ألفاظ طبقات الرعية في عهد الإمام علي (علیه السلام) إلى واليه الصحابي مالك الأشتر( رضی الله عنه )

هوية الکتاب

ألفاظ طبقات الرعية في عهد الإمام علي (علیه السلام)

إلى واليه الصحابي مالك الأشتر( رضی الله عنه )

دراسة في اللفظ والتركيب

سلسلة دراسات في عهد الإمام

علي (علیه السلام) لمالك الأشتر( رضی الله عنه ) (17)

وحدة العلوم اللغوية

ألفاظ طبقات الرعية في عهد الإمام علي (علیه السلام)

إلى واليه الصحابي مالك الأشتر ( رضی الله عنه)

دراسة في اللفظ والتركيب

تأليف م. د. سحرناجي المشهدي

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439ه- - 2017م

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 1

اشارة

بحر العلم ومدار الحق

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4219 لسنة 2017

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام

علي (علیه السلام) لمالك الأشتر( رضی الله عنه ) (17)

وحدة العلوم اللغوية

ألفاظ طبقات الرعية في عهد الإمام علي (علیه السلام)

إلى واليه الصحابي مالك الأشتر ( رضی الله عنه)

دراسة في اللفظ والتركيب

تأليف م. د. سحرناجي المشهدي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439ه- - 2017م

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني:

www.inahj.org

الإيميل: Info@ Inahj.org

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء با قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (عليهم

ص: 5

السلام أجمعين).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازمة مع صلاحية النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) لمالك الأشتر (عليه

الرحمة والرضوان) إلا أنموذج واحد من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية، التي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كِّل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حق" معرفيا ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 6

وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية، التي هي من أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية، وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية وموسومة ب-(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي تصدرها المؤسسة بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية، التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب-(ألفاظ طبقات الرعية في عهد الامام علي عليه السلام إلى واليه الصحابي مالك الأشتر رضوان الله عليه دراسة في اللفظ والتركيب) تحت عنوان الدراسات اللغوية اذ

ص: 7

كشفت فيه الباحثة عن طبقات المجتمع التي ورد ذكرها في عهد الإمام علي عليه السلام مع ما تمتاز به كل طبقة.

فجزى الله الباحثة خير الجزاء فقد بذلت جهدها

وعلى الله أجرها والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

توطئة

كان العرب في أقطار الجزيرة العربية في بساطة

عيشهم لا يفهمون دقائق القوانين وأنواع المعاش من زراعة وتجارة وقضاء؛ لانعدام ممارستها في حياتهم، فدعاهم الاسلام الى العقائد، والأخلاق، ونشر الاسلام مهد السبيل في مصر؛ لوجود الأقباط، والفلاسفة، والبطالسة الذين مارسوا الحياة المدنية، ولَّا تجلت الإمامة لأميرنا، ومولانا علي بن ابي طالب (عليه السلام) هيأتعاليم الدين المهمة، فكان صدور عهده هذا لواليه الصحابي مالك الأشتر (رضوان الله عليه) بمثابة إنشاء حياة جديدة في مصر وسنرى في حديثنا في هذا البحث ما تمخض

ص: 9

من هذه الحياة.

فقد عهد الإمام عليه السلام ولاية عن أمور مصر بأجمعها ومنها (الأمور المالية والاقتصادية من جمع الخراج، الأمور العسكرية، الأمور الاجتماعية، عمران البلاد) ولا نجد ذكراً للعاطل عن العمل، وبذلك فإننا لا نجد لمن لا عمل له ذكر في هذا العهد مما يدلُّ على عناية الإمام بتنظيم أمور الحياة فلا وجود لعاطلين، اذ إنّ المجتمع الإسلامي متساوو في الحقوق والواجبات، ويتضح التنظيم الإداري للدولة اتجاه مواطنيها، فتتشكل أعمدة المجتمع؛ إذ أقام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) حكومة أساسها العدالة، والمساواة، وجاءنا بأروع، وأوثق الوصایا، والعهود في عالم الإنسانية، وعهده للصحابي الجليل مالك الأشتر (رضوان الله عليه) أكبر مثال على ذلك، إذ عُدَّ وثيقة دولية أذهلت الشعوب من أقصى الشرق وحتى الغرب، وعبّرَّ

ص: 10

فيه عن دروس وقيم إنسانية، وأخلاقية في تولية الحاكم والوالي، وتعامله مع رعيته، فقد أكّد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ونبَّه على الاختيار القائم على الكفاءة، فقدمّ طبقات الرَّعية على وفق تقسیم أذهل الجميع، نجد خطابه العلوي السياسي على

طريقة أخلاقية لا يبتغي به السيطرة على الأمة؛ بل إبداء الرأي والمشورة، فأشاع العدل، وربط بين صلاح الحاكم واستصلاحه مع حفظ حقوق الرعية، ووضع ركيزة أساسية في تعامل الناس، فأسس منهج قائم على التعاليم الإسلامية، ومجتمع متساوي في جميع الحقوق والواجبات، فقده مفهوم الطبقات جاع طبقة الجنود هي الأولى؛ لأهميتهم في حفظ الأمن والسلام، وإقامة أركان المجمع الإسلامي، وأخرَّ الحديث عن الطبقة السُّفلى؛ لأنّها القسم الأكبر في المجتمع، ولحاجتها لجميع الطبقات

ص: 11

المتقدمة، لتتحقق العدالة الإنسانية سواء أكانت السياسية أم الاجتماعية أم الاقتصادية، ومضى ساعيا لرفع الظلم والغبن خلال الفترة التي حكم فيها. و محققا لقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (1) ، فقد أوصى العهد العلوي لمحاولة تأسيسية معرفية منها تجنب الوالي لزلاته، ورفقه بالشعب، يقول جورج جرداق (للإمام علي بن ابي طالب في حقوق الإنسان وغاية المجتمع أصول وآراء، تمتد لها في الأرض جذور وتعلوهافروع) (2) ؛ لذلك حقَّ لنا تشبيه الامام بالسيف المسلط على الطغاة والجبابرة والرأسماليين آنذاك، ولابدَّ لنا ونحن نخوض في غمار البحث عن طبقات الرَّعية ان نعطي مفهوما عن معنى الطبقات.

ص: 12


1- النحل/ 90
2- علي وحقوق الانسان: 111

الطَّبقة

الطَّبَقُ: عظيمٌ رقيقٌ يفصل بين الفقارين، وطبَّق بالسَّيف عُنقُه، أبانه، وهو كل غطاء لازم، والسَّماواتُ طِباقٌ بعضها فوق بعض، واحدتها طَبَقةٌ، والطَّبَق: جماعة من الناس يعدلون طبقا مثل جماعة، وجاء في المثل (وافق شنٌّ طبقة)(1) .

وعرَّفها ابن فارس (ت 390 ه-) بقوله: (الطاء والباء والقاف أصل صحيح واحد، وهو يدلُّ على وضع شيء مبسوط على مثله حتى يغطيه. من ذلك الطَّبق. تقول: أطبقت الشيءِ على الشّيء، فالأول طبق للثاني؛ وقد تطابقا،... والطبق: الحال في قوله تعالى: «فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ *وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ» وقولهم: (إحدى بنات طبق) هي الدَّاهية، وسميت

ص: 13


1- ظ: العين: 5/ 108

طبقا، لأنها تعممٌّ وتشمل. ويقال لما علا الارض حتى غطاها: هو طبق الارض(1)

والطَّبِقُ غِطَاءُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَطْباق، وَقَدْ أَطْبَقَه و طَبَّقَه انْطَبَقَ وتَطَبَّقَ: غَطَّاه وَجَعَلَهُ مُطَبَّقا؛ الطَّبَقُ : كلُّ غِطَاءٍ لَازِمٍ عَلَى الشَّيْءِ. وطب كل شيء : ماساواة، وجمعه أطباق؛ ومنه قولهم: وافق ش طبقه.. والسموات الطباق: سُمِّیت بذلِکَ لمُطابَقَة بَعْضِها بَعْضاً أَی:بَعضها فَوْقَ بعْض، وَفِي التَّنْزِيلِ:

«أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا » ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَی طِباقاً مُطبِقٌ بَعضُها عَلَی بَعْضٍ، و نَصَب طِباقاً علی وَجْهَیْنِ: أَحدهما: مطابَقة طِباقاً ، وَ الْآخَرُ مِنْ نَعْت سَبْعٍ أَی خَلَقَ سَبْعاً ذَاتَ طِباقٍ .، وَکَذَلِک طَبقات النَّاسِ کُلُّ طَبَقة طَبقت زَمَانَهَا: والطَّبَة:

ص: 14


1- مقاییس اللغة: 3/ 639، علما أنّ الآية الواردة هي الانشقاق من 16 -19209

الْحَالُ، يُقَالُ: كَانَ فُلَانٌ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى طَبَقات شَتَّى أَيْ حَالَاتٍ. والطَّبَقُ والطَّبَقة: الْحَالُ. وَفِي التَّنزِيلِ: لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ؛ أَيْ حَالاً عنْ حَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قِيلَ لِلْحَیَّةِ أمُّ طَبَقٍ وبنتُ طَبَقٍ لإِطْبَاقها وتحَوّیها، وَقِيلَ: قِيلَ لِلْحَيَّاتِ بناتُ طَبَقٍ لإِطْبَاقها عَلَى مَنْ تَلْسَعُهُ، وَقِيلَ: إِنما قِیلَ: لَهَا بناتُ طَبَقٍ لأَن الحَوَّاء یُمْسِکُهَا تحت أَطْبَاق الأَسْفاط المُجَلّدة (1) . وتعني المرتبة والمنزلة التي تقسم عليها فئاتّ المجتمع، ولفظة (الطَّبقة) للإشارة إلى طبقات المجتمع. وقد شاع هذا الاستعال في عهده عليه السلام إلى مالكَ الأشتر رضوان الله عليه في سياق وصيته له بمرعاة الفروق بين الطبقات. إذ يقول فيْ سياق ذكره آخر طبقة من طبقات المجتمع: الفئة أو المرتبة الخاصة بالفقرء والضعفاء من الرعية.

