلى الشلاء أرش الأمثل، وكذا ذكر الأشل وهو الذي لا يتقلص في برد ولا يسترسل في حر، ولا يقطع الصحيح بذَكَر العنيّن، ويقطع ذكَر الصحيح البالغ بذكر الصبي والخصي، وذكر الشاب بالشيخ والأغلف والمجنون سواء، ويقطع العنين بذكر الصحيح، ويقطع أذن الأصم بأذن السميع وبالعكس، والأنف الشام بفاقده وبالعكس وأنف المجذوم بالصحيح إذا لم يسقط منه شيئاً والأذن الصحيحة بالأذن المثقوبة إذا لم يكن شيّناً، ولا تؤخذ الصحيحة بالمخرومة إلا أن يرد دية الخرم وإلا اقتص إلى حد الخرم، ويأخذ دية الباقي .

أمّا العدد، فلا يقطع الكف الكامل بالناقص بأصبع، ولو قطع يداً كاملةويده ناقصة اصبعاً فللمجني عليه قطع الناقصة، وتردد الشيخ في أخذ دية الأصبع فأوجبه في الخلاف ومنع منه في المبسوط إلا أن يكون قد أخذ ديتها فله المطالبة حينئذٍ، والأقرب عندي ما ذكره(1).

ص: 199


1- التحرير / 5 / 505 _ 506 .

المسألة 158: لو جرح العبد حراً كان للمجروح الاقتصاص منه(1) كما أن له استرقاقه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، وإلا فليس له استرقاقه إذا لم يرض مولاه، ولكن عندئذٍ إن افتداه مولاه وأدى دية الجرح فهو، وإلا كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جرحه، والباقي لمولاه، فيباع العبد ويأخذ المجروح حقه، ويرد الباقي على المولى .

_______________________________________________________________

(1) وذلك للقاعدة والمسألة غير خلافية، يقتص للحر من العبد والخيار يكون بيد الحر لا المولى، كما يظهر في صحيح زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في عبد جرح رجلين قال: هو بينهما إن كانت جنايته تحيط بقيمته»(1) وصحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه «قال: في عبد جرح حراً، فقال: إن شاء الحر اقتص منه، وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحه، والباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على المولى»(2).

ص: 200


1- الوسائل باب 45 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

المسألة 159: إذا جنى حر على مملوك فلا قصاص، وعليه قيمة الجناية، فإن كانت الجناية قطع يده _ مثلاً _ وجب عليه نصف قيمته وإن سرت فمات المملوك فعليه تمام القيمة(1)، ولو تحرر فسرت الجناية إلى نفسه فمات بعد تحرره فعلى الجاني دية الحر(2).

_______________________________________________________________

(1) سواء كان في الطرف أو النفس وذلك لعدم التساوي المعتبر في القصاص، لأن التساوي معتبر في الحرية، والرقية، في القصاص والمسألة غير خلافية كما ادعي في الجواهر: بل الاجماع بقسميه(1)،

والعمدة الروايات ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لا يقتل الحر بالعبد، وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضرباً شديداً»(2)وغيرها

من الروايات، لأنّه كلما كان للإنسان شيئان كاليدين قيمته تامة فإن اليد الواحدة تعادل النصف وإن جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن، فالقيمة في المملوك بمنزلة دية الحر، وكما تقسم الدية على اعضاء الحر فكذلك تنقسم القيمة على أعضاء العبد .

(2) لأن الموت مستند إلى جنايته إذاً لابد من إعطاء تمام القيمة، ولا معنى لدفع دية الطرف أيضاً، بل تدخل في دية النفس .

ص: 201


1- الجواهر / 42 / 345 .
2- الوسائل باب 40 من أبواب القصاص في النفس ح2 .

ولمولاه قيمة الجناية من الدية والباقي لورثته(1)، وإن كانت القيمة أكثر من دية ذلك العضو فليس للمولى إلا مقدار الدية دون قيمة الجناية(2)، وإن كانت أقلّ فللمولى قيمة الجناية، هذا إذا لم تنقص قيمة الجناية بالسراية، وأمّا إذا نقصت بها، كما لو قطع يد مملوك، وقطع آخر يده الآخرى، وقطع ثالث رجله، ثم سرى الجميع فمات، سقطت دية الأطراف ودخلت في دية النفس(3)، ففي هذه الصورة تنقص قيمة الجناية بالسراية من النصف إلى الثلث، فليس للمولى إلا ذلك الناقص وهو ثلث الدية(4)، ولا يلزم الجاني بتلك النقيصة .

_______________________________________________________________

(1) أيضاً لاستناد موته إليه، فيجب عليه دفع دية الحر وقسم من هذه الدية وهو أن قيمة الجناية لمولاه والباقي للورثة، لأنّه مال للميت وينتقل إليهم كسائر أمواله .

(2) بعد أن أصبحت الزيادة ناشئة من جهة الحرية والمولى فقط يستحق دية الجناية .

(3) لما ذكرنا لا معنى لوجوب ديتين على الجاني .

(4) يجب على الجاني دفع تمام الدية فقط لو كان القاطع شخصاً واحداً ولكن فبما أن القاطع يكون متعدد وهم ثلاثة فينقص استحقاق المولى من النصف إلى الثلث فينقص قيمة جناية كل من النصف إلى الثلث وليس للجاني إعطاء النقيصة، لأنّ عليه دية واحدة .

ص: 202

المسألة 160: لو قطع حر يد عبد قاصداً قتله فأعتق، ثم جنى آخر عليه كذلك فسرت الجنايتان فمات، فللمولى على الجاني الأول نصف قيمة العبد على أن لا تتجاوز نصف دية الحر(1)، وعلى الجاني الثاني القود(2)، فإن اقتص منه، فعلى المقتص أن يرد إلى ولي المقتص منه نصف دية الحر .

المسألة 161: لو قطع حر يد عبد ثم قطع رجله بعد عتقه، كان عليه أن يرد قيمة الجناية الأولى إلى مولاه(3)، وأمّا بالإضافة إلى الجناية الثانية فكان للعبد المعتق الاقتصاص من الجاني بقطع رجله، وإن عفا ورضى بالدية كانت له(4)ولا صلة للمولى بها أصلا(5).

_______________________________________________________________

(1) أمّا نصف دية العبد فلأنّه قطع منه يداً واحدة، أمّا بشرط عدم التجاوز لأنّه لو تجاوز قيمته قيمة الحر يرجع إلى قيمة الحر .

(2) لأنّه قتل حراً، ولكن بما أنّه ناقص فلابد أن يدفع إليه قيمة النقص وهي النصف .

(3) أي قيمة يد العبد إلى مولاه .

(4) التساوي في الدين .

(5) لأنّه قطع رجل حر فعليه أن يقتص منه كما أن له أن يأخذ نصف دية الحر بعد مراضاتهما وبعد إن اعتق فلا صلة للمولى بالدية اصلاً .

ص: 203

المسألة 162: إذا جنت المرأة على الرجل، اقتص الرجل من المرأة من دون اخذ شيء منها(1)، وإن جنى الرجل على المرأة اقتصت المرأة منه بعد رد التفاوت إليه إذا بلغت دية الجناية الثلث، وإلا فلا، فلو قطع الرجل اصبع امرأة جاز لها قطع اصبعه بدون رد شيء إليه، ولو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد رد نصف دية يده إليه(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا أصل جواز الاقتصاص فمما لا خلاف فيه، ويدل عليه الكتاب والسنة، وفي الرياض: لا يشترط التساوي في الذكورة والأنوثة بل يقتص للرجل من المرأة ولا رد، وللمرأة من الرجل مع الرد فيما زاد عن الثلث أو بلغه على الخلاف المتقدم، وهو مع نقل الإجماع والنصوص المستفيضة على ثبوت أصل التقاص بينهما في بحث الشرط الأول من شرائط القصاص الخمسة(1).

(2) أي لا يؤخذ ما فضل من دية الحر من المرأة أو من الولي، والمسألة غير خلافية، مضافًا إلى ما ورد من الروايات .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: جراحات الرجال والنساء سواء، سن المرأة بسن الرجل، وموضحة المرأة بموضحة الرجل، وأصبع المرأة بأصبع الرجل حتى تبلغ الجراحة ثلث الدية فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة»(2).ومنها: معتبرة ابن أبي يعفور «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قطع أصبع امرأة، قال: تقطع أصبعه حتى ينتهي إلى ثلث المرأة، فإذا جاز الثلث أضعف الرجل»(3).

ص: 204


1- الرياض / 16 / 320 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح4.

................................

ومنها: صحيحة الحلبي «قال: سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص سواء، فقال: الرجال والنساء في القصاص السن بالسن، والشجة بالشجة، والأصبع بالأصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث صيّرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية، ودية النساء ثلث الدية»(1).

ويقتص للمرأة من الرجل ولكن بعد ردّ التفاوت في النفس والطرف متفق عليه، والرد إنما هو فيما إذا بلغ الثلث وأما قبل ذلك فلا ردّ وتتساوى ديتها، وتدل على وجوب الرد صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل فقأ عين امرأة، فقال: إن شاؤوا أن يفقؤوا عينه ويؤدوا إليه ربع الدية وإن شاءت أن تأخذ ربع الدية، وقال: في امرأة فقأت عين رجل أنّه إن شاء فقأ عينها، وإلا أخذ دية عينه»(2).

وأمّا ما ورد في موثقة زيد بأنّه الاقتصاص إلا في النفس بقوله عن زيد ابن علي عن آبائه (علیهم السلام) «قال: ليس بين الرجال والنساء قصاص إلا في النفس»(3)وأنّها

شاذة لم يعمل بها أحد، ومع ذلك معارضة للروايات ولظاهرالكتاب: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ»(4)، إذاً لابد من طرح الرواية .

ص: 205


1- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح6.
2- الوسائل باب 2 من أبواب قصاص الطرف ح1.
3- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح7 .
4- سورة المائدة الآية / 45 .

المسألة 163: المشهور اعتبار التساوي في السلامة من الشلل في الاقتصاص(1).

_______________________________________________________________

(1) يقول في الجواهر: وبالجملة كل ما عرفته من شرائط القصاص في النفس معتبر في القصاص في الطرف _ التساوي في السلامة _ فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء، والمسألة غير خلافية كما ادعى الجواهر(1)واستدل برواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قطع يد رجل شلاء، قال: عليه ثلث الدية»(2)،

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) الرواية ضعيفة من جهة السند والدلالة، أمّا سنداً فلأن سندها بحماد بن زياد وهو مجهول ورواية الحسن بن محبوب عنه لا تدل على توثيقه على ما فصلناه في محله، أمّا من جهة الدلالة فلأنّها في مقام بيان مقدار الدية، ولم تتفرق للقصاص لا نفياً ولا إثباتاً(3) وهكذا رواية عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه عبد الرحمن عن جعفر عن أبيه (علیهم السلام) «أنّه جعل في السن السوداء ثلث ديتها وفي يد الشلاء ثلث ديتها، وفي العين القائمة إذا طمست ثلث ديتها، وفي شحمة الأذن ثلث ديتها، وفي الرجل العرجاء ثلث ديتها، وفي خشاش الأنف في كل واحد ثلث الدية»(4) والرواية مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً بيوسف بن حارث، ودلالة لأنّها في بيان مقدار الدية ولا تكون ناظرة إلى القصاص وهكذا رواية الحسن بن صالح فإنّها ضعيفة سنداً، فإن حسن بنصالح لم يذكر بتوثيق ولا مدح على أنّها لا إطلاق لها من هذه الجهة، فإن الظاهر أنّها في مقام بيان مقدار الدية فحسب، وهكذا بقية الروايات أما غير تامة سنداً .

ص: 206


1- الجواهر / 42 / 348 .
2- الوسائل باب 28 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .
3- المباني / 2 / 186 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الاعضاء ح13 .

فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء وأن بذل الجاني يده للقصاص وهو لا يخلو من إشكال بل لا يبعد عدمه، وأمّا اليد الشلاء فتقطع باليد الصحيحة بلا إشكال(1)، إلا أن يحكم أهل الخبرة أنّها لا تنحسم فعندئذٍ لا يجوز قطعها وتؤخذ الدية(2).

_______________________________________________________________

وأمّا غير تامة دلالة كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يكسر ظهره، قال: فيه الدية كاملة، وفي العين الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وفي الأذنين الدية، في أحدهما نصف الدية، وفي الذَكَر إذا قطعت الحشفة وما فوق الدية وفي الأنف إذا قطع المارن الدية، وفي الشفتين الدية»(1) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فالنتيجة أنّه لا دليل على اعتبار التساوي في السلامة ماعدا دعوى الإجماع إن تم فهو وإلا فلا يبعد عدم اعتباره لإطلاق الآية الكريمة: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» والعجب أنّه لا يكون الإجماع حجة عنده فكيف يقول (إن تم فهو) ولكن مع ذلك نقول بعدم القطع للاتفاق .

(1) لعموم الأدلة ولا دليل على التقييد، ويقول في الجواهر: بل لا يضم إليها أرش للأصل وغيره بعد تساويهما في الجرم ونحوه وإنما الاختلاف فيالصفة التي لا تقابل بالمال كالرجولة والأنوثة والحرية والعبودية والإسلام والكفر فإنّه إذا قتل الناقص منهم بالكامل لم يجبر بدفع أرش خصوصاً بعد قولهم (علیهم السلام) «إن الجاني لا يجني أكثر من نفسه»(2).

(2) لأنّه يجب تحفظ نفسه فلو قطع يده فيستوجب موته فلا يجوز، وأمّا الدية لئلا يذهب دم المسلم هدراً .

ص: 207


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الاعضاء ح4 .
2- الجواهر / 42 / 349 .

المسألة 164: لو قطع يمين رجل قطعت يمينه إن كانت له يمين وإلا قطعت يساره على إشكال وإن كان لا يبعد جوازه(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه لابد أن يقطع اليمين باليمين واليسار باليسار، وقد ذكر صاحب التحرير: لو قطع يمين غيره ولا يمين له قطعه يسراه، ولو لم يكن له يسار، قطعت رجله عملاً بالرواية(1)،

والمسألة غير خلافية هذا إذا كان له يمين، وأمّا مع عدم وجوده فيقول المحقق: تقطع اليمين باليمين فإن لم يكن له يمين قطعت لها يساره(2)

ويدل عليه صحيحة محمد بن قيس «قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) عن أعور فقأ عين صحيح، فقال: تفقأ عينه، قال قلت: يبقى أعمى ؟ قال (علیه السلام) الحق أعماه»(3)،

وبإطلاقها تدل على القصاص فيما إذا كانت عين الأعور الصحيحة غير المماثلة للعين المفقوة من جهة الطرف، بل يمكن أن يقال بأنّ الظاهر من السؤال والجواب أن توقف السائل لم يكن من ناحية عدم المماثلة بل من جهة بقائه أعمى، وهذا أقوى شاهد على أنّ صدق المماثلة مفروغ عنها في حالة وجودها .

ص: 208


1- الوسائل باب 12 من أبواب قصاص الطرف ح3، وانظر تحرير الاحكام / 5 / 507 .
2- الشرائع / 2 / 234 .
3- الوسائل باب 15 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

وإن لم تكن له يسار فالمشهور أنّه تقطع رجله إن كانت، وفيه إشكال والأقرب الرجوع فيه إلى الدية(1).

_______________________________________________________________

(1) والحكم يكون هو المشهور عندهم وادعوا الإجماع، ويؤيد ذلك خبر حبيب السجستاني «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين، قال، فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولاً وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه اخيراً، لأنّه إنما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأول، قال، قلت: إن علياً (علیه السلام) إنما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، فقال: إنما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد، (يدان) والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد، فقلت له أو ما توجب عليه الدية وتترك رجله ؟ فقال: إنما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان، فثم تجب عليه الدية لأنّه ليس له جارحة يقاص منها»(1)،

والرواية صحيحة سنداً إلى حبيب المذكور، أمّا هو فلا، يقول في المسالك: بأنّه نص على توثيق حبيب، وقال حينئذٍ فإطلاق جماعة من الأصحاب صحة الرواية مدخول أمر ومحمول على الصحة كما تقدم في نظائره، وهذا هو السر في نسبة المصنف الحكم إلى الرواية من غير ترجيح له، ولكن عمل بمضمونها الشيخ والأكثر وردها ابن إدريس في السرائر وحكم بالدية بعد قطع اليد لمن بقي وهو الأقوى، لأنّ قطع الرجل باليد على خلاف الأصل، فلابد له من دليل صالح وهو منفي وفي قوله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِوَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» ما يدل على اعتبار المماثلة والرجل ليس مماثلة لليد(2)،

ولذا نسب إلى المحقق الصحة استناداً إلى الرواية، والحق إن الرواية

ص: 209


1- الوسائل باب 12 من أبواب قصاص الطرف ح2 .
2- مسالك الافهام / 15 / 272 .

المسألة 165: لو قطع أيدي جماعة على التعاقب كان حكمه في الاقتصاص وأخذ الدية حكم من قتل جماعة على التعاقب على تفصيل تقدم في قصاص النفس(1).

المسألة 166: لو قطع اثنان يد واحد جاز له الاقتصاص منهما بعد ردّ دية يد واحدة إليهما، وإذا اقتص من أحدهما ردّ للآخر نصف دية اليد إلى المقتص منه، كما أن له مطالبة الدية منهما من الأول(2).

_______________________________________________________________

ضعيفة سنداً، والإجماع والشهرة لا دليل على حجيتها، فلابد من الرجوع إلى الدية وعدم جواز القطع .

(1) أي قطع يمنى للأول واليسرى للثاني ورجليه للثالث والرابع والدية لما بعد الرابع إن قلنا بالمشهور، وإلا لما بعد الثاني لابد من إعطاء الدية .

(2) والحكم هنا حكم من اشترك اثنان في قتل واحد حيث ذكرنا أنّه يجوز قتلهما معاً بعد ردّ الدية الواحدة إلى أولياء من قتلهما وله قتل أحدهما ويدفع الثاني نصف ديته إلى المقتص منه وله مطالبة الدية منهما من الأول ويدل على ذلك صحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل قال (علیه السلام) إن أحب أنيقطعهما أدى إليهما دية يد، قال: وإن قطع يد أحدهما ردّ الذي لم تقطع يده على الذي قطعت يده ربع الدية»(1).

ص: 210


1- الوسائل باب 25 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

المسألة 167: يثبت القصاص في الشجاج الشجة بالشجة(1) ويعتبر في التساوي طولاً وعرضاً(2).

_______________________________________________________________

(1) كل جرح في الرأس أو الوجه يسمى شجاجاً، وفي البدن يسمى جرحاً، والشجاج ثمان يأتي تفصيلها . ولا يخفى بأنّه لا خلاف عندهم في ثبوت القصاص في الشجة، والشجة تكون بالشجة، ويدل على ذلك الآية الشريفة: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» وجملة من الروايات منها معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) فيما كان من جراحات الجسد أن فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(1)

ومعتبرته الأخرى عنه (علیه السلام) «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللطمة إلى أن قال: وأمّا ما كان من جراحات في الجسد فإن فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(2)، ويؤيد ذلك أيضاً خبر الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر (علیه السلام) «ليس الخطأ مثل العمد، العمد فيه القتل، والجراحات فيها القصاص والخطأ في القتل والجراحات فيها الديات»(3).

(2) طولاً أو عرضاً والمسألة اتفاقية كما يظهر من كلام صاحب الرياض أي الجرح والشق اتفاقاً على الظاهر المصرح به في بعض الروايات قيل لإشعار لفظ القصاص به وللاعتبار، فلا يقابل ضيقة بواسعة ولا يقنع بضيقه عنواسعة، بل يستوفي بقدر الشجة(4)،

في البعدين .

ص: 211


1- الوسائل باب 13 من أبواب القصاص ح3 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب القصاص ح5 .
3- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
4- الرياض / 16 / 323 .

وأمّا العمق فالعبرة فيه بحصول الاسم(1).

المسألة 168: يثبت القصاص في الجروح فيما إذا كان مضبوطاً بأن كان القصاص بمقدار الجرح وأمّا إذا كان غير مضبوط وموجباً لتعريض النفس على الهلاك أو زيادة في الجرح أو تلف العضو كالجائفة والمأمومة والهاشمة والمنقلة ونحو ذلك لم يجز(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا العمق فلا يعتبر فيه التساوي نزولاً وعمقاً، بل يعتبر فيه الاسم المخصوص الذي جعلت الجناية به كالموضحة والباضعة، ويدل عليه الإجماع المعبر في كلام جماعة، كما في الرياض: بإجمعاعنا الظاهر المصرح به في جملة من العبائر(1)،

وذلك لندرة التساوي بالنسبة إلى حصول العمق خصوصاً مع اختلاف الرؤوس بالنسبة إلى السمن والهزل وغلظ الجلد ودقته إذاً تكون العبرة بصدق الاسم حتى لو كان العمق نصف الانملة، جاز في القصاص من الزيادة عليه ما لم ينته إلى مقدار يختلف فيه الاسم .

(2) أي لا تعريف فيه بالنفس أو الطرف كالباضعة والسمعاق والموضحة أي بأن يكون الجرح مضبوطاً وكان القصاص بمقدار الجرح ولا يوجب في القصاص تعريض النفس إلى الهلاك أو إتلاف عضو آخر للسراية بل ولو فرض أن فيه تعريضاً، فلا يجوز إذا كان زيادة في الجرح، إذاً فلا قصاص فيما فيه التعريض، كالمأمومة، والجائفة، وقد ادعى الإجماع عليه مضافاً إلى ما وردفي الآية الشريفة: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(2) ففي مثل هذه الأمور لا يجوز فيها القصاص إلا الحكومة، وتدل على ذلك جملة من الأخبار منها كمقطوع أبان

ص: 212


1- الرياض / 16 / 323 .
2- سورة البقرة الآية / 194 .

وينتقل الأمر فيها إلى الدية الثابتة بأصل الشرع أو بالحكومة(1).

_______________________________________________________________

«الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلا الحكومة»(1)،

ومقطوعة أبي حمزة(2)، وفي الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلا الحكومة ... الخ الحديث، ومعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر (علیه السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان يقول: ليس في عظم قصاص»(3).

وأمّا صحيح أبي بصير عن الإمام الصادق (علیه السلام) «عن السن والذراع يكسران عمداً أولهما أرش أو قود ؟ فقال (علیه السلام) قود»(4).

فحمله الشيخ على ما إذا كان المكسور شيء لا يرجى إصلاحه، ولكن الحق أنّه يرد علمها إليهم (علیهم السلام) .

(1) أمّا وجوب الدية فلأجل أن لا يذهب دم المسلم هدراً، فإذا لم يمكن القصاص لابد من إعطاء الدية .

ص: 213


1- الوسائل باب 16 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب قصاص الطرف ح2 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
4- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح4 .

المسألة 169: يجوز الاقتصاص قبل الاندمال وإن احتمل عدمه(1).

_______________________________________________________________

(1) وهناك قول من الشيخ في المبسوط: إذا قطع يد رجل كان للمجنى عليه أن يقتص من الجاني في الحال والدم جارٍ، لكن يستحب له أن يصبر لينظر ما يكون فيها من اندمال أو سراية، وفيه خلاف ويقتضي مذهبنا التوافق لأنّه إن سرى إلى نفس دخل قصاص الطرف في النفس عندنا على ما بيناه بينا(1) وفي الخلاف الجواز بقوله: إذا قطع يد رجل كان للمجني عليه أن يقتص من الجاني في الحال والدم جارٍ ولكن يستحب له أن يصبر لينظر ما يكون منها من اندمال أو سراية وبه قال الشافعي(2)،

ولكن المشهور على جواز ذلك لإطلاق الآية الشريفة: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» وقوله جل وعلا: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» وقوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ»(3)، وأمّا الاحتمال فيرفع بالأصل، وأمّا ما ورد من معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر (علیه السلام) «إن علياً (علیه السلام) كان يقول: لا يقضى في شيء من الجراحات حتى تبرأ»(4)،

والرواية وإن كانت صحيحة السند ولكن مخدوشة من جهة الدلالة لاختصاص أنّها بما إذا للبرء أثر للقضاء أو يحتمل ذلك كما إذا كانت الآلة قتّاله وقصد القتل ولكنه لم يقتل، فلا تشمل مورد السراية إذا لم يكن القتل مقصوداً، أو لم يكن الجرحمما يكون قاتلاً عادة فيكون القصاص في هذه الموارد غير ثابتاً، وأمّا إذا كان بعمله قاصداً القتل أو كان الجرح مما يقتل عادة ففي مثل ذلك يثبت القصاص .

ص: 214


1- المبسوط / 5 /93 .
2- الخلاف / 5 / 196 .
3- سورة النحل الآية / 126 .
4- الوسائل باب 42 من أبواب موجبات الضمان ح2 .

وعلى هذا فلو اقتص من الجاني ثم سرت الجناية فمات المجني عليه، كان لوليه أخذ الدية من الجاني فيما إذا لم يكن القتل مقصوداً ولم تكن الجناية مما يقتل غالباً، وإلا كان له قتل الجاني أو أخذ الدية منه، فإن قتله كان عليه دية جرحه(1).

المسألة 170: كيفية القصاص في الجروح هي أن يحفظ الجاني(2) من الاضطراب حال الاستيفاء، ثم يقاس محل الشجة بمقياس ويعلم طرفاه(3) في موضع الاقتصاص من الجاني، ثم يشرع في الاقتصاص من إحدى العلامتين إلى العلامة الأخرى .

المسألة 171: يجب تأخير القصاص في الأطراف عن شدة البرد أو الحر إذا كان في معرض السراية، وإلا جاز(4).

_______________________________________________________________

(1) لدخول قصاص الطرف في القصاص، فيجب ردّ دية الجرح .

(2) أي يربط محل القصاص، كالرجل أو اليد على شيء بحيث لا يضطرب حال الاستيفاء .

(3) بخيط أو آلة قياس ويعلم طرفاه في موضع الاقتصاص من الجاني ثم يشق من الجانب المعلم إلى الآخر .(4) إذا علم بأن شدة البرد أو الحر تؤثران في سراية الجرح ويؤديان إلى هلاك المقتص منه، فلابد من التأخير حفظاً على النفس، وفي حال عدم ذلك جاز .

ص: 215

المسألة 172: المشهور اعتبار كون آلة القصاص من الحديد، ودليله غير ظاهر، فالظاهر عدم الاعتبار(1).

المسألة 173: إذا كانت مساحة الجراحة في عضو المجني عليه تستوعب(2) عضو الجاني وتزيد عليه لصغره، لم يجز له أن يقتص من عضوه الآخر عوضاً عن الزائد، بل يجب عليه الاقتصاص على ما يتحمل ذلك العضو، ويرجع في الزائد إلى الدية بالنسبة، وكذا الحال إذا كان عضو المجني عليه صغيراً واستوعبته الجناية ولم تستوعب عضو الجاني، فيقتصر في الاقتصاص على مقدار مساحة الجناية .

_______________________________________________________________

(1) يقول المحقق: ولا يقتص إلا بالحديدة، وكذا المحقق الاردبيلي بقوله لعل وجهه الإجماع ولا فرق في ذلك بين وقوع أصل الجناية بالحديد أو بغيره(1)،

ويؤيد الجواهر المحقق بقوله: حادة غير مسمومة ولا كالة مناسبة لاقتصاص مثله كالسكين ونحوها(2)،

لا بالسيف والكال ونحوهما، ولم يرد إجماع في كلامهم، نعم ورد في الحديث النبوي لا قصاص بغير حديد والرواية عنه (صلی الله علیه و آله وسلّم) غير ثابتة فلابد من الرجوع إلى الإطلاقات .

(2) وذلك لكبر رأسه كأن كان رأس الجاني شبراً والمجنى عليه شبرين وبعد ما قلنا بأن القصاص في الجروح يكون بالتساوي طولاً وعرضاً ولا يقاسبقصاص الأطراف، فلو كانت الجناية شبراً فيقتص منه بذلك المقدار أمّا إذا كانت شبرين فيقتص منه شبراً وبالنسبة إلى الشبر الآخر فلا يجوز التعدي منه إلى عضو آخر كالاقتصاص بذلك المقدار من الرقبة، أو الوجه مثلاً لأنّه لابد من المماثلة في

ص: 216


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14/133 .
2- الجواهر / 42 / 361 .

المسألة 174: لو قطع عضواً من شخص كالأذن فاقتص المجني عليه من الجاني، ثم الصق المجني عليه عضوه المقطوع بمحله، فالتحم وبريء جاز للجاني إزالته وكذلك الحال في العكس(1).

_______________________________________________________________

العضو والتجاوز من عضو إلى آخر يُعد اعتداءً وتجاوزاً فيرجع في الزائد إلى الدية بالنسبة إلى المساحة، لأنّ حق أمر مسلم لابد أن لا يذهب هدراً .

وأمّا الدية فأن كانت ثابتة في أصل الشريعة فهي، وإلا تثبت بالحكومة وأمّا إذا كان رأس الجاني أكبر ويكون بمقدار شبرين ورأس المجنى عليه شبراً فلا يستوعب رأس الجاني، بل لابد من الاقتصاص بمقدار شبر قال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تقدم اعتبار التساوي في المساحة في قصاص الجروح وأنّه لا يقاس ذلك بقصاص الأطراف فإن المقابلة في تلك الموارد بين طبيعي العين والعين والأنف والأنف وغيرهما، ولا نظر فيها للصغر والكبر أصلاً هذا بخلاف الجروح فإن المقابلة فيها بين الجرح ومماثلة، فلا محالة تعتبر فيه المساحة، ولكن ذلك لا يقتضي التعدي من عضو إلى آخر ففي مفروض المسألة تتعين الدية بالإضافة إلى الزائد(1).

(1) لا يخفى بأنّه لو التحمت قبل القصاص قالوا لا يسقط القصاصولكن سيأتي الكلام فيه، إنما الكلام لو التحمت أذن المجني عليه فللجاني قطعه، أمّا لو قطع من الجاني أذنه والتصقت بعد ذلك فاللمجني عليه قطعه ثانية أيضاً، وذلك لمعتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) «إن رجلاً قطع من بعض أذن رجل شيئاً، فرفع ذلك إلى علي (علیه السلام) فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على أذنه بدمه فالتحمت وبرئت، فعاد الآخر إلى علي (علیه السلام) فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت، وقال (علیه السلام): إنما يكون القصاص من أجل الشين»(2)،

ص: 217


1- المباني / 2 / 196 _ 197.
2- الوسائل باب 23 من ابواب قصاص الطرف ح1.

المسألة 175: لو قطعت أُذن شخص مثلاً ثم الصقها المجني عليه قبل الاقتصاص من الجاني والتحمت، فهل يسقط به حق الاقتصاص ؟ المشهور عدم السقوط، ولكن الأظهر هو السقوط وانتقال الأمر إلى الدية(1).

_______________________________________________________________

فتكون الرواية واضحة بأنّه لكل من الجاني والمجني عليه حق لإزالته من جهة العله «إنما يكون القصاص من أجل الشين» وأمّا ما ذكر بأنّه يأمر الحاكم بالإبانة لعدم جواز حمل الميتة والنجس وفيه أنّه لا يصدق الميتة عليها بعد الالتئام ووجود آثار الحياة، بل يجوز الصلاة معها بعد إن أصبح عضواً من بدنه فلو أبانه شخص آخر فعليه القصاص بمقتضى عموم أدلة القصاص وإطلاقها .

(1) والمشهور على أخذ الاقتصاص للإطلاقات ولكن الحق أخذ الدية ولئلا يذهب دم المسلم هدراً، وأمّا عدم جواز القصاص وسقوطه لأجل التعليل من الرواية وهو تحقق الشين وارتفع، فلا مقتضى للقصاص والتعليل يفيدالإطلاق، وأمّا ما ذكره المشهور لأجل الشين كما ورد في الرواية، فإذا التحم فلم يبق شين، فلا دليل على القصاص، وما ذكره المشهور هو التمسك بإطلاق الأدلة، والالتصاق لا يكون مانعاً عن القصاص ولكن هذا الإطلاق مقيد بدليل الرواية المعللة بالشين، فظهر مما ذكرنا وكما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لا يجب القصاص، بل عليه دفع الدية حتى لا يذهب حق المسلم هدراً .

ص: 218

المسألة 176: لو قلع رجل أعور عين رجل صحيح، قلعت عينه(1).

المسألة 177: لو قلع صحيح العينين العين الصحيحة من رجل أعور خلقة أو بآفة كان المجني عليه بالخيار بين قلع إحدى عيني الصحيح وأخذ نصف الدية منه، وبين العفو وأخذ تمام الدية(2).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى كما مرّ أنّه يقتص منه وإن عمى، فالحق أعماه كما في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة قال (علیه السلام): «الحق أعماه» ويؤيد ذلك أيضاً مرسلة ابان عن ابي عبد الله (علیه السلام) «سألت عن اعور فقأ عين صحيح متعمداً قال: تفقأ عينه، قلت فيكون اعمى، قال الحق اعماه» وقد مرّ الحديث ولا فرق بين عورة خلقة أو بآفة من الله تعالى أو بجناية أو بقصاص .

(2) قال صاحب كشف اللثام: لو قلعها ذو عينين اقتص له بعين واحدة، لا بكليهما وإن كانت واحدة الأعور بمنزلة الثنتين، وفي الرد لنفس دية النفس على المجنى عليه إن كان العور خلقة أو بآفة قولان، فالرد خيرة النهاية والمبسوط والجامع، ونفى عنه البأس في المختلف لخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أعور اصيبت عينه الصحيحين ففقئت إن تفقأ أحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية وإن شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن عين صاحبه»(1) وخبر عبد الله بن الحكم عن الصادق (علیه السلام) نحواً من ذلك وفي آخره لأنّ له دية كاملة «وقدأخذ نصفها بالقصاص»(2)

ولأن دية عين الأعور خلقة دية النفس، فلا يؤخذ عوضاً عما قيمته النصف إلا بعد ردّ التفاوت، والعدم خيرة المقنعة والسرائر والشرائع والتحرير للأصل وعموم: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» وقال أبو علي بثالث هو التخيير بين قلع عين الجاني ورد خمسمائة دينار عليه، وقلع إحداهما أخذ

ص: 219


1- الوسائل باب 27 من أبواب ديات الاعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 27 من أبواب ديات اعضاء ح4 .

وأمّا لو كان أعور بجناية جانٍ، لم يكن للمجني عليه إلا قلع إحدى عيني الصحيح(1).

_______________________________________________________________

خمسمائة وهو غريب فأن العينين أمّا إن تساويا عينه فلا ردّ وإلا فلا قلع(1).

هناك قولان في المسألة، القول الأول عدم ردّ نصف الدية، ويكفي قلع العين وهو المنسوب إلى المفيد والحلي والفاضل في التحرير، وذلك للأصل ولإطلاق قوله تعالى: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» .

والثاني منسوب إلى النهاية والوسيلة والجامع والإيضاح وغاية المراد والمقتصر وظاهر المقنع والطبرسي والصهرشتي، وقد دل على القول الثاني صحيحة محمد بن قيس، قال «قال أبو جعفر (علیه السلام) في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ففقئت، إن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية وإن شاء أخذ دية كاملة، ويعفو عن عين صاحبه»(2).

(1) المسألة غير خلافية ونسب إلى الخلاف والغنية الإجماع عليه وهكذا ديات كشف اللثام أنّه اتفاقي فلابد من حمل الصحيحة إلى الأعورالطبيعي وأمّا في غيره لابد من الرجوع إلى الآية: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» نعم قد ورد في رواية عبد الله بن حكم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل صحيح فقأ عين رجل أعور، فقال: (علیه السلام) الدية كاملة، فإن شاء الذي فقئت عينه أن يقتص من صاحبه ويأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل، لأن له كاملة وقد أخذ نصفها بالقصاص»(3)،

والرواية من جهة السند تكون ضعيفة غير قابلة للاعتماد، فلابد من قلع إحدى عيني الصحيح .

ص: 220


1- كشف اللثام / 11 / 208.
2- الوسائل باب 17 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
3- الوسائل باب 27 من أبواب ديات الاعضاء ح4 .

المسألة 178: لو أذهب ضوء عين آخر دون الحدقة، كان للمجني عليه الاقتصاص بمثل ذلك(1)، إن أمكن وإلا انتقل الأمر إلى الدية(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة محل اتفاق وبلا خلاف وتدل عليه الآية الشريفة: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ».

(2) وذلك لئلا يذهب دم أمرئ مسلم هدراً في صورة عدم إمكان القصاص، وأيضاً ينتقل إلى الدية لو فرض أنّه يسري إلى عضو آخر، أو في النفس، وهل ذهاب الضوء يكون بطريق خاص كما يظهر من الشيخ في الخلاف بقوله: العبارة الصحيحة في الخلاف هكذا وأمّا إذا ذهب ضوؤها فله أن يفعل به مثل ما فعل به، فإن أذهب وإلا، فإن أمكن إذهاب الضوء بدواء استعمل، فإن لم يمكن قرب إليها حديدة محمية حتى تذهب بضوئه، فإن لم يذهب وخيف أن تذهب الحدقة، ترك وأُخذت الدية دية العين لئلا يأخذ أكثر من حقه، دلينا إجماع الفرقة وأخبارهم(1)، وفي الروضة(2)

القول باستيفائه على هذا الوجه هو المشهور، ولكن عن المحقق نسب هذا القول إلى القيل بقوله: ويثبت القصاص في العين ولو كان الجاني أعور خلقة، فإن عمي فأن الحق أعماه، أمّا لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين، اقتص له بعين واحدة إن شاء، وهل له مع ذلك نصف الدية ؟ قيل لا، لقوله تعالى: «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» وقيل نعم، تمسكاً بالأحاديث والأول أولى(3)

وهكذا الشهيد في الروضة كما مرّ .وهذا مشعر بالضعف، ومن قال بهذا الوجه استدل بخبر رفاعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن عثمان (عمر) أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه فانزل

ص: 221


1- الخلاف / 5 / 175 .
2- اللمعة الدمشقية / 10 / 82 .
3- شرائع الإسلام / 2 / 236 .

المسألة 179: يثبت القصاص في الحاجبين واللحية وشعر الرأس وما شاكل ذلك(1).

_______________________________________________________________

الماء فيها وهي قائمة ليس يبصر بها شيئاً، فقال له أعطيك الدية، فأبى، قال: فأرسل بهما إلى علي (علیه السلام) وقال: أحكم بين هذين فأعطاه الدية فأبى، قال: فلم يزالوا يعطونه حتى أعطوه ديتين، قال، فقال: ليس أريد إلا القصاص، قال: فدعا علي بمرآةٍ فحماها، ثم دعا بكرسف فبله، ثم جعله على أشفار عينيه وعلى حواليها، ثم استقبل بعينه عين الشمس، قال: وجاء بالمرآة، فقال: انظر

فنظر فذاب الشحم وبقيت عينه قائمة وذهب البصر»(1).

ولكن هذه الطريقة يمكن أن تكون قضية في واقعه فلا تدل على تعينه بهذا الطريق، بل هو أحد الطرق، فإذاً يمكن إطلاق أدلة القصاص هو القائم مضافاً إلى أنّها ضعيفة من جهة السند، فذهاب الضوء يمكن بأي طريق كان .

(1) لعموم الأدلة وإطلاقها كما في الآية: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» ولكن هذا إنما يتم فيما لا يستوجب فساد المحل، فلو استلزم تغييراً في عضو آخر أو في النفس أو بزيادة لم يجز القصاص، وأمّا رواية سلمة بن تمام «قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعرهفاختصموا في ذلك إلى علي (علیه السلام) فأجله سنة، فجاء فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية»(2)، فهي وإن كانت دالة بأنّه بمجرد ذهاب الشعر لا يترتب عليه أثر ولذلك أجل الإمام القضاء إلى سنة، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إلا أنّها نقلت بطريقين أحدها بطريق أشير فيه عدة مجاهيل، والآخر بطريق الصدوق وهي مرسلة، فإنّه رواها عن محمد بن الحسين

ص: 222


1- الوسائل باب 11 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
2- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح3 .

................................

بن أبي الخطاب عن سلمة بن تمام ولا يمكن رواية محمد بن الحسين عن سلمة بلا واسطة، فإن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب من أصحاب الصادق (علیه السلام) وسلمة من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) على أنّه لا توثيق لسلمة بن تمام، فالرواية ضعيفة جداً فلا يمكن الاعتماد عليها(1)،

فلا يمكن الاستدلال بها .

وأمّا رواية علي بن خالد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قلت: الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماء حاراً فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت، فقال: عليه الدية كاملة»(2)،

وفيه ذكر الدية لأنّه في مورده لا يمكن القصاص، أو كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ويمكن حملها بمناسبة المورد على صورة الشبهة بالعمد التي فيها الدية ابتداء(3).

وأمّا رواية مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللحية إذا حلقت فلم تنبت دية كاملة، فإذا نبتتفثلث الدية»(4)

وغيرها من الروايات فإنّها كلها في بيان مقدار الدية ولا ربط لها بالقصاص .

ص: 223


1- المباني / 2 / 202 .
2- الوسائل باب 37 من ابواب ديات الاعضاء ح2 .
3- المباني / 2 / 203 .
4- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

المسألة 180: يثبت القصاص في قطع الذًكَر(1)، ولا فرق فيه بين ذكر الشاب، والشيخ، والأغلف، والمختون، وغير ذلك، والمشهور أنّه لا فرق بين الصغير والكبير، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية كما في الجواهر بقوله: بلا خلاف بل في كشف اللثام ومحكي التحرير الإجماع عليه(1)، وقد نسب عدم الخلاف إلى غيرنا أيضاً، كما في الخلاف إلا من مالك بقوله: إذا قطع الخصيتين ثم قطع الذكر كان في الخصيتين الدية وفي الذكر الحكومة(2).

ويدل على ذلك إطلاق الآية: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» وقوله تعالى: «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ».

(2) والمسألة غير خلافية بين المسلمين (إلا من مالك) كما ورد في صحيحة أبي بصير المتقدمة «لا قود لمن لا يقاد منه» فإنّها وإن دلت على عدم القصاص للصبي، ولكن بما أن المسألة متفق عليها لا يمكن العمل بالصحيحة .

ص: 224


1- الجواهر / 42 / 375 .
2- الخلاف / 5 / 259 _ 260 .

المسألة 181: ذهب جماعة إلى أنّه لا يقاد الصحيح بذكر العنين وهو لا يخلو من إشكال بل الظاهر ثبوت القصاص وعدم الفرق بين الصحيح والمعيب(1).

المسألة 182: يثبت القصاص في الخصيتين(2)وكذا في إحدهما فإن قطعت اليمنى اقتص من اليمنى وإن قطعت اليسرى فمن اليسرى(3).

_______________________________________________________________

(1) وقد ادعيّ عدم الخلاف، ولكن يمكن أن نقول بالقصاص لإطلاق الأدلة ولكن قد الحقه البعض في عدم الجواز باليد الشلاء حيث لا يقطع ولا يقتص من الصحيحة لو قطعت الشلاء، ولكن فيه أولاً قياس ونحن لا نقول به وليس من مذهبنا ذلك، وثانياً قد عرفت بأنّه تقطع الصحيحة بالشلاء ولما ثبت من أن في قطع ذكر العنين ثلث الدية، ولكن الحق أنّه لا مانع من تساويهما في القصاص وعدم تساويهما في الصحة، فالتساوي لابد أن يكون من جهة العضو كاليد باليد لا من جهة الصحة وعدمها .

(2) والمسألة غير خلافية كما ادعى البعض لإطلاق الأدلة وعدم وجود أي مقيد، فإن قطعت اليمنى لابد من قطع اليمنى وإن قطعت اليسرى لابد من قطع اليسرى حتى يتحقق المماثلة، ولكن هذا إنما يصح القطع إذا لم يستوجب من الجاني التغرير وذهاب المنفعة وإلا لابد من أخذ الدية، نعم في صورة ذهاب المنفعة من المجني عليه يجوز القصاص من الجاني وهكذا قطع الحشفة بالحشفة .(3) نعم وذلك لوضوحه من اشتراط المماثلة .

ص: 225

المسألة 183: يثبت القصاص في قطع الشفرين، فإن قطعت امرأة الشفرين من امرأة أُخرى فلها الاقتصاص منها بالمثل(1)، وكذلك الحال إذا قطعت أحداهما(2)، وأمّا إذا قطعهما الرجل فلا قصاص، وتجب عليه ديتهما كما أنّها لو قطعت ذكر الرجل فلا قصاص وعليها(3)الدية نعم لو قطع الرجل فرج امرأته وامتنع عن الدية وطالبت المرأة قطع ذكره قطع(4).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه تارة تقطع المرأة شفرة مرأة أخرى، وأخرى يقطع الرجل شفرتي المرأة وثالثة تقطع المرأة ذكر الرجل، أمّا في الصورة الأولى يقطع لوجود المماثلة، والمسألة غير خلافية، مضافاً إلى إطلاق الأدلة كقوله تعالى: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ» .

(2) يقطع أحدى الشفرتين من الجاني لوجود المماثلة .

(3) أمّا في الصورة الثالثة فلا قصاص لعدم إمكانه، بل عليه في الصورة الثانية وعليهما في الصورة الثالثة الدية لإطلاق أدلة الدية وخرج منه فيما إذا دل الدليل على القصاص، ويبقى الباقي تحت العموم .

(4) وهذا المورد مستثنى بالدليل، والدليل هو معتبرة عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن في كتاب علي (علیه السلام) لو أن رجلاً قطع فرج امرأته لإغرمته لها ديتها، وإن لم يؤد إليها الدية قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك»(1)، وعن المحقق أنّها متروكة(2)،

وفي المسالك بقوله:كذلك أيضاً(3)، أي في الطريق جهالة، وفي الحكم أنّها مخالفة للأصول الدالة على اعتبار المماثلة يبن الاعضاء وهي

ص: 226


1- الوسائل باب 9 من أبواب قصاص الطرف ح2 .
2- الشرائع الإسلام / 2 / 236 .
3- المسالك / 15 / 283 .

................................

مفقودة، ولذا قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكن لابد من الاقتصار على موردها الخاص ولا يمكن التعدي عنه إلى غيره(1).

وأمّا من جهة السند فهي تامة والطريق إليهم كلهم ثقات، وأمّا قول المحقق بأنّها متروكة، ففيه إن كان هذا بمعنى الإعراض وعلى فرض الثبوت لا يسقطها عن الحجية، وحسنة علي بن إبراهيم عن أبيه عن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل قطع فرج امرأته، قال: اغرمه لها نصف الدية»(2)

والمراد من نصف الدية أي دية الرجل وهي تمام دية المرأة .

ولكن هناك رواية أُخرى وهي الرواية التي تقدمت وهي من الدليل المستثنى والعبارة مضطربة جداً نقلت في الجواهر قال: قال الصادق في خبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله (علیه السلام) إن لم يؤد ديتها قطعت لها فرجه، «قال: وجدنا في كتاب علي (علیه السلام) لو أن رجلاً قطع فرج امرأته لاغرمته لها نصف الدية، فإن لم يؤد لها ديتها قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك»(3)

«وفي رجل قطع فرج امرأته قال: اغرمه نصف ديتها» وهي محمولة على قطع أحدى الشفرتين، ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ما ذكره منالرواية لا وجود له(4).

والحق أن الرواية موجودة في كتاب الوسائل كما ذكرناه في الهامش وقد ذكرنا نص الرواية، وموجود فيها نصف ديتها لا دية الرجل كما قال الاستاذ وقال أيضاً: وهو محمول على قطع أحدهما، والصحيح نصف ديته أي الرجل لا المرأة .

ص: 227


1- المباني / 2 / 205 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب قصاص الطرف2 .
4- المباني / 2 / 206 .

المسألة 184: لا يعتبر التساوي بين العضو المقطوع وعضو الجاني فيقطع العضو الصحيح بالمجذوم، وإن سقط منه شيء وتناثر لحمه والأنف الشام بالعادم، والأذن الصحيحة بالصماء، والكبيرة بالصغيرة والصحيحة بالمثقوبة أو المخرومة وما شاكل ذلك(1).

المسألة 185: لو قطع بعض الأنف نسب المقطوع إلى أصله ويؤخذ من الجاني بحسابه، فإن كان المقطوع نصف الأنف، قطع من الجاني نصف أنفه(2)، وإن كان أقلّ أو أكثر فكذلك بالنسبة .

_______________________________________________________________

(1) قد يقال بعدم جواز ذلك لعدم المساواة والمماثلة بينهما، ولكن الحق المماثلة موجودة وإطلاق الأدلة يشمل المورد، قال في التحرير: يثبت القصاص في الأنف إجماعا ويستوي الكبير مع الصغير والأقنى مع الأفطس والأشم مع فاقده، لأن ذلك لعلة في الدماغ والأنف صحيح وإن كان بأنفه جذام أخذ به الأنف الصحيح ما لم يسقط منه شيء، لأن ذلك مرض ولو سقط منه شيء لم يقتص من الصحيح إلا أن يكون من أحد جانبيه فيؤخذ منالصحيح مثل ما بقي منه(1)،

ولا يشترط المماثلة والمساواة في الخصوصية وقد مرّ البحث في يد الشلاء .

(2) لا يخفى أنّه تارة يكون أنف الجاني والمجني عليه متساويين، وتارة يكون أنف الجاني أكبر، واُخرى بالعكس، ومجمع ذلك إذا قطع نصفه يقطع نصفه أيضاً، أو ثلثه، أو ربعه كذلك، لأن العمدة المماثلة بين عضوي الجاني والمجني عليه، إذاً إذا قطع نصف أنف المجني عليه ولو كان أنف أصغر ففيه قطع نصف أنف الجاني وكان أنفه أكبر، ولا عبرة بالصغر والكبر كما إذا كان الكبير الجاني والصغير المجني عليه وقطع نصف أصبع المجني عليه فله قطع نصف أصبع الجاني .

ص: 228


1- تحرير الاحكام / 5 / 514 .

المسألة 186: يثبت القصاص في السن، فلو قلع سن شخص فله قلع سنه(1)، ولو عادت اتفاقاً كما كانت فهل يكون له القصاص، أو الدية ؟ فيه وجهان، الأقرب فيه القصاص(2).

المسألة 187: لا قصاص في سن الصبي الذي لم يثغر إذا عادت(3) وفيها الدية .

_______________________________________________________________

(1) كتاباً لقوله تعالى: «السِّنَّ بِالسِّنِّ» وسنةً، وإجماعاً، وقد ادعى الجواهر الإجماع بقسميه(1).

(2) وأمّا إذا عادت فهل هناك قصاص أو لا ؟ المشهور عدم القصاص ولكن في الجواهر بقوله: بلا خلاف محقق أجده فيه وللأصل بعد قول المحققوإن عادت كما كانت فلا قصاص ولا دية، ولعل نظر المشهور هو معتبرة إسحاق التي تقدمت إنما يكون القصاص لأجل الشين، ولكن الحق أن العود لا يوجب السقوط، لأنّه هبة جديدة إذا تم إجماع تعبدي، وإلا لابد من القصاص لإطلاق الآية: «السِّنَّ بِالسِّنِّ» .

(3) لأنّها فضلة فيكون القصاص منصرفاً عنها، وادعى في الجواهر عدم الخلاف بقوله: بلا خلاف أجده فيه أيضاً بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه(2)،

فإذا عادت فلا قصاص، فلا يشمل المراد إطلاق الأدلة، وقد استدلوا بمرسلة جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (علیهما السلام) أنّه «قال: في سن الصبي يضر بها الرجل فتسقط ثم تثبت، قال: ليس عليه قصاص وعليه الأرش»(3) .

ص: 229


1- الجواهر / 42/ 386 .
2- الجواهر / 42 / 389 .
3- الوسائل باب 33 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

وإن لم تعد أصلاً ففيها القصاص على المشهور(1)، وفيه إشكال بل منع .

_______________________________________________________________

قد يقال بأنّه لا يضر إرساله بعد كون المرسل من أصحاب الإجماع وفيه أنّه ليس بدليل على حجية القول كما ذكر في محله، وقد دلت عليه معتبرة إسحاق إنما يكون القصاص لأجل الشين(1).

(1) وإن لم تعد وحصل اليأس، قيل بأنّه يقتص، وادعى في الجواهر بقوله: عند المشهور بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافاً محققاً وإن حكي عن المسالك قوله بالعدم، لأنّ سن الصبي فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة بعد أخرى(2).

وأمّا ما قاله صاحب المسالك: أمّا سن الصبي فينتظر بها سنة، فإن عادة ففيها الحكومة وإلا كان فيها القصاص(3)،

ولإطلاق الآية: «السِّنَّ بِالسِّنِّ» .

قد يقال بأنّه لا يقتص لأن سن الصبي فضله وتكون نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرة أخرى الأصل .

والجواب إن الأصلية والزائدة إنما تعرف بالسقوط وعدم السقوط، فإذا نبتت تعرف بأنها كانت زائدة، وإلا فهي أصلية، ولكن الحق عدم القصاص مطلقاً لصحيحة أبي بصير «لا قود لمن لا يقاد منه»(4).

ص: 230


1- قد مر الحديث .
2- الجواهر / 42 / 390 .
3- المسالك / 15 / 287 .
4- قد مر الحديث .

المسألة 188: لو اقتص المجني عليه من الجاني وقلع سنّه ثم عادت فليس له قلعها(1).

المسألة 189: المشهور اشتراط التساوي في المحل والموضع في قصاص الأسنان، ولكنه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد عدمه(2).

_______________________________________________________________

(1) أي لو عادت السن من الجاني بعد قلعها من قبل المجني عليه فليس للمجني عليه قلعها، لأن المجني عليه قد استوفى حقه من القصاص وهذه لا ربط لها بالمقلوعة، وإنما هي هبة جديدة من الله تعالى، ولو فرض أن سن المجني عليه لم يرد بعد سنة، فقد يقال بعدم جواز القصاص كما في صحيحة أبي بصير «لا قود لمن لا يقاد منه» فلابد من إعطاء الدية إلا إذا أورد هنا الاتفاق .

(2) ما يستفاد من الأدلة هو اعتبار المماثلة بين المقتص والمقتص منه إذا قلع الضرسين فلابد من أن يقلع منه ضرسين، أمّا لو كان أحدهما عالياً والآخر سافلاً كالمماثلة في المحل فلا دليل عليه، بل يجوز قلع الضرس الأسفل بدل الأعلى، قال في التحرير: ولو عادت بعد اليأس من عودها والحكم من أهل الخبرة أنّها لا تعود .

احتمل أن يقال: هذه العائدة هبة من الله تعالى مجددة فحينئذٍ إن كان المجني عليه قد اقتص وأخذ الدية استوفى حقه، وإلا كان له القصاص أو الدية.

ويحتمل أن يقال: أن هذه العائدة هي الأولى، فإن كان المجني عليه أخذالدية استعيدت منه الدية لا الأرش، وإن كان قد اقتصّ، أخذ منه الدية لا الأرش أيضاً، لأنا علمنا أنّه أخذ مالاً يستحق، ولا يقتصّ منه لعدم القصد إلى العدوان، وإن لم يكن اقتصّ ولا أخذ الدية يثبت له الأرش، وقيل لا أرش له وليس بمعتمد(1).

ص: 231


1- تحرير الاحكام / 5 / 515 _ 516.

المسألة 190: لا تقلع السن الأصلية بالزائدة، نعم لا يبعد جواز قلع الزائدة بالزائدة حتى مع تغاير المحلين، وكذلك الحال في الأصابع الأصلية والزائدة(1).

المسألة 191: كل عضو يقتص منه مع وجوده تؤخذ الدية بدله مع فقده، فإذا قطع من له أصبع واحدة أصبعين من شخص، قطعت الأصبع الواحدة قصاصاً عن أحدهما وأخذت دية الأخرى(2)، وكذلك الحال فيما إذا قلع عين شخص من لا عين له .

_______________________________________________________________

(1) وذلك لعدم المماثلة بينهما، بل تكون المماثلة بين الأصليين، أو بين غيرهما كما في الزائدين ولا يقلع الأصيل بالزائد، بل لابد فيه الدية وكذلك الحال بالنسبة إلى الأصابع، فعلى أي الاتحاد في المحل لا دليل عليه، بل لابد من المماثلة بقلع الأصلي بالأصلي والزائد بالزائد .

أمّا قلع الاصلي بالزائد فلا، خلافاً لما ذكره صاحب التحرير بقوله: ولا تؤخذ سن بضرسين ولا بالعكس ولا ثنية علياً بسافل، ولا ثنية بضاحك لعدمالتساوي في المحل(1)،

لما ذكرنا من أنّه لا يشترط التساوي في المحل بخلاف المماثلة .

(2) وكذا لو قطع يد رجل وأصبع آخر فإنّه بالنسبة إلى الأولى موضوع القصاص موجود فيه فأصبح مستحقاً للقصاص ولابد أن يعطى للثاني الدية لأنّه لم يبق موضوع مع عدمه، فينتقل الأمر إلى الدية لئلا يهدر دم المسلم وإطلاق أدلة الدية، وكذا قول التحرير: لو قطع ذو اليد الناقصة أصبع يداً كاملة فللمجني عليه قطع الناقص وأخذ دية الأصبع الناقصة(2)،

وهكذا بالنسبة إلى العين يأتي نفس الحكم .

ص: 232


1- تحرير الأحكام / 5 / 516 .
2- تحرير الاحكام / 5 / 518 .

المسألة 192: ذهب جماعة إلى أنّه لو قطع كفاً تامة من ليس له أصابع أصلاً، أو ليس له بعضها قطعت كفه وأخذت منه دية الناقص وفيه إشكال(1)، والأقرب عدم جواز أخذ الدية، وأمّا إذا كان الناقص عضو المجني عليه، كما إذا قطعت يده الناقصة أصبعاً واحدة أو أكثر فهل له قطع يد الجاني الكاملة أم لا ؟ فيه أقوال، الظاهر أن له القطع من دون وجوب ردّ شيء عليه .

_______________________________________________________________

(1) وللمسألة صور:

الأولى: ما إذا قطع من كان يده ناقصة بأصبع أو أزيد يداً كاملة فللمجني عليه القصاص .الثانية: تكون عكس ما تقدم أي لو قطع الصحيحة بالناقصة .

أمّا في الصورة الأولى هل للمجني عليه بعد قطع يد الجاني دية ما نقص من الجاني أم لا ؟ قيل لا، على قول بعض المتأخرين خصوصاً على ما قاله استاذنا الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: والحكم المذكور وإن أدعى الشيخ في الخلاف الإجماع، معلّلاً بأنه أقرب إلى المثل بعد تعذر الصورة، إلا أنه لا دليل عليه، فأن الإجماع لم يتم، ولا يوجد دليل آخر، هذا وعن الشيخ في المبسوط التفصيل بين ما إذا أخذ القاطع دية أصابعه أو استحقها، وما إذا كانت اصابعه مفقودة خلقة أو بآفة فعلى الأول كان للمجني عليه أخذ دية الأصابع منه، وعلى الثاني لم يستحق شيئاً(1).

وأمّا إذا كانت أصابعه مفقودة خلقة أو بآفة، فعلى الأولى كان للمجني عليه أخذ دية الأصابع، وعلى الثاني لم يستحق شيئاً وهو المنسوب إلى ابن براج والقاضي .

ص: 233


1- المباني / 2/ 213 .

................................

واستدلوا على ذلك برواية سورة بن كليب فإنّه مردد بين الاسدي الواقع في اسانيد تفسير علي بن إبراهيم، الذي روى عن أبي جعفر (علیه السلام) وبين النهدي الذي لم يثبت توثيقه، والرواية هي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وكان المقتول أقطع اليد اليمنى، فقال: إن كانت قطعت يده في جناية جناها على نفسه أو كان قطع فأخذ دية يده من الذي قطعها، فإن أراد اولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله ديةيده الذي قيد منها إن كان اخذ دية يده ويقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي، قال: وإن كانت يده قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية، قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً، وإن شاؤوا أخذو منه دية كاملة، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي (علیه السلام)»(1)،

واستدلالهم بالرواية غير تام، سنداً ودلالة .

ص: 234


1- الوسائل باب 50 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 193: المشهور أنّه لو قطع أصبع شخص، وسرت الجناية إلى كفه اتفاقاً، ثبت القصاص في الكف، وفيه إشكال والأظهر عدم ثبوته وإنما له قطع أصبع الجاني وأخذ دية الكف منه(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه هل للسراية حكم على الإطلاق أم لا ؟ نسب إلى أبي حنيفة أنّه لا حكم للسراية على الإطلاق، والحق أن يقال بأن السراية إذا كانت عمدية أو كان القطع مما يسري عليه غالباً فتكون السراية مستندة إليه عمداً فهو موجب للقصاص، وأمّا إذا لم يكن عمدياً ولا مما يوجب السراية غالباً فلا يكون موضوعاً للقصاص، وقال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لتحقيق موضوع القصاص حينئذٍ، وعليه فبطبيعة الحال يثبت حق القصاص للمجني عليه وبما أن الجناية واحدة، فهو مخير بين القصاص والدية مع التراضي وليس له التبعيض بالاقتصاص من الأصابع ومطالبة اليد إلى المكلف(1)، والجناية على الأصبع لم تكن مما يوجب السراية عمداً، فلا دليل على قول المشهور، والتفصيل هو الصحيح .

وأمّا الصورة الثالثة إذا كان عضو المجني عليه ناقصاً، فهل له القصاص أم لا؟ والمشهور هو الأول، ونسب إلى الغنية الإجماع عليه، واستدلوا برواية الحسن بن العباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) «قال، قال أبو جعفر الأول (علیه السلام) لعبد الله بن عباس: يا ابن عباس أنشدك اللههل في حكم الله اختلاف ؟ قال، فقال: لا، قال: فما تقول في رجل قطع رجل أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهب وأتى رجل آخر فاطار كف يده فأتى به إليك وأنت قاض، كيف أنت صانع ؟ قال: أقول لهذا القاطع أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع صالحه على ما شئت وابعث إليهما ذوي عدل، فقال له: قد جاء الاختلاف في حكم الله ونقضت القول الأول،

ص: 235


1- المباني / 2 / 217 .

وأمّا إذا تعمّد السراية أو كانت الجناية مما تسري عادة، فليس له القصاص في الأصبع وأخذ دية الكف، بل هو بالخيار بين القصاص في تمام الكف وبين العفو وأخذ الدية مع التراضي(1).

_______________________________________________________________

أبى الله أن يحدث في خلقه شيئاً من الحدود وليس تفسيره في الأرض، أقطع يد قاطع الكف أصلاً ثم أعطه دية الأصابع، هذا حكم الله»(1)،

والرواية ضعيفة من جهة السند بحسن بن الحريش، بل الرواية مقطوعة البطلان فإن كان المراد من ابن العباس المعروف، فإنّه لم يدرك زمن أبي جعفر (علیه السلام) وإن كان غيره فهو مجهول .

أمّا رواية سورة بن كليب فإنّها مضافاً إلى ضعفها من جهة السند فقد وردت في جناية النفس دون الطرف، فلا يمكن قياس المقام بموردها والإجماع مخدوش صغروياً وكبروياً، فلابد حينئذٍ من التمسك بإطلاقات الأدلة من باب القصاص ولا دليل على ردّ شيء، وهناك قول آخر منسوب إلى ابن إدريس وهو عدم القصاص لفقد المماثلة فينتقل الأمر إلى الدية لعدم ذهابحق المسلم هدراً وقول ثالث وهو المنسوب إلى الفاضل في القواعد والشهيد الثاني في المسالك ومحكي التحرير من أنّه لا تقطع يد الجاني، بل تقطع الأصابع منها بمقدار أصابع المجني عليه فحسب وتؤخذ منه دية الكف حكومة والأول هو الأصح كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) .

(1) بعدما قلنا إنّه ليس الرد هناك، فهو مخير بين القصاص أو أخذ الدية .

ص: 236


1- الوسائل باب 10 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

المسألة 194: لو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص ولو قطع معها بعض الذراع، فالمشهور أنّه يقتص من الكوع ويأخذ الدية من الزائد حكومة(1)، ولكن لا وجه له، بل الظاهر هو القصاص من بعض الذراع إن أمكن، وإلا فالمرجع هو الدية .

_______________________________________________________________

(1) أمّا ثبوت القصاص من الكوع لو لم يقطع زائد عنه فمحل اتفاق ويدل عليه عموم الأدلة، وأمّا لو قطع من الكوع ومقدار الزائد، فالمشهور ادعى القطع من الكوع والدية من الزائد على نحو الحكومة، وقد ادعى عدم الخلاف فيه، وهناك أقوال بأنّه يقطع من المرفق بعد ردّ فاضل الدية، ولكن الحق أنّه إن أمكن القصاص فهو، وإلا فلابد من إعطاء الدية بعد إن أصبحت الجناية واحدة، فأمّا أن يقتص منه إن أمكن .

وأمّا مع عدم التمكن فلا معنى للقول بالقصاص من الكوع والذي هو مخالف للجناية وأخذ الدية من الزائد، بل ينتقل الأمر إلى الدية، ولكن بما أن المسألة اتفاقية فالصحيح هو القصاص وأخذ الدية لئلا يذهب حق المسلم هدراً، قال في المسالك: إن القطع في الأولى لم يقع على مفصل ينضبط معه القصاص فيستوفى من المفصل وتأخذ حكومة الزائد، بخلاف الثانية فإن القطع من المرفق مضبوط يمكن المماثلة فيه فلا يقتص على استيفاء بعض المقطوع وأخذ دية الباقي لأن الواجب بالعمد القصاص ولا ينتقل إلى الدية إلا مع الاتفاق أو العجز عن استيفاء الحق وكلاهما منتف(1).

ص: 237


1- مسالك الافهام / 15 / 294 .

كما أنّه لو قطع يده من المرفق اقتص منها وليس له الاقتصاص من الكوع وأخذ الأرش في الزائد وكذا الحال إذا قطعت من فوق المرفق(1).

المسألة 195: لو كانت للقاطع أصبع زائدة وللمقطوع كذلك ثبت القصاص(2)، بل لا يبعد ذلك فيما إذا كانت الزائدة في الجاني فقط(3)، وأمّا إذا كانت في المجني عليه فقط، فالمشهور أن له الاقتصاص وأخذ دية الزائد هي ثلث دية الأصلية وفيه إشكال، والأقرب عدمه .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أن المراد بالحكومة أن يفرض الحر مملوكاً فيقوم صحيحاً مره وغير صحيح أُخرى فيؤخذ ما به التفاوت بينهما إذا كانت الجناية توجب التفاوت، وأمّا إذا لم توجبه فالأمر بيد الحاكم فله أن يأخذ من الجاني ما يرى فيه المصلحة.

(2) أنّه يشترط في القصاص التساوي وهو حاصل هنا والمسألة غير خلافية، إلا باستثناء ما ذكره صاحب التحرير بقوله: وكذا لا تقطع الزائدة بالزائدة إلا مع تساوي المحليين(1).

(3) أمّا إذا كانت زائدة، فتارة تكون خارجة عن الكف وأخرى تكون في ضمن الأصابع، ففي الصورة الأولى تقطع الكف ويبقى الأصبع الزائد وأمّا إذا كان الأصبع الزائد في ضمن بقية الأصابع، فهنا هل يقطع الكف والأصبع ؟الظاهر هو ذلك، وهل لابد أن يدفع دية الأصبع الزائد إلى الجاني قبل القطع كما عليه المشهور، لأنّ القصاص في الكف والزائد تعزير وهو غير جائز، ولكن الحق أن للمجني عليه قطع الكف كما قطع كفه لأنّه حقه تعلق بالكف فله قطعه، فلا حكم للزائد ولو فرض أنّه لا حق له في قطع الزائدة فيتحول الأمر إلى الدية دون

ص: 238


1- تحرير الاحكام / 5 / 520 .

................................

قطع الأصابع وأخذ دية الكف حكومة لعدم الدليل، لأنّ الجناية تكون واحدة، فإن أمكن القصاص فيقتص منه وإلا أنتقل إلى الدية، وأمّا لو كانت الأصبع الزائدة للمجني عليه فالمشهور أنّه يقطع يد الجاني ويأخذ دية الزائد وادعى الإجماع عليه، وذلك لأنّ العضو الزائد لم يتعلق به القصاص، فلا مجوز لقطعه فإذا قطع الكف لابد من أخذ الدية لئلا يقع دم المسلم هدراً، ولكن الحق أنّه ليس هناك الرد للمجني عليه بل يقطع بدون أي دية للإطلاقات، فإنّ الجناية واحدة وحكمها القصاص فإن أمكن ذلك وإلا لابد من دفع الدية ولذا نسب إلى المحقق الاردبليي بأنّه قال: لو كانت الأصبع الزائدة للمجني عليه خاصة داخلة في المقطوع مثل أن قطع من الكوع وهي تحته اقتص له من الكوع وأخذ أرش الأصبع الزائد أيضاً ليحصل العرض ولا يلزم الهدر(1)،

ويحتمل إسقاطها، لأنّها لحمة زائدة لا عوض لها كالسمن في يد المجني عليه دون الجاني أو بالعكس .

ص: 239


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 120 .

المسألة 196: لو قطع يمين شخص، فبذل الجاني شماله فقطعها المجني عليه جاهلاً بالحال، فالظاهر عدم سقوط القصاص عنه، فللمجني عليه أن يقطع يده اليمنى(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه تارة يعلم الجاني بأنّ هذه اليسرى ولا تجزي عن اليمين وتارة يكون جاهلاً، وأُخرى أن المجني عليه تارة يعلم أنّها الشمال وأخرى لا يعلم، أمّا في الصورة الثانية من الأولى، أي في صورة ما إذا كان جاهلاً بالحال فالظاهر عدم سقوط القصاص، وللمجني عليه القصاص بقطع يده اليمنى خلافاً لما نقل عن الشيخ في المبسوط والناقل التحرير بقوله: لو قال المقتص للجاني أخرج يمينك لأقطعها، فأخرج يساره فقطعها من غير علم، قال في المبسوط: يقتضي المذهب سقوط القود، فيه نظر لأنّ الواجب قطع اليمين فيكون القصاص في اليمنى باقياً بعد الاندمال، توقياً من السراية بتوارد القطعين(1)،

ولكن هو بقاء القود والقصاص لأنّ المتعين قطع اليمين باليمين لحصول المثلية فلا تجزي اليسرى مع وجود اليمنى .

ص: 240


1- تحرير الاحكام / 5 / 522.

نعم إذا كان القطع معرضاً للسراية مع وجود الجرح في اليسرى لم يجز حتى يندمل الجرح فيها(1)، ثم إنّ الجاني إذا كان قد تعمد ذلك وكان يعلم أن قطع اليسرى لا يجزي عن قطع اليمنى، فلا دية له، وإلا فله الدية، وإذا كان المجني عليه عالماً بالحال ومع ذلك قطعها، فالظاهر أن عليه القود مطلقاً(2).

المسألة 197: لو قطع يد رجل فمات وادعى الولي الموت بالسراية وانكره الجاني، فالقول قول الجاني(3).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ القطع والقصاص إذا استوجب الهلاك لم يجز .

(2) أمّا إذا كان الجاني عالماً بالحال بأنّ اليسرى لا تجزي عن اليمين فهو مغرور، فهنا لو كان المجني عليه جاهلاً بالحال فالمجني عليه يكون مغروراً، فلا ضمان عليه، وأمّا مع علمه بأنّها اليسرى فلابد من القصاص منه لأنّه جناية عمدية أي في صورة جهل الجاني وعلمه، أمّا في الصورة الأولى فالأمر واضح وأمّا في الصورة الثانية أيضاً كذلك، لأنّه ولو قدم اليسرى ولكن هو عالم بأنّه لا يكفي اليسار فلا يجوز قطعها ففي القطع العمدي العدواني لابد إن يقتص منه .

(3) وذلك لأنّ إثبات الموت بالسراية بعد إن كان أمراً حادثاً يحتاج إلى دليل، فإن أمكن المدعي إثباته شرعاً فهو، وإلا فالقول قول المنكر، وقال المحقق: أمّا لو قطع يده فمات وادعى الجاني الاندمال، وادعى الوليّ السراية فالقول قول الجاني، إن مضت مدة يمكن الاندمال، ولو اختلفا، فالقول قولالولي، وفيه تردد(1)،

وفي القواعد إذا قطع يدي رجل ورجليه خطأً ورأينا المجني عليه ميتاً، فأدعى الجاني موته من السراية وادعى الولي الاندمال، والموت بغيرها، فإن لم يحتمل الاندمال

ص: 241


1- شرائع الإسلام / 2 / 231 .

ومثله ما اذا قدّ الملفوف في الكساء نصفين فادعى الوليّ أنّه كان حيّاً وادّعى الجاني أنّه كان ميتّاً مع احتمال صدقه عادةً(1).

_______________________________________________________________

لقصر الزمان صدق الجاني، وفي احلافه إشكال، وإن أمكن قدم قول الولي مع اليمين، فإن اختلفا في المدة قدم قول الجاني مع اليمين(1)، يقول في المسالك: إذا قطع يديه ورجليه فمات واختلف الجاني والولي، فقال الجاني مات بالسراية فعليّ دية واحدة، لدخول دية الطرف في دية النفس، والحال أن القطع خطأً شبيه العمد ليكون النزاع بينهما في محله، وقال الولي بل مات بعد الاندمال فعليك ديتان، فإن لم يكن الاندمال في مثل تلك المدة عادة لقصر الزمان كيوم ويومين، فالقول قول الجاني لتطابق الأصل والظاهر على صدقه(2).

(1) لا يخفى أنّ الادعائين متساويان أي ادعاء الولي أنّه كان حياً وادعاء الجاني أنّه كان ميتاً ولا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر واستصحاب جناية المجني عليه إلى زمان القدّ لا يثبت أنّه قده حياً إلا بالأصل المثبت وهو غير حجة، فلابد من الرجوع إلى أصل آخر وهو عدم الضمان، يقول في المسالك: لو قدّ ملفوفاً في ثوب بنصفين، وقال أنّه كان ميتاً وادعى الولي أنّه كان حياً، فمن المصدّق منها باليمين ؟ فيه وجهان، أظهرهما وهو الذي اختاره المصنفتقديم قول الجاني، لأنّ الأصل براءة ذمته من القصاص والثاني تقديم قول الولي، لأن الأصل استمرار الحياة، ولأنّه كان مضموناً والأصل استمرار تلك الحالة، فأشبه ما إذا قتل مَنْ عَهِده مسلماً وادعى ردّته(3)، وقد ذكر قول آخر وصفه بالضعف فراجع .

