سلسلة دلیل المحاور

هوية الکتاب

العَتَبَةُ العَبَّاسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ

قِسمُ الشُّؤُونِ الفِكرِيَّةَ وَ الثِّقَافِيَّةَ

سِلسِلَةُ دَلِيلِ المحُاوِر

المجلد الأول

تأليف : شُعبَةُ الدِّرَاسَاتِ والنَّشَرَات

وحدة التأليف

ص: 1

المجلد 1

اشارة

العَتَبَةُ العَبَّاسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ

شُعبَةُ الدِّرَاسَاتِ والنَّشَرَات

كربلاء المقدسة

ص.ب (223)

هاتف: 222600 داخلی: 175-162

www.alkafeel.net

info@alkafeel.net

العتبة العباسية المقدسة . قسم الشؤون الفكرية والثقافية شعبة الدراسات والنشرات. وحدة التأليف.

سلسلة دليل المحاور / تأليف شعبة الدراسات والنشرات وحدة التأليف الطبعة الأولى كربلاء : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة،

1436 ه- / 2015

2 مجلد ؛ 24سم

المصادر.

1. الشيعة الإمامة دفع مطاعن ألف. العنوان

BP194.1.A8 2015

الفهرسة والتصنيف في مكتبة العتبة العباسية المقدسة

الكتاب: سلسلة دليل المحاور .

الكاتب: شعبة الدراسات والنشرات - وحدة التأليف.

الناشر : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.

التدقيق اللغوي: لؤي عبد الرزاق فرج الله.

الاخراج الطباعي والتصميم: علاء سعيد الأسدي - محمد قاسم النصراوي

رقم التسجيل في دار الكتب والوثائق في بغداد 955 لعام 2012م.

المطبعة دار الكفيل للطباعة والنشر.

الطبعة الثانية.

عدد النسخ: 2000

ربيع الثاني 1436 - كانون الثاني 2015

ص: 2

مقدمة الناشر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين، أما بعد فقد قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد وقرآنه الحميد وقوله الحق وهو أصدق القائلين «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»[النحل/ 125]، وقال سيّدنا ومولانا وحبيب قلوبنا النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : «أشدُّ مِنْ يتم اليتيم الذي انقطع عن أمه وأبيه يتم يتيم انقطع عن ولا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلُّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى»(1).

وقال الإمام جعفر الصادق علیه السلام: «علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم»(2).

ص: 3


1- الاحتجاج للطبرسي: 1/ 16
2- الاحتجاج للطبرسي: 1/ 16

فما أحوج شبابنا، وأبنائنا إلى مرافد المعرفة الإيمانية الأصيلة، والصحيحة لبناء العقيدة السليمة التي عانت من الإضطهاد بسبب الظروف العصيبة التي مرّت بها الأجيال عبر سنوات طويلة من الظلم والجور حالت دون الوقوف على مناهل المعرفة العقائدية الحقّة. فانطلاقاً من المسؤوليات الَّتي تحمّلها على عاتقه (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسيّة المقدّسة) تُقدّم شعبة الدراسات والنشرات (سلسلة دليل المحاور)، وهذه السلسلة قد جُمعت فيها الآيات القرآنية الكريمة، ثمّ الأحاديث، والروايات من كتب الصحاح، والكتب المعتبرة عند أهل السنّة لأبرز المواضيع الخلافية، مع ترقيم كل حديث، والإشارة في الهامش (أسفل الصفحة) إلى المرجع أو المراجع التي ذكرت ذلك الحديث، وعند تعدد المصادر مع تباين ألفاظ الحديث أشرنا لذلك بلفظ (ينظر ، أو انظر أو قارن ونحوها) قبل ذكر المرجع أو المصدر.

ونودُّ أن ننبِّهَ إلى أنَّه لا يمكن اعتبار هذه السلسلة مادة أساسية في الحوار، بل مساعد، ومعين للمُحاور عندما يُباغَت أثناء الحوار بسؤال، أو إشكال لم يكن قد استعدّ أو تمّ تحضيره قبل الشروع في النقاش والحوار ، فيمكنه اللجوء إلى هذه السلسلة ليحصل بسهولة على الدليل اللازم في الوقت المناسب.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه السلسلة عوناً للمُحاور أثناء حواره للتقريب بين المذاهب الإسلامية، من خلال الحوار النزيه والبحث العلمي البنّاء الهادف لتوضيح معالم الحقيقة، واستجلاء الواقع، ليزول الوهم، وتنقشع حجب الشقاق، وسحب الخلاف والتفرقة التي أثارتها الاتجاهات المناوئة للإسلام.

شعبة الدراسات والنشرات

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»

ص: 5

ص: 6

البَابُ الاَوَّل: أصل الشيعة والتشيع في الكتاب والسنة

اشارة

ص: 7

ص: 8

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

أمَّا بعد فقد كثرت الأباطيل حول أصل الشيعة والتشيع دون الركون إلى التحقيق السليم الخالي من الأهواء والكره والبغض الموروث تأريخياً، فمنهم من يزعم أنَّ الشيعة نشأت في زمن معاوية بن أبي سفيان، كابن تيمية الَّذي قال في كتابه منهاج السنة: «ففي خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، لم يكن أحد يُسَمَّى مِن الشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحدٍ لا عثمان، ولا عليّ، ولا غيرهما ، فلما قتل عثمان تفرق المسلمون، فمال قوم إلى عثمان، ومال قوم إلى عليّ، واقتتلت الطائفتان، وقتل حينئذ شيعة عثمان شيعة عليّ».

ومنهم مَن يزعم أنَّ الشيعة ظهرت بعد مقتل الإمام الحسين ، ومنهم من يزعم غير ذلك، حتّى وصل بهم الحال إلى جعل التشيع بدعة ؛ قال الذهبي: «البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلوّ التشيع، أو كالتشيع بلا غلوّ ولا تحرف»(1).

منهم مَن وصل به الغلوّ إلى تكفير الشيعة، وإخراجهم عن ملة الإسلام ونبزهم

ص: 9


1- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي: 118/1 [ حرف الألف / أبان: 1252/2 - أبان بن تغلب].

بالروافض، أو السبئية، أو الصفويين ، أو بالفرس متناسياً أصل مذهبه، ومنشؤُه الحديث الَّذي أحدثه أعداء الإسلام لأجل القضاء على الإسلام والمسلمين، فانخدع به كثير من المساكين والجهلاء وراحوا يعملون لصالح أعداء الإسلام للقضاء على الإسلام تارة عن جهل، وأخرى عن عمدٍ، فسلَّطُوا ألسنتهم وسيوفهم على رقاب المسلمين «وَأَحَلَّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ» ، فلم يسلم من لسانهم مسلم ما لم يوافقهم في كلّ شيء، يتهمون المسلمين بالبدعة والضلالة والشرك والتكفير، ولكثرة تكفيرهم المسلمين اصطلح عليهم «المذهب التكفيري»، وقد اتَّهموا أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام باتهامات باطلة، حتّى وصل بهم الجهل إلى تكفيرهم وعدم الإقرار لهم بالإسلام متناسين قوله تعالى «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا» [النساء 94]، ولقد روى البخاري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُئِل أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

وروى البخاري أيضاً عن ابْن عُمَرَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم «لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا». فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ.

ولدفع تلك الافتراءات المفتعلة نقدِّم للمُحاور الكريم هذا الكرَّاس الموسوم ب_ (أصل الشيعة والتشيع في الكتاب والسنَّة) الذي تمت كتابته بالاعتماد على بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي روتها كتب السنَّة، إضافة إلى الاعتماد على العديد من المصادر المعتبرة عند مدرسة الصحابة ليكون خير دليل ومعين للمُحاور، أو لمن أراد معرفة أصل الشيعة والتشيع، سائلين الله تعالى أن يجعله هداية لمن أراد سبيل الرشاد وأن ينفعنا به «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ»« إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»

ص: 10

معنى الشيعة

معنى الشيعة في اللغة

قال الراغب: «الشيعة مَن يَتَقَوَّى بهم الإنسان ويَنتَشِرُون عنه، ومنه قيل للشجاع مَشِيعٌ»(1). وقال شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي كذلك: «وشيعة الرجل أعوانه وأنصاره وأتباعه، وكل جماعة اجتمعوا على أمرٍ واحد أو رأي واحد فهم شيعة، والجمع شیع مثل سدرة وسدر»(2).

قال ابن منظور كذلك: «الشِّيعةُ القوم الذين يجتمعون على الأمر وكلُّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعةٌ. وكلُّ قوم أمرهم واحد يَتْبَعُ بعضُهم رأي بعض فهم شِيَعٌ... والشِّيعَةُ أتباع الرجل وأنصاره وجمعها شِيّعٌ وأشياعٌ جمع الجمع ويقال شايَعَه كما يقال والاهُ من الوَلِي... وأَصلُ الشِّيعة الفرقة من الناس ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على مَن يَتَوالى عَلِيًّا وأَهلَ بيته رضوان الله عليهم أجمعين، حتَّى صار لهم اسماً خاصّاً ، فإذا قيل فلان مِن الشَّيعة عُرِف انه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم، وأصل ذلك مِن المُشايَعةِ، وهي المتابعة والمطاوعة. قال الأَزهري والشَّيعةُ قوم يَهْوَوْنَ هَوى عترةِ النبي الله ويُوالونهم»(3).

ومما تقدَّم يُعْلَم أنَّ لفظ الشيعة صار علماً بالغلبة على مَن يَتَوالى عَلِيًّا وأَهلَ بيته علیهم السلام

ص: 11


1- معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني: 305[شيع]
2- التفسير الوسيط للقرآن الكريم: 94/12[ سورة الصافات: الآيات 83 إلى 113]
3- لسان العرب لابن منظور: 258/7[شيع]

المنصوص على إمامتهم، وهم الأئمة الاثنى عشر ، وأنَّ التشيع هو الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهدي أهل بيته علیهم السلام، فيخرج بذلك مَن يُحسب على الشيعة من سائر فرق المسلمين.

معنى الشيعة عند الأشعري

إِنَّ مِن علماء السنة الذين عرفوا الشيعة هو إمام السنة الأشعري، فقد عرَّف الشيعة قائلاً: «إنما قيل لهم الشيعة لأنهم شايعوا عليا رضوان الله عليه، ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله »(1).

معنى الشيعة عند ابن حزم

قال ابن حزم «ومن وافق الشيعة في أنَّ عليَّا رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعيٌّ، وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيّاً»(2).

وهذا المعنى لانرضاه، ولانقول به، لأنَّ التشيع هو اتّباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأهل البيت عليهم السلام، وموالاتهم، والبراءة من أعدائهم، وليس الإقرار بأولويتهم في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط . لأنَّ ذلك الإقرار حق ثابت في النصوص الصحيحة والصريحة، لا ينكره إلا الجاهل، أو المتعصِّب.

معنى الشيعة في القرآن

لقد ورد لفظ الشيعة في القرآن الكريم بدلالات مختلفة نكتفي بذكر اثنين منها؛ الأولى بمعنى الدين كما في قوله تعالى «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ

ص: 12


1- مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري : 5
2- الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم: 2/ 89

مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)» [ القصص / 15]، ف_ «مِن شِيعَتِهِ» بمعنى «ممن على دينه(1)».

وقوله تعالى «وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ» [الصافات/ 83]، «قال ابن عباس أي من أهل دينه(2)».

والدلالة الثانية بمعنى الأمَّة ؛ فقد جاء لفظ «شِيَعِ» جمع شيعة بمعنى أمّة وذلك في قوله تعالى «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ»[الحجر/ 10]. قال القرطبي «المعنى ولقد أرسلنا من قبلك رسلًا، فحذف. والشيع جمع شيعة وهي الأمة، أي في أممهم ؛ قاله ابن عباس وقتادة... والشيعة الفرقة والطائفة من الناس المتآلفة المتفقة الكلمة. فكأنَّ الشيع الفرق»(3).

ص: 13


1- البحر المديد لابن عجيبة : 254/5[القصص: آية 14]
2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 15 / 61[ سورة الصافات / آية : 83]
3- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 15 / 61[ سورة الحجر/ آية : 10]

ص: 14

الآيات القرآنية الَّتي تُنَادي بالتشيع

اشارة

إِنَّ التشيع لعليٍّ عليه السلام لم يكن إلا بأمر ربانيّ، وقد وردت آيات عديدة تدلّ على ذلك، فمن الآيات الَّتي يُفهم منها أنها تأمر بالتشيع لعليٍّ ما يلي:

الآية الأولى

ورود آيات عديدة في القرآن الكريم تأمر بطاعة الرسول واتباعه؛ منها قوله تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»«قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ» [آل عمران 31، 32].

وقوله تعالى: ي«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ»[محمد 33 ].

وقوله تعالى: «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ»[النور 54].

وقوله تعالى: يَتأَيُّهَا«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ»«وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ»«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ»[الأنفال 20-22] .

وقوله تعالى: تَأَيُّهَا«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»[النساء 59] .

ص: 15

فَمن هذه الآيات وغيرها يُعْلَم وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا ثابت في أصل الشرع الإسلاميّ، فإذا أمرنا الرسول له بإتباع مذهب مُعَيَّنٍ، فلا بدَّ مِن اتِّباعه. وَلْنَرَ هل أمرنا الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بالتمسك بمذهب معيّن أم ترك الأمة الإسلامية دون أن يرشدهم إلى ركن وثيق يتبعونه بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم؟

المذهب الَّذي أمر الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بالتمسّك به

إِنَّ مِن الأمور المسلَّمة التي لا شكَّ فيها، والتي يعتقد بها كل مسلم مهما كان انتماؤه المذهبي هو لزوم العمل بوصايا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، خصوصاً إذا كانت تلك الوصية مهمة جدا لدرجة أنه وعد المسلمين بعدم الضلال أبداً إذا عملوا بها، وطبَّقوها بعد وفاته ، وهذا يعني أن عدم تطبيقها يؤدي إلى الضلال والضياع، ولا يجوز شرعاً أو عقلاً تركها وعدم العمل بها، والوصية هي أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أوصى بالتمسك بالثقلين كتاب الله وأهل بيته ووعد المتمسك بهما بعدم الضلال أبداً. وفي رواية أخرى ورد لفظ «خليفتين» مكان «الثقلين» كما قال الهيثمي عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إني تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض». [ قال الهيثمي ] رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات(1). ورواه أيضاً في باب فضل أهل البيت الا عن زيد بن ثابت أيضاً، وعقب عليه قائلاً «رواه أحمد وإسناده جيد»(2).

وروى هذا الحديث مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ

ص: 16


1- مجمع الزائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 1 / 230 [ كتاب العلم / باب في العمل بالكتاب والسنة: ح- 784]
2- مجمع الزائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 9 / 182 - 183 [ كتاب المناقب / باب في فضل أهل البيت رضي الله عنهم: ح- 14957]

وذكر، ثم قال «أما بعد ألا أيها الناس فإنَّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي»(1)

ورواه الترمذي في صحيحه، فقال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ المُنْذِرِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَردَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا».

قَالَ [الترمذي] هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ(2). وعلَّق الألباني على هذا الحديث قائلًا صحيح . كذلك صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة(3) .

وجاء في مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني «إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». (صحيح) (حم طب)(4) عن زيد بن ثابت»(5).

ص: 17


1- صحیح مسلم : 1021 .[ ح . 2408 / كتاب فضائل الصحابة]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 503/4 [كتاب المناقب / باب مناقب أهل بيت النبي الله - ح 3788]
3- السلسلة الصحيحة للألباني : ح. 1761
4- حم: يعني رواها أحمد بن حنبل في مسنده، وطب يعني رواها الطبراني في الكبير
5- مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني : 1 / 460 ، حديث رقم: 2457
شبهة الألباني

بعد أن صحّح الألباني الحديث المتقدِّم حاول صرفه إلى أزواج النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فقال في سلسلته الصحيحة: «يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي». (صحيح بشواهده). انظر الشرح الطويل في الكتاب وخلاصته أن الحديث صحيح بعد التأكد من تخريجه وإن قال بعضهم بتضعيفه. وأنَّ كلمة عترتي يعني بها أهل بيته كما جاء في بعض طرق الحديث وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلى الله عليه و آله وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا، وتخصيص الشيعة أهل البيت في آيات القرآن بعليِّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه و آله وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارًا لأهوائهم.

الجواب

ماذهب إليه الألباني يأباه العقل والنقل؛ فأمَّا العقل فإِنَّ أزواجه لم يَتَمَسَّكْ بهنَّ الصحابةُ، فلو كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يعني بأهل بيته نساءه صلى الله عليه و آله وسلم وفيهن عائشة كما يزعم الألباني لتمسَّك الصحابة بعائشة عند خروجها على الإمام علي علیه السلام، والثابت أنَّ أغلب الصحابة لم يخرجوا مع عائشة حتّى أقرب الناس إلى عائشة لم يتمسك بها، وهو أخوها محمد بن أبي بكر. ولا ينكر أحد أنَّ الخروج على أمير المؤمنين علیه السلام بحرب الجمل يُعَدُّ خروجاً على الإمام والخليفة الشرعي للمسلمين. فتبيَّن أنَّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم لم يَعْنِ مِن العترة أزواجه.

وأمَّا الدليل النقلي فقد وردت روايات صحيحة تبين المراد من أهل البيت، منها مارواه مسلم «عن صفية بنت شيبة قالت قالت عائشة خرج النبي صلى الله عليه و آله وسلم غداةً وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال« إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ

ص: 18

الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [الأحزاب / 33](1).

ومنها ما جاء في صحيح الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن يحيى بن عبيد عن عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال لما نزلت هذه الآية على النبي «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهَرَكُمْ تَطْهِيرًا»[الأحزاب 33] في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنًا وحسينًا فجللهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» . قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: «أنت على مكانك وأنت إلى خير »(2). وعلَّق الألباني على هذا الحديث قائلاً صحيح.

فالألباني هنا بتصحيحه لهذا الحديث يناقض نفسه بنفسه؛ لأنَّه يُفْهَم مِن هذا الحديث أنَّ أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ليست من أهل البيت، لأنَّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم منعها من الدخول معهم تحت الكساء، وذلك عندما سمعت رضي الله عنها قوله صلى الله عليه و آله وسلم «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا». قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : «أنتِ على مكانك وأنتِ إلى خير». فلو كانت من أهل البيت لقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : نعم أنتِ مِن أهل البيت، وعلى هذا أنَّ أم سلمة ليست من أهل البيت عليهم السلام وكذا سائر أزواجه.

ويكفي في المقام أن نذكر قول إمام السنَّة الطحاوي الذي أثبت المراد من أهل البيت عليه السلام في القرآن الكريم ؛ قال الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد

ص: 19


1- صحیح مسلم: 1027 [ ح . 61 - (2424) - كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم / باب فضائل أهل بيت النبي ]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 1503/4 [كتاب المناقب باب مناقب أهل بيت النبي الله - ح 3787]

بن سلامة بن سلمة الأزدي المصري الحنفي المتوفى سنة 321ه فإن قال قائل فإن كتاب الله يدل على أنَّ أزواج النبي صلى الله عليه و آله وسلم هم المقصودون بتلك الآية ؛ لأنه قال قبلها في السورة الَّتي هي فيها «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ»[الأحزاب / 28] إلى قوله«يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا»«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى»[الأحزاب/ 32، 33] ، فكان ذلك كله يؤذن به ؛ لأنه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال، ثم قال«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ».... الآية(1).(فكان جوابنا له) إنَّ الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ» الآية خطاب لأزواجه، ثم أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ» الآية ، فجاء به على خطاب الرجال ؛ لأنه قال فيه ِ«ليُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، وهكذا خطاب الرجال، وما قبله فجاء به بالنون وكذلك خطاب النساء.

(فعقلنا) أن قوله «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ» الآية خطاب لمن أراده من الرجال بذلك ليعلمهم تشريفه لهم ورفعته لمقدارهم أن جعل نساءهم من قد وصفه لما وصفه به مما في الآيات المتلوات قبل الذي خاطبهم به تعالى.

(مما دل) على ذلك أيضاً ما قد حدثنا ابن مرزوق، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان إذا خرج لصلاة الفجر يقول «الصلاة يا أهل البيت» إنما يريد الله ... الآية.

ص: 20


1- «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا»«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»[الأحزاب: 32، 33]

(وما قد حدثنا) ابن مرزوق، حدثنا أبو عاصم النبيل، عن عبادة قال أبو جعفر وهو ابن مسلم الفزاري من أهل الكوفة قد روى عنه أبو نعيم قال حدثني أبو داود قال أبو جعفر وهو نفيع الهمداني الأعمى من أهل الكوفة أيضا قال حدثني أبو الحمراء قال صحبت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تسعة أشهر كان إذا أصبح أتى باب فاطمة عليها السلام فقال «السلام عليكم أهل البيت» إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت... الآية. وفي هذا أيضاً دليل على أنَّ هذه الآية فيهم، وبالله التوفيق»(1).

وقال ابن حجر الهيتمي «الآية التاسعة قوله تعالى فَمَنْ «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»[آل عمران / 61] قال في الكشاف لا دليل أقوى مِن هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم عليّ وفاطمة والحسنان لأنها لما نزلت دعاهم فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفهما فعُلِمَ أَنَّهم المراد من الآية. وأن أولاد فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه وينسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة»(2).

فأَهْلِ الْبَيْتِ اسم خاص في عرف القرآن بالنبي و علي وفاطمة والحسنين عليه السلام لا يطلق على غيرهم، ولو كان من أقربائه الا الله ، الأقربين ، وكتب الصحاح تشهد بذلك كما تقدَّم من رواية مسلم والترمذي. وهكذا تبين عدم صدق زعم الألباني الذي اتَّهم الشيعة بتحريف الآيات انتصارًا لأهوائهم؛ لأنَّهم خصصوا أهل البيت في آيات القرآن

ص: 21


1- مشكل الآثار للطحاوي: 1/ 337 - 339، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند، ط. الاولى ؛ 1333ه
2- الصواعق المحرقة لابن حجر 238 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، وقارن الكشاف للزمخشري: 1/ 362-363[سورة آل عمران آية 61]

الكريم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين دون نسائه صلى الله عليه و آله وسلم والله المستعان على هؤلاء المتسرعين السائرين على منهج المتسرِّع ابن تيمية الذين«لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ»[ التوبة 10].

دلالة حديث الثقلين

الحديث المتقدم يدلّ على أن النبي محمداً صلى الله عليه و آله وسلم يأمرنا باتباع القرآن الكريم وأهل

بيته ، والمُتّبع لهما ينجو من الضلال، ويتَّبع طريق الهدى والنجاة، والذي يدلُّ على أنّ المراد من التمسك في الروايات المتقدمة هو اتباعهما مجيء لفظ الاتباع في رواية الحاكم النيسابوري «قال صلى الله عليه و آله وسلم أيها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، وهما كتاب الله، وأهل بيتي عترتي» ثم قال «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ ثلاث مرات؟، قالوا نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم «مَن كنت مولاه فعلي مولاه»(1).

وهذا الحديث يدلُّ على التشيع لأهل البيت علیهم السلام ، واتِّباع مذهبهم؛ قال ابن حجر الهيتمي وفي رواية «وإنهما لن يتفرقا حتَّى يردا الحوض سألت ربي ذلك لهما فلا تتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنَّهم أعلم منكم» ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابيًّا لا حاجة لنا إلى بسطها، وفي رواية آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه و آله وسلم «اخلفوني في أهلي»(2).

وقال ابن حجر الهيتمي أيضاً «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك

ص: 22


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 324 ، [ ح . 4635 - ذكر اسلام امیرالمؤمنين عليّ علیه السلام ]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر 342 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

ولهذا كانوا أمانًا لأهل الأرض كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول مِن أهل بيتي إلى آخره»(1).

وقال العلامة محمد عبد الرؤوف المناوي في شرحه لحديث الثقلين«(تنبيه) قال الشريف هذا الخبر يفهم وجود مَن يكون أهلاً للتمسك به مِن أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتَّى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به كما أنَّ الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أمانًا لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض»(2)

وهذا ما تعتقده الشيعة الإمامية بأنّ الأرض لا تخلو مِن حجة.

وقال المناوي في شرح الحديث «إني تارك فيكم» بعد وفاتي «خليفتين» زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر، وفي رواية بدل خليفتين ثقلين، سماهما به لعظم شأنهما «كتاب الله» القرآن «حبل» أي هو حبل ممدود ما بين السماء والأرض قيل أراد به عهده ، وقيل السبب الموصل إلى رضاه «وعترتي» بمثناة فوقية «أهل بيتي» تفصيل بعد إجمال بدلاً أو بيانًا(3)، وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا ... يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا قال القرطبي وهذا لوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة الّتي عذر لأحد في التخلف عنها هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم وبأنهم جزء منه، فإنهم أصوله التي نشأ عنها، وفروعه التي نشأوا عنه كما قال «فاطمة بضعة مني»،

ص: 23


1- الصواعق المحرقة لابن حجر:232 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير : 20/3 [2631- حرف الهمزة]
3- أي : لفظ (أهل بيتي) عطف بيان، أو بدل الكل من لفظ ( عترتي )

ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة، والعقوق، فسفكوا من أهل

البيت دماءهم، وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم، وخربوا ديارهم، وجحدوا شرفهم

وفضلهم، واستباحوا سبهم ولعنهم ، فخالفوا المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته، فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه. «وإنهما» أي والحال أنهما، وفي رواية أنَّ اللطيف أخبرني أنها «لن يفترقا »أي الكتاب والعترة أي يستمران متلازمين «حتّى يردا على الحوض» أي الكوثر يوم القيامة زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه، وفي هذا مع قوله أولاً «إني تارك فيكم» تلويح بل تصريح بأنها كتوأمين خَلَّفَهُما ووصَّى أمتَهُ بحسن معاملتها، وإيثار حقهما على أنفسهما واستمساك بهما في الدين، أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار، والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق، وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على الدين، فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته»(1).

فالمسلمون كانوا يلجؤون إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حياته إذا داهمهم إشكال أو استفسار في مسألة شرعية، وأمَّا بعد مماته فأمرهم الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بالرجوع إلى الكتاب، وإلى أهل البيت علیهم السلام ، فأرشد الناس إلى طريق الحق، وأمرهم بمناصرة أهل البيت عليهم السلام، ومنهم أمير المؤمنين علیه السلام، فقد أعلن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إمامة عليّ علیه السلام قبل وفاته وذلك في مواضع عديدة منها حديث الثقلين هذا، فالذين استجابوا لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وانقادوا له انقياداً حقيقيًّا، يعدون بلا شك رواد التشيع، وحاملي بذوره الأوائل، فالشيعة هم المسلمون مِن المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة، من الذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة، ولم يغيروه، ولم يتعدَّوا عنه إلى غيره، ولم

ص: 24


1- فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير: 19/3 - 20[2631-حرف الهمزة ]

يأخذوا بالمصالح المزعومة في مقابل النصوص، ففزعوا في الأصول والفروع إلى عليّ وعترته الطاهرة علیهم السلام، وانحازوا عن الطائفة الأخرى من الذين لم يتعبَّدُوا بنصوص التمسك بالعترة، حيث تركوا النصوص، وأخذوا بالمصالح.

الآية الثانية

قوله تعالى«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَكِعُونَ»[المائدة 55].

هذه الآية في أولها لفظ «إِنَّمَا». وهو من الألفاظ التي تستعملها العرب للحصر، ويسمَّى القصر أيضاً، فالآية الكريمة تدلُّ على قصر الولاية على الله تعالى أولاً فهو الخالق المعبود وحده لا شريك له، وعلى ولاية خاتم الأنبياء والمرسلين صلی الله علیه و آله وسلم ثانياً، وعلى ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ثالثاً، فهي تشير إلى ثلاثة أمور التوحيد المتمثل بقوله تعالى «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ» ، والنبوة المشار إليها بقوله تعالى «وَرَسُولُهُ» ، والإمامة المتمثلة بأبي الأئمة أمير المؤمنين علیهم السلام الموصوف بقوله تعالى «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ، والذي يدلُّ على أنَّ الموصوف بهذه الصفات هو علىٌّ علیه السلام أدلة عديدة، منها ما ورد في عدد كبير من تفاسير أهل السنة ؛ أنَّ هذه الآية نزلت في شأن علي بن أبي طالب علیه السلام بعد أن تصدق بخاتمه وهو في حالة الركوع، ومن هذه التفاسير تفسير مقاتل بن سليمان (المتوفى سنة 150 ه)(1) ، وتفسير الطبري(2)، وتفسير السمرقندي(3)، وتفسير الكشاف للزمخشري(4)، وتفسير الدر المنثور للسيوطي(5)

ص: 25


1- ينظر : تفسير مقاتل بن سليمان: 1/ 307
2- ينظر: تفسير الطبري: 4 / 629
3- ينظر: تفسير السمرقندي: 1 / 445
4- ينظر : تفسير الكشاف للزمخشري: 635/1 - 636
5- ينظر : تفسير الدر المنثور للسيوطي : 2 / 519

وتفسير ابن عبد السلام لسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الشافعي(1) ، وإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المسمَّى تفسير أبي السعود لمحمد بن محمد بن مصطفى العمادي(2) ، وتفسير البغوي المسمى معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي (المتوفّى سنة 516ه)(3) ، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) لناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى سنة 791ه)(4)، والتفسير الكبير (مفاتيح الغيب)(5)، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي لعبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي (المتوفّى سنة 710ه)(6) ، وزاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي (المتوفى سنة 597ه)(7)، واللباب في علوم الكتاب لأبي حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي(8) ، والبحر المديد في تفسير القرآن المجيد للإمام العلامة أحمد بن محمد ابن عجينة (ت . 1224ه)(9) ، ونظم الدرر فى تناسب الآيات والسور لبرهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي(10)، وأحكام القرآن لأبي بكر الجصاص (ت.

ص: 26


1- ينظر: تفسير ابن عبد السلام لسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الشافعي: تفسير سورة [المائدة آية : 55]
2- ينظر : إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (تفسير أبي السعود) لمحمد بن محمد بن مصطفى العمادي : تفسير سورة [المائدة آية 55]
3- ينظر: تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل : 2 / 38 [المائدة: 55]
4- ينظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) : 1 / 272
5- ينظر : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): 12 / 23
6- ينظر : مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي : تفسير سورة المائدة، آية : 55
7- ينظر : زاد المسير في علم التفسير : 2 / 227
8- ينظر اللباب في علوم الكتاب: 397/7
9- ينظر: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: 2 / 190
10- ينظر: نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور 2 / 484

370ه)(1)، وكتاب التعريف والإعلام فيما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم للإمام عبد الرحمن السهيلي(2).

فكلّ هؤلاء المفسرين وغيرهم ذكروا أنَّ هذه الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين علیه السلام عندما تصدَّق بخاتمه في الصلاة وكان راكعاً.

و ذكر جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي خمس روايات بطرق مختلفة تفيد أنَّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، وعقَّبها قائلاً «فهذه خمس طرق لنزول هذه الآية الكريمة في التصدق على السائل في المسجد يشد بعضها بعضا»، وفيما يلي نص كلامه «من الأحاديث الدالة لما قلناه ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن عمار بن ياسر قال وقف على عليّ بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فنزلت «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ، واخرج ابن مردويه في تفسيره عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى المسجد والناس يصلون وإذا مسكين يسأل فقال : أعطاك أحدٌ شيئًا ؟ قال : نعم ذاك القائم. قال : على أيِّ حالٍ أعطاك ؟

قال: وهو راكع.

قال : وذلك عليٌّ . فَكَبَّرَ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وتلا الآية «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وأخرج ابن جرير في تفسيره من طريق آخر عن ابن عباس قال كان عليٌّ قائماً يصلي، فمَرَّ سائل، وهو راكع، فأعطاه خاتمه فنزلت الآية، واخرج أبو الشيخ بن حبان وابن مردويه في تفسيرهما عن عليّ بن أبي طالب قال نزلت هذه الآية. «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآية على النبيِّ صلى الله عليه و آله وسلم في بيته، فخرج رسول

ص: 27


1- ينظر : أحكام القرآن 2 / 557 [سورة المائدة / باب العمل اليسير في الصلاة]
2- ينظر التعريف والإعلام: 51 - 52

الله صلی الله علیه و آله و سلم والناس يُصلّون، فإذا سائل، فقال: أعطاك أحدٌ شيء؟

قال: لا إلا ذاك الراكع لعليٍّ أعطاني خاتمه. وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وابن عساكر في تاريخه عن سلمة بن كهيل قال تصدق عليٌّ بخاتمه وهو راكع فنزلت «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، فهذه خمس طرق لنزول هذه الآية الكريمة في التصدق على السائل في المسجد يشد بعضها بعضًا »(1).

شبهة الألباني

لقد حاول الألباني تضعيف قول السيوطي المتقدِّم ، فقال «وأما السيوطي، فقال في الرسالة المذكورة فهذه طرق لنزول هذه الآية الكريمة في التصدق على السائل في المسجد يشد بعضها بعضاً، وما أظن أن هذا صواب لأن كون كثرة الطرق يقوي الحديث ليس على إطلاقه كما هو مذكور في كتب المصطلح بل ذلك مقيد فيما إذا كان في الطرق بعض مَن في حفظهم ضعف وهم في أنفسهم ثقات لم يتركوا وما أعتقد أن هذه الطرق قد وجد فيها هذا الوصف. أقول هذا وإن لم أقف على رجالها إلَّا الطريق الأولى، ففيها الكلبي وهو متروك، فحديثه مطروح لا يعتضد به، والله أعلم»(2).

الجواب

إنَّ ما أورده الألباني ليس بشيءٍ، وذلك للأسباب الآتية

1 . عدم صحة قوله وما أظن أن هذا صواب...» لأنَّه حمله على الظنِّ، وهذا بعيد

ص: 28


1- الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون: 1 / 88 ، [ كتاب الزكاة بذل العسجد لسؤال المسجد]
2- الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب لمحمد ناصر الدين الألباني : 1 / 828 ، [32 - السؤال من المحتاج والتصدق عليه]

عن الحقِّ لقوله تعالى «وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنَّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَق شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ» [يونس 36].

2. زعم أنَّ المذكور في كتب المصطلح أنَّ كثرة الطرق إنَّما تقوي الحديث إذا كان في الطرق بعض مَن في حفظهم ضعف وهم في أنفسهم ثقات، وهذا ينافي ما ذكره ابن شرف النووي في أصول الحديث، فقد قال «ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يُحتجُّ به»(1) . فمن لا يُحتجُّ به لا يكون ثقةً. فالقيد الذي أورده الألباني لا يكون قيداً مطلقاً، بل هو أحد طرق تقوية الحديث، بدليل قول النووي المتقدّم.

3. إنَّ ضعف الإسناد لا يلزم منه ضعف المتن؛ قال النووي «إذا رأيت حديثاً بإسناد ضعيف فلك أن تقول هو ضعيف بهذا الإسناد ولا تقل ضعيف المتن لمجرد ضعف ذلك الإسناد»(2). هذا فضلاً عن قول الألباني بأنه لم يقف على رجال تلك الروايات التي ذكرها السيوطي، فكيف يريدُ أن يحكم على عدم صحة متن الروايات التي ذكرها السيوطي، وهو لم يحقق في سندها؟!

4. إنّ الروايات التي ذكرها السيوطي ليست كلُّها ضعيفة السند ولنأخذ الرواية الأخيرة مثلاً الّتي أخرجها إمام السنة الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفَّى سنة 327ه-، فإنَّ رجالها قد وثّقوا، وهي كالآتي «حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ(3)، حَدَّثَنَا

ص: 29


1- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث لابن شرف النووي : 5 ، [النوع الخامس عشر : معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد]
2- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث لابن شرف النووي: 6 ، [النوع الثاني والعشرون: المقلوب]
3- ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ : 66/1[517-99/8]، فقال: «الأشج الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي الحافظ محدث الكوفة وصاحب التفسير والتصانيف... ذكره أبو حاتم ، فقال : هو إمام أهل زمانه. وقال محمد بن أحمد بن بلال الشطوي: ما رأيت أحد احفظ منهن وقال النسائي : صدوق

الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ أَبُو نُعَيْمِ الأَحْوَلُ(1) ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسِ الخَضَرْمِيُّ(2)، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ کُهَيلٍ(3) ، قَالَ تَصَدَّقَ عَليُّ بِخَاتِمَهِ وَهُوَ رَاكِعُ، فَنَزَلَتْ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(4) .

5 . إنَّ الأحاديث الدالة على نزول هذه الآية في أمير المؤمنين علیه السلام لا تنحصر بالطرق . الخمسة التي ذكرها السيوطي، فهناك طرق أخرى لم يذكرها في المصدر المتقدم، منها مارواه إمام السنة الثعلبي عن أبي ذر الغفاري(5). ومنها ما رواه الحاكم بطريق آخر عن عليّ ؛ فقال «حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، قال حدثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد بن سلام الرازي بأصبهان، قال حدثنا يحيى بن الضريس، قال حدثنا

ص: 30


1- ذكره ابن حجر في تقريب التهذيب : 2/ 475 [حرف الفاء ذكر من اسمه الفضل : 5589]، فقال: «الفضل بن دكين الكوفي ، واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير التيمي مولاهم، الأحول، أبو نعيم الملائي - بضم الميم - مشهور بكنيته ثقة ثبت من التاسعة مات سنة ثماني عشرة، وقيل تسع عشرة، وكان مولده سنة ثلاثين، وهو من كبار شيوخ البخاري.»
2- ذكره المزي تهذيب الكمال : 10 / 194 [ باب الميم / من اسمه موسى 6927]فقال:«موسی بن قيس الحضرمي، أبو محمد الكوفي الفراء، يلقب عصفور الجنة ... قال عبد الله بن احمد بن حنبل: سمعت أبي وذكر موسى ابن قيس، فقال: لا أعلم إلا خيرًا. وقال اسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين : ثقة. وقال أبو حاتم لا بأس به. وقال أبو نعيم حدثنا موسى الفراء، وكان مرضيَّا»
3- ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء : 5 /111 [ 756- ]، فقال: «سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلِ بنِ حُصَينُ، الإِمَامُ الثَّبْتُ، الحَافِظُ، أَبو يَحْيَى الحَضْرَمِيُّ ، ثُمَّ التَّنْعِيُّ، الكُوفِيُّ ... قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كَانَ مُتْقِناً لِلْحَدِيْثِ. وَقَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: تَابِعِيُّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيْعٌ قَلِيْلٌ، وَحَدِيْتُهُ أَقَلُّ مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ. وَقَالَ يَعْقُوبُ مِنْ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ عَلَى تَشَيُّعِهِ»
4- تفسير ابن أبي حاتم الرازي (المسمَّى التفسير بالمأثور) : 3/ 227[سورة المائدة/ قوله تعالى «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ»، ح . 6586]
5- ينظر: تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت . 427ه-) : 4 / 80- 81 [سورة المائدة، الآيات: 57 - 63]

عیسی بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال حدثنا عن أبيه عن جده عن عليّ ، قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ، فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ودخل المسجد، والناس يصلون بين راكع وقائم، فصلى فإذا سائل قال يا سائل أعطاك أحد شيئا؟ فقال لا إلا هذا الراكع لعلي أعطاني خاتما . قال الحاكم هذا حديث تفرد به الرازيون عن الكوفيين فإن يحيى بن الضريس الرازي قاضيهم وعيسى العلوي من أهل الكوفة»(1).

ومنها ما ذكره السيوطي تفسيره، فقال «وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قول «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا» الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب تصدق وهو راكع.

وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله... وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو نائم يوحى إليه، فاذا حية في جانب البيت فكرهت أن أبيت عليها، فأوقظ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وخفت أن يكون يوحى إليه، فاضطجعت بين الحية وبين النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لئن كان منها سوء كان في دونه، فمكثت ساعة فاستيقظ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو يقول «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» الحمد لله الذي أتم لعليّ نعمه وهيأ لعلي بفضل الله ايَّاه»(2) .

ومنها مارواه الرازي، فقال «حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سويد، عن عقبة بن أبي حكيم في قوله «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا» ، قال علي

ص: 31


1- معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري: 56/1[النوع الخامس والعشرين: معرفة الأفراد من الأحاديث/ ح.210]
2- تفسير الدر المنثور للسيوطي : 2 / 520 [سورة المائدة/ الآية: 55]

بن أبي طالب(1).

فكلّ هذه الطرق التي رواها علماء السنة تضاف للطرق الخمسة الّتي ذكرها السيوطي يقوي بعضها البعض، وتكون صالحة كشاهد على صحة الاستشهاد بنزول قوله تعالى «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوَةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» في شأن أمير المؤمنين علیه السلام، عندما تصدق في الصلاة وهو راكع، وإذا ثبت نزولها في شأن عليّ علیه السلام ، فهذه الآية شاهد على وجوب اتباع علي علیه السلام، والتشيع له.

شبهات ابن تيمية

لقد ذكر ابن تيمية بعض الشبهات التي تتعلّق بهذه الآية نذكر أهمها مع الرد عليها

الشبهة الأولى

زعم ابن تيمية أنَّ أهل العلم الكبار أهل التفسير مثل تفسير محمد بن جرير الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما لم يذكروا أنَّ الآية المتقدمة نزلت في الإمام عليّ علیه السلام . لأنهم لم يذكروا في تفاسيرهم مثل هذه الموضوعات، وأنَّ العلامة الحليّ نقل شأن نزول هذه الآية من تفسير الثعلبي الذي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، وهذا نص كلام ابن تيمية

وأما ما نقله من تفسير الثعلبي فقد اجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات كالحديث الذي يرويه في أوَّل كلِّ سورة عن أبي إمامة في فضل تلك السورة ، وكأمثال ذلك، ولهذا يقولون هو كحاطب ليل، وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسرين ينقلون الصحيح والضعيف. ولهذا لما كان البغوي عالما

ص: 32


1- تفسير ابن أبي حاتم الرازي (المسمَّى التفسير بالمأثور) : 227/6[سورة المائدة/ قوله تعالى : «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ، ح . 6584]

بالحديث أعلم به من الثعلبي والواحدي وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي لم يذكر في تفسيره شيئًا من الأحاديث الموضوعة الّتي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أنَّ الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يميّز بين السنة والبدعة في كثير مِن الأقوال.

وأما أهل العلم الكبار أهل التفسير، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وبقي مخلد، وابن أبي حاتم وابن المنذر ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وأمثالهم، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات(1).

الجواب

لقد أورد ابن تيمية شبهة تدلّ على أنَّه رجل متسرِّع، أو متجاهل، أو أنَّه يتعمَّد الكذب، وهذا واضح في كتابه منهاج السنة الذي ألفه للرد على كتاب منهاج الكرامة في معرفة الإمامة للعلامة ابن المطهر ،الحلي، فزعم ابن تيمية هنا أنَّ الطبري، وابن أبي حاتم والبغوي لم يذكروا نزول هذه الآية في شأن عليّ علیه السلام ، وزعم أنها من الموضوعات، ولقد تقدَّم ذِكْرُ عدد عدد كبير من التفاسير التي ذَكَرَتْ نزول هذه الآية بشأن علي، وسنذكر

أوَّلاً مَا أورده الطبري، فقد قال:

12215 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّل، قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَنْ، يَتَوَلاَ هُمْ، فَقَالَ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوَةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» هَؤُلَاءِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ.

12216 - حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِي، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ،

ص: 33


1- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 7/7-9

قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» قُلْنَا مَنِ الَّذِينَ آمَنُوا؟ قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا. قُلْنَا بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ عَليٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا.

12217 - حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ حَدَّثَنَا المُحَارِبيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ قَوْلِ الله «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ هَنَّادٍ عَنْ عَبْدَةَ.

12218 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْرَائِيلَ الرَّمْلِيُّ ، قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، فِي هَذِهِ الآيَةِ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا» قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

12219 - حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، - قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآيَةُ، قَالَ نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ، تَصَدَّقَ وَهُوَ رَاكِع»(1).

وهكذا ذكر أبو حاتم في تفسيره أنَّ هذه الآية نزلت في عليّ علیه السلام ، وهذا نصّ قوله

6582 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا المُحَارِبيُّ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ قَوْلِهِ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا» ، قُلْتُ نَزَلَتْ فِي عَليٍّ، قَالَ «عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا».

6583 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو حَفْصٍ، عَنِ السُّدّي ، قَوْلَهُ «إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» ، قال «هُمُ المُؤمِنُونَ وَعَلَيٌّ مِنْهُمْ».

6584 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمانَ الْمُرَادِيُّ، ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي

ص: 34


1- تفسير الطبري المسمّى (جامع البيان في تأويل القرآن) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفیّ سنة : 310ه-) : 4 / 628 - 629[ سورة المائدة/ الآيتان: 56 و 57]

حَكِيمٍ، فِي قَوْلِهِ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا» ، قال «عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».

قَوْلُهُ تَعَالَى «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ» .

6585 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ «إِقَامَتُهَا أَنْ تُصَلُّ الأوقات الخمْسَ لِوَقْتِهَا».

قَوْلُهُ تَعَالَى «وَيُؤْتُونَ الزَّكَوْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»

6586 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ أَبُو نُعَيْمِ الأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسِ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلِ، قَالَ تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعُ، فَنَزَلَتْ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1). وقال ابن تيمة«إنَّ البغوي عالمٌ بالحديث أعلم بالحديث من الثعلبي والواحدي وكان تفسيره (مختصر تفسير الثعلبي ) لم يذكر في تفسيره شيئًا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي».

وللجواب عن ذلك نقول: إنَّ ابن تيمية يريد أن يقول بأنَّ الأحاديث التي نقلها الثعلبي في تفسيره، والتي تشير إلى أنَّ آية التصدق بالخاتم في حالة الركوع، هي أحاديث موضوعة، وأنَّ البغوي أعلم بالحديث من الثعلبي والواحدي وأنَّ تفسير البغوي هو مختصر تفسير الثعلبي، وأنَّ البغوي لم يذكر في تفسيره شيئًا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ونحن الآن نريد أن نلزم ابن تيمية بقوله هذا، لأنَّ قوله هذا يعني أنَّ البغوي لم يذكر في تفسيره إلا الأحاديث الصحيحة غير الموضوعة، فإنَّنا إذا وجدنا

ص: 35


1- تفسير ابن أبي حاتم الرازي (المسمَّى التفسير بالمأثور) للإمام الحافظ شيخ الإسلام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: 227/3[سورة المائدة / قوله تعالى: «إِنَمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ امَنُوا»]

رواية في تفسير البغوي تثبت أنَّ هذه الآية نزلت في عليٍّ علیه السلام فهي رواية صحيحة لأنَّ البغوي على حدِّ تعبير ابن تيمية لم يذكر في تفسيره شيئًا مِن الأحاديث الموضوعة الَّتي يرويها الثعلبي ، ولنرَ ماذا يقول البغوي في تفسيره.

«قال ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال السدي قوله «وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ، أراد به علي بن أبي طالب علیه السلام، مَرَّ به سائلٌ وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه»(1).

وهكذا تتبيَّنُ للقارئ الكريم مكابرة ابن تيمية، وعدم مصداقية أقواله، ولم يكتفِ ابن تيمية بهذا القدر من السخرية، بل راح يسرد مثل هذه الشبهات الواهية الواحدة تلو الأخرى.

الشبهة التالية

قال ابن تيمية «لو كان المراد بالآية أن يؤتى الزكاة حال ركوعه كما يزعمون أن عليًّا تصدق بخاتمه في الصلاة لوجب أن يكون ذلك شرطًا في الموالاة وأن لا يتولى المسلمون إلا عليَّا ،وحده فلا يتولى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم وهذا خلاف إجماع المسلمين»(2).

وقال أيضاً «غاية ما في الآية أن المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين فيوالون عليًّا ولا ريب أن موالاة عليٍّ واجبة على كلّ مؤمن كما يجب على كلّ مؤمن مولاة أمثاله من المؤمنين... و أيضاً قال تعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» فجعل كل مؤمن وليًّا لكلِّ مؤمن، وذلك لا يوجب أن يكون أميراً عليه معصومًا لا يتولى عليه إلَّا

ص: 36


1- تفسير البغوي المسمّى معالم التنزيل للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي: 2/ 38:[المائدة: 55]
2- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 11/7

هو ... وليس في شيء من هذه النصوص أنَّ مَن كان وليًّا للآخر كان أميرًا عليه دون غيره وأنَّه يتصرف فيه دون سائر الناس.

الوجه السادس عشر أن الفرق بين الوَلاية بالفتح والوِلاية بالكسر معروف، فالولاية ضد العداوة، وهي المذكوره في هذه النصوص ليست هي الوِلاية بالكسر التي الإمارة، وهؤلاء الجهال يجعلون الولي هو الأمير ولم يفرقوا بين الولاية والوِلاية»(1).

الجواب

للجواب عن هذه الشبهات يقال إنّ النبي محمداً صلی الله علیه و آله وسلم قد بيّن في سنته ما أُجمِل أو أُبهِم في كتاب الله تعالى؛ وقال القرطبي «روى الأوزاعي عن حسان بن عطية قال كان الوحي ينزل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك. وروى سعيد بن منصور حدثنا عيسى ابن يونس عن الأوزاعي عن مكحول قال القرآن أحوج إلى السنة إلى القرآن وبه عن الأوزاعي قال قال يحيى بن أبي كثير السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب بقاضٍ على السنة . قال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وسئل عن هذا الحديث الذي روي أنَّ السنة قاضية على الكتاب، فقال ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكني أقول إنَّ السنة تفسر الكتاب وتبيّنه»(2) .

فإذا كانت السنة مفسرة للكتاب، فقد فسر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن الولاية غير محصورة بعليٍّ بل هو أوَّل الأئمة الطاهرين من أهل البيت علیهم السلام، وهذا ظاهر من حديث الثقلين المتقدم الذي يأمر بالتمسك بأهل البيت علیهم السلام ، وكذا سيظهر من بعض الأحاديث الَّتي ستذكر بأنَّ الولاية غير منحصرة بعليٍّ علیه السلام ، وهكذا تندفع شبهة ابن تيمية بأنَّ الآية لا تدلّ على عدم شمول الولاية لباقي أئمة أهل البيت علیهم السلام .

ص: 37


1- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 18/7
2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 39 [باب تبين الكتاب بالسنّة، وما جاء في ذلك]

وأمَّا الأحاديث التي تفسِّر المراد بالولاية الخلافة فكثيرة، منها قول رسول الله لعليٍّ علیه السلام «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي» .

قَالَ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله «أَنتَ وَلِي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي» .... وَقَالَ «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ مَوْلَاهُ عَلَيٌّ»(1). فهذا الحديث بين أنَّ المراد من قوله تعالى «وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوَةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» ، لأنَّ الولاية في الحديث المتقدم بمعنى الخلافة والرئاسة الدينية، وكذلك في الآية الكريمة، لقوله صلی الله علیه و آله وسلم «وَأَنْتَ خَلِيفَتِي... أَنْتَ وَلِيّي»، فأضاف لفظ وليّ إلى ياء المتكلّم، أي أنت تَلِينِي، وعُلِم مِن قوله صلى الله عليه و آله وسلم فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي أنَّ الولاية ليست المحبة كما زعم ابن تيمية، فلو كان المراد من الولاية المحبة لما قال صلى الله عليه و آله وسلم «بعدي» لأنَّ محبة عليٍّ تجب على المؤمنين في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وبعد وفاته، ثمَّ أَنَّه صلى الله عليه و آله وسلم بيّن أنَّ الخلافة لا تنحصر بعليٍّ علیه السلام ، وذلك بالحديث الذي ذكره الألباني وصححه، وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلم «إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض»(2). فعلم أنَّ الخلافة لا تنحصر بعليٍّ فقط، وإنما به وبأهل بيته علیهم السلام وقرنها مع القرآن، فلا يصحّ الرجوع إلى غيرهما لأنهما خليفتا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم. وهكذا تندفع شبهات ابن تيمية

شبهة سلفية

لقد قال بعض السلفية «لو كانت هذه الآية تثبت حق عليّ بالولاية لاستشهد بها عليٌّ في اثبات حقه بالولاية»

ص: 38


1- المستدرك على الصحيحين : 3 / 345 [ح. 4710 / كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أميرالمؤمنين عليّ]
2- مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني : 1 / 460 ، حديث رقم: 2457
الجواب

إنَّ عدم استشهاد عليّ علیه السلام بهذه الآية يعود لأسباب عديدة؛ منها أنَّ الإمام عليًّا علیه السلام لم يحتج على خصومه بالقرآن الكريم ، وذلك يظهر من نصيحته لابن عبّاس؛ كما «أخرج ابن سعد أنَّ عليَّا قال لابن عباس «اذهب إليهم يعني الخوارج ولا تخاصمهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة». فقال له أنا أعلم بكتاب الله منهم،فقال «صدقت ولكن القرآن حمال ذو وجوه»(1).

وقال ابن تيمية «وإذا تنازع أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كانت السنة قاضية بينهم»(2).

ولذلك احتجّ أمير المؤمنين بحديث الولاية كما سيأتي بيانه عند ذكر الآية الثالثة ولم يحتجَّ بالقرآن الكريم.

الآية الثالثة

الآية الثالثة من الآيات التي تنادي بالتشيع قوله تعالى«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» [المائدة 67]

نزلت هذه الآية في فضل علي بن أبي طالب علیه السلام يوم خطبة الوداع غدير خم، ولما نزلت هذه الآية أخذ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بيد علي وقال «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال مَن والاه وعاد من عاداه»(3)

ص: 39


1- فتح القدير الجامع بين فن الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن عليّ الشوكاني: 12/1، [مقدمة]
2- شرح عمدة الفقه لابن تيمية : 6 / 55 ، [ كتاب الحج/ باب دخول مكة]
3- ينظر: التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي الشافعي: 12 / 42 ، وينظر: الدر المنثور للسيوطي : 2 / 528 ، وسمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي 2 / 566 وانظر: تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت . 427ه-) : 4 / 92 ، والكتاب المصنف في الحديث والآثار للإمام الحافظ شيخ البخاري أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة : 6 / 375 ، [ح. 321.9 /فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

وقال ابن ماجة «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَخَبَرَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ فَنَزَلَ فِي الطَّرِيقِ فَأَمَرَ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ فَأَخَذَ بِيَدِ عَليٍّ فَقَالَ «أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ». قَالُوا بَلَى، قَالَ «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسِهِ». قَالُوا بَلَى قَالَ «فَهَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلَاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ اللَّهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ»(1). قال الشيخ الألباني صحيح.

كما صحح الألباني هذه الرواية أيضًا في كتابه (السلسلة الصحيحة).

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فعليٌّ علیه السلام له الولاية على رقاب المسلمين كما هي ثابتة لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وهذا ظاهر من قوله صلى الله عليه و آله وسلم «فَهَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلاهُ»، وقد ورد في رواية صحيحة قوله صلى الله عليه و آله وسلم هو أولى الناس بكم بعدي؛ قال الهيثمي وعن وهب بن حمزة قال صحبت عليًّا [ من المدينة ] إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره فقلت لئن رجعت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فلما قدمت لقیت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فقلت رأيت من عليٍّ كذا وكذا فقال «لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي».

[ قال الهيثمي] رواه الطبراني وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم ولم يضعفه أحد وبقية رجاله وَثّقوا(2).

ص: 40


1- سنن ابن ماجة : 33 [ح . 116 / فضل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 9 / 95 [ح. 14641 - كتاب المناقب]

فهذا الحديث خير دليل على تفضيل عليّ علیه السلام على سائر الصحابة، وأنَّه أولى الناس بالصحابة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وهو واجب الطاعة، وقد استدل أمير المؤمنين علیه السلام بحديث الولاية على وجوب طاعته مهما كان من أمرٍ ، فقد «نادى عليٌّ علیه السلام بعد رجوع الزبير طلحة فقال : يا أبا محمد ، ما الذي أخرجك. قال: الطلب بدم عثمان .

قال عليٌّ: قتل الله أولانا بدم عثمان، أما سمعته صلى الله عليه و آله وسلم يقول «اللهم وال من والاه، وأنت أول من بايعني». ثم نكثت، وقد قال الله تعالى «فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُتُ عَلَى نَفْسِه»ِ [الفتح ،10] ، فقال طلحة أستغفر الله، ثم رجع(1).

وذكر الحاكم النيسابوري هذه الواقعة فقال «أخبرني الوليد وأبو بكر بن قريش، حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن عبدة، حدثنا الحسن بن الحسين، حدثنا رفاعة بن إياس الضبي، عن أبيه، عن جده قال كنا مع عليٍّ يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن القني فأتاه طلحة، فقال نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه». ؟ قال نعم. قال فلم تقاتلني؟ قال لم أذكر قال فانصرف طلحة(2). وفي الهامش قال الذهبي في التلخيص الحسن هو العرني، ليس بثقة، وهو قول ابن الملقن.

وللجواب عن ما قاله الذهبي يقال

لقد وثق جماعة من العلماء الحسن العرني فلا يلتفت إلى تضعيف الذهبي، وأخرج له البخاري في الجامع الصحيح ؛ قال سليمان بن خلف الباجي «الحسن العرني البجلي الكوفي أخرج البخاري في الطب عن الحكم بن عتيبة عنه مقروناً بعبد الملك بن عمير،

ص: 41


1- سمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي: 2 / 566
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 86/4-87 [ ح 5680 - كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله ]

عن عمرو بن حريث ، قال أبو بكر سمعت بن معين يقول الحسن العرني ليس به بأس هو صدوق وإنما يقال إنه لم يسمع من ابن عباس»(1).

وقال أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي «الحسن العرني كوفي ثقة»(2).

ولقد كان أمير المؤمنين علیه السلام يحتج بهذا الحديث بين الحين والآخر ليذكرّ الناس بحقه في الولاية، وينصح مخالفيه بهذا الحديث، ومن شواهد هذه المسألة أيضاً أنَّ أمير المؤمنين علیه السلام خطب يوماً فِي الرَّحَبَةِ ، وهي ساحة مسجد الكوفة حيث اجتمع الناس فيها وذكر حقه في الولاية، وطلب من الصحابة الذين حضروا غدير خم أن يشهدوا بحديث الولاية الذي سمعوه من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في لزوم تأميره وتنصيبه والياً على المسلمين.

كما جاء في رواية أحمد بن حنبل الذي روى بسنده «عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ جَمَعَ عَلِيٌّ النَّاسَ فِي الرَّحَبَةِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ «أَنْشُدُ الله كُلَّ امْرِئٍ مُسْلِم سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمَّ مَا سَمِعَ لَمَّا قَامَ. فَقَامَ ثَلاثُونَ مِنَ النَّاسِ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ - فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»؟ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ الله. قَالَ «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا مَوْلاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ».

قَالَ فَخَرَجْتُ وَكَأَنَّ فِي نَفْسِي شَيْئاً فَلَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ فَمَا تُنْكِرُ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليهو آله وسلم يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ»(3).

وروى هذا الحديث الهيثمي وعقب بعده قائلاً:

«رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(4) .

ص: 42


1- التعديل والتجريح للباجي : 1 / 490 [حرف الحاء باب الحسن / 234 - الحسن العربي البجلي]
2- معرفة الثقات للعجلي : 1 / 300 [باب الحسن / 306]
3- مسند أحمد بن حنبل : 452/4 - 453 [/ 370] ، [ح. 19323]
4- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 89/9 [كتاب المناقب / باب مناقب علي علیه السلام / باب قوله صلی الله علیه و آله و سلم : «من كنت مولاه فعلي مولاه - ح. 14612]

وفي رواية أخرى«عن زياد بن أبي زياد قال سمعت علي بن أبي طالب ينشد الناس فقال أنشد الله رجلاً مسلماً سمع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول يوم غدير خم ما قال لما قام فقام اثناعشر بدريًا فشهدوا. [قال الهيثمي ] رواه أحمد ورجاله ثقات»(1).

فمن هذا الأثر نعلم أنَّ استدلال أمير المؤمنين علیه السلام بحديث الولاية لم يكن إلا لبيان وجوب طاعته، واتباعه، بأمر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فرضاً على جميع المسلمين مهما كان من أمرٍ، وهناك أحاديث كثيرة كهذا الحديث تأمر الناس بالتشيع، وسنذكر طائفة منها .

ص: 43


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 9/ 92 [كتاب المناقب / ح- 14624]

ص: 44

الأحاديث النبوية التي تُنَادي بالتشيع

الحديث الأول حديث الدار

لقد ولد التشيع مع ولادة الرسالة الإسلامية، فأوَّل حديث ينادي بالتشيع هو حديث الدار؛ وذلك لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»[الشعراء 214] جَمَعَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله وسلم بني عبد المطلب كما جاء في روايات عديدة منها ما رواه الطبري فقال حدثنا ابن حميد ، قال حدثنا سلمة بن الفضل، قال حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن عباس، عن علي بن أبي طالب، قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم» ؟ قال فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، وقال «هذا أخي، ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»(1)

فهذه الرواية تصرّح بأنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يأمر بإتباع عليٍّ علیه السلام والسمع والطاعة له، وهو الخليفة، فهذا الحديث ينادي للتشيع لعليٍّ منذ بداية الدعوة الإسلامية.

ص: 45


1- تهذيب الآثار للطبري: 1 / 62 ، [ مسند علي بن أبي طالب، ح. 127]، وينظر: تفسير الطبري المسمَّى جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى: سنة 310ه:ج 9 ص 484.

فإن قيل هذه الرواية لا تصحُّ لوجود عبد الغفار بن القاسم في سندها الَّذي اتُّهم بالرفض فالجواب أنَّ هذه الرواية روها أحمد بن حنبل، والنسائي بسند صحيح؛ وبسندهما تجبر الرواية، وتثبت صحَّتها.

ورواية أحمد بن حنبل كما يلي:

«حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِر(1)قال الذهبي في الكاشف أحد الأعلام وثقه ابن معين(2)وثقه يحيى بن معين وقال الذهبي في الكاشف الحافظ أحد الأعلام، وقال ابن حجر في التقريب ثقة حافظ، وقال النسائي : ثقة ثبت(3)وثقه ابن معين والعجلي والنسائي، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات(4)قال العجلي في كتابه معرفة الثقات كوفي تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات(5)مسند أحمد بن حنبل : 1/ 11/1138] ، [ح. 886 / مسند علي بن أبي طالب](6)وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال ابن حجر في القريب: صدوق. وقال الذهبي في الكاشف : كان ذكياً يحفظ(7)قال الذهبي في الكاشف الحافظ، وكان ثبت في أحكام الجرح والتعديل. وقال ابن حجر في التقريب ثقة ثبت


1- وثقه أحمد بن حنبل، وابن حجر في التقريب§ٍ ، حَدَّثَنَا شِرَيكٌ
2- . عَنِ الْأَعْمَشِ
3- ، عَنِ الْمِنْهَالِ
4- ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَسَدِيّ
5- . عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام قَالَ كَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الأَيَةُ «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قَالَ جَمعَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله وسلم مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَاجْتَمَعَ ثَلَاثُونَ فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، قَالَ فَقَالَ لَهُمْ «مَنْ يَضْمَنُ عَنِّي دَيْنِي وَمَوَاعِيدِي وَيَكُونُ مَعِي فِي الجُنَّةِ وَيَكُونُ خَلِيفَتِي فِي أَهْلِي ؟» فَقَالَ رَجُلٌ - لَمْ يُسَمِّهِ شَرِيكٌ - يَا رَسُولَ الله أَنْتَ كُنْتَ بَحْرًا مَنْ يَقُومُ بِهَذَا؟ قَالَ ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ قَالَ فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ علیه السلام أَنَا
6- . وأما رواية النسائي فهي «أخبرنا الفضل بن سهل
7- . قال حدثني عفان بن مسلم

قال حدثنا أبو عوانة(1) . عن عثمان بن المغيرة(2) . عن أبي صادق(3). عن ربيعة بن ناجد(4)

أن رجلا قال لعليٍّ يا أمير المؤمنين لم ورثت ابن عمّك دون عمك؟.

قال: جمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، أو قال دعا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بني عبد المطلب، فصنع لهم مدا من طعام قال فأكلوا حتَّى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يُمسَّ، ثم دعا بغمر، فشربوا حتَّى رووا وبقي الشراب كأنه لم يُمسَّ، أو لم يشرب، فقال«يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم بخاصة، وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي، وصاحبي ووارثي؟»

فلم يقم إليه أحد، فقمتُ إليه، وكنت أصغر القوم فقال «اجلس».

ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول «اجلس حتّى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ثمَّ قال فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي»(5)

«وعن عليٍّ قال لما نزلت هذه الآية «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» . قال جمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أهل بيته فاجتمع له ثلاثون رجلًا فأكلوا وشربوا، قال فقال لهم «مَن يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي»؟ فقال رجل لم يسمه شريك يا رسول الله أنت كنت بحرًا من يقوم بهذا ؟ قال ثم قال لآخر فعرض ذلك

ص: 47


1- وهو الوضاح بن عبد الله اليشري وكنيته أبو عوانة، قال عنه الذهبي في الكاشف الحافظ، ثقة متقن لكتابه وقال ابن حجر في التقريب ثقة ثبت
2- وثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والنسائي وأبو حاتم الرازي، وقال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت.
3- قال ابن حجر في التقريب صدوق. وقال الذهبي في الكاشف وثق. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات
4- قال ابن حجر في التقريب : ثقة، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات
5- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 125 - 126 [ ح. 2/8451 - كتاب الخصائص ]

على أهل بيته فقال عليٌّ أنا [قال الهيثمي] رواه أحمد وإسناده جيد. وقد تقدمت لهذا الحديث طرق في علامة النبوة في آيته في الطعام»(1) .

الحديث الثاني

الحديث الثاني الذي ينادي بالتشيع لعليٍّ علیه السلام هو قوله صلی الله علیه و آله وسلم أنت خليفتي، فهذا الحديث ينادي بإتباع عليّ والتشيع له، وقد أخرجه النسائي بسنده عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس في حديث طويل جاء فيه «... خرج بالناس في غزوة تبوك فقال عليٌّ أخرج معك؟

فقال «لا فبكى» ، فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبيّ»، ثم قال «أنت خليفتي يعني في كلَّ مؤمن من بعدي...»(2)

كذلك أخرج هذا الحديث أحمد بن حنبل في مسنده والحاكم النيسابوري في مستدركه مع اختلاف يسير في اللفظ، ومما جاء فيه «قَالَ وَخَرَجَ بِالنَّاسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَخْرُجُ مَعَكَ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ الله صلی الله علیه و آله وسلم «لا» «فَبَكَى عَلِيٌّ»، فَقَالَ لَهُ [نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم] «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي».

قَالَ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله «أَنْتَ وَلِیِّي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»

وَقَالَ سُدُّوا أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ غَيْرَ بَابِ عَلَيٍّ، فَقَالَ فَيَدْخُلُ المَسْجِدَ جُنُبًا وَهُوَ طَرِيقُهُ َيْسَ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ قَالَ وَقَالَ «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ مَوْلَاهُ عَلِيُّ»(3). وفي هامش المستدرك

ص: 48


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 9/ 101 [ كتاب المناقب / ح- 14665]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 113 ، ،[ ح . 8409 / 1 ، كتاب الخصائص - ذكر قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم في عليّ]
3- المستدرك على الصحيحين : 3/ 345 [ح. 4710 / كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي]

قال الذهبي في التلخيص صحيح .

شبهة ابن تيمية

قال ابن تيمية في منهاج السنة «إن هذا ليس مسندًا بل هو مرسل لو ثبت عن عمرو كذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كقوله «أما ترضى أن تكون مني بن ميمون وفيه ألفاظ بمنزلة هارون من موسى غير أنك لست بنبي لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي»، فإن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير عليٍّ»

الجواب

إنَّ الشبهة التي أوردها ابن تيمية تنمُّ عن حقد وبغض للإمام عليٍّ علیه السلام ، فلو كانت هذه الرواية في شأن معاوية بن أبي سفيان لما حاول ابن تيمية إنكارها، فالشبهة التي ذكرها لا يصدق عليها أن يقال «شبهة» ، بل هي أقرب للجهل من الشبهة، ولا يليق بقائلها أنْ يُلَقَّب بشيخ، وذلك لأن قوله إنّ هذه الرواية مرسلة غير مسندة غير صحيح؛ فقد رواها أحمد بن حنبل بهذا السند «حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بَلْجِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَإِنِّي لَجَالِسٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ أَتَاهُ تِسْعَةُ رَهْطٍ فَقَالُوا... »(1) . إلى آخر الرواية، وهذا سند صحيح وثق رجاله كبار علماء الجرح والتعديل من علماء السنة، فأين الإرسال فيه كما زعم ابن تيمية؟!

إضافة لهذا فقد صحّح هذا الحديث الحاكم النيسابوري، والذهبي في التلخيص، وحسنه ناصر الدين الألباني في كتاب ظلال الجنة(2).

ص: 49


1- مسند أحمد بن حنبل : 15 / 430 ، [3 / 331]، [حديث : 3062]
2- ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم : 2 / 337

وأمَّا قول ابن تيمية وفيه ألفاظ كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنك لست بنبيٍّ لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي» فهو تعدِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تكذيب له صلى الله عليه وسلم، وفي هذه العبارة التي زعم أَنَّهَا كذب رواها البخاري ومسلم فابن تيمية هنا يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب، أو يتهم البخاري ومسلم بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم !

فعجباً لهذه الجرأة والجسارة على رسول الله !

ألم يقل البخاري «حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلَّفُنِي فِي الصَّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي »(1) . ؟!

وألم يقل مسلم «حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ - قَالاَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا، فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟

فَقَالَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاَنَّا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَلَنْ أَسُبَّهُ لأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ لَهُ خَلَّفَهُ فِي بَعْضٍ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ الله خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصَّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ الأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ ، قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا، فَقَالَ «ادْعُوا لي عَلِيًّا»، فَأَتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَما نَزَلَتْ

ص: 50


1- صحيح البخاري : 794 [ح. 4416 / باب غزوة تبوك - كتاب المغازي]

هَذِهِ الآيَةُ «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا، «فَقَالَ اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي»(1) .؟!

فهذه العبارة «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي» . التي كذَّبها ابن تيمية روتها كتب الصحاح ، فهل كان ابن تيمية يجهلها ؟! أو أراد تجاهلها ؟! فمهما قيل فلا سبيل لخلاصه من تكذيب حديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

والظاهر أنَّ ابن تيمية فهم هذا الحديث الذي يُفَنِّد أوهامه التي يعتقد بها، ويثبت لزوم التشيع لعليّ علیه السلام لأنَّ منزلة هارون من موسى هي الخلافة الدينية(2) والنبوة، ولزوم الطاعة لهارون مثلما هي لموسى، فلم يجد ابن تيمية محيصاً من الخلاص سوى تكذيب الحديث لينجو بأوهامه من الإقرار بالحقيقة التي لا يطيقها ابن تيمية. قال الله تعالى: «فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوَى لِلْكَفِرِينَ» [الزمر 32].

وأمَّا تكذيبه لقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي»، بحجة أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ذهب غير مرَّة وخليفته على المدينة غير عليٍّ علیه السلام فلا يحق له تفسير قول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم كما يشتهي ، ولا يصحُّ تفسير ابن تيمية هذا إلا أنْ يُقَدِّر قيدًا محذوفاً في هذا الحديث، تقديره «لا ينبغي أن أذهب من المدينة إلا وأنت خليفتي»، فمن أين استدلَّ ابن تيمية على أنَّ الرسول قيَّد قوله صلى الله عليه و آله وسلم ب_«لا ينبغي أن أذهب- من المدينة- إلا وأنت خليفتي» حتّى يقول أنه صلى الله عليه و آله وسلم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير عليٍّ ؟!

ص: 51


1- صحیح مسلم: 1020 [ كتاب فضائل الصحابة / باب من فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام ] - ح. 32 - 2404]
2- قال الله تعالى: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَهَا بِعَشْرِ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَرُونَ أخْلُفْنِي فِي قَوْمى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» [الأعراف: 142]

فقوله صلى الله عليه و آله وسلم «لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي» ليس فيه لفظ المدينة!

فمن أين فهم ابن تيمية هذا الفهم الخاطئ ليبيح لنفسه تكذيب قول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ؟ !

فهذا تحكم لا يستند لأيِّ دليل؛ فقوله صلى الله عليه و آله وسلم ويحتمل غير ما فهمه ابن تيمية.

قال الله تعالى «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ، وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكَرُوا بِهِ» [المائدة 13].

الحديث الثالث

الحديث الثالث الذي ينادي بالتشيع هو قوله صلى الله عليه و آله وسلم «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِي وَعَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»، وهذا قول صريح بولاية أمير المؤمنين علیه السلام ، وخلافته مباشرة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وقد روى هذا الحديث ابن أبي شيبة قائلاً:

«حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ الرِّشْكُ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم سَرِيَّةٌ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا فَصَنَعَ عَلِيٌّ شَيْئًا أَنْكَرُوهُ فَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يذكروا أمرهم لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وَكَانُوا إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ بَدَؤُوا بِرَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ قَالَ فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَامَ أَحَدُ الأَرْبَعَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أَلَمْ تَرَ أَنَّ عَلِيًّا صَنَعَ كَذَا وَكَذَا فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يُعْرَفُ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِي، وَعَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»(1).

وروى هذا الحديث ابن حبان في صحيحه، وعلّق عليه شعيب الأرنؤوط قائلاً

ص: 52


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 1375 [ح. 32112/ فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام]

اسناده قوي(1) .

ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، وعقب عليه محقق الكتاب حسين سليم أسد قائلاً رجاله رجال الصحيح(2) .

الحديث الرابع

الحديث الرابع الذي ينادي بالتشيع ويدعو المسلمين بملازمة عليٍّ علیه السلام ويحذر مِن مفارقته، فيساوي بين مفارقة عليٍّ علیه السلام ، وبين مفارقة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم التي تؤدِّي إلى مفارقة الله تعالى، وهو ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد «عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعليٍّ «يا عليُّ مَن فارقني فارق الله ومَن فارقك يا علي فارقني». [قال الهيثمي ] رواه البزار ورجاله ثقات»(3) .

فيلزم من هذا الحديث الذي وثَّق رجاله الهيثمي لزوم متابعة عليٍّ علیه السلام والتشيع له، وعدم مفارقته لأنَّ مفارقته تعني مفارقة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وبالتالي مفارقة الله تعالى، والخروج عما أمر الله تعالى به، ولذا نرى تمسُّك بعض الصحابة والتابعين بهذا الحديث، فلم يفارقوا عليًّا علیه السلام ، وهذا الحديث من جملة الأحاديث التي تدلُّ على أنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو المؤسس الأوَّل للتشيع. ونذكر نص رواية البَّزار

«حدثنا علي بن المنذر وإبراهيم بن زياد قالا حدثنا عبد الله بن نمير عن عامر بن السبط عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعلي «يا عليُّ من فارقني فارقَهُ الله وَمَنْ فارقكَ يا عليُّ فارقني»

ص: 53


1- راجع صحيح ابن حبان : 15 / 374 ، [ مناقب علي علیه السلام / ح. 6929]
2- ينظر: مسند أبي يعلى الموصلي للإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي: 1 / 293[مسند علي بن أبي طالب/ح. 355]
3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 9 / 130 ، [ح . 14771 - كتاب المناقب]

وهذا الكلام لا نعلمه يروى إلّا عن أبي ذر بهذا الإسناد»(1) .

وقال الحاكم النيسابوري

«حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري حدثنا عبد الله بن عمير حدثنا عامر بن السمط عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر قال قال النبيُّ صلى الله عليه و آله وسلم «یا عليّ من فارقني فقد فارق الله ومَن فارقك يا عليّ فقد فارقني»

[وقال الحاكم النيسابوري] صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(2) .

شبهة سلفية

لقد حاول بعض السلفية تضعيف هذا الحديث بنقل قول الذهبي في التلخيص الَّذي زعم أنَّ الحديث منكر. وبسرد نص كلام الألباني الذي قال وأقول ليس في إسناده من يتهم به سوى معاوية هذا، وقد أورده ابن أبي حاتم بهذا الإسناد، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وكذلك صنع البخاري في تاريخه»، لكنه أشار إلى هذا الحديث وساق إسناده.

وذكره ابن حبان في «الثقات». ويحتمل أن يكون المتهم به هو داود هذا ؛ فإنه – وإن وثّقه جماعة - ؛ فقد قال ابن عدي «ليس هو عندي ممن يحتج به، شيعي، عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت» .

ص: 54


1- والبحر الزَّخَّار المعروف (بمسند البزار) للحافظ الإمام أبي بكر أحمد بن عمرو العتكي البزار (ت . 292ه-) : ج 9 / ص 455 [ح. 4066]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 336، 356 [ح. 4682 – ذكر اسلام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام ] و [ح. 4761 - كتاب الصحابة / ذكر البيان الواضح أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب]
الجواب

أمَّا قول الذهبي بل منكر ، فأجاب عن ذلك الألباني قائلاً «ليس في إسناده مَن يتهم به ؛ سوى معاوية هذا» يعني (معاوية بن ثعلبة)، ثم إنّ الألباني لم يعثر على أي تضعيف لمعاوية هذا، فقال «أورده ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات» فالنتيجة أنه ثقة، ولا يحقُّ للذهبي إنكار هذا الحديث، ثمَّ إِنَّ الألباني احتمل أن يكون المتهم بهذا الحديث هو داود بن أبي عوف وأقر بأنَّه وثّقه جماعة مِن علماء الجرح والتعديل باستثناء ابن عدي الذي رفض الاحتجاج به لكونه شيعيًّا، وهذه الحجة غير كافية لتضعيف الراوي، فقد وَثْقَهُ كبار علماء الجرح والتعديل كأحمد وابن معين «قال عبد الله بن داود كان سفيان يوثقه ويعظمه، وقال وكيع عن سفيان عن أبي الجحاف وكان مرضياً. وقال ابن عيينة كان من الشيعة مما يشيعه. وقال أحمد وابن معين ثقة. وقال أبو حاتم صالح الحديث. وقال النسائي ليس به بأس... وذكره ابن حبان في الثقات »(1).

وقال ابن حجر العسقلاني «داود بن أبي عوف سويد التميمي البرجمي بضم الموحدة والجيم مولاهم أبو الجحاف بالجيم وتشديد المهملة مشهور بكنيته وهو صدوق شيعي ربما أخطأ من السادسة»(2).

وقال الشيخ الحافظ عبد الله بن الصديق وهو من علماء المغرب المعاصرين في كتابه (القول المُقنِع في الرد على الألباني المبتدع) ص6 والحديث رواه البزاز، وقال الهيثمي رجاله ثقات. وإنما استنكره الذهبي لأمرين أن هذا اللفظ لم يرد في حقِّ أحد الشيخين، وأنه يفيد الطعن في معاوية وفرقته» .

ص: 55


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني : 3/ 18 ، [1868 - حرف الدال : مَن اسمه داود]
2- تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 164/1[1868 - حرف الدال/ من اسمه داود]

وهكذا يتبين أنَّ الحديث لا غبار عليه.

الحديث الخامس

الحديث الخامس يصرح فيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بأن طاعة عليٍّ علیه السلام لا تختلف عن طاعة رسوله صلی الله علیه و آله وسلم وهي طاعة الله تعالى، إذ روى الحاكم النيسابوري بسنده «عن أبي ذر قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «من أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله أطاع ومَن عليَّا فقد أطاعني، ومن عصى عليًّا فقد عصاني» . [ قال الحاكم] هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. [ وفي هامش الصفحة ] قال الذهبي في التلخيص صحيح»(1) .

عند الرجوع إلى القرآن الكريم نرى أن الله تعالى أمرنا بطاعته وطاعة رسوله صلی الله علیه و آله وسلم وطاعة أولي الأمر، وذلك قوله تعالى«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»[النساء 59].

فهذا الحديث يفسر المراد من أولي الأمر، وهو أمير المؤمنين علیه السلام . لأنَّ طاعة عليٍّ طاعةُ الله تعالى ولرسوله صلی الله علیه و آله وسلم

الحديث السادس

أنبأ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بتفرّق الناس واختلافهم من بعده وأرشدهم إلى أنَّ عليَّا وأصحابه يكونون على الحق.

قال الطبراني«حدثنا إبراهيم بن متويه الأصبهاني(2)، حدثنا إبراهيم بن سعيد

ص: 56


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 334 ، [ح. 4675 - ذكر اسلام المؤمنين عليّ علیه السلام ]
2- وهو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني إمام جامع إصبهان توفي سنة 302ه

الجوهري(1) ، حدثنا صالح بن بدل(2) ، حدثنا عبد الله بن جعفر المدني(3)، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة(4) ، عن أبيه(5) ، عن كعب بن عجرة(6) ، قال كنّا جلوساً عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فمر بنا رجل متقنع، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «يكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق»، قال كعب فأدركته فنظرت إليه حتى عرفته، وكنّا نسأل كعباً من الرجل؟ ، فيأبى يخبرنا ، حتّى خرج كعب مع عليٍّ إلى الكوفة، فلم يزل حتى مات، فكأنا أن عرفنا أنَّ ذلك الرجل علىٌّ علیه السلام»(7)

فهذا الحديث ينادي بالتشيع لعلي علیه السلام ، ويبين حصول الفتنة والفرقة بين المسلمين، وأنَّ عليًّا علیه السلام وأصحابه يكونون على الحقِّ، ويلزم منه كون باقي الفرق على الباطل. وقد استجاب الصحابي ابن عجرة لحديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وتبع الإمام علياً علیه السلام ولم يفارقه

آخر حياته. فهو من الصحابة المتشيعين لعليٍّ علیه السلام

وفي مسند أبي يعلي الموصلي «عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال كنّا عند النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار فخرج علينا فقال ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا بلى قال خياركم الموفون المطيبون إن الله يحب الخفي التقي. قال ومرّ عليُّ بن أبي طالب

ص: 57


1- وصفه الذهبي في الكاشف بالحافظ، ووثقه النسائي، وقال ابن حجر في التقريب: حافظ ثقة تُكلّم فيه بلا حجة
2- لم أعثر له على ترجمة
3- رتبته عند ابن حجر له صحبة
4- وثقه جماعة منهم ابن حجر والدار قطني والنسائي، ويحيى بن معين، وقال الذهبي في الكاشف صدوق
5- ذكره ابن حبان في الثقات
6- صحابي
7- المعجم الكبير للطبراني : 172/8 [ح. 15656 - إسحاق بن كعب بن عُجْرَة عن أبيه كعب]، ضبط نصه وخرج أحاديثه: أبو محمد الأسيوطي

فقال «الحق مع ذا الحق مع ذا» .

قال[محقق الكتاب] حسين سليم أسد صدقة بن الربيع وثّقه ابن حبان والهيثمي وباقي رجاله ثقات»(1).

الحديث السابع

يشير رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى منزلة عليّ علیه السلام منه صلی الله علیه و آله وسلم ، وأنَّه لا يحقُّ لأحدٍ أنْ ينوب عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلّا أمير المؤمنين علیه السلام ، فلا لفظَ أوضحَ مِن هذا اللفظ على خلافة عليّ علیه السلام لرسول الله صلى الله عليه و اله وسلم قال الترمذي«حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُبْشِيِّ بن جُنَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و اله وسلم «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلا أَنَا أَوْ عَلِيُّ». قَالَ [ الترمذي] هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ»(2). وعلَّق الألباني على هذا الحديث، فقال «حَسَنٌ »(3). وقد كَثُرَ قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، هذا، حتى ذكر البخاري ذلك . فقال «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم لِعَلي «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ»(4). و إذا عرضنا هذا الوصف على القرآن الكريم نجد أنَّ الله تعالى سمى عليًّا علیه السلام نفس الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وذلك في قوله تعالى «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَذِبِينَ» [آل عمران 61] ، فقد جاء في صحيح مسلم «ولما نزلت هذه الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» [آل عمران 61] دعا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عليًّا وفاطمة

ص: 58


1- مسند أبي يعلى لأبي يعلى الموصلي التميمي: 2 / 318، [ح. 1052]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 24 / 474 ، [ ح . 3719 / كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
3- ينظر: السلسلة الصحيحة للألباني : 4 / 631
4- صحيح البخاري: 675 ، [باب مناقب علي بن أبي طالب. قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم لعلي: «أنت مني وأنا منك»]

وحسنًا وحسينًا، فقال اللهم هؤلاء أهلي»(1).

وقال ابن حجر الهيتميّ «أخرج الدارقطني أنَّ عليَّا يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الرحم منّي، ومَن جعله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري. قالوا اللهم لا ... الحديث»(2).

الحديث الثامن

شبَّه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أهل بيته بسفينة نوح يوم الطوفان فكلّ من ركب سفينة دونها أو قال سَاوِي إِلَى جَبَلِ يَعْصِمُنِي مِنَ الماءِ كَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ الهالكين، والركوب في سفينة أهل البيت علیهم السلام هو طريق النجاة الوحيد، فهل يوجد أوضح من هذا التشبيه على إتباع أهل البيت والتشيع لهم؟!

قال الحاكم النيسابوري أخبرني أحمد بن جعفر بن حمدان الزاهد، ببغداد، حدثنا العباس بن إبراهيم القراطيسي، حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني قال سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبوذر سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق . «[ثم علّق الحاكم على هذا الحديث قائلاً ] هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(3).

ص: 59


1- صحیح مسلم: 1020 [ ح. 2404 - 32 - باب فضائل علي بن أبي طالب]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر 239 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 361 [ح.4778 - كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم]
شبهة وهابية

حاول بعض الوهابية تضعيف هذا الحديث فقال «لقد ضعّفه الألباني، وقال الذهبي مفضل بن صالح واهٍ، وهو قول ابن الملقن».

وقال الألباني «أن هذا الحديث عزاه الشيخ عبد الحسين الموسوي الشيعي في كتابه «المراجعات» للحاكم من حديث أبي ذر المتقدم، موهماً القراء أنه صحيح بقوله «أخرجه الحاكم بالإسناد إلى أبي ذر» ، وهو - كعادته - لا يتكلم على أسانيد أحاديثه التي تدعم مذهبه، بل إنَّه يسوقها كلها المسلمات المصححات من الأحاديث ؛ إن لم يشعر القارئ بصحتها كما فعل هنا بقوله «صحيحة المستدرك»! فضلاً عن أنه لا يحكي عن أئمة الحديث ما في أسانيدها من طعن ومتونها من نكارة.

الجواب

إنَّ الحديث المتقدّم لم يصححه الحاكم النيسابوري فقط، فقد صحّحه ابن حجر الهيتمي فقال وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا» وفي رواية مسلم «ومن تخلف عنها غرق» وفي رواية هلك «وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له» وفي رواية «غفر له الذنوب»(1) .

إضافة لذلك فإنَّ الألباني لم يتابع رواية عليّ ولم يذكرها وهي رواية صحيحة وثق رواتها علماء الرجال المشهورين والرواية يرويها شيخ البخاري ابن أبي شيبة فقد قال «حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ «إِنَّمَا مَثَلُنَا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ كَسَفِينَةِ نُوحٍ وَكِتَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي

ص: 60


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 - 235 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

إِسْرَائِيلَ »(1)

فجميع الرواة في هذه الرواية ثقات، وفيما يلي نذكر اسم كل راوي في هذه الروية مع ذكر أقوال علماء الرجال فيه الأوّل مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَام: قال ابن سعد «معاوية بن هشام القصار مولى بني أسد، ويكنى أبا الحسن . توفي بالكوفة وكان صدوقا كثير الحديث»(2) .