ص: 15


1- ظ: لسان العرب: 10

واستعمل لفظ (طبقات) بصيغة الجمع، إذ خصصها الإمام للدلالة على مراتب الناس، فقال في سياق تقسيم الرعية على مراتب، ولفظ

طبقات) - هنا - عام لا يختص بفئة من هذه الطبقات، وإنما هو إشارة إلى تعدد هذه الدلالة جاء في فئات الرعية ومنازلهم من حيث المنزلة الإدارية، أو من حيث الغني والفقر، وقد حوى کتاب الامام في عهده للصحابي مالك الاشتر هذه الطبقات الارتباط بعضها ببعض فحاجة الاول منوطة بالثاني وبمجموعهم يقوم صورة المدينة، فبدأ بالجنود؛ لأنهم الاصل شؤون الحياة المادية والمعنوية، ولتنظيم القوانين والأسس التي من شأنها الرفعة والرقي من الشرائع السماوية، ثمَّ الكُتَّاب، وقضاة العدل،.... إلى أن وصل إلى الطبقة الاخيرة وهم (الفقراء والمحتاجون)، وقد ذكر الإمام سبع من طبقات المجتمع الاسلامي في عهده الى واليه على

ص: 16

الكوفة الصحابي مالك الاشتر (رضوان الله عليه)

وهي:

1. جنود الله

2. كتَّاب ( العامة والخاصة)

3. قضاة العدل

4. عال الإنصاف والرفق

5. أهل الجزية والخراج (من أهل الذمة ومسلمة

الناس)

6. التجار وأهل الصناعات

7. الطبقة السفلى: الفقراء والمحتاجون.

قال الإمام علي (عليه السلام) في خطابه للصحابي الجليل مالك الأشتر (رضوان الله علیه):

وَاعْلَمْ: أَنَّ الرَّعِیَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ یَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ وَ لاَ غِنَی بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَ مِنْهَا کُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ مِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَ مِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَ الرِّفْقِ وَ مِنْهَا أَهْلُ

ص: 17

الْجِزْیَةِ وَ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ ذَوِی الْحَاجَاتِ وَ الْمَسْکَنَةِ وَ کُلٌّ قَدْ سَمَّی اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَ وَضَعَ عَلَی حَدِّهِ

فَرِیضَةً فِی کِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِیِّهِ ص عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً» (1) .

فالرَّعية عامة الناس، وهي مفردة جمعها رعایا، وهم أناس يخضعون لسلطة الحاكم أو الوالي، فقد قسَّم الرَّعية على طبقات فذكر (الجنود، والكتاب، والقضاة، والعال، وأرباب الجزية من أهل الذمة وأرباب الخراج من المسلمين، والتجار، ومنهم أرباب الصناعات، وذوو الحاجة والمسكنة، ولابد لهم جميعا من التجارة لان البيع والشراء لاغناء عنه(2) .

ص: 18


1- نهج البلاغة: ك 53، 326
2- ظ: شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 17 / 34

قدم الجنود لأهميتهم وأخر التجار واهل الصناعات ثم اردفهم بالفقراء والمحتاجين. وجملة منها جنود الله) اسمية قدم الخبر لأنه ظرف فقال: ولابد لهم جميعا الا بالتجار وذوي الصناعات؛ فيما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم)(1) .

فأوصى بهم؛ لأنهم دعامة من دعائم الاقتصاد،

وقد أخر الحديث عنهم لاهتمامه بهم.

سنبدأ بأولى الطبقات وهي:

1. الجنود:

جمع جند وواحده جندي وهو العسكر. وهم كل صِنفٍ من الخلق، وفي الحديث: «الأرواحُ

ص: 19


1- نهج البلاغة: ك 53، 324

جنودٌ مُجَنَّدةٌ فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها

اختلف»، يستعمل للمفرد والجمع فيقال: هذا جُنْدٌ وهؤلاءِ جِنْدٌ(1) .

فالجيم والنون والذال يدلُّ على التجمع والنصة.

يقال هم جنده ای اعوانه ونصّاره، والجَنَد الأرض الغليضة فيها حجارة بيض، واصله الجَلَد(2) .

ويُقال للعسكر الجُنْدُ اعتباراً بالغلظة من الجند،

من الأرض الغليظة التي فيها حجارة؛ لذا يقال لكل مجتمع: جَنْدٌ: نحو: الأرواحُ جنود مُجَنِّدَةٌ وجمعه: أجناد وجُنُود(3) .

ولرُبَّ سائل أن يسأل لمَ أوصى الامام عليه السلام عامله بهم وجعلهم اولى الطبقات ؟ والاجابة

ص: 20


1- ظ: العين: 6/ 85-86
2- ظ: مقاییس اللغة : 1/ 485
3- ظ: المفردات في غريب القرآن: 1/ 131

تكون آن اضافة الامام للفظ جنود الله فنسبهم اليه ؛ لتشريفهم وتقدسيهم ولمكانتهم فهم من يرفعون راية الاسلام ويذلون الطغاة والاعداء، ولأهم

حصون الرعية، زين الولاة، عز الدين )(1).

قال الإمام: «فَوَلِّ مِنْ جُنُودِکَ أَنْصَحَهُمْ فِی نَفْسِکَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِإِمَامِکَ وَ أَنْقَاهُمْ جَیْباً وَ أَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ یُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَ یَسْتَرِیحُ إِلَی الْعُذْرِ وَ یَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَ یَنْبُو عَلَی الْأَقْوِیَاءِ وَ مِمَّنْ لا یُثِیرُهُ الْعُنْفُ وَ لا یَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ»(2)، وهم حماة الدولة والمجتمع، واستعار لهم لفظ (الحصون) لأنهم يحفظون الرّعية فيحاطونهم كالحصن، وهم زينة للولاة فالوالي بلا جنود لا يبالي به، وهو عز للدِّين، ولفظ العز لاسم اللازم، ولفظ الأمن من باب اللزوم للجند، فقد تصدرت هذه الطبقة

ص: 21


1- ظ: في ظلال نهج البلاغة: 396/5
2- نهج البلاغة: ك 53، 324

فئات المجتمع كافة؛ لأنهم حصون الامة والأمن والدفاع وهم زينة الولاة، وقد جاء النهج بکلا الجمعين (جُنْد وجُنُود)؛ فلكل منها مزية تختلف عن الأخرى، فلفظ (جُنْد) على زنة (فُعْل) من أبنية المفرد، ويدلُّ على صنف من الخلق.

وذكر سيبويه إن الجمع على بناء العدد الأدنى (أفعال) فيقال جند وأجناد وجاءوا ب(فعول) الإرادتهم الكثرة(1).

ومنها قوله «کُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَهِ وأَتْبَاعَ الْبَهِیمَهِ»(2) فجعل جند المرأة هم طلحة والزبير ومن سار مسارهما للدلالة على التحقير والتوبيخ، زيادة على ذلك في اضافتها إلى لفظ (المرأة) ما يدل على ضعفها، وهذا ما أكده المعنى القرآني في قوله: «جُنْدَ

ص: 22


1- الكتاب: 3/ 576
2- نهج البلاغة: ك53، 324

ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزاب» (1).

ف- (أنصحهم، انقاهم، افضلهم) كلها تدل على المفاضلة، وبدأ عهده بفعل الأمر (ولِّ)، وجيباً: تمييز القوله (أنقاهم)، و (حلماً) تمييز لقوله (أفضلهم)، و (اتکالا) مفعول لأجل الفعل (تدع)، و(أفضلهم عن الغضب) متعلق ب- (يبطيء) ويفيد المجاوزة، وقد تفرع من الجند (إدارة الشرطة وحراس الأمن، إدارة الجيش الحافظ للأمن)، وكنّي عن العفة والأمانة بقوله (أنقاهم جيبا) وهي صفات ذاتية روحية تتعلق بالجنود أكثر من تعلقها بجباة الخراج

1. أنصح الجند لله والرسول والإمام

2. أطهرهم جيبا

3. افضلهم حلا

4. بطيء الغضب

ص: 23


1- سورة ص: الآية 11

5. يستريح إلى العذر

6. يرأف بالضعفاء

7. ينبو على الأقوياء

8. لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف

وهنالك صفات موضوعية:

1. من ذوي المروءات والاحساب

2. من اهل البيوتات الصالحة والسواق الحسنة

3. من اهل النجدة والشجاعة

4. من اهل السخاء والسياحة

ثُمَّ الْصَقْ بَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالاْحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّماحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ.

ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُهُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلاَ

ص: 24

تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ. وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطيِفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَا لاً عَلَى جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ»(1) ، أكدَّ على أنقاهم جيبا): كناية عن الاخلاص والنزاهة، فجعل الإلصاق ب- (ذوي الاحساب، أهل البيوتات الصالحة، أهل النجدة والشجاعة، والسخاء، والساحة)، فجعل الإلصاق بمثابة التقريب ممن عرفهم الناس بمکارم الاخلاق، ومن جمل تعليماته: ضابطة الاسرة والبيت، و(من) في قوله إنها جماع من الكرم، وشٌعَب من العرف) زائدة، وعلى قول الاخفش (جماع الكرم) أمّا ابن ابي الحديد فاحتمل کونها تبعيضية على حقيقتها، وفي قوله « تفقد من أمورهم الضمير يرجع الى الجنود لا

ص: 25


1- نهج البلاغة: ك53، 324

الامراء(1).

فالانتساب لبيت صالح، واسرة معروفة دعامة القيامة، والضابط الثاني : حال الفرد بنفسه ومن صفاته (النجدة، الشجاعة، السخاء، الساحة). و(ثم الصق ): حرف عطف يفيد التراخي، ول من جنودك في الدرجة الثانية من ذوي الأحساب، (أهل النجدة) تراخ ثاني، و(لا يتفاقمنَّ) نهي مؤكد، (ينتفعون به) جملة فعلية صفة لقوله: موضعا.

وآثر: اسم تفضيل من الأثرة: أحبهم، على الجندي أن يتصف بأوصاف تستحق مقام الولاية، فقدانأت في عهد الامام مدارس ومعاهد لتعليم الضباط وتربية الأمراء والضباط، فيوجه الاسلام بتوجيهات روحية فعليه أن يتصدى للعدو بالروح والایان وليست قوة الجسد وحدها كفيلة بالنصر،

ص: 26


1- ظ: شرح نهج البلاغة: 17 / 48

فعليه أن يكون ناصحا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وللامام عليه السلام، وأن يكون طاهر القلب ليتجنب الفواحش، وثابتا في الحلم غير متسلط على نفسه، وعافيا صافحا عن المذنب، حليا صبورا، فإنَّ ذلك كله عوامل هامة في تقوية الجندي ورفع معنوياته. ولابدَّ لأختيار رئيسا للجيش ناصحا لأمته، ومخلصا لدينه: لأنّ قيادة الجيش عبء ثقيل وخطير(1) .

وأكمل الامام (عليه السلام) قائلا: «وَ لْیَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِی مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ عَلَیْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا یَسَعُهُمْ وَ یَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِیهِمْ حَتَّی یَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِی جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَیْهِمْ یَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَیْكَ.