ص: 242


1- القواعد / 3 / 302 _ 303 .
2- مسالك الافهام / 15 / 302 _ 303 .
3- مسالك الافهام / 15/ 305 _ 306 .

المسألة 198: لو قطع أصبع شخص من يده اليمنى مثلاً، ثم قطع تمام اليد اليمنى من شخص آخر، ثبت القصاص عليه لكل منهما(1)، فإن اقتص الثاني الزم الأول بدية الأصبع(2)، وإن اقتص الأول منه بقطع أصبعه قطع الثاني يده، وليس له أن يرجع إليه بدية الأصبع كما تقدم(3).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لعموم الأدلة بالنسبة إلى كل منهما ولكل من المجني عليهما حق الاقتصاص .

(2) وذلك لعدم بقاء الاقتصاص بالنسبة إلى الأصبع لعدم بقاء الموضوع .

(3) أمّا إذا اقتص أولاً المجني عليه أصبعه فإن قطع ذلك الثاني تمام الكف فهل له أخذ الدية لأنّه قطع اليد الناقصة بيد كاملة، أمّا مطلقاً أو مع كون الأصبع أصبحت مقطوعة باستحقاق، والظاهر لا يرفع إليه دية الأصبع لأنّه يشترط المماثلة بالنسبة إلى نفس العضو اليمنى باليمنى لا الكيفية كما مرّ .

ص: 243

المسألة 199: إذا قطع أصبع رجل عمداً، فعفا المجني عليه قبل الاندمال أو بعده سقط القصاص ولا دية أيضاً(1)، ولو قطع أصبعه خطأً أو شبيهاً بالعمد فعفا المجني عليه عن الدية سقطت(2)، ولو عفا عن الجناية(3)، ثم سرت إلى الكف سقط القصاص في الأصبع، وأمّا في الكف، فإن كانت السراية مقصودة للجاني، أو كانت تلك الجناية مما تؤدي إلى السراية غالباً وإن لم تكن مقصودة، ثبت القصاص في اليد وأمّا إذا كانت غير مقصودة، وكانت السراية اتفاقية ثبتت الدية دون القصاص، وكذلك الحال إذا سرت في النفس .

_______________________________________________________________

(1) أمّا القصاص فيسقط بالعفو، والمسألة غير خلافية بعد إن وقع العفو عنه من أهله في محله، وقال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه، ونسب إلى المسالك الاتفاق(1)،

وعن الخلاف إجماع الفرقة، وأيضاً فإنّه حق له ويجوز له إسقاطه كالقصاص فيها(2)،

أمّا سقوط الدية فإنّها لا تثبت إلا صلحاً والمفروض عدمها، ولأنّه إسقاط حق ثابت بعد الإبراء والعفو .

(2) لأنّه حق للمجني عليه في ذمة الجاني فسيقط بالعفو .

(3) أمّا سقوطه عن الأصبع فإنما هو لأجل العفو، وأمّا بالنسبة إلى الكف إذا كانت الجناية مما تؤدي إلى السراية غالباً ولو لم تكن مقصودة، أو كانت السراية مقصودة، فإنّه يدخل في الجناية العمدية، فحينئذٍ القصاص ثابت والمجني عليه يسقط حقه، أمّا إذا كانت غير مقصودة وكانت السراية اتفاقيةفتثبت الدية دون القصاص، أمّا عدم القصاص فلأنّه لم يقع منه القتل عمداً، وأمّا وجوب الدية لئلا

ص: 244


1- المسالك / 15 / 308.
2- الخلاف / 5 / 207 .

المسألة 200: لو عفا المجني عليه عن قصاص النفس لم يسقط(1) وكذا لو اسقط دية النفس لم تسقط .

_______________________________________________________________

يقع دم المسلم هدراً، وكذلك بالنسبة إلى النفس فيثبت القصاص للولي إذا كانت الجناية يؤدي إلى السراية غالباً أو كانت مقصودة للجاني، والمسألة غير خلافية وادعى في الخلاف الإجماع كما مرّ ذكره .

(1) يقول المحقق: أمّا القصاص في النفس أو الدية ففيه تردد، لأنّه البراء مما لم يجب(1)،

قال البعض كالشيخ في الخلاف: فإذا فعل ذلك ثم سرى إلى النفس كان عفوه ماضياً من الثلث لأنّه بمنزلة الوصية(2)، وكذا مال إليه الشهيدان كما ينسب إليهما في بعض كتبهما، والمقدس الاردبيلي في مجمع البرهان: هذا إن اقتصر على قوله عفوت عن الجناية أو عن موجبه، لو أضاف إليه سرايتها ، قال الشيخ صح العفو وصار بمنزلة الوصية بالعفو عن قصاص نفسه وديته فهو تصرف في مرض تعقبه الموت، وإنما يعتبر من الثلث(3)،

وحكم هذا حكم الإبراء قبلها شرعاً للطبيب والبيطار، والحق هو عدم السقوط بعد أن كان حق القصاص حقاً للولي دون المجني عليه، إذاً إسقاطه يكون إسقاطاً عن حق الغير، وهكذا لا أثر لإسقاط لما لا يجب، ولا أثر له في ثبوتالإبراء للطبيب على القول به لا يقتضي الثبوت هنا لأنّه القياس .

ص: 245


1- شرائع الإسلام / 2 / 241 .
2- الخلاف / 5 / 208 .
3- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 143 .

المسألة 201: إذا اقتص من الجاني فسرت الجناية اتفاقاً وبغير قصد إلى عضو آخر منه أو إلى نفسه، فلا ضمان ولا دية(1).

المسألة 202: لا يقتص من الجاني عمداً إذا التجأ إلى حرم الله تعالى(2).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية وذلك للروايات الكثيرة، منها حسنة إلى الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: أيما رجل قتله الحد والقصاص فلا دية له»(1)وصحيحة(2)

محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة»(3)، وغيرهما من الروايات .

(2) وهو المشهور بين الأصحاب وعليه الإجماع في كلمات البعض وقد دلت عليه الآية المباركة: «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»(4)وأمّا الروايات منها صحيحة معاوية بن عمار «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً في الحل ثم دخل الحرم، فقال: لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤذي، حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق، قال: يقام عليه الحد في الحرم صاغراً لأنّه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله عز وجل «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» فقال: هذا هو الحرام، وقال: لا عدوان إلا على الظالمين»(5)، وصحيحةحفص بن البختري «قال: سالت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل الذي يجني الجناية في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم أيقام

ص: 246


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 143 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح9 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح8 .
4- سورة آل عمران الآية / 97 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح1 .

................................

عليه الحد ؟ قال: لا ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد، وإذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد في الحرم، لأنه لم ير للحرم حرمة»(1)

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال سألته عن قول الله عز وجل «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً» قال: إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فرّ إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم، فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ فإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنّه لم ير للحرم حرمه».

ص: 247


1- الوسائل باب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح2 .

ولكن يضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقتص منه(1) ولو جنى في الحرم جناية اقتص منه(2)، فيه ولا يلحق به حرم النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) أو مشاهد الأئمة (علیهم السلام)(3).

_______________________________________________________________

(1) أي يترك إطعامه واسقائه والإيواء والتكلم والمجالسة حتى يخرج فيقتص منه كما دلت عليه صحيحة حفص .

(2) والمسألة غير خلافية وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار .

(3) فهل يلحق حرم النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) والأئمة (علیهم السلام) قد يقال بألحاقها كما قال في المقنعة: ومن جنى ما يستحق عليه عقاباً فلجأ إلى مشهد من مشاهد أئمة الهدى من آل محمد (علیهم السلام) صنع به كما يصنع بمن يلجأ إلى الحرم مستعصماً من إقامة الحدود عليه، فإن كانت الجناية منه في المشهد أقيم عليه حد الله عز وجل فيه لأنّه هتك حرمته ولم يعرف حقها(1)،

وقال في الرياض: ومقتضاها اختصاص الحكم الأول بالحرم لاختصاص مخصصها به فيشكل الحاق مشاهد الأئمة Dوإن حكي عن الشيخين والقاضي ومال إليه في السرائر وكذا التنقيح وهو قريب، أمّا أولاً فلما ورد منهم أن بيوتنا مساجد، وأمّا ثانياً: فلما تواتر من رفع العذاب الآخروي عمّن يدفن بها فالعذاب الدنيوي أولى وأمّا ثالثاً فلأن ذلك مناسبلوجوب تعظيمها واستحباب المجاورة بها والقصد إليها ولا ريب أن ما قالوه أحوط وإن كان في تعينه بهذه الوجوه الثلاثة نظر(2)

وكان دليلهم في الحلف بالمشاهد المشرفة بذلك لزيادة شرفها على الحرم ومن حديث كربلاء والكعبة لكربلاء بانت علو المرتبة، وورد في الأخبار الكثيرة أن الله تعالى أتخذه حرماً آمنا _ أي كربلاء _ وأن لموضع قبر

ص: 248


1- المقنعة / 744 .
2- الرياض / 16/ 341 .

................................

الحسين (علیه السلام) حرمة معلومة من عرفها واستجار بها أجر، وأنّها أعظم حرمه من الحرم، ومن جميع بقاع الأرض، ويظهر من هذه الروايات أن التعرض لمن استجار بها نوع استخفاف وإهانة .

والحق بعد عدم جواز تأخير الحد وعدم وجود دليل خاص بالحرم كما قال الأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إن الأمر وإن كان كذلك إلا أن ذلك لا يوجب ثبوت احكام الحرم للمشاهد المشرفة، لوضوح أن ثبوت الحكم تابع للدليل وبما أن الدليل خاص بالحرم فلا يمكن إثباته للمشاهد المشرفة، فإنّه بلا دليل والمفروض أنا لا نعلم أن ملاك ثبوت حرمة الحرم فحسب(1).

ص: 249


1- المباني / 2 / 225 _ 226 .

ص: 250

المحتويات

كتاب القصاص

الفصل الأول في قصاص النفس ..... 5

ما يثبت به القصاص ......... 6

ما يتحقق به القتل العمدي ...... 8

لو القى شخصاً في النار أو البحر متعمداً فمات ....... 9

لو أحرق شخصاً بالنار قاصداً به قتله أو جرحه فمات ...... 9

هل يثبت القصاص لو سرت الجناية العمدية وترتب عليها الموت ...... 11

حكم ما لو القى نفسه من شاهق على إنسان فقتله ......... 11

لو سحر شخصاً بما يترتب عليه الموت ..... 12

حكم ما لو اطعمه طعاماً مسموماً ...... 14

لو حفر بئراً عميقة في معرض مرور الناس متعمداً ......... 15

لو جرح شخصاً قاصداً قتله فداوى المجروح نفسه بدواء مسموم ....... 16

ص: 251

لو ألقاه من شاهق قاصداً قتله فمات الملقى في الطريق ......... 17

لو أغرى به كلباً عقوراً أو ألقاه إلى أسد أو نحوه فمات ........ 17

جواز القصاص من القاتل عمداً وإن لم يكن مستقلاً في القتل ........ 18

لو كتفه ثم ألقاه في أرض مسبعة فافترسته السباع ......... 18

لو حفر بئراً فسقط فيها آخر بدفع ثالث ..... 19

لو أمسك شخصاً وقتله آخر ونظر إليه ثالث ........ 19

حكم ما لو أمر غيره بقتل أحد أو أكرهه على القتل فقتله ....... 21

عدم الفرق بين ما إذا كان المأمور عبداً للآمر وعدمه ........ 23

لو قال شخص لشخص آخر أقتلني فقتله ....... 25

حكم ما لو أمر شخص غيره بقتل نفسه فقتل نفسه ........ 26

لو اكره شخصاً على قطع يد ثالث وهدده بالقتل إن لم يفعل ..... 27

لو اكرهه على صعود جبل أو نزول بئر فزلت قدمه ........ 28

لو شهدت بينة بما يوجب القتل كارتداد أو قتل نفس محترمة ......... 28

لو جنى على شخص فجعله في حكم المذبوح ثم ذبحه آخر ......... 30

إذا قطع يد شخص وقطع آخر رجله قاصداً كل منها قتله ....... 30

لو جرح اثنان شخصاً جرحين بقصد القتل فمات بالسراية ...... 32

هل تدخل دية الطرف في دية النفس أو لا؟ ......... 33

حكم ما لو قتل رجلان أو ثلاثة رجلاً ....... 36

كيفية تحقق الشركة في القتل ..... 38

ص: 252

لو اشترك إنسان وحيوان في القتل مسلم ........ 39

لو اشترك الأب مع أجنبي في قتل ابنه ...... 39

كيفية تحقق الشركة في الجناية على الأطراف ...... 41

لو اشتركت امرأتان أو أكثر في قتل رجل ....... 43

لو اشترك رجل وامرأة في قتل رجل ........ 44

لزوم تقدم الرد على استيفاء الحق في كل موضع وجب فيه الرد ...... 45

لو كان القاتل رجلين أحدهما خاطئ والآخر عامد ........ 46

حكم اشتراك الحر والعبد في قتل حر عمداً ........ 46

لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر ......... 47

شروط القصاص ..... 49

الأول : التساوي في الحرية والعبودية ........ 49

لو قتلت الحرة الحرة قتلت بها ......... 51

حكم قتل الحر أو الحرة خطأً أو شبه عمد ...... 52

عدم القصاص في قتل الحر أو الحرة العبد عمداً ..... 52

اختلاف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم القتل ...... 55

لو قتل المولى عبده متعمداً ..... 56

حكم قتل الحر أو الحرة مكاتباً أدى من مال مكاتبته شيئاً ....... 57

لو قتل العبد حراً عمداً ...... 60

ص: 253

لو قتل المملوك أو المملوكة مولاه عمداً ....... 61

لو قتل المكاتب حراً متعمداً ......... 61

حكم قتل العبد أو الأمة الحر خطأ ......... 62

لو قتل المكاتب الحر أو العبد خطأ ..... 64

لو قتل العبد عبداً متعمداً ........ 65

لو قتل العبد مكاتباً عبداً ......... 65

لو قتلت الأمة أمة أو عبداً ....... 67

لو قتل المكاتب عبداً عمداً ..... 67

لو قتل المكاتب مكاتباً مثله عمداً ..... 69

لو قتل العبد عبداً خطأ ...... 70

لو كان للحر عبدان قتل أحدهما الآخر ...... 71

لو قتل الحر حرين فصاعداً ..... 71

حكم قتل العبد حرين معاً ....... 72

لو قتل عبد عبدين عمداً ......... 73

لو قتل عبد عبداً لشخصين عمداً ...... 74

لو قتل عبدان أو أكثر عبداً عمداً ...... 75

هل يصح عتق العبد بعد قتله الحر عمداً وكذا بيعه وهبته ....... 76

لو قتل العبد حراً خطأ ثم اعتقه مولاه ....... 77

الشرط الثاني : التساوي في الدين ......... 78

ص: 254

هل يقتص اليهودي والنصراني والمجيوسي بعضهم من بعض ..... 79

لو قتل الذمي مسلماً عمداً ....... 81

لو قتل الكافر كافراً عمداً ثم اسلم ......... 82

لو قتل ولد الحلال ولد الزنا ......... 82

الضابط في ثبوت القصاص وعدمه ...... 83

لو جنى الصبي بقتل أو بغيره ثم بلغ ......... 84

لو رمى سهما وقصد به غير مسلم فأصاب به بعدما اسلم ....... 85

لو رمى عبداً بسهم فأصابه بعدما اعتق فمات ....... 85

لو قطع يد مسلم قاصداً به قتله ثم ارتد المجني عليه فمات ...... 85

هل يقتل المرتد بقتله ذمياً أو لا ....... 87

لو جنى مسلم على ذمي ثم ارتد الجاني وسرت الجناية ......... 87

لو قتل ذمي مرتداً ........ 88

لو كان على مسلم قصاص فقتله غير الولي بدون إذنه ...... 88

لو وجب قتل شخص بزنا أو لواط أو غيره من دون سب النبي ........ 89

عدم الفرق في المجني عليه المسلم بين الأقارب والأجانب ...... 90

الشرط الثالث : أن لا يكون القاتل أبا للمقتول ...... 92

لو قتل شخصاً أدعى أنه أبنه ......... 94

لو قتل الرجل زوجته وكان له ولد منها ..... 96

لو قتل أحد الأخوين أباهما والآخر أمهما ....... 97

ص: 255

الشرط الرابع : أن كون القاتل عاقلاً بالغاً ........ 98

لو اختلف الولي والجاني في البلوغ وعدمه حال الجناية ........ 101

لو قتل العاقل مجنوناً ......... 102

لو أراد المجنون عاقلاً فقتله العاقل دفاعاً عن نفسه أو ما يتعلق به........ 103

هل على القاتل السكران قود أو لا ......... 104

لو كان القاتل اعمى فهل عليه القود أم لا ....... 106

الشرط الخامس : أن يكون المقتول محقون الدم ...... 108

لو رأى زوجته يزني بها رجل وهي مطاوعة ......... 110

الفصل الثاني ....... 113

في دعوى القتل وما يثبت به وشرط العقل والبلوغ في المدعيّ ........ 113

لو أدعى شخص أنه قتل أباه مع جماعة لا يعرفهم ........ 114

لو أدعى القتل ولم يبين أنه كان عمداً أو خطأ ........ 115

لو أدعى على شخص أنه القاتل منفرداً ثم أدعى على آخر ........ 116

لو أدعى القتل العمدي على أحد وفسره بالخطأ ....... 117

يثبت القتل بأمور الأول : الإقرار وما يعتبر في المقرّ ...... 118

يعتبر في المقر البلوغ وكمال العقل والاختيار والحرية ...... 120

هل يقبل اقرار المحجور والمفلس ......... 121

لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً وأقرّ آخر بقتله خطأ ....... 122

ص: 256

لو أقرّ أحد بقتل شخص عمداً وأقرّ آخر أنه هو الذي قتله ...... 123

الثاني البينة ......... 124

عدم ثبوت القتل بشاهد وامرأتين ولا بشهادة النساء ....... 125

اعتبار الحس أو ما يقرب منه في الشهادة على القتل ...... 126

لو شهد شاهدان بما يكون سبباً للموت ..... 126

اعتبار توارد شهادة الشاهدين على أمر واحد ........ 127

لو شهد أحدهما بالقتل وشهد الآخر بالإقرار ........ 127

لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل دون تعين العمد والخطأ ........ 128

لو أدعى القتل على شخصين وأقام البينة ........ 129

لو شهد شخصان لم يرثانه بأن زيداً جرحه ..... 130

لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل ....... 130

لو قامت البينة على أن زيداً قتل شخصاً منفرداً ........ 131

لو قامت البينة على أن شخصاً قتل زيداً عمداً ...... 133

لو أدعى الولي أن القتل الواقع عمدي وأقام على ذلك شاهداً ......... 136

الفصل الثالث ......... 137

في القسامة ......... 137

حكم ما لو أدعى الولي القتل على واحد أو جماعة ....... 137

هل تثبت القسامة في القتل لو كان المدعي أو المدعى عليه مرأة ........ 141

كمية القسامة في القتل العمدي وغيره ....... 141

ص: 257

لو كان المدعون جماعة أقلّ من عدد القسامة ...... 143

لو كان المدعى عليه واحد أو أكثر ...... 144

لو لم تكن بينة للمدعي ولا للمدعى عليه ...... 146

هل تثبت القسامة في الجروح بالإضافة إلى الدية ......... 147

هل تثبت القسامة على المسلم لو كان القتيل كافراً ........ 148

لو قُتل رجل في قرية أو قريب منها أو بين قريتين ........ 151

لو وجد قتيل في مكان لا يستند إلى شخص أو جماعة معينة ..... 152

اعتبار مطابقة اليمين للدعوى ...... 153

لو أدعى أن أحد هذين الشخصين قاتل...... 154

لو أدعى القتل على اثنين بنحو الاشتراك ولم تكن له بينة ...... 155

لو أدعى القتل على اثنين وكان في أحدهما لوث ......... 156

حكم ما لو كان للمقتول وليان أحدهما غائب ....... 157

لو كان للقتيل وليان وأدعى أحدهما القتل على شخص ..... 158

لو مات الولي هل يقوم الوارث مقامه ........ 158

لو حلف المدعى أنه القاتل زيد ثم اعترف آخر بأنه القاتل ...... 159

لو حلف المدعي واستوفى حقه من الدية ....... 159

لو أتهم رجل بالقتل ..... 160

ص: 258

الفصل الرابع ....... 161

في أحكام القصاص ..... 161

ثبوت القود دون الدية في القتل العمدي ........ 161

حكم ما لو تعذر القصاص من القاتل ........ 164

لو أراد أولياء المقتول القصاص من القاتل فخلصه قوم ..... 165

يتولى القصاص من يرث المال من الرجال دون الزوج ..... 165

هل يجوز لولي المقتول المبادرة إلى القصاص لو انفرد ......... 168

هل يجوز لكل واحد أولياء المقتول لو تعددوا الاقتصاص....... 169

حكم ما لو اقتص بعض الأولياء من الجاني ......... 171

لو كان المقتول مسلماً ولم يكن له أولياء من المسلمين ......... 172

تحرم المثلة بالقاتل عند القصاص ......... 173

للولي حق الاقتصاص مباشرة أو بتسبيب غيره ...... 175

لو كان أولياء المقتول حاضراً دون بعض ........ 176

لو كان ولي المقتول صغيراً أو مجنوناً ....... 177

لو كان للميت وليان فأدعى أحدهما أن شريكه عفا ....... 178

هل يجوز لولي المقتول المحجور عليه لفلس أو سفه الاقتصاص ...... 178

لو قُتل شخص وعليه دين وليس له مال ......... 182

لو قتل أحد اثنين على التعاقب أو دفعة واحدة ........ 184

لو وكل ولي المقتول من يستوفي القصاص ......... 185

ص: 259

عدم الاقتصاص من المرأة الحامل حتى تضع ....... 186

لو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً ......... 188

حكم ما لو قطع يد شخص ثم قتل شخصاً آخر ....... 189

لو قطع يد رجل ثم قتل شخصاً آخر فاقتص منه بقطع يده ........ 190

حكم ما لو قطع يد شخص ثم اقتص المجني عليه من الجاني ........ 191

ثبوت حق القصاص للولي بعد موت المجني عليه ........ 192

لو قتل شخص مقطوع اليد ...... 192

لو ضرب ولي الدم الجاني قصاصاً فظن موته فتركه وبه رمق ......... 193

الفصل الخامس ...... 196

في قصاص الأطراف ......... 196

ثبوت القصاص في الأطراف بالجناية عليها عمداً ......... 196

شروط جواز القصاص في الأطراف وما يعتبر فيه ..... 197

حكم ما لو جرح العبد حراً ..... 200

حكم ما لو جنى حر على مملوك ......... 201

لو قطع حر يد عبد قاصداً قتله فأعتق ثم جنى عليه ...... 203

لو قطع حر يد عبد ثم قطع رجله بعد عتقه ..... 203

حكم ما لو جنت المرأة على الرجل وبالعكس ...... 204

هل يعتبر التساوي في السلامة من الشلل في الاقتصاص ......... 206

لو قطع يمين رجل ...... 208

ص: 260

لو قطع ايدي جماعة على التعاقب ..... 210

لو قطع اثنان يد واحد ....... 210

ثبوت القصاص في الشجاج واعتبار المماثلة فيه ..... 211

ثبوت القصاص في الجروح المضبوطة وفي غيرها عدمه ....... 212

جواز القصاص قبل الاندمال وإن احتمل عدمه ........ 214

كيفية القصاص في الجروح هل يجب تأخير القصاص ..... 215

يجب تأخير القصاص إذا كان في معرض السراية ......... 215

اعتبار كون آلة القصاص من الحديد ......... 216

لو كانت مساحة الجراحة في العضو المجني عليه ......... 216

لو قطع عضو من شخص فاقتص منه ثم اعاد المجني عليه ........ 217

لو قطعت أذن شخص ثم الصقها المجني عليه قبل الاقتصاص ........ 218

لو قلع رجل اعور عين رجل صحيح ........ 219

لو قلع صحيح العينين العين الصحيحة من رجل اعور ...... 219

إذا أذهب ضوء عين آخر دون الحدقة ....... 221

ثبوت القصاص في الحاجبين واللحية وشعر الرأس ...... 222

ثبوت القصاص في قطع الذكر ........ 224

هل يقاد الصحيح ذكر العنين ...... 225

ثبوت القصاص في الخصيتين وكذا في إحداهما ..... 225

ثبوت القصاص على المرأة في قطع شفري أخرى ........ 226

ص: 261

عدم اعتبار التساوي بين العضو المقطوع وعضو الجاني ......... 228

لو قطع بعض الأنف ......... 228

ثبوت القصاص في السن ........ 229

حكم سن الصبي الذي لم يثغر ........ 229

لو اقتص المجني عليه من الجاني وقلع سنه ثم عادة ........ 231

هل يشترط التساوي في المحل والموضع في قصاص الأسنان ......... 231

عدم قلع السن الأصلية بالزائدة ........ 232

اقتصاص كل عضو منه مع وجوده أخذ الدية بدله مع فقده ....... 232

لو قطع كفاً تامة من ليس له اصابع أصلاً أو ليس له بعضها ....... 233

حكم ما لو قطع اصبع شخص وسرت الجناية إلى كفه اتفاقاً ..... 235

حكم قطع اليد ومعها بعض الذراع ...... 237

لو كانت للقاطع اصبع زائدة وللمقطوع كذلك ........ 238

لو قطع يمين شخص فبذل الجاني شماله فقطعت ......... 240

لو قطع يد رجل فمات وأدعى الولي الموت بالسراية ....... 241

لو قطع أصبع رجل عمداً فعفا المجني عليه ......... 244

لو عفا المجني عليه عن قصاص النفس ......... 245

لو اقتص من الجاني اتفاقاً وبغير قصد إلى عضو آخر ....... 246

هل يلحق حرم النبي ومشاهد الأئمة بحرم الله تعالى ...... 246

المحتويات..... 251

ص: 262

المجلد 4 - الديات

هویة الکتاب

تَحریرُ مَبَاني الأَحکام

تقریر لابحاث آیه الله العظمی المرجع الدینی الشیخ شمس الدین الواعظی (دام ظله)

الديات

مؤلف: السید عبدالستار کامل موسوي

المجلدات: 4

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتاب الديات

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

كتاب الديات

الدية: هي المال المفروض في الجناية على النفس أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك(1).

_______________________________________________________________

(1) الدية بالكسر حقّ القتل، والجمع ديات والأصل ودية مثل وعدة والهاء عوض، يقال ودي القاتل القتيل بدية دمه إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس، ثم قيل لذلك الدية تسمية بالمصدر، وأيديت أخذت الدية(1) وقال في الرياض: الديات جمع دية بتخفيف الياء، وهي المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو ما دونها، وربما اختصت بالمقدر بالأصالة وأطلق على غيره اسم الأرش والحكومة .

والمراد بالعنوان ما يعم الامرين وهاؤها عضو من واو فاء الكلمة يقال وديت القتيل أعطيت ديته، وربما تسمى الدية لغة عقلاً لمنعها من التجري علىالدماء، فإن من معاني العقل المنع(2).

ص: 5


1- مجمع البحرين / مادة وديه .
2- الرياض /16/ 343 .

المسألة 203: تثبت الدية في موارد الخطأ المحض، أو الشبيه بالعمد أو فيما لا يكون القصاص فيه أو لا يمكن، وأمّا ما ثبت فيه القصاص بلا ردّ شيء فلا تثبت فيه الدية إلا بالتراضي والتصالح، سواء أكان في النفس أم كان في غيرها، وقد تقدم حكم ما يستلزم القصاص فيه الرد(1).

_______________________________________________________________

الديات جمع دية والهاء بدل عن واو وديه، ويقال دين القاتل القتيل بديه دمه ودية القتيل أي أديت ديته، والخلاصة هي المال الواجب على الحر بالنفس، أو الطرف، أو الجرح، وهي قد تكون محدودة، كدية الجنين قبل ولوج الروح مائة دينار، ودية النطفة عشرون، ودية العلقة أربعون، والمضغة ستون، ثم العظم ثمانون، فإذا أكمل فديته ألف دينار في الذكر، والأنثى خمسمائة .

قال في الرياض: والأصل فيها قبل الإجماع الكتاب والسنة، قال الله سبحانه: «وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»(1) والسنة متواترة مضى جملة منها وسيأتي إلى جملة أخرى منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية(2).

(1) الدية تثبت في موارد الأول: قتل الخطأ، الثاني: شبيه بالعمد الثالث: العمد مع التراضي سواء كان الأقل من الدية أو الأكثر، وفيما لا يمكنالقصاص، كقتل الوالد لولده، أو لم يكن القصاص، كما لو بادر أحد الأولياء إلى قتله بالنسبة إلى حصص الباقين، أو مات القاتل، أو كان القاتل عاقلاً والمقتول مجنوناً وغير ذلك .

ص: 6


1- سورة النساء الآية / 92 .
2- الرياض / 16 / 343 .

................................

والمراد من العمد أن يكون عامداً في فعله ويكون قاصداً، قال في المسالك: وضابط العمد أن يكون عامداً في فعله وقصده(1)، والخطأ هو أن يرمي طائراً فيصيب إنساناً، وشبيه العمد أن يكون عامداً في فعله وهو الضرب للتأديب، ولكن غير قاصد للقتل، وكذا علاج الطبيب فيتفق الموت به، أو الضرب بما لا يقتل غالباً وصدفة يقع الموت، وهذه الثلاثة تقع في النفس والطرف .

أمّا في النفس فقد تقدم مفصلاً في كتاب القصاص، وأمّا الطرف فالمسألة غير خلافية، و متفق عليها، مضافاً إلى ما ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن السن والذراع يكسران عمداً، لهما أرش، أو قود، فقال: قود ؟ قال قلت: فإن أضعفوا الدية، قال: إن أرضوه بما شاء فهو له»(2)، ومعتبرة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) فيما كان من جراحات الجسد أنَّ فيها القصاص، أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها»(3).

وتؤيد ذلك رواية الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال،قلت: ما تقول في العمد والخطأ في القتل والجراحات، قال، فقال: ليس الخطأ مثل العمد، العمد فيه القتل، والجراحات فيها القصاص، والخطأ في القتل والجراحات فيها الديات»(4).

ص: 7


1- المسالك / 15 / 315 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح4 .
3- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح3 .
4- الوسائل باب 13 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

المسألة 204: دية قتل المسلم متعمداً مائة بعير(1) فحل من مسان الأبل، أو مائتا بقرة أو ألف دينار _ وكل دينار يساوي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذهب المسكوك _ أو ألف شاة أو عشرة آلاف درهم وكل درهم يساوي 6/12 حمصة من الفضة المسكوكة _ فعشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفية وربع المثقال _ أو مائتا حلة وكل حلة ثوبان .

_______________________________________________________________

(1) في موارد منها تعين الدية، أو يصالح عليها، أو لا يكون مورداً للقصاص، أو لا يمكن، والمسألة غير خلافية، وقد ادعى البعض الإجماع والعمدة الروايات الواردة في الباب .

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الأبل فأقرّها رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) ثم أنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، وفرض على أهل الشاة ألف شاة ثنيّة وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلة، قال عبد الرحمن بن حجاج: فسالت أبا عبد الله (علیه السلام) عما روى بن أبي ليلى فقال: كان علي (علیه السلام) يقول: الدية ألف دينار وقيمة الدينار عشرة دراهم، وعشرة آلاف لأهل الأمصار، وعلى أهل البوادي مائة من الإبل، ولأهل السواد مائتا بقرة، أو ألف شاة»(1) .ومنها: ما وروي عن ابن أبي عمير في الصحيح عن جميل بن دراج في الدية «قال: ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، ويؤخذ من أصحاب الحلل الحلل، ومن أصحاب الإبل الإبل، ومن أصحاب الغنم الغنم، ومن أصحاب البقر البقر»(2).

ص: 8


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح1.
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح4 .

وقيل لابد أن يكون من أبراد اليمن وهو غير ثابت(1).

_______________________________________________________________

ويظهر من الروايتين أنّها وردت لأجل التسهيل للمكلفين لا في مقام أن يتعين كل منها لأهله فالمكلف مخير بين دفع أي شيء منها، نعم هناك رواية عن محمد بن مسلم وزرارة عن أحدهما C في الدية «قال هي مائة من الإبل، وليس فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك»(1)، ولكن لا يمكن العمل بها لأنّها مضافاً إلى الروايات الصحاح المستفيضة لم يؤخذ بها ولذلك لابد من طرحها أو تأويلها بما لا ينافي ذلك .

(1) كما عيله الشهيد الأول: كل حلة ثوبان من برود اليمن(2) والمحقق مائتا حلة كل حلة ثوبان من برود اليمن(3)، والعلامة في التحرير كذلك(4) ويقال من باب الاحتياط وينسب القول إلى المشهور، وإلى بعض أهل اللغة والحق كفاية الثوبين من أي قسم كان يمني وغير يمني، لعدم الدليلبالاختصاص اليمني، وهنا لابد من بيان أمور:

الأول: أن حد سن الإبل لابد أن تكون مسنة، وهي التي أكملت الخامسة ودخلت في السادسة، والمسألة غير خلافية، فعن الغنية: دية الحر المسلم في قتل العمد مائة من مسان الابل(5)، والسرائر: ومائة من مسان الإبل إن كان من أصحاب الإبل(6)،

ص: 9


1- الوسائل باب 2 من أبواب ديات النفس ح7 .
2- اللمعة الدمشقية / 10 / 176 .
3- شرائع الإسلام / 5 / 245 .
4- تحرير الاحكام / 5 / 561 .
5- الغنية / 1 / 412 .
6- السرائر / 3 / 351 .

................................

وكشف اللثام: مائة من مسان الإبل عندنا وهي الكبار(1).

الثاني: إن المتفق عليه لابد أن تكون ألف شاة، وقد ورد ذلك في روايات كثيرة، وما ورد في بعض الروايات ألفا شاة كما في صحيحة ابن سنان «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول _ في حديث _ إن الدية مائة من الإبل، وقيمة كل بعير من الورق مائة وعشرون درهماً، أو عشرة دنانير ومن الغنم قيمة كل بعير من الإبل عشرون شاة»(2)، وصحيحة معاوية بن وهب، «قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن دية العمد، فقال مائة من فحولة الإبل المسان، فإن لم يكن إبل فمكان كل جمل عشرون من فحولة الغنم»(3) ومعتبرة أبي بصير «قال: سألته عن دية العمد الذي يقتل الرجل عمداً قال، فقال: مائة من فحولة الإبل المسان، فإن لم يكن الإبل فمكان كل جمل عشرون منفحولة الغنم»(4).

ولا يخفى بأن هاتين الروايتين شاذتان، فلابد من طرحهما، مضافاً إلى معارضتهما بأن الدية بالنسبة إلى الشاة تكون ألف شاة أو تحمل على التقية لأنّها موافقة للعامة، وقلنا بأن الدية من الدراهم تكون عشرة آلاف كما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وفي صحيحة جميل وفي صحيحة عبد الله ابن سنان أن الدية إذا كانت من الدراهم كانت اثني عشر ألف درهم «قال: وسمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: من قتل مؤمناً متعمداً قيْد منه، إلا أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية، وأحب ذلك القاتل فالدية اثنا عشر ألفاّ أو ألف دينار،

ص: 10


1- كشف اللثام / 11 / 305 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح3 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب ديات النفس ح2 .
4- الوسائل باب 2 من أبواب ديات النفس ح3.

المسألة 205: تستوفى دية العمد في سنة واحدة من مال الجاني ويتخير الجاني بين الأصناف المذكورة، فله اختيار أيّ صنف شاء وإن كان أقلها قيمة، وهو عشرة آلاف درهم أو مائتا حلة في زماننا هذا وليس لولي المقتول إجباره على صنف خاص من الأصناف المذكورة(1).

_______________________________________________________________

أو مائة من الإبل وإن كان في أرض فيها الدنانير فالف دينار وإن كان في أرض فيها الإبل، فمائة من الإبل، وإن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب ذلك اثنا عشر ألفا»(1) وفي صحيحة عبد الله بن زرارة عن أبي عبد الله(علیه السلام) «قال: الدية ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم، أو مائة من الإبل، وقال: إذا ضربت الرجل بحديدة فذلك العمد»(2)، فلابد من طرح هاتين الروايتين، لأنّهما مخالفتان للروايات الصحيحة المعول عليها ولم يعمل بهما أحد فتحمل على التقية لموافقتهما العامة .

(1) والمسألة غير خلافية، وفي الغنية الإجماع عليه قال: وتجب هذه الدية في مال القاتل إلى أن قال وتستأدى في ثلاث السنتين بلا خلاف من أصحابنا(3) والعمدة صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان علي (علیه السلام) يقول: تستأدي دية الخطأ في ثلاث سنين، وتستأذي دية العمد في سنة»(4) خلافاً لأبي حنيفة حيث أجلها ثلاث سنين .

أمّا كفاية التخيير لأن المسألة غير خلافية، وقد ذكر ذلك صاحب التحرير: أن يبذل أي أصناف الديات شاء في الخطأ المحض والشبيه بالعمد وأمّا في العمد،

ص: 11


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح9 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح10 .
3- الغنية / 1 / 413 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب ديات النفس ح1 .

................................

فإن وقع الصلح بينه وبين الولي على الدية مطلقاً تخيير أيضاً بين المسان من الإبل أو ما ذكر من باقي الأنواع(1) قال في السرائر: وكل واحد من هذه الأجناس الستة أصل في نفسه وليس بعضه بدلاً عن بعض(2)وفي المسالك: ولا تجب الدية إلا صلحاً كما هو مذهب المصنف والأكثر ففائدته تظهر معالتراضي بالدية من غير تقييد، فيتخير في أدائها من أحد الأمور الستة وإلى ذلك أشار بقوله مع التراضي بالدية(3)، وقد ذكروا الإجماع عليه، كما ورد في عدة روايات، وقد ورد فيها كلمة (أو) الظاهر في التخيير كما في صحيحة عبد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: الدية ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم أو مائة من الإبل وقال: إذا ضربت الرجل بحديد فذلك العمد»(4)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «يقول: من قتل مؤمناً متعمداً قيْد منه، إلا أن يرضى أولياء المقتول إن يقبلوا الدية، فإن رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل، فالدية اثنا عشر ألفاً أو ألف دينار، أو مائة من الإبل، وإن كان في أرض فيها دنانير فألف دينار»(5) .

وأمّا ما ورد فيها كلمة (أو) فإن الظاهر منها الجمع ولكن لابد أن تحمل على التخيير للاتفاق على عدم وجوب الجمع، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرها رسول لله (صلی الله علیه و آله وسلّم) ثم أنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة وفرض على أهل الشاة ألف شاة

ص: 12


1- تحرير الاحكام / 5 / 564 .
2- السرائر / 3/ 345 .
3- المسالك / 15 / 316 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح10 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح9 .

المسألة 206: دية شبه العمد أيضاً أحد الأمور الستة(1).

_______________________________________________________________

ثنيّة، وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلىأهل اليمن الحلل مائتي حلة، قال عبد الرحمن بن الحجاج «فسالت أبا عبد الله (علیه السلام) _ عمّا روى ابن أبي ليلى _ فقال: كان علي (علیه السلام) يقول: الدية ألف دينار»(1) ويظهر منها أن كل من أصناف الديات لأهله خاصة ومنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة .

ولكن لا إشكال في عدم إمكان الأخذ بظاهرها، لأن الإجماع على خلافها، بل إنّها وردت في مقام الإرفاق، خصوصاً وأن الروايات الدالة على التخيير، دالة على عدم الأخذ بظهورها، كما أنّه لا يمكن القول بالترتيب بعد أن فرض أن الأصحاب لم يقولوا به، بل قالوا بالتخيير، فإن الجاني مخير في دفع أي واحد شاء ولو كان أقلّ قيمة، فإذا فرض أن عليه التخيير فلا يكون لولي المقتول إجباره على صنف معين .

(1) والمسألة غير خلافية لإطلاق الأدلة، فإن ما دل على أن دية القتل أحد تلكم الأمور فغير مختص بالعمد، وأيضاً لابد أن تدفع الدية من مال الجاني بنفسه أيضاً، وادعى البعض الإجماع عليه لا على العاقلة لأنّه خلاف القاعدة لأنّ العمل صدر منه، فهو الذي لابد أن يدفع الدية، وإطلاق الآية يشمل المقام: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»(2) إذاً فيدفع الجاني الدية بنفسه، لصحيحة زرارة قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً خطأ في أشهر الحرم، فقال: عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من اشهر الحرم»(3)،

ص: 13


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح1 .
2- سورة النساء الآية / 92 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب ديات النفس ح4 .

................................

فظهور هذا الحديث على أن الدية مطلقاً تكون على القاتل عمداً أو خطأ أو الخطأ المحض، ولكن في المحض لابد أن تدفع العاقلة لورود عدة روايات .

منها: رواية سلمة بن كهيل، قال «أُتى أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل قد قتل رجلاً خطأ، فقال له أمير المؤمنين (علیه السلام) من عشيرتك وقرابتك...»(1) والرواية طويلة جداً وأنّها ضعيفة بسلمة بن كهيل وهو صحابي مجهول .

ومنها: معتبرة الحلبي قال «سالت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله قال: فقال أبو عبد الله (علیه السلام) هذان متعديان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته»(2).

وقد وردت روايات أخرى في الأبواب المتفرقة قد ذكرها الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أن الدية في القتل الخطأ على القاتل وإن كان خطأ محضاً، غاية الأمر أنّها تحمل على العاقلة أي الخطأ المحض عدا ما دلت عليه عدة روايات منها عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة وقوله (علیه السلام) «والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته» ونحو ذلك(3).

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «فيرجل دفع رجلاً على رجل فقتله، قال: الدية على الذي دفع إلى أن قال: وإن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً»(4)، وغيرها من الروايات .

ص: 14


1- الوسائل باب 2 من أبواب العاقلة ح1 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب العاقلة ح1 .
3- المباني / 2 / 235 .
4- الوسائل باب 21 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

وهي على الجاني نفسه إلا أنّه إذا اختار تأديتها من الإبل اعتبر أن تكون الأوصاف التالية: أربعون منها خلفة من بين ثنيّة إلى بازل عامها وثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون(1).

المسألة 207: المشهور بين الأصحاب أن دية شبه العمد تستوفى في سنتين ولكن لا دليل عليه بل الظاهر أنّها تستوفى في ثلاث سنوات(2).

_______________________________________________________________

(1) للروايات الصحيحة، منها: صحيحة عبد الله بن سنان، قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) إن في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط، أو العصا، أو بالحجر، إن دية ذلك تغلظ وهي مائة من الإبل، منها أربعون خلفة من بين ثنيّة إلى بازل عامها، وثلاثون حقه وثلاثون بنت لبون»(1)، وهناك روايات أخرى تدل على خلاف ذلك، إمّا غير صحيحة من جهة السند، أو من جهة الدلالة.

(2) الأقوى أنّها تستوفى في ثلاث سنين لا في سنتين كما قال ابن أبي حمزة وتستأدى في سنة إذا كان القاتل في غنا ويسار، وفي سنتين إذا لميكن(2) لعدم الدليل عليه، ولا في سنتين كما عليه المشهور بادعاء الإجماع عليه مع عدم حجية هذا الإجماع، وما قيل لأنّه الوسط بين العمد والخطأ المحض مجرد استحسان، وقيل بأنّه يحمل على الإشراف في الدخول إلى ثلاث سنين خلاف الظاهر، والحق هو ثلاث سنين لصحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان علي (علیه السلام) يقول تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين»(3)، فلو لم نقل بإطلاقه فيكفي أصالة البراءة في دفع المبلغ في أقلّ من ثلاث سنين إذا يدفع في ثلاث سنين في كل سنة لمثلها .

ص: 15


1- الوسائل باب 2 من أبواب ديات النفس ح1 .
2- الوسيلة / 441 .
3- الوسائل باب4 من أبواب ديات النفس ح1 .

المسألة 208: إذا هرب القاتل فيما يشبه العمد فلم يقدر عليه أو مات، أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الأقرب والأقرب إليه(1).

_______________________________________________________________

(1) حسب القاعدة أنّه تؤخذ الديه من ماله وإن لم يكن له مال فلابد أن يؤدي الإمام لئلا يهدر دم المسلم، ولكن ورد في المعتبرة عن أبي بصير قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه قال (علیه السلام) إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن له قرابة أداه الإمام، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم»(1)ورواية أخرى عن البزنطي وهي تكون مؤيده لأنّها مرسلهومراسيل البيزنطي حجة أول الكلام، عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل قتل رجلاً عمداً ثم فرّ فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه وإلا أُخذ من الأقرب فالأقرب»(2).

قيل المعتبرة والمرسلة وإن وردتا في القتل العمد ولكن على العموم بعموم العلة أي ثبوت الحكم في كل مورد لم يقدر عليه، وما قيل بأنّه لم يقدر عليه من الاقتصاص محل الكلام، بل لم يقدر عليه على الإطلاق، وهو أحد المصاديق الاقتصاص والمورد غير مخصص، وفي الرياض: لو فر القاتل عمداً حتى مات فالمروي في الموثقين وغيرهما وجوب الدية في ماله إن كان له مال ولو لم يكن له مال أخذت الأقرب إليه فالأقرب وزيد في الموثقين فإن لم يكن له قرابة أداه الإمام فإنّه لا يطبل دم أمرئ مسلم وبه افتى أكثر الأصحاب بل في الغنية الإجماع عليه وهو حجة أخرى، وقيل كما في السرائر: وعن المبسوط أنّه لا دية لأنّ الثابت بالآية

ص: 16


1- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح3 .

المسألة 209: دية الخطأ المحض أيضاً أحد الأمور الستة المذكورة(1) وهي تحمل على(2) العاقلة .

_______________________________________________________________

والإجماع هو القصاص فإذا فات حمله فات، وهو حسن لولا ما مرّ من الإجماع المحكي والروايات مع إمكان أن يقال بوجوب الدية(1).

(1) وقد مرّ ذكره .

(2) والمسألة غير خلافيه بين العامة والخاصة، قال في الخلاف: دية قتلالخطأ على العاقلة، وبه قال جميع الفقهاء وقال الأصم: أنّه يلزم القاتل دون العاقلة، قال ابن المنذر وبه قالت الخوارج(2)، كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وسميت العاقلة لعقلها الإبل التي هي الدية بفناء أولياء المقتول والعقل الدية وأصله إن القاتل إذا قتل قتيلاً جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول أي شدها في عقلها ليسلمها إليهم، يقبضونها منه فتسمية الدية عقلاً بالمصدر، ويقال عقل البعير ليعقله عقلاً والجمع عقول(3)، أو لعقلها أي منعها القاتل من القتل ولعقلهم عنه أي تحملهم الدية، وتدل عليه مضافاً إلى الاتفاق بين الفريقين عدة روايات .

منها: صحيحة محمد الحلبي المتقدمة قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه، فوثب المضروب على ضاربه فقتله، قال: فقال أبو عبد الله (علیه السلام) هذان متعديان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً، لأنّه قتله حين قتله وهو أعمى، والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين» .

ص: 17


1- الرياض / 16 / 309 .
2- الخلاف / 5 / 275 _ 276 .
3- مجمع البحرين مادة / عقل .

................................

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه «إن علياً (علیه السلام) كان يقول عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة»(1) قال في الخلاف: العاقلة كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين وهم الأخوة وأبنائهم إذا كانوا من جهة أب وأم، أو من جهة أب، والأعمام وأبنائهم وأعمام الأب وأبناؤهم والموالي، وبه قال الشافعي وجماعة أهل العلم، وقال أبو حنيفةيدخل الوالد والولد فيها ويعقل القاتل(2). وهنا أمور:

الأول: إن الجاني لا يدخل في العاقلة، خلافاً لأبي حنيفة وهو واضح البطلان لمخالفة قوله للنص والإجماع .

الثاني: عدم رجوع العاقلة على الجاني، قال في التحرير: الدية تجب ابتداء على العاقلة فلا ترجع العاقلة بها على الجاني على الأصح، بل ولا يشاركهم، نعم لو لم يكن له عاقلة ولا شيء في بيت المال أخذت الدية من ماله(3) خلافاً للمحكي عن المفيد في المقنعة: وترجع العاقلة على القاتل فإن كان له مال أخذت منه ما أدته عنه، وإن لم يكن له مال فلا شيء لها عليه(4) وقد نسب ذلك إلى المراسم وسلار حيث ذهبا إلى أن العاقلة يرجعون إلى الجاني بعد تأدية الدية ويأخذونها منه، وذلك لعدم الدليل، مع أنّه ورد في السرائر بقوله: وهذا خلاف إجماع المسلمين قاطبة ولأنّه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه وقال: بعض أصحابنا إن العاقلة ترجع على القاتل بالدية ولست أعرف به نصاً ولا قولاً لأحد(5)، وإن أنكر عليه الفاضل في المختلف بقوله: وقال

ص: 18


1- الوسائل باب 11 من أبواب العاقلة ح3 .
2- الخلاف / 5 / 278 .
3- التحرير / 5/ 643 .
4- المقنعة / 373 .
5- السرائر / 3 / 355 / 356 .

المسألة 210: إذا أرادت العاقلة أداء الدية من الإبل اعتبر أن يكون ثلاثون منها حقة، وثلاثون منها بنت لبون وعشرون منها بنت مخاض، وعشرون منها ابن لبون(1).

_______________________________________________________________

أبو الصلاح فعلى هذا التحرير يتنوع القتل ستة أنواع عمد يوجب القود، وخطأ محض، وخطأ شبيه العمد يوجبان الدية على العاقلة، إلا أن العلامة في المختلف لم يقبل منه كون العاقلة تجب عليها دفع دية خطأ المحض وخطأ شبه العمد وإنما تجب عليها في الخطأ المحض، حيث قال: وهذا ليس بجيد، فإن المشهور أن دية شبيه العمد على القاتل وأن العاقلة إنما تضمن الخطأ المحض(1).

الثالث: لا يخفى بأنّه حسب القاعدة أن تحمل الدية تكون على الجاني لأنّّه هو الذي قتل، فتكون الدية في ذمته، ويظهر ذلك من أنّه لو لم يكن له عاقلة، أو أنّه غير قادر على الأداء أو أمتنعت ولم يمكن الأخذ منها وجب الأداء على القاتل.

(1) هناك أقوال في المسألة:

الأول: وهو ما عن المشهور وادعى في الجواهر أن عليه عامة المتأخرين(2)، وعن الشيخ في المبسوط، وابن إدريس في السرائر أن دية الخطأ المحض من الإبل عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون ذكر، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعه(3).

وتدل على ما هو موجود، أولاً الشهرة بين الأصحاب، والعمدة صحيحة عبد الله بن سنان قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في الخطأ

ص: 19


1- المختلف / 9 / 434 .
2- الجواهر / 43 / 23 .
3- المبسوط / 5 / 132، والسرائر / 3 / 344 .

شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر إن دية ذلك تغلظ، وهي من الإبل منها أربعون خلفه إلى أن قال: والخطأ يكون فيه ثلاثون حقه، وثلاثون أبنة لبون، وثلاثون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون ذكر، وقيمة كل بعير مائة وعشرون درهماً»(1)، ثانياً: تدل عليه رواية العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: والخطأ مائة من الإبل، أو ألف من الغنم، أو عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار، وإن كانت الإبل فخمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعه»(2)، ولكنها ضعيفة بمحمد بن سنان، ورواية أخرى مرسلة عن العياشي عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان علي (علیه السلام) يقول: في الخطأ خمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة»(3).

وأمّا ما ذكره الشيخ فلم يكن عليه الدليل، فالصحيح هو القول الأول وأمّا ما ذكره من صحيح زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما عن أحدهما C في الدية «قال: مائة من الإبل وليس فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك قال ابن أبي عمير فقلت لجميل هل للأبل أسنان معروفة ؟ فقال: نعم ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة، أربع وثلاثون ثنيّة، إلى بازل عامها كلها خلفة إلى بازل عامها، وقال: وروي ذلك بعض أصحابه عنهما، وزاد على بن حديد _ فيحديثه _ أن ذلك في الخطأ ...»(4) فالرواية من جهة السند وإن كانت تامة، ولكن الجملة الأخيرة

ص: 20


1- الوسائل باب 2 من أبواب ديات النفس ح1.
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات النفس ح13 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب ديات النفس ح10 .
4- الوسائل باب 2 من أبواب ديات النفس / 7 .

المسألة 211: يستثنى من ثبوت الدية في القتل الخطائي ما إذا قتل مؤمناً في دار الحرب معتقداً جواز قتله وأنّه ليس بمؤمن فبان أنّه مؤمن فإنّه لا تجب الدية عندئٍذ، وتجب فيه الكفارة فقط(1).

_______________________________________________________________

(وزاد) غير ثابتة، فإن علي بن حديد ضعيف جداً، ولعل ما ورد في الرواية من جميل نفسه من الإمام، مضافاً إلى أنّه لم يعمل بها من الأصحاب أحد، وأمّا ما قيل أنّه من أصحاب الإجماع فلا دليل عليه، فالرواية ضعيفة .

(1) لا يخفى أنّ القاعدة الأولية هي الدية لمن قتل شخصاً خطأ، وقد ذكرنا مقدار الدية وأقسامها، وما ذكره ابن إدريس لا يكون طبقاً للقاعدة بقوله: والذي يقوي في نفسي ويقتضيه أصول مذهبنا أن عليه الدية والكفارة معاً لقوله (علیه السلام) المجمع عليه «لا يبطل دم أمرئ مسلم»(1).

ولكن يستثنى من هذه القاعدة هو ما إذا قتل مؤمناً خطأ في دار الحرب بعدم وجوب الدية، وتدل عليه الآية الكريمة بأنّه يجب على القاتل الكفارة لا الدية، قال تعالى: «فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، وهي قوله تعالى: «وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍمُؤْمِنَةٍ»(2)، فهما قرينتان بأنّ الآيتين في مقام بيان عدم ثبوت الدية والثابت على القاتل هو الكفارة، وبهما تقيد إطلاق وجوب الدية في مطلق قتل الخطأ، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وأن كلمة من في قوله تعالى: «مِنْ قَوْمٍ» ليست بمعنى النشوء فإنّ لازمه هو أنّه لو قتل مؤمناً خطأ في دار الإسلام أيضاً لهم تجب الدية له وهذا باطل جزماً فإن المسلمين

ص: 21


1- السرائر / 3 / 343 .
2- سورة النساء الآية/ 92 .

المسألة 212: دية القتل في أشهر الحرم عمداً أو خطأ دية كاملة وثلثها(1) وعلى القاتل متعمداً مطلقاً كفارة الجمع وهي عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا(2).

_______________________________________________________________

في زمان نزول الآية كان فيهم كثير ممن كان قومه باقين على الكفر والعداوة إلا نادراً، فالصحيح هو أن كلمة (من) هنا بمعنى في يعني أن المقتول المؤمن خطأ كان بين قومه الكفار فتوهم أنّه كافر مهدور الدم، وكان هذا هو السبب في قتله، وإلا لم يكن فرق بينه وبين غيره من المسلمين في ثبوت الدية بقتله، فالمراد من الخطأ في الآية المباركة هو ما إذا اعتقد القاتل أنّه كافر وعدو له فقتله ثم بآن أنّه كان مؤمناً ففي مثله لا دية بمقتضى الآية، والواجب إنما هو الكفارة فحسب(1).

(1) المسألة غير خلافية وأدّعى البعض الإجماع كما في المحكي عنالخلاف نسبته إلى إجماع الفرقة وأخبارها(2)، والمراد من اشهر الحرم رجب وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، وهذا التغليظ كان لأجل انتهاكه للحرمة والعمدة الروايات الكثيرة، منها صحيحة كليب الأسدي، قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته ؟ قال: دية وثلث»(3) وعن زرارة قال «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجل قتل في الحرم، قال عليه دية وثلث، ويصوم شهريين متتابعين في أشهر الحرم، قال، قلت: هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق، قال: يصومه فإنّه حق لزمه»(4).

(2) والمسألة غير خلافية، وتدل عليه عدة روايات .

ص: 22


1- المباني / 2 / 246 _ 227 .
2- الخلاق / 5 / 222 .
3- الوسائل باب 3 من أبواب ديات النفس ح1 .
4- الوسائل باب 3 من أبواب ديات النفس ح3 .

................................

منها: صحيحة عبد الله بن سنان وبن بكير جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمداً إلى أن قال، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة، وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستين مسكيناً توبة إلى الله عز وجل»(1) .

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان قال «قال أبو عبد الله (علیه السلام) كفارة الدم إذا قتل الرجل المؤمن متعمداً فعليه أن يمّكن نفسه إلى أن قال، وإن عفي عنه فعليه أن يعتق رقبة، ويصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستين مسكيناً وأن يندم على ما كان منه، ويعزم على ترك العود، ويستغفر الله عزوجل أبداً ما بقي»(2) .

ومنها: عن بن سنان _ يعني عبد الله _ عن أبي عبدالله (علیه السلام) «أنّه سئل عن رجل قتل مؤمناً إلى أن قال، هل له من توبة إن أراد ذلك، أو لا توبة له ؟ قال: توبته إن لم يعلم إلى أن قال فإن عفي عنه أعطاهم الدية وأعتق رقبة وصام شهرين متتابعين، وتصدق على ستين مسكيناً»(3)، وغيرها من الروايات .

ص: 23


1- الوسائل 28 من أبواب الكفارات ح1 .
2- الوسائل 28 من أبواب الكفارات ح2 .
3- الوسائل باب 28 من أبواب الكفارات ح3 .

وإذا كان القتل في الأشهر الحرم فلابد أن يكون الصوم فيها فيصوم يوم العيد أيضاً إذا صادفه(1)، والكفارة مرتبة إذا كان القتل خطأ حتى إذا كان في الأشهر الحرم على المشهور، وفيه إشكال والأقرب أن الكفارة معيّنة فيما إذا وقع القتل في الأشهر الحرم وهي صوم شهريين متتابعين فيها، وهل يلحق بالقتل في الأشهر الحرم في تغليظ الدية القتل في الحرم، فيه قولان، الأقرب عدم الإلحاق ولاتغليظ في الجنايات على الأطراف إذا كانت في الأشهر الحرم(2).

_______________________________________________________________

(1) إذا وقع القتل في الاشهر الحرم وجب الصوم فيها إن صادف العيد فيها، وتدل عليه صحيحة زرارة قال «سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول إذا قتل الرجل في شهر حرام صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم»(1)، قلنا إذا كان العيد صادف في غير الاشهر الحرم، فإن صادف في الشهر الأول فالصوم باطل لأنّه لم يحصل التتابع، وأمّا إذا صادف في الشهر الثاني فيصح الصوم لحصول التتابع بالشهر يوم .

(2) قد ذكر صاحب المقنعة: من قتل في الحرم فديته دية كاملة وثلث لانتهاك حرمته في الحرم، وكذلك المقتول في الأشهر الحرم وهن رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم(2)، وأمّا في الخلاف: أن يلزم دية وثلث الدية من اجناس الديات، وقال في الرياض: الزم دية ثلثا من أي الاجناس كان، لمستحق الأصل تغليظاً عليه لانتهاكه الحرمة بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة

ص: 24


1- الوسائل باب 3 من أبواب ديات النفس ح2 .
2- المقنعة / 743 .

................................

حد الاستفاضة(1)، بل مذهب الأكثر كما في كشف اللثام وفاقاً للأكثر(2)،والمشهور كما في مجمع البرهان(3)، وفي ظاهر المحكي عن موضعين في المبسوط والسرائر وغاية المراد وكذا الغنية الإجماع عليه، ويدل على ما ذكره المشهور صحيحة زرارة قال «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجل قتل في الحرم، قال: عليه دية وثلث»(4)، وهذه الرواية تامة السند والدلالة ولذا قال السيد في الرياض: وكأنهم أي القائلون بعدم تغليظ الدية لم يقفوا على هذه الرواية الصحيحة، وأيضاً يؤيده روايته الأخرى قال «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) رجل قتل رجلاً في الحرم قال عليه دية وثلث»(5)، ولكن هي مرسلة لأن ابن أبي عمير لا يمكنه أن يروي عن أبان، فإنّ أبان مات في زمن الصادق (علیه السلام) وابن أبي عمير لم يدرك الصادق (علیه السلام) .

والقول الثاني منسوب إلى المحقق والفاضل وأبي العباس والمقداد، وما قيل بأن الحرم المراد به الأشهر الحرم خلاف الظاهر والمتعارف في التعبير فالأصح هو القول الأول خلافاً لما عليه الاستاد الاعظم بقوله: دية القتل في الأشهر الحرم عمداً أو خطأ دية كاملة وثلثها من دون خلاف بين الفقهاء(6).

ص: 25


1- الرياض / 16 / 358 .
2- الخلاف / 5 / 223 .
3- مجمع البرهان / 15 / 318 .
4- الوسائل باب 3 من أبواب ديات النفس ح2 .
5- الوسائل باب 8 من أبواب بقية الصوم الواجب ح2 .
6- تكملة المباني / 246 .

المسألة 213: دية المرأة الحرة المسلمة نصف دية الرجل الحرالمسلم من جميع الأجناس المتقدمة(1).

_______________________________________________________________

(1) فمن الإبل خمسون ومن الدنانير خمسمائة، والمسألة غير خلافية وادعى الإجماع بقسميه، بل نسب إلى عامة المسلمين إلا من شذ من العامة ويدل على ذلك روايات .

منها: صحيحة عبد الله بن سنان قال «سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: في رجل قتل امرأته متعمداً، قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدُّوا إلى أهله نصف الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم»(1).

ومنها: صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة، فإن أرادوا القود أدُّوا فضل دية الرجل على دية المرأة وأقادوه بها، وإن لم يفعلوا قبلوا الدية، دية المرأة كاملة، ودية المرأة نصف دية الرجل»(2) .

أمّا كونه من جميع الاجناس لأن المسألة اتفاقية، وأمّا ما ورد من الروايات التي بظاهرها، تدل على أنّه مختص بالنقود، وفيه أنّه من باب أحد المصاديق لا أن الدية مختصة به كصحيحة عبد الله بن سنان التي مرت وعيّنت فيه الدية خمسة آلاف درهم، ونرى في صحيحة أبان بن تغلب قال «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ما تقول في رجل قطع أصبعاً من أصابع المرأة، كم فيها ؟ قال: عشرة من الإبل قلت: قطع اثنتين قال: عشرون، قلت: قطع ثلاثاً ،قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعاً قال: عشرون، قلت سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكونعليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون

ص: 26


1- الوسائل باب 33 من أبواب قصاص النفس ح1 .
2- التهذيب / 10 / 206، والوسائل باب 5 أن دية المرأة نصف دية الرجل ح2 .

المسألة 214: المشهور بين الأصحاب أن دية ولد الزنا إذا كان محكوماً بالإسلام دية المسلم، وقيل: ديته ثمانمائة درهم(1)، وهو الأقرب .

_______________________________________________________________

عليه عشرون ؟ إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول الذي جاء به شيطان، فقال: مهلاً يا أبان هذا حكم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق الدين»(1).

(1) في المسألة أقوال:

الأول: أن دية ابن الزنا المحكوم بالإسلام هي دية المسلم، وعليه المشهور .

الثاني: أن ديته دية الذمي وهي ثمانمائة درهم .

الثالث: أنّه لا دية له أو بمقدار إنفاق من أنفق عليه .

أمّا القول الأول وهو ما عليه المشهور، وفي الرياض: واشهرهما بين المتأخرين، بل عليه عامتهم أن ديته كدية الحر المسلم، لعموم الأدلة على إسلام من أظهره وجريان أحكامه عليه من غير قاطع على استثناء ولد الزنا مضافاً إلى إطلاق أخبار الديات ولتصريح بعضها بالمسلم أو المؤمن الصادقينعليه بمجرد إظهارهما(2) .

وأمّا القول الثاني وهو المنسوب إلى الصدوق وعلم الهدى، قال في الرياض: القول الثاني للصدوق وعلم الهدى وهو أن ديته كدية أهل الكتاب ثمانمائة درهم كما في النصوص الصريحة المروية في آخر باب الزيادات من التهذيب(3)، وقواه في

ص: 27


1- الوسائل باب 44 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الرياض / 16 / 361 .
3- الرياض / 16 / 366 .

................................

مفتاح الكرامة(1)، وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ويدل على القول الثاني معتبرة إبراهيم بن عبد الحميد عن جعفر (علیه السلام) قال «قال: دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم»(2)، وهذه المعتبرة من جهة الدلالة وإن كانت تامة، ولكن من جهة السند ضعيفة بعبد الرحمن بن حماد، فإنّه لم يوثق في كتب الرجال، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ورد في اسناد كامل الزيارات(3)، إلا أنّه قد عرفت حال الكتاب والرجال الموجودين فيه فإن بعضهم ضعاف .

وأمّا رواية جعفر بن بشير عن بعض رجاله، قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دية ولد الزنا، قال: ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي»(4)، فإنها مرسلة .

وأمّا ما قاله النجاشي أنّه روي عن الثقات، فهذا لا دليل على كل أن مايرويه يكون ثقة، وقد استشكل الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)على هذا الكلام في مدخل كتابه معجم الرجال الحديث(5)، وهكذا ما روي عن عبد الرحمن بن عبد الحميد عن بعض مواليه، قال «قال ليّ أبو الحسن (علیه السلام) دية ولد الزنا دية اليهودي

ثمانمائة درهم»(6)، فإنها ضعيفة بالإرسال، إذاً مادام ولد الزنا محكوماً بالإسلام وهو الصحيح فديته دية المسلم ، فما ذكره الحلي بأنّه لا دية له، لا وجه له(7)، مع أنّه ورد في

ص: 28


1- مفتاح الكرامة / 26 / 265_ 266 .
2- الوسائل باب 15 دية ولد الزنا ح3 .
3- المباني / 2/ 256 .
4- الوسائل باب 15 دية ولد الزنا ح2 .
5- معجم رجال الحديث / 68 .
6- الوسائل باب 15 دية ولد الزنا ح1 .
7- السرائر / 3/ 376 .

المسألة 215: دية الذمي من اليهود والنصارى والمجوس ثمانمائة درهم ودية نسائهم نصف ديتهم، وأمّا سائر الكفار فلا دية في قتلهم كما لا قصاص فيه(1) .

_______________________________________________________________

صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: سألته فقلت له: جعلت فداك كم دية ولد الزنا، قال: يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه»(1)، فإنّها بالنسبة إلى أصل الدية ثابت وإن كان ما انفق عليه أقل من دية المسلم أو الذمي، وهذا يُدفع بالاتفاق .

(1) هناك أقوال في المسألة:

الأول: وهي ثمانمائة درهم .

الثاني: أربعة آلاف درهم .

الثالث: ما دل على أن دية اليهود والنصراني أربعة آلاف درهم وديةالمجوسي ثمانمائة درهم .

الرابع: أن ديتهم دية المسلم .

والقول الأول هو الحق، وقد دل عليه صحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية اليهودي والنصراني والمجوسي ثمانمائة درهم»(2) وصحيح ليث المرادي، قال «سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن دية النصراني واليهودي والمجوسي فقال (علیه السلام) ديتهم جميعاً سواء ثمانمائة درهم ثمانمائة درهم»(3).

وأما القول الثاني ما دل على ديتهم اربعة الاف درهم كما روي عن محمد بن

ص: 29


1- الوسائل باب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما اشبهه ح3 .
2- الوسائل باب 13 أن دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء ح2 .
3- الوسائل باب 13 أن دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء ح5 .

................................

علي بن الحسين قال: روي أن دية اليهودي والنصراني والمجوسي أربعة آلاف درهم أربعة آلاف درهم لأنّهم أهل الكتاب(1)، ولكن الرواية مرسلة، ورواية الصدوق ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة»(2)، فهي أولاً ضعيفة من جهة السند، لأنّ في السند علي البطائني، أو تحمل على التقية كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لموافقتهما للمروي عن عمر وعثمان وسعيد بن المسيب وعطا والحسن والعكرمة وعمرو بن دينار والشافعي وإسحاق وابنثور على ما ذكره ابن قدامة في المغنى(3).

وأمّا القول الثالث ما دل على أن دية اليهودي أربعة آلاف والمجوسي ثمانمائة ألف درهم»(4) وهذا القول لم يقل به أحد .

والقول الرابع ما دل على أن ديتهم دية المسلمين كصحيح أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية اليهودي ودية المجوسي دية المسلم»(5) وصحيح زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: مَن أعطاه رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) ذمة فديته كاملة، قال زرارة فهؤلاء ؟ قال أبو عبد الله (علیه السلام) وهؤلاء من أعطاهم ذمة»(6) وموثق سماعة قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن مسلم قتل ذمياً فقال: هذا شيء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد، وعن قتل الذمي ثم

ص: 30


1- الوسائل باب 13 أن دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء ح12.
2- الوسائل باب 14 من أبواب ديات النفس ح4 .
3- تكملة المباني / 2 / 285 .
4- الوسائل باب 14 من أبواب ديات النفس ح4 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب ديات النفس ح2 .
6- الوسائل باب 14 من أبواب ديات النفس ح3 .

................................

قال: لو أن مسلماً غضب على ذمي فأراد أن يقتله ويأخذ أرضه ويؤدي إلى أهله ثمانمائة درهم إذا يكثر القتل في الذميين ومن قتل ذمياً ظلماً فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمياً حراماً ما آمن بالجزية وأداها ولم يجحدها»(1)، وقد جمع الشيخ بين الطوائف بحمل الأخبار الدالة على زيادة ديته على ثمانمائة على من يعتاد قتل أهل الذمة، وهذا الجمع يكون تبرعاً فلا يمكن أن يحملبخصوص من لا يعمل بشرائط الذمة لأنّه لو لم يعمل بالذمة، فإنّه خرج عن أن يكون ذمياً ولا يكون لقتله دية أصلاً .

والحق هو القول الأول ثمانمائة درهم، وما دل على أن ديته دية المسلم يحمل على التقية، كما عليه جماعة من العلماء، ومجاهد، والشعبي، والثوري وأبي حنيفة .

ص: 31


1- الوسائل باب 14 من أبواب ديات النفس ح1 .

المسألة 216: دية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحر، فإن تجاوزت لم يجب الزائد(1)، وكذلك الحال في الأعضاء والجراحات، فما كانت ديته كاملة كالأنف واللسان واليدين والرجلين والعينين ونحو ذلك، فهو في العبد قيمته وما كانت ديته نصف الدية كأحد اليدين أو الرجلين فهو في العبد نصف قيمته، وهكذا(2).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى تارة يكون مسلماً وأخرى ذمياً، يقول المحقق: ودية العبد قيمته(1)، ويقول في الجواهر: نصاً وفتوى، والمسألة متفق عليها، ثم يقول المحقق لو تجاوزت دية الحر ردت إليها(2)، أي إن كان مسلماً ردّت إلى ديته وإن كان ذمياً فإلى ديته وحكم الأمة يكون مثل ذلك أي مثل الحرة .

(2) وكذا يقول المحقق: في دية أعضائه وجراحاته مقيسة على دية الحر فما فيه ديته ففي العبد قيمته كاللسان والذكر، وما فيه نصف ديته كاليد ففي العبد نصف قيمته(3)، وما فيه الدية كاملة لو تجاوزت ديته دية الحر ردّت إلى دية الحر، ولا يخفى بأن الأمة تكون كالحرة، والمسألة في جميع ذلك اتفاقية .

ص: 32


1- شرائع الإسلام / 2 / 247 .
2- الجواهر / 43/42 .
3- المصدر السابق .

المسألة 217: لو جنى على عبد بما فيه قيمته، كأن قطع لسانه أو أنفه أو يديه، لم يكن لمولاه المطالبة بها إلا مع دفع العبد إلى الجاني(1) كما أنّه ليس له المطالبة ببعض القيمة مع العفو عن بعضها الآخر ما لم يدفع العبد إليه(2).

_______________________________________________________________

(1) كما عليه المحقق بقوله: لو جنى عليه جانٍ بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد(1)، والمسألة محل اتفاق وادعى البعض الإجماع والعمدة الروايات، منها معتبرة غياث عن جعفر عن أبيه C قال «قال علي (علیه السلام) إذا قطع أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته أدى إلى مولاه قيمة العبد وأخذ العبد»(2)، ونحوه معتبرة ابن مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته أنّه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد فيأخذ العبد»(3).

(2) لأنّه حينما عفى عن البعض وأخذ قيمة البعض لابد أن يدفع العبد ولا يجوز له الجمع بين العبد وديته، فلا يجوز له أخذ قيمة العبد بالكامل من دون أن يؤدي العبد إلى الجاني .

ص: 33


1- شرائع الإسلام / 2 / 247 .
2- الوسائل باب 34 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب الشجاج والجراح ح3 .

وأمّا لو جنى عليه بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد(1)، وليس له إلزام الجاني بتمام القيمة مع دفع العبد إليه(2).

المسألة 218: كل جناية لا مقدّر فيها شرعاً ففيها الأرش، فيؤخذ من الجاني إن كانت الجناية عمدية أو شبه عمد(3).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية وبما أن الجاني وقع على ماله فله أن يطالب بقيمة الجناية وليس للجاني الامتناع من ذلك، والعمدة الروايات كصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل شج عبداً موضحة، قال: عليه نصف عشر قيمته»(1)، ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال: جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن»(2).

(2) لعدم الدليل كما أنّه ليس للجاني إلزام المولى .

(3) والمسألة غير خلافية ولابد من أخذ الأرش من الجاني، لأنّه السبب في ذلك ولأن لا يذهب دم المسلم هدراً والعمدة الروايات، منها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: إن عندنا الجامعة قلت: وما الجامعة ؟ قال: صحيفة فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده اليّ، فقال: أتاذن يا أبا محمدقلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، فغمزني بيده، وقال: حتى أرش هذا»(3)، وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل، وما كان جروحاً دون الاصطلام

ص: 34


1- الوسائل باب 8 من أبواب الشجاج والجراح ح1 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب الشجاج والجراح ح2 .
3- الوسائل باب 48 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

وإلا فمن عاقلته(1)، وتعيين الأرش بنظر الحاكم بعد رجوعه في ذلك إلى ذوي عدل من المؤمنين(2).