قال الذهبي (م عه(3)/ معاوية بن هشام القصار عن الثوري وثقه أبو داود. وقال أبو حاتم «صدوق». وأما ابن الجوزي فقال: «قيل هو معاوية بن أبي العباس روى ما ليس من سماعه فاتركوه» . قلت ما تركه أحد(4) .

الثاني عَمَّارُ: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي «عمار بن رزيق الضبي الكوفي التميمي... حدثنا عبد الرحمن، حدثنا يعقوب بن إسحاق، فيما كتب إليَّ، قال حدثنا عثمان بن سعيد، قال سألت يحيى بن معين عن عمار بن رزيق، فقال ثقة. حدثنا عبد الرحمن ، قال سئل أبو زرعة عنه ، فقال ثقة »(5) .

وقال الذهبي «عمار بن رزيق الضبي أبو الأحوص عن منصور ومغيرة. وعنه أحوص ص بن جواب وقبيصة وخلق قال لوين قال لي أبو أحمد الزبيري لو اختلفت إليه لكفاك أهل الدنيا»(6) .

ص: 61


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ح. 32106/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
2- الطبقات الكبرى لابن سعد : 6 / 270 - 271 [ الطبقة الثامنة ]
3- الرمزم : يعني به الذهبي : (روى له مسلم)، والرمز: عه معناه : (روي له في كتب السنن الأربعة)
4- المغني في الضعفاء للذهبي : 2/ 416 ، [ حرف الميم/ 6325]
5- الجرح والتعديل : 515/6 [باب العين : 11432/ 2182]
6- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي : 88/2 [حرف العين / 3988]

الثالث الأَعْمَش : قال الذهبي «الأعمش الحافظ الثقة شيخ الإسلام أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي أصله من بلاد الري، رأى أنس بن مالك وحفظ عنه ...وقال بن عيينة كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض وقال الفلاس كان الأعمش يسمى المصحف من صدقه. وقال القطان الأعمش علاَّمة الإسلام. وقال الحربي ما خلف الأعمش أعبَدُ منه الله. وقال وكيع بقي الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى... وكان رأساً في العلم النافع والعلم الصالح»(1) .

الرابع الْمِنْهَالِ: قال ابن حجر العسقلاني «المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي روى عن أنس... قال ابن معين والنسائي ثقة.... وقال العجلي كوفي ثقة. وقال الدار قطني صدوق .... وذكره ابن حبان في الثقات»(2).

الخامس عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ : قال ابن عبد البر «عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب القرشي الهاشمي وأمه هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس ولد على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فأتى به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فنحنكه، ودعا له، یکنی أبا محمد ويلقب به... قال علي بن المديني روى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عمر وعثمان وعلي والعباس وصفوان بن أمية وابن عباس وأم هانئ وكعب رضي الله عنهم وسمع منهم كلهم. وروى عن ابن مسعود ولم يسمع منه وكان ثقة. قال أبو عمر رحمه الله أجمعوا على أنه ثقة فيما روى لم يختلفوا فيه»(3).

وهكذا تتبين صحة هذا الحديث. فمن تمسك بأئمة أهل البيت علیهم السلام وتشيّع لهم

ص: 62


1- تذكرة الحفاظ للذهبي : 1/ 116 [149- 4/54ع - الطبقة الرابعة]
2- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 366/8 - 368 [حرف الميم: من اسمه المنهال]
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 3/ 21 - 22 [1518- باب حرف العين]

نجا من ظلمة المخالفات ومن تخلف عنهم غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان.

الحديث التاسع

لقد ورد في بعض الروايات أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو الذي أطلق اسم الشيعة، وهي كما يلي:

• منها ما أطلق فيها اسم الشيعة على أتباع ومحبي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وعلي بن أبي طالب وأهل البيت الأطهار عليهم السلام، وذلك كما جاء في رواية أحمد بن حنبل «“حدثنا محمد بن یونس حدثنا عبيد الله بن عائشة(1) قال حدثنا إسماعيل بن عمرو(2) ، عن عمر بن موسى، عن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب قال شكوت إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حسد الناس إياي ، فقال «أما ترضى أن تكون رابع أربعة: أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا، وعن شمائلنا، وذرارينا خلف أزواجنا، وشيعتنا من ورائنا»(3)

• ومنها ما أطلق فيها اسم الشيعة على أتباع ومحبي الإمام عليّ علیه السلام كالرواية التي رواها ابن حجر العسقلاني بسنده عن جعفر بن محمد هو الصادق عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «السابقون إلى ظل العرش يوم القيامة طوبى لهم». قيل

ص: 63


1- هو عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر القرشي، روى له أبو داود والترمذي والنسائي، رتبته عند ابن حجر ثقة جواد، رتبته عند الذهبي : محدث عالم أخباري، وثقه أبو حاتم
2- هو إسماعيل بن عمرو بن جرير البجلي أحد مشايخ عبيد الله بن عائشة
3- فضائل الصحابة : 624/2 ، [ فضائل علي علیه السلام -ح. 1068]

يا رسول الله و من هم ؟ قال «هم شيعتك يا علي و محبوك»(1) .

• قال الطبراني «حدثنا علي بن سعيد الرازي، قال حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال حدثنا عبد الكريم أبو يعفور عن جابر، عن أبي الطفيل، عن عبد الله بن نجي، أن عليًّا أتى يوم البصرة بذهب أو فضة فنكته ، وقال «ابيضي واصفري وغري غيري، غري أهل الشام غدًا إذا ظهروا عليك». فشق قوله ذلك على الناس، فذكر ذلك له، فأذن في الناس، فدخلوا عليه ، فقال علیه السلام إن خليلي صلى الله عليه و آله وسلم قال «يا علي إنك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين» ثم جمع علي يده إلى عنقه كيف الإقماح «لم يروِ هذا الحديث عن أبي الطفيل إلّا ،جابر، تفرد به عبد الكريم أبو یعفور»(2)» .

لقد حاول محقق الكتاب في الهامش تضعيف سند هذا الحديث لأنَّ فيه جابر الجعفي فقال وهو ضعيف رافضي. وللجواب عن ذلك يقال لقد وثقه جماعة من العلماء؛ قال

ص: 64


1- الكتاب : الأمالي المطلقة لأحمد بن حجر العسقلاني: 1 / 202 . ولقد حاول بعضهم تضعيف هذا الحديث بحجة أن في سنده «سلم الخواص هو ابن ميمون» فقال : إن ابن حبان قال فيه: «شغله الصلاح عن تحفظ الحديث حتى كثر المناكير في روايته». وهذا الرجل وصفوه بالصلاح والعبادة فقد جاء في كتاب تاريخ دمشق: « أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل أنبأنا جدي أبو محمد قال سمعت الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ يقول سمعت عبد الرحمن بن عمر يقول سمعت أبا الحسن الورثاني يقول سمعت أبا العباس السراج يقول: سمعت محمد بن سهل بن عسكر يقول : أتيت سلم الخواص فقال لي بتّ عندي قال فبت عنده قال فجمع بقل البرية والشعير وطبخه ثم وضعه بين يدي قال ثم رأيته يوم الثاني يقاد إلى الجمعة قلت أما كنت بصيرًا قال بلى ولكني أخاف أن أرى منكرًا لا أغيره . قال : وكان سلم يكسب في اليوم قيراطا يتصدق به وقيراطًا ينفق على عياله وقيراطاً يشتري به الخوص» ولنا أن نتساءل: كيف يضعفون رجلاً اشتهر بالصلاح والزهد والعبادة ؟! فما هو ميزانكم في توثيق الرجال إذا كنتم تضعفون الزهاد والعباد وتوثقون غيرهم؟!
2- المعجم الأوسط للطبراني : 83/3 «من اسمه علي / 3934]

إمام السنة الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الحنظلي الرازي (المتوفى 327 ه-) «حدثنا عبد الرحمن، حدثنا محمد بن يحيى اخبرني يوسف بن موسى التستري قال سمعت أبا داود - يعني الطيالسي - يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول سفيان الثوري يقول ما رأيت أورع من جابر الجعفي في الحديث.

حدثنا عبد الرحمن، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، عن وكيع قال قال سفيان ما رأيت رجلًا أورع في الحديث من جابر الجعفي ولا منصور»(1)

وقال أيضاً «حدثنا عبد الرحمن، حدثني أبي، حدثنا إبراهيم بن مهدي، قال سمعت إسماعيل بن علية، قال سمعت شعبة يقول جابر الجعفي صدوق في الحديث.

حدثنا عبد الرحمن، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، عن شعبة قال لا تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذين يقعون في جابر - يعني الجعفي - هل جاءكم عن أحد بشيء لم يلقه»(2) .

وقال أيضا «جابر بن يزيد الجعفي الكوفي أبو محمد... حدثنا عبد الرحمن، حدثني أبي حدثنا أبو غسان التستري، قال سمعت أبا داود قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول سمعت سفيان الثوري يقول كان جابر ورعًا في الحديث، ما رأيت أورع في الحديث من جابر.

حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن مهدي، قال سمعت إسماعيل بن علية، قال سمعت شعبة يقول جابر الجعفي صدوق في الحديث.

ص: 65


1- الجرح والتعديل : 101/1 [كتاب تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل]
2- الجرح والتعديل : 139/1 [ كتاب تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل / باب الجيم: 13 جابر الجعفي]

حدثنا عبد الرحمن، حدثنا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن، حدثنا عبد الرحمن يعنى ابن الحكم بن بشير - حدثنا يحيى بن أبي كثير قال كنا عند زهير - يعني ابن معاوية- فذكروا جابرًا الجعفي فقال زهير كان جابر إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس...

حدثنا عبد الرحمن، قال سمعت أبي يقول حدثنا الطنافسي، قال سمعت وكيعًا يقول مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أنّ جابر بن يزيد أبا محمد الجعفي ثقة، حدثنا عنه مسعر وسفيان وشعبة وحسن بن صالح»(1).

• روى الطبراني أيضاً قائلاً «حدثنا محمد بن موسى، حدثنا الحسن بن كثير، حدثنا سلمى بن عقبة الحنفي اليمامي، حدثنا عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال قال : علي بن أبي طالب

«يا رسول الله، أيما أحب إليك أنا أم فاطمة ؟

قال: فاطمة أحب إليَّ منك، وأنت أعز عليَّ منها، وكأني بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة «إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ»، وأنت معي وشيعتك في الجنة»، ثم قرأ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَبِلِينَ» «لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه».

عليه وال

لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلّا عكرمة بن عمار، ولا رواه عن عكرمة إلّا سلمى بن عقبة، تفرد به الحسن بن كثير(2) .

ص: 66


1- الجرح والتعديل : 2/ 429 - 430 [ باب الجيم: 2043 - جابر بن يزيد الجعفي]
2- المعجم الأوسط للطبراني : 150 / 380-381 [من اسمه محمد/ 7675]

وروى هذا الحديث الهيثمي وعلّق عليه قائلاً «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سلمى بن عقبة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات»(1).

وإن كان هذا الحديث فيه سلمى بن عقبة الذي لم يترجم له، فقد وردت أحاديث عديدة بعضها يقوي الآخر تثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قد أطلق اسم الشيعة؛ وذكر السيوطي أربعة أحاديث منها ؛ أحدهما أخرجه ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، والآخر أخرجه ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد، والآخر أخرجه ابن عدي عن ابن عباس، والآخر أخرجه ابن مردويه عن عليٍّ(2) .

شبهة سلفية

«لو كانت الأحاديث المتقدمة توجب اتباع عليّ، والتشيع له، لاتبعته الصحابة، ولما قدموا عليه أحداً، ولكنهم قدموا أبا بكر على عليّ، فدل ذلك على عدم دلالة هذه الأحاديث على اتِّباع عليّ»

الجواب

الجواب على هذه الشبهة يكون بأوجه عديدة:

الوجه الأول

إنَّ كثيراً من الصحابة تفاجؤوا بتحويل البيعة إلى غير أمير المؤمنين، وامتنعوا عن بيعة الخليفة الأول، وقالوا «لا نبايع إلّا عليّاً»، وقد ذكر ذلك جماعة من علماء التاريخ؛ قال محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310ه- «حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير

ص: 67


1- مجمع الزائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 196/9 - 197 [ كتاب المناقب / باب فضل أهل البيت رضي الله عنهم: ح- 15016]
2- انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي: 6 / 643 [سورة البينة]

عن مغيرة، عن أبي معشر زياد بن كليب عن أبي أيوب عن إبراهيم قال لما قبض النبي صلی الله علیه و آله وسلم ... فاجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد ابن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال ما هذا، فقالوا منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر منا الامراء ومنكم الوزراء، ثم قال أبو بكر إني قد رضيت لكم أحد الرجلين عمر أو أبا عبيدة ان النبي صلی الله علیه و آله وسلم جاءه ،قوم، فقالوا ابعث معنا أمينا، فقال لأبعثن معكم أمينًا حق ،أمين فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، وأنا أرضى لكم أبا عبيدة، فقام عمر ، فقال أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم ، فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الانصار أو بعض الانصار لا نبايع إلَّا عليًّا»(1). وذكر عز الدين بن الأثير هذه الواقعة فقال «لما توفي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال ما هذا؟ فقالوا منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر منا الأمراء ومنكم الوزراء. ثم قال أبو بكر قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين عمر وأبا عبيدة أمين هذه الأمة. فقال عمر أيكم يطيب نفساً أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلی الله علیه و آله وسلم فبايعه عمر وبايعه الناس. فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا عليَّا. قال وتخلف علي، وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة. وقال الزبير " لا أغمد سيفاً حتى يُبَايَع علي. فقال عمر خذوا سيفه واضربوا به الحجر ، ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة»(2) .

الوجه الثاني

إقرار الخليفة الثاني بأنَّ بيعة الخليفة الأول لم تكن بإجماع المسلمين، وإنَّما كانت فلتة،

ص: 68


1- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) : 2 / 233، [سنة 11 / ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله]
2- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2/ 300 [2/ 218/ ط]، [السنة الحادية عشرة للهجرة/ حديث السقيفة وخلافة أبي بكر]

وقى الله المسلمين شرَّها، فقد جاء في صحيح البخاري قول الخليفة الثاني«... ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ وَالله لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَلَا يَغْتَرَنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّهَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَتْ. أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلا يُبَايَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ ...»(1).

الوجه الثالث

لقد عصت الصحابة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حياته عندما أعدَّ جيشاً بإمرة أسامة، فليس مِن الغريب أن تعصيه بعد وفاته في خلافة عليٍّ علیه السلام ؛ جاء في كتب فقه السيرة «وخرج صلی الله علیه و آله وسلم وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إلىَّ [وعلّق الألباني على هذه الحديث، فقال] صحیح.»(2).

الوجه الرابع

إنَّ عدم اتباع الصحابة لعليٍّ لا يلزم منه عدم دلالة هذه الأحاديث على اتباع عليٍّ علیه السلام والتشيع له، خصوصاً إذا علمنا أنَّ بعض الصحابة قد بدلوا وأحدثوا، ولم يتّبعوا كلَّ ما أمر به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وقد أنبأهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بذلك؛ قال البخاري في صحيحه:

ص: 69


1- صحيح البخاري: 1238 - 1239 [ح . 6830 / باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت - كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ]
2- فقه السيرة لمحمد الغزالي : 460

«حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي وَائِلِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأناوِهُمُ اخْتُلِحُوا دُونِي فَأَقُولُ أَي رَبِّ أَصْحَابِ. فَيَقُولُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ »(1).

وقال ايضاً: «حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَى أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» . قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً فَقُلْتُ نَعَمْ . قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ «إِنَّهُمْ مِنّي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي »(2) .

وقال البخاري أيضاً: «حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي هِلاَلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ«بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إذا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ» فَقَالَ هَلُمَّ، فَقُلْتُ أَيْنَ؟ قَالَ إِلَى النَّارِ والله. قُلْتُ وَمَا شَأْنُهُمْ

قَالَ «إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ»، فَقَالَ هَلُمَّ. قُلْتُ أَيْنَ؟ قَالَ إِلَى النَّارِ وَالله. قُلْتُ مَا شَأْنُهُمْ؟!

«قَالَ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى. فَلاَ أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَل(3)

ص: 70


1- صحيح البخاري: 1281 [ح. 7049/ كتاب الفتن ]
2- صحيح البخاري: 1281 [ح. 7050 - 7051 / كتاب الفتن ]
3- قال إمام السنة ابن الجوزي في كتابه كشف المشكل المطبوع في ذيل كتاب صحيح البخاري: 4/ :33: «هَمَلِ» : [ النعم] المهملة التي ليس معها راع ولا حافظ، ولا يكاد يسلم منها من السباع وغيرها إلا القليل . وقيل : « الهمل»: ما يهمل فلا يرعى ولا يستعمل، بل يترك مهملاً فيضيع ويهلك». قال الدكتور مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة جامعة دمشق والمعنى لا ينجو من النار منهم إلا القليل. قال العيني وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة».

النَّعَمِ»(1)

وقال أيضًا: «حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَتْ قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟! وَالله مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ». فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا «أَعْقَبِكُمْ تَنكِصُونَ» [المؤمنون 66] تَرْجِعُونَ عَلَى الْعَقِب»(2).

وقال أحمد بن حنبل «حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِي عَنْ أَبِيهِ قَالَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ عَلَى هَذَا المِنبَرِ «مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُونَ إِنَّ رَحِمَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم لَا تَنْفَعُ قَوْمَهُ، بَلَى وَالله إِنَّ رَحِمي مَوْصُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنِّي أَيُّهَا النَّاسُ فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحُوْضِ فَإِذَا جِئْتُمْ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الله أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانِ وَقَالَ أَخُوهُ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَالَ هُمْ أَمَّا النَّسَبُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ وَلَكِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بَعْدِي وَارْتَدَدْتُمْ الْقَهْقَرَى»(3). وعلَّق شعيب الأرنؤوط على هذا الحديث قائلًا «صحيح لغيره وهذا إسناد ضعيف».

ص: 71


1- صحيح البخاري : 1197 [ح. 6587 / كتاب الرقاق / باب في الحوض]
2- صحيح البخاري: 1198 [ ح . 6593 / كتاب الرقاق / باب في الحوض]
3- مسند أحمد بن حنبل : 18/3[23/3]، [حديث : 11144]
الوجه الخامس

عدم مبايعة عليٍّ علیه السلام كان أمراً معلوماً ؛ فقد أخبر النبيُّ عليًّا بأنَّ الأمة ستغدر به بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، كما جاء في المستدرك على الصحيحين «حدثنا أبو حفص الجمحي بمكة، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن عون، حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي إدريس الأودي، عن عليٍّ علیه السلام ، قال «إن مما عهد إلى النبيُّ صلی الله علیه و آله وسلم أنَّ الأمة ستغدر بي بعده». [قال الحاكم] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. و[ في الهامش ] قال الذهبي في التلخيص صحيح»(1).

وقال الحاكم أيضاً «عن حيان الأسدي سمعت عليًّا يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «إن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه». [قال الحاكم] صحيح [ وفي الهامش] قال الذهبي في التلخيص صحیح(2).

وإذا لا حظنا قوله صلى الله عليه و آله وسلم «ستغدر بك بعدي» علمنا إن الغدر سيقع مباشرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله وسلم لأنَّ حرف السين الداخل على الفعل المضارع « تغدر» يفيد للاستقبال القريب؛ قال عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (المتوفى 1392ه-) «والسين حرف تنفيس، ومعناه الزمن القريب، نحو سيقوم زيد. وسوف وهي حرف تسويف، ومعناه الزمن البعيد نحو «سَوْفَ تَعْلَمُونَ»(3).

ص: 72


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 350 ، [ ح . 4734 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام ]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 353 ، [ ح . 4744 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام ]
3- حاشية الآجرومية لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم 20
الوجه السادس

شواهد هذه المسألة كثيرة في كتبنا، فما تقدَّم مِن الأوجه منقول من مصادر السنَّة ،الحديثيَّة، وما في نهج البلاغة أكثر وأوضح ، ويكفي في المقام أن نذكر بعض ما جاء من كلام أمير المؤمنين علیه السلام وذلك لما قال له قائل : يا أمير المؤمنين، أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم، وآنس منه الرّشد، أكانت العرب تسلّم إليه أمرها ؟

قال علیه السلام «لا، بَلْ كَانَتْ تَقْتُلُهُ اِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما فَعَلْتُ إِنَّ الْعَرَبَ كَرِهَتْ أَمْرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وسلم، وَحَسَدَتْهُ عَلى ما آتاه الله مِنْ فَضْلِهِ، وَاسْتَطَالَتْ آيَامُهُ حَتَّى قَذَفَتْ زَوْجَتَهُ، وَنُفَرَتْ بِهِ ناقَتُهُ، مَعَ عَظيمِ اِحْسانِهِ إِلَيْهَا ، وَجَسيمِ مِنَنِهِ عِنْدَها وَأَجْمَعَتْ مُذْ كَانَ حَيَّةٌ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ وَلَوْلا أَنَّ قُرَيْشاً جَعَلَتْ إِسْمَهُ ذَريعَةً إِلى الرِّئَاسَةِ، وَسُلَّاً إِلَى العِزَّ وَالْأَمْرَةِ، لَمَا عَبَدَتِ الله بَعْدَ مَوْتِهِ يَوْماً واحِداً، وَلاَرْتَدَّتْ فِي حَافِرَتِهَا، وَعادَ قارِحُها جَذَعاً، وَبازِها بَكْراً، ثُمَّ فَتَحَ الله عَلَيْهَا الْفُتوحَ، فَأَثَرَتْ بَعْدَ الْفَاقَةِ، وَتَمَوَّلَتْ بَعْدَ الجُهْدِ وَالْمُخْمَصَةِ، فَحَسُنَ فِي عُيونها مِنَ الْإِسْلامِ ما كانَ سَمِجا، وَثَبَتَ فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنْهَا مِنَ الدين ما كانَ مُضْطَرِباً، وَقَالَتْ لَوْلا أَنَّهُ حَقٌّ لَما كانَ كَذا؛ ثُمَّ نَسَبَتْ تِلْكَ الْفُتُوحَ إلى آراء ولاتِها، وَحُسْنِ تَدْبِيرِ الْأَمَراءِ الْقَائِمِينَ بِها فَتَأَكَدَ عِنْدَ النَّاسِ نَبَاهَةُ قَوْمٍ، وَجُمُولُ آخرينَ؛ فَكُنَّا نَحْنُ مِمَّنْ خَمَلَ ذِكْرُهُ، وَخَبَتْ نارُهُ، وَانْقَطَعَ صَوْتُهُ وَصِبْتُهُ، حَتَّى أَكَلَ الدَّهْرُ عَلَيْنا وَشَرِبَ، وَمَضَتِ السَّنُونَ وَالْأَحْقابُ بِما فيها، وَماتَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُعْرَفُ، وَنَشَأَ كَثِيرٌ مِمَّنْ لا يُعْرَفُ، وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لَوْ كانَ؟ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم لَمْ يُقَرِّبْنِي مَا تَعْلَمُونَهُ مِنَ الْقُرْبِ لِلنَّسَبِ وَاللُّحْمَةِ بَلْ لِلجِهادِ وَالنَّصيحَةِ افَتَرَاهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ هل كانَ يَفْعَلُ ما فَعَلْتُ؟ وَكَذلِكَ لَمْ يَكُنْ يُقَرِّبُ ما قَرَّبْتُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ قُرَيْش وَالْعَرَبِ سَبَباً لِلْحُظوة وَالمَنْزِلَةِ، بَلْ لِلْحِرْمَانِ وَالجَفْوَةِ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ انّي لَمْ أَرِدِ الْأَمْرَةَ، وَلا عُلُوّ المُلْكِ وَالرَّئاسَةِ، وَإِنَّما أَرَدْتُ الْقِيامَ

ص: 73

بِحُدُودِكَ، وَالْأَداءَ لِشَرْعِكَ، وَوَضْعَ الْأُمُورِ فِى مَواضِعِها، وَتَوْفِيرَ الحُقوقِ عَلى أَهْلِها وَالمُضِيَّ عَلى مِنْهاجِ نَبِيَّكَ، وَارْشَادَ الضَّالِّ إِلى أَنْوارِ هِدايَتِكَ»(1).

ص: 74


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 592/10 ، [ الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين]

الشيعة بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم

إنَّ أوَّل تكتل للشيعة حصل بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وذلك «لما قبض الله نبيه، عمر بن الخطاب من قال إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم امانت علوت رأسه بسيفي هذا، وإنما ارتفع إلى السماء، فقرأ أبو بكر «وَمَا مُحَمَّدُ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ» [آل عمران 144] ، فرجع القوم إلى قوله وبادروا سقيفة ساعدة، فبايع عمر أبا بكر رضي الله عنهما، وانثال الناس عليه يبايعونه في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة، خلا جماعة من بني هاشم والزبير وعتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر والبر بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع عليّ بن أبي طالب، وقال في ذلك عتبة بن أبي لهب:

ما كنتُ أحسَبُ أن الأمر منصرِفٌ***عن هاشم ثمّ منهم عن أبي حسن

عن أوّل الناس إيماناً وسابقه*** وأعلم الناس بالقرآن والسنن

و آخر الناس عهداً بالنبي ومَن***جبريل عونٌ له في الغُسلِ والكفن

مَن فيه ما فيهم لا يَمترون بهِ***وليس في القوم ما فيه من الحسن»(1) .

وقد روى البخاري بإسناده أنّ الخليفة الثاني خطب خطبةً طويلة في المدينة ومما

ص: 75


1- تاريخ أبي الفداء (المسمى المختصر في أخبار البشر ) : 219/1 [سنة 11ه]، وينظر: تاريخ اليعقوبي لأحمد بن إسحاق اليعقوبي البغدادي: 2 / 184 [خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر]، وينظر: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي لعبد الملك الشافعي: 332/2، [خلافة أبي بكر الصديق]

جاء فيها«وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ صلی الله علیه و آله وسلم : أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُما»(1) .

وذكر هذه الرواية أحمد بن حنبل وجاء فيها «أَلَا وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا بِنْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم ...»(2) تعليق شعيب الأرنؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم.

وزعم بعضهم أنّ عليَّا علیه السلام بايع في اليوم التالي، وهذا غير صحيح بل استمرت مقاطعة أمير المؤمنين علیه السلام و عدم مبايعته، فلم يبايع لأحدٍ، وزعم بعضهم أنّ عليَّا علیه السلام لم يبايع مدة قدرها ستة أشهر كما في كتابي مسلم والبخاري إذ قال البخاري«... فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا [ أي من فدك ] شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلى لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهُ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيتِ اسْتَنْكَرَ عَلى وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَاحَةَ أَبي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُر ...»(3).

فكانت هذه الفترة بداية ظهور الشيعة ككتلة تعلن الولاء والتشيع لأمير المؤمنين علیه السلام ، فالشيعة الأوائل هم خيار الصحابة الذين حفظوا وصايا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وعرفوا منزلة عليٍّ علیه السلام ، ولم يبدلوا أو ينقلبوا على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وكما

ص: 76


1- صحيح البخاري: 1238 [ح . 6830 / باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة]
2- مسند أحمد بن حنبل : 1/ 68 [55/1] ، [ ح . 393/ حديث السقيفة ]
3- صحيح البخاري: 766 [ح.4240، 4241 -باب غزوة خيبر كتاب المغازي] وينظر صحيح مسلم : 757[ح . 52(1759) باب قول النبي لا نورث ما تركناه فهو صدقة / كتاب الجهاد والسير]

أخبر الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بأنهم سيغدرون بعليٍّ ، وينقلبون عليه ويَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، ويُبَدِّلُون بَعْدَ وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فكذلك أخبرهم الله تعالى بذلك بقوله « وَمَا مُحَمَّدُ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَلَبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ » [آل عمران 144 ].

وحفظاً لوحدة المسلمين وتماسكهم آثر عليّ علیه السلام الانسحاب من المواجهة السياسية، ومال إلى العزلة أيام الخليفتين أبي بكر وعمر، واكتفى بإبداء النصح والمشورة، والمشاركة تسديد المسيرة الإسلامية.

ص: 77

ص: 78

منع انتشار التشيع

لقد اتَّخِذَتْ بعض الخطوات والتدابير بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لمنع التشيع، ومن أهم هذه التدابير بعد السقيفة نقطتان: الأولى التقليل من شأن أهل البيت علیهم السلام، وعدم إعطائهم المكانة الَّتي منحها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم لهم، وقد تمثل ذلك في مواقف عديدة.

الموقف الأول : عدم إشراك أهل البيت وبني هاشم في أهم أمْرٍ في تاريخ المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو بيعة السقيفة، فلم يكن لهم علم بهذه السقيفة حتّى «جاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم وقال يا معشر بني هاشم، بويع أبو بكر. فقال بعضهم ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد. فقال العباس فعلوها، وربِّ الكعبة.

وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في عليّ، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس، وكان لسان قريش، فقال يا معشر قريش، أنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى بها منكم»(1) .

الموقف الثاني : الاعتداء على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ؛ قال محمد بن جرير الطبري المتوفّى سنة 310ه« حدثنا ابن حميد، قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بن الخطاب منزل عليَّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقنَّ عليكم أو لتخرُجُنَّ إلى البيعة. فخرج عليه الزبيرُ مُصْلِتا بالسيف، فعثر

ص: 79


1- تاريخ اليعقوبي لأحمد بن إسحاق اليعقوبي البغدادي المتوفى 292ه: 2/ 184 [خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر]

فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه»(1) .

وقال أحمد بن إسحاق اليعقوبي البغدادي المتوفّى 292ه-«بلغ أبا بكر وعمر أنَّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع عليّ بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار»(2) .

وقال إمام السنّة الفقيه أبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري المتولد سنة 213 ه-، والمتوفى سنة 276ه- إن أبا بكر تفقد قومًا تخلفوا عن بيعته عند عليٍّ كرم الله وجهه، فبعث إليهم ،عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص ! إنَّ فيها فاطمة ؟ فقال وإنْ، فخرجوا فبايعوا إلا عليًّا فإنه زعم أنه قال: «حلفت أنْ لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن...»(3)

الموقف الثالث: عدم قبول شهادة الصديقة فاطمة الزهراء التي جاءت تطالب بحقها من ميراث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وكذلك عدم قبول شهادة أمير المؤمنين علیه السلام ؛ فقد جاء في صحيح البخاري ... «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَانَهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْهِ بِالمُدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ [لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدِ صلى الله عليه و آله وسلم في هَذَا المَالِ» وَإِنِّي وَالله لَا أُغَيْرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليهو آله وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَالأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ

ص: 80


1- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك ) : 2 / 233 ، [ سنة 11 / ذكر الأخبار الواردة باليوم الذي توفي فيه رسول الله ]
2- تاريخ اليعقوبي لأحمد بن إسحاق اليعقوبي البغدادي المتوفى 292ه-: 2/ 85[خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر]
3- الامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: 19/1

إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا ...»(1)

ففاطمة الزهراء مطهرة من الكذب، لقوله تعالى « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » [الأحزاب 33] ، وقد اشتهرت بالصدق، ومن شواهد ذلك ما رواه الحاكم بسنده عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و آله وسلم قالت ما رأيت أحدًا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي وَلَدَهَا . [قال الحاكم] هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه [ وفي الهامش ]قال الذهبي في التلخيص على شرط مسلم »(2).

فكلّ هذه المواقف وغيرها كان لها الأثر الكبير في منع انتشار التشيع، والحد منه.

النقطة الثانية منع التحدث بأحاديث الرسول الله المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 371/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ح . 4817] خشية انتشار الأحاديث التي تنادي بالتشيع لعليٍّ علیه السلام الدالة على لزوم اتباعه، واستمر هذا المنع جيلاً بعد جيل؛ ومن شواهد هذه المسألة ما ذكره الذهبي أنَّ الخليفة الأول «جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال إنكم تحدثون عن رسول الله المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 371/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ح . 4817] أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافًا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئًا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه»(3) .

ص: 81


1- صحيح البخاري : 766[ح . 4240، 4241 / باب غزة خيبر - كتاب المغازي]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 371/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ح . 4817]
3- تذكرة الحفاظ للذهبي : 9/1[ الطبقة الأولى من الكتاب: 1/1- أبو بكر الصديق]، وضع حواشيه الشيخ زكريا عميرات

وروى الحاكم بسنده عن «القاسم بن محمد، قالت عائشة جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيراً قالت فغمني، فقلت أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك ؟ فلما أصبح قال أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها فقلت لم أحرقتها ؟ قال خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك»(1) .

وقد شدد الخليفة الثاني أكثر من الخليفة الأول، فكان يضرب الصحابة على روايتهم للحديث أو يسجنهم؛ ومن شواهد ذلك ما رواه عبد الرزاق «عن معمر عن الزهري، قال قال أبو هريرة لما ولي عمر قال أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلا فيما يعمل به. قال ثم يقول أبو هريرة أفإن كنتُ محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حَيٌ؟ أما والله إذاً لألفيت المخفقة ستباشر ظهري»(2).

وقال أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي «عن أبي هريرة أنه قال لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة»(3).

وروی الحافظ خليل بن عبد الله القزويني، أبو يعلى الخليلي بسنده عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب حبس جماعة منهم أبو هريرة، وقال أقلُّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وكانوا في حبسه إلى أن مات (4) .

وروى النسائي بسنده عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «لينتهين بنو وليعة أو

ص: 82


1- تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 10 - 11 [الطبقة الأولى من الكتاب: 1/ 1 - أبو بكر الصديق]
2- المصنف لعبد الرزاق : 10 / 243 [ باب الكذب على النبي ع / ح . 20663]
3- جامع بيان العلم وفضله للقرطبي : 2 / 240 ، [ باب ذكر من ذم الإكثار من الحديث دون التفهم له والتفقه فيه]
4- الإرشاد في معرفة علماء الحديث للإمام الخليلي : 1 / 214 [ شيوخ مالك/ 39-عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي]

لأ بعثن إليهم رجلاً كنفسي ينفذ فيهم أمري، فيقتل المقاتلة،ويسبي الذرية» فما راعني إلا وكف عمر في حجزتي من خلفي من يعني؟

فقلت ما إياك ،يعني ولا صاحبك قال فمن يعني ؟

قلت خاصف النعل . قال وعليٌّ يخصف نعلا »(1).

فقول أبي ذر «فما راعني إلا وكف عمر في حجزتي من خلفي من يعني؟» دليل على الرعب والخوف الذي أُحدث لمنع وصول أحاديث الفضائل إلى الناس.

ولم يكن تشدد الخليفة الثاني في منع الأحاديث أيام خلافته فقط، بل إنّ البداية كانت منذ الأيام الأخيرة لحياة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، كما جاء في صحيح البخاري «عَنِ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما - قَالَ لما حُضِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخطاب قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم « هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ ». فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ الله فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَاخْتَصَمُوا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرَّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَها أَكثرُوا اللَّغَوَ وَالاِخْتِلافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و اله وسلم «قُومُوا». قَالَ عُبَيْدُ الله فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم، وَبَيْنَ أَنْ يكتب هُم ذَلِكَ الْكِتَابَ مِن اخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِم»(2).

هذا وإنَّ منع التحدث أو كتابة الأحاديث يُعَدُّ خلاف السنة؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم كان يأمر بالتحدث، وكتابة الحديث كما روى عبد الرزاق «عن معمر عن الحسن أن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم

ص: 83


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 127 ، [ ح . 8457 / 1 ، كتاب الخصائص - ذكر قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم علي كنفسي]
2- جاء في صحيح البخاري: 1056-1057 ، [ ح . 5669 -كتاب المرضى والطب / باب قول المريض قوموا عني]

قال حدثوا عني ولا حرج ولكن من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»(1)

وقال أحمد بن حنبل «حَدَّثَنَا عبد الله، حَدَّثَنِي أبي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ الْأَخْنَسِ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الله ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ، أُرِيدُ حِفْظُهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشُ، فَقَالُوا إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و اله وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و اله وسلم، فَقَالَ «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنّى إِلَّا حَقٌّ»(2). وعلّق عليه شعيب الأرنؤوط قائلاً «إسناده صحیح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الوليد بن عبدالله».

فيفهم من هذا الحديث وغيره أنَّ منع كتابة الحديث وروايته يُعَدُّ مخالفة الله(3) ولرسوله صلى الله عليه و آله وسلم ، ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على المحدّث أنْ يأتي بشاهد، ولكن بعد وفاته صلى الله عليه و آله وسلم لم يقبلوا بحديث الصحابي، فَزَرَعُوا التشكيك بالرواية التي يرويها الصحابي لوحده كي يُضَعَّفُوا ما تتناقله الصحابة من أحاديث الولاية، ولم يطلبوا منه أن يحلف اليمين على صدق ما يقول، بل كان يُطَالب بإحضار شاهدٍ يُصَدِّقُه على صحَّة ما سمع من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وهناك شواهد كثيرة على ذلك، فمن شواهد هذه المسألة ما رواه أحمد بن حنبل بسنده «عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ جَاءَتْ الْجُدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ مَا أَعْلَمُ لَكِ فِي كِتَابِ اللهِ شَيْئًا وَلَا أَعْلَمُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم مِنْ شَيْءٍ حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ فَسَأَلَ فَقَالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم جَعَلَ لَهَا السُّدُسَ.

ص: 84


1- المصنف لعبد الرزاق : 243/10 [ باب الكذب على النبيّ صلى الله عليه و اله وسلم / ح . 20661]
2- مسند أحمد بن حنبل : 2 /220 [2 / 162]، [مسند عبد الله بن عمر بن العاص / ح. 6517]
3- قال الله تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» [الحشر: 7]، وقال تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى»«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى»[ النجم : 1 - 5 ]

فَقَالَ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ أَوْ مَنْ يَعْلَمُ مَعَكَ؟

فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَنْفَذَهُ لَهَا»(1). وعلَّق عليه شعيب الأرنؤوط قائلاً «الحديث صحيح بشواهده».

ومن شواهدها أيضاً مارواه مسلم بسنده «عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ كُنَّا فِي مَجْلِسِ عِنْدَ أَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَأَتَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مُغْضَبًا حَتَّى وَقَفَ ، فَقَالَ أَنْشُدُكُمُ الله هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ الإِسْتِئذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ؟

قَالَ أُبَيٌّ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمْسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لي، فَرَجَعْتُ، ثُمَّ جِئتُهُ الْيَوْمَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَن جِئْتُ أَمْس فَسَلَّمْتُ ثَلَاثًا، ثُمَّ انْصَرَفْتُ. قَالَ قَدْ سَمِعْنَاكَ وَنَحْنُ حِينَئِذٍ عَلَى شُغْلِ، فَلَوْ مَا اسْتَأْذَنْتَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَالَ اسْتَأْذَنْتُ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ فَوَالله لَأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ، وَبَطْنَكَ، أَوْ لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَوَاللَّهُ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَحْدَتُنَا سِنَّا، قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ هَذَا»(2).

وروى مسلم أيضا بسنده «عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْعُولًا، فَرَجَعَ ، فَقَالَ عُمَرُ أَلَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ الله بْنِ قَيْسٍ ائذَنُوا لَهُ؟ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا. قَالَ لَتُقِيمَنَّ عَلَى هَذَا بَيْنَةً أَوْ لَأَفْعَلَنَّ فَخَرَجَ فَانْطَلَقَ إِلَى تَجْلِس مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا. فَقَامَ أَبو سَعِيدٍ، فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا فَقَالَ عُمَرُ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ

ص: 85


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 276[126/2]، [مسند الشاميين / ح. 18003]
2- صحیح مسلم : 24 - 925 [ح . 34 -(2153) - كتاب الآداب / باب الاستئذان]

الله صلى الله عليه و آله وسلم أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ»(1)

ومن الملفت للنظر هنا أنّ الخليفة الأوّل والثاني لا يعتقدان بعدالة الصحابة، فهما قد أسقطا نظرية عدالة الصحابة التي يقول بها علماء السلفية، وأسقطا نظرية علماء الجرح والتعديل التي تعتبر قول الصحابي حجة، فالصحابي إذا روى رواية لابد أن يأتي للخليفة الأوّل أو الثاني بشاهد على صدق قوله ، وإلا يُضْرَب !، فالصحابي أبو موسى في هذه الرواية مثلاً ليس بحجة عند الخليفة الثاني، وأما علماء الجرح والتعديل، فيخالفون الخليفة الأول والثاني في هذه المسألة، ويعتبرون قوله لوحده حجة.

هذا وقد اسْتَمَرُّوا على هذه الفتوى المانعة من رواية، وتدوين أحاديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حتّى عصر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز حيث رفع الحضر، وأمر بتدوين حديث الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، فكانت البذرة الأولى في تدوين الحديث تحت إشراف النظام الأموي، فاتَّخذت منهجية البحث الحديثي طابع الفكر الأموي الذي كانت مواقفه معروفة اتّجاه أمير المؤمنين علیه السلام ، وأهل البيت علیهم الیلام والتشيع، لذا شَدَّدوا على منع روايات فضائل أهل البيت الا وأطلقوا العنان في مدح مخالفيهم.

ص: 86


1- صحیح مسلم : 925 [ح . 36 - (2153) - كتاب الآداب / باب الاستئذان]

الصحابة الشيعة

اشارة

حرص النبي محمد النبيُّ محمد صلى الله عليه و آله وسلم على وضع بعض الدلائل والعلامات التي تدلُّ على المذهب الحق والاتجاه السليم، بعد وفاته مضافاً إلى ما تقدَّم مِن الأحاديث التي تنادي بالتشيع لعليٍّ وأهل البيت عليهم السلام، فخصَّ بعض الصحابة المتشيعين بعلامات تنير الدرب أمام المشككين والحائدين عن طريق الهداية، ومن هذه العلامات ما ذكره صلى الله عليه و آله وسلم في شأن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما« وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ « قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِالله مِنَ الْفِتَنِ »(1).

وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم «تَقْتُلُ عَمارًا الْفِتَةُ الْبَاغِيَةُ»(2).

وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم «من عادى عمارًا عاداه الله ومَن أبغض عمارًا أبغضه الله»(3).

وقد اهتدى بعض الحائرين بهذه الأحاديث كما روى عمارة بن خزيمة بن ثابت قال شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفاً. وشهد صفين ولم يقاتل وقال لا أقاتل يقتل عمار فأنظر من يقتله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «يقول تقتله الفئة الباغية» «فلما قتل عمار قال خزيمة ظهرت لي الضلالة. ثم تقدم فقاتل حتَّى قُتِل(4). فقد تيقّن

ص: 87


1- صحيح البخاري: 98 [ح . 447 / باب التعاون في بناء المسجد- كتاب الصلاة]
2- صحیح مسلم : 1212 [ كتاب الفتن وأشراط الساعة / باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل / ح . (3-2916)]
3- صحيح الجامع الصغير : ج 1 / ص 294، ح . 6386 . و ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم : 6386 ، وقال : (صحيح)
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري : 4 / 127 [ باب العين والميم / 3804- عمار = بن ياسر]

خزيمة بن ثابت الملَّقب بذي الشهادتين، وزال عنه الشكّ بالعلامة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بأنَّ عمار تقتله الفئة الباغية، فجاهد ضد هذه الفئة حتّى استشهد.

وقد كان عماراً بن ياسر رضي الله تعالى عنهما، ينادي إلى التشيع؛ ويدعو المسلمين إليه رغم القيود الشديدة المفروضة آنذاك على الحديث، فقد روى الحاكم النيسابوري بسنده عن علي بن الحزور قال سمعت أبا مريم الثقفي يقول سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول لعلي «يا عليُّ طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذَّب فيك» [قال الحاكم] هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه(1).

وكان عمار رضي الله تعالى عنه يحفّز الأبطال في معركة صفين ويشجعهم على القتال والتفاني، أمثلة ذلك قوله لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص(2) يا هاشم تَفِرُّ مِن الجنة؟! ومن الجنة تحت البارقة . اليوم ألقى الأحبة محمدًا وحزبه، والله لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حقٌّ وأنهم على الباطل(3).

ولقد ذكر بعض المؤرخين أسماء بعض الصحابة الشيعة؛ فقالوا تخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع عليّ بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد

ص: 88


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 1346/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام ، ح. 4715]
2- ويُلَقَّب هاشم هذا بالمرقال وكان من الشجعان الأبطال والفضلاء الأخيار وكانت معه الراية في صفين وهو على الرجالة، فقطعت رجله يومئذ وجعل يقاتل من دنا منه وهو بارك ويرتجز ويقول: «الفحل يحمي شوله معقولا»، وقاتل حتى قتل
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 4 / 126 [ باب العين والميم / 3804- عمار بن ياسر ]

بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب(1). فكلُّ هؤلاء من الصحابة الشيعة. ونذكر هنا بعض الصحابة الذين اشتهروا بتشيعهم لعليٍّ

عمار بن ياسر

«عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب المذحجي ثم العنسي أبو اليقظان، وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام وهو حليف بني مخزوم. وأمه سمية وهي أول من استشهد في سبيل الله عز وجل وهو وأبوه وأمه من السابقين. وكان إسلام عمار بعد بضعة وثلاثين. وهو ممن عُذب في الله ... واستعمله عمر بن الخطاب على الكوفة وكتب إلى أهلها أما بعد فإني قد بعثت إليكم عمارًا أميرًا وعبد الله بن مسعود وزيرًا ومعلمًا وهما من نجباء أصحاب محمد فاقتدوا بهما، ولما عزله قال له أساءك العزل ؟ قال والله لقد ساءتني الولاية وساءني العزل . ثم إنه بعد ذلك صحب عليَّا رضي الله عنهما وشهد معه الجمل وصفين، فأبلى فيهما ما قال أبو عبد الرحمن السلمي شهدنا صفين مع علي فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا وادٍ من أودية صفين إلا رأيت أصحاب النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم لا يتبعونه كأنه علم لهم قال وسمعته يومئذ يقول لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص يا هاشم تفرّ من الجنة ! الجنة تحت البارقة اليوم ألقى الأحبة محمدًا وحزبه، والله لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حقّ وأنهم على الباطل.

ص: 89


1- تاريخ اليعقوبي لأحمد بن إسحاق اليعقوبي البغدادي: 2 / 184 [خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر]، وينظر : تاريخ أبي الفداء (المسمى المختصر في أخبار البشر ) : 219/1 [سنة 11ه]، وينظر: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي لعبد الملك الشافعي: 2/ 332، [خلافة أبي بكر الصديق ]

وقال أبو البختري قال عمار بن ياسر يوم صفين ائتوني بشربة. فأتي بشربة لبن فقال إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال «آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن» وشربها ثم قاتل حتى قتل وكان عمره يومئذ أربعا وتسعين سنة، وقيل ثلاث وتسعون وقيل إحدى وتسعون... ولما قتل عمار قال «ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم»(1).

أم سلمة أم المؤمنين

من الصحابيات المتشيعات اللاتي كُنَّ يُبَلِّغْنَ للتشيع ويأمُرْنَ النَّاس به الصحابية أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ومن الشواهد التي تدلُّ على أنها كانت تتشيع وتأمر بالتشيع ما رواه الحاكم؛ فقال:

«حدثني أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي من أصل كتابه حدثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري حدثنا عبد الله بن صالح الأزدي حدثني محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن سعيد بن مسلم الملكي عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت لما سار عليٌّ إلى البصرة دخل على أم سلمة زوج النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت سر في حفظ الله وفي كنفه، فو الله إنك لَعَلَى الحق، والحق معك، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله، فإنه أمرنا صلی الله علیه و آله وسلم أن نقر في بيوتنا لسرتُ معك، ولكن والله لأرسلَن معك مَن هو أفضل عندي وأعزُّ عليَّ مِن نفسي ابني عمر.

[قال الحاكم] هذه الأحاديث كلها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(2).

وفي الهامش وافقه الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.

ص: 90


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 4 / 122، 126، 127 [باب العين والميم / 3804 - عمار بن ياسر ]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3/ 332 - 333 [كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام ، ح . 4669]

وكانت أم سلمة رضي الله تعالى عنها تستشهد بأحاديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم التي تنادي

بالتشيع لعليٍّ علیه السلام ، ومن شواهد هذا ما رواه الحاكم النيسابوري فقال:

«أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد، حدثنا أحمد بن محمد بن نصر، حدثنا عمرو بن طلحة القناد الثقة المأمون، حدثنا علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه، قال حدثني أبو سعيد التيمي، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال كنت مع عليٍّ علیه السلام يوم الجمل، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر، فقاتلت مع أمير المؤمنين، فلما فرغ ذهبت إلى المدينة، فأتيت أم سلمة فقلت إني والله ما جئت أسأل طعامًا ولا شرابًا ولكني مولى لأبي ذر، فقالت مرحبًا، فقصصت عليها قصتي فقالت أين كنت حين طارت القلوب مطائرها؟ قلت إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس. قالت أحسنت سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول «عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليٍّ لن يتفرقا حتى يردا علىَّ الحوض»

[ قال الحاكم]هذا حديث صحيح الإسناد وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون ولم يخرجاه»(1). وفي الهامش «وافقه الذهبي في التلخيص صحيح».

وهذا الحديث شبيه بحديث الثقلين الذي تقدم ذكره، وهو قوله صلى الله عليه و آله وسلم «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحُوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِ فِيهِمَا».

قَالَ [الترمذي] هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ(2).

ص: 91


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3/ 337 [كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام ، ح. 4686]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 1503/4 [كتاب المناقب / :باب: مناقب أهل بيت البني صلى الله عليه و آله وسلم ح = 3788]

وعلَّق الألباني على هذا الحديث قائلاً صحيح

كذلك صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة(1) .

«و عن أم سلمة أنها كانت تقول «كان عليٌّ على الحق مَن اتَّبعه اتَّبع الحق ومَن تركه ترك الحق عهد معهود قبل يومه هذا» [ قال الهيثمي ] رواه الطبراني وفيه مالك بن جعوبة، ولم أعرفه، وبقية أحد الإسنادين ثقات»(2) .

مَيْمُونة أم المؤمنين

من الصحابيات المتشيعات اللاتي كُنَّ يبلغن للتشيع ويأمرنَ الناس به الصحابية ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ، ومن شواهد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة

«حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ حَدِّثه عن مَيْمُونَةَ، قَالَت للَمَّا كَانَتِ الْفُرْقَةُ قِيلَ لَيْمُونَةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ عَلَيْكُمْ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَوَ اللهِ مَا ضَلَّ، وَلا ضُلَّ بِهِ»(3).

و ما رواه الحاكم النيسابوري

«حدثنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمد بن عيسى بن السكن، حدثنا الحارث بن منصور، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن جري بن كليب العامري قال لما سار على إلى صفين كرهت القتال، فأتيت المدينة، فدخلت على ميمونة بنت الحارث فقالت «ممن أنت؟» قلت من أهل الكوفة، قالت «من أيهم؟» قلت من بني عامر، قالت «رحباً

ص: 92


1- السلسلة الصحيحة للألباني: ح. 1761
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 129/9، [ح. 14768]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 26 / 374 [ح. 32104/ فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام ]

على ،رحب، وقرباً على قرب تجيء ما جاء بك ؟» قال قلت سار عليٌّ إلى صفين وكرهت القتال فجئنا إلى ها هنا قالت «أكنتَ بايعته؟» قال قلتُ نعم، قالت «فارجع إليه، فكُن معه، فو الله ما ضَلَّ ولا ضُلَّ بِهِ» [قال الحاكم] «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » [ وفي الهامش] وافقه الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم»(1).

عبد الله بن عباس

من الصحابة الشيعة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال ابن عبد البر «شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنهما الجمل وصفين والنهروان»(2).

وروى أحمد بن حنبل بسنده «عن أبي صالح قال لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب»(3).

وقد كان ابن عباس يدعو الناس إلى التشيع ويروي الأحاديث التي تدعو إلى اتباع عليّ علیه السلام وتبيّن مكانته العالية، ومنزلته الرفيعة، ومن شواهد ذلك ما رواه الحاكم بسنده عن عمرو بن ميمون قال إني لجالس عند ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال فقال ابن عباس بل أنا أقوم معكم، قال وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال فابتدؤوا فتحدثوا، فلا ندري ما قالوا قال فجاء ينفض ثوبه ويقول أفٍ وتفٍ وقعوا في رجل له بضع عشرة

ص: 93


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 351/3 - 1352 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام، ح. 4738]
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 70/3 [باب حرف العين/ عبد الله بن عباس الهاشمي]
3- فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل [فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ]: 336، [ح. 336]

فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم «لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» . فاستشرف لها مستشرف فقال أين علي؟ «فقالوا إنه في الرحى يطحن ، قال «وما كان أحدهم ليطحن»، قال فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر، قال فنفث في عينيه، ثم هزّ الراية ثلاثاً فأعطاها إياه، فجاء علي بصفية بنت حيي ، قال ابن عباس ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فلاناً [ أبا بكر ] بسورة التوبة، فبعث عليّاً خلفه فأخذها منه، وقال « لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه»، فقال ابن عباس وقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم لبني عمه «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة »؟ «قال وعليٌّ جالس معهم، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأقبل على رجل منهم ، فقال «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة »؟ فأبوا، فقال لعلي علیه السلام «أنت وليي في الدنيا والآخرة »، قال ابن عباس وكان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنها، قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ثوبه فوضعه على عليٍّ وفاطمة وحسن وحسين وقال «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» ، قال ابن عباس وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ثم نام في مكانه قال ابن عباس وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فجاء أبو بكر وعلي نائم، قال وأبو بكر يحسب أنه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، قال فقال يا نبي الله، فقال له عليّ: «إن نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه» ، قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال وجُعِلَ عليٌّ يُرْمَي بالحجارة كما كان رمي نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم وهو يتضور، وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف عن رأسه فقالوا إنك للئيم وكان صاحبك لا يتضور ونحن نرميه وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك، فقال ابن عباس وخرج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في غزوة تبوك وخرج بالناس معه ، قال فقال له علي علیه السلام أخرج معك ؟ قال فقال النبيُّ صلى الله عليه و آله وسلم لا . فبكى عليٌّ، فقال له أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي، قال ابن عباس وقال له

ص: 94

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة»، قال ابن عباس وسد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أبواب المسجد غير باب عليّ، فكان يدخل المسجد جنباً، وهو طريقه ليس له طريق غيره. قال ابن عباس وقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «من كنت مولاه، فإن مولاه علي»... [وفي الهامش ] قال الذهبي في التلخيص صحيح.(1)

عبيد الله بن العباس

عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ... وقال يعقوب بن شيبة يعد في أجزاء الطبقة الذين رأوا النبي صلى الله عليه و آله وسلم ولم يحفظوا عنه شيئًا وكان سخيا جوادًا استعمله عليٌّ على اليمن وحج بالناس سنة 36 وسنة 37 ومات بالمدينة سنة سبع وثمانين فكأنه عاش بضعاً وثمانين سنة »(2)

قثم بن العباس

«قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي... آخر الناس عهداً بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم قثم بن العباس، وكان قثم بن العباس واليًا لعلي بن أبي طالب على مكة... فلم يزل واليا عليها حتى قتل عليٌ»(3).

أبو ذر الغفاري

من الصحابة الشيعة الأوائل أبو ذر الغفاري الذي كان يدعو الناس لعليٍّ علیه السلام

ص: 95


1- المستدرك على الصحيحين : 3/ 345[. 4710 / كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي]
2- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 382/5 ، [4433 - حرف العين من اسمه عبيد الله مصغَرًا]
3- الاستیعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 363/3 [باب الأفراد في حرف القاف / 2190- قثم بن العباس الهاشمي]

ويحثهم على التشيع، ومن شواهد ذلك ما رواه الحاكم بسنده «عن حنش الكناني قال سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم « ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» . [ ثمَّ علّق الحاكم على هذا الحديث قائلاً]هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(1) .

وروى الحاكم أيضاً بسنده «عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :

«من أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع عليًّا فقد ،أطاعني، ومَن عصى عليًّا فقد عصاني» . [ قال الحاكم] هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. [ وفي هامش الصفحة ] قال الذهبي في التلخيص صحيح.(2)

وروي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعليٍّ يا عليُّ من فارقني فارق الله ومَن فارقك يا علي فارقني». [ قال الهيثمي ] رواه البزار ورجاله ثقات»(3)

وروى النسائي بسنده عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي ينفذ فيهم أمري، فيقتل المقاتلة، ويسبي الذرية فما راعني إلا وكف عمر في حجزتي من خلفي من يعني؟

فقلت ما إياك يعني، ولا صاحبك قال فمن يعني؟

ص: 96


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 361 [ح .4778 - كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب أهل بيت رسول الله علیهم السلام]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 334 [ح. 4675 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ]
3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 9 / 130، [ح . 14771 - كتاب المناقب]

قلت خاصف النعل . قال وعليٌّ يخصف نعلا(1). فقول أبي ذر «فما راعني إلا وكف عمر في حجزتي من خلفي من يعني؟» دليل على الرعب والخوف الذي أُحدِث ! ، لمنع وصول أحاديث الفضائل، ولكن أبا ذر لم يخف وأجاب بكل شجاعة «ما إيَّاك يعني، ولا صاحبك»، فكانت هذه الأحاديث ونحوها التي أشاعها أبو ذر سبباً في نفيه إلى الشام في زمن عثمان ثمّ إلى الربذة.

أسيد بن ثعلبة الأنصاري

«أسيد بن ثعلبة الأنصاري شهد بدرًا وشهد صفين مع علي بن أبي طالب [علیه السلام]»(2) .

أبو أيوب الأنصاري

«خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة أبو أيوب الأنصاري النجاري من بني غنم بن مالك بن النجار غلبت عليه كنيته ... شهد العقبة وبدرًا وسائر المشاهد وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في خروجه من بني عمرو بن عوف حين قدم المدينة مهاجرًا من مكة فلم يزل عنده حتى بنى مسجده في تلك السنة وبنى مساكنه ثم انتقل صلى الله عليه و آله وسلم إلى مسكنه... وكان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب في حروبه كلّها »(3). وعينه علي بن أبي طالب علیه السلامعاملاً على المدينة(4) .

ص: 97


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 127 ، [ا ح . 8457 / 1 ، كتاب الخصائص - ذكر قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم علي كنفسي]
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 186/1 [ باب حرف الألف / 55 - أسيد بن ثعلبة الأنصاري]
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 2/ 9 - 10 [ باب حرف الخاء / 618- خالد بن زيد]
4- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 1 / 244 [باب حرف الباء / 175-بسر بن أرطاة القرشي]
حُبْشِيَ بْن جُنَادَةَ

حبشي بن جنادة بن نصر بن أسامة بن الحارث بن معيط بن عمرو بن جندل بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن... أسلم حبشي وصحب النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وشهد مع عليٍّ مشاهده.

قال أخبرنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن قرة بن عبد الله السلولي قال عاد حبشي بن جنادة رجل فقال ما أتخوف عليك إلا مسيرك مع علي. قال ما من عملي أرجي عندي منه »(1)

وكان حبشي بن جنادة يُبلّغ للتشيع، ومن شواهد ذلك ما رواه الترمذي «حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَرِيكَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُبْنِي بْن جُنَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم «عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ». قَالَ [الترمذي] هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ»(2).

سلمان الفارسي

سئل عليّ بن أبي طالب علیه السلام عن سلمان رضي الله تعالى عنه، فقال «علم العلم الأول

والآخر بحر لا ينزف وهو منا أهل البيت هذه رواية أبي البختري عن عليّ»(3).

ص: 98


1- الطبقات الكبرى لابن سعد : 111/6 [طبقات الكوفيين تسمية من نزل الكوفة من أصحاب رسول الله / 1892 - حبشي بن جنادة]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 474 ، [ح. 3719 / كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 2 / 196 [باب حرف السين / 1019- سلمان الفارسي]
عبد الرحمن بن حنبل

«عبد الرحمن بن حنبل الجمحي مولاهم أخو كلدة... وقال العلائي عن مصعب كان عبد الرحمن شاعرًا هجَّاء فبلغ عثمان أنه هجاه بالأبيات التي يقول فيها :

أحلفُ بالله ربِّ العبادِ***ما خَلَقَ اللهُ شيئًا سُدَى

وفي رواية جهد اليمين بدل رب العباد

وَلكن خُلِقْتَ لنافِتْنَةً***لكي نَبْتَلي بكَ أو تُبْتَلى

دَعَوْتَ الطريدَ فَأَدْنَيْتَه***خِلافًا لما سَنَّه المصطفى

ومالاً أتاكَ بِهِ الأَشْعَرِيّ***مِنَ الْفَي أَعْطَيْتَه مَن دَنَا

وإِنَّ الْأَمِيْنَيْنِ قَدْ بَيَّنَا***مَنَارِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ الهُدَى

فأمر به فحبس بخيبر وأنشد المرزباني في معجم الشعراء أنه قال وهو في السجن:

إلى الله أشكو لا إلى الناس ما عدا***أَبَا حَسَنٍ غُلَّا شَدِيدًا أُكَابِدُهُ

بِخَيْبَر فِي قَعْرِ الغَمُوضِ كَأَنَّهَا***جَوَانِبُ قَبْرٍ أَعْمَقَ اللَّحْدَ لاحِدُهُ

أَ إِنْ قُلْتُ حقًا أَوْ نَشَدْتُ أَمَانَةَ***قُتِلْتُ؟ فَمَنْ لِلْحَقِ إِنْ مَاتَ نَاشِدُهُ

وقيل إِنَّ عَلِيًّا كلَّم عثمان فيه فأطلقه، وشهد هو الجمل، مع علي ثم صفين، فقتل بها »(1).

خبَّابُ بنُ الأَرَتُ

«خَيَّابُ بْنُ الْأَرَتْ بَدْرِيٌّ مُهَاجِرِي أَوَّلِيٌّ، سَادِسُ الْإِسْلَام مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينِ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الله، وَكَانَ مِنَ المُعَذَّبِينَ في الله... تُوُفِّيَ مُنْصَرَفَ عَلِيٍّ مِنْ صِفِّينَ إِلَى الْكُوفَةِ

ص: 99


1- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: 3/ 328 - 329 [حرف العين المهملة: 5106 - عبد الرحمن بن حنبل]

سَنَةَ سَبْع وَثَلَاثِينَ. أَوَّلُ مَنْ قُبِرَ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً »(1).

قال الذهبي «خَبَّابُ بنُ الأَرَتْ بنِ جَنْدَلَةَ بنِ سَعْدِ التَّمِيمِيُّ ... قِيْلَ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ . وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ، بَلْ مَاتَ بِالكُوْفَةِ، سَنَةَ سَبْعِ وَثَلَاثِيْنَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَليٌّ . وَقِيلَ عَاشَ ثَلاثاً وَسَبْعِينَ سَنَةً. نَعَمْ، الَّذِي مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ هُوَ خَبَّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بنِ غَزْوَانَ ، صَحَابِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ أَيْضاً»(2).

عائد بن سعيد

«عائد سعيد بن زيد بن جندب بن جابر بن عبد الحارث بن بغيض الجسري حي من عنزة بن ربيعة كان فيمن وفد على النبي صلى الله عليه و آله وسلم وقتل مع عليٍّ بصفين سنة وثلاثين»(3).

زيد بن أرقم الخزرجي

«زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن الأغر بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، من بني الحارث بن ... وروينا عنه من وجوه أنه قال غزا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تسع عشرة غزوة غزوت منها معه سبع عشرة غزوة. ويقال إنَّ أول مشاهده المريسيع يعد في الكوفيين نزل الكوفة وسكنها وابتنى بها داراً في كندة وبالكوفة كانت وفاته، في سنة ثمان وستين...وشهد زيد بن الأرقم مع عليٍّ علیه السلام صفين وهو معدود في خاصة

ص: 100


1- معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني: 2/ 169 [ باب الخاء / 789- خباب بن الأرت]
2- سير أعلام النبلاء للذهبي : 4 / 5 [158- خباب بن الأرت بن جندلة]
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري : 3/ 145 [ باب العين والألف/ 2751 - عائذ بن سعيد]

اصحابه»(1).

هاشم بن عتبة المرقال

«هاشم بن عتبة بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص يكنى أبا عمرو ويعرف بالمرقال.

نزل الكوفة أسلم يوم الفتح. وكان من الشجعان الأبطال والفضلاء الأخيار. فُقِئت عينه يوم اليرموك بالشام. وهو الذي فتح جلولاء من بلاد الفرس وهزم الفرس وكانت جلولاء تسمى فتح الفتوح بلغت غنائمها ثمانية عشر ألف ألف. وشهد صفين مع عليّ علیه السلام وكانت معه الراية. وهو على الرجالة وقتل يومئذ وفيها يقول الرجز:

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفل أو يفلا

فقطعت رجله يومئذ وجعل يقاتل من دنا منه وهو بارك ويقول الرجز:

الفحل يحمي شوله معقولا

وقاتل حتى قتل وفيه يقول أبو الطفيل عامر بن واثلة الرجز :

يا هاشم الخير جزيت الجنة***قاتلت في الله عدوّ السُنّه

وكانت صفين سنة سبع وثلاثين»(2).

ص: 101


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 2/ 109 - 110 [باب حرف الزاي / 842- باب زيد]
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري 353/5 [ باب الهاء / 5328- هاشم بن عتبة ]
سعد بن الحارث بن الصمة

«سعد بن الحارث بن الصمة ... صحب النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وشهد مع عليٍّ صفين وقتل يومئذ وهو أخو جهيم بن الحارث بن الصمة»(1).

عبد الله بن بديل بن ورقاء

«عبد الله بن بدیل بن ورقاء بن عبد العزى بن ربيعة الخزاعي. أسلم مع أبيه قبل

الفتح، وشهد حنيناً والطائف. وكان سيد خزاعة، وخزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم . وقيل بل هو وأخوه من مسلمة الفتح، والصحيح انه أسلم قبل الفتح وشهد حنيناً والطائف وتبوك قاله الطبري وغيره.

وكان له قدر وجلالة. قتل هو وأخوه عبد الرحمن بن بديل بصفين، وكان يومئذ على رجالة عليٍّ . كان من وجوه الصحابة ... قال الشعبي كان عبد الله ابن بديل في صفين عليه درعان وسيفان، وكان يضرب أهل الشام ويقول:

لم يبقَ إلا الصبُر والتوكل***ثم التمشي في الرعيل الأول

مشيَ الجمال في حياض المنهل***والله يقضي ما يشا ويفعل

فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه، وأزال أصحابه الذين كانوا معه، وكان مع معاوية يومئذ عبد الله بن عامر واقفاً، فأقبل أصحاب معاوية على ابن بديل يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه، وقتل . فأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر فألقى عليه عبد الله بن عامر عمامته غطى بها وجهه، وترحم عليه، فقال معاوية اكشفوا عن وجهه، فقال له ابن عامر والله لا يُمثل به وفي روح، وقال معاوية اكشفوا عن وجهه، فقد وهبناه لك. ففعلوا، فقال معاوية هذا كبش القوم ورب الكعبة، اللهم

ص: 102


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 151/2 [ باب حرف السين / 926 - باب سعد]

أظفر بالأشتر، والأشعث بن قيس، والله ما مثل هذا إلّا كما قال الشاعر:

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها***وإن شمّرت يوماً به الحرب شمّراا

کلیثِ هزبر كان يحمي ذماره***رمته المنايا قصدها فتقطّراا

ثم قال معاوية إن نساء خزاعة لو قدرت أن تقاتلني فضلاً عن رجالها لفعلت»(1).

عبد الرحمن بن بديل بن ورقاء

«عبد الرحمن بن بديل بن ورقاء الخزاعى قال ابن الكلبي كان هو وأخوه عبد الله رسولي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى أهل اليمن وشهدا جميعاً صفين»(2).

سهيل بن عمرو الأنصاري

«سهيل بن عمرو بن أبي عمرو الأنصاريذكره ابن الكلبي فيمن شهد صفين من البدريين، فقال سهيل بن عمرو الأنصاري شهد بدراً وقتل مع علي بن أبي طالب [علیه السلام ] بصفين»(3).

الفاكه بن سعد الأنصاري

«الفاكه بن سعد بن جبير بن عنان بن عامر بن خطمة الأنصاري الأوسي الخطمي أبو عقبة. وهو جد عبد الرحمن بن سعد بن الفاكه...وكانت له صحبة...قال الكلبي:

ص: 103


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 9/3[ باب حرف العين / 1489 - باب عبد الله ]
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 2 / 367 [ باب حرف العين/ 1400 - باب عبد الرحمن]
3- الاستیعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر القرطبي : 229/2 [ باب حرف السين/ 1110 - سهيل بن عمرو الأنصاري]

هو مهاجري شهد صفين مع عليٍّ وقتل بها »(1).

ثابت بن عبيد الأنصاري

ثابت بن عبيد الأنصاري شهد بدراً، وشهد صفين مع علي بن أبي طالب [علیه السلام] وقتل بها »(2).

عمرو بن الحمق الخزاعي

«عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن

سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي هاجر إلى النبي صلى الله عليه و آله بعد الحديبية وقيل بل أسلم عام حجة الوداع والأول أصح، صحب النبي صلى الله عليه و آله وحفظ عنه أحاديث... انتقل من مصر إلى الكوفة... سقى النبي صلى الله عليه و آله فقال «اللهم متعه بشبابه». فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء... وكان ممن سار إلى عثمان بن عفان أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا وصار بعد ذلك من شيعة عليٍّ وشهد معه مشاهده كلّها الجمل وصفين والنهروان.

وأعان حجر بن عدي وكان من أصحابه فخاف زيادًا فهرب من العراق إلى الموصل... أنبأنا أبو منصور بن مكارم بإسناده... قال أول رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق إلى معاوية»(3).

ص: 104


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري : 4 / 332 - 333 [ باب الفاء / 4198 - الفاكه بن سعد الأنصاري]
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر القرطبي: 279/1 [ باب حرف الثاء / 259 - ثابت بن عبيد الأنصاري]
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 4 / 2015 - 206 [ باب العين والميم / 3912- عمر بن الحمق الخزاعي]، وينظر:الطبقات الكبرى لابن سعد : 101/6 - 102 [ طبقات = الكوفيين تسمية من نزل الكوفة من أصحاب رسول الله النبي صلى الله عليه و آله/ 1860 - عمرو بن الحمق]
أنس بن الحارث

«أنس بن الحارث روى عنه سليم والد أشعث بن سليم عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في قتل الحسين، وقتل مع الحسين علیه السلام»(1).

«أنس بن هزلة. وفد إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ... قال أبو أحمد العسكري أنس بن هزلة ويقال أنس بن الحارث له صحبة قتل مع الحسين بن عليّ علیهما السلام، وهذا أنس بن الحارث قد تقدم ذكره ؛ فلا أعلم أهما واحد أم اثنان وأبو أحمد عالم فاضل لو لم يعلم أنهما واحد لما قاله، وما أقرب أن يكونا واحدًا ؛ لأنه قد ذكر في أنس بن الحارث أنه قتل مع الحسين والله أعلم»(2).

سُلَيْمَانُ بنُ صُرَدِ

«سلَيْمَانُ بنُ صُرَدٍ أَبو مُطَرْفِ الخَزَاعِيُّ الكُوفِيُّ الأَمِيرُ، أَبو مُطَرْفِ الخَزَاعِيُّ، الكُوفِيُّ، الصَّحَابِيُّ.

لَهُ رِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ ... قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ كَانَ مِمَّنْ كَاتَبَ الْحُسَيْنَ لِيُبَايِعَهُ، فَلَمَّا عَجِزَ عَنْ نَصْرِهِ نَدِمَ، وَحَارَبَ.

قُلْتُ كَانَ دَيناً، عَابِداً، خَرَجَ فِي جَيشِ تَابُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ خِذْلانِهِمُ الحُسَيْنَ الشَّهِيدَ، وَسَارُوا لِلطَّلبِ بِدَمِهِ، وَسُمُّوا جَيْشَ التَّوَّابِينَ... حَضَ سُلَيْمَانُ عَلَى الْجِهَادِ؛ وَسَارَ فِي أُلُوفٍ حِرْبِ عُبَيْدِ الله بنِ زِيَادٍ، زِيَادٍ، وَقَالَ إِنْ قُتِلْتُ، فَأَمِيرُكُمُ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ، وَالْتَقَى

ص: 105


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 1 / 201 [ باب حرف الألف / 88- أنس بن الحارث ]
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 1/ 301 [ باب الهمزة والنون وما يثلثهما / 264 - أنس بن هزلة]

الجَمْعَانِ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ فِي جَيشٍ عَظِيمٍ، فَالْتَحَمَ القِتَالُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الفَرِيقَيْنِ. وَاسْتَحَرَّ القَتْلُ بِالتَّوَّابِينَ شِيْعَةِ الحُسَيْنِ، وَقُتِلَ أُمَرَاؤُهُم الأَرْبَعَةُ؛ سُلَيمانُ، وَالمُسَيَّبُ، وَعَبْدُ الله بنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ وَالِي، وَذَلِكَ بِعَيْنِ الوَرْدَةِ، الَّتِي تُدْعَى رَأْسَ العَيْنِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ»(1). وذكر ابن حبان أن عددهم كان «تسعة آلاف من أصحاب الحسين، فتلقاهم عبيد الله بن زياد في أهل الشام فقتلهم عن آخرهم»(2).

أبُو الطُّفَيْل

«أَبُو الطَّفَيْل عَامِرُ بنُ وَايْلَةَ اللَّيْنِيُّ الكِنَانِيُّ خَاتَمُ مَنْ رَأَى رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم في الدُّنْيَا ... وَاسْمُ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرُ بنُ وَايْلَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو اللَّيْنِيُّ، الكِنَانِيُّ، الحِجَازِيُّ، الشَّيْعِيُّ ، كَانَ مِنْ شِيعَةِ الإِمَام عَليٍّ.

مَوْلِدُهُ بَعْدَ الهِجْرَةِ ... وَقِيْلَ إِنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ كَانَ حَامِلَ رَايَةِ الْمُخْتَارِ ما ظَهَرَ بِالعِرَاقِ، وَحَارَبَ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ. وَكَانَ أَبُو الطُّفَيْلِ ثِقَةٌ فِيمَا يَنْقُلُهُ، صَادِقاً، عَالِماً، شَاعِراً، فَارِساً، عُمِّر دَهراً طويلاً، وَشَهِدَ مَعَ عَليٍّ حُرُوبَهُ»(3).

عمار بن أبي سلامة

«عمار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران بن رأس بن دالان الهمداني ثم الدالاني له إدراك وكان قد شهد مع علي مشاهده وقتل مع الحسين بن عليٍّ بالطف ذكره الكلبي»(4).

ص: 106


1- سير أعلام النبلاء للذهبي : 481/4 - 482 [382- سليمان بن صرد]
2- الثقات لابن حبان : 4 / 240 [رفاعة بن شداد الفتياني]
3- سير أعلام النبلاء للذهبي : 4 / 534 - 535 [319- أبو الطفيل خاتم من رأى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلمفي الدنيا ]
4- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: 4 / 202 [ حرف العين المهملة : 6462 - عمار بن أبى سلامة ]
عدي بن حاتم الطائي

«عدي بن حاتم الطائي أحد بني ثعل، ويكنى أبا طريف. نزل الكوفة وابتنى بها داراً في طيء ولم يزل مع علي بن أبي طالب علیه السلام، ، وشهد معه الجمل وصفين، وذهبت عينه يوم الجمل. ومات بالكوفة زمن المختار سنة ثمانٍ وستين»(1) .

سهل بن حنيف

«سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم من بني جشم بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس ويكنى أبا عديّ. شهد بدراً. وكان عليُّ بن أبي طالب علیه السلام، حين خرج من المدينة ولاه المدينة ثمَّ كتب إليه أن يلحق به، فلحق به ولم يزل ،معه، وشهد معه صفين ثم رجع إلى الكوفة، فلم يزل بها حتى مات سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه عليُّ بن أبي طالب»(2).

قيس بن سعد

«قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ بنِ دُلَيْمِ الأَنْصَارِيُّ ابْنِ حَارِثَةَ بنِ أَبِي حَزِيْمَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ طَرِيْفِ بنِ الْخَزْرَجِ بنِ سَاعِدَةَ بنِ كَعْبِ بنِ الْخَزْرَحِ، الأَمِيرُ، المُجَاهِدُ، أَبو عَبْدِ الله، سَيْدُ الخزرج وَابْنُ سَيِّدِهِم أَي ثَابِتِ الأَنْصَارِيُّ، الخزرجي، السَّاعِدِيُّ، صَاحِبُ رَسُولِ ، الله صلى الله عليه و آله و سلم وَابْنُ صَاحِبِهِ ... قَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ كَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ النَّبِيِّ فِي بَعْضِ مَغَازِيْهِ، وَكَانَ بِمِصْرَ وَالِياً عَلَيْهَا لِعَلِيٍّ .... قَالَ قَيْسُ بنُ سَعْدٍ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله و سلم عَشْرَ سِنِينَ ...

ص: 107


1- الطبقات الكبرى لابن سعد : 6 / 99 [طبقات الكوفيين / تسمية من نزل الكوفة من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم / 1851 - عدي بن حاتم الطائي]
2- الطبقات الكبرى لابن سعد : 93/6-94 [طبقات الكوفيين / تسمية من نزل الكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم / 1829 - سهل بن حنيف ]

كَانَ قَيْسُ بنُ سَعْدِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشَّرْطَةِ مِنَ الأَمِيْرِ ، فَكَلَّمَ أَبُوْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله و سلم فِي قَيْسٍ، فَصَرَفَهُ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى شَيْءٍ، فَصَرَفَهُ... وَذَكَرَ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم اسْتَعْمَلَ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ عَلَى الصَّدَقَةِ...»(1).

«وكان عليُّ بن أبي طالب قد ولاه مصر، ثمّ عزله عنها، فقدم قيس المدينة، ثم لحق عليّاً في الكوفة، فلم يزل معه، وكان على شرطة الخميس...قال محمد بن عمر ر ولم يزل قيس بن سعد مع علي حتَّى قُتِلَ عليٌّ، فصار مع الحسن بن علي، علیهما السلام، فوجهه على مقدمته يريد ،الشام ، ثمَّ صالح الحسن بن عليّ معاوية فرجع قيس إلى المدينة، فلم يزل بها حتى توفي في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان»(2).

أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

«أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم اسمه أسلم كان قبطيًّا عداده في أهل المدينة شهد مع عليٍّ الجمل وصفين، وقد قيل إنَّ اسمه إبراهيم، ويقال يسار، وبعضهم قال هرمز والصحيح أسلم»(3). وقد غلبت عليه ،کنیته اعتقه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وزوجه مولاته سلمی، فولدت له عبيد الله بن أبي رافع(4) .

وما ذكرناه ليس سوى غيض من فيض، والمزيدُ مُتاحٌ للصادِي ولكلِّ مُسْتَزِيْدٍ في ما تضمنته المصادر والمراجع التي دوّنت آثار الصحابة، فذكرواالمتشيعين منهم ككتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة والاستيعاب في معرفة الأصحاب، والإصابة في تمييز

ص: 108


1- سير أعلام النبلاء للذهبي: 4 / 272 - 273 [ 243-قيس بن سعد بن عبادة ]
2- الطبقات الكبرى لابن سعد : 6 / 121 - 122 [طبقات الكوفيين / تسمية من نزل الكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم / 1929 - قيس بن سعد]
3- الثقات لابن حبان : 16/3
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 1 / 215 [باب الهمزة والسين وما يثلثهما 118- أسلم أبو رافع]

الصحابة، وغيرها من مؤلفات أعلام علماء السنة، وقد ألف كاتب أمير المؤمنين علیه السلام عبيد الله بن أبي رافع كتاباً ذكر فيه أسماء الصحابة الذين شاركوا مع أمير المؤمنين علیه السلام الجمل وصفين والنهروان. وقد استفاد من هذا الكتاب بعض علماء السنة الذين ترجموا للصحابة»(1).

ص: 109


1- ينظر على سبيل المثال : أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 506/1 [باب الجيم مع الباء/ 673 - جبر بن أنس]

ص: 110

التشيع في التابعين

اشارة

لقد استمرَّ خطّ التشيع لعليٍّ علیه السلام وأهل بيته إلى التابعين وتابعيهم، فكانوا متفانين في حبِّهم وإخلاصهم لأمير المؤمنين علیه السلام ، ونذكر أسماء بعضهم كشاهد على استمرار هذا المنهج السليم الذي خطه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم للتشيع، وهو منهج سليم لا لبس فيه، وهذا ظاهر من الأحاديث المتقدمة التي ذكرت في حقٌّ عليّ وأهل البيت علیهم السلام ، إضافة إلى ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قد صرح بأحاديث كثيرة في فضل بعض الصحابة أو التابعين المتشيعين لعليٍّ علیه السلام ليجعلها تذكرةً، ودليلاً لمن نسى أو خفي عنه طريق الحق ومنهج الصواب، ومن أمثلة ذلك ما قاله صلى الله عليه و آله وسلم في شأن التابعي أوَيْسُ الْقَرَنِيُّ؛ كما رواه مسلم بإسناده «عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَوَيْسٌ وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ»(1).

وفي رواية أخرى قال الحاكم «حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، حدثنا محمد

بن عبد السلام، حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله ابن أبي الجدعاء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول «يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم». قال الثقفي قال هشام سمعت الحسن يقول «إنه أويس القرني . [ قال الحاكم] صحيح الإسناد ولم يخرجاه.[وفي الهامش] وافقه الذهبي في التلخيص صحيح»(2) .

ص: 111


1- صحیح مسلم: 1070 [ ح . 224 - (2542) - كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم / باب من فضائل أويس القرني ]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 4 / 123 [ ح. 5821 – ذكر مناقب أويس بن عامر القرني]

وكان أُوَيْسُ الْقَرَنِي مِن شيعة علي علیه السلام ، واستشهد في حرب صفين، وكانت هذه الأحاديث الَّتى بَشَّر بها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وأخبر فيها بمنزلة أُوَيْس الْقَرَنِيّ هدايةً لبعض جنود معاوية بن أبي سفيان، فقد روى الحاكم قائلاً «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا أبو نعيم ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لما كان يوم صفين نادى منادٍ من أصحاب معاوية أصحابَ عليٍّ أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم. فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول «خير التابعين أويس القرني»(1).

وقال الهيثمي «عن ابن أبي ليلى قال نادى رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول «إنَّ مِن خير التابعين أويساً». [ قال الهيثمي ] رواه أحمد وإسناده جيد»(2) .

فهذا الحديث يفيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم جعل للمسلمين علامات واضحةً تدهم على موالاة عليٍّ علیه السلام والتشيع له، وتلك حجّة عليهم يوم القيامة؛ قال الله تعالى «مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيرَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» [آل عمران 179].

وقد اشتهر المتشيعون لعليٍّ بالعبادة والتقوى والصلاح، وكانوا يعملون مخلصين لربهم، بخلاف جماعة معاوية بن أبي سفيان، فكانوا أصحاب دنيا؛ قال ابن عبد البر «حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثنا حفص بن غياث،حدثنا الثوري، عن أبي قيس

ص: 112


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 4 / 118 [ ح. 5809 – ذكر مناقب أويس بن عامر القرني]
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 9 / 556 [ ح. 16440 - كتاب المناقب / باب ما جاء في أويس]

الأودي، قال أدركت الناس وهم ثلاث طبقات أهل دين يحبون علياً وأهل دنيا يحبون معاوية وخوارج»(1).

وفيما يلي نذكر بعض التابعين الشيعة كدليل على استمرار منهج التشيع .

محمد بن أبي بكر

«محمد بن عبد الله بن عثمان وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية... ولد في حجة الوداع ... وتزوّج عليٌّ بأمه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبي بكر ... وكان ربيبه في حجره وشهد مع عليٍّ الجمل وكان على الرجالة، وشهد معه صفين، ثم ولاه مصر فقتل بها، ولما وُلّي مصر سار إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا فانهزم محمد ودخل خربة فأُخرج منها وقتل وأُحرق في جوف حمار ميت»(2).

مالك الأشتر

«مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع النخعي الكوفي المعروف بالاشتر. أدرك الجاهلية، وكان من شيعة عليٍّ ... وشهد اليرموك... وولاه عليٌّ مصر، فخرج إليها، فمات قبل أن يصل إليها وقيل مات وهو والٍ عليها ... وكان من أصحاب علي وشهد معه الجمل وصفين ومشاهده كلها... كان رئيس ،قومه وله بلاء حسن في وقعة اليرموك وذهبت عينه يومئذ »(3).

ص: 113


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب ليوسف بن عبد الله القرطبي: 213/3 [باب حرف العين / 1875 - علي بن أبي طالب الهاشمي]
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري : 97/5[ باب الميم والحاء / 4751 - محمد بن أبي بكر]
3- تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزّي: 464/9 [ باب الميم / 6362 - مالك بن الحارث ]
أبان بن تغلب

قال محمد بن يعقوب الفيروزآبادي «أبان بن تغلب بن رباح الجريري أبو سعد البكري مات سنة إحدى وأربعين ومئة إمام جليل أديب لقي أبا محمد علي بن الحسين وأبا عبدالله علیهم السلام وكانت له عندهم حظوة صنف كتاب الغريب في القرآن»(1) . وقد وثّقه علماء الرجال ؛ قال ابن حجر العسقلاني «أبان بن تغلب الربعي أبو سعد الكوفي روى عن أبي إسحاق السبيعي والحكم بن عتيبة وفضيل بن عمر والفقيمي، وأبي جعفر الباقر وغيرهم... قال أحمد ويحيى وأبو حاتم والنسائي «ثقة»، زاد أبو حاتم وقال الجوزجاني « زائغ مذموم المذهب مجاهر»، وقال أبو بكر بن منجويه «مات سنة 241ه»، وقال ابن عدي له نسخ عامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل الصدق في الروايات وإن كان مذهبه مذهب الشيعة، وهو في الرواية صالح لا بأس به». قلت هذا قول منصف وأما الجوزجاني فلا عبرة بحطه على الكوفيين... وقال العقيلي سمعت أبا عبد الله يذكر عنه عقلاً وأدباً وصحة حديث إلّا أنه كان غالياً التشيع»، وقال ابن سعد «كان ثقة»، وذكره بن حبان في «الثقات» وأرخ وفاته ومنه نقل بن منجويه، وقال الأزدي كان غاليا في التشيع وما أعلم به في الحديث بأساً»(2).

وقال الذهبي «أبان بن تغلب الكوفي شيعي جلد ، لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته.

وقد وثقه أحمد بن حنبل، وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي، وقال كان غالياً في التشيع .

ص: 114


1- البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة للفيروزآبادي : 2
2- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني 118/12 - 119 [146- حرف الألف من اسمه أبان]

وقال السعدي زائغ مجاهر »(1).

عبد الرحمن السلمي

«عبد الرحمن السلمي قال أبو عمر أما عبد الرحمن السلمي، فالصحيح عنه أنه كان مع عليِّ بن أبي طالب علیه السلام»(2).