أَفضَلَ قُرّةِ عَينِ الوُلَاةِ استِقَامَةُ العَدلِ فِي

ص: 27


1- نهج البلاغة: ك53، 324

الْبِلَادِ، وَظُهُورُ مَوَدَّهِ الرَّعِیَّهِ وَإِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَهِ صُدُورِهِمْ، وَلَا تَصِحُّ نَصِیحَتُهُمْ إِلَّا بِحِیطَتِهِمْ عَلَی وُلَاهِ الْأُمُورِ، وَقِلَّهِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْکِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ. فَافْسَحْ فِی آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیْهِمْ، وَتَعْدِیدِ مَا أَبْلَی ذُوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ کَثْرَهَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاکِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ اعْرِفْ لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَی، وَلَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَی غَیْرِهِ، وَلَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَایَهِ بَلَائِهِ، وَلَا یَدْعُوَنَّکَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَی أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا کَانَ صَغِیراً، وَلَا ضَعَهُ امْرِئٍ إِلَی أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا کَانَ عَظِیماً.

وَارْدُدْ إِلَی اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا یُضْلِعُکَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَیَشْتَبِهُ عَلَیْکَ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: ﴿یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، فَالرَّدُّ إِلَی

ص: 28

اَللَّهِ اَلْأَخْذُ بِمُحْکَمِ کِتَابِهِ. وَ اَلرَّدُّ إِلَی اَلرَّسُولِ اَلْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ اَلْجَامِعَهِ غَیْرِ اَلْمُفَرِّقَهِ»(1) .

وعليه فإنّ قائد الجنود محصنا ضد الاغراءات فيكشف النص أن هنالك معان ركز عليها الإمام في شخصية القائد، فأشار بصفات ذاتية تتواءم وعقيدة الإسلام، وأردفها بموضوعية تمت اکثر صلة إلى المفهوم القبلي(2) .

وآثر رؤساء الجنود وأمراء الجند من يواسيهم ويوفر لهم المعونة، فإن أراد القائد أن يستمع له الجيش فعليه أن يحسن اليهم ولا يقتصر على خصوص رواتبهم المحدودة ومؤونة أهلهم الذين خلفوهم في منازلهم بعيدا عنهم.

ولا بدَّ لهم من سد حاجاتهم ويتم بتحصیل

ص: 29


1- المصدر نفسه
2- ظ: الخطاب في نهج البلاغة: حسين العمري: 191

الخَراج؛ فقد يكون مالا، وقد يكون محصولا زراعيا، وبعد تحصيل الخراج لابد من وجود القضاة والعمال والكتاب، و كل الطبقات لابدَّ لها من التجار وذوي الصناعات) مما يلزم ان يتصف به الجندي لكون ایانه بروحه وقوة عقيدته.

2. كتّاب العامة والخاصة:

فكتّاب العامّة هم من يحررون الشؤون العامة کالضرائب، والخاصة من يحرر لشخص معين؛ کالقاضي أو الوالي، أو أمير الجيش المتصدرون الكتابة العقود والمعاهدات والحقوق، فَالكَتْبُ: خرز الشيء بسير، والكتاب والكتابة: مصدران، والكتبة: اكتتابك كتاباً تكتبه وتنسخه(1) .

وعرَّفت أصول حروفه بأنّ الكاف والتاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على جمع شيء إلى شيء من ذلك

ص: 30


1- ظ: العين: 5/ 342

الكِتابُ والكتابة. يقال: كتبت الكتابَ أكتُبه كَتْباً. ومنه الكتِابُ الفَرْضُ، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » (1) . الكتاب: معروف وجمعه کُتُب وكُتْب، والكتِابةُ لمن تكون له صناعة مثل الصِّياغة والخِياطة والكتِابُ: مطلق: التوراة، ويجوز ان يكون القرآن، وهو الصحيفة والدواة، وماکتب على بني آدم من أعالهم، والكُتَّاب والكتاب معروفان (2) .

الكَتْبُ (ضَمُّ أديمٍ إلى أديمٍ بالخياطة، والأصل في الكتابة: النَّظمُ بالخطِّ لكن يستعار كلُّ واحٍ للآخر، ولهذا سُمِّي کلام الله وان لم يكتب کتاباً، كقوله تعالى :

ص: 31


1- ظ: مقاییس اللغة: 5/ 109، علمًا أنَّ الآية الواردة هي سورة البقرة / 183
2- ظ: لسان العرب: 1/ 999

ألفاظ طبقات الرعية في عهد الإمام علي (علي)

ألم * «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ » (1) .

وقال (عليه السَّلام): « ثُمَّ انْظُرْ فِی حَالِ کُتَّابِکَ فَوَلِّ عَلَی أُمُورِکَ خَیْرَهُمْ،وَ اخْصُصْ رَسَائِلَکَ الَّتِی تُدْخِلُ فِیهَا مَکَایِدَکَ وَ أَسْرَارَکَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْکَرَامَهُ،فَیَجْتَرِئَ بِهَا عَلَیْکَ فِی خِلَافٍ لَکَ بِحَضْرَهِ مَلَإٍ وَ لَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَهُ عَنْ إِیرَادِ مُکَاتَبَاتِ عُمِّالِکَ عَلَیْکَ،وَ إِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَی الصَّوَابِ عَنْکَ،فِیمَا یَأْخُذُ لَکَ وَ یُعْطِی مِنْکَ،وَ لَا یُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَکَ،وَ لَا یَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَیْکَ،وَ لَا یَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِی الْأُمُورِ،فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ یَکُونُ بِقَدْرِ غَیْرِهِ أَجْهَلَ.

ثُمَّ لَا یَکُنِ اخْتِیَارُکَ إِیَّاهُمْ عَلَی فِرَاسَتِکَ وَ اسْتِنَامَتِکَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْکَ،فَإِنَّ الرِّجَالَ یَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاهِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ خِدْمَتِهِمْ،وَ لَیْسَ

ص: 32


1- ظ: المفردات: 2/ 567، علمًا أنّ الآية الواردة البقرة / 2.1

وَرَاءَ ذَلِکَ مِنَ النَّصِیحَهِ وَ الْأَمَانَهِ شَیْءٌ.وَ لَکِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِینَ قَبْلَکَ،فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ کَانَ فِی الْعَامَّهِ أَثَراً، وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَهِ وَجْهاً،فَإِنَّ ذَلِکَ دَلِیلٌ عَلَی نَصِیحَتِکَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّیتَ أَمْرَهُ.

وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ کُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِکَ رَأْساً مِنْهُمْ،لَا یَقْهَرُهُ کَبِیرُهَا وَ لَا یَتَشَتَّتُ عَلَیْهِ کَثِیرُهَا،وَ مَهْمَا کَانَ فِی کُتَّابِکَ مِنْ عَیْبٍ فَتَغَابَیْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَه»(1) .

جاء بجمع كاتب على زنة (فُعَّال) واضاف كاف الخطاب، وقسَّهم على صنفين (كتاب العامة: الذين يتصدرون لكتابة العقود والمعاهدات، ذهب الشارح ابن ابي الحديد إلى أن المراد بهم الوزراء قائلاً: « الكاتب الذي يشير إليه الأمام هو الذي يسمى الآن في الاصطلاح العرفي وزيراً، لأنّه صاحب تدبیر الأمير والنائب عنه في اموره «(2)

ص: 33


1- ظ: نهج البلاغة: ك53، 324
2- ظ: شرح نهج البلاغة: 62/17 وظ: الأحكام السلطانية 2265

وأشار الى الشروط الواجب توافرها في الوزير بقوله: «وَاخْصُص رَسائِلک التَی تَدخُل فیها مَکائِدک وأسرارک أجْمَعُهم» فأختر من أهل الوعي والفطنة بحيث لا يخدع ويؤخذ من غير شعور، ومن أهل الدِّين والوفاء أيضا، يفي بالعهد، ويحافظ على الأمانة ويقدس الواجب لا يتهاون فيه ويحرص على سمعته وكرامته، ولاتبطره الكرامة وتجعله اخ لك) واختبرهم على مقياس الحقيقة باختلاف

طبيعتها، فالحقيقة الدينية تقاس بالوحي من الله سبحانه، واختيار الكتّاب من الوجهة الاخلاقية ورعاية الأمانة والصداقة، فيجب أن يكون تقيا يراد منه مصالح العمل، ومن اخير الرعية، وحافظا للسر، وحسن الأثر ومعروفا بالأمانة وأشار ابن ابي الحديد إلى أن الكاتب هنا (الوزير) لانه النائب عن الأمير واليه تصل مکتوبات العمال وعنه تصدر الاجوبة، وذهب الخوئي إلى أن الكتابة في عصرنا

ص: 34

منصب ممتاز، وفي العصور السابقة ايضا، فكان يشتغل بالكتابة وانشاء ماهم من الكتب، الا انه الايدل على كون الكاتب وزيرا. وهم درجات: كاتب السر وهو من أجمع الكتّاب للأخلاق الصالحة، غير خفيف المزاج، كاتب الديوان عليه مکاتبات العال حافظا يقظا لايسامح في اصدار جواب الکتب فطنا لائقا في تنظيم العهود والعقود بين الوالي والرعايا ويجرى لهم اختبارا ليتعرف على صلاحيتهم(1) .

3. قضاة العدل:

العدلُ صفة الله وبه اراد في بعثه للأنبياء، ويعد الامام اول من فصل عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، قال (عليه السّلام): «ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهذَیْنِ

(1)

ص: 35


1- ظ: منهاج البراعة: 20 / 227 وظ: في ظلال النهج: 5/ 437

الصِّنْفَیْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاهِ وَالْعُمَّالِ وَالْکُتَّابِ، لِمَا یُحْکِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَیَجْمَعُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَیَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَیُؤْتَمَنُونَ عَلَیْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوامِّهَا»(1) .

فالقضاء: الحكم، وقضى يقضي قضاء وقضية:

حكم، ومنه الوصية قال تعالى: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ» ، وقضاء الشيء: فناءه وذهابه(2)، فالقاف والضاد والحرف المعتل أصل صحيح يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته، قال الله تعالى :

«فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ» أي أحكم

خلقهنَّ، والقضاء هو الحكم قال تعالى : «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ» اصنع واحكم، ولذا سمي القاضي

ص: 36


1- نهج البلاغة: ك 53، 324
2- ظ: العين: 5/ 185 ، علما أنَّ الآية الواردة هي من سورة سبأ / 14

قاضياً ليحكم الأحكام وينفذها(1) .

فالقضاء: فصل الأمر قولاً كان ذلك أو فعلا وكل واحدٍ منها على وجهين: إلهي وبشرى فمن الأول قوله تعالى: «وَقَضَی رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِیَّاهُ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِندَکَ الْکِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ کِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا کَرِیمًا» (2) .

فأمر بذلك، ومن الثاني قوله: «وَاللَّهُ یَقْضِی بِالْحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا یَقْضُونَ بِشَیْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیر» (3) ، والقضاء من الله تعالى أخصُّ من القَدَر، لأنّه الفصل بين التقدير، فالقَدَر هو التقدير والقضاء هو الفصل والقطع(4) .