المسألة 219: لا دية لمن قتله الحد أو التعزير، وقيل أن ديته إذا كان الحد للناس من بيت مال المسلمين، ولكنه ضعيف(3).

_______________________________________________________________

فيحكم به ذوا عدل منكم، ومن لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم الكافرون»(1).

(1) ولا يخفى بأنّه خلاف القاعدة، ولكن بما أنّه ورد الدليل فنأخذ به .

(2) لصحيحة عبد الله بن سنان .

(3) على المشهور وقيل أن ديته من بيت مال المسلمين، إذا كان الحد للناس، ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات، فمنها ما يدل على القول الأول كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أيّما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له»(2)، وخبر الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث قال «سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: (علیه السلام) لو كان ذلك لم يقتص من أحد وقال من قتله الحد فلا دية له»(3)، وأمّا ما دل علىالقول الآخر هو خبر الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سمعته يقول من ضربناه حدّاً من حدود الله فمات فلا دية له علينا ومن ضربناه حدّاً من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا»(4)، ولكن الرواية ضعيفة بحسن بن صالح .

ص: 35


1- الوسائل باب 9 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح1 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح9 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
4- الوسائل باب 24 من أبواب القصاص في النفس ح3 .

المسألة 220: إذا بان فسق الشاهدين أو الشهود بعد قتل المشهود عليه، فلا ضمان على الحاكم، بل كانت ديته من بيت مال المسلمين(1).

المسألة 221: من اقتض بكراً أجنبية، فإن كانت حرة لزمه مهر نسائها، ولا فرق في ذلك بين كون الاقتضاض بالجماع أو بالإصبع أو بغير ذلك(2).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أنّه قد يظهر فسقهما قبل الحكم فانتقض حكمه، وإذا كان بعد حكمه قتل المشهود عليه هنا فلا شيء على الحاكم، لفرض عدم تقصيره ولا جوره في الحكم، فحينئذٍ تكون الدية على بيت المال، لمعتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أنَّ ما أخطأت به القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين»(1)، ويؤيده خبر الأصبغ بن نباتة قال: «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّ ما أخطأتالقضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين»(2).

(2) أمّا بالنسبة إلى الافتضاض بأي شيء كان لإطلاق الروايات، وأمّا إعطاء الصداق الكامل إذا كانت حرة وعليه المشهور، ونسب إلى الفقيه أن أكثر أصحابنا في ذلك الدية، ولكن العمدة الروايات .

منها: معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «قال: إذا اغتصب أمة فاقتضها فعليه عشر قيمتها، وإن كانت حرة فعليها الصداق»(3).

ومنها: صحيحة ابن سنان يعني عبد الله وغيره عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة اقتضت جارية بيدها، قال: عليها المهر، وتضرب الحد»(4) وصحيحته الأخرى

ص: 36


1- الوسائل باب 7 من أبواب دعوى القتل او ما يثبت به ح1 .
2- الوسائل باب 10 من أبواب آداب القاضي ح1 .
3- الوسائل باب 39 من أبواب حد الزنا وما يثبت به ح5 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب حد الزنا وما يثبت به ح1 .

أمّا اذا كانت أمة لزمه عشر قيمتها(1).

_______________________________________________________________

عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة اقتضت جارية بيدها قال قال: عليها مهرها وتجلد ثمانين»(1).

وأمّا صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث طويل «إن امرأة دعت نسوة فامسكن صبية يتيمة بعدما رمتها بالزنا وأخذت عذرتها بإصبعها، فقضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أن تضرب المرأة حد القاذف والزمهن جميعاً العقر وجعل عقرها أربعمائة درهم»(2)، فلاتعارض هذه تلك الروايات الصحاح، ولذا قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) لأنّها قضية في واقعة، ولعل مهرها كان كذلك، فلا يمكن التعدي فيها إلى غيرها من الموارد(3).

(1) وعليه الشهرة وقد مرّ ذكر الأقوال في المسألة، ولكن الصحيح أنّ قيمتها العشر كما ورد في معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال: إذا اغتصب أمة فاقتضها فعليه عشر قيمتها، وإن كانت حره فعليه الصداق»(4).

ص: 37


1- الوسائل باب 39 من أبواب حد الزن وما يثبت به ح4 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب النكاح المحرم ما يثبت به ح2 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 266 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب الجناية ح5 .

المسألة 222: من أكره امرأة أجنبية غير بكر فجامعها فعليه مهر المثل(1) .

وأمّا إذا كانت مطاوعة فلا مهر لها سواء كانت بكراً أم لم تكن(2).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّه تارة يقع العمل وتكون المرأة مكرهة، وأخرى أنّها مطاوعة، ففي الصورة الأولى المشهور على أن عليه مهر المثل، ولذا قال الشيخ في المبسوط: وإن كانت مكرهة فعليه الحد، لأنّه زانٍ ولا حد عليها لأنّها مكرهة(1)، ولها المهر، وقال آخرون لا مهر لها، وهو مذهبنا لأن الأصل براءة الذمة كما قال الاستاذ الاعظم(2).

لكن الحق هو ثبوت المهر لأنّ عليه المشهور، والعمدة الروايات، منها صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي قال «سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يصيب المرأة فلا ينزل أعليه غسل ؟ قال كان علي (علیه السلام) يقول: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، قال: وكان علي (علیه السلام) يقول كيف لا يوجب الغسل والحد يجب فيه ؟ وقال يجب عليه المهر والغسل»(3)، وغيرها من الروايات .

ص: 38


1- المبسوط / 5 / 171 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 267 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب حد الزنا ح4 .

(2) وأمّا إذا كانت مطاوعة فلا مهر لها بكراً كانت أو ثيباً، وعليها الحد كما عليه الحد أيضاً للآية الشريفة: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَامِائَةَ جَلْدَةٍ»(1)، وعدم الخلاف بين الأصحاب وورود عدة من الروايات.

................................

منها: صحيحة بريد العجلي «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فزفتها إليه أُختها وكانت أكبر منها، فأدخلت منزل زوجها ليلاً فعمدت إلى ثياب امرأته فنزعتها منها ولبستها، ثم قعدت في حجلة أُختها ونحت امرأته وأطفأت المصباح واستحيت الجارية أن تتكلم فدخل الزوج الحجلة فواقعها وهو يظن أنّها امرأته التي تزوجها، فلما أن أصبح الرجل قامت إليه امرأته فقالت: أنا امرأتك فلانة التي تزوجت وإنَّ أُختي مكرت بي فأخذت ثيابي فلبستها وقعدت في الحجلة ونحّتي فنظر الرجل في ذلك فوجد كما ذكر، فقال أرى أن لا مهر للتي دلت نفسها وأرى أن عليها الحد»(2)، وصحيحة علي بن أحمد بن أشيم قال «كتب إليه الريان بن شبيب يعني _ أبا الحسن (علیه السلام) _ الرجل يتزوج المرأة متعة بمهر الى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي ثم دخل بها وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنّها زوجته نفسها ولها زوج مقيم معها، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز ؟ فكتب لا يعطيها شيئاً لأنّها عصت الله عز وجل»(3).

ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) أيّما امرأة حرة زوجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها ولا صداق لها»(4).ومنها: المعتبرة الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: السحت ثمن الميتة وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغي، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن»(5) .

ومنها: معتبرة سماعة، قال: قال: «السحت أنواع كثيرة، منها كسب الحجام،

ص: 39


1- سورة النور الآية / 2 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب العيوب والتدليس ح1 .
3- الوسائل باب 28 من أبواب المتعة ح2 .
4- الوسائل باب 24 من أبواب نكاح العبيد ح3 .
5- الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب به ح5 .

المسألة 223: لو أدب الزوج زوجته تأديباً مشروعاً فأدى إلى موتها اتفاقاً قيل إنّه لا دية عليه كما لا قود، ولكن الظاهر ثبوت الدية(1) وكذلك الحال في الصبي إذا أدبه وليه تأديباً مشروعاً فأدى إلى هلاكه(2).

المسألة 224: إذا أمر شخصاً بقطع عقدة في رأسه _ مثلاً _ ولم يكن القطع مما يؤدي إلى الموت غالباً(3)، فقطعها فمات، فلا قود، وكذلك لا دية على القاطع إذا كان قد أخذ البراءة من الآمر، وإلا فعليه الدية(4).

_______________________________________________________________

وأجر الزانية، وثمن الخمر»(1)، وصحيحة عمار بن مروان قال «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الغلول، فقال: كل شيء غلّ من الإمام إلى أن قال وهو سحت، والسحت أنواع كثيرة، منها أُجور الفواجر»(2).(1) لأنّ التأديب المشروع يرفع القود دون الدية .

(2) لا يخفى أن الضرب تارة يكون بدون تأديب فهو يكون ضامناً ولياً كان أو معلماً وعليه القود لقاعدة التسبيب، وأمّا إذا كان للتأديب فبما أنّه مشروع فلا يكون هناك قود داعٍ، لأنّ جواز الحكم التكليفي لا ينافي الحكم الوضعي، فإنّه لا قود ولكن الدية موجودة .

(3) لأنّه كان أمره بالقطع، والموت وقع اتفاقاً فلا شيء على القاطع أي لا قود عليه لعدم صدق القتل العمدي .

(4) حاله حال الطبيب فإنّه لابد من أخذ البراءة كما ورد في معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال أمير المؤمنين (علیه السلام) من تطبب أو تبيطر

ص: 40


1- الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب به ح6 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب ما يكتسب به ح1 .

المسألة 225: لو قطع عدة أعضاء شخص خطأً، فإن لم يسرِ القطع(1) فعلى الجاني دية تمام تلك الأعضاء المقطوعة، وإن سرى فإن كان القطع متفرقاً فعليه دية كل عضو إلا الأخير زائدة على دية النفس(2)، وأمّا العضو الأخير المترتب على قطعه الموت فتتداخل ديته في دية النفس(3).

_______________________________________________________________

فليأخذ البراءة من وليّه، وإلا فهو له ضامن»(1).

إن قلت: لا يمكن أن تكون البراءة موجبة لإسقاط الدية لأنّه إسقاط ما لم يجب .قلنا ليس لزوم أخذ البراءة أولاً لإسقاط الدية حتى يقال أسقاط ما لم يجب، بل يكون موجباً لإسقاط الفعل من اقتضاء الدية، تكون فائدة البراءة عدم وجوب الدية، أمّا في صورة عدم أخذه لابد من ثبوت الدية لأنّ القتل مستند إليه .

إن قلت: إنّه حصل على الأذن في الفعل فلا دية .

قلنا الأذن كان في الفعل لا في القتل .

(1) لأنّ الأصل عدم تداخل المسببات بعد تعدد الأسباب .

(2) أمّا أعطاء دية جميع الأعضاء أي كل واحد لأنّ الأصل كما ذكرنا عدم التداخل، وأمّا تداخل العضو الأخير لفرض السراية وأن القتل غالباً يكون مسبوقاً بالجرح أو القطع .

(3) والمسألة غير خلافية، والعمدة فيها هي صحيحة أبي عبيدة الحذاء قال «سالت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافة حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب

ص: 41


1- الوسائل باب 24 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

................................

لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإنّه ينتظر به سنة، فإن مات ما بينه وبين السنة أُقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله أُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله قلت: فما ترى عليه في الشجة شيئاً ؟ قال: لا لأنّه إنما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فالزمته أغلظ الجنايتين، وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان، إلا أن يكون فيهما الموتفيقاد به ضاربه، فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث الضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه، قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة الزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات»(1).

ولا يخفى كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أن موردها وإن كان خصوص الجناية العمدية كما أن الدية موردها دية العقل دون النفس إلا أن مقتضى التعليل بقوله (علیه السلام) «لأنّه إنما ضرب ضربة واحدة ...» هو التعدي عنه إلى غيره وهو الجناية الخطائية بموجب التعليل، لأنّه إنما ضرب ضربة واحدة .

ص: 42


1- الوسائل باب 7 من أبواب ديات المنافع ح1 .

وإن كان قطعها بضربة واحدة دخلت دية الجميع في دية النفس(1) فعلى الجاني دية واحدة وهي دية النفس وإن شك في السراية، فهل لولي المجني عليه مطالبة الجاني بدية الأعضاء المقطوعة أم ليس له إلا دية النفس ؟ قولان: الأظهر هو الأول .

موجبات الضمان

وهي أمران: المباشرة، والتسبيب.

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الأصل عدم السراية .

الأول: المباشرة والمراد بها هي أعم من أن يصدر الفعل منه بلا آلة كما لو خنقه بيده، أو ضربه بها، أو برجله فقتل بها، أو بآلة كما إذا رماه بسهم ونحوه، أو ذبحه بحدية، أو ما إذا كان القتل منسوباً إليه كالقائه في النار أو غرقه في البحر، أو القائه من شاهق إلى غير ذلك من الوسائط بحيث تصدق نسبة القتل إليه في نظر العرف .

الثاني: التسبيب والمراد به كل فعل يحصل التلف بفعل غيره بحيث لولاه لما حصل التلف، كحفر بئر، ونصب سكين وغيرها كما نقل عن العلامة في القواعد بقوله: وهو كل ما يحصل التلف عنده بعلة غيره، إلا أنّه لولاه لما حصل من العلة تأثير كالحفر مع التردي وهو موجب للضمان أيضاً(1)، وقال المحقق: وهو كل فعل يحصل لتلف بسببه كحفر البئر في غير الملك وطرح المعاشر، في المسالك قال: بلا خلاف أجده في أصل الضمان به بل يمكنتحصيل الإجماع عليه(2).

ص: 43


1- قواعد الاحكام / 3 / 651 .
2- الجواهر / 37 / 46 .

المسألة 226: من قتل نفساً من دون قصد إليه ولا إلى فعل يترتب عليه القتل عادة، كمن رمى هدفاً فأصاب إنساناً أو ضرب صبياً تأديباً فمات اتفاقاً أو نحو ذلك ففيه الدية دون القصاص(1).

المسألة 227: يضمن الطبيب ما يتلف بعلاجه مباشرة(2)، إذا عالج المجنون أو الصبي بدون إذن وليه، أو عالج بالغاً عاقلاً بدون إذنه وكذلك مع الإذن إذا قصر، وأمّا إذا أذن له المريض في علاجه ولم يقصر ولكنه آل إلى التلف اتفاقاً، فهل عليه الضمان أم لا ؟ قولان: الأقرب هو الأول، كذلك الحال إذا عالج حيواناً بأذن صاحبه وآل إلى التلف، هذا إذا لم يأخذ الطبيب البراءة من المريض أو وليه أو صاحب الدابة، وأمّا إذا أخذها فلا ضمان عليه .

_______________________________________________________________

(1) أمّا عدم القصاص فلأنّ القصاص موضوعه القتل العمدي لا مطلق العمد، وأمّا وجوب الدية لأن لا يهدر دم المسلم .

(2) هذه المسألة تتصور بأمور:

الأول: ما يتلف الشخص الكامل بدون إذنه فيتلف لإصالة الضمان وقد ادعيّ عليه الإجماع .الثاني: المعالجة من الإنسان الكامل ولو مع إذنه، ولكن قد قصر لأنّ الإذن كان في العلاج الصحيح وبدون التقصير، وأمّا لو قصر فهو ضامن وإطلاق دليل الضمان يشمله .

الثالث: ما إذا عالج المجنون والصبي مع الإذن، ولكن بدون التقصير إن كان الإذن من وليهما أو الحاكم الشرعي، وأمّا مع عدم الإذن فمعلوم، وأمّا مع الإذن فقد عرفت بأنّ الإذن كان في العلاج الصحيح وبدون تقصير، إذاً يجب الدية.

ص: 44

المسألة 228: إذا انقلب النائم غير الظئر فاتلف نفساً أو طرفاً منها، قيل إن الدية في ماله، وقيل إنّها على عاقلته، وفي كلا القولين إشكال، والأقرب عدم ثبوت الدية(1).

_______________________________________________________________

الرابع: العلاج الكامل مع الإذن وعدم التقصير في العلاج ولكن اتفق التلف بالعلاج فهو ضامن أيضاً لأن الإذن كان في العلاج دون التلف .

الخامس: وهو البراءة من المريض الكامل أو الولي الشرعي بغير الكامل واتفق التلف في العلاج فهو ليس بضامن إذا لم يقصر في ذلك وعليه المشهور وادعيّ عليه الإجماع، ولما ورد في معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال: أمير المؤمنين من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه وإلا فهو ضامن»(1).

وأمّا معالجة الحيوان لو كان بدون الإذن فهو ضامن، لأنّه تصرف فيملك الغير بدون إذنه ومع إذنه أيضاً هو ضامن، لأن الإذن كان في العلاج ولو كان الطبيب ماهراً ولم يقصر، نعم مع الأخذ بالبراءة فلا يضمن .

والمراد بالولي إذا كان بالغاً كاملاً هو نفسه، وإذا كان مجنوناً، أو صغيراً فلابد من أخذ البراءة من وليه أو حاكم الشرع، وإذا كان الحيوان فأخذ البراءة من مالكه .

(1) كما عن الدليمي والمفيد وابن زهرة ادعوا عليه إجماع الإمامية .

ص: 45


1- الوسائل باب 24 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 229: لو اتلفت الظئر طفلاً وهي نائمة بانقلابها عليه أو حركتها، فإن كانت إنما ظايرت طلباً للعز والفخر، فالدية في مالها(1).

_______________________________________________________________

(1) هناك أقوال في المسألة:

الأول: أنّها في ماله مطلقاً، ذهب إليه الشيخان في النهاية والمقنعة والجامع للشرائع وتحرير الأحكام(1).

الثاني: أنّها على العاقلة مطلقاً، نسب ذلك إلى العلامة في القواعد لو انقلبت الظئر فقتلت الصبي لزمها الدية في مالها إن طلبت الفخر، وعلى العاقلة إن كان للحاجة، والأقرب على العاقلة مطلقاً(2)، ونسب إلى بعض كتبه وولده والشهيدين بقولهما: النائم يضمن ما يجنيه في مال العاقلة لأنّه مخطيء في فعله وقصده(3)، وفي المسالك: كون فعل النائم من باب الخطأ المحض يلزم العاقلة(4)وغيرهم .

الثالث: التفصيل كما عن الإرشاد وتضمن العاقلة ما يتلفه النائم بانقلابه وإن كانت ظئراً للضرورة، وإن كانت للفخر فالدية من مالها(5) وابن إدريس في السرائر: قد روي أنّه متى تقلبت الظئر على الصبي في منامها فقتلته، فإن كانت إنما فعلت ذلك للفقر والحاجة كانت الدية على عاقلتها، وإن كانت إنما طلبتالمظائرة للفخر والعز كان عليها الدية في مالها خاصة(6) ونسب إلى غيرهما ذلك أيضاً .

ص: 46


1- النهاية / 758 / المقنعة / 747 / الجامع 583 / تحرير الاحكام / 2 / 262 .
2- قواعد الاحكام / 3 / 601 .
3- اللمعة الدمشقية / 10 / 113 .
4- مسالك الافهام / 15 /330 .
5- ارشاد الاذهان / 2 / 223 .
6- السرائر / 3 / 390 .

وإن كانت مظايرتها للفقر، فالدية على عاقلها(1).

_______________________________________________________________

لا يخفى أن القول الأول وإن كان طبق القاعدة لأنّه خطأ محض، ولكن الصحيح هو القول الثالث لصحيحة محمد بن مسلم قال «قال أبو جعفر (علیه السلام) أيّما ظئر قوم قتلت صبياً لهم وهي نائمة فقتلته، فإن عليها الدية من مالها خاصة إن كانت إنما ظائرت طلب العز والفخر، وإن كانت إنما ظائرت من الفقر فإنَّ الدية على عاقلتها»(1)، ورواه عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن أبي جعفر مثله، ولكن ذكر الشهيد الثاني أن هذه الروايات في سندها ضعف وجهالة وهكذا ذكر الاردبيلي مثله، والرواية ذكرت بطريقين ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن هارون بن جهم عن محمد بن مسلم والطريق صحيح إلا أنّه يقتصر على موردها ولا يجوز التعدي لغير موردها، فليس هناك دية كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: لا دية عليه ولا على عاقلته وهذا هو الأقرب(2)، أو عليها الدية كما قلنا، إذاً التفصيل هو الحق إذا علم بإنّها لأجل الفقر أو الشأن والاعتزاز، أمّا في صورة الجهل فلا يجب الدية لأن عملها كان لأمرار المعيشة فتكون عن فقر واحتياج فتكون الدية في مالها لأنّها هي المسبب .

(1) هناك أقوال في المسألة :

الأول: نسب إلى المقنعة قوله: إذا نام الصبي إلى جنب الظئر فانقلبتعليه في النوم فقتلته لم يجب عليها بذلك القود وكانت ضامنة لديته(3) والنهاية والجامع بقوله: والظئران ظائرت للفقر فنامت على الصبي فمات فالدية على عاقلتها وإن ظائرت للعز والفخر ففي مالها(4)، والتحرير بقوله: ولو انقلبت الظئر على الطفل

ص: 47


1- الوسائل باب 29 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 275 .
3- المقنعة / 747 .
4- الجامع للشرائع / 583 .

................................

فقتلته، فإن كانت طلبت بالمظائرة بالفخر لزمتها الدية في مالها، وإن كانت طلبت ذلك للحاجة والضرورة فالدية على العاقلة، وعندي في هذا التفصيل نظر لأنّ فعل النائم إن كان خطأ فالدية على العاقلة على التقديرين وإن كان شبيه العمد، فالدية في ماله على التقديرين والتفصيل لا وجه له(1)، والإرشاد بقوله: وتضمن العاقلة ما يتلفه النائم بانقلابه وإن كانت ظئراً للضرورة، وإن كانت للفخر فالدية في مالها(2) ومجمع البرهان بقوله: ونقل عن الشيخ كونه في مال النائم لأنّ إتلاف النائم من الأسباب لا الجنايات بالمباشرة لأنّه قد ارتفع اختياره، ويؤيده ما تقدم أن الضمان على العاقلة خلاف القواعد العقلية والشرعية فلا يصار إليه إلا في المنصوص والمتفق عليه(3) أي ثبوت الدية في ماله .

الثاني: على عاقلته كما في الجواهر والذي يقتضيه مذهبنا أن الدية في جميع هذا يعني النائم ومسألة الظئر على العاقلة، لأن النائم غير عامد في فعلهولا عامد في قصده، وهذا احد قتل الخطأ المحض(4)ونسب إلى القواعد وكشف الرموز والإيضاح واللمعة والتنقيح والروضة والمسالك وقال في الشرائع وهو أشبه بأصول المذهب(5).

الثالث: أنّه لا دية عليه ولا على عاقلته .

الرابع: أنّه من بيت المال .

ص: 48


1- تحرير الاحكام / 5 / 529 .
2- ارشاد الاذهان / 2 / 223 .
3- مجمع الفائدة والبرهان / 14 /231 .
4- جواهر الكلام / 43/51 .
5- انظر المسالك / 15 / 351، واللمعة الدمشقية / 10 / 113 وغيرها من المصادر المشار إليها .

................................

أمّا القول الأول فقد ادعوا:

أولاً: أنّه من باب شبيه العمد كما عليه الشيخ، لأنّه حيث ارتفع عنه الاختيار فلا يكون عمداً، ولكن ضمانها عليه، وفيه لو فرض أنّه ليس بعمد وليس بشبيه العمد لأنّ شبيه العمد ما لو كان قاصداً للفعل وغير قاصد للقتل، والنائم ليس بقاصد شيء أصلاً .

ثانياً: إن الأصحاب جميعهم قد أوردوا ذلك في باب ضمان النفوس وذلك لا تحمله العاقلة بلا خلاف كما نسب إلى الحلي، أو عليه رواية كما في السرائر(1) ويندفع هذا بأن الأصحاب كثير منهم لم يوردها في ضمان النفوس ومن أورد منهم وأفتوا بأن الدية تكون على العاقلة، إذاً لا يمكن القول بادعاء الإجماع الذي يكون كاشفاً عن رأي المعصوم (علیه السلام)، وأمّا الخبر فلا يمكن الاستناد عليه لأنّه مرسل، مضافاً إلى التشويش في المتن .

ويندفع الثاني بأن المورد ليس من القتل الخطأ حتى تكون الدية علىالعاقلة، لأن الخطأ بأن يقصد شيئاً وأصاب غيره، أو أعتمد على شيء وأصاب غيره، والقصد منتفي من النائم، فلا يكون من القتل الخطائي وكلا القولين غير تام، فالأصل عدم الضمان وكان حكمه حكم من سقط من شاهق على آخر بغير قصد قتله، فلا دية على الساقط .

أمّا الوجه الرابع أيّ الدية من بيت مال المسلمين قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وفيه أن هذا الوجه لا يتم أيضاً وذلك لأنّ التعليل لا يعم ما إذا كان الموت بقضاء الله وقدره من دون أن يستند إلى اختيار شخص كما إذا اطار الريح مثلاً رجلاً من على سطح فوقع على إنسان فقتله، فإنّه لا دية في ذلك لا على الواقع ولا على عاملته

ص: 49


1- السرائر / 3/ 390 .

المسألة 230: إذا أعنف الرجل بزوجته جماعاً في قبل أو دبر، أو ضمها إليه بعنف فماتت الزوجة، فلا قود ولكن يضمن الدية في ماله وكذلك الحال في الزوجة إذا أعنفت بزوجها فمات(1).

_______________________________________________________________

ولا على بيت المال، وما نحن فيه من هذا القبيل(1) .

ولكن يمكن أن يقال إن النائم إذا كسر كوز شخص فهو ضامن، وأمّا بالنسبة إلى النفس فيكون بطريق أولى وأصالة الضمان جارية .

(1) لأنّه يدخل في دية شبه العمد وليس من قصده القتل فيكون ثبوت الدية طبقاً للقاعدة، مضافاً إلى معتبرة سلمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنه سُئل عن رجل أعنف على أمرأته فزعم أنّها ماتت من عنفه، قال(علیه السلام) الدية كاملة، ولا يقتل الرجل»(2)، ولا فرق بين الجماع في القبل أو في الدبر لإطلاق الرواية، وتؤيد ذلك رواية زيد عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل نكح امرأة في دبرها، فالحَّ عليها حتى ماتت من ذلك، قال: عليه الدية»(3)، وهكذا بالنسبة إلى الزوجة إذا اعنفت بزوجها فمات لأنّه داخل في مسألة شبيه العمد، وأمّا ما ورد في مرسلة يونس عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن رجل أعنف على امرأته أو أمرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر قال: لا شيء عليهما إذا كانا مأمونين فإن إتّهما أُلزما اليمين بالله أنّهما لم يريدا القتل»(4)، فهي مرسلة فلا يمكن الاستدلال بها ففي السند صالح بن سعيد لم يوثق بل مجهول، ثم إنها ناظرة إلى عدم القود لا عدم الدية .

ص: 50


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 277 .
2- الوسائل باب 31 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
3- الوسائل باب 31 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب موجبات الضمان ح4 .

المسألة 231: من حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فعليه ديته في ماله ويضمن المال إذا أتلف منه شيء على المشهور(1) وفيه إشكال والأقرب أن الدية على العاقلة، ولا ضمان عليه في تلف المال إذا كان مأموناً غير مفرط .

_______________________________________________________________

(1) أمّا الضمان فللأصل، والإجماع، والاتفاق، والكلام يقع في أصل الدية هل هي على نفس أو على العاقلة، فعن الشرائع بقوله: من حمل على رأسه متاعاً فكسرة وأصاب به إنساناً ضمن جنايته في ماله(1)والتحرير بقوله: إذاحمل على رأسه متاعاً فكسره أو أصاب به إنساناً في نفس أو طرف أو جرح ضمن المتاع وما جناه في ماله(2)، والقواعد بقوله: يضمن حامل المتاع إذا كسره أو أصاب به غيره المتاع، والمصدوم في ماله(3) والإرشاد بقوله: وحامل المتاع إذا كسره أو اصاب به غيره الصائح بالمريض، أو المجنون أو الطفل، أو العاقل مع غفلته، أو بالمفاجات بالصيحة مع التلف في ماله، وكذا المشهر سيفه في الوجه ولو فرّ فألقى نفسه في بئر، أو من سقف، أو ما صادفه في هربه سبع، قال الشيخ لا ضمان له(4)، واللمعة بقوله: وحامل المتاع يضمن لو أصاب به إنسان في ماله(5)، والسرائر بقوله: من حمل على رأسه متاعاً بأجرة فكسره وأصاب إنساناً به كان عليه ضمانه أجمع(6) وقال الماتن بأن الدية على العاقلة وليس عليه ضمان في تلف المتاع، واستدل من يقول بأن

ص: 51


1- شرائع الإسلام / 4 / 492 .
2- تحرير الأحكام / 5 / 529 .
3- قواعد الأحكام / 3 / 651 .
4- ارشاد الاذهان / 2/ 225 .
5- اللمعة الدمشقية / 10/ 113 .
6- السرائر / 3 / 393 .

................................

الدية من ماله بصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل حمل على رأسه متاعاً فأصاب إنساناً فمات أو كسر منه، قال: هو مأمون»(1) ففي المسالك: في طريق الرواية سهل بن زياد وهو ضعيف(2) والضعف من حيث الطريق المروي بالكافي والتهذيب في باب الضمان، وإلا أنّه يوجد هناك طريقاً آخراً وهو في التهذيب والفقيه في كتاب الإجارة، ليسبضعيف، والطريق الثاني يكون عن داود بن سرحان، ثم أنّه يكون داخلاً في خطأ المحض لذا قال _ أي صاحب المسالك _ وهي بإطلاقها مخالفة للقواعد لأنّه إنما يضمن المصدوم في ماله مع قصده إلى الفعل وخطئه في القصد، فلو لم يقصد الفعل كان خطأ محضاً كما تقرر(3) .

وأمّا عدم الضمان في تلف المال لأنّه مأمون، ويؤيد ذلك ما ورد في الخبر بالسند الصحيح إلى داود بن سرحان عن الإمام الصادق (علیه السلام) «في رجل حمل على رأسه متاعاً فأصاب إنساناً فمات أو كسر منه شيئاً، قال (علیه السلام) هو مأمون»(4)وهناك رواية أخرى عن أبي بصير _ يعني المرادي _ عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك إلا أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة ويستحلف لعله يستخرج منه شيئاً، وفي الرجل يستأجر جمّالاً فيكسر الذي يحمل أو يهريقه، فقال: على نحو من العامل إن كان مأموناً فليس عليه شيء، وإن كان غير مأمون فهو ضامن»(5)، وعدم الضمان لأنّه كان مأموناً ولم يتعد، إذاً بالنسبة إلى الضمان في

ص: 52


1- الوسائل باب 10 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
2- المسالك / 15/ 331 .
3- المسالك / 15 / 331 .
4- الوسائل باب 10 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
5- الوسائل باب 29 من أبواب كتاب الإجارة ح11 .

المسألة 232: من صاح على أحد فمات، فإن كان قصد ذلك أو كانت الصيحة في محل يترتب عليها الموت عادة وكان الصائح يعلم بذلك فعليه القود(1)، وإلا فعليه الدية(2)هذا فيما إذا علم استناد الموت إلى الصيحة، وإلا فلا شيء عليه(3)، ومثل ذلك ما لو شهر سلاحه في وجه إنسان فمات(4).

_______________________________________________________________

ماله روايتان متعارضتان فنرجع إلى القاعدة وهو الدية على العاقلة، وأمّا مع عدم الضمان فتلف المال أيضاً في الرواية يكون طبقاً للقاعدة .

(1) وذلك لدخولهما في القتل العمدي وهو يكون موضوعاً للقصاص.

(2) وأمّا إذا لم يقصد ذلك أو لم يكن في مورد يترتب عليه الموت غالباً فتكون المسألة من باب شبيه العمد لا الخطأ المحض حتى تكون الدية على العاقلة، ويدل على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال أيّما رجل فزع رجلاً عن الجدار أو نفر به عن دابته فخرّ، فمات فهو ضامن لديته وإن أنكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه»(1).

(3) لأنّ الأصل عدم استناد موته إليه ومعه لا موجب لا للقصاص ولا الدية .

(4) فهو موجب للضمان كما تقدم في الصيحة هنا .

ص: 53


1- الوسائل باب 15 من أبواب موجبات الضمان ح2 .

المسألة 233: لو صدم شخصاً عمداً غير قاصد لقتله، ولم تكن الصدمة مما يترتب عليه الموت عادة فاتفق موته، فديته في مال الصادم(1) وأمّا إذا مات الصادم فدمه هدر(2)، وكذلك إذا كان الصادمالمقتول غير قاصد للصدم وكان المصدوم واقفاً في ملكه أو نحوه مما لا يكون فيه تفريط من قبله(3)، وأمّا إذا كان واقفاً في مكان لا يسوغ له الوقوف فيه كما إذا وقف في طريق المسلمين وكان ضيقاً فصدمه إنسان من غير قصد فمات، كان ضمانه على المصدوم(4).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه كان سبباً لقتله فيتعين عليه الدية، وأمّا لو كان الفعل مما يقتل غالباً أو كان قاصداً ذلك فلابد من القصاص .

(2) لعدم اسناد الفعل إلى أحد، بل يكون مستنداً لنفسه .

(3) وكذا لو كان المصدوم في ملكه أو في طريق واسع غير مزاحم فصدم شخصاً فمات بعد صدم المصدوم فدمه هدر .

(4) لأنّه يقع سبب القتل على المصدوم عرفاً فلابد من دفع الدية هذا إذا مات الصادم، أمّا لو مات المصدوم فدمه هدر، لأنّه حصل الموت بفعله .

ص: 54

المسألة 234: لو اصطدم حران بالغان عاقلان قاصدان ذلك فماتا اتفاقاً، ضمن كل واحد منهما نصف دية الآخر(1)، ولا فرق في ذلك بين كونهما مقبلين أو مدبرين أو مختلفين(2).

المسألة 235: لو تصادم فارسان فمات الفرسان أو تعيّبا فعلى كل واحد منهما نصف قيمة الفرس الآخر أو نصف الأرش(3)، هذا إذا كان الفارس مالكاً للفرس، وأمّا إذا كان غيره ضمن نصف قيمة كل من الفرسين لمالكيهما(4).

_______________________________________________________________

(1) تارة يموت كلاهما، وأخرى أحدهما، فإذا مات أحدهما أخذ ورثته نصف الدية، لأنّ الفعل وقع بفعله وفعل غيره، وكذا إذا مات كلاهما ضمن كل واحد نصف دية الآخر، فإن تساويا في الدية فلا شيء على أحدهما للتهاتر .

(2) وأمّا في صورة ما إذا كانا مختلفين كالرجل والمرأة فأخذ صاحب الفضل الزيادة لزيادة ديته، ولا فرق بين كونهما مقبلين أو مدبرين أو مختلفين أو اتحدا في نفس المركوب، أو اختلفا فإن الضابط هو أن يصدم أحدهما الآخر مع القصد .

(3) وقد مرت المسألة وبيانها فيما إذا تساوت القيمتان أو زادت قيمة أحدهما على الآخر .

(4) لأنّ الفرس ملك للغير فلابد أن يدفع الخسارة إليه .

ص: 55

هذا إذا كان التلف مستنداً إلى فعل الفارس، وأمّا إذا استند إلى أمر آخر كإطارة الريح ونحوها مما هو خارج عن اختيار الفارس لم يضمن شيئاً، ومثله إذا كان الاصطدام من طرف واحد، أو كان التعدي منه فإنّه لا ضمان حينئذٍ على الطرف الآخر، بل الضمان على المصدوم أو المتعدي(1)، ويجري ما ذكرناه من التفصيل في غير الفرس من المراكب سواء أكان حيواناً أم سيارة أم سفينة أم غيرها(2) .

المسألة 236: إذا اصطدم صبيان راكبان بأنفسهما أو بأذن ولييهما إذناً سائغاً فماتا فعلى عاقلة كل منهما نصف دية الآخر(3) .

المسألة 237: لو اصطدم عبدان بالغان عاقلان سواء أكانا راكبين أم راجلين أم مختلفين فماتا فلا شيء على مولاهما(4) .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الفارس لم يكن سبباً في الموت أو العيب .

(2) لأنّ الحكم في الجميع واحد .

(3) المسألة غير خلافية، أمّا الدية فتكون على عاقلة كل منهما، لأنّ عمد الصبي خطأ وتحمله العاقلة، أي عاقلة كل منهما نصف دية الآخر لأنّ الفعل وهو الموت مستند إليه وإلى الآخر فعليه النصف وعلى الآخر النصف إلا إذا كان أحدهما بنتاً .

(4) لا يخفى بأنّ جناية العبد تتعلق برقبته دون رقبة المولى، فنصفالدية أصبح هدراً لانتفاء الموضوع، والنصف الآخر ينتفي بانتفاء محله .

ص: 56

المسألة 238: إذا اصطدم عبد وحر فماتا اتفاقاً، فلا شيء على مولى العبد ولا له من دية العبد شيء(1).

المسألة 239: إذا اصطدم فارسان فمات أحدهما دون الآخر ضمن الآخر نصف دية المقتول، والنصف الآخر منها هدر(2).

المسألة 240: إذا اصطدمت امرأتان إحداهما حامل والأخرى غير حامل فماتتا سقطت ديتهما، وإذا قتل الجنين فعلى كل واحدة منهما نصف ديته إن كان القتل شبيه عمد، كما إذا كانتا قاصدتين للاصطدام وعالمتين بالحمل، وإلا فالقتل خطأ محض، فالدية على عاقلتهما(3).

_______________________________________________________________

(1) أمّا عدم وجوب الشيء على المولى فلأنه كما ذكرنا دية العبد برقبته لا برقبة المولى، وليس له شيء لأنّ النصف منه يذهب هدراً لاستناده إلى فعل نفسه .

(2) فهنا إذا قصدا القتل أو كان الفعل مما يقتل به عادة فلابد من القصاص، وأمّا إذا لم يقصدا القتل فبما أن الجناية حصلت من فعل المقتول والقاتل، فيستحق المقتول نصف الدية من القاتل .

(3) لا يخفى بإنّه تارة يكون القتل شبيه العمد، وأخرى خطأ، أمّا بالنسبة إلى الامرأتين فبما أن القتل حصل بفعلهما فكل منهما يضمن نصف دية الآخر فيتساقطان، وأمّا بالنسبة إلى الجنين إذا قتل فيهدر النصف من الدية لأنّه كان بفعل والدته وبقي النصف من الدية على الآخرى، هذا إذا كان القتل شبيهعمد، أمّا لو كان القتل خطأ فعلى العاقلة .

ص: 57

ومن ذلك يظهر حال ما إذا كانت كلتاهما حاملاً(1) .

المسألة 241: لو رمى إلى طرف قد يمر فيه إنسان فأصاب عابراً اتفاقاً، فالدية على عاقلة الرامي(2)، وإن كان الرامي قد أخبر من يريد العبور بالحال، وحذره فعبر والرامي جاهل بالحال فأصابه الرامي فقتله لم يكن عليه شيء(3).

_______________________________________________________________

(1) وظهر مما ذكرنا بأنّ هنا أيضاً يحصل التساقط لأنّ على كل منهما نصف ديته ونصف دية الجنين ونصفهما على الآخر فيتساقطان بالتهاتر .

(2) المسألة لا تدخل في مسألة الخطأ المحض وتكون الدية على العاقلة لا على الرامي مضافاً إلى أن المسألة اتفاقية .

(3) لأنّه حينما أخبر وعلم الحال مع ذلك عبر والرامي كان جاهلاً بالحال فقد أقدم على قتل نفسه فيكون دمه هدراً، إذاً لا قصاص على الرامي لجهله ولا دية عليه بعد إن أقدم المقتول على قتل نفسه، ويؤيد ذلك رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان صبيان في زمان علي (علیه السلام) يلعبون بأخطار لهم، فرمى أحدهم بخطره فدق رباعية صاحبه، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) فأقام الرامي البينة بأنّه قال حذار، فدرأ عنه القصاص، ثم قال: أعذر من حذر»(1).

ص: 58


1- الوسائل باب 26 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

فلو اصطحب العابر صبياً فأصابه الرامي، فهل ديته على العابر أو الرامي أو على عاقلتهما ؟ فيه خلاف والأقرب هو التفصيل، فمن كان منهما عالماً بالحال فعليه نصف الدية، ومن كان جاهلاً بها فعلى عاقلته كذلك(1).

المسألة 242: إذا اخطأ الختّان فقطع حشفة غلام ضمن(2).

_______________________________________________________________

(1) قد يقال بأن الضمان على من مرّ به لأنّه هو المباشر لتلف الصبي ففي صورة علم الرامي وقصده كانا مشتركين في القتل الشبيه للعمد، وأمّا لو كانا جاهلين ففي هذه الصورة الدية على العاقلة، وفي الصورة الثالثة فالعالم بالقتل يكون مستنداً إليه فيكون شبيه العمد، وبالنسبة إلى الجاهل خطأ محض فالدية على العاقلة .

(2) قد مرّ البحث في مسألة الطبيب بأنّه ضامن وإن كان حاذقاً ويكون عمله شبيه العمد، نعم هنا إذا أخذ البراءة فلا يكون ضامناً، وتدل عليه معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه C «إن علياً (علیه السلام) ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام»(1) أمّا حمل الرواية على ما أفرط فيحتاج إلى دليل، فمع تجاوزه الحد يكون ضامناً وإن كان ماهراً ولا يفيد الأذن، لأنّه لم يكن مأذوناً عن الزيادة عن الحد ولو فرض إذنه من الولي في الختان فليس للولي الإذن في الزيادة لأنّه خارج عن ولايته .

ص: 59


1- الوسائل باب 24 من أبواب موجبات الضمان ح2 .

المسألة 243: من سقط من شاهق على غيره اختياراً فقتله(1)، فإن كان قاصداً قتله أو كان السقوط مما يقتل غالباً فعليه القود، وإلا فعليه الدية، وإن قصد السقوط على غيره ولكن سقط عليه خطأ فالدية على عاقلته(2).

المسألة 244: إذا سقط من شاهق على شخص بغير اختياره، كما لو ألقته الريح الشديدة أو زلّت قدمه فسقط فمات الشخص، فالظاهر أنّه لا دية لا عليه ولا على عاقلته، كما لا قصاص عليه(3).

_______________________________________________________________

(1) إذا قصد من وقوعه عليه قتله، أو لم يقصد قتله ولكن كان مما يقتل به غالباً فهو عمد يترتب عليه حكم العمد، وأمّا إذا لم يكن من قصده القتل أو لا يكون مما يقتل به غالباً فهو شبيه العمد، والدية تكون في ذمته .

(2) لأنّه خطأ محض فالدية تكون على العاقلة، والمسألة تكون واضحة من جهة ما مضى بيانه .

(3) والمسألة غير خلافية، فإنّه لا قصاص، لأنّه ليس بقتل العمد ولا شبيه العمد فلا دية عليه، ولا هو خطأ محض فلا يكون الدية على العاقلة وفي جميع ذلك لم يستند القتل إليه أصلاً، مضافاً إلى ورود عدة من الروايات .

منها: صحيحة عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل وقع على رجل فقتله، فقال: ليس عليه شيء»(1).

وصحيحته الثانية قال: «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل وقععلى رجل من فوق البيت فمات أحدهما، قال: ليس على عليه شيء، ولا على الأسفل شيء»(2).

ص: 60


1- الوسائل باب 20 من أبواب قصاص النفس ح2 .
2- الوسائل باب 20 من أبواب قصاص النفس ح3 .

المسألة 245: لو دفع شخصاً على آخر، فإن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع بلا إشكال(1)، وأمّا إذا مات المدفوع عليه فالدية على المدفوع، وهو يرجع إلى الدافع .

المسألة 246: لو ركبت جارية جارية أخرى فنخستها جارية ثالثة فقصمت الجارية المركوبة قهراً وبلا اختيار فصرعت الراكبة فماتت فالدية على الناخسة دون المنخوسة(2).

_______________________________________________________________

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما C «قال: في الرجل يسقط على الرجل فيقتله، فقال: لا شيء عليه وقال من قتله القصاص فلا دية له»(1).

(1) لا يخفى بأنّ المسألة متفق عليها، فإن كان عمداً فعليه القود أو الدفع مما يقتل به عادة، أمّا إذا لم يكن القصد منه القتل ولا مما يقتل به عادة فعلى الدافع دية ما أصبب من الدفع، أمّا إذا مات المدفوع عليه فحسب القاعدة تكون على الدافع لأنّه لم يصدر من المدفوع الفعل لا عمداً ولا شبيه عمد ولا خطأ محضاً، لأنّ الفعل لم يستند إليه وإنما استند إلى الدافع، فليس على المدفوع شيء، نعم هناك رواية صحيحة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله، قال: الدية على الذي دفع على الرجل فقتله لأولياء المقتول، قال: ويرجع المدفوع بالدية علىالذي دفعه قال: وإن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً»(2) وقد عمل في كتبه الثلاثة النهاية والتهذيب والاستبصار .

(2) هناك أقوال في المسألة :

القول الأول: الدية على الناخسة وهو الصحيح لتحقق السببية من قبلها

ص: 61


1- الوسائل باب 20 من أبواب قصاص النفس ح2 .
2- الوسائل باب 21 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

................................

فالضمان عليها فهي إن أرادت بهذا العمل القتل فعليها القود وإلا فعليها دية شبه العمد .

القول الثاني: الدية نصفان بين الناخسة والمنخوسة كما روي عن أبي جميلة عن سعد الاسكافي عن الأصبغ بن نباتة، قال: «قضى أمير المؤمنين في جارية ركبت جارية فنخستها أخرى فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت فقضى بديتها نصفين بين الناخسة والمنخوسة»(1)، وهي ضعيفة بأبي جميلة محمد بن مهران وعن النجاشي: والخلاصة أنّه من أبناء الأعاجم غالٍ كذاب فاسد المذهب والحديث مشهور بذلك، بل عن النجاشي أن سعد الإسكافي يعرف وينكر حديثه وكان قاضياً وإن حكيّ عن الشيخ أنه صحيح الحديث(2)ونسب الجواهر إلى المقنعة والغنية ومحكي الإصباح الشيعة والكافي والمحقق على الناخسة والقامصة ثلثا الدية ويسقط الثلث(3)وروي بهذا المضمون رواية مرسلة قال: «إن علياً (علیه السلام) رفع إليه خبر جاريةحملت جارية على عاتقها عبثاً ولعباً فجاءت جارية أخرى فقرصت الحاملة فقمصت لفرصتها، فوقعت الراكبة فاندق عنقها فهلكت، فقضي على القارصة بثلث الدية وعلى القامصة بثلثها وأسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة فبلغ النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فامضاه»(4) الحق هو القول الأول .

ص: 62


1- الوسائل باب 7 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
2- رجال النجاشي رقم 942 .
3- الجواهر / 43 / 74 .
4- الوسائل باب 7 من أبواب الضمان ح2 .

فروع

الأول: من دعا غيره ليلاً فأخرجه من منزله فهو له ضامن حتى يرجع إلى منزله، فإن فقد ولم يعرف حاله فعليه ديته(1)، نعم إن أدّعى أهل الرجل القتل على الداعي المخرج، فقد تقدم حكمه في ضمن مسائل الدعاوي .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وفي الغنية بقوله: من أخرج غيره من منزله ليلاً ضمن ديته في ماله حتى يرده أو يقيم البينة بسلامته أو براءته من هلاكه(1)، وقال المحقق: من دعاه غيره فأخرجه من منزل ليلاً، فهو له ضامن حتى يرجع إليه، فإن عدم فهو ضامن لديته(2)، وقال في الرياض: بلا خلاف فيه في الجملة بل عليه الوفاق كذلك في الروضة وكلام جماعة وادعى الإجماع عليه مطلقاً في الغنية وعن الماتن في نكت النهاية(3)، والعمدة صحيحة عمرو بن أبي المقدام «إنّ رجلاً قال لأبي جعفر المنصور _ وهو يطوف _: يا أمير المؤمنين إنّ هذين الرجلين طرقا أخي ليلاً، فأخرجاه من منزله ولم يرجع إليّ، والله ما أدري ما صنع به، فقال لهما: ما صنعتما به ؟ فقالا: يا أمير المؤمنين كلّمناه ثم رجع إلى منزله إلى أن قال، فقال لأبي عبد الله جعفر بن محمد C اقض بينهم إلى أن قال، فقال: يا غلام اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) كل من طرق رجلاً بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامنإلا أن يقيم عليه البيّنة أنّه قد ردَّه إلى منزله، يا غلام نحِّ هذا فاضرب عنقه، فقال: يا ابن رسول الله، والله ما أنا قتلته ولكني أمسكته ثم جاء هذا فوجأه

ص: 63


1- غنية النزوع / 2 / 414 .
2- شرائع الإسلام / 2 / 252 .
3- رياض المسائل / 16 / 393 .

................................

فقتله، فقال أنا ابن رسول الله يا غلام نحِّ هذا فاضرب عنقه للأخر، فقال: يا ابن رسول الله، ما عذبته ولكني قتلته بضربة واحدة، فأمر أخاه فضرب عنقه، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره، ويضرب في كل سنة خمسين جلدة»(1).

يقول الاستاذ والرواية مطابقة لما في الفقيه(2) وخبر عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا دعا الرجل أخاه بليل فهو له ضامن حتى يرجع إلى بيته»(3)، والرواية ضعيفة سنداً .

لا يخفى إن ذكر الليل إنما هو من باب الاغلبية وإلا لو اختطفه في النهار يصح، فهو كما إن ذكر الرجل في الرواية من باب أحد المصاديق كبيراً كان أو صغيراً، رجلاً كان، أو امرأة، أخرجه من بيته، أو بيت غيره، أو من محله كان بالتماس منه، أو بالتخويف والعصبية، أو الإيجار، والمخرج كان أميناً أم لا للإطلاق، ولا يخفى أيضاً أنّه لا يجوز القصاص في فرض عدم وجدانه مقتولاً وإنما تجب الدية .

إن قلت ورد في الخبر بأنّه نحِّ هذا الواحد منهما واضرب عنقه .

قلت أنّه لم يكن أمر الإمام على نحو الحقيقة، بل كما في المسالكوغيره أنّه لاستخراج ما فعلاه تهديد وحيله على الإقرار الصحيح(4) كما أنّه ولو وجد قتيلاً فلا قود ما لم يثبت ولو بينة أو الإقرار بأن القاتل المخرج .

ص: 64


1- الوسائل باب 18 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2/ 294 .
3- الوسائل باب 18 من أبواب القصاص في النفس ح2، مباني تكملة المنهاج / 2 / 294.
4- مسالك الافهام / 5 / 349 .

................................

ولا يخفى أن الحر لا يضمن ولكن نسب إلى الشهيد في حواشيه أن الحر لا يضمن بإثبات اليد عليه ولا أثر اليد في غير المال ثم يستثنى في ذلك موارد منها المقام، ومنها الظئر إن لم تكن مأمونة، ومنها تلف الصبي المغصوب، أمّا لو وجد ميتاً ولم يكن فيه أثر القتل فهل يثبت الضمان من المخرج ؟ فنسب الضمان في النافع والنفي في الشرائع بقوله: وإن وجد ميتاً ففي لزوم الدية تردد والأشبه أنّه لا يضمن(1).

والحق كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) التفصيل، بقوله: أنّه إن احتمل استناد الموت إلى المخرج وإن كان لأمر غير ظاهر فالضمان عليه لأطلاق الدليل، وأمّا إذا علم أنّه مات حتف أنفه أو بسبب آخر لابد للمخرج فيه فلا ضمان عليه، والرواية منصرفة عنه جزماً(2).

ص: 65


1- شرائع الإسلام / 2/252 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 295 .

الثاني: الظئر إن جاءت بالولد، فأنكره أهله صدّقت ما لم يثبت كذبها(1)، فإن علم كذبها وجب عليها إحضار الولد، والمشهور أنّ عليها الدية مع عدم إحضارها الولد، ووجهه غير ظاهر(2)، ولو أدعت الظئر إن الولد قد مات صدّقت(3) .

الثالث: لو استأجرت الظئر امرأة أُخرى ودفعت الولد إليها بغير إذن أهله، فجهل خبره ولم تأتِ بالولد، فعليها دية كاملة(4) .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد ادعوا الإجماع والعمدة الروايات، منها صحيحة الحلبي قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل استأجر ظئراً فدفع إليها ولده، فغابت بالولد سنين ثم جاءت بالولد وزعمت أمه أنّها لا تعرفه وزعم أهلها أنّهم لا يعرفونه، فقال (علیه السلام) ليس لهم ذلك فليقبلوه إنما الظئر مأمونة»(1).

(2) لعدم تحقق موجب الدية مع أنّه فرض بأنّها مأمونة وليس على الأمين إلا الحلف.

(3) ولا قصاص ولا دية لأمانتها كما ورد في الروايات إذا في فرض امانتها لأتحقق موجبهما، نعم إذا دلت البينة على القتل عمداً أو شبيه العمد يترتب عليها أثرها .

(4) فإن علم موته عمداً أو شبيه العمد فله حكمه، وأمّا إذا لم يعلم فعليها الدية لصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عنرجل استأجر ظئراً فدفع إليها ولده فانطلقت الظئر فدفعت ولده إلى ظئر أُخرى فغابت به حيناً، ثم إن الرجل طلب ولده من الظئر التي كان أعطاها أبنه فأقرت أنّها استأجرته وأقرت بقبضها ولده وأنّها كانت دفعته إلى ظئر أُخرى فقال (علیه السلام) عليها الدية أو تأتي به»(2).

ص: 66


1- الوسائل باب 29 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
2- الوسائل باب 80 من أبواب أحكام الأولاد ح2 .

فروع التسبيب

المسألة 247: إذا أدخلت المرأة أجنبياً في بيت زوجها فجاء الزوج وقتل الرجل، فهل تضمن المرأة ديته ؟ فيه وجهان، الأقرب عدم الضمان(1) .

_______________________________________________________________

وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «سألته عن رجل استأجر ظئراً فأعطاها ولده وكان عندها فانطلقت الظئر واستأجرت أُخرى فغابت الظئر بالولد ولا يدري ما صنعت به، قال: (علیه السلام) عليها الدية كاملة»(1).

(1) أمّا عدم ضمانها فلعدم الدليل، وأمّا عدم الضمان على صاحب البيت فلأنّه هو الذي أهدر دمه في دخوله في بيت الغير، نعم في صورة دخول الرجل في البيت جبراً، أو لم يكن عالماً بالحال فالضمان .

وأمّا من يقول بضمان المرأة فلعله استدل برواية إبراهيم بن هاشم عن محمد بن حفص عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قلت: له رجل تزوجامرأة فلما كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة، فلما دخل الرجل يباضع أهله ثار الصديق فاقتتلا في البيت فقتل الزوج الصديق فقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق، فقال: تضمن دية الصديق، وتقتل بالزوج»(2).

ولكن الرواية ضعيفة بمحمد بن حفص الذي يروي عنه إبراهيم هاشم لأنّه مجهول، وفي الطريق أيضاً عبد الله بن طلحة ولم يوثق، والظاهر أن دم الرجل هدر والقاتل لم يكن عليه شيء لأنّه قتله دفاعاً .

ص: 67


1- الوسائل باب 29 من أبواب موجبات الضمان ح3 .
2- الوسائل باب 23 من أبواب القصاص في النفس ح3 .

المسألة 248: لو وضع حجراً في ملكه لم يضمن دية العاثر به اتفاقاً(1)، ولو وضعه في ملك غيره أو في طريق مسلوك وعثر به شخص فمات أو جرح ضمن ديته، وكذلك لو نصب سكيناً أو حفر بئراً في ملك غيره أو في طريق المسلمين فوقع عليه أو فيها شخص فجرح أو مات ضمن ديته(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لقاعدة السلطنة أي الناس مسلطون على أموالهم خصوصاً إذا وضعه لمصلحة، ولأنّه لم يتحقق منه العمد ولا شبه العمد ولا الخطأ وورد بذلك معتبرة سماعة قال «سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه فقال: أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأمّا ما حفر في الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه»(1)، وصحيحة زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: لو أنّ رجلاً حفر بئراً في داره ثم دخل رجل (داخل)فوقع فيها لم يكن عليه شيء ولا ضمان، ولكن ليغطها»(2).

(2) كل ذلك لأجل تحقق التسبيب والعمدة الروايات .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «سألته عن الشيء يوضع في الطريق فتمر الدابة فتعقره بصاحبها فتنفره، فقال: كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه»(3).

ومنها: صحيحة أبي الصباح الكناني، قال «قال: أبو عبد الله (علیه السلام) من أضرَّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن»(4).

ص: 68


1- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الضمان ح3 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الضمان ح4 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
4- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الضمان ح2 .

هذا إذا كان العابر جاهلاً بالحال، وأمّا إذا كان عالماً بها فلا ضمان له(1) .

المسألة 249: لو حفر في طريق المسلمين ما فيه مصلحة العابرين فاتفق وقوع شخص فيه فمات، قيل لا يضمن الحافر، وهو قريب(2).

_______________________________________________________________

ومنها: معتبرة سماعة، قال «سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه، فقال: أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأمّا ما حفر في الطريق، أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه»(1).

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قلت له:رجل حفر بئراً في غير ملكه، فمرَّ عليها رجل فوقع فيها، فقال: عليه الضمان لأن كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان»(2) وغيرها من الروايات .

(1) لأنّه هو الذي أوقع نفسه في الهلكة وأقدم على هلاكها .

(2) كما إذا رش الماء لكي يرفع الحرارة عن المار ولعدم أذيتهم من الغبار فإنّه لا يكون ضامناً، وفاقاً لجماعة كما نسب الاستاد الاعظم (قدس سرُّه) إلى الشيخ في محكي المبسوط والنهاية، والفاضل، والشهيد الثاني، والمحقق في الشرائع خلافاً لجماعة كفخر المحققين وصاحب الجواهر(3)، وما قيل بالضمان كما ورد في صحيحة الحلبي(4)، بقوله (علیه السلام) «وكل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن كما يصيبه» فيظهر منها أن موضوع الضمان هو الإضرار وهكذا في صحيحة

ص: 69


1- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الضمان ح3 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 /300 .
4- قد مر الحديث .

المسألة 250: لو كان يعلّم صبياً للسباحة فغرق الصبي اتفاقاً ضمن المعلّم إذا كان الغرق مستنداً إلى فعله(1)وكذا الحال إذا كان بالغاً رشيداً وقد تقدم حكم التبريء عن الضمان .

المسألة 251: إذا اشترك جماعة في قتل واحد منهم خطأ، كما إذا اشتركوا في هدم حائط _ مثلاً _ فوقع على أحدهم فمات، سقط من الدية بقدر حصة المقتول(2)، والباقي منها على عاقلة الباقين، فإذا كان الاشتراك بين اثنين سقط نصف الدية لأنّه نصيب المقتول،ونصفها الآخر على عاقلة الباقي، وإذا كان الاشتراك بين ثلاثة سقط ثلث الدية وثلثان منها على عاقلة الشخصين الباقيين، وهكذا .

_______________________________________________________________

ابن الصباح بقوله (علیه السلام) «من أضر بشيء بطريق المسلمين» فهاتان لاتشملان ما إذا كان العمل لمصلحة المارة، وكذا إذا حفر بئراً لنفع المسلمين ووقع فيه أحد فلا يضمن .

(1) لأنّه يُعدّ من القتل الشبيه بالعمد، وديته تكون على المعلم حتى لو أذن له الولي أو كان بالغاً رشيداً أو أذن البالغ له، كان في ذلك كله الدية على المعلم، وهكذا لو أذن الولي لابد أن يدفع الدية، ففي صورة البراءة ليس عليه شيء، نعم لو كان القتل حصل بتفريط، أو كان في مكان ما يوجب القتل والغرق غالباً فيقتض منه بلا فرق بين أن يأذن الولي له أم لا.

(2) أمّا سقوط الدية بقدر حصة المقتول كما إذا كانوا ثلاثة فتسقط الدية وهي الثلث، والثلثان الآخران على العاقلة، ونسب إلى الحلي وعامة المتأخرين على ما في الرياض بقوله: ضمن الآخران الباقيان الدية على رواية أبي بصير المروية في الكتب الثلاثة بأسانيد متعددة عن علي بن أبي حمزة عنه، وهو ضعيف بلا شبهة

ص: 70

................................

ولأجله تحقق في الرواية ضعف .... مضافاً إلى ما فيها من المخالفة للأصول الآتية ومع ذلك شاذة لا عامل بها صريحاً(1) ولذا ما ذهب إليه الشيخ في النهايةوالصدوق في الفقيه والمقنع أنّه يضمن الآخران الباقيان الدية فغير تام، وقد يستدل لقولهم بخبر أبي بصير عن الإمام الصادق (علیه السلام) «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على واحد منهم فمات فضمن الباقين ديته لأنّ كل واحد منهما ضامن لصاحبه»(2)وهذه الرواية وإن وردت بأسانيد متعددة ولكن في سند الجميع علي بن أبي حمزة وهو ضعيف .

وما قيل بأنّه ينقل عنه محمد بن أبي عمير وهو من أصحاب الإجماع قلنا لا دليل عليه، مع أنّه لم يعمل بها أحد .

وأمّا أن الدية على العاقلة فلأنه من قبيل الخطأ المحض، وما كان من قصدهم وقوع الحائط على أحد حتى يكون من قبيل شبيه العمد، فثلثا الدية على العاقلة لا على الباقين خلافاً للمحقق كما ذكره في المسالك بقوله: إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة، فوقع على أحدهم، ضمن الآخران ديته، لأن كل واحد ضامن لصاحبه(3) وغيره .

ص: 71


1- رياض المسائل / 16 / 395 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
3- المسالك / 15 / 364 .

المسألة 252: لو أراد إصلاح سفينة حال سيرها فغرقت بفعله كما لو أسمر مسماراً فقلع لوحة أو أراد ردم موضع فانهتك ضمن ما يتلف فيها من مال لغيره أو نفس(1).

المسألة 253: لا يضمن مالك الجدار ما يتلف من إنسان أو حيوان بوقوع جداره عليه إذا كان قد بناه في ملكه أو في مكان مباح، وكذلك الحال لو وقع في طريق فمات شخص بغباره(2)، نعم لو بناه مائلاً إلى غير ملكه، أو بناه في ملك غيره فوقع على إنسان أو حيوان اتفاقاً فمات ضمن(3)، ولو بناه في ملكه ثم مال إلى الطريق أو إلى غير ملكه فوقع على عابر فمات ضمن مع علمه بالحال وتمكنه من الإزالة أو الإصلاح قبل وقوعه(4).

_______________________________________________________________

(1) يفهم شرح المسألة من المسائل المتقدمة بالنسبة إلى من تلف مال الغير أو نفس الغير .

(2) وذلك لعدم الضمان في هذه الموارد لعدم الدليل، لأنّ الفعل لم يكن مستنداً إليه والأصل يقتضي عدمه، ولأنّ الفعل كما مرّ في باب حفر البئر والمدار هنا هو الإضرار والتفريط .

(3) إذا كان بنائه من دون إذن مالكه .

(4) لأنّه متمكن من الإصلاح ولم يفعل، وهذا يعد تعدياً منه ويكون ضامناً، وقال المسالك: وإن بناه مائلاً إلى الشارع وجب ضمان ما يتولد من سقوطه، وإن بناه مستوياً ثم مال إلى الشارع وسقط، فإن لم يتمكن من الهدموالإصلاح فلا ضمان، وإن تمكن ولم يفعل ضمن، لتقصيره بترك النقض والإصلاح، وكذا القول لو سقط في الطريق فلم يرفعه حتى عثر به إنسان أو هلك(1)، خلافاً

ص: 72


1- مسالك الافهام / 15 / 369 .

ولو وقع مع جهله أو قبل تمكنه من الازالة أو الاصلاح لم يضمن(1).

المسألة 254: يجوز نصب الميازيب وتوجيهها نحو الطرق النافذة فلو وقعت على إنسان أو حيوان فتلف لم يضمن(2).

_______________________________________________________________

للمبسوط في موضع حيث أطلق عدم الضمان بقوله: الثانية بناه مائلاً إلى ملكه فوقع فأتلف فلا ضمان له، لأنّ له أن يصنع في ملكه ما يشاء(1)، وخلافاً للتفصيل الذي صدر عن غيره من الفرق بين المطالبة بنقضه والإشهاد عليه فوقع الضمان بعد القدرة على نقضه، أمّا إذا وقع قبل القدرة فلا ضمان .

(1) لعدم صدق الإفراط والتعدي عليه .

(2) لا يخفى أن هذا الميزاب تارة يستوجب ضرراً، فالظاهر هو الضمان لما ورد من أضر بطريق المسلمين فهو ضامن، لصدق الإفراط والتعدي، كما في صحيحة أبي الصباح الكناني، قال «قال: أبو عبد الله (علیه السلام) من أضر بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن»(2).

أمّا مع عدم الإضرار فلو اتفق وقوعه على الغير لم يضمن، والمشهورعلى ذلك، وقال في الرياض: إلا مع التفريط في نفسه وفاقاً للمفيد والحلي وجماعة للأذن في نصبها شرعاً، فلا يتعقب ضماناً ولأصالة البراءة(3).

ونسب إلى الشيخ في الخلاف من أخرج ميزاباً إلى شارع فوقع على إنسان فقتله أو متاع فأتلفه، كان ضامناً وبه قال جميع الفقهاء إلا بعض أصحاب الشافعي،

ص: 73


1- المبسوط / 5 / 212 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
3- الرياض / 16 / 408 __ 409 .

نعم إذا كانت في معرض الانهيار مع علم المالك بالحال وتمكنه من الإزالة أو الإصلاح ضمن(1)، وفي حكم ذلك إخراج الرواشن والأجنحة.

المسألة 255: لو أجج ناراً في ملكه فسرت إلى ملك غيره اتفاقاً، لم يضمن(2)، إلا إذا كانت في معرض السراية، كما لو كانت كثيرة أو كانت الريح عاصفة فإنّه يضمن(3). ولو أججها في ملك غيره بدون إذنه ضمن ما يتلف بسببها من الأموال والأنفس(4) .

_______________________________________________________________

فإنّه قال: لا ضمان عليه لأنّه محتاج إليه، قال أصحابه ليس هذا بشيء(1).

والمبسوط: أما المرازيب فلكل احد نصبها للخبر والاجماع ولأن به حاجة داعية الى ذلك إلا أنّه لو وقع على إنسان فقتله فالحكم فيه كخشب الجناح سواء، وقال بعضهم هاهنا لا ضمان عليه لإنّه محتاج إلى فعله مضطر إليه والأول هو الصحيح(2)، وما ذكره لا دليل عليه وما ورد من الروايات منالضمان إنما هو فيما إذا كان بعد التفريط والإضرار .

(1) مع عدم الضرر لا يضمن ومعه يضمن .

(2) والمسألة غير خلافية وقد ادعى الإجماع بقسميه، لأنّه لم يصدر منه تعدٍ ولا تفريط .

(3) أي كانت أكثر من مقدار المتعارف .

(4) فإنّه يضمن لحصول التعدي حتى لو كان بمقدار الحاجة وكانت عاصفة أيضاً يكون ضامناً مع علمه أو كان في الطريق العام لا لمصلحة المارة لأنّه يصدق عليه التعدي .

ص: 74


1- الخلاف / 5 / 290 _ 291 .
2- المبسوط / 5 / 214 .

ولو كان قاصداً إتلاف الأنفس أو كان التأجيج مما يترتب عليه ذلك عادة وإن لم يكن المقصود إتلافها ولم يكن الشخص التالف متمكناً من الفرار والتخلص ثبت القود(1).

المسألة 256: لو ألقى قشر بطيخ أو موز ونحوه في الطريق، أو أسال الماء فيه فزلق به إنسان فتلف أو كسرت رجله _ مثلاً _ ضمن(2).

المسألة 257: لو وضع إناء على حائط وكان في معرض السقوط فسقط(3)، فتلف به إنسان أو حيوان ضمن، وإن لم يكن كذلك وسقط اتفاقاً لعارض لم يضمن .

_______________________________________________________________

(1) لأنّه قتل عمدي وهو الموجب للقصاص ولمعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «إنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلهافي دار قوم فاحترقت واحترق متاعهم، قال: يغرم قيمة الدار وما فيها، ثم يقتل»(1).

(2) لا يخفى قد يكون قاصداً لقتل الغير أو كان الفعل مما يستوجب القتل غالباً فعليه القود .

وأمّا إذا لم يكن من قصده ذلك فهو ضامن، أو كان اسالة الماء فيه لم يكن في مصلحة العامة فزلق إنسان فضمن، نعم لو كان العابر جعل رجله متعمداً عليها فلا ضمان، كما أنّه لا ضمان فيما لا يكون موجباً للضرر غالباً وإن اتفق الضرر .

(3) تارة لا يكون في معرض السقوط، وأخرى يكون كذلك، ففي الصورة الأولى الأصل عدم الضمان لعدم تحقق السبب منه وكان التلف بقضاء وقدر، لأنّ السقوط كان كذلك ولم يكن العمل مستنداً إليه، وفي الصورة الثانية إذا كان في معرض السقوط، فهو ضامن لتحقق السبب واستناد التلف إليه .

ص: 75


1- الوسائل باب 41 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 258: يجب على صاحب الدابة حفظ دابته الصائلة كالبعير المغتلم، والكلب العقور، فلو أهملهما وجنيا على شخص ضمن جنايتهما(1).

نعم لو جهل المالك بالحال أو علم، ولكنه لم يفرط فلا ضمان عليه(2).

_______________________________________________________________

(1) أي يجب حفظ كل ما يكون عدم حفظه مضراً للغير، كالدابة الصائلة، والبعير المغتلم، والكلب العقور، لأنّ الضرر والتلف مستند إليه والمسألة غير خلافية، مضافاً إلى ما ورد من الروايات .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «سئل عن بختي اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلاً فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف فقال: صاحب البختي ضامن للدية ويقتص ثمن بختيه»(1) .

ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر C قال «سألته عن بختي مغتلم قتل رجلاً، فقام أخو المقتول فعقر البختي وقتله، ما حاله ؟ قال: على صاحب البختي دية المقتول ولصاحب البختي ثمنه على الذي عقر بختيه»(2)،

ولا يخفى بأن المورد لا يخصص .

(2) أي يكون جاهلاً بالحال أو عالماً، ولكن لا يتمكن من الحفظ والروايات التي وردت منصرفة عن صورة عدم التقصير وعدم إمكان الحفظ لأنّه لا يصدق عليه المفرط وقد ادعى الإجماع، ولكن العمدة الروايات هنا كمعتبرة السكونيعن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) البئر جبار، والعجماء جبار، والمعدن جبار»(3)،

ومعتبرة زيد بن علي عن أبيه عن آبائه (علیهم السلام) قال «رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار وفي الركاز الخمس، والجبار (الهدر) الذي لا دية

ص: 76


1- الوسائل باب 14 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب موجبات الضمان ح4 .
3- الوسائل باب 32 من أبواب موجبات الضمان ح2 .

................................

فيه ولا قود»(1).

ويؤيد ذلك مرسلة يونس عن رجل عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه «قال: بهيمة الأنعام لا يغرم اُهلها شيئاً»(2)، وجبارية العجماء إنما هو في صورة عدم التفريط والتعدي من قبل المالك كما ذكرنا وإلا فمع التعدي فلا إشكال في الضمان .

وأمّا ما وردت من الروايات كمعتبرة زيد بن علي عن أبائه عن علي (علیه السلام) «إنّه كان يضمن صاحب الكلب إذا عقر نهاراً ولا يضمنه إذا عقر بالليل وإذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون، وإذا دخلت بغير إذن فلا ضمان عليهم»(3)، ومعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «قال: كان علي (علیه السلام) لا يضمن ما أفسدت البهائم نهاراً، ويقول على صاحب الزرع حفظ زرعه، وكان يضمن ما أفسدت البهائم ليلاً»(4).ولا يخفى أنّه لا فرق بين الليل والنهار في الروايات لأجل صدق التعدي وعدمه من المالك، ويؤيد ذلك رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان إذا صال الفحل أوَّل مرة لم يضمن صاحبه فاذا ثنّى عليه ضمّن صاحبه»(5)،

ومرسلة الحلبي عن رجل عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: بعث رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) علياً (علیه السلام) إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومر يعدو برجل فنفحه برجله فقتله، فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي (علیه السلام) فأقام صاحب الفرس البينة عند علي (علیه السلام) إنَّ فرسه أفلت من داره ونفح الرجل،

ص: 77


1- الوسائل باب 32 من أبواب موجبات الضمان ح5 .
2- الوسائل باب 32 من أبواب موجبات الضمان ح3 .
3- الوسائل باب 17 من أبواب موجبات الضمان ح3 .
4- الوسائل باب 40 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
5- الوسائل باب 14 من أبواب موجبات الضمان ح2.

ولو جنى على صائلة، فإن كان دفاعاً عن نفسه أو ماله لم يضمن(1)، وإلا ضمن وإن كانت جنايته انتقاماً من جنايتها على نفس محترمة أو غيرها(2).

المسألة 259: إذا كان حفظ الزرع على صاحبه في النهار كما جرت العادة به فلا ضمان فيما أفسدته البهائم، نعم إذا أفسدته ليلاً فعلى صاحبها الضمان(3).

_______________________________________________________________

فابطل علي (علیه السلام) دم صاحبهم، فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقالوا: يا رسول الله إن علياً (علیه السلام) ظلمنا وأبطل دم صاحبنا، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم)إن علياً ليس بظلام ولم يخلق للظلم، إنَّ الولاية لعلي من بعدي والحكم حكمه، والقول قوله، لا يرد حكمه وقوله ولايته إلا كافر»(1) وإن روي عن الصدوق مسنداً ولكن السند ضعيف .

(1) والمسألة غير خلافية بعد إن كان دفاعاً عن النفس أو المال .

(2) لما ورد في صحيحتي الحلبي وعلي بن جعفر، والمسألة غير خلافية .