كميل بن زياد

«كميل بن زياد بن نهيك ويقال بن عبد الله النخعي التابعي الشهير له إدراك قال بن أبي خيثمة وخليفة بن خياط مات سنة اثنتين وثمانين من الهجرة زاد بن أبي خيثمة، وهو ابن سبعين سنة، بتقديم السين، فيكون قد أدرك من الحياة النبوية ثماني عشرة سنة ... قال ابن سعد شهد صفين مع عليّ، وكان شريفًا مطاعًا ثقةً قليل الحديث، ووثقه بن معين وجماعة، وقال بن عمار كان من رؤساء الشيعة ... وقال جرير عن مغيرة طلب الحجاج کمیل بن زیاد، فهرب منه ، فحرم قومه عطاءهم، فلما رأى كميل ذلك قال أنا شيخ كبير قد نفد عمري لا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم، فخرج الى الحجاج، فلما رآه قال له لقد أحببت أن أجد عليك جميلاً؛ فقال له كميل إنَّه ما بقي من عمري الَّا القليل، فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضِ، فإنّ الموعد الله ، وقد أخبرني أمير المؤمنين عليٌّ أنَّك قاتلي، قال بلى، قد كنت فيمَن قتل ،عثمان اضربوا عنقه، فضربت عنقه»(3)

ص: 115


1- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي: 118/1 [ حرف الألف / أبان: 1252/2 - أبان بن تغلب ]
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 171/1 [ باب حرف الألف / 21 - باب أسامة ]
3- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني : 4 / 505 - 506 [ حرف الكاف: 7500 - کمیل بن زیاد ]
عبيد الله بن أبي رافع

كان أبوه أبو رافع مولى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فأعتقه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وزوجه مولاته سلمی، فولدت له عبيد الله بن أبي رافع، وكانت سلمى قابلة إبراهيم ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكان عبيد الله خازناً لعلي بن أبي طالب وكاتباً له أيام خلافته، وله كتاب تسمية من شهد مع أمير المؤمنين علیه السلام الجمل وصفين والنهروان من الصحابة رضي الله عنهم(1). ذكر فيه أسماء الصحابة الذين شاركوا بهذه الحروب.

وهناك أعداد كبيرة من التابعين الشيعة الذين ذكرتهم كتب الرجال، وقد اصطلحوا عليهم بالكوفيين ، وهذا يدل على استمرار منهج التشيع من عهد الصحابة وتابعيهم تابعوا أئمة أهل البيت علیهم السلام في كلّ ،زمن، واستمر النهج الإسلامي الصحيح إلى يومنا هذا باتباع الأئمة الإثني عشر، وهم أئمة أهل البيت علیهم السلام، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى إمامتهم بقوله « لاَ يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِبًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً».[قال الراوي] ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَى فَسَأَلْتُ أَبِي مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم، فَقَالَ «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْش»(2). فهؤلاء هم خلفاء رسول الله صلي الله خلفاء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الذين بَشَّر بهم، وذكر أنَّ الساعة لا تقوم حتّى يظهر آخرهم، كما روى مسلم قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «لا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْش»(3).

ص: 116


1- ينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 1 / 215، 506[باب الهمزة والسين وما يثلثهما / 118 - أسلم أبو رافع، وباب الجيم مع الباء/ 673 - جبر بن أنس]
2- وصحیح مسلم: 791 [ح . 5 - 1821) - كتاب الإمارة]
3- وصحيح مسلم:792 [ ح . 10 - 1822) - كتاب الإمارة ]

دين عليّ علیه السلام

لقد اصطلح على التشيع «دين عليّ علیه السلام» ، وكان هذا الاصطلاح شائعاً في خلافة أمير المؤمنين علیه السلام ، وبعد وفاته، وهذا يدلُّ على الانشقاق الطائفي والمذهبي الذي أحدثه معاوية في الإسلام حتى بات الإسلام الصحيح يعرف بدين عليٍّ علیه السلام ، ومن الشواهد التي تدلّ على انتشار هذا الاصطلاح ما رواه ابن أبي شيبة، فقال «حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ مُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ حَمَلْت عَلَى رَجُلٍ يَوْمَ الْجُمَلِ، فَلَمَّا ذَهَبْت أَطْعَنُهُ، قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَعَرَفْت الَّذِي يُرِيدُ، فَتَرَكْته»(1). ومما يدلُّ على شياع إصطلاح دِينِ عَليٍّ، ما رواه أبو رجاء العطاردي أنه سمع عمرو بن يثربي يوم الجمل يقول:

إِنْ تَنْكِرُونِ فَأَنَا بْنُ يَثْربِيّ***قَاتِلُ عِلْبَاءَ وَهِنْدَ الجُمَليّ

ثُمَّ ابْنَ صَوحَانَ عَلَى دِينِ عَلي

... بعد أن قتل الثلاثة وكانوا من عسكر على طلب البراز، فبرز له عليٌّ، فقال مَن أنت؟ فقال: أنا عليُّ بن أبي طالب، قال: والله ما أحبُّ أن اقتلكَ، وما أحبُّ أن تقتلني، فرجع عنه، فسأله عمار عن رجوعه، فأخبره، فقال له أنا له، فقال له عليٌّ: خذ مغفري، فاجعله على رأسك ثم أمكنه من ضربة في رأسك، فإذا فعل فاقصد رجله، فاني رأيتها مكشوفة، ففعل، فسقط، فجره عمار برجله حتّى أتى به عليَّا، فقال له استبقني يا أمير المؤمنين لعدوّك . فقال لو لم تقتل الثلاثة لفعلت اضرب عنقه یا عمار، ففعل»(2).

ص: 117


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 538/7 [كتاب الجمل / ح 37780]
2- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني : 4 / 212 [ حرف العين المهملة: 6520- عمرو بن يثربي]

واستمر هذا الاصطلاح بعد شهادة أمير المؤمنين علیه السلام فنرى أنَّ الإمام الحسين علیه السلام كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يوبخه فيه على أفعاله، ومما جاء فيه «ألست صاحب حجر والحضرميين اللذين كتب اليك ابن سميَّة أنَّهما على دين عليّ، ورأيه، فكتبت إليه من كان على دين عليٍّ ورأيه فاقتله... ودين عليّ وابن عم عليّ الذين كان يضرب عليه أباك يضربه عليه ابوك أجلسك مجلسك الذى أنت فيه ولو لا ذلك كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا مَنَّ الله عليك بوضعهما عنكم»(1).

واستمر إصطلاح دين عليّ حتّى واقعة كربلاء، فكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نَبلِه ، فجعل يرمى بها مُسَوَّمَة [ وفي رواية مَسْمُومَة ] وهو يقول " أنا الجملى أنا على دين عليّ " . فقتل اثني عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح»(2). واستمر هذا الإصطلاح حتى قيام المختار، ومن شواهد ذلك أن سيد قرَّاء أهل اليمن رفاعة بن شداد البجلي كان مع أهل اليمن ولما سار أصحاب المختار «نحو أهل اليمن، فلما خرجوا إلى جبانة السبيع لقيهم على فم السكة الأعسر الشاكري، فقتلوه ونادوا في الجباة ، وقد دخلوها يا لثارات الحسين فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران الهمداني فقال يا لثارات عثمان! فقال لهم رفاعة بن شداد ما لنا ولعثمان! لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان. فقال له ناس من قومه جئت بنا وأطعناك حتّى إذا رأينا قومنا تأخذهم السيوف قلت انصرفوا ودعوهم فعطف عليهم وهو يقول، شعراً: ! !

أنا ابن شدادّ على دين عليّ***لست لعثمان بن أروى بِوَليّ

لأصلين اليوم فيمن يصطلي***بحرِّ نار الحرب غير مؤتل

ص: 118


1- المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة 245ه: 479 ، مطبعة الدائرة، ط. 1361ه
2- البداية والنهاية لأبي الفداء الحافظ ابن كثير : 5 / 691[ دخول سنة إحدى وستين]، وتاريخ الأمم والملوك للطبري: 328/3 سنة: 61]

فقاتل حتى قتل»(1).

فكانوا يفتخرون بتشيعهم الذي سمَّوه «دين علي» لأنَّه الدين الصحيح الذي جاء به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقد اشتهر أمير المؤمنين علیه السلام بتمسكه الشديد بالنصوص الشرعية، وتركه الاجتهاد مقابل وجود النصوص، في حين قد كثرت اجتهادات بعض الصحابة مخالفين بذلك النصوص الصريحة، ومن أمثلة ذلك ما أفتاه عمر بن الخطاب بترك الصلاة إذا أجنب ولم يجد ماءً كما جاء في صحيح مسلم «أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدُ مَاءً فَقَالَ لَا تُصَلِّ فَقَالَ عَمَّارُ أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ! إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّة فَأَجْنَيْنَا، فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنا فَتَمَعَكُتُ في التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله وسلم إِنَّما كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ». فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ الله يَا عَمَّارُ! قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثُ بِهِ .»(2).

وقال البخاري«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَم عَنْ عَلِي بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ المَتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ، أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ قَالَ: «مَا كُنتُ لأَدَعَ سُنَةَ النبي صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ .»(3).

ومن شواهد ترك النصوص والاجتهاد مقابل النص ما ذكره عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي «قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ عُرْوَةُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ المَتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرَاهُمْ سَيَهْلَكُونَ، أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم وَيَقُولُونَ نَهَى عَنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»(4).

ص: 119


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 3/ 657[ السنة 66ه/ ذكر قتل المختار قتلة الحسين ]
2- صحیح مسلم : 154 [ح . 112 - (368) - كتاب الحيض / باب التيمم]
3- صحيح البخاري: 289 ، [ح . 1563 / كتاب الحج - باب التمتع والإقران والإفراد بالحج]
4- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 386، [ مسألة : 558/ كتاب الحج ]

ص: 120

معاناة الشيعة بعد استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام

اشارة

لقد عانى الشيعة القتل والتشريد بعد وفاة أمير المؤمنين علیه السلام، وكانت معاناة الشيعة من الصحابة والتابعين مؤلمة، فقد زاد ظلم بني أمية عليهم، وفيما يلي نماذج من معاناتهم :

معاناة آمنة بنت الشريد

لقد كان النظام الأموي قاسياً في تعذيب الشيعة حتّى النساء كانت تُعَذِّب وتُسْجَن وتُؤْخَذ كرهائن للظفر برجالهنَّ، وهذه الظاهرة غريبة عن الإسلام بل غريبة عن عادات الجاهلية أيضاً، ومن أمثلة ذلك معاناة آمنة بنت الشريد زوجة الصحابي عمرو بن الحمق، فقد حبسها معاوية بن أبي سفيان في سجن دمشق سنتين، ثم إن عبد الرحمن بن أم الحكم ظفر بعمرو بن الحمق، فقتله وبعث برأسه إلى معاوية، وهو أول رأس حمل في الإسلام، فلما أتى معاوية الرسول بالرأس بعث به إلى امرأته آمنة بنت الشريد في السجن «قال أبو زكريا حدثني عبد الله بن المغيرة القرشي عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة ، عن إسحاق بن أبي فروة ، عن يوسف بن سليمان، عن جدته قالت كان عمرو بن الحمق آمنة بنت الشريد فحبسها معاوية في سجن دمشق زمانًا حتى وجه إليها رأس عمرو بن الحمق فألقي في حجرها فارتاعت لذلك ثم وضعته في حجرها ووضعت كفها على جبينه، ثم لثمت فاه، ثم قالت غيبتموه عني طويلاً ثم أهديتموه إليّ قتيلا ! فأهلا بها من هدية غير قالية ولا مقلية... »(1).

ص: 121


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري : 4 / 206 [ باب العين والميم/ 3912- عمرو بن الحمق الخزاعي]
معاناة الصحابي حُجْرُ بْنُ عَدي

حُجْرُ بْنُ عَدِيّ بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة الكندي. وهو المعروف بحجر الخير... وفد على النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم هو وأخوه هانئ وشهد القادسية، وكان من فضلاء الصحابة، وكان على كندة بصفين، وعلى المسيرة يوم النهروان وشهد الجمل أيضًا مع عليٍّ علیه السلام . وكان من أعيان أصحابه.

ولما وُلّي زياد العراق، وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر، خلعه حجر، ولم يخلع معاوية، وتابعه جماعة من شيعة عليٍّ علیه السلام ، وحصبه يوماً في تأخير الصلاة هو وأصحابه(1) ؛ فكتب فيه زياد إلى معاوية فأمره أن يبعث به وبأصحابه إليه، فبعث بهم مع وائل بن حجر الحضرمي، ومعه جماعة، فلما أشرف على مرج عذراء، قال إني لأول المسلمين كبّر في نواحيها، فأنزل هو وأصحابه عذراء وهي قرية عند دمشق، فأمر معاوية بقتلهم، فشفع أصحابه في بعضهم فشفّعهم، ثم قُتِلَ حجر وستة معه، وأطلق ستة، ولما أرادوا قتله صلّى ركعتين، ثم قال لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما، وقال لا تنزعوا عنى حديدًا ولا تغسلواء دمًا فإني لاق معاوية على الجادة.

ولما بلغ فعل زياد بحجر إلى عائشة ، بعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تقول الله الله في حجر وأصحابه، فوجده عبد الرحمن قد قتل، فقال لمعاوية أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه ألّا حبستهم في السجون وعرضتهم للطاعون؟

قال حين غاب عني من قومي قال والله لا تعدُّ لك العرب حلما بعدها ولا رأيًا قتلت قومًا بعث بهم أسارى من المسلمين !

ص: 122


1- حصبه أي حجر وأصحابه رموا زياداً بالحصباء وهي الحصى، لأنَّ زياداً أخَّر الصلاة. معاناة الشيعة بعد استشهاد أمير المؤمنين

قال فما أصنع كتب إليَّ زياد فيهم يشدد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون فتقًا لا يرقع ولما قدم معاوية المدينة دخل على عائشة ، فكان أول ما قالت له في قتل

حجر في كلام طويل، فقال معاوية دعيني وحجرًا حتى نلتقي عند ربنا.

قال نافع كان ابن عمر في السوق فنعي إليه حجر فأطلق حبوته وقام وقد غلبه النحيب.

وسئل محمد بن سيرين عن الركعتين عند القتل فقال صلاهما خبيب وحُجْر وهما فاضلان وكان الحسن البصري يعظم قتل حجر وأصحابه.

ولما بلغ الربيع بن زياد الحارثي وكان عاملاً لمعاوية على خراسان قتل حجر الله عز وجل وقال اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات.

وكان حجر في ألفين وخمسمائة من العطاء وكان قتله سنة إحدى وخمسين وقبره مشهور بعذراء وكان مجاب الدعوة».(1)

معاناة ابناء حُجْرُ بْنُ عَدي

قال ابن عساکر «عبيد الله وعبد الرحمن ابنا حجر بن عدي، وقتلهما مصعب بن الزبير صبرًا وكانا يتشيعان»(2).

ص: 123


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري: 697/1[ باب الحاء والجيم/ 1093-حجر بن عديّ]، وينظر الطبقات الكبرى لابن سعد :2412/6 - 244 ومن هذه الطبقة ممن روى عن علي بن أبي طالب علیه السلام : 2212 - حُجر بن عدي]
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 12 / 210 [ ذكر من اسمه حجر بالحاء والجيم]
القتل العام

وقال الهيثمي «وعن الحسن قال كان زياد يتبع شيعة علي فيقتلهم فبلغ ذلك الحسن بن عليّ فقال «اللهم تفرد بموته فإن القتل كفارة»

رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح»(1).

ومن أبرز المصائب التي مرَّت على آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم مصيبة كربلاء التي استشهد فيها الحسين بن علي مع اثنين وسبعين رجلاً من الصحابة والتابعين وبني هاشم، أبشع مصيبة عرفها التأريخ الإسلامي، وبعد تلك الواقعة هانت رقاب أهل البيت علیهم السلام والمتشيعين لهم على بني أمية فتكرر القتل لأهل البيت علیهم السلام، وتعذيبهم بأبشع الأساليب.

ص: 124


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 6 / 295 [ ح . 10604 - كتاب الحدود والديات]

التيار الأموي ومحاربة التشيع

لقد سعى الأمويون ومَن والاهم بكل وسائلهم للقضاء على التشيع وبثّ الدعايات الكاذبة ضدهم، ويعد الأمويون أوّل من بنى أُسس محاربة التشيع، وتشويه سمعتهم ابتداء بحرب صفين، وما فعله بُسْرُ بْنُ أَرْطَاة الذي أرسله معاوية بن أبي سفيان إلى مكة والمدينة واليمن سنة 40 ه- ليتتبع شيعة علي فيوقع بهم ففعل بمكة والمدينة واليمن أفعالًا قبيحة لم تفعلها الجاهلية، ودخل المدينة فهرب منه كثير من أهلها منهم جابر بن عبد الله وأبو أيوب الأنصاري، وغيرهما، وقتل فيها كثيرًا من الكبار والأطفال، وهدم بالمدينة الدور، وأغار على همدان باليمن وسبى نساءهم، فكُنَّ أول مسلمات سبين في الإسلام، وباعهُنَّ في السوق عاريات بطريقة يندى لها الجبين، ومن الأطفال الذين ذبحهم عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وهما صغيران بين يدي أمهما، فأصابها الهلع(1).

والعجب كلّ العجب من يترحم على بسر بن أرطاة كالذهبي في سير أعلام النبلاء في حين أنَّ كبار علماء السنة كيحيى بن معين يقول لا تصح له صحبة، وكان يقول هو رجل سوء وذلك لما ركبه في الإسلام من الأمور العظام.

فهذه هي سنة بني أمية، ومن يتبعهم كالذهبي الترحم على مجرم هتك أعراض

ص: 125


1- ينظر بالترتيب : أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري : 374/1 [باب الباء والسين / 406 - بسر بن أرطاة]، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 1 / 240- 246 [175-باب حرف الباء : باب بسر]، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 455/1 ، [ 707 - حرف الباء الموحدة من اسمه بسر]

المسلمين، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ المتمسكين بالثقلين كتاب الله وأهل البيت علیهم السلام

وفيما يلي نتطرق لبعض أساليب التيار الأموي في محاربة التشيع، والآثار المترتبة عليها .

(1) محاربة أمير المؤمنين علیه السلام ، وجميع المتشيعين له بشتّى وسائل الحرب، حتّى تأصَّل الكره في قلوب أهل الشام، فسنُّوا الأسنة للتصدّي لكلِّ مَن يذكر فضائل علي علیه السلام(1).

ص: 126


1- فالتحدث بفضائل عليٍّ علیه السلام كان يعد جريمة تستحق القتل في مملكة بني أمية؛قال عز الدين بن الأثير المتوفى سنة 630ه- في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة : 1 / 572 - 573[ باب الجيم والنون / 812- جندع الأنصاري الأوسي]: وروى أبو أحمد العسكري بإسناده عن عمارة بن يزيد عن عبد الله بن العلاء عن الزهري قال: سمعت سعيد بن جناب يحدث عن أبي عنفوانة المازني قال: سمعت أبا جنيدة جندع بن عمرو بن مازن قال سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» وسمعته - وإلا صمتا - يقول وقد انصرف من حجة الوداع فلما نزل غدير خم قام في الناس خطيباً وأخذ بيد علي وقال: «من كنت وليه فهذا وليه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه» قال عبيد الله : فقلت للزهري : لا تحدث بهذا بالشام وأنت تسمع ملء أذنيك سبّ علي فقال: «والله إنَّ عندي من فضائل عليّ ما لو تحدثت بها لقتلت». واستمرَّ البغض حتى بعد سنة ثلاثمائة للهجرة، فقد روى الذهبي في تاريخ الإسلام : 804/7 [الطبقة الثانية والثلاثون / 11129]، قائلاً: «قال أبو سليمان بن :زبر اجتمعت أنا وعشرة فيهم أبو بكر الطائي يقرأ فضائل عليٍّ علیه السلام في الجامع بدمشق . قلت: هذا كان بعد الثلاثمائة، إذ العوام بدمشق نواصب قال: فوثب إلينا نحو المائة من أهل الجامع يريدون ضربنا. وأخذ شخص بلحيتي، فجاء بعض الشيوخ، وكان قاضياً، في الوقت فخلّصني وعلّقوا أبا بكر فضربوه، وعملوا على سوقه إلى الوالي في الخضراء، فقال لهم أبو بكر: يا سادة، إنما في كتابي فضائل علي، و أنا أخرج لكم غداً فضائل معاوية أمير المؤمنين. واسمعوا هذه الأبيات التي قلتها الآن حب علي كله ضرب***يرجف من خيفته القلب فمذهبي حب إمام الهدى***يزيد والدين هو النصب مَن غير هذا قال فهو امرؤ***مخالف ليس لبُّ والناس من يَنقَد لأهوائهم***يسلم وإلّا فالقفا نهب»

(2) سبّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام على المنابر وإيهام الناس بأنهم يستحقون السب والشتم(1) .

(3) وضع الأحاديث الكاذبة في فضائل بعض الصحابة ليوهموا الناس أنها لم تصدر في حق عليّ وأهل البيت علیهم السلام (2). ومن أمثلة ذلك «أَخْرَجَ ابْنِ الْجَوْزِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْد الله بن أَحمد بن حَنْبَل سَأَلَتْ أَبي مَا تَقُول فِي عَلِي وَمُعَاوِيَة؟ فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ اِعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِيرِ الْأَعْدَاء فَفَتَشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَجِدُوا، فَعَمَدُوا إِلَى رَجُلٍ قَدْ حَارَبَهُ فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لِعَيَّ، فَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا اخْتَلَفُوهُ لِعَاوِيَةَ مِنْ الْفَضَائِلِ مِمَّا لَا أَصْل لَهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضَائِل مُعَاوِيَة أَحَادِيث كَثِيرَة لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَصِحٌ مِنْ طَرِيق الْإِسْنَادِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرِ همَا»(3) .

(4) محبة أهل البيت جريمة يعاقب عليها الدستور الأموي(4) .

ص: 127


1- قال أبو الفداء في تَارِيخه المُسَمَّى (المُخْتَصَرَ فِي أَخْبَارِ الْبَشِرَ ) : 1/ : 278 ، فِي بَابِ [ سَنَة 99ه]: «كَانَ خُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ يَسُبُّوْنَ عَلَيَّا (علیه السلام) مِنْ سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي خَلَعَ الحَسنُ فِيْهَا نَفْسَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ، إِلَى أَوَّلِ سَنَة تِسْع وَتِسْعِيْنَ، آخِر أَيَّامٍ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَلَمّا وَلِيَ [عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ] أَبْطَلَ ذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى نُوَّابِهِ: بِإِبْطَالِهِ، وَمَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَبْدَلَ السَّبَّ في آخِرِ الْخُطْبَةِ بِقِرَاءَةِ قَوْله تَعَالَى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ وَإِيتَاي ذِي الْقُرْنَ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [النَّحْل: 90] فَلَمْ يُسَبَّ عَلَيٌّ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاسْتَمَرَّتْ الْخُطَبَاءُ عَلَى قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَة.
2- قال ابن الجوزي في كتابه الموضوعات : 42/1 : «القسم الخامس : قوم كان يعرض لهم غرض فيضعون الحديث . فمنهم من قصد بذلك التقرب إلى السلطان بنصرة غرض كان له»
3- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر : 131/7 [ كتاب فضائل أصحاب النبي عل الله / باب 29 / ح . 3767]
4- ولهذه المسألة شواهد كثيرة منها ما أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين: 2/ 468 [ح. 3416 - كتاب التفسير / تفسير سورة النحل] بسنده : عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، قال: كان حجر بن قيس المدري من المختصين بخدمة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب [علیه السلام] فقال له علي يومًا: «يا حجر إنك تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرأ مني». قال طاوس فرأيت حجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع ووكل به ليلعن عليًّا أو يقتل فقال :حجر أما إن الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليًّا فالعنوه لعنه الله. فقال طاوس فلقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال»

(5) قتل كلّ من تسمّى باسم عليّ(1) .

(6) خلق اصطلاح الرافضة لمحبي أهل البيت علیهم السلام، وفارسية التشيع،(2). فكان كلِّ مَن أظهر محبته لأهل البيت عليهم السلام نبزوه بالرفض، واستمرت هذه الحالة إلى زمان الشافعيّ الَّذي صرخ بوجه هذا الجمود الفكري قائلاً:

«يَا رَاكِباً قِفْ بِالمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى***وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خَيْفِنَا وَالنَّاهِضِ

سَحَراً إِذَا فَاضَ الحَجِيجُ إِلَى مِنَىً***فَيْضاً كَمُلْتَطِم الفُرَاتِ الفَائِضِ

إِنْ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ***فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أَنِّي رَافِضِي»(3).

ص: 128


1- قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : 683/5 [ حرف العين من اسمه علي / 4874 علي بن رباح ]: «قال الليث : قال علي بن رباح لا اجعل في حل من سماني عُلَيّ فان اسمي عليّ. وقال المقرئ : كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحًا، فقال: هو عليّ وكان يغضب من علي ويحرج على من سماه به». وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 5 / 568 [649- علي بن رباح]: «قال أبو عبد الرحمن المقرئ : كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحا، فغير اسم ابنه»
2- ما كانت الفارسية سبة يوم كان الفرس سنَّة، وإنما صارت سبة يوم تشيع قسم من الفرس
3- سير أعلام النبلاء للذهبي: 401/8 [1539- الإمام الشافعي]

آثار السياسة الأموية في محاربة التشيع

1- اتهام غير الشيعة بالتشيع وقتلهم

من آثار محاربة بني أمية للتشيع ظهر نوع آخر من أنواع التطرّف، وهو اتهام غير الشيعة بالتشيع وقتلهم مما أودى بحياة كثير من الذين اتهموا بالرفض والتشيع حتّى طال بعض علماء السُّنة .

اولاً : النسائي

الذي هو أحد مؤلفي الصحاح الست، فقد قتلوه بسبب تصنيفه كتاب الخصائص في فضل علي بن أبي طالب وأهل البيت علیهم السلام ، فأنكروا عليه ذلك، وقيل له ألا تخرج فضائل معاوية، فقال أي شيء أخرج ؟ حديث اللهم لا تشبع بطنه، وسئل أيضاً عن معاوية وما جاء من فضائله، فقال ألا يرضى رأسًا برأس حتى يفضل، فما زالوا يدفعون في خصيته وداسوه حتى أخرج من المسجد وحمل إلى الرملة ثمَّ مات ذلك بسبب الدوس؛ «قال الدارقطني كان بن الحداد أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدث عن غير النسائي وقال رضيت به حجة بيني وبين الله قال وأبو عبد الله ابن منده عن حمزة العقبي المصري وغيره أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها عن معاوية وما جاء من فضائله فقال ألا يرضى رأسا برأس حتى يفضل. قال فما زالوا يدفعون في خصييه حتى أخرج من المسجد ثم حمل إلى مكة فتوفي بها كذا في هذه الرواية

ص: 129

إلى مكة، وصوابه الرملة»(1).

الثاني : ظهير الدين الإردبيلي

«ظهير الدين الأردبيلي الحنفي كان عالماً كاملاً صاحب مجاورة، ووقار، وهيبة، وفصاحة، وكانت له معرفة بالعلوم خاصة بعلم الإنشاء والشعر، وكان يكتب الخط الحسن حكموا عليه بالإعدام واتهم بالتشيع، لأنه ذهب إلى عدم وجوب مدح الصحابة على المنبر، وأنه ليس بفرض، فقبض عليه وقدم للمحاكمة وحكم عليه القاضي بالإعدام، ونفذ الحكم في حقه، فقطعوا رأسه وعلقوه على باب زويلة بالقاهرة، قتل مع الوزير أحمد باشا بمصر سنة ثلاثين وتسعمائة»(2) .

2 - اتهام كلّ راوي محب لآل البيت وعدم قبول روايته.

إنَّ التطرف الفكري في عهد بني أمية أخلف مساوئ كثيرة حتى أوصلت بعض الناس إلى السعي لمحو فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت علیهم السلام بطرق شتى تجد بعض ملامحها ظاهرة في كيفية تقييمهم لمن يروي شيئًا من الفضائل، ومن المؤسف أن نرى استمرار سلبيات هذه المنهجية عبر قرون عديدة حتى يمكنك أن ترى هذا الأثر ظاهراً

عند معظم علماء الجرح والتعديل في مسألة توثيق رجال الحديث، فإذا اشتهر راوي من الرواة بالبغض والنصب لعلي علیه السلام أو لآل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم كان ذلك الراوي مصدر ثقة، وموضع احترام عندهم أمثال حريز بن عثمان الذي كان ينتقص الإمام عليًّا علیه السلام وينال منه، فكان هذا الراوي مصدر ثقة عندهم لبغضه أمير المؤمنينعلیه السلام، فقد وثَّقوه رغم

ص: 130


1- تذكرة الحفاظ للذهبي: 195/1 [719- 65 / 10 - النسائي الحافظ الإمام شيخ الإسلام الطبقة العاشرة]
2- ينظر: الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة لنجم الدين الغَزّي: 1 / 136 ، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لعبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي: 173/8

وجود هذه الخصلة الذميمة فيه والتي تسقط عدالته، فتراهم فضّلوه على كثير من الرواة حتَّى قال عنه أحمد بن حنبل «ثقة، ثقة، وقال أيضًا ليس بالشام أثبت من حريز»(1).

قال المزّي «حريز بن عثمان بن جبر بن أحمر بن أسعد الرحبي المشرقي أبو عثمان، ويقال أبو عون الشامي حدثنا أحمد بن أبي يحيى قال سمعت أحمد بن حنبل يقول حديث حريز نحو من ثلاث مائة وهو صحيح الحديث إلا أنه يحمل على عليّ وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود سألت أحمد بن حنبل عن حريز فقال ثقة ثقة ثقة. وقال الحسين بن إدريس الأنصاري عن أبي داود سمعت أحمد قال ليس بالشام أثبت من حريز إلا أن يكون بحيرًا. قيل لأحمد فصفوان قال حريز ثقة. قال وقال أبو داود سمعت أحمد وذكر له حريز وأبو بكر بن أبي مريم وصفوان فقال ليس فيهم مثل حريز ليس أثبت منه ولم يكن يرى القدر قال وسمعت أحمد مرة أخرى يقول حريز ثقة ثقة وقال إسحاق بن منصور ومعاوية بن صالح والمفضل بن غسان الغلابي وعباس الدوري وعثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين ثقة. وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن يحيى بن معين عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأبو بكر بن أبي مريم وحريز بن عثمان هؤلاء ثقات. وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة وسئل علي بن المديني عن حريز بن عثمان فقال لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثقونه.

وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم حریز بن عثمان حمصي جيد الإسناد صحيح الحديث. وقال يعقوب بن سفيان عن دحيم ثور وحريز وأرطاة كل هؤلاء ثقة وقال أبو حاتم سمعت دحيمًا يثني على حريز. وقال الأحوص بن المفضل بن غسان عن أبيه ويقال في حريز بن عثمان مع تثبته أنه كان سفيانيًا وقال في

ص: 131


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 2/ 220 [ حرف الحاء من اسمه حارث/ 1075- الحارث بن عبد الله الأعور]

موضع آخر حریز بن عثمان ثبت وقال أحمد بن عبد الله العجلي شامي ثقة وكان يحمل على عليّ. وقال عمرو بن عليّ كان ينتقص عليا وينال منه وكان حافظا لحديثه سمعت يحيى يحدث عن ثور عنه. وقال في موضع آخر ثبت شديد التحامل على عليٍّ. وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي يتهمونه أنه كان ينتقص عليَّا ويروون عنه ويحتجون بحديثه وما يتركونه. وقال أبو حاتم حسن الحديث ولم يصح عندي ما يقال في رأيه ولا أعلم بالشام أثبت منه هو أثبت من صفوان بن عمرو وأبي بكر بن أبي مريم وهو ثقة متقن. وقال أحمد بن سليمان الرهاوي سمعت يزيد بن هارون يقول وقيل له كان حريز يقول لا أحب عليًّا قتل آبائي قال لم أسمع هذا منه كان يقول لنا إمامنا ولكم إمامكم. وقال الحسن بن علي الخلال قلت ليزيد بن هارون هل سمعت من حریز بن عثمان شيئا تنكره عليه من هذا الباب قال إني سألته أن لا يذكر لي شيئا من هذا مخافة أن أسمع منه شيئا يضيق علي الرواية عنه قال وأشد شيء سمعته يقول لنا أمير ولكم أمير يعني لنا معاوية ولكم عليّ . فقلت ليزيد فقد آثرنا على نفسه قال نعم .

وقال الخلال أيضًا حدثنا عمران بن أبان قال سمعت حريز بن عثمان يقول لا أحبه قتل آبائي يعني عليًا. وقال يعقوب بن سفيان حدثنا محمد بن عبد الله قال سمعت بعض أصحابنا يذكر عن يزيد بن هارون قال قال حريز بن عثمان لا أحب من قتل لي جدين. وقال أحمد بن سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي حدثنا إسماعيل بن عياش قال عادلت حریز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسبُّ عليًّا ويلعنه. وقال محمد بن عمرو العقيلي حدثنا محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس قال حدثنا يحيى بن المغيرة قال ذكر جرير أن حريزًا كان يشتم عليًّا على المنابر ... قال حدثنا إسماعيل بن عياش قال سمعت حريز بن عثمان قال هذا الذي يرويه الناس عن النبيّ صلى الله عليه و. آله وسلم قال لعليٍّ أنت مني بمنزلة هارون من موسى حق ولكن أخطأ السامع. قلت فما هو ؟ فقال إنما هو أنت مني

ص: 132

مكان قارون من موسى. قلت عن من ترويه؟ قال سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر ....»(1)

فهذا الذي يحرف كلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم صار ثقةً ثقةً ثقةً، والسبب معروف لأنَّه يلعن ويسب ويكره عليًّا.

فلماذا كلّ هذا المدح والتوثيق لهذا الناصبي؟!

فالناصبي والخارجيّ يُوَثْقَان لأنهما يبغضان عليَّا ، فهل معيار العدالة بغض أمير المؤمنين علیه السلام ؟!

فهذا هو التطرف والانحراف عن سيرة المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم وما أوصى به في عليٍّ علیه السلام ؛

عليه واله

فترى البخاري وأحمد ابن حنبل وغيرهما يروون عن النواصب والخوارج ويوثقونهم؛ فمن رجال البخاري، وأحمد بن حنبل عِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ الخارجي الذي له الأبيات الآتية في مدح ضربة ابن ملجم ؛ قال الذهبي: «عِمْرَانُ بنُ حِطَّانَ بنِ ظَبْيَانَ السَّدُوْسِيُّ البَصْرِيُّ مِنْ أَعْيَانِ العُلَمَاءِ، لَكِنَّهُ مِنْ رُؤُوسِ الْخَوَارِجِ.

حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى عَنْهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَقَتَادَةُ، وَيَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصَحُ حَدِيثاً مِنَ الخَوَارِج. ثُمَّ ذَكَرَ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانَ، وَأَبَا حَسَّانِ الأَعْرَجَ ... وَمِنْ شِعْرِهِ فِي مَصْرَع عَلي علیه السلام

يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا***إِلا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا

إِنِّي لأَذْكُرُهُ حِيْناً فَأَحْسِبُهُ***أَوْفَى البَرِيَّةِ عِنْدَ الله مِيْزَانَا

أَكْرِمْ بِقَوْمٍ بُطُونُ الطَّيْرِ قَبْرُهُمُ***لَمْ تَخْلِطُوا دِينَهُم بَغْياً وَعُدْوَانَا»(2).

ص: 133


1- تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزّي: 2/ 482 - 486 [باب الحاء / 1175 حریز بن عثمان]
2- سير أعلام النبلاء للذهبي: 5 / 212 - 213 [453- عمران بن حطان]

«و ممن عاب على البخاري إخراج حديثه الدار قطني فقال عمران متروك لسوء اعتقاده وخبث مذهبه»(1)

وأمَّا لو تعلَّق الأمر بمعاوية بن أبي سفيان ،وابنه يزيد، فلن يسمحوا للنيل منهما، وتسقط حينئذ عدالة من لم يُثنِ عليهما ويتهم بالتشيع؛ ومن أمثلة ذلك ما قاله الصفدي قال قاضي القضاة العلامة تقي الدين السبكي رأيت بخط ناصر الدين بن سلمة الغرناطي شيخنا ابن هارون فيه تشيع وانحراف عن معاوية وابنه يطعن فيهما نظماً ونثراً، اختلط بعد انفصالي عنه وبان اختلاطه »(2).

فمَن انحرف عن يزيد ومعاوية صار متشيعاً وبان اختلاطه، وتُرِكَتْ روايته، ومَن أبغض عليَّا ونال منه صار ثقةً، ثقةً، ثقةً، ومَن ناصر عليًّا تركوه، فهذا سيد التابعين أويس القرني الذي مدحه رسول الله ووصفه بخير التابعين(3)، فلكونه من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام ضعفوه، وأنكروه، فذكره العقيلي في كتاب الضعفاء، وقال البخاري في إسناده نظر(4). كذلك ترى تشدُّدَهم وتركهم لمن أحب أو روى فضائل أهل البيت علیهم السلام وإنْ كان الراوي في حد ذاته صادقاً مشهوراً بالصلاح عابداً زاهداً، أو كان إماماً من أئمة السنّة فَسَيُتَّهم بالتشيّع أو الرفض، وتترك روايته، ويُتَّهم بالكذب أمثال الحارث الهمداني الذي وصفوه بأحد الكذابين، وتركوا روايته لأنَّه أحبَّ عليًّا علیه السلام ، وقد شهد أحد علماء السنة وهو ابن عبد البر على براءته من الكذب وبين سبب تكذيبه فقال «ولم

ص: 134


1- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني : 303/4 [حرف العين المهملة : 6874 - عمران بن حطان]
2- الوافي بالوفيات للصفدي : 317/17
3- ينظر : صحيح مسلم : 1070 [ح . 224 - (2542) - كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم باب من فضائل أويس القرني]
4- ينظر: الضعفاء للعقيلي : 1 / 153 [ باب أيوب / 167 - أويس القرني الزاهد]

يَبِنْ مِن الحارث كذب، وإنما نُقِم عليه إفراطه في حبِّ عليٍّ»(1).

و اتهموا إمام السنة محمد بن جرير بن يزيد الطبري بالتشيع صحح حدیث غدیر خم كما جاء في لسان «الميزان محمد بن جرير بن يزيد الطبري الإمام الجليل المفسر أبو جعفر صاحب التصانيف الباهرة، مات سنة عشر وثلاثمائة، ثقة صادق فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ، فقال كان يضع للروافض كذا، قال السليماني وهذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين وما تدعي عصمته من الخطأ، ولا يحل لنا أن نوذيه بالباطل والهوى، فإنّ كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه، ولا سيما في مثل إمام كبير ... وإنما نبرا بالتشيع لأنه صحح حدیث غدیر خم»(2).

واتهموا إمام الشافعية بالتشيع لمحبته آل البيت عليهم السلام والموافقته الشيعة في مسائل فرعية أصابوا فيها كالجهر بالبسملة والقنوت في الصبح والتختم في اليمين؛ قال الذهبي.

«فكان العجلي يوهم في الإمام أبي عبد الله التشيع لقوله:

إن كان رفضاً حبّ آل محمد***فليشهد الثقلان أني رافضي

وكذا تكلم فيه بالتشيع بعض أعدائه من كبار المالكية لموافقته الشيعة في مسائل فرعيه أصابوا فيها ولم يبدعوا بها كالجهر بالبسملة والقنوت في الصبح والتختم في اليمين، وهذا قلة ورع وتسرع إلى الكلام في الإمام، فالشافعي رحمه الله أبعد شيء مِن التشيع . كيف وهو القائل فيما ثبت عنه الخلفاء الراشدون خمسة ابو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز أفشيعي يقول هذا قط ؟!»(3).

ص: 135


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 2/ 117
2- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني : 108/5 [من اسمه محمد / 190(7312) محمد بن جرير]
3- الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم للذهبي: 31

فمحبة عليٍّ علیه السلام صارت عندهم معياراً لاتهام الراوي بالكذب وعدم الأخذ بروايته، ولا شكّ أنَّ هذا الأسلوب كان له الأثر الكبير في إسقاط أحاديث كثيرة تركت ولم يعمل بها بسبب محبة رواتها لعليٍّ علیه السلام ، فتوهموا أن حبّ عليّ جريمة تسقط بها عدالة الراوي متجاهلين قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي رواه مسلم بإسناده عن عليٍّ علیه السلام أنه قَالَ «وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُميِّ إِلَى أَنْ لا يُحبَّنِي إِلا مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضَنِي إِلا مُنَافِقٌ»(1).

وقد حاول ابن تيمية تضعيف هذه الحديث والتشكيك به(2). لأجل تبرئة معاوية من النفاق لأنّ هذا الأمر يخص معاوية، فهذا الحديث يثبت نفاق معاوية الذي أبغض عليًّا علیه السلام ، فلذا ذهب ابن تيمية يلتمس لمعاوية الأعذار ويرفع من شأنه، فأخذ يكذِّب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ويضعِّف من حديثه، كرامة وثأراً لمعاوية.

والمتتبع لأقوال ابن تيمية يشعر بعمق البغض الذي يكنه ابن تيمية لعليّ بن أبي طالب علیه السلام . ولعل هذه الخصلة هي السبب في تلقيبه بشيخ الإسلام.

وهكذا استمرَّت هذه الحرب المتطرّفة التي أسسها معاوية بن أبي سفيان في محاربة الشيعة والتشيع إلى العصر الحاضر، ولعبت الأهواء والمزاجية الدور الكبير في انحراف المنهج الحديثي عن مساره الصحيح مخلفةً خلفها سلبيات كثيرة كان لها الأثر الكبير على مختلف المجالات التطبيقية في حياة المسلمين العبادية أو المعاملاتية.

3- حرمان الشيعة من حرية التواجد

لقد حرمت الشيعة من البروز والانتشار وحرية الدعوة والتواجد في المجتمع بفعل

ص: 136


1- صحيح مسلم : 49 [كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق - ح. 131 (78)]
2- منهاج السنة النبوية : 83/7

الحصار والبطش والإرهاب، لأن الشيعة تحمل راية أهل البيت عليهم السلام الذين يخشاهم الحكام وتدين بالطاعة والولاء لأئمتهم الأطهار لذا لم تنل الشيعة رضا الحكام، وأُخرِجت من دائرة الإسلام، فغابت عن الناس، بخلاف غيرهم ممن كان ولا زال يدين للحكام مبتعداً عن أئمة أهل البيت، يصغي بالسمع والطاعة للحاكم سواء كان الحاكم بارًّا أو فاجرًا، لذا قد منحت له حرية الدعوة وشرعية التواجد، وقد منح الفرصة كاملة للبروز والانتشار على مر التاريخ، فكان مذهبه هو الشائع الظهور والانتشار، بخلاف الشيعة، فكانوا محاربين من قبل الحكام، مما تسبب في غيابهم الدائم عن الساحة الّذي ساعد في انتشار الشائعات والاتهامات الباطلة التي حيكت ضدهم للقضاء عليهم بشتّى الأساليب والطرق. كاختراع لفظ الراوفض ، والسبئية، ونحو ذلك من الكلام الباطل.

4 - وضع الأحاديث في الشيعة

لقد وضعوا بعض الأحاديث في الرافضة على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، غير مبالين بالكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ومِن هذه الأحاديث الموضوعة:

(1) «يكون في آخر الزمان قوم يُنْبَزُون الرافضة يرفضون الإسلام ويلفظونه، فاقتلوهم فإنهم مشركون».

(2) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال كنت عند النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم ، وعنده عليّ، فقال النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم : «يا علي ! سيكون في أمتي قوم ينتحلون حبنا أهل البيت لهم نبز يسمون الرافضة، فاقتلوهم...»

(3) «سيأتي بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة، فإذا لقيتموهم ؛فاقتلوهم ؛ فإنهم مشركون» .قلت يا رسول الله ! ما العلامة فيهم؟ قال: «يقرظونك بما ليس فيك، ويطعنون على أصحابي ويشتمونهم

ص: 137

(4) «يا عليّ ! أنتَ وأصحَابُك في الجنة، أنت وشِيعَتُك في الجنة، إلا أنه ممَّنْ يزعمُ أنه يُحِبُكَ أقوام يُضْفَزُون الإسلام ثم يَلْفِظُونَهُ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقِيَهُمْ، لهم نَبَزٌ، يقال لهم الرافضة، فإن أَدْرَكْتَهُم فجاهِدْهُمْ، فإنهم مشركون. فقلتُ يا رسول الله! ما العلامة فيهم ؟ قال لا يشهدونَ مُجمعةً ولا جماعةً، ويَطْعَنونَ على السَّلَفِ الأول».

(5) «يا علي ! أنت وشيعتك في الجنة وإن قوما لهم نبز يقال لههم الرافضة، إن أدركتهم ؛ فاقتلهم فإنهم مشركون. قال عليّ ينتحلون حُبّنا أهل البيت وليسوا كذلك ! وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر»

وقد ذكر الألباني هذا الأحاديث في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، برقم 6267 ، 5590 ، وذكرها في كتابه ظلال الجنة ج 2/ ص 191، باب في ذكر الرافضة، وقد أثبت الألباني ضعفها ووضع بعضها، فلا حاجة لمناقشتها .

«المشبهة يهود هذه الأمة، والروافض نصاراها»(1) . وهذا الحديث لا أصل له في كتب الأحاديث.

5 - وضع الفتاوي المتطرفة في الشيعة

لقد وضعوا فتاوي متطرفة تخالف السنة النبوية، والأحكام الشرعية التي سنّها الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، ومنها ما يلي:

(1) تكفير الشيعة، بحجة أنهم ،روافض، فأباحوا قتلهم، متناسين أنهم يؤمنون بالله الواحد الأحد، وبرسوله محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وبجميع وبرسوله محمد الله، وبجميع الأنبياء والمرسلين، ويقيمون الصلاة،

ص: 138


1- الملل والنحل للشهرستاني: 1/ 19[ المقدمة الثالثة : في بيان أول شبهة وقعت في الخليقة ومن مصدرها في الأول ]

ويؤتون الزكاة، ويصومون شهر رمضان ويحجون بيت الله الحرام؛ قال الله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»[النساء 94]،«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»[ النساء 93 ] . ،

(2) أفتوا بعدم السلام على الرافضي، وعدم ردّ الجواب إذا سلَّم عليهم(1).

(3) إذا مات الرافضي فلا يصلّون عليه(2).

(4) تجوز غيبة الرافضي(3). إلى غير ذلك من الفتاوي المرتجلة التي تدلُّ على جهلهم

في الاستنباط للأحكام الشرعية، وعدم معرفتهم في علم الفتوى والاجتهاد.

6 - التقوّل والافتراء على الشيعة

لقد كذبوا على الشيعة بأكاذيب وافتراءات كثيرة منها :

(1) زعموا أنَّ اليهود تزول على القبلة شيئًا، وكذلك الرافضة، واليهود تنود في الصلاة، وكذلك الرافضة(4) .

(2) زعموا أنَّ اليهود يستحلون دم كلِّ مسلم، وكذلك الرافضة، واليهود لا يرون على النساء عدة، وكذلك الرافضة، واليهود لا يرون الطلاق الثلاث شيئًا، وكذلك

ص: 139


1- ينظر: السنة لأبي بكر الخلال : 3 / 494 [ ذكر الروافض / 784]
2- ينظر السنة لأبي بكر الخلال : 3 / 494 [ ذكر الروافض / 785]
3- ينظر: السنة لأبي بكر الخلال : 3/ 495 [ ذكر الروافض / 788]
4- ينظر: السنة لأبي بكر الخلال: 3/ 498[جامع أمر الروافضة/ 791]

الرافضة واليهود حرّفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرّفوا القرآن، واليهود يبغضون جبريل، ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنف من الرافضة يقولون غلط بالوحي إلى محمد صلی الله علیه و آله وسلم(1).

ص: 140


1- السنة لأبي بكر الخلال: 3/ 6498 جامع أمر الروافضة/ 792]

اختراع لفظ الروافض

هذا المصطلح ابتدعه بنو أمية وأتباعهم للنيل ممن يوالي أهل البيت عليهم السلام، ليضيفوا إلى ديوان مساوئهم سيئة أخرى، مخالفين قوله تعالى«وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»[ الحجرات 11]. ولكي يُبَرِرَ أتباع بني أمية عملهم السيِّئ هذا، فادَّعوا أنَّ أوَّل مَن سمَّى الشيعة بالرافضة هو زيد بن عليٍّ علیه السلام ، واستشهدوا على وجه تسميتهم بقول الأصمعيّ «كانوا قد بايعوا زيد بن علي، قالوا إبرأ من الشيخين نقاتل معك، فأبى وقال كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما فرفضوه، وأرفضوا عنه، فسموا رافضة».

وقول الأصمعي هذا لا يصحُّ الركون إليه لأسباب عديدة منها أنه منحرف عن الإمام عليّ علیه السلام وشيعته، فكيف يمكن الاعتماد على قوله، خصوصًا إذا تضمن تنقيصا وازدراء بهم ؟ . إضافة لهذا فإنَّ بعض علماء السنة أطلق لفظ الروافض على كلّ مَن قدَّم عليًّا على أبي بكر وعمر، كابن حجرالعسقلاني؛ فقد قال«والتشيع محبة عليٍّ، وتقديمه على الصحابة، فمَن قَدَّمَهُ على أبي بكر وعمر ، فهو غالٍ في تشيعه ويطلق عليه رافضي، وإِلَّا فشيعيّ، فإنْ انضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض»(1)

وبناء على رأي ابن حجر العسقلاني هذا أن زيداً بن عليٍّ علیه السلام رافضي لأنَّه كان «يقول عليٌّ أفضل من أبي بكر الصديق ومن بقية الصحابة»(2). فمَنْ نَسَبْتُم إليه تسمية الرافضة

ص: 141


1- هدي الساري مقدمة فتح الباري فتح الباري: 640
2- الوافي بالوفيات للصفدي : 22/15

صار عندكم رافضيَّا. وظهرت بدعتكم الباطلة.

و ممَّا يدلُّ على أنَّ تسمية الرافضة هي تسمية سياسيّة افتعلها بنو أميَّة ضدَّ محبي أهل البيت عليهم السلام أمران :

الأَوَّل: أنَّ معاوية هو أوَّل مَن أطلق هذا اللفظ، والدليل على ذلك ما جاء في كتابه الَّذي بعثه إلى عمر بن العاص فقد «كتب إليه أما بعد، فإنه قد كان من أمر عليٍّ وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة، وقدم على جرير بن عبد الله في بيعة عليّ، وحبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم على بركة الله تعالى»(1). فهذا الدليل يبطل قول مَن زعم أن أوَّل مَن سمَّى الشيعة بالرافضة هو زيد بن عليّ ، لأنَّ معاوية كان قبل أن يولد زيد بن علي، بل قبل أن يولد أبو زيد الَّذِي وُلِد سنة 36ه-، وهي السنة التي وقعت فيها السنة التي وقعت فيها حرب أصحاب الجمل.

والأمر الثاني: ما يفهم من صريح قول الشافعي أنَّ محبةَ آل محمد علیهم السلام تسمى رفضاً، وذلك أنّه قال:

«إن كان حبّ الولي رفضًا***فإنني أرفض العباد

وقال أيضا...

إن كان رفضاً حبّ آل محمد***فليشهد الثقلان أني رافضي»(2).

ص: 142


1- تاريخ اليعقوبي لأحمد بن إسحاق اليعقوبي البغدادي: 128/2 [ خلافة أمير المؤمنين علي بن طالب ]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 204 - 205 ، [ الفصل الرابع في نبذ من كلماته وقضاياه الدالة على علو قدره علما وحكمة وزهدا ومعرفة بالله تعالى]

تهمة ابن سبأ

لقد زعم بعض المخالفين لمذهب أهل البيت عليهم السلام أن ابن سبأ هو مؤسس المذهب الشيعي، فذهب العلماء بين مثبت لهذه الشخصية، وبين منكر لوجودها، ومهما كان فلا علاقة للمذهب الجعفري بهذه الشخصية، والذي يدلّ على ذلك أمور:

(1) لو كان ما زعموه صحيحاً لما ذَمَّه علماؤنا في كتبهم، فقد قال الطوسي «عبدالله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو»(1).

(2) ورود بعض الروايات تفيد أن أمير المؤمنين علیه السلام قتله؛ فقد جاء قال الحر العاملي «محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في (كتاب الرجال) عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عثمان العبدي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبدالله سنان عن أبيه، عن أبي جعفرعله السلام قال إن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة، وكان يزعم أن أمير المؤمنين علیه السلام هو الله تعالى فبلغ أمير المؤمنين علیه السلام فدعاه فسأله، عن ذلك فأقر وقال نعم أنت هو، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأنا نبي، فقال له أمير المؤمنين علی السلام ويلك قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكلتك أُمك وتب، فأبى، فحبسه، واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأخرجه فأحرقه بالنار.. الحديث.

وعنه، عن سعد، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى جميعا، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، قال سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول وهو يحدّث أصحابه بحديث عبدالله بن سبأ، وما ادعى من الربوبية لأمير المؤمنين علیه السلام ، فقال إنه لما ادعى ذلك فيه

ص: 143


1- رجال الطوسي : 75

استتابه أمير المؤمنين علیه السلام ، فأبى أن يتوب، فأحرقه بالنار»(1).

(3) لا يوجد دليل يثبت تشيع عبدالله بن سبأ لا من حيث أقواله ولا من حيث أفعاله، فادعاؤه النبوة، وزعمه بإلوهية عليّ علیه السلام يلزم كونه كافراً في مذهبنا .

(4) وجود الشيعة، والتشيع في الصحابة قبل ظهور شخصية ابن سبأ، وبعد قتله خير دليل على عدم صحة هذه الدعوى الباطلة، فمن الصحابة الشيعة الذين كانوا ينتمون للتشيع قبل ظهور شخصية ابن سبأ عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري، ومن الصحابة الذين عاشوا زمناً طويلاً بعد ابن سبأ جابر بن عبد الله الأنصاري، وسُلَيْمانُ بنُ صُرَدٍ.

(5) ظهور طبقة مثقفة من علماء السنّة ومُفكِّريهم نفت علاقة الشيعة بابن سبأ أمثال الدكتور حامد حنفي رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس الذي قال «إنّ ابن سبأ من أعظم الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام الباحثين وغمّ عليهم أمرها، فلم يفقهوها، ويفطنوا إليها، هذه المفتريات التي افتروها على الشيعة حتّى لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيها لفقوه واعتبروها مغمزاً يغمزون به عليهم»(2).

وأمثال طه حسين الذي قال في كتابه الفتنة الكبرى الجزء الثاني، علي وبنوه «أقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين، أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلَّفا منحولا وقد إخترع بآخرة حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية. أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم، والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستندا إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعي أن يظهر

ص: 144


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: 18 / 554 ، [ باب حكم من شتم النبيّ ]
2- نظرات في الكتب الخالدة لحامد حفني داود : 102

أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت بصفين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب علي في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه ويكفر من مال إليه، أو شارك فيه.

ولكننا لا نرى لابن السوداء ذكرا في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الاهمال؟ أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين وعن نشأة حزب المحكمة؟

أما أنا فلا أعلل الأمرين إلا بعلة واحدة. وهي أن ابن السوداء لم يكن إلّا وهما وإن وجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذي صوره المؤرخون وصوروا نشاطه أيام عثمان وفي العام الأول من خلافة علي ! وإنما هو شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم ولم يدخروه للخوارج...»(1).

ص: 145


1- أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو رية : 179، البطحاء، ط. الخامسة

ص: 146

تهمة فارسية التشيع

اشارة

قال الله تعالى«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»[الحجرات 13]. مما لاشك فيه أنَّ الله تعالى بعث رسوله صلی الله علیه و آله وسلم للناس كافة، والإسلام غير محصور بقومية معينة، كالعرب مثلاً، قال الله تعالى«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»[سبأ 28] ، وهذه الحقيقة لا ينكرها أي مسلم، ولكن لما عجز خصوم مذهب أهل البيت عليهم السلام عن رد الأدلة النقلية التي تثبت وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام لجؤوا إلى التشبث بمثل هذه التهم محاولين التخلص من هذه التهمة التي هم أولى بها، ولأجل الدفاع عن هذه التهمة المقلوبة لابد من بيان الحقيقة التي لا مناص منها، فقد امتدح علماء السنَّةِ الفرس قبل تشيعهم؛ و وصفوهم بأفضل التابعين؛ قال ابن تيمية:

«فضل بعض العجم - خاصة عجم أصبهان - لاكتسابهم فضائل السابقين من العرب ولهذا - لما علم المؤمنون من أبناء فارس وغيرهم، هذا الأمر، أخذ من وفقه الله منهم نفسه بالإجتهاد في تحقيق المشابهة بالسابقين، فصار أولئك من أفضل التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وصار كثير منهم أئمة لكثير من غيرهم، ولهذا كانوا يفضّلون مِن الفرس مَن رأوه أقرب إلى متابعة السابقين، حتّى قال الأصمعي فيما رواه عنه أبو طاهر السلفي في كتاب فضل الفرس ، قال «عجم أصبهان قريش العجم». وروى - أيضاً - السلفي بإسناد معروف عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن أسامة بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال لو أني لم أكن من قريش لأحببت أن أكون مِن

ص: 147

فارس، ثم أحببت أن أكون من أصبهان، وروي بإسناد آخر، عن سعيد بن المسيب قال لولا أني رجل من قريش لتمنَّيْتُ أن أكون من أهل أصبهان، لقول النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم «لو كان الدين معلقاً بالثريا لتناوله ناس من أبناء العجم، أسعد الناس بها فارس وأصبهان»، قالوا وكان سلمان الفارسي مِن أهل أصبهان ، وكذلك عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وغيرهما، فإن آثار الإسلام كانت بأصبهان أظهر منها بغيرها، حتّى قال الحافظ عبد القادر الرهاوي «ما رأيت بلداً بعد بغداد، أكثر حديثاً من أصبهان»، وكان أئمة السنة علماً وفقهاً، والعارفون بالحديث وسائر أمور الإسلام المحض، فيهم أكثر من غيرهم حتى أنه قيل إن قضاتهم كانوا من فقهاء الحديث، مثل صالح بن أحمد بن حنبل، ومثل أبي بكر بن أبي عاصم، ومن بعدهم ، وأنا لا أعلم حالهم بآخرة، وكذلك كلّ مكان أو شخص من أهل فارس يمدح المدح الحقيقي إنما يمدح لمشابهة السابقين حتّى قد يختلف في فضل شخص على شخص، أو قول على قول، أو فعل على فعل لأجل اعتقاد كلّ من المختلفين أنَّ هذا أقرب إلى طريق السابقين الأولين، فإنَّ الأمة مجمعة على هذه القاعدة وهي فضل طريقة العرب السابقين وأنَّ الفاضل من تبعهم وهو المطلوب هنا»(1)

فابن تيمية هنا يمدح الفرس ويصفهم بأفضل التابعين، وأنَّ أئمة السنة منهم وهم العارفون بالحديث وسائر أمور الإسلام المحض أكثر من غيرهم، إلى غير المدح، وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى «إنَّ سلمان الفارسي كان هو نائب عمر بن الخطاب على المدائن وكان يدعو الفرس إلى الإسلام».

ولكن لما أُعلن التشيع رسمياً في إيران سنة 1500م، صار التشيع فارسياً، صفوياً،

ص: 148


1- اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية الحراني: 451 - 452 [فصل بين التشبه بالكفار والشياطين وبين الأعراب والأعاجم فرق يجب اعتباره]

وكأنَّ الشيعة ولدت بهذا التاريخ !!!، وبهذه السرعة قد نسوا أنَّ أصل أئمة المذاهب هم من الفرس، وفيما يلي نذكر بعض أعلامهم الفرس

فارسية أئمة المذاهب

إِنَّ أقطاب علماء السنّة وأغلب أئمتهم ينتمون إلى غير العرب كأبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، وجده زوطي من أهل كابل كان مملوكاً لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولد أبوه ثابت على الإسلام(1).

وكذلك أصحاب الصحاح هم من العجم وهم:

(1) مؤلّف صحيح البخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن برد زبه البخاري، توفّي سنة 256ه، وهو أعجمي. قال إمام السنّة الحافظ عبد الله الله بن عدي المتوفى سنة 365ه «سمعت محمد بن أحمد بن سعدان البخاري، يقول محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن مغيرة ابن بردزبه البخاري - وبردزبه مجوسي مات عليها، والمغيرة بن بردز به أسلم على يدي يمان البخاري والي بخارى»(2) .

(2) مؤلف سنن الترمذي محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تلميذ البخاري ،ومسلم، توفي سنة 297ه، وهو أعجمي.

(3) مؤلّف سنن ابن ماجة محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه مولى ربيعة، توفّي سنة 225ه-، وهو أعجمي

(4) مؤلّف سنن أبي داوود سليمان بن الأشعث السجستاني، توفي سنة 275ه، و سجستان بلدة أعجمية.

ص: 149


1- ينظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للقاضي أبي عبد الله حسين بن علي الصيمري: 15
2- الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 1/ 227[ مقدمة المصنف / محمد بن اسماعيل البخاري]

(5) مؤلف سنن النسائي أحمد بن شعيب النسائي نسبة لمدينةنسابخراسان،وهو أعجمي.

وهؤلاء أصحاب الصحاح الست كلّهم من الأعاجم باستثناء مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري ولد في نيسابور وهو بلد أعجمي وتوفَّى بظاهر نيسابور سنة 261ه(1). ولكن أصله عربّي ينتسب إلى قبيلة قشير. فبعد أن ثبت أنَّ كلَّ هؤلاء العلماء الذين تعتمد عليهم السنة في عباداتهم ومعاملاتهم من الفرس، فنحن لا نقول إن مذهب مخالفينا أصوله فارسية .

شُبهة ابن تيمية

قال ابن تيمية «قد تواتر عنه [ أي عن عليّ علیه السلام] من الوجوه الكثيرة أنه قال على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر « خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر »، وبذلك أجاب ابنه محمد بن الحنفية فيما رواه البخاري في صحيحه، وغيره من علماء الملة الحنيفية، ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليَّا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر وإنما كان نزاعهم في تفضيل عليّ وعثمان، وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر حتَّى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي قال سأل سائل شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، فقال له أيهما أفضل أبو بكر أو علي ؟ فقال له أبو بكر. فقال له السائل أتقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال نعم، إنما الشيعي من قال مثل هذا، والله لقد رقى عليٌّ هذه الأعواد فقال «ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر أفكُنَّا نردّ قوله؟ أكُنَّا نُكذبه؟ والله ما كان كذابًا. ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ نقله عنه القاضي عبد الجبار الهمداني»(2).

ص: 150


1- الأعلام للزركلي: 221/7[الإمام مسلم]
2- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 1/ 69 - 70[ مقدمة ابن تيمية]
الجواب

لقد كذَّب ابن تيمية في هذه الشُّبَيْهَة مرَّات عديدة :

الأولى: زعم أنه قد تواتر قول عليٍّ علیه السلام على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثُمَّ عمر. وما روي لم يقل أحد بتواتره إلا ابن تيمية، وما في صحيح مسلم خلافه، فقد جاء في صحيح مسلم في حديث طويل أنّ العباس وعلي بن أبي طالب علیه السلام دخلا على عمر بن الخطاب يطالبانهبفدك، فقال عمر «... فَلَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ أبو بَكْرٍ أَنا وَلي رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فَجِتْها تَطْلُبُ مِيرَانَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أبِيهَا، فَقَالَ أَبو بَكْرٍ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم «مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آتِها غَادِرًا خَائِنَا، وَالله يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ »

تابعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرِ، وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، فَرَأَيْتُمَانِ كَاذِبًا آئِمَا غَادِرًا خَائِنًا، وَالله يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَاتٌ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ...»(1). فمَن كان يرى أبا بكر وعمر كاذبين آثمين غادرين خائنين كيف يراهما خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؟!!!

الثانية: زعم ابن تيمية أنَّ الشيعة الأوائل كانوا يفضلون أبا بكر وعمر على عليٍّ علیه السلام ، وزعم أنَّ هذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر، ولم يأتِ بدليل صحيح حتَّى من كتب السنة. وهذا كذب باتفاق الشيعة، فمن هؤلاء الأكابر من الأوائل والأواخر ؟!!!

الثالثة: زعم أنَّ أبا القاسم البلخي شعيٌّ، وهذا كذب لأنَّه من السنة صريح المعتزلة؛ فقد جاء في كتاب تاج التراجم في طبقات الحنفية ج 1 / ص 11 «عبد الله بن أحمد بن محمود أبو القاسم البلخي صاحب التصانيف في علم الكلام، وكان فيه اعتزال

ص: 151


1- صحيح مسلم : 550 - 756 [ح. 1757 / كتاب الجهاد والسير باب حكم الفيء]

أقام ببغداد، واشتهرت بها كتبه، ثمَّ عاد إلى بلخ، وتوفى بها في شعبان سنة تسع عشرة وثلاثمائة فيما ذكره ابن الخطيب».

الرابعة: زعم أنَّ شريك بن عبد الله بن أبي نمر شيعي، وهذا كذب صريح، فلم يذكر أحد من علماء الرجال الذين ترجموا له أنَّه كان شيعيًّا .

الخامسة : زعم أنَّ شريك بن عبد الله بن أبي نمر سمع من عليٍّ علیه السلام ، وهذا لم يقل به أحد من علماء الرجال أنَّه سمع من عليّ أو عاصر عليَّا، لأنَّه توفّي سنة 140ه، وهذا يعني أنَّه ولد بعد شهادة علي علیه السلام ، فكيف يزعم أنَّه رأى عليًّا علیه السلام ، وسمع منه ؟!!!!

ولنذكر أقوال بعض علماء السنَّة ممن ترجم لشريك بن عبد الله بن أبي نمر ؛ قال أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن أبو نصر البخاري الكلاباذي (المتوفى 398ه) «شريك بن عبد الله بن أبي نمير أبو عبد الله القرشي وَقَالَ الْوَاقِدِيّ هُوَ اللَّيْثِي مِن أنفسهم المديني سمع أنس بن مالك وَعَطَاء بن يسار وَسَعِيد بن المسيب وكريبا، رَوَى عَنهُ سعيد المَقْبُرِي وَمَالك بن أنس وسليمان بن بِلال وَإِسْمَاعِيلَ وَمُحَمّد أبْنا جَعْفَر بن أبي كثير في العلم، وَغير موضع قَالَ الْوَاقِدِيّ توفي سنة 140 قبل خُرُوج مُحَمَّد بن عبد الله»(1).

وقال جلال الدين السيوطي «شريك بن عبد الله بن أبي نمر المدني روى عن أنس وابن المسيب وعطاء وطائفة وعنه مالك والثوري وأبو حمزة وآخرون قال بن سعد ثقة كثير الحديث ووثقه أيضا النسائي وابن معين وابن عدي مات بعد سنة أربعين ومائة»(2).

وقال ابن حبان «شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي من أهل المدينة ربما أخطأ وأبو نمر جده شهد بدرًا يروى عن أنس روى عنه المقبري ومالك وسليمان بن بلال

ص: 152


1- الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد: 1 / 353 - 354 ، [ باب الشين/ 51 - شريك ]
2- إسعاف المبطأ برجال الموطأ لجلال الدين السيوطي : 46

والناس مات بعد الأربعين ومائة كنيته أبو عبد الله »(1).

فلم يقل أحد بأنَّه روى عن عليٍّ علیه السلام أو سمع منه أو كان من شيعته!، ولعلّ كلام ابن تيمية هذا الذي ذكره في مقدمة كتابه منهاج السنة النبوية يُعَدُّ براعةً في استهلال كتابه بالكذب، وهذا يعني أنه بنى كتابه على الكذب، وهذا واضح في مواضع كثيرة من كتابه ،كما يلاحظ القارئ الكريم في شبهاته السابقة التي نوقشت في هذا الباب.

ص: 153


1- الثقات لابن حبان : 4 / 360 ، [3344 - شريك بن عبد الله ]

ص: 154

مصادر التشريع عند الشيعة

اشارة

إنَّ أكثر الناس الذين يُعادون التشيع أو الشيعة يجهلون حقيقة معتقداتهم، أو مصادر تشريعهم، لذا كان من المناسب إعطاء فكرة موجزة عن مصادر التشريع عند الشيعة، وهي أربعة مصادر:

المصدر الأول : القرآن الكريم

وهو كتاب الله تعالى الَّذي نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ عند الله تعالى على نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم، الموجود حالياً بين أيدي المسلمين كامل منزّه عن النقص والتحريف، قال الله تعالى «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَفِظُونَ»[ الحجر 9 ] ، وهو متواتر بكلماته وحروفه بالتواتر القطعي منذ زمن نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم حتى عصرنا الحاضر.

المصدر الثاني : السنة النبوية الشريفة

ودليل حجيتها قوله تعالى«الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وَمَا نَهَنكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا . [الحشر 7]، وهي متمثلة بقول المعصوم وفعله وتقريره الواصلة إلينا بالطريق الصحيح الثقات العدول، ويشترط بالحديث أن لا يخالف القرآن؛ كما روى الشيخ الكليني؛ فقال عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه ، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: «كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة، وكلُّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف»(1).

ص: 155


1- الكافي للشيخ الكليني : 1 / 69 ، [ كتاب فضل العلم / باب الأخذ بالسنَّة وشواهد الكتاب / ح. 3]
المصدر الثالث : الإجماع

وهو اتفاق جميع علماء الأمة، أو علماء الإمامية الذي يكشف ضمناً عن قول المعصوم.

المصدر الرابع: دليل العقل

ويرجع إليه وإلى قواعده عند فقدان النصوص أو تعارض الأدلة، وملخصه هو إدراك العقل بما هو عقل للحسن والقبيح في بعض الأفعال الملازم لإدراكه تطابق العقلاء عليه وذلك ناتج من تأدب العقل بذلك وبما أن الشارع سيد العقلاء، فقد حصل إدراك حكم الشارع قطعاً وليس وراء القطع حجة.

ص: 156

الخاتمة

لقد أُثْبِتَ في هذا الباب أنَّ التشيع هو الإسلام الصحيح الذي أمر به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم،

وأنَّ أوَّل تكتل للشيعة حصل بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في دار عليّ بن أبي طالب علیه السلام، وقد ذُكِر في بداية مباحث الكرّاس معنى الشيعة في اللغة، ثمَّ ذُكِر تعريف الشيعة عند بعض علماء السنة كالأشعري، وابن حزم، ومعنى الشيعة في القرآن الكريم، ثُمَّ ذُكِرت بعض الآيات القرآنية التي تُنَادي بالتشيع، مع الرَّد على بعض الشبهات التي أثارها بعض المخالفين حول دلالة الآيات التي تنادي بالتشيع لعليٍّ علیه السلام ، كذلك فقد ظهر أن مذهب أهل البيت عليهم السلام هو المذهب الذي أمر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بالتمسك به، وذلك من خلال دلالة حديث الثقلين، إضافة إلى الأحاديث النبوية العديدة الَّتي تُنَادي بالتشيع، والتي تشير بصورة صريحة وواضحة إلى أنَّ مذهب التشيع هو المذهب الذي أمر به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم منذ أوائل الدعوة الإسلامية، وحتى آخر أيام عمره المبارك، وهذه الأحاديث التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بطرق وصيغ وإن كانت مختلفة إلا أنها تصبُّ في مفهوم واحد، وهو دعوة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى التشيع لعليّ بن أبي طالب علیه السلام وأهل البيت عليهم السلام، مما يصبح واضحاً أنَّ التشيع لم يولد إلا في حياة رسول الله ، وأنه هو الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأنَّ الخلاف وقع بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فمنع انتشار التشيع بأساليب عديدة منها منع رواية أحاديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم التي تحتوي على أحاديث كثيرة تُبيّن أحقية عليّ وأهل البيت عليهم السلام في الخلافة الربانية، وتأمر المسلمين بإتباعهم. ومنها التقليل من شأن أهل البيت عليهم السلام، كعدم قبول شهادة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام

ص: 157

التي جاءت تطالب بحقها من ميراث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

كما ذُكِرَت بعض الردود على الشبه السلفية التي حاولت التقليل من أهمية الأحاديث التي تنادي بالتشيع أو تضعيفها، إضافة إلى الرد على شُبَه عديدة ومختلفة، كما أشير إلى التشيع بعد وفاة الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مع ذكر أسماء بعض الصحابة والتابعين الذين اشتهروا بتشيعهم، إضافة إلى بيان معاناة الشيعة بعد استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام ، مع بيان آثار السياسة الأموية في محاربة التشيع، وزرع البغض والكره ضد أهل البيت عليهم السلام، ومحبيهم، واتهامهم بتهم كاذبة وباطلة كاختراعهم لفظ الروافض، وغيرها من الأساليب التي يحاول الوهابية في العصر الحاضر إحياءها. كما بين زيف بعض الادعاءات والتهم الباطلة التي يحاول المخالفون التشبث والتمسك بها كتهمة فارسية التشيع، وتهمة ابن سبأ ونحوهما.

هذا ونسأل الله العلي القدير أن يتقبل منا هذا الجهد البسيط، ويجعله هداية لطلاب الحقيقة، والرشاد، وأنْ يَمُنَّ على الأمة الإسلامية بنبذ الفرقة، والابتعاد عن الأساليب التي تضعف المسلمين والإسلام، والركون إلى الحوار العلمي البناء. والالتزام بالسنّة النبوية ومجانبة البدعة، والتمسّك بكتاب الله تعالى وعترة رسوله صلی الله علیه و آله وسلم وأهل البيت عليهم السلام .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 158

الباب الثاني: ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب والسنة

اشارة

ص: 159

ص: 160

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله الواحد الاحد الذي بعد فلا يرى وقرب فشهد النجوى المحمود في الاخرة والاولى جاعل في الارض خليفة ليهدي به الخليقة وصلاته الدائمة على من بهم الارض قائمة الهداة الابرار أهل البيت الاطهار.

لا نعدوا الحقيقة ولا نحيد الصواب ما إذا لو قلنا ان الامامة تعد واحدة من أهم المسائل الاسلامية التي دار عليها الجدل والخلاف بين علماء الاسلام، وما حصل خلاف كما حصل عليها؛ اذ تجد كتب العقائد والمناظرات مشحونة بالتجاذبات والصدامات لما لها من الاهمية القصوى المستمدة من روح النصوص الالهية التي يجمعها القرآن ومن هدي السنة النبوية التي تجمعها مصنفات الفرق الاسلامية، إضافة الى ان موقعها فيه من الاهمية ما يجعل التنافس فيه بصورة رهيبة؛ لأنها خلافة النبي صلی الله علیه و آله و سلم واستلام دفة حكم المسلمين وإصدار الاحكام والاوامر باسم الاسلام، فيرغب بها كل تقي فكيف بالذي دونه، فبعد رحيل المصطفى صلی الله علیه و آله و سلم الى الرفيق الاعلى بعد ان أدى رسالته على أتم وجه، بدأ التجهيز لأخذ مقام النبي صلی الله علیه و آله و سلم السياسي والتشريعي بينما النبي صلى الله عليه و آله وسلم مسجى على دكة المغتسل قد أحاط به جمعٌ من أنصاره واصحابه، إذ بدأت السقيفة تأخذ صداها فتجمع عدد من الصحابة لمبايعة شخص قد اختاروه مسبقاً، فحصل بذلك الخلاف على هذا المنصب

ص: 161

الخطير، فاعتمد جمعٌ نظرية الشورى وما تلتزم به من كتاب الله حسبنا وغيرها، جمع بواقعية تعيين الامامة بالنص، فكان ذلك نقطة تحول كبيرة في حياة المسلمين حيث رافق ذلك نظرية منع تدوين الحديث خوفاً من اختلاطه ، مع القرآن الكريم وبالتالي ضياع القران الكريم - كما يزعمون - الذي وعد الله بحفظه الى يوم الدینحيث يرى جمع من المفكرين ان هذه النظرية تستبطن إخفاء فضائل الإمام علي علیه السلام واحقيته بالخلافة، ولم تنتهي هذه النظرية بانتهاء حكم الخليفة الأول بل تعدى الأمر الى الخليفة الثاني والثالث فاستمر النهج ذلك النهج والسياسة تلك السياسة، حتى وصل الأمر إلى ضرب من يذكر حديثاً عن النبي الاعظم صلی الله علیه و آله وسلم او يحبس على ذلك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كإدراة الحكم من النظام والتشريع والقضاء فقد حصل الشيء الكارثي فترى الخليفة يُسأل ولا يستطيع الجواب مراراً وتكراراً وقد خلّد الدهر ذلك (لولا ابو الحسن لهلك...)، ومن هذا الواقع انجر الامر الى نشوء اعداء لآل البيت النبوي مقابل اولئك الثابتين على مبدئهم ولم ينقلبوا ، فصارت كل فئة تدافع عن رأيها وفكرتها، حتى انجر ذلك الى الاتباع فحصل الخلاف بينهم فنشأت المدارس الفكرية والعقائدية على أثر هذا الامر، فحصلت السجالات الكلامية وكثرت الشبهات وكثر قولهم (قلتم وقلنا)، فبعد قوم عن المنهج فضلاً عن بعدهم من الصواب والحقيقة، وقيل ما حصل خلاف كما حصل في الامامة والخلافة فترى كتب العقائد والتاريخ مملوءة بالنقاشات والردود، ولا يزال هذا الامر مستمراً الى يومنا هذا، وكثيراً من تلك المناهج التي بعدت عن الحق واتهمت الامامية بتهم زائفة بعيدة عن الصواب والواقع قد روج لها مع علمهم انها باطلة وقد انتفع من هذا الترويج قوم، ولا تزال الامامية تُرمى بالتهم من قبل خصومهم، فتولد من هذه النقاشات والاقوال خلاف كبير وقد أمر الله تعالى بتوحيد الكلمة وعدم بث روح التفرقة بين المسلمين وهذا ما يفرح الاعداء ويحزن

ص: 162

المؤمنين، وقد اشار النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى هذا الخلاف في حديث عنه معروف بحديث الافتراق او الاختلاف والذي كان منه «ستختلف هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة..» وفعلا فقد أثبت هذا الحديث معجزته الغيبية فكل فرقة تأمل ان تكون هي الناجية والباقي في النار ، ولم تنتهي تلك الاختلافات فلا تزال نارها موقدة الى يومنا هذه حتى يخرج الله عز وجل من يخمدها ويملأ الارض قسطاً وعدلاً.

وما يزال مداد العلماء يجري في اوديته الحقة لبيان مظلومية مذهب أهل البيت عليهم السلام والدفاع عنه وبيان وجهه الناصع لمن خفي عليه ذلك، ونحن نقتفي على أثرهم فنظرنا لتلك المناهج بمعق واثبتنا ان الامامية لهم الحق فيما يقولونه ويعتقدونه مستدلين بذلك من مصنفات مدرسة الصحابة في اثبات كبريات مسائلهم العقائدية لاسيما أصل الامامة، فتوفر البحث على عدة مباحث رئيسة بدأت من تعريف الامامة وماهيتها في القران والسنة واختممت بأدلة استحقاق أمير المؤمنين لهذا المنصب دون غيره .

ص: 163

ص: 164

تمهيد

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين، لا نبالغ إن قلنا إن كثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة التي اختصت بذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل البيت عليهم السلام قد دُفنت في صدور الرواة، ولم يصرحوا بها، وذلك لعدة أسباب، أهمها: الخوف من الحاكم أو السلطان بسبب الاضطهاد الفكري، ومحاولات طمس فضائل عليّ وأبنائه علیهم السلام، وأحقيتهم بالخلافة المنصوص عليها من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله فمن شواهد ذلك ما رواه الحافظ الموفّق بن أحمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي بإسناده عن سليمان بن مهران الأعمش : قال : «بينا أنا نائم في الليل اذ انتبهت بالجرس على بابي فناديت الغلام فقلت: من هذا ؟

قال: رسول أبي جعفر أمير المؤمنين وكان إذ ذاك خليفة [ من الخلفاء العباسيين] قال: فنهضت من نومي فزعا مرعوباً فقلت للرسول ما وراءك؟ هل علمت لم بعث إليّ أمير المؤمنين في هذا الوقت؟

قال : لا علم لي، فقمت متفكراً لا أدري على ماذا أُنزِلُ الأمر، أفكر فيما بيني وبين نفسي إلى ماذا أصير إليه وأقول لم بعث إلي في هذا الوقت وقد نامت العيون وغارت النجوم؟! ففكرت ساعة، ثم ساعة، فقلت: إنما بعث إلي في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام فإن أنا أخبرته فيه بالحق أمر بقتلي وصلبي، فأيست والله من نفسي وكتبت ،وصيتي والرسل يزعجونني ولبست كفني وتحنطت بحنوطي

ص: 165

وودعت أهلي وصبيتي ... »(1) . فهكذا كان حال الرواة المقربين من السلطة الحاكمة، يعيشون في حالة خوف وحذر ، وكثيراً ما يتعرَّضون لتهمة التحدّث بروايات الفضائل، فيزج بهم في المعتقلات والسجون، أو يتعرّضون للقتل أو التعذيب، أو غير ذلك من أساليب القمع والإضطهاد، فحتى أحمد بن حنبل المقرَّب من المتوكَّل العباسي الذي كان يغدق عليه بالأموال والهدايا «فتشت داره بسعاية كاذبة أساسها أنه آوى علوياً خارجاً على الخلافة في بيته» .(2)

فإذا كان هذا حال الرواة، والعلماء المقربين من السلطان الحاكم في زمن العباسيين فما بالك في حالهم في عهد بني أمية ؟ بل كيف كان يعيش العلماء، والناس الموالون لأهل البيت عليهم السلام ؟ !

فكان الرواة في زمن بني أمية يخشون حتَّى مجرد الرواية عن آل البيت عليهم السلام حتّى أصبحت الصحاح شبه خالية من أحاديث أهل البيت عليهم السلام «قال مصعب بن عبد الله: سمعت الدراوردي يقول: لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس.»(3)

فهذا أحد الأسباب المهمة التي أخفت حقائق كثيرة، وأحاديث كثيرة عن فضائل أهل البيت عليهم السلام.

ومن هذه الأسباب منع عمر بن الخطاب من تدوين الحديث، فكان يقول: أقلّوا الحديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وزجر غير واحد من الصحابة عن بثَّ الحديث، فقد قال أبو هريرة: «ما كنا نستطيع أن نقول : قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى قبض عمر كنّا نخاف السياط »(4) .

ص: 166


1- المناقب : 284 - 285 [ ح. 279 - الفصل التاسع عشر ]
2- ابن حنبل حياته وعصره - آراؤه وفقهه للامام محمود أبو زهرة: 64
3- سير أعلام النبلاء للذهبي (ت . 748ه) : (6 / 439 ، [ الطبقة الخامسة من التابعين]
4- ينظر بالترتيب: المعجم الأوسط للطبراني: 1 / 576 ا ح . 2117- من اسمه أحمد]، وشيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو رية : 125 - 126

والباحث اللّبيب يدرك أنَّ السبب الحقيقي والوحيد الذي دعاه لمنع كتابة الحديث في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم - وذلك في قصة رزيَّة الخميس المذكورة في صحيح البخاري(1) وفي غيره من الصحاح - هو نفس السبب الذي دعاه إلى منع كتابة الحديث بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وهو نفس السبب الذي دعا الحكّام الأمويين، والعباسيين من محاربة كلّ مَن يتحدث بأحاديث الولاية، أو يذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام، وهذا الأمر في غاية الوضوح فلا يحتاج إلى تأمل شديد، أو دقة نظر.

ومن مظاهر كتمان الحقيقة والخوف من السلطة الحاكمة ما تراه جلياً في قول أبي هريرة «ولو أحدثكم بكل الذي أعلم لقطعتم عنقي من ها هنا وأخذ قفاه بحرف كفه» [ثم رفع يده للدعاء قائلاً:] «اللهم لا تدركن أبا هريرة إمرة الصبيان(2) فما منع أبا هريرة من التصريح شيء سوى الخوف من السلطة الحاكمة، وما هو هذا الخبر الذي لو باحَ به لقتلوه؟! ، وما علاقته بالإمارة وإمرة الصبيان، حتى يدعو أبو هريرة على نفسه بالموت قبل حلولها؟! فكل هذا الكلام فيه تعريض إن لم نقل تصريح بغصب الخلافة من صاحبها الشرعي.

ومن الأسباب التي أدت إلى ضياع أحاديث الخلافة، والولاية: تكتم بعض الرواة

ص: 167


1- صحيح البخاري : 39 [ح. 114 كتاب المغازي]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 509/7 [ح. 37616 / ما ذكر في فتنة الدجّال] ، ؛ ونص الحديث: «حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا بن عون عن عمير بن إسحاق قال سمعت أبا هريرة يقول ويل للعرب من شر قد اقترب أطلت والله لهي أسرع إليهم من الفرس المضمر السريع الفتنة الصماء المشبهة يصبح الرجل فيها على أمر ويمسي على أمر القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ولو أحدثكم بكل الذي أعلم لقطعتم عنقي من ها هنا وأخذ قفاه بحرف كفه اللهم لا تدركن أبا هريرة إمرة الصبيان ورفع يديه حتى جعل ظهورهما مما يلي بطن كفه»

لأسباب غامضة: فقد روى الحاكم النيسابوري .... «عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نظر النبي إلي فقال: «يا علي، أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي، و حبیبي الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي » [ ثمّ قال الحاكم : ] صحيح على شرط الشيخين ، «وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح»، سمعت أبا عبد الله القرشي يقول: سمعت أحمد بن يحيى الحلواني يقول: «لما ورد أبو الأزهر من صنعاء وذاكر أهل بغداد بهذا الحديث أنكره يحيى بن معين، فلما كان يوم مجلسه، قال في آخر المجلس أين هذا الكذاب النيسابوري الذي يذكر عن عبد الرزاق هذا الحديث؟

فقام أبو الأزهر، فقال: هو ذا أنا، فضحك يحيى بن معين من قوله وقيامه في المجلس فقَرَّبه وأدناه، ثم قال له: كيف حدثك عبد الرزاق بهذا، ولم يحدث به غيرك؟

فقال : إعلم يا أبا زكريا أني قدمت صنعاء وعبد الرزاق غائب في قرية له بعيدة فخرجت إليه، وأنا عليل فلما وصلت إليه سألني عن أمر خراسان، فحدثته بها وكتبت عنه، وانصرفت معه إلى صنعاء، فلما ودعته، قال لي قد وجب على حقك، فأنا أحدثك بحديث لم يسمعه مني غيرك، فحدثني والله بهذا الحديث، لفظاً فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه»(1).

ومن هنا تعلم أنَّه ليس من المستبعد أن يكون عبد الرزاق قد أخفى أحاديث كثيرة مثل هذا الحديث الذي خصّه بأبي الأزهر إكراماً له ؛ لقوله: «قد وجب عليَّ حقك»، وهذا يعني أنَّ هذا الحديث من الأحاديث المعتبرة والصحيحة عند عبد الرزاق، فإذا كان ذلك فلماذا كان عبد الرزاق يكتم هذا الحديث؟!

و من معاناة الرواة كانوا يجبرون على التقول على رسول الله بما لم يقله فمن شواهد

ص: 168


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 339 - 340، [ح. 4698، وعن جابر ابن عبد الله 4697 - ذكر اسلام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام]

هذه المسألة ما رواه مسلم في صحيحه بسنده «عن ابن علية قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه...(1) إلى آخر الحديث، والشاهد قوله: «فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه»، فهو يعتذر إليهم طالباً عدم تكليفه بما لم يسمع، فإذا لم يكن هناك تكليف وإجبار لما قال لهم ذلك.