ص: 37


1- ظ: مقاییس اللغة: 5/ 99
2- الإسراء / 23
3- غافر/ 20 ظ: المفردات: 2/
4- ظ: المصدر نفسه

وقد حددت شروطا مهمة لانتخابه منها (ان يختار بالتعيين، وألا تضيق به الأمور، واسع الصدر، عفيفا لا يقضي بالهوى، وألا يعلن الحكم النهائي الا بعد التحرير والتدقيق، والا تطريه الأقوال،. ثم أشار باسم الإشارة (اولئك) أي الذين اكتملت فيهم هذه الصفات (قليلون)(1) قال (عليه السّلام):

«وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّهِ عَیْنِ الْوُلَاهِ اسْتِقَامَهُ الْعَدْلِ فِی الْبِلَادِ، وَظُهُورُ مَوَدَّهِ الرَّعِیَّهِ وَإِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَهِ صُدُورِهِمْ، وَلَا تَصِحُّ نَصِیحَتُهُمْ إِلَّا بِحِیطَتِهِمْ عَلَی وُلَاهِ الْأُمُورِ، وَقِلَّهِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْکِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ. فَافْسَحْ فِی آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیْهِمْ، وَتَعْدِیدِ مَا أَبْلَی ذُوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ کَثْرَهَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاکِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ»(2) .

ص: 38


1- في ظلال النهج: 5/ 416
2- نهج البلاغة: ك 53، 324

وقرة العين: الفرح والسرور، والحيطة على زنة (شيمة) تعرض الامام لأمراء العدل، لإرتباط إجراء العدل في البلاد بالجنود من وجوه شتی، فالجند هو المالك والقائم بالسيف في الرعية فالقوة والقدرة على إجراء الامور بیده .

أمور البلاد تحتاج إلى قانون يتضمن تعيين الحقوق والحدود بين الأفراد، وعند وقوع الخلافات والنزاعات وقوة اجراء القوانين فقوى المجتمع التي هي اركان شعب (القوة المقننة والقضائية والمجرية) ومن هنا كان لوجود القضاة أهمية في عهد الامام قائلا: «ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَیْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِیَّتِکَ فِی نَفْسِکَ، مِمَّنْ لَا تَضِیقُ بِهِ الْأُمُورُ، وَلَا تُمَحِّکُهُ الْخُصُومُ، وَلَا یَتَمَادَی فِی الزَّلَّهِ، وَلَا یَحْصَرُ مِنَ الْفَیْ ءِ إِلَی الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَی طَمَعٍ، وَلَا یَکْتَفِی بِأَدْنَی فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ، وَأَوْقَفَهُمْ فِی الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَهِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ

ص: 39

عَلَی تَکَشُّفِ الْأُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُکْمِ، مِمَّنْ لَا یَزْدَهِیهِ إِطْرَاءٌ، وَلَا یَسْتَمِیلُهُ إِغْرَاءٌ، وَأُولَئِکَ قَلِیلٌ. ثُمَّ أَکْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وَافْسَحْ لَهُ فِی الْبَذْلِ مَا یُزِیلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَی النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَهِ لَدَیْکَ مَا لَا یَطْمَعُ فِیهِ غَیْرُهُ مِنْ خَاصَّتِکَ، لِیَأْمَنَ بِذَلِکَ اغْتِیَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَکَ، فَانْظُرْ فِی ذَلِکَ نَظَراً بَلِیغاً، فَإِنَّ هَذَا الدِّینَ قَدْ کَانَ أَسِیراً فِی أَیْدِی الْأَشْرَارِ یُعْمَلُ فِیهِ بِالْهَوَی وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْیَا»(1) .

فمارسة القاضي لمهنته أهمية كبيرة، وأوصى بهم فلا يضيق عليهم ولا تمحكهم الخصوم، ويكون مستقلا. «وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك فلا تضيق به الامور ولا تمحكه الخصوم»، اختلف فيه فذهب ابن ابي الحديد: جعله ما حکا

ص: 40


1- نهج البلاغة: ك 53، 324

اي لجوجا، وقيل: كناية عن كونه ممن يرتضيه الخصوم(1) .

وذهب الخوئي قدس سره الى القول: (يمكن أن يكون كناية عن كونه بشدة صلابته في أمره وهيبة ایانه و تمسكه بالحق بحيث لا يطمع الخصوم في جعله مكا يمتحنونه هل يقبل الرشوة ام لا وهل يؤثر فيه التطميع والتهديد أم لا(2).

والا يتمادى في الزلة، ولايحرص من الرجوع الى الحق اذا عرفه فالقضاء من شؤون النبوة، والرئاسة، دقیقا في كشف القضية.

4. عمال الانصاف والرفق

الولاة ممن يعينهم الخليفة أو الوالي لإنصاف

الناس.

ص: 41


1- ظ: شرح النهج: 40/17
2- منهاج البراعة: 20 / 206-205

العالة: أجر ماعمل لك، والمعاملة: مصدر عاملته، والعَمَلَة: الذين يعملون بأيديهم ضروباً من العمل حَفراَ وطينا، ونقول: أعطه أجْر عملته وعمله(1) .

العمل: العين والميم واللام أصلٌ صحيح، وهو عام في كل فعل یُفعا، قال الخليل: عًمِل عَمَلاً فهو عامل، اذا عمل بنفسه. والعمالة: أجر ماعُمِل. والمعاملة: مصدر من قولك عاملته، وأنا أعامله معاملة(2) .

والعملُ: كلٌّ فعل يكون من الحيوان بقصد

فهو أخ من الفعل لأنّ الفعل قد يُنسَب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد، وقد ينسب إلى الجمادات، ويستعمل للأعمال الصالحة

ص: 42


1- ظ: العين: 2/ 154
2- ظ: مقاییس اللغة: 4/ 145

والسيئة، لقوله تعالى : وَمَن یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَکَرٍ أَوْ أُنثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّهَ وَلَا یُظْلَمُونَ نَقِیرًا»(1) .

ثُمَّ انْظُرْ فِی أُمُورِ عُمَّالِکَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاهً وَأَثَرَهً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِیَانَهِ، وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَهِ وَالْحَیَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُیُوتَاتِ الصَّالِحَهِ وَالْقَدَمِ فِی الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَهِ، فَإِنَّهُمْ أَکْرَمُ أَخْلَاقاً وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً وَأَقَلُّ فِی الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَأَبْلَغُ فِی عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً»(2)

جاء في هذا الفصل في ذكر طبقة (العال) واختلف فيهم؛ فقال ابن أبي الحديدهم (عال السواد والصدقات والوقوف والمصالح فانها جماع

ص: 43


1- المفردات: 2/ 452، علماً أنّ الآية الواردة هي النساء / 124
2- نهج البلاغة: ك 53، 324

من شعب الجور والخيانة)(1) .

وقال الخوئي: (لا وجه لاختصاص كلامه

بصنف من العال، بل المقصود منه مطلق العال ومن يلي أمر ناحية من البلاد(2) .

وزاد البحراني (فيتحفظ من خيانة الأعوان من العال، فأستعار لفظ التقليد لتعليق نسبة التهمة اليه ملاحظة لشبهها با يقلد به من الشعار المحسوس واللفظ في غاية الفصاحة «فإنهم جماع من الجور والخيانة» ففي عهد عثمان العمال الشاغلين للاعمال كانوا شعب الجور والخيانة)(3) .

وذهب الخوئي إلى أنهم جماع من شعب الجور

والخيانة على الانتخاب بالمحاباة والأثرة من التكلف

ص: 44


1- ظ: شرح نهج البلاغة: 17 / 47
2- منهاج البراعة: 216/20
3- ظ: شرح نهج البلاغة: 5/ 173

والتعسف، فهذا الانتخاب جور وخيانة لانه لا ينطبق عليه انه شعب الجور والخيانة الا بالتكلف فهذا الكلام راجع إلى العال الشاغلين للاعمال قبل حكومة الامام(1)

وذهب محمد جواد مغنية إلى القول: (ان هذا المقطع خاص بعال العامل وحده اي الوالي المنصوب من الامام. أجل، إنَّ الخطاب خاص بظاهره، ولكنّ المراد به العام، لأنّ الكفاءة التي ذكرها كشرط للاختيار والتوظيف . تعم كل عامل وموظف دون استثناء)(2) . فاستعمالهم يتم بعد اختبارهم وتجربتهم افعال الامر (انظر، استعمل، توخ، اسبغ) و (أهل التجربة: مفعول للأمر توخ والمتقدمة صفة ل(البيوتات)، أخلاقا: تمييز من النسبة في قوله (أكرم)، (إلاّ بهم) استثناء مفرغ، وعملهم

ص: 45


1- ظ: منهاج البراعة : 20 / 216
2- في ظلال النهج: 5 / 418

الاشراف على مصالح الناس، وقد اسند الامام کاف الخطاب الى الوالي الصحابي مالك الاشتر (ثم انظر في امور عالك)، وقد أوصاه أن مواصفات يجب أن يتحلوا بها امينا ناصحا، كما هو حال اختياره اللولاة، وذكر سبب ذلك «فليست تصلح الرَّعية إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرَّعية «ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ، فَإِنَّ ذَلِکَ قُوَّهٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنًی لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَیْدِیهِمْ، وَحُجَّهٌ عَلَیْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَکَ، أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَکَ، ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَابْعَثِ الْعُیُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَیْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَکَ فِی السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَهٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَهِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِیَّهِ، وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ یَدَهُ إِلَی خِیَانَهٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَیْهِ عِنْدَکَ أَخْبَارُ عُیُونِکَ اکْتَفَیْتَ بِذَلِکَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَیْهِ الْعُقُوبَهَ فِی بَدَنِهِ وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ

ص: 46

نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّهِ وَوَسَمْتَهُ بِالْخِیَانَهِ وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَهِ».

وواضح عودة الضمير في (هم) اليهم قوة «

لهم... وغنى لهم... وحجة عليهم وواضح اسباب الاهتمام بهم فلا يحتاج إلى تفسير، وتجدر الاشارة الى الاهتمام البالغ من قبل الامام الى العال (الموظفين) فيتلافي الامام الضرر والفساد بقوله (اسبغ الأرزاق عليهم)

«ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من اهل الصدق والوفاء عليهم» فيعد مبدأ التفتيش عن الموظفين كما هو حال القضاة(1) .