(3) كما في معتبرة السكوني «لا يضمن ما أفسدته البهائم نهاراً» ومعتبرة هارون بن حمزة، قال «سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن البقر والغنم والإبل تكون في الرعي (المرعى) فتفسد شيئاً، هل عليها ضمان ؟ فقال: إن أفسدت نهاراً فليس عليها ضمان من أجل أن أصحابه يحفظونه، وإن أفسدت ليلاً فإنّه عليها ضمان»(2)،

ولا يخفى كما مرّ بأن الرواية تشير إلى التفريط وعدمه والضمان في الأول دون الثاني .

ص: 78


1- الوسائل باب 20 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
2- الوسائل باب 40 من أبواب موجبات الضمان ح3 .

المسألة 260: لو هجمت دابة على أخرى، فجنت الداخلة، ضمن صاحبها(1)جنايتها إذا أفرط في حفظها، وإلا فلا ولو جنت بها المدخولة كانت هدراً .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الجناية تنسب إليه لتركه الاحتفاظ، وهو تسبيب في الجناية على الغير وهو نوع تفريط، والضمان يدور مدار التفريط، أمّا لو جنت المدخولة فلا ضمان بعد، إن كانت مدافعة عن نفسها والمدافع لا شيء عليهويؤيد ذلك رواية سعد بن طريف الإسكافي عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: أتى رجل رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) فقال: إنَّ ثور فلان قتل حماري، فقال له النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) إئت أبا بكر فسله، فأتاه فسأله، فقال ليس على البهائم قود، فرجع إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فأخبره بما قاله ابي بكر، فقال له النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) إئت عمر فسله، فأتى عمر فسأله فقال: مثل مقالة أبو بكر فرجع إلى النبي فاخبره، فقال له النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) إئت علياً فسله، فأتاه فقال علي (علیه السلام) إن كان الثور الداخل على حمارك في منامه حتى قتله فصاحبه ضامن، وإن كان الحمار هو الداخل على الثور في منامه فليس على صاحبه ضمان، فرجع إلى النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فأخبره، فقال النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) الحمد لله الذي جعل من أهل بيتي من يحكم بحكم الأنبياء»(1).

ويؤيد ذلك رواية مصعب التميمي عن أبي عبد الله عن أبيه (علیهم السلام) «إن ثوراً قتل حماراً على عهد النبي (صلی الله علیه و آله وسلّم) فرفع ذلك إليه وهو في أُناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر، فقال: يا أبا بكر اقض بينهم، فقال: يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليهما شيء، فقال: يا عمر اقض بينهم، فقال: مثل قول أبي بكر فقال: يا علي اقض بينهم فقال: نعم يا رسول الله، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان

ص: 79


1- الوسائل باب 19 من أبواب موجبات الضمان ح2 .

المسألة 261: إذا دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا جنايته إن كان الدخول بأذنهم(1)، وإلا فلا ضمان عليهم، وإذا عقر الكلب إنساناً خارج الدار، فإن كان العقر في النهار ضمن صاحبه(2)، وإن كان في الليل فلا ضمان .

المسألة 262: إذا أتلفت الهرة المملوكة مال أحد، فهل يضمن مالكها ؟ قال الشيخ نعم(3)، بالتفريط مع الضراوة، والأظهر عدم الضمان مطلقاً .

_______________________________________________________________

عليهما، قال: فرفع رسول الله يده إلى السماء، فقال: الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيين»(1).

(1) بلا فرق بين الإذن الخاص أو العام كالمضايف المفتوحة أبوابها لمن دخل، والمسألة غير خلافية .

(2) والمسألة واضحة .

(3) لعل نظره أنّه لابد من حفظها عن الإضرار بالغير لتحقق التسبيب لو لم يفعل لذلك، ولكن الحق عدم صدق التفريط بالإضافة إلى الهرة فإن العادة هي أن يتحفظ منها لا على حفظها، إذاً لا ضمان على صاحبها فيما إذا أتلفت ولو تعدى على الغير يجوز قتله، ولا ضمان لأن الطرف المقابل دافع عن نفسه وهو واجب .

ص: 80


1- الوسائل باب 19 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 263: يضمن راكب الدابة وقائدها ما تجنيه بيديها(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد ادعيّ الإجماع كما نسب إلى الخلاف بقوله: دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم(1)،

والغنية وغاية المرام وظاهر المبسوط بقوله: وقال قوم في التي يسوقها مثل ذلك فأما التي هو راكبها أو قائدها فإنّها إن أتلفت بيدها أو بفيها فعليه الضمان، وإن أتلفت برجلها أو ذنبها فلا ضمان وهذا مذهبنا(2)، وقد دلت عليه عدة روايات .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنه سئل عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابته إنساناً برجلها، فقال: ليس عليه ما أصابت برجلها، ولكن عليه ما أصابت بيدها، لأن رجليها خلفه إن ركب فإن كان قاد بها فإنه يملك بأذن الله يدها يضعها حيث يشاء»(3)،

وقريب منه صحيحة سليمان بن خالد «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل مرّ في طريق المسلمين فتصيب دابته برجلها، فقال: ليس على صاحب الدابة شيء مما أصابت برجلها ولكن عليه ما أصابت بيدها»(4).

ومنها: معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنّه ضمّن القائد والسائق والراكب، فقال: ما أصاب الرجل فعلى السائق وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب»(5)، ومقتضى أطلاق هذه الروايات أنهما يضمنان ما تجنيه الدابة بيدها سواء أكان مع التفريط وعدمه حسب الإطلاق .

ص: 81


1- الخلاف / 5 / 512 .
2- المبسوط / 5 / 427 .
3- الوسائل باب 13 من أبواب موجبات الضمان ح3 .
4- الوسائل باب 13 من أبواب موجبات الضمان ح9 .
5- الوسائل باب 13 من أبواب موجبات الضمان ح5 .

وكذلك ما تجنيه برجليها إن كانت الجناية مستندة إليهما، بأن كانت بتفريط منهما(1) وإلا فلا ضمان، كما أنّهما لا يضمنان ما ضربته الدابة بحافرها إلا إذا عبث بها أحد، فيضمن العابث جنايتها(2).

وأمّا السائق فيضمن ما تجنيه الدابة برجلها دون يدها(3)، إلا إذا كانت الجناية مستندة إليه بتفريطه فإنه يضمن .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الجناية مستندة إليهما، وأمّا عدم الضمان من دون التفريط والتسبيب، فلا وجه للضمان كما وردت في الروايات «لا ضمان في جناية العجماء فإنّها جبار» أمّا معتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في صاحب الدابة أنّه يضمن ما وطئت بيدها ورجلها، وما نفحت برجلها فلا ضمان عليه إلا أن يضربها إنسان»(1)،

وفيه أنّها مجملة لعدم وجود الرجل في الكافي كما نقل عن الوافي .

(2) وذلك لمعتبرة ابن مريم الآنفة الذكر «بقوله وما نفحت برجلها فلا ضمان عليه إلا أن يضربها إنسان» ومعتبرة غياث عن جعفر عن أبيه C «إن علياً (علیه السلام) ضمّن صاحب الدابة ما وطئت بيديها ورجليها، وما نفحت برجلها فلا ضمان عليها إلا أن يضربها إنسان»(2)، ويضمن العابث أيضاً لذيل معتبرة إسحاق بقوله «إلا أن يعبث بهما أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها»(3).(3) كما في معتبرة السكوني بقوله «ما أصاب الرجل فعلى السائق وما أصاب اليد فعلى القائد والراكب» .

ص: 82


1- الوسائل باب 13 من أبواب موجبات الضمان ح4 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب موجبات الضمان ح7 .
3- الوسائل باب 13 من أبواب موجبات الضمان ح10.

المسألة 264: المشهور أنّ من وقف بدابته فعليه ضمان ما تصيبه بيدها ورجلها، وفيه إشكال، والأقرب عدم الضمان(1).

_______________________________________________________________

(1) يقول العلامة: لو وقف بها، ضمن ما تجنيه بيدها ورجليها(1)،

وفي الرياض: بلا خلاف في شيء من ذلك أجده(2)، وكذا في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه إلى أن قال كخبر علاء بن الفضيل(3).

واستدل من قال بالضمان بخبر العلاء عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه سئل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها، قال: ليس عليه ما أصابت برجلها وعليه ما أصابت بيدها، وإذا وقف فعليه ما أصابت بيدها ورجلها وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها أيضاً»(4)، وفي الجواهر: بل الظاهر ضمان ما تجنيه مطلقاً ولو برأسها وغيره إلى أن يقول الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الطريق الضيق والواسع والمفرط وغيره، والراكب والقائد والسائق عملاً بإطلاق النص والفتوى(5)، ولكن إن ثبت اتفاق فيها أو الإجماع التعبدي فيه .

أمّا الرواية فهي ضعيفة بمحمد بن سنان، ودعوى الانجبار بعملالأصحاب غير مفيد أن عملهم ليس بجابر ولا يفيد كون الراوي عنه يونس عبد الرحمن، والأقرب عدم الضمان لعدم الدليل، ويدل على ذلك ما رواه الصدوق(6).

ص: 83


1- تحرير الاحكام / 5 / 548 .
2- رياض المسائل / 16/ 413 .
3- الجواهر / 43 / 135 .
4- الوسائل باب 13 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
5- جواهر الكلام / 43 / 138 .
6- الوسائل 13 من أبواب موجبات الضمان ذيل ح3 .

المسألة 265: لو ركب الدابة رديفان، فوطئت شخصاً فمات أو جرح، فالضمان عليهما بالسوية(1).

المسألة 266: إذا ألقت الدابة راكبها فمات أو جرح، فلا ضمان على مالكها(2)، نعم لو كان إلقاؤها مستنداً إلى تنفيره ضمن(3) .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد ورد بسند صحيح ما رواه الصدوق عن قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) «في دابة عليها رديفان فقتلت الدابة رجلاً أو جرحته فقضى بالغرامة بين الرديفين بالسوية»(1)،

ورواه الشيخ بأسناده عن سلمة بن تمام عن علي (علیه السلام) «في دابة عليها ردفان قتلت الدابة رجلاً أو جرحت، فقضى بالغرامة

بين الردفين بالسوية»(2)، ولو كانت الرواية بهذا السند ضعيفة ويكفي سند الصدوق .

(2) وذلك لعدم الموجب لضمان المالك بعد أن لا يكون الإلقاء مستنداً إليه .(3) لاستناد الإلقاء إليه، فالتلف يكون بتفريط منه فيصبح ضامناً، إذاً الإلقاء إن كان مستنداً إليه فضامن وإلا فلا .

ص: 84


1- الوسائل باب 43 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
2- من لا يحضره الفقيه / 4/ 401 .

المسألة 267: لو حمل المولى عبده على دابته فوطئت رجلاً، ضمن المولى ديته(1).

_______________________________________________________________

(1) ويقول المحقق: لو أركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب(1)

وهو المنسوب إلى الشيخ والقاضي، ثم ذكر المحقق من الأصحاب من يقول بالتفصيل كما ذكر ابن إدريس بقوله: ومن أركب مملوكاً له غير بالغ دابة فجنت الدابة جناية، كان ضمانها على مولاه، لأنّه فرط بركوبه له الدابة هذا إذا كان المملوك غير بالغ(2) .

فأمّا إذا كان بالغاً عاقلاً، فإن كانت الجناية على بني آدم فيؤخذ المملوك إذا كان دية الجناية بقدر قيمته، أو يفديه السيد على ما شرحناه في قتل العبيد للأحرار وجناياتهم عليهم، وإن كانت الجناية على الأموال، فلا يباع العبد في قيمة ذلك ولا يستسعى ولا يلزم مولاه ذلك لأنّه لا دليل عليه، وحمله على الجناية على بني آدم قياس، فليلحظ ذلك(3).

ويعقب صاحب الجواهر على ذلك بقوله: لتفريطه حينئذٍ لإركابه مع صغره وذلك لا يوافق للضوابط المتقدمة في غير المقام(4).

أمّا لو كان بالغاً فتكون الجناية في رقبته، بلا فرق بين أن تكون على نفس الآدمي، أو طرفه، وقال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) تدل على ذلك صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل حمل عبدهعلى دابته فوطئت رجلاً، فقال: الغرم على مولاه» ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون العبد بالغاً أو غير بالغ خلافاً لابن إدريس حيث اشترط في ضمانه كون المملوك صغيراً إلى أن يقول وفيه لا وجه لهذا

ص: 85


1- شرائع الإسلام / 2 / 257 .
2- السرائر / 3/ 397 .
3- السرائر / 3 / 397 _ 398.
4- جواهر الكلام / 42 / 143 .

ولا فرق في ذلك بين أن يكون العبد بالغاً أو غير بالغ، ولو كانت جنايتها على مال لم يضمن(1).

المسألة 268: لو شهر سلاحه على وجه إنسان، ففر وألقى نفسه في بئر أو من شاهق اختياراً فمات، فلا ضمان عليه(2)، وأمّا إذا كان بغير اختيار، كما إذا كان أعمى أو بصيراً لا يعلم به، فقيل أنّه يضمن ولكنه لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد عدم الضمان(3).

_______________________________________________________________

التفصيل مع إطلاق النص المذكور فإن مقتضاه الضمان سواء كان بتفريط فيه أو لا(1)، وإذا كان التلف على المال أيضاً لم يضمن المولى، فهل يسعى به العبد لفك رقبته أو يتبع به إذا اعتق ؟ الظاهر أنّه يسعى به بعد العتق .

ولكن الحق أن الضمان يكون على المولى لإطلاق الصحيحة التي وردت عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «عن رجل حمل عبده على دابته فوطئت رجلاً، قال: الغرم على مولاه»(2).

(1) أمّا عدم ضمان المولى المال لعدم الدليل، بل حسب القاعدة يكون برقبة العبد .

(2) أمّا عدم الضمان في هذه الصورة فواضح كما عليه بعض الفطاحللأنّ الموت كان مستنداً لنفسه، وهو قتل نفسه باختياره لا الإشهار للسيف فما نسب إلى العلامة من الضمان بقوله: ولو قيل بالضمان كان وجهاً فلا دليل عليه، وهذا نظير ما إذا أكره شخصاً وقتل المكرَه _ بالفتح _ نفسه باختياره فإنّه لا ضمان على المكرِه بالكسر(3)

.

(3) لا يخفى أنّه حسب القاعدة لا يضمن، والضمان بالتسبيب يحتاج إلى

ص: 86


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 317 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب موجبات الضمان ح1 .
3- تحرير الاحكام / 5 / 530 .

وكذا الحال إذا اضطره إلى مضيق فافترسه سبع اتفاقاً أو ما شاكل ذلك(1) .

المسألة 269: لو أركب صبياً بدون إذن الولي على دابة وكان في معرض السقوط فوقع فمات ضمن ديته(2)، ولو أركب صبيين كذلك فتصادما فتلفا، ضمن ديتهما تماماً إن كان المركب واحداً، وإن كانا اثنين فعلى كل واحد منهما نصف دية كل منهما، وإن كانوا ثلاثة فعلى كل منهم ثلث دية كل منهما وهكذا، وكذلك الحال إذا أركبهما وليهما مع وجود المفسدة فيه .

_______________________________________________________________

دليل ولم يكن القتل مستنداً إليه .

وأمّا ما ورد بأنّه إذا كان السبب أقوى من المباشر كما أنّه إذا أعطى سكيناً ليقتل الطفل شخصاً فقتله، فيكون الضامن السبب، فإنّه يكون خلاف القاعدة ومختص بمورد خاص، ولا يمكن التعدي إلى هنا والإجماع أولاً غيرحاصل، وثانياً غير حجة .

(1) لعدم استناد الفعل إلى الذي اضطره .

(2) هل استناد الموت إلى الطفل أو المركب، ولكن لو كان بالغاً فيستند الموت إليه، أمّا لو كان الطفل صغيراً فأراد الركوب باختياره وإرادته ملغية وغير مؤثرة، فيستند الموت إلى المركب، وأمّا أنّه في صورة عدم كونه في معرض السقوط وكان الوقوع والموت اتفاقياً ولم ينسب السقوط إلى المركب، فلا ضمان عليه ولا على الطفل، وهكذا لو كان هناك مفسدة في الركوب فاركبه الولي فهو ضامن لاستناد السقوط إليه .

ص: 87

فروع تزاحم الموجبات

المسألة 270: إذا كان أحد شخصين مباشراً للقتل والآخر سبباً له ضمن المباشر(1)، كما إذا حفر بئراً في غير ملكه ودفع الآخر ثالثاً إليها فسقط فيها فمات، فالضمان على الدافع إذا كان عالماً، وأمّا إذا كان جاهلاً فالمشهور أن الضمان على الحافر(2)، وفيه إشكال .

_______________________________________________________________

(1) أمّا الضمان فيكون عليه لأنّ الموت مستند إليه فهو القاتل عمداً إذا كان قاصداً للقتل، أو كان مما يترتب عليه القتل عادة، فيثبت عليه القصاص، وأمّا لو لم يكن كذلك فعليه الدية .

(2) وقد استدل بالإجماع وقد عرفت حال هذه الإجماعات، وقد قال الاستاذ الاعظم (علیه السلام) إن تم الإجماع في المسألة فبه، ولكنه غير تام حيث لا يحصل منه الاطمئنان بقول المعصوم (علیه السلام) وعليه فلا يبعد أن يكون الضمان على كليهما معاً .

أمّا الحافر فالإطلاق ما دل على ضمانه، وأمّا الدافع فلاستناد القتل إليه فيكون داخلاً في القتل الشبيه بالعمد، والجهل بالحال لا يكون رافعاً لصحة استناد القتل إليه، وقال ومن هنا لو دافع شخصاً إلى حفيرة طبيعية لا يعلمها الدافع فسقط فيها فمات أو دفعه إلى بئر في ملكه لا يعلمها فلا شبهة في ضمان الدافع ولا فرق بين ذلك وبين ما نحن فيه(1)

.

ولكن الحق لو قلنا بشمول الأخبار للمقام فتكون الدية بتمامها علىالحافر، وثانياً مع جهل الدافع بعد إن كان قاصداً للدفع إلى الأرض لا البئر فهو خطأ محض لا شبيه بالعمد .

ص: 88


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 321 .

ولا يبعد كون الضمان على كليهما، وإذا أمسك أحدهما شخصاً وذبحه الآخر فالقاتل هو الذابح كما تقدم، وإذا وضع حجراً _ مثلاً _ في كفة المنجنيق وجذبه الآخر فأصاب شخصاً فمات أو جرح فالضمان على الجاذب دون الواضع(1).

المسألة 271: لو حفر بئراً في ملكه وغطاه ودعا غيره فسقط فيها فإن كان البئر في معرض السقوط كما لو كانت في ممر الدار وكان قاصداً للقتل(2)، أو كان السقوط فيها مما يقتل غالباً ثبت القود، وإلا فعليه الدية، وإن لم تكن في معرض السقوط واتفق سقوطه فيها لم يضمن.

_______________________________________________________________

(1) في القتل مستنداً إلى الجاذب فمع العلم بترتب الموت بفعله يقتص منه، وأمّا في صورة جهله فالمسألة داخلة في شبيه العمد فالدية عليه وأمّا واضع الحجر فلا شيء عليه لعدم استناد القتل إليه .

(2) لأنّ القتل استند إليه وهو عمدي، فلابد من القود بعد إن كان قاصداً للقتل فتشمله أدلة القصاص، وأمّا إن لم يكن قاصداً ذلك ولا مما يقتل به غالباً ثبتت عليه الدية لكونه من الشبيه بالعمد، فتكون عليه الدية وإن لم يكن في معرض السقوط واتفق سقوطه فيها لم يضمن لعدم استناد القتل إليه .

ص: 89

المسألة 272: لو اجتمع سببان لموت شخص، كما إذا وضع أحد حجراً _ مثلاً _ في غير ملكه وحفر الآخر بئراً فيه فعثر ثالث بالحجر وسقط في البئر فمات، فالأشهر أن الضمان على من سبقت جنايته(1) وفيه إشكال فالأظهر أن الضمان على كليهما .

_______________________________________________________________

(1) قيل لاستصحاب أثر السبب الأول، فإن السابق في التأثير موجب للضمان أي ضمان فاعله فيستصحب حكمه وبه يرجح على السبب المتأخر في التأثير، ولكن هذا إنما يتم فيما إذا لم يكن للسبب الآخر تأثير وفي زمان المتأخر، وإلا يشكل الحكم باختصاص الضمان في المتقدم فقط، نعم لو فرض التأثير مستنداً إلى المتقدم دون المتأخر فعليه الضمان والاستصحاب هنا يكون من الاستصحاب التعليقي وهو غير حجة، إذاً الحق أن الضمان يكون عليهما كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) .

وما قيل بأنّه يستصحب الأثر الأول وبه يرجع على السبب الثاني .

وفيه أنّه لا مجال للاستصحاب أصلاً في حين أن الأثر للسبب الأول قبل السبب الثاني، بل هو مستند إلى كليهما معاً .

فالنتيجة أن نسبة الضمان بالإضافة إلى كلا السببين على حد سواء فلا وجه لترجيح السابق جناية على اللاحق كذلك(1).

ص: 90


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 322 .

نعم إذا كان أحدهما متعدياً كما إذا حفر بئراً في غير ملكه والآخر لم يكن متعدياً، كما إذا وضع حجراً في ملكه فمات العاثر بسقوطه في البئر، فالضمان على المتعدي(1).

المسألة 273: إذا حفر بئراً في الطريق عدواناً فسقط شخصان فيها فهلك كل واحد منهما بسقوط الآخر فيها فالضمان على الحافر(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا غير المتعدي فلا دليل على ضمانه، وأمّا على المتعدي فالضمان عليه بالكلام .

(2) لأنّه في فرض عدم علمهما فإن القتل لم يصدر منهما ولم يكن مستنداً إليهما، قلنا الضمان يكون في القتل العمدي، أو شبيه العمد، أو خطأ، وهذا لا يصدق عليه أي شيء منها حتى الخطأ، بل يكون القتل مستنداً إلى المسبب المباشر والعرف أيضاً يرى ذلك، بل لا فرق بين أن يكون موت كليهما مستنداً إلى سقوطهما في البئر معاً أو مستنداً إلى سقوط كل واحد منهما مستقلاً .

ص: 91

المسألة 274: لو قال لآخر ألقِ متاعك في البحر لتسلم السفينة من الغرق والخطر، وكانت هناك قرينة على المجانية وعدم ضمان الآمر فالقاه المأمور فلا ضمان على الآمر(1)، ولو أمر به وقال على ضمانه ضمن إذا كان الإلقاء لدفع الخوف ونحوه من الدواعي العقلائية(2)وأمّا إذا لم يكن ذلك ومع هذا ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، فالمشهور على أنّه لا ضمان عليه، بل ادعيّ الإجماع عليه، وفيه إشكال والأقرب هو الضمان(3).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية ونسب ذلك إلى الفريقين غير أبي ثور، قال في الخلاف: إذا قال لغيره وقد خاف الغرق الق متاعك في البحر وعليّ ضمانه فالقاه كان عليه ضمانه، وبه قال جماعة من الفقهاء إلا أبا ثور فإنّه قال لا ضمان عليه، دليلنا إجماع الفرقة بل إجماع الأمة، وأبو ثور لا يعتد به لأنّه شاذ(1).

(2) أمّا إذا لم يكن إجماع يكفي الأمر العقلائي .

(3) نسب إلى المشهور عدم الضمان، ولكن الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) قال وذلك لعدم اختصاص السيرة المتقدمة بما إذا كان هناك غرض عقلائي في الإتلاف، والإجماع المدعى في المقام على عدم الضمان لم يثبت(2)، ولكن لو فرض وجود بناء العقلاء في فرض المسألة، وهو يحتاج إلىإمضاء من الشارع وافتاء الأصحاب بالفرق بين الفرضين ولو لم يكن كاشفاً عن عدم الإمضاء يكون مانعاً عن استكشاف الإمضاء، فالصحيح ما يقوله المشهور .

ص: 92


1- الخلاف / 5 / 275 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 324 .

المسألة 275: لو أمر شخصاً بإلقاء متاعه في البحر وقال عليّ وعلى ركّاب السفينة ضمانه، فإن قال ذلك من قبلهم بتخيل أنّهم راضون به ولكنهم بعد ذلك أظهروا عدم الرضا به، ضمن الآمر بقدر حصته دون تمام المال(1).

_______________________________________________________________

(1) أمّا عدم الضمان التام لعدم تفريط الآمر، أو غرور من قبله، بل الضمان كان من الآمر وبقية الركاب، والآمر لم يضمن المال كله، وهكذا لو ادعى الإذن من قبلهم وأنكروا في الواقع، فلو كانوا ضامنين لابد أن يدفعوا حصصهم، فالضمان على الآمر يكون بمقدار حصته، ولأنّه حين ادعائه لم يثبت كذبه واحتمل اشتباهه، بل صدّقه في الواقع وكذب الركّاب، فما ذكره المحقق بقوله: ولو قال عند الخوف ألقِ متاعك وعلي ضمانه مع ركبان السفينة فامتنعوا، فإن قال أردت التساوي قبل ولزمه بحصته والركبان إن رضوا لزمهم الضمان وإلا فلا، ولو قال أذنوا ليّ فانكروا بعد الإلقاء صدقوا مع اليمين وضمن هو الجميع(1)،

والعلامة في القواعد بقوله: وأمّا الركبان فإن رضوا ضمنوا وإلا فلا فإن قال قد أذنوا ليّ فأنكروا بعد الإلقاء حلفوا وضمن هو الجميع(2)،

والتحرير: وإن قال ألقه عليّ إن أضمنه لك أنا وركبان السفينة فقدأذنوا ليّ في ذلك فألقاه ثم أنكروا الإذن ضمن الجميع . وأمّا ضمان الآمر للجميع فلا دليل عليه .

ص: 93


1- شرائع الإسلام / 1 / 258 .
2- قواعد الأحكام / 3 / 664 ، تحرير الأحكام / 5/ 534 .

وكذلك الحال فيما إذا ادعى الإذن من قبلهم ولكنهم أنكروا ذلك وأمّا إذا قال ذلك مدعياً الإذن منهم أو بدونه ولكن مع ذلك قال لو لم يعط هؤلاء فأنا ضامن، فإنّه يضمن التمام إذا لم يقبلوا(1).

المسألة 276: إذا وقع من شاهق، أو في بئر، أو ما شاكل ذلك فتعلق بآخر ضمن ديته، وإذا تعلق الثاني بالثالث ضمن كل من الأول والثاني نصف دية الثالث، وإذا تعلق الثالث بالرابع ضمن كل من الثلاثة ثلث دية الرابع، وإذا تعلق الرابع بالخامس ضمن كل من الأربعة ربع دية الخامس(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لأنّ إتلاف المال من المالك يكون بضمان الآمر، وبتمام العوض، فإذا أمتنع البقية فالضمان يكون عليه .

(2) قد يقال بما أنّ موت كل لاحق مستند لاستمساكه بالسابق له حيث إن السابق يكون سبباً لموت اللاحق، فتخرج دية الثاني بكاملها من تركه الأول ودية الثالث من تركه الثاني، والرابع من تركه الثالث، والخامس من تركة الرابع .

ولكن الحق موت الثاني مستند إلى الأول فعليه تمام الدية، ودية الثالث مستندة إلى الأول والثاني فتقسط الدية، فلكل واحد منهما النصف ودية الرابع تكون على الأول والثاني والثالث فعلى كل واحد الثلث، لأن موت الرابع مستند إلى الثلاثة .

ص: 94

وهكذا كله فيما إذا علم المجذوب بالآخر وإلا فالقتل بالإضافة إليه خطأ محض، والدية فيه على العاقلة، نعم يستثنى من ذلك ما إذا وقع في زُبية الأسد فتعلق بالآخر وتعلق الثاني بالثالث والثالث بالرابع فقتلهم الأسد ضمن أهل الأول ثلث دية الثاني، والثاني ثلثي دية الثالث، والثالث تمام دية الرابع(1).

_______________________________________________________________

(1) وعليه المشهور، وهذا خلاف القاعدة، والقاعدة ما ذكرناه في صدر المسألة، ولكن هنا وردت رواية صحيحة وهي عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في أربعة اطلعوا في زُبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني، واستمسك الثاني بالثالث، واستمسك الثالث بالرابع حتى أسقط بعضهم بعضاً على الأسد فقتلهم الأسد، فقضى بالأوّل فريسة الأسد، وغرَّم أهله ثلث الدية لأهل الثاني، وغرَّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرَّم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة»(1).

نعم هناك وردت رواية بخلاف هذه الطريقة وهي عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن قوماً احتفروا زُبية للأسد باليمن فوقع فيها الأسد فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد فوقع رجل فتعلق بآخر فتعلق الآخر بآخر، والآخر بآخر، فجرحهم الأسد فمنهم من مات من جراحة الأسد ومنهم من أُخرج فمات، فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السيوف فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) هلموا اقضي بينكم، فقضى أن للأول ربعالدية والثاني ثلث الدية، والثالث نصف الدية، والرابع الدية كاملة»(2)،

إلا أنّها ضعيفة بسهل بن زياد ومحمد بن الحسن بن شمون وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم .

ص: 95


1- الوسائل باب 4 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

المسألة 277: لو جذب غيره إلى بئر مثلاً فسقط المجذوب فمات الجاذب بسقوطه عليه فدمه هدر(1) ولو مات المجذوب فقط ضمنه الجاذب فإن كان قاصداً لقتله أو كان عمله مما يؤدي إلى القتل عادة، فعليه القود(2)، وإلا فعليه الدية(3)، وإذا مات كلاهما معاً فدم الجاذب هدر ودية المجذوب في مال الجاذب(4).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه هو الذي أتلف نفسه فلا دليل لضمان غيره .

(2) لأنّه يدخل في موضوع قصاص العمد، والمسألة واضحة .

(3) لأنّه يكون من قبيل شبيه العمد فالدية تكون عليه .

(4) أمّا دم الجاذب هدر فلأنّه كان سبباً لقتل نفسه، وأمّا بالنسبة إلى المجذوب فإنّه يدخل في مسألة شبيه العمد .

ص: 96

المسألة 278: لو سقط في بئر مثلاً فجذب ثانياً، والثاني ثالثاً فسقطوا فيها جميعاً فماتوا بسقوط كل منهم على الآخر، فعلى الأول ثلاثة أرباع(1) دية الثاني، وعلى الثاني ربع دية الأول، وعلى كل واحد من الأول والثاني نصف دية الثالث، ولا شيء على الثالث ومن ذلك يظهر الحال فيما إذا جذب الثالث رابعاً وهكذا(2).

_______________________________________________________________

(1) قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)وذلك لأنّ موت الأول بما أنّه مستند إلى سقوط الثاني والثالث عليه، فبطبيعة الحال تسقط ثلاثة أرباع ديته، أمّا سقوط نصفها فمن جهة استناده إلى جذبه وحده الثاني، وأمّا سقوط ربعها فمن جهة اشتراكه مع الثاني في جذب الثالث، وعليه فيتقسط النصف الباقي عليهما معاً فلا محالة يبقى ربع ديته على الثاني، ثم أن الأول والثاني إذا كانا متساويين في الدية كالحرين مثلاً حصل التهاتر بينهما في الربع ونتيجته هي على الأولى نصف دية الثاني ولا شيء على الثاني، وأمّا إذا لم يكونا مستاويين كما إذا كان أحدهما رجل والآخر امرأة حصل التهاتر بينهما بحسب المقدار(1)وأمّا الثالث فديته على الأول والثاني بالتنصيف، وأما ما قيل بأنّ موته مستند إلى جذب الثاني فقط لأنّه غير ملجأ إلى جذبه فهو المباشر للجذب دون الأول، إذاً ديته على الثاني فقط، وهذا غير تام .

(2) لأنّ سقوط الثالث معلول لجذب الأول والثاني له، فموته مستند إليهما، وأمّا الثالث فلم يرتكب شيئاً، بل موته مستند إلى جذب الأولين .

ص: 97


1- المباني / 2 / 328 .

ديات الأعضاء

اشارة

وفيها فصول :

الفصل الأول: في دية القطع .

المسألة 279: في قطع كل عضو من أعضاء الإنسان أو ما بحكمه الدية وهي على قسمين: الأول ما ليس فيه مقدر خاص في الشرع والثاني ما فيه مقدر كذلك، أمّا الأول فالمشهور أنّ فيه الأرش ويسمى بالحكومة، وهو أن يفرض الحر مملوكاً فيقوّم صحيحاً مرّة وغير صحيح أُخرى ويؤخذ ما به التفاوت بينهما، إذا كانت الجناية توجب التفاوت وأمّا إذا لم توجبه فالأمر بيد الحاكم، فله أن يأخذ من الجاني ما يرى فيه مصلحة، وفيه إشكال والأظهر أن له ذلك مطلقاً حتى فيما إذا كانت الجناية موجبة للتفاوت، وأمّا الثاني فهو ستة عشر موضعاً(1) .

_______________________________________________________________

(1) لابد فيه من الأرش المسمى بالحكومة، فبما أن العبد أصل للحر فيما فيه مقدّر وهو فرض الحر عبداً فيقوّم صحيحاً مرة وغير صحيح أخرى ويؤخذ ما به التفاوت بينهما إذا كانت الجناية موجبة للتفاوت، وإن لم توجب التفاوت يكون

ص: 98

................................

الأمر بيد الحاكم، فله أن يأخذ من الجاني في ما يرى فيه مصلحة، وادعى في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه والإجماع بقسميه عليه(1) وأمّا استاذنا الأعظم (قدس سرُّه) فقد قال: والأظهر أن له ذلك مطلقاً حتى فيما إذا كانت الجناية موجبة للتفاوت(2)، أي أن الأمر بيد الحاكم على الإطلاق، فهو يأخذ من الجاني حسب ما يراه من المصلحة مطلقاً، حتى فيما إذا كانت الجانية موجبة للتفاوت، ويؤيد قول الأول الإجماع المدعي في المقام فتأمل .

أمّا الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بعد أن ردّ الإجماع بقوله: إن الإجماع المدعى في المسألة إنما هو إجماع على الحكومة وأما تفسيرها بما ذكر من المتن فلم يثبت بدليل ولا إجماع عليه، ثم قال فإذاً الصحيح ما ذكرناه، وتدل عليه عدة روايات(3).

منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل، وما كان جروحاً دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل منكم، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»(4)، قالهذه الصحيحة تدل على تعيين دية الجروح دون الاصطلام، إنما هو يحكم به عدل بين المسلمين، بمعنى أن الحكم يستعين في تعيين الدية في أمثال ذلك بشهادتهما ولا يخفى بأنه لابد وأن يكون المراد بشهادتهما لا حكم ذوي العدل لأنّه لو كان لحكم ذي العدل فلا معنى أن يكون الثبوت بحكم الحاكم ولو كان المراد هو الاستعانة أي استعانة برأيهما إذا كانوا ذوا بصيرة .

ص: 99


1- جواهر الكلام / 43 / 168 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 330 .
3- نفس المصدر .
4- الوسائل باب 9 من أبواب ديات الشجاح والجراح ح1 .

................................

ومنها: صحيحة أبي عبيدة قال «سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن أعمى فقأ عين صحيح، فقال (علیه السلام) إنَّ عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدية من ماله فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام (علیه السلام) ولا يبطل حق أمرئ مسلم»(1)

فيفهم من الرواية أنّه إذا كان هناك مقدّر فيدفع، وإن لم يكن له مقدّر فللحاكم ان يعين لئلا يذهب دم المسلم هدراً، فيعين الحاكم بشهادة ذوي عدل من المسلمين .

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل وما كان جروحاً دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل منكم ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»(2) أي أن الجروح والاصطلام كان بحكم حاكم الشرع باستعانة وشهادة ذوي العدل.

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: إنّ عندنا الجامعة، قلت: وما الجامعة ؟ قال: صحيفة فيها كل حلال وحرام وكل شيءيحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده اليّ، فقال أتأذن يا أبا محمد، قلت جعلت فداك إنّما أنا لك فاصنع ما شئت، فغمزني بيده وقال حتى أرش هذا»(3).

ص: 100


1- الوسائل باب 35 من أبواب قصاص النفس ح1 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح1 .
3- الوسائل باب 48 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

الأول: الشعر(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن المقدر ثمانية عشر من الأعيان: 1_ الشعر، 2_ العينان 3 _ الأنف، 4 _ الأذن، 5_ الشفتان، 6 _ اللسان، 7 _ الأسنان 8_ العنق، 9_ اللحيان، 10_ اليدان، 11_ الرجلان، 12_ الأصابع، 13_ الظهر 14_ النخاع 15_الثديان، 16 _ الخصيتان، 17 _ الشفران، 18_ الذكر .

الأول: الشعر، وهو في اللحية والرأس من الرجل، وأمّا المرأة فالحاجب والرأس، أما شعر اللحية فتارة ينبت، وأخرى لا ينبت، ففي الصورة الثانية فدية كاملة وأدّعى في الخلاف إجماع الفرقة(1)،

فيها وفي شعر الرأس وقد عرفت حال هذه الإجماعات، وحكي عن الغنية ذلك أيضاً وتدل عليه معتبرة مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللحية إذا حلقت ولم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية»(2)

وقد روى الشيخ الصدوق هذا على الحديث بأسناده عن السكوني، ولكن الرواية مرسلة وضعيفة بمحمد بن حسن بن شمون، وعبد الله عبد الرحمن الأصم .

أمّا شعر الرأس فإذا لم ينبت فدية كاملة كما ذكرنا بالنسبة إلى اللحية وعليه المشهور، ونسب إلى المبسوط الإجماع عليه، وفي الجواهر: إن لم ينبت كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل لم أجد فيه خلافاً يعتد به عدا ما تسمعه من المفيد، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه، بل الرياض نسبته إلى صريح الغنية وإن كنا لم نتحققه(3).ولكن العمدة صحيحة سلمان بن خالد «قال قلت: لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل صب ماءً حاراً على رأس رجل فامتعط شعره فلا ينبت أبداً، قال:

ص: 101


1- الخلاف / 5 / 211 .
2- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .
3- جواهر الكلام / 43 / 169 .

................................

عليه الدية»(1) والرواية موافقة للفقيه .

ويؤيد ذلك مرسلة علي بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قلت: الرجل يدخل الحمّام فيصبّ عليه صاحب الحمّام ماءً حارً فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت فقال عليه دية كاملة»(2)،

ورواية سلمة بن تمام «قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره، فاختصموا في ذلك إلى علي (علیه السلام) فأجّله سنة فجاء فلم ينبت شعره، فقضى عليه بالدية»(3).

وقد يظهر من كلام المسالك: بأن الدية الكاملة على مجموع شعر الرأس واللحية، واستدل بحسنة سلمان بن خالد، وأمّا رواية مسمع أيضاً أن وجوب الدية عليهما معاً، وأمّا الرواية الثانية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) فهي ضعيفة فلا تصح سنداً(4)،

وقال في المختلف وهذه الرواية _ سلمان بن خالد _ عندي حسنة يتعين العمل بها ولأنّه واحد في الإنسان فيدخل تحت حكم ما في الإنسان منه واحد(5).

وأجاب عنه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أن الظاهر منها بقرينة ما تقدم على ثبوت الدية كاملة في اللحية فحسب إذا لم تنبت، إرادة (أو) من (الواو)وتؤكد ذلك رواية الصدوق المتقدمة فإنّها خالية عن ذكر اللحية(6)وفي

الرياض: أمّا الاعتراض عليها بأن مفادها لزوم الدية في جناية شعر الرأس واللحية معاً، وهو غير لزومها في أحدهما خاصة كما هو المدعى، فمندفع بابتنائه على نسخة التهذيب، وأمّا نسخة

ص: 102


1- من لا يحضره الفقيه / 4 / 111 / 379 .
2- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح2 .
3- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح3 .
4- مسالك الافهام / 15 / 298 .
5- مختلف الشيعة / 9 / 358 .
6- مباني تكملة المنهاج / 2 / 334 .

ففي اللحية إذا حلقت فإن نبتت ففيها ثلث الدية(1)، وإن لم تنبت ففيها الدية كاملة، وفي شعر الرأس إذا ذهب فإن لم ينبت ففيه الدية كاملة، وإن نبت ففيه الحكومة(2)، وفي شعر المرأة إذا حلق فإن نبت ففيه مهر نسائها، وإن لم ينبت ففيه الدية كاملة(3).

_______________________________________________________________

الفقيه فقد عرفت خلوها عن اللحية ولعلها اضبط من تلك النسخة سيّما مع موافقتها للروايات الأخر في المسألة(1)

.

(1) كما في معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية»(2) وكذلك خبر مسمع(3).

(2) لأنّه من المسلم عندهم بأنّ كل مورد لا مقدّر له فيه الدية .

(3) والمسألة غير خلافية على ما ادعاه صاحب الجواهر كما مرّ ذكره وكذا في الرياض بقوله: بل عليه الإجماع في الغنية(4)للنصوص

المستفيضة.ويدل على الحكمين صحيح عبد الله بن سنان، قال «قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها ؟ قال: يضرب ضرباً وجيعاً ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها، فإن نبت أُخذ منه مهر نسائها، وإن لم ينبت أُخذ منه الدية كاملة، قلت: فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها ؟ فقال: يا بن سنان إنَّ شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملاً»(5).

ص: 103


1- رياض المسائل / 16 / 425 .
2- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 37 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .
4- رياض المسائل / 6 / 426 .
5- الوسائل باب 30 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

وفي شعر الحاجب إذا ذهب كله فديته نصف دية العين مائتان وخمسون ديناراً، وإذا ذهب بعضه فعلى حساب ذلك(1).

_______________________________________________________________

لا يخفى بأن صاحب الوسائل روى هذه الرواية عن محمد بن سلمان المنقذي وهو لا وجود له في كتب الرجال، ولذا من لم يؤكد تصور بأن الرواية ضعيفة، مع أن الرواية وردت عن سليمان بن داود المنقري، إذاً الرواية صحيحة من جهة السند هذا أولاً، وثانياً أنّه نسبة الرواية إلى الصدوق مع أن الرواية التي ذكرها الصدوق كان مقطعاً من صدرها فقط في باب القود ولم يذكر الذيل، وروي عن التهذيب بسند صحيح، فالرواية صحيحة من جهة الدلالة والسند .

(1) أمّا شعر الحاجبين معاً فخمسمائة دينار، وفي كل واحد مائتان وخمسون ديناراً، وإذا ذهب بعضه فعلى حساب ذلك على المشهور، وظاهر قصاص المبسوط بقوله: وعندنا يضمن شعر الرأس إذا لم يعد بكمال الديةوكذلك شعر اللحية وشعر الحاجبين بنصف الدية وشعر الأشفار مثله وإن عاد ففي شعر اللحية ثلث الدية، وفي الباقي حكومة، وكذلك ما عدا هذا الشعر فيه الحكومة(1)،

وصريح السرائر: وفي الحاجبين إذا ذهب بشعرهما خمسمائة دينار وفي كل واحد منهما مائتان وخمسون ديناراً، وهذا إجماع من أصحابنا(2).

ولكن العمدة الرواية كما في معتبرة ظريف «وإن أُصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك»(3).

ص: 104


1- المبسوط / 5 / 95 .
2- السرائر / 3 / 403 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الاعضاء ح3 .

................................

وقد ذكر صاحب مفتاح الكرامة: وفي الحاجبين خمسمائة دينار وفي كل واحد منهما نصف ذلك ربع الدية، كما في المقنعة والنهاية والمبسوط في القصاص _ وستسمع كلامه _ والمراسم والوسيلة والسرائر والشرائع والنافع والإرشاد والتحرير والتبصرة واللمعة والروضة، وهو المحكي عن القاضي، والمشهور كما في المسالك، والمفاتيح ومجمع البرهان، ومذهب الأكثر كما في كشف اللثام والرياض وفي السرائر الإجماع عليه وهو _ أي الإجماع _ ظاهر المبسوط قال: في قصاص المبسوط وعندنا يضمن شعر الرأس إذا لم يُعد بكمال الدية، وكذلك شعر اللحية وشعر الحاجبين بنصف الدية وشعر الأشفار مثله، ومعناه أن شعر الحاجبين يضمن نصف الدية ولم أجده تعرّض لشعر الحاجبين في غير هذا الموضع .

وقوله: إن في الاهداب _ في باب الديات _ الدية عدول عما فيالقصاص ولا مانع منه، ثم قال: وفي الغنية أن فيهما الدية وفي كل واحد نصفها، قد حكوه هو عن المبسوط والإصباح، وفي كشف اللثام أن ظاهر المبسوط الإجماع عليه، قلت والاجماع أيضاً ظاهر الغنية، ولعله ظفر بما حكاه عن المبسوط في موضع لم نظفر به فيكون له فيه مذهبان، وأيّدوه بالنصوص على أن فيهما كان من الجسد اثنين الدية(1).

وهناك قول آخر عن صاحب الغنية والإصباح: من أن ذهاب شعر الحاجبين إذا لم ينبت الدية كاملة إحداهما نصف الدية(2)، بل أدّعى في الغنية الإجماع عليه، ولعل مستند ذلك ما دل على أن فيما كان في الجسد اثنان ففيه الدية وفي كل واحد منهما نصفها .

ولكن الحق الرواية صحيحة وما ذكراه وإن كان طبقاً للقاعدة ولكن وردت صحيحة على خلاف القاعدة، فأما نقول أن تلك الرواية مطلقة وتقيد بهذه

ص: 105


1- مفتاح الكرامة / 26 / 304 .
2- الغنية / 2/ 417 .

الثاني: العينان .

وفيهما الدية كاملة(1)، وفي كل منهما نصف الدية(2)، ولا فرق في ذلك بين العين الصحيحة والعمشاء والحولاء والجاحظة(3).

_______________________________________________________________

الرواية الصحيحة، وأمّا نقول تلك الرواية منصرفة عن محل البحث لأنّ الظاهر منها الأعضاء والحاجب لا يصدق عليه الأعضاء حقيقة .

(1) والمسألة غير خلافية بين المسلمين كما ادعيا الشيخ وابن زهرةوفي المسالك دعوى إجماع المسلمين بقوله: أجمع المسلمون على أن في العينين معاً الدية(1)، والعمدة الروايات .

منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، مثل اليدين والعينين، قال، قلت: رجل فقئت عينه، قال: نصف الدية»(2).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يكسر ظهره قال: فيه الدية كاملة وفي العينين الدية، وفي أحدهما نصف الدية»(3).

(2) بلا خلاف، وتدل عليه صحيحتا الحلبي، وعبد الله بن سنان المتقدمتان .

(3) لإطلاق الأدلة وليس هناك دليل يقيده خلافاً لما عن الوسيلة: وفي ذهابه من العينين كمال الدية ومن إحداهما نصفها، أو القصاص مع التساوي(4)،

ص: 106


1- مسالك الافهام / 15 / 404 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
4- الوسيلة إلى نيل الفضيلة / 446 .

والمشهور أن في الأجفان الأربعة، الدية كاملة(1).

_______________________________________________________________

حيث جعل دية العمشاء _ وهو كما عن مجمع البحرين مادة عمش العمش بالتحريك في العين ضعف الرؤية مع سيلان دمعها في أكثر اوقاتها(1)،

ثلث ديةالنفس وما ذكره دعوى بلا دليل .

(1) المسألة غير خلافية وادعي الإجماع بقسميه كما عن السرائر: إلا أن شيخنا أبا جعفر رجع في مبسوطه إلى ما اخترناه، فقال: في الأربعة أجفان الدية الكاملة وفي كل واحد منهما مائتان وخمسون ديناراً، وروى أصحابنا أن في السفلى ثلث ديتها، وفي العليا ثلثيها، ومتى قلعت الأجفان والعينان معاً ففي الكل ديتان، فإن جني على أهدابهما فأعدم إنباتها ففيهما الدية، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، فإن أعدم وأتلف الشعر والأجفان، فيقتضي مذهبنا أن فيهما ديتين، هذا آخر كلامه في مبسوطه، وخيرته في مسائل خلافه، وهو الأظهر الأصح، لأنّه تقتضيه الأدلة، ويحكم بصحته أصول المذهب إلا في قوله أهداب العينين في ذلك الدية الكاملة(2)،

لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، مثل اليدين والعينين، قال، قلت: رجل فقئت عينه ؟ قال: نصف الدية»(3)

وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدية»(4).

ص: 107


1- مجمع البحرين / مادة عمش .
2- السرائر / 3 / 404 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح12.

................................

ولكن هناك من يقول _ والقائل الشيخ في المبسوط _ وفي الأربعة أجفان الدية كاملة وفي كل واحد منهما مائتان وخمسون دينار(1)، وتبعهالفاضل في كتابه التنقيح بقوله: وفي الأجفان الدية، قال في المبسوط في كل واحد ربع الدية، واختار العلامة في المختلف قول المبسوط محتجاً، بصحيحة هشام بن سالم المتقدمة(2)، والشهيدان بقولهما: وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد الربع(3)،

كما ورد في الصحيحتين المتقدمتين لأبن سنان وهشام، لأن كل جفنين بمنزلة العين الواحدة، ومنهم من قال في الجفن الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل الثلث وهو المنسوب إلى السرائر كما مرّ، وعن الشيخ هو إجماع الفرقة وأخبارهم كما مرّ ذلك أيضاً، وكشف اللثام عن المبسوط والخلاف والسرائر في الأعلى من شفري كل عين ثلث الدية أي دية العين وفي الأسفل الثلث للإجماع والأخبار كما في الخلاف(4)،

ولكن الحق أنّه لا دليل لهم ما عدى دعوى الإجماع .

ص: 108


1- المبسوط / 2 / 149 .
2- التنقيح الرائع / 4 / 493 _ 494 .
3- اللمعة الدمشقية / 10 / 202 .
4- كشف اللثام / 11/ 334 .

وفيه إشكال والأقرب العدم، بل أن في الجفن الأعلى ثلث دية العين وهو مائة وستة وستون ديناراً وثلثا دينار، وفي الجفن الأسفل نصف دية العين وهو مائتان وخمسون ديناراً(1)، وأمّا الأهداب فلا تقدير فيها شرعاً كما أنّه ليس فيها شيء إذا انضمت مع الأجفان وفيها الحكومة إذا انفردت(2).

المسألة 280: لو قلعت الأجفان مع العينين لم تتداخل ديتهما(3).

_______________________________________________________________

(1) والعمدة معتبرة ظريف عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: افتى أمير المؤمنين (علیه السلام) فكتب الناس فتياه، وكتب به أمير المؤمنين إلى أُمرائه ورؤوس أجناده فمما كان فيه إن أصيب شفر العين الأعلى فشتر، فديته ثلث دية العين مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار، وإن أصيب شفر العين الأسفل فشتر، فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون ديناراً»(1)،

ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وهذا القول هو الأقرب، أمّا القول الأول فالروايتان منصرفتان عن المورد، وإن ذهب إليه المشهور، وقال، ولذا ناقش في دلالتهما على ذلك الشهيد الثاني في المسالك ونفاها كشف اللثام صريحاً، ثم قال: فإن تم إجماع في المسألة فهو ولكنه غير تام(2)، وهو عجيب منه لأنه ليس بحجة عنده .(2) لأنّه في صورة الانفراد لم ترد ديته شرعاً فلابد من الحكومة .

(3) لأن الأصل عدم تداخل الأسباب والمسببات، إذاً لكل ديته .

ص: 109


1- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الأعضاء ح3 ، والشتر أي القطع انظر قاموس المحيط / 2/ 555 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2/ 348 _ 342 .

المسألة 281: إذا قلع العين الصحيحة من الأعور ففيه الدية كاملة(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّ العور تارة يكون خلقة بآفة، وأخرى من جناية جان وهنا مرة أخذ الدية منه وأخرى لا، وهل هو قادر على أخذ الدية أو لا لعود قدرته، أو كان العور قصاصاً .

أمّا إذا كان لخلقة فهو محل اتفاق، ونسب إلى الخلاف بقوله: وفي العين العوراء إذا كانت خلقة أو ذهبت بآفة أم من جهة الله الدية كاملة(1)، والغنية بقوله: وفي قلع عين الأعور إذا كان عوره خلقة أو بآفة من قبل الله تعالى الدية، بدليل إجماع الطائفة(2)، والمختلف بقوله: قال الشيخ في النهاية وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت في آفة من جهة الله(3)،

والتنقيح بقوله: وفي عين الاعور الصحيحة الدية كاملة إذا كان العور خلقة أو ذهبت بشيء من قبل الله(4)،

وقد استدلوا بصحيحة محمد بن قيس، قال: «قال: أبو جعفر (علیه السلام) قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ففقئت إن تفقأ إحدى عيني صاحبه ويعقل له نصف الدية، وإن شاء أخذ دية كاملة ويُعفى عن عين صاحبه»(5)،

ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في عين الأعور الديةكاملة»(6).

ص: 110


1- الخلاف / 5 / 235 _ 236 .
2- غنية النزوع / 2 / 416 .
3- المختلف / 9 / 362 .
4- التنقيح الرائع / 4 / 495 .
5- الوسائل باب 27 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
6- الوسائل باب 27 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

والمشهور قيّدوا ذلك بما إذا كان العور خلقة أو بآفة سماوية، وأمّا إذا كان بجناية فعليه نصف الدية، وفيه إشكال والأقرب عدم الفرق كما أنّه لا فرق فيما إذا كان العور بالجناية بين ما إذا أخذ الأعور ديتها من الجاني وما إذا لم يأخذها، وفي خسف العين العوراء ثلث الدية(1).

_______________________________________________________________

ولكن المشهور على أنّه هناك فرق بين ما إذا كان بآفة سماوية أو خلقة وبينما إذا أعوره جانٍ واستحق الدية أخذها أم لا، أو إذا كان أعواره قصاصاً وحملوا الصحيحتان على ما إذا كان العور خلقة أو بآفة و أنصرافها عن مورد ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) هو إطلاق الصحيحتين(1)

ويكون عينه الواحدة بمنزلة عينين .

(1) ثلث الدية وعليه المشهور لصحيحة بريد بن معاوية عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصيِّ وأُنثييه ثلث الدية»(2)،

والرواية تامة دلالة وسنداً .

وهناك روايتان إحداهما تدل على أن فيه نصف الدية، وهي رواية عبد الله بن أبي جعفر عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في العين العوراء تكون قائمة فتخسف، فقال: قضى فيها عليُّ بن أبي طالب (علیه السلام) نصفالدية في العين الصحيحة»(3).

ورواية عبد الله بن سليمان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «في رجل فقأ عين رجل ذاهبة وهي قائمة، قال (علیه السلام) عليه ربع دية العين»(4)،

والروايتان بما أنهما ضعيفتان بعبد الله بن سليمان وهو مجهول، وأبي جميلة مفضل بن صالح وهو ضعيف .

ص: 111


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 342 .
2- الوسائل باب 31 من أبواب ديات الأعضاء ح1.
3- الوسائل باب 29 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
4- الوسائل باب 29 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .

من دون فرق في ذلك بين كونه أصلياً، أو عارضياً، وكذا الحال في قطع كل عضو مشلول، فإنّ الدية فيه ثلث دية الصحيح(1).

_______________________________________________________________

(1) بلا فرق بين أن يكون العور خلقة أو بآفة من الله تعالى، أو جناية جانٍ فيستحق الدية، أخذها أم لا، أو قصاصاً لإطلاق صحيحة بريد، وذلك لدلالة الصحيحتين .

الأولى: عن أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس، فقال: إن كان ولدته أُمه وهو أخرس فعليه ثلث الدية، وإن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعدما كان يتكلم، فانَّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه، قال: وكذلك القضاء في العينين والجوارح، قال: وهكذا وجدناه في كتاب علي»(1).

الثانية: وهي رواية الحكم بن عتيبة «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن أصابع اليدين وأصابع الرجلين أرأيت ما زاد فيهما على عشرة أصابع في اليدين أو نقص من عشرة فيها دية ؟ قال: فقال ليّ: يا حكم الخلقة التي قسّمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين ما زاد أو نقص فلا دية له إلى أن قال وكلما كان من على شلل فهو على الثلث من دية الصحاح»(2).

ص: 112


1- الوسائل باب 31 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 282: لو قلع عين شخص وادعى أنّها كانت قائمة لا تبصر وادعى المجني عليه أنّها كانت صحيحة، ففيه قولان، والأظهر أنّ القول قول المجني عليه مع يمينه(1)، وكذلك الحال فيما إذا كان لاختلاف بينهما في سائر الأعضاء من هذه الناحية(2).

_______________________________________________________________

(1) هنا قولان، الأول وهو قول المشهور لأن الجاني يكون منكراً ويقدّم قوله مع اليمين إذا لم يكن للمجني عليه البينة، ولأن قول الجاني يوافق الأصل، وقد قيل أن الحق هو قول المجني عليه لاستصحاب العدم الازلي إن قلنا به، والأصل فيه هو الصحة، وهو مقدم على اصالة البراءة .

قد يقال بأن استصحاب العدم الأزلي اتصافها بالإبصار لا يثبت العمى إلا بالأصل المثبت .

قلنا بأن استصحاب العدم الازلي غير حجة لأنًه مثبت، إذاً القول قول المشهور، هذا إذا لم تكن حالتها السابقة الصحة، وإلا يجري الاستصحاب أي استصحاب الصحة، ولا يعارضه استصحاب عدم الإبصار لأنّه لا يثبت العمى إلا بالأصل المثبت .

(2) يفهم ذلك مما سبق .

ص: 113

الثالث: الأنف

إذا استؤصل الأنف أو قطع مارنه ففيه الدية كاملة(1)، وفي قطع روثته نصف ديته(2).

_______________________________________________________________

(1) قال في الجواهر: وفاقاً للشيخ في النهاية وابن ادريس ويحيى بن سعيد والفاضلين والشهيد بل والغنية والإصباح وغيرهم على ما حكي عن بعض لأنّه مما في الإنسان منه واحد وفيه الدية نصاً وفتوى(1)،

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الأنف إذا استؤصل جدعه الدية»(2)،

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يكسر ظهره قال: فيه الدية كاملة إلى أن قال وفي الأنف إذا قطع المارن الدية»(3).

(2) وذلك لمعتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل الواحدة نصف الدية إلى أن قال وفي الأنف إذا قطع دية كاملة»(4)، وصحيحة هشام ابن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي إحداهما نصف الدية وما كان فيه واحد ففيه الدية»(5).

ص: 114


1- جواهر الكلام / 43 / 190 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح5 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح7 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح12 .

المسألة 283: في دية قطع إحدى المنخرين خلاف، قيل إنّها نصف الدية(1)، وقيل ربع الدية، والصحيح أنّها ثلث الديه(2) .

_______________________________________________________________

(1) المراد من الروثة كما عن مجمع البحرين: هي الحاجز بين المنخرين وهي طرف الأرنبة والأرِنبة طرف الأنف ومنه فلان يضرب بلسانه روثة أنفه وفي كلام الصدوق الروثة من الأنف مجمع المارِن، والمارن ما دون قصبة الأنف(1)،

وعن ابن بابويه هي مجمع المارن وعن بعض أهل اللغة هي طرف المارِن كما في الشرائع(2).

وفي المسالك، نسبه إلى المشهور(3)،

وتدل على ذلك معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في الأنف «قال: فإن قطع روثة الأنف _ وهي طرفه _ فديته خمسمائة دينار»(4).

(2) قال صاحب مفتاح الكرامة: هو مذهبنا، كما في المبسوط وهو خيرة الوسيلة والسرائر والنافع والإرشاد والتبصرة وكذا التحرير، وكأنه مال إليه في التنقيح، وقد احتج عليه في المبسوط والسرائر، بأنّه ذهب نصف الجمال والمنفعة، وقد أُيّد بأنّهما إثنان فيعمّها ما مرّ من الحكم فيما كانا أثنين وفيه إن الظاهر أن المراد الاثنان المنفصلان لا كل ما يمكن أن يقال أنهما اثنان في الجملة، ولهذا لا يجب بقطعهما معاً من دون قطع الحاجز وما بقي من الأنف تمام الدية بل إنما تجب بجميع الأنف المشتمل عليهما ويلزم أنّه لو قطعإحداهما من الحاجز كله أن لا يكون في الحاجز شيء أو نقول فيه حكومة مع أن ذلك يوجب قطع الروثة فتأمل.

وقيل الثلث وهو الأقرب هذا هو المشهور، وكما في المسالك، وكشف اللثام، والمفاتيح، والأشهر كما في الروضة مذهب الأكثر كما في المسالك أيضاً، ومجمع

ص: 115


1- مجمع البحرين مادة روثه .
2- شرائع الإسلام / 4/ 505 .
3- المسالك / 15 / 409 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

................................

البرهان وهو المحكي عن أبي علي، وخيرة المقنع، والشرائع وكشف الرموز، والإيضاح، واللمعة، والمسالك وكذا مجمع البرهان وحكي عن المحقق الثاني واستحسنه في المختلف واستجود في التحرير(1).

أمّا القول الأول: وهو نصف الدية ودليلهم على أن كل ما في البدن منه اثنان ففيه الدية، وفي كل واحد منهما نصف الدية، ولكن هذا القول غير تام فلا يشمل المقام، لأن مجموع الأنف يكون واحد، قال صاحب مفتاح الكرامة: وفيه أن الظاهر أن المراد الاثنان المنفصلان لا كل ما يمكن أن يقال أنهما اثنان في الجملة(2)،

يقول الاستاذ الاعظم أن ما افاده (قدس سرُّه) من التعليل عليل جداً ولا يمكن المساعدة عليه بوجه، وذلك لأنّه إن استند (قدس سرُّه) في ذلك إلى ما دل على أن ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية، فهو غير شامل للمقام لأن مجموع الأنف شيء واحد، وإن استند إلى ما هو ظاهر تعليله فلا دليل عليه أصلاً، بل الدليل على خلافه(3) لعدم الدليل بل الدليل يكون وهو معتبرة غياث كما يأتي .وأمّا القول الثاني: فقد استدل عليه بالإجماع، وفيه أن الإجماع غير حجة مضافاً لعدم ثبوته صغروياً لأنّ المشهور على خلافه، إذاً فالصحيح هو القول الثاني لمعتبرة غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «إنّه قضى في شحمة الأذن بثلث دية الأذن، وفي الأصبع الزائدة ثلث دية الأصبع وفي كل جانب من الأنف ثلث دية الأنف»(4).

ص: 116


1- مفتاح الكرامة / 26 /329 .
2- مفتاح الكرامة / 26 / 330 .
3- المباني / 2/ 349 .
4- الوسائل باب 43 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

الرابع: الأذنان

وفيهما دية كاملة(1)، وفي إحداهما نصف الدية(2)، وفي بعضهما بحساب ذلك .

_______________________________________________________________

ويؤيد ذلك رواية عبد الرحمن عن جعفر عن أبيه (علیهم السلام) «وفي خشاش الأنف كل واحد ثلث الدية»(1).

(1) والمسألة غير خلافية وقد أدعيّ في الغنية وفي قطع الاذنين أو ذهاب السمع جملة الدية كاملة وفي احديهما نصف الدية وفي نقصان السمع بحساب ذلك يقاس بالصوت في الجهات كالقياس في العين بالبصر وفي قطع شحمة الأذنين ثلث ديتها كل ذلك بدليل إجماع الطائفة(2)،

والعمدة الروايات ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يكسر ظهره قال: فيه الدية كاملة إلى أن قال وفي الأذنين الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وفي الذكر إذا قطعت الحشفة وما فوق الدية، وفي الأنف إذا قطع المارِن الديةوفي الشفتين الدية»(3)،

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «قال: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية»(4)،

ومنها معتبرة سماعة قال «وفي الأذن نصف الدية إذا قطعها من أصلها»(5).

(2) فيعتبر مساحة المجموع من أصل الأذن وينسب المقطوع عليه ويؤخذ بحسابه .

ص: 117


1- الوسائل باب 43 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
2- غنية النزوع / 2 / 417 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح9 .

وفي شحمة الأذن ثلث ديتها(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، ونسب إلى الغنية كما تقدم والخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم(1) وهكذا الرياض: وفي شحمتهما ثلث ديتها على الأشهر الأقوى، بل لا أجد فيه خلافاً من أحد صريحاً مع أن في الغنية وعن الخلاف أن عليه إجماعنا وهو الحجة(2)،

ويؤيد ذلك معتبرة غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «فإنّه قضى في شحمة الأذن بثلث دية الأذن»(3)، وخبر مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنّ علياً (علیه السلام) قضى في شحمة الأذن ثلث دية الأذن»(4) ولكن الشهيد الثاني قال في المسالك: الرواية المذكورة رواها مسمع .... وفي طريقهاسهل بن زياد وابن شمّون وعبد الله الأصم، وهم في غاية الضعف كما اشرنا إليه سابقاً(5)

.

ص: 118


1- الخلاف / 5 / 234 .
2- رياض المسائل / 16 / 442 .
3- الوسائل باب 43 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
4- وقد مر الحديث .
5- مسالك الافهام / 15 / 410 .

الخامس: الشفتان

وفيهما دية كاملة(1)، وفي كل منهما نصف الدية(2).

_______________________________________________________________

(1) قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد، بل بين المسلمين بل الإجماع بقسميه(1) والعمدة الروايات الكثيرة منها صحيحة الحلبي، وصحيحة هشام بن سالم «فما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية»(2).

(2) في المسألة أقوال، قال العلامة في القواعد: واختلف في التقسيط فقيل في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان، لأنّ فيها مع الجمال زيادة المنفعة بإمساك الطعام والشراب(3)ويعلق في مفتاح الكرامة على ذلك: وشينها أقبح من شين العليا، وبهذا ثبتت الآثار عن أئمة الهدى Dكما في المقنعة وهذه شهادة منه على ثبوت ذلك، وهو أبلغ وأثبت ممّا يرويه ويسنده وظاهر المبسوط والغنية الاجماع عليه، وفي كشف الرموز أنّه أظهر بين الأصحاب وفي السرائر في أول كلامه أنه هو الأظهر، وهو المحكي عن الكافي والإصباح والجامع والكيدري .

وقيل في العليا خُمسا الدية وفي السفلى ثلاثة أخماسها، قال صاحب مفتاح الكرامة: بإجماع الفرقة وأخبارهم كما في الخلاف وهو خيرة المقنع والهداية والنهاية و التهذيب والاستبصار والوسيلة والمهذب والمختلف وهو الذي استقرّ عليه رأيه في السرائر وهو المحكي عن الطبرسي والصهرشتيوظاهر الفقيه لروايته له(4)

.

ص: 119


1- الجواهر / 43 / 203 .
2- قد مر الحديث .
3- القواعد / 3 / 673 .
4- مفتاح الكرامة / 26 / 349 _ 350 .

................................

وقيل في العليا النصف وفي السفلى الثلثان هذا حكاه المحقق والمصنف عن ابن بابويه، وقيل إنهما ارادا علياً وحكاه أيضاً عن أبي علي وهو الموجود في كتاب ظريف المشهورة المروية بعدة طرق .

وقيل بالسوية وهو حسن هذا محكي عن العماني وهو خيرة الإرشاد والتبصرة واللمعة والمقتصر والتنقيح والمسالك ومجمع البرهان والمفاتيح وكذا الروضة(1).

وهناك قول ثان بأن في قطع العليا ثلث الدية وفي السفلى الثلثين نسب ذلك إلى الشيخين في المبسوط والمقنعة والديلمي وأبي الصلاح وابني زهرة وادريس والكيدري وابن سعيد والطبرسي وابن حمزة والعلامة في المختلف، وثالثها في الشفة العليا أربعمائة درهم وفي السفلى ستمائة درهم ونسب إلى الشيخ في الخلاف والنهاية والمقنع والهداية والمهذب البارع والوسيلة والصهرشتي والطبرسي وابن حمزة في المختلف، رابعها أن في العليا نصف الدية وفي السفلى ثلثي الدية نسب إلى الإسكافي وابن بابويه .

أمّا ما قيل بأن السفلى تمسك الطعام والشراب وترد اللعاب أن شينُها أقبح من شين العليا .

وأمّا الإجماعات التي استدلوا بها فقد عرفت حالها، وقد وردت رواية أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الشفة السفلى ستةآلاف درهم وفي العليا أربعة آلاف، لأنَّ السفلى تمسك الماء»(2)،

والرواية ضعيفة بأبي جميلة، وما ذكره مجرد استحسان فلا يصبح دليلاً في المسألة .

وأمّا القول الثاني: فدليلهم بعد دعوى الإجماع المذكور في الخلاف الأخبار، منها خبر أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الشفة السفلى ستة آلاف

ص: 120


1- مفتاح الكرامة / 26 / 351 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب ديات الاعضاء ح2 .

................................

درهم، وفي العليا أربعة آلاف درهم لأنّ السفلى تمسك الماء»(1)،

والخبر ضعيف بأبي جميلة ودعوى إجبار الضعف بعملهم معتضد بإجماع الخلاف فتأمل .

وأمّا القول الثالث قال الاستاذ الاعظم (علیه السلام) ونعم ما قال: بلا خلاف ظاهر، بل أدعيّ عليه إجماع الفرقة، ويدل عليه ما رواه الصدوق بسنده الصحيح إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) المتقدم المؤيد برواية الحكيم بن عتبة المتقدمة .

وبإزاء هذه عدة روايات تدل على أن الأسنان كلها سواء في الدية، منها ما في كتاب ظريف المعتبر عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال «في الأسنان في كل سن خمسون ديناراً، والأسنان سواء»(2)ومنها معتبرة سماعة قال: سألته عن الأسنان فقال: «هي سواء في الدية»(3)ولكن بما أن هذه الروايات موافقة للعامة ولا خلاف بينهم في ذلك، وتلم مخالفة لهم، فتتقدم تلك عليها في مقامالمعارضة(4).

وأمّا القول الرابع فإنهما سواء في الدية، وقد استدل عليه بما في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: إذا قطعت الشفة العليا واستؤصلت فديتها خمسمائة دينار، فما قطع منها فبحساب ذلك، فإن انشقت حتى تبدوا منها الأسنان ثم دويت وبرأت والتأمت فديتها مائة دينار، فذلك خمس دية الشفة إذا قطعت واستؤصلت، وما قطع منها فبحساب ذلك، فإن شترت فشينت شيناً قبيحاً فديتها مائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، ودية الشفة السفلى إذا استؤصلت ثلثا الدية ستمائة وستة وستون ديناراً، وثلثا دينار، فما قطع منها فبحساب ذلك،

ص: 121


1- الوسائل باب 5 من أبواب ديات الاعضاء ح2.
2- الوسائل باب 8 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 365 _ 366.

وما قطع منهما فبحسابهما(1) .

السادس: اللسان

وفي استئصال اللسان الصحيح الدية كاملة(2).

_______________________________________________________________

فإن انشقت حتى تبدوا الأسنان منها ثم برأت والتأمت فديتها مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وإن أصيبت فشينت شيناً قبحاً فديتها ثلاثمائة وثلاث وثلاثون ديناراً، وذلك نصف ديتها قال ظريف: فسألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن ذلك، فقال: بلغنا أنَّ أمير المؤمنين فضّلها لأنّها تمسك الماء والطعام مع الأسنان، فلذلك فضّلها في حكومته»(1).

وهذه الرواية لا يمكن الأخذ بها لمخالفتها مع الموثقة، وموافقتها للعامةوهي كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية، والموثقة تكون موافقة لها، فالحق هو صحة قول الأول .

(1) لأن تلك القاعدة متسالم عليها ويؤيدها صريح رواية ظريف .

(2) والمسألة غير خلافية وأدعيّ الإجماع بقسميه على ما ذكره صاحب الجواهر(2)

بلا فرق بين الكبير والصغير للإطلاق، فما ذكره وهو صاحب الوسيلة: ومن لم يبلغ النطق وهو يحرك لسانه للبكاء، أو غيره بما يعبر عنه باللسان فحكمه حكم الناطق(3)وما

ذكره هو دعوى بلا دليل، والعمدة الروايات، منها كما في معتبرة سماعة عنه (علیه السلام) «في الرجل الواحد نصف الدية إلى أن قال وفي اللسان إذا قطع الدية كاملة»(4)،

ولصحيح علاء بن فضيل عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في أنف

ص: 122


1- الوسائل باب 5 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- جواهر الكلام / 43 / 209 .
3- الوسيلة / 449 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح7 .

وفي قطع لسان الأخرس ثلث الدية(1)، وفيما قطع من لسانه فبحسابه مساحة(2)، وأمّا في لسان الصحيح فيحاسب بحروف المعجم ويعطى الدية وبحساب مالا يفصح منها(3) .

_______________________________________________________________

الرجل إذا قطع من المارِن الدية تامة، وذكر الرجل الدية تامة، ولسانه دية تامة»(1)، وصحيحة هشام بن سالم «قال: كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية وما كان فيه واحد ففيه الدية»(2).(1) فالمسألة غير خلافية كما ادعاه صاحب الجواهر(3)، مضافاً إلى ما في صحيح بريد بن معاوية عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصي وأُنثييه ثلث الدية»(4).

وأمّا صحيح أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس، فقال: إن كان ولدته أمه وهو أخرس فعليه ثلث الدية، وإن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعدما كان يتكلم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه» فلا تعارض هذه الرواية صحيحة بريد، لأن صحيحة أبي بصير غير مطابقة للقاعدة، إذاً الإطلاق يكون شاملاً، مضافاً إلى الاتفاق .

(2) والمسألة غير خلافية لأنّ كل مورد ليس له مقدّر شرعاً فعليه الحكومة، ومقتضاه هو بحساب مساحته .

(3) قال صاحب الجواهر: وعليه الشيخان في المقنعة والنهاية والديلمي وابن حمزة والفاضلان وغيرهم، بل في المسالك إلى المشهور، بل عن المبسوط والسرائر

ص: 123


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح11.
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح12.
3- جواهر الكلام / 43 / 209.
4- الوسائل باب 31 من أبواب ديات الأعضاء ح1.

المسألة 284: المشهور بين الأصحاب أن حروف المعجم ثمانية وعشرون حرفاً، وفيه إشكال، والأظهر أنّها تسعة وعشرون حرفاً(1).

_______________________________________________________________

ظاهر الإجماع عليه، بل عن الخلاف إجماع الفرقة واخبارها عليه(1)،

وتدل عليه معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت له رجل ضربلغلام ضربة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض ولم يفصح ببعض، فقال: يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية، وما لم يفصح أُلزم الدية، قال: قلت: كيف هو ؟ قال: على حساب الجمل»(2).