ومن الأسباب التي أدَّت إلى ضياع أحاديث الخلافة، والولاية أيضاً: تفشِّي ظاهرة اتهام الرواة بالتشيع، والرفض، وعدم الإهتمام أو الأخذ بمروياتهم، وذلك إِذا رَوَوا أحاديث في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، حتى أنّ الإمام الشافعي اتّهموه بالرفض، فلم يتحمّل كلّ هذا الجمود الفكري المتعصب ضدَّ أهل البيت عليهم السلام فانفجر صارخاً مدافعاً

عن نفسه بقوله:

قالوا ترفّضتَ؟ قلتُ: كلا***ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيتُ غيرشك***خير إمام وخير هادي

إن كان حبُّ الوليّ رفضاً***فإنني أرفَضُ العباد

وقال أيضا:

يا راكبا قف بالمحصّب من منى***واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى***فيضاً كملتطم الفرات الفائض

ص: 169


1- وصحیح مسلم: 1021 [ح . 2408 كتاب فضائل الصحابة]

إن كان رفضاً حبّ آل محمد***فليشهد الثقلان اني رافضي(1)

ولقد لاقى الموالون لآل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم الإضطهاد والتعسّف والقتل بعد وفاة الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم، ومن شواهد ذلك ما رواه الطبراني بسنده عن «عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ زِيَادٌ يَتَتَبَّعُ شِيعَةَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فَيَقْتُلُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَسَنَ بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ:

«اللهُمَّ تَفَرَّدْ بِمَوْتِهِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ كَفَّارَةٌ »(2) .

فهذه بعض الأسباب التي أدت إلى عدم استيعاب كتب السنة لكلِّ ما روي بخصوص ولاية علي بن أبي طالب، وآل البيت علیهم السلام، أو أدت إلى إنفراد بعض الرواة برواية معينة دون أن يرويها غيره من الرواة. ومع كل هذا وذاك فما عثرنا عليه من النصوص في كتب السنة، وأوردناه في هذا الكراس كافٍ لإثبات أحقية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام بالخلافة مباشرة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، وقد ذكرنا أولاً أدلة ولاية أمير المؤمنين في القرآن وثانياً أدلّة ولاية أمير المؤمنين في الأحاديث النبوية الشريفة، وذلك بالإعتماد على مصادر وكتب أهل السنة فقط، لإلزام المخالف الحجة الظاهرة التي لا ينكرها إلا المتعصب الحائد عن طريق الحق، أو الناصبي الذي يبغض أهل البيت عليهم السلام، وبإذن الله تعالى سيهتدي بها كل طالبٍ للحقيقة ومنصف يريد النجاة ويريد إرضاء الله تعالى .

ص: 170


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 204 - 205 ، [الفصل الرابع في نبذ من كلماته وقضاياه الدالة على علو قدره علما وحكمة وزهدا ومعرفة بالله تعالى]
2- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 201 [ ح.2624 / بقية أخبار الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما]

الإمامة في القرآن الكريم

اشارة

القرآن الكريم دستور المسلمين فاذا ما حصل خلاف على أمر ما رجعوا اليه وجعلوه و الحكم بينهم ولا صوت يعلو فوق صوت الكتاب العزيز، وهذا هو المطلوب ولابد من ان يكون هو المتفق عليه، لكن حتى في هذا المقدار الخلاف حاصل، لان المعاند مهما اقمت له الحجة وبينت له الصواب والحقيقة فانه لا يفتأ يجادل ويماطل حتى جاء ذم الجدال والمماطلة والمخاصمة .

أ- الامامة العامة :

عند التأمل في آيات القران الكريم تجدها تناولت هذا الموضوع ببعدين:

الاول : بالإمامة العامة وشرعيتها وأظهر آية في ذلك الآية الابراهيمية التي يستفاد منها الامامة العامة حتى وان جاء فيها أسم شيخ الانبياء علیه السلام

الثاني: الآيات التي يستدل بها الامامية على اثبات معتقدهم بأحقية خلافة علي علیه السلامواولاده الطاهرين وهي متعددة سنسوقها خلال البحث ان شاء الله .

آيات الامامة العامة في القرآن الكريم :

1- وهي قوله تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(1) فهذا المقام حصل عليه شيخ الانبياء بعد مقام النبوة وفي ذلك قرينة على ان هذا المنصب أعلى من مرتبة النبوة

ص: 171


1- سورة البقرة : 124

فإن النبوة متقدمة عليه وهذا المقام انما حصل عليه بعد نجاحه في الاختبار والابتلاء، بدلالة أسم الفاعل (جاعلك) المستفاد منه إعطاء هذا المقام في الحاضر او المستقبل كما انها تعطي صلاحية استمرار الامامة بعد النبوة، بدليل ان ابراهيم علیه السلام طلب هذا المقام العظيم لذريته فلم تقف الآية عند حد ولم تنهي فترة الامامة بل قالت له ان الظالمين من ذريتك لا يصلون ولا ينالون لهذا الموقع والمقام الالهي العظيم.

2- قوله تعالى : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(1)

3- قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهَ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهَ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا»(2).

4- قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»(3)

5- قوله تعالى: »نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(4)

ولفظة الائمة واردة في القرآن الكريم أربع مرات تقريباً واستعملت لائمة الضلال أيضاً .

1- قوله تعالى: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ

ص: 172


1- سورة الانبياء : 73
2- سورة النساء: 59
3- سورة السجدة : 24
4- سورة القصص : 5

الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُم لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»(1)

قوله تعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ»(2)

ب - الإمامة الخاصة في القرآن الكريم

يقصد بها هنا النص على امامة أئمة أهل البيت علیهم السلام حصراً من دون ان يشترك أحد وغالبها في أمير المؤمنين علیه السلام، لان الخلاف الاولي حصل بين المسلمين في أحقيته بالخلافة اولا وقبل كل أحد، والامامية تصرح بأنه هو المستحق للخلافة ومن بعده ولده لا يشاركهم فيها أحد ، بنص من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فاذا ثبت استحقاق أمير المؤمنين علیه السلام للخلافة أولاً من دون ان يتقدم عليه أحد، فذلك دال على ان خلافة من كان قبله باطلة بضرورة التلازم؛ لأن خلافته تدفع تلك الخلافة التي قبلها وتفقدها شرعيتها، وفيما يلي استعراض لآيات الامامة الدالة على إمامة أمير المؤمنين وأحقيته بالخلافة هو و اولاده.

الآية الأولى :

تأمر بأن نكون مع علي علیه السلام

قال الله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ »[التوبة : 119]، فقد ذكر جماعة من علماء السنة أنّ المراد من الصادقين في هذه الآية الكريمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، و علي علیه السلام ، وقيل : مع الصادقين أي مع علي بن أبي طالب(3).

ص: 173


1- سورة التوبة : 12
2- سورة القصص : 41
3- ينظر : الدر المنثور للسيوطي : 3/ 517 ، والمناقب للخوارزمي الحنفي : 280 ، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 406، والكشف والبيان (تفسير الثعلبي) للإمام أبي إسحاق أحمد الثعلبي (ت. 427ه) : 5 / 109 ، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت . 654ه): 19
الآية الثانية

تأمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم أن يدلّ المسلمين على وليّهم كما دلّهم على صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجّهم ليلزمهم الله تعالى الحجة في جميع ذلك:

قال الله تعالى:«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» [المائدة: 67]

«نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب علیه السلام [يوم غدير خم]، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فلقيه عمرفقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة»(1).

و قال السيوطي: «أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» أنَّ علياً مولى المؤمِنينَ «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»(2). [المائدة / 67]

قال الحاكم الحسكاني الحنفى(3)«252 -... سمعت زياد بن المنذر يقول: كنت

ص: 174


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي الشافعي: 12 / 42 ، وينظر الدر المنثور للسيوطي 2 / 528 ، ط . الثانية ؛ 2004 م - 1424ه، وسمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي 2 / 566 ، وانظر: تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت . (427ه) : 4 / 92 ، والكتاب المصنف في الحديث والآثار للإمام الحافظ شيخ البخاري أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة : 375/6، [ ح. 32109 / فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
2- الدر المنثور للسيوطي : 2 / 528
3- قال الذهبي: «الحسكاني القاضي المحدث أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحاكم ويعرف بابن الحذاء الحافظ شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث وهو من ذرية الأمير عبد الله بن عامر بن كريز الذي افتتح خراسان زمن عثمان وكان معمرا عالي الإسناد صنف في الأبواب وجمع وحدث عن جده احمد وعن أبي الحسن العلوي وأبي عبد الله الحاكم وأبي طاهر بن محمش وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وأبي الحسن بن عبدان وابن فجويه الدينوري وأبي الحسن علي بن السقاء وأبي عبد الله بن باكويه وخلق وينزل الى أبي سعيد الكنجرودي ونحوه اختص بصحبة أبي بكر بن الحارث الأصبهاني النحوي وأخذ عنه وأخذ أيضا عن الحافظ احمد بن علي بن منجويه وتفقه على القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد ... »تذكرة الحفاظ - ج 3 ص 258

عند أبي جعفر محمد بن علي وهو يحدّث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له : عثمان الأعشى - كان يروي عن الحسن البصري - فقال له : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك، إن الحسن يخبرنا أنَّ هذه الآية نزلت بسبب رجل ولا يخبرنا من الرجل «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» .

فقال : لو أراد أن يخبر به لأخبر به ولكنه يخاف إن جبرئيل هبط على النبي صلی الله علیه و آله و سلم فقال له: إن الله يأمرك أن تدلّ أُمتك على صلاتهم، فدلّم عليها، ثم هبط فقال: إنّ الله يأمرك أن تدلّ أمتك على زكاتهم. فدلّهم عليها، ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدلّ أمتك على صيامهم، فدلّهم، ثم هبط فقال : إن الله يأمرك أن تدلّ أمتك على حجهم ففعل، ثم هبط فقال : إنّ الله يأمرك أن تدلّ أمتك على وليّهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجّهم ليلزمهم الحجة في جميع ذلك.

فقال رسول الله: «يا رب إن قومي قريبو عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم وإني أخاف»

فأنزل الله تعالى:«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»[المائدة: 67] يريد فما بلغتها تامة «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» ، فلمّا ضمن الله بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي بن أبي طالب ثم قال :

ص: 175

«يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه».

قال زياد: فقال عثمان: ما انصرفت إلى بلدي بشيء أحب إلي من هذا الحديث(1). قال الطحاوي: «حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم حضر الشجرة بخم فخرج آخذاً بيد علي فقال: «يا أيها الناس، ألستم تشهدون أن الله عز وجل ربكم؟ قالوا: بلى، قال: «ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأن الله عز وجل ورسوله مولیاکم؟» قالوا بلى قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله بأيديكم وأهل بيتي»(2) وقال الحاكم الحسكاني الحنفي أيضاً : 254 -... عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم [وساق] حديث المعراج إلى أن قال: «وإني لم أبعث نبياً إلا جعلت له وزيراً، وإنك رسول الله وإن علياً وزيرك».

قال ابن عباس: فهبط رسول الله فكره أن يحدّث الناس بشي منها، إذ كانوا حديثي عهد بالجاهليّة، حتى مضى لذلك ستة أيام فأنزل الله تعالى «فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ»[هود/ 12]

فاحتمل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حتى كان يوم الثامن عشر، أنزل الله عليه «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أمر بلالاً حتى يؤذن في الناس أن لا يبقى غداً أحد إلا خرج إلى غدير خم، فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والناس من الغد، فقال:

«يا أيها الناس إن الله أرسلني إليكم برسالة وإني ضقت بها ذرعاً مخافة أن تتهموني وتكذّبوني حتى عاتبني ربي فيها بوعيد أنزله علي بعد وعيد».

ص: 176


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي: 1 / 299 - 301
2- مشكل الآثار للطحاوي: ج 4 / ص 306

ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها حتى رأى الناس بياض إبطيهما [إبطهما خ] ثم قال: «أيها الناس الله مولاي وأنا مولاكم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله». وأنزل الله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(1)

«فعندها استأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن يقول:

يناديهم يوم الغدير نبيُّهم***بخمٌ وأسمع بالرسول مناديا

يقول فَمَنْ مولاكُمُ ووليّكمْ؟***فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت وليّنا***ولم تلقَ مِنّا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي فانني***رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليُّه***فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليَّه***وكن للذي عادى عليّاً معاديا»(2)

جاء في تفسير القرطبي عن ابن عمر نزلت «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»[المائدة: 3] فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه و آله وسلم ثمانين يوماً(3).

وأنشأ الصحابي قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام، بعد رجوعه من البصرة في قصيدته التي أولها:

«قلت لما بغى العدو علينا***حسبنا ربنا ونعم الوكيلُ

ص: 177


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 304 - 305، وانظر: تفسير القرآن العظيم لإبن كثير ( ت . 774ھ): 21/3 - 22
2- مناقب آل محمد(المسمى بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم لشيخ الشافعية أبي محمد بن عبد الواحد الموصليت . 657ه) : 189 - 190
3- الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي : 10 / 167 [ سورة مائدة / آية 3]

وعلي إمُامنا وإمام***لسوانا أتى به التنزيلُ

يوم قال النبي من كنت مولاه***فهذا مولاه خطب جليلُ

يوم إنما قاله النبي على الأمة***حتم ما فيه قال وقيلُ»(1)

استدل أمير المؤمنين علیه السلام بحديث الولاية على وجوب طاعته مهما كان من أمرٍ:

نادى عليّ علیه السلام بعد رجوع الزبير طلحة فقال : يا أبا محمد ما الذي أخرجك. قال: الطلب بدم عثمان.

قال علي: قتل الله أولانا بدم ،عثمان، أما سمعته صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «اللهم وال من والاه، وأنت أول من بايعني ثم نكثت»، وقد قال الله تعالى «فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُتُ عَلَى نَفْسِهِ» الفتح: 10 ، فقال طلحة: أستغفر الله، ثم رجع(2).

وقال الحاكم النيسابوري: «أخبرني الوليد وأبو بكر بن قريش، حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن عبدة، حدثنا الحسن بن الحسين، حدثنا رفاعة بن إياس الضبي عن أبيه، عن جده قال: كنا مع عليٍّ يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله : أن القني فأتاه ،طلحة ، فقال : نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه» ؟ قال: نعم. قال: فلم تقاتلني؟ قال: لم أذكر :قال : فانصرف طلحة»(3)

الآية الثالثة :

هذه الآية تدل على قصر الولاية على الله تعالى أولاً فهو الخالق المعبود وحده لا

ص: 178


1- تذكرة الخواص - المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة - : 35
2- سمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي: 2 / 566
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 86/4-87 [ح. 5680 – كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله ]

شريك له، وعلى ولاية خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه و آله وسلم ثانياً ، وعلى ولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب علیه السلام:

قال الله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»[المائدة : 55] الآية نزلت في شأن علي بن أبي طالب علیه السلام بعد أن تصدق بخاتمه وهو في حالة الركوع(1) .

وعن ابن عباس قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن منازلنا بعيدة، ليس لنا مجلس دون هذا المجلس، وإن

ص: 179


1- ينظر: تفسير الطبري : 4 / 629 ، وتفسير مقاتل بن سليمان المتوفى (150ه) : 1 / 307، وتفسير السمرقندي: 1 / 445 ، وتفسير الكشّاف للزمخشري : 1 / 635 - 636، وتفسير القرآن العظيم لإبن كثير : 3 / 100 [المائدة: 56]، والتعريف والإعلام فيما أُبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم للإمام عبد الرحمان السهيلي: 51 - 52 ، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي: 1 / 249 - 290 ، وتفسير الدر المنثور للسيوطي: 2 / 519، وتفسير ابن عبد السلام لسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الشافعي: تفسير سورة [المائدة: 55] وإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (تفسير أبي السعود) لمحمد بن محمد بن مصطفى العمادي: [المائدة: 55] تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي (ت . 516ه) : 2 / 38 [المائدة: 55]، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي الناصر الدین عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت. 791ه) : 1/ 272، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): 12 / 23 ، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي) لعبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي ( ت 710ه): تفسير سورة [المائدة: 55] ، وزاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن الجوزي (ت . 597ه): 2 / 227 ، واللباب في علوم الكتاب لأبي حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي: 397، والبحر المديد في تفسير القرآن المجيد للإمام العلامة أحمد بن محمد ابن عجينة (ت. 14ه): 19/22 ، و نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور لبرهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر :البقاعي : 2 / 484 ، وأحكام القرآن لأبي بكر الجصاص (ت. 370ه) : 2 / 557 [ سورة المائدة / باب العمل اليسير في الصلاة]

قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه، رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا، فشق ذلك علينا ، فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم :«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» . ثم إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم خرج من المسجد والناس بين قائم وراكع فرأى سائلاً فقال له النبي صلى الله عليه و آله وسلم: هل أعطاك أحد شيئا؟ «فقال: نعم خاتم من فضة، فقال له النبي صلى الله عليه و آله وسلم: من أعطاكه ؟ فقال: ذلك القائم، وأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب، فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: على أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم ثم قرأ : «وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ»[المائدة : 6 5]

فأنشأ [ الصحابي] حسان بن ثابت يقول:

حسنٍ تفديك روحي ومهجتي***وكل بطيءٍ في الهدى ومسارع

أيذهب مدحي والمحبين ضائعاً***و ما المدح في ذات الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً***فدتك نفوس الخلق يا خير راكع

بخاتمك الميمون یا خیر سیّدٍ***ويا خير شار ثم يا خير بائع

فأنزل فيك الله خير ولاية***وبيَّنها في محكمات الشرائع»(1).

وأخرج الثعلبي بسنده «عن عبادة بن الربعي قال: بينما عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم إذ أقبل رجل متعمم بالعمامة فجعل ابن عباس لا يقول، قال رسول الله: إلا قال الرجل : قال رسول الله ؟

فقال ابن عباس : سألتك بالله من أنت ؟

قال: فكشف العمامة عن وجهه ، وقال : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن

ص: 180


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي : 1 / 276 - 280، وينظر: المناقب للخوارزمي الحنفي : 265 ، وروح المعاني لشهاب الدين الآلوسي (ت . 1270ه) : 334/3 [ سورة المائدة : 55] ، وانظر: وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت. 654ه): 19

لم يعرفني فأنا جُندب بن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بهاتين وإلاّ صمّتا ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول : «عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله» أما إني صلّيت مع رسول الله يوماً من الأيام صلاة الظهر فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد إني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً وكان علي راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي صلى الله عليه و آله وسلم فلما فرغ النبي الله صلى الله عليه و آله وسلم من الصلاة فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إن أخي موسى سألك، فقال: «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِى»«وَيَسَرْ لِي أَمْرِى»«وَأَجْعَل لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي»«هَرُونَ أَخِي»«اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِى» الآية ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَنَا» . اللهم وأنا محمد نبيّك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أُشدد به ظهري».

قال أبو ذر : فوالله ما استتم رسول الله الكلمة حتى أنزل عليه جبرئيل من عند الله،

فقال : يا محمد إقرأ فقال: وما أقرأ ؟

قال : إقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، إلی«رَاكِعُونَ»(1) و قال ابن حجر:

أخرج الطبراني وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: ما أنزل الله «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان، وما ذكر علياً إلا بخير (2).

ص: 181


1- تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت . 427ه) : 4 / 818 [سورة المائدة، الآيات: 57 - 63] ، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت . 654ه): 18 - 19
2- الصواعق المحرقة لابن حجر : 196 ، [ الفصل الثالث في ثناء الصحابة، والسلف عليه]، تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت . 654ه): 17

«وقد روى مجاهد قال: سأل رجل عن ابن عباس فقال: ما أكثرَ فضايل علي بن أبي طالب وأني لأظنها ثلاثة آلاف فقال له ابن عباس: هي إلى الثلاثين ألفاً أقرب، ثمّ قال ابن عباس: لو أنّ الشجر أقلام، والبحور مداد والإنس والجن كتاب، وحسّاب ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين علي علیه السلام»(1).

معنى الولاية

لقد ذكر اللغويون معاني كثيرة للفظ (ولي)، وعدَّها السيد علي الميلاني بأنها مشترك معنوي ومعناها القائم بالأمر،« فمعنى الولاية إذا قيل : فلان ولي فلان، أي فلان هو القائم بأمر فلان فلان ولي هذه الصغيرة، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة، فلان ولي الأمر أي القائم بشؤون هذا الأمر، ولذا يقال للسلطان ولي، هذا المعنى هو واقع معنى الولاية. ونجد هذا المعنى في كل مورد ذكر موردًا للولاية مثلا: الصديق ولي، الجار ولي، الحليف ولي الأب ولي الله ولي، ورسوله ولي، وهكذا في الموارد الأخرى من الأولياء. هذا المعنى موجود في جميع هذه الموارد، وهو القيام بالأمر، هذا هو معنى الولاية على ضوء كلمات علماء اللغة، فلو تراجعون كتب اللغة تجدون أن هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنى الأساسي، وهذا المعنى موجود في جميع تلك الموارد المتعددة مثلا: الجار له الولاية أي الجار له الأولوية في أن يقوم بأمور جاره، يعني لو أن مشكلة حدثت لشخص فأقرب الناس في مساعدته في تلك المشكلة والقيام بشؤون هذا الشخص يكون جاره، هذا حق الجوار، مثلا الحليف كذلك، مثلا الناصر أو الأخ، هذه كلها ولايات، لكن المعنى الوحداني الموجود في جميع هذه الموارد هو القيام بالأمر. هذا بناء على أن تكون الولاية مشتركًا معنويا . وأما إذا جعلنا الولاية مشتركًا لفظيًّا، فمعنى ذلك أن تكون هناك مصاديق متعددة ومعاني متعددة للفظ الواحد، مثل كلمة العين،

ص: 182


1- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت. 654ه): 17

كلمة العين مشترك لفظي، ويشترك في هذا العين الجارية، والعين الباصرة، وعين الشمس... فالاشتراك ينقسم إلى اشتراك معنوي واشتراك لفظي، في الدرجة الأولى نستظهر أن تكون الولاية مشتركًا معنوياً، وعلى فرض كون المراد من الولاية المعنى المشترك بالاشتراك اللفظي، فيكون من معاني لفظ الولاية : الأحقية بالأمر، الأولوية بالأمر، فهذا يكون من جملة معاني لفظ الولاية، وحينئذ لتعيين هذا المعنى نحتاج إلى قرينة معينة، كسائر الألفاظ المشتركة بالاشتراك اللفظي. وحينئذ لو رجعنا إلى القرائن الموجودة في مثل هذا المورد لرأينا أن القرائن الحالية والقرائن اللفظية، وبعبارة أخرى القرائن المقامية والقرائن اللفظية كلها تدل على أن المراد من الولاية في هذه الآية المعنى الذي تقصده الإمامية، وهو الأولوية والأحقية بالأمر»(1).

الآية الرابعة :

تحذر المسلمين بأنهم سيُسألون عن ولاية علي علیه السلام يوم القيامة فمَنْ كان عليها أُدخل الجنة، ومن لم يواله أُدخل النار:

قال الله تعالى: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ»[الصافات: 24].

قال ابن حجر: «أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي»، و[قال ابن حجر :] كأن هذا هو مراد الواحدي بقوله:

روي في قوله تعالى: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ» أي: عن ولاية علي وأهل البيت»(2).

ص: 183


1- آية الولاية للسيد علي الميلاني: 20 مركز الأبحاث العقائدية – قم، ط. الأولى؛ 1421ه
2- الصواعق المحرقة لابن حجر ،229 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، وانظر: النكت والعيون لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشهير بالماوردي: تفسير سورة الصافات، آية 24 ، تفسير ابن عبد السلام لسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الشافعي: تفسير سورة الصافات آية 24

وأخرج الحاكم الحَسكاني الحنفي عدة أحاديث بأسانيد مختلفة مثل الحديث المتقدم منها : ... عن أبي سعيد الخدري في قوله: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ» . قال : [ عن] إمامة علي بن أبي طالب.»(1)

... عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : قال صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا كان يوم القيامة أوقف أنا وعلي على الصراط، فما يمر بنا أحد إلا سألناه عن ولاية علي، فمن كانت معه وإلا ألقيناه في النار ، وذلك قوله : «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ»(2) .

وقال سبط ابن الجوزي: «قوله تعالى: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ» [الصافات: 24] قال مجاهد: عن حبِّ علي علیه السلام»(3).

الآية الخامسة :

آية المباهلة، وهي تدل على أن علي بن أبي طالب علیه السلام نفس الرسول محمد صلى الله عليه و آله وسلم : قال الله تعالى: «فَمَنْ حَاجَكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَذِبِينَ» [آل عمران 61]

«قال العلامة البيهقي في كتاب المحاسن: عن عمرو بن الأصم قال: حدثنا رجل من بني هاشم، فقال أصلح الله الأمير، ألا أحدثك بفضائل أمير المؤمنين، علي بن أبي

ص: 184


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 195 - 196 ، وانظر: روح المعاني لشهاب الدين الآلوسي .. (1270ه) : 12 / 78 [سورة الصافات آية: 24]
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 197، وانظر: روح المعاني الشهاب الدين الآلوسي (ت. 1270ه) : 12 / 78 [ سورة الصافات آية: 24]، وتفسير الماوردى النكت والعيون لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري : ج 5 / ص 44
3- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت . 654ه): 20

طالب. قال نعم. قال: حدثني أبي، قال: حضرت مجلس محمد ابن عائشة البصرة إذ قام إليه رجل من وسط ،الحلقة، فقال يا أبا عبد الرحمن من أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؟ فعدّهم ما عدا علياً، فقلت: فأين علي ؟ فقال: ما هذا؟ تسألني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أو عن نفسه، قال: بل عن أصحابه، فقال إن الله تعالى يقول: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» فكيف يكون أصحابه مثل نفسه ؟ !(1).

وأخرج الدارقطني أن علياً يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم: أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في الرحم مني، ومن جعله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه غيري. قالوا: اللهم لا . الحديث(2).

وروى إمام السنة وثقتهم وهو من رجال الصحاح الست الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي المتوفى سنة 235ه- قال: «حدثنا أبو الجواب عن يونس بن أبي إسحاق عن زيد بن يشيع عن ابي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «لينتهينَّ أو لأبعثنَّ إليهم رجلا كنفسي فيمضي فيهم أمري فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية»(3).

وروى النسائي: « : «... عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «لينتهين بنو وليعة أو لا بعثن إليهم رجلا كنفسي ينفذ فيهم أمري، فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية» فما راعنيإلا وكف عمر في حجزتي من خلفي من يعني؟

فقلت: ما إياك يعني ولا صاحبك قال فمن يعني؟

ص: 185


1- سمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي: 3 / 10
2- الصواعق المحرقة لابن حجر ،239 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
3- الكتاب المصنف في الاحاديث والآثار لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة : 6 / 377 [ ح . 32128]

قلت خاصف النعل . قال : وعلي يخصف نعلا .(1) .

وقد وردة عدّت روايات بأسانيد مختلفة تصرح بقول النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم بأن علياً علیه السلام هو نفسه صلى الله عليه و آله وسلم(2)

وفي صحيح مسلم... عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما منعك أن تسب أبا التراب؟

فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فلن أسبه .

لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.

سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول له ، خلَّفه في بعض مغازيه، فقال له على يا رسول الله ! خلفتني مع النساء والصبيان؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوة بعدي»

ص: 186


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 127 ، [ ح . 8457 / 1 ، كتاب الخصائص – ذكر قول النبي علي كنفسي]
2- تفسير الدر المنثور للسيوطي : 3 / 385 [ سورة التوبة / الآية: 5]، وتفسير الكشاف للزمخشري : 4 / 350 [سورة الحجرات والسنن الكبرى للنسائي : 5 / 127 ، [كتاب الخصائص - ذكر قوله صلى الله عليه و آله وسلم: علي كنفسي - ح. 8457 / 1]، والمعجم الأوسط للطبراني (ت. (360ه) : ( 3 / 38 [من اسمه علي - ح. 3797]، والمستدرك على الصحيحين للحاكم: 2 / 244 - 245 [ كتاب الجهاد - ح. 2606] ، والبحر الزَّخَّار المعروف بمسند البزاز للحافظ الإمام أبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي البزاز (ت. 292ه) : 3 / 258 - 259 [ ح . 1050] ، والمُصَنَّف للإمام الحافظ أبي بكر عبد الرزاق: 10 / 220 [11/ 225]، [ح. (4843)20557 - باب أصحاب النبي ]، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي: 144 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري

وسمعته يقول يوم خيبر : «الأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»

قال فتطاولنا لها فقال: «ادعوا لي علياً فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه».

ولما نزلت هذه الآية : «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»[آل عمران: 61] دعا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً علیهم السلام فقال : «اللهم هؤلاء أهلي»(1).

وروى الترمذي هذه الرواية وعقَّب عليها قائلاً: «هذا حديث حسنٌ صحيح»(2)

... قال الشعبي: قال جابر: «وَأَنفُسَنَا» رسول الله وعلي بن أبي طالب، «وأبناءَنَا» الحسن والحسين ، و «وَنِسَاءَنَ»ا فاطمة عليها السلام»(3)

الآية السادسة :

تخبر هذه بنزول العذاب من السماء من الله تعالى على من كذّب بولاية علي علیه السلام وتصف الكاذب بأنّه كافر : قال الله تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»« لِلْكَفِرِينَ لَيْسَ لَهُ, دَافِعٌ» «مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِج»[المعارج / 1-3]

ذكر الحاكم الحسكاني الحنفي خمس روايات بأسانيد مختلفة، كما ذكر غيره أنها نزلت في أعرابي اسمه (النعمان بن الحرث الفهري)، وفي رواية اسمه: (النعمان بن الحرث الفهري)، وفي أخرى اسمه (الحارث بن عمرو الفهري) سأل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بولاية

ص: 187


1- صحیح مسلم: 1020 [ ح. 2404 - 32 - باب فضائل علي بن أبي طالب]، والسنن الكبرى للبيهقي: 10 / 204 [ح . م[13676 - كتاب النكاح / باب إليه ينسب أولاد بناته]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 24 / 477 [ح . 3724/ كتاب المناقب]
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 193 ، 188

علي بن أبي طالب علیه السلام.

...عن علي [ابن الحسين]، قال: لما نصب رسول الله صلی الله علیه و آله علياً يوم غدير خم فقال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه» طار ذلك في البلاد، فقدم على رسول الله النعمان بن الحرث الفهري فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلوة والزكاة والصوم فقبلناها منك، ثم لم ترضَ حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فهذا مولاه فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟ قال: أمر من عند الله. قال: الله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله؟

قال : فولى النعمان وهو يقول : (اللهم) ان کان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

فرماه الله بحجر على رأسه فقتله فأنزل الله تعالى «سَأَلَ سَائِلٌ»(1)

الآية السابعة

فيها وعيد لمن يعرض عن ولاية علي علیه السلام

قال الله تعالى: «وَمَن يُعرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ» [ الجن / 17].

روى الحاكم الحسكاني الحنفي «عن ابن عباس في قوله تعالى: «وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ

ص: 188


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2 / 443 ، وينظر: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد للإمام العلامة أحمد بن محمد ابن عجينة (ت. 1224ه) : 133/8 ، وروح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي : 15 / 62 ، الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي (ت . 671ه) : 9 / 178 ، تفسير اللباب لابن عادل أبي حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني : 19 / 350 [المعارج: 1] ، وتفسير أبي السعود في تفسير قوله تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ»[المعارج: 1]، وتذكرة الخواص - المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة - : 33

ربِّهِ» قال: ذكر ربه ولاية علي بن أبي طالب عليه وعلى أولاده السلام»(1).

الآية الثامنة :

فيها تهديد، وذمّ لمن كذّب بولاية علي علیه السلام : قال الله تعالى: «فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَى»«وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى»«ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى»«أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى» [القيامة / 31-35]

وأخرج الحاكم الحسكاني الحنفي عن حذيفة بن اليمان، و... عن عمار بن ياسر قال: كنت عند أبي ذر [الغفاري] في مجلس لابن عباس وعليه فسطاط وهو يحدث الناس إذ قام أبو ذر حتى ضرب بيده إلى عمود الفسطاط، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته باسمي أنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري، سألتكم بحق وحق رسوله أسمعتم رسول الله يقول: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر»؟

قالوا: اللهم نعم. قال: أتعلمون أيها الناس أن رسول الله جمعنا يوم غدير خم ألف وثلاثمئة رجل، وجمعنا يوم سمرات خمس مئة رجل [وفي] كل ذلك يقول: «اللهم من كنت مولاه فإن عليا مولاه»، «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»، فقام عمر فقال: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فلما سمع ذلك معاوية بن أبي سفيان اتكأ على المغيرة بن شعبة وقام وهو يقول: لا نقر لعلي بولاية، ولا نصدق محمدا في مقالة.

فانزل الله تعالى على نبيه : «فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَى»«وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى»«ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى»«أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى» تهدّداً من الله تعالى وانتهاراً؟، فقالوا: اللهم نعم (2).

ص: 189


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 449
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 455 - 456
الآية التاسعة

وصفت ولاية علي علیه السلام بالنبأ العظيم: قال الله تعالى : «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ»«عَنِ النَّبَا الْعَظِيمِ»«الَّذِى هُمْ فِيهِ مُختَلِفُونَ» [النبأ 1-3] روى الحاكم الحسكاني الحنفي عن فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري، حدثنا محمد بن الحسين، عن محمد بن حاتم، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سألت أبا جعفر عن قول الله تعالى: «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ»«عَنِ النَّبَا الْعَظِيمِ» فقال : كان علي يقول لأصحابه: «أنا والله النبأ العظيم الذي اختلف في جميع الامم بألسنتها والله ما الله نبؤ أعظم مني، ولا الله آية أعظم منّي»(1)

عن علي بن أبي طالب قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : الأمر بعدك لمن؟ قال: لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى فأنزل الله «عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ» ، يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي «عَنِ النَّبَا الْعَظِيمِ»«الَّذِي هُوَ فِيهِ مُختَلِفُونَ» فمنهم المصدق، ومنهم المكذب بولايته ، «كَلَّا سَيَعْلَمُونَ» «ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ» . وهو رد عليهم سيعرفون خلافته أنها حق، إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى منهم ميت في شرق ولا غرب ولا برّ ولا بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه يقولان للمّيت: «من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك»؟(2).

الآية العاشرة :

تنبئ بأنَّ أهل ولاية علي علیه السلام هم الذين يؤذن لهم بقول: (لا إله إلا الله ) يوم القيامة : قال الله تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَيْكَةُ صَفًا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا» [النبأ / 38].

ص: 190


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 485
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2 / 486 - 487

روى الحاكم الحسكاني الحنفي عن... عن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر [في قوله تعالى]: ي«يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَيْكَةُ صَفًا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا»قال: «إذا كان يوم القيامة خطف قول : لا إله إلا الله من قلوب العباد في الموقف إلا من أقر بولاية علي وهو قوله: «إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ»[يعني] من أهل ولاية علي ! فهم الذين يؤذن لهم بقول : لا إله إلا الله»(1) .

الآية الحادية عشرة :

تأمر بنصب عليٍّ للخلافة :

قال الله تعالى: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَأَنصَبُ»[الشرح / 7].

قال الحاكم الحسكاني الحنفي ... حدثني علي بن موسى بن إسحاق، عن محمد بن مسعود بن محمد [العيّاشي] [قال:] حدثنا جعفر بن أحمد، قال: حدثني حمدان والعمركي، عن العبيدي عن يونس عن ،زرعة عن سماعة، عن أبي بصير: عن أبي عبد الله [في قوله تعالى:] «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ» قال: يعني [ انصب] عليا للولاية وبه عن يونس عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله في قوله تعالى: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَأَنصَبْ» . يعني عليا للولاية.

[ العياشي] حدثنا جبرئيل بن أحمد، قال: حدثني الحسن بن خرزاد، قال: حدثني غير واحد عن أبي عبد الله [ في قوله تعالى ]: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَأَنصَب» قال: [يعني] «فإذا فرغت فانصب عليا للناس».

[العياشي] حدثنا علي بن محمد، قال حدثني محمد بن أحمد [بن يحيى]، عن العباس، عن عبد الرحمان بن حماد، عن الفضل، عن أبي عبد الله في قول الله تعالى: «فَإِذَا

ص: 191


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 489 - 490

فَرَغْتَ فَأَنصَبْ» «يعني انصب عليا للولاية»(1).

قال أبو حيّان وقرأ آخرون من الإمامية : فانصب بكسر الصاد بمعنى : إذا فرغت من الرسالة فانصب خليفة(2).

الآية الثانية عشرة :

تدلُّ على أن ولاية علي علیه السلام هي الدين:

قال الله تعالى: «فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ»[التين / 7]

وفي رواية عن موسى بن جعفر [ في قوله تعالى : ] «فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ» . [ قال: يعني ] ولاية علي بن أبي طالب(3).

الآية الثالثة عشرة :

وصفت عليّاً بأنه خير البرية قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ أُوْلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة» [ البينة / 7]

روى الحاكم الحسكاني الحنفي... عن إبراهيم بن مهاجر مولى آل شخبرة قال: حدثني يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي ، قال : سمعت عليا يقول : حدثني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أنا مسنده إلى صدري فقال : يا عليُّ أما تسمع قول الله عز وجل: نإِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ أُوَلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» ؟ هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا اجتمعت الأمم للحساب تدعون غراء محجلين. قال الحاكم: [هذا حديث ]

ص: 192


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 525 - 526
2- تفسير البحر المحيط : 18 / 484 ، لأبي حيان الأندلسي
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2 / 530

غريب في الفضائل لا أعلم أنا كتبناه إلا بهذا الاسناد (1) . وذكر الحاكم الحسكاني الحنفي أيضاً عدة أحاديث مثله عن ابن عباس، وعن جابر، وعن أبي برزة الأسلمي... عن جابر بن عبد الله الانصاري، قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذ أقبل علي بن أبي طالب، فلما نظر إليه النبي قال: «قد أتاكم أخي» ثم التفت إلى الكعبة فقال: «ورب هذه البنية إن هذا وشيعته [هم] الفائزون يوم القيامة»، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: «أما والله إنه أولكم إيمانا بالله، وأقومكم بأمر الله وأوفاكم بعهد الله، وأقضاكم بحكم الله، وأقسمكم بالسوية وأعدلكم في الرعية، وأعظمكم عند الله مزية». قال جابر: فأنزل الله : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ أُوْلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» . فكان علي إذا أقبل قال أصحاب محمد صلی الله علیه و آله وسلم قد أتاكم خير البرية بعد رسول الله (2). قال الطبري: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمد بن علي «أَوَلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم: أَنْتَ يا عَلي وَشِيعَتُكَ»(3)

وذكر السيوطى أربعة أحاديث مثله ؛ أحدهما أخرجه ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، والآخر أخرجه ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد، والآخر أخرجه ابن عدي عن ابن عباس ، والآخر أخرجه ابن مردويه عن علي(4).

قال الشوكاني، والآلوسي: وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند

ص: 193


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 535
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 543 - 544 ، وانظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي : 6 / 643 [سورة البينة]
3- تفسير الطبري لمحمد بن جرير الطبري: 12 / 657 [ سورة البينة / الآيتان 6 و 7] وأنظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي: 5 / 480 ، [سورة البينة ]
4- انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي: 6 / 643 [سورة البينة

النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فأقبل علي، فقال النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ أُوَلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» فكان أصحاب محمد صلی الله علیه و آله وسلم إذا أقبل قالوا: قد جاء خير البرية . وأخرج ابن عدي، وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: «علي خير البرية». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية : «إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ أُوْلَيْكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» قال رسول صلی الله الله علیه و آله وسلم لعلي : نهو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين» وأخرج ابن مردويه عن عليّ مرفوعاً نحوه.(1)

وأخرج الطبراني عن أحمد بن العباس المري القنطري وبإسناده: أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال لعلي: «أنت وشيعتك تردون علي الحوض رواء مرويين مبيضة وجوهكم وإن عدوك يردون علي ظماء مقبحين»(2)

الآية الرابعة عشرة :

تأمر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بسؤال الرسل علیهم السلام على أي شيء بعثوا ؟

قال الله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ» [الزخرف/ 45]

... عن ابن مسعود، قال: قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم «لما أسري بي إلى السماء إذا ملك قد أتاني فقال لي: يا محمد سَلْ من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا ؟ قلت: معاشر

ص: 194


1- فتح القدير لمحمد بن علي الشوكاني : 5 / 500 ، 501 [ سورة البينة]، وانظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي 15 / 432 ، وانظر: مناقب آل محمد(المسمى بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم الشيخ الشافعية أبي محمد بن عبد الواحد الموصلي(ت. 657ه): 185
2- المعجم الكبير للطبراني: 1 / 251 [ح. 941]

الرسل والنبيين على ما بعثكم الله [ قبلي]؟

قالوا على ولايتك يا محمد وولاية علي بن أبي طالب علیه السلام»(1)

... عن علقمة والاسود، عن عبد الله ، قال : قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «يا عبد الله أتاني الملك فقال: يا محمد واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا ؟ قلت على ما بعثوا ؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب علیه السلام» (2).

الآية الخامسة عشرة :

تبشر الذين آمنوا بولاية علي علیه السلام وتنذر الذين كذّبوا بالولاية :

قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَيْكَ هُمُ الصّدِيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا ِبئَايَتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَبُ الْجَحِيمِ» [الحديد/ 19]... عن ابن عباس أنه سئل عن قول الله [ عزّ وجلّ ]: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ امَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ» قال: سأل قوم النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فقالوا: فيمن نزلت هذه الآية يا نبي الله ؟

قال: «إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض فنادى مناد ليقم سيّد المؤمنين ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد صلى الله عليه و آله وسلم فيقوم علي بن أبي طالب فيعطى اللواء من النور الأبيض بيده تحته جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، لا يخالطهم غيرهم حتى يجلس على منبر من نور ربّ العزة، ويعرض الجميع عليه رجلاً رجلاً فيعطى أجره ونوره، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم : قد عرفتم منازلكم من الجنة، إن ربكم تعالى يقول

ص: 195


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي 2/ 269 – 270، وانظر غرائب القرآن ورغائب الفرقان بتفسير النيسابوري لنظام الدين حسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري المعروف بنظام الأعرج: تفسير سورة الزخرف، آية 45
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 271 - 272

لكم عندي مغفرة وأجر عظيم - يعني الجنة - فيقوم علي بن أبي طالب والقوم تحت لوائه حتى يدخلهم الجنة . ثم يرجع إلى منبره ولا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ بنصيبه منهم إلى الجنة ويترك أقواما منهم إلى النار، وذلك قوله:«وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَيْكَ هُمُ الصّدِيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» يعني السابقين الأولين وأهل الولاية.

وقوله: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا ِبئَايَتِنَا» يعني بالولاية بحق علي، وحق علي الواجب على العالمين. أُوْلَئِكَ أَصْحَبُ الْجَحِيمِ»[و] هم الذين قاسم علي عليهم النار فاستحقوا الجحيم»(1) .

الآية السادسة عشرة :

تصف عليّاً علیه السلام بأنه الشهيد يوم القيامة : قال الله تعالى: «وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقُ وَشَهِيدٌ» [ق/ 21].

... عن أم سلمة [في ] قول الله عز وجل: «وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ» إِن رسول الله السائق، وعلي الشهيد(2).

الآية السابعة عشرة :

تبين أن خلافة علي علیه السلام بأمر الله تعالى: قال الله تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى»«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» [النجم / 1 - 4]. أخرج الحاكم الحسكاني الحنفي عدة أحاديث، وأخبار بطرق مختلفة، وأسانيد مختلفة ذات مفهوم واحد، وذلك عن أنس، وابن عباس، وعلي بن أبي طالب، منها:

ص: 196


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 301 - 302
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 309

... عن أنس قال: انقض كوكب على عهد رسول الله فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي». فنظرنا فإذا هو انقض في منزل علي بن أبي طالب علیه السلام، فقال جماعة من الناس قد غوى محمد في حب علي فأنزل الله : «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى»«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(1).

... عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :

«إذا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي فانظروا من هو؟ فهو خليفتي عليكم بعدي والقائم فيكم بأمري » .

فلما كان من الغد انقض نجم من السماء قد غلب ضوؤه على ضوء الدنيا حتى وقع في حجرة علي بن أبي طالب علیه السلام فهاج القوم وقالوا والله لقد ضل هذا الرجل وغوى. فأنزل الله: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى»(2) .

الآية الثامنة عشرة:

تصف علياً وشيعته بالسابقين المقربين في جنات النعيم:

قال الله تعالى: «وَالسَبِقُونَ السَّبِقُونَ»«أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»«فِي جَنَّتِ النَّعِيمِ»[الواقعة/ 10-12].

... عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن قول الله: «وَالسَبِقُونَ السَّبِقُونَ»«أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» قال: حدثني جبرئيل بتفسيرها قال: ذاك علي وشيعته إلى

ص: 197


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 325 - 326
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي: 2/ 329

الجنة(1). وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، عن ابن عباس : «وَالسَبِقُونَ السَّبِقُونَ» ، قال : يوشع بن نون سبق إلى موسى، ومؤمن آل «يس»، سبق إلى عيسى، وعلي بن أبي طالب سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم. رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن هارون الفلاس، عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزاز، عن شُعَيْب بن الضحاك المدائني، عن سفيان بن عُيَيْنَة، عن ابن أبي نجيح به(2).

الآية التاسعة عشرة :

تصف علياً علیه السلام بالنور الذي يمشي به المؤمنون:

قال الله تعالى :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»[الحديد / 28] ... عن ابن عباس في قول الله تعالى: «يُؤْتِكُمْ كِفَلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ» قال : الحسن والحسين «وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ» قال: علي بن أبي طالب علیه السلام (3)

... عن جابر: عن أبي جعفر في قوله «يُؤْتِكُمْ كِفَلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ» ، قال : الحسن والحسين «وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ»قال: «إمام عدل تأتمون به، علي بن أبي طالب علیه السلام»(4)

ص: 198


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي /2/ 345 - 346، ومناقب آل محمد (المسمى بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم) لشيخ الشافعية أبي محمد بن عبد الواحد الموصلي (ت . 657ه) : 188
2- تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 7 / 395 ، وينظر : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي : 14 / 132 ، وفتح القدير لمحمد بن علي الشوكاني 5 / 157 ، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت .654ه): 20
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2 / 360
4- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 361
الآية العشرون :

تصف ولاية علي علیه السلام بالحكمة:

قال الله تعالى:«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»[الجمعة / 2] ... عن ابن عباس في قوله تعالى:«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» الآية، قال: الكتاب القرآن، والحكمة ولاية علي بن أبي طالب (1).

الآية الحادية والعشرون :

تبيّن أنَّ الله تعالى سيجعل لعلي علیه السلام ودًا:

قال الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا» [مريم/ 96].

... عن ابن عباس قال: أخذ النبي صلى الله عليه و آله وسلم يدي ويد علي بن أبي طالب علیه السلام وخلا بنا على ثبير، ثم صلى ركعات، ثم رفع يديه إلى السماء فقال: «اللهم إن موسى بن عمران سألك، وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري وتيسر لي أمري وتحلل عقدة من لساني ليفقه به قولي واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري»

قال ابن عباس: سمعت مناديا ينادي: يا أحمد قد أوتيت ما سألت فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم لعلي : يا أبا الحسن ارفع يدك إلى السماء فادع ربك وسَلْ يعطِك.

ص: 199


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 397

فرفع علي يده إلى السماء وهو يقول: «اللهم اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي عندك وداً» ، فأنزل الله على نبيه : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا» ، فتلاها النبي صلى الله عليه و آله وسلم على أصحابه فتعجبوا من ذلك تعجبا شديدا، فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم «مما تتعجبون. إن القرآن أربعة أرباع فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام وإن الله أنزل في علي كرائم القرآن»(1).

وذكر المفسرون في قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا» أنها نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام(2) .

الآية الثانية والعشرون

فسرت بأنَّ علياً هو الصراط المستقيم الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة:

قال الله تعالى : «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»[الفاتحة / 6] .

... عن أبي جعفر الباقر، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «من سره [من أراد « خ » ] أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنة بغير حساب فليتولّ وليّي ووصيّي وصاحبي وخليفتي على أهلي علي بن أبي طالب ومن سره [ومن أراد « خ »] أن يلج النار فليترك ولايته، فوعزة ربي وجلاله إنه لباب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وأنّه الصراط المستقيم، وأنه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة »(3)

وقال الله تعالى : «هَذَا صِرَاطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ» [الحجر / 41] .

ص: 200


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي : 1 / 67 - 68
2- الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي: 512/4 [سورة مريم]، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي: 4/ 34 [ سورة مريم]، وتفسير البحر المحيط لأبي حيَّان : 6 / 209 [سورة مريم الآيات : 5198]
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 92

... عن إسماعيل بن زياد عن سلام بن المستنير الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر الباقر ، فقلت : جعلني الله فداك إني أكره أن أشقّ عليك، فإن أذنت لي أسألك؟ فقال:

«سلني عما شئت».

فقلت : أسألك عن القرآن؟ قال: : نعم.

قلت قول الله تعالى في كتابه : «هَذَا صِرَاطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ»قال: صراط علي بن أبي طالب علیه السلام فقلت صراط علي بن أبي طالب علیه السلام؟ فقال: صراط علي بن أبي طالب علیه السلام(1) وقال الله تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا»«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا»[النساء : 174، 175].

... عن عبد الله بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله : «قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ». قال: «البرهان محمد، والنور علي، والصراط المستقيم علي (2).

الآية الثالثة والعشرون :

فُسِّرت بأنَّ الله تعالى يهدي من يشاء إلى ولاية علي علیه السلام

قال الله تعالى: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[يونس/ 25]

... علي: عن أبيه عبد الله بن عباس في تفسير قول الله تعالى: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ» يعني به الجنة، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» يعني به ولاية علي بن أبي

ص: 201


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 93
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 93 - 94

طالب علیه السلام(1). وأخرج مثله عن زيد بن علي علیه السلام

وعن علي [بن أبي طالب] قال: حدثني سلمان الخير فقال: يا [أ] با الحسن، قلّما أقبلت أنت وأنا عند رسول الله إلا قال: «يا سلمان ،هذا وحزبه هم المفلحون يوم القيامة»(2). أخرج الحاكم الحسكاني الحنفي عدة أحاديث مثله بأسانيد مختلفة.

الآية الرابعة والعشرون

تأمر بإطاعة النبي صلى الله عليه و آله وسلم و علي علیه السلام : قال الله تعالى: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ»[النساء/ 59].

... عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم: ي«َأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» الآية، فإن خفتم تنازعاً في أمر فارجعوه إلى الله والرسول وأولي الأم».

قلت: يا نبي الله من هم؟ قال: أنت أولهم(3).

... عن مجاهد [ في قوله تعالى]:«َأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» يعني [الذين] صدقوا بالتوحيد «أَطِيعُوا الله» يعني في فرائضه «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» يعني في سنته

«وَأُولى الأمرِ مِنكُمْ» قال: نزلت في أمير المؤمنين حين خلفه رسول الله بالمدينة

فقال: «أتخلفني على النساء والصبيان» ؟

فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» حين قال له : «اخْلُفْنِي فِي قَوْمى وَأَصْلِحْ» . فقال الله: «وَأُولى الأمرِ مِنكُمْ» قال : [ هو ] علي بن أبي طالب ولاه الله

ص: 202


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 411
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 105 - 106
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 225

الأمر بعد محمد في حياته حين خلفه رسول الله بالمدينة، فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه»(1) .

... عن أبي بصير عن أبي جعفر، أنه سأله عن قول الله تعالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ» قال : نزلت في علي بن أبي طالب.

قلت: إن الناس يقولون : فما منعه أن يسمي علياً وأهل بيته في كتابه؟

فقال أبو جعفر : قولوا لهم : إن الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمِّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله هو الذي فسر ذلك، وأنزل الحج فلم ينزل: طوفوا سبعاً حتى فسر ذلك لهم رسول الله وأنزل : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ» فنزلت في علي والحسن والحسين، وقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي إني سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما على الحوض فأعطاني ذلك .»(2).

الآية الخامسة والعشرون

فسرت بأنَّ عليّاً علیه السلام من رجال الأعراف :

قال الله تعالى: «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَهُم»[الأعراف/ 46]

... عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت جالساً عند عليّ فأتاه عبد الله بن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله: «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ» فقال: «ويحك يا ابن الكواء! نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار، فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار»(3).

ص: 203


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 226
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 227
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 311

وذكر الثعلبي بإسناده عن ابن عباس في قول عز وجل: »وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ» . قال : الأعراف موضع عالٍ على الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين، رضي الله عنهم يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه(1).

قال ابن حجر: أخرج الطبراني يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن الحوض(2).

الآية السادسة والعشرون :

فسرت بأنَّ علياً يؤذن يوم القيامة قائلاً: ألا لعنة الله على الظالمين الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي ، قال الله تعالى: «وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ»[الأعراف/ 44]

... عن ابن عباس قال: إن لعلي بن أبي طالب في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس [ منها ] قوله : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ» . فهو المؤذن بينهم يقول:

«ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي»(3).

الآية السابعة والعشرون :

معناها علي علیه السلام أُمَّةٌ يَهْدِي بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِل

قال الله تعالى: «وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» [الأعراف/ 181]

ص: 204


1- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 212/7، [ سورة الاعراف]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 265 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 318

.. عن ابن عباس في قوله عز وجل : «ومِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَةٌ» .

قال: يعني من أمة محمد أمة ؛ يعني علي بن أبي طالب علیه السلام «يَهْدُونَ بِالْحَقِّ» يعني يدعون بعدك يا محمد إلى الحق «وَبِهِ يَعْدِلُونَ» في الخلافة بعدك .

ومعنى الأمة: العلم في الخير، نظيرها : «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً» يعني عالماً في الخير، معلما للخير (1).

الآية الثامنة والعشرون

معناها التحذير من ظلم عليّ علیه السلام بإغتصاب مقعده بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

قال الله تعالى«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً»[الأنفال/ 25]... عن ابن عباس قال: لما نزلت:«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» . قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «من ظلم علياً مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنها جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي»(2).

الآية التاسعة والعشرون

معناها قل يا محمد صلى الله عليه و آله وسلم لمن يستنبئك من أهل مكة عن إمامة علي علیه السلام أحقّ هي: إي وربي إنه لحقّ

قال الله تعالى:«وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ»[ يونس / 53]

... عن جعفر الصادق عن أبيه في قول الله تعالى:«وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ»

ص: 205


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 320
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 323

قال: «يستنبئك يا محمد أهل مكة عن علي بن أبي طالب أ إمام؟! قل: إي وربي إنه لحقّ»(1).

الآية الثلاثون:

قيل في تفسيرها ضاق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مخافة تكذيب أهل الإفك والنفاق بولاية علي علیه السلام.

قال الله تعالى:«فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ»[هود/ 12].

... عن جابر بن أرقم ، عن أخيه زيد بن أرقم قال: إن جبرئيل الروح الأمين نزل على رسول الله بولاية علي بن أبي طالب عشية عرفة ، فضاق بذلك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مخافة تكذيب أهل الإفك والنفاق فدعا قوماً أنا فيهم فاستشارهم في ذلك ليقوم به الموسم فلم ندرِ ما نقول له فبكى [النبي ]صلی الله علیه و آله وسلم فقال له جبرئيل : «يا محمد أجزعت من أمر الله ؟ فقال : كلا يا جبرئيل ولكن قد علم ربي ما لقيت من قريش إذ لم يقروا لي بالرسالة حتى أمرني بجهادهم وأهبط إلى جنودا من السماء فنصروني فكيف يقرون لعلي من بعدي فانصرف عنه جبرئيل فنزل عليه «فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ»(2).

الآية الحادية والثلاثون :

معناها محمد صلی الله علیه و آله وسلم المنذر و علي علیه السلام الهادي من بعده

قال الله تعالى: قَالَ تَعَالَى: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»[الرعد/ 7].

... عن ابن عباس قال: لما نزلت: قَالَ تَعَالَى: «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» . قال

ص: 206


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 416
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 422

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : « أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي » وضرب بيده إلى صدر علي فقال: «أنت الهادي بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون»(1) وأخرج الحاكم الحسكاني الحنفي سبعة عشرة رواية مثلها بطرق ، وبأسانيد مختلفة.(2). أنا المنذر وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي الديلمي - عن ابن عباس(3).

الآية الثانية والثلاثون :

معناها يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بولاية علي بن أبي طالب علیه السلام

قال الله تعالى:«يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ»[إبراهيم / 27].

عن ابن عباس قال: [في قوله تعالى ] «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» قال : بولاية علي بن أبي طالب(4).

الآية الثالثة والثلاثون :

معناها قسم ربّ العالمين بأنه تعالى يسألهم عن ولاية علي علیه السلام قال الله تعالى:

ص: 207


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي: 1 / 450 ، وغرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري: 4 / 141[سورة: الرعد]، وأخرج الحاكم النيسابوري مثله عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي، وقال بعد ذكره الحديث هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وذلك في كتابه المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 342 ، [ ح. 4704 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام]
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 450 - 452
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 285، [ح. 3009 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي : 3 / 252 [ح. 8644 - قسم الأقوال / حرف الهمزة]. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 483
4- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 483

«فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»«عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»«فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ» [الحجر / 92-94]

«452 - ... عن السدي [ في قوله تعالى]: «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»

[ قال : ] عن ولاية علي ، ثم قال : «عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» فيما أمرهم به وما نهاهم عنه، وعن أعمالهم في الدنيا، ثم قال : «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ» : قال السدي: قال أبو صالح: قال ابن عباس: أمره الله أن يظهر القرآن، وأن يظهر فضائل أهل بيته كما أظهر القرآن (1).

الآية الرابعة والثلاثون :

قوله تعالى:«وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»[النحل/ 16].

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد قال أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد المفيد قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى بن أحمد، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمان بن الفضل قال: حدثني جعفر بن الحسين، قال: [حدّثني أبي ] قال: حدثني محمد بن يزيد، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عن قوله تعالى: «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» قال : النجم علي(2) .

الآية الخامسة والثلاثون :

معناها ولقد ذكرنا عليّاً في القرآن الكريم فما يزيدهم إلا نفورا

قال الله تعالى: «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا»[الإسراء / 89]

... عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين في قوله تعالى: «فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ

ص: 208


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 497
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 499

إِلَّا كُفُورًا». قال : بولاية علي يوم أقامه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

... عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا» ؟ قال: يعني ولقد ذكرنا علياً في كل القرآن وهو الذكر، «يَزيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا»(1).

الآية السادسة والثلاثون

معناها ولاية علي علیه السلام التي لم يبعث نبي قط إلا بها

قال الله تعالى: «هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا»ُ[الكهف/ 44] .

... عن أبي جعفر محمد بن علي في قول الله تعالى قال :«هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ» قال: «تلك ولاية أمير المؤمنين التي لم يبعث نبي قط إلا بها»(2).

الآية السابعة والثلاثون

فسرت بأنَّ الله تعالى لَغَفَّارٌ مَنْ تَابَ وَأَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى إلى ولاية علي علیه السلام

قال الله تعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»[طه/ 82] .

... عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ذات يوم فقال: إن الله تعالى يقول:«وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»ثم قال لعلي بن أبي طالب علیه السلام: «إلى ولايتك»(3).

الآية الثامنة والثلاثون

فسرت بأنّ ولاية علي علیه السلام صراط يعدل ويميل عنه الذين لا يؤمنون بالآخرة

ص: 209


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 534
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 540
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 575

قال الله تعالى:«وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» [المؤمنون / 74]... عن الأصبغ بن نباتة، عن علي علیه السلام في قوله تعالى: «وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» قال : «عن ولايتي»(1).

الآية التاسعة والثلاثون

«يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» . في القرآن الكريم

عن ابن عباس، قال: سمعته يقول: ليس من آية في القرآن: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» ، إلا وعليّ رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه و آله وسلم في القرآن، وما ذكر عليّاً إلا بخير(2).

الآية الأربعون :

علي علیه السلام أذن واعية لعلم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

قال الله تعالى: «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَعِيَّةٌ» [الحاقة / 12].

حدّثنا محمد بن عمر بن سلم حدثني أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن عبدالله عن أبيه محمد عن أبيه عمر عن أبيه عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي وأُنزلت هذه الآية: «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَعِيةٌ» . فأنت أذن

ص: 210


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي: 1 / 610
2- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل: 320، [ح.238]، وانظر تفسير الدر المنثور لأبي بكر السيوطي: 1 / 196 [ سورة البقرة / الآية 104]، وجمع = الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي: 6 / 270 [ح.19064 – قسم الأقوال / حرف الميم]، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت. 430ه) : 1 / 103 [ ح . 194 – علي بن أبي طالب]

واعية لعلمي»(1).

و ذكر الحاكم الحسكاني الحنفي حديثاً مثله، وزاد عليه: وأنا المدينة وأنت الباب ولا يؤتى المدينة إلا من بابها (2).

وهذا ما قد تيسَّر لنا جمعه من كتب السنة وتفاسيرها في شأن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وما نزل في شأنه علیه السلام أكثر ، قال ابن حجر: أخرج ابن عساكر عنه. :قال ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي.

وأخرج ابن عساكر عنه أيضاً، قال: نزل في علي ثلاثمائة آية (3).

ورويَ«... عن ابن عباس قال: سمعته يقول : ليس من آية في القرآن «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ» ، «إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه و آله وسلم في القرآن، وما ذكر عليّاً إلا بخير»(4)

ص: 211


1- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الشافعي (ت. 430ه): 1 / 108 [ح. 210 - علي بن أبي طالب، ومناقب آل محمد (المسمى بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم لشيخ الشافعية أبي محمد بن عبد الواحد الموصلي (ت. 657ه):188
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2 / 426
3- الصواعق المحرقة لابن حجر : 196 ، [ الفصل الثالث في ثناء الصحابة، والسلف عليه]
4- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل: 320، [ح 238] وانظر: تفسير الدر المنثور لأبي بكر السيوطي: 1 / 196 [سورة البقرة / الآية 104]، ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي: 6 / 270 [ح. 19064 - قسم الأقوال / حرف الميم].، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت. 430 ه) : 1 / 103 ح . 194 - علي بن أبي طالب]

ص: 212

ولاية أمير المؤمنين علي في الأحاديث النبوية الشريفة

الحديث الأول :

عليٌّ علیه السلام أخو رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، و هو الصديق الأكبر

... عن عبادة بن عبد الله ، قال : سمعت علياً يقول: «أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصّديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفترٍ، صليت مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قبل الناس بسبع سنين»(1).

.. عن أبي سليمان الجهني، قال: سمعت عليّاً على المنبر يقول: «انا عبد الله: وأخو رسوله الله صلى الله عليه و آله وسلم يقولها إلا كذاب مفتري»، فقال رجل : أنا عبد الله وأخو رسوله صلى الله عليه و آله وسلم فخنق فحمل (2) .

ص: 213


1- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك): 1/ 537 [تاريخ ما قبل الهجرة النبوية الشريفة]، والسنن الكبرى للنسائي : 5 / 107 ، [ ح . 8395 / 3] ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 23 / 325 - 326 ، [ ح . 4642 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ]، وسنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني: 33 [ح 120]، ضبط نصها: أحمد شمس الدين والكشف والبيان لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري: 5 / ،85 ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي : 13 / 15 [ح . 5426 - مسند علي بن ابي طالب]، وينظر : فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد بن حنبل : 164 [ ح. 117] ، والكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة : 16 / 370 [ح. 32075 عن أسماء بنت عميس]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 126 ، [ح . 8452 / 3] ، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 142 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري
الحديث الثاني:

عليٌّ علیه السلام أوّل من أسلم:

... حدثنا أبو كريب، قال حدثنا يونس بن بكير، قال حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي، من أهل الكوفة، قال: حدثني إسماعيل بن إياس بن عفيف، عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرءاً تاجراً، فقدمت أيام الحج، فأتيت العباس، فبينا نحن عنده إذ خرج رجل يصلي، فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت معه تصلي، وخرج غلام فقام يصلي معه، فقلت: يا عباس، ما هذا الدين؟ إن هذا الدين ما أدري ما هو ؟

قال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله به وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به قال عفيف : فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون رابعاً !... حدثنا ابن حميد قال حدثنا عيسى بن سوادة بن الجعد، قال حدثنا محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبو حازم المدني والكلبي، قالوا علي أول من أسلم قال الكلبي : أسلم وهو ابن تسع سنين...

وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب علیه السلام، أنه كان في حجر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قبل الإسلام...

فلم يزل علي بن أبي طالب مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حتى بعثه الله نبياً، فاتبعه علي فآمن به وصدقه(1).

ص: 214


1- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) : 1/ 538 [تاريخ ما قبل الهجرة النبوية الشريفة]، وقد ذكرت عدة مصادر أن علياً علیه السلام أوّل من أسلم منها : الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي ت . (671ه): 18282 [ سورة التوبة (براءة) / آية : 100] ، والسنن الكبرى للبيهقي : 9 / = 234، 235، 236 [ ح. 12402 ، 12403، 12408 – باب من قال يحكم بصحة اسلامه / كتاب اللقطة ] ، والسنن الكبرى للنسائي: 5 / 44 ، [ح. 8137 / 1] ، والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 482 [ح. 3735] ، والمُصَنَّف للإمام الحافظ أبي بكر عبد الرزاق: 10/ 221 [11 / 226] [باب أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسل، والآحاد والمثاني لأحمد بن عمرو بن أبو بكر الشيباني: 1 / 125 ، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي: 119، 120، 121، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري، ومسند أبي داود الطيالسي لسليمان بن داود بن الجارود (ت. 204ه) : 3 / 163 [ح . 2876 / عمر بن ميمون]، وجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت . 606ه-) : 18 / 88 . ح. 6486 - الفرع الثاني: في فضائل الرجال على الإنفراد

قال شيخ البخاري ابن أبي شيبة : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ عُلَيْمٍ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الأُمَّةِ وُرُودًا عَلَى نَبِيِّهَا أَوَّلُنَا إِسْلَامًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (1).

الحديث الثالث:

عليٌّ علیه السلام وصي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وخليفته منذ بداية الدعوة الإسلامية:

... حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» . دعاني رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال لي: «يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليه حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمد، إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رَحْلَ شاة،

ص: 215


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ح . 32103/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

واملأ لنا عُسْاً من لبن؛ ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له؛ وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه؛ فيهم أعمامه : أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم جذبةً من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصفحة.

ثم قال: خذوا بسم الله ، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وإيمُ الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم.

ثم قال : اسْقِ القوم، فجئتهم بذلك العُس، فشربوا حتى رووا جميعاً، وايمُ الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال : سحر كم صاحبكم ! فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فقال:

«الغد يا علي إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعُدَّ لنا من الطعام مثل ما صنعت، ثم اجمعهم».

ففعلت ثم جمعتهم فدعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال:

«يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا ؟ ويكون أخي ووصتي وخليفتي فيكم»؟ قال : فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً، أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثم قال:

«إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا». قال: فقام القوم

ص: 216

يضحكون، ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(1).

ورواه ابن جرير في تفسيره بنفس السند عند تفسير قوله تعالى «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»[الشعراء: 214]، ولكن استبدل عبارة: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا بقوله: «إنَّ هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا»(2).

الحديث الرابع:

عليٌّ علیه السلام أخو رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و وصاحبه ووارثه ووزيره

... عن ربيعة بن ناجد أن رجلا قال لعلي : يا أمير المؤمنين! لم ورثت ابن عمك دون عمك ؟

قال: «جمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم - أو قال - دعا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بني عبد المطلب، فصنع لهم مدا من طعام قال فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغُمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب، فقال: «يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم بخاصة، وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم،

ص: 217


1- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) : 1/ 543 [ تاريخ ما قبل الهجرة النبوية الشريفة]، وتفسير البغوي المسمّى معالم التنزيل للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي الشافعي (ت . 516ه) : 3 / 342 [ سورة الشعراء / :آية 214] ، وأخرج مثله أحمد بن حنبل في: فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] : 310، [ح 232]، وتفسير السراج المنير أحمد الشربيني : 77/3[سورة الشعراء / :آية 214] واللباب في علوم الكتاب لأبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي: 15 / 93 ، [ سورة الشعراء / آية: 214]، وأخرج مثلها الحاكم الحسكاني الحنفي بإسناده عن البراء في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم : 1 / 630 - 636 [ سورة الشعراء / آية : 214]
2- تفسير الطبري المسمَّى جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى: سنة 310ه: ج 9 ص 484

فأيكم يبايعني على أن يكون أخي، وصاحبي، ووارثي» ؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه، وكنت أصغر القوم فقال : اجلس ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول: «اجلس» حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي، ثم قال: «أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي»(1) .

الحديث الخامس :

عليٌّ علیه السلام ولي كل مؤمن بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :

... عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «إن علياً مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي»(2). وفي مسند أبي داود: حدثنا يونس، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال لعلي: «أنت ولي كل مؤمن بعدي»(3)

وأخرج الخطيب، والرافعي عن علي علیه السلام : سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً سألت الله أن يجمع عليك أمتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك أنْ أوَّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي معك لواء الحمد وأنت تحمله بين يديَّ

ص: 218


1- السنن الكبرى للنسائي: 5 / 126 ، [ح . 8451 / 3 – كتاب الخصائص].
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 45 ، [ ح . 8146 / 10 ، كتاب المناقب]، وانظر: نفس المصدر ص: 126 - 127، [ ح . 18453، 54 / 1، 8455 / 2، 8456 /3 ]والكتاب المصنف في الاحاديث والآثار لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة : 6 / 375 [ح. 32112]، والمعجم الكبير للطبراني : 7 / 254 [ح .14684] ، وجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت. 606ه) : 18 / 491 [ح. 6492 - الفرع الثاني: في فضائل الرجال على الانفراد]
3- مسند أبي داود الطيالسي لسليمان بن داود بن الجارود (ت. 204ه): 3 / 163[ح. 2875/ عمر بن میمون]

تسبق به الأولين والآخرين، وأعطاني فيك أنك وليّ المؤمنين بعدي»(1)

الحديث السادس :

عليٌّ علیه السلام من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من عليٌّ علیه السلام :

عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال : لما قَتَلَ علي علیه السلام يوم أحد أصحاب الألوية، قال جبريل : يا رسول الله، إن هذه لهي المواساة، فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم إنه مني وأنا منه قال جبريل علیه السلام: وأنا منكما يا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم(2).

وروي... عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيٌّ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «عَليٌّ مِنّي وَأَنَا مِنْهُ وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ»(3).

«... عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه وتعاقدوا أربعة من

ص: 219


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 287 ، [ح. 33044 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]
2- المعجم الكبير للطبراني: 1 / 250 . [ح . 934]
3- مسند أحمد بن حنبل: 4 / 204، [4 / 165] ، [حدیث : 17525، 17517، 17513، 17524]، وفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد بن حنبل : 201، [ح. 147]، وانظر: السنن الكبرى للنسائي: 5 / 45 ، 128 [ ح . 5/8147] ، والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 474 ، [ ح. 3719 / كتاب المناقب - باب مناقب علي بن أبي طالب [علیه السلام]]، وفي صحيح البخاري : 675 ، [باب مناقب علي بن أبي طالب قال النبي الله صلى الله عليه و آله وسلم العلي: «أنت مني وأنا منك»] وينظر الصواعق المحرقة لابن حجر: 188 ، [ الحديث السادس والعشرون الفصل الثاني في فضائله ] ، وسنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني: 33 [ح. 119]، والكتاب المصنف في الاحاديث والآثار لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة : 6 / 369 [ح. 32062] ، وانظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت . 606ه) : 8 / 491 [ح. 6493 - الفرع الثاني في فضائل الرجال على الانفراد ]

أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أخبرناه بما صنع. وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤوا برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فقام أحد الاربعة، فقال يا رسول صلى الله عليه و آله وسلم ! ألم تر إلى علي بن أبي طالب علیه السلام كذا صنع وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ثم قام - يعني الثاني - فقال – مثل ذلك، ثم قام الثالث، فقال مثل مقالته ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليهم

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والغضب في وجهه فقال: «ما تريدون من علي؟ إن عليّاً مني، وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي»(1).

و أخرج مثله النسائي بإسناده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «لا تقعن يا بريدة في علي، فإن علياً مني وأنا منه وهذا وليكم بعدي»(2).

ص: 220


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 132 - 133 ، 45 [ح. 8474 / 17، 8146 / 10]، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 150، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري، والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 470 ، [ ح. 3712 / كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب علیه السلام]، وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للحافظ جمال الدين أبي الحجاج: 15/2 ، [ ح . 10861 ]من مسند عمران بن حصين الخزاعي، وانظر: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 279/11، [ح. 32938 – كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]، وفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل : 215 ، 249، 306 [ ح . 159، 184 ، 228] ، وانظر: مسند أحمد بن حنبل: 4/ 534 - 535 [4/ 437 - 438] ، [ح. 19950]، وجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت. 606ه) : 18 / 491. [ح. 6492 - الفرع الثاني : في فضائل الرجال على الانفراد]، والكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 375 [ح. 32112/ فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام ]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 133 [ح . 1/8475] ، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي: 151 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري، وانظر: كنز العمال في 151 سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 118 ،279 ، [ح. 32939 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة ]
الحديث السابع:

عليٌّ علیه السلام إمام مَن خُلِقَت الأرض له :

روى الحاكم الحسكاني الحنفي بإسناده عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: خلقت الارض لسبعة بهم يرزقون وبهم ينصرون وبهم يمطرون عبد يمطرون عبد الله بن مسعود وأبو ذر وعمار وسلمان والمقداد، وحذيفة، وأنا إمامهم السابع، قال الله : «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث»(1).

الحديث الثامن:

عليٌّ علیه السلام أحد الثقلين، وهو ولي مَن وَالى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

.. عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن حجة الوداع، ونزل غدير خم أمر بدوحات فقُمِّمْنَ (2) ثم قال: «كأني قد دعيت، فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».

ثم قال: «إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن» ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت وليه، فهذا وليه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم؟ فقال : ما كان في الدوحات أحدٌ إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه(3).

ص: 221


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 2/ 523
2- قُمِّمْنَ: أي كُنست وجمعت القمامة منها
3- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 130 ، 45 [ح. 1/8464، 12/8148]، وينظرح . 8465 2، 8466 / 3 ،8467 / 4 ، 8468 / 8469،5 / 6 ، 8470 / 7 ، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 147 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري. وانظر: المعجم الكبير للطبراني: 3 / 324 [ح . 4985]

... عن سعد قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بطريق مكة، وهو موجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف الناس، ثم رد من مضى، ولحقه من تخلف، فلما اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد ثلاث مرات يقولها، ثم قال: أيها الناس من وليكم؟ قالوا: الله ورسوله - ثلاثا - ثم أخذ بيد علي، فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).

وروي... عن ابن عباس عن بريدة قال خرجت مع علي إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه و آله وسلم فذكرت عليًا فتنقصته، فجعل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يتغير وجهه، قال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»(2).

وروي... عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «من كنت وليه فعلي ولیه»(3).

قال شيخ البخاري ابن أبي شيبة : حَدَّثَنَا عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ، قَالَ: فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ خُمٌ، قَالَ: فَنُودِيَ : الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَكُسِحَ لِرَسُولِ الله تَحْتَ شَجَرَةٍ

ص: 222


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 135 ، [ح .1/8481] ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي: 9 / 115 [ح. 27600 – قسم الأقوال / حرف الياء].، وانظر سنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني: 33 [ح. 116]، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 153 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري
2- السنن الكبرى للنسائي: 5 / 45 [ح . 8145 / 9 ، كتاب المناقب]، وينظر: فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد بن حنبل: 189 [ح. 140]
3- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 45 ، [ح . 5/8144، 8145 /1]، ومسند أحمد بن حنبل: 5 / 423،[ 5 / 361] ، [حدیث : 23121] ، والكتاب المصنف في الاحاديث والآثار لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة : 6 / 368 [ ح . 32056]

فَصَلَّى الظُّهْرَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: «اللهُمَّ مَنْ كُنْت مَوْلاهُ فَعَلِيُّ مَوْلاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»، قَالَ: فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: هَنِيئًا لَك يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْت وَأَمْسَيْت مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ(1).

الحديث التاسع:

عليٌّ علیه السلام يناشد الصحابة ليشهدوا بما سمعوه من حديث الولاية :

... عن سعيد بن وهب قال: قال علي في الرحبة أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوم غدير خم يقول: «الله وليي، وأنا ولي المؤمنين، ومن كنت وليه، فهذا وليه . اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره» ؟

فقال سعيد : قام إلى جنبي ستة ، وقال حارثة بن مضرب قام عندي ستة، وقال زيد بن يثيع : قام عندي ستة(2)

ص: 223


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 375 [ح. 32109/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 155 ، 134، 136 ، [ح . 8542 / 4 ، 8478 / 1، 2/8438] وينظر نفس المصدر ص: 131 - 132، ح . 8470 /7 ،8471 /8 ، 8473،9/8472/ 10 / ، 2/8483 ،8484 /3 ، والكتاب المصنف في الاحاديث والآثار لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة : 6 / 371 [ ح . 32082 عن اسماء بنت عميس]، وذكر السيوطي حديثين مثله عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زاذان أبي عمر في جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 13 / 29 - 30 [ح . 5512 ، 5513 - مسند علي بن ابي طالب]. وأخرج مثله الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الله ابن الجزري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في كتابه مناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب 39 ، والمعجم الأوسط للطبراني : 1 / 574 [ح. 2109، 2110 - =من اسمه أحمد]

وأخرج النسائي بسنده:..... عن زيد بن يثيع قال سمعت عليّاً بن أبي طالب يقول على منبر الكوفة إني منشد الله رجلا ولا أنشد إلا أصحاب محمد صلى الله عليه و آله وسلم من سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه» فقام ستة من جانب المنبر وستة من الجانب الآخر فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول ذلك(1)

وروى أحمد بن حنبل:... عن أبي الطفيل قال : جمع علي علیه السلام الناس في الرحبة ثم قال: «أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا ،قام فقام ثلاثون من الناس.

قال أبو نعيم فقام أناس كثير، فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟

:قالوا نعم يا رسول الله قال: «من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه »(2).

الحديث العاشر :

عليٌّ علیه السلام كل ما كان لهارون من موسى علیه السلام إلا النبوة:

... عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا

ص: 224


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 132 ،ح . 8437 / 10 ، : مناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب لابن الجزري: 40 ، وانظر مسند أحمد بن حنبل : 1 / 110 ، 234 [21 / 88 ، 185] ، [حدیث: 673 ، 1613]، والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 477 [ح . 3724 / كتاب المناقب]
2- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل : 382 ، [ح. 292]

فَقَالَ : أَتُخَلَّفُنِي فِي الصَّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟

قَالَ «أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي»(1) .

قال إمام السنة الحافظ شمس الدین محمد بن عبد الله ابن الجزري بعد أن أخرج الحديث متفق على صحته بمعناه من حديث سعد بن أبي وقاص.

قال الحافظ ابن عساكر وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وابن عبّاس وعبد الله بن جعفر، ومعاوية، وجابر بن سمرة ، وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم ، وريد بن أبي أوفى، ونبيط بن شريط، وحبشي بن جنادة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت حمزة، ثم ذكر طرقها كلها بأسانيده في تاريخ

ص: 225


1- صحيح البخاري: 676، 794 [ ح . 3706 - كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وح. 4416 - كتاب المغازي، وصحيح مسلم: 1019 [ ح. 2404 - 30، 31، 32 باب فضائل علي بن أبي طالب]، والسنن الكبرى للنسائي : 5 / 44 ، [ح . 8141 ،5]، وينظر نفس المصدر: عن سعد بن أبي وقاص [ح. 2/8138، 8140،3/8139 /،4 ، 8142 / 6، 8143/ 7]، والصواعق المحرقة لابن حجر: 187 ، [ الفصل الثاني في فضائله علیه السلام وكرم الله وجهه]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي: 9/ 80، 158[ح. 27354 ، 27907 - قسم الأقوال / حرف الياء]، والمُصَنَّف للإمام الحافظ أبي بكر عبد الرزاق: 10 / 221 [11/ 226] ، [ح. (4844 ) 20558 / باب أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم]، وانظر: الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 480 ، [ح . 3731 ، وأيضا عن جابر بن عبد الله ه ح /3730 / كتاب المناقب - باب مناقب علي بن أبي طالب[علیه السلام ]]، وروى أحمد بن حنبل مثله في مسنده عن أبي سعيد الخدري: 3 / 39، [3 / 32] ، [حدیث : 11278]، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 122 و 135 - 141 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن 135 141، الجزري، ووجامع الأصول في أحاديث الرسول لأبن الأثير الجزري (ت . 606ه) : 8 / 489 [ح . 6489 - الفرع الثاني : في فضائل الرجال على الإنفراد]

دمشق رحمه الله(1)

قال الإمام النسائي .... خرج بالناس في غزوة تبوك فقال علي: أخرج معك؟

فقال : لا ،فبكى فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي، ثم قال : أنت خليفتي يعني في كل مؤمن من بعدي...(2)

وقال الحاكم الحَسْكاني الحنفي وهذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ(3) يقول : خرجته بخمسة آلاف إسناد!!(4).

عليه واله

... عن سعيد بن المسيب سمع سعد بن أبي وقاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعلي : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة»(5)

ص: 226


1- مناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب: 43
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 113 ، [ ح. 8409 / 1 ، كتاب الخصائص - ذكر قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم في علي]
3- وأبو حازم الحافظ هو عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي النيسابوري الأعرج ذكره الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ برقم 979 في الطبقة الثانية من الطبقة الثالثة عشرة من الحفاظ، ج 2، 182 . ومما جاء في ترجمته .... قال الخطيب: كان ثقة صادقاً حافظاً عارفاً... قال أبو محمد السمرقندي: سمعت أبا بكر الخطيب يقول : لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين أبو نعيم، وأبو حازم العبدوي
4- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 230
5- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 120 ، [ح . 8431/ 3 8432 / 4، 8434 / 1، كتاب الخصائص - ذكر قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم] ، [ وذكره أيضاً بإختلاف يسير في اللفظ في ح.: 8429 / 1 / 8430 / 2 / 8433 / 1 ،8435 / 3 ، 8436 / 4 ، / 8437 / 5 ، 8438 / 6 ، 8439 / 7 ، 8440 / 8 ، 8441 / 9 ، 8442 / 10 ، 8443 / 11 ، 8444 / 12 ، 8445 / 1 ، 8446 / 2 ، 8447 / 3 ، 8448 / 4 ، 8449 / 5] والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 477 [ح . 3724 / كتاب المناقب - باب مناقب علي بن أبي طالب[علیه السلام]]، مسند أحمد بن حنبل: 1 = / 221،[ 1 / 173 ، 175 ] ، [ حدیث : 1494 ، 1509 ] ، والمعجم الكبير للطبراني : 5 / 268 [ح . 10929، 10924]، ضبط نصه وخرج أحاديثه أبو محمد الاسيوطي

قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «يا أم سلمة! إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى» العقيلي عن ابن عباس(1)

ولقد أكَّد النبي صلى الله عليه و آله وسلم على منزلة علي علیه السلام منه كمنزلة هارون من موسى وأنّه لافرق بين علي ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلا النبوة ؛ فقد روي عن علي قال: وجعت وجعاً شديداً فأتيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فأقامني في مكانه ، وقام يصلي وألقى علي طرف ثوبه، ثم قال : صلى الله عليه و آله وسلم «قم يا علي قد برئت. لا بأس عليك، وما دعوت لنفسي بشيء إلا دعوت لك مثله، وما دعوت بشئ إلا قد استجيب لي - أو قال: أعطيت إلا أنه قيل لي: لا نبي بعدك»(2) وقال ابن حجر الحديث السابع والعشرون: أخرج البغوي وعبد الغني في الإيضاح عن سلمان أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «سمّى هارون ابنيه شبرا وشبيرا وإني سميت ابني الحسن والحسين بما سمی به هارون ابنیه»(3)

وروى أحمد بن حنبل بسنده... سمعت أسماء بنت عميس تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «اللهم أقول كما قال أخي موسى، اللهم اجعل لي وزيرا من أهلي، علياً

ص: 227


1- جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 9 /109 [ح. 27558 - قسم الأقوال / حرف الياء]..
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 151 ، [ح . 833 / 1 ، كتاب الخصائص]، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 288/11 ، [ح . 33045 – كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة ]
3- الصواعق المحرقة لابن حجر : 292 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي .الفصل الثالث]، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني: 2/ 10[ح. 1782 - أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب]، وأخرجه البيهقي بإسناده عن علي في السنن الكبرى: 10 / 204. [ح .م 13675 - كتاب النكاح/ باب إليه ينسب أولاد بناته]

أخي، اشدد به أزري وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيراً»(1)

الحديث الحادي عشر:

عليّ علیه السلام الهادي المهدي الذي يسلك بكم الطريق المستقيم:

... عن حذيفة بن اليمان قال قالوا يا رسول الله ألا تستخلف عليا؟ قال: «إن تولوا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم» رواه النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري عن أبي اسحاق عن زيد بن يشيع عن حذيفة نحوه(2) .

وروي بلفظ آخر ... عَنْ زَيْدِ بْنِ يُتَيْعِ، عَنْ حذيفة، قَالَ: قال رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم: «إن تستخلفوا علياً - وما أراكم فاعلين - تَجِدُوهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا يحملكم على المحجة البيضاء»(3)

الحديث الثاني عشر :

تنبَّأ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بحصول الفتنة بعده، فأمر بلزوم عليّ علیه السلام :

... عن أبي ليلى الغفاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «سيكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا عليّاً بن أبي طالب فإنه أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصدّيق الأكبر وهو فاروق هذه الأمة وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب

ص: 228


1- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل: 370، [ح 282]، وروح المعاني لشهاب الدين الآلوسي (ت . 27ه) : 500 [ سورة طه : 17 - 44]
2- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم : 1 / 104، [ح - 195 / علي بن أبي طالب]، وكنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 / 281، [ح . 32963 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]، ومناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب : 58
3- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم: 1 / 104 ، [ح - 196 / علي بن أبي طالب]

المنافقين»(1).

«تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق – يعني طب - عن كعب بن عجرة»(2)

الحديث الثالث عشر:

أمَرَ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بتولي علي علیه السلام :

... عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «من يريد أن يحيى حياتي، ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتولَّ عليّاً بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة» [قال الحاكم: ] هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه(3)

وفي كنز العمال: «من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي قضبانا من قضبانها غرسها بيده وهى جنة الخلد فليتول عليا وذريته من بعده فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة»

(مطين، والباوردى، وابن شاهين وابن منده عن زياد بن مطرف)(4) .

(1) . (2) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 285، [ح . 33013 - کتاب الفضائل/ ذكر الصحابة].

ص: 229


1- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: 6 / 232 . [ح . 10471 حرف اللام – أبو ليلى]، وانظر: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 / 281، [ح . 32961 - كتاب الفضائل / ذكر الصحابة] ، وتاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 45 / 345 [ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام]
2- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: 6 / 232 . [ح . 10471 حرف اللام – أبو ليلى]، وانظر: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 / 281، [ح . 32961 - كتاب الفضائل / ذكر الصحابة] ، وتاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 45 / 345 [ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 341، [ح. 4700 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي]
4- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 281 ، [ح. 32957 - کتاب الفضائل ذكر الصحابة]، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: 2/ 235 [ ح . 2860 - حرف الزاي :المنقوطة زياد - زياد]

وروى أبو نعيم بإسناده... عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت، فليتولَّ عليّاً بن أبي طالب من بعدي» رواه شريك أيضا عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ورواه السدي عن زيد بن أرقم ورواه ابن عباس(1).