قال في حقهم وفي سياق كلامه عن اصحاب الجمل: «فقِدموا على عمالي، وخُزَّان بيت مال المسلمين الذي في يدي، وعلى أهل مصر، كلهم في

ص: 47


1- في ظلال النهج: 5/ 419- 620

طاعتي وعلى بيعتي، فشتتوا كلمتهم، وأفسدوا عليّ جماعتهم، ووثبوا على شيعتي، فقتلوا طائفة منهم غدرا»(1)

أضاف ياء المتكلم للفظ (عمالیّ)؛ لينسبهم اليه، وعطف عليهم لفظ (خزّان بيت مال المسلمين) وخران على زنة (فُعّال) الذي يدلُّ على المبالغة والكثرة؛ فمجيئه بهذا البناء يدلُّ على كونهم أفضل العال وأنقاهم، وأوصى الامام بجملة من الأمور التي تتعلق بانتخاب طبقة العال: فيجب ان يكونوا من أهل البيوتات الصالحة إذ نجد فيهم کرم الاخلاق وصيانة العرض وقلة الطمع والحلم والتأني في عواقب الأمور(2) .

أوصى بأن تسبغ الأرزاق والرواتب عليهم،

ص: 48


1- نهج البلاغة: ك 53، 324
2- ظ: في ظلال نهج البلاغة: 621/5

کیلا تتعرض نفوسهم للاختلاس من أموال الخراج فهم (وكلاء الامة وسفراء الائمة)، وتوخَ منهم أهل التجربة والحياء، من أهل البيوتات الصالحة

فالتجربة المعرفة شرط اساسي للكفاءة، واضيف

اليها الأمانة.

5. عمال الخراج:

انتقل الإمام بعد حديثه عن (الجنود، والقضاة، والعمّال) إلى الخراج، والعمالة: أجر ماعمل لك. والمعاملة: مصدر عاملتهُ، وقولنا: أعطه أجْر عملته وعمله(1) .

فالعين والميم واللام أصل صحيح واحد، و هو عام في كل فِعْلٍ يُفْعَل، والعدالة: أجر ماعمِل، والمعاملة: مصدر من قولك عاملته، والعَمَلة: القوم

ص: 49


1- ظ: العين: 2/ 154

يعملون بأيديهم ضروب من العمل (1) .

قال امامنا (عليه السلام): «وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلاَحِهِ وَصَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لاِنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ. وَلْيَکُنْ نَظَرُکَ فِي عِمَارَةِ الاْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِکَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاِنَّ ذَلِکَ لاَ يُدْرَکُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ؛ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَکَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً. فَإِنْ شَکَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ؛ وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْکَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْکَ فِي عِمَارَةِ بِلاَدِکَ وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِکَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِکَ حُسْنَ

ص: 50


1- ظ: مقاییس اللغة: 4/ 145

ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِکَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِکَ لَهُمْ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِکَ عَلَيْهِمْ وَرِفْقِکَ بِهِمْ؛ فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الاْمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ؛ وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الاْرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لاِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ»(1) .

والخراج هو المصدر الوحيد في عصره لخزانة

الحكومة ومايقوم مقام المصارف من سد (أرزاق الجند، رواتب العمال والخدم). ومراده ب- (تفقد أمر الخَراج) استيفاؤه من قبل الجُباة کاملاً من دون زيادة أو نقصان، لأنّ نقصانه ظلم يضر مصالح

ص: 51


1- نهج البلاغة: ك 53، 324

الرّعية، وزيادته يضرُّ من يدفعه، فأوصي عاله بالرفق والاستماع للمصالح. الفرق بين الحج والخَرَاجِ هو أنَّ الخَرْجَ: ماتبرعت به، أمَّا الخَراج: مالزمك أداؤه، قال بعضهم: الخرج من (الرؤوس) والخَراج من الأرض، وهذا يعني أنَّ الخَرجَ مبلغ غير منتظم. وغير متكرر يدفع إلى شخص معين مقابل تقديم خدمة عليه

قال تعالى: «ققَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا» (1) ، أمَّا الَخراج فهو مبلغ معلوم يُدفَع بصورةٍ منتظمة، ومتكررة في نهاية كلِّ حولٍ أو محصولٍ من قبل مستثمري الأرض إلى الدولة(2) .

قال الطريحي: (إنّ اسم الحراج يطلق على

ص: 52


1- الكهف/94
2- ظ: الاسلام والاقتصاد: 50

الضريبة، والفيء، والجِزية، والغلة، ومنه خراج العراقين)(1) .

ولنا في الخراج أنواع: - (الزَّكاة، الخُمُس، الجِزية، الفيء، الغنيمة)(2) ، ويُعَدُّ أحد واردات الدولة الإسلامية وهو «الضَريبة التي كانت تُدفَع لخزينة الدَولة عن الأراضي التي احتلها المسلمون حتی لو أسلم صاحبها. ويَختَلفُ مقدار الخَراج بحسب نوعية الأرض وطريقة ريعها وإستغلالها ونوعية المحصول. وكانت هذه الضَّريبة عادةً تُفرَض على محاصيل الحبوبِ والأشجار الُمثمِرة. وكانت تُدفَعُ سَنَويا بعدَ الَموسِم»(3) .

ص: 53


1- مجمع البحرین: 1/ 632
2- على نحو ما درسناه في اطروحتنا للدكتوراه (ألفاظ الحياة الاقتصادية في نهج البلاغة - دراسة ومعجم-)
3- المرجع في الحضارة العربية الاسلامية: ابراهيم سلمان وعبد التواب شرف الدين: 128

استعمله الإمام (عليه السلام) للدَّلالة على (خَراجِ الأرضِ)، قائلاً في كتابه السابق إلى الصحابي الأشتر النَخَعَي (عليها السلام): «وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْیةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ»(1) ، إذ فصَّل الإمام (عليه السلام) هنا الناس إلى طبقات: وذكر أرباب الخَراج من المسلمين، وخصً بصرف الخراج الجُنْد والقُضَاة والعُمَّال والكُتَّاب؛ لما يحكمونه من الَمعاقد، ويجمعونه من المنافع، ولابدَّ لهم جميعا من التُّجار لأجل البَيْع والشِّراء الذي لاغناء عنه(2) .

إذ قال: «ثثُمّ لَا قِوَامَ لِلجُنُودِ إِلّا بِمَا يُخرِجُ اللّهُ لَهُم مِنَ الخَرَاجِ ألّذِي يَقوَونَ بِهِ عَلَي جِهَاد....... وَلْیَکُنْ نَظَرُکَ فی عِمارَهِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِکَ فی اسْتْجلابِ اْلَخَراجِ، لِأَنَّ ذلِکَ لَا یُدْرَکُ إِلَّا بِالْعِمَارَهِ؛ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَیْرِ عِمَارَهٍ أَخْرَبَ الْبِلَادِ، وَأَهْلَکَ الْعِبَادَ،

ص: 54


1- نهج البلاغة: ك 53، 324
2- ظ: شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 17 / 56

وَلَمْ یَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِیلاً»(1). فضَّل باسم التفضيل أبلغ) عمارة الأرض على استجلاب الخراج .

إذ لا حياةَ للدَّولة ولا الجنود أو أية هيأة أو فردٍ إلا بالنفقة الكافية لسدِّ الحاجات، ومن البديهي أنَّه لا موارد للدولة إلاَّ بفرض الضَّرائب وجبايتها وقد أقرَّ الإنكليزي الاقتصادي (آدم سمث) شروطاً أربعة للضِرائب: فتفرض على النَّاس بنسبة قدرتهم على تحملها، وتنطبق على فريضة الخُمْس والزَّكاة والجِزيَة) في الإسلام وأن تكون معينة، وأن تُجْبَی بدون إزعاج وتُنتَظم بحيث لا تُكِليف الشَّعب إلاَّ الضَروري لخزينة الدَّولة(2) .

دعوة الإمام (عليه السلام) للصحابي مالكٍ

ص: 55


1- نهج البلاغة: ك 53، 324
2- ظ: في ظلال نهج البلاغة: 400/5 -401 . وظ: السياسة المالية في عهد الإمام علي (عليه السلام): 91

(رضوان الله عليه) حين ولَّاه إدارة شؤون مصر الإهتمام بأرباب الخراج (وهم المستثمرون الزراعيون)؛ لأن الأراضي التي عليها الخَراج أراضٍ واسعة تتميز بالخصوبة وزراعة المحاصيل المهمة ک-(الحِنطة والشَعير والتَّمر والزَبيب) إذ يتحقق للدَّولة فيها مورداً كبيراً، لذا أكد الإمام (عليه السلام) أهمية تفقد أمر الخَراج (. فعلى العال أن ينصفوا الناس من أنفسهم ويصبروا على قضاء حوائجهم فهم خزان الرّعية ووكلاء الامة، فالإمام (عليه السلام) يقرأ المستقبل إذ يبصر نهاية الأحداث قبل بدايتها فالنتيجة ستكون خراب البلاد أو صلاحها، وأوصى الإمام (عليه السلام) بعمارة الأرض أكثر من إستجلاب الخراج . وهو عهد من الرَّاعي إلى رعيته فالأمَّة عيال على الخراج، فأعطى للخَراج قیمته، وطريقة صرفه فإن إهتمّ بالأرض وعمارتها تير الرِّبح، وانتقل هنا من سياق حديثه عن

ص: 56

العُمَّال إلى ذكر أرباب الخراج، فقال: تفقد أمرهم، الأنَّ الناس عيال عليهم، وكان يقول: استوصوا بأهل الخَراج؛ فإنَّكم لا تزالون سانا ماسمنوا. ورُفِعَ إلى أنوشروان (1) أنَّ عامل الأهواز قد حمل من مال الخراج مايزيد على العادة؛ وربما یکون ذلك قد أجحف بالرَّعية، فوقع: يرد هذا المال على من قد استوفي منه؛ فإنَّه تكثير الملك ماله بأموال رعيته بمنزلة من يحصن سطوحه با يقتلعه من قواعد بنیانه، ثم قال: «فان شکوا ثقلا» أي: ثقل طق. وهو شبه الخراج له مقدار معلوم؛ وليس بعربي خالص، ويعني الخراج المضروب عليهم، أو ثقل وطأة العامل وارتفاع نسبة الخراج. قال: « أو عِلة «كإصابة الغلة آفة كالجراد أو البرق أو البرد أو إنقطاع شربٍ: نقص المياه في الأنهار، أو مطرٍ أو

ص: 57


1- أنوشروان بن قباد بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام وهو ملک کسری

إحالة الأرض أو اتلفت بالعطش أو بالة، قلة مياه الأمطار، فإنْ لَحَقَها ذلك فأمرهم بالتخفيف، وهو بمنزلة التِجَارة التي لابدَّ فيها من إخراج رأس الَّمال وإنتظار عوده ورِبْحِهِ(1) .

فإن شكوا (ثقلاً): إرتفاعا في نسبة الخراج إلى حجم الإنتاج، أو (عِلَّةً): الأمراض التي تُمِيبُ المحاصيل الزراعياً، والظروف الجوية والمناخية التي تميت المحاصيل، أو إنقطاع في المياه المتأتية من الأنهار، أو بالة: نقصاً في مياه السَّقي من الأمطار؛ لقلتها، أو تلفاً في المحاصيل بفعل الأمطار الغزيرة، أو (عطشًا) بسبب الجفاف.