ولا يخفى أن ما في الذيل يحتمل أنّه من الراوي، كما ذكر هذا الاحتمال الشيخ بقوله: فما تضمن هذا الخبر من تفصيل دية الحروف يجوز أن يكون من كلام بعض الروات من حيث سمعوا أنه قال تفرق ذلك على حروف الجمل ظنوا أنّه على ما يتعارفه الحساب من ذلك ولم يكن من القصد ذلك(3)،

فعلى أي حال فهي مطروحة لعدم العمل بها .

(1) وعن الخليل الحروف المعجمة هي الحروف المقطعة ولأنّها اعجمية يعني أن الحرف الواحد لا يدل على ما يدل عليه الحروف الموصولة فكان أمرها مستعجماً فإذا وصلت أعربت وبيّنت(4).

والمشهور بين الأصحاب كذلك، وروي عن الخلاف، وظاهر المبسوط والسرائر الإجماع عليه، وأمّا بالنسبة إلى عدد الحروف وما وقع الاختلاف فيه من أنّها ثمان وعشرون أو تسعة وعشرون وردت روايات .

ص: 124


1- جواهر الكلام / 43 / 210 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات المنافع ح7 .
3- الاستبصار / 4 / 835 باب دية نقصان الحروف من اللسان .
4- مجمع البحرين باب (ع _ ج _ م ) وذكر فيه الحروف ثمانية وعشرون حرفاً .

................................

منها: رواية السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أُتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي البعض فجعل ديته على حروف المعجم، ثم قال: تكلم بالمعجم فما نقص عن كلامه فبحسابه ذلك والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً، فجعل ثمانية وعشرين جزءاً فما نقص منكلامه فبحسابه ذلك»(1).

ومقابل هذه الرواية صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل ضرب رجلاً بعصا على رأسه فثقل لسانه، فقال: يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح، وما لم يفصح به كان عليه الدية، وهي تسعة وعشرون حرفا»(2).

أمّا الرواية الأولى فهي ضعيفة من جهة السند، والانجبار غير مفيد .

وأمّا الثانية فهي صحيحة من جهة السند، ولكنها معارضة لما نقله الصدوق في هذه الرواية عن عبد الله بن سنان، حيث ورد فيها ثمانية وعشرون حرفاً .

وأمّا ادعاء الإجماع فهو غير تام صغرى وكبرى، وما ذكره الاستاذ الاعظم (علیه السلام) فإذا بنينا على تقديم رواية الكافي على رواية الصدوق باعتبار أنّه اضبط منه ولا سيما مع موافقته للشيخ فهو، وإلا فالمرجع هو الأخذ بالقدر المتيقن، وهو تقسيم الدية على تسع وعشرين حرفاً والزائد يدفع بالأصل(3) وهو الحق .

ص: 125


1- الوسائل باب 2 من أبواب ديات المنافع ح6 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات المنافع ح2 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 378 .

المسألة 285: لا اعتبار بالمساحة في المقدار المقطوع من اللسان الصحيح فيما إذا أوجب ذهاب المنفعة، لما عرفت من أن العبرة فيه بحروف المعجم(1)، فلو قطع ربع لسانه وذهب نصف كلامه ففيه نصف الدية، ولو قطع نصفه وذهب ربع كلامه ففيه ربع الدية .

_______________________________________________________________

(1) وهذا واضح فالمدار يكون بالنطق لا على المساحة خلافاً لما عليه المحقق الاردبيلي في مجمعه بقوله: اعتبار ذهاب مخارج الحروف ومنفعة اللسان إنما كان في لسان الصحيح، وفي لسان الأخرس إنما هو باعتبار المساحة والمقادير(1)

.

ثم أنّهم جعلوا المدار على المنفعة مطلقاً وفيه بحث، فإن الدليل على ما سمعت إنما دل على كون المدار على النفعة فيما ذهبت المنفعة فقط ولم يذهب من الحروف شيء إذ ما كان في الدليل شمل مع قطع بعض اللسان مع كون المدار على نقصان الحروف وأنّه قد يسقط من اللسان ولا يحصل قصور في صدور الحروف.

فالمناسب أن يكون المدار على المنفعة فيما كان النقص فيها فقط وعلى المساحة والمقدار على تقدير النقص فيه فقط، وعلى تقدير الاجتماع يحتمل جعل المدار على المساحة فإنّها المدار فيما له المقدر وليس للنقص مقدّر ويبعد احتمال هل المدار على المنفعة كما هو ظاهر المتن والأكثر ويحتمل أكثر الأمرين للاحتياط وللعمل بدليل المساحة والمنفعة، إذاً لو كان الربعفذهب النصف من الحروف ويعطى نصف الدية وعلى العكس لو كان الذاهب النصف وذهب ربع الحروف تكون الدية الربع لأن المناط كما في معتبرة سماعه ذهاب المنافع ولا اعتبار بالمساحة .

ص: 126


1- مجمع الفائدة والبرهان / 14 / 379 .

المسألة 286: لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه بقطع بعض لسانه أو بغير ذلك فأخذ الدية ثم عاد كلامه، قيل تستعاد الدية ولكن الصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان العود كاشفاً عن أن ذهابه كان عارضيّاً ولم يذهب حقيقة(1)، وبين ما إذا ذهب واقعاً، فعلى الأول تستعاد الدية، وأمّا على الثاني فلا تستعاد .

المسألة 287: لو كان اللسان ذا طرفين كالمشقوق فقطع أحدهما دون الآخر كان الاعتبار بالحروف، فإن نطق بالجميع فلا دية مقدرة وفيه الحكومة، وإن نطق ببعضها دون بعض أُخذت الدية بنسبة ما ذهب منها(2).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ المتفاهم العرفي من الأدلة هو أن يكون الذهاب حقيقياً لا العارضي، فإذا ابتلى بعارض وارتفع النطق ثم عاد فالأدلة غير شاملة له فلابد أن يرجع الدية، أمّا إذا كان الذهاب حقيقياً كما لو أن الطبيب قال بأن الضربة شديدة بالدماغ فهو غير قابل للرجوع، فيكون شاملاً للروايات وعود النطق يكون هبة ونعمة جديدة من الله سبحانه، وهذا لا يستوجب استعادة الدية .

(2) لو كان للسان طرفان فكان أحدهما أصلياً والآخر زائداً كاليدوالأصبع فإذا قطع أحد الطرفين ولم ينقص من نفعه شيء فقطع الزائد الذي لا تقدير له فتكون ديته الأرش، ولو كانا كلاهما اصليين فقطع أحدهما فإن بقي النطق بكماله والمقطوع بمنزلة الزائد وفيه الحكومة، وإلا لو ذهب كله فالدية كاملة وأمّا لو ذهب بعضه فإن الاعتبار بالحروف، والمسألة تكون واضحة في جميع شقوقها .

ص: 127

المسألة 288: في قطع لسان الطفل الدية كاملة(1)، وأمّا إذا بلغ حداً ينطق مثله وهو لم ينطق، فإن علم أو اطمأن بأنّه أخرس(2)، ففيه ثلث الدية، وإلا فالدية كاملة(3).

السابع: الأسنان

وفيها دية كاملة وتقسم الدية على ثماني وعشرين سناً ست عشرة في مواخير الفم، واثنتي عشرة في مقاديمه، ودية كل سن من المقاديم إذا كسرت حتى يذهب خمسون ديناراً، فيكون المجموع ستمائة دينار، ودية كل سن من المواخير إذا كسرت حتى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون ديناراً فيكون ذلك أربعمائة دينار والمجموع ألف دينار، فما نقص فلا دية له، وكذلك ما زاد عليها، وفيه الحكومة إذا قلع منفرداً(4).

_______________________________________________________________

(1) لإطلاق الروايات .(2) لأن الاخرس في قطع لسانه ثلث الدية كما مر ويشهد له اطلاق صحيحة، بريد بن معاوية عن ابي جعفر (علیه السلام) «في لسان الاخرس وعين الاعمى وذكر الخصي وانثييه ثلث الدية»(1).

(3) أمّا وجوب الدية كاملة للإطلاق فخرج منها لسان الأخرس ومع الشك فالمرجع يكون الإطلاقات .

(4) والمسألة غير خلافية كما ذكره الجواهر بقوله: بلا خلاف أجده فيه كما اعترف في كشف اللثام ومحكي الخلاف والغنية، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه بل هو صريح محكي التحرير، مضافاً إلى ما سمعته من النصوص بل في

ص: 128


1- قد مر الحديث .

................................

المسالك لا خلاف في ثبوت الدية بجملة الأسنان سواء زادت أو نقصت(1)

والعمدة الروايات عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) «أنّه قضى في الأسنان التي تقسّم عليه الدية أنّها ثمانية وعشرون سناً، ستة عشر في مواخير الفم، واثنى عشر في مقاديمه، فدية كل سن من المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسون ديناراً يكون ذلك ستمائة دينار ودية كل سن من المواخير إذا كسر حتى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون ديناراً، فيكون ذلك أربعمائة دينار فذلك ألف دينار، فما نقص فلا دية له، وما زاد فلا دية له»(2),

وتؤيد ذلك رواية الحكم بن عتيبة«قال: قلت لأبي جعفر (علیه السلام) بعض الناس فيه اثنان وثلاثون سناً، وبعضهم له ثمانية وعشرون سناً، فعلى كم تقسّم دية الأسنان فقال: الخلقة إنما هي ثمانية وعشرون سناً، اثنتا عشرة في مقاديم الفم وستَّ عشرة في مواخيره فعلى هذا قسمت دية الأسنان، فدية كل سنّ من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم، فديتها كلها ستة آلاف درهم، وفي كل سنّ من المواخير إذا كسرت حتى تذهب فإنّ ديتها مائتان وخمسون درهماً وهي ستة عشر سناً فديتها كلها أربعة آلاف درهم، فجمع دية المقاديم والمواخير من الأسنان عشرة آلاف درهم، وإنما وضعت الدية على هذا فما زاد على ثمانية وعشرين سناً فلا دية له، وما نقص فلا دية له، هكذا وجدناه في كتاب علي»(3).

ولكن في قبال هذه الروايات روايات ما تدل على أن الأسنان كلها سواء في الدية، ففي كتاب ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال وفي الأسنان في كلِّ سنّ

ص: 129


1- جواهر الكلام / 43 / 229 .
2- الوسائل باب 38 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 38 من ابواب ديات الأعضاء ح2 .

................................

خمسون ديناراً، والأسنان كلها سواء»(1) وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: الأسنان كلها سواء في كل سن خمسمائة درهم»(2).

ولكن هاتين الروايتين لا يمكن الأخذ بهما من جهتين، أولاً لموافقتها مع العامة لأن في نظرهم أن في كل سن خمساً من الإبل من غير فرق بين المقادموالمآخر، قال الشفاعي الأسنان اثنان وثلاثون الأصلية في كل سن خمس من الإبل المقاديم والمواخير سواء، فإن قلعت واحدة كان فيها خمس من الإبل وبه قال ابن عباس ومعاوية(3)ثانياً:

مضافاً إلى أن الأخذ بالروايتين يستوجب زيادة دية الأسنان عن الدية التامة فيكون المجموع بالدينار ألف وأربعمائة دينار والدرهم أربعة عشر ألف درهماً .

فالحق التقسيم الذي ورد في رواية الصدوق، وأمّا ما ذكره الشهيد الثاني(4)

وتبعه صاحب الرياض(5)كأنهما

غفلا عمّا رواه الصدوق في الصحيح وتخيلا انحصار المدرك بخبر الحكم، ولذا ذكر صاحب المسالك: أمّا قسمتهما على ثمانية وعشرين وتفصيلها على الوجه الذي ذكره وهو المعروف من مذهب الأصحاب، وبه رواية ضعيفة لكنها مشهورة مجبورة بذلك على قاعدتهم(6) .

ولكن الحق أن الرواية غير منحصرة بالرواية الضعيفة كما مرّ ذكره فلا نحتاج إلى قاعدة الجبر، مضافاً على عدم صحة هذه القاعدة، أمّا خبر السكوني عن

ص: 130


1- الوسائل باب 8 من ابواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
3- الموطأ / 2 / 861 _ 862 وسنن أبي داود / 4 / 4559 وغيرها .
4- مسالك الافهام / 15 / 420 .
5- رياض المسائل / 16/ 456 .
6- مسالك الافهام / 15 / 420 _ 421 .

................................

أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) الأسنان احدى وثلاثون ثغرة، في كل ثغرة ثلاث أبعره وخمس بعير»(1)، فلا يمكن الأخذ به لأمور:الأول: أن سنده يكون ضعيفاً فإن طريق الشيخ إلى النوفلي فيه ضعف.

الثاني: أنّه لم يعمل به أحد .

الثالث: أنّه مخالف للواقع لأنّه ما أريد من الثغر الفرجة، فلا تكون الفرجة بين الأسنان واحد وثلاثون ولو فرض إن الأسنان اثنان وثلاثون وإن أريد به السن فلا يكون عددها فرداً إذ لا يجوز العمل به .

أمّا ما زاد فلا دية فيه، إلا إذا كان منفرداً، والمسألة متفق عليها، وأمّا إذا كان منفرداً فاختلف الأصحاب كما ذكره صاحب مفتاح الكرامة في شرح قول العلامة في الزائد ثلث دية الاصلي إن قلع منفرداً، وإن قلع منضماً فلا شيء فيه ونسب صاحب المفتاح هذا القول الى الفقيه والنهاية والسرائر والشرائع والنافع والتحرير والإرشاد والتبصرة واللمعة والروضة والمفاتيح وكذا المختلف وهو المحكي عن الجامع ثم قال: عليه وينزل اطلاق الخلاف والوسيلة والمهذب من أن في الزائد ثلث دية الأصلي من دون تفصيل بين ما إذا قلع منفرداً أو منضماً فينزل على ما إذا قلع منفرداً، وفي المسالك والروضة أنّه أشهر، وفي مجمع البرهان تارة نسبيته إلى ظاهر الأكثر وأخرى إلى المشهور، وفي الخلاف الإجماع عليه فيما حكي عنه، وفي الفقيه والوسيلة والتحرير التصريح بأن فيه ثلث دية الأصلي(2)

وفي الجامع والشرائع وغيرها ثلث دية الأصلية أي إذا كان في المقاديم فثلث ديته الخمسون، وإذا كانت في المواخير فثلث الدية خمسة وعشرون .

ص: 131


1- الوسائل باب 38 من أبواب ديات الأعضاء ح5 .
2- مفتاح الكرامة / 26 / 394 .

المسألة 289: إذا ضربت السن انتظر بها سنة واحدة، فإن وقعتغرم الضارب ديتها، وإن لم تقع واسودت غرم ثلثي ديتها(1).

_______________________________________________________________

الثاني: أن فيها الحكومة .

الثالث: منسوب إلى المقنعة أنّه لا شيء فيها .

أمّا القول الأول فقد ادعوا الإجماع وهو في حد ذاته لا يكون حجة لا صغرى ولا كبرى، أمّا صغرى فمعلوم وأمّا كبرى، لأنّه فيه مخالف كما عن المقنع أنّه لا دية للزائد ولا الناقص، ولم يفرق في الزائد بينما إذا قطع منفرداً ومنضماً ولعله استند إلى خبر الحكم(1)،

وكذا نسب إلى نكت النهاية والكافي والإصباح وكشف اللثام والرياض أن فيها الحكومة .

ثانياً: استدلوا بالحمل على الأصبع الزائدة وفيه أنّه قياس، وعلى الثاني أن كل ما لم يكن مقدّراً لابد من الحكومة لئلا يهدر دم مسلم .

(1) ادعى عدم الخلاف كما في الجواهر: بلا خلاف محقق أجده كما اعترف فيه في الرياض، بل ربما ظهر من الغنية الإجماع عليه، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب، وفي المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا بل عن الخلاف فيه إجماع الفرقة واخبارها(2)،

والعمدة الصحيحة الواردة منها عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: السن إذا ضربت انتظر بها سنة، فإن وقعت أُغرم الضارب خمسمائة درهم، وإن لم تقع واسودَّت أُغرم ثلثي الدية»(3).وقد نسب صاحب الجواهر إلى الشيخ من الالتزام بثلث الدية(4) أمّا إذا

ص: 132


1- المقنع / 530 .
2- جواهر الكلام / 43 / 273 .
3- الوسائل باب 8 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
4- الجواهر / 43 / 231 .

................................

ذهبت كل المنافع حتى لا يتمكن ولا يقوى على أن يمضغ بها شيئًا وإن كان أقلّ فلابد من الحكومة، فهو غير تام للإطلاق، وقال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وهذه الصحيحة وإن كان موردها ما تكون الدية فيه خمسمائة درهم إلا أنّه لا شك في عدم اختصاص الحكم بذلك فيعم ما إذا كانت الدية فيه مائتان وخمسون درهما(1).

وبإزاء هذه الرواية المعتبرة عن ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في الأسنان في كل سن خمسون ديناراً إلى أن قال فإذا اسودت السن إلى الحول ولم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون ديناراً»(2)يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وثانيتهما مرسلة ابان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله «قال: كان أمير المؤمنين يقول: إذا اسودت الثنية جعل فيها الدية»(3).

أقول الرواية الأخيرة ضعيفة سنداً، فلا يمكن الاعتماد عليها، وأمّا الرواية الأولى فبما أنّها معتبرة سنداً فتعارض هذه الصحيحة في ثلث الدية فتسقطان معاً من جهة المعارضة، فالمرجع هو الأصل العملي، ومقتضاه البراءة عنه، فالنتيجة هي ما ذكرناه من ثبوت ثلث الدية(4).والحق أنّه في صورة التعارض لابد من الرجوع إلى المرجحات، وبما أن خبر عبد الله بن سنان من جهة الشهرة وصفات الراوي هو المتقدم .

ص: 133


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 367 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 40 من أبواب ديات الأعضاء ح2 ، وانظر مباني تكملة منهاج / 2 / 368 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 368 .

وفي سقوطها بعد الاسوداد ثلث ديتها على المشهور، وفيه اشكال والأظهر ان فيه ربع ديتها(1).

المسألة 290: لا فرق في ثبوت الدية بين قلع السن من اصلها الثابت في اللثة وبين كسرها منها(2).

وأمّا إذا كسرها أحد من اللثة وقلعها منها آخر فعلى الأول ديتها وعلى الثاني الحكومة(3).

_______________________________________________________________

(1) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: أن فيه ثلث ديتها وهذا هو المعروف والمشهور بين الأصحاب بل عن الخلاف وظاهر الغنية الإجماع عليه .

الثاني: أن فيه ربع الدية كما عن النهاية والقاضي ويحيى بن سعيد .

الثالث: أن المرجع في المقام هو الحكومة واختاره الشيخ في المبسوط وتتبعه عليه المتأخرون(1) والأصح هو القول الأول لما اشتهر به بين الأصحاب وكون الإجماع عليه مضافاً إلى وجود الرواية الصحيحة .

(2) أمّا ثبوت الدية في صورة القلع إذ يقول في الجواهر: لا خلاف فيهبل الإجماع بقسميه(2)،

وهو القدر المتيقن من النصوص، أمّا ثبوت الكسر فعليه الأكثر، ولما رواه الصدوق بسنده الصحيح إلى قضايا أمير المؤمنين (علیه السلام) في الأسنان التي تقسم عليها الدية إلى أن قال فدية كل سن من المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسون ديناراً .

(3) أمّا ثبوت الدية كما عرفت بأن في الكسر الدية كما مرّ بيانه من ذكر الرواية، وفي الثاني لأنّه لم يقدّر فعليه الحكومة .

ص: 134


1- مباني تكملة المنهاج / 2/ 369 _ 370 .
2- جواهر الكلام / 43/ 240 .

المسألة 291: المشهور بين الأصحاب أنّه لو قلع سن الصغير أو كسرت تماماً ينتظر بها سنة، فإن نبتت لزم الأرش(1)وإلا ففيها الدية(2) ولكن دليله غير ظاهر فلا يبعد ثبوت الدية مطلقاً .

_______________________________________________________________

(1) قد يقال ثبوت الأرش في صورة الإنبات، ونسب ذلك إلى المبسوط والمهذب والكافي والغنية والوسيلة والإصباح(1)،

ومستندهم مرسل جميل أنّه قال في سن الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت «قال (علیه السلام) ليس عليه قصاص، وعليه الأرش»(2)، قد يقال بأن الرواية ولو كانت مرسلة فلا يضر الإرسال لأجل عمل المشهور، والمرسل من أصحاب الإجماع، وفيه كلا المبنيين كما ذكرنا في محله من كتابنا شمس الأصول لا اعتبار بهما .

(2) لإطلاق النصوص، ومقتضاه عدم الفرق بين سن الصغير وغيره و أمّا ما نسب إلى الشيخ في المبسوط وابن فهد في المهذب وابن زهرة في الغنيةوابن حمزة في الوسيلة أنّ دية سن الصبي بعير مطلقاً نبت أم لم ينبت، يكون مستندهم خبرين، وكلاهما ضعيفان رواية مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال إنّ علياً (علیه السلام) قضى في سن الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كل سنً»(3)، وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنَّ أمير المؤمنين (علیه السلام) قضى في سنّ الصبيّ إذا لم يثغر ببعير»(4)، إذاً أن الحق هو ثبوت الدية مطلقاً نبت أو لم ينبت كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) .

ص: 135


1- جواهر الكلام / 43/ 241 .
2- الوسائل باب 33 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 33 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
4- الوسائل باب 33 من أبواب ديات الأعضاء ح3 .

المسألة 292: لو زرع الإنسان في موضع السن المقلوعة عظماً فثبت فيه ثم قلعه قالع فلا دية فيه ولكن فيه الحكومة(1).

_______________________________________________________________

(1) والأقوال مختلفة ونسب إلى الشيخ أنّه لا دية ولا شيء فيه للأصل كما عن الجواهر(1)،

وعن العلامة في قواعده قال: ولو أنبت عوضها عظماً فثبت فقلعه آخر فالأرش(2)، وثاني الشهيدين يقول: هذا هو الأقوى لأنّ ذلك لا يُعدّ سناً لغة ولا عرفاً فلا تتناوله الأدلة الدالة على دية السن، ويثبت الأرش إن حصل به نقص كما هو مقتضاه(3)،

وغيرهما أنّه فيه الأرش ومنهم الماتن .

أمّا عدم وجوب الدية فلأنّ الدية إنما تجب في السن إذا قلع، والدليلمنصرف عن المورد .

وأمّا وجوب الأرش فلأنّه يستصحب الماً وشيّناً، ولتفويت المصلحة من الانتفاع به ولو لم يكن سناً، إذاً أولاً كل ما لم يقدّر فعليه الأرش، وثانياً لئلا يذهب حق المسلم هدراً، وما ذكره الشيخ بأنّه لا دية ولا أرش فلا يكون صحيحاً.

ص: 136


1- جواهر الكلام / 43 /241 .
2- قواعد الاحكام / 3 / 677 .
3- سالك الافهام / 15 / 425 .

الثامن: اللحيان

وهما العظمان اللذان يلتقيان في الذقن، ويتصل طرفاهما بالأذن من جانبي الوجه وعليهما نبات الأسنان، وفيهما الدية كاملة وفي كل واحد منهما نصف الدية(1)، هذا فيما إذا قلعا منفردين عن الأسنان ولو قلعا مع الأسنان ففي كل منهما ديته(2) .

التاسع: اليدان

وفيهما الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما نصف الدية(3).

_______________________________________________________________

(1) وذلك للروايات المتقدمة بإطلاقها بأنّ كل ما في الإنسان اثنان ففيهما دية كاملة، وفي كل واحد منهما نصف الدية .

(2) لأنّ الأصل عدم التداخل كما ذكرنا في الأصول، بأنّ الأصل عدم تداخل الأسباب والمسببات .

(3) والمسألة متفق عليها بيننا، بل بين المسلمين أجمع وقد ادعى عليه الإجماع بقسميه كما ذكره صاحب الجواهر(1)،

ولكن العمدة النصوص الواردة في المقام، بأن كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية كاملة(2)،

ومنها معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) فإنّها دلت في مواضع متعددة على أن دية اليد خمسمائة دينار كقوله (علیه السلام) «ودية المنكب إذا كسر خمس دية اليد مائة دينار»(3)وقوله

(علیه السلام) «في العضد إذا كسر فجبر على غيرإثم ولا عيب فديتها خمس دية اليد مائة دينار كذلك»(4).

ص: 137


1- جواهر الكلام / 43 / 245 .
2- قد مر .
3- الوسائل باب 9 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
4- الوسائل باب 10 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

ولا حكم للأصابع مع قطع اليد(1).

المسألة 293: لاريب في ثبوت الدية بقطع اليد من الزند، وأمّا إذا قطع معها مقدار من الزند، ففيه خلاف، والمشهور بين الأصحاب أن فيه دية قطع اليد والأرش لقطع الزائد، وفيه إشكال، بل لا يبعد الاقتصار فيه على الدية فقط(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة متفق عليها إجماعاً، لإطلاق الأدلة بأنّ في اليدين الدية وفي أحدهما نصف الدية، وما ورد في ثبوت الدية على الأصابع فلا يشمل المقام فإنّه فيما إذا ورد القطع على الأصابع منفرداً لا مع اليد .

(2) اختلفوا في معنى اليد، قالوا هي المفصل بين الكف والذراع وقال في مفتاح الكرامة: وحد اليد المعصم كما في الشرائع والنافع والتحرير والإرشاد واللمعة والروض والروضة ومجمع البرهان والمفاتيح وهو معنى ما في المبسوط من قوله حد اليد إلى الكوع، والمفصل الذي بينها وبين الذراع وما في التحرير من قوله أيضاً هو المفصل بين الكف والذراع وما في الروض أيضاً أنّه موضع السوار وظاهر كشف اللثام الإجماع عليه، حيث قال وحد اليد المعصم عندنا خلافاً لبعض العامة وكلامهم وإجماعهم هو القرينة على المراد في النصوص ولولا ذلك لأشكل الحكم، إمّا للإجمال كما عليه علم الهدى المرتضى(1)، بأنّها مجملةوانصرافها إلى العضو الذي هو المنكب إلى رؤوس الأصابع(2)والمورد كما يقال في القرآن حيث يطلق على الكل والبعض، أمّا لو قطع اليد مع مقدار من الزند والذراع، فالمشهور أنّ فيه دية القطع والزيادة، وهل في الزيادة الحكومة كما هو الموافق إلى الشيخ والقاضي والفاضل على ما حكي

ص: 138


1- مفتاح الكرامة / 26 /414 .
2- جواهر الكلام / 43 / 345 .

المسألة 294: إذا كان لشخص يدان على زند إحداهما أصلية والأخرى زائدة، فإن قطعت اليد الأصلية ففيها خمسمائة دينار(1)، وإن قطعت اليد الزائدة، قيل أن ديتها ثلث دية اليد وهو لا يخلو عن إشكال، والأقرب أن المرجع فيه هو الحكومة(2).

_______________________________________________________________

عن بعضهم، بل وعن المختلف وهو الأشهر(1) بعد أن لم تكن للزيادة مقدر .

ولكن قد يشكل على أصل الحكومة بناءً على أن في الذراع الدية بأن المتجه اعتبار المساحة كما عرفته في كل ما له مقدّر، ولذا كان المحكي عن ابن إدريس اعتبارها(2)،

أو أن في القطع الدية فقط كما قال الماتن، وليس فيه الأرش ولا اعتبار للمساحة كما نسب إلى غير واحد وفي الروضة نسبته إلى المشهور وأنّه لو قطعت في المرفق أو المنكب لم يكن له إلا دية اليد خمسمائة دينار(3)، لأنّه يشملها ما دل على قطع اليد ولو كان فيه الزيادة .(1) الوجه واضح كما مرّ .

(2) قال الشيخ في المبسوط: وعندنا في الزائدة ثلث الدية(4)،

وتبعه آخرون منهم العلامة في التبصرة وفي الشلاء ثلث الصحيحة وكذا للزائدة(5)

ولكن هذا قياس لأنّه تشبيه بالسن والأصبع، لما عرفت في الزائدة منهما ثلث الدية، فالمرجع كما ذكرنا في كل ما ليس له مقدّر الحكومة فما ذكره الشيخ بأن فيه ثلث الديه قياس على الأصبع الزائدة وهو باطل لبطلان القياس .

ص: 139


1- جواهر الكلام / 43 / 346 .
2- جواهر الكلام / 43 /246 .
3- جواهر الكلام ج43/ 246 .
4- المبسوط / 5 / 165 .
5- تبصرة المتعلمين / 120.

المسألة 295: لو اشتبهت اليد الأصلية بالزائدة ولم يمكن تمييز إحداهما عن الأخرى لتساويهما في البطش والقوة وغيرهما من الجهات، فإن قطعتا معاً ففيه الدية كاملة والحكومة .

وإن قطعت إحداهما دون الأخرى ففيه الحكومة ما لم تزد على دية اليد الكاملة(1) .

المسألة 296: لو قطع ذراع لا كف لها ففيه نصف الدية، وكذا الحال في العضد(2).

العاشر: الأصابع

المشهور أن في قطع كل واحد من أصابع اليدين أو الرجلين عشر الدية، وعن جماعة أنّ في قطع الإبهام ثلث دية اليد أو الرجل وفي كل واحد من الأربعة البواقي سدس دية اليد أو الرجل وهو الصحيح(3).

_______________________________________________________________

(1) فأمّا في اليد الأصلية الوجه ظاهر فيها، وأمّا في الزائدة بما أنّه لا مقدّر له فالمرجع في كل ما ليس له مقدّر شرعاً الحكومة، وما ذكره الشيخ في المبسوط بثلث الدية قياس، وأمّا إذا لم يمكن تمييز الأصلية عن الزائدة وقطعت إحداهما فلابد من الحكومة ما لم تزد على دية أصلية، لأنّه لا يمكن دية الزائد حكومة أكثر من دية اليد الأصلية .

(2) وذلك لصدق اليد على كل هذه الموارد فتشمله إطلاق ما دل على كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية وفي كل واحد نصف الدية .

(3) وفي الكل الدية كاملة، والمسألة غير خلافية ويدل عليه عدة روايات منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الأصبع عشر الدية إذا قطعت من

ص: 140

................................

أصلها أو شلت، قال: وسألته عن الأصابع أهنّ سواء في الدية ؟ قال: نعم»(1).

وهناك طائفتان متعارضتان ولابد من الرجوع إلى أخبار الترجيح، وبما أن أول المرجحات هي الشهرة وصفات الراوي، فتقدم الطائفة الأولى على الثانية، ويقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وهذه المعتبرة _ معتبرة ظريف _ تعارض الصحاح المتقدمة فلابد من الرجوع إلى قواعد باب المعارضة .

أمّا الطائفة الأولى فهي موافقة للعامة، حيث أنّه لا خلاف بينهم على ما نص عليه صاحبا العدة والمغني، نعم في المغني نسب الخلاف إلى مجاهد فحسب، وهو اختار قولاً لا يوافق شيئاً من القولين المزبورين .

والطائفة الثانية مخالفة لهم فتتقدم عليها، فالنتيجة ما ذكرناه(2)وهل

بناءً على قول الاستاذ أن الثلث مختص بدية اليد أو يشمل دية الرجل أيضاً الظاهر هو شموله لإطلاق الرواية، والأقوال في المسألة أربعة:

الأول: عن المشهور أن في كل أصبع من اليدين عشر الدية .

الثاني: ما نسب إلى الخلاف وفي كل أنملة من الأصابع الأربعة ثلث ديتها، وفي الإبهام نصف ديتها(3)،

وابن حمزة في الوسيلة وفي قطع أنملة الإبهام القصاص أو نصف ديتها، وديتها ثلث دية اليد(4)،

وعليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أن في قطع الإبهام ثلث دية اليد(5).

الثالث: عن الحلبي إلا في الإبهام كما في الرياض بقوله: وفي الأصابعمن كل

ص: 141


1- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح3.
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 378 .
3- الخلاف / 5 / 249 .
4- الوسيلة / 453 .
5- مباني تكملة المنهاج / 2 / 380 .

................................

أصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون ديناراً وثلث الدينار(1)،

ديتها ثلث دية اليد، أمّا أصابع الرجلين ففي الجميع العشر من دون فرق بين الإبهام وغيرها .

الرابع: وهو ما نسبه السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إلى الغنية والإصباح من أن دية الإبهام ثلث دية اليد، وفي الباقي العشر بلا فرق بين أصابع اليدين والرجلين(2)،

والعمدة هو القول الأول والثاني، وهناك روايات منها ما مرّ في صحيحة الحلبي المتقدمة، وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: أصابع اليدين والرجلين سواء في الدية وفي كل أصبع عشر من الإبل»(3)،

ومعتبرة سماعة «سألته عن الأصابع هل لبعضها على بعض فضل في الدية ؟ فقال: (علیه السلام) هن سواء في الدية»(4)،

هذا ما دل على القول الأول وهو ما عن المشهور .

وما يدل على القول الثاني معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «في دية الأصابع والقصب التي في الكفّ، ففي الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلث دينار إلى أن قال: وفي الأصابع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون دينار وثلث دينار»(5).

وأمّا دليل القول الثالث، والرابع، فهو ما ذكره السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: فلا مقتضى له أصلاً على أن المراد من عشر الدية إن أريدعشر دية اليد الواحدة يقتضي نقصان في الدية، وإن أريد عشر دية الإنسان يقتضي أن تزيد دية الأصابع عن دية النفس، ولا يمكن الالتزام بشيء منهما(6).

ص: 142


1- رياض المسائل / 16/ 467 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 379 .
3- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح6 .
5- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
6- مباني تكملة المنهاج / 2 / 379.

المسألة 297: دية كل أصبع مقسومة على ثلاث أنامل، ما عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة على انملتين، فإذا قطع المفصل الأوسط من الأصابع الأربع فديتها خمسة وخمسون ديناراً وثلث دينار(1)، وإن قطع المفصل الأعلى منها فديتها سبعة وعشرون ديناراً وثمانية أعشار دينار(2).

_______________________________________________________________

(1) ولكل أنملة ثلث ديتها، وفي الإبهام تقسم ديتها على أنملتين، وفي كل منهما نصفها، وقد ادعى الإجماع نقله صاحب مفتاح الكرامة بقوله: كما في الخلاف، ويمكن دعوى الإجماع من الغنية، وفي الرياض لا أجد فيه خلافاً وفي مجمع البرهان أنّه مشهور(1)،

ودليلهم معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إنَّ أمير المؤمنين (علیه السلام) كان يقضي في كل مفصل من الأصبع بثلث عقل تلك الأصبع إلاّ الإبهام فإنّه كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام، لأنّ لها مفصلين»(2).

(2) لمعتبرة ظريف عن أمير المؤمنين «في دية الأصابع والقصب التي في الكف ففي الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثادينار إلى أن قال دية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة وخمسون ديناراً وثلث دينار إلى أن قال وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع سبعة وعشرون ديناراً ونصف وربع ونصف عشر ديناراً»(3).

ص: 143


1- مفتاح الكرامة / 26 / 434 .
2- الوسائل باب 42 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 298: في فصل الظفر من كل إصبع من أصابع اليد خمسة دنانير(1)، وقيل أن لم ينبت الظفر أو نبت أسود ففيه عشرة دنانير، وهو ضعيف .

_______________________________________________________________

(1) هناك قولان:

القول الأول: أنّه في الفصل عشرة دنانير إن لم ينبت أو نبت أسود ولو نبت أبيض فخمسة دنانير، وعليه الشيخ وابن حمزة والقاضي والفاضلان والشهيدان والمقداد والكركي وغيرهم كما حكي عن بعضهم ولذا نسبه غير واحد إلى الشهرة لرواية مسمع بن عبد الملك(1)

عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الظفر إذا قطع ولم ينبت أو خرج أسود فاسداً عشرة دنانير، فإن خرج أبيض فخمسة دنانير»(2)،

ولكن الرواية جميع رواتها غير مسمع من الضعفاء .

القول الثاني: أنّه في الفصل في كل إصبع مطلقاً خمسة دنانير وهو الحق، نبتت سوداء أو لم تنبت أصلاً في الإبهام

كان أم في غيره ومستند القول الثاني صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث«قال وفي الظفر خمسة دنانير»(3)، ومعتبر طريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: ... وفي ظفر كل اصبع منها خمسة دنانير»(4)

وهذه الرواية وإن لم تشمل ظفر الإبهام، ولكن يكفينا صحيحة عبد الله بن سنان لأنّ الرواية التي استدلوا بها على القول الأول، أولاً ضعيفة السند، وثانياً يمكن أن تحمل على الرواية الصحيحة، وأمّا انجبار الأولى بعمل الأصحاب فالانجبار ليس بحجة عندنا .

ص: 144


1- جواهر الكلام / 43 / 258 .
2- الوسائل باب 41 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 41 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 299: في فصل ظفر الإبهام من القدم ثلاثون ديناراً، وفي فصله من كل إصبع غير الإبهام عشرة دنانير(1).

المسألة 300: في الإصبع الزائدة في اليد أو الرجل ثلث(2) دية الإصبع الصحيحة، وفي قطع العضو المشلول ثلث ديته .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن فصل الظفر من أصابع القدم تارة يكون من الإبهام واخرى من غير الإبهام، وهناك قولان فالمشهور على أنّه مطلقاً خمسة دنانير لإطلاق صحيح ابن سنان أي خمسة دنانير، والقول الثاني للأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ويدل على ذلك معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في ظفره _ الإبهام _ ثلاثون ديناراً، وذلك لأنّه ثلث دية الرجل، ودية كل ظفر من الأصابع الاربع من القدم عشرة دنانير، ولكن هذه الرواية لا يمكن العمل بها، كما صرح به العلامة المجلسي وسيد الرياض فهي تكون مطروحة، وقال الاستاذ الاعظم (علیه السلام) بأن مجرد ذلك لا يكفي في رد الرواية المعتبرةما لم يكن إجماع على خلافها ولا ‘جماع في المقام جزماً(1).

وفيه أن الإجماع عنده ليس بحجة ولكن يكفي في ضعف الرواية عدم عمل العلماء بها، والرواية بين أيديهم فيحصل لنا من ذلك الاطمئنان بمخدوشيتها، فلابد من الرجوع إلى إطلاق الرواية .

(2) والمسألة غير خلافية، قال صاحب كشف اللثام: لخبر غياث بن إبراهيم عن الصادق (علیه السلام) ولا نعرف فيه خلافاً(2)،

وتدل عليه المعتبرة هي عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الاصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية

ص: 145


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 382 .
2- كشف اللثام / 11 /377 _ 378 .

................................

الصحيحة»(1)،

ومعتبرته الأخرى عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) «أنّه قضى في شحمة الأذن بثلث دية الأذن وفي الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع»(2).

وأمّا ما ورد عن الحكم بن عتيبة قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) «عن أصابع اليدين وأصابع الرجلين أرأيت ما زاد فيهما على عشرة أصابع أو نقص من عشرة فيها دية ؟ قال، فقال: ليّ يا حكم، الخلقة التي قسّمت عليها الدية عشرة أصابع في اليدين، ما زاد أو نقص فلا دية له، وعشرة أصابع في الرجلين فما زاد أو نقص فلا دية له، وفي كل أصبع من أصابع اليدين ألف درهم، وفي كل أصبع من أصابع الرجلين ألف درهم، وكلما كان من شلل فهوعلى الثلث من دية الصحاح»(3)،

لا تعارض تلك الصحاح لأنّها ضعيفة السند بالحكم، وقطع العضو المشلول ثلث دية الصحيح بلا خلاف .

والعمدة صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) قال «سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس، فقال: إن كان ولدته أُمه وهو أخرس فعليه ثلث الدية إلى أن قال: وكذلك القضاء في العينين والجوارح»(4)،

أي كل جارحة مشلولة من الإنسان إذا قطعت فعلى القاطع ثلث ديتها .

ص: 146


1- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 43 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
3- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
4- الوسائل باب 31 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .

الحادي عشر: النخاع

المشهور أن في قطعه الدية كاملة، وهو لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد فيه الحكومة(1).

الثاني عشر: الثديان

وفي قطعهما الدية كاملة وفي كل منهما نصف الدية(2)، ولو قطعهما مع شيء من جلد الصدر ففي قطعهما الدية، وفي قطع الجلد الحكومة، ولو أجاف الصدر مع ذلك ففيه زائداً على ذلك دية الجائفة .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية لأنّه عضو واحد في البدن فيشمله عموم ما دل على أن كل ما في الإنسان واحد ففيه الدية كاملة ولكن الحق تبعاً للأستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: ولكن شموله لمثل النخاع مشكل جداً بل لا يبعد انصرافه عنه فإن النخاع لا يُعد من اعضاء الإنسان بنفسه إنما هو تابع للفقرات على أن دليل ثبوت الدية في كلما كان في الإنسان واحد ظاهر في قطعة وفصله عن البدن ولا يعم قطعه وهو في محله، وعلى ذلك فأتمام ما ذهب إليه المشهور بالدليل لا يمكن فإن تم اجماع في المسألة فهو ولكن غير تام والأظهر أن المرجع فيه الحكومة فإنه يدخل فيما لا مقدر له شرعاً(1).

(2) وقد ادعى الإجماع بقسميه، وتدل عليه مضافاً إلى ما مرّ مراراً بأن كل ما في الإنسان اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية لما ورد فيصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل قطع ثدي امرأته، قال: أُغرّمه إذاً لها نصف الدية»(2)،

ودية الجائفة كما يأتي ثلاثمائة وثلاث وثلاثون وثلث دينار .

ص: 147


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 384 .
2- الوسائل باب 46 من أبواب ديات الأعضاء ح1.

المسألة 301: في كل واحد من الحلمتين من الرجل ثمن الدية(1).

وكذلك الحال في قطع حلمة المرأة(2).

_______________________________________________________________

(1) قد يقال بأنّه نصف الدية للقاعدة التي ذكرناها مراراً، قال في الجواهر: قال في المبسوط فيهما الدية، وتبعه الفاضل ابن حمزة وابن إدريس في محكي الوسيلة والسرائر للضابط المزبور(1)منصرف وعلى فرض الشمول فيرده نص خاص، وهو معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال في الصدر إذا رض فثنى شقيه كليهما فديته خمسمائة دينار، إلى أن قال: وفي حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون ديناراً»(2).

(2) قيل الدية كاملة كما في المبسوط قال: إذا قطع من الثديين الحلمتين وهما اللذان كهيئة الزر في رأس الثدي يلتقمها الطفل ففيهما الدية لأنّهما من تمام الخلقة وفيهما الجمال والمنفعة، وامّا حلمتا الرجل قال قوم فيهما الحكومة وقال آخرون فيهما الدية وهو مذهبنا(3)،

وفي السرائر: أنّهمذهبنا(4)، وقال الشيخ في الخلاف وكذا في المبسوط، وقال ابن الجنيد في حلمة ثدي الرجل ربع دية الثدي، وقال ابن حمزة في قطع حلمة ثدي الرجل ثمن الدية، كما قال ابن الجنيد وابن إدريس وافق الشيخ في الخلاف(5) فإن النص وإن ورد في الرجل إلا أن المرأة تشترك معه في الدية إلى أن تبلغ ثلث(6) هذا ما ذكره السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) .

وقال البعض بأن الدية الكاملة تكون في الثديين والحلمة جزء منهما وفي

ص: 148


1- الجواهر / 43 / 263 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب ديات الأعضاء ح1.
3- المبسوط / 5 / 170 .
4- السرائر / 3 / 421 .
5- المختلف / 9 / 391 .
6- مباني المنهاج / 2 / 386 .

الثالث عشر: الذكر

وفي قطع الحشفة وما زاد الدية كاملة(1)، ولا فرق في ذلك بين الشاب والشيخ والصغير والكبير(2).

_______________________________________________________________

المسالك: وتقريره بترتيب قياس استثنائي يلزم من صدق مقدمه ثبوت تاليه وهو: كلما في الثديين الدية لم تجب في الحلمتين الدية، ولكن المقدم حق بالإجماع، فالتالي مثله(1) .

أمّا الحمل على اليدين فقياس مع أنه هناك فرق في إن اليد تصدق على بعضها والثدي لا يصدق على الحلمة .

إذاً الحق هو الحكومة لا الدية وما قاسه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه)فإن النص وإن ورد في الرجل إلا أن المرأة تشترك معه في الدية(2)،

على حلمة الرجل في غير محله .

(1) والمسألة غير خلافية وادعو عليه الإجماع، والعمدة الروايات منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يُكسر ظهره، قال: فيه الدية كاملة، إلى أن قال: وفي الذكر إذا قطعت الحشفة وما فوق الدية»(3)وفي صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «وفي الذكر إذا قطع من موضع الحشفة الدية»(4)،

وفي صحيحة يونس أنّه «عُرض على أبي الحسن الرضا (علیه السلام) كتاب الديات، وكان فيه: في ذهاب السمع كله ألف دينار إلى أن قال والذكر إذا استؤصل الف دينار»(5)،

فإنّها تحمل على قطع الحشفة بعد إن اتفق الأصحاب على القول الأول .

(2) للإطلاق، ولما ورد من الصحاح كمعتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام)

ص: 149


1- مسالك الافهام / 15 / 432 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 385 _ 386 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
4- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح5 .
5- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .

وأمّا من سلت خصيتاه فإن لم يؤد ذلك إلى شلل ذكره ففي قطعه تمام الدية(1)، وإن أدّى إليه ففيه ثلث الدية(2)، وكذلك الحال في قطع ذكر الخصي(3).

المسألة 302: في قطع بعض الحشفة الدية بنسبة دية المقطوع من الكمرة(4).

المسألة 303: إذا قطع حشفة شخص، وقطع آخر ما بقي منذكره فعلى الأول الدية كاملة، وعلى الثاني الحكومة(5).

_______________________________________________________________

«قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في ذكر الصبي الدية، وفي ذكر العنين الدية»(1)،

وصحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: في ذكر الغلام الدية»(2).

(1) أيضا للإطلاق .

(2) وقد مرّ في محله بأن استئصال العضو المشلول ثلث الدية .

(3) وقد دلت عليه صحيحة بريد بن معاوية عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصي وانثييه ثلث الدية»(3).

(4) أمّا بالحساب أو الحكومة، وحاله حال ما مرّ من المسائل المتقدمة.

(5) كما ورد الإجماع والنصوص، وعلى الثاني لأنّه لا مقدّر له فلابد من الحكومة .

ص: 150


1- الوسائل باب 35 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 35 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 31 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 304: المشهور أن في قطع ذكر العنين ثلث الدية، وهو لا يخلو عن إشكال، والأظهر أن فيه الدية كاملة(1).

_______________________________________________________________

(1) للإطلاقات والمشهور وكذا في الرياض قال: وذكر العنين يؤخذ من ديتهما بحسابه أي بحساب ذلك المقطوع منسوباً إلى مجموع الحشفة في الأول وإلى مجموع الذكر في الثاني واشله مطلقاً، والفرق بينهما وبين الصحيح أن الحشفة في الصحيح هي الركن الاعظم من لذة الجماع ووردت بخصوصها الدية بخلافها فيهما لاستواء الجميع في عدم المنفعة وعدم ورود الدية فيهما(1)

عليه عامة من تأخر .

أمّا ذكر العنين ففيه ثلث الدية وكذا الأشل(2)، ولكن هناك بعض من العلماء ومنهم الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) قال: وجه الاشكال هو أن المشهور وإن ذهبوا إلى أن فيه ثلث الدية، بل ادعي الاجماع عليه حيث أن دية العضو المشلول ثلث دية الصحيح إلا أن معتبرة السكوني دلت على ثبوت تمام الدية ولا موجب لرفع اليد عنها(3) ولكن هذه الرواية وإن كانت معتبرة ولم يعمل بها أحد فلا يمكن أن نأخذ بها، إذاً قول المشهور موجب للاطمئنان فلابد من الأخذ به.

ص: 151


1- رياض المسائل / 16 / 478 .
2- تحرير الاحكام / 5 / 578 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 389 .

المسألة 305: وفي قطع الخصيتين الدية كاملة، وقيل(1) في قطع اليسرى ثلثا الدية، وفي اليمنى ثلث الدية، وفيه إشكال والأظهر ما هو المشهور من التساوي(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وادعى البعض الإجماع بقسميه ولما دل من النصوص العامة بأن كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية كاملة وقد وردت رواية الخاصة كصحيح يونس أنّه عرض على أبي الحسن الرضا (علیه السلام) كتاب الديات ... وكان فيه البيضتين ألف دينار(1)،

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يُكسر ظهره إلى أن قال: وفي البيضتين الدية»(2) وهناك رواية عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) إلى أن يقول «قال: رجل ذهبت إحدى بيضتيه قال: إن كانت اليسار ففيهما ثلثا الدية»(3)

ولكن هذه لا تعارض تلك لأنّ العلة ليست بعلة تامة، مضافاً إلى ما فرض من التعارض فيكون المرجع هو التساقط والمرجح هي العمومات .

(2) قد يقال بأن لكل واحد منهما النصف للعمومات كما ورد عن عبد الله بن سنان في الصحيح ما كان في الجسد منه اثنان، وقال في الرياض وفاقاً للمقنعة والمبسوط والنهاية والكافي والكامل والإصباح والسرائر والغنية(4)، وقال في مفتاح الكرامة وروي: في اليسرى الثلثان وفي اليمنى الثلث، لأن الولديخلق من اليسرى، وهذا رواه عبد الله بن سنان عن الصادق (علیه السلام) ورفعه وأبو يحيى الواسطي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أيضاً واقتصر على روايته في الفقيه والمقنع وحكيت هذه الرواية

ص: 152


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
4- رياض المسائل / 16 / 479 .

................................

في المقنعة والنهاية والمبسوط والغنية والسرائر والشرائع وغيرها، وقد عمل بها الصدوق في الهداية والشيخ في الخلاف وسلار فيما حكاه جماعة عنه _ وهو خلاف ما وجدناه _ والقاضي في المهذب وصاحب الفاخر وابن سعيد فيما حكي عنهم وابن حمزة في الوسيلة والمصنف في المختلف، واحتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة واخبارهم(1)

.

ويدل على الثاني صحيح ابن سنان عن أبي عبدالله (علیه السلام) «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، إلى أن قال، قلت فرجل ذهبت إحدى بيضتيه قال: (علیه السلام) إن كانت اليسار ففيها ثلثا الدية، قلت: ولِمَ ؟ أليس قلت ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ؟ فقال (علیه السلام) لأن الولد من البيضة اليسرى»(2)،

وقريب منه خبر الواسطي فتعارض الخبران فالمرجح للخبر الذي قيل لكل واحد نصف لأنّها موافقة للشهرة والعمومات .

ص: 153


1- مفتاح الكرامة / 26 / 478 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

الرابع عشر: الشفران

وهما اللحمان المحيطان بالفرج(1) وفي قطعهما الدية كاملة، وفي قطع واحد منهما نصف الدية، ولا فرق في ذلك بين المرأة السليمة وغيرها كالرتقاء، والقرناء، والكبيرة، والصغيرة، والثيب، والبكر .

_______________________________________________________________

(1) وحكمهما حكم إحاطة الشفتين بالفم كما عليه كثير من الفقهاء وعن المبسوط أنّهما الاسكتان والشفران عبارة عن شيء واحد، وهو اللحم المحيط بالفرج احاطة الشفتين بالفم، وهما عند أهل اللغة عبارة عن شيئين وقال بعضهم الاسكتان هو اللحم المحيط بشق الفرج .

والشفران حاشية الاسكتين كما أن للعينين جفنين ينطبقان عليهما وشفرهما هي الحاشية التي ينبت فيها أهداب العينين، فالاسكتان كالاجفان والشفران كشفري العين .

فإذا ثبت هذا فمتى جنى عليهما جان فقطع ذلك منها فعليه ديتها فإن اندمل المكان فخرجت في موضع الاندمال فعلى الجاني الحكومة، لأنّه جناية على لحم، فإن جنى عليهما فشلتا ففيهما الدية، وعلى مذهبنا ينبغي أن يكون ثلثا الدية ولا فصل بين أن يكونا غليظتين أو دقيقتين قصيرتين، أو طويلتين لأن الاعتبار بالاسم(1).

والمسألة غير خلافية في وجوب الدية ولعل نظره الشريف من الدية أي الدية الكاملة ولذا في أحدهما نصف الدية لصحيحة عبد الرحمن بن سيابه عنأبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن في كتاب علي (علیه السلام) لو أن رجلاً قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها»(2).

ص: 154


1- المبسوط / 5 / 170 .
2- الوسائل باب 36 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

وفي قطع الركب _ وهو في المرأة كموضع العانة في الرجل الحكومة(1) .

الخامس عشر: الاليتان

وفي قطعهما معاً الدية كاملة، وفي قطع إحداهما منهما نصف الدية(2).

السادس عشر: الرجلان

وفي قطع كلتيهما الدية كاملة، وفي قطع إحداهما نصف الدية(3) ولا فرق في ذلك بين قطعهما من المفصل أو من الساق أو من الركبة أو الفخذ .

_______________________________________________________________

(1) للإطلاقات .

(2) قال في المبسوط: وفي الاليتين الدية لأنّهما من تمام الخلقة، وفيهما الجمال والمنفعة(1)،

ولكن العمدة العمومات .

(3) للقاعدة التي مرت، والمسألة غير خلافية وقد دلت عليها نصوص خاصة منها معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل الواحدة نصف الدية»(2)، ومنها معتبرة ظريف المتقدمة آنفاً(3)، قال في المبسوط: وحد ما يجب فيه نصف الدية أن يقطع من مفصل الساق والقدم، وهو الذي يقطع من الساق عندهم، فإن قطعها من نصف الساق ففيها دية رجل وحكومة فأن قطعهامن الركبة فكذلك، وأن قطعها من الفخذ كذلك، إلا أنه كلما قطع معها أكثر كانت الحكومة اكثر وعندنا في جميع ذلك مقدّر مثل ما قلنا في اليد(4).

ص: 155


1- المبسوط / 5 / 167 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح7 .
3- مضى الحديث .
4- المبسوط / 5 / 164 .

المسألة 306: وفي قطع أصابع الرجلين دية كاملة(1).

المسألة 307: وفي قطع الساقين الدية كاملة، وفي قطع أحدهما نصف الدية، وكذلك قطع الفخذين(2).

_______________________________________________________________

(1) للإطلاقات، وكذا لا فرق بين اليمنى واليسرى، وحكمهما حكم اليدين وقد ادعو عليه الإجماع، ولما ورد في الصحيح(1)، عن ابن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال في المبسوط: والخلاف في أصابع الرجلين كالخلاف أصابع اليدين في كل واحدة عشر من الإبل يتساوى فيه عندهم وعندنا في الإبهام ثلث دية الرجل وفي كل أنملة ثلث دية الأصابع إلا الإبهام فإن لها مفصلين، ففي كل واحدة منها نصف ديتها(2)، وأصابع اليدين والرجلين سواء في الدية في كل إصبع عشر من الإبل.

(2) والمسألة محل اتفاق ويدل عليه أنّ كل ما في الإنسان اثنان عليه دية كاملة .

ص: 156


1- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
2- المبسوط / 5 / 164 .

المسألة 308: كل ما كان من أعضاء الرجل فيه دية كاملة، كالأنف واليدين، والرجلين ونحو ذلك، كان فيه من المرأة ديتها(1)، وكل ما كان فيه نصف الدية كإحدى اليدين ففي المرأة نصف ديتها، وكذلك الحال بالنسبة إلى الذمي فلو قطعت إحدى يدي الذمي ففيه نصف ديته، وفي الذمية نصف ديتها(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد ادعو عليها الإجماع بقسميه لما ورد وكل ما في الإنسان اثنان، مضافاً إلى دية المرأة نصف الدية الرجل فإذا قطع أنف المرأة أو يديها أو رجليها فتمام ديتها، وإذا قطع أحدهما فنصف ديتها .

(2) والمسألة غير خلافية ثم إن دية الذمي ثمانمائة درهم في الذكور وأربعمائة في الإناث، ولا يمكن أن تكون دية الأعضاء أكثر من ذلك، مضافاً إلى ما ورد من الروايات .

منها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم»(1).

ومنها: ما ذكره السيد الاستاذ(2) الاعظم (قدس سرُّه) صحيحة محمد بن قيس هو أن «في قطع أنف الذمي أو يديه أو ما شاكل ذلك تمام ديته وهو ثمانمائة درهم، وفي الذمية تمام ديتها وهو أربعمائة درهم وفي قطع إحدى يدي الذمي أو رجله نصف ديته وهو اربعمائة درهم وفي الذمية نصف ديتهاوهو مائتا درهم»(3).

ص: 157


1- الوسائل باب 47 من أبواب القصاص في النفس ح5 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 394 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب قصاص الطرف ح4 .

وكذا الحال في العبد فلو قطع احدى يدي العبد كان فيه نصف قيمته(1).

المسألة 309: كل جناية كانت فيها دية مقدّرة شرعاً سواء أكانت بقطع عضو أو كسره أو جرحه أو زوال منفعته، فإن كانت الدية أقل من ثلث دية الرجل فالمرأة تعاقله فيها، وإن كان بقدر الثلث أو أزيد صارت دية المرأة نصف دية الرجل(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وعليه الإطلاقات، والعمدة الروايات .

منها: معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال: جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن»(1).

ومنها: معتبرة أبي مريم عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بقيمته أنّه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد»(2) أي في أنف العبد ويديه تمام قيمته .

(2) أي تساوى المرأة والرجل في الدية والقصاص فيما دون الثلث فإذا بلغت الجناية ثلث الدية صارت دية المرأة على النصف، وادعى عدم الخلاف والإجماع بقسميه عليه، ويدل على ذلك جملة من النصوص .

منها: صحيح أبان بن تغلب «قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) ماتقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها ، قال (علیه السلام) عشرة من الإبل قلت: قطع اثنين، قال: عشرون قلت قطع ثلاثاً ؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعاً ؟ قال: عشرون قلت: سبحان الله يقطع ثلاثاً، فيكون عليه ثلاثون، ويقطع أربعاً فيكون عليه

ص: 158


1- الوسائل باب 5 من أبواب قصاص الطرف ح1 .
2- الوسائل باب 8 من أبواب الشجاج والجراحات ح3 .

................................

عشرون ؟ إنَّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول: الذي جاء به شيطان، فقال: مهلاً يا أبان هذا حكم رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان أنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق الدين»(1).

ومنها: معتبرة سماعة «قال: سألته عن جراحة النساء، فقال: الرجال والنساء في الدية سواء حتى تبلغ الثلث، فإذا جازت الثلث فإنّها مثل نصف دية الرجل»(2).

ومنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في حديث «قال: جراحات الرجال والنساء سواء سن المرأة بسن الرجل، وموضحة المرأة بموضحة الرجل، وإصبع المرأة بأصبع الرجل حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة»(3).

ص: 159


1- الوسائل باب 44 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 44 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب قصاص الطرف ح1 .

فصل في ديات الكسر والصدع والرض والنقل والنقب والفك والجرح في غير الرأس

اشارة

المسألة 310: المشهور أن في كسر العظم من كل عضو كان له مقدّر في الشرع خُمس دية ذلك العضو(1)، فإن صلح من غير عيب ولا عثم فديته أربعة أخماس دية كسره(2)، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث دية ذلك العضو، فإذا بريء على غير عيب ولا عثم فديته أربعة أخماس دية رضه(3).

_______________________________________________________________

(1) وقد ادعوا الإجماع وقد عرفت حال هذه الإجماعات .

(2) أيضاً ادعيّ عليه الإجماع .

(3) على المشهور وادعوا الإجماع، ورواية ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «في الصدر إذا رُضّ فثنيّ شقيه كليهما فديته خمسمائة دينار إلى أن قال: وإن أنكسر الصلب فجبر على غير عثم ولا عيب فديته مائة دينار،وإن عثم فديته ألف دينار»(1)،

ودية موضحتها ربع دية كسرها .

ص: 160


1- الوسائل باب 13 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

وفي فكّه من العضو بحيث يصبح العضو عاطلاً ثلثا ديته، فإن صلح على غير عيب ولا عثم فأربعة أخماس دية فكّه(1)، ولكن مستند جميع ذلك على الإطلاق غير ظاهر حيث أن دية هذه الأمور تختلف باختلاف الأعضاء والنسبة غير محفوظة في الجميع كما ستأتي في ضمن المسائل الآتية .

المسألة 311: وفي كسر الظهر الدية كاملة(2).

_______________________________________________________________

(1) على المشهور وادعيّ عليه الإجماع فتأمل .

(2) والمسألة غير خلافية، وتدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الرجل يكسر ظهره، قال (علیه السلام) فيه دية كاملة»(1)،

ومعتبر السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الصلب الدية» وقد رواه الصدوق إلا أنّه قال: «في الصلب إذا أنكسر الدية»(2) .

نعم ورد في معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الرجل الواحدة نصف الدية إلى أن قال وفي الظهر إذا أنكسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة»(3) .ولا يخفى كما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) من التقييد بعدم إنزال الماء فالظاهر أنّه من جهة الملازمة الخارجية بين كسر الظهر وقطع إنزال الماء، لا من جهة خصوصية فيه ليوجب التقييد، فالنتيجة أن موضوع الحكم هو الكسر(4).

ص: 161


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح7 .
4- مباني منهاج الصالحين /2 /401 .

وكذلك إذا أصيب فأحدب(1)، أو صار بحيث لا يستطيع الجلوس(2).

المسألة 312: إذا كسر الظهر فجبر على غير عثم ولا عيب، قيل إن فيه ثلث الدية، وهو لا يخلو عن إشكال(3)، والصحيح أن ديته مائة دينار وإن عثم ففيه ألف دينار .

_______________________________________________________________

أقول بل يكون عدم نزول الماء من علامات الكسر وقد دل على ذلك ما ورد من القاعدة بأن كل ما في البدن واحد الدية كاملة .

(1) المسألة غير خلافية، كما ادعوا وورد في صحيحة يونس أنّه عرض على أبي الحسن الرضا (علیه السلام) كتاب الديات وكان فيه «ذهاب السمع كله ألف دينار، إلى أن قال: والظهر إذا أحدب ألف دينار»(1).

(2) أي ارتفع عن المستوى، والمسألة غير خلافية أو صار بحيث لا يقدر على القعود اصلاً، وعن الخلاف الإجماع عليه ويشهد له جملة من النصوص منها صحيح بريد العجلي عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضىأمير المؤمنين في رجل كسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس أنَّ فيه الدية»(2)،

وصحيح يونس أنّه عرض على الإمام أبي الحسن الرضا (علیه السلام) كتاب الديات «وكان فيه ذهاب السمع كله ألف دينار إلى أن قال: ذو الظهر إذا أحدب ألف دينار»(3).

(3) أمّا وجه الإشكال _ وإن ذهب إليه المشهور _ لأنّه لم يعرف الدليل وقال في الرياض: ويمكن أن يكونوا حملوه على اللحية إذا نبتت، وقد مر أو على الساعد إلى أن قال: وهنا أقوال أخرى غير معلومة المأخذ عدا ما في الغنية من أن

ص: 162


1- الوسائل باب 1 من ابواب ديات الأعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .

المسألة 313: إذا كسر الظهر فشلت الرجلان ففيه دية كاملة وثلثا الدية(1).

المسألة 314: إذا كسر الصلب فذهب به جُماعه ففيه ديتان(2).

_______________________________________________________________

فيه عشر الدية(1)،

والحق كما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ومستنده معتبر ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في الصدر إذا رضَّ فثني شقيه كليهما فديته خمسمائة دينار، إلى أن قال: وإن انكسر الصلب فجبر على غير عثم ولا عيب فديته مائة دينار، وإن عثم فديته ألف دينار»(2).

(1) أمّا الأول: فلأن في الظهر الدية كاملة لما مرّ .

الثاني: فلصحيح إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال:قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه، وبصره ولسانه، وعقله، وفرجه، وانقطع جُماعَه وهو حيّ بستّ ديات»(3)، فإنّه دال عل تعدد الدية، وسيأتي أن في شلل كل عضو ثلث دية ذلك العضو .

(2) قد ادعى على ذلك عدم الخلاف وإجماع الفرقة، ويدل على ذلك صحيحة إبراهيم بن عمر كما مرّ، إذاً في كسر الظهر وذهاب الجماع لابد من إعطاء ديتين .

ص: 163


1- رياض المسائل / 16/ 473 _ 474 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب ديات المنافع ح1 .

المسألة 315: في موضحة الظهر خمسة وعشرون ديناراً(1)، وفي نقل عظامه خمسون ديناراً، وفي قرحته التي لا تبرأ ثلث دية كسره، وكذلك الحال في قرحة سائر الاعضاء(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لمعتبرة ظريف، فدية موضحة الكتفين والظهر خمسة وعشرون دينار(1).

(2) والدليل على ذلك صحيحة يونس عن أبي الحسن (علیه السلام) وعنه عن أبيه عن بن فضال «قال: عرضت الكتاب على أبي الحسن (علیه السلام) فقال: هو الصحيح، قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في دية جراحةالأعضاء كلها في الرأس، والوجه، وسائر الجسد، والسمع، والبصر، والصوت، والعقل واليدين والرجلين في القطع وسائر الكسر، والصدع، والبطِّ، والموضحة، والدامية ونقل العظام، والناقبه يكون في شيء من ذلك، فما كان من عظم كُسر فجبر على غير عثم ولا عيب لم ينقل منه عظام فإنّ ديته معلومة، فإن أوضح ولم ينقل عظامه فدية كسره، ودية موضحته، فإنّ دية كل عظم كُسر معلوم ديته، نقل عظامه نصف دية كسره ودية موضحته ربع دية كسره فيما وارت الثياب غير قصبتي الساعد والإصبع، وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية العظم الذي هو فيه»(2).

ص: 164


1- الوسائل باب 13 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب الشجاج والجراح ح3 .

المسألة 316: في كسر الترقوة إذا جبرت على غير عثم ولا عيب أربعون ديناراً، وفي صدعها أربعة اخماس دية كسرها، وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، وفي نقل عظامها نصف دية كسرها، وفي نقبها ربع دية كسرها(1).

_______________________________________________________________

(1) الترقوة هي العظم الذي يقع بين ثغرة النحر والعاتق، فإذا انكسرت وجبرت من غير عيب أربعون ديناراً إذا كسرت وجبرت على غير عثم ونسبه صاحب مفتاح الكرامة إلى الوسيلة والإرشاد والتبصرة واللمعة والروضة، ومجمع البرهان(1)،

ويدل عليه معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في الترقوة إذا انكسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب أربعون ديناراً فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس كسرها اثنان وثلاثون ديناراً فإن أوضحت فديتها خمسة وعشرون ديناراً، وذلك خمسة أجزاء من ثمانية من ديتها إذا انكسرت، فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية كسرها عشرون ديناراً فإن نقبت فديتها ربع دية كسرها عشرة دنانير»(2) .

بقي هنا كلام بالنسبة إلى الترقوتين، قال صاحب الكرامة: في الخلاف والمبسوط في الترقوتين، وفي كل واحدة منهما مقدّر عند أصحابنا وفي الأول أن على التقدير فيهما إجماع الفرقة وأخبارهم، وفي الشرائع قال في المبسوط والخلاف في الترقوتين في كل واحد منهما مقدر عند أصحابنا(3)، قال في الجواهر: لكن ابن حمزة وشرح الصيمري، وعن المهذب الدية فيها ونصفها فيأحدهما للعموم السابق(4) وما قالوه يكون طبقاً للقاعدة أن كل ما في الإنسان اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها .

ص: 165


1- مفتاح الكرامة / 26 / 459 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- مفتاح الكرامة / 26 / 459 .
4- جواهر الكلام / 43 / 287 .

المسألة 317: في كسر كل ضلع من الاضلاع التي خالط القلب خمسة وعشرون ديناراً(1)، وفي صدعه اثنا عشر ديناراً ونصف دينار، وفي موضحته ربع دية كسره وكذا في نقبه، وفي نقل عظامه سبعة دنانير ونصف دينار(2) .

_______________________________________________________________

ولكن في شموله الترقوتين محل كلام، اضف إلى أن القاعدة هي ما إذا قطع من الإنسان لا ما كسره، ولعله خبر ظريف كان ضعيفاً، ولكن قد ثبت اعتباره .

وأمّا ما قيل بأن فيه ما لم يعمل به الأصحاب، ولكن هذا يوجب وهنا بالنسبة إلى تلك الجملة فقط، لا جميع الجمل لما ذكرنا من أن الخبر إذا كان فيه جمل متعددة فكل جملة تكون بمنزلة الخبر المستقل .

(1) والمسألة متفق عليها، ولم نعلم خلافاً من أحد، والعمدة في ذلك معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وفي الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديته خمسة وعشرون ديناراً، وفي صدعه اثنا عشر ديناراً ونصف، ودية نقل عظامها سبعة دنانير ونصف وموضحته على ربع دية كسره، ونقبه مثل ذلك، وفي الأضلاع مما يلي العضدين دية كل ضلع عشرة دنانير إذا كسر، ودية صدعه سبعة دنانير ودية نقل عظامه خمسةدنانير، موضحة كل ضلع منها ربع دية كسره ديناران ونصف، فإن نقب ضلع منها فديتها ديناران ونصف»(1).

(2) والمسألة غير خلافية كما في الجواهر ونسب إلى ابن ادريس في السرائر بأن دية كل ضلع خمسة وعشرون ديناراً على الإطلاق ولم يفرق في دية الأضلاع(2) كما مر في معتبرة ظريف .

ص: 166


1- الوسائل باب 13 من أبواب دية الأعضاء ح1.
2- جواهر الكلام / 43 / 280 .

المسألة 318: في كسر كل ضلع من الأضلاع التي تلي العضدين عشرة دنانير، وفي صدعه سبعة دنانير، وفي موضحته ديناران ونصف دينار، وكذا في نقبه، وفي نقل عظامه خمسة دنانير(1).

المسألة 319: في رضّ الصدر إذا انثنى شقّاه نصف الدية، وإذا انثنى أحد شقيه ربع الدية(2)، وكذلك الحال في الكتفين، وفي موضحة كل من الصدر والكتفين خمسة وعشرون ديناراً .

_______________________________________________________________

(1) والدليل هو ما جاء في ذيل معتبرة ظريف، وبهذا يقيّد إطلاق صحيحة يونس التي مرّ ذكرها .

(2) كل ذلك لمعتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في الصدر إذا رضّ فثنى شقيه كليهما فديته خمسمائة دينار، ودية أحد شقيه إذا انثنى مائتان وخمسون ديناراً، وإذا انثنى الصدر والكتفان فديته ألف دينار، وأنانثنى أحد شقي الصدر وأحد الكتفين فديته خمسمائة دينار، ودية موضحة الصدر خمسة وعشرون ديناراً»(1).

ص: 167


1- الوسائل باب 13 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 320: في كسر المنكب إذا جبر على غير عثم ولا عيب خمس دية اليد مائة دينار، وفي صدعه ثمانون ديناراً وفي موضحته خمسة وعشرون ديناراً، وكذلك الحال في نقبه، وفي نقل عظامه خمسون ديناراً وفي رضّه إذا عثم ثلث دية النفس، وفي فكّه ثلاثون ديناراً(1).

المسألة 321: في كسر العضد إذا جبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية اليد، وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، وكذلك في نقبها وفي نقل عظامها خمسون ديناراً(2) .

_______________________________________________________________

(1) لما ذكر في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في الترقوة إذا انكسرت، إلى أن قال: ودية المنكب إذا كسر خُمس دية اليد مائة دينار فإن كان في المنكب صدع فديته أربعة أخماس كسره ثمانون ديناراً، فإن أوضح فديته ربع دية كسره خمسة وعشرون ديناراً، فإن نقلت منه العظام فديته مائة دينار وخمسة وسبعون ديناراً، منها مائة دينار دية كسره، وخمسون دينار لنقل عظامه وخمسة وعشرون دينار لموضحته، فإن كانت ناقبة فديتها ربع دية كسره خمسة وعشرون ديناراً، فإن رُضّ فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، فإن فك فديته ثلاثون ديناراً»(1).

(2) وتدل عليه أيضاً معتبرة ظريف .

ص: 168


1- الوسائل باب 9 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 322: وفي كسر الساعد إذا جبرت على غير عثم ولا عيب ثلث دية النفس(1)، وفي كسر إحدى قصبتي الساعد إذا جبرت على غير عثم ولا عيب مائة دينار، وفي صدعها ثمانون ديناراً، وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، وفي نقل عظمها مائة ديناراً، وفي نقبها اثنا عشر ديناراً ونصف دينار، وفي نافذتها خمسون ديناراً، وفي قرحتها التي لا تبرأ ثلاثة وثلاثون دينار وثلث دينار .

_______________________________________________________________

(1) العمدة معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في الساعد إذا كسر ثم جبر على غير عثم ولا عيب فديته خمس دية اليد مائة دينار، فإن كسرت قصبتا الساعد فديتها خمس دية اليد مائة دينار، في الكسر لأحد الزندين خمسون ديناراً، وفي كليهما مائة دينار، فإن انصدعت إحدى القصبتين ففيها أربعة أخماس دية إحدى قصبتي الساعد ثمانون ديناراً، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون ديناراً، ودية نقل عظامها مائة دينار وذلك خمس دية اليد، وإن كانت ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون ديناراً ودية نقيها نصف دية موضحتها اثنا عشر ديناراً ونصف دينار، ودية نافذتها خمسون ديناراً، فإن كانت فيه قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية الساعد ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار وذلك ثلث دية التي هي فيه»(1).

ص: 169


1- الوسائل باب 11 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 323: في كسر المرفق إذا جبر على غير عثم ولا عيب مائة دينار(1)، وفي صدعه ثمانون ديناراً، وفي نقل عظامه خمسون ديناراً، وفي نقبه خمسة وعشرون ديناراً، وكذلك موضحته، وفي فكه ثلاثون ديناراً وفي رضه إذا عثم ثلث دية النفس .