وروى أبو نعيم أيضاً بإسناده... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ؛ فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتدِ بالأئمة من بعدي، فإنهم ،عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهما وعلما وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي للقاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي»(2)

الحديث الرابع عشر

من فارق علياً علیه السلام فارق الله تعالى وفارق رسوله صلى الله عليه و آله وسلم، وطاعة علي علیه السلام ورسوله:

... عن أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «يا علي ، من فارقني فارق الله، ومن فارقك يا علي فارقني»

ص: 230


1- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الشافعي (ت. 430ه) : 127/1 - 128 [ح. 267]
2- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الشافعي (ت . 430ه): 1 / 128 [ح. 268] ، وتاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 45 / 182 ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب[ علیه السلام ]

[ قال الحاكم ] صحيح الإسناد ولم يخرجاه(1) .

قال الهيثمي: وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعليٍّ : «يا عليُّ مَن فارقني فارق الله ومَن فارقك يا عليُّ فارقني» [قال الهيثمي : ] رواه البزار ورجاله ثقات»(2) .

قال الشيخ الحافظ عبد الله بن الصديق وهو من علماء المغرب المعاصرين في كتابه (القول المُقنِع في الرد على الألباني المبتدع) ص 6 : قال الحاكم: صحيح الاسناد. ووافقه الذهبي وزاد بل منكر، والحديث رواه البزاز وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وإنما استنكره الذهبي لأمرين أن هذا اللفظ لم يرد في حق أحد الشيخين، وأنه يفيد الطعن في معاوية وفرقته.

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده... عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني» هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه [ وفي هامش الصفحة : ] وافقه الذهبي في التلخيص : صحيح(3)

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده أيضاً ... عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

ص: 231


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 336، 356 . [ح . 4682 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام] ، و[ح. 4761 - كتاب الصحابة / ذكر البيان الواضح أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 9/ 154 [ح .27880 - قسم الأقوال / حرف الياء].، والبحر الزخار المعروف (بمسند البزار) للحافظ الامام أبي بكر أحمد بن عمرو العتكي البزار (ت. 292ه): ج 9 / س 455 [ح. 4066]
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 19 / 130 ،[ ح . 14771 - كتاب المناقب]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 334 ، [ ح . 4675 - ذكر اسلام المؤمنين علي علیه السلام]

لعلي بن أبي طالب[علیه السلام]: «من أطاعني فقد أطاع الله، فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله،ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني» هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه(1)

الحديث الخامس عشر :

علي علیه السلام مع القرآن والقرآن مع علي علیه السلام لا يفترقان حتى يوم القيامة.

روي... عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال كنت مع علي علیه السلام يوم الجمل، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر فقاتلت مع أمير المؤمنين فلما فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت أم سلمة فقلت : إني والله ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ولكني مولى لأبي ذر فقالت: مرحبا فقصصت عليها قصتي :فقالت أين كنت حين طارت القلوب مطائِرَها ؟ قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس، قالت: أحسنت سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا علي الحوضم [قال الحاكم] هذا حديث صحيح الإسناد وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون، ولم يخرجاه(2)

وقال ابن حجر «قال [صلى الله عليه و آله وسلم] في مرض موته: «أيها الناس، يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً، فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول، معذرة إليكم، ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها، فقال: هذا علي مع القرآن

ص: 232


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 341 ، [ ح. 4699 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3/ 337، [ح. 4686 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي] ، والمعجم الأوسط للطبراني : 3 / 376 من اسمه عباد - ح.4880]، والمعجم الصغير للطبراني : 1 / 255 من اسمه عباد]

والقرآن مع علي لا يفترقان، حتى يردا علي الحوض فأسألهما ما خُلّفتُ فيها»(1)

الحديث السادس عشر:

علي علیه السلام سيد العرب:

... عن عائشة ، أن النبي الله صلى الله عليه و آله وسلم ، قال : «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب»

هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وفي إسناده عمر بن الحسن وأرجو أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين [ واستشهد الحاكم على صحة هذا الحديث بوروده من طريقين آخرين فقال:]

وله شاهد من حديث عروة، عن عائشة : أخبرناه أبو بكر محمد... قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «ادعوا لي سيد العرب» فقلت يا رسول الله ألست سيد العرب؟ قال: «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب»

وله شاهد آخر من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «ادعوا لي سيد العرب» فقالت عائشة : ألست سيد العرب يا رسول الله؟ فقال: «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب»(2).

ص: 233


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 194 ، [ الفصل الثاني في فضائله ] ، وانظر: المعجم الصغير للطبراني: 1/ 255 [من اسمه عباد]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 336 - 337، [ح. 4683، 4684، 4685 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام] ، ومناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب لابن الجزري: 48 - 49 ، ، وينظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: 188 [ الفصل الثاني في فضائله وكرم الله وجهه]، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 / 284 - 285 [ح. 33003، 33004، 33005، 33006 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي : 3 / 248 [ ح . 8614 - قسم الأقوال / حرف الهمزة]، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت. (430ه-) : 1 / 102 . [ح . 191 - علي بن أبي طالب]، والمعجم الأوسط للطبراني: 182/3 من = اسمه علي - ح. 3930]

أخرج الطبراني بسنده «عَنِ الْحَسَنِ بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم :«يَا أَنَّسُ انْطَلِقُ فَادْعُ لِي سَيِّدَ الْعَرَبِ»، يَعْنِي عَلِيًّا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : أَلَسْتَ سَيِّدَ الْعَرَبِ؟ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَعَلِيٌّ سَيَّدُ الْعَرَبِ»، فَلَمَّا جَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم إِلَى الأَنْصَارِ فَأَتَوْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «هَذَا عَلِيٌّ فَأَحِبُوهُ بِحُبِّي، وَكَرْمُوهُ لِكَرَامَتِي، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بِالَّذِي قُلْتُ لَكُمْ عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ»(1).

الحديث السابع عشر:

علي علیه السلام سيد المسلمين

روى أبو نعيم بسنده... عن الشعبي قال: قال علي قال لي رسول الله عليه الصلاة والسلام :

«مرحبا بسيد المسلمين، وإمام المتقين»

فقيل لعلي : فأي شيء كان من شكرك؟ قال: «حمدت الله تعالى على ما آتاني، وسألته الشكر على ما أولاني، وأن يزيدني مما أعطاني»(2)

ص: 234


1- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 217 [ح. 2683 / أَبو لَيْلَى، عَنِ الْحَسَنِ بن عَلِيٌّ رَضَيِ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ]
2- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم: 1 / 106 ، [ ح - 205 / علي بن أبي طالب]، وينظر : كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 111 / 285، [ح . 33006 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]

وجاء في كنز العمال: لما عرج بي إلى السماء انتهي بي إلى قصر من لؤلؤة فراشه ذهب يتلألأ فأوحى إلى في علي ثلاث خصال أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين(1)

عليه واله

وروي عن عبد الله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «أوحي إليَّ في علي ثلاث : أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجَّلين»(2)

قال الطبراني: حدثنا محمد بن مسلم بن عبد العزيز الأشعري الأصبهاني، حدثنا

مجاشع بن عمرو بهمدان سنة 235 خمس وثلاثين ومائتين حدثنا عيسى بن سوادة الرازي ، حدثنا هلال بن أبي حميد الوزان، عن عبد الله بن عكيم الجهني

قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إن الله عز وجل أوحى إلي في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: أنه سيد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين»(3)

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده... عن ابن عباس قال: نظر النبي الله صلى الله عليه و آله وسلم إلي فقال: «يا علي أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي» صحيح على شرط

ص: 235


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 11/ 285 ، [ح. 3007، 33008 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، وانظر: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت . 430 ه) : 12 / 106 . [ح . 205 - علي بن أبي طالب]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 348 - 349 ، [ح . 4726 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام]، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11/ 285، [ح. 33007، 33008 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، معرفة الصحابة لأبي نعيم / الأصبهاني (ت. 430 ه) : ( 1 / 264 [ح . 931 / من اسمه اسعد]
3- المعجم الصغير للحافظ للطبراني (ت. 360ه) : 2 / 88

الشيخين

وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح، سمعت أبا عبد الله القرشي يقول: سمعت أحمد بن يحيى الحلواني يقول: لما ورد أبو الأزهر من صنعاء وذاكر أهل بغداد بهذا الحديث أنكره يحيى بن معين، فلما كان يوم مجلسه، قال في آخر المجلس : أين هذا الكذاب النيسابوري الذي يذكر عن عبد الرزاق هذا الحديث؟

فقام أبو الأزهر، فقال: هو ذا أنا، فضحك يحيى بن معين من قوله وقيامه في المجلس فقربه وأدناه، ثم قال له: كيف حدثك عبد الرزاق بهذا، ولم يحدث به غيرك؟

فقال : أعلم يا أبا زكريا أني قدمت صنعاء وعبد الرزاق غائب في قرية له بعيدة فخرجت إليه، وأنا عليل فلما وصلت إليه سألني عن أمر خراسان، فحدثته بها وكتبت عنه، وانصرفت معه إلى صنعاء، فلما ودعته، قال لي : قد وجب علي حقك، فأنا أحدثك بحديث لم يسمعه مني غيرك، فحدثني والله بهذا الحديث لفظا، فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه»(1)

الحديث الثامن عشر :

أمر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بسَدِّ جميع أبواب الصحابة المطلة على المسجد النبوي الشريف إلا باب أمير المؤمنين علي علیه السلام بأمر الله تعالى :

روى الحاكم النيسابوري بإسناده... عن زيد بن أرقم قال : كانت لنفر من أصحاب

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أبواب شارعة في المسجد، فقال يوما «سدوا هذه الأبواب إلا باب علي»

ص: 236


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 339 - 340، [ح. 4698، وعن جابر بن عبد الله 4697 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام]

قال: فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فإني أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته»

[ قال الحاكم: ]هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(1)

وقال الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الله بن الجزري بعد إخراجه بسنده هذا الحديث حديث حسن، وقد رواه أبو الأشهب عن عوف بن ميمون، عن البراء بن عازب، وروى عن ابن عباس في حديث طويل، وورد أيضا من حديث سعيد (2). وروى النسائي بسنده... عن الحارث بن مالك قال: أتيت مكة، فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: هل سمعت لعلي منقبة ؟

قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في المسجد فنودي فينا ليلاً: ليخرج من المسجد إلا آل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وآل علي، قال: فخرجنا فلما أصبح أتاه عمه فقال: يا رسول الله ! أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام!

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «ما أنا أمرت بإخراجكم، ولا بإسكان هذا الغلام، إن الله هو أمر به»(3)

ص: 237


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 338 ، [ح. 4689 - ذكر اسلام المؤمنين علي علیه السلام] ، وذكره أحمد بن حنبل في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ فضائل الصحابة]: 12 [ح . 152]، وكذا ذكره في فضائل الصحابة، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 133 - 134، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري، وتاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي : 45 / 106 [ ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام]
2- مناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب: 49 - 50
3- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 118 - 119 ، ح. 8424 / 1 ، ومثله عن ابراهيم بن سعد بن أبي وقاص، عن ابيه، [ح. 8424 / 1 ، كتاب الخصائص - ذكر قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم]

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده... عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: سمعت مالك، وقال له رجل: إن علياً يقع فيك إنك تخلفت عنه، فقال سعد: والله

سعد بن إنه لرأي رأيته، وأخطأ رأيي، إن علي بن أبي طالب أعطي ثلاثاً لأن أكون أعطيت إحداهن أحب إلي من الدنيا وما فيها، لقد قال له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوم غدير خم بعد حمد الله والثناء عليه هل تعلمون أني أولى بالمؤمنين ؟ قلنا : نعم، قال: «اللهم من كنت مولاه، فعلي ،مولاه وال من والاه وعاد من عاداه» وجيء به يوم خيبر وهو أرمد ما يبصر، فقال : يا رسول الله إني أرمد فتفل في عينيه، ودعا له فلم يرمد حتى قتل، وفتح عليه خيبر وأخرج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عمه العباس وغيره من المسجد، فقال له العباس: تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتسكن عليا ؟ فقال: «ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكن الله أخرجكم وأسكنه» (1).

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده أيضاً ... عن زيد بن أرقم قال: كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أبواب شارعة في المسجد، فقال يوما: «سدوا هذه الأبواب إلا باب علي قال : فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد: «فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم والله ما سددت

شيئا ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته»

«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(2).

ص: 238


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 330 ، [ح . 4659 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 13 / 338 ، [ح. 4689 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام] ، والسنن الكبرى للنسائي : 5 / 118 [ حديث : 1/8423]، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 279/11 ، [ح . 33001، 33002 - كتاب الفضائل / ذكر الصحابة ]

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده أيضاً ... عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب : لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: «تزوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، و وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يحل له فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر» «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(1)

ومما يدل على صحة الاستشهاد بهذا الحديث علي علیه السلام خلافة علي هو استدلال ابن حجر على خلافة أبي بكر بحديث مثله ؛ فقال: الحديث الرابع والعشرون: أخرج أحمد والضياء عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتبعته [ وقد استدل ابن حجر على خلافة أبي بكر بحديث مثله ]

ولا يشكل هذا الحديث بما مر في أحاديث خلافة أبي بكر من أمره صلى الله عليه و آله وسلم بسد الخوخ جميعها إلا خوخة أبي بكر لأن ذلك فيه التصريح بأن أمره بالسد كان في مرض موته وهذا ليس فيه ذلك ، فيحمل هذا على أمر متقدم على المرض فلأجل ذلك اتضح قول العلماء إن ذاك فيه إشارة إلى خلافة أبي بكر على أن ذاك الحديث أصح من هذا وأشهر(2).

فقول ابن حجر على أن ذاك الحديث أصح من هذا وأشهر أي حديث: «إني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب عليّ»، أصح وأشهر من حديث خوخة أبي بكر، ويضاف إلى ذلك أن أبا بكر كان بيته بعيداً جدًا عن المسجد بحيث يستعين بالفرس للوصول

ص: 239


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 338 ، [ ح. 4690 - ذكر اسلام المؤمنين علي علیه السلام ] ، ومناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب لابن الجزري: 53
2- الصواعق المحرقة لابن حجر ،192 ، [ الفصل الثاني في فضائله ]

اليه خصوصاً قبل وفاة النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فمن أين كانت خوخة أبي بكر في المسجد النبوي؟!، والذي يدلّ على ذلك ما رواه البخاري ... عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ : أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ :

أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ المُسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم وَهُوَ مُسَجِّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ : «بِأَي أَنتَ يَا نَبِيَّ الله، لا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَهَا» (1).

الحديث التاسع عشر :

منع أبي بكر من تبليغ سورة براءة، وإرسال علي علیه السلام مكانه.

أرسل النبي صلى الله عليه و آله وسلم أبا بكر بِسُورَةِ التَّوْبَةِ ليبلغها إلى المشركين وقبل أن يصل إليهم بَعَثَ عَلِيًّا علیه السلام عَلَى أَثَرِهِ ليمنعه من تبليغها، وطلب من علي أن يذهب بها إليهم فلما قدم أبو بَكْرٍ على النبي بكي، وقال: لَعَلَّ الله وَنَبِيَّهُ سَخِطَا عَلَيَّ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «لا، وَلَكِن أمرتُ أَنْ لا يُبَلِّغَهَا عَنِّي إِلا رَجُلاً مِنِّي، وَأَنَا مِنْه»(2). وفي رواية أخرى أخرجها النسائي بسنده وفيها: «إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني»(3)

ص: 240


1- صحيح البخاري لمحمد بن اسماعيل البخاري: 231 [ح. 1241 - كتاب الجنائز / باب الدخول على الميت]
2- ينظر : مسند أحمد بن حنبل : 1 / ،430 [3/ 331] ، [حدیث : 3062] ، والمناقب للخوارزمي الحنفي : 126، 165 ، والسنن الكبرى للنسائي : 5 / 113 : [حديث : 8409 /1]، والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 126 ، [ ح . 3090 كتاب تفسير القرآن]
3- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 129 [ح . 3/8462]

قال السيوطي أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي علیه السلام قال «لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه و آله وسلم دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، ورجع أبو بكر فقال: يا رسول الله نزل في شيء؟ قال: لا، ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك»(1).

الحديث العشرون :

لا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي.

أخرج هذا الحديث أحمد بن حنبل في مسنده والحاكم النيسابوري في مستدركه مع اختلاف يسير في اللفظ، ومما جاء فيه عن عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ : قَالَ : إِنِّي جَالِسٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسِ إِذْ أَتَاهُ تِسْعَةُ رَهْطٍ فَقَالُوا يَا أَبَا عَبَّاسِ، إِمَّا أَنْ تَقُومَ مَعَنَا وَإِمَّا أَنْ يُخْلُونَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: بَلْ أَقُومُ مَعَكُمْ. قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَحِيحٌ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى، قَالَ: فَابْتَدَءُوا فَتَحَدَّثُوا فَلَا نَدْرِي مَا قَالُوا، قَالَ : فَجَاءَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: أَفْ وَتُفْ! وَقَعُوا ، في رَجُلٍ لَهُ عَشْرٌ، وَقَعُوا فِي رَجُلٍ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم : «لأَبْعَثَنَّ رَجُلًا لَا يُخْزِيهِ اللهُ أَبَدًا، يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه»ُ، قَالَ: فَاسْتَشْرَفَ هَا مَنْ اسْتَشْرَفَ، قَالَ صلى الله عليه و آله وسلم: أَيْنَ عَلِيٌّ؟ قَالُوا: هُوَ فِي الرَّحْل يَطْحَنُ. قَالَ : وَمَا كَانَ أَحَدُكُمْ لِيَطْحَنَ؟ قَالَ : فَجَاءَ وَهُوَ أَرْمَدُ لَا يَكَادُ يُبْصِرُ ، قَالَ: فَنَفَثَ في عَيْنَيْهِ، ثُمَّ هَزَّ الرَّايَةَ ثَلَاثًا، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ ، فَجَاءَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، قَالَ:

ثُمَّ بَعَثَ صلى الله عليه و آله وسلم فَلَانًا [ أبا بكر] بِسُورَةِ التَّوْبَةِ، فَبَعَثَ عَلِيًّا خَلْفَهُ فَأَخَذَهَا مِنْهُ، قَالَ: «لَا

يَذْهَبُ بِهَا إِلَّا رَجُلٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ».

ص: 241


1- تفسير الدر المنثور للسيوطي : 13 / 377 - 378 [ سورة التوبة / الآية : 1 و 2]، وكتاب السنة، عمرو بن أبي عاصم: 595[ح. 1384]

قَالَ : وَقَالَ الِنَبي صلى الله عليه و آله وسلم عَمِّهِ : أَيُّكُمْ يُوَالِينِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟

قَالَ: وَعَلِيٌّ مَعَهُ جَالِسٌ فَأَبَوْا فَقَالَ عَليّ علیه السلام: أَنَا أُوَالِيكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ صلى الله عليه و آله وسلم: «أَنتَ وَليِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» قَالَ: فَتَرَكَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَقَالَ صلى الله عليه و آله وسلم: أَيُّكُمْ يُوَالِينِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ فَأَبَوْا قَالَ فَقَالَ عَلِي علیه السلام: أَنَا أَوَالِيكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. فَقَالَ صلى الله عليه و آله وسلم: أَنتَ وَليِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ خَدِيجَةَ، قَالَ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ثَوْبَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى عَليٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنِ وَحُسَيْنِ فَقَالَ صلى الله عليه و آله وسلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهركم تطهيرا» [ الاحزاب : 33]، قَالَ: وَشَرَى عَلِيٌّ نَفْسَهُ لَبِسَ ثَوْبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم ثُمَّ نَامَ مَكَانَهُ قَالَ: وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَرْمُونَ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم... وَجَعَلَ عَلِيٌّ يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ كَمَا كَانَ يُرْمَى نَبِيُّ الله ، وَهُوَ يَتَضَوَّرُ قَدْ لَفَ رَأْسَهُ فِي الثَّوْبِ لَا يُخْرِجُهُ حَتَّى أَصْبَحَ ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالُوا: إِنَّكَ لَلَئِيمٌ ! كَانَ صَاحِبُكَ نَرْمِيهِ فَلَا يَتَضَوَّرُ ، وَأَنْتَ تَتَضَوَّرُ وَقَدْ اسْتَنْكَرْنَا ذَلِكَ !

قَالَ: وَخَرَجَ بِالنَّاسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَخْرُجُ مَعَكَ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ الله : لَا ، فَبَكَى عَليٌّ، فَقَالَ لَهُ [ نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم]: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَأَنْتَ خَلِيفَتِي»، قَالَ: وَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «أَنْتَ وَلِيي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»، وَقَالَ: سُدُّوا أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ غَيْرَ بَابٍ عَلَيٍّ، فَقَالَ فَيَدْخُلُ المَسْجِدَ جُنَّبًا وَهُوَ طَريقُهُ لَيْسَ لَهُ طَريقٌ غَيْرُهُ قَالَ: وَقَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ مَوْلَاهُ عَلِيُّ » . [ وفي الهامش: ] قال الذهبي في التلخيص : صحيح(1).

ص: 242


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 345 ، [ح. 4710 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ] ، ومسند أحمد بن حنبل : 21 / 430 ، [3/ 331] ، [حدیث : 3062]، والسنن الكبرى للنسائي : 5 / 113 [ حديث : 1/8409]، والمناقب للخوارزمي الحنفي : 126 - 127 ، وفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل: 332، [ح .249] ، المعجم الكبير للطبراني : 6 / 69 - 70 [ح.12428]

وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : «إن وصيي وخليفتي وخير من أترك بعدي ينجز موعدي ويقضي ديني علي بن أبي طالب»(1)

وأخرج الطبراني بسنده عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيٍّ، فَمَنْ وَصِيكَ ؟ فَسَكَتَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ رَآنِ، فَقَالَ: «يَا سَلْمانُ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: تَعْلَمُ مَنْ وَصِيُّ مُوسَى» ؟

قُلْتُ: نَعَمْ يُوشَعُ بن نُونِ، قَالَ لِمَ؟: قُلْتُ : لأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمُهُمْ، قَالَ: «فَإِنَّ وَصِيُّ وَمَوْضِعُ سِرِّي، وَخَيْرُ مَنْ أَتْرُكُ بَعْدِي، وَيُنْجِزُ عِدَنِي، وَبَقْضِي دَيْنِي عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ»(2)

الحديث الحادي والعشرون :

هذا علي سيد المؤمنين، وأمير المسلمين، وموضع سري وعلمي، وبابي الذي آوي إليه، وهو الوصي على [أهل] بيتي والأخيار من أمتي، وهو أخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السناء الأعلى:

روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان عند أم سلمة زوجته إذ أقبل علي يريد

الدخول، فنقر نقراً خفيفاً، فعرف النبي صلى الله عليه و آله وسلم نقره فقال : يا أم سلمة، قومي فافتحي الباب، فقالت: يا رسول الله من ذا الذي يبلغ خطره أن أستقبله بمحاسني؟

فقال: «يا أم سلمة، إن طاعتي طاعة الله عز وجل، قومي فافتحي ؛ فإن بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجل في أمره، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يا أم سلمة، إن تفتحي الباب له فلن يدخل حتى يخفي عليه الوطء».

ص: 243


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 116
2- المعجم الكبير للطبراني : 3 / 553 - 554 [ح. 5940 أبو سعيد عن سلمان رضي الله تعالى عنه]

فلم يدخل حتى غابت عنه، وخفي عليه الوطء، فلما لم يحس لها حركة دفع الباب ودخل، فسلم على النبي صلى الله عليه و آله وسلم فرد عليه السلام، وقال: «يا أم سلمة، هل تعرفين هذا؟ قالت نعم هذا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «نعم، هذا علي، سيط(1) لحمه بلحمي، ودمه بدمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لا نبي بعدي يا أم سلمة، هذا عليّ سيد المؤمنين، وأمير المسلمين، وموضع سري وعلمي، وبابي الذي آوي إليه، وهو الوصي على [أهل] بيتي والأخيار من أمتي، وهو أخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السناء الأعلى، اشهدي يا أم سلمة أن علياً يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ... (2).

الحديث الثاني والعشرون :

من وصايا الرسول صلى الله عليه و آله وسلم الإدارية لعلي بن أبي طالب علیه السلام

روي عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلي علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم «يَا عَلِيُّ، إِنْ أَنتَ وُلَّيتَ هذا الْأَمْرَ بَعْدِي فَأَخْرِجْ أَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»(3)

وهذا الحديث يدلُّ على خلافة على بن أبي طالب علیه السلام مباشرة بعد الرسول محمد صلى الله عليه و آله وسلم وإلا فلماذا لم يوص الرسول محمد صلى الله عليه و آله وسلم مال الله لأبي بكر بهذه الوصية الإدارية؟! فلو كان أبو بكر هو الخليفة بعد رسول الله لأوصاه النبي له بهذه الوصية.

ص: 244


1- سیط: معناها اختلط
2- سمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي: 3 / 11
3- مسند أحمد بن حنبل : 1 / ،109 [1/ 87]، [حديث : 664]، والمُصَنَّف لعبد الرزاق: 6 / 47 [57/6] ، [ح . (2789 )- 10028 - إجلاء اليهود من المدينة ] ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي : 9 / 155 [ح . 27885 - قسم الأقوال / حرف الياء]، وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم: 549 [ح . 1184]
الحديث الثالث والعشرون :

الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وعلي علیه السلام حجة على المسلمين يوم القيامة

روى الخطيب عن أنس قول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم: «أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة يعني علياً»(1).

الحديث الرابع والعشرون :

معناه إختصاص علي علیه السلام بسبع خصال تفوّق فيها على قريش

روي عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «يا على أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيه أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسوية وأعدلهم في الرعية وأبصرهم بالقضية وأعظمهم عند الله مزية» (أبو نعيم في الحلية معاذ)(2)

وروي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعلي - وضرب بين كتفيه: «يا علي لك سبع خصال لا يحاجك فيهن أحد يوم القيامة: أنت أول المؤمنين بالله إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله ، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية،

ص: 245


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 285 ، [ح 33010 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]
2- جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 9 / 155، 156 [ح. 278877، 27888 - قسم الأقوال / حرف الياء]، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت. 430ه) : 1 / 106 [ح. 204 - علي بن أبي طالب، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 11/ 283، [ح. 32992 - كتاب الفضائل / ذكر الصحابة]

وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية يوم القيامة»(1).

الحديث الخامس والعشرون :

يبين المنزلة العلمية للإمام علي علیه السلام، عند الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم التي هي أحد لوازم ومتطلبات الإمامة

روي... عن أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال لعلي: «أنت تبين لأمتي ما اختلفوا

فيه من بعدي»

[ قال الحاكم النيسابوري ]هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه(2) وروي ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب» هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو الصلت ثقة مأمون. فإني سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب في التاريخ يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول : سألت يحيى بن معين، عن أبي الصلت الهروي، فقال: ثقة.

فقلت: أليس قد حدث عن أبي معاوية ، عن الأعمش «أنا مدينة العلم»؟ فقال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون.

ص: 246


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 283، [ح. 32992- کتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 335 ، [ح. 4678 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ] ، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11/ 282، [ح. 32980 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي: 1 / 452 ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 9 / 156 [ح. 27891 - قسم الأقوال / حرف الياء]

سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القباني إمام عصره ببخاری، يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول: وسئل عن أبي الصلت الهروي، فقال: دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت فسلم عليه، فلما خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت؟

فقال: هو صدوق. فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها»، فقال قد روى هذا ذاك الفيدي، عن أبي معاوية، عن الأعمش كما رواه أبو الصلت(1).

عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «أنا دار الحكمة و علي بابها»(2)

الحديث السادس والعشرون :

علي علیه السلام أمير البررة

روى الحاكم النيسابوري بسنده... عن عبد الرحمن بن عثمان قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهو آخذ عليم والله بضبع علي بن أبي طالب [علیه السلام] وهو يقول: «هذا أمير البررة قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ثم مد بها صوته هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»(3)

ص: 247


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 339 ، [ح. 4695 ، 4696 ، وعن جابر ابن عبد الله ح: 4697 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ] ، وانظر: مناقب الأسد الغالب ، ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب لابن الجزري 56 وانظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي(ت. 430ه) : 1 / 103 [ح. 193 - علي بن أبي طالب، والمعجم الكبير للطبراني 5 / 263 - 264 [ح. 10897]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 476 [ ح . 3723/ كتاب المناقب]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 341 ، [ح . 4702 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ]
الحديث السابع والعشرون :

أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض، فاختار رجلين أحدهما رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فبعثه نبياً والآخر علي علیه السلام فاتخذه النبي وصياً:

روي عن أبي هريرة قال قالت فاطمة رضي الله عنها: يا رسول الله، زوجتني من علي بن أبي طالب وهو فقير لا مال له، فقال: «يا فاطمة، أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض ، فاختار رجلين أحدهما أبوك، والآخر بعلك».

[ وله شاهد من حديث عبد السلام بن صالح، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أبي نجيح ، عن مجاهد، عن ابن عباس قالت فاطمة رضي الله عنها : زوجتني من عائل لا مال له، فذكر نحوه. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ](1) «أما علمت أن الله عز وجل أطلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا» - قاله لفاطمة(2)

الحديث الثامن والعشرون :

علي علیه السلام ولي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في الدنيا والآخرة

روي... عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : «أيكم يتولاني في الدنيا

ص: 248


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 342 ، [ح. 4703 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي علیه السلام] ، والمعجم الكبير للطبراني : 5 / 277 . [ح. 10990، 10991]
2- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 277، [ح. 32920 – کتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]

والآخرة؟» فقال لكل رجل منهم :«أيتولاني في الدنيا والآخرة؟» فقال: لا، حتى مر على أكثرهم، فقال علي: أنا أتولاك في الدنيا والآخرة، فقال: «أنت وليي في الدنيا والآخرة» «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»(1)

الحديث التاسع والعشرون :

طوبى لمن أحب علياً، وويل لمن أبغضه

روي ... عن علي بن الحَزَوِّر قال : سمعت أبا مريم الثقفي يقول: سمعت عمار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول لعلي : «يا علي، طوبي(2) لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك ، هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(3)

الحديث الثلاثون :

عليٌّ ولي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و المؤدي عنه وإن الله مُوالٍ لمن والاه، ومُعاد من عاداه

روى النسائي بسنده ... «عن عائشة بنت سعد قالت سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوم الجحفة وأخذ بيد علي، فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا أيها الناس، إني وليكم» قالوا: صدقت يا رسول الله . ثم أخذ بيد علي فرفعها، وقال: «هذا وليي، والمؤدي عني، وإن الله مُوال لمن والاه، ومُعاد من عاداه» .(4)

ص: 249


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 346 ، [ح. 4713 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ] ، ومسند أحمد بن حنبل : 10 / 430 ،[ 3 / 331] ، [ حديث : 3062]
2- طوبى: اسم الجنة، وقيل هي شجرة فيها
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 346 ، [ح. 4715 - ذكر اسلام المؤمنين علي ] ، وينظر : المعجم الأوسط للطبراني: 12 / 586 [ح . 2257 - من اسمه أحمد]
4- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 107، [ح. 8397 / 1 ، كتاب الخصائص – ذكر منزلة علي بن أبي طالب [علیه السلام] من الله عز وجل]
الحديث الحادي والثلاثون :

أحبّ الخلق إلى الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه و آله وسلم:

روي ... «عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان عنده طائر، فقال: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير» فجاء أبو بكر فرده، وجاء عمر فرده، وجاء علي فأذن له»(1)

وروي ... «عن أنس بن مالك قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فقدم لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فرخ مشوي، فقال: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير» قال: فقلت : اللهم اجعله رجلاً من الأنصار فجاء علي علیه السلام ، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على حاجة، ثم جاء، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على حاجة ثم جاء، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «افتح» فدخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «ما حبسك عليَّ» فقال : إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم إنك على حاجة، فقال: «ما حملك على ما صنعت؟» فقلت: يا رسول الله ، سمعت دعاءك، فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إن الرجل قد يحب قومه»

[ قال الحاكم النيسابوري ] هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن عليّ وأبي سعيد الخدري وسفينة»(2)

ص: 250


1- السنن الكبرى للنسائي: 5 / 107 ، [ ح. 8393 / 2 ، كتاب الخصائص - ذكر منزلة علي بن أبي طالب [علیه السلام] من الله عز وجل]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 343 ، [ح . 4708 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ] ، وانظر: المعجم الأوسط للطبراني : 1 / 472[ح. 1744 - من اسمه أحمد]، و 4 / 250 - 251 . [ح. 5886 - من اسمه محمد] ، و 5 / 54 [ح. 6561 - من اسمه محمد]، و 6 / 452 [ح. 9372 - من اسمه هارون]، والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 475، [ح. 3721 / كتاب المناقب - باب مناقب علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
الحديث الثاني والثلاثون:

معناه أنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أخفى من منزلة وفضائل علي علیه السلام خشية أن يقول بعض المسلمين فيه ما قالت النصارى في عيسى بن مريم

أخرج الطبراني عن أحمد بن العباس المري القنطري«وبإسناده: أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال لعلي: «والذي نفسي بيده لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عیسی بن مریم لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بأحد من المسلمين إلا أخذ التراب من أثر قدميك يطلبون به البركة».(1)

الحديث الثالث والثلاثون :

عليٌّ أَخُو رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ

روى الترمذي بإسناده «... عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه و آله وسلم - بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ عَليٌّ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَلَمْ تُؤَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- : أَنْتَ أَخِي في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». قَالَ [الترمذي :] هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَوْفَى»(2).

ص: 251


1- المعجم الكبير للطبراني: 1 / 251 [ح. 944]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 474 - 475 ، [ح. 3720 / كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب [علیه السلام]]، وينظر المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 237،238[ح. 4341 ، 4342 كتاب الهجرة ] ، وينظر الصواعق المحرقة لابن حجر: 188 ، [الفصل الثاني في فضائله]، ووجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت . 606ه) : 18 / 489 [ح. 6487 - الفرع الثاني في فضائل الرجال على الإنفراد]
الحديث الرابع والثلاثون :

أمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بأن ينتجي مع علي علیه السلام حتى طَالَ نَجْوَاهُ

روى الترمذي بسنده «... عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه و آله وسلم - عَلِيًّا يَوْمَ الطَّائِفِ فَانْتَجَاهُ فَقَالَ النَّاسُ : لَقَدْ طَالَ نَجْوَاهُ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم - : «مَا انْتَجَيْتُهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ». قَالَ [الترمذي: هَذَا حَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الأَجْلَحِ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ فُضَيْلِ أَيْضًا عَنِ الأَجْلَح. وَمَعْنَى قَوْلِهِ «وَلَكِنَّ اللهَ انْتَجَاهُ». يَقُولُ اللهُ أَمَرَنِي أَنْ أَنْتَجِيَ مَعَهُ.»(1) [ وفي رواية أبي نعيم الأصبهاني، والطبري؛ فقال: أبو بكر : يا رسول الله لقد طالت مناجاتك علياً منذ اليوم فقال رسول الله : «ما أنا انتجيته ولكن الله انتجاه».

الحديث الخامس والثلاثون :

عليٌّ علیه السلام أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين

روى أبو نعيم بسنده... «عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «يا أنس اسكب لي وضوءاً» ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: «يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب

ص: 252


1- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 478 ، [ح . 3726 / كتاب المناقب – باب مناقب علي بن أبي طالب [علیه السلام]]، وينظر : معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني: 1 / 441[ح. 1498 - جابر بن عبد الله بن عمرو] ، وانظر: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 /288 ، [ح. 3046 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، والمعجم الكبير للطبراني: 7/2 8 [ح.1735 - ومن غرائب حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه]، جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت . 606ه) :8 / 495 - 496[ح. 6505 - الفرع الثاني : في فضائل الرجال على الانفراد]

أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين» قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار وكتمته، إذ جاء عليّ فقال: «من هذا يا أنس»؟ فقلت: عليّ فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه.

قال عليّ : «يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل» ؟ قال: «وما يمنعني وأنت تؤدّي عني ، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي».(1)

الحديث السادس والثلاثون :

حديث الثقلين

روى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم قال: «قام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوما فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد ألا أيها الناس فإنَّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي»(2).

ورواه الترمذي في صحيحه، فقال: «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْل حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَا : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمَدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ

ص: 253


1- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت . 430ه) : 1 / 102 - 103 [ح. 192 - علي بن أبي طالب]
2- صحیح مسلم: 1021 . [ح . 2408 / كتاب فضائل الصحابة]

إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحُوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا» قَالَ [الترمذي]: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ»(1). وعلَّق الألباني على هذا الحديث قائلاً: صحيح.

كذلك صححه الألباني في السلسلة الصحيحة(2) .

وفي رواية أخرى ورد لفظ «خليفتين» مكان «الثقلين» كما قال الهيثمي: «عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: إني تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض». [قال الهيثمي :] رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات»(3). ورواه أيضاً في باب فضل أهل البيت ع السلامة عن زيد بن ثابت أيضاً، وعقب عليه قائلاً: «رواه أحمد وإسناده جيد»(4) .

الحديث السابع والثلاثون :

الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وعلي علیه السلام من شجرة واحدة

روي عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «الناس من شجر شتى وانا وعلي من شجرة واحدة» (5).

ص: 254


1- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 503/4 [كتاب المناقب / باب مناقب أهل بيت النبي عله - ح 3788]
2- السلسلة الصحيحة للألباني : ح. 1761
3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 1 / 230 [ كتاب العلم / باب في العمل بالكتاب والسنة: ح- 784]
4- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 182/9 - 183 [ كتاب المناقب / باب في فضل أهل البيت رضي الله عنهم : [ح- 14957]
5- المعجم الأوسط للطبراني: 151/3 [ح. 4150 - من اسمه علي]، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 ،279 ، [ح 32940 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 251/3، 9 / 157 [ح. 8638- قسم الأقوال / حرف الهمزة، ح. 27900 / حرف الياء].، وينظر:= الصواعق المحرقة لابن حجر : 190 ، [ الفصل الثاني في فضائله ]
الحديث الثامن والثلاثون:

علي علیه السلام السلام وصيي وخير من أترك بعدي

وروي ... «عن سلمان قال قلت يا رسول الله لكل نبي وصي فمن وصيك؟

فسکت عني فلما كان بعد رآني فقال : «يا سلمان» فأسرعت إليه قلت : لبيك قال : «تعلم من وصي موسى»؟ قلت : نعم يوشع بن نون قال: «لم؟» قلت: لانه كان أعلمهم قال: «فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك ينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب» (1).

وروى الحاكم الحسكاني بسنده «... عن سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «إنّ وصيّي وخليفتي وخير من أترك بعدي ينجز موعدي ويقضي ديني علي بن أبي طالب»(2).

الحديث التاسع والثلاثون :

أمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم بموالاة علي علیه السلام ، وأن ولايته ولاية النبي صلى الله عليه و آله وسلم وولاية الله

روى الطبراني، وابن عساكر عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «أُوصِي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه

ص: 255


1- المعجم الكبير للطبراني: 553/3 [ح. 5940 - أبو سعيد عن سلمان رضي الله تعالى عنه]، وفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد بن حنبل [فضائل الصحابة]:239، ح. [ح. 176]
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 116

فقد تولاني، ومن تو لاني فقد تولى الله ، ومَن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ»(1).

«اللهم من آمن بي وصدقني فليتول علي بن أبي طالب فإن ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله»

الحديث الأربعون :

علي علیه السلام أولى الناس بكم بعدي، وإنّه يفعل ما يؤمر وروي «... عن وهب بن حمزة، قال: صحبت علياً من المدينة إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأشكونك إليه ، فلما قدمت لقيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فقلت: رأيت من علي كذا وكذا، فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي»(2)

وفي كنز العمال:«يا بريدة إن علياً وليكم بعدي فأحِبّ علياً فإنه يفعل ما يؤمر» (الديلمي - عن علي )»(3).

قال الهيثمي : وعن وهب بن حمزة :قال صحبت عليَّاً [ من المدينة ] إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره فقلت: لئن رجعت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فلما قدمت لقيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فقلت : رأيت من عليّ كذا وكذا فقال: «لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم

ص: 256


1- الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 3/ 276[ح. 8817 - قسم الأقوال / حرف الهمزة.] وتاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: 45/ 182 [ ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ]
2- المعجم الكبير للطبراني: 9/ 212 - 213 - [ح. 17816 - وهب بن حمزة]، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني: 4 / 365 . [ح . 6541 - وهب بن جمرة ] ، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 11 281 ، [ح. 32958 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 281 ، [ح. 32960 - كتاب ا ح الفضائل/ ذكر الصحابة]

بعدي». [قال الهيثمي : ] رواه الطبراني وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم ولم يضعفه أحد وبقية رجاله وثقوا»(1)

الحديث الحادي والأربعون :

علي علیه السلام يقضي دين الرسول صلى الله عليه و آله وسلم

«لا يقضي ديني غيري أو علي (طب [ أي رواه الطبراني ] عن حبشي بن جنادة)»(2)

ذكر الألباني حديث: «علي يقضي ديني» في كتابه السلسلة الصحيحة، وحسَّنه»(3)

وفي كنز العمال: «يا علي أنت تغسل جثتي وتؤدي ديني وتواريني في حفرتي وتفي بذمتي وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة. (الديلمي - عن أبي سعيد )»(4)

وفي كتاب جمع الجوامع : «يا علي أنت تغسل جثتي، وتؤدي ديني، وتواريني في حفرتي، وتفي بذمتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة» (الديلمي عن أبي سعيد)(5)

الحديث الثاني والأربعون :

وصية النبي العمار بن ياسر بإتباع علي علیه السلام وترك الناس إِنْ اتَّبعوا غيره

ص: 257


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 9 / 95 [ح . 14641 - كتاب المناقب]
2- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11/ 281، [ح. 32959 – كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]
3- ينظر: السلسلة الصحيحة 4 / 631 : حديث رقم: 1980
4- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 281، [ح . 32962 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]
5- جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 9/ 156 . [ح . 27892 - قسم الأقوال / حرف الياء]

جاء في كنز العمال: «يا عمار إن رأيت علياً قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس إنه لن يدلك على ردي ولن يخرجك من الهدى» (الديلمي - عن عمار بن ياسر وعن أبي أيوب)»(1)

الحديث الثالث والأربعون :

عليٌّ علیه السلام باب حطة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً

قال ابن حجر: «أخرج الدار قطني في الأفراد، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «علي باب حطة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً»»(2) .

الحديث الرابع والأربعون :

عليٌّ علیه السلام بمنزلة الرأس من جسد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

قال ابن حجر «الحديث الخامس والثلاثون: أخرج الخطيب عن البراء والديلمي، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم، قال : «علي مني بمنزلة رأسي من بدني»(3).

الحديث الخامس والأربعون :

علي قسيم الجنة والنار يوم القيامة

قال ابن حجر: «أخرج الدارقطني، أن علياً قال للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاماً طويلاً من جملته، « أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة، غيري»؟

ص: 258


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 282/11، [ح . 32969 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 193 ، [ الفصل الثاني في فضائله ]
3- الصواعق المحرقة لابن حجر: 193 ، [ الفصل الثاني في فضائله ]

قالوا اللهم لا .

ومعناه ما رواه عنترة عن علي الرضا أنه صلى الله عليه و آله وسلم قال له : «أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة تقول النار هذا لي وهذا لك، وروى ابن السماك أن أبا بكر قال له رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز»(1) (1).

وأخرج الطبراني بسنده عن عبد الله بن اجارة بن قيس قال سمعت امير المؤمنين علي بن ابي طالب وهو على المنبر يقول: «اني اذود عن حوض رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بيدي هاتين القصيرتين الكفار والمنافقين كما يذود السقاة غريبة الإبل عن حياضهم»(2)

وأخرج بسنده أيضاً «عَنْ أَبِي كَبِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْحَسَنِ بن عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ : لَقَدْ سَبَّ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا سَبًّا قَبِيحًا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُعَاوِيَةُ، يَعْنِي ابْنَ حُدَيْجِ، تَعْرِفُهُ؟

قَالَ : نَعَمْ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَهُ فَاثْتِنِي بِهِ، قَالَ: فَرَآهُ عِنْدَ دَارِ عَمْرِو بن حُرَيْثٍ، فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، قَالَ: أَنْتَ مُعَاوِيَةُ بن حُدَيْجِ؟

فَسَكَتَ فَلَمْ يُحِبُهُ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ:

«أَنْتَ السَّبَّابُ عَلِيًّا عِنْدَ ابْنِ آكِلَةِ الأَكْبَادِ، أَمَا لَئِنْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَمَا أَرَاكَ تَرِدُهُ، لَتَجِدَنَّهُ مُشَمَّرًا حَاسِرًا ذِرَاعَيْهِ يَذُودُ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ عَنْ حَوْضِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم، كَمَا تُذَادُ غَرِيبَةُ الإِبِلِ عَنْ صَاحِبِهَا، قَوْلُ الصَّادِقِ المُصْدُوقِ أَبِي الْقَاسِم صلى الله عليه و آله وسلم»(3).

ص: 259


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 195 ، [الفصل الثاني في فضائله]
2- المعجم الأوسط للطبراني: 4 / 44 [ح . 5153 - من اسمه محمد]، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي (ت . 654ه) : 25
3- المعجم الكبير للطبراني : 2 / 211 ، و 220 . [ح . 2661 أبو سعيد عن سلمان رضي الله تعالى عنه، 2692 - علي بن طلحة عن الحسن بن عليّ]
الحديث السادس والأربعون :

يدل على أنَّ مظلومية علي علیه السلام هي أول مرافعة تقدم للحكم بها يوم القيامة.

83) أخرج البخاري «عن علي علیه السلام أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة»(1).

فما هذا الظلم العظيم الذي يفوق كلّ ظلم حتى أصبح عليٌّ علیه السلام أوَّل من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة ؟! فهذا الظلم أعظم من كلّ جريمة ارتُكبت أو ستُرْتَكَب في حقِّ الإسلام والمسلمين، وهي جريمة غصب حق علي في الخلافة.

الحديث السابع والأربعون :

بكاء أبي بكر وإقراره، وإقرار عمر بولاية علي بن أبي طالب علیه السلام. «أخرج الدار قطني أن الحسن جاء لأبي بكر رضي الله عنهما وهو على منبر رسول الله فقال: "انزل عن مجلس أبي" فقال: صدقت والله إنه لمجلس أبيك ثم أخذه وأجلسه في حجره وبكى، فقال عليّ علیه السلام "أما والله ما كان عن رأيي". فقال صدقت والله ما اتهمتك... ووقع للحسين نحو ذلك مع عمر وهو على المنبر فقال له : منبر أبيك والله لا منبر أبي فقال علي: "والله ما أمرت بذلك". فقال عمر : والله ما اتهمناك. زاد ابن سعد أنه أخذه فأقعده إلى جنبه وقال وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا أبوك أي إن الرفعة ما نلناها إلا به»(2).

ص: 260


1- صحيح البخاري 720، 872 [ح. 3965 - كتاب المغازي، ح. 4744 - كتاب تفسير القرآن]، والصواعق المحرقة لابن حجر: 195 [الفصل الثاني في فضائله ]، وجامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت. 606ه): 2 / 153[ح. 721- کتاب التفسير / سورة الحج]
2- وتاريخ الإسلام للذهبي : 2/ 405 [ الطبقة السابعة - ذكر أهل هذه الطبقة ]
الحديث الثامن والأربعون :

إن الله قد غفر لشيعة عليٍّ علیه السلام ولمحبي شيعة علي علیه السلام

قال ابن حجر «وأخرج الطبراني أنه صلى الله عليه و آله وسلم قال لعلي كرم الله وجهه : أنت وشيعتك... تردون علي الحوض رواة مرويين مبيضة وجوهكم وإن عدوكم يردون علي ظماء مقمحين».

وفي رواية: «إن الله قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك»(1).

الحديث التاسع والأربعون :

ولاية علي بن أبي طالب علیه السلام حصن الله تعالى فمن دخله أمن من عذابه

روى الحاكم الحسكاني بسنده «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: قال لى جبرئيل: قال الله تعالى: ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي»(2).

الحديث الخمسون :

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و علي علیه السلام من نور واحد

روى أحمد بن حنبل بسنده ... عن سلمان قال: سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

يقول: «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجلّ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزأين، فجزء أنا، وجزء علي علیه السلام».»(3)

ص: 261


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 347 ، [ تتمة كتاب الصواعق / باب الحث على حبهم والقيام بواجب حقهم]
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 204
3- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل : 337، [ح. 254]
الحديث الحادي والخمسون :

اسم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مع اسم علي بن أبي طالب علیه السلام مكتوبان على باب الجنة

روى أحمد بن حنبل بسنده «... عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أخو رسول الله »(1) .

وروى أحمد بن حنبل أيضاً بسنده «... عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله عليٌّ أخو رسول الله، قبل أن تخلق السماوات بألفي سنة»(2).

ذكر السيوطي أنَّه «لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت في ساق العرش الأيمن : لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته (الطبراني عن أبي الحمراء»(3)، ورواه الديلمي عن ابن عباس(4)

الحديث الثاني والخمسون :

عليُّ راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، عليّ مفاتيح خزائن رحمة ربي:

ص: 262


1- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل : 342، [ح.258]
2- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل: 350 ، [ح. 264] ، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 287/11، [ح 33040 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]
3- جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 6 / 86 [ح. 17479 - قسم الاقوال / حرف اللام]
4- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 285، [ح 33009 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي : 2/ 255 . [ح. 8664 - قسم الاقوال / حرف اللام]

روي«... عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: حدثنا أنس بن مالك، قال بعثني النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلى أبي برزة الأسلمي، فقال له - وأنا أسمع: «يا أبا برزة إن رب العالمين عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب: فقال إنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، عليّ مفاتيح خزائن رحمة ربي»»(1)

وروي أيضاً «... عن أبي برزة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :« إن الله تعالى عهد إلى عهداً في علي فقلت: يا رب بينه لي، فقال اسمع فقلت سمعت فقال: إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فَبَشِّره بذلك فجاء علي فبشرته، فقال: يا رسول الله أنا عبد الله وفي قبضته فان يعذبني فبذنبي وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي. قال: قلت: اللهم أجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان، فقال الله : قد فعلت به ذلك. ثم إنه رفع إلي أنه سيخصه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحدا من أصحابي فقلت يا رب أخي وصاحبي، فقال إن هذا شيء قد سبق إنه مبتلى ومبتلى به»(2)

الحديث الثالث والخمسون :

معناه عليٌّ علیه السلام إمام من أحبه وصدق عليه فهم جيرانه في داره، ورفقاؤه من جنته، وأما من أبغضه وكذب عليه فإنه حق على الله عز وجل أن يوقفهم مواقف الكذابين.

روي «... عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: قال رسول

ص: 263


1- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت. 430ه) : 1 / 107 [ح. 206، 207 / علي بن أبي طالب]
2- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الشافعي (ت. 430ه): 1 / 107 [ح.207]

الله صلى الله عليه و آله وسلم يا علي إن الله تعالى قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزاً من الدنيا شيئاً ولا ترزاً الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرضون بك إماماً»(1).

وروي «... عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول لعلي: «إن الله تبارك وتعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة مثلها، إن الله تعالى حبب إليك المساكين، والدنو منهم، وجعلك لهم إماما ترضى بهم، وجعلهم لك أتباعا يرضون بك، فطوبى لمن أحبك وصدق عليك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، فأما من أحبك وصدق عليك فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك من جنتك، وأما من أبغضك وكذب عليك فإنه حق على الله عز وجل أن يوقفهم مواقف الكذابين»»(2).

الحديث الرابع والخمسون :

مكتوب على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونُصر

روي عن أبي الحمراء خادم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: سمعت رسول الله يقول: «لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت في ساق العرش مکتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصر»(3)،

ص: 264


1- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الشافعي (ت. 430ه) : 1 / 113 [ح.222] ، و كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11/ 288، [ح 33050- كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي: 9 / 156 [ ح .27889 - قسم الأقوال / حرف الياء]
2- المعجم الأوسط للطبراني : 1 / 586 [ح. 2157- من اسمه أحمد]
3- المعجم الكبير للطبراني : 9 / 1250 [ح . 17974 - هلال بن الحارث أبو الحمراء]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي : 6 / 86 [ح . 17479 - قسم الاقوال / حرف اللام]

ورواه الديلمي عن ابن عباس(1)، وأخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة(2). وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أنس مثله(3)

الحديث الخامس والخمسون :

الحق مع علي بن أبي طالب علیه السلام

روي «... عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار فخرج علينا فقال: ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى قال: خياركم الموفون المطيبون إن الله يحب الخفي التقي.

قال: ومر علي بن أبي طالب فقال: الحق مع ذا الحق مع ذا.

قال حسين سليم أسد: صدقة بن الربيع وثقه ابن حبان والهيثمي وباقي رجاله ثقات»(4).

الحديث السادس والخمسون : علي علیه السلام خير البشر

وروى الخطيب عن ابن مسعود عن علي عن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم: «من لم يقل علي خير

ص: 265


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11 285، [ح 33009 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي : 3/ 255 [ ح. 8664 - قسم الاقوال / حرف اللام]
2- ينظر : تفسير الدر المنثور للسيوطي : 3 / 361[ سورة الانفال / الآيتان: 62 و 63]
3- ينظر : تفسير الدر المنثور للسيوطي : 4 / 282 [ سورة الاسراء/ الآيات : 1 - 8]
4- مسند أبي يعلى لأبي يعلى الموصلي التميمي : 12 / 318، [ح . 1052] وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 11 285 ، [ح . 33015 - كتاب الفضائل/ ذكر الصحابة]

الناس، فقد كفر»(1).

وقد اشتهر هذا الحديث بين الصحابة حتى كانوا يسمون علي بن أبي طالب خير الناس، «عن عبد الله قال قرأت على رسول الله سبعين سورة وختمت القرآن على خير الناس علي بن ابي طالب»(2)

و «عن سالم بن أبي الجعد قال سئل جابر بن عبد الله عن علي فقال ذاك خير البشر من شك فيه فقد كفر»(3). وأخرجه شيخ البخاري ابن أبي شيبة بإسناده عن عطية بن سعد(4) .

الحديث السابع والخمسون :

لا يجوز الصراط إلا من كان معه جواز بولاية علي بن أبي طالب

روي «عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على ظهراني جهنم، لا يجوزها ولا يقطعها إلا من كان معه جواز بولاية علي بن أبي طالب»(5).

الحديث الثامن والخمسون :

أوَّلَ أربعة يدخلون الجنة

أخرج الطبراني عن أحمد بن العباس المرّي القنطري وبإسناده: أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

ص: 266


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 287/11، [ح . 33043 - كتاب الفضائل ذكر الصحابة]
2- المعجم الأوسط للطبراني : 3 / 343، [ح. 4792]
3- الثقات لابن حبان 281/9
4- الكتاب المصنف في الحديث والآثار للإمام الحافظ شيخ البخاري أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة : 375/6 ، [ح . 32111 / فضائل علي بن أبي طالب [ علیه السلام]]
5- ذكر أخبار إصبهان للحافظ الأصبهاني : 1 / 342

قال لعلي: «إِنَّ أَوَّلَ أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا».(1) (1).

الحديث التاسع والخمسون :

محبة الله لعلي علیه السلام والشيعته

«... عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ وَأَمَرَنِي أَنْ أُحِبَّهُمْ»

قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله؟

قَالَ: «إِنَّ عَلِيًّا مِنْهُمْ، وَأَبُو ذَرِّ الْغِفَارِيُّ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَالْمَقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ »(2). وكان الثلاثة يعرفون بشيعة علي علیه السلام، وهذه قرينة على أنّ منزلتهم تفوق باقي الصحابة لإتباعهم علياً علیه السلام

الحديث الستُون:

كشف النبي صلى الله عليه و آله وسلم لعلي علیه السلام غدر الأمة به بعد النبي صلى الله عليه و آله وسلم

روي «عن علي علیه السلام قال: إن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «أن الأمة ستغدر بي بعده» «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه »»(3).

ص: 267


1- المعجم الكبير للطبراني: 1 / 251. [ح. 943]
2- مسند أحمد بن حنبل : 5 / 5 / 35]، [حديث : 23032]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 350 ، [ح . 4734 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي]، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 11/ 133، [ح. 31558 - كتاب الفتن / قسم الأفعال]، ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 9 / 133، [ح. 14783 - كتاب المناقب] ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي: 13 / 51.[ ح. 5623 - مسند علي بن أبي طالب]

وروى الحاكم النيسابوري بسنده «عن حيان الأسدي، سمعت عليا يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : ( إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا» يعني لحيته من رأسه – «صحيح»» (1) . وروى الحاكم بسنده أيضاً عن أبي إدريس الأودي، عن عليٍّ علیه السلام قال: «إن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه و آله وسلم: أن الأمة ستغدر بي بعده [قال الحاكم: ]هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه »»(2)

قال شيخ البخاري ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الحَكَم الأَزْدِيُّ يَرْفَعُ حَدِيثَهُ، أَنَّ النَّبي صلى الله عليه و آله وسلم، قَالَ لِعَلِي: «سَتَلْقَى بَعْدِي جَهْدًا»، قَالَ: يَا رَسُولَ الله، في سَلاَمَةٍ مِنْ دِينِي، قَالَ: «نَعَمْ، فِي سَلامَةٍ مِنْ دِينِك»»(3). وقال الحاكم النيسابوري: «أخبرني محمد بن علي الصنعاني، بمكة حرسها الله تعالى، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد ، أنبأ عبد الرزاق، أنبأ ،معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: أشرف رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على أطم من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى»؟ قالوا: لا، قال: «فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه »»(4)

ص: 268


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 353 ، [ ح . 4744 - ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 350 ، [ح . 4734 – ذكر اسلام أمير المؤمنين علي ]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 375 [ح 32108 فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
4- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5 / 412 [ح. 8726 - كتاب الفتن والملاحم

من الأدلة المتفرقة على إمامته وولايته

الدليل الأول :

شهادة أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أم سلمة :

«وعن أم سلمة أنها كانت تقول: كان علي على الحق من اتبعه اتبع الحق ومن تركه ترك الحق عهد معهود قبل يومه هذا»(1)

الدليل الثاني:

أعلم الصحابة علي بن أبي طالب علیه السلام

قال أحمد بن حنبل «حدثنا عبد الله، حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال : أراه عن سعيد قال لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: سلوني، إلّا علي بن أبي طالب.»(2).

الدليل الثالث:

ابن عباس يتقرب إلى الله بولاية علي بن أبي طالب لما حضرته الوفاة

روي «عن أبي صالح قال : لما حضرت عبد الله بن عباس الوفاة قال: اللهم إني أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب»(3).

ص: 269


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 129/9 ، [ ح. 14768]
2- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل : 300 ، [ح. 222]
3- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل: 336، [ح.336]
شبهة مدفوعة

يدعي بعضهم بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: بأنَّ أبا بكر وعمر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وهما أفضل منه؟

الجواب

جاء في صحيح مسلم في حديث طويل أنّ العباس وعلي بن أبي طالب علیه السلام دخلا على عمر بن الخطاب يطالبانه بفدك ، فقال عمر : «... فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم - قَالَ أَبُو بَكْرِ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- فَجِئْتُها تَطْلُبُ مِيرَانَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقَالَ أَبو بَكْرٍ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- «مَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا أَيْمًا غَادِرًا خَائِنَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَاتٌ رَاشِدُ تَابِعُ لِلْحَقِّ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه و آله وسلم - وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آيْمًا غَادِرًا خَائِنًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تابع لِلْحَقِّ فَوَلِيتُهَا ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهَذَا وَأَنتُها جَمِيعٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ فَقُلْتُها ادْفَعْهَا إلَيْنَا فَقُلْتُ إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُما عَلَى أَنَّ عَلَيْكُما عَهْدَ الله أَنْ تَعْمَلَا فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- فَأَخَذْتُمَاهَا بِذَلِكَ قَالَ أَكَذَلِكَ قَالاَ نَعَمْ، قَالَ ثُمَّ جِنْتُمانِ لأَقْضِيَ بَيْنَكُما وَلا وَالله لا أَقْضِي بَيْنَكُما بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْكُما عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ»(1).

في هذا الحديث يقول عمر لهما: «فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آئِمًا غَادِرًا خَائِنًا» يعني أبا بكر. ويقول أيضاً: «فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آتِهَا غَادِرًا خَائِنًا»، والآن فكروا في معاني هذه الكلمات:

( كاذب)!! وعلى من كذب ؟؟!!!

(آثم)!! وأي ذنب اقترف؟؟!!!

(غادر ) !! وبمن غدر ؟؟!!!!

ص: 270


1- صحیح مسلم : 755 - 756[ح. 1757 / كتاب الجهاد والسير باب حكم الفيء]

( خائن)!! وما هي خيانته ؟؟؟!!!

فمن كان يرى أبا بكر وعمر كاذبين آثمين غادرين خائنين كيف يراهما خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم؟!!!

ص: 271

ص: 272

الخاتمة

هذا ما تيسر جمعه من الآيات القرآنيَّة، والأحاديث النبوية الشريفة من كتب السنة بشأن أولويّة، وأحقية خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام مباشرة بعد ر رسول الله محمد صلى الله عليه و آله وسلم، وإذا أراد الباحث استقصاء جميع الأحاديث التي الأحاديث التي وردت بهذا الشأن فسيجد الكثير الذي لم يذكر في هذا الكرَّاس.

فالباحث اللبيب الذي أراد الله أن يُريه طريق الحق ، ويهديه إليه لابد أن يتساءل مع نفسه قائلاً: لماذا لم تتبع الصحابة قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم بخلافة علي علیه السلام ؟

وما هو المانع من ذالك؟

فإذا أراد الحقيقة فعليه أن يتجرَّد من التعصب، والتقليد الأعمى، ويتحلّى بعقلية، متفتحة واعية تبحث عن الحقيقة والدليل، ثمّ يقوم بدراسة التاريخ دراسة تحليلية لجميع أركانه بما فيه من شخصيات صغيرة كانت أو كبيرة، ليتعايش من خلالها مع الأحداث، فحينئذٍ سيقف على أسرار خطيرة، وحقائق مثيرة، أخفتها أيد كثيرة، فكم من حقيقة طمست وأحاديث نبوية حرقت، بحجة الخوف على القرآن من التحريف، بل منعوا الرسول صلى الله عليه و آله وسلم من تدوين أهم حديث فيه هداية المسلمين، وعدم ضلالتهم إلى يوم القيامة !!! ، وذاك في رزية الخميس(1) .

ص: 273


1- جاء في صحيح البخاري: 39 [ ح. 114 كتاب المغازي]: عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي وجعه قال:«اتئوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا من بعده»، قال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط قال: «قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع»، فخرج ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله له وبين كتابه [ 2888 ، 2997 ، 4168 ، 4169، 5345 ، 6932] إن كلمة مثل «وعندنا كتاب الله حسبنا»، لیست كلمة صغيرة يمكن التجاوز عن قائلها بسهولة وخاصة في محضر النبي صلى الله عليه و آله وسلم ورداً عليه، لا سيما نهي النبي صلى الله عليه و آله وسلم عن ذلك في قوله: «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول ما أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين: 1/ 209 ، [ح 372 كتاب العلم]، وقال بعد ذكره الحديث: قد أقام سفيان بن عيينة هذا الإسناد وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وفي الهامش وافقه الذهبي في التلخيص على شرطهما وتركاه»

هذا ومن الملاحظ بصورة جلية أهمية العامل الزمني في كتابة الحديث، إضافة إلى علاقة كثير من الأحاديث التي روتها كتب السنن مع نوع الحكومة الحاكمة واتجاهاتها السياسية، فإذا كان الحاكم من المتشددين ضد أهل البيت علیهم السلام علي البلاد، أو ضد محبيهم وجدت العلماء وأصحاب السنن يحاذرون من ذكر وتدوين الأحاديث التي تذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام، فلا عجب بعد ذلك إن وجدت بعض الأحاديث التي تقدمت في مصدر دون مصدر آخر.

هذا ونأمل أن يكون هذا الباب وافياً بالغرض الذي قد حرّر لأجله، وآخر دعوانا أن الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 274

البَابُ الثَّالِث: البراءة من أعداء الله في الكتاب والسُّنّة

اشارة

ص: 275

ص: 276

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

أَمَّا بعد فتعتقد الشيعة الإمامية بوجوب البراءة من أعداء الله تعالى، فهي إحدى فروع الدين(1)، وهي واجبة كوجوب الولاية لأولياء الله تعالى، بل قد أجمع المسلمون على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه وولاية أوليائه، فلا يمكن الركون إلى الظالم بدعوى اجتهد فأخطأ، وذلك لصريح قوله تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ»[هود: 113]، فلا ازدواجية في الإسلام بين الحق والباطل، وبين الحب والبغض، وبين الولاية ،والبراءة، وقد شدّد القرآن الكريم على نفي هذه الازدواجية بقوله تعالى: «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ»[المجادلة: 22] .

إضافةً إلى صريح الأحاديث الكثيرة التي فرَّقت بين مَن تجب ولايته وبين مَن تجب البراءة منه، فلا سبيل لمن حاول الجمع بين الحق والباطل، وبين الظالم والمظلوم

ص: 277


1- فروع الدين عشرة أمور ، وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج، والخمس، والولاية، والبراءة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد

وبين القاتل والمقتول، لأنَّ النصوص التي أتت بها شريعة السماء ولا أقوال الرسول علي الهلال عامة في الصحابي وغيره ، وهي لا تقبل التأويل ولا يمكن تجاهلها لكلِّ من اعتذرُ وا له بالاجتهاد.

وأمَّا بشأن وجوب البراءة من أعداء الله تعالى فقد تناولها هذا الباب من حيث ثبوتها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وذلك بذكر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي أوجبت البراءة من أعداء الله تعالى، إضافة إلى ذلك فقد تم تخصيص أعداء الله تعالى الذين تجب البراءة منهم، وتقسيمهم إلى ثلاثة عشر قسماً، وذلك بالاستناد إلى الأحاديث الواردة في كتب السنة، والتي صححها علماؤهم، إضافة إلى هذا فقد تناول الكراس الرد على بعض الشبهات المثارة حول هذه الأحاديث أو حول هذا الموضوع. نسأل الله تعالى أن ينفع المؤمنين بهذا العمل المتواضع ليكون هذا الباب نافعاً للمؤمنين بصورة عامة، وللباحث أو المحاور بصورة خاصة، وعلى الله نتوكل وبه نستعين.

ص: 278

البراءة في اللغة

البراءة هي مصدر للفعل برئ. قال الراغب الأصفهاني: «أَصْلُ البُرْءِ والبَراءِ والتَّبَرِّي : التَّقَصَّي، مما يكره مجاورته»(1). وقال «ابنُ الأعرابي بَرِئَ إِذا تَخَلَّصَ وبَرِئَ إِذا تَنَّزَّه وتباعَدَ»(2). وعلى هذا يكون معنى البراءة التخلّص التنزه والتباعد.

وفسَّر ابن تيمية البراءة بمعنى البغض، وأنها ضد الولاية، فقد قال: «أَمَرَنَا الله أَنْ نَتَأَسَى بِإِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ تَبَرَّءُوا مِنْ المُشْرِكِينَ وَمِمَّا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقَالَ الخليل: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ»« إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ» [الزخرف: 26 ، 27] وَالْبَرَاءَةُ ضِدُّ الْوِلَايَةِ وَأَصِلُ الْبَرَاءَةِ الْبُغْضُ وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْحُبُّ وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ أَلا يُحِبَّ إلا الله وَيُحِبَّ مَا يُحِبُّهُ اللَّه لله فَلا يُحِبُّ إلا الله وَلا يُبْغِضُ إِلا لله»(3) .

فالْوِلَايَة ضد البراءة، ويرد لفظ الولاية في اللغة بكسر الواو وفتحها، قال فخر الدين الطريحي:« والولاية أيضا : النصرة ، بالكسر : الإمارة، مصدر وليت، ويقال: هما لغتان بمعنى الدولة. وفي النهاية: هي بالفتح: المحبة، وبالكسر:التوليه والسلطان... الولاية بالفتح: محبة أهل البيت واتباعهم في الدين وامتثال أوامرهم ونواهيهم، والتأسي بهم في الأعمال والأخلاق»(4).

ص: 279


1- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم للراغب الأصفهاني: 50
2- لسان العرب لابن منظور: 1356/1 [برأ]
3- مجموع الفتاوي لابن تيمية : 10 / 237[ المجلد السادس / كتاب علم السلوك ]
4- مجمع البحرين: 1/ 278، 282 [ مادة: ولا]

وقد ذكر اللغويون معاني كثيرة للفظ ( ولي) ، وعدها السيد علي الميلاني بأنها مشترك معنوي ومعناها القائم بالأمر(1).

ص: 280


1- ينظر : آية الولاية للسيد علي الميلاني: 20

البراءة من أعداء الله في القرآن

اشارة

لقد وردت آيات عديدة في القرآن الكريم تفيد لزوم البراءة من أعداء الله منها :

الآية الأولى :

تفيد براءة الله تعالى ورسوله من المشركين، قال الله تعالى: «أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ»[التوبة/ 3].

الآية الثانية :

تفيد وجوب البراءة من أعداء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم ، وذلك في قوله تعالى:

«لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَيكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحِ مِنْةٌ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أَوَلَئِبِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»[المجادلة / 22]

الآية الثالثة :

تطلب من المؤمنين التأسي بالنبي إبراهيم علیه السلام وبمن معه من المؤمنين في البراءة من الكفار ومما يعبدون، وذلك قوله تعالى : «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ»[الممتحنة / 4] .

ص: 281

الآية الرابعة :

تدل على أنَّ البراءة من أعداء الله هي سنة الله تعالى، وسنة أبينا إبراهيم علیه السلام ، وقد مدح الله تعالى إبراهيم البراءته من أبيه فقال تعالى: ««وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»[ التوبة / 114]

الآية الخامسة :

تدلّ على النهي عن مولاة مَن غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فيلزم من هذا النهي البراءة منهم، وذلك قوله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ» [الممتحنة / 13].

الآية السادسة :

تأمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم بالتبرؤ مِن أعمال الذين يعصونه، قال تعالى: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (2) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) فَإِنْ عَصَوكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ»[الشعراء / 214-216]

الآية السابعة :

تأمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم بأن يخبر الذين اتهموه بالافتراء أنَّه بَرِيءٌ مِمَّا يُجْرِمُونَ وذلك في قوله تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ»[هود/ 35].

الآية الثامنة :

تدلّ على براءة الرسول الله من أعمال الذين كذَّبوه، قال تعالى: «وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل

ص: 282

«لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ»[يونس / 41]

الآية التاسعة

تنهى وتحذر المؤمنين من موالاة اليهود والنصارى، فيلزم من ذلك البراءة منهم، وذلك قوله تعالى :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»[المائدة: 51]

الآية العاشرة :

تنهى وتحذر المؤمنين من موالاة مَنْ كان كافراً من آبائهم وإخوانهم، فلذا يلزم البراءة منهم، قال الله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»[التوبة: 23]

الآية الحادية عشرة :

تدلُّ على لزوم البراءة من أعداء الله تعالى، وأعداء المؤمنين، قال الله تعالى:

«يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ»[الممتحنة: 1].

ص: 283

ص: 284

البراءة من أعداء الله في السنة

اشارة

لقد ذكرت كتب السنن أحاديث كثيرة فيها البراءة من أفعال شخص معيَّن، أو أفعال معينة أو أشخاص فعلوا أفعالاً معينة، وأوجب الرسول صلى الله عليه و آله وسلم الحب في الله تعالى والبغض في الله تعالى وجعله من أوثق عرى الإيمان، وهي كما يأتي:

الحديث الأول :

براءة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم من فعل خالد

قال البخاري: «حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهُ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِي عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِي صلى الله عليه و آله وسلم خَالِدَ بنَ الْوَلِيدِ إِلى بَنِي جَدِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلى الإِسْلَام فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا. فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا، صَبَأْنَا . فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلى كُلِّ رَجُل مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ فَقُلْتُ وَالله لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِي صلى الله عليه و آله وسلم فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يَدَهُ فَقَالَ اللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ». مَرَّتَيْنِ»(1).

الحديث الثاني:

براءة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ممن ركب البحر عند ارتجاجه وممن بات فوق بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَارٌ

ص: 285


1- صحيح البخاري : 1302 [ح . 7189 باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد كتاب الأحكام]

قال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ الْقَاسِم حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُوْنِي قَالَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَارٌ فَوَقَعَ فَمَاتَ فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّهُ وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ»(1).

وقال أيضًا: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الله حَدَّثَنِي أَي حَدَّثَنَا أَزْهَرُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ - يَعْنِي الدَّسْتَوَانِي - عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُوْنِيَ قَالَ كُنَّا بِفَارِسَ وَعَلَيْنَا أَمِيرُ يُقَالُ لَهُ زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ مَنْ بَاتَ فَوْقَ إِجَارٍ أَوْ فَوْقَ بَيْتِ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ يَرُدُّ رِجلَهُ فَقَدْ بَرئَتْ مِنْهُ الذَّمَّهُ وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ بَعْدَ مَا يَرْتَجُ فَقَدْ بَرَئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ»(2).

وجاء في سنن أبي داود: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا سَالِمٌ - يَعْنِي ابْنَ نُوحٍ - عَنْ عُمَرَ بْنِ جَابِرِ الخَتَفِي عَنْ وَعْلَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَتَّابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٍّ - يَعْنِي ابْنَ شَيْبَانَ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَةُ»(3).

وصحح الألباني هذا الحديث فقال في السلسلة الصحيحة:

[من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات ؛ فبرئت منه الذمة ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات ؛ فقد برئت منه الذمة]. (صحيح). (إجار : السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه )»(4).

ص: 286


1- مسند أحمد بن حنبل : 79/5[96/5]، [ح. 20776 / مسند البصريين]
2- مسند أحمد بن حنبل : 79/5[96/5] ، [ح.20777/ مسند البصريين]
3- سنن أبي داود: 787[كتاب الأدب -باب في النوم على سطح غير محجر/ح. 504]
4- السلسلة الصحيحة : 2 / 500 [ح. 828]
الحديث الثالث:

براءة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ممن ترك صلاة مكتوبة متعمداً

قال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ الخَضْرَمِي عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَوْصَانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم بعشر كَلِمَاتٍ قَالَ: «لَا تُشْرك بالله شَيْئًا وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ وَلَا تَعقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرئَتْ مِنْهُ ذمةُ الله ... »(1).

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أُمَّ أَيْمَنَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَا تَتْرُكي الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وَرَسُولِهِ»(2).

قال أبو يوسف محمد زايد في كتابه أوصاني خليلي (ج 1 / ص 49) بعد أن ذكر الحديث: «قال الألباني: (صحيح لغيره)».

الحديث الرابع:

البراءة ممن أقام مع المشركين

قال البيهقي: «أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ الصَّفَارُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الله أَبو مُسْلِمٍ حَدَّثَنَاهُ حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللهُ الْبَجَلي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «مَنْ

ص: 287


1- مسند أحمد بن حنبل : 5282/[5 / 238]، [ح. 22136 / مسند الأنصار]
2- مسند أحمد بن حنبل : 6 /447[ 421/6]، [ح.27431 / مسند الأنصار]

أَقَامَ مَعَ المُشْرِكِينَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ »»(1).

قال الألباني في السلسلة الصحيحة:« برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في بلادهم».

رواه محمد بن مخلد العطار في «المنتقى من حديثه« (2 / 15 / 1 )عن عمران القطان عن الحجاج عن إسماعيل بن خالد عن قيس عن جرير بن بجيلة عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم. قلت : وهذا سند حسن»(2).

الحديث الخامس:

براءة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم من أعان باطلاً ليدحض بباطله حقاً

قال الحاكم النيسابوري: «حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا عارم أبو النعمان، ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي، يحدث عن حنش، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من أعان باطلا ليدحض

بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم » «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»»(3).

وقال الحافظ الأصبهاني: «حدث لاحق بن الحسين بن عمر بن أبي الورد، ثنا أبو سلیمان داود بن سليمان بن داود الأصبهاني قدم بغداد ، ثنا عبد الله بن محمد القاضي، ثنا أبو الصلت سهل بن إسماعيل المراري، ثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: ( من أعان ظالماً عند خصومة ظلماً وهو يعلم، فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله »»(4).

ص: 288


1- السنن الكبرى للبيهقي : 13 / 213 [ كتاب السير - باب فرض الهجرة / م. 18248]
2- السلسلة الصحيحة: 2 / 411
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 29/5 [كتاب الأحكام / ح . 7204]
4- ذكر أخبار أصبهان للحافظ الأصبهاني : 1 / 313

وجاء في صحيح وضعيف الجامع الصغير : «من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله.

تخريج السيوطي ، (ك) عن ابن عباس، تحقيق الألباني (حسن)»(1) .

الحديث السادس:

البراءة ممن احتكر طعاماً

قال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا أَصْبَعُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم: مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّه تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّهَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ الله تَعَالَى»(2).

الحديث السابع:

البراءة من العبد الآبق(3).

جاء في صحيح مسلم: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم «أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ»(4).

قال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ أَوْ شِبْلٍ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُبَيْلٍ يَعْنِي ابْنَ عَوْفٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ

ص: 289


1- صحيح وضعيف الجامع الصغير : 22 / 493 ، [ح. 10993]
2- مسند أحمد بن حنبل : 2 / 45 - 46 [2/ 33] ، [مسند عبد الله بن عمر / ح. 4879]
3- العبد الآبق أي العبد الهارب
4- صحيح مسلم : 48 [ كتاب الإيمان ح. 123 (69)]

الله عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ(1)». تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

وقال أيضًا: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه حَدَّثَنِي أَبي حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ عَبْدُ الله وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ - حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَّةُ»(2). تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم داود وهو ابن أبي هند من رجاله وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين.

الحديث الثامن :

براءة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْخَالِقَةِ وَالشَّاقّة

قال البخاري:

«وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى – رضي الله عنه – - قَالَ وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَما أَفَاقَ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَ الْحَالِقَةِ وَالشَّاقّة»(3).

ص: 290


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 /436[4/ 357] ، [مسند الكوفيين/ ح. 19178]
2- مسند أحمد بن حنبل : 4 /446 [4 / 365]، [مسند الكوفيين / ح. 19264]
3- الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة . والحالقة : التي تحلق رأسها عند المصيبة والشاقة التي تشق ثوبها
الحديث التاسع:

البراءة ممن يشرك غير الله في عمله

قال أحمد بن حنبل:

«حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت العلاء يحدث عن عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه و آله وسلم يرويه عن ربه عز وجل انه قال: أنا خير الشركاء فمن عمل عملا فأشرك فيه غيري فأنا بريء منه وهو للذي أَشْرَك»(1).

تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.

الحديث العاشر :

براءة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من القاتل المؤَمِّن

قال أحمد بن حنبل: «حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بن نمير ثنا عیسی القارئ أبو عمر بن عمر ثنا السدي عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن أخي جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه أخي عمرو بن الحمق قال: قال رسول صلى الله عليه و آله وسلم: «أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء»»(2).

تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل السدي.

قال الطبراني : «حدثنا محمود بن محمد الواسطي : حدثنا زكريا بن يحيى - زحمويه - : حدثنا ثابت أبو حمزة : ثنا كثير النواء، عن رفاعة الفتياني قال: دخلت على المختار، فلما أن أردت أن أخرج قال : يا أبا عمر، ألا تعيننا على هذا الكرسي؛ فإنه قام عنه جبريل آنفاً؟

ص: 291


1- مسند أحمد بن حنبل : 2 /403 [2/ 301/]، [مسند أبي هريرة / ح. 8019]
2- مسند أحمد بن حنبل 224/ 265[224/5] [مسند الأنصار / ح . 22006]

قلت: بلى أعينك على أن تحرقه وتنسفه في اليم نسفاً. قال رفاعة: فأهويت بيدي إلى قائم سيفي فقلت في نفسي: ألا أقتل هذا الكذاب حتى ذكرت كلمة أخي عمرو بن الحمق، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : «من اؤتمن رجلٌ على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء وإن كان المقتول كافراً»»(1).

قال الألباني في كتابه السلسلة الصحيحة و ورد بلفظ: من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً.

أخرجه البخاري في (التاريخ) والطحاوي في (المشكل) (1 / 78) والخرائطي والطبراني في (الصغير) ( ص 9، 121) وأبو نعيم في (الحلية) (9 / 24) من طرق عن السدي عن رفاعة بن شداد ،به و هذا سند حسن رجاله ثقات»(2).

الحديث الحادي عشر:

أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ الْحَبُّ فِي اللهِ وَالْبُغْضُ في الله

قال أبو بكر البيهقي (المتوفى : 458ه): «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكِ، أَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ ، حدثنا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ، عَنْ عَقِيلٍ الْجَعْدِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «يَا عَبْدَ الله أَيُّ عُرَى الإسلام أَوْثَقِ؟» قَالَ: قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «الْوَلَايَةُ فِي الله ، الحب في الله وَالْبُغْضُ في الله، يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟» قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاس أَعْلَمُهُمْ بالحقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ مُقَصِّراً فِي الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ يَرْحَفُ عَلَى سِتَّةِ »(3).

ص: 292


1- المعجم الأوسط للطبراني : 13/6 [باب من اسمه محمود ح. 7781]
2- السلسلة الصحيحة للألباني : 1 / 439
3- شعب الإيمان للبيهقي: 12 / 73[ح. 9064]

وقال أيضًا: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّانَ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم سُئِلَ : أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟ قَالَ: «الحبُّ الله وَالْبُغْضُ الله »»(1) .

قال الألباني في السلسلة الصحيحة: «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله» ... أخرجه الطبراني (3 / 74 / 2).

قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر فيها. »(2). وذكره الألباني أيضاً في صحيح الجامع الصغير برقم: 2539، وقال عنه «صحيح»(3).

الحديث الثاني عشر:

إِنَّ الله إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ

قال مسلم: «حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم:«إِنَّ الله إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ. قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ الله يُحِبُّ فَلَانًا فَأَحِبُوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ. وَإِذَا أَبَغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أَبْغِضُ فُلانَا فَأَبْغِضْهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْل السَّمَاءِ إِنَّ الله يُبْغِضُ فُلانا فَأَبْغِضُوهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ»»(4) .

ص: 293


1- شعب الإيمان للبيهقي : 12 / 175[ح . 9066]
2- السلسلة الصحيحة للألباني : 2 / 734، حدیث: 998
3- صحيح الجامع الصغير لمحمد ناصر الدين الألباني: 1 / 125
4- صحیح مسلم : 1103 [ كتاب البر والصلة / باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده / ح . 157 - (2637)]

وقال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُحِبُّ فُلاناً فَأَحِبَّهُ. قَالَ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ . قَالَ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً. قَالَ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ وَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَبْغَضَ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاناً فَأَبْغِضَهُ. قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ.

قَالَ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْل السَّمَاءِ إِنَّ الله يُبْغِضُ فُلاناً فَأَبْغِضُوهُ. قَالَ فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ في الأَرْضِ(1). تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير سهيل بن أبي صالح فمن رجال مسلم.

الحديث الثالث عشر:

أحَبُّ الْأَعْمَالِ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ الحب في الله وَالْبُغْضُ في الله

قال أحمد بن حنبل : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي : ابْنَ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَ؟»

قَالَ قَائِلُ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَقَالَ قَائِلٌ : الْجِهَادُ.

قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ الحبُّ في الله وَالْبُغْضُ في الله »»(2).

تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره.

ص: 294


1- مسند أحمد بن حنبل : 456/2[2 / 413]، [ح.9371/ مسند أبي هريرة]
2- مسند أحمد بن حنبل : 5 /175[5/ 146 ] ، [ح. 21461 / مسند أبي هريرة]

أقوال مأثورة في البراءة

(1) عبد الله بن عمر بن الخطاب يتبرأ ممن لا يؤمن بالقدر

قال أحمد بن حنبل : «حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن بن يعمر قال قلت لابن عمر : إنا نسافر في الآفاق فنلقى قوماً يقولون لا قدر فقال ابن عمر إذا لقيتموهم فأخبروهم أن عبد الله بن عمر منهم بريء وانهم منه براء ثلاثا ثم انشأ يحدث بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فذكر ...»(1).

تعلیق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.

وقال أيضاً : «حدثنا عبد الله حدثنا أبي ثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن يحيى بن يعمر قلت لابن عمر: إن عندنا رجالاً يزعمون أن الأمر بأيديهم فإن شاؤوا عملوا وان شاؤوا لم يعملوا ؟

فقال: أخبرهم أني منهم بريء وانهم مني براء ثم قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام؟ فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت قال فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعم قال: صدقت، قال : فما الإحسان ؟ قال تخشى الله تعالى كأنك تراه فإن لم تك تراه فإنه يراك، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا محسن ؟ قال : نعم قال: صدقت قال فما الإيمان؟ قال: تؤمن بالله

ص: 295


1- مسند أحمد بن حنبل : 1 /65[1/ 52] ، [مسند عمر بن الخطاب / ح . 376]

وملائكته وكتبه ورسله والبعث من بعد الموت والجنة والنار والقدر ،كله قال فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن ؟ قال نعم قال صدقت» (1).

تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح».

(2) ابن عباس: لا تُنَالُ ولاية الله تعالى إلا بالموالاة بالله والمعاداة بالله

قال البيهقي : وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لي: «عَادِ في الله، وَوَالِ فِي الله، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ وَلَايَةُ الله إِلَّا بِذَاكَ، وَلَا يَجِدُ رَجُلٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ»(2) .

(3) رأي مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة :

قال البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، أَنَا أَبو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُبَارَكِ، نَا عُبْدُوسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّنْجُورِيُّ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الْفَرَّاءُ، حدثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَمْرِو الْفُقَيْمِيُّ، عَنْ مُنْذِرٍ أَبي يَعْلِي الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: مَنْ أَحَبَّ رَجُلا عَلَى عَدْلٍ ظَهَرَ مِنْهُ وَهُوَ فِي عِلْمِ اللهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ آجَرَهُ اللَّهُ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَبْغَضَ رَجُلا عَلَى جَوْرٍ ظَهَرَ مِنْهُ وَهُوَ فِي عِلْمِ اللهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ آجَرَهُ اللهُ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ »»(3).

(4) ابن رجب الحنبلي والربيع بن خيثم: آجرك الله على بغضك الشر

قال ابن رجب الحنبلي: «وأما البغض في الله، فهو من أوثق عرى الإيمان، وليس

ص: 296


1- مسند أحمد بن حنبل : 146/2[2/ 107]، [مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب/ ح . 5858]
2- شعب الإيمان للبيهقي : 76/12[ح. 9069]
3- شعب الإيمان للبيهقي : 79/12[ح . 9076]

داخلاً في النَّهي ، ولو ظهر لرجل من أخيه شر ، فأبغضه عليه، وكان الرَّجُل معذوراً فيه في نفس الأمر، أثيب المبغضُ له، وإن عُذِرَ أخوه... وقال الربيع بن خيثم: لو رأيت رجلا يظهر خيرا ويسر شرا أحببته عليه آجرك الله على حبك الخير ولو رأيت رجلا يظهر شرا ويسر خيرا بغضته عليه آجرك الله على بغضك الشر»(1).