فإنَّ نسبةَ الخراج ستقل إلى الحَد الذي يُغَطي التكاليف والخَسائر، فمعظم الجباية إنَّما هي من

ص: 58


1- ظ: شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 17 / 56، وظ: منهاج البراعة: 219/20

الفلاحين والتُّجار، فإن إنقبضَ الفلاحون عن الفِلاحة، وقعدَ التُجَّار عن التِجارة ذهبت جملةً، والدَّولة هي السُوق الأعظم للعالم، ومعظم السَواد، ونفقاتهم أكثرأ مادة للاسواق، وتضاعف الأرباح في المتاجر، فيقل الحراج لذلك، لأنَّ الخراج والجباية في الإعتاد، والمعاملات عائد بالطبع على الدَولة بالنقص؛ لقِلتِه عند السَّلطان بقلةِ الخَراج(1) .

وأوصى الإمام (عليه السلام) العاملين على جباية الخَراج والصَدَّقات بآداب عامة تتضح في قوله: «إنطلقْ إلى تقوى الله وحده لاشريكَ له، ولاتروعَنَّ مُسلِماً، ولا تجتازَنَّ علیه کارِهاً، ولا تأخذُنَّ منه أكثر من حقِّ اللهِ في مالهِ، فإذا قدْمتَ على الَحيِّ فانزْل بائِهم من غير أن تخالطَ أبياتهم، ثم أمضِ إليهم بالسَّكينةِ والوقارِ حتى تقومَ بينهم فتسلمْ

ص: 59


1- ظ: السياسة المالية في عهد الإمام علي (عليه السلام): 104

عليهم، ولاتخدجْ بالتحيةِ لهم، ثم تقول، عبادُ الله أرسلني إليكم وليُّ الله وخليفته لآخذَ منكم حقُّ الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه الى وليه. فان قال قائل، لا، فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه فلا تخيفه، او توعده، او تعسفه، أو ترهقه فخذما أعطاك من ذهبٍ أو فضۃٍ فاذا كان له ماشية او ابل فلا تدخلها إلا بإذنه»(1)

فوصف الإسلام حق الله ما فرضه الشرع

للمجتمع من ضرائب وهي لبيت المال تُوزع على الرَّعية بالعدل، فخاطب عامله آمرا له بالإنطلاق على بركة الله حتى يحسن في التصرف مع أهل الخَراج، وألاَّ يسيء إليهم بالترويع والتهديد والتخويف، أو بالتسلط عليهم وإكراههم على دفع حقوق الله والاعتداء بأخذ الأكثر من المقرر، ثم

ص: 60


1- نهج البلاغة: ك60، 339

فصَّل ذلك قائلا: بأن عليه ألاّ يسكن في بيوتهم؛ بل ينزل في مائِهم (خارج بيوتهم) للسلامة له من أية إشاعة أو قول يُساء إليه، إذ أنَّ السَّكَن بين البيوت يُعَرِّضه إلى التعرف على الأمور والأسرار التي لا يرغب سُكان الحَيِّأن يفشوها إلى الغرباء، فذلك مِمَّا يُعَزِّز مكانة المسؤولين (الجُبَاة) ويجعل لهم هيبة في عيون الناس والخليفة، ومثال على ذلك رفض الإمام (عليه السلام) التصَّرف الذي قام به عثمان بنُ حنيف وهو عامله على البصرة؛ إذ دُعي من قبل أهالي البصرة على وليمة فقبلها، ومما لاشكَ فيه أنَّ هنالكَ أموراً ترتبت على قبول هذه الدَّعوة(1).

فالخَرْجُ والخَراج: «مايخرج من الَّمال في السِّنة

بقدرٍ معلومٍ»(2) .

ص: 61


1- ظ: منهاج البراعة: 20 / 310
2- ظ: العين (مادة خرج ): 4/ 108

قال ابن فارس: (الخاء والراء والجيم اصلانی وقد يمكن الجمع بينها، إلاَّ أنا سلكنا الطريق الواضح. فالأول: النفاذ عن الشيء. والثاني : اختلاف لونين. فأما الأوّل فقولنا خرج يخرج خروجا. والخراج بالجسد. والخَراج والخَرْج: الإتاوة؛ لأنه مال يخرجه المعطي»(1) .

والخَرْج والخرَاج، واحد عند بعض اللغويين: وهو شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم(2) .

قال الزجاج: الخرج المصدر، والرعية تؤدي الخرج إلى الولاة، والخرج والخراج: الإتاوة: «وهي هديةُ الَملَلِك»(3) .

ص: 62


1- مقاییس اللغة: 2/ 175
2- ظ: معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء: 16
3- ظ: المصدر نفسه

وفي علم المالية الحديث: «هي مبلغ من المال يفرض جبرا على مالك العقار بنسبة المنفعة التي عادت إليه من الأعمال العامة التي قامت بها الدولة أو الهيئات المحلية، ولفظ الأتاوة غير مستعمل عند الفقهاء؛ بل المستعمل عندهم: الكلف السلطانية، النوائب، المكوس، المغارم، الضرائب(1) .

وفسَّر ابن الأثير «الخَراج بالضَمَّان» قائلا: «يريد بالخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة عبدا كان او امة او ملكا، وذلك أن يشتريه فيستغله زماناً، ثم يعثر منه على عيب قديم لم يطلعْه البائع عليه، او لم يعرفه فله رد العين المبيعة واخذ الثمن؛ ویکون للمشتري ما استغله، لان المبيع لو كان تلف في يده لكان من ضمانه، ولم يكن له على البائع شيء(2) .

ص: 63


1- معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء: 16
2- ظ: النهاية في غريب الحديث والأثر: 258

ويجمع على أخراج واخارج وأخرجة. وفي التنزيل: «أم تَسئلُهُم خَرَجَاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيرٌ وَ هو خَيرُ الرَّازقين» (1) .

قال الزجاج: الخراج الفيء، والخرج الضريبة والجزية، وقريء: ام تسألهم خراجا، قال الفراء: ام تسألهم اجراً على ما جئت به، فأجر ربك وثوابه خير. والخرج أعمُّ من الخَراجوجعل الخَرْج بإزاء الدَّخل(2) .

قال تعالى: «قَالوا یَا ذَا الْقَرْنَیْنِ إِنَّ یَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِی الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَکَ خَرْجاً عَلَی أَن تَجْعَلَ بَیْنَنَا وَبَیْنَهُمْ سَدّاً (3) .

وقيل: العبد يؤدی خرجه أي غلته والرعية

ص: 64


1- المؤمنون / 72
2- ظ: معاني القرآن: الفراء: 204/10
3- الكهف / 94

تؤدي الى الامير الخراج. وفي الاصطلاح الفقهي: حقوق تؤدى عنها إلى بيت المال، ذلك أن الفلاحين الذين يعملون فيها قد اكتروها بغلة معلومة، «ولیکن نظرك في عمارة الأرض......) فالعناية بالارض وزراعتها هو المخرج لحل الأزمة الاقتصادية وهو المورد الاول لبيت المال، فالعمران محتمل ما حملته فعلى الدولة أن تهتم بالمزارعين فهم الذخر الحقيقي(1) .

6. التُّجار وذوي الصناعات:

انتقل الامام عليه السلام هنا إلى مايصلح امر الامة وركناه (التجارة والصناعة فبدأ بالجند، ثم القضاة، والعمال والموظفين، ثم أهل الخراج، والكُتّاب، وجعل الطبقة السادسة عن (التُّجار وأهل الصناعة)، اذ حثنا ديننا الحنيف على هذين

ص: 65


1- ظ: الخطاب في نهج البلاغة: 172

العملين. قال الإمام (عليه السَّلام) بعد أن ذكر الطبقات: «وَلَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِیعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَذَوِی الصِّنَاعَاتِ، فِیما یجْتَمِعُونَ عَلَیهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ، وَیقِیمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، وَیکْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَیدِیهِمْ مَا لَا یبْلُغُهُ رِفْقُ غَیرِهِمْ»(1) .

والتَّجْرُّ والتِّجارةُ بمعنى واحد وهو الجمع من

تاجِر، أرضٌ مَتْجَرةٌ: يُتْجَرُ إليها؟(2) .

فالتاء والجيم والراء: التجارة معروفة، يقال

تاجر وتَجْرٌ بمعنى واحد(3) .

أمَا الصِّناعةُ: فالصُّناع: هم الذين يعملون بأيديهم، وامرأة صَناعٌ: الصناعة الرقيقة بعمل يديها، والمصانع: مايصنعه العباد من الأبنية والآبار

ص: 66


1- نهج البلاغة: ك53، 324
2- ظ: العين (مادة تجر ): 91/6
3- ظ: مقاییس اللغة: 3/ 341

والأشياء (1) .

فالصاد والنون والعين أصل واحد صحيح، وهو عمل الشّيء صُنْعاً. وامرأة صَناع ورجلٌ صَنَعٌ اذا كانا حاذقين فا يصنعانه(2) .

فالتجارة: التصرف في رأس المال لطلب الربح (3) .

فبدأ ب-(التِّجار وذوي الصناعات) فأوصى واستوصى بهم، قائلاً: «ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِی الصِّنَاعَاتِ، وَ أَوْصِ بِهِمْ خَیْراً: الْمُقِیمِ مِنْهُمْ، وَ الْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَ الْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَ أَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَ جُلاَّبُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَ الْمَطَارِحِ، فِی بَرِّکَ وَ بَحْرِکَ، وَ سَهْلِکَ وَ جَبَلِکَ، وَ حَیْثُ لاَ یَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَ لاَ یَجْتَرِءُونَ عَلَیْهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ

ص: 67


1- المفردات في غريب القرآن : 94/1
2- العين:306/1 -305
3- ظ: مقاییس اللغة: 3/ 313

تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لاَ تُخْشَی غَائِلَتُهُ وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِکَ وَ فِی حَوَاشِی بِلاَدِکَ.

وَ اعْلَمْ - مَعَ ذَلِکَ - أَنَّ فِی کَثِیرٍ مِنْهُمْ ضِیقاً فَاحِشاً، وَ شُحّاً قَبِیحاً، وَ احْتِکَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَ تَحَکُّماً فِی الْبِیَاعَاتِ، وَ ذَلِکَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وَ عَیْبٌ عَلَی الْوُلاَةِ، فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِکَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) مَنَعَ مِنْهُ. وَ لْیَکُنِ الْبَیْعُ بَیْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِینِ عَدْلٍ، وَ أَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِیقَیْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُکْرَةً بَعْدَ نَهْیِکَ إِیَّاهُ فَنَکِّلْ به، و عاقبه فی غیر إسراف»(1) .