_______________________________________________________________

(1) على المشهور وادعيّ عليه الإجماع، والعمدة معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في العضد إذا انكسر فجبر على غير عثم ولا عيب فديتها خمس دية اليد مائة دينار، إلى أن يقول: وفي المرفق إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب فديته مائة دينار، وذلك خمس دية اليد، وإن انصدع فديته أربعة أخماس كسره ثمانون ديناراً، فإن نقل منه العظام فديته مائة وخمسة وسبعون ديناراً للكسر مائة دينار، ولنقل العظام خمسون ديناراً، وللموضحة خمسة وعشرون ديناراً فان كانت فيه ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون ديناراً، فإن رُضّ المرفق فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاث مائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، فإن كان فك فديته ثلاثون ديناراً»(1).

ص: 170


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 324: وفي كسر كلا الزندين إذا جبرا على غير عثم ولا عيب مائة دينار(1)، وفي كسر إحداهما خمسون ديناراً، وفي نقل عظامها نصف دية كسرها(2) .

المسألة 325: وفي رضّ أحد الزندين إذا جبر على غير عيب ولا عثم ثلث دية اليد(3).

_______________________________________________________________

(1) كما في معتبرة ظريف المتقدمة عن أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى أن «يقول وفي الكسر لأحد الزندين خمسون ديناراً، وفي كليهما مائة دينار» .

(2) لصحيحة يونس المتقدمة عن أبي الحسن (علیه السلام) وعنه عن أبيه عن ابن فضال «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في دية جراحة الأعضاء وكلها إلى أن قال: فما كان من عظم كسر فجبر على غير عثم ولا عيب ولم ينقل منه عظام فإن ديته معلومة، فإن أوضح ولم ينقل عظامه فدية كسره ودية موضحته

فإن دية كل عظم كسر معلوم ديته، ونقل عظامه نصف دية كسره، ودية موضحته ربع دية كسره» .

والمنقلة كما يقول العلامة: هي التي تحوج إلى نقل العظم وفيها خمسة عشر بعيراً، ولا قصاص فيها ولا في الهاشمة(1).

(3) ونسب إلى المراسيم: إطلاق الثلث من غير تفصيل بين البرء من غير عيب وعدمه(2)والعمدة

خبر ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «وديةالرسخ إذا رضّ فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية اليد مائة دينار وستة وستون ديناراً وثلثا دينار» .

ص: 171


1- قواعد الأحكام /3 /690 .
2- جواهر الكلام / 3 /285 .

المسألة 326: في كسر الكف إذا جبرت على غير عثم ولا عيب أربعون ديناراً، وفي صدعها اثنان وثلاثون ديناراً، وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، وفي نقل عظامها عشرون ديناراً ونصف دينار، وفي نقبها ربع دية كسرها، وفي قرحة لا تبرأ ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار(1) .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، والعمدة معتبرة ظريف، وفي الكف إذا كسرت وجبرت على غير عثم ولا عيب فديتها أربعون ديناراً ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها اثنان وثلاثون دينار وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، ودية نقل عظامها عشرون ديناراً ونصف دينار ودية نقبها ربع دية كسرها عشرة دنانير وثلث دينار(1) .

وذكر الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) في موضع اخر من المعتبرة ما يدل على أن دية كسر الكف خُمس دية اليد مائة دينار، ودية نقل عظامها نصف دية كسرها خمسون ديناراً ودية ناقبتها ربع دية كسرها خمس وعشرون ديناراً، ثم ذكر بأن هذا الاختلاف موجود في كل من الكافي والفقيه والتهذيب ومن الجائز أن يكون ذلك من غلط النسخ، وأن الصحيح في الموضع الثاني كلمة الكتف بدل كلمة الكف وعليه فدية الكتف تكون مثل دية المنكب إن لم يتم ذلك فالأمر دائر بين الأقل وأكثر، فتجري البراءة من الأكثر المشكوك ثبوته(2)

ولا يخفى أنّه ورد في المعتبرة في موضع آخر ثلاثة وثلاثون دينار وثلث ديناربقوله فإن كان في الكف قرحة لا تبرأ فديتها ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث ديناراً، ولكن بعد التعارض نرجع إلى الأقل والأكثر فأصالة البراءة تقتضي رفع اليد عن الزائد .

ص: 172


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح 1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 412 .

المسألة 327: في كسر قصبة إبهام الكف إذا جبرت على غير عثم ولا عيب ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وفي صدعها ستة وعشرون ديناراً وثلثا دينار، وفي موضحتها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي نقل عظامها ستة عشر ديناراً وثلثا دينار، وفي نقبها ثمانية دنانير وثلث دينار وفي فكها عشرة دنانير(1).

المسألة 328: وفي كسر كل قصبة من قصب أصابع الكف دون الإبهام إذا جبرت على غير عثم ولا عيب(2) عشرون دينار وثلثا ديناراً.

وفي موضحة كل قصبة من تلك القصب الأربع أربعة دنانير وسدس دينار(3) وفي نقل كل قصبة منها ثمانية دنانير وثلث دينار .

_______________________________________________________________

(1) وتدل عليه معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «ودية قصبة الإبهام التي في الكف تجبر على غير عثم خمُس دية الإبهام ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار إذا استوى جبرها وثبت، ودية صدعها ستة وعشرون ديناراً وثلثا دينار، ودية موضحتها ثمانية دنانير وثلث دينار، ودية نقل عظامها ستة عشر ديناراً وثلثا دينار إلى أن قال ودية فكها عشرة دنانير»(1).(2) كما في ذيل معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «ودية قصب أصابع الكف سوى الإبهام دية كل قصبة عشرون ديناراً وثلثا دينار».

(3) أيضاً كما في ذيل المعتبرة التي دلت على أن «دية كل موضحة في كل قصبة من القصب الأربع (أصابع) أربعة دنانير وسدس دينار، دية نقل كل قصبة منهن ثمانية دنانير وثلث دينار»(2).

ص: 173


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 329: وفي كسر المفصل الذي فيه الظفر من الإبهام في الكف إذا جبر على غير عيب ولا عثم ستة عشر ديناراً وثلثا دينار وفي موضحتها أربعة دنانير وسدس دينار، وكذا في نقبها وفي صدعها ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار، وفي نقل عظامها خمسة دنانير(1).

المسألة 330: وفي كسر كل مفصل من الأصابع الأربع التي تلي الكف غير الإبهام ستة عشر ديناراً وثلثا دينار، وفي صدع كل قصبة منهن ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار، وفي نقل عظامها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي موضحتها أربعة دنانير وسدس دينار، وكذلك في نقبها، وفي فكها خمسة دنانير(2).

_______________________________________________________________

(1) كما وردت في قول أمير المؤمنين(علیه السلام) في معتبرة ظريف «ودية المفصل الثاني من أعلى الإبهام إن كسر فجبر على غير عثم ولا عيب ستة عشر ديناراً وثلثا دينار، ودية الموضحة إن كانت فيها أربعة دنانير وسدسدينار ودية صدعها ثلاثة عشر ديناراً، وثلث دينار ودية نقل عظامها خمسة دنانير»(1).

(2) كما في ذيل معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «ودية كسر كل مفصل من الأصابع الأربع التي تلي الكف ستة عشر ديناراً وثلثا دينار، وفي صدع كل قصبة منهن ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار، إلى أن قال وفي نقل عظامها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي موضحته أربعة دنانير وسدس دينار وفي نقبه أربعة دنانير سدس دينار، وفي فكه خمسة دنانير»(2).

ص: 174


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 331: وفي كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع أحد عشر ديناراً وثلث دينار، وفي صدعه ثمانية دنانير ونصف دينار، وفي موضحته ديناران وثلث دينار، وكذا في نقبه، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث دينار وفي فكه ثلاثة دنانير وثلثا دينار(1) .

المسألة 332: وفي كسر المفصل الأعلى من الأصابع الأربع خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار، وفي صدعه أربعة دنانير وخمس دينار، وفي موضحته ديناران وثلث دينار، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث دينار وفي نقبه ديناران وثلثا دينار، وفي فكه ثلاثة دنانير وثلثا دينار(2).

_______________________________________________________________

(1) كل ذلك ورد في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام)«ودية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة وخمسون ديناراً وثلث دينار، في كسره أحد عشر ديناراً وثلث دينار، وفي صدعه ثمانية دنانير ونصف دينار، وفي موضحته ديناران وثلثا دينار، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث دينار، وفي نقيه ديناران وثلثا دينار، وفي فكه ثلاثة دنانير وثلثا دينار»(1)

.

(1) كما في ذيل معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع سبعة وعشرون ديناراً ونصف وربع ونصف وعشر دينار، وفي كسره خمسة دنانير وأربعة أخماس الدينار، وفي صدعه أربعة دنانير وخمس دينار، وفي موضحته ديناران وثلث دينار، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث، وفي نقبه ديناران وثلثا دينار، وفي فكه ثلاثة دنانير وثلثا دينار»(2).

ص: 175


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1.
2- نفس المصدر .

المسألة 333: في الورك إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجل، وفي صدعه أربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي نقل عظامه خمسون ديناراً، وفي رضّه إذا عثم ثلث دية النفس والأقرب أن دية فكه ثلاثون ديناراً(1) .

المسألة 334: في الفخذ إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجل، فإن عثمت فديتها ثلث دية الرجل، وفي صدعها ثمانون ديناراً، وفي موضحتها ربع دية كسرها، وكذلك في نقبها، وفي نقل عظامها نصف دية كسرها، وإن كانت فيها قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية كسرها(2).

_______________________________________________________________

(1) وذلك لما ورد في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «في الورك إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار»(1) .

والمراد به هنا كلا وركي الرجلين لأنّه ورد في المعتبرة بأن دية كسر أحد الوركين مائة دينار لقوله لكسرها مائة دينار «وإن صدع الورك فديته مائة وستون ديناراً أربعة أخماس دية كسره، فإن أوضحت فديته ربع دية كسره خمسون ديناراً، و دية نقل عظامه مائة وخمسة سبعون ديناراً، إلى أن قال ودية فكها ثلاثون ديناراً، فإن رضت فعثمت فديتها ثلاثمائة دينار وثلاث وثلاثونديناراً وثلث دينار»(2).

(2) كما في صحيحة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «وفي الفخذ إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجل مائتا دينار، فإن عثمت فديتها ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وذلك ثلث دية النفس ودية صدع

ص: 176


1- نفس المصدر .
2- الوسائل باب 15 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 335: في كسر الركبة إذا جبرت على غير عثم ولا عيب مائة دينار، وفي صدعها ثمانون ديناراً، وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، وكذلك في نقبها وفي نقل عظامها خمسون ديناراً، ودية فكها ثلاثون ديناراً، وفي رضها إذا عثمت ثلث دية النفس، وفي قرحتها التي لا تبرأ ثلث دية كسرها(1).

_______________________________________________________________

الفخذ أربعة أخماس دية كسرها مائة دينار وستون ديناراً فإن كانت قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية كسرها ستة وستون ديناراً وثلثا دينار ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، ودية نقل عظامها نصف دية كسرها مائة دينار، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسون ديناراً»(1).

(1) كل ذلك أيضاً من جهة معتبرة الظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وفي الركبة إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار، فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس دية كسرها مائة وستة وستون ديناراً، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، ودية نقل عظامها مائة ديناراً وخمسة وسبعون ديناراً، إلى أن قال وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، فإن رضت فعثمت ففيها ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارً وثلث دينار، فإن فكت فديتها ثلاثة أجزاء من دية الكسر ثلاثون ديناراً»(2).

ص: 177


1- الوسائل باب 15 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 16 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 336: في كسر الساق إذا جبرت على غير عثم ولا عيب مائة دينار، ومع العثم مائة وستون ديناراً وثلثا دينار، وفي صدعها ثمانون ديناراً، وفي موضحتها خمسة وعشرون ديناراً، وكذلك في نقل عظامها ونفوذها، ودية نقبها نصف دية موضحتها، وفي قرحتها التي لا تبرأ ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار(1).

_______________________________________________________________

(1) أي في الساقين، لأنّه ورد في معتبرة ظريف في الساق إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خُمس دية الرجلين مائتا دينار ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها مائة وستون ديناراً، وفي موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، وفي نقبها نصف موضحتها خمس وعشرون ديناراً، وفي نقل عظامها ربع دية كسرها خمسون، وفي نفوذها ربع دية كسرها خمسون، وفي قرحة لا تبرأ ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث ديناراً، فإن عثم الساق فديتها ثلث دية النفس ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار(1)، لا يخفى أنّ المراد من القرحة قرحة أحدها كما قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقرينة أن دية قرحة كل عضو ثلث دية ذلك العضو، على ما دلت عليه صحيحة .

وأمّا قوله (علیه السلام) بعد ذلك فإن عثم الساق فالظاهر منه بيان دية الكسر مع العثم في كلا الساقين بقرينة أنّه (علیه السلام) في مقام بيان حكم موضوع واحد وهو كسر كلتا الساقين، مرة بدون العثم وأخرى معالعقم(2).

ص: 178


1- الوسائل باب 16 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج /2/ 420 _ 421 .

المسألة 337: في رضّ الكعبين إذا جبرتا على غير عثم ولا عيب ثلث دية النفس، وفي رض إحداهما إذا جبرت على غير عثم ولا عيب نصف ذلك(1).

المسألة 338: في القدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب مائة دينار، وفي موضحتها ربع دية كسرها، وفي نقل عظامها نصف دية كسرها، وفي نافذتها التي لا تنسد مائة دينار، وفي ناقبتها ربع دية كسرها(2) .

_______________________________________________________________

(1) وهكذا يدل عليه معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وفي الكعب إذا رضّ فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية الرجلين ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار»(1).

(2) لمعتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «أنّه قال: في القدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خُمس دية الرجلين مائتا دينار، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، وفي نقل عظامها مائة دينار، نصف دية كسرها، وفي نافذة فيها لا تنسد خُمس دية الرجل مائتا دينار، وفي ناقبة فيها ربع كسرها خمسون دينار»(2).ولا يخفى أن المراد من الرجل في الرواية هو الرجلين لأن خمس دية الرجلين هو المائتين ديناراً وخمس دية الرجل الواحدة مائة دينار، وهكذا في الموضحة ربع الدية في الرجلين يكون خمسين .

ص: 179


1- الوسائل باب 16 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 17 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 339: دية كسر قصبة الإبهام(1)، التي تلي القدم كدية قصبة الإبهام من اليد، وفي نقل عظامها ستة وعشرون ديناراً وثلثا دينار(2) وكذلك الحال في صدعها، ودية موضحتها ونقبها، وفكها كديتها في اليد، ودية كسر الأعلى من الإبهام _ وهو الثاني الذي فيه الظفر _ كدية كسر الأعلى من الإبهام في اليد، وكذلك الحال في موضحتها وفي نقبها وصدعها، وفي نقل عظامها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي فكها خمسة دنانير وفي كسر قصبة كل من الأصابع الأربعة سوى الإبهام ستة عشر ديناراً، وثلثا دينار ودية صدعها ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار ودية موضحتها ونقبها، ونقل عظامها كديتها في اليد، وفي قرحة لا تبرأ في القدم ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار .

_______________________________________________________________

(1) كسر قصبة الإبهام ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، أي خمس دية الرجل لأنّه ورد في معتبرة ظريف «ودية كسر قصبة الإبهام التي تلي القدم خمس دية الإبهام ستة وستون ديناراً وثلثا دينار»(1)، أي المراد به الابهامان وحال الإبهام من الرجل حكمه حكم إبهام اليد كما مرّ .

(2) كما في المعتبرة .

ص: 180


1- الوسائل باب 17 من أبواب ديات الأعضاء ح1.

المسألة 340: في كسر المفصل الأخير من كل من الأصابع الأربع من القدم غير الإبهام ستة عشر ديناراً وثلث دينار، وفي صدعها ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار(1)، وفي كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع أحد عشر ديناراً وثلثا دينار، وفي صدعها ثمانية دنانير وأربعة أخماس دينار، وفي موضحتها ديناران، وفي نقل عظامها خمسة دنانير وثلثا دينار، ودية نقبها كديته في اليد، وفي فكها ثلاثة دنانير، ودية كسر المفصل الأعلى منها كديته في اليد، وكذلك في صدعها، وفي موضحتها دينار وثلث دينار، وكذلك في نقبها، وفي نقل عظامها ديناران وخمس دينار، وفي فكها ديناران وأربعة أخماس دينار .

_______________________________________________________________

(1) كما في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «ودية كسر كل مفصل من الأصابع الأربع التي تلي القدم ستة عشر ديناراً وثلث ودية صدعها ثلاثة عشر ديناراً وثلث دينار إلى أن قال ودية كسره أحد عشر ديناراً وثلثا دينار، ودية صدعه ثمانية دنانير وأربعة أخماس الدينار، ودية موضحته ديناران، ودية نقل عظامها خمسة دنانير وثلثا دينار، ودية نقبه ديناران وثلثادينار، ودية فكه ثمانية دنانير»(1).

ص: 181


1- الوسائل باب 17 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 341: لو نفذت نافذة من رمح أو خنجر في شيء من(1) أطراف البدن فديتها مائة دينار .

المسألة 342: في قرحة كل عضو إذا لم تبرأ ثلث دية ذلك العضو(2).

_______________________________________________________________

(1) مائة الدينار وهو عشر دية الرجل لمعتبرة ابن فضال «قال: عرضت الكتاب على أبي الحسن (علیه السلام) فقال: هو صحيح قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في دية جراحة الأعضاء كلها، إلى أن قال: وافتى في النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شيء من البدن في أطرافه فديتها عشر دية الرجل مائة دينار»(1).

وهناك رواية أخرى تعارض هذه الرواية وهي عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الناقلة تكون في العضو ثلث دية ذلك العضو»(2).

ولكن الرواية معارضة وهي ضعيفة بسهل بن زياد وشمون والأصم والرواية وإن وردت في الرجل ولكنها أيضاً تعم المرأة(3) لأنّها تعاقل الرجل إلى الثلث .

(2) كما عليه المشهور، وقد ادعى البعض الإجماع، وفي معتبرة الظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «ودية قرحة لا تبرأ ثلاثة عشر ديناراً وثلثدينار»(4)،

ولو أن المورد هو الكف، ولكن لم يخص وإن برأت فعليه الحكومة لعدم ورود تحديد من الشارع فيه .

ص: 182


1- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح3 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح7 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 427 .
4- الوسائل باب 12 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 343: إذا اجتمع بعض ما فيه الدية المقدّرة شرعاً مع بعضها الآخر كذلك فلكل ديته(1)، نعم إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة وكانتا مترتبتين وكانت دية إحداهما أغلظ من الأُخرى دخلت دية غير الأغلظ في الأغلظ(2) .

_______________________________________________________________

(1) لتعدد السبب الموجب لعدم تداخل المسبب .

(2) وذلك لورود الدليل وهو صحيح أبي عبيدة الحذاء «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فاجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له، فإنه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين السنة أُقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجح عقله أُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قلت: فما ترى عليه في الشجة شيئاً ؟ قال: لا، لأنّه إنما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين، وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه، فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث الضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموتفيقاد به ضاربه، قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات»(1)

وصحيحة إبراهيم بن عمر عن ابي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه، وبصره، ولسانه، وعقله وفرجه، وانقطع جماعه وهو حي، بست ديات»(2).

ص: 183


1- الوسائل باب 7 من أبواب ديات المنافع ح1 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب ديات المنافع ح1 .

دية الجناية على منافع الأعضاء

وهي كما يلي:

الأول: العقل

وفي ذهابه دية كاملة(1)، وفي ثبوت الدية فيما إذا رجع العقل أثناء السنة إشكال، بل لا يبعد عدم الثبوت، وعليه فالمرجع فيه الحكومة .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية والعمدة صحيحة أبي عبيدة الحذاء «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب لا يعقل منها الصلاة، ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له، فإنّه ينتظر به سنة، فإن مات فيما بينه وبين السنة أٌقيد به ضاربه، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله أغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله قلت فما ترى عليه في الشجة شيئاً، قال: لا لأنّه إنما ضرب بضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائنا ما كان إلا أن يكون فيهما الموت، فيقاد به ضاربه فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعدالواحدة فجنين ثلاث جنايات الزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه، قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات»(1).

ص: 184


1- الوسائل باب 7 من أبواب ديات المنافع ح1 .

وأمّا اذا تمت السنة ولم يرجع استحق الدية وإن رجع بعد ذلك(1).

المسألة 344: إذا جنى على شخص بما أوجب نقصان عقله لم تثبت الدية فالمرجع فيه الحكومة، وكذلك فيما أوجب جنوناً أدوارياً(2).

_______________________________________________________________

وهل التحديد بالسنة له موضوعية، الظاهر لا بل لو أحرز بطريق آخر بأنّه ذهب عقله كما إذا أثبت ذلك عند أهل الخبرة فلابد من إعطاء الدية وفي صحيحة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه، وبصره، ولسانه وعقله وفرجه، وأنقطع جماعه وهو حي بست ديات»(1).

(1) لأنّه محل اتفاق، ولما دلت عليه الصحيحة المتقدمة لأبي عبيدة .

(2) وذلك بعدما لم يكن له مقدّر فيكون المال بالحكومة، وكذلك بالنسبة إلى الجنون الأدواري، وصحيحة ابن عمر لا يشمل المورد، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) جماعة منهم الشيخ في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة والعلامة في القواعد من أن الدية تسقط بالزمان، فلا دليل عليه أصلاً إذاً الصحيح ما ذكرناه من أنّ المرجع فيه الحكومة(2)،

وإن قطع جماعة وهو حي بست ديات(3)، وما نسب إلى الشيخ بأنّ الدية تقسط بالزمان لا دليل عليه.

ص: 185


1- الوسائل باب 6 من أبواب ديات المنافع ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 431 _ 432 .
3- مر ذكرها .

المسألة 345: لو شج شخصاً شجة فذهب بها عقله، فإن كانت الشجة وذهاب العقل بضربة واحدة تداخلت ديتاهما، وإن كانا بضربتين فجنى بكل ضربة جناية لم تتداخلا(1).

الثاني: السمع

وفي ذهابه كله دية كاملة(2)، وفي ذهاب سمع إحدى الأذنين كله نصف الدية .

_______________________________________________________________

(1) قد يقال بعدم التداخل لأنّ تعدد السبب مستوجب لتعدد المسبب ولمعتبرة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (علیه السلام) إلى أن يقول «رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه، وبصره، ولسانه، وعقله، وفرجه، ست ديات» ولكن الحق هو التفصيل بين الضربة الواحدة وبين الضربتين، ففي الأولى هو التداخل، وفي الثانية عدم التداخل كما في صحيحة أبي عبيدة الحذاء المتقدمة الذكر «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) إلى أن يقول، قلت فما ترى عليه في الشجة شيئاً، قال: لا، لأنّه إنما ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين، وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان» إذاً في صورة التعدد فالتداخل خلاف الأصل .

(2) المسألة غير خلافية وقد ادعيّ عليه الإجماع كما في التحرير بقوله: في السمع الدية كاملة إجماعاً(1)وغيره

كما عن صاحب كشف اللثام بقوله:وفيه الدية إجماعاً كما في التحرير(2)وقال

في الرياض: بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في صريح التحرير فظاهر الغنية وهو الحجة إلى أن قال والصحيح في ذهاب السمع كله

ص: 186


1- تحرير الاحكام / 5 / 608 .
2- كشف اللثام / 11/ 409 .

................................

الف دينار(1)

والعمدة الروايات الكثيرة .

منها: صحيحة يونس أنّه عرض على الرضا (علیه السلام) كتاب الديات وكان فيه «وفي ذهاب السمع ألف دينار» .

ومنها: صحيحة سليمان بن خالد عن الإمام الصادق (علیه السلام) «أنّه قال في رجل ضرب رجلاً في أذنه فأدّعى أنّه لا يسمع، قال (علیه السلام) يترصد ويستغفل وينتظر به سنة، فإن سمع أو شهد عليه رجلان أنّه يسمع، وإلا حلفه وأعطاه الدية، قيل: يا أمير المؤمنين فإن عثر عليه بعد ذلك أنّه يسمع ؟ قال: إن كان الله ردّ عليه سمعه لم ار عليه شيئاً»(2)

.

وهكذا ورد في صحيحة إبراهيم بن عمر، أمّا بالنسبة لإحدى الأذنين فهي النصف بلا فرق بين أن تكون الذاهبة أصح من الأخرى أم لا بلا فرق بين أن يكون السمع بالأخرى ذاهباً من الله تعالى أم بجناية جانٍ، وذلك للإطلاق .

قال في مفتاح الكرامة: ولا أجد في ذلك خلافاً إلا من ابن حمزة في الوسيلة فأوجب الدية كاملة إن كانت الأخرى ذهبت بسبب من الله سبحانه والنصف إن كانت ذهبت بسبب من الناس فلا دليل عليه مقابل الإطلاق إلا بالقياس بعين الأعور.وأمّا في نقص البعض فبحسابه من الدية، والمسألة غير خلافية كما ادعاه البعض، يقول العلامة: ولو نقص سمع أحدهما قيس إلى الأخرى بأن تسد الناقصة وتطلق الصحيحة ويصاح به حتى يقول لا اسمع، ثم يعاد عليه مرة ثانية، فإن تساوت المسافتان صدق، ثم تسد الصحيحة وتطلق الناقصة ويعتبر بالصوت حتى يقول لا اسمع، ثم يعتبر ثانية فإن تساوت المسافتان صدق(3)

ويؤخذ بحساب التفاوت بين المسافتين وهو المشهور بين الأصحاب .

ص: 187


1- رياض المسائل / 16/ 501 .
2- الوسائل باب3 من أبواب ديات المنافع ح1 .
3- كما في مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة / 26 / 517 .

وإذا جنى على رجل فأدّعى ذهاب سمعه كله قبل قوله إن صدّقه الجاني(1)، وأمّا إذا أنكره أو قال لا أعلم بذلك، أُجل إلى سنة يترصد واستغفل بسؤاله، فإن انكشف الخلاف وبآن أنّه يسمع أو شهد شاهدان بذلك فليس له مطالبة الدية، وإلا فعليه أن يأتي بالقسامة بأن يحلف هو وخمسة أشخاص إن وجدوا، وإلا حلف هو ست مرات فعندئذ يستحق الدية .

_______________________________________________________________

(1) لأن إقرار العقلاء على أنفسهم حجة، وأمّا إذا وقع الاختلاف بينهما وادّعى المجني عليه ذهاب السمع كله وأنكره الجاني، فإن اثبته المجني عليه فهو، وإلا فعليه أن يأتي بالقسامة بأن يحلف هو وستة أشخاص إن كانوا موجودين، وإلا حلف هو ستّ مرات فيثبت له الدية والشاهد على ذلك معتبرة ابن فضال عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) «قضى أمير المؤمنين (علیهالسلام) إذا أصيب الرجل في إحدى عينيه إلى أن قال والقسامة مع ذلك من الستّة الأجزاء على قدر ما أصيب من عينه، فإن كان سدس بصره حلف هو وحده وأعطي، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان، وإن كان ثلثي بصره حلف هو ومعه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف معه أربعة نفر، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر وكذلك القسامة كلها في الجروح، وإن لم يكن للمصاب بصره من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان، إلى أن قال وإنما القسامة على مبلغ منتهى بصره، وإن كان السمع فعلى نحو ذلك غير أنّه يضرب له بشيء حتى يعلم منتهى سمعه ثم يقاس ذلك، والقسامة على نحو ما ينقص من سمعه، فإن كان سمعه كله فخيف منه فجور فإنّه يترك حتى إذا استقل نوماً صيح به وإن سمع قاس بينهم الحاكم برأيه»(1)

.

ص: 188


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات المنافع ح1 .

المسألة 346: لو أدّعى المجني عليه النقص في سمع كلتا الأذنين فإن ثبت ذلك ببيّنة فبها، وإلا فعليه القسامة بالنسبة، بمعنى أن المدّعي إن كان ثلث سمعه حلف هو وحلف معه رجل واحد، وإن كان نصف سمعه حلف هو وحلف معه رجلان وهكذا(1)، ولو ادعى النقص في إحداهما قيست إلى الصحيحة، بأن تسد الناقصة سداً جيداً وتطلق الصحيحة ويصاح به ويتباعد عنه حتى يقول لا أسمع، فإن علم أو اطمئن بصدقه فهو وإلا يعلم ذلك المكان ثم يعاد عليهمن طرف آخر كذلك فإن تساوت المسافتان صدق وإلا فلا، ثم بعد ذلك تطلق الناقصة وتسد الصحيحة جيداً ويختبر بالصيحة أو بغيرها حتى يقول لا أسمع، فإن علم أو اطمئن بصدقه وإلا يكرر عليه الاختبار فإن تساوت المقادير صدق ثم تمسح المسافتان الأولى والثانية فتؤخذ الدية عندئذ من الجاني بنسبة التفاوت وتعطى له بعد إتيانه بالقسامة على ما يدعي من النقص في سمع إحدى أذنيه .

_______________________________________________________________

وبهذا الحديث قيد التحليف بالخبر الصحيح عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «أنّه قال: في رجل ضرب رجلاً إلى أن قال فإن سمع أو شهد عليه رجلان أنّه سمع وإلا حلفه وأعطاه الدية»(1).

(1) وذلك على ما جاء من التفصيل في معتبرة ابن فضال، ويؤيد ذلك رواية أبي بصير وبما أنّها ضعيفة فهي كافية للتأييد سنداً .

ص: 189


1- الوسائل باب 3 من أبواب ديات المنافع ح1 .

المسألة 347: إذا أوجب قطع الأذنين ذهاب السمع ففيه ديتان دية لقطعهما ودية لذهاب السمع(1).

_______________________________________________________________

(1) لأن تعدد السبب يوجب تعدد المسبب، والأصل عدم التداخل ويدل على ذلك صحيحة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه،وبصره ولسانه، وعقله، وفرجه، وانقطع جماعه وهو حي بست ديات»(1)،

ورواية محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم رفعه «قال: عن أمير المؤمنين (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاً على هامته فأدّعى المضروب أنّه لا يبصر شيئاً ولا يشم الرائحة، وأنّه قد ذهب لسانه، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) إن صدق فله ثلاث ديات إلى أن قال وأما ما ادّعاه أنّه لا يشم رائحة فإنّه يدنى منه الحراق، فإن كان كما يقول وإلا نحى رأسه ودمعت عينه، وأمّا ما ادّعاه في عينيه فإنّه يقابل بعينيه الشمس فإن كان كاذباً لم يتمالك حتى يغمض عينيه، وإن كان صادقاً بقيتا مفتوحتين، وأمّا ما ادعاه في لسانه فإنّه يضرب على لسانه بأبره فإن خرج الدم أحمر، فقد كذب وإن خرج الدم أسود فقد صدق»(2)، إذاً يجب على الجاني أن يدفع ديتين .

وأمّا ما ورد في صحيح أبي عبيدة في مسألة ذهاب العقل على الاجتزاء بدية واحدة والمتضمنة بأن الجنايتين إذا كانتا بضربة واحدة ففيهما أغلظ الجنايتين، فإنّها وردت في غير المقام، بل موردها إذا كانت الجنايتان طويلتين وإحداهما مسببة للأخرى، ومترتبة عليها وكون أحدهما أغلظ من الأخرى وأمّا في صورة عدم الغلظة كانتا في عرض واحد لابد من تعدد الدية .

ص: 190


1- قد تقدم الحديث .
2- الوسائل باب 4 من أبواب ديات المنافع ح1 .

الثالث: ضوء العينين

وفي ذهابه منهما الدية كاملة(1)، وفي ذهابه من إحداهما نصف الدية، وإن ادعى المجني عليه ذهاب بصره كله فإن صدّقه الجاني فعليه الدية، وإن أنكره أو قال لا أعلم أُختبر بجعل عينيه في قبال نورقوي كالشمس ونحوها فإن لم يتمالك حتى غمض عينيه فهو كاذب ولا دية له وإن بقيتا مفتوحتين كان صادقاً واستحق الدية، مع الاستظهار بالأيمان وإن عاد البصر بعد مدة فإن كان كاشفاً عن عدم الذهاب من الأول فلا دية، وفيه الحكومة وإن لم يكشف عن ذلك ففيه الدية .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وادعى البعض الإجماع، ويدل عليه صحيحة إبراهيم بن عمر(1)،

وصحيحة محمد بن يعقوب عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «عن رجل ضرب رجلاً على هامته وادعى المضروب أنّه لا يبصر شيئاً و لا يشم رائحة وأنّه قد ذهب لسانه، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) إن صدق فله ثلاث ديات»(2)،

ومعتبرة ظريف «والضوء كله من العينين ألف دينار»(3).

ص: 191


1- الوسائل باب 6 من أبواب ديات المنافع ح1 .
2- الوسائل باب 3 من أبواب ديات المنافع ح1 .
3- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح3 .

المسألة 348: إذا اختلف الجاني والمجني عليه في العود وعدمه(1) فإن أقام الجاني البينة على ما يدعيه فهو، وإلا فالقول قول المجني عليه مع الحلف .

المسألة 349: لو ادعى المجني عليه النقصان في إحدى عينيه وأنكره الجاني أو قال لا أعلم، اختبر ذلك بقياسها بعينه الأخرى الصحيحة(2) ومع ذلك لابد في إثبات ما يدعيه من القسامة، ولو ادعى النقص في العينين كان القياس بعين من هو من أبناء سنّه .

_______________________________________________________________

(1) قد يقال لابد من الرجوع إلى المتخصصين من أهل الخبرة، فإن قالوا بالرجوع فهو، وإلا فلابد من دفع الدية، وإن لم يكن هناك متخصص فالقول قول المجني عليه مع اليمين إذا لم يكن للجاني البينة .

(2) والمسألة إجماعية ولما ورد من الروايات .

منها: صحيحة يونس «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا أُصيب الرجل في إحدى عينيه فإنّها تقاس ببيضه تربط على عينيه المصابة وينظر ما منتهي نظر عينه الصحيحة، ثم تغطى عينه الصحيحة وينظر ما منتهى عينه المصابة فيعطى دية من حساب ذلك»(1)

.

ومنها: صحيحة معاوية بن عمار «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يصاب في عينيه فيذهب بعض بصره، أي شيء يعطى ؟ قال: تربط إحداهما ثم توضع له بيضة ثم يقال له أنظر، فما دام يدَّعى أنّه يبصر موضعهاحتى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال: لا بصر، قربها حتى يبصر ثم يعلّم ذلك المكان، ثم يقاس ذلك القياس من خلفه وعن يمينه وعن شماله فإن جاء سواء وإلا قيل له كذبت حتى

ص: 192


1- الوسائل باب 12 من أبواب ديات المنافح ح1 .

................................

يصدق، قلت: أليس يؤمن ؟ قال: لا ولا كرامة ويصنع بالعين الأخرى مثل ذلك ثم يقاس ذلك على دية العين»(1).

ومنها: صحيحة يونس المتقدمة عن أبيه عن بن فضال جميعاً عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال يونس عرضت عليه الكتاب فقال: هو صحيح، قال: ابن فضال قال: «قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) إذا أصيب الرجل في إحدى عينيه فإنّها تقاس بيضة تربط على عينيه المصابة وينظر ما منتهى نظر عينه الصحيحة ثم تغطى عينه الصحيحة وينظر ما منتهى نظر عينه المصابة فيعطى ديته من حساب ذلك والقسامة مع ذلك من الستة الأجزاء على قدر ما أصيب من عينه، فإن كان سدس بصره حلف هو وحده وأعطى، وإن كان ثلث بصره حلف هو وحلف معه رجل واحد، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه رجلان، وإن كان ثلثي بصره حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس بصره حلف هو وحلف معه أربعة نفر، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه خمسة نفر، وكذلك القسامة كلها في الجروح وإن لم يكن للمصاب بصره من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان إن كان سدس بصره حلف مرة واحدة، وإن كان ثلث بصره حلف مرتين، وإن كان أكثر على هذا الحساب وإنما القسامة على مبلغ منتهى بصره» .

ص: 193


1- الوسائل باب 8 من أبواب ديات المنافع ح1 .

المسألة 350: لا تقاس العين في يوم غيم، وكذا لا تقاس في أرض مختلفة الجهات علواً وانخفاضاً ونحو ذلك مما يمنع عن معرفة الحال(1) .

الرابع: الشم

وفي إذهابه من كلا المنخرين الدية كاملة، وفي إذهابه من أحدهما نصف الدية، ولو ادعى المجني عليه ذهابه عقيب الجناية الواردة عليه فإن صدّقه الجاني فهو، وإن أنكره أو قال لا أعلم أُختبر بالحراق ويدنى منه فإن دمعت عيناه ونحى رأسه فهو كاذب، وإلا فصادق، وحينئذٍ قيل أن عليه خمسين قسامة، ولكن دليله غير ظاهر، بل الظاهر أنّها من الستة الأجزاء الواردة في المنافع(2).

_______________________________________________________________

(1) لأن القياس في تلك الحالات والجهات لا يستوجب معرفة الحال في الأغلب مضافاً إلى معتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عن أبيهعن علي (علیهم السلام) قال: «لا تقاس عين في يوم غيم»(1).

(2) والمسألة غير خلافية مضافاً إلى صحيحة محمد بن يعقوب «قال: سئل أمير المؤمنين (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاً على هامته فادّعى المضروب أنّه لا يبصر شيئاً، ولا يشم الرائحة، وأنّه قد ذهب لسانه، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) إن صدق فله ثلاث ديات، فقيل: أي أمير المؤمنين وكيف يعلم أنّه صادق، فقال: أمّا ما ادعاه أنّه لا يشم رائحة فإنّه يدنا منه الحراق فإن كان كما يقول وإلا نحّى رأسه ودمعت عينه»(2).

ص: 194


1- الوسائل باب 5 من أبواب ديات المنافع ح1.
2- الوسائل باب 4 من أبواب ديات المنافع ح1 .

المسألة 351: إذا ادعى المجني عليه النقص في الشم فعليه أن يأتي بالقسامة على النحو المتقدم في السمع(1) .

المسألة 352: إذا أخذ المجني عليه الدية ثم عاد الشم، فإن كان العود كاشفاً عن عدم ذهابه من الأول فللجاني أن يسترد الدية وللمجني عليه أن يرجع إليه بالحكومة، وإلا فليس للجاني حق الاسترداد(2).

_______________________________________________________________

والحق أنّه يستوجب القسامة ولو في صحيح محمد بن يعقوب يدل على كيفية استعلام ذهاب الشم وهو معلوم ولا يحتاج إلى القسامة .

وأمّا إذا لم يكن كذلك فلابد من القسامة كما في صحيح يونس ومعتبرة ابن فضال كذلك القسامة كلها في الجروح أي مطلق الجناية الموجبة لذهابالمنفعة.

(1) فإن كان ثلث سمعه حلف هو وحلف معه رجل واحد، وإن كان نصف سمعه حلف هو وحلف معه رجلان، وإن كان ثلثي سمعه حلف هو وحلف معه ثلاثة نفر، وإن كان أربعة أخماس سمعه حلف هو وحلف معه أربعة نفر، وإن كان كله حلف وحلف معه خمسة أنفر كما ذُكر بالرواية بالنسبة إلى ذهاب البصر، وعلى هذا فيجري في الشم كذلك .

(2) الدية إنما كانت من أجل ذهاب الشم، وقد انكشف بأنّه لم يذهب وكان المانع من الشم إنما كان بسبب الجناية الواردة عليه، ولكن في هذه الصورة لابد من الحكومة حتى لا يذهب حق المسلم هدراً، وأمّا لو علم بالعود فليس للجاني العود إلى الدية بعد أن حكم الحاكم والمجني عليه بثبوت الذهاب بالحلف، إذاً هذا الرجوع كان هبة من الله تعالى وكذا في صورة الشك بأن احتمال الرجوع هبة .

ص: 195

المسألة 353: لو قطع أنف شخص فذهب به الشم أيضاً فعليه ديتان(1) .

الخامس: النطق

وفي ذهابه بالضرب أو غيره دية كاملة(2).

_______________________________________________________________

(1) لأنّ لكل واحد دية مستقلة، والأصل عدم التداخل كما مرّ بالنسبة إلى قطع الأذنين وذهاب السمع .

(2) وقد ادعيّ الإجماع، وكما قال البعض أن المسألة غير خلافية وتدلعليه القاعدة وهي كل ما في الإنسان واحد فدية كاملة، مضافاً إلى الروايات.

منها: صحيحة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه، وبصره، ولسانه وعقله وفرجه، وأنقطع جماعه وهو حي بست ديات»(1).

ومنها: صحيحة محمد بن يعقوب عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: ضرب رجل رجلاً على هامته فأدّعى المضروب أنّه لا يبصر بعينه شيئاً ولا يشم رائحة، وأنّه قد أخرس فلا ينطق، فقال: إن كان صادقاً فقد وجبت له ثلاث ديات»(2).

ص: 196


1- الوسائل باب 6 من أبواب ديات المنافع ح1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب ديات المنافع ح1 .

وفي ذهاب بعضه الدية بنسبة ما ذهب بأن تعرض عليه حروف المعجم كلها ثم تعطى الدية بنسبة ما لم يفصحه منها(1).

_______________________________________________________________

(1) بعد أن لم يكن له مقدّر فتعرض عليه حروف المعجم فبمقدار ما يمكنه أن ينطق فلا شيء على الجاني، وبمقدار ما لم يتمكن يدفع له الدية وقد ذكر صاحب الجواهر: مع ظروف ذهابها بذلك لا بالمساحة على ما نص عليه الشيخان في المقنعة والنهاية، والديلمي، وابن حمزة، والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل نسبه بعض إلى الأكثر، بل في المسالك إلى المشهور، بل عن المبسوط والسرائر ظاهر الإجماع عليه، بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارها عليه(1)، والعمدة روايات .

منها: صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل ضرب رجلاً في رأسه فثقل لسانه أنّه يعرض عليه حروف المعجم كلها ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها»(2).

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل ضرب رجلاً بعصا على رأسه فثقل لسانه، فقال: يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح، وما لم يفصح به كان عليه الدية، وهي تسعة وعشرون حرفاً»(3).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم تقرأ ثم قسّمتالدية على حروف المعجم، فما لم يفصح به الكلام كانت الدية بالقياس من ذلك»(4).

ص: 197


1- جواهر الكلام / 43 / 210.
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات المنافع ح1.
3- الوسائل باب 2 من أبواب ديات المنافع ح2.
4- الوسائل باب 2 من أبواب ديات المنافع ح3 .

المسألة 354: لو ادعى المجني عليه ذهاب نطقه بالجناية كلاً، فإن صدّقه الجاني فهو، وإن أنكره أو قال لا أعلم، أُختبر بأن يضرب لسانه بأبرة أو نحوها، فإن خرج الدم أحمر فقد كذب، وإن خرج الدم أسود فقد صدق(1) والظاهر اعتبار القسامة هنا أيضاً على النحو المتقدم في السمع والبصر.

وإذا عاد النطق فالكلام فيه هو الكلام في نظائره، وفي إلحاق الذوق بالنطق إشكال والأظهر أن فيه الحكومة، وكذلك الحال في ما يوجب نقصان الذوق(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا احتياج إلى تصديق الجاني لاستصحاب السلامة عند إنكار الجاني يكون القول قوله فلابد أن يأتي المجني عليه البينة .

وأما الامتحان فقد جاء في صحيحة محمد بن يعقوب «قال: سئل أمير المؤمنين (علیه السلام) ضرب رجل رجلاً على هامته على فادّعى المضروب أنّه لا يبصر شيئاً، و لا يشم الرائحة، وأنّه قد ذهب لسانه، فقال أمير المؤمنين (علیه السلام) إن صدق فله ثلاث ديات، فقيل يا أمير المؤمنين وكيف يعلم أنّه صادق ؟ فقال: إلى أن قال وأما ما أدّعاه أنه لا يشم رائحة فإنّه يُدنا منه الحراق فإن كان كما يقول وإلا نحّى رأسه ودمعت عيناه، فأمّا ما ادّعاه فيعينيه فإنّه يقابل بعينه الشمس فإن كان كاذباً لم يتمالك حتى يغمض عينيه وإن كان صادقاً بقيتا مفتوحتين، وأمّا ما أدّعاه في لسانه فإنّه يضرب على لسانه بأبرة فإن خرج الدم أحمر فقد كذب وإن خرج أسود فقد صدق»(1)، أمّا بالنسبة إلى القسامة فهو كما ورد في السمع والبصر .

(2) لعدم الدليل، فلابد من الحكومة فيه لما مرّ تفصيله .

ص: 198


1- الوسائل باب 4 من أبواب ديات المنافع ح1 .

المسألة 355: إذا أوجبت الجناية ثقلاً في اللسان أو نحو ذلك مما لا تقدير له في الشرع كالجناية على اللحيين بحيث يعسر تحريكهما، ففيه الحكومة(1).

المسألة 356: لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه ثم جنى عليه آخر فذهب بعضه الآخر فعلى كل منهما الدية بنسبة ما ذهب بجنايته(2).

المسألة 357: لو جنى على شخص فذهب كلامه كله(3)، ثم قطع هو أو آخر لسانه، ففي الجناية الأولى تمام الدية والثانية ثلثها(4).

_______________________________________________________________

(1) تعرف المسألة مما سبق حيث أنّه في كل ما ليس مقدّر فيكون فيه الحكومة .

(2) لأن كل واحد منهما أصبح جانٍ، لذهاب بعض من كليهما الكلام فيكون لكل منهما دية بالنسبة .

(3) لما ورد في صحيحة يونس أنّه عرض على الرضا (علیه السلام) كتاب الديات وكان فيه: «ذهاب السمع كله ألف دينار، والصوت كان من الغنن والبحح ألف دينار»(1).

(4) لأنّه قطع لسان الأخرس وفيه ثلث الدية كما في صحيحة بريد ابن معاوية عن الباقر (علیه السلام) «قال في لسان الأخرس وعين الأعمى وذكر الخصي وانثييه ثلث الدية» وعن أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال:سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس، فقال: إن كان ولدته أمه أخرس فعليه ثلث الدية» .

ص: 199


1- الوسائل باب 1 من أبواب ديات المنافع ح1.

السادس: صعر العنق

والمشهور أن في صعره _ الميل إلى أحد الجانبين _ دية كاملة(1)، وهو لا يخلو عن إشكال، فلا يبعد الرجوع فيه إلى الحكومة، نعم الصعر إذا كان على نحو لا يقدّر على الالتفات ففيه نصف الدية .

_______________________________________________________________

(1) والصعر كما في المتن الميل إلى أحد الجانبين بدون كسر، وما ذكره في الشرائع يقيد بالكسر(1)، فلم يدل عليه دليل بعد أن كان المدرك هو رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال «قال: أمير المؤمنين (علیه السلام) قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) في القلب إذا أُرعد فطار الدية، وقال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) في الصعر الدية، والصعر يثني عنقه فيصير في ناحية»(2).

ولكن لا يمكن العمل بالرواية من جهة ضعف السند بعدة من الأشخاص منهم سهل ومحمد بن حسن الشمون وعبد الله بن عبد الرحمن الأصم، وادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع(3).

وقد عرفت حال هذه الإجماعات بأنّها محتمل أو مظنونة المدركية وادعى في الجواهر بقوله: بلا خلاف أجده بيننا بل عن الخلاف الإجماع عليهلقول رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) في خبر مسمع (في الصعر) والصعر أن يثني عنقه في ناحية والعنق منجر(4).

وهذه الدعوى لا تدل على اتفاقهم على الحكم خصوصاً في المسائل التي لم تذكر في كلام الأصحاب والعجب من الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) حيث يقول والإجماع

ص: 200


1- شرائع الإسلام / 2 / 227.
2- الوسائل باب 11 من أبواب ديات المنافع ح1 .
3- الخلاف / 5 / 254 .
4- جواهر الكلام / 43/ 243 .

السابع: البعصوص

وفيه بحيث لا يملك استه الدية كاملة(1).

_______________________________________________________________

إن تم في المسألة فهو ولكنه غير تام(1).

أقول خصوصاً إجماعات الخلاف، وقوله الإجماع إن تم مع أن الإجماع ليس بحجة عنده، إذاً فهو ليس بتام عنده .

والعمدة رواية ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال في الصدر «إذا رضّ فثني شقيه كليهما فديته خمسمائة دينار إلى أن قال: وإن اعترى الرجل من ذلك صعر لا يستطيع أن يلتفت فديته خمسمائة دينار»(2)، وعن الجواهر بعد نقل ذلك قال: إلا أني لم أجد عاملاً به منا كالقول بالحكومة المحكي عن الشافعي مضافاً إلى الإجمال في الثاني باعتبار احتمال اعجام عين الصدغ وضم جيم الرجل في الموضعين واهمال العين وتسكين الجيم مع كسر الراء أي إذا صدعت الرجل فلم يستطع أن يلتفت ما لم يحول رجله(3).(1) لصريح أقوال جملة من الأصحاب كما ذكر الرياض بقوله: كما في الكتب المتقدمة من غير خلاف لهم أجده وبه صرح الصيمري، بل زاد فقال: بل فتوى الأصحاب متطابقة، وبالشهرة صرح في المسالك والروضة قال: وكثير من الأصحاب لم يذكر فيه خلافاً وهذه العبارة ربما اشعرت بوجود ناقل للخلاف في المسألة ولم أعرفه وعلى تقدير وجوده فضعيف غايته إلى أن قال: ومع ذلك فيه إذهاب للمنفعة المهمة فيناسبه ايجاب الدية كاملة(4) .

ص: 201


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 450 .
2- الوسائل باب 13 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- جواهر الكلام / 43 / 243 _ 244 .
4- الرياض / 16 / 488 _ 489 .

الثامن: سلس البول

وفيه دية كاملة إن كان مستمراً(1).

_______________________________________________________________

ثم قال: المراد بالبعصوص عظم الورك وعظم رقيق حول الدبر وهو العصعص كما في مجمع البحرين(1) وغيره .

وبالعجان بكسر العين ما بين الخصية وحلقة الدبر بالفتح كما في الرواية(2).

منها: صحيحة سليمان بن خالد «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك أسته، ما فيه من الدية ؟ فقال دية كاملة»(3).

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمار أو صحيحته «قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الرجل يُضربعلى عجانه فلا يستمسك غائطه ولا بوله أن في ذلك الدية كاملة»(4).

ولا يخفى أنّ مقتضى القاعدة هو تعدد الدية لأن عدم التمسك من كل منهما يستوجب الدية، ولكن ظاهر الرواية التداخل .

(1) إذا لم يتمكن من إمساك البول تكون على الجاني الدية كاملة، كما مرّ في كسر العصص، ولا يخفى بأن الرواية وإن صرحت بالرجل، ولكن الحكم شامل للمرأة، نعم كما ورد من الروايات أن كل مورد ثبت فيه الدية للرجل فللمرأة النصف، ولا يخفى أنّه لا موضوعية لكسر البعصوص في موضوع الحكم فالموضوع عدم تملك الغائط أو البول على القاعدة من أن عليه ديتان .

ص: 202


1- مجمع البحرين / مادة عصص .
2- مجمع البحرين / مادة عجن .
3- الوسائل باب 9 من أبواب ديات المنافع ح1 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب ديات المنافع ح2.

................................

ولكن ورد الدليل كما في معتبرة إسحاق في الرجل يضرب على عجانه ففيه التداخل والدية واحدة كما يأتي، قال في المسالك: المشهور بين الأصحاب ثبوت الدية في سلس البول وهو نزوله ترشيحاً لضعف القوة الماسكة(1)،

والعمدة الروايات.

منها: معتبرة إسحاق بن عمار «قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه ولا بوله أن في ذلك الدية كاملة»(2)،

ومعتبرته الثانية عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سأله رجل _ وأنا عنده _ عن رجل ضرب رجلاً قطع بوله، فقال له: إن كان البول يمر إلى الليل فعليه الدية لأنّه قد منعهالمعيشة، وإن كان إلى آخر النهار فعليه الدية، وإن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية، وإن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية»(3).

ومنها: معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن ابيه (علیهم السلام) «أنّ علياً (علیه السلام) قضى في رجل ضُرب حتى سلس ببوله بالدية الكاملة»(4).

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أنّه لا بأس بالالتزام بما هو مقتضى معتبرة إسحاق بن عمار الثانية من التفصيل بحسب الكبرى، إلا أن الظاهر عدم تحقق صغرى لها في الخارج، فإن اختصاص سلس البول الناشئ من الجناية بما إذا كان إلى نصف النهار أو ارتفاعه وإن كان ممكناً اتفاقاً إلا أن من الظاهر عدم تحققه في الخارج مستمراً الذي هو الموضوع للدية في مفروض الرواية(5).

وقال في كشف اللثام: الظاهر أن المراد بالدوام إلى الليل أو الظهر والضحوة

ص: 203


1- المسالك / 15 / 451 .
2- الوسائل باب 9 من أبواب ديات المنافع ح2.
3- الوسائل باب 9 من أبواب ديات المنافع ح3 .
4- الوسائل باب 9 من أبواب ديات المنافع ح4 .
5- المباني / 2 / 452 _ 453 .

التاسع: الصوت

وفي ذهابه كله من الغنن والبحح دية كاملة(1).

العاشر: أُدرة الخصيتين

وفيها أربعمائة دينار، وإن فحج أي تباعد رجلاه بحيث لا يستطيع المشي النافع له فديته أربعة أخماس دية النفس(2).

_______________________________________________________________

في كل يوم لا في يوم أو أيام لأن المعهود أن الدية وبعضها المقدّر إنما يجب في ذهاب العضو أو المنفعة رأساً وأن مع العود الحكومة مع أصل البراءة(1).

(1) أمّا الغنة فهي صوت في الخيشوم، قالوا: والنون أشد الحروف غنة ومن ذلك الأغن وهو الذي يتكلم من قبل خياشيمه يقال رجل أغن وامرأة غناء(2)،

والمسألة غير خلافية لما ورد في صحيحة يونس أنّه عرض على أبي الحسن الرضا (علیه السلام) كتاب الديات وكان فيه «ذهاب السمع كله ألف دينار، والصوت كله من الغنن والبحح الف دينار»(3).

والمراد من الغنن والبحح هو عدم التمكن من الجهر فلا ينافي في تكلمه اخفاتاً بحيث سمع نفسه، أو من يكون أقرب إليه من نفسه أي إلى أذنه منه، أمّا إذا ذهب مع ذهاب الصوت على الإطلاق فيجب فيه ديتان .

(2) يكون ذلك سبباً للانتفاخ وإن فحج أي حصل التباعد بين رجليه بانتفاخهما بحيث لا يتمكن من المشي بلا مشقة، قال في المسالك: الأدرة بضم الهمزة وسكون الدال انتفاخ الخصية يقال رجل آدر إذا كان كذلك والفحج هو تباعد أعقاب الرجلين مع تقارب صدورهما حال المشي، قال الجوهري: الفحج

ص: 204


1- كشف اللثام / 11 / 425 .
2- مجمع البحرين مادة غنن .
3- الوسائل باب 9 من أبواب ديات المنافع ح2 .

الحادي عشر: تعذر الانزال

المشهور: أن من أصيب بجانية فتعذر عليه الإنزال في الجماع ففيه دية كاملة، وفيه إشكال، فالأظهر أن فيه الحكومة(1).

_______________________________________________________________

بالتسكين مشية الأفحج وتفحّج في مشيه مثله(1)، تكون الدية أربعة أخماس ديةالنفس ثمانمائة دينار، كما ورد في رواية ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: فإن أصيب رجل فآدر خصيتاه كلتاهما فديته اربعمائة دينار، فإن فحج فلم يستطع المشي إلا مشياً لا ينفعه فديته أربعة أخماس دية النفس ثمانمائة دينار»(2).

وقد ذكرنا أن رواية ظريف ضعيفة ولكن غير معرض عنها وعليها الشهرة، إذاً يحصل الاطمئنان بصحتها وحجية الاطمئنان أمر عقلائي كما ذكرناه في المباحث الأصولية(3)

فراجع .

(1) ونسب نفي الخلاف إلى الرياض بقوله: لو أصيب أحد بجنابة فتعذر عليه إنزال المني كان به الدية كاملة، بلا خلاف أجده(4)، فإن ثبت هذا فلا نحتاج إلى الدليل وهو دليل خامس كما عليه الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكن قد استدل بأمور:

أولاً: شمول القاعدة العامة المتقدمة وهي قوله (علیه السلام) «في الإنسان واحد ففيه الدية كاملة»(5)بدعوى

شمولها للمنافع .

وفيه أنّه منصرف إلى الأعضاء ولا يعم المنافع .

ص: 205


1- مسالك الافهام / 15 / 437 .
2- الوسائل باب 18 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- شمس الأصول .
4- رياض المسائل / 16 /507 .
5- قد مر الحديث .

................................

ثانياً: الروايات، منها: موثقة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الظهر إذا انكسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة»(1)،

ومنها: موثقته الاخرى عن ابي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الظهرإذا كسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة»(2)، باعتبار أن الموضوع هو الإنزال ولكن الحق أن الدية كاملة لكسر الظهر وعدم الإنزال معرف لذلك، وأن الموضوع مركب منهما.

ثالثاً: قد يستدل على ثبوت الدية كاملة مع عدم تمكنه من الإنزال بصحيحة إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وأنقطع جماعه وهو حي، بست ديات»(3).

ودعوى انقطاع جماعه ظاهره عدم انتشار ذكره، لا بمعنى تعذر إنزاله مع التمكن من الدخول، إذاً إن تم ما ذكره الرياض فهو وإلا ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: فالنتيجة لا دليل في المسألة فإن تم إجماع فيها فهو، ولكنه غير تام إذاً المرجع فيه الحكومة(4) لما عرفت إن كل ما لا تقدير فيه شرعاً ففيه الحكومة وفيه أن الإجماع وإن تم على سبيل الفرض فهو ليس بحجة حتى عنده (قدس سرُّه) بقوله إن تم إجماع فيها فهو، ولكنه غير تام(5) .

ص: 206


1- الوسائل باب 1 من أبواب الديات ح7 .
2- الوسائل باب 14 من أبواب الديات ح1 .
3- الوسائل باب 6 من أبواب ديات المنافع ح1 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 455 .
5- نفس المصدر .

الثاني عشر: دوس البطن

من داس بطن إنسان بحيث خرج منه البول أو الغائط فعليه ثلث الدية، أو يداس بطنه حتى يحدث في ثيابه(1).

_______________________________________________________________

(1) وعليه المشهور، وتدل عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد الله(علیه السلام) «قال: رفع إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه، فقضى عليه أن يداس بطنه حتى يحدث في ثيابه كما أحدث، أو يغرم ثلث الدية»(1).

ولابد من بيان أمور :

الأول: قد يقال بضعف السند لأن في سندها النوفلي، والسكوني عامي ولكن لا يضر عامية السكوني بعدما كان موثقاً، وأمّا النوفلي الذي يروي عن السكوني كثيراً فيُعدّ من المعاريف، وعمل بروايته في موارد مختلفة وذكر الشيخ عمل الأصحاب بروايته، أي الرواية التي في سندها ما عن السكوني، وهذا كافٍ في حصول الاطمئنان، ولذا قد عبر الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بقوله: عنها بالمعتبرة(2).

الثاني: وقد استشكل في الدلالة، بأن مدلول هذه الرواية هو قضية في واقعة خاصة ولخفاء خصوصيتها فلا يمكن التعدي واستفادة العموم، ولكن إن تصدى الإمام (علیه السلام) وإن كانت قضية في واقعة ولكن ظاهرها بيان حكم كلي لا نقل قضيته خاصة، فلا يرد الإشكال بأنه كيف يمكن القصاص وهو تغرير في النفس ؟ وقد ذكرنا لو كان هناك رواية لها جملتان فهما بمنزلة روايتين وإن كانت أحدهما غير تامة، فالثانية تامة، أي أن الحد إن كان غير ممكن للتغرير، ولكن إعطاء الدية ممكن .

ص: 207


1- الوسائل باب 20 من أبواب قصاص الاطراف ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 456 .

الثالث عشر: خرق مثانة البكر

المشهور أن من افتض بكراً بأصبعه فخرق مثانتها فلم تملكبولها فعليه ديتها كاملة، ولكنه لا يخلو عن إشكال فالأظهر أن فيه ثلث ديتها(1)، وفيه أيضاً مثل مهر نساء قومها .

_______________________________________________________________

(1) المشهور الدية الكاملة أي خمسمائة دينار، واستدلالهم يكون برواية هشام إبراهيم عن أبي الحسن (علیه السلام) لها الدية(1)،

وهي ضعيفة سنداً من جهة الإرسال وأن في السند هشام هو مردد بين الضعيف والثقة، وأن الرواية ذكرت في سلس البول أن فيه الدية كاملة، وذكر الصدوق بأسناده إلى كتاب ظريف، إلا أنّه قال في آخره وأكثر روايات أصحابنا في ذلك الدية الكاملة ولعله نظره إلى روايات السلس .

ولكن هذه الروايات ترفع اليد عنها برواية ظريف بما رواه الشيخ والصدوق في كتاب ظريف في رجل اقتض جارية بأصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها، فجعل لها ثلث الدية مائة وستة وستين ديناراً وثلثي دينار وقضى (علیه السلام) لها عليه بصداق مثل نساء قومها(2)،

وتكون ثلث الدية لا دية كاملة للمرأة، مضافاً إلى وجوب المثل كما في المعتبرة .

ص: 208


1- الوسائل باب 30 من أبواب ديات الاعضاء ح3 .
2- الوسائل باب 30 من أبواب ديات المنافع ح2 .

الرابع عشر: الافضاء

المسألة 358: في افضاء المرأة دية كاملة إذا كان المفضي أجنبياً(1).

_______________________________________________________________

(1) ومعنى الافضاء كما في مجمع البحرين أن يصير المسلكان الحيض والغائط واحد(1)وقيل هو أن يخرق الحاجز بين مخرج البول ومخرج الحيض كما في المبسوط والسرائر والفاضل في القواعد والشهيدين في اللمعتين(2).

لا يخفى بأن المفضي تارة يكون زوجها فسيأتي بيانه، وأخرى يكون أجنبياً، أمّا في صورة الثانية أي إذا كان أجنبياً فدية كاملة، والمسألة غير خلافية، وذلك لصحيحة سليمان بن خالد «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك أسته، ما فيه من الدية ؟ فقال: الدية كاملة، وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد، فقال: الدية كاملة»(3)

وروي عن الصدوق بأسناده إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) أنه قضى في امرأة افضيت بالدية(4)بلا فرق بين أن يكون وطي شبه أو غير ذلك، وسواء كانت مطاوعة أو مكرهة، وأمّا الزانية لا تستحق المهر ولا دية الجناية .

ص: 209


1- مجمع البحرين / مادة فضض .
2- رياض المسائل / 16 / 484 .
3- الوسائل باب 9 من أبواب ديات المنافع ح1 .
4- الفقيه / 4 / 111 / 377 .

وأمّا إذا كان المفضي زوجها فإن أفضاها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن أفضاها قبل بلوغ تسع سنين فإن طلقها فعليه الدية، وإن أمسكها فلا شيء عليه(1).

_______________________________________________________________

(1) وأمّا إذا كان المفضي زوجها فتارة تكون بالغة، وأخرى غير بالغة فأمّا إذا كانت بالغة بإكمالها تسع سنين ففي هذه الصورة لا يجب على زوجها شيء .

وأمّا في صورة ما إذا افضاها قبل البلوغ، أولاً يحرم على زوجها وطئها قبل إكمال تسع سنين فيتعلق بالإفضاء إعطاء الدية، فهل إعطاء الدية مطلق أو لا، بل إذا طلقها بعد الإفضاء ؟ فالمشهور بين الأصحاب ثبوت الدية مع الإمساك أيضاً، وفي الرياض: لو كان إفضاء الزوج زوجته قبل البلوغ ضمن الدية كاملة لما عرفت من إطلاق الفتوى، مضافاً إلى التصريح به في الصحيح وغيره المتقدمتين .

لكن فيهما أنّه لا شيء عليه لو أمسكها ولم يطلقها والشيء المنفي يعم الدية أيضاً، ولكن لم أجد به قائلاً وبه صرح خالي العلامة المجلسي رحمه الله بل زاد فقال ولم يقل به أحد، وحمل على ما سوى الدية، أما هي فتجب عليه بلا شبهة(1).

وقد ورد على خلاف ذلك صحيحة حمران عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن رجل تزوج جارية بكر لم تدرك فلما دخل بها اقتضها فافضاها فقال (علیه السلام) إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنينفلا شيء عليه وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فإنّه أفسدها وعطّلها على الزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه»(2).

ص: 210


1- رياض المسائل / 16/486 .
2- الوسائل باب 45 من أبواب مقدمات النكاح ح9 .

................................

والرواية صحيحة وإعراض المشهور عنها وعدم العمل بها لا يضر فما نقله الرياض عن المجلسي لا يكون مضراً، ولكن أصل الاعراض محل كلام حيث أن المسألة لم يتعرضوا لها اصلاً، وبهذا تقيد صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: من وطأ امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن»(1).

ثم إن دخول الزوج بزوجته غير جائز لعدم بلوغها، أمّا النكاح قبل البلوغ فجائز، كما في جملة من الروايات .

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا تزوّج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين»(2)

.

ومنها: موثقة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «قال: من تزوج بكراً فدخل بها في أقلّ من تسع سنين فعيبت ضمن»(3).

ومنها: صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله «قال: حد البلوغ للمرأة تسع سنين» .

فهل لابد من بطلان الزوجية بالطلاق ؟ قد يقال تبطل الزوجية بالإفضاء ولا يحتاج إلى الطلاق .ويدل على ذلك مرسلة يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله «قال: إذا اغتصب الرجل أمة فافتضها فعليه عشر قيمتها، وإن كانت حرة فعلية الصداق»(4)،

إذاً حرمة الدخول غير محتاجة إلى الطلاق، وأمّا عدم البقاء الزوجية يحتاج إلى الطلاق .

ص: 211


1- الوسائل باب 45 من أبواب مقدمات النكاح ح5 .
2- الوسائل باب 45 من أبواب مقدمات النكاح ح1 .
3- الوسائل باب 45 من أبواب مقدمات النكاح ح6 .
4- الوسائل باب 45 من أبواب ما المهر ح2 .

المسألة 359: إذا أكره المرأة فجامعها فأفضاها فعليه الدية والمهر معاً(1)، وهل يجب عليه أرش البكارة _ إذا كانت بكراً _ زائداً على المهر؟ قيل يجب وهو ضعيف، فالصحيح عدم وجوبه .

_______________________________________________________________

(1) لما ورد في الإفضاء من الدية والمهر، هذا إذا كانت مكرهة، أمّا إذا كانت مطاوعة فتكون زانية فيسقط مهرها، نعم تستحق دية الإفضاء، وقد يقال بأنّها إذا كانت باكراً تستحق ثلاثة أمور وهي المهر، والدية، وأرش بكارتها، زائداً على المهر .

وفيه أنّه لا دليل عليه وأرش البكارة تدخل في مهر المثل، وقال البعض لابد من أرش البكارة زيادة على الدية والمهر وذلك لتعدد الأسباب الذي يستوجب تعدد المسبب .

ونسب إلى الشيخ بقوله: وإذا ثبت هذا نظرت فإن كانت ثيباً فلا كلام، وإن كانت بكراً وجب المهر والدية، وقال قوم لا يجب أرش البكارة فأنّه يدخل في دية الإفضاء، ومنهم من قال يجب أرش البكارة وهو مذهبنا لأنّه لا دليل على دخوله في أرش الافضاء(1).والوجه الصحيح هو أن أرش البكارة تدخل في المهر، فلا يكون تفويت هذا الجزء، ولا يكون خلاف قاعدة التعدد، وتدل على عدم وجوب الأرش روايتان .

الأولى: معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (علیه السلام) «قال إذا اغتصب الرجل أمة فاقتضها فعليه عشر قيمتها، وإن كانت حرة فعليه الصداق»(2).

والثانية: وصحيحة عبد الله بن سنان «قال، قلت: لأبي عبد الله (علیه السلام) جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها ؟ قال: يضرب ضرباً وجيعاً، ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها، إلى أن قال: فقال يابن سنان أن

ص: 212


1- المبسوط / 5 / 172 .
2- الوسائل باب 45 من أبواب المهور ح2 .

الخامس عشر: تقلص الشفتين

قال الشيخ أن فيه دية كاملة، وهو لا يخلو عن اشكال، والاظهر أن فيه الحكومة(1).

_______________________________________________________________

شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملاً»(1)،

وبما أنّها وردتا في مقام البيان، ولم يذكرا الأرش زائداً على المهر فتدلان على عدم وجوبه .

(1) معنى التقلص أي جمعت بالجناية فصارت كاليابسة، وما عن مجمع البحرين بقوله: ومنه من علامات الميت تقلص شفتاه أي تنضم وتنزوي(2) فعنالشيخ في المبسوط بقوله: فأمّا إن جنى عليها جانٍ فيبستا حتى صارتا مقلصتين لا تنطبقان على الأسنان أو استرختا فصارتا لا يتقلصان عن الأسنان إذ كشر أو ضحك ففيهما الدية لأنّهما في حكم المتلفتين، ولا يبقى فيهما منفعة بجمال، فإن لم تيّبسا بكل حال ولكن تقلصتا بعض التقلص ففيه الحكومة وقال بعضهم فيه الدية بالحصة، والأول أقوى لأنّ هذا يتعذر الوصول إليه(3).

ولكن الحق لابد من الحكومة لعدم تعيين مقدّر لها والتقلص لا يصدق عليه التلف، بل نوع عيب يحدث بجناية جانٍ، وحيث لا مقدّر لها شرعاً فلابد من الحكومة وليس بمعنى المسترخاة التي تعتبر شلل، لأن فيها ثلثا دية الشفة لأن الجنابة على عضو الموجبة شلله فيها ثلثا دية العضو، أمّا التقلص لم يرد فيه تعيين الدية فلابد من الحكومة .

ص: 213


1- الوسائل باب 30 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- مجمع البحرين مادة قلص .
3- المبسوط / 5 / 151 _ 152 .

السادس عشر: شلل الأعضاء

في شلل كل عضو ثلثا دية العضو، إلا الذكر فإن في شلله الدية الكاملة(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن المسألة غير خلافية، وفي صحيح الخلاف كما في قوله: كل عضو فيه مقدر إذا جنى عليه فصار أشل وجب فيه ثلثا ديته(1)ويمكن أن يستظهر من صحيحة فضيل بن يسار «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الذراع إذا ضرب فانكسر من الزند، قال، فقال: إذا يبست منه الكف فشلت أصابع الكف كلها فأن فيها ثلثي الدية دية اليد، قال: وإنشلت بعض الأصابع وبقي البعض فإن في كل أصبع شلت ثلثي ديتها، قال: وكذلك الحكم في الساق والقدم إذا شلت أصابع القدم»(2).

ولا يخفى بأن قوله: الحكم في الساق يعني أن الحكم بثلثي الدية في العضو فإنّه حكم الشلل وأنّه غير مختص بمورده من قطع العضو المشلول ثلث ديته، فيكون مجموع شلله وقطعه تمام الدية .

ويعارض هذه الصحيحة بأن في شلل الأصابع مع تمام ديتها وكذلك في شلل اليدين، ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في إصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلت، قال: وسألته عن الإصابع أهنّ سواء في الدية ؟ قال: نعم»(3)

وفي موثقة زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الأصبع عشر من الإبل إذا قطعت من أصلها أو شلت»(4)،

ولكن هذه الروايات لا يمكنها أن تعارض صحيحة الفضيل،

ص: 214


1- الخلاف / 5 / 261 .
2- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح5 .
3- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح3 .
4- الوسائل باب 39 من أبواب ديات الأعضاء ح8 .

المسألة 360: المشهور في انصداع السن ثلثي ديتها، وهذا هو الأظهر إن وصلت إلى حد الشلل، وإلا ففيه الحكومة(1) .

_______________________________________________________________

بل لابد من الأخذ بالصحيحة وطرح هذه الروايات لأنّها موافقة للعامة .

وأمّا ما ورد عن يونس في كتاب الديات عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) لا ينافي ذلك فأن تصديقه (علیه السلام) بأن ما فيه عن علي (علیه السلام) معناه ليس ما فيه حكماً واقعياً لأن أمير المؤمنين (علیه السلام) أيضاًفي كثير من الموارد في زمان خلافته كان مبتلى بالتقية، ولعل ما فيه من جهة رعاية التقية .

ولكن مع ذلك بناءً على أن دية المشلول للدليل كما في معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام) في ذكر الصبي الدية، وفي ذكر العينين الدية»(1)،

وهكذا صحيح إبراهيم بن عمر إلى أن يقول «وانقطع جماعه وهي في ست ديات»(2)

فإن انقطاع الجماع عبارة أخرى عن العنن والشلل .

(1) لما ذكرنا بأن القاعدة الكلية لكل عضو شل ففيه دية، وإن لم يدخل في الشلل فلابد من الحكومة لعدم مقدّر له وصدق الشلل على السن المتصدع محل كلام، إلا بما أنّه لم يكن لسن المتصدع نفع يدخل في الشلل .

ص: 215


1- الوسائل باب 35 من أ بواب ديات الأعضاءح2 .
2- قد مر الحديث .

فصل دية الشجاج والجراح

اشارة

الشجاج: هو الجرح المختص بالرأس والوجه وهو على أقسام:

الأول: الخارصة

الأول: الخارصة، وقد ويعبر عنها بالدامية، وهي التي تسلخ الجلد ولا تأخذ من اللحم وفيها بعير أي جزء من مائة جزء من الدية(1) .

_______________________________________________________________

(1) المراد من الشجاج جرح الرأس والوجه ويطلق الجراح على جرح سائر الأعضاء، وقال في المسالك: الشجاج بكسر الشين جمع شجة بفتحها وهي الجرح المختص بالرأس والوجه ويسمى في غيرهما جرحاً بقول مطلق(1)

وللشجاج ثمانية أقسام والدية في كل منها مختلفة عن الدية في الأخرى، الأول الخارصة وهي التي تقشر الجلد ولم تأخذ من اللحم شيء وموضع الخدش وديتها بعير وليس المراد البعير بخصوصه، بل جزء من مائة جزء ومن دية النفس، وإن عبر بلفظ البعير ولكن يظهر أنّه لا خصوصية للبعير كما هو الظاهر من صحيحة معاوية بن وهب «قال: سألت أبا عبد الله عن الشجة المأمومة،فقال: ثلث الدية، والشجة الجائفة ثلث الدية»(2).