(5) الْفُضَيْلِ بْنُ عِيَاضٍ : أَيْ قَرِيبٍ بَاعَدْتَهُ فِي اللهِ، أَوْ أَي عَدُوٌّ قَرَّبْتَهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَل

قال البيهقي: «حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمِ الْمَرْوَزِيُّ ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حدثنا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الطَّرَسُوسِيُّ، حدثنا فَيْضُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّقْيُّ، قَالَ: قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض: «تُرِيدُ أَنْ تَقِفَ الْمُوْقِفَ مَعَ نُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ وَمَعَ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ بِأَيِّ عَمَلٍ، أَوْ بِأَيِّ شَهْوَةٍ تَرَكْتَهَا، أَوْ أَيِّ قَرِيبٍ بَاعَدْتَهُ فِي اللَّهِ، أَوْ أَيِّ عَدُوٌّ قَرَّبْتَهُ فِي اللَّهِ عز وَجَلٌ»(2).

(6) رأي بشر

قال البيهقي : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حدثنا أبو عَمْرِو بْنُ السَّمَاكِ، حدثنا الحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ بِشَرًا، يَقُولُ: «هَلْ أَبْغَضْتَ أَحَدًا في الله؟ هَلْ تَرَكْتَ شَهْوَةً لَهُ ؟»(3) .

وقال أيضاً: وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرًا، يَقُولُ: «الحب في الله، وَالْبُغْضُ في الله

ص: 297


1- جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي: 330 ، [ الحديث الخامس والثلاثون]
2- شعب الإيمان للبيهقي: 12/ 77[ح. 9070]
3- شعب الإيمان للبيهقي : 12 / 77[ح . 9071]

فَإِذْ أَحْبَبتَ أَحَدًا في الله فَأَحْدَثَ حَدَثًا فَأَبْغِضُهُ في الله، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الحَبّ في الله»(1).

(7) رأي سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ

قال البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الْأَعْرَابِيُّ، حدثنا أبو دَاوُدَ، حدثنا عَبْدُ الله بْنُ حُبَيْقٍ، وَأَخْبَرَنَا أَبو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ الْأَرْغِيَانِيُّ، حدثنا عَبْدُ الله بْنُ حُبَيْقِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حدثنا أبو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إسْحَاقَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ المُسَيِّبِ الْأَرْغِيَانِيُّ ، حدثنا عَبد الله بن حُبَيْنِ، سَمِعْتُ يُوسُفَ بنَ أَسْبَاطَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في الله، ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُبْغِضُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُحِبَّهُ فِي اللَّهِ»(2).

وقال أيضاً: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ، حدثنا أبو بَكْرِ بْنُ بَالَوَيْهِ، حدثنا عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حدثنا أبي، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَميد المعمَرِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ شَيْخ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: «إِذَا أَحْبَبْتُ رَجُلا في الله ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَمْ أَبْغَضْهُ، فَلَمْ أَكُنْ أَحْبَيْتُهُ في الله»(3).

و مما تقدَّم يظهر أهمية الحب في الله تعالى والبغض في الله تعالى ووجوبها، وقد وردت روايات عديدة في كتب السنة تأمر بموالاة بعض الأشخاص على وجه الخصوص، كذلك وردت روايات عديدة تأمر بمعاداة بعض الأشخاص، ومن هذه الروايات ما يأتي:

ص: 298


1- شعب الإيمان للبيهقي : 12 / 77[ح . 9072]
2- شعب الإيمان للبيهقي : 12 / 77[ح . 9073]
3- شعب الإيمان للبيهقي: 12 / 78[ح. 9074]
دعاء الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بمعاداة من عادى عليًّا علیه السلام

ذكر جماعة من علماء السنة ومفسريهم في تفسير قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ »[المائدة: 67] أنّ هذه الآية «نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب علیه السلام[ يوم غدير خم]، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه» فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة» (1).

وقال النسائيّ: «أخبرني هلال بن بشر قال حدثنا محمد بن خالد وهو ابن عثمة قال حدثنا موسى بن يعقوب قال حدثنا مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد قالت سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إني وليكم قالوا صدقت يا رسول الله ثم أخذ بيد علي فرفعها وقال هذا وليي والمؤدي عني وإن الله مُوالٍ لمن والاه ومُعادٍ من عاداه»(2).

وقال النسائي أيضاً: «أخبرنا محمد بن المثنى قال ثنا يحيى بن حماد قال ثنا أبو عوانة عن سليمان قال ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل

ص: 299


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي الشافعي: 12 / 42 ، وينظر : الدر المنثور للسيوطي : 2 / 528 ، وسمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي : 2 / 566 ، وانظر: تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت . (427ه) : 4 / 92 ، والكتاب المصنف في الحديث والآثار للإمام الحافظ شيخ البخاري أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة : 375/6 ، [ح. 32109/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 107، [ح.8397 / 1 - كتاب الخصائص/ ذكر عبادة علي ]

بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).

وقال السيوطي: «أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :ي«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» أنَّ علياً مولى المؤمِنينَ ، «وإن لم تفعل فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»[المائدة / 67]» (2) .

وروى النسائي وغيره بإسنادهم عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن حجة الوداع، ونزل غدير خم أمر بدوحات فقُمِّمْنَ(3) ثم قال: «كأني قد دعيت، فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».

ثم قا :« إن الله ،مولاي وأنا ولي كل مؤمن» ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت وليه

فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». فقلت لزيد سمعته من رسول الله الله عليه و آله وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»(4) .

وفي رواية أخرى رووها «عن سعد قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بطريق مكة، وهو موجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف الناس، ثم رد من مضى، ولحقه من تخلف، فلما

ص: 300


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 45 ، [ح 12/8148 - كتاب المناقب]
2- الدر المنثور للسيوطي : 2 / 528
3- قُمِّمْنَ: أي كُنست وجمعت القمامة منها
4- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 130 ، 45. [ح. 8464 /1، 12/8148]، وينظرح. 8465 /8467،3/8466،2 / 4 ، 8468 / 5 ، 8469 / 6 ، 8470 / 7 ، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 147 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري، وانظر: المعجم الكبير للطبراني 3 / 324 [ح. 4985]

اجتمع الناس إليه قال: «أيها الناس : هل بلغت؟» قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد» ثلاث مرات يقولها، ثم قال: «أيها الناس من وليكم؟» قالوا الله ورسوله – ثلاثا - ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: «من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه»»(1) .

قال شيخ البخاري ابن أبي شيبة : «حَدَّثَنَا عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَدِي بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله فِي سَفَرٍ، قَالَ: فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ حُمْ، قَالَ: فَنُودِيَ الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، وَكُسِحَ لِرَسُولِ الله تَحْتَ شَجَرَةٍ فَصَلَّ الظُّهْرَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ؟

قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيَّ، فَقَالَ: «اللهُمَّ مَنْ كُنْت مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» ، قَالَ : فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : هَنِيئًا لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَصْبَحْت وَأَمْسَيْت مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَةٍ»(2).

وروي «عن سعيد بن وهب قال: قال علي في الرحبة : أنشد بالله من سمع رسول صلی الله علیه و آله وسلم يوم غدير خم يقول: «الله وليي وأنا ولي المؤمنين، ومن كنت وليه، فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره.»

فقال سعيد : قام إلى جنبي ستة ، وقال حارثة بن مضرب قام عندي ستة، وقال زيد

ص: 301


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 135 ، [ح . 1/8481] ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي 9 / 115[ ح . 27600 - قسم الأقوال / حرف الياء]، وانظر: سنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني: 33 [ح. 116]، وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي : 153 ، مطبوع مع مناقب الأسد الغالب لابن الجزري
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 375. [ح. 32109/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

بن يثيع : قام عندي ستة »(1).

وأخرج النسائي بسنده عن زيد بن يشيع قال سمعت علي بن أبي طالب يقول على منبر الكوفة إني منشد الله رجلا ولا أنشد إلا أصحاب محمد صلی الله علیه و آله وسلم من سمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقام ستة من جانب المنبر وستة من الجانب الآخر فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول ذلك»(2)

وروى أحمد بن حنبل بسنده «عن أبي الطفيل قال : جمع علي علیه السلام الناس في الرحبة ثم قال: أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما ! ،فقام، فقام ثلاثون من الناس.

قال أبو نعيم فقام أناس كثير، فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس:

ص: 302


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 155 ، 134، 136 ، [ح .4/8542 ، 8478 / 8438،1 / 2] وينظر نفس المصدر :ص: 131 - 132 ، ح. 8470 / 7، 8/8471، 9/8472 ، 8473/ 10 ، 2/8483 ، 3/8484 ، والكتاب المصنف في الاحاديث والآثار لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة : 6 / 371 . [ح . 32082 عن اسماء بنت عميس]، وذكر السيوطي حديثين مثله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زاذان أبي عمر في: جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي : 13 / 29 - 30 [ح. 5512، 5513 - مسند علي بن ابي طالب]. وأخرج مثله الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الله ابن الجزري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في كتابه مناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب : 39، والمعجم الأوسط للطبراني: 1 / 574 [ح. 2109، 2110 - من اسمه أحمد]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 132 ، ح . 8437 / 10 ، مناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب لابن الجزري: 40 ، وانظر مسند أحمد بن حنبل : 1 / 110 ، 234 [ 1 / 88 ، 185] ، [حدیث: 673، 1613]، والجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 477 [ح . 3724/ كتاب المناقب]

أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ «قالوا: نعم يا رسول الله، قال:من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»(1).

وذكر الطبري أن علياً قال للحسن بعد حرب الجمل: «إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قبض وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فبايع الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا ثم إن أبا بكر هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا ثم إن عمراً هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فجعلني سهما من ستة أسهم فبايع الناس عثمان فبايعت كما بايعوا ثم سار الناس إلى عثمان فقتلوه ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين»(2) .

وقال ابن أبي شيبة : «حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعِ، قَالَ : بَلَغَ عَلِيًّا أَنَّ أُناساً يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : أَنْشُدُ اللهَ رَجُلاً، وَلا أَنْشُدُهُ إِلا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وسلم سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم شَيْئًا إِلا قَامَ، فَقَامَ مِمَّا يَلِيهِ سِتَّةٌ، وَمِمَّا يَلِي سَعِيد بْنَ وَهْبٍ سِنَّةٌ فَقَالُوا: تَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلى مَوْلاهُ اللهُم وَال مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»(3)

وقال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا سفيانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ المُغِيرَةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ عَنْ مَيْمُونِ أَبِي قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَنَا أَسْمَعُ:

نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي خُمِّ: فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَاهَا بِهَجِيرٍ قَالَ: فَخَطَبَنَا وَظُلُّلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بِثَوْبِ عَلَى شَجَرَةِ سَمُرَةٍ مِنَ الشَّمْسِ فَقَالَ: «أَلَسْتُمْ

ص: 303


1- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل: 382، [ح. 292]
2- تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري: 12/3 ، [ سنة 36]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 371 . [ح. 32082/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

تَعْلَمُونَ أَوَ لَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ»؟.

قَالُوا بَلَى. قَالَ: «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلاهُ اللهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَوَالِ مَنْ وَالاَه»»(1) .

وقال أحمد بن حنبل أيضاً: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبو نُعَيْم المعنَى قَالاَ حَدَّثَنَا فِطْرٌ عَنْ أَبِي الطِّفَيْلِ قَالَ جَمَعَ عَلَى النَّاسَ فِي الرَّحَبَةِ ثُمَّ قَالَ هُمْ أَنْشُدُ الله كُلَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ يَوْمَ غدير مَا سَمِعَ لَمَّا قَامَ. فَقَامَ ثَلاثُونَ مِنَ النَّاسِ - وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ - فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ «لِلنَّاسِ أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله. قَالَ «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا مَوْلاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ». قَالَ فَخَرَجْتُ وَكَأَنَّ فِي نَفْسى شَيْئاً فَلَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ: إِني سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَما تُنكِرُ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ»(2).

وروى هذا الحديث الأخير الهيثمي وعقب بعده قائلاً:

رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة (3).

فيما تقدم ظهر جليًا وواضحاً لزوم البراءة ممن عادى عليا علیه السلام لمكانة دعاء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وبراءته من أعداء علي علیه السلام ، فلولا براءته منهم لما دعا عليهم بهذا الدعاء، ودعاء الرسول صلى الله عليه و آله وسلم مستجاب، فالرسول صلى الله عليه و آله وسلم لم يتبرأ من أعداء علي فقط، بل يطلب من الله تعالى أن يوالي من والى عليا، وأن يعادي مَنْ عادى علياً علیه السلام

ص: 304


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 /455[4/ 372] ، [ح. 19346]
2- مسند أحمد بن حنبل : 452/4 -453[4/ 370] ، [ح . 19323]
3- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 189/9 [كتاب المناقب / باب مناقب علي / باب قوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» - ح. 14612]
شبهة ابن تيمية :

قال ابن تيمية: «لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه». وأما الزيادة وهي قوله: «اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه... الخ فلا ريب أنه كذب»(1).

وقال أيضاً: «أن هذا اللفظ وهو قوله : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث»(2).

الجواب

كيف يتجرأ ابن تيمية على تكذيب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، أولاً ثم تكذيب علماء السنة ثانيًا، ويزعم أنَّهم اتفقوا على أن قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» كذب؟!!

ألم تكن هذه الجملة موجودة في رواية أحمد بن حنبل الذي يؤمن ابن تيمية بإمامته؟!

فقد روى أحمد بن حنبل ثمان روايات فيها لفظ «اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» هذه الجملة التي سماها ابن تيمية زيادة، وادعى أنها كذب؛ فالرواية: الأولى: عَنْ زَيْدِ بْنِ يُتَيْع، وهي: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ أَنْبَأَنَا شَرِيكَ عَنْ أَبي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ يُتَيْعِ قَالَا نَشَدَ عَليٌّ النَّاسَ في الرَّحَبَةِ مَنْ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرٍ خُمُ إِلا قَامَ. قَالَ فَقَامَ مِنْ قِبَل سَعِيد سِتَّةٌ وَمِنْ قِبَلِ زَيْدِ سِتَّةٌ فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- يَقُولُ لِعَلِّي يَوْمَ غَدِيرٍ خُمٌ «ألَيْسَ الله أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ». قَالُوا بَلى . قَالَ «اللهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَل مَوْلاهُ اللهُمَّ وَال

ص: 305


1- منهاج السنة النبوية : 173/7
2- منهاج السنة النبوية : 33/7

مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ »»(1). تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره(2) .

والثانية : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلى(3). تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.

والثالثة : أيضاً عن نفس الراوي، وهي: «حَدَّثَنَا عَبْد الله حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحَبَابِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْن نِزارِ الْعَنْسِيُّ حَدَّثَنِي سِمَاكُ بنُ عُبَيْدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعَبْيُّ قَالَ دَخَلْتُ عَلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلى فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيَّا علیه السلام فِي الرَّحَبَةِ قَالَ أَنْشُدُ اللهِ رَجُلًا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَشَهِدَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمَّ إِلَّا قَامَ وَلَا يَقُومُ إِلَّا مَنْ قَدْ رَآهُ فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلا فَقَالُوا قَدْ رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ حَيْثُ أَخَذَ بيَدِهِ يَقُولُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ فَقَامَ إِلَّا ثَلَاثَةٌ لَمْ يَقُومُوا فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأَصَابَتْهُمْ دَعْوَتُهُ»(4). تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره(5) دون قوله «وانصر من نصره واخذل من خذله».

والرابعة : «حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ مَيْمُونٍ أَبي

ص: 306


1- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 147 [1/ 118 ] ، [ح. 954 / مسند علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
2- جاء في الأسئلة السنية على المنظومة البيقونية : ينقسم الصحيح إلى قسمين: صحيح لذاته وهو الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة. صحيح لغيره: وهو الحسن لذاته إذا روي من طريق أخرى مثله أو أقوى منه... أقسام الحديث الذي يجوز الاحتجاج والعمل به أربعة فقط عند الجمهور: 1- صحيح لذاته. 2- صحيح لغيره. -3- حسن لذاته . 4- حسن لغيره.
3- راجع مسند أحمد بن حنبل : 148/1[1/ 119]، [ح. 965 / مسند علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
4- مسند أحمد بن حنبل : 1/ 149[1/ 119]، [ح. 968 / مسند علي بن أبي طالب[علیه السلام]]
5- لقد قسَّموا الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح وحسن وضعيف وقال محمد خلف سلامة في لسان المحدثين ( معجم مصطلحات المحدثين): ينقسم الحديث الحسن عند المتأخرين قسمين هما: القسم الأول : الحسن لذاته. والقسم الثاني: الحسن لغيره. والأول هو الحديث الذي لم يوجد له من الأسانيد الثابتة إلا إسناد واحد حسن. والثاني: هو الحسن بمجموع طرقه اللينة، أو بمجموع طرقه الضعيفة الصالحة للاستشهاد

عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَأَنَا أَسْمَعُ نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ وَادِي خُمِّ فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّاهَا بِهَجِيرٍ قَالَ فَخَطَبَنَا وَظُللَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَلَى شَجَرَةِ سَمُرَةٍ مِنْ الشَّمْسِ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَوَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ قَالُوا بَلَى قَالَ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ اللهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَوَالِ مَنْ وَالَاهُ»(1). تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح.

الخامسة : «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّه حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَدِي بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه و آله وسلم - في سَفَرٍ فَنَزَلْنَا بِغَدِيرِ خُمَّ فَنُودِيَ فِينَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. وَكُسِحَ لِرَسُولِ اللَّهُ - صلى الله عليه و آله وسلم - تَحْتَ شَجَرَتَيْنِ

فَصَلَّى الظُّهْرَ وَأَخَذَ بِيَدِ عَلى فَقَالَ «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ». قَالُوا بَلَى . قَالَ «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ». قَالُوا بَلَى. قَالَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ». قَالَ فَلَقِيَهُ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ هَنِيئاً يَا ابْنَ أَبي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ.

قَالَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَن حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ عَنْ عَدِي بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم نَحْوَهُ»(2). تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره.

السادسة : (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ المَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا فِطْرٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: جَمَعَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ النَّاسَ فِي الرَّحَبَةِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أَنْشُدُ الله كُلَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمِّ مَا سَمِعَ لَمَّا قَامَ فَقَامَ ثَلَاثُونَ مِنْ النَّاسِ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ فَشَهِدُوا حِينَ أَخَذَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ

ص: 307


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 455 [4/ 372] ، [ح. 19346 / مسند الكوفيين]
2- مسند أحمد بن حنبل : 345/4 [4/ 281] ، [ح .18508 / مسند الكوفيين]

مِنْ أَنْفُسِهِمْ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ الله قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» قَالَ فَخَرَجْتُ وَكَأَنَّ فِي نَفْسي شَيْئًا فَلَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ إِني سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا تُنْكِرُ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ ذَلِكَ لَهُ»(1). تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحیح رجاله ثقات رجال الشيخين غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن وروى له البخاري مقرونا.

وقال ابن ماجة : «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَخَبَرَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم في حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ فَنَزَلَ في الطَّرِيقِ فَأَمَرَ الصَّلاةَ جَامِعَةً فَأَخَذَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَليٍّ فَقَالَ «أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ». قَالُوا بَلی. قَالَ «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ». قَالُوا بَلَى . قَالَ «فَهَذَا وَلِيُّ مَنْ أَنَا مَوْلاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ اللهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ»»(2). قال الشيخ الألباني: صحيح.

كما صحح الألباني هذه الرواية أيضًا في كتابه (السلسلة الصحيحة) وقال: وإسناده صحيح على شرط البخاري، وهذا نص كلامه

«عن أبي الطفيل قال: «جمع علي علیه السلام الناس في الرحبة ثم قال لهم : أنشد الله كل

امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس،( و في رواية : فقام ناس كثير ) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إني سمعت علياً يقول كذا وكذا ، قال : فما تنكر، قد سمعت رسول

ص: 308


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 453 [4/ 270]، [ح.19323 / مسند الكوفيين]
2- سنن ابن ماجة : 33 [ح . 116 / فضل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول ذلك له». أخرجه أحمد (4 / (370) وابن حبان في صحيحه (2205 - موارد الظمآن) وابن أبي عاصم ( 1367 و 1368) والطبراني (4968) والضياء في «المختارة» (رقم 527- بتحقيقي).

قلت : وإسناده صحيح على شرط البخاري»(1).

وصحح هذا الحديث أبو جعفر الطحاوي الحنفي (المتوفى سنة 321ه)، فقال: فهذا الحديث صحيح الإسناد، لا طعن لأحد في أحد من رواته، فيه أن كان ذلك القول كان من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعلي بغدير خم في رجوعه من حجه إلى المدينة لا في خروجه لحجه من المدينة.

ورواه الطحاوي بإسناده عن علي علیه السلام ، في ثلاث روايات منها:

«حدثنا أبو أمية قال حدثنا سهل بن عامر البجلي قال حدثنا عيسى بن عبد الرحمن قال: حدثني أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو ذي مر قال: سمعت عليا، ينشد الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول يوم غدير خم إلا قام، فقام بضعة عشر رجلاً، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في يوم غدير خم يقول: «اللهم من كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض مَن أبغضه وأعِنْ مَن أعانه وانصر من نصره، واخذل من خذله»... قال أبو جعفر فهذا الحديث صحيح الإسناد، لا طعن لأحد في أحد من رواته، فيه أن كان ذلك القول كان من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم العلي بغدير خم في رجوعه من حجه إلى المدينة لا في خروجه لحجه من المدينة »(2).

ص: 309


1- السلسلة الصحيحة للألباني : 4 / 330
2- مشكل الآثار للطحاوي: 2/ 308

ورواه ابن حبان في صحيحه، بإسناده عن عليّ في باب مناقب عليّ بن أبي طالب(1) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن.

قال الهيثمي : «وعن عمرو بن ذي مر وسعيد بن وهب وعن زيد بن بثيع قالوا: سمعنا عليًا يقول : نشدتُ الله رجلاً سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول يوم غدير خم لما قام، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فأخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم والِ مَن والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض مَن يبغضه وانصر من نصره واخذل مَن خذله» رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(2) .

وقال الفقيه الحنفي الملا علي القاري : «ثم قول بعضهم إن زيادة "اللهم وال من والاه" موضوعة مردودة فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها»(3).

قال الذهبي عند ترجمته لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري:

«قلت: جمع طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك»(4).

وقال الحافظ أبو الفداء ابن كثير المتوفى سنة 774ه: «قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي... ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث

ص: 310


1- صحیح ابن حبان : 15 / 375
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 89/9- 90 [كتاب المناقب / باب مناقب علي / باب قوله صلى الله عليه و آله وسلم : «من كنت مولاه فعلي مولاه» .ح. 14614]
3- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا على القاري: 450 ، كتاب المناقب / باب مناقب علي بن أبي طالب.
4- سير أعلام النبلاء للذهبي : 297/11[ الطبقة السابعة عشر ]

وأنس بن مالك وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية . قال : وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قاله وأما "اللهم وال من والاه" فزيادة قوية الإسناد»(1).

وقال الحافظ أبو الفداء ابن كثير المتوفى سنة 774ه: «روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: «كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» ثم قال: «الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن»، ثم أخذ بيد علي فقال: «مَن كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح»(2).

وقال أيضاً: «قال الإمام أحمد حدثنا عفان ثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي عبيد عن ميمون أبي عبد الله قال قال زيد بن أرقم وأنا أسمع نزلنا مع رسول الله منزلا يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير. قال: فخطبنا وظلّل لرسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس فقال: «ألستم تعلمون أو ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟»

قالوا بلى.

قال: فمن كنت مولاه فان عليًا مولاه اللهمَّ وَالِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، ثم رواه

ص: 311


1- البداية والنهاية : 4 / 175 [ فصل في خطبته بمكان بين مكة والمدينة]. والسيرة النبوية لابن كثير : 4 / 168 [ فصل في خطبته بمكان بين مكة والمدينة ]
2- البداية والنهاية لابن كثير : 4 / 168 [ فصل في خطبته الا الله بمكان بين مكة والمدينة ]

أحمد عن غندر عن شعبة عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم إلى قوله من كنت مولاه فعلي مولاه

«قال: ميمون حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : " اللهُمَّ وَالِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه "، وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثا في الريث»(1) .

قال إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني الشهير بالجراحي الشافعي العجلوني المتوفى سنة 1162ه: «من كنت مولاه فعلي مولاه» رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ "اللهُمَّ وَالِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه" ، فالحديث متواتر أو مشهور»(2).

وقال الألباني بعد ذكر طرق عديدة لهذا الحديث: «فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب وهذا من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها . والله المستعان»(3).

سبب تكذيب إبن تيمية

لقد حاول ابن تيمية توجيه السبب الذي دعاه لتكذيبه حديث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلمفذكر خمسة توجيهات:

ص: 312


1- البداية والنهاية : 4 / 172 [ فصل في خطبته ل [ بمكان بين مكة والمدينة ]، والسيرة النبوية لابن كثير : 4 / 175 [ فصل في خطبته بمكان بين مكة والمدينة ]
2- كشف الخفاء : 2 / 274 ، [ حرف الميم/ ح . 2591]
3- السلسلة الصحيحة: 4 / 249

التوجيه الأول : احتج بأنَّ هذا الحديث لم يرد في كتب الصحاح.

التوجيه الثاني: أن أحمد بن حنبل سماها زيادة كوفية.

التوجيه الثالث: عدم وجوب اتِّباع علي علیه السلام لمخالفته النص.

التوجيه الرابع: لم ينصر الله من نصر عليًّا علیه السلام ولم يخذل من خذله.

التوجيه الخامس : قَوْلُهُ: «اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» مُخَالِفٌ لِأَصْل الإسلام.

وهذا نص كلام ابن تيمية : «وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ والاه"... إلَخْ فَهَذَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُمَّهَاتِ إِلَّا فِي التَّرْمِذِي وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا: " مَنْ كُنت مَوْلَاهُ فَعَلى مَوْلَاهُ " وَأَمَّا الزَّيَادَةُ فَلَيْسَتْ فِي الحَدِيثِ. وَسُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَحَمد فَقَالَ: زِيَادَةٌ كوفية.

وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا كَذِبٌ لِوُجُوهِ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَقِّ لَا يَدُورُ مَعَ مُعَيَّنِ إِلَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ اتَّبَاعُهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَلِيًّا يُنَازِعُهُ الصَّحَابَةُ وَأَتْبَاعُهُ فِي مَسَائِلٌ وُجِدَ فِيهَا النَّصُّ يُوَافِقُ مَنْ نَازَعَهُ: كَالمُتَوَفَّ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ.

و قوله: "اللهم أنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ".. إلَخْ خِلافُ الْوَاقِع قَاتَلَ مَعَهُ أَقْوَامٌ يَوْمَ (صفين) ما انْتَصَرُوا وَأَقْوَامٌ لَمْ يُقَاتِلُوا قَمَا خُذِلُوا: (كَسَعْدِ) الَّذِي فَتَحَ الْعِرَاقَ لَمْ يُقَاتِلُ مَعَهُ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ وَبَنِيَّ أُمَيَّةَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ فَتَحُوا كَثِيرًا مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ وَنَصَرَهُمْ الله.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَام فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ المُؤْمِنِينَ إِخْوَةٌ مَعَ قِتَاهِمْ وَبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ» .

ص: 313

الجواب :

هذه التوجيهات ضعيفة فهي أوهى من بيت العنكبوت، ولا تبرر تكذيبه لحديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم المتواتر والمجمع على صحته، وبذلك يكون ابن تيمية قد حكم على نفسه بالكفر لأنه يقول :

«وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ فَهُوَ كَافِرٌ بَعْدَ قِيَامِ الحَجَّةِ»(1) .

وقد تقدم أن هذا الحديث مجمع على صحته ومتواتر، وأما بشأن أعذاره الواهية أعني توجيهه الأول: وهو قوله «لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُمَّهَاتِ ؛ إِلَّا فِي التَّرْمِذِيِّ» فلا يصلح هذا دليلاً على عدم صحة الحديث، وقد تقدم ذكر جملة من علماء السنة الذين صححوا هذا الحديث بما فيهم الألباني نفسه، فتكذيب ابن تيمية لهذا الحديث يكون ظلمًا وعدواناً.

وأما التوجيه الثاني وهو قوله: «سُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَحْمَد فَقَالَ : زِيَادَةٌ كُوفِيَّةٌ» فلم نعثر على هذا القول الذي نسبه ابن تيمية لأحمد بن حنبل، فإن صح قول أحمد بن حنبل: (زيادة كوفية)، فهذا لا يوجب ضعف الحديث أو عدم صحته، خصوصاً وأن أحمد بن حنبل قد ذكر ثماني روايات تحمل قوله صلى الله عليه و آله وسلم : «اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ اللهُمَّ عَادِ مَنْ عَادَاهُ» وقد تقدم ذكرها، كذلك رواية أحمد بن حنبل عن الكوفيين ووصفهم بالثقة تبطل ما أراده ابن تيمية فقد روى أحمد بن حنبل عن الكوفيين أمثال: (محبوب بن محرز بياع القوارير) قال أحمد بن حنبل عنه : «كوفي ثقة»(2) ، و (أبي عبيدة الحداد) قال عنه: «كوفي ثقة »(3) . فلا أهمية لما نقله ابن تيمية عن أحمد بن حنبل طالما أن أحمد بن حنبل يروي عن الكوفيين ويوثّقهم.

ص: 314


1- مجموع الفتاوى: 1 / 109[ تفسير قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»
2- مسند أحمد بن حنبل : 1 /91[1/ 73] ، [ح.544 / مسند عثمان بن عفان]
3- مسند أحمد بن حنبل : 2 /347[2/ 259]، [ح. 7530/ مسند أبي هريرة]

وأما التوجيه الثالث، وهو قوله: "أَنَّ عَلِيًّا يُنَازِعُهُ الصَّحَابَةُ وَأَتْبَاعُهُ فِي مَسَائِلَ وُجِدَ فِيهَا النَّصُّ يُوَافِقُ مَنْ نَازَعَهُ: كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِل"، فهذا كلام غير صحيح لأنّ عِلْمٍ عليّ علیه السلام لا يُقاس بأحد من الصحابة فهو أعلمهم قطعا لأسباب عديدة منها لم يسجد لصنم، فلم يتفقه بغير فقه الإسلام، بخلاف الصحابة الذين تشربوا بعبادة الأصنام وقوانينها العبادية قبل دخولهم في الإسلام، وأنَّ الإمام عليا علیه السلام تربى في بيت النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم، فكان أكثر الصحابة صحبة الرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم منذ طفولته، وتلقى علومه من النبي صلى الله عليه و آله وسلم مباشرة ، فهو ربيب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، وهذا من البديهيات بمكان لا ينكره إلا الجاهل أو الخارجي المبغض.

فمن النصوص والآثار التي تدلّ على علميته وأعلميته أنَّه لم يُعرف أحد من الصحابة كان يقف بكل شجاعة ويقول: سلوني سلوني إلا علياً علیه السلام، فقد قال ابن أبي شيبة «حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم يقول سلونِي الاَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»» (1).

فهذا أكبر برهان على تبحره بالعلوم، وأنَّ العلم الذي عنده ليس عند غيره من الصحابة وإلا لما قال: سلوني قبل أن تفقدوني».

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرني أبو جعفر محمد بن علي الشيباني بالكوفة، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا أبو نعيم، ثنا بسام الصيرفي ثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة

ص: 315


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة:5 / 313 [ح. 26411 / من كان يستحب أن يسأل ويقول : سلوني]، وفضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل : 300 ، [ح.222] ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 13 / 319 [ح. 7360 - مسند علي بن أبي طالب].، وينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب ليوسف بن عبد الله القرطبي : 206/3 [ باب حرف العين / 1875 - علي بن أبي طالب الهاشمي]

قال: سمعت عليا علیه السلام، قام فقال: «سلوني قبل أن تفقدوني»، ولن تسألوا بعدي مثلي

«... هذا حديث صحيح عال، وبسام بن عبد الرحمن الصيرفي من ثقات الكوفيين ممن يجمع حديثهم، ولم يخرجاه»(1). وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص: بسام من ثقات الكوفيين، وهو صحيح الإسناد.

وقال الحاكم أيضاً: «أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة ثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي حدثنا بسام بن عبد الرحمن الصيرفي حدثنا أبو الطفيل قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [علیه السلام] قام على المنبر فقال: «سَلُونِي قَبل أنْ لا تَسْأَلُونِي ولن تسألوا بعدي مثلي»...

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(2). وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص: صحيح.

وقال الهيثمي المتوفّى (سنة 807ه): «عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلى الله عليه و آله وسلم ذات يوم فقال: هل لك في فاطمة تعودها؟ فقلت نعم فقام متوكئا علي فقال: أما إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك. قال: فكأنه لم يكن على شيء حتى دخلنا على فاطمة عليها السلام فقال : كيف تجدينك؟ . فقالت : والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي».

قال عبد الله [ ابن إمام السنة أحمد بن حنبل ]: وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث قال: «أما ترضين أن أزوجك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلمًا؟

ص: 316


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 2 / 462 [ كتاب التفسير - من سورة إبراهيم /ح. 3392]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 72/3 [ كتاب التفسير - تفسير سورة الذاريات / ح . 3787]

رواه أحمد والطبراني وفيه خالد بن طهمان وثقه أبو حاتم وغيره وبقية رجاله ثقات»(1).

وقال أيضاً: «قد تقدم في إسلامه أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال لفاطمة :

«أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علما وأعظمهم حلما» ؟

رواه أحمد والطبراني برجال وثقوا»(2) .

وروى شيخ البخاري ابن أبي شيبة عن «وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِي، ، قَالَ: خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ بالأَمْس لَمْ يَسْبِقُهُ الأَوَّلُونَ بعِلْم وَلاَ يُدْرِكُهُ الآخِرُونَ ، كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم يُعْطِيهِ الرَّايَةَ فَلا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَفْتَحَ الله عَلَيْهِ»(3) .

وروى أيضاً عن «عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء: كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أحد أعلم من علي؟

قال : لا والله ما أعلمه ! »(4).

قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر المتوفى سنة 463 ه:

قال [ يعني : أحمد بن زهير] وأخبرنا يحيى بن معين قال: حدثنا عبدة بن سليمان

ص: 317


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 84/9 85 [كتاب المناقب / باب مناقب علي / باب إسلامه - ح. 14595]
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 9/ 102 - 103 [ كتاب المناقب / باب مناقب علي / باب في علمه - ح 14595 ]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 . [ح. 32101/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ ح. 32100/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

عن عبد الملك بن أبي سليمان قال قلت لعطاء : أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من علي، قال: لا والله ما أعلمه

قال أحمد بن زهير: وحدثنا محمد بن سعيد الأصفهاني قال: حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن قليب عن جبير قال : قالت عائشة : من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي. قالت: أما إنه لأعلم الناس بالسنة.

قال : وحدثنا فضيل عن عبد الوهاب قال: حدثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال : حدثنا محمد بن السري إملاء بمصر سنة أربع وعشرين ومائتين قال: حدثنا عمرو بن هاشم الجنبي قال: حدثنا جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر .

وقال الحسن الحلواني : حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن حبيب بن الشهيد عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن عمر أنه قال أقضانا علي، وأقرؤنا أبي. وحدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال: قال ابن مسعود : إن أقضى أهل المدينة على بن أبي طالب.

قال : وحدثنا يحيى بن آدم وأبو زبيد عن مطرف عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال: قال عبد الله : أعلم أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب.

وقال : حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال: ليس أحد منهم أقوى قولاً في الفرائض من عليّ . قال : وكان المغيرة صاحب الفرائض...

ص: 318

روى عبد الرحمن بن أذينة العبدي عن أبيه أذينة بن سلمة العبدي، قال: أتيت عمر بن الخطاب ، فسألته : من أين أعتمر ؟ فقال : إيت علياً فاسأله. وذكر الحديث. وفيه وقال عمر : ما أجد لك إلا ما قال عليّ. وسأل شريح بن هانىء عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت : إيت علياً فاسأله. وذكر الحديث.

وروی ،معمر، عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال : شهدت علياً يخطب، وهو يقول: «سلوني، فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل».

وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص : قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: يا عم لو كان صغوا الناس إلى علي فقال: يا بن أخي، إن علياً علیه السلام كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة والقدم في الإسلام والصهر لرسول الله صلی الله علیه و آله . سلم والفقه في المسألة والنجدة في الحرب والجود في الماعون.

حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا يحيى بن مالك بن عابد قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي بمصر ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال أخبرنا العكلي عن الحرمازي عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار صف لي علياً. قال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتصفنه. قال: أما إذ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً ويحكم عدلاً يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه . ويستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته وكان غزير العبرة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استنبأناه. ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبةً له. يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد أنه لقد رأيته في بعض مواقفه وقد

ص: 319

ارخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري إلى تعرضت أم إلى تشوقت هيهات هيهات قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك قليل . آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه یا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها وهو في حجرها.

وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب [علیه السلام] عن ذلك فلما بلغه قتله قال ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب. فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام . فقال له : دعني عنك»(1).

وأما ما أورده ابن تيمية من أنَّ المتوفى عنها زوجها تحلُّ من عدتها بوضع الحمل فهذا ما يراه ابن تيمية وجماعة علماء السنة، وعندنا أن عدة المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين من الأشهر أو وضع الحمل إذا كانت حاملاً ، فإن وضعت قبل الأربعة أشهر لم تنقض عدتها «والحجة للإمامية : الإجماع المتردد... وأيضا فإن العدة عبادة يستحق فيها الثواب، وإذا بَعُدَ مداها زادت مشقتها وكثر الثواب عليها ومَنْ وضعت حملها عقيب وفاة زوجها لا مشقة عليها في العدة، وإذا مضت عليها أربعة أشهر وعشرة أيام كانت المشقة أكثر والثواب أوفر فقولنا أولى من قولهم. فإن احتجوا بظاهر قوله تعالى: «وَأُولَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمَلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ، يُسرًا»[الطلاق / 4] وأنه عامٌّ في المتوفى عنها زوجها وغيرها عارضناهم بقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»[البقرة/ 234]، وأنه عامٌّ في الحامل وغيرها. ثم لو كانت الآية التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها بدليل

ص: 320


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 206/3 - 209 [ باب حرف العين/ 1875-علي بن أبي طالب الهاشمي]

وهو إجماع الفرقة المحقة الذي قد بينا أن الحجة فيه»(1) .

وأما التوجيه الرابع وهو قوله: «"اللهُمَّ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ".. إِلَخْ خِلافُ الْوَاقِعِ قَاتَلَ مَعَهُ أَقْوَامٌ يَوْمَ صفين فَمَا انْتَصَرُوا وَأَقْوَامٌ لَمْ يُقَاتِلُوا ما خُذِلُوا ...»

فللجواب عن هذا يقال : لقد خذل أصحاب الجمل أمير المؤمنين علیه السلام فنصره الله تعالى عليهم، وخذله الخوارج في حرب صفين فنصره الله تعالى عليهم، ولولا فتنة التحكيم لانتصر في حرب صفين أيضاً، ومهما كان فالمراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم، أو يوم القيامة، كما قال الله تعالى: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَدُ»[غافر / 51] ، وقال محمد السيد طنطاوي في التفسير الوسيط مفسراً هذه الآية:

«وهذا الوعد بالنصر لا يتعارض مع هزيمتهم في بعض المواطن - كيوم أحد من لأن هذه الهزيمة إنما هي لون من الابتلاء الذي اقتضته حكمة الله – تعالى – ليتميز قوي الإيمان من ضعيفه، أما النصر في النهاية فهو للمؤمنين...»

وقال ابن كثير قد أورد أبو جعفر بن جرير، رحمه الله تعالى، عند قوله تعالى: «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا» سؤالا فقال: قد عُلم أن بعض الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا وشعياء، ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجرًا كإبراهيم وإما إلى السماء كعيسى، فأين النصرة في الدنيا؟ ثم أجاب عن ذلك بجوابين.

أحدهما : أن يكون الخبر خرج عامًا، والمراد به البعض، قال: وهذا سائغ في اللغة.

الثاني : أن يكون المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم

ص: 321


1- الانتصار للشريف المرتضى : 239 ، [ عدة الحامل المتوفى عنها زوجها]

أو في غيبتهم أو بعد موتهم ...(1).

وهكذا يندفع كلام ابن تيمية، فلا يكون قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «اللَّهُمَّ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ» خلاف الواقع، كما لا يكون قوله تعالى «إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا» . خلاف الواقع، لأنه يلزم من قول ابن تيمية في هذا الحديث أن تكون هذه الآية خلاف الواقع أيضًا، وهذا محال بل مخالف للإيمان بأنَّ الله تعالى لا يخلف الميعاد، قال الله تعالى: «فَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ، رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتقامٍ»[إبراهيم / 47]، فعلى کلام ابن تيمية يلزم أن تكون آيات كثيرة في القرآن الكريم خلاف الواقع، وهذا لا يقوله مسلم عاقل.

وأما التوجيه الخامس وهو قول ابن تيمية : وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «"اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ" مُخَالِفٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَام فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةٌ مَعَ قِتَاهِمْ وَبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ».

فيجاب عنه بأنَّ هذا الحديث لا يخالف أصل الإسلام كما زعم ابن تيمية، بل كلام ابن تيمية مخالف لأصل الإسلام في اعتقاد السنة، ألم يرو البخاري :

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّه قَالَ: «آيةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»(2).

وروى أيضاً: «الأَنصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلا مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إلا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبغَضَه الله»(3)

وروى مسلم عن رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «آيَةُ المُنافِقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ وَايَةُ المُؤمِن حُبُّ

ص: 322


1- تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 7/ 113 [ الجزء السابع - سورة غافر ]
2- صحيح البخاري: 687[ كتاب مناقب الأنصار / باب حب الأنصار من الإيمان: ح. 3784]
3- صحيح البخاري : 687[ كتاب مناقب الأنصار / باب حب الأنصار من الإيمان: ح. 3783]

الأَنْصَارِ»(1).

فيلزم من قول ابن تيمية السابق أن تكون هذه الأحاديث الثلاثة مُخالفة لأصل الْإِسْلَامِ الأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةٌ مَعَ قِتَالِهِمْ وَبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فالقتال هو أعلى مراتب البغض، وهو على زعم ابن تيمية لا يؤثر في الأخوة بين المؤمنين، فكيف يكون البغض للأنصار وحده دون قتال مؤثرًا لا في الأخوة فقط بل في أصل الإيمان؟!

فابن تيمية وأتباعه أمام خيارين: إما أن يسحب كلامه ويقول: إن قوله صلى الله عليه و آله وسلم «اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» لا يُخَالِفٌ أَصْل الْإِسْلَام، لأنه إذا كان يخالف أصل الإسلام فكذلك الأحاديث الثلاثة التي رواها البخاري ومسلم تخالف أصل الإسلام لأنَّها تفيد أنّ مبغض الأنصار يبغضه الله وهو منافق، والمؤمنون على رأي ابن تيمية إِخْوَةٌ مَعَ قِتَالِهِمْ وَبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فيلزم على قاعدة ابن تيمية أن تكون هذه الأحاديث الثلاثة مخالفة لأصل الإسلام أيضاً ، أو أن يكذِّب ابن تيمية مسلم والبخاري في هذه الأحاديث الثلاثة، لأنَّها تخالف أصل الإسلام بناء على القاعدة التي تبناها ابن تيمية، وبذلك يكون ابن تيمية قد حكم على نفسه بالكفر لأنه يقول: «وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ وَالْإِجماع فَهُوَ كَافِرٌ بَعْدَ قِيام الحُجَّةِ »(2).

وإن رفض ابن تيمية وأتباعه تكذيب الأحاديث الثلاثة التي رواها مسلم والبخاري، وأقروا بصحتها، فحينئذ يلزم من تطبيق هذه الأحاديث أن يكون معاوية وجيشه من المنافقين الذين يبغضهم الله تعالى لأنّهم أبغضوا كثيراً من الأنصار، وحاربوهم في صفين وقتلوهم، وهذه الأحاديث الثلاثة تفيد أن من أبغض الأنصار أبغضه الله تعالى، وآيَةُ

ص: 323


1- صحيح مسلم: 49[كتاب الإيمان / باب الدليل على أن حبّ الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق : ح. 128-74)]
2- مجموع الفتاوى: 1 / 109[ تفسير قوله تعالى: اهْدِنَا الصّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ]

المُنَافِقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ . وقتال معاوية لهم أعلى مراتب البغض. وفيما يلي أسماء بعض الأنصار الذين شهدوا صفين مع علي علیه السلام ، وقاتلهم معاوية وأتباعه:

الأنصار الذين كانوا في معسكر علي

«أسيد بن ثعلبة الأنصاري : شهد بدراً وشهد صفين مع علي بن أبي طالب[علیه السلام]»(1).

«بشير بن أبي زيد الأنصاري قال الكلبي : استشهد أبوه أبو زيد يوم أحد وشهد بشير بن أبي زيد وأخوه وداعة بن أبي زيد صفين مع عليّ[علیه السلام](2).

«بشير بن أبي مسعود الأنصاري واسم أبي مسعود عقبة بن عمرو، وقد نسبناه في باب أبيه من هذا الكتاب رأى النبي صلى الله عليه و آله وسلم صغيراً وحفظ عنه وشهد صفين مع عليّ[علیه السلام]»(3).

«ثابت بن عبيد الأنصاري: شهد بدراً، وشهد صفين مع علي بن أبي طالب [علیه السلام] وقتل بها»(4) .

«خالد بن الوليد الأنصاري .... ذكره ابن الكلبي وغيره فيمن شهد صفين مع علي بن أبي طالب [علیه السلام] من الصحابة، وكان ممن أبلى هناك»(5).

سعد بن عمرو الأنصاري: شهد هو وأخوه الحارث بن عمرو صفين مع علي بن

ص: 324


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي : 1 / 186 [ باب حرف الألف / 55]
2- نفس المصدر السابق : 1 / 254 [ باب حرف الباء / 200]
3- نفس المصدر السابق : 256/1 [باب حرف الباء / 209]
4- نفس المصدر السابق : 1/ 279 [باب حرف الثاء/ 259]
5- نفس المصدر السابق : 2 / 14 [ باب حرف الخاء/ 622]

أبي طالب [علیه السلام]»(1).

سهيل بن عمرو بن أبي عمرو الأنصاري : ذكره ابن الكلبي فيمن شهد صفين من البدريين، فقال : سهيل بن عمرو الأنصاري شهد بدراً وقتل مع علي بن أبي طالب [علیه السلام] بصفين»(2).

«عبد الرحمن بن خراش الأنصاري: يكنى أبا ليلى شهد مع علي علیه السلام صفين»(3).

«كرامة بن ثابت الأنصاري شهد صفين... ذكره ابن الكلبي فيمن شهد صفين من الصحابة»(4).

«وداعة بن أبي زيد الأنصاري: ذكره الكلبي فيمن شهد صفين من الصحابة مع علي قال وقتل أبوه أبو زيد شهيداً يوم أحد»(5).

ص: 325


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي : 2 / 166 [ باب حرف السين / 954]
2- نفس المصدر السابق : 2/ 229 [ باب حرف السين/ 1110]
3- نفس المصدر السابق : 22 / 374 [باب حرف العين / 1413]
4- نفس المصدر السابق : 389/3 [باب حرف الكاف / 2253]
5- نفس المصدر السابق : 4 / 127 [ باب حرف الواو 2770]

ص: 326

أصناف أعداء الله الذين تجب البراءة منهم

الصنف الأول : الكفار

لقوله تعالى: «وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ» [فصلت/ 19].

وقوله تعالى: «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ» «ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ هُمْ فِيهَا الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا بِئَایَتِنَا يَجْحَدُونَ» [فصلت/ 27، 28].

فهذه الآية تصرح بأنَّ الكفَّار هم أعداء الله تعالى، وقد حذر الله تعالى من موالاتهم، فيلزم معاداتهم والبراءة منهم ؛ قال الله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ»[الممتحنة / 1].

وقال تعالى: «لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ»[آل عمران/ 28].

وقال تعالى :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا»[النساء / 144] .

وقال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ

ص: 327

إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ التوبة/ 23]

الصنف الثاني : المنافقون

لقوله تعالى: ب«بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»«الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا»[النساء/ 138، 139].

وقوله تعالى: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا»[ النساء / 145].

وقد أمر الله تعالى بمعاداة المنافقين، وقتالهم، وعدم موالاتهم؛ فقال : «فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا»«وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا»[النساء / 88، 89] .

الصنف الثالث: من عادى الله ورسله وملائكته

لقوله تعالى : «مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ»[البقرة/ 98]

الصنف الرابع : من عصى الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم

قال الله تعالى:«إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا[ الجن / 23].

وقوله تعالى: «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ»

ص: 328

الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا»[ النساء/ 115 ] .

وقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ»[المجادلة / 8]

الصنف الخامس : مَن آذى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

لقوله تعالى:«وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»[التوبة: 61] ، وقوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا»[الأحزاب: 57]

الصنف السادس : من سب عليًّا

لورود أحاديث صحيحة تفيد أنَّ من سبَّ عليًا فقد سب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ومن سبّه فقد سبّ الله تعالى، قال أحمد بن حنبل:

«حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الجدَي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمْ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لي: أَيُسَبُّ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم فيكم؟

قُلْتُ : مَعَاذَ الله أَوْ سُبْحَانَ اللهِ ، أَوْ كَلِمَةٌ نَحْوَهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي»(1) . تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح.

ورواه الحاكم النيسابوري، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي

ص: 329


1- مسند أحمد بن حنبل : 356/6[323/6 ] ، [ح. 26804]

الهامش: «وافقه الذهبي في التلخيص : صحيح»(1).

قال الهيثمي المتوفّى (سنة 807ه) بعد ذكر هذا الحديث:

رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة»(2).

ووردت رواية تفيد أنَّ مَن سبّ علياً فقد سب الله تعالى، قال الحاكم النيسابوري:

«حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ بهمدان ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق التيمي ثنا جندل بن والق ثنا بكير بن عثمان البجلي قال : سمعت أبا إسحاق التميمي يقول: سمعت أبا عبد الله الجدلي يقول: حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله وسلم فسمعتها تقول: يا شبيب بن ربعي، فأجابها رجل جلف جاف: لبيك يا أمتاه. قالت : يسب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في ناديكم ؟

قال : وأَنَّى ذلك؟.

قالت: فعلي بن أبي طالب.

:قال إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا.

قالت: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : من يقول : من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله تعالى»(3).

فهذه الأحاديث التي صححها علماء السنة يفهم منها أنَّ مَن سبّ عليًّا علیه السلام شأنُه

ص: 330


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 334/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4673]
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 123/9 [ كتاب المناقب / باب مناقب علي / باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه - ح. 14740]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 334/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4674]

وشأن من سبَّ رسول الله رسول الله صلى الله عليه و آله،وشأن من سبَّ الله تعالی، فهو في حكم الكافر، الذي تجب البراءة منه ولا تجوز موالاته، فعليٌّ علیه السلام له منزلة كبيرة عند الله تعالى تفوق منزلة جميع الصحابة، وقد وردت روايات كثيرة تفيد ذلك؛ منها مايلي: «عليٌّ أحبُّ الخلق إلى الله تعالى ورسوله»

قال الهيثمي المتوفّى (سنة 807ه): «وعن سفينة - وكان خادماً لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم - قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم طوائر فصنعت له بعضها فلما أصبح أتيته به فقال: «من أين لك هذا؟». فقلت: من التي أتيت به أمس فقال: «ألم أقل لك لا تدخرن لغد طعاماً لكل يوم رزقه؟». ثم قال: «اللهم أدخل عليّ أحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير». فدخل علي عليه السلام فقال: «اللهم وإليّ» [أي: وعلي أحب الخلق إليَّ].

رواه البزار والطبراني باختصار ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(1)/

الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم يحبان علي علي عليه السلام

قال البخاري: «حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَهْلٌ – رضى الله عنه يَعْنِي ابْنَ سَعْدِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ : «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ ».

فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ یَرجُوهُ فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ؟». فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ فَقَالَ: أَقَاتِلُهُمْ

ص: 331


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 118/9 [ كتاب المناقب / باب مناقب علي / باب في من يحبه أيضًا ويبغضه - ح. 14727]

حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ... »(1)

وقال مسلم: «حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - وَاللَّفْظُ هَذَا - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِي ابْنَ - عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ أَبي حَازِمٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدِ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ : لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّه الله وَرَسُولُهُ». قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا. قَالَ : فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ الله الله كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟». فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ الله يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ: «فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ»، فَأْتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم في عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ ...»(2).

وقال ابن ماجة: «حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلى حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي لَيْلى قَالَ كَانَ أَبُو لَيْلى يَسْمُرُ مَعَ عَلِيٌّ فَكَانَ يَلْبَسُ ثِيَابَ الصَّيْفِ فِي الشَّتَاءِ وَثِيَابَ الشَّتَاءِ فِي الصَّيْفِ فَقُلْنَا لَوْ سَأَلْتَهُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَعَثَ إلَىَّ وَأَنَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَرْمَدُ الْعَيْنِ. فَتَفَلَ فِي عَيْنِي ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ أَذْهِبْ عَنهُ الحَرَّ وَالْبَرْدَ». قَالَ فَمَا وَجَدْتُ حَرًّا وَلاَ بَرْدًا بَعْدَ يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ: «لأَبْعَثَنَّ رَجُلاً يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ لَيْسَ بفَرَّارِ فَتَشَوَّفَ لَهَا النَّاسُ فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ»(3) . قال الشيخ الألباني: حسن.

ص: 332


1- صحيح البخاري: 552 [ح . 3009 / باب فضل من أسلم على يديه رجل- كتاب الجهاد والسير]
2- صحیح مسلم: 1020 [ كتاب فضائل الصحابة / باب من فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام] - ح. 34-2406)]
3- سنن ابن ماجة : 33 [ح . 117 / فضل علي بن أبي طالب [علیه السلام]].
ادعاء ابن تيمية فيمن سبّ عليا علیه السلام

من الأحاديث المتقدمة يظهر جليًا أنَّ الَّذي يسبُّ الإمام عليًّا هو من أعداء الله تعالى الذين يجب التبرُّؤ منهم لأنَّ مَن يسبه يسبُّ أحبّ الخلق إلى الله تعالى، ولأنَّه بمكانة مَنْ سبَّ الله ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم، فمن العجب أن يحاول ابن تيمية تخفيف إثم من سب الإمام عليًّا علیه السلام، فقد قال: «ومن سب أبا بكر وعمر وعثمان فهو أعظم إثماً ممن سب عليَّا، وإن كان متأوّلا فتأويله أفسد من تأويل من سب عليّاً وإن كان المتأول في سبهم ليس بمذموم لم يكن أصحاب معاوية مذمومين وإن كان مذموماً كان ذمُّ الشيعة الذين سبوا الثلاثة أعظم من سب الناصبة الذين سبوا عليّاً وحده، فعلى كل تقدير هؤلاء أبعد عن الحق. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»(1).

فالحديث الذي ذكره ابن تيمية كشاهد على أنّ من سب أبا بكر وعمر وعثمان هو

أعظم إثماً ممن سبّ عليًّاعلیه السلام لا يصح الاستشهاد به على دعواه، لأنّ هذا الحديث ينهى عن سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مطلقا دون تقيده بشخص معيَّن، فلا خصوصية في هذا الحديث لأحد من الصحابة حتى يدَّعي أنَّ مَن سبّهم أعظم إنَّما ممن سب الإمام عليًّا علیه السلام، فعجبًا مِن ابن تيمية؛ من أين أتى بهذه النظرية المتطرفة السقيمة ؟ !

فلم أجد حديثًا واحداً يصح أن يبني عليه هذا الاعتقاد الخاطئ، الَّذي يبطن فيه البغض لعليٍّ علیه السلام ، فأين هذا الحديث الذي ذكره ابن تيمية من قوله : «من سب عليًّا فقد سبَّنِي ومَن سبَّنِي فقد سبَّ الله تعالى» ؟!

وإنْ سلَّمنا جدلاً بصحة الحديث الذي ذكره ابن تيمية فصيغة النهي في قوله لى الله عليه و آله وسلم "لا تسبوا أصحابي" لا يمكن حملها في الوجوب على أنَّها أمر مولويٌّ بل تُحمل على

ص: 333


1- منهاج السنة النبوية : 4 / 212

سبيل الوعظ والإرشاد بدليل أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم جَالِسٌ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ [ أبو بكر ] بَعْضَ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ فَلَحِقَهُ أَبو بَكْرٍ» (1).

وأَمَّا مَن تَنَقَّصَ عليًّا فقط، ولم يشتمه، فغضب منه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وَجَعَلَ وَجْهُهُ يَتَغَيَّرُ(2).

فهذه النصوص الثابتة الصحيحة تبيّن زيف ادعاء ابن تيمية العاري عن الصحة، المفتقر إلى دليل.

ص: 334


1- قال أحمد بن حنبل في مسنده: 574/2 -575[436/2] ، [ 9637 / مسند أبي هريرة] «حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم جَالِسٌ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم وَقَامَ فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ غَضِبْتَ وَقُمْتَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ فَلَها رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ وَقَعَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا بَكْرِ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ مَا مِنْ عَبْدِ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لله عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعَزَّ الله بِهَا نَصْرَهُ وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةِ يُرِيدُ بِهَا صِلَةً إِلَّا زَادَهُ الله بِهَا كَثْرَةً وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلَّا زَادَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةٌ»صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( ج 5 / ص 27 )
2- قال الألباني في السلسلة الصحيحة - (ج 4 / ص 249) «حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق : الأولى: عن ابن عباس عنه قال: خرجت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي ، فذكرت عليا فتنقصته فجعل رسول الله يتغير وجهه، فقال: «يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه، فعلي مولاه». أخرجه النسائي والحاكم (3 /110) وأحمد (5 / 347) من طريق عبد الملك بن أبي غنية قال: أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور
بعض الذين سبوا عليًّا علیه السلام

قال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَوْلى لِبَنِي ثَعْلَبَةَ عَنْ قُطْبَةَ بْن مَالِكٍ قَالَ سَبَّ أَمِيرُ مِنْ الْأَمَرَاءِ عَلِيًّا رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ فَقَامَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَالَ أَمَا أَنْ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم نَهَى عَنْ سَبِّ الْمُوْتَى فَلِمَ تَسُبُّ عَلِيًّا وَقَدْ مَاتَ»(1) .

تعلیق شعيب الأرنؤوط : صحيح.

قال الهيثمي: «عن زياد بن علاقة قال: نال المغيرة بن شعبة من علي، فقال له زيد بن أرقم : علمت أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان ينهانا عن سب الموتى فَلِمَ تسبُّ عليّاً رحمه الله وقد مات ؟

رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحد أسانيد الطبراني ثقات»(2) .

و قال أحمد بن حنبل :« حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنِ الْحَجَّاجِ مَوْلى بَنِي ثَعْلَبَةَ عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكِ عَمَّ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: نَالَ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِنْ عَلِيٍّ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ يَنْهَى عَنْ سَبِّ المُوْتَى فَلِمَ تَسُبُّ عَلِيًّا وَقَدْ مَاتَ»(3). تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح.

والظاهر أنَّ زيد بن الأرقم كان يخشى أن يذكر فضائل علي علیه السلام أمام المغيرة بن شعبة، فذَكَّرَهُ بحرمة المؤمن حيّاً كان أو ميتاً، ولا يجوز ،سبّه، بل لم يتجرأ أن يذكر له الحديث الذي يفيد بأنَّ مَن سبّه فقد كفر لأنَّ سبّه يؤدي إلى سب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم.

وقال مسلم: «حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ – يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ - عَنْ

ص: 335


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 454 [4/ 371] ، [ح.19336 / مسند الكوفيين]
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 93/8[ كتاب الأدب/ باب النهي عن سب الأموات - ح. 13028]
3- مسند أحمد بن حنبل : 4 /451 [4/ 369] ، [ ح .19310/ مسند الكوفيين]

أبي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ قَالَ اسْتُعْمِلَ عَلَى المَدِينَةِ رَجُلٌ مِنْ آلِ مَرْوَانَ - قَالَ - فَدَعَا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتِمَ عَلِيًّا - قَالَ - فَأَبَى سَهْلٌ فَقَالَ لَهُ أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ فَقُلْ لَعَنَ الله أبَا التُّرَابِ. فَقَالَ سَهْلْ مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي التُّرَابِ وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بها ...»(1).

وقال ابن حجر الهيتمي : أرسل مروان إلى الإمام الحسن علیه السلام يسبه «وكان عاملاً على المدينة ويسب عليا كل جمعة على المنبر، فقال الحسن لرسوله: ارجع إليه فقل له: إني والله لا أمحو عنك شيئًا مما قلت بأن أسبك ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت صادقًا فجزاك الله خيرًا بصدقك، وإن كنت كاذباً فالله أشدُّ نقمة»(2).

وقال أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي الفاكهي: «حدثنا الزبير بن أبي بكر، قال: «أم كثير بن كثير : عائشة بنت عمرو بن أبي عقرب، وهو خويلد بن عبد الله بن خالد بن عبد الله بن مجالد بن بجير بن بحير بن حماش بن عريج بن بكر بن عبد مناة، وهو الذي يقول : لعن الله من سب عليَّا وحسيناً من سوقة وإمام أتسبّ المطيبين جدودا والكريمي الأخوال والأعمام»(3).

و كان بسر بن أبي أرطأة يشتم الإمام عليّاً علیه السلام على منبر البصرة، قال ابن الأثير المتوفى سنة 630 ه:

«فلما قدم بسر البصرة خطب على منبرها وشتم عليّاً ثم قال: نشدت الله رجلاً

ص: 336


1- صحیح مسلم: 1022 [ كتاب فضائل الصحابة / باب من فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام] - ح.38-(2409)]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 214 ، [ الباب العاشر - الفصل الثالث في بعض مآثره (أي الامام الحسن )]
3- أخبار مكة للفاكهي: حديث : 2096 ذكر رباع بني سهم بن عمرو بن هصيص.

يعلم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذَّبَني. فقال أبو بكرة: اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذباً . قال : فأمر به فخنق»(1) .

وكان كثير بن شهاب يكثر سبّ الإمام علي علیه السلام على المنبر وقد ولاه بنو أمية على الري؛ قال ابن الأثير: «لما ولي المغيرة الكوفة استعمل كثير بن شهاب على الري، وكان يكثر سبّ عليٍّ على منبر الري»(2) .

وكان مروان بن الحكم بن أبي العاص يبالغ في سبّ علي بن أبي طالب علیه السلام، قال ابن الأثير: «كان مروان قصيراً أحمر أوقص، يكنى أبا الحكم، وأبا عبد الملك... وولي المدينة لمعاوية مرات، فكان إذا ولي يبالغ في سب عليّ»(3).

معاوية يأمر بسب علي علیه السلام

قال مسلم: «حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ - قَالاَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ - وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟

فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَلَنْ أَسُبَّهُ لأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ لَهُ خَلَّفَهُ فِي بَعْضٍ مَغَازِيهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : يَا رَسُولَ الله خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصَّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم : «أَمَا

ص: 337


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 361/3 [3/ 65/ أ] ، [ السنة الحادية والأربعين للهجرة/ ذكر ولاية بسر على البصرة ]
2- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 361/3 [3/ 65/ أ] ، [السنة الحادية والأربعين للهجرة/ ذكر استعمال المغيرة بن شعبة على الكوفة ]
3- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 622/3 [3/ 108/ أ] ، [ السنة الخامسة والستين للهجرة/ ذكر صفة مروان و نسبه و أخباره]

تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي». وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ». قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ «ادْعُوا لي عَلِيًّا» فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ »فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ «اللهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلِي»(1).

وروى النسائي فقال : «أخبرنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار قالا حدثنا حاتم عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال أمر معاوية سعدًا فقال ما منعك أن تسب أبا تراب؟

قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فلن أسبه ...» (2).

قال اليعقوبي: «عمل معاوية المقصورة في المسجد وأخرج المنابر إلى المصلى في العيدين وخطب الخطبة قبل الصلاة، وذلك أن الناس إذا صلوا، انصرفوا لئلا يسمعوا لعن عليّ، فقدم معاوية الخطبة قبل الصلاة»(3).

ولنا أن نتساءل هنا : ألم يكن معاوية بن أبي سفيان ظالماً فيما اقترفه بحق أمير المؤمنين علیه السلام من شتم ولعن وتنابز بلقب أبي تراب؟

وقد وصف الله تعالى الذين يتنابزون بالألقاب بالظلم، فكيف بمن لعن أو سبّ أو شتم أمير المؤمنين علیه السلام؟، قال الله تعالى: «وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ

ص: 338


1- صحیح مسلم: 1020 [كتاب فضائل الصحابة / باب من فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام] - ح. 32-2404)]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 107 ، [ح . 8399 - كتاب الخصائص / ذكر منزلة علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
3- تاريخ اليعقوبي : 2 / 155

الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَنْ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»[الحجرات/ 11]، فمعاوية بالظلم أجدر لأنه تنابز بلقب أبي تراب وشتم ولعن فهو ظالم ولا يجوز الركون إليه لقوله تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ»[هود/ 113]

شبهة مدفوعة

قال أحد المتطرفين في بعض المنتديات الوهابية:

يحتج الشيعة بحديث : «مَن سبّ عليًّا فقد سبَّني ومَن سبّني فقد سب الله تعالى»، وهو يناقض ما رووه في بحار الأنوار: «من سبَّني فهو في حلّ من سبِّي»، وكذلك يناقض القول المتناقض المنسوب إليه حول معاوية «اقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني ! أما السب فسبوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة».

فكيف يأمر علي الناس أن يسبوه وهو يعلم أن سبه يؤدي إلى سب الله؟

الجواب

من المخجل حقًّا تلك الأساليب التي قوامها الكذب والتدليس والتي اعتادها المخالف غالباً كالاستشهاد بالنصوص المبتورة من مصادرنا، أو تضعيف بعض الرواة الموثقين عند أكثر علماء أهل السنة، أو تضعيف بعض الأحاديث المستشهد بها والتي صححها علماؤهم، وغير ذلك من الأساليب غير العلمية التي ألفَ المخالف اتِّباعها، فكلا النَّصَّين المذكورين مبتوران ولا يصح الاستشهاد بهما، فأما النص الأول فتمامه كالآتي:

«عن عبد الله بن الحارث بن سليمان عن أبيه قال: قال علي علیه السلام : لا أرى هؤلاء

ص: 339

القوم إلا ظاهرين عليكم بتفرقكم عن حقكم، واجتماعهم على باطلهم، فإذا كان عليكم إمام يعدل في الرعية، ويقسم بالسوية، فاسمعوا له وأطيعوا، فإن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر. فإن كان براً فللراعي والرعية وإن كان فاجراً عبد المؤمن ربه فيها، وعمل فيها الفاجر إلى اجله [ألا] وإنكم ستعرضون بعدي على سبي والبراءة مني، فمن سبني فهو في حل من سبي، ولا يتبرأ مني، فإن ديني الإسلام»(1) .

وأمَّا النص الثاني فهو مقتبس من نهج البلاغة، وتمامه كالآتي:

«أمَا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُوم مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ وَ يَطْلُبُ مَا لاَ يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ وَ لَنْ تَقْتُلُوهُ أَلَا وَ إِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَ الْبَرَاءَةِ مِنِّي فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَكَاةً وَ لَكُمْ نَجَاةٌ وَ أَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلَا نَتَبَرَّءُوا مِنِّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَسَبَقْتُ إِلَى الْإِيمَانِ وَ الْهِجْرَةِ».

فلاحظ كلامه علیه السلام: «أَلاَ وَ إِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَ الْبَرَاءَةِ مِنِّي فَأَمَّا اَلسَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلَا تَتَبَرَّءُوا مِنّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَ سَبَقْتُ إِلَى الْإِيمَانِ وَ الْهِجْرَةِ» فظاهر النص أنَّ الإمام علیه السلام أجاز لأصحابه إنقاذ أنفسهم من التهلكة إذا دعت الضرورة، وخيروا بين القتل أو السب، ففي هذه الحالة السبّ جائز إذا أكره الإنسان على السب ليُخلص نفسه من الموت فالساب بلسانه دون قلبه إذا كان مُجبراً على السَّبِّ لا يكون سَبُّهُ كفراً كما جاء في قوله تعالى: «مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَنِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ مُطْمَنٌ بِالْإِيمَنِ»[النحل/ 106].

قال أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري في تفسير هذه الآية: «إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَينٌ بِالإِيمَان» قال الكلبي : نزل ذلك في عمار بن ياسر وأبويه ياسر

ص: 340


1- بحار الأنوار للمجلسي: الكتاب الثامن القسم الثاني 527 [34/19 كتاب الفتن والمحن باب 31 سائر ما جرى من الفتن]

وسُمية وبلال وصهيب وخبّاب، أظهروا الكفر بالإكراه وقلوبهم مطمئنة بالإيمان(1). فمن هذا الباب سمح عليُّ بن أبي طالب علیه السلام لمحبيه المؤمنين من سبِّه إذا أكرهوا على ذلك للنجاة بحياتهم.

فالإمام علي علیه السلام لم يأمر الناس أن يسبوه، بل معاوية بن أبي سفيان هو الذي أمر بسب علي علیه السلام وهو يعلم أن سبّ علي علیه السلام يؤدّي إلى سبِّ الله تعالى، فلماذا تركنون إليه وتتولّونه بعد أن استحب الكفر على الإيمان؟!

قال الله تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ»[التوبة/ 23]

شبهة أخرى

تُرَدِّدُ بعضُ المنتديات، والقنوات الوهابية باستمرار العبارات التالية: إذا كان عليّ يعلم أن سبّ معاوية يجعله سابا الله فكيف يجعل إيمانه مساويًا لإيمانه؟ كما قال علیه السلام: «وكان بدء أمرنا أنا تلاقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد وديننا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا شيئاً إلّا ما اختلفنا فيه من دم عثمان» وبناء على هذا النص لا يظهر أي اختلاف في العقيدة والإيمان بين علي ومعاوية.

الجواب

هذا الكلام ورد في نهج البلاغة كما يلي:

«من كتاب له علیه السلام اكتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفّين:

ص: 341


1- تفسير الماوردي (النكت والعيون): 3/ 217 ، [ تفسير سورة النحل/ آية : 106]

«وَ كَانَ بَدْهُ أَمْرِنَا أَنَا اِلْتَقَيْنَا وَ الْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَ نَبِيِّنَا وَاحِدٌ وَ دَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَام وَاحِدَةٌ لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِالله وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ، وَ لاَ يَسْتَزِيدُونَنَا، اَلْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اِخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لَا يُدْرَكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ، وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ الْأَمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ فَتَقْوَى عَلَى وَضْع الحقِّ فِي مَوَاضِعِهِ، فَقَالُوا: بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الحَرْبُ وَ رَكَدَتْ وَ وَقَدَتْ نِيرَاتُهَا وَ حَمِشَتْ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَ إِيَّاهُمْ، وَوَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَ فِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وَ سَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا حَتَّى إسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الحَجَّةُ، وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمُعْذِرَةُ فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ الله مِنَ أَهْلَكَةِ، وَ مَنْ لَجَّ وَ تَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللَّهِ عَلَى قَلْبِهِ وَ صَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ»(1).

وللجواب عن الشبهة المتقدمة يقال :

أولاً : هذه الخطبة لا يستطيع المخالف الاستشاد بها ، ولا يمكن لأحد من علماء السنة أو الشّيعة الاحتجاج بشيء منها لأنها لا سند لها ؛ قال الشيخ محمد تقي التستري في بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: «لم أقف على سند له، ولا يبعد كونه من روايات سيف الموضوعة».

ثانيًا : قوله علیه السلام: «وَ الظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ». ليس فيه أي دلالة على مساواة إيمان

أمير المؤمنين علیه السلام بإيمان معاوية فقد قال ابن أبي الحديد في شرحه لهذه الخطبة:

قوله: «و الظاهر أن ربنا واحد» كلام من لم يحكم لأهل صفين من جانب معاوية

ص: 342


1- نهج البلاغة: 621 - 623

حكماً قاطعاً بالإسلام، بل قال: ظاهرهم الإسلام»(1).

ثالثًا : هذا الكلام يعارض تصريح أمير المؤمنين علیه السلام بعدم إسلام معاوية كما جاء في نهج البلاغة :

«و كان يقول لأصْحَابِهِ علیه السلام عِنْدَ الْحَرْبِ :

لا تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ، وَ لَا جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ، وَ أَعطوا السُّيُوفَ حقوقهَا، وَوَطَنُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا ، وَاذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ الدَّعْسِي، وَالضَّرْب الطَّلَعْنِي، وَ أمِينُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أطْرَدُ لِلْفَشَلِ، فَوَ الَّذِي فَلَقَ الحبَّةَ وَ براء النَّسَمَةَ مَا

أَسْلَمُوا، وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْكُفْرَ، فَلَمَّا وَجَدُوا أعْوَانا عَلَيْهِ أظْهَرُوهُ !»(2).

فيقسم أمير المؤمنين علیه السلام على عدم إسلام معاوية، وعمرو ومن والاهما، وقال ابن أبي الحديد في شرحه لهذه العبارة الأخيرة:

«ثم أقسم أن معاوية وعمراً ومن والاهما من قريش ما أسلموا ولكن استسلموا خوفاً من السيف ونافقوا، فلما قدروا على إظهار ما في أنفسهم أظهروه، وهذا يدل على أنه علیه السلام جعل محاربتهم له كفراً»(3).

رابعًا: أنَّ معاوية كان يشرب الخمر أيام حكومته، بل يجاهر بشربها، وكان يبيع الخمر(4). وكان يتعامل بالربا، ويأكل أموال الناس بالباطل، فكيف يساوي إيمانه إيمان

ص: 343


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 101/9 [ الجزء السابع عشر / 58]
2- نهج البلاغة: 510 - 511
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 185/8 [الجزء الخامس عشر / 16]
4- جاء في تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر : 26/ 175[3071 - عبادة بن الصامت ] عن إسماعيل بن عمير بن رفاعة عن أبيه أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال ما هذه أزيت قيل لا بل خمر تباع لفلان [أي معاوية ] فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها رواية إلا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا فأمسك عنا أخاك فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال يا عبادة ما لك ولمعاوية ذره وما حمل فإن الله يقول «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ» قال يا أبا هريرة لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»

عليٍّ علیه السلام؟!!

وقد صرَّح إمام السنّة أحمد بن حنبل بشرب معاوية للخمر فقال: «حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَاب حَدَّثَنِي حُسَيْنُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ:

دَخَلْتُ أَنا وَأَبي عَلى مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَسَنَا عَلَى الْفُرُش ثُمَّ أَتِينَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلْنَا ثُمَّ أَتِينَا بالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ نَاوَلَ أَبي، ثُمَّ قَالَ: مَا شَربْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم، قَالَ مُعَاوِيَةُ : كُنْتُ أَجْمَلَ شَبَابِ قُرَيْشٍ وَأَجْوَدَهُ ثَغْرًا وَمَا شَيْءٌ كُنْتُ أَجِدُ لَهُ لَذَةً كَمَا كُنْتُ أَجِدُهُ وَأَنَا شَابٌ غَيْرُ اللَّبَنِ أَوْ إِنْسَانٍ حَسَنِ الْحَدِيثِ يُحَدِّثُنِي»(1). تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.

ومن شواهد تعامل معاوية بالربا ما رواه مسلم بإسناده:

«عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ كُنْتُ بِالشَّامِ في حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ قَالَ قَالُوا أَبو الأَشْعَثِ أَبُو الأَشْعَثِ. فَجَلَسَ فَقُلْتُ لَهُ حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ. قَالَ نَعَمْ زَوْنَا غَزَاةً وَعَلى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَكَانَ فِيمَا غَنِمْنَا آنيَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً أَنْ يَبِيعَهَا في أَعْطِيَاتِ النَّاسِ فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَبَلَغَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَقَامَ فَقَالَ إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَنْهَى ى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ

ص: 344


1- مسند أحمد بن حنبل : 407/5[5/ 347] ، [ح. 23005 / مسند الأنصار]

وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالمِلْحِ بِالْمِلْحِ إِلا سَوَاءً بِسَوَاءِ عَيْنَا بِعَيْنِ فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَلاَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ. فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ لَنُحَدَّثَنَّ بِما سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَهُ - أَوْ قَالَ وَإِنْ رَغِمَ - مَا أَبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ. قَالَ حَمَّادٌ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ»(1).

ومن شواهد أكل أموال الناس بالربا ما رواه مسلم أيضًا، بإسناده عن:

«عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ دَخَلْتُ المَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ في ظل الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- في سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا مَنْ يَنتَضِلُ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ الله - صلى الله عليه و آله وسلم - الصَّلَاةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه و آله وسلم - فَقَالَ «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلُّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ هُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءُ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ». فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّه أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَأَهْوَى إِلى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَقُلْتُ

ص: 345


1- صحیح مسلم : 666 . [ح. 80 - (1987) - كتاب المساقاة باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً]

لَهُ هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَالله يَقُولُ «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَرَةً عَن تَراضٍ مِنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» قَالَ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ الله وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ الله»(1).

فهذه سيرة معاوية في الأحاديث الصحيحة، ولا يوجد مسلم منصف يساوي بين معاوية وأمير المؤمنين علیه السلام إلا من يوالي معاوية ويدافع عنه دفاعًا أعمى وإن اقتضى الأمر ذمّ الإمام علي علیه السلام أو تنقيصه كما فعل ابن تيمية، ومن والاه وانتهج منهجه، في خلق روح التفرقة والعداء بين المسلمين، وهذا النهج ليس من شيمة علماء السنة، بل منهم من روى وجوب جهاد معاوية كالطبراني الذي قال :

«حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن الحسن بن فرات حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع حدثنا عون بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهو نائم أو يوحى إليه وإذا حية في جانب البيت فكرهت أن أقتلها فأوقظه فاضطجعت بينه وبين الحية فإن كان شيء كان

بي دونه فاستيقظ وهو يتلو هذه الآية «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا»[المائدة/ 55] قال: الحمد لله، فرآني إلى جانبه فقال: «ما أضجعك ههنا ؟» قلت: لمكان هذه الحية قال: «قم إليها فاقتلها»، فقتلتها فحمد الله ، ثم أخذ بيدي فقال : «يا أبا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون عليًّا حقا على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بیده، فبلسانه، فمن يستطع بلسانه، فبقلبه ليس وراء ذلك شيء»(2).

ص: 346


1- صحیح مسلم : 802 [ ح. 46 - (1844) - كتاب الإمارة باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول]
2- المعجم الكبير للطبراني: 1 / 252 [ح . 948]

و من علماء السنَّة من فضَّل علياً علیه السلام على أبي بكر وعمر ؛ قال ابن حجر الهيتمي: «وقال أبو بكر بن عياش لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم في حاجة لبدأت بحاجة عليٍّ قبلهما لقرابته من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي أن أقدمه عليهما»(1).

فكيف تريدون مساواة إيمان علي علیه السلام مع إيمان شارب الخمر وآكل الربا الَّذي لم يحكم بما أنزل الله تعالى؟! كما جاء في حديث مسلم المتقدِّم: «مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا» ، فمعاوية قد حكم بين الناس بما لم ينزل الله تعالى، وقد وصف الله تعالى من لم يحكم بما أنزل الله تعالى بالكفر، والظلم، والفسوق؛ قال الله تعالى:

«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»[المائدة/ 44]

«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»[المائدة/ 45]

«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»[المائدة / 47] .

شبهة أخرى

كيف يرضى الحسن بتسليم الخلافة ذات المنصب الإلهي إلى مَن سبَّ الله؟

الجواب :

من المناسب أن نقول لهذا السائل أَنَّكَ تُقِرُّ وتعترف بأنَّ معاوية كان يسبّ الله تعالى، لأنَّه مَن سبّ عليّاً فقد سب الله تعالى، وإذا اعترفت بذلك، فنقول لك : إنَّ لصلح الإمام

ص: 347


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 355 ، [ تتمة كتاب الصواعق / باب إكرام الصحابة ومن بعدهم لأهل البيت ]

الحسن علیه السلام دواعي وأسباباً كثيرة، يظهر بعضها من خلال الشروط التي اشترطها الإمام الحسن علیه السلام على معاوية، ومن هذه الشروط: أن يترك معاوية وأتباعه سبّ أمير المؤمنين علي علیه السلام والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكر علياً علیه السلام إلا بخير، وأن لا يتعقب معاوية على شيعة علي علیه السلام شيئاً، وأن يفرّق معاوية في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين علیه السلام يوم الجمل، وأولاد من قتل مع أمير المؤمنين علیه السلام بصفين ألف ألف درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار بجرد(1)، وأن يكون الأمر للإمام الحسن علیه السلام من بعد معاوية، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين علیه السلام، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد.

مسامحة ابن تيمية لمن لعن عليًّا علیه السلام

لم يعبأ ابن تيمية بكل تلك الأحاديث الصحيحة التي قرنت محبة علي علیه السلام بمحبة الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم ، و قرنت بغض علي علیه السلام ببغض الله ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم، وسب علي علیه السلام بسب الله ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم، فكان الأجدر به أن يتبرأ من هؤلاء النواصب الذين عادوا الله تعالى ورسوله بعدائهم لعلي علیه السلام، ولكن ابن تيمية بات يلتمس لهم الأعذار، فهو يرى أنَّ رحمة الله تعالى تتناول من لعن أمير المؤمنين علیه السلام، وقاتله، فقد قال في كتابه منهاج السنة النبوية:

«وأما ما ذكره مِن لعن عليّ فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة وكان هؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وهؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وقيل: إنَّ كل طائفة كانت تقنت على الأخرى. والقتال باليد أعظم من التلاعن باللسان وهذا كله سواء كان ذنباً أو اجتهاداً مخطئًا أو مصيباً فإن مغفرة الله ورحمته تتناول ذلك

ص: 348


1- ينظر المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء: 1 / 254 [سنة 41 ه / ذكر تسليم الحسن الأمر إلى معاوية]

بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك»(1).

ثمَّ يذهب ابن تيمية إلى مدح معاوية وتفضيله على عليّ علیه السلام بصورة غير مباشرة حيث قال:

«قالوا ومعاوية كانت رعيته تحبه وهو يحبهم ويصلون عليه وهو يصلي عليهم. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم قال مالك بن يخامر سمعت معاذًا يقول: وهم بالشام. قالوا: وهؤلاء كانوا عسكر معاوية.

وفي صحيح مسلم عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة قال أحمد بن حنبل أهل الغرب هم أهل الشام وقد بسطنا هذا في موضع آخر وهذا النص يتناول عسكر معاوية»(2) .

ويناقض ابن تيمية كلامه فيقول :

«من الشر أعظم مما حصل بالاقتتال فإنه بالاقتتال لم تزل هذه الفرقة ولم يجتمعوا على إمام بل سفكت الدماء وقويت العداوة والبغضاء وضعفت الطائفة التي كانت أقرب إلى الحق وهي طائفة علي وصاروا يطلبون من الطائفة الأخرى من المسالمة ما كانت تلك تطلبه ابتداء»(3) .

الصنف السابع : من أبغض عليا علیه السلام

لقد وردت أحاديث صحيحة تفيد أنَّ مَن أبغض عليًّا علیه السلام، فقد أبغض رسول

ص: 349


1- منهاج السنة النبوية : 4 / 211
2- منهاج السنة النبوية : 4 / 207 - 208
3- منهاج السنة النبوية : 209/4

الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ومن أبغضه فقد أبغض الله تعالى، قال الهيثمي:

وعن أم سلمة قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «من أحب عليّاً فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله» رواه الطبراني وإسناده حسن» (1).

قال الحاكم النيسابوري: «عن حيان الأسدي سمعت عليّاً يقول: قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني وإن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه.صحيح»(2) . وفي الهامش:وافقه الذهبي في التلخيص صحيح».

وقال الحاكم أيضاً: «أخبرني أحمد بن عثمان بن يحيى المقري ببغداد ثنا أبو بكر بن أبي العوام الرياحي حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري حدثنا عوف بن أبي عثمان النهدي قال : قال رجل لسلمان ما أشد حبك لعليّ ! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «من أحبَّ عليَّا فقد أحبَّني ومَن أبغض عليَّا فقد أبغضني»

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(3). وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم.

وصحّحه الألباني فقال:

ص: 350


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 126/9 [كتاب المناقب / باب مناقب علي / باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه - ح. 14757]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 353/3 [كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي السلام -ح. 4744 ]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 342/3 [كتاب معرفة الصحابة ذكر إسلام أمير المؤمنين علي - ح. 4706]

«مَن أحبَّ عليَّا فقد أحبَّني ومن أحبَّني فقد أحبَّ الله عز وجل ومَن أبغض عليًّا فقد أبغضني ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجل».

رواه المخلص في «الفوائد المنتقاة ( 10 / 5 / 1 ) بسند صحيح عن أم سلمة قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : فذكره»(1).

محبة علي علیه السلام إيمان وبغضه نفاق

قال مسلم: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ : وَالَّذِي فَلَقَ الخَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صلى الله عليه و آله وسلم إِلَى أن لا تُحبني إلأ مُؤمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلا مُنَافِقٌ.»(2).

قال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمَّيِّ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُحِبُّنِي إِلا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُنِي إِلا مُنَافِقٌ»(3).

وقال ابن أبي شيبة أيضاً : «حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَخَلَدٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ مُسَاوِرِ الحِمْيَرِي، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَمْ سَلَمَةَ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: لا يُبْغِضُ عَلِيًّا مُؤْمِنٌ، وَلا يُحِبُّهُ مُنَافِقٌ»(4).

ص: 351


1- السلسلة الصحيحة : 3 / 288 . [ح . 1299]
2- صحیح مسلم: 49 [كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق - ح. 131 - (87)]، وينظر : السنن الكبرى للنسائي : 5 / 47 ، [ح . 153 /17 - كتاب المناقب]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 368 . [ح . 32055/ فضائل علي بن أبي طالب]
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 . [ح . 32105/ فضائل علي بن أبي طالب]

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ قَرْمٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ : لا يُحِبُّنَا مُنَافِقٌ، وَلا يُبْغِضُنَا مُؤْمِنٌ»(1).

قال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَدِي بْن ثَابِتٍ عَنْ زِرٍّ بْنِ حُبَيشِ قَالَ قَالَ عَليٌّ علیه السلام وَالله إِنَّهُ مِمَّا عَهِدَ إِلَىَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّهُ لَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ وَلَا يُحِبُّنِي إلا مُؤْمِنٌ»(2). تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده على شرط الشيخين.

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفَّى (سنة 275ه): «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ الله بْنُ نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَدِي بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زِرِّ بُنِ حُبَيْشِ عَنْ عَلى قَالَ: عَهِدَ إِلَىَّ النَّبي الأمي صلى الله عليه و آله وسلم أنه لا يُحِبُّنِي إلا مُؤْمِنٌ وَلاَ بْغِضُنِي إِلا مُنَافِقٌ »(3). قال الألباني بتحقيقه لهذا الحديث: صحيح.