أوصاف وصف بها أهل التجارة فتدلُّ دلالة قاطعة على أنَّ أكثرهم كانوا من الكادحين لسد حاجتهم والعيش بأمان، واستوص فعل لمفعول محذوف تقديره: أوْصِ نفسك، (وأوص بهم خيرا)

ص: 68


1- نهج البلاغة: ك53، 324

حذف للمفعول اي اوص عالك، ولفظ (المقيم ومابعده بدل من مفصل من مجمل، والمبدل منه الضمير (هم)، وبيعاً: مفعول مطلق لبيع.

وقسَّم أنواع التُّجار الى (المضطرب باله: وهو الذي يدور باله من بلد إلى آخر للكسب، فيجعل ماله متاعا يدور به في البلاد اللبعيدة يعرض نفسه للخطر، و (المترفق ببدنه) العامل بعضلاته، (فانهم مواد المنافع واسباب المرافق) وجاءت (المواد)

جمعا تفيد العموم، و (المنافع) جمعا معرفا مفيدا للاستغراق، فالتجارة تحتاج الى الامتعة والى الاسواق التي تباع فيها، فيؤخذ بدلها متاعا اخرا(1) .

وجعل للفظي (أستوص، وأوص) لأنّهم يصنعون ما تحتاجه الرَّعية من كساء أو غذاء،

ص: 69


1- ظ: منهاج البراعة: 20 / 232، وظ: في ظلال النهج: 5/ 437

فعلى الراعي ان يهتم بها، وبيَّن السبب « فإنَّهم مواد المنافع، وأرباب المرافق، وجُلابها من المباعد والمطارح «ينقلون سلع البلاد التي تزيد عن حاجة أهلها إلى بلاد أخرى(1) .

«فانهم سلم لاتخشی بائقته وصلح لاتخشی غائلته»(2) ، فالتجار والصُّناع (سِلمٌ) مما يدلٌ دلالة قاطعة على انَّهم في ذلك الوقت من الكادحين من يعيشون بكدِّ اليمين، لايثيرون الفتن، ولايتأمرون مع الأعداء فهم سبب لاستقرار الصلح العالمي والعام بين الشعوب. فالروابط التجارية تفيد الشعوب وتنشأ بينهم رابطة تجارية على أساس تبادل المنافع والحوائج وهي أخوية وودية، وفسرت (البائقة) بالداهية فالتجارة الحرة ليس فيهادهاءٌ ومك، وأمر بتفقد أحوال التجار لتوصيته لهم

ص: 70


1- ظ: في ظلال النهج: 5/ 440
2- نهج البلاغة: ك 53، 326

بالخير، في بلادهم وفي الطرق والأماكن البعيدة. وفي الوقت الذي يوصي بهم فهو يحذر وينبه على ألَّا يحتكروا بالمصالح العليا فيخزنون السِّلع، ويعدُّ من عيوب الولاة «واعلمْ. مع ذلك . أنَّ في كثيرٍ منهم ضيقاً فاحشاً، وشُكحَّاً قبيحاً»(1)

ف-(الضيق الفاحش): حبا بالغا في جلب المنافع، و (شحا قبيحا): يمنع من السماح على سائر الأفراد بما يزيد على حاجته (و احتکارا للمنافع) بلا حد ولاحساب، (و تحكمها في البياعات) يؤول ذلك الحرص على تشكيل شركات، وانحصارات جبارة فيجمعون حوائج الناس بقوة رؤوس أموالهم. وهو باب مضرة للعامة: أعظم من الأسر الاقتصادي، وعيبٌ على الولاة: أشنع من تسليم الأمة إلى هذه الأسر.

ص: 71


1- نهج البلاغة: ك53، 325

وعطف على قوله (الضيق الفاحش) قوله (تحکما في البياعات)، وهو جمع معَّرف ب-(ال) يفيد العموم، في التحكم في البياعات والتسلط على الأسواق.

وقد جاءت التجارة في عهد الإمام حاملة المعني المجازي، إذ لا يراد بها التعاملات السُّوقية ک-(الرِّبح والخسارة)؛ بل المراد بها الربح المجازي المتحصل بالثواب، والأعمال الصَّالحة سواء أكانت الدنيوية منها أم الاخروية وقال (عليه السّلام) في خطب الملاحم متحدثا عن فتنة بني امية: «مالي أراكم أشباحة بلا أرواح، وأرواحة بلا أشباح، وشاکا بلا صلاح، وتجارا بلا أرباح»(1) .

وقد قسم العباد على ثلاثة أقسام: قسم للرغبة في الحصول على منفعة، وهذه عبادة تشبه حالة التاجر الذي يبتغي الربح في تجارة، وآخرون يعبدون

ص: 72


1- المصدر نفسه

خوفا، ولو لم يخافوا لما عبدوه وحالتهم هذه كحالة العبد الذي يخاف من سيده فيطيعه، اما العبادة الحقيقية فهي العبادة المبنية على أن الله سبحانه وتعالى) يستحق العبادة سواء أنعم أم لم ينعم.

7. الطبقة السفلى:

تعرض الإمام (عليه السّلام) الى هذه الطبقة

فوسمها ب-(الطبقة السفلى) وتتألف من الجماهير الشعبية ممَّن هم عاجزون عن الحيلة والاكتساب وهم (المساكين والمحتاجون وأهل البؤس والزمانة، وقسمهم على ثلاثة أصناف (القانع): السائل لحاجته والمعتر: السيء الحال ممن لايسأل حاجته بلسانه « ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَی مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْکنَةِ الَّذِینَ یحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ. وَفِی اللهِ لِکلّ سَعَةٌ، وَلِکلّ عَلَی الْوَالِی حَقٌّ بِقَدْرِ مَا یصْلِحُهُ.

وَلَیسَ یخْرُجُ الْوَالِی مِنْ

ص: 73

ذَلِک إِلاَّ بِالاِهْتِمَامِ وَالاِسْتِعَانَةِ بِاللهِ، وَتَوْطِینِ نَفْسِهِ عَلَی لُزُومِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرِ عَلَیهِ فِیمَا خَفَّ عَلَیهِ أَوْ ثَقُلَ»(1)

فقد أوصى فيهم (بحفظ حقوقهم، جعل لهم

قسما من بیت المال، جعل لهم قسا من صوافي الاسلام، فذهب ابن ابي الحديد الى القول فيها هي الأراضي التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكانت صافية لرسول الله فلا توفي اصبحت للفقراء ومايراه الامام من مصالح الاسلام، ثم أوصى بالطبقة الثالثة إلى (الايتام، والمعمرون)(2) .

فقال: ثُمّ اللّهَ اللّهَ فِي الطّبَقَةِ السّفلَي مِنَ الّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُم مِنَ المَسَاكِينِ وَ المُحتَاجِينَ وَ أَهلِ البُؤسَي

ص: 74


1- نهج البلاغة: ك 53، 325
2- ظ: منهاج البراعة: 20/ 262، وظ: الديباج الوضي: 5/ 2070

وَالزَّمْنَی فَإِنَّ فِی هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظْ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَکَ مِنْ حَقِّهِ فِیهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَیتِ مَالِکَ، وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِی الْإِسْلَامِ فِی کُلِّ بَلَدٍ، فَإِنَّ لِلْأَقْصَی مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِی لِلْأَدْنَی وَ کُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِیتَ حَقَّهُ. فَلَایشْغَلَنَّکَ عَنْهُمْ بَطَرٌ، فَإِنَّکَ لَاتُعْذَرُ بِتَضْییعِکَ التَّافِهَ لِأَحْکَامِکَ الْکَثِیرَ الْمُهِمَّ. فَلَاتُشْخِصْ هَمَّکَ عَنْهُمْ، وَلَاتُصَعِّرْ خَدَّکَ لَهُمْ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَایصِلُ إِلَیکَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُیونُ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ. فَفَرِّغْ لِأُلئِکَ ثِقَتَکَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْیةِ وَ التَّوَاضُعِ، فَلْیرْفَعْ إِلَیکَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِیهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَی اللَّهِ یوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلَاءِ مِنْ بَینِ الرَّعِیةِ أَحْوَجُ إِلَی الْإِنْصَافِ مِنْ غَیرِهِمْ، وَکُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَی اللَّهِ فِی تَأْدِیةِ حَقِّهِ إِلَیهِ. وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْیتْمِ وَذَوِی الرِّقَّةِ فِی السِّنِّ مِمَّنْ لَاحِیلَةَ لَهُ، وَلَا ینْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَ ذَلِكَ عَلَي الوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَ الحَقّ كُلّهُ ثَقِيلٌ وَ قَد يُخَفّفُهُ اللّهُ عَلَي

ص: 75

أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ.

وَ اجْعَلْ لِذَوِی الْحَاجَاتِ مِنْکَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِیهِ شَخْصَکَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِیهِ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَکَ، وَ تُقْعِدَ عَنْهُمْ جُنْدَکَ وَأَعْوَانَکَ مِنْ أَحْرَاسِکَ وَشُرَطِکَ، حَتَّی یکَلِّمَکَ مُتَکَلِّمُهُمْ غَیرَ مُتَتَعْتِعٍ، فَإِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) یقُولُ فِی غَیرِ مَوْطِنٍ: «لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَایؤْخَذُ لِلضَّعِیفِ فِیهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِی غَیرَ مُتَتَعْتِعٍ ».

ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِی، وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّیقَ وَ الْأَنْفَ یبْسُطِ اللَّهُ عَلَیکَ بِذلِکَ أَکْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَ یوجِبُ لَکَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ. وَ أَعْطِ مَا أَعْطَیتَ هَنِیئاً، وَامْنَعْ فِی إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ!»(1) .

جاء تعبير الإمام (عليه السلام) (الطبقة السفلى) ويلحظ شدة حرص الامام على هذه الطبقة؛

ص: 76


1- نهج البلاغة: ك53، 325

لضعفهم وعدم امتلاك حاجاتهم . وقد أخذ الامام (عليه السلام) الفاظ القانع، والسائل، والمعتر من قوله تعالى : «وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ »(1) .

والمحتاجين: الحاء والواو والجيم أصل واحد، وهو الاضطرار إلى الشيء. فالحاجة واحدة الحاجات (2) .

وأهل البؤسي: الباء والهمزة والسين أصل

واحد، الشدة وماضارعها، ويقال: رجل ذو بأس وبئیس شجاع، فإن نعته بالبُؤس قلت بَؤُس، وهي

ص: 77


1- ظ: رسائل الامام علي: 291، علمًا أن الآية الواردة هي الاعراف / 36
2- ظ: المصدر نفسه : 2/ 116

الشدة في العيش(1) .

الزّمني: الزَّمني في الذكر والانثى، وأزمن

الشّيء: طال عليه الزمن(2) .

فالزاء والميم والنون أصل واحد يدلُّ على وقت من الوقت. من ذلك الزَّمان، وهو الحين، قليله وكثيره. يقال زمانٌ وزَمَن وجمعه أزمنة، والزّمانة التي تصيب الإنسان فتُقْعِدهُ(3) .