ص: 216


1- مسالك الافهام / 15/452 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح12.

الثاني: الدامية

وقد يعبر عنها بالباضعة، وهي التي تأخذ من اللحم يسيراً وفيها بعيران(1).

_______________________________________________________________

ولا يخفى بأنّه حكي عن الإسكافي فنصف بعير وهو شاذ ومستنده غير واضح وإطلاق النص وأكثر الفتاوى يقتضي عدم الفرق بينه كون المشجوج ذكراً أو أنثى حراً أو مملوك(1) وقد ورد في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في الخرصة شبه الخدش بعير، وفي الدامية بعيران، وفي الباضعة وهي ما دون السمحاق ثلاث من الإبل، وفي السمحاق وهي ما دون الموضحة أربع من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل»(2).

وهل الخارصة والدامية بمرتبة واحدة ؟ الظاهر لا، ولكن يظهر من الرواية أن الدامية في مرتبة ثانية لأن الدية في الخارصة بعير وفي الدامية بعيران .

(1) والدامية هي التي تدمي وضعها من الشق والخدش أي فيما إذا جرى الدم على موضعها، وقد جعلها الشيخ في النهاية مرادفة مع الخارصة ولكن حسب ما ورد في رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام) بقوله «في الخرصة شبه الخدش بعير وفي الدامية بعيران»(3)، أنّها فيالمرتبة الثانية ومقابلة للخارصة، فعلى أي حال يظهر من رواية منصور أنّها قسم من الباضعة، وفي معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قضى في الدامية بعيراً وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة أبعرة»(4)، فهي في المتربة الثانية على الخارصة .

ص: 217


1- رياض المسائل / 16/ 510 _ 511.
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح14.
3- الوسائل باب 2 من أبواب الشجاج والجراح ح12 .
4- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح 8 .

الثالث: الباضعة

وقد يعبر عنها بالمتلاحمة، وهي التي تأخذ من اللحم كثيراً، ولا تبلغ السمحاق، وفيها ثلاثة أباعر(1).

الرابع: السمحاق

وهو الذي يبلغ الجلد الرقيق بين العظم واللحم، وفيه أربعة من الإبل(2).

_______________________________________________________________

(1) للروايات، منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الموضحة خمس من الأبل، وفي السمحاق أربع من الإبل، والباضعة ثلاث من الإبل، والمأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل، والجائفة ثلاث وثلاثون والمنقلة خمس عشرة من الإبل»(1)،

ومنها: وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه «قال: في الباضعة ثلاث من الابل»(2).(2) المسمحاق وهي التي تبلغ السمحاقة وهي جلدة مغشية للعظم وفيها أربعة أباعر، وقال في المسالك: أمّا السمحاق هي الشبحة التي تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم ويقال لتلك الجلدة السمحاق، وقيل كل جلدة رقيقة فهي سمحاق وتسمى هذه الجلدة الملطي والملطات واللاطية والمشهور عند الفقهاء أنّها تسمى السمحاقة بالهاء(3).

والمسألة غير خلافية، وقد ادعوا الإجماع بقسميه وقد وردت فيها روايات .

منها: عن منصور بن حازم إلى أن يقول «وفي السمحاق دون الموضحة من الإبل».

ص: 218


1- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح4 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح1 .
3- مسالك الافهام / 15 / 455 .

الخامس: الموضحة

وهي التي توضح العظم وفيها خمس من الإبل(1).

السادس: الهاشمة

وهي التي تهشم العظم، وفيها: عشرة من الإبل، ويتعلق الحكم بالكسر وإن لم يكن جرحاً(2).

_______________________________________________________________

ومنها: معتبرة السكوني إلى أن يقول «وفي السمحاق أربعة أبعرة» وغيرها(1).

(1) الموضحة وهي التي تكشف عن وضح العظم بياضه وتقشرالسمحاقة، وفيها خمسة، أبعرة يقول في الرياض: بلا خلاف على الظاهر المصرح به في الغنية وحكى عن الخلاف وغيره للصحاح والموثق القريب منها وغيرها من المستفيضة(2).

المسألة غير خلافية كما في صحيحة منصور المتقدمة .... إلى أن يقول «وفي الموضحة خمس من الإبل»، وصحيحة الحلبي «وفي الموضحة خمس من الإبل» وغيرها .

(2) الهاشمة هي التي تهشم العظم وديتها عشر من الإبل، وهنا أيضاً المسألة غير خلافية .

ولا يخفى بأن الحكم متعلق بنفس كسر العظم ولو لم يكن هناك جرح ويدل عليه معتبرة السكوني أن علياً (علیه السلام) «قضى في الهاشمة بعشر من الإبل»(3)

.

ولكن إن ذكر المعتبرة للسكوني محل تأمل، لأنّه لم يذكر السكوني الواسطة للرواية عن قضاء أمير المؤمنين (علیه السلام) حتى يصدق عليها معتبرة لأنّه غالباً يذكر عن أبي عبد الله (علیه السلام) .

ص: 219


1- قد مرت الروايات .
2- رياض المسائل / 16 / 515 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب دية الشجاج والجراح ح4 .

السابع: المنقلة

وهي التي تنقل العظم من الموضع الذي خلقه الله تعالى إلى موضع آخر، وفيها خمس عشرة من الإبل(1)، والحكم متعلق بالنقل وإن لم يكن جرحاً(2).

_______________________________________________________________

ويمكن أن يستدل لكسر العظم ولو لم يكن هناك شجة كما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال في الموضحة خمس من الإبل وفي السمحاق أربع من الإبل والباضعة ثلاث من الإبل والمأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل والجائفة ثلاث وثلاثون والمتنقلة خمس عشرة من الإبل»(1).

(1) والمنقلة هي نقل العظم من محل إلى محل آخر، والمسألة غير خلافية ولا يمكن فيها القصاص، فلابد من الدية خمسة عشر بعيراً كما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: في الموضحة خمس من الإبل وفي السمحاق أربع من الإبل، والباضعة ثلاث من الإبل، والمأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل والجائفة ثلاث وثلاثون من الإبل، والمنقلة خمس عشرة من الإبل»(2) ومعتبرة أبي مريم «قال: قال ليّ أبو عبد الله إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قد كتب لابن حزم كتاباً فخذه منه فأتني به حتى أنظر إليه، قال فانطلقت إليه فأخذت منه الكتاب ثم أتيته به فعرضته عليه، فإذا فيه أبواب الصدقات وأبواب الديات، فإذا فيه: في العين خمسون، وفي الجائفة الثلث، وفي المنقلة خمس عشرة، وفي الموضحة خمس من الإبل»(3).

(2) لعدم الملازمة .

ص: 220


1- الوسائل باب 2 من أبواب دية الشجاج والجراح ح4 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح4 .
3- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح13 .

الثامن: المأمومة

وهي التي تبلغ أم الدماغ، وفيها ثلث الدية ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار ويكفي فيها ثلاث وثلاثون من الإبل، وكذا الحال في الجائفة(1).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، أي أنّها تبلغ أم الرأس أي الخريطة التي تجمع الدماغ وتغشاه فيها ثلث الدية، فتكون ثلاثمائة وثلاثون دينار وثلث دينار، وهو من الإبل ثلاثة وثلاثون إبلاً من غير حاجة إلى ضم ثلث بعير وهكذا بالنسبة إلى الجائفة وهي التي تصل إلى الجوف من أي الجهات كان ولو من ثغرة النحر، وفيها ثلث الدية ولا قصاص فيها .

ويدل عليها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: ففي الموضحة خمس من الإبل، وفي السمحاق أربع من الإبل، والباضعة ثلاث من الإبل، والمأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل، والجائفة ثلاث وثلاثون والمنقلة خمس عشرة من الإبل»(1)وفي

صحيحة معاوية بن وهب «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الشجة المأمومة ثلث الدية والشجة الجائفة ثلث الدية»(2)، وفي هذه الرواية إن لم ينقل في الصحيحة الإبل لأنّه نقله في صحيحة الحلبي وهو كاف .

ص: 221


1- الوسائل باب 2 من أبواب دية الشجاج والجراح ح4 .
2- الوسائل باب 2 من أبواب دية الشجاج والجراح ح12 .

المسألة 361: في ما ذكرناه من المراتب تدخل المرتبة الدانية في المرتبة العالية إذا كانتا بضربة واحدة، وأمّا إذا كانتا بضربتين فلكل منهما دية من دون فرق بين أن تكونا من شخص واحد أو شخصين(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) يقول: مضافاً إلى أن التعدد يحتاج إلى دليل ولا دليل في المقام(1)، ولكن في الواقع أن التعدد هو طبق القاعدة لأن الأصل عدم التداخل، ولكن ورد في صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (علیه السلام) حيث ورد فيها «فما ترى عليه في الشجة شيئاً، قال: لا لأنّه إنما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين وهي الدية، ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلا أن يكون فيهما الموت، فيقاد ضاربه»(2)

إذاً لو ضرب ضربة واحدة فشملت المرتبة الدانية والأعلى منها فتدخل الدانية في العالية.

وأمّا إذا كانتا ضربتين من شخص واحد فلكل منهما دية، أي تتعدد الدية لصحيحة أبي عبيدة «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل ضرب رجلاً بعود فسطاط على رأسه إلى أن قال: ولو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان» .

ص: 222


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 472 .
2- الوسائل باب 7 من ابواب ديات المنافع ح1 .

المسألة 362: لو أوضح موضحتين فلكل منهما ديتها(1)، ولو أوصل آخر إحدى الموضحتين بالأخرى بجناية ثالثة فعليه ديتها(2)، ولو كان ذلك بفعل المجني عليه فهي هدر، وإن كان ذلك بفعل الجاني أو بالسراية فهل هذا يوجب اتحاد الموضحتين أو هو موضحة ثالثة أو فيه تفصيل وجوه، بل أقوال والأقرب أنّه موضحة ثالثة إذا كان بفعل الجاني ولا شيء عليه إذا كان بالسراية .

المسألة 363: إذا اختلفت مقادير الشجة في الضربة الواحدة أخذت دية الأبلغ عمقاً كما إذا كان مقدار منها خارصة، ومقدار منهما متلاحمة، والأبلغ عمقاً موضحة، فالواجب هو دية الموضحة(3) .

_______________________________________________________________

(1) أي لكل منهما خمس من الإبل .

(2) لأن إلحاقها بما إذا كانت الموضحة من الأول وموسعة طولاً بضربة واحدة فيكون من القياس مع الفارق .

وأمّا إذا كان الوصول بفعل المجني عليه فيلزم هدراً، وهكذا لو كان بالسراية فلا يزيد على الجاني شيء فليست هناك جناية ثالثة، بل هي جناية أخرى غاية الأمر أصبحت متسعة دائرتها بالجناية .

وأمّا إذا كانت من الجاني فإنّه لا يوجب زوال الحكم تعدد الجنايتين بعدما وقع من الجاني، إذاً تكون هي جناية ثالثة بعد بقاء الجانيتين الأُوليين على حالهما فللثالثة حكمهما .(3) للتداخل لأن الموضحة شاملة للخارصة والدامية، ولأنه إذا فرض كلها موضحة لم تزد الدية بل تؤخذ فقط دية الموضحة، لأنها لا تختلف باختلاف المقدار من جهة السعة والضيق، فإذا كان بعض أقلّ من الموضحة فبطريق اولى لابد

ص: 223

المسألة 364: إذا جرح عضوين مختلفين لشخص كاليد والرأس كان لجرح كل عضو حكمه، فإن كان جرح الرأس بقدر الموضحة _ مثلاً _ و جرح الآخر دونها(1)، ففي الأول دية الإيضاح، وفي الثاني دية ما دونه .

ولا فرق في ذلك بين أن يكون الجرحان بضربة واحدة أو بضربتين، ولو جرح موضعين من عضو واحد كالرأس أو الجبهة أو نحو ذلك جرحاً متصلاً ففيه دية واحدة(2) .

_______________________________________________________________

له من دفع الموضحة .

(1) وذلك لتعدد الجرحين، وإن كان جرح أحدهما أقلّ سعة من الآخر أي أحد الجرحين موضحة والآخر دون ذلك فيدفع دية الموضحة، وما دون ذلك بلا فرق بين أن يكون الجرحان بضربة واحدة، أو بضربتين .

أمّا إذا كانا بضربتين فمعلوم لأن الأصل عدم التداخل، وأمّا بضربة واحدة أيضاً للقاعدة وعدم التداخل وإطلاق الأدلة .

(2) لأنه يُعدّ جرحاً واحداً عرفاً .

ص: 224

المسألة 365: لو جنى شخص بموضحة فجنى آخر بجعلها هاشمة وثالث منقلة ورابع مأمومة، فعلى الأول خمس من الأبل وقيل على الثاني خمس من الأبل، _ أي ما به التفاوت بين الموضحة والهاشمة _ وعلى الثالث ما به التفاوت بين الهاشمة والمنقلة، وعلى الرابع ثمان عشر من الأبل، وفيه إشكال والأظهر أن على الثاني تمام دية الهاشمة، وعلى الثالث تمام دية المنقلة، وعلى الرابع تمام دية المأمومة(1) .

_______________________________________________________________

(1) وعليه بعض الفقهاء كالمحقق بقوله: ولو جنى عليه موضحة فاتمها آخر هاشمة، وثالث منقلة، ورابع مأمومة، فعلى الأول خمسة، وعلى الثاني ما بين الموضحة والهاشمة خمسة أيضاً، وعلى الثالث ما بين الهاشمة والمنقلة خمسة أيضاً، وعلى الرابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيراً(1)،

والعلامة في التحرير بقوله: لو اوضحه فاتمها آخر هاشمة، وثالث منقلة، ورابع مأمومة فعلى الأولى خمسة وعلى الثاني ما بين الموضحة والهاشمة خمسة أيضاً(2)

والاردبيلي لو شج شخص موضحة فعليه خمس إبل، ثم جعل شخص آخر تلك الموضحة هاشمة فكأنما فعلاها معاً فديتها عليهما معاً، فعلى كل واحد نصف وعلى الثاني أيضاً خمس إبل ولو جعلها ثالث منقلة فديتهما خمسة عشر إبلاً فيعطي الثالث خمسة مثلها لما مرّ، وإن جعلها رابع مأمومة فعليهثمانية عشر بعيراً(3)،

ولكن لا يمكن المساعدة عليه، لأنّه من أحدث شجة خارصة فعليه تمام دية ذلك الشجة، ومن أحدث مأمومة فعليه ديتها، وهكذا بالنسبة إلى الهاشمة فعليه ديتها، ولو أحدث المنقلة فعليه ديتها لإطلاق ما ورد من الروايات ولإطلاق الشجة .

ص: 225


1- شرائع الاسلام / 4 / 519 .
2- تحرير الاحكام / 5 / 618 .
3- مجمع الفائدة والبرهان / 14/464 .

وعلى الرابع ثمان عشرة من الأبل وفيه إشكال، والأظهر أن على الثاني تمام دية الهاشمة، وعلى الثالث تمام دية المنقلة، وعلى الرابع تمام دية المأمومة(1) .

المسألة 366: الجائفة وهي التي تصل الجوف بطعنة أو رمية فيها ثلث دية النفس ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار ولا تختص بما يدخل جوف الدماغ، بل يعم الداخل في الصدر والبطن أيضاً(2) .

_______________________________________________________________

يقول الاستاذ (قدس سرُّه)عدا ما قيل من أن الدية كالعشر من الإبل إنما تجب في الهاشمة إذا كان الهشم مع الإيضاح فلو أوضح ثم هشم فعليه خمس من الإبل بإزاء الإيضاح وخمس بإزاء الهشم .

وفيه أنّه مناف لإطلاق ما دل على أن في الهشم عشر من الإبل ومقتضاه أن العشرة بإزاء الهشم، غاية الأمر أنّه إن كان الإيضاح معه بضربة واحدة فلا دية فيه وإنما الدية على أغلظ الجنايتين، وهو الهشم في المفروض المقام بمقتضى ما تقدم، وإن كان الإيضاح بضربة أخرى كما لو أوضح أولاً ثم هشمففيه دية زائدة على دية الهشم، ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الجاني واحداً أو متعدداً، مضافاً إلى ما تقدم من الدية في الهشم تترتب على الكسر وإن لم يكن جرح وكذا الحال في المنقلة(1).

(1) كما مرّ .

(2) في أي جهة من جهات الجسد، بل على نحو يصل الجرح جوف الجسد للإطلاق، وفي المقنعة: ولا قصاص في الجائفة وهي الجراحة التي تصل إلى الجوف وفيها الدية كدية المامومة في الشجاج(2)، وفي كلام الكليني أن المأمومة هي التي تبلغ

ص: 226


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 476 .
2- المقنعة / 766 .

................................

أم الدماغ ثم الجائفة وهي التي تصير في جوف الدماغ(1)، وعن المحقق الاردبيلي: ويحتمل أن يكون المراد جوف الرأس وأن يصل إلى أم الرأس، واجافه فيكون فيها تمام الدية، إن قتلت وإن لم تكن قاتلة يكون ثلث الدية مثل المأمومة فلا فرق في الرأس بينهما كما فهم من الرويات، فإن الظاهر أنّها في الرأس أيضاً ويحتمل الأعم فتأمل(2).

لصحيحة معاوية بن وهب «قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الشجة المأمومة، فقال: ثلث الدية، والشجة الجائفة ثلث الدية»(3)،

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال في الموضحة خمس من الإبل، وفي السمحاق أربع من الإبل، والباضعة ثلاث من الإبل، والمأمومة ثلاث وثلاثون من الإبل،والجائفة ثلاثون وثلاثون، والمنقلة خمس عشر من الإبل»(4)، ورواية زيد الشحام «قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الشجة المأمومة، فقال: فيها ثلث دية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي الموضحة خمس من الإبل»(5)، إذاً ما ورد في كلامه من اختصاص الجائفة بالرأس، فلا معنى له .

ويؤيد ذلك إطلاق معتبرة أبي مريم قال «قال: أبو عبد (علیه السلام) إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قد كتب لابن حزم كتاباً فخذه منه فأتني به حتى أنظر إليه، قال: فانطلقت إليه فأخذت الكتاب ثم أتيته به فعرضته عليه فإذا فيه إلى أن قال في والجائفة الثلث وفي المنقلة خمس عشرة وفي الموضحة خمس من الإبل»(6).

ص: 227


1- الكافي /7 /329 باب تفسير الجراحات والشجاح .
2- مجمع الفائدة والبرهان / 12 / 457.
3- الوسائل باب 2 من أبواب دية الشجاج والجراح ح12 .
4- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح4 .
5- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح5 .
6- الوسائل باب 2 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح13 .

ويكفي فيها ثلاث وثلاثون من الأبل(1).

المسألة 367: لو جرح عضواً ثم أجافه _ مثلاً _ أن يشق الكتف إلى أن يحاذي الجنب ثم يجيفه، لزمه دية الجرح ودية الجائفة(2) .

المسألة 368: لو أجافه كان عليه دية الجائفة، ولو أدخل فيه سكيناً ولم يزد عمّا كان عليه فعليه التعزير(3)، وإن زاد باطناً فحسب أو ظاهراً كذلك ففيه الحكومة، ولو زاد فيهما معاً فهو جائفة أُخرى فعليه ديتها .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أن المجمع عليه عند الأصحاب عدم ثبوت القصاص بالنسبة إلى الجائفة، بل لابد من الدية وتؤيد ذلك مقطوعة أبي حمزة «في الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فيها قصاص إلا الحكومة»(1)،

ولا يخفى بأن الحكومة في الرواية يحمل على الحكم بثلث الدية لأن في الجائفة مقدّر .

(2) لأن الأصل عدم التداخل، ولإطلاق الأدلة سواء كان الجاني واحداً أو متعدداً، فإن جرح واحد وأجاف آخر فالكل منهما دية .

(3) لأنّ بالإدخال المذكور لم تحصل جناية ولو بتوسعة الجرح ظاهراً أو باطناً إلا بما أنّه ظلم فيستحق فاعله التعزير، نعم لو وسعه ظاهراً أو باطناً ففيه الحكومة وكذا لو حصل بذلك جائفة أخرى لابد من دية أخرى فعليه الثلث، بلا فرق بين إن حصل من شخص واحد أو شخصين .

ص: 228


1- الوسائل باب 16 من أبواب قصاص الطرف ح2 .

المسألة 369: لو كانت الجائفة مخيطة ففتقها شخص، فإن كانت بحالها وغير ملتئمة ففيه الحكومة، وإن كانت ملتئمة فهي جائفة جديدة وعليه ثلث الدية(1) .

المسألة 370: لو طعنه في صدره فخرج من ظهره، فهل عليه دية واحدة لوحدة الطعنة، أو متعددة لخروجه من الظهر، وجهان قيل بأنّه جائفة واحدة وفيها ديتها، والأظهر أن ديته أربعمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار(2) .

_______________________________________________________________

(1) لأنّه لا مقدّر فيه، وهكذا لو كان بعض الجرح ملتئمة، وإن كان ملتئماً تماماً ففتقه فهي جائفة جديدة فيجب عليه ثلث الدية .

(2) في المسألة أقوال:

الأول: ما نسب إلى المبسوط قال: فأمّا أن جرحه فأجافه وأطلعها من ظهره قال قوم هما جائفتان، ومنهم من قال جائفة واحدة وهو الأقوى لأن الجائفة ما نفذت إلى الجوف من ظاهر(1)، وقيل أن الوحدة ظاهر فتوى العلماء وهذا محكي عن فاضل الهند عن الشهيد في كشف اللثام لو طعنه في صدره فخرج من ظهره فهما جائفتان على رأي كما في الخلاف والشرائع لأنّهما عضوان متباينان تحقق في كل منهما جائفة وهي الجرح النافذ من الظاهر إلى الباطن، وكذا لو طعنه في مقدم الرأس فاخرج من مؤخره لم يكن إلا جائفة واحدة كما قال الشهيد بأنّه ظاهر فتاوى علمائنا، وفي المبسوط قوى اتحادهما لاتحاد الجناية واصل البراءة، وكون الجائفة من نفذت إلى الجوف من ظاهرأعم من أن تنفذ إلى الظاهر من جانب الآخر أولا، وكذا لو أصابه من جنبه وخرج من الجنب الآخر(2)، ومال إليه صاحب

ص: 229


1- المبسوط / 5 / 142 .
2- كشف اللثام / 11 / 452 .

المسألة 371: في دية خرم الأذن خلاف، قيل أنّها ثلث ديتها، وفيه إشكال، والأظهر فيه الرجوع إلى الحكومة(1) .

_______________________________________________________________

الجواهر بقوله: إلا أن ذلك كما نرى مخالف للعرف فالأشبه حينئذٍ الوحدة، وكذا الكلام لو أصابه من جنبه وخرج من الجنب الآخر أو طعنه من مقدّم الرأس فأخرجه من مؤخره بل عن الشهيد في ذلك أن الوحده ظاهر فتوى علمائنا(1).

الثاني: أنّهما جنايتان وحكمها ما إذا ضرب بضربة واحدة فجرح الرأس والجبين، وما ذكر بأن الضربة الواحدة إذا أوجبت جنايتين أحدهما أغلظ من الأخرى يكون على الجاني أغلظهما، هو فيما إذا كانتا مترتبين في عضو واحد .

الثالث: وهو الوجوب زائداً على دية الجائفة، والدليل على ذلك معتبرة ظريف بعد بيان الجائفة ثلث دية النفس هو معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: في الصدر في إذا رُضّ فثني شقيه كليهما فديته خمسائة دينار إلى أن قال، وإن نفذت من الجانبين كليهما رمية أو طعنة فديتها أربعمائة دينار وثلاث وثلاثون دينار وثلث دينار» وحيث لا معارض لها فنأخذ بهما .

(1) أمّا الرجوع إلى الحكومة لأنّه كل ما لا مقدّر له فيرجع فيه إلى الحكومة، قيل ثلث الدية بالإجماع، ولكن إثبات الإجماع يفيد إن كان كاشفاًعن قول المعصوم (علیه السلام) ولا يكون موجوداً .

وأمّا الرواية فهي رواية مسمع ولكن الموجود فيها خرم الأنف عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين قضى في خرم الأنف ثلث دية الأنف»(2)،

ولا يمكن قياسه بدية الأنف، مضافاً إلى ضعف السند، والموجود في الرواية ثلث دية الأنف لا دية الأذن، فالحق هي الحكومة، وأمّا صحيحة معاوية بن عمار «قال: تزوج جار

ص: 230


1- جواهر الكلام / 43 / 344 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب دية الأعضاء ح2 .

المسألة 372: لو كسر الأنف ففسد فالمشهور بين الأصحاب أن فيه دية كاملة وهو لا يخلو عن إشكال والأقرب فيه الرجوع إلى الحكومة(1).

_______________________________________________________________

ليّ امرأة فلما أراد مواقعتها رفسته برجلها ففتقت بيضتيه فصار آدر فكان بعد ذلك ينكح ويولد له، فسألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن ذلك وعن رجل أصاب سرّة رجل ففتقها، فقال (علیه السلام) في كل فتق ثلث الدية»(1) ولا يمكن الاعتماد على هذه الرواية، كما قال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فهي خاصة بموردها، فلا عموم لها لكل فتق، بقرينة أن الظاهر من الدية فيها هو دية الإنسان، ومن الواضح أن الفتق في كل عضو ليست ديته ثلث دية الإنسان(2).

(1) وقد ادعوا عليه الإجماع، وفيه ما قد عرفت حال هذه الإجماعاتالتي نوهنا عنها كثيراً، وقد استدلوا أيضاً بقوله (علیه السلام) «ما كان في الإنسان واحد ففيه الدية كالأنف» وفيه كما ذكرنا في علم الأصول بأنّه لا يمكن التعدي من مورد إلى مورد آخر إلا بالقطع واليقين لوحدة الملاك بين الشيئين ولذا أن الظاهر من الرواية هو القطع، ومحل البحث فساد الأنف فلا يمكن التعدي من القطع إلى الفساد، لعدم العلم بوحدة الملاك، فتدخل المسألة فيما لا تقدير فيه فالمرجع هو الحكومة .

ص: 231


1- الوسائل باب 32 من أبواب دية الأعضاء ح1 .
2- مباني الأحكام / 2 / 482 .

المسألة 373: لو كسر الأنف فجبر على غير عيب ولا عثم فالمشهور أن ديته مائة دينار وهو لا يخلو عن إشكال(1)، بل لا يبعد الرجوع فيه إلى الحكومة، وكذلك الحال فيما إذا جبر على عيب وعثم .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أن هناك ثلاث فروض .

الأول: ما إذا قطع كله .

الثاني: قطع المارِنة .

الثالث: هو كسر الأنف ففسد .

ففي هذه الفروض الثالثة تمام الدية كما ورد في صحيحة هشام عن أبي عبد الله (علیه السلام) «كل ما في الإنسان اثنان ففيهما الدية، وما كان فيه واحد ففيه الدية»(1)، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «وفي الأنف إذا قطع المارن الدية»(2)، وغيرها وقد مرّ شرح المسألة، وكذا ما إذا كسر ففسد .

وأمّا إذا أجبر على غير عيب ولا عثم فقد ادعى الإجماع، وقد بينا حال هذه الإجماعات فيما مضى .

ص: 232


1- الوسائل باب 1 من أبواب دية الأعضاء ح12 .
2- الوسائل باب 1 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .

المسألة 374: إذا نفذت في الأنف نافذة فإن انسدت وبرأت ففيه خمس دية روثة الأنف، وما أصيب منه فبحساب ذلك(1)، وإن لم تنسد فديته ثلث ديته، وإن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم فديتها عشر دية روثة الأنف وإن كانت في إحدى المنخرين إلى المنخر الأخرى أو في الخيشوم إلى المنخر الأخرى فديتها ستة وستون ديناراً وثلثا دينار .

_______________________________________________________________

(1) تدل عليها الرواية التي تقدمة في المسألة السابقة . وفي المسالك نسبه إلى المشهور وبما أنّه لا مقدّر له في الشرع فعليه الحكومة، لما جاء في الرواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في الأنف «قال: فإن قطع روثة الأنف، وهي طرفة فديته خمسمائة دينار وإن نفذت فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح فديته ثلاثمائة دينار وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وإن كانت نافذة فبرأت والتأمت فديتها خمُس دية الأنف مائتا دينار فما اصيب منه فعلى حساب ذلك وإن كانت نافذة في أحد المنخرين إلى الخيشوم وهو الحاجز بين المنخرين فديتها عشر دية رونة الأنف خمسون دينار لأنّه النصف، وإن كانت نافذة في إحدى المنخرين، أو الخيشوم إلى المنخر الآخر فديتها ستة وستون ديناراً وثلث دينار»(1).

وهذه الرواية بعيدة عن محل البحث، إذاً نرجع إلى القاعدة وهي كل ما لا مقدّر له فعليه الحكومة .

ص: 233


1- الوسائل باب 4 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 375: إذا انشقت الشفة العليا أو السفلى حتى يبدو منها الأسنان، ثم برأت والتأمت ففيه خمُس ديتها، وإن أصيبت الشفة العليا فشينت شيناً قبيحاً فديتها مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وإن أصيبت الشفة السفلى وشينت شيناً قبيحاً فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار(1) .

المسألة 376: في احمرار الوجه باللطمة دينار ونصف، وفي اخضراره ثلاثة دنانير(1)، وفي اسوداده ستة دنانير، وإن كانت هذه الأمور في البدن فديتها نصف ما كانت في الوجه .

_______________________________________________________________

(1) وقد ورد بذلك معتبرة ظريف وفيها «وإذا قطعت الشفة العليا واستؤصلت فديتها خمسمائة دينار، فما قطع منها بحساب ذلك فإن انشقت حتى تبدو منها الأسنان، ثم دويت وبرئت والتأمت فديتها مائة دينار فذلك خمس دية الشفة إذا قطعت واستؤصلت، وما قطع منه فبحساب ذلك، فإن شترت فشينت شيناً قبيحاً فديتها مائة دينار وثلاث وثلاثون ديناراً وثلث دينار، ودية الشفة السفلى إذا استؤصلت ثلثا الدية ستمائة وستة وستون ديناراً وثلثا ديناراً، فما قطع منها فبحساب ذلك، فإن انشقت حتى تبدو الأسنان منها ثم برأت والتأمت فديتها مائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار وإن أصيبت فشينت شيناً قبيحاً فديتها ثلاث مائة وثلاث وثلاثون ديناراً وثلث دينار وذلكنصف ديتها»(1).

(1) الكلام يقع فيه في أمور:

الأول: هل هذا الحكم مختص باللطمة أو أنّه إذا حصل الاسوداد، أو الاخضرار، أو الاحمرار بأي جناية كانت، ظاهر جماعة من الأصحاب عدم

ص: 234


1- الوسائل باب 5 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

................................

اختصاص الحكم، فعن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللطمة يسود أثرها في الوجه، أن أرشها ستة دينار فإن لم تسود واخضرت فأن أرشها ثلاث دنانير، فإن احمرت ولم تخضر فأن أرشها دينار ونصف»(1)

ظاهر الموثقة وإن كانت اللطمة في الضرب باليد، ولكن الضرب يشمل بغيرها كالسوط والخشب ونحوهما إذا كان موجباً للاحمرار أو الاسوداد أو الاخضرار، بل قد ادعى البعض الإجماع إلى التعدي لمطلق الجناية، ولكن فيه تأمل .

الثاني: هل هناك فرق بين الرجل والمرأة أم لا ؟ ظاهر الموثقة عدم الفرق، فما ورد من الروايات بتساوي الرجل والمرأة إلى الثلث ضعف دية الرجل لا تشمل المورد، لأن دية المرأة تشمل دية الرجل ظاهر في دية النفس والأعضاء فلا تشمل هذا المورد، فلابد من الاخذ بإطلاق الموثقة .

الثالث: فهل أن الحكم في حصول هذه الأمور مختص بالوجه، أو يشمل الجسد أيضاً، ولكن مقتضى رواية إسحاق بن عمار على ما في الفقيه نصفدية هذه الأمور(2) في الجسد كما ورد في ذيله، ففي البدن نصف ذلك والمسألة غير خلافية .

قال في الجواهر: بل عن الانتصار والخلاف والغنية دعوى الإجماع عليه(3) والعمدة صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في اللطمة يسود أثرها في الوجه أن أرشها ستة دنانير إلى أن قال وفي البدن نصف ذلك»(4)،

وعلى هذا فلا فرق بين الوجه والبدن .

ص: 235


1- الوسائل باب 4 من أبواب الشجاج والجراح ح1 .
2- الفقيه / 4 / 122 .
3- الجواهر / 43 / 347 .
4- الوسائل باب 4 من أبواب الشجاج والجراح ح1 .

المسألة 377: إذا نفذت في الخد نافذة يرى منها جوف الفم فديتها مائتا دينار، فإن دوي وبرئ والتأم وبه أثر بيّن شتر فاحش فديته خمسون ديناراً زائدة على المائتين المذكورتين، وإن لم يبق به أثر بيّن وشتر فلم يجب الزائد فإن كانت النافذة في الخدين كليهما من دون أن يرى منها جوف الفم فديتها مائة دينار، فإن كانت موضحة في شيء من الوجه فديتها خمسون ديناراً، فإن كان لها شين فدية شينه ربع دية موضحته، فإن كانت رمية بنصل نشبت في العظم حتى نفذت إلى الحنك ففيهما ديتان دية النافذة وهي مائة دينار، ودية الموضحة وهي خمسون ديناراً، فإن كان جرحاً ولم يوضح ثم برئ وكان في أحد الخدين فديته عشرة دنانير، فإن كان في الوجه صدع فديته ثمانون ديناراً، فإن سقطت منه جذمة لحم ولم توضح وكان قدر الدرهم فما زاد على ذلك فديته ثلاثون ديناراً ودية الشجة الموضحة أربعون ديناراً إذا كانت في الجسد(1).

_______________________________________________________________

(1) وتدل عليه معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: وفي الخد إذا كانت فيه نافذة يرى منها جوف الفم فديتها مائتا دينار، فإن دووى فبرأ والتأم وبه أثر بين وشتر فاحش فديته خمسون ديناراً فإن كانت نافذة في الخدين كليهما فديتها مائة دينار وذلك نصف الدية التي يرى منها الفم، فإن كانت رمية بنصل يثبت في العظم حتى ينفذ إلى الحنك فديتها مائة وخمسون ديناراً، جعل منها خمسون ديناراً لموضحتها فإن كانت ثاقبة ولمتنفذ فيها فديتها مائة دينار، فإن كانت موضحة في شيء من الوجه فديتها خمسون ديناراً فإن كان لها شين فدية شينه مع دية موضحته، فإن كان جرحاً ولم يوضح ثم برأ وكان في الخدين فديته عشر دنانير، فإن كان في الوجه صدع فديته ثمانون ديناراً، فإن سقطت منه جذمة لحم ولم توضح

ص: 236

المسألة 378: دية الشجاج في الرأس والوجه سواء(1) .

_______________________________________________________________

وكان قدر درهم فما فوق ذلك فديته ثلاثون ديناراً، ودية الشجة إذا كانت توضح أربعون ديناراً إذا كانت في الخد، وفي موضحة الرأس خمسون ديناراً، فإن نقلا للعظام فديتها مائة دينار وخمسون ديناراً، فان كانت ثاقبة في الرأس فتلك المأمومة ديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار»(1).

(1) فإنّ مقتضى إطلاق ما ورد في دية الشجاج أنّه لا يفرق بين الشجة الواقعة على الرأس، والشجة الواقعة في الوجه، والمسألة غير خلافية وتؤيد ما ذكرنا معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال، قال: رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) أن الموضحة في الوجه والرأس سواء»(2)، ورواية حسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن الموضحة في الرأس كما في الوجه، فقال الموضحة والشجاج في الرأس سواء في الدية لأنّ الوجه من الرأس»(3)

.

قلنا إن مقتضى إطلاقها هو عدم الفرق بين الخد وغيره في أي موضع من الوجه كان .

ص: 237


1- الوسائل باب 6 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 5 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح2 .
3- الوسائل باب 5 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح1 .

فصل في دية الحمل

اشارة

المسألة 379: إذا كان الحمل نطفة فديته عشرون ديناراً، وإن كان علقة فأربعون ديناراً، وإن كان مضغة فستون ديناراً، وإن نشأ عظماً فثمانون ديناراً، وأن كُسيّ لحماً فمائة دينار، وإن ولجته الروح فألف دينار إن كان ذكراً وخمسمائة دينار إن كان انثى(1) .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، وادعو الإجماع مضافاً إلى ما دلت عليه معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: جعل دية الجنين مائة دينار، وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء، فإذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار وذلك أن الله عز وجل خلق الإِنسان من سلالة وهي النطفة .

فهذا جزء ثم علقة فهو جزآن، ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظماً فهو أربعة اجزاء، ثم يكسا لحماً، فحينئذٍ تم جنيناً فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين ديناراً وللعلقة خمسمائة وأربعين ديناراً، وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين ديناراً وللعظم أربعة أخماس المائة ثمانين ديناراً، فإذا كسى اللحم كانت له مائةكاملة، فإذا نشاء فيه خلق آخر، وهو الروح، فهو حينئذٍ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكراً وإن كان أنثى فخمسمائة دينار»(1) ورواية سليمان بن صالح عن أبي عبد الله

ص: 238


1- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

(علیه السلام)

................................

«في النطفة عشرون ديناراً، وفي العلقة أربعون ديناراً، وفي المضغة ستون ديناراً، وفي العظم ثمانون ديناراً، فإذا كسي اللحم فمائة دينار ثم هي ديته حتى يستهل، فإذا استهل فالدية كاملة»(1).

وفي رواية سعيد بن المسيب «قال: سألت علي بن الحسين C عن رجل ضرب امرأة حاملاً برجله فطرحت ما في بطنها ميتاً، فقال: إن كان نطفة فإن عليه عشرين ديناراً قلت فما حد النطفة، قال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوماً، وإن طرحته وهو علقة فأن عليه أربعين ديناراً، قلت: فما حد العلقة ؟ قال: هي التي إذا أوقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين يوماً، قال: وإن طرحته وهو مضغة فإن عليه ستين ديناراً قلت: فما حد المضغة قال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مائة وعشرين يوماً، قال: وإن طرحته وهو نسمة مخلقة له عظم ولحم مزيل الجوارح قد نفخت فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة»(2)، هذا إذا كان ذكراً وأمّا إذا كان أنثى فخمسمائة دينار، وعبد الله ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «وإن قتلت امرأة وهي حبلى فلم يدر أذكراً كان ولدها أم أنثى فدية الولد نصف ديةالذكر ونصف دية الأنثى وديتها كاملة»(3).

قلنا مقابل تلك الروايات روايات أخرى تدل على الخلاف .

منها: صحيحة محمد بن مسلم «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة، قال: عليه عشرون دينار، فقلت: يضربها فتطرح العلقة، فقال: عليه أربعون ديناراً، فقلت فيضربها فتطرح المضغة، فقال: عليه

ص: 239


1- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح3 .
2- الوسائل باب 19 من ابواب ديات الاعضاء ح8 .
3- الوسائل 21 من ابواب ديات النفس ح1 .

................................

ستون ديناراً، فقلت فيضربها فتطرحه وقد صار له عظم فقال: عليه الدية كاملة»(1).

ومنها: صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة شربت دواءً وهي حامل لتطرح ولدها فالقت ولدها، قال: إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم، وشق له السمع، والبصر، فإن عليها دية تسلمها إلى ابيه»(2)

وظاهر هذه الرواية الدية كاملة .

ولكن الحق ما عليه المشهور، وتؤيد ذلك معتبرة ظريف «وللعظم أربعة أخماس المائة وثمانين ديناراً، فإذا كسي اللحم كانت له مائة كاملة فإذا نشأ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذٍ نفس بألف دينار كاملة»(3)،

وهاتان الصحيحتان ظاهرتان بأن في العظم بدون ولوج الروح الدية كاملة ولو أن الدلالة تكون بالإطلاق فترفع اليد بنص المعتبرة عن إطلاقهما، أو نقول بأنالترجيح مع تلك لعمل المشهور به وحصول الاطمئنان بذلك فلا معنى للالتزام بأنّه إن تم الجنين ولم تلجه الروح فديته دية النفس كما نسب إلى العماني والإسكافي .

ص: 240


1- الوسائل باب 19 من ابواب ديات الاعضاء ح4 .
2- الوسائل باب 20 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 380: في تحديد المراتب المذكورة خلاف، والصحيح أنّه أربعون يوماً نطفة، وأربعون يوماً علقة، وأربعون يوماً مضغة، وهل الدية بين هذه المراتب بحسابها وتقسم عليها ؟ قيل كذلك وهو الأظهر(1) .

_______________________________________________________________

(1) أمّا التحديد بذلك فهو المشهور وقد دلت عليه روايات .

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) «إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النطفة إلى أن قال: ففتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوماً ثم تصير علقة أربعين يوماً ثم تصير مضغة أربعين يوماً ثم تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكه، ثم يبعث الله ملكين خلاقين الحديث»(1).

ومنها: معتبرة ابن فضال عن الحسن بن الجهم عن الرضا (علیه السلام) «إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً، ثم تصير علقه أربعين يوماً، ثم تصير مضغة أربعين يوماً، فإذا أكمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين»(2)

وخالف هذه الروايات صحيحة البزنطي عن الرضا (علیه السلام) «قال: سألته أن يدعو الله عز وجل لامرأة من أهلنا بها حمل فقال: أبو جعفر (علیه السلام) الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر، فقلت له إنما لها أقلّ من هذا فدعا لها، ثم قال: أن النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً، وتكون علقة ثلاثين يوماً، وتكون مضغةثلاثين يوماً، وتكون مخلقة وغير مخلقة ثلاثين يوماً»(3)،

وهذه الرواية لابد من أن تطرح لأنّها مخالفة لجميع الصحاح الواردة لبيان تحديد النطفة والعلقة والمضغة ومخالفة بظاهر القرآن: Pيَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ

ص: 241


1- الوسائل باب 6 من أبواب كتاب العقيقة ح2 ، الكافي ج6 كتاب العقيقة أبواب بداء خلق الإنسان تقلبه في بطن امه ح4 .
2- الكافي كتاب العقيقة باب بداء خلق الإنسان وتقلبه في بطن امه ح3 .
3- الوسائل باب 64 من أبواب الدعاء ح4 .

................................

فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍO(1)، فإن المخلقة وغير المخلقة وصفان للمضغة فإنّهما إذا تم الجنين مخلقة وإذا لم يتم فيها غير مخلقة لا أن تكون مقابل المخلقة .

وهل الدية تكون بين هذه المراتب بحسابها، وهذا أي أصل التقسيم يكون موافقاً لما عليه الجماعة كالشيخ في النهاية وابن ادريس في السرائر(2) والعلامة في القواعد(3) وفي المسالك: نسبه إلى البعض(4)ولكن قسم منهم كالشيخ والعلامة وابن حمزة لم يتعرضوا لكيفية التقسيم، فقال البعض كابن إدريس بأن النطفة تمكث عشرين يوماً ثم تصير علقة، وكذا ما بين العلقة والمضغة فيكون لكل يوم دينار ولكن يرد على ابن إدريس .

أولاً: بأن حد الفاصل بين هذه المراتب أربعون يوماً لا عشرون .

وثانياً: لا دليل على ما ذكره من التقسيم، ولكن الصحيح في التقسيم هو ما روي عن يونس الشيباني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قلت فإن خرج في النطفة قطرة دم، قال: في القطرة عشر النطفة فيها اثنان وعشروندينار، قلت: فأن قطرت قطرتين قال ؟ أربعة وعشرون ديناراً، قلت فأن قطرت ثلاث، قال: فستة وعشرون ديناراً، قلت: فأربع ؟ قال: فثمانية وعشرون ديناراً، وفي ثمان خمس ثلاثون دينار وما زاد على النصف فعلى الحساب حتى تصير علقة، فإذا صارت علقة فيها أربعون ديناراً»(5) وأيضاً ما روي عن يونس الشيباني «فإن خرجت النطفة

ص: 242


1- سورة الحج الآية / 5 .
2- السرائر / 3 / 445 .
3- القواعد / 3 / 695 .
4- المسالك / 15 / 476 .
5- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح5 .

................................

متخضخضة بالدم قال: قد علقت إن كان دماً صافياً ففيها أربعون ديناراً وإن كان دماً أسود فلا شيء عليه إلا التعزير، لأنّه ما كان من دم صاف فذلك للولد وما كان من دم أسود فهو من الجوف، فقال: أبو شبل فإن العلقة إذا صارت فيها شبيه العروق واللحم قال اثنان وأربعون ديناراً العشر قال قلت: فإن عشر الأربعين أربعة، قال: لا إنما عشر المضغة لأنه إنما ذهب عشرها فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين، قلت: فإن رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس، قال: فذلك عظم أول ما يبتدئ العظم فيبتدأ بخمسة اشهر ففيه أربعة دنانير، فإن زاد فزاد أربعة أربعة قلت: فإن كسي العظم لحماً، قال كذلك إلى مائة، قلت: فإن وكزها فسقط الصبي لا يدري أحيا أم ميتاً ؟ قال: هيهات أبا شبل إذا مضت خمسة اشهر فقد صارت فيه الحياة واستوجب الدية»(1).

ولا يضر ما في الرواية ذكر فيها «إذا بلغ خمسة أشهر» وهي مخالفة للآية والرواية، فهي ليست رواية واحدة لما ذكرنا مراراً بأن الرواية الواحدة إذا كانت فيها جمل متعددة تكون بمنزلة الروايات المتعددة، إذاً بطلان هذه الجملة لا تضر بالنسبة إلى بقية الجمل، مضافاً إلى أن في بعض النسخ فيها إذا بلغأربعة أشهر .

ص: 243


1- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الاعضاء ح6 .

المسألة 381: المشهور أن دية الجنين الذمي عشر دية أبيه ثمانون درهماً، وفيه إشكال، والأظهر أن ديته عشر دية أمّه أربعون درهماً أمّا ديته في المراتب السابقة فبحساب ذلك(1) .

_______________________________________________________________

(1) قيل إن ديته عشر دية أبيه أي ثمانون ديناراً، وهذا القول المنسوب إلى المشهور في الجواهر بقوله: بلا خلاف أجده بل في الخلاف الإجماع عليه بل الظاهر أنّه كذلك كما اعترف به غير واحد مؤيداً بما عساه يستفاد من النصوص والفتوى من مساواة دية الذمي لدية المسلم في تعلق مثل هذه الأحكام بها على حسب النسبة(1).

ولكن لا دليل على ذلك، بل قال ذلك لأنّه المناسب لدية جنين المسلم قبل ولوج الروح وهذا قياس، ولكن هناك روايات دالة بأن ديته دية أمه أربعون ديناراً، ففي ديته عشر دية أمه فيكون دية جنين الذمي حكماً أربعين درهماً بلا خلاف بين الذكر والأنثى، وقد روى عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (علیهم السلام) «أنّه قضى في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية عشر دية أمه»(2)،

ويؤيده رواية مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قضى في جنين اليهودية والنصرانية والمجوسية عشر دية أمه»(3).

والرواية مروية عن محمد بن الحسن الشمون عن الأصم وكلاهما ضعيفان، وحيث أنّه لم يرد على خلاف معتبرة السكوني المؤيدة برواية مسمع شيء فيمكن الاعتماد عليه، والعجب ما ذكره الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بأنّهإن تم في المسألة إجماع فهو، ولكنه غير تام كما يظهر من العلامة المجلسي حيث أنّه قال أن الأكثر لم يعملوا بروايتي مسمع والسكوني، ومنه يظهر أن هذا التعبير يكشف عن عمل

ص: 244


1- الجواهر / 43 / 361 .
2- الوسائل باب 18 من أبواب ديات النفس ح3 .
3- الوسائل باب 18 من أبواب ديات النفس ح1 .

المسألة 382: المشهور أن دية الجنين المملوك عشر قيمة أمّه المملوكة وفيه إشكال، والأقرب فيه الحكومة(1) .

_______________________________________________________________

جماعة لهما، بل يظهر من صاحب الوسائل أنّه أيضاً عمل بالروايتين حيث أنّه أخذ في العنوان أن دية جنين الذمية عشر ديتها، ولكن الأظهر ما ذكرناه(1) .

وما ورد من أنّها معرض عنها عند الأصحاب ومخالفة لما ورد في الجنين المسلم حيث ورد أن المناسب لما ورد فيه عشر دية الأب، فلا يمكن المساعدة عليه، وما ورد في جنين المسلم لا يقتضي أن يكون جنين الذمي مثله وهو قياس، ولعل شرف الإسلام أوجب حساب جنين المسلم إلى الأب دون الذمي .

(1) لقول السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «وفي جنين الأمة عشر ثمنها»(2)،

لأن الرواية ضعيفة فإن الشيخ رواها بسند عن النوفلي، وطريق الشيخ إليه ضعيف، وفي سندها أيضاً ضعف لأنّه يروي عن ابن الجنيد، وأن قالوا بأن عمل المشهور جابر، قلنا أن الشهرة ليست بجابرة ولا كاسرة فلابد من الرجوع إلى الحكومة، وقد ورد عن أبي السيار في رجل قتل جنين أمة لقوم في بطنها، «فقال: أن كان مات في بطنها بعد ما ضربها فعليه نصف عشر قيمةأمه وإن كان ضربها فألقته حياً فمات، فإن عليه عشر قيمة أمه»(3)

ولكن هذه الرواية فرقت بين الموت في بطنها بعد ضربها وبينما ضربها والقته حيا فمات، فله عشر قيمة أمه، إذاً الرواية بعيدة عن محل البحث الظاهر فيه الحكومة، ولا يخفى بأن هذا الحكم منصرف إلى المملوكة ولا يعم الحرة لأنها غير قابلة للتقويم .

ص: 245


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 501 .
2- الوسائل باب 21 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
3- الوسائل باب 21 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

المسألة 383: لو كان الحمل أكثر من واحد فلكلٍّ ديته(1) .

المسألة 384: لو اسقط الجنين قبل ولوج الروح فلا كفارة على الجاني(2)، وأمّا لو أسقطه بعد ولوج الروح فالمشهور أن عليه الكفارة وفيه إشكال ولا يبعد عدمها .

_______________________________________________________________

(1) بلا فرق بين المسلم والذمي والمملوك، والأصل عدم التداخل مع عدم الدليل على الخلاف .

(2) لأن الكفارة التي يترتب على موضع القتل، ولا يصدق القتل قبل ولوج الروح، والمسألة غير خلافية، وادعيّ عليه الإجماع .

وأمّا بعد ولوج الروح فهو الكفارة كما هو المشهور والمعروف بين الأصحاب، ولكن لا دليل عليه، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) هو الحق .

بقوله: ووجه الاشكال أن المشهور والمعروف بين الأصحاب وإن كان كذلك بل في الجواهر: بلا خلاف ولا إشكال إلا أنّه لا دليل عليه، فإن الآية والروايات الواردة في كفارة القتل قد أخذ في موضعهما عنوان المؤمن أوالرجل ومن المعلوم انصرافهما عن الجنين، بل يشكل الأمر، بالاضافة إلى الصبي غير المميز أيضاً إلا أن يكون إجماع فيه وهو غير بعيد(1).

ص: 246


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 403 _ 404 .

المسألة 385: لو قتل امرأة وهي حبلى فمات ولدها أيضاً فعليه دية المرأة كاملة، ودية الحمل الذكر كذلك إن كان ذكراً ودية الأنثى إن كان أنثى هذا إذا علم بالحال، وأمّا إذا جهل بها فقيل يقرع ولكنه مشكل فالأظهر أن عليه نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى(1).

_______________________________________________________________

(1) هذا وارد في معتبرة ظريف حيث ورد فيها «وإن قتلت امرأة وهي حبلى متم فلم يسقط ولدها ولم يعلم أذكر هو أو أنثى ولم يعلم أبعدها مات أم قبلها فديته نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى، ودية المرأة كاملة بعد ذلك»(1)،

ويؤيده رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية الجنين خمسة أجزاء خمس للنطفة عشرون ديناراً، وللعلقة خمسان، أربعون ديناراً وللمضغة ثلاثة أخماس، ستون ديناراً، وللعظم أربعة أخماس، ثمانون ديناراً وإذا تم الجنين كانت له مائة دينار، فإذا أنشئ فيه الروح فديته ألفدينار أو عشرة آلاف درهماً إن كان ذكراً، وإن كان أنثى فخمسمائة دينار وإن قتلت المرأة وهي حبلى فلم يدر أذكراً كان ولدها أم أنثى، فدية الولد نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى وديتها كاملة»(2)،

قد يقال بأن المشهور يلتزمون بالقرعة إذا لم يحرز بأن الولد ذكراً كان أم أنثى، لأن القرعة لكل أمر مشكل فغير تام لأن المقام ليس بمشتبه بعد إن عين الشارع له مقدّر وما دل على التعيين يكون حاكماً أو مخصصاً للقاعدة .

ص: 247


1- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 21 من أبواب ديات النفس ح1 .

المسألة 386: لو تصدت المرأة لإسقاط حملها فإن كان بعد ولوج الروح وكان ذكراً فعليها دية الذكر، وإن كان أنثى فعليها ديتها، وإن كان قبل ولوج الروح فعليها ديته(1) .

المسألة 387: في قطع أعضاء الجنين قبل ولوج الروح وجراحاته دية على نسبة ديته ففي قطع إحدى يديه _ مثلاً _ خمسون ديناراً، وفي قطع كلتيهما تمام ديته مائة دينار(2) .

_______________________________________________________________

(1) بلا فرق بين أن تكون بالمباشرة، أو التسبب، والمسألة غير خلافية وقد ورد في صحيحة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في امرأة شربت دواءً وهي حامل لتطرح ولدها فالقت ولدها، قال: إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم وشق له السمع والبصر فإن عليها دية تسلمها إلى أبيه، قال وإن كان جنيناً علقة أو مضغة، فإن عليها أربعين ديناراً أو غرّه تسلمها إلى أبيه قلت فهي لا ترث من ولدها ديته لأنّها قتلته»(1)ولو أفزعها مفزع فديته عليه لأن التلف مستند إليه وهذا القتل بالتسبيب، وذكرنا أنّه لا فرق بين حصول المباشرة أو التسبيب .

(2) أي حكمه حكم دية أعضاء الحي، أي يكون دية أعضائه بنسبة ديته، ففي قطع يد الجنين نصف ديته أي خمسين قبل ولوج الروح، وفي قطع الذكر تمام الدية أي المائة، وكذا بالنسبة إلى الجروح التي فيها دية معينة فيؤخذ ذلك بالنسبة في جراحة الجنين وإن لم يكن فيه مقدّر فيترك ذلكالحكومة .

ص: 248


1- الوسائل باب 20 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .

المسألة 388: لو أفزع شخصاً حال الجماع فعزل منه المني في الخارج فعليه عشرة دنانير(1)، ولو عزل الرجل عن امرأته الحرة بدون إذنها قيل لزمه عشرة دنانير، ولكن لا وجه له بل الأظهر أنّه ليس عليه شيء(2).

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وقد نسب صاحب الجواهر الإجماع إلى الانتصار والخلاف والغنية(1)، وعليه عشرة دنانير إن لم يرد المجامع العزل والدليل على ذلك معتبرة ظريف «وافتى (علیه السلام) في مني الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء، ولم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير»(2).

(2) وذلك لأنّه لا فرق في تلف النطفة بين إفزاع الغير أو عزل الزوج والدية دية النطفة في الفرضين، ولكن بعد إن وردت في الروايات جواز العزل للرجل وإن لم ترض الزوجة ولم تأذن ومقتضى ذلك عدم ثبوت الدية فالثابت للدية في عزل المجامع إذا كان بفعل الغير التزاماً بالدية، ولكن بما أن النطفة ليس حقاً للزوجة على الزوج، ففي صورة جواز العزل لا معنى لثبوت الدية فإن النطفة للزوج وله الحق بالافراغ أو العزل كما هو مقتضى الروايات .

قد يقال العزل عن الجرة مكروه مع عدم رضاها، ولكن الكراهة لا تنافي الجواز، إذاً ليس عليه شيء، وما نسب إلى جماعة منهم الشيخ والقاضي وأبو الصلاح وابناء حمزة وزهرة والكيدري والمحقق في الشرائع في كتاب النكاحوالفاضل وغيره يلزمه عشرة دنانير(3)،

يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أقول لا دليل على

ص: 249


1- جواهر الكلام / 43 / 375.
2- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
3- جواهر الكلام / 43 / 376 .

وأمّا العزل عن الأمة فلا إشكال في جوازه ولا دية عليه(1) .

_______________________________________________________________

هذا القول فإن الإجماع غير محقق جزماً حيث أن المشهور بين الأصحاب عدم الدية(1).

أقول لو تحقق الإجماع فهو أيضاً غير مفيد وذلك لأن المني للزوج وليس للزوجة، إذاً يجوز للرجل العزل وتدل على ذلك عدة روايات .

منها: صحيحة محمد بن مسلم «قال: سالت أبا عبد الله (علیه السلام) عن العزل، فقال ذاك إلى الرجل يصرفه حيث يشاء»(2).

ومنها: معتبرة عبد الرحمن عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن العزل، فقال: ذلك إلى الرجل»(3)

.

لا يخفى بأنّه لم يظهر من هذه الروايات وجوب الدية ولكن كما قلنا إذا كان العمل جائزاً فلا تجب الكفارة، أو نقول كما قال الاستاذ (قدس سرُّه) أن ألسنة هذه الروايات تأبى عن ثبوت الدية(4).

(1) يكون العزل عنها جائزاً لأنّها ملكه بالنص والفتوى، والمسألة غير خلافية .

ص: 250


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 507 .
2- الوسائل باب 75 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح1 .
3- الوسائل باب 75 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح2 .
4- مباني تكملة المنهاج / 2 / 508 .

المسألة 389: في إسقاط الجنين المتكون من زنا إذا تمت خلقته قبل أن تلجه الروح عشر دية ولد الزنا، وأمّا ديته في المراتب السابقة دون هذه المرتبة فعلى النسبة(1) .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأنّه قد ورد في الروايات بأن دية ولد الزنا ثمانمائة درهم كخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن جعفر (علیه السلام) «قال: دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم»(1)،

وفي مرسلة عبد الرحمن بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال «قال: ليّ أبو الحسن (علیه السلام) دية ولد الزنا دية اليهودي ثمانمائة درهم»(2)،

ومثلها مرسلة جعفر بن بشير عن بعض رجاله «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن دية ولد الزنا، قال: ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي»(3)ومعتبرة

ظريف «فإذا كسي اللحم كانت له مائة»(4) بتقريب أن المائة بملاحظة عشر الدية إذا كان الجنين حراً مسلماً، أما بالنسبة إلى الزنا فعشره يكون ثمانون ديناراً، كما في معتبرة ظريف «وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء، إلى قوله (علیه السلام) ثم يكسا لحماً فحينئذٍ تم جنيناً فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار، والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين ديناراً، والعلقة خمسي مائة أربعين ديناراً وللمضغة ثلاثة أخماس ستين ديناراً، وللعظم أربعة أخماس المائة ثمانينديناراً»(5).

ويظهر من الرواية أن العبرة بهذه النسبة التي ذكرت، ففي جنين ولد الزنا ثمانون درهماً أي النطفة خمس الثمانين ستة عشر درهماً، وللعلقة خمس الثمانين

ص: 251


1- الوسائل باب 15 من أبواب ديات النفس ح3.
2- الوسائل باب 15 من أبواب ديات النفس ح1 .
3- الوسائل باب 15 من أبواب ديات النفس ح2 .
4- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الاعضاء ح1 .
5- الوسائل باب 19 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .

وأمّا بعد ولوج الروح فديته ثمانمائة درهم إن كان ذكراً، وإن كان انثى فأربعمائة درهم(1) .

المسألة 390: لو ضرب المرأة الذمية وهي حبلى فأسلمت ثم أسقطت حملها فعلى الجاني دية جنين مسلم(2)، ولو ضرب الحربية فأسلمت وأسقطت حملها بعد إسلامها فالمشهور أنّه لا ضمان عليه وفيه إشكال والأظهر الضمان(3).

_______________________________________________________________

اثنان وثلاثون وهكذا .

(1) وقد ذكرنا بأن دية ولد الزنا ذكراً ثمانمائة، وأنثى أربعمائة .

(2) لأنّ الجناية حين وقوعها كانت مضمونة بدية ذمي، ولكن بعد أن أصبحت مسلمة انقلبت الدية إلى دية مسلم، لأن العبرة بزمان استقرارها لا وقت الضرب، والمفروض أنّه يصدق عليه سقط جنين المسلم، وحينما أسلمت المرأة فيصدق عليه المسلم بالتبع، لأنّ الولد تابع لهما، إذاً يكون ديته دية جنين المسلم .

(3) أمّا إذا لم تكن ذمية حين الضرب وكانت حربية فلا ضمان فيالجناية عليها حين وقوعها، ولا يفيد إسلامها بعد وقوع الجناية، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وجه الإشكال هو أنّه لا دليل على ما هو المشهور بين الأصحاب عدا ما قيل من أن الجناية حين وقوعها لم تكن مضمونة فإذا لم تكن كذلك لم تضمن سرايتها .

وفيه أنّها وإن لم تكن حين وقوعها مضمونة إلا أنّها حين استقرارها مضمونة، باعتبار أنّها أوجبت سقط جنينها المسلم، وبطبيعة الحال يكون السقط مستنداً إلى هذه الجناية بقاءً، فلا محالة يكون الجاني ضامناً، وقد تقدم نظير ذلك، وهو ما إذا جرح حربياً فأسلم ثم سرت الجانية فمات بها حيث قلنا هناك بضمان الجاني فأن الجناية وإن لم تكن مضمونة حدوثاً إلا أنّها مضمونة بقاءً، فإن موته

ص: 252

المسألة 391: لو ضرب الأمة وهي حبلى فاعتقت ثم أسقطت حملها، فالمشهور أن للمولى عشر قيمة أمه يوم الجناية، فإن كانت دية الجنين زائدة على عشر القيمة كانت الزيادة لورثة الجنين، وفيه إشكال ولا يبعد عدم ثبوت شيء للمولى(1).

_______________________________________________________________

مستند إليها فلا محالة يكون الجاني ضامناً(1).

وما ذكره تام فإنّه ولو لم يثبت عليه القصاص لأنّه لم يقصد الجاني في الفرض قتل المسلم فيكون قتله شبه خطأ .

(1) والحق بما أن الإسقاط حدث بعد العتق، فإذا كان الجنين مما لمتلجه الروح فلا يكون لمولاه شيء أصلاً، لأن السقط يكون بحكم الحر من الجنين مائة دينار للورثة .

وأمّا إذا كان مات في بطن أمه بالضرب، ثم أسقطت يكون ديته لمولاه لأن القتل وقع قبل حرية الجنين، كما لو حصل النقص للأمة لو اسقطه ضرب الجاني وكان في زمان قبل العتق فيضمنه الجاني .

وما نسب إلى المشهور بأن للمولى عشر قيمة أمه لرواية السكوني عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في جنين الامة عشر ثمنها» فالإجماع منقول لا عبرة به والرواية ضعيفة .

ص: 253


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 510 _ 511 .

المسألة 392: لو ضرب حاملاً خطأ فأسقطت جنينها وادعى ولي الدم أنّه كان بعد ولوج الروح، فإن اعترف الجاني بذلك أي بولوج الروح ضمن المعترف ما زاد على دية الجنين قبل ولوج الروح(1)، وهو التسعة الأعشار من الدية الكاملة، وأمّا العشر الباقي فهو يحمل على العاقلة على المشهور ويأتي الكلام عليه، وإن أنكر ذلك كان القول قوله إلا إذا أقام الولي البينة على أن الجناية كانت بعد ولوج الروح .

_______________________________________________________________

(1) أي أصل الدية على العاقلة، أمّا الزيادة فلا لأن اعتراف الجاني لا يكون نافذاً بالنسبة إلى الغير أي العاقلة، لأنّه يكون من جملة الإقرار على الغير فيكون ما زاد على أصل الدية على الجاني، حيث اعترف بجنايته لأن مقتضى القاعدة الأولية ضمان التلف على المتلف أي الجاني خرج منها موارد ضمان العاقلة أمّا لو أنكر الجاني فإن لم يكن للولي البينة على حياته يحلف الجاني على عدم حياته، وهذا يكون مقتضى الاستصحاب أيضاً، فما ادعاه المولى من الزيادة على دية الجنين قبل ولوج الروح غير تام .

ص: 254

المسألة 393: لو ضرب حاملاً فأسقطت حملها فمات حين سقوطه فالضارب قاتل، والمشهور أنّ عليه القود إن كان متعمداً وقاصداً لقتله وفيه إشكال، والأقرب عدمه وعليه الدية(1)، وإن كان شبه عمد فعليه ديته، وأن كان خطأ محضاً فالدية على عاقلته، وكذلك الحال إذا بقي الولد بعد سقوطه مضمناً ومات أو سقط صحيحاً ولكنه كان ممن لا يعيش مثله كما إذا كان دون ستة الشهر .

_______________________________________________________________

(1) أن كان شبه عمد فعليه ديته، وأن كان خطأ محضاً فالدية على عاقلته، والمشهور على أنّه يقاص من القاتل، ولا فرق في مورد القتل العمدي صغيراً كان، أو كبيراً ولو كان جنيناً وقد ولجته الروح إذا كان الفاعل قاصداً للقتل، ولو كان القتل من إسقاط الجنين بغير قصد بأن كان شبيه الخطأ فالدية على الجاني وفي الخطأ على العاقلة واستدلوا على ثبوت القتل بعموم الآية «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»(1)، وبمرسلة ابن فضال عن أبي عبد الله (علیه السلام) «كل من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمد فعليه القود»(2)

ولكن هذه مرسلة فلا يمكن العمل بها ويمكن رفع اليد عن العموم بصحيحة أبي بصير المرادي «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً، فقال إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شيء عليه من قود ولا دية ويعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين، قال وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه، وأرى أن على قاتله الدية في ماله فيدفعها إلى ورثةالمجنون ويستغفر الله ويتوب إليه»(3).

ومقتضى التعليل أن من لا يجري عليه القود والقصاص لا يجري له أيضاً،

ص: 255


1- سورة المائدة الآية / 45 .
2- الوسائل باب 31 من أبواب قصاص النفس ح4 لمن لا يقاد .
3- الوسائل باب 28 من أبواب قصاص النفس ح1 .

المسألة 394: لو أُسقطت حملها حياً فقطع آخر رأسه، فإن كانت له حياة مستقرة عادة بحيث كان قابلاً للبقاء، فالقاتل هو الثاني دون الأول، وإن كانت حياته غير مستقرة فالقاتل هو الأول دون الثاني(1) وإن جهل حاله ولم يعلم أن له حياة مستقرة سقط القود عن كليهما وأمّا الدية فهل هي على الثاني أو على كليهما، أو أنّها تعين بالقرعة أو أنّها في بيت مال المسلمين؟ وجوه الصحيح هو الأخير فيما عدا عشر الدية، وأمّا العشر فهو على الثاني .

_______________________________________________________________

والطفل الصغير حكمه حكم المجنون لا يجري عليه القود والقصاص إذاً لا يجري عليه ذلك .

(1) لأنّه قطع رأس الحي وليس على الأول ضمان، ولو قطع وحياته غير مستقرة فالدية على الأول دون الثاني، نعم يعزر الثاني لإيذائه الطفل ويكون عاصياً هذا إذا علم الحال، وأمّا إذا جهل الحال سقط القود لعدم العلم بالحال، وقد ذكرنا أنّه لا قود وإن كان مع معلوم الحال، قال الشيخ كما عن الجواهر: يسقط القود عن كل منهما للاحتمال الموجب شبهة يسقط القود بمثلها، ولكنعليه أي الثاني الدية تامة لأصالة بقاء الحياة للجنين(1)

ونسب إلى المحقق الاردبيلي والقواعد والإرشاد كما ذكر هذه النسبة السيد الاستاذ الاعظم(2)،

وعن صاحب الجواهر أنّه نسبه إلى بعض معاصريه فثبت الدية عليهما موزعة .

وهناك قول ثالث وهو القرعة نسبه صاحب الجواهر إلى بعض معاصريه(3)،

ص: 256


1- جواهر الكلام / 43 /381 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 514 .
3- جواهر الكلام / 42 /195 .

................................

والرابع لا دية عليهما بل تكون من بيت مال المسلمين .

ويرد الأول بعدم وجوب القود لا لأجل الاحتمال، بل لأجل القاعدة بأنّه لا يقاد لمن لا يقاد منه .

وأمّا عدم ثبوت الدية على الثاني لأن الاستصحاب في هذه المسألة مثبت، نعم تجب عليه دية الجنين، لأنّه لو فرض كونه قاتلاً واقعاً تكون عليه الدية بمقدار دية الجنين مع الزائد، وأمّا إذا لم يكن قاتلاً وقطع رأسه يكون ثبوت قتل الجنين عليه متعيناً .

وأمّا الباقي فأنّه لا دليل عليه، قد يقال بقاعدة العدل والإنصاف، وفيه أنّها مختصة بموارد خاصة ولا يمكن التعدي .

وأمّا الثالث فقاعدة القرعة لا تجري هنا لأن القرعة فيما إذا كانت الوظيفة لم تكن معلومة ويكون الحكم الظاهر مجهولاً، ولكن هنا الحكم الظاهري معلوم بالنسبة إليهما بمقتضى اصالة البراءة، والأصل عدم كون كل منهما قاتلاً، فلا يكون على أحدهما شيء وحال المورد حال ما إذا وجد فيثوب مشترك منيّاً، أو هناك شخصان علم أنّ واحداً منهما يكون مديوناً لزيد، أو امرأة علم كونها امرأة أحد الرجلين وإلا أنّه في القرعة قولان:

الأول: هو أن يكون المقروع عليه لا واقع له .

والثاني: على الإطلاق وهو القرعة لكل شيء كان له واقع أم لا فالصحيح أنّه من بيت مال المسلمين لعدم ثبوت الدية كاملة على الأول وكذا على الثاني، لكن قلنا على الثاني مائة دينار وهو القدر المتيقن لأنّه لو كانت حياته مستقرة فعليه ألف دينار وإلا فعليه مائة، وما قلناه من أن الدية من بيت المال للقاعدة لأن لا يذهب دم مسلم هدراً .

ص: 257

المسألة 395: لو وطأ مسلم وذمي امرأة شبهة في طهر واحد(1) ثم أسقطت حملها بالجناية أقرع بين الواطيين، وألزم الجاني بالدية بنسبة دية من ألحق به الولد من الذمي أو المسلم .

المسألة 396: إذا كانت الجناية على الجنين عمداً أو شبه عمد فديته في مال الجاني(2)، وإن كانت خطأ وبعد ولوج الروح فعلى العاقلة .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ القرعة لكل أمر مشكل وبها يتعين أيّ منهما، فإن تعين بالقرعة أي منهما ألحق به، وألزم الجاني بالنسبة إلى ديته، فإن ألحق بالمسلم ترتب عليه حكم المسلم، وإن ألحق بالذمي يترتب عليه حكم الذمي فالجاني لابد له يدفع الدية إلى من ألحق به .

(2) لا يخفى أن الجناية تارة تكون عمداً، وأخرى شبه العمد، وثالثةخطأ، وعلى هذه الصورة تارة تكون قبل ولوج الروح، وأخرى بعد ولوج الروح، فهذه وإن كانت عمداً أو شبه عمد فهي تكون على الجاني .

وأمّا إذا كانت خطأ قبل ولوج الروح فهو على الجاني أيضاً عمداً كان أو خطأ، أو شبيه عمد لا على العاقلة في صورة الخطأ، قال في الجواهر: ولولاه لأمكن الإشكال في ضمان العاقة(1).

ص: 258


1- الجواهر / 43 / 383 .

وإن كانت قبل ولوج الروح ففي ثبوتها على العاقلة إشكال والأظهر عدمه(1).

المسألة 397: الميت كالجنين ففي قطع رأسه، أو ما فيه اجتياح نفسه لو كان حياً عشر الدية، ولو كان خطأ، وفي قطع جوارحه بحسابه من ديته(2) وهي لا تورث وتصرف في وجوه القرب له .

_______________________________________________________________

(1) الإشكال في ضمان العاقلة في لعدم عدم تحقق القتل كما في الجناية عليه قبل ولوج الروح فيه خصوصاً بعد إطلاق نصوص الضمان على الجاني(1)،

وإن تم الاتفاق فهو، ولكنه غير تام، إذاً مقتضى الإطلاق ما دل على أن الجاني ضامن لدية الجنين قبل ولوج الروح وبعدم الفرق بين كون الجناية عمداً أو شبيه عمداً أو خطأ، لذا قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أن الضمان على الجاني دون العاقلة(2).

(2) الكلام يقع أولاً في مقدار الدية وهي مائة، وتدل عليه صحيحة الحسين بن خالد عن أبي الحسن (علیه السلام) «قال سئل أبو عبد الله (علیه السلام) عن رجل قطع رأس ميت، فقال: إن الله حرم منه ميتاً كما حرم منه حياً، فمن فعل بميت فعلاً يكون في مثله اجتياح نفس الحي فعليه الدية، فسالت عن ذلك أبا الحسن (علیه السلام) فقال صدق أبو عبد الله (علیه السلام) هكذا قال رسول (صلی الله علیه و آله وسلّم) قلت: فمن قطع رأس ميت أو شق بطنه، أو فعل به ما يكون فيه اجتياح نفس الحي فعليه دية النفس كاملة، فقاللا، ولكن ديته دية الجنين في بطن أمه قبل أن تلج فيه الروح وذلك مائة دينار، وهي لورثته ودية هذا هي له لا لورثته، قلت فما لفرق بينهما، قال: أن الجنين أمر مستقبل مرجو نفعه وهذا قد مضى وذهبت منفعته فلما مثل به بعد موته صارت

ص: 259


1- جواهر الكلام / 43 / 383 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 518 .

................................

ديته بتلك المثلة له لا لغيره يحج بها به عنه يفعل بها أبواب الخير والبر من صدقة أو غيره»(1).