وروى أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة بسنده : «عن أبي سعيد الخدري قال: إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً»(4).

وقال الترمذي في صحيحه: «حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْل عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبي النَّصْرِ عَنِ المُسَاوِرِ الْحِمْيَرِي عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ دَخَلْتُ عَلى أَمْ سَلَمَةَ فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ لاَ يُحِبُّ عَلِيًّا مُنَافِقٌ وَلَا يَبْغَضُهُ مُؤْمِنٌ». قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ

ص: 352


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ح . 32107/ فضائل علي بن أبي طالب]
2- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 105 [1/ 84] ، [ح. 644 / مسند علي بن أبي طالب]
3- سنن ابن ماجه : 32 [باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم / فضل علي بن أبي طالب - ح.114]
4- فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل : 2/ 579 [ فضائل علي ح. 979]

الرَّحْمَنِ هُوَ أَبُو نَصْرِ الْوَرَّاقُ وَرَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ»(1) .

وقال أيضًا: «حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ ابْنُ أَخِي يَحْيَى بْنِ عِيسَى حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى الرَّمْلِيُّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زِرْ بْن حُبَيْشِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَقَدْ عَهِدَ إِلَى النَّبِيُّ الأُمى -صلى الله عليه و آله وسلم- أَنَّهُ لاَ يُحِبُّكَ إِلا مُؤْمِنٌ وَلا يَبْغَضُكَ إِلا مُنَافِقٌ. قَالَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ أَنَا مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ دَعَاهُمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»(2).

بغض علي علیه السلام يدخل النار

قال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاح، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِي، قَالَ: قَالَ عَليٌّ لَيُحِبُّنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي حُبِّى وَلَيُبْغِضُنِي قَوْمٌ حَتَّى يَدْخُلُوا النَّارَ في بُغْضِي»(3).

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة : «حدثني أبي حدثنا وكيع عن شعبة عن أبي التياح عن أبي السوار قال: قال علي علیه السلام: ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي»(4) .قال د. محمد سعيد سالم القحطاني محقق كتاب السنة : سنده صحيح.

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن الله بن أحمد أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سعيد بن محمد الوراق، عن علي بن الحزور قال: سمعت أبا مريم الثقفي يقول : سمعت عمار بن ياسر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول لعلي: «يا

ص: 353


1- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 473 - 474 [ كتاب المناقب / باب 21، ح . 3717م]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 482 - 483 [ كتاب المناقب / باب 21، ح . 3736]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 377 . [ح . 32124/ فضائل علي بن أبي طالب]
4- السنة لعبد الله بن أحمد : 2 / 234 [ قول أولاد علي رضي الله عنهم / ح . 1267]

عليُّ، طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذَّب فيك»[قال الحاكم:] «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(1).

شبهة ابن تيمية

قال ابن تيمية : قول عليٍّ علیه السلام في هذا الحديث لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ليس من خصائصه بل قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار وقال لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وقال لا يحبُّ الأنصار إلَّا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق»(2).

وقال أيضاً: «الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن علي علیه السلام أنه قال: «إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه و آله وسلم إليَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق إن كان هذا محفوظاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فإن الرافضة لا تحبه على ما هو عليه...»(3).

وقال ابن تيمية أيضًا: «انه في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم انه قال آية الإيمان حبّ الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار ، وقال : لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر فكان معرفة المنافقين في لحنهم ببغض الأنصار أولى، فان هذه الأحاديث أصح مما يروى عن علي أنه قال: إنه لعهد النبي الأمي إلىَّ انه لا يحبني إِلَّا مؤمن ولا يبغضني إِلَّا منافق فان هذا من إفراد مسلم وهو من رواية عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي والبخاري عن هذا الحديث بخلاف أحاديث الأنصار، فإنها مما اتفق عليه أهل الصحيح كلهم البخاري وغيره وأهل العلم يعلمون يقينًا أن النبي قاله وحديث علي قد شك فيه

ص: 354


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 346/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4715]
2- منهاج السنة النبوية : 4 / 135
3- منهاج السنة النبوية : 4 / 134

بعضهم»(1) .

الجواب

هذا الكلام يدل على الصراع النفسي الذي يعانيه ابن تيمية، فمن جهة يريد تضعيف الحديث الذي رواه مسلم، فيقول: (إن كان هذا محفوظاً ثابتا عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم) ، وفي موضع آخر قال أيضاً: (فإن هذا من إفراد مسلم)، وقال أيضاً: (و حديث عليّ قد شك فيه بعضهم) ، ويجد نفسه أنه سيكون أمام خيار صعب وهو تكذيب مسلم، وهذا الأمر يهدم ،مذهبه فيسارع إلى تلافي الخطأ فيعترف بصحة مضمون الحديث، وذلك عندما يقول: «ولا ريب أن مَن حبَّ عليّاً لله بما يستحقه من المحبة الله فذلك من الدليل على إيمانه وكذلك من أحبَّ الأنصار لأنّهم نصروا الله ورسوله فذلك علامات من إيمانه ومن أبغض عليّاً والأنصار لما فيهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله فهو منافق ...» (2).

فهذا إقرار من ابن تيمية على صحة هذا الحديث، فلماذا كل هذه الحيرة والتخبّط، والتشكيك عندما يتعلق الأمر بعلي علیه السلام؟!

والجواب عن ذلك بديهي لأنّ هذا الأمر يخص معاوية ، فهذا الحديث يثبت نفاق معاوية الذي أبغض عليَّا علیه السلام، فلذا ذهب ابن تيمية يلتمس لمعاوية الأعذار ويرفع من شأنه، فأخذ يكذِّب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ويضعف من حديثه، كرامة وثأراً لمعاوية!.

والمتتبع لأقوال ابن تيمية يشعر بعمق البغض الذي يكنه ابن تيمية لعلي بن أبي طالب علیه السلام

ص: 355


1- منهاج السنة النبوية : 83/7
2- منهاج السنة النبوية : 83/7
مَنْ آذَى عَلِيًّا علیه السلام فَقَدْ آذَى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

قال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبي حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ نِيَارِ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَأْسِ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَّةِ قَالَ:

خَرَجْتُ مَعَ عَليٍّ إِلَى الْيَمَنِ فَجَفَانِي فِي سَفَرِي ذَلِكَ حَتَّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي عَلَيْهِ، فَلَا قَدِمْتُ أَظْهَرْتُ شَكَايَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ ذَاتَ غُدْوَةٍ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم في نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَآنِي أَمَدَّنِي عَيْنَيْهِ يَقُولُ: حَدَّدَ إِلَى النَّظَرَ حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ قَالَ: «يَا عَمْرُو وَالله لَقَدْ آذَيْتَنِي» قُلْتُ: أَعُوذُ بِالله أَنْ أُوذِيَكَ يَا رَسُولَ الله قَالَ: «بَلَى مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي»»(1) .

لقد ذكر الحاكم النيسابوري هذا الحديث، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» و في الهامش: «وافقه الذهبي في التلخيص : صحيح»(2).

قال ابن أبي شيبة : «حَدَّثَنَا مالك بن إِسْمَاعِيلَ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَسْعُود بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مَعْقِلِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ نِيَارِ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شَأْسٍ، قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : «قَدْ آذَيْتَنِي»، قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ الله ! مَا أُحِبُّ أَنْ أُوذِيَكَ، قَالَ: «مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي»»(3).

ص: 356


1- مسند أحمد بن حنبل : 3/ 587[3/ 483، ح . 15966]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 335/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4677]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ح. 32099/ فضائل علي بن أبي طالب]

وحديث «من آذى عليًّا فقد آذاني . ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2295)، وقال عنه (صحيح)(1).

وذكره أيضاً في صحيح الجامع الصغير برقم : 5924 ، وقال عنه: (صحيح)(2).

ومما تقدم ظهر جليًّا أن كلَّ مَن آذى عليّاً علیه السلام فقد آذى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ومما لا شك فيه أن معاوية وأتباعه من النواصب وغيرهم قد آذوا عليّاً، وحاربوه وشتموه ولعنوه، وقاتلوه، وبالتالي فقد آذوا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وقد أعد الله لهم عذاباً ألياً؛ قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»[التوبة/ 61] «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا»[الأحزاب / 57]

موقف الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ممن اشتكى من علي علیه السلام

قال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ الرّشْكُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم سَرِيَّةٌ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيًّا، فَصَنَعَ عَلِيٌّ شَيْئًا أَنْكَرُوهُ، فَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم أَنْ يذكروا أمرهم لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وَكَانُوا إِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ بَدَؤُوا بِرَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَتِ السَّرِيَّةُ سَلَّمُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَقَامَ أَحَدُ الأَرْبَعَةِ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله أَلَمْ تَرَ أَنَّ عَلِيًّا صَنَعَ كَذَا وَكَذَا، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله يُعْرَفُ صلى الله عليه و آله وسلم الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: «مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَليٍّ مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ، عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِي، وَعَلِيٌّ وَلِيُّ كُلٌّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»(3).

ص: 357


1- راجع السلسلة الصحيحة لمحمد ناصر الدين الألباني: 5 / 373، ح. 2295
2- صحيح الجامع الصغير لمحمد ناصر الدين الألباني : 1 / 276 ، ح . 5924
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 375. [ح. 32112/ فضائل علي بن أبي طالب]

وروى هذا الحديث ابن حبان في صحيحه، وعلّق عليه شعيب الأرنؤوط قائلاً: إسناده قوي(1).

ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، وعقب عليه محقق الكتاب حسين سليم أسد قائلاً: رجاله رجال الصحيح.(2)

وقال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: غزوت مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً، فَلَمَّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم: ذَكَرْت عَلِيًّا فَتَنَقَّصْتُهُ، فَجَعَلَ وَجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم

يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ: أَلَسْت أَوْلَى بِاللْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: مَنْ كُنتُ مَوْلاهُ فَعَل مَوْلاه»(3).

وقال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً فَلَمّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ذَكَرْتُ عَلِيًّا فَتَنَقَصْتُهُ فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَتَغَيَّرُ فَقَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ! أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»(4). تعليق شعيب الأرنؤوط:إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وقال الألباني: «حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق:

ص: 358


1- راجع صحيح ابن حبان : 15 / 374 [ مناقب علي / ح. 6929]
2- ينظر: مسند أبي يعلى الموصلي للإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي: 1 / 293[مسند علي بن أبي طالب/ح. 355]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 376 - 377 [ح . 32123/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
4- مسند أحمد بن حنبل:5/ 407 [5/ 347] ، [ح . 23009 / مسند الأنصار]

الأولى: عن ابن عباس عنه قال: خرجت مع علي علیه السلام إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فذكرت عليًّا ، فتنقصته، فجعل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يتغير وجهه، فقال: «يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «من كنتُ ،مولاه فعليٌّ مولاه».

أخرجه النسائي والحاكم (3 / 110) وأحمد (5 / 347) من طريق عبد الملك بن أبي غنية قال : أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور»(1)

موقف بعض الصحابة ممن يبغض أو يسب عليًا علیه علیه السلام

قال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِذَا أَرَدْت أَنْ تَسْأَلَ عَنْ عَلِيٍّ فَانْظُرْ إِلَى مَنْزِلِهِ مِنْ مَنْزِلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم هَذَا مَنْزِلُهُ وَهَذَا مَنْزِلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: فَإِنِّي أَبْغَضُهُ، قَالَ: فَأَبْغَضَك الله»(2).

وقال ابن أبي شيبة أيضاً : «حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ جَالِسًا إِذْ جَاءَهُ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ فَقَامَ عَلَی رَأْسِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِني لأَبْغَضُ عَلِيًّا، قَالَ: فَرَفَعَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ فَقَالَ: أَبْغَضَك الله تُبْغِضُ رَجُلاً سَابِقَةٌ مِنْ سَوَابِقِهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا »(3).

ص: 359


1- السلسلة الصحيحة للألباني : (ج 4 / ص 249)
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 368. [ح. 32058/ فضائل علي بن ابي طالب]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 376 . [ح . 32118/ فضائل علي بن ابي طالب[علیه السلام]]

قال ابن أبي شيبة أيضاً : «حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ فِطْرِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الجدَلي، قَالَ: قالَتْ لي أُمُّ سَلَمَةَ يَا أَبَا عَبْدِ الله أيُسَبُّ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فِيكُمْ، ثُمَّ لا تُغَيِّرُونَ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَتْ: يُسَبُّ عَلِيٌّ وَمَنْ يُحِبُّهُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم یُحِبُّهُ»(1).

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِط عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: َقدِمَ مُعَاوِيَةُ فِي بَعْضِ حَجَّاتِهِ، فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرُوا عَلِيًّا فَنَالَ مِنْهُ مُعَاوِيَةٌ فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: تَقُولُ هَذَا لِرَجُل سَمِعْت رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ لَهُ ثَلَاثُ خِصَالٍ لأَنْ تَكُونَ لي خَصْلَةٌ مِنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاه» وَسَمِعْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: لأُعْطِبَنَّ الرَّابَةَ رَجُلاً يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ »»(2).

و قال ابن ماجة : «حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية حدثنا موسى بن مسلم عن ابن سابط وهو عبد الرحمن عن سعد بن أبي وقاص قال قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد فذكروا عليا فنال منه فغضب سعد وقال تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : «من كنت مولاه فعلي مولاه»، وسمعته يقول: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، وسمعته يقول: «لأعطين الراية اليوم رجلاً

ص: 360


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 26 / 375 - 376 [ح. 32114/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 369 [ح. 32069/ فضائل علي بن أبي طالب]

يحب الله ورسوله»»(1) . وعلق عليه الألباني بقوله: صحيح.

كان بعضهم يتبرأ ممن يعادي عليًّا علیه السلام

«حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُسْجِدَ فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ شَابٌ، فَقَالَ : أَنْشُدُك بالله، أَسَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ الشَّابُ: أَنَا مِنْكَ بَرِيءٌ ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ عَادَيْت مَنْ وَالاهُ وَوَالَيْت مَنْ عَادَاهُ، قَالَ فَحَصَبَهُ النَّاسُ بِالحَصا»(2).

موقف ابن عباس ممن سبّ عليًّا علیه السلام

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرني محمد بن أحمد بن تميم القنطري، ثنا أبو قلابة الرقاشي ، ثنا أبو عاصم، عن عبد الله بن المؤمل، حدثني أبو بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام فسبّ عليّاً عند ابن عباس، فحصبه ابن عباس، فقال: «يا عدو الله اذیت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا»[الأحزاب / 57]، لو كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حيّاً لآذيته» [قال الحاكم ] هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»[وفي الهامش:] وافقه الذهبي في التلخيص : صحيح»(3).

ص: 361


1- سنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني: 33 [ح. 121]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 371 . [ح. 32083/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 334/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4676]
أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام يبايعونه على الموالاة والبراءة

لقد بايع أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام على موالاة من والاه ومعاداة من عاداه، فقد روى المؤرخون أنَّه «لما خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليّاً أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا:«نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت، فشرط لهم فيه سنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فجاءه ربيعة بن أبي شداد الخثعمي وكان شهد معه شداد الخثعمي وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم فقال له بايع على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال ربيعة على سنة أبي بكر وعمر قال له عليٌّ: «ويلك لو أنَّ أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لم يكونا على شيء من الحق، فبايعه فنظر إليه عليٌّ وقال: «أما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت وكأنّي بك وقد وطئتك الخيل بحوافرها»، فقتل يوم النهروان مع خوارج البصرة»(1).

وصية أم المؤمنين ميمونة وشهادة أم سلمة بلزوم علي علیه السلام

قال الحاكم النيسابوري: «حدثنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمد بن عيسى بن السكن، حدثنا الحارث بن منصور، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن جري بن كليب العامري قال : لما سار علي إلى صفين كرهت القتال، فأتيت المدينة، فدخلت على ميمونة بنت الحارث فقالت: «ممن أنت؟» قلت من أهل الكوفة، قالت: «من أيهم؟» قلت: من بني عامر قالت رحباً على رحب وقرباً على قرب، تجيء ما جاء بك؟ قال: قلت: سار عليٌّ إلى صفين وكرهت القتال فجئنا إلى ها هنا، قالت: «أكنتَ بايعته؟» قال: قلتُ: نعم، قالت: «فارجع إليه، فكُن معه، فو الله ما ضَلَّ، ولا ضُلَّ بِهِ» [ قال الحاكم: ] هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» [وفي الهامش:]

ص: 362


1- تاريخ الطبري : 3 / 116 ، [ سنة 37ه] ، والكامل في التأريخ لابن الأثير : 3 / 290 ، [ السنة السابعة والثلاثين للهجرة]

وافقه الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم»(1) .

قال الحاكم النيسابوري أيضاً: حدثني أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي من أصل كتابه حدثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري حدثنا عبد الله بن صالح الأزدي حدثني محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن سعيد بن مسلم الملكي عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: لما سار عليٌّ إلى البصرة دخل على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقالت: سِر في حفظ الله وفي كنفه فو الله إنك لعلى الحق والحق معك ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله فإنه صلى الله عليه و آله وسلم أمرنا أن نقر في بيوتنا لسرتُ معك ولكن والله لأرسلَن معك مَن هو أفضلُ عندي وأعزُّ عليَّ مِن نفسي ابني عمر.

[قال الحاكم:] هذه الأحاديث الثلاثة كلها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(2). وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.

وقال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ حدثه عن مَيْمُونَةَ، قَالَت: لَمَّا كَانَتِ الْفُرْقَةُ قِيلَ لَيْمُونَةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، :فَقَالَتْ عَلَيْكُمْ بِابْنِ أَبي طَالِب فَوَ الله مَا ضَلَّ، وَلا ضُلَّ بِهِ»(3).

وقال الحاكم النيسابوري: «أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا عمرو بن طلحة القناد الثقة المأمون حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن أبيه قال حدثني أبو سعيد التيمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال: كنت مع عليّ علیه السلام يوم

ص: 363


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 351/3 - 352 [كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4738]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3/ 332 - 333 [کتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح.4669]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 26 / 374 . [ح . 32104/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

الجمل، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر، فقاتلت مع أمير المؤمنين فلما فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت أم سلمة فقلت : إني والله ما جئت أسأل طعامًا ولاشرابًا ولكني مولى لأبي ذر، فقالت مرحبًا، فقصصت عليها ،قصتي فقالت أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت: إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس. قالت : أحسنت سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لن يتفرقا حتى يردا على الحوض».

هذا حديث صحيح الإسناد وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون ولم يخرجاه(1). وفي الهامش: «وافقه الذهبي في التلخيص: صحيح».

مفارقة علي علیه السلام مفارقة الله

قال الحاكم النيسابوري: «حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن يعقوب ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري، حدثنا عبد الله بن عمير حدثنا عامر بن السمط، عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف، عن معاوية بن ثعلبة، عن أبي ذر قال : قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «يا عليُّ ، مَن فارقني فقد فارق الله ، ومَن فارقك يا علي، فقد فارقني» [قال الحاكم : ]«صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(2).

حبيب علي حبيب الله وعدو علي عدو الله

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرني أحمد بن عثمان بن يحيى المقري، ببغداد، ثنا أبو بكر بن أبي العوام الرياحي، ثنا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري، ثنا عوف عن أبي

ص: 364


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 337/3 [ كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4686]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 336/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4682]

عثمان النهدي قال: قال رجل لسلمان: ما أشد حبك لعليٍّ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «مَن أحبَّ عليَّا فقد أحبني، ومن أبغض عليَّا فقد أبغضني» [قال الحاكم:] «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه »»(1). وفي الهامش: «وافقه الذهبي في التلخيص [ فقال : ] على شرط البخاري ومسلم».

وقال الحاكم النيسابوري أيضاً: «عن حيان الأسدي، سمعت عليًّا يقول: قال لي

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي، وتقتل على سنتي، مَن أحبك أحبني، ومَن أبغضك أبغضني، وإنَّ هذه ستخضب مِن هذا» يعني لحيته من رأسه - [قال الحاكم:] صحيح»»(2). وفي الهامش: «وافقه الذهبي في التلخيص: صحيح».

إطاعة علي علیه السلام إطاعة الله ومعصية علي علیه السلام معصية الله

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد الشيباني من أصل كتابه حدثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي بمصر حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي حدثنا يحيى بن يعلي حدثنا بسام الصيرفي عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن معاوية بن ثعلبة عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع عليًّا فقد أطاعني ومن عصى عليًّا فقد عصاني.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(3).. وفي الهامش: وافقه الذهبي في

ص: 365


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 342/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4703]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 353/3 [كتاب معرفة الصحابة/ ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح. 4744]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 381/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي السلام ،ح. 4675]

التلخيص: صحيح.

وقد كرر الحاكم هذا الحديث باختلاف يسير في ألفاظه مع اختلاف بعض رواته، فقال:

«حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا إبراهيم بن سليمان البرنسي، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا يحيى بن يعلى، حدثنا بسام الصيرفي، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن معاوية بن ثعلبة، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعلي بن أبي طالب [علیه السلام] : «مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني» [قال الحاكم: ] «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه »»(1) .

شبهة مدفوعة

اعترض بعض المخالفين على تفسيق أو تكفير مَن قاتل الإمام بالخبر الذي يرويه معمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن الحكم الغفاري عن عديسة بنت أهبان بن صيفي قالت: جاء عليٌّ إلى أبي فقال : ألا تخرج معنا؟ قال ابن عمك وخليلك أمرني إذا اختلف الناس أن اتخذ سيفاً من خشب.

وبالخبر الذي يروى عن أبي ذر (رحمة الله عليه) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : كيف بك إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قال: قلت ما اختار الله لي ورسوله، قال: تلحق، أو قال: عليك بمن أنت منه، قال قلت: أفلا آخذ بسيفي وأضعه على عاتقي؟ :قال شاركت القوم إذن، قال : فما تأمرني يا رسول الله ؟ قال : إلزم بيتك، قلت: فإن دخل

ص: 366


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 341/3 [كتاب معرفة الصحابة / ذكر إسلام أمير المؤمنين علي ، ح . 4699]

علي بيتي ؟ قال : فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق رداك على وجهك يبوء بإثمه وإثمك.

الجواب

لقد أجاب الشريف المرتضى عن هذه الشبهة فقال: «هذان الخبران وأمثالهما لا يرجع بهما عن المعلوم المقطوع بالأدلة عليه وهي معارضة بما هو أظهر منها وأقوى وأولى من وجوب قتال الفئة الباغية ونصرة الحق ومعونة الإمام العادل. ولو لم يرو في ذلك إلا ما رواه الخاص والعام والولي والعدو من قوله صلى الله عليه و آله وسلم حربك يا علي حربي وسلمك سلمي.

وقد علمنا أنه علیه السلام لم يرد أن نفس هذه الحرب تلك، بل أراد تساوي الأحكام، فيجب أن تكون أحكام محاربيه هي أحكام محاربي النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلا ما خصه الدليل، وما أيضا من قوله اللهم انصر من نصره واخذل من خذله، ولأنه لما استنصر في قتال أهل الجمل وصفين والنهروان أجابته الأمة بأسرها ووجوه الصحابة وأعيان التابعين وسارعوا إلى نصرته ومعونته، ولم يحتج أحد عليه بشيء مما تضمنه هذان الخبران الخبيثان الضعيفان على أن الخبر الأول قد روي على خلاف هذا الوجه، لأن زهرم بن الحارث قال: قال لي :أهبان قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : يا أهبان أما أنك إن بقيت بعدي فسترى في أصحابي اختلافاً، فإن بقيت إلى ذلك اليوم فاجعل سيفك يا أهبان من عراجين.

وقد يجوز أن يريد علیه السلام بالاختلاف الذي يرجع إلى القول والمذاهب دون المقاتلة والمخارجة على أن هذا الخبر ما منع من قتال أهل الردة عند بغيهم ومجاهرتهم، فهو أيضا غير مانع من قتال كل باغ وخارج عن طاعة الإمام. وأما الخبر الثاني فمما يضعفه أن أبا ذر ( رحمة الله عليه) لم يبلغ إلى وقعة أحجار الزيت لأن ذلك إنما كان مع محمد بن

ص: 367

عبد الله بن الحسن في أول أيام المنصور، وأبو ذر (رحمه الله) مات في أيام عثمان فكيف يقول له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كيف بك في وقت لا يبقى إليه ؟ على أن أبا ذر رحمه الله كان معروفا بإنكار المنكر بلسانه وبلوغه فيه أبعد الغايات والمجاهرة في إنكاره وكيف يسمع من الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ما يقتضي خلاف ذلك»(1).

آراء بعض علمائنا فيمن حارب الإمام

قال الشريف المرتضى: «حكم المحاربين ومما انفردت به الإمامية القول بأن من حارب الإمام العادل وبغى عليه وخرج عن التزام طاعته يجري مجرى محارب النبي صلى الله عليه و آله وسلم وخالع طاعته في الحكم عليه بالكفر وإن اختلف أحكامهما من وجه آخر في المدافنة والموارثة وكيفية الغنيمة من أموالهم.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهب المحصلون منهم والمحققون إلى أن محاربي الإمام العادل فساق تجب البراءة منهم وقطع الولاية لهم من غير انتهاء إلى التكفير.

وذهب قوم من حشوية أصحاب الحديث إلى أن الباغي مجتهد وخطؤه يجري مجرى الخطأ في سائر مسائل الاجتهاد.

والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فإن الإمام عندنا يجب معرفته وتلزم طاعته كوجوب المعرفة بالنبي الله صلى الله عليه و آله وسلم ولزوم طاعته وكالمعرفة بالله تعالى، فكما أن جحد تلك المعارف والتشكيك فيها كفر فكذلك هذه المعرفة. وأيضا فقد دل الدليل على وجوب عصمة الإمام من كل القبائح وكل من ذهب إلى وجوب عصمته ذهب إلى تكفير الباغي عليه والخالع لطاعته والتفرقة بين الأمرين خلاف إجماع الأمة.

فإن قيل : لو كان من ذكرتم بالغًا إلى حد الكفر لوجب أن يكون مرتدًا وأن تكون

ص: 368


1- الانتصار للشريف المرتضى : 478 - 480

أحكامه أحكام المرتدين، واجتمعت الأمة على أن أحكام الباغي تخالف أحكام المرتد، وكيف يكون مرتدًا وهو يشهد الشهادتين، ويقوم بالعبادات؟

قلنا: ليس يمتنع أن يكون الباغي له حكم المرتد في الانسلاخ عن الإيمان واستحقاق العقاب العظيم، وإن كانت أحكامه الشرعية في مدافنته وموارثته، وغير ذلك تخالف أحكام المرتد، كما كان الكافر الذمي مشاركًا للحربي في الكفر والخروج عن الإيمان وإن اختلفت أحكامهما الشرعية. فأما إظهار الشهادتين فليس بدال على كمال الإيمان، ألا ترى أن من أظهرهما وجحد وجوب الفرائض والعبادات لا يكون مؤمنا بل كافرا؟ وكذلك إقامة بعض العبادات من صلاة وغيرها، ومن جحد أكثر العبادات وأوجبها من طاعة إمام زمانه ونصرته لم ينفعه أن يقوم بعبادة أخرى من صلاة وغيرها. فأما ما يذهب إليه قوم من غفلة الحشوية من عذر الباغي وإلحاقه بأهل الاجتهاد. فمن الأقوال البعيدة عن الصواب ومن المعلوم ضرورة أن الأمة أطبقت في الصدر الأول على ذم البغاة على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومحاربيه والبراءة منهم، ولم يقم لهم أحد في ذلك عذراً، وهذا المعنى قد شرحناه في كتبنا وفرعناه وبلغنا فيه النهاية، وهذه الجملة هاهنا كافية»(1).

أهل الدين وأهل الدنيا والخوارج

قال ابن عبد البر : «حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا أحمد بن

محمد بن الحجاج حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا حفص بن غياث حدثنا الثوري عن أبي قيس الأودي قال: أدركت الناس وهم ثلاث طبقات أهل دين يحبون علياً وأهل دنيا يحبون معاوية وخوارج»(2).

ص: 369


1- الانتصار للشريف المرتضى : 476 - 478
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب ليوسف بن عبد الله القرطبي : 213/3 [باب حرف العين / 1875 - علي بن أبي طالب الهاشمي]
ندم عبد الله بن عمر بن الخطاب

ومما يثبت صواب الجهاد ضد معاوية وأعوانه هو ندم واستغفار بعض الصحابة، والتابعين الذين تخلّفوا عن نصرة علي علیه السلام كابن عمر الذي ندم على عدم نصرة علي علیه السلام؛ قال فقيه السنة الحافظ الأندلسي أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي المتوفّى (سنة 463ه):

«ويروى من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر أنه قال : ما آسى على شي إلا أني لم أقاتل مع عليٍّ الفئة الباغية»(1).

وروى هذه الرواية أيضاً بسنده عن حبيب بن أبي ثابت، وعن أبي بكر بن أبي الجهم (2)

وقال أيضاً: ذكر أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني في المؤتلف والمختلف، قال:

حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا عفان بن سيار حدثنا أبو حنيفة عن عطاء قال : قال ابن عمر : ما آسى على شيء إلا على ألا أكون قاتلت الفئة الباغية على صوم الهواجر»(3).

ندم مسروق وتوبته

لقد كان مسروق من التابعين الثقات عند علماء الرجال من أهل السنة، وقد تاب

ص: 370


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 214/3 [باب حرف العين / 1875- علي بن أبي طالب الهاشمي]
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 82/3 [باب حرف العين / 1630 - عبد الله بن عمر بن الخطاب]
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 214/3 [ باب حرف العين / 1875- علي بن أبي طالب الهاشمي]

على عدم نصرته للإمام علي علیه السلام قال ابن عبد البر : «قال الشعبي: ما مات مسروق حتى تاب إلى الله من تخلفه مع القتال مع عليّ. ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في موضعها»(1).

الصنف الثامن :

مَن أبغض أهل البيت عليهم السلام

قال الحاكم النيسابوري:

«حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد بن إبراهيم الحافظ الأسدي، بهمدان، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا أبي، عن حميد بن قيس المكي، عن عطاء بن أبي رباح، وغيره من أصحاب ابن عباس، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «يا بني عبد المطلب، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم وأن يعلم جاهلكم، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بیت محمد دخل النار» [ قال الحاكم] هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه [ وفي الهامش] وافق الذهبي في التلخيص [ فقال]: على شرط مسلم»(2) .

وقال الحاكم النيسابوري أيضاً: «حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسن الأصبهاني، ثنا محمد بن بكير الحضرمي، ثنا محمد بن فضيل الضبي ، ثنا أبان بن جعفر بن تغلب عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة،

ص: 371


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : 214/3 [باب حرف العين / 1875- علي بن أبي طالب الهاشمي]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 359/3 [كتاب معرفة الصحابة ومن مناقب أهل بيت رسول الله ، ح . 4770]

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار» [قال الحاكم: ]هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»(1).

قال ابن حبان: «أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة قال : حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا أسد بن موسى :قال حدثنا سليم بن حيان عن أبي المتوكل الناجي: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار»»(2). وفي الهامش: قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن.

قال الألباني في السلسلة الصحيحة: «والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار».

أخرجه الحاكم (3 / (150) من طريق محمد بن فضيل: حدثنا أبان بن تغلب عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : فذكره، وقال: «صحيح على شرط مسلم» . قلت: وهو كماقال، وبيض له الذهبي. وتابعه هشام بن عمار : حدثنا أسد بن موسى حدثنا سليم بن حيان عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري نحوه. أخرجه ابن حبان (2246) . قلت : ورجاله ثقات على ضعف في هشام بن عمار لتلقنه»(3).

الصنف التاسع من أبغض الحسنين عليهما السلام

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن

ص: 372


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 360/3 [كتاب معرفة الصحابة/ ومن مناقب أهل بيت رسول الله ، ح . 4775]
2- صحيح ابن حبان لابن حبان : 435/15
3- السلسلة الصحيحة 5 / 643 ، ح . 2488

حنبل، حدثني أبي ، ثنا ابن نمير، ثنا الحجاج بن دينار الواسطي، عن جعفر بن إياس، عن عبد الرحمن بن مسعود، عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا فقال له :رجل يا رسول الله، إنك تحبهما ؟

فقال: «نعم، من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني» [قال الحاكم: ]«هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» [وفي الهامش] وافقه الذهبي في التلخيص [فقال]: صحيح»(1).

وقال الحاكم النيسابوري أيضاً: «أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا عبيد الله بن موسى أنا سفيان عن سالم بن أبي حفصة، قال: سمعت أبا حازم يقول: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص ويطعن في عنقه ويقول: تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك وكان بينهم شيء، فقال أبو هريرة أتنفسون على ابن نبيكم صلى الله عليه و آله وسلم بتربة تدفنونه فيها وقد سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه و آله وسلم: «من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» [قال الحاكم: ] «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » [ وفي الهامش ] وافقه الذهبي في التلخيص [ فقال]: صحیح»(2).

وقال النسائي: «أخبرنا عمرو بن منصور قال ثنا أبو نعيم قال أنا سفيان عن أبي الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من أحبهما فقد أحبني ومن

ص: 373


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 376/3 [ كتاب معرفة الصحابة/ ذكر مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول الله ح. 4838]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 381/3 [ كتاب معرفة الصحابة ومن فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب وذكر مولده ومقتله ح. 4860]

أبغضهما فقد أبغضني الحسن والحسين» (1).

وقال الترمذي : «حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَلَدٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِى عَنْ عَبْدِ الله بن أبي بكر بن زيد بن المُهَاجِرِ أَخْبَرَني بْنِ بَكْرِ زَيْدِ بْنِ مُسْلِمُ بْنُ أَبي سَهْل النَّبالُ أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بْنُ أَسَامَةَ بْن زَيْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي أَسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ طَرَقْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلى شَيءٍ لا أَدْرِي مَا هُوَ فَلَما فَرَغْتُ مِنْ حَاجَتِى قُلْتُ مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِل عَلَيْهِ قَالَ فَكَشَفَهُ فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنُ علیهما السلام عَلى وَرِكَيْهِ فَقَالَ هَذَانِ ابْنَاي وَابْنَا ابْتَنِي اللهُمَّ إني أُحِبُّهُما فَأَحِبَّهُما وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُما». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ»(2).

وقال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْجَحَافِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي يَعْنِي حَسَنًا وَحُسَيْنًا»(3). «تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي رجاله ثقات رجال الشيخين».

وقال أحمد بن حنبل أيضاً: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ یَقُولُ إِني لَشَاهِدٌ يَوْمَ مَاتَ الْحَسَنُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي»»(4). «تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن».

ص: 374


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 49 ، [ح. 8/8168 كتاب المناقب]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 496 [ كتاب المناقب / باب 31 مناقب الحسن والحسين، ح. 3769م]
3- مسند أحمد بن حنبل : 2 / 386 [2/ 288] ، [ح. 7895/ مسند أبي هريرة]
4- مسند أحمد بن حنبل : 2 / 696[2/ 531 ، . 10880 / مسند أبي هريرة]

وقال الألباني في السلسلة الصحيحة

«من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» . يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما .

[ قال الألباني]: أخرجه أحمد في المسند (2 / 440) وفي الفضائل (2 / 777 / 1376) ومن طريقه الحاكم (3 / 166) والبزار (3 / 2272 / 2627) عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة... وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا»(1) .

وفي صحيح البخاري: «حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبو عُثْمَانَ عَنْ أَسَامَةَ بْنِ زَيْدِ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ ويَقُولُ «اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُما فَأَحِبَّهُما»(2).

وقال النسائي: «أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال أنا خالد قال ثنا أشعث عن الحسن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال يعني أنس بن مالك قال دخلت أو ربما دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والحسن والحسين يتقلبان على بطنه قال ويقول ريحانتي من هذه الأمة»(3).

وقال الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفّى (سنة 275ه):

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْوَاسِطِي حَدَّثَنَا المُعَلى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِثْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ

ص: 375


1- السلسلة الصحيحة : 6 / 931 ، ح . 2895
2- صحيح البخاري : 682 [ح . 3747/ باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما - كتاب فضائل أصحاب النبي]
3- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 49، [ح. 7/8167 كتاب المناقب]

وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُما»»(1) . قال الألباني بتحقيقه لهذا الحديث: «صحيح».

وقال ابن حجر: «خاتمة فيهما أخبر به صلى الله عليه و آله وسلم مما حصل على آله و مما أصاب مسيئهم من الانتقام الشديد، وفي آداب أخرى قال صلى الله عليه و آله وسلم: «إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدًا، وإن أشد قومنا لنا بغضًا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم». صححه الحاكم، لكن فيه إسماعيل والجمهور على أنه ضعيف لسوء حفظه وممن وثقه البخاري، فقد نقل الترمذي عنه أنه ثقة مقارب الحديث، ومن أشد الناس بغضا لأهل البيت مروان بن الحكم، وكأن هذا هو سر الحديث الذي صححه الحاكم أن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه و آله وسلم فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم، فقال هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون. وروى بعده بيسير عن محمد بن زيد قال: بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان سنة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : سنة هرقل وقيصر ، فقال له مروان أنت الذي أنزل الله فيك: «وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ أَفٍ لَكُمَا»[الأحقاف : 17]، فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها، فقالت: كذب والله ما هو به ولكن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعن أبا مروان ومروانه في صلبه، ثم روى عن عمرو بن مرة الجهني - وكانت له صحبة رضي الله تعالى عنه – أن الحكم ابن أبي العاص استأذن على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فعرف صوته فقال : ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم وقليل ما هم يترفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق. قال ابن ظفر، وكان الحكم هذا يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل كذا ذكر ذلك كله الدميري في حياة الحيوان... ومر في أحاديث المهدي أنه صلى الله عليه و آله وسلم رأى فتية من بني هاشم فاغرورقت عيناه

ص: 376


1- سنن ابن ماجه: 33 [باب فضائل أصحاب رسول الله / فضل علي بن أبي طالب 1 [علیه السلام] -ح. 118] .[.

وتغير لونه ثم قال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدًا وتطريدًا»(1).

و من شواهد بغض مروان ما روى الطبراني بإسناده «عَنْ أَبي يَحْيَى، قَالَ: كُنْتُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمَرْوَانَ يَتَسابَّانِ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ يُسْكِتُ الْحُسَيْنَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَهْلُ بَيْتٍ مَلْعُونُونَ، فَغَضِبَ الْحَسَنُ، وَقَالَ: «قُلْتَ أَهْلُ بَيْتِ مَلْعُونُونَ، فَوَ اللَّه لَقَدْ لَعَنَكَ الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَنْتَ فِي صُلْبِ أَبِيكَ»(2).

منزلة الحسنين عند الرسول صلى الله عليه و آله وسلم

قال الترمذي: «حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم - يَخطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ علیهما السلام عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ «صَدَقَ اللهُ «أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَدُكُمْ فِتْنَةٌ» فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُما». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ»(3). قال الشيخ الألباني: صحيح.

وقال الترمذي أيضاً: «حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الله بن عُثْمَانَ بْنِ خُتَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدِ عَنْ يَعْلي بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم :

ص: 377


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 274 - 275 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي- الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- المعجم الكبير للطبراني: 2 / 214 . [ح. 2674 / أبو يُحيَى الْأَعْرَجُ، عَنِ الْحَسَنِ بن عَلِيٌّ رَضَي الله تَعَالَى عَنْهُ]
3- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 498/4[ كتاب المناقب / باب 31 مناقب الحسن والحسين، ح. 3774م]

«حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ». قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ»(1).

وروى الترمذي بإسناده عن حذيفة أن النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم «قال إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»

قال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل»(2)قال الألباني بتحقيقه لهذا الحديث: «صحيح».

وقال ابن ماجة: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِثْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم: «الحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا»(3). قال الألباني بتحقيقه لهذا الحديث: «صحيح».

الصنف العاشر : من حارب أهل البيت عليهم السلام

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله أحمد

بن بن حنبل، حدثني أبي، ثنا تليد بن سليمان، ثنا أبو الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نظر النبي صلى الله عليه و آله وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: «أنا حرب

ص: 378


1- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 499/4 [كتاب المناقب / باب 31 مناقب الحسن والحسين، ح. 3781م]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 500 - 501 [كتاب المناقب / باب 31 مناقب الحسن والحسين، ح. 3775م]
3- سنن ابن ماجة : 33 [ح . 118 / فضل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم» [قال الحاكم:] هذا حديث حسن من حديث أبي عبد الله أحمد بن حنبل، عن تليد بن سليمان فإني لم أجد له رواية غيرها، وله شاهد، عن زيد بن أرقم حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا أسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن صبیح، مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم ، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم، أنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام : «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(1) .

قال محمد ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير (1 / 69)عند ذكر هذا الحديث: «(حسن)»

الحادي عشر من خالف أهل البيت عليهم السلام

قال الحاكم النيسابوري: «حدثنا مكرم بن أحمد القاضي، حدثنا أحمد بن علي الأبار، ثنا إسحاق بن سعيد بن أركون الدمشقي، ثنا خليد بن دعلج أبو عمرو السدوسي، أظنه عن قتادة،عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» [قال الحاكم:] «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(2).

قال الترمذي: «حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِي حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ الأَنْمَاطِي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه و آله وسلم -

ص: 379


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 359/3 [كتاب معرفة الصحابة ومن مناقب أهل بيت رسول الله ، ح. ح. 4772،4771]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 359/3 - 360 [كتاب معرفة الصحابة/ ومن مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، ح . 4773]

فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِني قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ الله وَ عِتْرَنِي أَهْلَ بَيْتِي». قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبي ذَرِّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ.

قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ وَزَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ»(1). قال الشيخ الألباني: صحيح

وقال الترمذي أيضاً: «حَدَّثَنَا عَلَي بْنُ الْمُنْذِرِ - كُوفِي - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْل قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبي سَعِيدٍ وَالأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضي الله عَنْهُما قَالَا قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكُتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَقِ أَهْلُ بَيْنِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَي الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ »(2). قال الشيخ الألباني: صحيح

مكانة فاطمة عليها السلام عند الرسول صلى الله عليه و آله وسلم

منزلة فاطمة الزهراء عليها السلام كبيرة جدًا، فقد كان الرسول محمد صلى الله عليه و آله وسلم يعظمها ويكرمها فيقبل يدها ويجلسها في مجلسه ويقوم لها كما قال الحاكم النيسابوري:

«حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن إسحاق الصغاني، ثنا عثمان بن عمير ثنا إسرائيل، عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما، وحديثا

ص: 380


1- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 502 - 503 [كتاب المناقب / باب 32 مناقب أهل بيت النبي ، ح . 3786م]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : 4 / 503 [كتاب المناقب / باب 32 مناقب أهل بيت النبي ، ح. 3788م]

فاطمة برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وكانت إذا دخلت عليه رحب بها، وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه» [قال الحاكم: ]«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»[وفي الهامش] قال الذهبي في التلخيص كذا قال - أي: على شرط الشيخين- بل صحيح»(1).

وقال الحاكم أيضاً: «حدثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان، ببغداد، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، ثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن أبي رافع عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إنها فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها»[قال الحاكم: ]«هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه [ وفي الهامش:] وافقه الذهبي في التلخيص

[فقال]: صحیح»(2).

وقال الحاكم أيضاً: «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا شاذان الأسود بن عامر، ثنا جعفر بن زياد الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال: «كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فاطمة، ومن الرجال عليّ» [قال الحاكم : ] «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» [وفي الهامش:] وافقه الذهبي في التلخيص [ فقال]: صحيح»(3).

وقال الحاكم أيضاً: «أخبرنا زكريا بن أبي زائد عن فراس، عن الشعبي، عن

ص: 381


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 364 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله عليها السلام ، ح. 4791]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 365/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله عليها السلام ، ح. 4793]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 365/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله عليها السلام، ح. 4794]

مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، قال : وهو في مرضه الذي توفي فيه:

«يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين؟» [قال الحاكم ] هذا إسناد صحيح، ولم يخرجاه [وفي الهامش]: وافقه الذهبي في التلخيص [ فقال]: صحيح» (1).(2).

وقال مسلم في صحيحه: «حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِي حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ فَخَرَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه و آله وسلم - : «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا»»(3).

وقال البخاري :

«حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْن أبي مُلَيْكَةَ عَنِ المِسْوَرِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهما الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي»»(4).

يغضب الله لغضب فاطمة ويرضى لرضاها

وقال الحاكم النيسابوري: «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري، وأخبرنا محمد بن علي بن دحيم، بالكوفة، ثنا أحمد بن حازم بن أبي

ص: 382


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 366/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله عليها السلام ، ح.4800]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 366/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله عليها السلام ، ح.4800]
3- صحیح مسلم: 1035 [كتاب فضائل الصحابة / باب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام - ح.93 -(2449)] ، وينظر : السنن الكبرى للنسائي 5 / 97، [ح. 8370 / 6- كتاب المناقب]
4- صحيح البخاري: 678 - 684 . [ح . 3714 - 3767 /باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وباب مناقب فاطمة رضي الله عنها - كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم]، وينظر: السنن الكبرى للنسائي : 5 / 97 ، [ح. 8371 /7- كتاب المناقب ]

غرزة، قالا : ثنا عبد الله بن محمد بن سالم، ثنا حسين بن زيد بن علي، عن عمر بن علي عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم] لفاطمة : «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»

[قال الحاكم:] هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(1).

وقال الطبراني: «عن علي علیه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك»(2).

الصنف الثاني عشر: من عادى عمَّار بن ياسر

قال الطبراني : «حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا ضرار بن صرد حدثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم العمار بن ياسر : «تقتلك الفئة الباغية »»(3).

وذكر السيوطي في جمع الجوامع قوله صلى الله عليه و آله وسلم :«يا علي ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحق فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني ابن عساكر» (عن عمار بن ياسر)(4).

وقال النسائي: «وأخبرنا أحمد بن سليمان قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا العوام عن

ص: 383


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 364/3 [ كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله عليها السلام، ح. 4789]
2- المعجم الكبير للطبراني: 1 / 68 [ح.180]
3- المعجم الكبير للطبراني: 1 / 252 [ح . 947] ، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي 9 / 162 [ح. 27935 عن ابن عساكر عن زيد بن أبي أو فى / حرف الياء]، المُصَنَّف للإمام الحافظ أبي بكر عبد الرزاق: 10/ 230[11/ 239] [ح. 4873 - باب أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم]
4- جمع الجوامع الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي : 9 / 158[ح. 27903 / حرف الياء]

سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد قال كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له في القول فانطلق عمار يشكو خالدًا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فجاء خالد وعمار يشكوان فجعل يغلظ له ولا يزيده إلا غلظة والنبي صلى الله عليه و آله وسلم ساكت فبكى عمار فقال يا رسول الله ألا تراه قال فرفع النبي صلى الله عليه و آله وسلم رأسه قال : «من عادى عمارًا عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله»، قال خالد فخرجت فما كان شيء أحب إلي من رضى عمار فلقيته فرضي اللفظ لأحمد» (1).

ذكر الألباني في صحيح الجامع الصغير هذا الحديث برقم: 6386، وقال أنَّه (صحيح): «6386 (صحيح ) ( حم ن حب ك) عن خالد بن الوليد: «من عادى عمارًا عاداه الله ومن أبغض عمارًا أبغضه الله »»(2) .

وقال النسائي: «أخبرنا محمد بن غيلان قال أنا أبو داود عن شعبة عن سلمة قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن بن يزي يحدث عن أبيه عن الاشتر عن خالد بن الوليد قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :«من يعادِ عمارا يعادِه الله ومَن يسبّ عمارًا يسبه الله»(3).

وقال ابن حبان: «أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام فانطلق عمار يشكو الى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : فجعل خالد لا يزيده إلا غلظة ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ساکت قال فبكى عمار وقال: يارسول الله ألا تسمعه ؟ قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلي رأسه وقال: «من عادى عمارًا عاداه الله ومَن أبغضه أبغضه الله»قال:فخرجت فما كان شيء أحب إلي من رضا

ص: 384


1- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 73 ، [ح . 8269 2 - كتاب المناقب]
2- صحيح الجامع الصغير : ج 1 / ص 294 ، ح. 6386
3- السنن الكبرى للنسائي : 25 / 74 ، [ح .8270/ 3- كتاب المناقب]

عمار فلقيته فرضي. قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين»(1).

وقال النسائي: «أخبرنا محمد بن يحيى بن محمد قال: حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا مسعود بن سعد عن الحسن بن عبيد الله عن محمد بن شداد عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأشتر :قال كان خالد بن الوليد يضرب الناس على الصلاة بعد العصر قال: فقال خالد بعثني رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في سرية فأصبنا أهل بيت قد كانوا وحدوا فقال عمار هؤلاء قد احتجزوا منا بتوحيدهم فلم ألتفت إلى قول عمار فقال عمار أما لأخبرن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فلما قدمنا عليه شكاني إليه فلما رأى أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا ينتصر مني لا ينتصر مني أدبر وعيناه تدمعان فرده النبي صلى الله عليه و آله وسلم، ثم قال: «يا خالد لا تسب عماراً فإنه مَن سبّ عمارًا يسبه الله ومَن ينتقص عماراً ينتقصه الله ومَن سفه عماراً يسفه الله». قال خالد: فما من ذنوبي شيء أخوف عندي من تسفيهي عمارًا»(2) .

وقال أيضاً: «أخبرنا علي بن المنذر قال أنا محمد بن فضيل قال أنا الحسن بن عبيد عن محمد بن شداد عن عبد الرحمن بن يزيد عن الاشتر قال : قال سمعت خالدا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : « لا تسب عمارًا فإنه مَن يسبّ عمارًا يسبّه الله ومَن يبغض عمارًا يبغضه الله ومَن سفّه عمارًا يسفّهه الله »»(3).

وقال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ كَلَامٌ فَأَغْلَظْتُ لَهُ فِي الْقَوْلِ فَانْطَلَقَ عَمَّارٌ يَشْكُونِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم فَجَاءَ خَالِدٌ وَهُوَ يَشْكُوهُ إِلَى

ص: 385


1- صحیح ابن حبان : 15 / 556 ، [ مناقب عمار بن ياسر / ذكر إثبات بغض الله جل وعلا من أبغض عمار بن ياسر - ح . 7081]
2- السنن الكبرى للنسائي : 25 / 74 ، [ح . 4/8271 - كتاب المناقب]
3- السنن الكبرى للنسائي : 25 / 74 ، [ح 8272/ 5 - كتاب المناقب]

النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ فَجَعَلَ يُغْلِظُ لَهُ وَلَا يَزِيدُ إِلَّا غِلْظَةً وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ فَبَكَى عَمَّارٌ وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله ! أَلَا تَرَاهُ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم رَأْسَهُ قَالَ: «مَنْ عَادَى عَمَّارًا عَادَاهُ الله وَمَنْ أَبْغَضَ عَمَارًا أَبْغَضَهُ الله». قَالَ خَالِدٌ فَخَرَجْتُ فَمَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رِضَا عَمَّارٍ فَلَقِيتُهُ فَرَضِيَ قَالَ عَبْد اللَّه سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي مَرَّتَيْنِ»(1). تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

وقال البخاري: «حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْخَدَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ : انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِط يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبنَةٌ لَبنَةٌ، وَعَبَّارٌ لَبَتَيْنِ لَبنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ: «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِتَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ». قَالَ يقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بالله مِنَ الْفِتَن»(2).

وقال مسلم: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الحَسَن عَنْ أُمَّهِ عَنْ أَمْ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «تَقْتُلُ عَمارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ »(3).

وقال النسائي: «أخبرنا الحسين بن حريث قال أنا بن علية عن بن عون عن الحسن عن أمه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية»(4) .

ص: 386


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 110 [4 /89] ، [ح . 16820 / مسند الشاميين]
2- صحيح البخاري : 98 [ح . 447 / باب التعاون في بناء المسجد كتاب الصلاة]
3- صحیح مسلم: 1212 [ كتاب الفتن وأشراط الساعة / باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل/ح. 73-(2916)]
4- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 75 . [ح . 8/8275 كتاب المناقب]
اعتراف عمر بن العاص بقتل عمار بن ياسر

قال النسائي: «أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال أنا معاذ عن بن عون عن الحسن قال قال عمرو بن العاص : إني لأرجو أن لا يكون النبي صلى الله عليه و آله وسلم مات يوم مات وهو يحب رجلاً فيدخله الله النار، قالوا: قد كنا نراه يحبك قد كان يستعملك، قال: الله أعلم أحبني أم تألفني، ولكنا قد كنا نراه يحب رجلاً، قالوا: من ذاك الرجل؟ قال: عمار بن ياسر قالوا فذاك قتيلكم يوم ،صفين قال: قد والله قتلناه»(1).

قاتل عمار بن ياسر ينتظر الجائزة من معاوية

يبدو أن معاوية بن أبي سفيان وضع جائزة لمن يقتل عمار بن ياسر ولذا تخاصم عنده رجلان كلّ يدَّعي أنَّه قتله، فقد روى النسائي بسنده «عن حنظلة بن خويلد قال: كنت عند معاوية، فأتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما : أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية»(2).

وروى أيضاً بسنده: «عن حنظلة بن سويد قال جيء برأس عمار فقال عبد الله بن عمر و سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول تقتله الفئة الباغية»(3).

الصنف الثالث عشر : من أحدث وبدل بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

قال البخاري في صحيحه: «حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي وَائِلِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله : قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم : «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأُنَاوِهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِ فَأَقُولُ أَي رَبِّ أَصْحَابِ. فَيَقُولُ لَا

ص: 387


1- السنن الكبرى للنسائي: 5 /74 - 75 [ح. 8274 / 7- كتاب المناقب ]
2- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 156 [ح . 8549 / 7، كتاب الخصائص]
3- السنن الكبرى للنسائي : 5 / 157 . [ح. 550 / 8 ، كتاب الخصائص]

تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»»(1).

وقال ايضاً: «حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِي صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَربَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَليَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي، ثُمَّ يُجَالُ بَيْنِي و بَینَهُم» قَالَ أبو حازم فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً فَقُلْتُ نَعَمْ. قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: «إِنَّهُمْ مِنّي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لَمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي»»(2).

وقال البخاري أيضاً: «حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المَنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي هِلاَلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ:« بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ إِلَى النَّارِ وَالله. قُلْتُ: وَمَا شَأنُهُم ؟!.

قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ. قُلْتُ أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ. قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟!

قَالَ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى فَلاَ أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلا مِثْلُ هَمَل (3)

ص: 388


1- صحيح البخاري: 1281 [ ح. 7049/ كتاب الفتن ]
2- صحيح البخاري: 1281 . [ح. 7050 - 7051 / كتاب الفتن]
3- قال إمام السنة ابن الجوزي في كتابه كشف المشكل المطبوع في ذيل كتاب صحيح البخاري : 4 / 338: «" هَمَل»: [النعم] المهملة التي ليس معها راعٍ ولا حافظ، ولا يكاد يسلم منها من السباع وغيرها إلا القليل . وقيل : « الهمل»: ما يهمل فلا يرعى ولا يستعمل بل يترك مهملاً فيضيع ويهلك». قال الدكتور مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة جامعة دمشق «والمعنى لا ينجو من النار منهم إلا القليل. قال العيني وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة»

النَّعَمِ (1).

وقال أيضًا: «حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَة عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ – رضي الله عنهما – قَالَتْ : قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم : «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟! وَالله مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ». فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ تَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا . «أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ»[المؤمنون : 66] تَرْجِعُونَ عَلَى الْعَقِبِ»(2).

سؤال سلفي

لماذا تلعن الشيعة بني أمية قاطبة؟

الجواب

إذا كان الغرض من هذا السؤال الاعتراض على اللعن بصورة عامة، فقد أفرد باب لهذا الغرض ضمن سلسلة دليل المحاور بعنوان (اللعن في الكتاب والسنَّة) أُثْبِتَ فيه جواز اللعن لمن يستحقه، وإن أريد بهذا السؤال الاعتراض على لعن بني أمية، فجرائم بني أمية ضد الإسلام و ضد آل بیت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كثيرة قد سطرتها كتب السير والتأريخ ابتداءً من حرب معاوية وقتله أجلاء الصحابة كعمار بن ياسر وحجر بن عدي، ومحمد بن أبي بكر وغيرهم، وشتمه علي بن أبي طالب علیه السلام على المنابر ، وإصداره الأوامر بمعاقبة من يمتنع عن لعن علي علیه السلام، ثم توليته ابنه يزيد الذي قتل الحسين ابن بنت

ص: 389


1- صحيح البخاري: 1197 . [ح. 6587 / كتاب الرقاق / باب في الحوض]
2- صحيح البخاري : 1198 . [ح . 6593 / كتاب الرقاق / باب في الحوض]

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وحمل نساء أهل البيت عليهم السلام سبايا إلى الشام ورجم الكعبة بالمنجنيق، وغزا المدينة المنورة فأباحها لمدة ثلاثة أيام.

وكذلك معاداة بني أمية لآل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم أمر ظاهر، إضافة إلى كلِّ هذا فإنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان يبغض بني أمية، فقد قال الحاكم النيسابوري في مستدركه:

«و منها ما حدثناه أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا حجاج بن محمد ثنا شعبة عن أبي حمزة قال: سمعت حميد بن هلال يحدث عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة الأسلمي قال: كان أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(1) . وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.

وجاء في مسند أبي يعلى الموصي : «حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثني حجاج بن محمد حدثنا شعبة عن أبي حمزة جارهم عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة قال: «كان أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بنو أمية وثقيف وبنو حنيفة» .

قال حسين سليم أسد: إسناده حسن»(2) .

ولقد وصف الله تعالى بني أمية بأنَّهم بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ أي: أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ ،جهنّم، وذلك في قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ»«جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ»[إبراهيم / 28 ، 29].

قال الحاكم النيسابوري: «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن علي بن

ص: 390


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 390/5 [كتاب الفتن والملاحم ح. 8658]
2- مسند أبي يعلى الموصلي: 417/13 ، [ حديث أبي برزة الأسلمي/ح. 7421]

ميمون الرقي، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر عن علي علیه السلام، في قوله عز وجل «وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ»[إبراهيم / 28] قال: هم الأفجران من قريش، بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقد قطع الله دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فَمُتِّعُوا إلى حين «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(1). وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص: صحيح.

وقال الحاكم النيسابوري أيضاً: «أخبرني محمد بن المؤمل بن الحسن ثنا الفضل بن محمد بن المسيب ثنا المسيب ثنا نعيم بن حماد ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : ولد لأخي أم سلمة غلام فسموه الوليد فذكر ذلك الرسول صلى الله عليه و آله وسلم فقال : سميتموه بأسامي فراعنتكم ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد هو شر على هذه الأمة من فرعون على قومه قال الزهري : إن استخلف الوليد بن يزيد

فهو هو وإلا فالوليد بن عبد الملك.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

قال الحاكم: وهو الوليد بن يزيد بلا شك ولا مرية»(2) . وفي الهامش قال الذهبي في . التلخيص على شرط البخاري ومسلم.

وقال أحمد بن حنبل : «حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بن نمير ثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عمرو قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال ونحن عنده ليدخلن عليكم رجل

ص: 391


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 2 / 462 - 463[كتاب التفسير - من سورة إبراهيم / ح . 3393]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5/ 400 [كتاب الفتن والملاحم / ح. 8685]

لعين فو الله ما زلت وجلا أتشوف داخلا وخارجا حتى دخل فلان يعني الحكم»(1).

تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحیح علی شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن حكيم فمن رجال مسلم.

وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة فقال :« 3240 - ليدخلن عليكم رجل لعين. يعني : الحكم بن أبي العاص »

وقال الحاكم النيسابوري: «ومنها: ما حدثناه أبو أحمد علي بن محمد الأزرقي بمرو ثنا أبو جعفر محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ بمكة ثنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي مؤذن المسجد الحرام ثنا مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة»

قال: «فما رؤي النبي صلى الله عليه و آله وسلم مستجمعا ضاحكا حتَّى تُوفّي»

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(2). وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص : على شرط مسلم .

وجاء في المستدرك على الصحيحين أيضاً: «و منها ما حدثناه أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري القاضي ثنا محمد بن جعفر عن أبيه عن إسحاق بن يوسف الأزرق حدثني إسحاق بن يوسف ثنا شريك بن عبد الله عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن حلام بن جدل الغفاري قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص

ص: 392


1- مسند أحمد بن حنبل : 22 / 221 [2/ 163]، [ح. 6527 / مسند عبد الله بن عمرو بن العاص]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 1/ 389 - 390 ، [ح. 8657- كتاب الفتن والملاحم]، وينظر زاد المسير في علم التفسير

ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا قال حلام فأنكر ذلك على أبي ذر فشهد علي بن أبي طالب [ علیه السلام ] أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قاله».

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه و شاهده حديث أبي سعيد الخدري»(1). وفي الهامش: وافقه الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.

وروى الحاكم أيضاً عن : «ابن نصير الخلدي رحمه الله ثنا أحمد رحمه الله ثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري بمصر ثنا إبراهيم بن منصور الخراساني ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن سوقة عن الشعبي عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعن الحكم وولده.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه

قال الحاكم رحمه الله تعالى: ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روي وأن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم ولم يسعني فيما بيني وبين الله أن أخلي الكتاب من ذكرهم»(2).

ص: 393


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5/ 389 ، [ح. 8654-كتاب الفتن والملاحم]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 390/5 - 391، [ح. 8661-كتاب الفتن والملاحم]

ص: 394

سنَّة بني أمية في الشام

بنو أمية مَرَدُّوا على النفاق، فسنُوا سنة خالفوا بها سنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وهي بغض

آل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، وتخيير النَّاس بين اللعن ،والقتل، ولهذه المسألة شواهد كثيرة منها ما أخرج الحاكم النيسابوري بسنده:«عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، قال: كان حجر بن قيس المدري من المختصين بخدمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [علیه السلام]، فقال له عليٌّ يومًا: يا حجر إنك «تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرأ مني». قال طاوس : فرأيت حجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع ووكل به ليلعن عليًّا أو يقتل فقال حجر:

أما إن الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليًّا فالعنوه لعنه الله. فقال طاوس: فلقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال»(1).

وقال ابن حجر الهيتمي بعد ذكر هذه الرواية فهذا من كرامات علي وإخباره بالغيب(2).

واستمر البغض حتى بعد سنة ثلاثمائة للهجرة، فقد روى الذهبي في تاريخه قائلاً:

«قال أبو سليمان بن زبر: اجتمعت أنا وعشرة فيهم أبو بكر الطائي يقرأ فضائل

ص: 395


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 2/ 468 ، [ح. 3416 - كتاب التفسير تفسير سورة النحل]، وينظر زاد المسير في علم التفسير
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 198 ، [الفصل الرابع في نبذ من كلماته وقضاياه الدالة على علو قدره علما وحكمة وزهدا ومعرفة بالله تعالى]

عليّ علیه السلام في الجامع بدمشق.

قلت: هذا كان بعد الثلاثمائة ، إذ العوام بدمشق نواصب :قال فوثب إلينا نحو المائة من أهل الجامع يريدون ضربنا. وأخذ شخص بلحيتي، فجاء بعض الشيوخ، وكان قاضياً، في الوقت فخلصني وعلقوا أبا بكر فضربوه، وعملوا على سوقه إلى الوالي في الخضراء، فقال لهم أبو بكر: يا سادة، إنما في كتابي فضائل علي، وأنا أخرج لكم غداً فضائل معاوية أمير المؤمنين. واسمعوا هذه الأبيات التي قلتها الآن:

حبُّ عليٍّ كله ضَربُ***يرجف من خيفتِه القَلبُ

فمذهبي حبُّ إمام الهدى***يزيد والدين هو النّصْبُ

مَنْ غيرَ هذا قال فهوامرؤٌ***مخالفٌ ليس له لبُ

والناس من ينقَد لأهوائهم***يَسلَم وإلّا فالقَفا نَهَبُ»(1).

فالتحدث بفضائل عليٍ علیه السلام كان يعدُّ جريمة تستحق القتل في مملكة بني أمية؛

قال عز الدين ابن الأثير المتوفى سنة 630 ه:

«وروى أبو أحمد العسكري بإسناده عن عمارة بن يزيد عن عبد الله بن العلاء عن الزهري قال: سمعت سعيد بن جناب يحدث عن أبي عنفوانة المازني قال: سمعت أبا جنيدة جندع بن عمرو بن مازن قال سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وسمعته - وإلا صمتا - يقول وقد انصرف من حجة الوداع فلما نزل غدير خم قام في الناس خطيبا وأخذ بيد علي وقال: «من كنت وليه فهذا وليه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه».

قال عبيد الله : فقلت للزهري : لا تحدث بهذا بالشام وأنت تسمع ملء أذنيك سبّ

ص: 396


1- تاريخ الإسلام للذهبي : 804/7 [الطبقة الثانية والثلاثون/ 11129]

عليّ فقال: والله إن عندي من فضائل على ما لو تحدثت بها لقتلت»(1).

لقد وصل الكُرْه والعداء لعليِّ بن أبي طالب علیه السلام ذروته في عهد بني أمية، فلم يكتفوا بسبِّه، ولعنه على المنابر، وتخيير محبيه بين القتل أو لعنه، فراحوا يقتلون كلّ مَن تسمَّى باسمه.

«قال الليث : قال علي بن رباح: لا اجعل في حل من سماني عُلَيّ فان اسمي عليّ.

وقال المقرئ: كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحًا، فقال: هو عُلَيّ وكان يغضب من علي ويحرج على من سماه به»(2) .

وقال الذهبي: «عُلَيّ بن رباح ابن قصير بن قشيب ابن يينع [اللخمي]، الثقة العالم، واسمه عليّ، وإنما صغر.

فقال أبو عبد الرحمن المقرئ : كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمُه عَلِيٌّ، قتلوه، فبلغ ذلك رباحًا ، فقال : هو عُلَىّ»(3).

وقال أيضاً: «قال أبو عبد الرحمن المقرئ : كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحا، فغير اسم ابنه»(4).

ولازال أتباع النهج الأموي في بعض البلدان يسيرون بنفس هذا السلوك الشاذ

ص: 397


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير : 1 / 572 - 573 [باب الجيم والنون/ 812- جندع الأنصاري الأوسي]
2- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني : 683/5[ حرف العين من اسمه علي / 4874 علي بن رباح، وينظر : تهذيب الكمال في أسماء الرجال ليوسف بن عبد الرحمن المزي: 297/7 [باب /العين / 4694- علي بن رباح]
3- سير أعلام النبلاء للذهبي : 7 / 313 [254 / 6]، [1155 - علي بن رباح]
4- سير أعلام النبلاء للذهبي: 5 / 568 [54 / 5] ، [649- علي بن رباح]

فيقتلون كلّ من تسمَّى بعلي أو بحسن أو حسين وغيرها من أسماء الأئمة عليهم السلام .

وقد استمر حكَّام بني أمية ومريدوهم بسب أمير المؤمنين علیه السلام على المنابر والأماكن العامة لعهود طويلة؛ قال أبو الفداء «كَانَ خُلَفَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ يَسُبُّوْنَ عَلَيَّا (علیه السلام) مِنْ سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي خَلَعَ الحَسَنُ فِيْهَا نَفْسَهُ مِنَ الخِلَافَةِ، إِلَى أَوَّلِ سَنَة تِسْعِ وَتِسْعِيْنَ، آخِر أَيَّامٍ سُلَيْمانَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، فَلَها وَليَ عُمَرَ [بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ] أَبْطَلَ ذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى نُوَّابِهِ: بِإِبْطَالِهِ، وَمَا خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَبْدَلَ الْسَّبَّ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ بِقِرَاءَةِ قَوْله تَعَالَى «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ وَإِيتَائِ ذِي الْقُرْبَی وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [النَّمْلِ : 90] فَلَمْ يُسَبِّ عَلَيٌّ بَعْدَ

ذَلِكَ. وَاسْتَمَرَّتْ الخُطَبَاءُ عَلَى قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ»(1) .

ص: 398


1- تَارِيخ أَبْيِ الْفِدَاء الْمُسَمَّى (المُخْتَصَرَ فِي أَخْبَارِ الْبَشِرَ ) : 1 / 278 ، فِي بَابِ [ سَنَة 99ه]

مناقب أموية سلفية

لقد وضع بنو أمية لمعاوية مناقب واهية غير صحيحة، أثبت المحققون من علماء السنّة زيفها وعدم صحتها، فقد قال أحمد بن حنبل: بن حنبل : إن أعداء عليّ علیه السلام علي أطروا معاوية كيدًا منهم له، قال ابن حجر الهيتمي :

أخرج السلفي في الطيوريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن علي ومعاوية فقال: «اعلم أنَّ عليّاً كان كثير الأعداء فتش له أعداؤُه شيئًا فلم يجدوه فجاؤُوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدًا منهم له»(1).

وقال ابن حجر العسقلاني:(تنبيه):

عَبَّرَ الْبُخَارِي فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة بِقَوْلِهِ ذِكْر وَلَمْ يَقُلْ فَضِيلَة وَلَا مَنْقَبَة لِكَوْنِ الْفَضِيلَة لَا تُؤْخَذَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ، لِأَنَّ ظَاهِرٍ شَهَادَة ابْن عَبَّاس لَهُ بِالْفِقْهِ وَالصُّحْبَة دَالَّة عَلَى الْفَضْلِ الْكَثِيرِ ، وَقَدْ صَنَّفَ اِبْن أَبِي عَاصِمٍ جُزْءًا فِي مَنَاقِبه ، وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَر غُلَامٍ ثَعْلَب، وَأَبُو بَكْرِ النَّقَاشِ وَأَوْرَدَ اِبْن الْجُوْزِيّ فِي المَوْضُوعَات بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرُوهَا ثُمَّ سَاقَ عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصِحّ فِي فَضَائِل مُعَاوِيَةٍ شَيْء، فَهَذِهِ النُّكْتَة فِي عُدُول الْبُخَارِي عَنْ التَّصْرِيح بِلَفْظِ مَنْقَبَة إِعْتِمَادًا عَلَى قَوْل شَيْخه، لَكِنْ بِدَقِيقِ نَظَره اِسْتَنْبَطَ مَا يَدْفَع بِهِ رُءُوس الرَّوَافِضِ، وَقِصَّة النَّسَائِيِّ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَة، وَكَأَنَّهُ اِعْتَمَدَ أَيْضًا عَلَى قَوْل شَيْخه إِسْحَاقَ، وَكَذَلِكَ فِي قِصَّة الْحَاكِم. وَأَخْرَجَ اِبْنِ الْجُوْزِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْد الله بن أَحْمَد بْن حَنْبَل سَأَلَتْ أَبي مَا تَقُول فِي عَلِي وَمُعَاوِيَة ؟ فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ:

ص: 399


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 197 ، [ الفصل الثالث في ثناء الصحابة، والسلف عليه]

اِعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِيرِ الْأَعْدَاء فَفَتَشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَجِدُوا، فَعَمَدُوا إِلَى رَجُل قَدْ حَارَبَهُ فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لِعَلِيٍّ، فَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا اِخْتَلَقُوهُ لِمُعَاوِيَةَ مِنْ الْفَضَائِلِ مِمَّا لَا أَصْل لَهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضَائِل مُعَاوِيَة أَحَادِيث كَثِيرَة لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَصِحٌ مِنْ طَرِيق الإِسْنَادِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْر هما»(1).

وقال ابن تيمية: «قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات قد تعصب قوم ممن يدعى السنة فوضعوا في فضل معاوية أحاديث ليغيظوا الرافضة وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمّهِ أحاديث وكلا الفريقين على الخطأ القبيح» (2).

وقال أيضاً: «وقد صنف لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب المروانية الذي صنفه الجاحظ وطائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في ذلك كلها كذب ولهم في ذلك حجج طويلة ليس هذا موضعها»(3).

وقال الذهبي: «وقال الوزير ابن حِنزابة : سمعت محمد بن موسى المأموني - صاحب النسائي - قال : سمعت قوما ينكرون على أبي عبد الرحمن النسائي كتاب: «الخصائص لعليٍّ، وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك، فقال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن عليّ كثير ، فصنفت كتاب: «الخصائص» ، رجوت أن يهديهم الله تعالى.

ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة، فقيل له وأنا أسمع إلا تخرج فضائل معاوية ؟ فقال : أي شيء أخرج ؟ حديث: «اللهم ! لا تشبع بطنه».

ص: 400


1- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر : 131/7 [كتاب فضائل أصحاب النبي/ باب 29/ ح. 3767]
2- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 4 / 200 [فصل متابعة الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية]
3- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 4 / 180 [ الرد على كلام الرافضي عن معاوية]

فسكت السائل»(1).

ويشير النسائي إلى الحديث الذي رواه مسلم وهو:

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَتَزِيُّ ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابنِ المُثَنَّى)قَالا: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصَّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ. قَالَ: فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطَّأَةً وَقَالَ: «اذْهَبْ وَادْعُ لي مُعَاوِيَةَ». قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: «اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ». قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: «لاَ أَشْبَعَ الله بَطْنَهُ»»(2) .

قال الحافظ أبو الفداء ابن كثير الدمشقي المتوفّى(سنة: 774ه):

«روى البيهقي عن الحاكم، عن علي بن حمشاد، عن هشام بن علي، عن موسى بن إسماعيل: حدثني أبو عوانة عن أبي حمزة سمعت ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله قد جاء فقلت ما جاء إلا إلي، فذهبت فاختبأت على باب، فجاء

فحطاني حطوة وقال : اذهب فادع لي معاوية - وكان يكتب الوحي - قال: فذهبت فدعوته له فقيل : إنه يأكل فأتيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقلت : إنه يأكل ، فقال : اذهب فادعه لي، فأتيته الثانية، فقيل إنه يأكل، فأتيت رسول الله فأخبرته فقال في الثانية: لا أشبع الله بطنه، قال: فما شبع بعدها قلت وقد كان معاوية لا يشبع بعدها، ووافقته هذه الدعوة في أيام إمارته فيقال: إنه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاما بلحم، وكان يقول: والله لا أشبع وإنما أعيى»(3).

ص: 401


1- سير أعلام النبلاء للذهبي : 197/11[343/9] ، [ الطبقة السابعة عشر / النسائي أبو عبد الرحمن بن شعيب بن علي]
2- صحیح مسلم : 1092 [ كتاب البر والصلة والآداب / ح . 96 - (2604)]
3- البداية والنهاية لابن كثير : 4 / 568 [4 / 360]

وقال المباركفوري: «اِعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَصِحُ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُما . وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ جُزْءًا فِي مَنَاقِبِهِ ، وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ وَأَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، وَأَوْرَدَ ابْنُ الْجُوْزِي فِي الْمَوْضُوعَاتِ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرُوهَا ثُمَّ سَاقَ عَنْ إِسْحَاقَ بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَصِحَ فِي فَضَائِل مُعَاوِيَةَ شَيْءٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجُوْزِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الله بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ سَأَلْت أَبِي مَا تَقُولُهُ فِي عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةَ، فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: اِعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِيرَ الْأَعْدَاءِ فَفَتَشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَجِدُوا فَعَمَدُوا إِلَى رَجُلٍ قَدْ حَارَبَهُ فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لِعَلِيٍّ فَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا اخْتَلَقُوهُ لِمُعَاوِيَةَ مِنْ الْفَضَائِلِ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ. كَذَا فِي الْفَتْحِ»(1).

ص: 402


1- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري: 10 / 231

كاتب الوحي

يحاول البعض جاهداً افتعال بعض الفضائل التي لا أهمية أو لا واقع لها، ليدافع بها عن هواه، وما يهواه مخالفاً بذلك النصوص الصريحة الصحيحة التي لا تتماشى مع الواقع المفتعل، ومن تلك الفضائل المزعومة قولهم: إنّ معاوية بن أبي سفيان كان كاتباً للوحي، وأنَّه خال المؤمنين، وفي الحقيقة إن كلا الأمرين لا أهمية لهما إذا كان صاحبهما عاصياً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم، لأن من كتَّاب الوحي من ارتد عن الإسلام، وهو رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ (1).

ص: 403


1- جاء في صحيح مسلم : 1166 [ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم / ح. 14- (2781)]: «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ : فَرَفَعُوهُ . قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ يُحَمَّدِ فَأُعْجِبُوا بِهِ فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللَّهُ عُنْقَهُ فِيهِمْ فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتِ الأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذَا». وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية : 569/4 - 570 [ 4/ 361 ]: «قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن أنس أن رجلاً كان يكتب للنبي صلى الله عليه و آله وسلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عز فينا يعني عظم ، فكان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يملي عليه غفوراً رحيما فيكتب عليماً حكيماً فيقول له النبي صلى الله عليه و آله وسلم : اكتب كذا وكذا فيقول أكتب كيف شئتُ ويملي عليه عليمًا حكيًا فيكتب سميعًا بصيرًا فيقول اكتب كيف شئتُ قال : فارتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين، وقال أنا أعلمكم بمحمد وإني كنت لا أكتب إلا ما شئتُ فمات ذلك الرجل، فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم إن الأرض لا تقبله. قال أنس: فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذاً، فقال أبو طلحة ما شأن هذا الرجل؟! قالوا: قد دفناه مرارًا فلم تقبله الأرض. وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجوه».

وآخر اسمه عبد الله بن أبي سرح (1)، وكان أخو عثمان بن عفان من الرضاعة(2). فلم تنفعه الكتابة لأنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أمر بقتله.

وكذلك لا أهمية للقب المفتعل، أعني : (خال المؤمنين) إذا كان صاحبه عاصياً الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم ، كما كان عم رسول الله أبو لهب كافراً، فأنزل الله تعالى به «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ»«مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ»«سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ»[ المسد/ 1-3].

ص: 404


1- جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم : 3/ 265 [كتاب المغازي والسرايا/ح. 4416]: «حدثنا بكر بن محمد الصيرفي، بمرو، حدثنا إبراهيم بن هلال، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان عبد الله بن أبي سرح يكتب لرسول الله الله فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن يقتل، فاستجار له عثمان فأجاره رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم» «صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه» [وفي الهامش] وافقه الذهبي في التلخيص على شرط البخاري»
2- راجع المستدرك على الصحيحين للحاكم : 3/ 265 [كتاب المغازي والسرايا/ ح. 4417]

هل كان معاوية كاتبا للوحي؟

لم يثبت في الصحيح أن معاوية كان كاتباً للوحي، وقد استدلُّوا على ذلك برواية في مسلم أثبت علماء السنَّة عدم صحتها والرواية هي:

«حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ المُعَقِرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا النَّفْرُ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ الْيَمَامِيُّ - حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلِ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ المُسْلِمُونَ لاَ يَنْظُرُونَ إِلى أَي سُفْيَانَ وَلا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم يَا نَبِيَّ الله ! ثَلاثٌ أَعطِنِيهِنَّ؟

قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجَلُهُ أُمُّ حَبيبَةَ بنتُ أي سُفْيَانَ أَزَوِّجُكَهَا. قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: وَتُؤَمِّرُني حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَما كُنْتُ أُقَاتِلُ المُسْلِمِينَ. قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ أَبُو زُمَيْلِ : وَلَوْلا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وسلم مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْئَلُ شَيْئًا إِلا قَالَ «نَعَمْ»»(1).

وقد ردَّ النووي على هذا الحديث وأثبت عدم صحته، فقال:

«وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْأَحَادِيثِ المُشْهُورَة بِالْإِشْكَالِ، وَوَجْه الْإِشْكَال أَنَّ أَبَا سُفْيَان إِنَّما أَسْلَمَ يَوْم فَتح مَكَة سَنَةٍ ثَمَان مِنْ الهِجْرَة، وَهَذَا مَشْهُورٍ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَكَانَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَدْ تَزَوَّجَ أَمْ قَبْل ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيل. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةٍ وَخَلِيفَة بْن خَيَّاط وَابْن الْبَرْقِيّ وَالْجُمْهُور: تَزَوَّجَهَا سَنَة سِتّ، وَقِيلَ : سَنَة سَبْع قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٍ :

ص: 405


1- صحیح مسلم : 1057 . [ح . 168 - (2501)كتاب فضائل الصحابة / باب من فضائل أبي سفيان بن حرب]

وَاخْتَلَفُوا أَيْنَ تَزَوَّجَهَا؟ فَقِيلَ : بِالمُدِينَةِ بَعْد قُدُومهَا مِنْ الْحَبَشَة، وَقَالَ الجُمْهُور: بِأَرْضِ الْخَبَشَة قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا هُنَاكَ؟ فَقِيلَ : عُثْمان، وَقِيلَ : خَالِدِ بْن سَعِيد بْن الْعَاصِي بِإِذْنِهَا، وَقِيلَ : النَّجَاشِي لِأَنَّهُ كَانَ أَمِير الموضع وَسُلْطَانَه. قَالَ الْقَاضِي: وَالَّذِي فِي مُسْلِمٍ هُنَا أَنَّهُ زَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَان غَرِيب جِدًّا. وَخَبَرَهَا مَعَ أَبِي سُفْيَان حِين وَرَدَ المَدِينَة فِي حَالَ كُفْرِه مَشْهُور. وَلَمْ يَزِدْ الْقَاضِي عَلَى هَذَا. وَقَالَ ابْن حَزْمٍ: هَذَا الْحَدِيث وَهُم مِنْ بَعْض الرُّوَاة ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن النَّاسِ أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم تَزَوَّجَ أُمّ حَبِيبَة قَبْل الْفَتْح بِدَهْرِ ، وَهِيَ بِأَرْضِ الخَبَشَة، وَأَبُوهَا كَافِرِ. وَفِي رِوَايَة عَنْ ابْن حَزْمٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: مَوْضُوع قَالَ: وَالْآفَة فِيهِ مِنْ عِكْرِمَةَ بْن عَمَّارِ الرَّاوِي عَنْ أَبِي زُمَيْلِ. وَأَنْكَرَ الشَّيْحَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاح رَحِمَهُ الله هَذَا عَلَى إِبْن حَزْمٍ، وَبَالَغَ فِي الشَّنَاعَةِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلِ مِنْ جَسَارَتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ هَجُومًا عَلَى تَخْطِئَة الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ، وَإِطْلَاقِ اللَّسَان فِيهِمْ. قَالَ: وَلَا نَعْلَم أَحَدًا مِنْ أَئِمَّة الحَدِيث نَسَبَ عِكْرِمَةَ بْن عَمَّارٍ إِلَى وَضْع الحَدِيث، وَقَدْ وَثَقَهُ وَكِيعٍ وَيَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْرهمَا، وَكَانَ مُسْتَجَاب الدَّعْوَة. قَالَ: وَمَا تَوَهَّمَهُ ابْن حَزْمٍ مِنْ مُنَافَاةَ هَذَا الْحَدِيث لِتَقَدم زَوَاجِهَا غَلَط مِنْهُ وَغَفْلَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّهُ سَأَلَهُ تَجْدِيد عَقْدِ النِّكَاحَ تَطْبِيبًا لِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يَرَى عَلَيْهَا غَضَاضَة مِنْ رِيَاسَتهُ وَنَسَبهِ أَنْ تُزَوَّج ابْنَتَه بِغَيْرِ رِضَاهُ، أَوْ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ إِسْلَام الْأَبِ فِي مِثْل هَذَا يَقْتَضِي تَجْدِيد الْعَقْد، وَقَدْ خَفِيَ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا عَلَى أَكْبَر مَرْتَبَة مِنْ أَبِي سُفْيَان مِمَّنْ كَثُرَ عِلْمه وَطَالَتْ صُحْبَته . هَذَا كَلَام أَبِي عَمْرُو رَحِمَهُ اللهُ، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم جَدَّدَ الْعَقْدِ، وَلَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانِ إِنَّهُ يَحْتَاجِ إِلَى تَجْدِيدِهِ، فَلَعَلَّهُ صلى الله عليه و آله وسلم أَرَادَ بِقَوْلِهِ : نَعَمْ أَنَّ مَقْصُودك يحصل وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَقِيقَةِ عَقْده»(1).

وقال الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي المتوفّى(سنة: 748ه) في

ص: 406


1- شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 295/16 - 296 [40-باب من فضائل أبي سفيان بن حرب / ح. 168-(2501)]

ترجمة عكرمة بن عمار أبي عمار العجليّ اليماميّ :

«وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلاً منكراً عن سماك الحنفي، عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان»(1) .

وبناء على ما تقدَّم يسقط الاحتجاج بهذا الحديث، فلا يصح ما جاء فيه من كون معاوية كاتباً للوحي، وقد تقدم أن منصب كاتب الوحي لا أهمية له طالما كان صاحبُهَ عاصياً لله تعالى كعبد الله بن أبي سرح.

ص: 407


1- میزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي : 116/5 [حرف العين عكرمة - 5719]

ص: 408

هل كان معاوية فقيها ؟

المناقب التي وضعها بنو أمية لمعاوية الفقه، فقد زعموا أنَّه كان فقيهاً، والذي و من يدل على كذب هذا الادِّعاء أمور كثيرة نكتفي منها بشهادة عبد الله بن عباس الَّذِي وصف معاوية بأنّه ،حمار، قال الطحاوي

«أَنَّ أَبَا غَسَّانَ مَالِكَ بْنَ يَحْيَى الْهُمْدَانِيَّ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ تَتَحَدَّثُ حَتَّى ذَهَبَ هَزِيعٌ مِنْ اللَّيْلِ، فَقَامَ مُعَاوِيَةُ، فَرَكَعَ رَكْعَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ أَيْنَ تُرَى أَخَذَهَا الحِمارُ»(1).