القانع: القاف والنون والعين أصلان صحيحان،

أحدهما يدلُّ على الإقبال على الشيء، ثم تختلف معانيه مع اتفاق القياس؛ والآخر يدلُّ على استدارة في شيء، فالأول الإقناع: الإقبال بالوجه على الشيء، والإقناع: مَدُّ اليد عند الدعاء. وسمي بذلك عند

ص: 78


1- ظ: المصدر نفسه: 1/ 328
2- ظ: العين: 370/7
3- ظ: مقاییس اللغة: 3/ 23

إقباله على الجهة التي يمدُّ يده إليها(1) . والقناعة: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج اليها، وهو السائل الذي لايل في السؤال ويرضى با يأتيه القوله تعالى: «كُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (2) .

والعين والتاء والراء أصل صحيح يدلُّ على معنيين، أحدهما الأصل والنِّصاب، والآخر التفرُّق. فالأول ما ذكره الخليل أن كلِّ عِتْرَ کلِّ شيء نصابه، والثاني الذي يقال له الَمْرزَنْجُوش، وهو لا ينبت الا متفرقا(3) ، وجاءت (من) بيانية، ولفظ الجلال (الله) المكرر منصوب على التحذير، والمضاف اليه بعد (کل) وتقديره (هم): وكلهم قد استرعیت حقّه.

ص: 79


1- ظ: المفردات: 2/ 536
2- الحج / 39
3- ظ: مقاییس اللغة: 4/ 217

«واجعل لذوي الحاجات منك قِسما تُفرِّع لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه الله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشُرَطك حتي يكلمك متكلمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول الله (صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم) يقول في غير موطن: (لن تُقَدَّس أمَّةٌ لا يؤخذُ للضعيف فيها حَقهُ من القوي غير

متتعتعٍ»(1) .

ذوي الحاجات: (أهل المسكنة) وعطف عليها بقوله (الفقر) وأختلف في معنى (الفقر): فقيل: هو من لا مال له ولا كسب، والمسكين: له مال او کسب لكنه لا يكفيه(2) .

وقيل بل هو العكس، فالفقير له مال لايكفيه،

ص: 80


1- نهج البلاغة: ك53، 325
2- ظ: انوار التنزيل وأسرار التأويل: البيضاوي: 3/ 153

والمسكين أشدُّ فقرا منه(1) .

وقد ذهب شُرَّاح النهج الى اتجاهين في تعريفهم لهذه اللفظة؛ فقيل: هي تدل على شدة الفقر، وقيل : تدلُّ على خمول القدرة وركة الهمة(2) .

قال ابن فارس: (الحاء والواو والجيم اصل

واحد، وهو الاضطرار إلى الشيء)(3) .

وفرق اللغويون بين (الحاجة والفقر) فالحاجة:

القصور عن بلوغ المطلوب، والفقر:

والزمانة: العاهة، وهي العلل والأمراض التي تصيب الإنسان، وقد تصيب الحيوانات وهو جمع وواحده زَمين، فخصص لهم الامام جزءا من بیت

ص: 81


1- الجامع لأحكام القرآن : القرطبي: 8/ 167
2- ظ: شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد: 17 / 38، وظ: الديباج الوضي: 5/ 2531
3- مقاییس اللغة: 2/ 114

مال المسلمين ومن غلات اراضي الخراج، وذهب شرّاح النهج إلى أنّه المتعرض للناس دون سؤالهم(1) .

فالحرس: حرس السلطان، وهو اسم مفرد بمعنى الحُرّاس کالخدّام، و(الشرط): قوم من أعوان الحكومة يعلّمون أنفسهم بعلامات الخدمة يعرفون بها، المحتاجين والذين يشتكون.

«واجعل لهم قِسْماً من بيت مالك «أمر الامام أن يكون لهؤلاء قِسْماً او نصيبا من ميزانية الدولة فيكون حقا مفروضا کرواتب الجنود والقضاة، و «قِسْماً من غلات صوافي الاسلام في كل بلدٍ « والمراد ب-(صوافي الاسلام): الأموال المشاع بين المسلمين كافة، ولا تختص بسهم النبي، وهذا ما فهمه ابن أبي الحديد، إذعاش الإمام (عليه السّلام) مع المساكين، يشعر

ص: 82


1- ظ: شرح النهج: ابن أبي الحديد: 17 / 89، و ظ: الديباج الوضي: 5/ 2071

بالامهم ويوصي بهم(1) .

ص: 83


1- ظ: في ظلال النهج: 449/5

الخاتمة

بعد هذه الرحلة الموجزة مع الفاظ طبقات الرعية في عهد الإمام (عليه السلام) الى الصحابي الجليل مالك الاشتر (رضوان الله عليه) نوجز أهم ماتوصل اليه بحثنا من نتائج وهي:

أن الإمام (عليه السلام) وضع تقسيم اجتماعي خاص للطبقات، فاليه يرجع الفضل في تقسيمها؛ إذ وضع حماة البلاد وهم الجنود أولى طبقاته وتعليله لذلك.

أولى كل طبقة ما تستحقه وضمن حقها في العيش بسلام وأمان وحرية واطمئنان، وذلك بتوفير الخراج لتوزيعه كمعاش لمختلف الطبقات.

اعطى صفات خاصة لكل طبقة من الطبقات وماذلك الالتأكيده على أهمية الصفات الانسانية في المجتمع الاسلامي.

ص: 84

بدأ بطبقة الجنود؛ لأنها الطبقة الأكثر أهمية في حفظ عرض البلاد وصيانتها من الاعتداء الخارجي، وجعل طبقة الفقراء والمحتاجين آخرها، لأنها لاتقوم ولاتتكل الأعلى الطبقات المتقدمة.

يعد عهد الإمام (عليه السلام) وثيقة دولية المختلف شرائح المجتمع فقد تضمن الحقوق والحريات الواجب تنفيذها من قبل الوالي الى رعيته، وفي مقابل ذلك ضمن واجبات الرعية إلى الأمة.

ونوصي في نهاية البحث ونأمل من الله سبحانه وتعالى) ومن اللجنة العلمية لهذا المؤتمر أن يحظى هذا العهد بأهمية كبيرة من حيث الدراسة والبحث، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه المنتجبين.

ص: 85

المصادر والمراجع:

خير ما يبتدئ به القرآن الكريم.

1. الأحكام السلطانية : لأبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي (ت 458 ه-)، دار الكتب العلمية، بيروت ۔ لبنان، 2000.

2. الإسلام والاقتصاد الإسلام والاقتصاد (دراسة في المنظور الإسلامي لأبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة): عبد الهادي علي النجار، المجلس الوطني للثقافة والفنون، الكويت، 1978.

3. أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي: لناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي (ت 691 ه-) تحقيق: محمد عبد الرضا المرعشلي، دار احیاء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بیروت، د.ت. )

4. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ابو عبد الله محمد بن احمد الانصاري (ت 671ه-)، دار الشعب . القاهرة، د. ت.

5. الخطاب في نهج البلاغة (بنيته وأناطه ومستوياته دراسة تحليلية): د. حسين العمري، ط1، دار الكتب

ص: 86

العلمية، بيروت - لبنان، 2010

6. الديباج الوضي في الكشف عن اسرار کلام الوصي « شرح نهج البلاغة» لأبي الحسين يحيى بن حمزة بن علي الحسيني (ت 749ه-، تحقيق: خالد بن قاسم بن محمد المتوكل، ط 1، 2003

7. رسائل الامام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: دراسة لغوية، رملة خضير مظلوم البديري، العتبة العلوية المقدسة، 2011،- موسوعة الرسائل الجامعية.

8. السياسة المالية في عهد الإمام علي (عليه السلام): السياسة المالية في عهد الامام علي: رضا صاحب ابوحمد، ط1، مركز الأمير لاحياء التراث الاسلامي، 2006

9. شرح نهج البلاغة: البحراني شرح نهج البلاغة: کمال الدین میثم بن علي بن میثم البحراني (ت 979 ه-)، ط1، دار الثقلين، بيروت - لبنان، 1999.

10. شرح نهج البلاغة: عز الدين ابو حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد (ت 656 ه-) تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهیم، ط1، دار الكتاب العربي، العراق - بغداد، 2005 11. علي وحقوق الانسان: جورج جرداق، الدار

ص: 87

ألفاظ طبقات الرعية في عهد الإمام علي (ع)

العربية للموسوعات، ط1، 2009 12. العين : لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 100 170 ه)، تحقيق: د مهدي المخزومي ود. ابراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، د.ت. ) 13. في ظلال نهج البلاغة . محاولة لفهم جديد - محمد جواد مغنية، تحقيق: سامي الغريري، دار الكتاب الاسلامي، 2005 14. کتاب سيبويه: لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر:

تحقيق: عبد السلام محمد هارون، 1999 15. لسان العرب: لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مکرم ابن منظور الافريقي المصري، تح: عبد الله علي الكبير ومحمد احمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي، دار صادر، بیروت لبنان (د.ت) 16. مجمع البحرین: فخر الدين الطريحي (ت 1080 ها) تحقيق: أحمد الحسيني، ط1، دار الكتب العلمية النجف، 1386 ه. 17. المرجع في الحضارة العربية الاسلامية: ابراهیم سلان الكروي وعبد التواب شرف الدين، ط 2، ذات السلاسل، الكويت، 1987 18. معاني القرآن: لأبي زکریا یحیی بن زیاد الفراء (ت

ص: 88

207 ه-)، ط 3، عالم الكتب، بیروت، 1933.

19. معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة

الفقهاء: د. نزيه حماد، ط1، 2008.

20. المفردات في غريب القرآن : لابي القاسم الحسين بن محمد المعروف ب( الراغب الأصفهاني)،، نزار مصطفى الباز، د.

21. مقاییس اللغة: احمد بن فرس بن زکریا، تحقیق:

عبد السلام محمد هارون، دار الكتب العلمية، د، ت

22. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، لميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي، تحقيق: علي عاشور، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 2003

23. النهاية في غريب الحديث والأثر: النهاية في غريب الحديث والاثر: مجد الدين ابي السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، ط1، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، 1421. 24. نهج البلاغة والمعجم المفهرس لألفاظه: کاظم محمدي و محمد دشتي، ط1، دار التعارف للمطبوعات،

1990

ص: 89

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5 توطئة...9 الطَّبقة: ...13 سنبدأ بأولى الطبقات وهي: ...19 1. الجنود: ...19 2. كُتَّاب العامة والخاصة:.. 30 3. قضاة العدل: ...41 4. عمال الانصاف والرفق : ...41 5. عال الخَراج: ...49

6. التُّجار وذوي الصناعات : ... 65

7. الطبقة السفلى :...73 الخاتمة ...84

المصادر والمراجع: ...86

ص: 90

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.