لا يخفى عدم انتقال دية الميت إلى ورثته فالذي ينتقل إلى ورثته ما كان لسبب الجناية عليه قبل موته وحيث أن الدية هذه لحقت بعد الموت فلا تنتقل إلى الورثة بعد موته فالأحوط للورثة أن يصرفوا الدية في وجوه البر عنه، وهناك صحيحتان تدلان بظاهرهما في ثبوت الدية الكاملة كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قطع رأس الميت، قال عليه الدية لأن حرمته ميتاً كحرمته وهو حي»(2).

وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «في رجل قطع رأس الميت، قال: عليه الدية لأن حرمته ميتاً كحرمته وهو حي»(3)، فتحمل الصحيحتان على الصحيحة الأولى لصراحة تلك وظهورهما .

أقول: الصحيحتان جاءتا في مقام بيان أصل الدية لا في بيان مقدار الدية، والمسألة غير خلافية، ولأن في الصحيحتين ورد بأن حكم الميت حكم الحي .وهكذا صحيحة صفوان، قال «قال أبو عبد الله (علیه السلام) أبى الله أن يظن بالمؤمن إلا خيراً، وكسرك عظامه حياً وميتاً سواء»(4).

وهل أن الدية تورث أو تصرف في وجوه البر للميت ؟ الظاهر أنّها تصرف في وجوه البر للميت .

ص: 260


1- الوسائل باب 24 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
2- الوسائل باب 24 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .
3- الوسائل باب 24 من أبواب ديات الأعضاء ح6 .
4- الوسائل باب 25 من أبواب ديات الأعضاء ح4 .

الجناية على الحيوان

المسألة 398: كل حيوان قابل للتذكية سواء كان مأكول اللحم أم لم يكن وإذا ذكاه أحد بغير أذن مالكه فالمالك مخير بين أخذه ومطالبته بالتفاوت بين كونه حياً وذكياً(1)، وبين عدم أخذه ومطالبته بتمام القيمة(2) .

_______________________________________________________________

(1) الكلام هنا يقع في ما يؤكل لحمه، كالغنم والبقر والإبل، فإذا أتلف منها بواسطة الذكاة فيلزمه بدفع التفاوت بين كونه حياً وبين كونه ذكياً بعد عدم خروج الحيوان عن ملك مالكه بالتذكية، لأنّه ليس هناك موجب للخروج فلا محالة يمكنه أخذه، ولكن يرجع إلى الذابح ويأخذ قيمة ما به التفاوت وليس للذابح الامتناع، واستدلوا على ذلك بدعوى السيرة العقلائية .

(2) وأمّا جواز دفع الحيوان إلى مذكيه والمطالبة بقيمته ففيه خلاف وقد قال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وفاقاً لجماعة منهم الشيخ الطوسي في النهاية والمفيد في المقنعة وسلار والقاضي وابنا حمزة وسعيد خلافاً للمتأخرين والشيخ في محكي المبسوط ومال إليه المحقق في الشرائع بدعوىأنّه إتلاف بعض منافعه فبطبيعة الحال يضمن مقدار التالف دون الزائد(1).

ص: 261


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 513 _ 524 .

فإذا دفع الجاني قيمته إلى صاحبه ملك الحيوان المذكى(1)، وأمّا إذا أتلفه بغير تذكية ضمن قيمته(2)، نعم إذا بقي فيه ما كان قابلاً للملكية والانتفاع من اجزائه كالصوف ونحوه فالمالك مخير كالسابق(3).

_______________________________________________________________

وقال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) ولكن الصحيح هو القول الأول وذلك لأنّ الحيوان الحي بنظر العرف مباين للحيوان الميت، وقد اتلفه بالتذكية كان ذلك من التلف عندهم فيضمن، وعليه للمالك حق ألزام المتلف بإعطاء القيمة وليس له حق الامتناع عن ذلك، عليه بناء العقلاء أيضاً(1).

وقد قلنا إنّه يبقى في ملك مالكه فليس له إلا أخذ ما به التفاوت، وإن دخل في ملك الذابح فلابد من أخذ تمام القيمة ولا معنى لتخيير المالك والحق أنّه إتلاف لبعض منافعه والمال باقٍ على ملك مالكه فله أخذ ما به التفاوت وهو الأشبه .

(1) لأنّه بعد الدفع حصلت المعاوضة ولا يجوز أن يجمع المالك بين العوض والمعوض، فمع بقاء المعوض في ملكه فلا تصح المعاوضة .

(2) للقاعدة أي أن الحيوان أصبح ميتة وهي غير قابلة للتمليك والضمان يكون يوم إتلافه .

(3) الحق هو للمالك فهو مخير بين أن يأخذ الصوف ونحوه وبين أنيأخذ ما به التفاوت بين قيمة صوف الحي والميت، وله أن يدفع الصوف له وله أخذ قيمة صوف الحي .

ص: 262


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 524.

وإذا جنى عليه بغير إتلاف كما إذا قطع بعض اعضائه، أو كسر بعضها، أو جرح فعليه الأرش وهو التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب(1)، نعم إذا فقأ عين ذات القوائم الأربع فعلى الجاني ربع ثمنها(2).

وإذا جنى عليها فالقت جنينها ففيه عشر قيمتها(3) .

_______________________________________________________________

(1) بعد فرض ضمانه .

(2) وادعى المشهور الأرش كبقية بقاء الأعضاء، ولكن الصحيح هو ربع ثمنها لما ورد به من الروايات الصحاح .

منها: صحيح أبي العباس قال «قال: أبو عبد الله (علیه السلام) من فقأ عين دابة فعليه ربع ثمنها»(1).

ومنها: صحيحة عمر بن اذينة «قال: كتبت إلى أبي عبد الله (علیه السلام) اسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي (علیه السلام) في عن ذات الأربع قوائم إذا فقأت ربع ثمنها، قال: صدق الحسن قد قال علي (علیه السلام) ذلك»(2)

وغيرهما من الروايات .

(3) وقد ادعيّ الإجماع ولكنه مخدوش صغرى و كبرى، والعمدة رواية السكوني وهي معتبرة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) في جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عُشرقيمتها»(3).

ص: 263


1- الوسائل باب 47 من أبواب ديات الأعضاء ح1 .
2- الوسائل باب 47 من أبواب ديات الأعضاء ح2 .
3- الوسائل باب 18 من أبواب ديات النفس ح2 .

المسألة 399: في الجناية على ما لا يقبل التذكية كالكلب والخنزير تفصيل، أمّا الخنزير فلا ضمان في الجناية عليه بإتلاف أو نحوه، إلا إذا كان لكافر ذمي، ولكن يشترط في ضمانه له قيامه بشرائط الذمة وإلا فلا يضمن، كما لا ضمان في الخمر وآلة اللهو وما شاكلهما(1).

_______________________________________________________________

(1) لأنّه لا يملك، نعم لو كان للذمي وعمل بشرائط الذمة فأصبح دمه وماله محقوناً، إذاً فإتلافه موجب للضمان وإلا لا يضمن، ففي صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إن رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا، ولا يأكلوا لحم الخنزير، ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ، ولا بنات الأخت، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة الله تعالى، وذمة رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) قال: وليست لهم اليوم ذمة»(1).

ودلالة هذه الصحيحة على الذمي العامل بشرائط الذمة، وأمّا من لم يعمل فواضح لأنّه معنى من لم يعمل فدمه هدر، فماله يكون هدراًبطريق أولى ولا يكون محقون الدم، ولكن الرواية وردت فيها ترك أكل الخنزير والربا، وأمّا إذا كان مستتراً فلا، وهناك روايتان تدلان على الضمان مطلقاً مستتراً كان أم لا .

الرواية الأولى هي رواية مسمع عن أبي عبد الله (علیه السلام) «إن أمير المؤمنين رفع إليه رجل قتل خنزيراً فضمنه، ورفع إليه رجل كسر بربطاً فأبطله»(2)

والرواية لا إطلاق فيها، بل هي قضية في واقعة على ما قاله الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) فمضافاً إلى ضعفها سنداً بسهل بن زياد، وشمون والأصم، أنها قضية في واقعة فلا إطلاق لها،

ص: 264


1- الوسائل باب 48 من أبواب جهاد العدو ح1 .
2- الوسائل باب 26 من أبواب موجبات الضمان ح1 .

وأمّا الكلب فكذلك غير كلب الغنم وكلب الحائط وكلب الزرع وكلب الصيد(1)، وأمّا فيها ففي الأول والثاني والثالث يضمن القيمة وأمّا الرابع فالمشهور أن فيه أربعين درهماً وفيه إشكال، والأظهر أن فيه أيضاً القيمة إذا لم تكن أقل من أربعين درهماً وإلا فأربعون درهماً(2) .

_______________________________________________________________

ومنه يظهر حال معتبرة غياث أيضاً حيث إنّه لا إطلاق فيها ليتمسك به لإثبات الضمان حتى في صورة عدم التستر والعمل بشرائط الذمة(1).

والرواية الثانية معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه في حديث «إن علياً (علیه السلام) ضمن رجلاً أصاب خنزير النصراني»(2)، وهذه أيضاً لاإطلاق فيها بل هي كذلك قضية في واقعة حتى يمكن التمسك بإطلاقها لكي نقول بالضمان ولو مع عدم التستر، ومن هنا ظهر ما ذكره في الجواهر بقوله: لإن النصوص مطلقة ولعل الوجه في إطلاق ضمان خنزير النصراني أن بنائه على عدم التستر به فلم يكن ذلك من شرائط الذمة عليه(3) .

(1) أنّه مما لا يتملك عادة إلا إذا كان ذمياً وعمل بشرائط الذمة .

(2) أي لا يضمن لعدم القابلية للملكية إلا الكلاب الأربع الزرع والصيد، وكلب الغنم، والحائط، إذاً يجب عليه دفع القيمة بالنسبة لهذه الأصناف الأربعة .

والحق هو قول المشهور كما وردت في الروايات الصحاح كمعتبرة الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: دية كلب السلوقي أربعون درهماً أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم)

ص: 265


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 527 .
2- الوسائل باب 26 من أبواب موجبات الضمان ح2 .
3- الجواهر / 43 / 400 .

................................

بذلك»(1)، ورواها الصدوق بسنده المعتبر إلى قوله (علیه السلام) أربعون(2)،

ومنها معتبرة عبد الأعلى بن اعين عن أبي عبد الله في كتاب علي (علیه السلام) «دية كلب الصيد أربعون درهماً»(3) للشهرة ولترجيح هذه الروايات على رواية دلت على إعطاء القيمة وإن كان الأحوط هو القول بأربعين إن لم يكن قيمته أكثر وإلا إعطاء القيمة .

ص: 266


1- الوسائل باب 19 من أبواب ديات النفس ح1 .
2- الوسائل باب 19 من أبواب ديات النفس ح6 .
3- الوسائل باب 19 من أبواب ديات النفس ح5 .

كفارة القتل

المسألة 400: تقدم في أوائل كتاب الديات ثبوت الكفارة في قتل المؤمن زائدة على الدية، لكنها تختص بموارد صدق عنوان القاتل، كما في فرض المباشرة وبعض موارد التسبيب(1).

_______________________________________________________________

(1) أي يكون بآلة قاتلة بقصد القتل، أو لآلة قاتلة نوعاً ولو بغير قصد القتل، ولكن قصد القتل كما إذا ضرب مكرراً إلى أن يموت أو بآلة قاتلة ولو لم يكن من قصده القتل، ففي هذه الصور كلها يجب عليه الكفارة أي كفارة الجمع عتق رقبة، صيام شهرين متتابعين، إطعام ستين مسكيناً وتدل عليه معتبرة إسماعيل بن جابر الجعفي قال «قلت لإبي جعفر (علیه السلام) الرجل يقتل الرجل متعمداً، قال: عليه ثلاث كفارات بعتق رقبة، ويصوم شهرين متتابعين، ويطعم ستين مسكيناً، وقال: وافتى علي بن الحسين بمثل ذلك»(1)

ومنها صحيحة عبد الله بن سنان وابن بكير جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمداً هل له توبة، قال: إن كان قتله لأيمانه فلا ديةله، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا، فإنّ توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول، فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفو عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، وأعتق نسمه

ص: 267


1- الوسائل باب 10 من أبواب القصاص في النفس ح3 .

ولا تثبت فيما لا يصدق عليه ذلك وإن ثبتت الدية فيه، كما لو وضع حجراً أو حفر بئراً أو نصب سكيناً في غير ملكه، فعثر به عاثراً اتفاقاً فهلك، فلا كفارة عليه في هذه الموارد(1) .

المسألة 401: لا فرق في وجوب الكفارة بقتل المسلم بين البالغ وغيره(2)، والعاقل المجنون، والذكر والأنثى، والحر والعبد(3)، وإن كان العبد عبد القاتل، والمشهور وجوب الكفارة في قتل الجنين بعد ولوج الروح، وفيه إشكال، والأقرب عدم الوجوب .

_______________________________________________________________

وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستين مسكيناً توبة إلى الله عز وجل»(1).

(1) كما إذا حفر بئراً بقصد قتل حيوان رآه من بعيد فوقع فيه فمات فإنّه قتل خطأ إذا بآن أنّه إنسان، أمّا إذا حفر بئراً يقصد قتل إنسان فوقع فمات، ففي كلا الصورتين هو قاتل يجب مع الدية دون الكفارة لأنّه يصدق عليه قاتل فتجب عليه الدية، أمّا الكفارة فلا، وأمّا وجوب الدية فمن جهة دليل خاص، نعم إذا صدق أنّه قاتل بهذا الفعل فتجب الكفارة .

(2) والمسألة غير خلافية لأنّ صدق المسلم على غير البالغ إذا كان مميزاً وبالنسبة إلى غير المميز محل تأمل .(3) للإطلاق وللروايات .

منها: صحيحة حمران عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل يقتل مملوكاً له قال: يعتق رقبه، ويصوم شهرين متتابعين ويتوب إلى الله عز وجل»(2).

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: من قتل عبده متعمداً

ص: 268


1- الوسائل باب 9 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 37 من أبواب القصاص في النفس ح2 .

................................

فعليه أن يعتق رقبة وأن يطعم ستين مسكيناً وأن يصوم شهرين»(1).

ومنها: صحيحة أبي أيوب الخزاز «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل ضرب مملوكاً له فمات من ضربه، قال: يعتق رقبة»(2).

ولا فرق بين أن يتعلق القود على القاتل أم لا، كما إذا قتل المولى عبده فإنّه لا يتعلق به القود ويعزر ولكن يغرم به الكفارة، فلا فرق فيما إذا كان القاتل والمقتول رجلاً أو امرأة، وهذا بالنسبة إلى المسلم لصدق المسلم عليه أمّا غير المسلم كالذمي فلا يكون على القاتل إلا الدية دون الكفارة .

أمّا الإشكال فلعدم الدليل من الكتاب والسنة يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إن تم إجماع في المسألة فهو، ولكنه غير تام، ولذا ناقش في وجوبها الاردبيلي(3) إذاً الاردبيلي مخالف ولم يتحقق الإجماع، وأمّا كبرى على فرض تحققه فالإجماع غير حجة عنده وعندنا .

وأمّا ما ذكره العلامة في التحرير من وجوب الكفارة بقوله: إنما تجبالكفارة بقتل المسلم ومن هو بحكمه من الأطفال وإن كان جنيناً لم تلجه الروح بعد تمام خلقته سواء كان ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً عاقلاً أو مجنوناً مملوكاً للقاتل أو لغيره، لا تجب الكفارة بقتل الذمي وغيره من اصناف الكفار معاهداً كان أو غير معاهد، حل قتله أم حرم(4)

فإنّه مردود بوجهين الأول: عدم صدق القتل عليه حقيقة .

والثاني: لو قلنا أنّه لا كفارة في الجنين الذي ولجته الروح فبطريق أولى لا كفارة في الجنين الذي لم تلجه الروح .

ص: 269


1- الوسائل باب 37 من أبواب القصاص في النفس ح3 .
2- الوسائل باب 37 من أبواب القصاص في النفس ح8 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 536 .
4- تحرير الأحكام / 5 / 635 .

وأمّا الكافر فلا كفارة في قتله من دون فرق بين الذمي وغيره(1).

المسألة 402: لو اشترك جماعة في قتل واحد فعلى كل منهم كفارة(2).

المسألة 403: لا إشكال في ثبوت الكفارة على القاتل العمدي إذا رضي ولي المقتول بالدية أو عفا عنه، وأمّا لو قتله قصاصاً أو مات بسبب آخر فهل عليه كفارة في ماله ؟ فيه إشكال، والأظهر عدم الوجوب(3) .

_______________________________________________________________

(1) وأمّا الكافر ففي عدم وجوب الكفارة في قتله محل اتفاق، أولاً وثانياً أن ظهور الأدلة اشترطت فيه الأيمان لتحقق الكفارة .

(2) لأنه يصدق على كل واحد منهم أنّه قاتل ويتعلق بكل منهم كفارة القتل، والمسألة غير خلافية .

(3) المسألة غير خلافية بل الإجماع بقسميه، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) وتدل على ذلك مضافاً إلى أن الكفارة قد ثبتت بالقتل وسقوطها بعد ثبوتها يحتاج إلى دليل ولا دليل في المقام(1)

وبيان ذلك أن المسألة ذات قولين:

الأول: عدم وجوب الكفارة وسقوطها بالموت وأختار هذا القول جماعة منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس في محكى السرائر، والمفيد في المقنعةوابن فهد في المهذب وابن حمزة في الوسيلة .

الثاني: وجوبها وأختار هذا القول جماعة منهم العلامة في المختلف والتحرير، بل عن الشيخ في الخلاف، وادعوا إجماع الفرقة وأخبارهم عليه وقواه صاحب الجواهر(2).

ص: 270


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 536 .
2- جواهر الكلام / 43 / 311 .

المسألة 404: لو قتل صبي أو مجنون مسلماً فهل عليهما كفارة ؟ فيه وجهان، الأظهر عدم وجوبه(1).

_______________________________________________________________

واستدلوا على وجوب الأول بالاستصحاب، ومن المعلوم أن شرط الاستصحاب اتحاد الموضوع، قد ذكر في الصحاح المتقدمة عن حمران وأبي بصير والخزاز أن الكفارة مشروطة بعدم القتل .

وعلى الثاني بأصالة عدم السقوط وقد ذكرنا عدم جريان هذا الاستصحاب بنفسه .

الثالث: أنّها من حقوق الله المتعلقة بالمال فلا تسقط بالموت، وفيها أنّه تكليف محض، لا أنّه تكليف متعلق بالمال، والعمدة السقوط بالدليل فالعمدة القول الأول .

(1) لا شك ولا شبهة بأن الصبي والمجنون لا تمكين عليهما ولذا لا يقاد منهما، وكفارة القتل هي تكليف محض، وليست من الحقوق المتعلقة بالمال وما دل من الروايات بالإطلاق لشمولها للصبي والمجنون تقيد بحديث الرفع وعلى فرض التنزل بأن المسألة مالية فأيضاً حديث الرفع بإطلاقه كما يشمل الحكم التكليفي يشمل الحكم الوضعي وفي المسالك بقوله: وإطلاقالنص يقتضي عدم الفرق في القاتل بين كونه مكلفاً وغيره، فتجب على الصبي والمجنون بقتل المسلم، وإن لم تجب عليهما الكفارة في غيره فيخرج العتق والإطعام من مالهما كما يخرج غيرها من الحقوق(1)، وما ذكره (قدس سرُّه) في غير محله .

ص: 271


1- المسالك / 15 / 505 .

فصل في العاقلة

المسألة 405: عاقلة الجاني عصبته والعصبة هم المتقربون بالأب كالأخوة والأعمام وأولادهم وإن نزلوا(1).

_______________________________________________________________

(1) مورد العاقلة هو العصبة، والمعتق من له ولاء العتق وضامن الجريرة أي من له ولاء ضمانها، ثم الإمام (علیه السلام) أي من له ولاية الإمامة والعصبة تفسر بالذين يؤخذ منهم دية الخطأ المحض أي المتقرب إلى الجاني بالأب كالأخوة وأولادهم، والعمومة وأولادهم .ولا يخفى أنّه لا يشترط في عصبة الجاني أن يكون من أهل الإرث من الجاني، لأنّه قد يكون وارثاً ولو لم يكن من العصبة، فما قيل بأنه يشترط في العصبة أن يكونوا وارثين من الجاني فغير تام، ولذا ترى لو قتل الجاني يرث ديته الزوجة والذكور والإناث، ولكن بالعقل يعني الدية تؤخذ ممن يتقرب بالأب دون من يتقرب بالأم، أو من يتقرب الأب من الإناث والمشهور هو ما ذكر في المتن وذكر ذلك المحقق في الشرائع بقوله: ومن الأصحاب من خص به الأقرب ممن يرث بالتسمية ومع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرب بالأم، مع من يتقرب بالأب أثلاثاً، وهو استناد إلى رواية سلمة بن كهيل(1)عن

أمير المؤمنين (علیه السلام) «قال: أتي

ص: 272


1- شرائع الإسلام / 4/ 529 .

................................

أمير المؤمنين برجل قد قتل رجلاً خطأ، فقال له: أمير المؤمنين (علیه السلام) من عشيرتك وقرابتك ؟ فقال ما لي بهذا البلد عشيرة ولا قرابة، قال، فقال: فمن أي البلدان أنت؟ قال: أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها ولي بها ولي بها قرابة وأهل بيت قال: فسأل عنه أمير المؤمنين (علیه السلام) فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة، قال: فكتب إلى عامله على الموصل: أمّا بعد فإن فلان بن فلان وحليته كذا وكذا قتل رجلاً من المسلمين خطأ، فذكر أنّه رجل من أهل الموصل، وأن له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به إليك مع رسولي فلان وحليته كذا وكذا، فإذا ورد عليك إن شاء الله وقرأت كتابي فافحص عن أمره وسل من قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها وأصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك، ثم أنظر فإن كان رجل منهميرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية، وخذه بها نجوماً في ثلاث سنين، فإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب وكانوا قرابته سواء في النسب وكان له قرابة من قبل أبيه وأمه سواء في النسب ففضّ الدية على قرابته من قبل أبيه وعلى قرابته من قبل أمه من الرجال المدركين المسلمين، ثم اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية، واجعل على قرابته أمه ثلث الدية، وأن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففضّ الدية على قرابته من أمه من الرجال المدركين المسلمين، ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين، وإن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ولا قرابة من قبل أمه ففضّ الدية على أهل الموصل ممّن ولد ونشأ بها ولاتدخلنّ فيهم غيرهم من أهل البلد، ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجماً حتى تستوفيه إن شاء الله»(1).

ولكن الحق إنما ورد في الرواية من الاشتراك في العقل بين من يتقرب له

ص: 273


1- الوسائل باب 2 من أبواب العاقلة ح1 .

................................

بالأب مع من يتقرب له بالأم في هذه الرواية غير تام، مضافاً إلى ضعف السند فإن حسن بن محبوب يروي عن مالك بن عطية عن أبيه عن سلمة ابن كهيل، فإن سلمة وابا عطية كلاهما حالهما غير معلوم، وورد عن كشف اللثام بقوله: وقيل الأقرب ممن يرث القاتل بالتسمية ومع عدمه يشترك في العقل بين من يتقرب بالأم من أولي الارحام مع من يتقرب بالأب أثلاثاً وبالجملة هم الورثةعلى ترتيب الارث(1).

واستدل على ذلك بمعتبرة أبي بصير «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة اداه الإمام، فإنه لا يبطل دم أمرئ مسلم»(2) وصحيحة ابن أبي نصر عن جعفر (علیه السلام) «في رجل قتل رجلاً عمداً ثم فرّ فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب»(3).

ومرسلة يونس بن عبد الرحمن عن أحدهما C «أنّه قال: في الرجل إذا قتل رجلاً خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من _ الدية _ أن الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال»(4)،

وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال، مضافاً إلى أن موردها القتل الشبيه بالعمد، لأن المفروض أن الدية كانت واجبة على القاتل فمات قبل أن يفرغ ذمته، فهي لا يمكن أن يستدل بها لوجوب الدية على العاقلة .

ص: 274


1- كشف اللثام / 11/ 499 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح3 .
4- الوسائل باب 6 من أبواب العاقلة ح1 .

وهل يدخل في العاقلة الآباء وإن علوا والأبناء وإن نزلوا الأقرب الدخول(1).

_______________________________________________________________

أمّا الصحيحتان فإن موردها القتل العمدي ولا يكون على العاقلة فيه شيء والحكم بوجوب الدية على الوارث هو حكم تعبدي ولا يمكن التعديإلى قتل الخطأ، إذاً قول المشهور هو الصحيح لغة وعرفاً فهي مختصة بالمتقرب بالأب فقط .

(1) هناك خلاف بين الفقهاء ونسب الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) إلى الشيخ في المبسوط والخلاف عدم دخولهما(1)،

ودليلهم على المنع ما ورد في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) على امرأة اعتقت رجلاً واشترطت ولاءه ولها ابن فالحق ولاء بعصبتها الذين يعقلون عنه دون ولدها»(2)،

قيل الصحيحة تدل على عدم دخول الولد في العصبة، بمعنى عاقلة المرأة الذين يعقلون عن الرجل المشروط ولاؤه، إذا فرض أنّها ماتت أي المرأة التي اعتقت الرجل، وبعبارة أخرى إن الولد مستثنى ممن له الولاء وهم العصبة، فإن ولاء الأم لا يصل إلى ولدها وإنما يصل إلى غيرها من عصبتها، إذاً فالصحيحة تدل على دخول الولد في العاقلة، ولكن لا يرث الولاء من الأم، وهذه لا تدل على عدم دخول الولد في العصبة على العموم، أي حتى في الولاء المشروط لأبيه المعتق، فضلاً عن عدم دخول الأب في العصبة، قال الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) والصحيح ما هو المشهور بين الأصحاب والدليل على ذلك هو اختصاص العصبة لغة وعرفاً بالمتقربين بالأب ولا تشمل المتقربين بالأم(3)،

أقول تشمل الأب والأبن أيضاً.

ص: 275


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 542 .
2- الوسائل باب 39 من أبواب كتاب العتق ح1 .
3- مباني تكملة المنهاج / 2 / 542 .

ولا يشترك القاتل مع العاقلة في الدية(1)ولا يشاركهم فيها الصبي ولا المجنون، ولا المرأة وإن ورثوا منها(2).المسألة 406: هل يعتبر الغنى في العاقلة ؟ المشهور اعتباره، وفيه إشكال والأقرب عدم اعتباره(3).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية وادعي الإجماع بقسميه، فالعاقلة تضمن الجناية وهو غير القاتل إذا كانت جنايته من الخطأ المحض .

(2) لرفع القلم عنهما أي قلم التكليف والوضع ولا ملازمة بين كونهم وارثين وعدم وجوب الدية عليهما، أمّا المرأة فلأنّها خارجة عن العاقلة حتى بناءً على دخول الأقارب من طرف الأم في العاقلة، فيراد به الذكور منهم دون الإناث فالمرأة خارجة عن العصبة، والذكور أيضاً ليسوا من العصبة لأنّهم من طرف الأم كما ذكرنا، إن ورد في رواية سلمة بن كهيل دخولهم في العصبة، ولكنك قد عرفت ضعف الرواية .

(3) أنّه لا دليل على الاعتبار، لأن الغنى لا يكون شرطاً مقوماً لعنوان العصبة، ولا عصبة الجاني غالباً يكون من الأغنياء، فالأظهر عدم شرطيته الغنى خلافاً لما نسب إلى جماعة، ولصاحب الجواهر دعوى عدم الخلاف(1) يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) أن تم الإجماع فهو ولكنه غير تام، فإذاً الأقرب عدم الاعتبار وأّنه لا فرق بين الغني والفقير في ذلك(2)،

وهذا عجيب منه لأنه لا يكون حجة عنده، إذاً لو فرض وجود الإجماع فهو لا يفيد، إلا أن يقال بأنّه تعبدي ويكون حجة، ومع ذلك لو كان غنياً بالقوة، أي يتمكن من دفع الدية تدريجاً فيجب عليه .

ص: 276


1- جواهر الكلام / 43/431 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2/ 544 .

المسألة 407: لايدخل أهل البلد في العاقلة إذا لم يكونوا عصبة(1).

المسألة 408: المشهور أن المتقرب بالأبوين يتقدم على المتقرب بالأب خاصة، وفيه إشكال والأظهر عدم الفرق بينهما(2) .

المسألة 409: يعقل المولى جناية العبد المعتق ويرثه المولى إذا لم تكن له قرابة، وإذا مات مولاه قبله فجنايته على من يرث الولاء(3) .

_______________________________________________________________

(1) لأنّ الواجب هو الدفع على العصبة، والمسألة غير خلافية فلا اعتبار ولا دية لمن كان في البلد ولم يكن من العصبة، نعم ذكر بأنّه ورد في رواية سلمة بن كهيل، ولكن الرواية مع ضعفها متروكة ولم يعمل بها أحد .

(2) قلنا لا ربط في مسألة الإرث بالعاقلة، مضافاً إلى أنّه لا دليل على هذا، وأمّا الروايتان وهما معتبرة أبي بصير وصحيحة البزنطي المتقدمتان ولذا قال صاحب الجواهر: كما في القواعد وغيرها ومحكي المبسوط، بل لا أجد فيه خلافاً بينهم معللين له بإنه الأقرب فالأقرب احق بالأرث(1).

(3) دون من ينعتق على مولاه قهراً إذا كان بتنكيل مولاه، والمسألة غير خلافية وقد ادعي الإجماع بقسميه وهو يرثه، ويدل عليه صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا ولي الرجل فله ميراثه وعليه معقلته».

ص: 277


1- الجواهر / 43 / 422 .

المسألة 410: إذا لم تكن للقاتل أو الجاني عصبة ولا من له ولاء العتق وكان له ضامن جريرة فهو عاقلته(1)، وإلا فيعقله الإمام من بيت المال .

_______________________________________________________________

(1) قيل يضمن إجماعاً بقسميه، وفيه أولاً: أن الإجماع ليس بحجة، ثانياً: غير محصل، إذاً إذا ثبت عدم خلافية المسألة فيها وإلا فالعمدة هي الروايات التي وصلت إلى الاستفاضة، كصحيحة إسماعيل بن الفضل «قال سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل إذا اعتق أله أن يضع نفسه حيث شاء ويتولى من أحب ؟ فقال: إذا اعتق لله فهو مولى الذي أعتقه وإذا أعتق فجعل سائبة فله أن يضع نفسه ويتولى من شاء»(1)،

ومنها صحيحة عبد الله بن سنان قال «قال: أبو عبد الله (علیه السلام) من أعتق رجلاً سائبة جريرته شيء وليس له من الميراث شيء، ويشهد على ذلك، وقال: ومن تولى رجلاً ورضي به فجريرته عليه وميراثه له»(2)ومنها صحيحة سليمان ابن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سألته عن مملوك اعتق سائبة، قال يتولى من شاء، وعلى من تولاه جريرته وله ميراثه، قلت: فإن سكت حتى يموت ؟ قال: يجعل ماله من بيت مال المسلمين»(3).

ص: 278


1- الوسائل باب 36 من أبواب العتق ح1 .
2- الوسائل باب 41 من أبواب العتق ح2 .
3- الوسائل باب 41 من أبواب العتق ح1 .

المسألة 411: تحمل العاقلة دية الموضحة وما فوقها من الجروح ودية ما دونها في مال الجاني(1) .

المسألة 412: قد تقدم أن عمد الأعمى خطأ فلا قود عليه، وأمّا الدية فهي على عاقلته، فإن لم تكن له عاقلة ففي ماله(2)،

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية، ويؤيد ذلك معتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) أن لا يحمل على العاقلة إلا الموضحة فصاعداً، قال: ما دون السمحاق أجر الطبيب سوى الدية»(1) أي يحسب أجر الطبيب زائداً على الدية، وهذا لم يقل به أحد .

(2) لا يخفى أن دية الخطأ تستأدى في ثلاث سنين بلا فرق بين دية النفس أو الطرف، كما ورد في صحيحة أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: كان علي (علیه السلام) يقول: تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة»(2)

.

وبما أن عمد الأعمى خطأ فلا قود عليه كما ورد في صحيحة محمد بن الحلبي «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه فوثب المضروب على ضاربه فقتله، فقال أبو عبد الله (علیه السلام) هذان متعديان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً لأنه قتله حين قتله وهو أعمى والاعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ماجنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين، ويرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه»(3).

ص: 279


1- الوسائل باب 5 من أبواب العاقلة ج1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب ديات النفس ح1 .
3- الوسائل باب 10 من أبواب العاقلة ح1 .

وإن لم يكن له مال فعلى الإمام(1) .

_______________________________________________________________

(1) يدفع من بيت مال المسلمين لا من ماله الخاص، لأن أموال بيت المسلمين يقتضي صرفها في المصالح الخاصة بهم، وقد وردت بها روايات .

منها: صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: ليس فيما بين أهل الذمة معاقلة، إلى أن قال فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين لأنّهم يؤدون إليه الجزية»(1) وبما أن الجزية تذهب إلى بيت المال فلابد أن تدفع الدية من بيت المال .

ومنها: صحيحة ابي ولاد «قال: سألت ابا عبد الله (علیه السلام) عن رجل مسلم قتل رجلاً مسلماً، فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلا أولياء من أهل الذمة من قرابته، قال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، إلى أن قال: فإن لم يسلم احد كان الإمام ولي امره فإن شاء قتل وإن شاء اخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين، لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين»(2).

ص: 280


1- الوسائل باب 1 من أبواب العاقلة ح1 .
2- الوسائل باب 60 من أبواب القصاص في النفس ح1 .

المسألة 413: تؤدي العاقلة دية الخطأ في ثلاث سنين(1)، ولا فرق في ذلك بين الدية التامة والناقصة، ولا بين دية النفس ودية الجروح(2) وتقسط في ثلاث سنين ويستأدى في كل سنة ثلث منها(3) .

المسألة 414: الأظهر عدم اختصاص التأجيل بموارد ثبوت الدية المقدرة(4) .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية وادعوا عليها الإجماع وما ورد من ربيعة حيث أجلها خمس سنوات لا دليل عليه، وقد دلت على الثلاثة الروايات كصحيحة أبي ولاد والحلبي الماضيتين .

(2) وذلك للإطلاقات وليس هناك دليل على الخلاف .

(3) لأنّه ورد في الروايات ثلاث سنين بمعنى أنّه في كل سنة يدفع الثلث، أمّا التقسيم بغير ذلك يحتاج إلى دليل ولا دليل في البين .

(4) لعدم الدليل بل التأجيل يكون مطلقاً لأنّه لا موجب للاختصاص قد يقال بأن الدية في صحيحة أبي ولاد قد تكون منصرفة إلى خصوص دية النفس، أو مطلق الدية المقدرة .

ولكن هذا القول والدعوى يكون بلا دليل خصوصاً ما ذكر في صحيحة محمد بن الحلبي الجناية خطأ لا الدية حتى تحمل على المقدّر، والجناية غير مختصة بما له مقدّر، فمعنى إطلاق هذه الصحيحة عدم الفرق بين النفس والطرف المقدّر وغير مقدّر قال السيد الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) الأولاختصاص التأجيل بدية النفس فحسب، وحكي هذا القول عن العلامة في بعض كتبه(1)،

وهذا يكون بلا دليل .

ص: 281


1- مباني تكملة المنهاج / 2 / 550 .

المسألة 415: دية جناية الذمي وإن كانت خطأ محضاً في ماله(1) دون عاقلته، وإن عجز عنها عقلها الإمام(2)(علیه السلام) .

_______________________________________________________________

(1) والمسألة غير خلافية بينهم، وتدل عليه صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: ليس فيما بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة، إنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن له مال رجعت الجناية على إمام المسلمين، لأنّهم يؤدون إليه الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى سيده قال: وهم مماليك للإمام فمن أسلم منهم فهو حر»(1).

(2) والمسألة غير خلافية بين الفقهاء والصحيحة المتقدمة تكون دالة عليه، ولو كان للذمي عصبة من المسلمين هل يعقلون عنه، يقول الاستاذ الاعظم (قدس سرُّه) بل المقطوع عدمه وذلك لأمرين، الأول: الأولوية القطعية فإن عصبته من الكفارة إذا لم يعقلوا عنه فلا يعقل عنه المسلمون بطريق أولى الثاني: إطلاق الحصر في الصحيحة المتقدمة وهو قوله (علیه السلام) «إنما يؤخذ ذلك من أموالهم» فإن مقتضاه أن جنايته في ماله وإن كان له عصبة من المسلمين(2) إذاً بما أنّه ليس هناك دليل على ذلك، فلا تكون الدية على العاقلةمن المسلمين إن كانوا من اقربائه .

ص: 282


1- الوسائل باب 1 من أبواب العاقلة ح1 .
2- مباني تكملة المنهاج / 2 / 552 .

المسألة 416: لا تعقل العاقلة إقراراً ولا صلحاً، فلو أقرّ القاتل بالقتل أو بجناية أخرى خطأً تثبت الدية في ماله دون العاقلة، وكذلك لو صالح عن قتل خطائي بمال آخر غير الدية فإن ذلك لا يحمل على العاقلة(1).

المسألة 417: تتحمل العاقلة الخطأ المحض دون العمد وشبيه العمد(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا الجناية فتحملها العاقلة في حال كون الجناية دون العمد، وأمّا بالنسبة إلى الإقرار فإن ثبوت الخطأ يكون بالبينة كسائر الأشياء والموضوعات ولا يثبت بإقرار الجاني، فإن إقراره يكون في هذا الفرض على الغير وهو العاقلة فلا يثبت لأن إقرار العقلاء إنما يكون حجة على أنفسهم، وكذلك الصلح نفوذه بين المتصالحين، والعاقلة خارجة عنه فلا يكون نافذ في حق العاقله، والعمدة معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين (علیهم السلام) «قال: العاقلة لا تضمن عمداً، ولا إقراراً، ولا صلحاً»(1).

(2) لا يخفى أن القتل على ثلاثة أقسام العمد، وشبيه العمد، والخطأ المحض، فالقتل العمد هو أن يكون قاصداً لكل من الفعل وترتب إزهاق الروح، أو أن يكون فعله بما يقتل الشخص عادة بحسب فعله مع ترتب الموت عليه، ففي صحيحة ابي العباس، وزرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال أن العمد أن يتعمده فيقتله بما يقتل مثله، والخطأ أن يتعمده ولا يريد قتله يقتلهبما لا يقتل مثله والخطأ الذي لاشك فيه ان يتعمد شيئاً آخر فيصيبه»(2).

ولا يخفى أن دية القتل عمداً على الجاني لا على العاقلة ولا على بيت مال المسلمين،

ص: 283


1- الوسائل باب 3 من أبواب العاقلة ح2 .
2- الوسائل باب 11 من أبواب القصاص في النفس ح13 .

نعم لو هرب القاتل ولم يقدر عليه أو مات، فإن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم تكن له قرابة أداه الإمام (علیه السلام)(1).

_______________________________________________________________

كما في صحيحة عبد الله بن سنان، وابن بكير جميعاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمداً هل له التوبة ؟ فقال: إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فأن توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفو عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية واعتق نسمة وصام شهرين متتابعين، واطعام ستين مسكيناً توبة إلى الله عز وجل»(1) وغيرها من الروايات .

أمّا دية شبيه العمد فيكون على القاتل أيضاً وهو من الأمور المتسالم عليها ولم ينسب الخلاف إلا إلى الحلبي(2)وقد

ورد بأنّه إذا لم يكن له مال فديته على الإمام كما في موثقة أبي عبيدة «قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن أعمى فقأ عين صحيح، فقال: إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيهالدية من ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام ولا يبطل حق أمرئ مسلم»(3)

(1) كما ورد في معتبرة أبي بصير «قال: سالت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله، وإلا فمن الاقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة اداه الإمام فإنه لا يبطل دم أمرئ مسلم»(4)

وغيرها من الروايات .

ص: 284


1- الوسائل باب 9 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- قد مر الحديث .
3- الوسائل باب 35 من أبواب القصاص في النفس ح1.
4- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1 .

المسألة 418: لو جرح أو قتل نفسه خطأ لم يضمنه العاقلة ولا دية له(1) .

المسألة 419: المملوك جنايته على رقبته ولا يعقلها المولى(2).

المسألة 420: تجب الدية على العاقلة في القتل الخطائي كما مرّ فإن لم تكن له عاقلة أو عجزت عن الدية أُخذت من مال الجاني(3).

_______________________________________________________________

(1) المسألة غير خلافية، وما دل على وجوب الدية على العاقلة في قتل الخطأ المحض لا يشمل المورد .

(2) وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام) «قال: قضى أمير المؤمنين (علیه السلام) في مكاتب قتل إلى ان قال: والعبد لا يغرم اهله وراء نفسه شيئاً»(1)، وتؤيده رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل العبد الحر دفع إلى أولياء الحر، فلا شيء على مواليه»(2).

(3) المسألة مشهورة ومعروفة بينهم إلا أنّه قد خالف في ذلك الشيخ بقوله: ومتى لم يكن للقاتل خطأ عاقلة ولا من يضمن جريرته من مولى نعمة أو مولى تضمن جريرة ولا له مال وجبت الدية على بيت المسلمين(3) ولكن الحق ما عليه المشهور وتدل عليه رواية محمد بن حلبي ويقول في ذيل الرواية «إن لم يكن للأعمى عاقله لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها فيثلاث سنين يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه»(4)، وبما أن عمد الأعمى خطأ فالرواية غير مختصة بموردها، ولا يخفى بأن العجز لم يرد في الرواية، ولكن هو مشترك مع وجود

ص: 285


1- الوسائل باب 10 من أبواب ديات النفس ح2 .
2- الوسائل باب 41 من أبواب القصاص في النفس ح2 .
3- السرائر / 3 / 357 .
4- الوسائل باب 10 من أبواب العاقلة ح1 .

وأن لم يكن له مال فهي على الإمام(1)(علیه السلام) .

_______________________________________________________________

العاقلة في الحكم إذا أمكن أخذ الدية من العاقلة وإلا لابد من مال الجاني لأن الدية أولاً وبالذات يكون على نفس الجاني وفي الخطأ المحض جاء الدليل أنّه على العاقلة، ولكن القدر المتيقن صورة وجود العاقلة وعدم عجزها، وإلا في هذين الموردين يكون على الجاني لأن الأصل الوجوب على الجاني لأنّه هو سبب القتل .

(1) وعليه المشهور والعمدة معتبرة أبي عبيدة «قال: سالت أبا جعفر عن اعمى فقأ عين صحيح، فقال: إن عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام ولا يبطل حق أمرئ مسلم»(1)، ومعتبرة أبي بصير أيضاً «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل رجلاً متعمداً ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه، قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة أداه الإمام فإنه لا يبطل دم امرئ مسلم»(2).

ص: 286


1- الوسائل باب 35 من أبواب القصاص في النفس ح1 .
2- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح1 .

المسألة 421: المشهور أنّه إذا مات بعض العاقلة فإن كان قبل تمام الحول سقط عنه، وإن كان بعد تمام الحول انتقل إلى تركته(1)، وفيه إشكال والأظهر السقوط مطلقاً .

المسألة 422: في كيفية تقسيم الدية على العاقلة خلاف، فقيل أنّها على الغني نصف دينار، وعلى الفقير ربع دينار(2).

_______________________________________________________________

(1) هذا بناءً على ضمان العاقلة بالدية، فإذا مات من كان من العاقلة فما في ذمته تحسب من ديونه فيوفى من تركته، أمّا إذا قلنا بعد الضمان على العاقلة وهو أولا وبالذات على الجاني وتحملها الدية من باب مجرد تكليف عليه والضمان يكون على الجاني، فإذا أصبح عاجزاً أو مات يسقط التكليف عنه فلا يكون أيضاً على ورثته شيء غير التكليف الذي لابد أن يتحملون لكونهم من عصبة الجاني إذا كانوا ذكوراً، إذاً الدية تسقط مطلقاً ولا وجه للتفصيل بين موت العاقلة قبل تمام الحول فتسقط منه وإن كان بعد تمام الحول ينتقل إلى تركته كما عليه المشهور .

(2) هو قول الشيخ في المبسوط بقوله: قد مضى أن قدر ما يتحمله الغني كل واحد نصف دينار والمتجمل ربع دينار(1)وفي الخلاف بقوله: الموسر عليه نصف دينار، والمتوسط ربع دينار، يوزع الأقرب فالأقرب حتى ينفذ العاقلة(2)،

المسألة غير خلافية كما عن القاضي في المهذب، واختاره العلامةفي القواعد بقوله: ويقسط على الغني عشرة قراريط وعلى الفقير خمسة(3)

والإرشاد بقوله: ويقسط على

ص: 287


1- المبسوط / 5 / 202 .
2- الخلاف / 5 / 282 .
3- القواعد الأحكام / 3 / 711 .

وقيل يقسّطها الإمام(1)(علیه السلام) أو نائبه عليهم على الشكل الذي يراه فيه مصلحة، وقيل تقسط عليهم بالسوية(2)، وهذا القول هو الأظهر .

_______________________________________________________________

الغني نصف دينار، وعلى الفقير ربع، وقيل بحسب ما يراه الإمام(1)،

ولو عموماً فيدخل فيه المجتهد الجامع لشرائط الفتوى بحسب ما يراه من احوال العاقلة في الغني والحاجة(2).

(1) الشيخ في المبسوط بقوله: بل يقسمه الإمام على ما يراه من حاله من الغني والفقر وان يفرقه على القريب والبعيد(3)ومختصر النافع بقوله: والوجه وقوفه بحسب ما يراه من أحوال العاقلة(4) .

(2) ونسب إلى صاحب الجواهر بقوله: يقسطها الإمام أو نائبه الخاص أو العام على ما يراه بحسب احوال العاقلة(5)،

وقد عرفت قول صاحب الرياض الذي ذكرناه قبل قليل، ولا يخفى أن إطلاق ما دل على أنها للحكومة على السوية هو الصحيح والتقسيط يحتاج إلى دليل وهو مفقود .

ص: 288


1- ارشاد الاذهان / 2 /230 .
2- رياض المسائل / 16 / 83 .
3- المبسوط / 5 / 203 .
4- الرياض / 16 / 583 .
5- جواهر الكلام / 33 / 435 .

المسألة 423: هل يجمع في العاقلة بين القريب والبعيد أو يعتبر الترتيب بينهم ؟ قيل بالثاني(1)، وهذا هو المشهور بين الأصحاب وفيه إشكال والأول أظهر .

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى بأن الإطلاق هو عدم الترتيب، ولم يكن هناك دليل على الترتيب إلا الإرث، فإن قوله تعالى: «وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ»(1) فأن الوارث يأخذ ما ترك الميت وهو ناظر إلى الترتيب .

وأمّا العصبة يؤخذ منهم دية الجاني خطأ، ومقتضى المناسبة أن تؤخذ الدية على كل فرد من العصبة بدون أي ترتيب، نعم ما ورد في رواية يونس بن عبد الرحمن عمّن رواه عن أحدهما C «أنّه قال: في الرجل إذا قتل رجلاً خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياءه المقتول من الدية، أن الدية على ورثته»(2)

فأنها مرسلة ومع ضعفها بالإرسال إنما هي دالة على كون الدية على نفس الجاني ولم تدل على القتل الخطأ، وما ورد في معتبرة ابي نصر «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) في رجل قتل رجلاً عمداً ثم فرّ فلم يقدر عليه حتى مات، قال: إن كان له مال أخذ منه، وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب»(3)، وهي دلت على القتل العمدي لا بالنسبة إلى الأخذ من العاقلة في الخطأ المحض .

ص: 289


1- سورة الاحزاب الآية / 6 .
2- الوسائل باب 6 من أبواب العاقلة ح1 .
3- الوسائل باب 4 من أبواب العاقلة ح2 .

المسألة 424: إذا كان بعض أفراد العاقلة عاجزاً عن الدية فهي على المتمكن منهم(1) .

المسألة 425: لو كان بعض العاقلة غائباً لم يختص الحاضر بالدية بل هي عليهما معاً(2).

المسألة 426: ابتداء زمان التأجيل في دية الخطأ من حين استقرارها وهو في القتل من حين الموت وفي جناية الطرف من حين الجناية إذا لم تسرِ وأما إذا سرت فمن حين شروع الجرح في الاندمال(3).

_______________________________________________________________

(1) لانصراف الدليل على غير المتمكن، وبما ذكرنا بأنّ ثبوت الدية على العاقلة تكليف محض، والتكليف يتوجه إلى المقدور فبطبيعة الحال سقط عن العاجز ويتوجه إلى المتمكن، والمسألة غير خلافية، والأدلة مطلقة تشمل الجميع .

(2) وهكذا بعد أن عرفت أن الدية تشمل الجميع حاضراً كان أو غائباً، فالأدلة مطلقة فلا دليل على اختصاص الحاضر بالدية، بل يكون عليهما، والمسألة متفق عليها .

(3) لأنّه بعد فرض ثبوت دية النفس على الجاني في شبه الخطأ، أو على العاقلة في زمان الموت، وأمّا الدية في الطرف إذا لم يكن للجناية سراية من حين الجناية، وإذا كانت معها سراية من حين الشروع في الاندمال، إذاً تتعين الجناية من ذلك الحين، وذلك حسب القاعدة .

ص: 290

المسألة 427: لا يعقل الدية إلا من علم أنه من عصبة القاتل ومع الشك لا تجب(1).

_______________________________________________________________

(1) لا يخفى أن مجرد الانتساب لا يكفي فلا يصدق العصبة على الشخص البعيد ولو كان من العشيرة، بل لابد أن يكون الانتساب بحيث يُعد من العصبة، فإذا لم يحرز كون الشخص من العصبة للجاني واحتمل ذلك في حقه لم يترتب عليه حكم العاقلة .

قد يقال بأن الأصل عدم انتسابه إلى الجاني ولو بنحو الاستصحاب العدم الأزلي، وقد ذكرنا في محله بأنه مثبت، وإن الانتساب وعدمه يحتاج إلى وجود الموصوف والمعروض لأن المناط بين المعروض والعرض منوط بصورة التحقق، ولذا يقال عند عدم الموصوف والمعروض لم يكن وصف وعرض وبعد وجودهما يحتمل بقاء الوصف والعرض وعدمه بلا فرق بين أن الاستصحاب على عدم الوصف بنحو السالبة المحصلة أو بنحو الاستصحاب في العدم الازلي .

ولكن نحن استشكلنا في صحة الاستصحاب للعدم الازلي، إذاً يكفي استصحاب الأصل الحكمي وهو عدم وجوب إعطاء الدية بالنسبة إلى المشكوك إلى العصبة .

ص: 291

المسألة 428: القاتل عمداً وظالماً لا يرث من الدية ولا من سائر أمواله وإذا لم يكن له وارث غيره فهي للإمام (علیه السلام) كسائر أمواله، وأمّا إذا كان شبه عمد أو خطأ محضاً فهل يرث من الدية ؟ المشهور عدمه وهو الأظهر(1).

_______________________________________________________________

(1) القاتل لا يرث من انتسب إليه أباً كان، أو أماً، أو غيرهما عمداً أو خطأ، والمسألة غير خلافية، فهو لا يرث من الدية، ولا من سائر أمواله ويدل على ذلك روايات .

منها: صحيحة هشام سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلّم) لا ميراث للقاتل»(1).

ومنها: صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) «في رجل قتل أمه قال لا يرثها ويقتل بها صاغراً، ولا اظن قتله بها كفارة لذنبه»(2).

ومنها: صحيحة جميل بن دراج عن أحدهما (علیه السلام) «قال: لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده، ولكن يكون الميراث لورثة القاتل»(3).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) «قال: إذا قتل الرجل أباه قتل به، وإن قتله أبوه لم يقتل به ولم يرث»(4)،

وفي صحيحته الأخرى «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يقتل أبنه أيقتل به ؟قال لا ولا يرث أحدهما الآخر إذا قتله»(5).

ص: 292


1- الوسائل باب 7 من باب موانع الإرث ح1 .
2- الوسائل باب 7 من باب موانع الإرث ح2 .
3- الوسائل باب 7 من باب موانع الإرث ح3 .
4- الوسائل باب 7 من باب موانع الإرث ح4 .
5- الوسائل باب 7 من باب موانع الارث ح4 .

المسألة 429: لا يضمن العاقلة عبداً ولا بهيمة(1).

_______________________________________________________________

ومنها: صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر «إن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: إذا قتل الرجل أمه خطأ ورثها، وإن قتلها متعمداً فلا يرثها»(1).

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان «قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل قتل أمه يرثها قال: إذا كان خطأ ورثها وإن كان عمداً لا يرثها»(2)،

ولا يخفى أن هناك تعارض بين الصحاح المتقدمة وبين صحيحة محمد بن قيس وعبد الله بن سنان، والتعارض يكون بالعموم من وجه فيحصل التساقط ويكون المرجع الآية: «وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ»(3)، وأن الدية تكون على القاتل ولابد من تسليمها إلى أهله .

(1) فعدم ضمان العاقلة جناية العبد فلأنه تكون في رقبته فلا يضمن جنايته مولاه أو غيره، وجناية البهيمة إذا كانت بتفريط من مالكه يكون الضمان عليه، وأمّا إذا لم يكن كذلك فهو بالقضاء والقدر .

ص: 293


1- الوسائل باب 9 من باب موانع الارث ح1 .
2- الوسائل باب 9 من ابواب موانع الارث ح2 .
3- سورة الآية النساء الآية / 92 .

المسألة 430: لو جرح ذمي مسلماً خطأً ثم أسلم فسرت الجناية فمات المجروح(1)، لم يعقل عنه عصبته لا من الكفار ولا من المسلمين وعليه فديته في ماله، وكذا لو جرح مسلم مسلماً ثم ارتد الجاني فسرت الجناية فمات المجني عليه لم يعقل عنه عصبته المسلمون ولا الكفار.

المسألة 431: لو رمى صبي شخصاً ثم بلغ فقتل ذلك الشخص فديته على عاقلته(2).

_______________________________________________________________

(1) أمّا عدم العقل من الكفار فلأنّهم لا يعقلون، أمّا بالنسبة إلى المسلمين حيث أنّهم لا يكونون عاقلة المسلم، وأمّا المسلمون بعد إن لم يكونوا عاقلة للجاني حال الجناية لأنّهم كفار، وأمّا حين الموت فهم وإن كانوا عاقلة، ولكن لا إطلاق لدليل العاقلة حتى يشمل هذا المورد، فالمتيقن هو ما إذا كان الجاني مسلماً حين الجناية، إذاً تكون ديته من ماله .

(2) لأنّ الجناية وضعت حال كونه صبياً ولو كان بالغاً حين الموت لأن استناده إليه إنما هو بسبب الجناية التي حصلت حال الصغر وكونه صبياً، إذاً الموت استند إلى الجراحة السابقة، فالقتل ولو حصل حال البلوغ ولكنه حصل بواسطة الجراحة حال صباه، فالقتل المسبب عنها يُعد خطأ والخطأ يكون على العاقلة .

والحمد لله رب العالمينتم في 10 من جمادى الثانية سنة 1430 ه_

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ص: 294

المحتويات

كتاب الديات

كتاب الديات ....... ....... 5

معنى الدية ....... ..... 5

موارد ثبوت الدية ....... ... 6

دية قتل المسلم متعمداً واصنافها ...... 8

مدة استيفاء الدية للعمد واختيار الجاني بين الأصناف المذكورة ...... 11

دية شبه العمد ....... 13

مدة استيفاء دية شبه العمد ....... 15

لو هرب القاتل فيما يشبه العمد فلم يقدر عليه أو مات ....... 16

دية الخطأ المحض تحمل على العاقلة ...... 17

ما يعتبر في الدية إن أرادت العاقلة أدائها ........ 19

ص: 295

ما يستثنى من ثبوت الدية في القتل الخطائي..... 21

دية القتل في الاشهر الحرم عمداً أو خطأ ........ 22

دية المرأة الحرة المسلمة ....... . 26

دية ولد الزنا ....... .. 27

دية الذمي ....... ...... 29

دية العبد ....... ....... 32

لو جنى على العبد بما فيه قيمته ......... 33

ثبوت الأرش في كل جناية لا مقدّر لها شرعاً ....... 34

لا دية لمن قتله الحد أو التعزير ..... 35

لو بآن فسق الشاهدين أو الشهود بعد قتل المشهود عليه ...... 36

لو اكره اجنبية غير بكر فجامعها ..... 38

لو أدب الزوج زوجته تأديباً مشروعاً فماتت ......... 40

لو أمر شخصاً بقطع عقدة في رأسه فقطعها فمات ...... 40

لو قطع عدة اعضاء شخص خطأ ...... 41

موجبات الضمان: المباشرة والتسبيب ...... 44

حكم انقلاب النائم غير الظئر فاتلف نفساً أو طرفاً منها ........ 45

لو اتلفت الظئر وهي نائمة ...... 46

حكم موت أحد الزوجين بعنف الآخر جماعاً أو ضماً ......... 50

لو حمل متاعاً على رأسه فأصاب به إنساناً ...... 51

ص: 296

لو صاح على أحدٍ فمات ....... 53

لو صدم شخصاً عمداً غير قاصد لقتله فمات ........ 54

لو صدم حران بالغان عاقلان قاصدان ذلك فماتا اتفاقاً ........ 55

لو تصادم فارسان فمات الفرسان أو تعيّبا ........ 55

هل تضمن العاقلة إذا اصطدم صبيان راكبان فماتا ...... 56

لو اصطدم عبدان بالغان عاقلان فماتا ..... 56

لو اصطدم عبد وحر فماتا اتفاقاً ......... 57

لو اصطدم فارسان فمات أحدهما دون الآخر ....... 57

حكم اصطدام امرأتان إحداهما حامل فماتتا ......... 57

لو رمى إلى طرف قد يمر فيه إنسان فأصاب عابراً اتفاقاً ........ 58

ضمان الختان فيما إذا اخطأ فقطع حشفة غلام ...... 59

حكم الساقط من شاهق على غيره اختياراً فقتله ..... 60

لو سقط من شاهق على شخص آخر بغير اختياره ....... 60

حكم ما لو دفع شخصاً على آخر ...... 61

لو ركبت جارية على أخرى فنخستها جارية ثالثة ...... 61

فروع: الأول من دعا غيره ليلاً فأخرجه من منزله فهو له ضامن ........ 63

الثاني: إذا جاءت الظئر بالولد فأنكره أهله صدقت مالم يثبت كذبها...... 66

الثالث: لو استأجرت الظئر امرأة أخرى ودفعت الولد إليها ....... 66

فروع التسبيب: لو أدخلت المرأة أجنبياً في بيت زوجها ....... 67

ص: 297

حكم ما لو وضع حجراً في ملكه أو في ملك غيره ........ 68

ضمان معلّم الصبي للسباحة فيما إذا كان غرقه مستنداً إلى فعله ...... 70

حكم اشتراك جماعة في قتل واحد منهم خطأ ...... 70

لو أراد إصلاح سفينة حال سيرها فغرقت بفعله ..... 72

لا يضمن مالك الجدار بوقوعه على إنسان أو حيوان فأتلفه ......... 72

هل يجوز نصب الميازيب وتوجيهها نحو الطرق النافذة ....... 73

لو أجج ناراً في ملكه فسرت إلى ملك غيره اتفاقاً ...... 74

لو القى قشر بطيخ أو موز أو سال الماء فيه فزلق به إنسان ...... 75

حكم ما لو وضع إناءً على حائط فسقط فتلف به إنسان ....... 75

حكم جناية الدابة الصائلة المهملة ......... 76

عدم ضمان ما أفسدته البهائم نهاراً ......... 78

لو هجمت دابة على أخرى فجنت الداخلة ...... 79

لو دخل دار قوم فعقره كلبهم ........ 80

هل يضمن مالك الهرة لو أتلف مال أحد ........ 80

هل يضمن راكب الدابة وقائدها ما تجنيه بيدها ورجلها ....... 81

لو وقف بدابته فهل عليه ضمان ما تصيب بيدها ورجلها ...... 83

لو ركب الدابة رديفان فوطئت شخصاً فمات أو جرح ....... 84

هل يضمن مالك الدابة لو ألقت راكبها فمات أو جرح ....... 84

لو حمل المولى عبده على دابته فوطئت رجلاً ...... 85

ص: 298

لو شهر سلاحه في وجه إنسان ففرّ وألقى نفسه في بئر ........ 86

لو أركب صبياً بدون إذن الولي دابة فسقط ومات ....... 87

فروع: تزاحم الموجبات ....... ... 88

لو كان أحد الشخصين مباشراً للقتل والآخر سبباً ....... 88

حكم ما لو حفر بئراً في ملكه وغطاها ودعا غيره فسقط فيها ......... 89

هل الضمان يجري إذا اجتمع سببان على موت شخص ....... 90

لو حفر بئراً في الطريق عدواناً فسقط شخصان فيها ........ 91

لو قال لشخص ألقِ متاعك في البحر لتسلم السفينة ....... 92

لو أمر شخصاً بإلقاء متاعه في البحر وقال عليّ وعلى ركاب السفينة الضمان........ 93

لو وقع من شاهق أو في بئر فتعلق بآخر وتعلق الثاني بالثالث ....... 94

لو جذب غيره إلى البئر فسقط المجذوب عليه فمات الجاذب ........ 96

حكم ما لو سقط شخص في بئر فجذب ثانياً والثاني ثالثاً ....... 97

ديات الاعضاء وفيها فصول

الفصل الأول في دية القطع ....... .... 98

الأول: الشعر ....... ... 101

الثاني: العينان ....... . 106

لو قلعت الاجفان مع العينين فهل تتداخل ديتهما ........ 109

هل قلع العين الصحيحة من الاعور الدية كاملة ..... 110

ص: 299

لو قلع عين شخص وأدّعى أنها كانت قائمة لا تبصر ..... 113

الثالث: الأنف ....... . 114

خلاف في دية قطع احدى المنخرين ...... 115

الرابع: الأذنان ....... 117

الخامس: الشفتان ....... ..... 119

السادس: اللسان ....... ...... 122

المشهور في حروف المعجم والخلاف فيها ..... 124

عدم اعتبار المساحة في القدر المقطوع من اللسان الصحيح ......... 126

لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه فأخذ الدية ثم عاد كلامه........ 127

لو كان اللسان ذا طرفين ....... ... 127

دية قطع لسان الطفل ....... ....... 128

السابع: الأسنان ....... ....... 128

حكم ما لو ضربت السن ....... ... 132

عدم الفرق في ثبوت الدية بين قلع السن من أصلها الثابت ..... 134

حكم قلع سن الصغير أو كسرها تماماً ......... 135

لو زرع الأنسان في موضع السن المقلوعة عظماً فثبت فيه ثم قلعه......... 136

الثامن: اللحيان ....... 137

التاسع: اليدان ....... . 137

خلاف في قطع اليد من الزند ومعها مقدار زائد ..... 138

ص: 300

حكم ما لو كان لشخص يدان على زند إحداهما أصلية ...... 139

لو اشتبهت اليد الأصلية بالزائدة فقطعتا معاً أو إحداهما ....... 140

لو قطع ذراع لا كف لها ....... ... 140

العاشر: الأصابع ....... ...... 140

دية كل اصبع ....... . 143

دية فصل الظفر من كل اصبع من اصابع اليد ........ 144

دية فصل ظفر الابهام من القدم ...... 145

دية الإصبع الزائدة في اليد أو الرجل ...... 145

الحادي عشر: النخاع ....... 147

الثاني عشر: الثديان ....... . 147

الثالث عشر: الذكر ....... .. 149

دية قطع بعض الحشفة ....... ..... 150

لو قطع حشفة شخص وقطع آخر ما بقي من ذكره ...... 150

دية قطع ذكر العنين ....... . 151

دية قطع الخصيتين أو إحداهما ..... 152

الرابع عشر: الشفران ....... . 154

الخامس عشر: الاليتان ....... ...... 155

السادس عشر: الرجلان ....... .... 155

في قطع اصابع الرجلين ....... ... 156

ص: 301

دية قطع الساقين أو إحداهما ........ 156

دية اعضاء المرأة والذمي والعبد ......... 157

معاقلة المرأة الرجل إلى ثلث من الدية ...... 158

فصل في ديات الكسر والصدع والرض ........ 160

دية كسر العظم من كل عضو ........ 160

دية كسر الظهر ....... ....... 161

لو كسر الظهر فجبر على غير عثم ولا عيب ..... 162

لو كسر الظهر فشلت الرجلان ....... 163

دية كسر الصلب فذهب جُماعه ..... 163

دية موضحة الظهر ونقل عظامه وقرحته التي لا تبرأ ....... 164

دية كسر الترقوة وصدعها وموضحتها ونقل عظامها ونقبها 165

دية كسر ضلع من الاضلاع التي خالط القلب وصدعه وموضحتها...... 166

دية رضّ الصدر والكتفين وموضحة كل منها ........ 167

دية كسر المنكب وصدعه وموضحته ونقبه ونقل عظامه ورّضه ........ 168

دية كسر العضد لو جبرت على غير عثم ولا عيب وموضحتها ...... 168

دية كسر الساعد ....... ..... 169

دية كسر المرفق ....... ..... 170

دية كسر كلا الزندين ....... ....... 171

ص: 302

دية رضّ أحد الزندين ....... ..... 171

دية كسر الكف ....... ....... 172

دية كسر قصبة ابهام الكف ...... 173

دية كسر كل قصبة من قصب أصابع الكف دون الابهام ....... 173

دية كسر المفصل الذي فيه الظفر من الابهام في الكف ........ 174

دية كسر كل مفصل من الاصابع الأربع التي تلي الكف غير الابهام...... 174

دية كسر المفصل الأوسط من الاصابع الأربع ....... 175

دية كسر المفصل الاعلى من الاصابع الأربع ......... 175

دية كسر الورك ....... ...... 176

دية كسر الفخذ ....... ....... 176

دية كسر الركبة ....... ....... 177

دية كسر الساق ....... ....... 178

دية رضّ الكعبين أو إحداهما ....... 179

دية كسر القدم ....... 179

دية كسر قصبة الابهام التي تلي القدم ..... 180

دية كسر المفصل الأخير من كل من الاصابع الأربع من القدم ...... 181

لو نفذت نافذة من رمح أو خنجر في شيء من أطراف البدن ....... 182

دية قرحة كل عضو إذا لم تبرأ ...... 182

لو اجتمع بعض ما فيه الدية المقدرة شرعاً مع بعضها الآخر ......... 183

ص: 303

فصل في دية الجناية على منافع الأعضاء ...... 184

الأول: العقل ....... ... 184

لو جنى على شخص بما أوجب نقصان عقله ........ 185

لو شج شخصاً شجة فذهب بها عقله ...... 186

الثاني السمع ....... ... 186

لو أدّعى المجني عليه النقص في سمع كلتا الاذنين ....... 189

لو أوجب قطع الاذنين ذهاب السمع ....... 190

الثالث: ضوء العينين ....... 191

لو اختلف الجاني والمجني عليه في العود وعدمه ....... 192

لو أدّعى المجني عليه النقصان في أحدى عينيه وأنكر الجاني ....... 192

عدم قياس العين في يوم غائم وكذا لا تقاس في أرض مختلفة ....... 194

الرابع: الشم ....... .... 194

لو أدّعى المجني عليه النقص في الشم ...... 195

لو أخذ المجني عليه الدية ثم عاد الشم ..... 195

لو قطع أنف شخص فذهب به الشم ....... 196

الخامس: النطق ....... ....... 196

لو أدّعى المجني عليه ذهاب نطقه بالجناية كلاً ..... 198

لو ثقل اللسان بالجناية ....... ..... 199

لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه ........ 199

ص: 304

لو جنى على شخص فذهب كلامه كله ...... 199

السادس: صعر العنق ....... 200

السابع: البعصوص ....... ... 201

الثامن: سلس البول ....... .. 202

التاسع: الصوت ....... ....... 204

العاشر: أُدرة الخصيتين ....... ..... 204

الحادي عشر: تعذر الانزال ....... 205

الثاني عشر: دوس البطن ....... .. 207

الثالث عشر: خرق مثانة البكر ........ 208

الرابع عشر: الافضاء ....... 209

دية افضاء المرأة ....... ..... 212

الخامس عشر: تقلص الشفتين ....... 213

السادس عشر: شلل الأعضاء ......... 214

دية انصداع السن ....... .... 215

فصل في دية الشجاج والجراح ...... 216

في معنى الشجاج واقسامه ....... 216

الأول: الخارصة ....... ...... 216

الثاني: الدامية ....... . 217

ص: 305

الثالث: الباضعة ....... ....... 218

الرابع: السمحاق ....... ...... 218

الخامس: الموضحة ....... . 219

السادس: الهاشمة ....... .... 219

السابع: المنقلة ....... 220

الثامن: المأمومة ....... ...... 221

هل تتداخل المراتب الدانية في العالية إذا كانتا بضربة واحدة ....... 222

لو أوضح موضحتين وأوصل آخر إحدى الموضحتين بالأخرى ....... 223

دية اختلاف مقادير الشجة في الضربة الواحدة ...... 223

حكم إذا جرح عضوين مختلفين لشخص ....... 224

لو جنى شخص بموضحة فجنى آخر بجعلها هاشمة وثالث منقلة ..... 225

دية الجائفة ....... .... 226

لو جرح عضواً ....... ....... 228

لو كانت الجائفة مخيطة ففتقها شخص ...... 229

لو طعنه في صدره فخرج من ظهره فهل عليه دية واحدة أو متعددة....... 229

دية خرم الأذن ....... 230

لو كسر الأنف ففسد ....... 231

لو كسر الأنف فجبر على غير عيب ولا عثم ......... 232

حكم ما إذا نفذت في الأنف نافذة ......... 233

ص: 306

دية شق الشفة العليا أو السفلى ...... 234

في احمرار الوجه باللطمة ....... 234

حكم ما إذا نفذت في الخد نافذة ..... 236

دية الشجاج في الرأس ....... .... 237

فصل في دية الحمل ....... ..... 238

دية الحمل في النطفة والعلقة والمضغة وإذا نشأ عظماً أو كسي لحما ......... 238

خلاف في تحديد أيام المراتب المذكورة ....... 241

دية جنين الذمي ....... ...... 244

دية جنين المملوك ....... . 245

لو كان الحمل أكثر من واحد ........ 246

لو أسقط الجنين قبل أو بعد ولوج الروح فيه ....... 246

حكم ما لو قتل امرأة وهي حبلى فمات ولدها ....... 247

حكم تصدي المرأة لإسقاط حملها ........ 248

دية قطع اعضاء الجنين قبل ولوج الروح وجراحاته ....... 248

لو أفزع شخصاً حال الجماع فعزل منه المني في الخارج ........ 249

دية اسقاط الجنين المتكون من الزنا إذا تمت خلقته قبل ولوج الروح...... 251

لو ضربت المرأة الذمية وهي حبلى فأسلمت ثم سقط حملها ........ 252

لو ضربت الأمة وهي حبلى فأعتقت ثم اسقط حملها ...... 253

ص: 307

لو ضرب حاملاً خطأ فأسقطت جنينها ......... 254

لو ضرب حاملاً فأسقطت حملها فمات حين سقوطه ..... 255

حكم ما لو اسقطت حملها حياً فقطع آخر رأسه ......... 256

لو وطئ مسلم وذمي امرأة شبهة في طهر واحد ثم اسقط حملها ....... 258

دية الميت كالجنين في قطع رأسه أو ما فيه اجتياح نفسه ....... 259

الجناية على الحيوان ....... ..... 261

حكم تذكية الحيوان بغير إذن مالكه ....... 261

هل يضمن الجناية على ما لا يقبل التذكية ....... 264

كفارة القتل ....... .. 268

عدم ثبوت الكفارة في موارد لا يصدق عليه عنوان القاتل ....... 268

عدم الفرق في وجوب الكفارة بقتل المسلم بين البالغ وغيره ........ 268

لو اشترك جماعة في قتل واحد ......... 270

قتل الجاني قصاصاً أو مات بسبب آخر فهل عليه كفارة في ماله ...... 270

فصل في العاقلة ....... ... 272

معنى العاقلة ....... ... 272

هل يعتبر الغنى في العاقلة ....... 276

عدم دخول أهل البلد في العاقلة ......... 277

ص: 308

هل المتقرب بالأبوين يتقدم على المتقرب بالأب خاصة ...... 277

هل يعقل المولى جناية العبد المعتق ويرثه إذا لم تكن له قرابة ....... 277

لو لم تكن للقاتل أو الجاني عصبة ولا من له ولاء العتق...... 278

تحمل دية العاقلة الموضحة وما فوقها من الجروح على العاقلة ....... 279

دية جناية الاعمى خطأ على عاقلته ........ 279

دية الخطأ تؤديها العاقلة في ثلاث سنين ......... 281

هل يختص لتأجيل بموارد ثبوت الدية المقدرة ..... 281

دية جناية الذمي في ماله ....... .. 282

عدم ضمان العاقلة عمداً ولا إقراراً ولا صلحاً ....... 283

لو هرب القاتل ولم يقدر عليه أو مات ......... 284

لو جرح أو قتل نفساً خطأ ....... 285

جناية المملوك على رقبته ...... 285

دية قتل الخطأ من مال الجاني إذا لم تكن له العاقلة ...... 285

حكم ما لو مات بعض العاقلة ....... 287

كيفية تقسيم الدية على العاقلة ....... 287

هل يجتمع مع العاقلة بين القريب والبعيد أو يعتبر الترتيب بينهما....... 289

لو كان بعض أفراد العاقلة عاجزاً عن الدية ..... 290

لو كان بعض أفراد العاقلة غائباً ..... 290

ابتداء زمان التأجيل في دية الخطأ من حين استقرارها ......... 290

ص: 309

المشكوك في كونه من العصبة لا يعقل ..... 291

القاتل عمداً وظلماً لا يرث من الدية وهل يرث منها....... 292

عدم ضمان العاقلة عبداً ولا بهيمة ..... 293

لو جرح ذمي مسلماً خطأً ثم أسلم فسرت الجناية فمات المجروح ....... 294

لو رمى صبي شخصاً ثم بلغ فقتل ذلك الشخص ........ 294

المحتويات....... ... 295

ص: 310

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.