وأمَّا الرواية التي قال بها ابن عباس: «أصاب معاوية» فلم يقبلها الطحاوي على ظاهرها بل علّق عليها قائلاً: «وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ«أَصَابَ مُعَاوِيَةُ» عَلَى التَّقِيَّةِ لَهُ، أَيْ أَصَابَ فِي شَيْءٍ آخَرَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِهِ، وَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ – عِنْدَنَا - أَنْ يَكُونَ مَا خَالَفَ فِعْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله و سلم الَّذِي قَدْ عَلِمَهُ عِنْدَهُ صَوَابًا»(2). أي : أن ابن عباس يريد بقوله هذا التقية وأنه استعمل أسلوب التورية فيقصد أنَّ معاوية أصاب في شيء آخر غير هذا

ص: 409


1- شرح معاني الآثار : 376/1 [ح. 1677 - كتاب الصلاة / باب الوتر ركعة من آخر الليل]
2- شرح معاني الآثار : 1 / 376 . [ح . 1678 - كتاب الصلاة / باب الوتر ركعة من آخر الليل]

ص: 410

الخاتمة

لقد أُثبت في هذا الباب وجوب البراءة من أعداء الله تعالى بذكر الآيات القرآنية، والأحاديث الصريحة ،والصحيحة، وأقوال بعض الصحابة والتابعين وغيرهم التي توجب البراءة من أعداء الله تعالى، وقد تمَّ تقسيم أعداء الله تعالى إلى ثلاثة عشرصنفاً تبعاً للآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية ؛ فالصنف الأوَّل: الكفار، والثاني: المنافقون والثالث: من عادى الله ورسله وملائكته والرابع من عصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم، والخامس : مَن آذى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، والسادس: من سبّ علياً علیه السلام، ، والسابع : من أبغض عليًّا علیه السلام، والثامن : من أبغض أهل البيت علیهم السلام، والتاسع من أبغض الحسنين علیهما السلام ، والعاشر : من حارب أهل البيت عليهم السلام، والحادي عشر من خالف أهل البيت عليهم السلام ، والثاني عشر : من عادى عمار بن ياسر ، والصنف الثالث عشر : من أحدث وبدل بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فكل هؤلاء يجب البراءة منهم، فلا يمكن الجمع بين الولاء لمن غيّر وبدَّل سنَّة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، وبين من ثبت عليها، كما لا يمكن الجمع بين الولاء لمن عصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم وبين من اتَّبع الله تعالى ورسولهصلى الله عليه و آله و سلم، كما لا يمكن الجمع بين من أبغض عليًّا علیه السلام أو شتمه أو حاربه وبين مَن والاه وناصره، لأنَّ ذلك يعد من الجمع بين الأمرين المتناقضين وهو محال . فلا يمكن الجمع بين حبّ معاوية وحبّ عليّ علیه السلام. خصوصًا إذا عرفنا أنَّ معاوية قد خالف سنة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم، في مناسبات عديدة، يستحق البراءة الله تعالى منه ومن أفعاله كشربه الخمر أيام حكومته، ويبيعها، وتعامله بالربا، كما تقدم بيانه، وهذه هي أفعال الظالمين الذين ظلموا أنفسهم، وتعدوا حدود

ص: 411

الله ، قال تعالى «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»[الطلاق/ 1]، وقد نهى الله تعالى من الركون إلى الظالم، وأوعد عليه بقوله: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ»[هود/ 113]، فلا ازدواجية في الولاء بعد هذا النهي الصريح .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 412

الباب الرابع: مامة الأئمة الاثنى عشر في الكتاب والسنة

اشارة

ص: 413

ص: 414

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، أمَّابعد فيُعد هذا الباب تكملة لدليل المحاور في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام الذي جمعنا فيه أدِلَّة ولايته وخلافته بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من القرآن، وكتب السنة وصحاحها المعتبرة عند أهل السنة، والمعني هنا في هذا الكُرّاس إثبات إمامة الأئمة الإثني عشر بالإعتماد على كتب السنة وتفاسيرهم آملين أن نكون قد قدَّمنا للمحاور أهم ما يحتاجه من الأدلة النقلية للحوار حول إثبات إمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام، وقبل الشروع في الموضوع لابدَّ من تمهيد لموضوع الإمامة التي يختلف المسلمون في مفهومها.

ص: 415

ص: 416

تمهيد

تعريف الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية هي الولاية والسلطنة الإلهية على العباد»(1) .

فالإمامة منصب إلهي كالنبوة فكما يشترط في النبوة العصمة، كذلك يشترط في الإمام أن يكون معصوماً، وطريق تعيين الإمام هو النص أو ما يقوم مقامه، لأنّ العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى، فلا بدّ مِنْ نَصٍّ على الإمام، أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه ، ولا يجوز أن يكون النبي أو الإمام، غير معصوم ؛ أي: مرتكبا للذنوب أو المعاصي لقوله تعالى: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَهِمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ»[البقرة/ 124] في جواب إبراهيم حين طلب الإمامة ،لذريته، وغير المعصوم ظالم بل من ارتكب معصيةً مسقطةً للعدالة مع عدم التوبة والإصلاح، فلا ينال عهد الإمامة أو النبوة إلا المعصوم، وكما أن النبي ليس بمجتهد بل هو مبلغ لما أمره الله تعالى بإبلاغه بالوحي، كذلك الإمام فهو مبلغ لما أخذه وتعلمه من النبي.

والغرض من نصب الإمام حفظ الشريعة وإقامة الدين وردع الظالم عن ظلمه والإنتصاف للمظلوم منه، فلو جاز أن يكون غير معصوم يجوز منه الخطأ والغلظ والسهو والنسيان لكان ذلك نقضاً للغرض من نصبه.

ص: 417


1- الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية للشيخ محمد جميل : 2 / 12 ، دار الفقه للطباعة والنشر، ط. الأولى؛ 1425ه

وأيضاً: لو صدرت من الإمام معصية فإن أُطيع بها كانت إطاعته معصية الله، وإن أنكر عليه وقعت الفتنة والضرر العظيم، حيث سينكر عليه في غيرها وإن كانت طاعة، وهذا نقض الغرض من نصبه.

والعصمة لا يعلمها إلا الله، ولذا نجد أن أمر تشخيص الإمام وتعيينه خارج حدود البشر وقابلياتهم وتفويض النصب إلى الخلق يوجب الإختلاف ويؤدي إلى الضرر المطلوب زواله. فتعيين الإمام يكون بأمر الهي لأنَّ الإمامة عندنا في الولاية والسلطنة والقيادة الإلهية على العباد ، وليس من شروط وجوبها بسط السلطة والقيادة السياسية لها، بل القيادة السياسية من شؤنها، فيمكن للإمام المعصوم علیه السلام السعي لبسط يده عليها في حال عدم التزام الناس بها، فعليه لايقدح بالإمامة والولاية الإلهية كون المعصوم لم تُهيَّأ له الظروف للقيادة السياسية على الناس.

وأمَّا رأي السنة في الإمامة و الخلافة فهو لا يتعدى كونها قيادة سياسية، وأنَّ الوصول لها يكون عن طريق الإنتخاب، والشورى، أو الاستلاء بالقوَّة، أو الوراثة، أو الوصية كما هو واضح من تطبيقاتها العملية المضطربة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ويشترطون في الخليفة العدالة والعلم بالمعنى المتعارف و يعتقدون أنها من فروع الدين، وهي عندنا أصل من أصول الدين، ومعرفة الإمام لازمة، فقد روى الطبراني بإسناده

عَنْ شُرَيْحٍ بن عُبَيْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ ميْتَةً جَاهِلِيَّةً»(1).

قال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(2)

ص: 418


1- المعجم الكبير للطبراني: 329/8 [ح. 16277 / شَرَيْحٍ بن عُبَيْدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ]
2- مسند أحمد بن حنبل : 42 / 119 [4/ 96] ، [حديث: 16882]

فحال الإمامة في هذا المعنى حال النبوة حيث إن عدم بسط يد النبي صلى الله عليه و آله وسلم على السلطة السياسية على الناس لا يقدح بنبوته كذلك الحال بالنسبة للإمامة، فلا فرق بين المسلمين كافة في كون نبوة نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم عالمية أي بعث للعالم أجمع فلا يقدح بنبوته للعالم أجمع عدم تهيئة الظروف الملائمة له لقيادة العالم سياسياً.

ص: 419

ص: 420

أدلة إمامة الأئمة الإثني عشر في القرآن الكريم

اشارة

لقد وردت آيات عديدة في القرآن الكريم ذكر المفسّرون، وغيرهم من علماء السنة أنها نزلت في شأن أهل البيت علیهم السلام، وهي تصرح بوجوب إتباعهم، وطاعتهم، وفيها دلالات ظاهرة على ولايتهم بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

الآية الأولى :

فسرت بأن الأئمة الإثني عشر حبل الله تعالى الذي أُمرنا بالإعتصام به.

قال ابن حجر الآية الخامسة : قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ»[آل عمران / 103] أخرج الثعلبي في تفسيرها عن جعفر الصادق علیه السلام أنه قال: «نحن حبل الله الذي قال الله فيه واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»(1).

وروى الحاكم الحسكاني في تفسير الآية المتقدمة بسنده «179 -... عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :«من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال عليّاً وليأتمّ بالهداة من ولده»» (2).

ص: 421


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، و تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت . 427ه) : 3/ 163 [ سورة آل عمران الآيات: 130 - 138] ، و شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 202 [ح . 182]، و نور الابصار في مناقب آل النبي المختار للشبلنجي: 1 / 434.
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 201

أيضاً وروى بسنده ( 180 -... عن جعفر بن محمد قال: «نحن حبل الله الذي قال الله: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا» الآية ، فالمستمسك بولاية علي بن أبي طالب المستمسك بالبر فمن تمسك به كان مؤمنا ومن تركه كان خارجا من الايمان»»(1)

الآية الثانية :

تدل على انَّ الله تعالى أتى الأئمة الإثني عشر مِنْ فَضْلِهِ مَا يحسدون عليه.

قال ابن حجر: «الآية السادسة قوله تعالى : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»[النساء/ 54] ، أخرج أبو الحسن المغازلي عن الباقر علیه السلام أنه قال في هذه الآية نحن الناس والله»(2). وفي شواهد التنزيل روى الحسكاني بسنده عن جعفر بن محمد في تفسير هذه الآية قال: «نحن المحسودون»(3).

الآية الثالثة :

فسّرت بأنَّ الأئمة الإثني عشرعلیهم السلام أمان لأهل الأرض

قال ابن حجر: «الآية السابعة : قوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فيهم»[الأنفال/ 33]، أشار إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته وإنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو أماناً لهم وفي ذلك أحاديث كثيرة... وفي رواية صححها الحاكم

ص: 422


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي : 1 / 202
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، و نور الابصار في مناقب آل النبي المختار للشبلنجي : 1 / 434
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحَسْكاني الحنفي : 1 / 217 - 219 [ح. 197، 199]

على شرط الشيخين: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ... »(1) .

وقال أيضاً: «الحديث الثاني عشر : أخرج أبو يعلى عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي»»(2)

وأخرج الحاكم النيسابوري بسنده بطريقين عن جابر ، و عن محمد بن المنكدر «قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ»[الزخرف/ 61]، فقال:«النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنتُ، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون» [قال الحاكم: ] «صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(3).

ونقل ابن حجر عن بعض علماء السنة قوله: «إن الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته لأنهم يساوونه في أشياء مر عن الرازي بعضها ولأنه قال في حقهم اللهم إنهم مني وأنا منهم ولأنهم بضعة منه بواسطة أن

ص: 423


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، وقارن: المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 359 - 360 [ح. 4773 - كتاب معرفة الصحابة/ ذكر مناقب أهل بيت رسول الله ، وكنز العمال للمتقي الهندي : 12 / 147 [كتاب الفضائل / فضل أهل البيت- ح. 34184]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر : 283 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الثاني]، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للعلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت . 694ه) : ص 26 ، وكنز العمال للمتقي الهندي 12/ 47 [كتاب الفضائل/ فضل أهل البيت- ح. 34183]
3- المستدرك على الصحيحين : 3 / 55 و 4 / 172 [ ح .3727 - كتاب التفسر/ تفسير سورة حم الدخان، وح. 6024- تابع كتاب معرفة الصحابة/ ذكر مناقب أبي أيوب الأنصاري]، وكنز العمال للمتقي الهندي: 47/12 [كتاب الفضائل / فضل أهل البيت - ح. 34185]

فاطمة رضي الله عنها أمهم بضعته فأقيموا مقامه في الأمان»(1).

روى أحمد بن حنبل بسنده «عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».»(2)

قال ابن حجر: وقال بعضهم يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان علماؤهم لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون وذلك عند نزول المهدي لما يأتي في أحاديثه أن عيسى يصلي خلفه ويقتل الدجال في زمنه وبعد ذلك تتتابع الآيات بل في مسلم أن الناس بعد قتل عيسى للدجال يمكثون سبع سنين ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو إيمان إلا قبضه فيبقى شرار في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا...

قال ويحتمل وهو الأظهر عندي أن المراد بهم سائر أهل البيت فإن الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته لأنهم يساوونه في أشياء مر عن الرازي بعضها ولأنه قال في حقهم اللهم إنهم مني وأنا منهم ولأنهم بضعة منه بواسطة أن فاطمة رضي الله عنها أمهم بضعته فأقيموا مقامه في الأمان انتهى

ص: 424


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل: 356، [ح. 269]، والصواعق المحرقة لابن حجر: 234 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم ؛ الآية السابعة]، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للعلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت . 694ه) : ص 27، وينابيع المودة لسليمان القندوزي الحنفي: 26/1 [ الباب الثالث: في بيان دوام الدنيا بدوام أهل بيته]

ملخصا...»(1)

الآية الرابعة :

تدلّ على أنَّ اللهَ غَفَّارٌ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى لولاية أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم

«وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»

قال ابن حجر: «الآية الثامنة : قوله تعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»[طه/ 82] ، قال ثابت البناني : اهتدى إلى ولاية أهل بيته صلی الله علیه و آله و سلم، وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضاً»(2) .

و روى الحاكم الحسكاني بإسناده (518_ ... عن أبي جعفر في قوله تعالى: «ثُمَّ أَهْتَدَى» قال: «إلى ولايتنا أهل البيت»(3).

الآية الخامسة :

اشارة

الأئمة عليهم السلام هم أصحاب اليمين

«إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ»«نَذِيرًا لِلْبَشَرِ»«لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ»«كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»«إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ»[المدثر / 35-39]

ص: 425


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 - 235 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر 235 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، وانظر: زاد المسير في علم التفسير لإبن الجوزي: 5/ 229 [ سورة طه / الآيات : 77 - 82]
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 572

روى الحاكم الحسكاني الحنفي(1) بإسناده عن أبي جعفر في قول الله تعالى: «إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ» قال نحن وشيعتنا أصحاب اليمين. و(رواه) السبيعي عن مطين بالاجازة»(2). وكذا ذكره جماعة من المفسرين بأسانيد مختلفة(3).

الآية السادسة :

ورد في تفسيرها أنَّ الأئمة علیهم السلام يؤذن لهم يوم القيامة بالكلام ي«يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا»[ النبأ / 38] .

روى الحاكم الحسكاني بإسناده ((1078 -... عن أبي حمزة الثمالي، قال: دخلت على محمد بن علي [ف]قلت [له] يا ابن رسول الله حدثني بحديث ينفعني.

قال: «يا أبا حمزة كل يدخل الجنة إلا من أبى». قلت: [هل يوجد] أحد يأبى [أن]

ص: 426


1- قال الذهبي: «الحسكاني القاضي المحدث أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن احمد بن محمد بن احمد بن محمد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحاكم ويعرف بابن الحذاء الحافظ شیخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث وهو من ذرية الأمير عبد الله بن عامر بن كريز الذي افتتح خراسان زمن عثمان وكان معمرا عالي الإسناد صنف في الأبواب وجمع وحدث عن جده احمد وعن أبي الحسن العلوي وأبي عبد الله الحاكم وأبي طاهر بن محمش وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وأبي الحسن بن عبدان وابن فجويه الدينوري وأبي الحسن علي بن السقاء وأبي عبد الله بن باكويه وخلق وينزل الى أبي سعيد الكنجرودي ونحوه اختص بصحبة أبي بكر بن الحارث الأصبهاني النحوي وأخذ عنه وأخذ أيضا عن الحافظ احمد بن علي بن منجويه وتفقه على القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد ...» تذكرة الحفاظ - ج 3 ص 258 ..
2- (26) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2 / 453 [ ح . 1048]
3- (27) انظر: الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي (ت . 671ه) : 19 / 60 [المدثر / 39]، تصحيح الشيخ هشام سمير البخاري والكشف والبيان ( تفسير الثعلبي): 10 / 77[سورة المدثر، الآيات / 32-56]

يدخل الجنة ؟ ! قال: «نعم، من لم يقل لا إله إلا الله محمد رسول الله» .

قلت : إني تركت المرجئة والقدرية والحرورية وبني أمية يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فقال: «أيهات أيهات(1) إذا كان يوم القيامة سلبهم الله إياها فلم يقلها إلا نحن وشيعتنا، والباقون منها براء، أما سمعت الله يقول :«يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا» [ يعني ] من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم»» (2).

الآية السابعة :

وصفت الرسول صلی الله علیه و آله و سلم بالشمس ، وعلي علیه السلام بالقمر، والحسن والحسين عليهما السلام بالنهار.

«وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا»«وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا»«وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا»«وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا»[الشمس / 1-4] .

روى الحاكم الحسكاني بإسناده (1103 -... عن ابن عباس في قول الله تعالى: «وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا». قال : [ هو ] رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا» . قال : علي بن أبي طالب «وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا» . قال : الحسن والحسين «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا». قال : بنو أمية»(3).

وروى أيضاً بسنده «931 -... عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إذا فقدتم الشمس فأتوا القمر، وإذا فقدتم القمر فأتوا الزهرة، فإذا فقدتم الزهرة فأتوا الفرقدين»

قيل : يا رسول الله ما الشمس؟ قال: «أنا».

ص: 427


1- أيهات أيهات لغة في هيهات هيهات
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 489
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي 2 / 503

قيل : ما القمر ؟ قال: «علي».

قيل . ما الزهرة؟ قال : «فاطمة عليها السلام » .

قيل : ما الفرقدان؟ قال: «الحسن والحسين عليهما السلام»(1).

الآية الثامنة :

تصف الأئمة عليهم السلام بالنعيم

«ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»[التكاثر / 8] .

روى الحاكم الحسكاني بإسناده (1160 - حدثونا عن أبي بكر [محمد بن الحسين بن صالح ] السبيعي [قال :] حدثنا علي بن العباس المقانعي، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين، حدثنا حسن بن حسين [قال : ] حدثنا أبو حفص الصائغ [ عمر بن راشد]، عن جعفر بن محمد في قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ». قال: نحن النعيم. وقرأ «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ» .

1162 - [ وأيضا قال فرات ] حدثني علي بن محمد بن مخلد الجعفي، حدثنا إبراهيم بن سليمان، حدثنا عبيد بن عبد الرحمان التيمي حدثنا أبو حفص الصائغ قال: قال عبد الله بن الحسن [ في قوله تعالى ]: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»[قال : يعني ] عن ولايتنا والله يا أبا حفص»(2).

الآية التاسعة :

وصفت النبي صلى الله عليه و آله وسلم وعليًّا علیه السلام بقطع الأرض المتجاورة

ص: 428


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 337
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2/ 553 - 554

«وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ»[الرعد / 4]

قال الإمام أبو إسحاق أحمد الثعلبي (ت . 427ه) «عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول لعلي كرم الله وجهه: «الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة» ثم قرأ النبي صلى الله عليه و آله وسلم «وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ» حتى بلغ «يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ»(1).

وروى الحاكم الحسكاني بإسناده «... عن أبي أمامة الباهلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: « إن الله خلق الانبياء من شجر شتى وخلقت [أنا] وعليٌ من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ هوى، ولو أن عابدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام، حتى يصير كالشنّ البالي ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار»، ثم تلا «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»[الشورى/ 23]»(2).

الآية العاشرة :

فُسِّرَتْ بأنَّ الأئمة هم أولو الأمر وتجب طاعتهم كما تجب طاعة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وذلك في قوله تعالى : «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ»[النساء / 59].

روى الحاكم الحسكاني بإسناده «204 - ... عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:

«شركائي الذين قرنهم الله بنفسه وبي وأنزل فيهم : «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» الآية، فإن خفتم تنازعاً في أمر فارجعوه إلى الله والرسول وأولي الأمر». قلت:

ص: 429


1- الكشف و البيان تفسير الثعلبي : 20/5 [سورة الرعد] ، و الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي : 192/9 [ سورة الرعد / آية 4] ، وانظر: المعجم الأوسط للطبراني (ت . 360ه) : 3 / 151 [ من اسمه علي - ح . 4150]
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 2 / 243 - 244

يا نبي الله من هم؟ قال: «أنت أولهم »»(1) .

و روى الحاكم الحسكاني أيضاً بإسناده في تفسير قوله تعالى«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»[الأنفال/ 27].

«272- ... عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله تعالى ذكره: ي«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ»في آل محمد «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(2).

الآية الحادية عشرة:

وصفت النبي صلى الله عليه و آله وسلم بالعلامات، والأئمة علیهم السلام بالنجم

«وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»[النحل/ 16].

روى الحاكم الحسكاني بإسناده «454 - ... عن أبان بن تغلب قال: قلت لابي جعفر محمد بن علي قول الله تعالى:«وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» قال: «النجم: محمد و العلامات الأوصياء علیهم السلام»»(3).

الآية الثانية عشرة :

أئمة المتقين هم من أهل البيت عليهم السلام

«وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»[الفرقان/ 74]

روى الحاكم الحسكاني بإسناده ((579 ... عن أبان بن تغلب قال: سألت جعفر

بن محمد، عن قول الله تعالى: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ

ص: 430


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 225
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 322
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي : 1 / 499

أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»قال: «نحن هم أهل البيت»(1).

الآية الثالثة عشرة :

المستضعفون في الأرض من أهل البيت هم الأئمة وهم الوراثون

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»[القصص / 5].

روى الحاكم الحسكاني بإسناده (593- ... عن المفضل بن عمر قال سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول : «إن رسول الله نظر إلى علي والحسن والحسين فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي». قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: «معناه: أنكم الائمة بعدي إن الله تعالى يقول: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»فهذه الآية فينا جارية إلى يوم القيامة»»(2).

الآية الرابعة عشرة :

علي وأهل بيته علیهم السلام من بني هاشم هم الذين وصفوا بالعلم

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»

روى الحاكم الحسكاني بإسناده «813 – وفي [ التفسير ] العتيق : أخبرنا سعيد بن أبي سعيد البلخي، عن أبيه، عن مقاتل، عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ»[قال :] يعني ب «الَّذِينَ يَعْلَمُونَ» علياً وأهل بيته من بني هاشم «وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» . بني أمية و «أُولُو الْأَلْبَابِ» . شيعتهم»(3).

ص: 431


1- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 625
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي: 1 / 645
3- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفى : 2 / 211
شبهة مدفوعة

كيف نؤمر بإمامة الأئمة ولم يذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم؟

قد أخفى القرآن الكريم قصص و أسماء أنبياء كثيرين ومع ذلك فنحن مأمورون بالإيمان بهم، وإن لم نعرفهم أصلاً، فما العجب من عدم ذكر اسماء الأئمة في القرآن الكريم اذا كانت سنة الله قد اقتضت ذلك كما اقتضت سنته بخفاء بعض الأنبياء والصالحين لفترة معينة، بل من الأنبياء مَنْ لم نعرف من هو ولكن علينا الإيمان به؛ قال الله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ»[غافر / 78]

ص: 432

أدلة إمامة الأئمة الإثني عشر

اشارة

في الأحاديث النبوية الشريفة

الحديث الأول :

روايات عديدة بلغت حد التواتر تفيد أن الإمامة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تنحصر بإمامة اثني عشر إماماً فقط عددهم كعدد النقباء في بني إسرائيل.

أجرى الله سبحانه وتعالى سنته في أنبيائه فجعل لكل نبي أوصياء يؤدُّون عنه في حال غيابه أو موته، وتجلّت وظهرت هذه السنة في أُمَّة بني إسرائيل أكثر لتطورها ونضوجها على الأمم السابقة، وحيث إنَّ أمة بني إسرائيل تقدمت أمة خاتم الرسالات والرسل محمد كان لها الشبه الأكبر مع الأمة الإسلامية في الكثير من المسائل(1)، ومنها مسألة الوصاية والولاية حتى في العدد إذ بُعِث النقباء في بني إسرائيل اثنا عشر نقيباً؛ قال الله تعالى: «وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا»[المائدة: 12].

ص: 433


1- ركز القرآن الكريم في الكثير من الآيات والسور على بني إسرائيل وأحوالهم وما جرى عليهم ليكونوا عبرة وعضة للمسلمين لتقارب العهدين على بعضهما وتشابههما في كثير من المسائل مثل : 1 - كان بنو إسرائيل ضعفاء أذلاء يسومونهم السلاطين سوء العذاب فأنقذهم الله تعالى بنبيه موسی علیه السلام فأعزّهم، وكذا الحال بالنسبة لقوم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قبل بعثته كانوا أذلاء فأعزّهم الله بنبيه محمد صلى الله عليه و آله وسلم 2 - إنقلاب بني إسرائيل على وصايا نبيهم بمجرد غيابه بعد أن شاهدوا الآيات الباهرات منه وأعزّهم بالنصر على فرعون 3- محاولتهم لقتل وصيه هارون علیه السلام عندما أرشدهم للحق وعدم إنصياعهم للسامري

قال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا ... عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ عَبْدِ الله جُلُوسًا فِي المَسْجِدِ يُقْرِتُنَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ هَلْ حَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ خَلِيفَةٌ؟

قَالَ نَعَمْ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ »(1).

وقال الحاكم النيسابوري: «حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الحسين بن الفضل، ثنا عفان ثنا حماد بن زيد عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق، قال: كنا جلوسا ليلة عند عبد الله يقرئنا القرآن فسأله ،رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله: ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه، فقال: «اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل» «لا يسعني التسامح في هذا الكتاب عن الرواية عن مجالد وأقرانه رحمهم الله»»(2)

وقد وردت أحاديث كثيرة في مسند أحمد وصحيح مسلم وغيرهما بعضها يقوي الآخر تصرح بعدد الأئمة، ف_«عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ لَنْ يَزَالَ ظَاهِرًا عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ لَا يَضُرُّهُ مُخَالِفٌ وَلَا مُفَارِقٌ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»

قَالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»»(3).

ص: 434


1- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 527 - 528 [ حديث : 3858]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 5 / 406 [ح. 8705 -كتاب الفتن والملاحم]
3- مسند أحمد بن حنبل 5/ 105، 104 ، 116 ، 115 ، 114 ، 113 ، 106 ، 118، 119، 120 ، 122 ،121 ، 123 ، 129 ، 132 ، 131 ، 130 ،[4 / 93 ، 87 ، 94 ، 97 ، 98 ، 100 ، 99 ، 101 ، 106، 107، 108] [حديث: 20845 ، 20842، 20850،20923، 20924، 20936 ، 20952 ، 20960 ، 20961 ، 20977 ، 20979 ، 20981 ، 20982 ، 20993 ، 20991 ، 20995 ، 21005 ، 21016 ، 21020 ، 21076 ، 21089 ، 21095 ، 21106]، وصحيح مسلم: 791 [ح. 5- (1821)، 6، 7، 8، 9، 10 (1822)- کتاب الإمارة]، انظر: المعجم الكبير للطبراني: 2 / 66 ، و 68. [ح. 2026، و 2027،و 2028، /2035/ عن جابر بن سمرة]، وانظر: المعجم الأوسط للطبراني : 4 / 399 - 400 [ح. 6382 - من اسمه محمد]

وأخرج الطبراني، والترمذي بسنده «عَنْ جَابِرِ بن سَمُرَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا»، ثُمَّ أَخْفَى صَوْتَهُ، فَقُلْتُ لأبي : قَدْ سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم، يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا»، فَمَا الَّذِي أَخْفَى صَوْتَهُ؟

قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشَ»(1).

«عَن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلَامِي: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم؟

قَالَ: فَكَتَبَ إلَى: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَوْمَ جُمعَة عَشِيَّةَ رَجُمِ الْأَسْلَمِيِّ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(2)

وأخرج الطبراني بأسانيد عديدة عن «عن جابر بن سمرة قال كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقال «يكون لهذه الأمة أثنا عشر قيما لا يضرهم من خذلهم» وهمس رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بكلمة لم أسمعها فقلت لأبي الكلمة التي همس بها رسول الله صلى الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال: كلهم

ص: 435


1- المعجم الكبير للطبراني: 22 / 67 ، 68 . [ح . 2029 ، و 2030 ، و 2034، و 2036/ عن جابر بن سمرة ] ، والصواعق المحرقة لابن حجر 287 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الثاني: الحديث التاسع والثلاثون]، وانظر: المعجم الأوسط للطبراني: 3/ 3938 [ح 2922 - من اسمه علي]، والجامع الصحيح و هو سنن الترمذي: 3/ 239- 240[ح. 2223 / كتاب الفتن / باب ما جاء في الخلفاء]
2- مسند أحمد بن حنبل : 5 / 108[5 / 89] ، حدیث: 3871]، و صحیح مسلم: 792 [ح . 1821 - 1822 / كتاب الامارة - باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش]

من قريش»(1).

وهذا الحديث من المسلّمات، وليس له تطبيق معقول ومقبول إلا الائمة الاثنا عشر علیهم السلام وجاء البعض وحاول تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين او ثلاثة من بني امية واثنين او ثلاثة من بني العباس.

ان هذا تطبيق غير مقبول، وكل شخص يلاحظ هذا الحديث يجده إخباراً غيبياً من النبي صلى الله عليه و آله وسلم عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الائمة الاثني عشر علیهم السلام.

و صرّح ابن كثير بأنَّ المهدي من هؤلاء الأئمة الإثني عشر فقال: ((هذا الحديث ثابت في الصحيحين من ((حديث جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا»... «كلهم من قريش» وهذا لفظ مسلم... ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره : أنه يُواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه و آله وسلم....، فيملأ الأرض عدلا وقِسْطًا، كما ملئت جورا وظُلْمًا »(2) .

وإذا قارنت لفظ (ولايتهم) في الحديث المتقدّم مع لفظ (وَلِيُّكُمُ) في قوله تعالى:«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»[المائدة : 55]، وعرفت أنّ الآية نزلت في شأن علي بن أبي طالب علیه السلام بعد أن تصدق بخاتمه وهو في حالة الركوع(3) ، و عرفت أنها في قراءة عبد الله: «إنّما مولاكم» - تعلم

ص: 436


1- المعجم الأوسط للطبراني: 2/ 172 [ح 2922 - من اسمه ابراهيم]، ، والمعجم الكبير للطبراني : 22 / 69 [ح . 2038/ عن جابر بن سمرة]
2- تفسير القرآن العظيم لإبن كثير : 3 / 48 [المائدة: 12]
3- ينظر: تفسير الطبري: 4 / 629 ، وتفسير مقاتل بن سليمان (المتوفي 150ه): 1 / 307 وتفسير السمرقندي: 1 / 445 ، وتفسير الكشاف للزمخشري: 1 / 635 - 636 ، و تفسير القرآن العظيم لإبن كثير : 3 / 100 [المائدة: 56]، والتعريف والإعلام فيما أُبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم للإمام عبد الرحمان السهيلي: 51 - 52

أن المراد من الولاية الخلافة الربانية لا الخلافة السياسية، و ذلك لأنّ الولاية جعلت في الآية الكريمة الله على طريق الأصالة، وذلك بقوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ» ، فولاية الله ليست سياسية، ثم نظم في سلك إثباتها له إثباتها لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وعلي علیه السلام على سبيل التبع، فهذا هو الدليل الأول و الدليل الثاني: لأنّ الخلافة السياسية لم تجمع اثني عشر إماماً صالحاً، فلزم الإقرار بوجود الإمامة الربانية، ولا سبيل لإنكارها. و الأئمة الإثنا عشر أولهم علي علیه السلام، و آخرهم المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف، و النصوص الشريفة تشهد لهم بذلك.

والدليل الثالث: ذمّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بعض الأمراء الذين سيأتون بعده، فلو كانت الخلافة سياسية لما ذم بعضهم وأمر بعدم اتباعهم، فهذا يؤيد بأن الخلفاء الإثني عشر خلافتهم ربانية، لوقوع الذم في الأمراء السفهاء ؛ قال الحاكم النيسابوري: «أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الصنعاني بمكة حرسها الله تعالى، ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، أنبأ عبد الرزاق، أنبأ ،معمر ، عن أبي خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله يا كعب من إمارة السفهاء» قال : وما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: «أمراء يكونون بعدي، لا يهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون علي حوضي... [ثم قال الحاكم] (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(1).

وقال أيضاً: حدثنا علي بن حمشاذ العدل، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا

ص: 437


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري:5 / 338 [ح. 8473 - كتاب الفتن والملاحم]

مسلم بن إبراهيم، ثنا سويد أبو حاتم اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبيه، عن جده، أن حذيفة بن اليمان لما احتضر أتاه ناس من الأعراب قالوا له: يا حذيفة، ما نراك إلا مقبوضاً، فقال لهم: عبٌّ مسرور، وحبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم ، اللهم إني لم أشارك غادرا في غدرته، فأعوذ بك اليوم من صاحب السوء. كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله

إنا كنا في شر فجاءنا الله بالخير فهل بعد ذلك الخير شر ؟ قال : فقال: «نعم» قلت: وهل وراء ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم» قلت: كيف؟ قال: سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم رجال قلوبهم قلوب رجال في جثمان إنسان فقلت: كيف أصنع إن أدركني ذلك؟ قال: «تسمع للأمير الأعظم وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه»»(1).

«حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا حميد بن عياش الرملي، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا سفيان ، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عمار، عن حذيفة قال: «يكون عليكم أمراء يعذبونكم ويعذبهم الله » «صحيح الإسناد، ولم يخرجاه »»(2).

وقال أيضاً: «أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، ثنا محمد بن إبراهيم الأصفهاني، ثنا الحسين بن حفص، ثنا سفيان ، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عمار، عن حذيفة ، قال : «يكون أمراء يعذبونكم ويعذبهم الله»»(3).

ص: 438


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5 / 407 [ح. 8709 - كتاب الفتن والملاحم]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5 / 409 [ح. 8716 - كتاب الفتن والملاحم]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 349/5 [ح. 8513 - كتاب الفتن لح. والملاحم]
الحديث الثاني:

يفيد بأنَّ الإمامة من أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وهي باقية في كل خلف من أُمة محمد صلى الله عليه و آله وسلم ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

أخرج الملا في سيرته حديث: «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم الى الله (عز وجل) ، فانظروا من توفدون»(1).

الحديث الثالث:

يدل على أن اتباع أئمة أهل البيت فرض كإتباع القرآن، وأنَّ من أتبعهما لن يضل أبداً.

روي في صحيح مسلم بسنده «عن ابن علية قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه ثم قال قام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يوما فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: «وأهل بيتي

ص: 439


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 231 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي»»(1).

قال الإمام الثعلبي : «وروى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا ،بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله جل جلاله من السماء وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض»(2).

وروى الحاكم النيسابوري بإسناده:

عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» [ وقال الحاكم النيسابوري :] «هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه »»(3) .

و« ... عن ابن واثلة، أنه سمع زيد بن أرقم يقول : نزل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مع عشية ،فصلى، ثم قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، فقال: ما شاء الله أن يقول: ثم قال: «أيها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما، :وهما كتاب الله، وأهل بيتي عترتي» ثم قال: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ ثلاث مرات؟ قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» [وقال الحاكم النيسابوري : ] وحديث بريدة الأسلمي صحيح على شرط الشيخين»»(4).

ص: 440


1- وصحیح مسلم: 1021 . [ح . 2408 / كتاب فضائل الصحابة]
2- تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت. 427ه): 163/3 [ سورة آل عمران، الآيات: 130 - 138]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 359 [ح. 4769 - كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب أهل بيت رسول الله]
4- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : 3 / 324 ، [ح . 4635 – ذكر اسلام أميرالمؤمنين علي]

قال ابن حجر: «وفي رواية صحيحة "إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي"

زاد الطبراني إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

وفي رواية كتاب الله وسنتي وهي المراد من الأحاديث المقتصرة على الكتاب لأن السنة مبينة له فأغنى ذكره عن ذكرها .

والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب وبالسنة وبالعلماء بهما من أهل البيت ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة.

ثم اعلم أن الحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً ومر له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه وفي بعض تلك الطرق انه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم وفي أخرى أنه قاله لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مر ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة.

وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر آخر ما تكلم به النبي أخلفوني في أهل بيتي

وفي أخرى عند الطبراني وأبي الشيخ «إن الله عز و جل ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دنياه ولا آخرته قلت ما هن قال حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي» (1).

ص: 441


1- الصواعق المحرقة لابن حجر 230 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

قال ابن حجر في حديث الثقلين : «أخرج الترمذي وقال حسن غريب أنه قال إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله عز و جل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»، ثم قال: «سيأتي الخبر الذي في قريش تعلّموا منهم فإنهم أعلم منكم فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت منهم أولى منهم بذلك امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقية قريش.

وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي إلى آخره» (1).

وقال ابن حجر أيضاً : «وقد جاءت الوصية الصريحة بهم في أحاديث عديدة منها حديث: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

قال الترمذي حسن غريب [ وأخرجه الترمذي بعدة أسانيد] وأخرجه آخرون ولم يُصب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية كيف وفي صحيح مسلم و غيره في خطبته قرب رابغ مرجعه من حجة الوداع قبل وفاته بنحو شهر: «إني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في

ص: 442


1- الصواعق المحرقة لابن حجر 232 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا» (1).

وقال ابن حجر أيضاً: «وفي رواية صحيحة كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكد من الآخر كتاب الله عز و جل وعترتي – أي بالمثناة – فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض» وفي رواية: «وإنهما لن يتفرقا حتى يردا الحوض سألت ربي ذلك لهما فلا تتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابياً الحاجة لنا إلى بسطها وفي رواية آخر ما تكلم به النبي اخلفوني في أهلي»(2).

وروى أحمد بن حنبل بسنده «... عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»»(3).

وروى أحمد بن حنبل بسنده أيضاً«... عن أبي سعيد الخدري إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا بما تخلفوني فيهما»»(4).

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ طَلْحَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطِيَّةَ

ص: 443


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 341 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم ، وانظر: الجامع الصحيح و هوسنن الترمذي: 4 / 502 - 503 [ح . 3786 ، و 3787، و 3788/ كتاب المناقب]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 342 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
3- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل : 327، [ح. 416]
4- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل : 529 ، [ح . 417]

الْعَوْفِ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخُدْرِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيتِي وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُونِي بِمَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا »»(1).

قال السيوطي: «قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: (يا أيها الناس إني فرط لكم وإنكم واردون عليَّ الحوض حوض أعرض ما بين صنعاء وبصرى فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتى فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» «الطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد »» (2).

قال السيوطي أيضاً : قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «يا أيها الناس! إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟

قالوا نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن البعث بعد الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، يا أيها الناس ! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليا - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه يا أيها الناس! إني فرطكم وإنكم

ص: 444


1- مسند أحمد بن حنبل :3 / 22[3 / 17] ، حدیث : [11137]
2- جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 1/ 118 [ح . 27616 - قسم الأقوال / حرف الياء]

واردون علي الحوض حوض أعرض ما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين ؟ فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر: كتاب الله عز و جل، سَبَبٌ طَرَفُهُ بيد الله، وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض» «الحكيم، الطبراني عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أُسيد»(1).

وروى الطبراني بسنده «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه و آله وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَمْرَيْن أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ : كِتَابَ الله حَبَلٌ مَمدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُما لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحُوْضَ(2). وروى الطحاوي مثله بسنده عن علي(3)

وروى الطبراني أيضاً بسنده «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَفَعَهُ، قَالَ: «كَأَنِّي قَدْ دُعِيتُ فَأَجَبْتُ فَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ : كِتَابَ الله حَبْلٌ مَمدُودٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَإِنَّهُما لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَردَا عَلَيَّ الحُوْضَ ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فيهما ؟»»(4).

وروى أيضاً بسنده «عَنْ حُذَيْفَةَ بن أُسَيْدِ الْغِفَارِيِّ، أَنْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم، قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَارِدُونَ عَلَيَّ الحَوْضَ ، حَوْضٌ أَعْرَضُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَبُصْرَى، فِيهِ عَدَدُ النُّجُومِ قِدْحانٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَإِنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ؟ السَّبَبُ الأَكْبَرُ كِتَابُ الله عَزَّ وَجَلَّ، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ،

ص: 445


1- جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 9/ 115 [ح .27600 - قسم الأقوال / حرف الياء]
2- المعجم الكبير للطبراني : 2/ 196 – 197 [ح. 2612/ بقية أخبار الحسن بن علي ]
3- مشكل الآثار للطحاوي : 2 / 307 [باب / ... من قوله يوم غدير خم لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه]
4- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 197 [ح . 2613 ، و 2614 / بقية أخبار الحسن بن علي]

فاسْتَمْسِكُوا بِهِ، وَلا تَضِلُّوا وَلا تُبَدِّلُوا، وَعِترَتِي أَهْلُ بَيْتِي، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِيَ اللطيف الخبير أَنَّهُما لَنْ يَنْقَضِيَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»»(1).

وروى أيضاً بسنده «عَنْ زَيْدِ بن أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : (إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ ، وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحُوْضَ ، عَرْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى بُصْرَى، فِيهِ عَدَدُ الْكَوَاكِبِ مِنْ قِدْحَانِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخلُفُونِ فِي الثَّقَلَيْنِ ؟» فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله وَمَا الثَّقَلانِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : «الأَكْبَرُ كِتَابُ الله، سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ الله ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَنْ تَزَالُوا، وَلَنْ تَضِلُّوا، وَالأَصْغَرُ عِترَتِي، وَإِنَّهمَا لَنْ يَفْتَرقَا حَتَّى يَردَا عَلَيَّ الحَوْضَ، وَسَأَلْتُ هُما ذَاكَ رَبِّي، فَلا تَقْدُمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا، وَلا تُعَلَّمُوهُمَا، فَإِنَّها أَعْلَمُ مِنْكُمْ»(2).

قال ابن تيمية:«منهاج السنة النبوية - (ج 4 / ص 561) فالجواب أما الحسن والحسين فحقهما واجب بلا ريب وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنه خطب الناس بغدير يدعى خماً بين مكة والمدينة فقال إني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي

والحسن والحسين من أعظم أهل بيته اختصاصاً به كما ثبت في الصحيح أنه دار كساءه على علي وفاطمة وحسن وحسين ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»

ص: 446


1- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 198 - 199 [ ح . 2617 / بقية أخبار الحسن بن علي ]
2- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 197 [ ح . 2615 / بقية أخبار الحسن بن علي ]
الحديث الرابع:

يرشد إلى لزوم التمسُّك بشجرة النبوة والإمامة ومن تمسك بالنبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته اتخذ إلى ربه سبيلاً

عن عبد العزيز بسنده إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا»(1). أخرجه أبو سعد في شرف النبوة.

«وعن المحب الطبري لأبي سعيد في شرف النبوة بلا إسناد حديث: «أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة و أغصانها في الدنيا فمن تمسك بها اتخذ إلى ربه سبيلا»»(2).

قال الثعلبي في تفسير قوله تعالى ««الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ»[الرعد / 29]

عن «الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : فطوبى لهم شجرة أصلها في دار علي في الجنة، وفي دار كل مؤمن منها غصن يقال له طوبى ...

وروی داود بن عبد الجبار عن جابر عن أبي جعفر قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن قوله «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ»[الرعد/ 29] ، فقال : «شجرة أصلها في داري وفرعها في الجنة». ثم سُئل عنها مرة أُخرى. فقال: «شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة».

فقيل له : يا رسول الله نسألك عنها مرة فقلت: «شجرة في الجنة أصلها في دار علي

ص: 447


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 231 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للعلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت . 694ه) : 26
2- الصواعق المحرقة لابن حجر : 352 ، [ تتمة كتاب الصواعق / باب الأمان ببقائهم]، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربي للعلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت . 694ه): 26

وفرعها على أهل الجنة» فقال: «ذلك في داري ودار علي أيضاً واحدة في مكان واحد»»(1).

الحديث الخامس:

يفيد أنَّ مَن تمسّك وتعلَّق بغير أهل البيت علیهم السلام فهو هالك إذ لاسبيل للنجاة إلا بإتباع اهل البيت عليهم السلام فهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك.

أخرج الحاكم، والطبراني بسندهما عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر يقول: وهو آخذ بباب الكعبة من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبوذر، سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق»

[هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ]»(2). وفي رواية الطبراني «في قوم نوح» بدل «من قومه»، وزاد عليها ومثل باب حطة في بني اسرائيل».

وروى الطبراني أيضاً بسنده عن ابن عباس، وعن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : «إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخل غفر له»(3).

ص: 448


1- الكشف و البيان (تفسير الثعلبي) للإمام أبي إسحاق أحمد الثعلبي (ت. 427ه) : 5 / 295 - 291 [ سورة الرعد، الآيات: 30 - 34]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3 / 361 . [ح.4778 - كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب أهل بيت رسول الله] ، والمعجم الأوسط للطبراني : 2/ 339- 340،و 4 / 152 [ح . 3478 /من اسمه الحسين، وح. 5536 / من اسمه محمد]، و المعجم الكبير للطبراني: 2/ 180 [ح .2571 / بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]
3- المعجم الأوسط للطبراني : 4 / 246 [ ح. 5870 / من اسمه محمد] ، و المعجم الكبير للطبراني : 2/ 180 ، و 6 / 33 [ح.2572 / بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما، وح. 12218 / ما أسند عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما سعيد بن جبير]

قال ابن حجر: «الحديث الثاني أخرج الحاكم، عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك «وفي رواية للبزار عن ابن عباس، وعن ابن الزبير، وللحاكم عن أبي ذر أيضا: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»»(1).

قال العلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت. 694ه) «وعن عليّ علیه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «مثل اهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تعلق بها ومن تخلف عنها زج في النار»»(2)

أخرج الطبراني بسنده «عَنْ سَعِيدِ بن المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَ فِيهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ، وَمَنْ قَاتَلَنَا فِي آخِرِ الزَّمانِ فَكَأَنَّهَا قَاتَلَ مَعَ المسيح الدَّجَّالِ»(3).

و أخرج أيضاً بسنده «عَنْ حَنَشِ بن الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرُ أَخَذَ بِعِضَادَي بَابٍ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا أَبُو ذَرِّ الْغِفَارِيُّ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَ فِيهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ، وَمَثَلُ بَابِ حِطَّةٍ فِي بني إِسْرَائِيلَ»»(4).

ص: 449


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 282 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الثاني]، و جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده للسيوطي: 3/ 190 . [ح. 8211 - قسم الأقوال / حرف الهمزة] ، و المعجم الكبير للطبراني: 2/ 180 [ح. 2572 / بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]، ، و نور الابصار في مناقب آل النبي المختار له للشبلنجي: 1/ 439 - 440
2- ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ص 30
3- المعجم الكبير للطبراني : 2/ 179 .[ح .2570 / بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]
4- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 180 [ح . 2571 / بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]

قال ابن حجر «وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا : «إنما مثل أهل بيتي فيكم

كمثل سفينة نوح من ركبها نجا» وفي رواية مسلم : «ومن تخلف عنها غرق» وفي رواية: «هلك وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له» وفي رواية: «غفر له الذنوب... ووجه تشبيههم بالسفينة فيما مر أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من تخلف عن ظلمة المخالفات ومن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان...

ومر في خبر أن من حفظ حرمة الإسلام وحرمة النبي وحرمة رحمه حفظ الله تعالى دينه ودنياه ومن لم يحفظ لم يحفظ الله دنياه ولا آخرته

وورد: «يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين السبابتين» ويشهد له خبر المرء مع من أحب وبباب حطة أن الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحا أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سببا للمغفرة وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا لها كما سيأتي قريباً»(1).

قال شيخ البخاري ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّا مَثَلُنَا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ كَسَفِينَةٍ نُوحٍ وكبابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ»(2).

الحديث السادس :

يثبت إمامة الإمام المهدي

ص: 450


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 - 235 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ح . 32106/ فضائل علي بن أبي طالب [علیه السلام]]

قال ابن أبي شيبة «حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا»»(1)

وروى أيضاً: «عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: المَهْدِي مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ الله فِي لَيْلَةٍ»(2).

«أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من عترتي» وفي رواية «رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا» وفي رواية لمن عدا الأخير «لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي» وفي أخرى لأبي داود والترمذي «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد الطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما» وأحمد وغيره «المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة» والطبراني: «المهدي منا يختم الدين بنا كما فتح بنا»»(3)

الحديث السابع:

يأمر بلزوم مودة أهل البيت، ومعرفة حقهم

روى الطبراني بسنده عن الحسن بن علي أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : «الزموا مودتنا أهل

ص: 451


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة: 7 / 513 [ح. 37637 / ما ذكر في فتنة الدجال]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة: 7 / 513 [ح. 37633 / ما ذكر في فتنة الدجال]
3- الصواعق المحرقة لابن حجر: 249 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

البيت فإنه من لقي الله عز و جل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا»(1).

الحديث الثامن :

يدل على أنَّه لا يخلو زمان من وجود إمام من أهل البيت علیهم السلام

قال ابن حجر: «أورد أيضا[المحب الطبري لأبي سعيد في شرف النبوة] بلا إسناد حديث: «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .. الحديث»(2).

الحديث التاسع:

«عن حبة قال : سمعت عليا يقول : نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء وحزبنا حزب الله عز وجل، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس منا»(3)

الحديث العاشر :

اشارة

الأئمة علیهم السلام أعلم أهل زمانهم

روى ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل بسندهما «حدثنا عبد الله، حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد قال : أراه عن سعيد قال : لم يكن أحد من

ص: 452


1- المعجم الأوسط للطبراني: 1 / 606[ ح. 2230 - من اسمه أحمد]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر : 352 ، [ تتمة كتاب الصواعق / باب الأمان ببقائهم]
3- (25)كنز العمال للمتقي الهندي: 11/ 160 ، [ح . 31725 كتاب الفتن والاهواء والاختلافات/ قسم الافعال] ، و الصواعق المحرقة لابن حجر : 354 ، [ تتمة كتاب الصواعق / باب خصوصياتهم الدالة على عظيم كراماتهم]

أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول : سلوني، إلا علي بن أبي طالب»(1).

وروى شيخ البخاري ابن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء: كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أحد أعلم من علي ؟

قال : لا والله ما أعلمه ! »(2).

وروى أيضاً عن «وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِي، قَالَ: خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِيٍّ، فَقَالَ : لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ بِالْأَمْسِ لَمْ يَسْبِقُهُ الْأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ، وَلا يُدْرِكُهُ الآخِرُونَ ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يُعْطِيهِ الرَّايَةَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ»(3).

قال الذهبي: نوعن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.

قد رأيته واقفا عند الجمرة يقول: سلوني، سلوني.

وعن صالح بن أبي الأسود، سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي»(4).

ص: 453


1- (39) فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل: 300 ،[ح.222] ، والكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة: 5 / 313 [ح. 26411/ من كان يستحب أن يسأل ويقول: سلوني]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 13 / 319 [ح 7360 - مسند علي بن أبي طالب]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ح. 32100/ فضائل علي بن أبي 374 طالب]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 [ح. 32101/ فضائل علي بن أبي طالب]
4- سير أعلام النبلاء للذهبي (ت . 748ه) : 6 / 440 ، [ الطبقة الخامسة من التابعين]

وروى مسلم عن «أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم خرج حين زالت الشمس، فصلى لهم صلاة الظهر، فلما سلم قام على المنبر ، فذكر الساعة، وذكر أن قبلها أمورا عظاما، ثم قال:

«من أحب أن يسألني عن شيء، فليسأل عنه، فو الله ! لا تسألونني عن شيء، إلا

أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا» قال أنس: فأكثر الناس البكاء، وأكثر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن يقول: «سلوني» ... »(1) . فكلمة سلوني، سلوني لم يقلها إلا النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم، والأئمة الأوصياء من بعده.

وقال الإمام الحافظ أبو نعيم الأصفهاني الشافعي: «حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي ميمون، حدثنا أبو مالك الجنبي، عن عبد الله بن عطاء، قال: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم»(2).

وقال الشيخ الشبلنجي: «قال إبراهيم بن العباس : سمعت العباس يقول: ما سئل الإمام الرضا عن شيءٍ قط إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيبه الجواب الشافي»(3).

الحديث الحادي عشر:

يصرح بوجوب اتباع علي علیه السلام والأئمة علیهم السلام من ولده

قال الإمام الحافظ أبو نعيم الأصفهاني الشافعي (ت. 430ه): «عن ابن عباس

ص: 454


1- صحیح مسلم: 999 ، [ح 2359 - باب وجوب إتباعه]
2- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : 3/ 217 [ح . 3757/ محمد بن علي الباقر]
3- نور الابصار في مناقب آل النبي المختار الشبلنجي: 2/ 124

قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي؛ فليوال علياً من بعدي وليوال وليه، وليقتدِ بالأئمة من بعدي، فانهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً. وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، للقاطعين فيهم صلتي لا أنا لهم الله شفاعتي»(1).

ويدعمه ما رواه الطبراني بسنده: «عَنْ عَلِيٍّ بن عَلِيٍّ المُكَيِّ الْهِلَالِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه علیه و آله وسلم فِي شَكَاتِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، فَإِذَا فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، قَالَ: فَبَكَتْ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم طَرْفَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: حَبِيبَتِي فَاطِمَةُ مَا الَّذِي يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: «أَخْشَى الضَّيْعَةَ مِنْ بَعْدِكَ»، فَقَالَ: «يَا حَبِيبَتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ إِلَى الأَرْضِ اطَّلاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا أَبَاكِ فَبُعِثَ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ اطَّلَعَ اطَّلاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا بَعْلَكِ وَأَوْحَى إِلَى أَنْ أَنْكِحَكِ إِيَّاهُ، يَا فَاطِمَةُ وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ سَبْعَ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ قَبْلِنَا، وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ بَعْدَنَا، أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَكْرَمُ النَّبِيِّينَ عَلَى الله، وَأَحَبُّ المُخْلُوقِينَ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا أَبُوكِ، وَوَصِنِّي خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ وَأَحَبُّهُمُ إِلَى اللَّه وَهُوَ بَعْلُكِ، وشَهِيدُنا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ وَأَحَبُّهُمْ إلى الله، وَهُوَ عَمُّكِ حَمْزَةُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ عَمُ أَبِيكِ، وَعَمُ بَعْلِكِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ أَخَضَرَانِ يَطِيرُ فِي الجُنَّةِ مَعَ المَلائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّ أَبِيكِ وَأَخُو بَعْلِكِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهُمَا ابْنَاكِ الحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ، وَهُمَا سَيْدَا شَبَابِ أَهْل الجنَّةِ، وَأَبُوهُمَا وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ خَيْرٌ مِنْهُمَا، يَا فَاطِمَةُ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ مِنْهُمَا مَهْدِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِذَا صَارَتِ الدُّنْيَا هَرْجًا وَمَرْجًا، وَتَظَاهَرَتِ الْفِتَنُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلا كَبِيرَ يَرْحَمُ صَغِيرًا، وَلا صَغِيرَ يُوَقِّرُ كَبِيرًا، فَيَبْعَثُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْهُما مَنْ يَفْتَتِحُ

ص: 455


1- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام الحافظ أبي نعيم الأصفهاني الشافعي (ت. 430ه): 1 / 128 [ح . 268 علي بن أبي طالب]، وكنز العمال للمتقي الهندي: 12/ 48 [كتاب الفضائل فضل أهل البيت - ح . 34193]

حُصُونَ الضَّلالَةِ، وَقُلُوبًا غُلْفًا، يَقُومُ بِالدِّينِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا قُمْتُ بِهِ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَيَمْلأُ الدُّنْيَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، يَا فَاطِمَةُ لا تَحْزَنِي وَلا تَبْكِي، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْحَمُ بِكِ وَأَرْأَفُ عَلَيْكِ مِنِّي ، وَذَلِكَ لَكَانِكِ مِنِّي ، ومَوْضِعِكِ مِنْ قَلْبِي، وَزَوَّجَكِ اللَّهُ زَوْجَكِ وَهُوَ أَشْرَفُ أَهْلِ بَيْتِكِ حَسَبًا، وَأَكْرَمُهُمْ مَنْصِبًا، وأَرْحَهُمْ بِالرَّعِيَّةِ، وَأَعْدَلُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وأَبْصَرُهمْ بِالْقَضِيَّةِ، وَقَدْ سَأَلْتُ رَبِّ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَكُونِي أَوَّلَ مَنْ يَلْحَقُنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ : فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم لَمْ تَبْقَ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بَعْدَهُ إلا خَسَةً وَسَبْعِينَ يَوْمًا حَتَّى أَلْحَقَهَا اللهُ بِهِ»(1).

الحديث الثاني عشر :

وهو آخر وصية للمسلمين من نبيهم محمد صلى الله عليه و آله وسلم فقد روى الطبراني بإسناده «عن ابن عمر قال : كان آخر ما تكلّم به رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «اخلفوني في أهل بيتي»»(2) .فهو آخر حدیث تکلّم به رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حيث أمر المسلمين باتباع اهل بيته علیهم السلام فقال لهم اخلفوني في أهل بيتي، أي: إجعلوهم خليفة من بعدي.

الحديث الثالث عشر:

يفيد بأن العبد يُسأل يوم القيامة عن أربعة أشياء، أحدها وأهمها أنَّه يُسْأَلُ عن حبّ آل البيت !!فقد روى الطبراني بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين كسبه وعن حبنا أهل البيت»(3). فلا تكون المحبة إلا بإتباعهم السلام، فلا يعقل أن تعتبر المحبة في عدم اتباعهم علیهم السلام، ولا بد أن

ص: 456


1- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 190 [ح . 2609 / بقية أخبار الحسن بن علي]
2- المعجم الأوسط للطبراني : 58/3[من اسمه علي - ح . 3860]
3- المعجم الكبير للطبراني : 5 / 281 . [ح . 11014]

يكون إتباعم قد أمر الله به لأنه تعالى لايسأل العبد عن أمر لم يأمره به، فإذا سلّمنا ذلك، لزم تعين أهل البيت الواجب اتباعم وطاعتهم ، وبالنتيجة سنصل إلى أنّهم هم الأئمة الإثنا عشر لإختصاصهم بصفات لا يشاركهم أحد من المسلمين بها كالعلم والزهد والتقوى ونحوها من الصفات المعتبرة في الإمام.

وقد زادهم الله شرفاً وكرامة بالسلام عليهم في القرآن الكريم فقد روى الطبراني أيضاً بسنده فقال : حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الصابوني التستري ثنا عباد بن يعقوب ثنا موسى بن عمير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس : «سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ»[الصافات/ 130 ] قال: نحن آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم»(1).

الحديث الرابع عشر :

اشارة

يفيد بأن مشيئة الله تعالى اقتضت أن يكون أولاد الأنبياء أنبياء إلا نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم فإن ولديه الحسن والحسين جعلها الله تعالى سيدي شباب أهل الجنة، ومن البديهي أنَّ سيادتهما تعني امامتهما، فقد روى الطبراني «عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا: «وَالله مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلا وَوَلَدَ الأَنْبِيَاءَ غَيْرِي وَإِنَّ ابْنَيْكِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ، إِلا ابْنَيِ الْحَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى»»(2).

روى الطبراني أيضاً بسنده «عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم، يَقُولُ: كُلُّ بني أُنْثَى فَإِنَّ عَصَبَتَهُمْ لأَبِيهِمْ، مَا خَلا وَلَدَ فَاطِمَةَ فَإِنِّي أَنَا عَصَبَتَهُمْ،وَأَنَا أَبُوهُمْ»(3).

وروى الطبراني بسنده أيضاً عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه و آله وسلم،

ص: 457


1- المعجم الكبير للطبراني 5 / 264 [ح. 10901]
2- المعجم الكبير للطبراني : 2 / 172 [ح. 2538 - بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]
3- المعجم الكبير للطبراني : 2 / 178 [ح. 2565 - بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]

قَالَ: «إِنَّ مَلَكًا مِنَ السَّمَاءِ لَمْ يَكُنْ زَارَنِي، فَاسْتَأْذَنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي زِيَارَتِ، فَبَشَّرَنِي أَنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ»»(1). وروى أيضاً أحاديث عديدة بأسانيد مختلفة تفيد أَنَّ الحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ(2)

الحديث الخامس عشر :

يصرح بأوَّل أَرْبَعَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ هم من الأئمة وأولادهم من بعدهم مع شيعتهم، فقد ورد «عَنْ مُحَمَّدِ بن عُبَيْدِ الله بن أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ لِعَلي رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: «إِنَّ أَوَّلَ أَرْبَعَةِ يَدْخُلُونَ الجنَّةَ: أَنَا وَأَنتَ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَذَرَارِينَا خَلْفَ ظُهُورِنَا، وَأَزْوَاجُنَا خَلْفَ ذَرَارِيِّنَا، وَشِيعَتُنَا عَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا»»(3).

الحديث السادس عشر :

نصَّ في وجوب رئاسة الِ مُحَمَّد صلى الله عليه و آله وسلم وان الاهتداء إلى الحق لا يكون إلا عن طريقهم «عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: «أَنْزِلُوا آلَ مُحَمَّد صلى الله عليه و آله وسلم بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ، فَإِنَّ الْجَسَدَ لا يَهْتَدِي إِلا بِالرَّأْسِ، وَإِنَّ الرَّأْسَ لا يَهْتَدِي إِلا بِالْعَيْنَيْنِ»»(4).

وعَنْ عُلَيْمٍ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: «أَنْزِلُوا آلَ مُحَمَّد صلى الله عليه و آله وسلم بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ، فَإِنَّ الجَسَدَ لا يَهْتَدِي إِلا بِالرَّأْسِ، وَإِنَّ الرَّأْسَ لَا يَهْتَدِي إِلا

ص: 458


1- المعجم الكبير للطبراني : 2 / 172 . [ح . 2539 - بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]
2- ينظر: المعجم الكبير للطبراني : 2 / 173 - 175 [ح 2540، 2541، 2542، 2543، 2544، 2545، 2546، 2547 ، 2548 ، 2549 ، 2550 ، 2551 ، 2552 - بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]
3- المعجم الكبير للطبراني : 2 / 176 [ح . 2558 - بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]
4- المعجم الكبير للطبراني : 2 / 180 . [ح . 2574 - بقية اخبار الحسن بن علي رضي الله عنهما]

بِالْعَيْنَيْنِ»»(1).

الحديث السابع عشر:

طلب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري إبلاغ سلامه على ولده الإمام محمد بن علي بن الحسين ( الباقر) ، واذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ: ليقم سيد العابدين

«روي عن الزبير بن محمد بن مسلم المكي قال : كنا عند جابر بن عبد الله رضي الله

عنهما فأتاه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبي.. ... فقال :جابر : من هذا؟ وكان قد بصره، فقال علي بن الحسين: (هذا ابني محمد). فضمه جابر إليه[وفي رواية سبط ابن الجوزي فقبَّل يديه ورجليه ] وقال: يا محمد محمد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقرئك السلام. فقالوا: كيف ذلك يا أبا عبد الله ؟

فقال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والحسين في حجره وهو يلاعبه، فقال: «يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي فإذا كان يوم القيامة ينادى مناد ليقم سيد العابدين. فيقوم علي بن الحسين ويولد لعلي ابن يقال له محمد يا جابر إن أدركته فاقرأه مني السلام»(2)

الحديث الثامن عشر :

شفاعة أهل البيت سبب لدخول الجنة ، ولا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حق الأئمة

ص: 459


1- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 180 . [ح. 2574 / بقية أخبار الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما]
2- نور الابصار في مناقب آل النبي المختار الشبلنجي: 2/ 75- 76، وينظر: تذكرة الخواص - المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة - : 284

عن الحسن بن علي أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي عز و جل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا»»(1)

الحديث التاسع عشر :

من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية

«عَنْ شُرَيْح بن عُبَيْدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً»»(2)

ص: 460


1- المعجم الأوسط للطبراني: 1/ 606 ، خح. 2230]
2- المعجم الكبير للطبراني: 329/8. [ح. 16277 / شَرَيْحٍ بن عُبَيْدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ]

أدلة إمامة الأئمة الإثني عشر في أقوال علماء أهل السنة

الدليل الأول :

شهادة ابن حجر الهيتمي بأنَّ الخلافة الباطنة للأئمة الإثني عشر علیهم السلام

قال ابن حجر: «لما ذهبت عنهم الخلافة الظاهرة لكونها صارت ملكا ولذا لم تتم للحَسَن عُوِّضُوا عنها بالخلافة الباطنة حتى ذهب قوم إلى ان قطب الأولياء في كل زمن لا يكون إلا منهم»(1)

الدليل الثاني:

صرح ابن كثير بأنّ المهدي من هؤلاء الأئمة الإثني عشر فقال: ((هذا الحديث ثابت في الصحيحين من «حديث جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا»... «كلهم من قريش»وهذا لفظ مسلّم. ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المُبَشِّر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يُواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه و آله وسلم.... فيملأ الأرض عدلا

وقسطًا، كما ملئت جورا وظُلْمًا»(2).

ص: 461


1- الصواعق المحرقة لابن حجر ،223 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم - الآية الأولى]
2- تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 3 / 48 [المائدة: 12]
الدليل الثالث:

إمامة الأئمة الإثني عشر لا تنقطع إلى يوم القيامة، ولابد لكل زمان من وجود أحدهم

قال ابن حجر: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي إلى آخره»(1).

الدليل الرابع:

من أخذ بهدي علماء أهل البيت (وهم الأئمة علیهم السلام) نجا من ظلمة المخالفات ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان

قال ابن حجر الهيتمي ووجه تشبيههم بالسفينة [يعني تشبيه أهل البيت بسفينة نوح] فيما مر [من الأحاديث المتقدمة] أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان...»(2).

الدليل الخامس:

لقد ذكر جماعة من علماء السنة ترجمة لحياة وفضائل وكرامات الأئمة الإثني عشر، وأقرُّوا بإمامتهم ، ولو كان غيرهم من آل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم يستحق الإمامة لذكروه

ص: 462


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 232 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 - 235 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

ولترجموا له فهذا دليل على شهرة إمامتهم، ومن هؤلاء العلماء يوسف بن قزأوغلي - أو قِزُغلي - بن عبد الله أبو المظفر شمس الدين ، سبط أبي الفرج ابن الجوزي (ت . 654ه)(1). و أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري(ت. أحمد 974ه)(2) . والشيخ علي بن محمد بن المالكي المكي الشهير بإبن الصباغ (ت. 855ه)، فقد أفرد مؤلَّفاً بذلك ساه الفصول المهمة في معرفة الأئمة، والشيخ مؤمن بن حسين مؤمن الشبلنجي (3). وشيخ الشافعية أبو محمد بن عبد الواحد الموصلي(ت. 657ه)(4).

قال الذهبي: «فمولانا الامام علي : من الخلفاء الراشدين، المشهود لهم بالجنة نحبه أشد الحب ولا ندعي عصمته، ولا عصمة أبي بكر الصديق.

وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول الله - صلى الله عليه و آله وسلم - وسيدا شباب أهل الجنة، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك.

وزين العابدين كبير ،القدر، من سادة العلماء العاملين، يصلح للإمامة، وله نظراء، وغيره أكثر فتوى منه، وأكثر رواية.

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد، إمام، فقيه، يصلح للخلافة. وكذا ولده جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم، كان أولى بالامر من أبي جعفر المنصور.

ص: 463


1- ينظر : تذكرة الخواص - المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة - : 272 - 306
2- ينظر الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة: 270 - 314 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
3- ينظر : نور الابصار في مناقب آل النبي المختار : 293/1 - 2 / 391
4- ينظر : مناقب آل محمد (المسمى بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم) : 53 - 164

وكان ولده موسى كبير ،القدر، جيد العلم أولى بالخلافة من هارون، وله نظراء في الشرف والفضل .

وابنه علي بن موسى الرضا: كبير الشأن، له علم وبيان، ووقع في النفوس، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته، فتوفي سنة ثلاث ومئتين.

وابنه محمد الجواد من سادة ،قومه، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه.

وكذلك ولده الملقب بالهادي شريف جليل.

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري.

رحمهم الله تعالى»(1).

الدليل السادس:

اقرار ابن حجر الهيتمي ، وبعض علماء السنة بولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وهو الإمام الثاني عشر ؛ وأنَّ الله آتاه الحكمة وعمره خمس سنين؛ فقد قال:...[ورجع الحسن العسكري] إلى داره وأقام عزيزا مكرما وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات بسر من رأى ودفن عند أبيه وعمه وعمره ثمانية وعشرون سنة ويقال إنه سُمَّ أيضاً، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة ويُسمّى القائم المنتظر قيل: لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يُعرف أين ذهب»(2)

ص: 464


1- سير أعلام النبلاء: 506/10 - 507 [9 /51]،[2278- المنتظر الشريف أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر : 314 ، [الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها]، وانظر: مناقب آل محمد(المسمى بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم) لشيخ الشافعية أبي محمد بن عبد الواحد الموصلي (ت . 657ه) : 161 ، و نور الابصار في مناقب آل النبي المختار الله للشبلنجي: 2/ 181 - 198 ، وينابيع المودّة لسليمان القندوزي الحنفي 518/3 [ الباب الثاني والثلاثون في بيان الإمام]

وقال أيضاً: «و محمد الحجة هذ إنما ولد بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين»(1)

وقال أحمد بن محمد بن أبي بكر بن أبي بكر بن خلكان: «كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين»(2). وذكر الملك أبو الفداء اسماعيل بن علي بن محمود بن عمر ولادة الحجة المنتظر(3).

وعقد الشيخ مؤمن الشبلنجي المصري باباً ذكر فيه ترجمة للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه في كتابه نور الابصار(4)

الدليل السابع:

لو قرأت إسناد رواية رواها الإمام علي بن موسى الرضا عن آبائه وأجداده عليهم السلام على مجنون لبرىء من جنته.

ذكر ابن حجر أن الإمام علي بن موسى الرضا علیه السلام لما دخل نيسابور تعرض له الحافظان أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي ومعهما من طلبة العلم والحديث ما لا يحصى فتضرعا إليه أن يريهم وجهه ويروي لهم حديثا عن آبائه فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكف المظلة وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة

فقال: حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر،

ص: 465


1- الصواعق المحرقة لابن حجر 255 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- وفيات الأعيان : 4 / 176 ، [562 - أبو القاسم المنتظر]
3- ينظر: تاريخ ابي الفداء (المسمى المختصر في تاريخ البشر ) : 1 / 361، [سنة 255ه]
4- نور الابصار في مناقب آل النبي المختار للشبلنجي: 2/ 180 - 198

عن أبيه زين العابدين عن أبيه ،الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: حدثني جبريل، قال: سمعت ربَّ العزة يقول: «لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي»... قال أحمد لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرىء من جنته»(1).

وقال الإمام الحافظ أبو نعيم الأصفهاني الشافعي بعد ذكر هذا الحديث:

«هذا حديث ثابت مشهور بهذا الإسناد من رواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين وكان بعض سلفنا من المحدثين اذا روى هذا الاسناد قال: لو قرىء هذا الاسناد على مجنون لأفاق»(2).

وقال سبط ابن الجوزي: «ذكر عبد الله بن أحمد المقدسي في كتاب (أنساب القرشيين) نسخة يرويها علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم إسناد لو قرئ على مجنون برئ»(3).

وهذا يدل على أنَّ هذا الإسناد له منزلة عظيمة عند الله تعالى حتى أنه بمجرد قراءة هذا الإسناد على مجنون يجعلها الله سبباً للشفاء من جنته، لأنَّ هذه السلسلة هي سلسلة الإمامة الربانية.

الدليل الثامن:

إعتراف أبو حامد الغزالي على أحقية الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام بالخلافة، وذلك

ص: 466


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 310 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الثاني]
2- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : 30/ 224 [ح. 3780/ محمد بن علي الباقر]
3- تذكرة الخواص - المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة - : 295

في كتابه (سر العالمين وكشف ما في الدارين)، قال:

«واجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال عمر بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مولى فهذا تسليم ورضى وتحكيم ثم بعد هذا غلب الهوى حبّ الرياسة وحمل عمود الخلافة وعقود النبوة وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار وسقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول: فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلا. ولما مات رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال قبل وفاته ائتوا بدواة وبيضاء لأزيل لكم إشكال الأمر واذكر لكم من المستحق لها بعدي.

قال عمر دعوا الرجل فإنه ليهجر وقيل يهدر فإذا بطل تعلقكم بتأويل النصوص فعدتم إلى الإجماع وهذا منصوص أيضا فإن العباس وأولاده وعلياً وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في متابعة الخزرجي ودخل محمد بن أبي بكر على أبيه في مرض موته فقال يا بني ائت بعمك لأوصي له بالخلافة فقال يا أبت أكتب على حق أو باطل فقال على حق فقال توصي بها لأولادك إن كان حقاً. أولا فقد مكنتها بك لسواك ثم خرج إلى علي فجرى قوله على منبر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قوموني لست خيركم أفقال هزلا أو جداً أو امتحاناً فإن كان هزلا فالخلفاء منزهون عن الهزل وإن قاله جداً فهذا نقض للخلافة وإن قاله امتحاناً. «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍ» .

فإذا ثبت هذا فقد صارت إجماعاً منهم وشوري بينهم هذا الكلام في الصدر الأول أما في زمن علي علیه السلام ومن نازعه فقد قطع المشرع صلى الله عليه و آله وسلم طول كم الخلافة بقوله عليه الصلاة والسلام إذا بويع للخليفتين فاقتلوا الأخرى منهما والعجب كل العجب من حق واحد كيف ينقسم ضربين والخلافة ليست بحسم ينقسم ولا بعرض يتفرق ولا بجوهر يحد

ص: 467

فكيف يوهب ويباع» (1).

الدليل التاسع:

قول الإمام الحسن بن علي علیهما السلام أنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وولايتهم

«... عن أبي الطفيل قال: خطب الحسن بن علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أمير المؤمنين عليا خاتم الأوصياء، ووصي خاتم الأنبياء، وأمين الصديقين والشهداء. ثم قال: «يا أيها الناس، لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، لقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يعطيه الراية، فيقاتل جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى، وعرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم، وفي الليلة التي أنزل الله عز وجل فيها الفرقان. والله ما ترك ذهبا ولا فضة ولا شيئا يصر له، وما في بيت ماله إلا سبعمائة درهم وخمسين در هما فضلت من عطائه، أراد أن يشتري بها خادما لأم كلثوم ، ثم قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه و آله وسلم، ثم تلا هذه الآية قول يوسف : «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ابَاءِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ» (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب)، ثم أخذ في كتاب الله فقال : أنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل

ص: 468


1- تذكرة الخواص - المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة - : 60 - 61 ، وسير أعلام النبلاء للذهبي:14 / 323 [150 / 12][4603 - الغزالي حجة الاسلام اعجوبة ،الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد]

الله على محمد صلى الله عليه و آله وسلم: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»[الشورى / 23](1).

و التسخّط لأفعالهم ، لأنهم كانوا عدولا عنه من قبل و اختاروا عليه، فلما طلبوه بعد أجابهم جواب المتسخط العاتب و يدلّ على ذلك أن تسخطه علیه السلام على النّاس وعتابه لهم في عدولهم عنه، كان يصرح به في غير مقام و يخطب به في أيامه مقاما بعد مقام، بل كان علیه السلام قلمّا يرقى المنبر إلا ويشكو من مظلوميته.

الرد الثالث

أمير المؤمنين علیه السلام كره إجابة القوم على الفور و البدار لعلمه بعاقبة الأمور و إقدام القوم على الخلاف عليه فلذا قال لهم : «دعوني والتمسوا غيري» فلما ألحوا فيما دعوه إليه و قالوا له إنّه لا يصلح لإمامة المسلمين سواك و لا نجد أحدا يقوم بهذا الأمر غيرك يصلح امور الدين و يقوم لحياطة الاسلام و المسلمين فبايعوه علیه السلام على السمع والطاعة.

دليل مرفوض

يستدل بعض المخالفين على كون الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم شورى بقوله تعالى:

عليه «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»[آل عمران / 159] ، ولبيان المراد من هذه الآية نقول:

قال الشيخ البلاغي في قوله تعالى: «وَشَاوِرُهُمْ فِي الأَمرِ» واستصلحهم واستمل قلوبهم بالمشاورة لا لأنهم يفيدونه سداداً وعلما بالصالح كيف وان الله مسدده «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»[ النجم / 3، 4] ، فإذا عزمت على ما أمرك الله بنور النبوة وسدادك فيه «فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ» . فلا دلالة في هذه الآية على الشورى بالخلافة

ص: 469


1- المعجم الأوسط للطبراني : 10 / 585 - 586 . [ح . 2155 - من اسمه أحمد]

ص: 470

أسماء الأئمة الإثني عشر في رواياتنا

من الروايات الشيعية التي تدل على أسماء الأئمة عليهم السلام ما رواه الشيخ الصدوق قال: «حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال :حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه ،عن آبائهم عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال: من علم أن لا إله إلا أنا وحدي، وأن محمدًا عبدي ورسولي، وأن علي بن أبي طالب خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي ادخله الجنة برحمتي، ونجيته من النار بعفوي، وأبحث له جواري، وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته من خاصتي وخالصتي، إن ناداني لبيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ،ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرَّمني دعوته، وإن رجع إلي قبلته وإن قرع بابي فتحته.

ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، و كفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني و ما أنا بظلام للعبيد.

فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن

أبي طالب؟

ص: 471

قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فأقرأه مني السلام،ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر ، ثم الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي و عترتي من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدًا منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله عز وجل السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها»(1)

ص: 472


1- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه-): 1/ 245 - 246

الخاتمة

الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية يستدلّ عليها بالنص أي: انَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم نصَّ على إمامة كلّ إمام من الإئمة الإثني عشر علیهم السلام ، كذلك فإنَّ كلَّ إمام كان ينص على الإمام الذي يليه، فبعد أنَّ نص رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في مواطن ومناسبات عديدة (1)، وعلى إمامة الحسن والحسين عليهما السلام فقد نص أمير المؤمنين علیه السلام على إمامة الحسن ونص الحسن علیه السلام على إمامة الحسين علیه السلام ونص الحسين علیه السلام على إمامة علي بن الحسين علیه السلام زين العابدين وهكذا كل إمام كان ينص مَنْ يليه.

فهذا هو أهم إستدلالات الشيعة على إمامتهم، واما ما قدمناه في هذا الكراس من سلسلة دليل المحاور فهو أدلّة مأخوذة من كتب القوم للإحتجاج بها عليهم، حيث أثبتنا إمامة الأئمة الإثني عشر في القرآن الكريم، وذلك من خلال بعض الآيات التي فَسَّرها بعض علماء السنة بأنّها تدل على أنها نزلت في شأنهم، وفيها دلالات واضحة وشهادات مفصحة على إمامتهم ووجوب الإقتداء بهم، وكذلك ذُكِرَتْ الأحاديث التي يمكن الإستدلال بها على إمامتهم، والتي روتها كتب السنة المعتبرة عندهم، ثم ذُكرت شهادات و إعترافات بعض علماء السنة بإمامتهم، وبذلك تم بحمد الله ما أريد إثباته في هذا الكرّاس، والحمد لله ربّ العامين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

ص: 473


1- ذكرنا ذلك مفصَّلا في سلسلة دليل المحاور في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

ص: 474

البات الخَامِس: حكم اللعن في الكتاب والسنة

اشارة

ص: 475

ص: 476

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ»[ سورة البقرة آية : 159]

صدق الله العلي العظيم

ص: 477

ص: 478

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين، أما بعد فقد قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد وقرآنه الحميد وقوله الحق وهو أصدق القائلين: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»(1)، وقال نبينا وحبيب قلوبنا محمد صلى الله عليه و آله وسلم :

«أشدَّ مِنْ يتم اليتيم الذي انقطع عن أمه وأبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه، ولا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا، وهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى»(2).

وقال الإمام جعفر الصادق

«علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب، ألا فمن انتصب

ص: 479


1- سورة النحل/ آية 125
2- الاحتجاج لأبي منصور الطبرسي / ج 1 / ص 16

لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن أبدانهم»(1) .

فما أحوج شبابنا، وأبنائنا إلى مرافد المعرفة الإيمانية الأصيلة، والصحيحة لبناء العقيدة السليمة التي عانت من الإضطهاد بسبب الظروف العصيبة التي مرّت بها الأجيال عبر سنوات طويلة من الظلم والجور حالت دون الوقوف على مناهل المعرفة العقائدية الحقة. فانطلاقاً من المسؤوليات التي تحملها على عاتقه (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدّسة) تُقدّم وحدة الدراسات في شعبة الإعلام التابعة له (سلسلة دليل المحاور) وهذه السلسلة قد جُمعت فيها الآيات القرآنية الكريمة، ثمّ الأحاديث والروايات من كتب الصحاح، والكتب المعتبرة عند أهل السنّة لأبرز المواضيع الخلافية، مع ترقيم كل حديث، والإشارة في الهامش (أسفل الصفحة) إلى المصدر أو المراجع التي ذكرت ذلك الحديث، ولا يمكن اعتبار هذه السلسلة مادة أساسية في الحوار بل هي مساعد ومعين للمحاور عندما يباغت أثناء الحوار بسؤال أو إشكال لم يكن قد استعدّ أو تمّ تحضيره قبل الشروع في النقاش، والحوار، فيمكنه اللجوء إلى هذه السلسلة ليحصل بسهولة على الدليل اللازم في الوقت المناسب.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه السلسلة عوناً للمُحاور أثناء حواره للتقريب بين المذاهب الإسلامية، من خلال الحوار النزيه والبحث العلمي البنّاء الهادف لتوضيح معالم الحقيقة، واستجلاء الواقع، ليزول الوهم، وتنقشع حجب الشقاق، وسحب الخلاف والتفرقة التي أثارتها الاتجاهات المناوئة للإسلام.

قسم الشؤون الفكرية والثقافية

شعبة الإعلام / وحدة الدراسات

ص: 480


1- نفس المصدر السابق

تعريف اللعن

اللعن في اللغة

قال الجوهري: (اللَّعْنُ: الطردُ والإبعاد من الخير)، وقال ابن منظور: (اللَّعْنُ: الإِبْعادُ والطَّرْد من الخير).

وقال ابن الأثير: (وأصل اللَّعْن : الطَّرْد والإبعاد من الله ومن الخَلْقِ السَّبُّ والدُّعاء). وقال الطبري في تفسيره: (و «اللعنة» «الفَعْلة»، من «العنه الله» بمعنى أقصاه وأبعده وأسْحَقه. وأصل «اللعن»: الطرد، فمعنى الآية [من قوله تعالى : أولئك يَلْعَنُهُمُ...] بإذن: أولئك يُبعدهم الله منه ومن رحمته ويسأل ربَّهم اللَّاعِنُونَ أنْ يَلْعَنُهُمُ، لأن لعنةَ بني آدم وسائر خَلق الله مَا لَعنوا أن يقولوا: «اللهم العنه» إذ كان معنى«اللعن»هو ما وصفنا من الإقصاء والإبعاد)(1).

ص: 481


1- تفسير الطبري - (ج 2 ص 85 )

ص: 482

اللعن في القرآن الكريم

لعنة الله تعالی

1. «وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ »(1).

2.«فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ»(2).

3.«ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَذِبِينَ»(3).

4.«وَلَكِن لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا» (4).

5.«وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»(5).

6.«أَوْلَيكَ الَّذِينَ لَعَنهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا»(6).

7.«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ هُمْ عَذَابًا مهيناً»(7) .

ص: 483


1- سورة البقرة آية 88
2- سورة البقرة آية 89
3- سورة آل عمران :آية 61 . المباهلة مفاعلة من البهلة وهي اللعنة، ومأخذها من الإبهال وهو الإهمال والتخلية؛ لأن اللعن والطرد والإهمال من وادٍ واحد ومعنى المباهلة أن يجتمعوا إذا اختلفوا فيقولوا: بهلة الله على الظالم منا. لاحظ : الفائق في غريب الحديث والأثر للزمخشري / حرف الباء: الباء مع الياء.
4- سورة النساء آية 46
5- سورة النساء آية: 93
6- سورة النساء آية 52
7- سورة الأحزاب آية: 57

8.«أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ»(1).

9.«إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا»«لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا»(2).

10.«مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أَوَلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ»(3).

11.«فَأَذَنَ مُؤَذِّنُ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّلِمِينَ»(4).

12.«أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّلِمِينَ»(5).

13.«وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ»(6).

14.«قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»«قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ»«وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ»(7).

15.«قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ»«قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ»«وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ»(8).

16.«وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ»(9).

ص: 484


1- سورة محمد :آية 23
2- سورة النساء / اية 117 - 118
3- سورة المائدة آية 60
4- سورة الأعراف آية : 44
5- سورة هود آية: 18
6- سورة التوبة :آية 68
7- سورة ص / آية 76-78
8- سورة الحجر / آية : 33-35
9- سورة النور آية 7
لعن الله تعالى والملائكة والناس واللاعنين

17.«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(1).

18. «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ»(2).

19.«كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»«أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(3).

متفرقات في اللعن

20.«مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا»(4).

21.«وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ»(5).

22.«وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ»(6).

23.«وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ»(7).

ص: 485


1- سورة البقرة آية 161
2- سورة البقرة آية 159
3- سورة آل عمران آية : 86-87
4- سورة الأحزاب آية 61
5- سورة هود آية 60
6- سورة هود :آية 99
7- سورة النور آية 7

24.«وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ»(1).

25.«نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ»(2).

26.«فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً»(3).

27.«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا»(4).

28.«لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ»(5).

29.«کُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا»(6).

30.«وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(7).

31.«إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(8).

32.«رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا»(9).

ص: 486


1- سورة القصص / آية 42
2- سورة النساء آية: 47
3- سورة المائدة آية: 13
4- سورة المائدة :آية 64
5- سورة المائدة آية: 78
6- سورة الأعراف آية: 38
7- سورة الرعد آية: 25
8- سورة النور آية: 23
9- سورة الأحزاب آية : 68

33.«يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(1)

34.«وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا»(2).

الشبهة الأولى

هل اللعن الوارد في القرآن يختص في الله وحده ولا يجوز لأحد أن يلعن أحداً حتى إذا كان هذا يستحق اللعن؟.

الرد

قال تعالى: «وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ» فمن هم هؤلاء اللَّاعِنُونَ الذين جوّز لهم الله ذلك؟ وللجواب نستعرض هنا أقوال المفسرين من علماء السنة، وهذا الدليل كافٍ للرد على هذه الشبهة.

أولاً : محمد بن جرير الطبري (310ه)

القول في تأويل قوله تعالى : «أَوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ» ، قال أبو جعفر [الطبري]: يعني تعالى ذكره بقوله : «أَوْلَئِكَ وَيَلْعَنُهُمُ اللهُ» ، هؤلاء الذين يكتمون ما أنزله الله من أمر محمد صلی الله علیه و آله وسلم و وصفته وأمر دينه أنه الحق من بعد ما بينه الله لهم في كتبهم - يَلعَنْهُمُ بكتمانهم ذلك ، وتركهم تبيينه للناس. قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: «اللَّاعِنُونَ»، الملائكةُ والمؤمنون. لأن الله تعالى ذكره قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحلّ بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين، فقال تعالى ذكره: «إِنَّ

ص: 487


1- سورة الرعد آية: 52
2- سورة الفتح/ آية: 6

الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَا تُوا وَهُمْ كُفَّارُ أَوَلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(1).

ثانياً : إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج (311ه)

ومعنى «وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ» فيه غير قول، أما ما يروى عن ابن عباس فقال: «اللَاعِنُونُ» كل شيء في الأرض إلا الثقلين، ويروى عن ابن مسعود أنه قال: «اللَاعِنُونُ» ( الاثنان إذا تلاعنا لحقت اللعنة بمستحقها منها ... وقيل : «اللَاعِنُونُ» هم المؤمنون، فكل من آمن بالله من الإنس والجن والملائكة فهم اللَّاعِنُونَ... (2).

ثالثاً : علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (468ه)

يعني الذين يكتمون «يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ»، قال ابن عباس: كل شيء إلا الجن والأنس وقال قتادة هم الملائكة والمؤمنون وقال عطاء: الجن والأنس(3).

رابعاً : محمود بن عمر بن محمد الزمخشري (538ه)

«أَوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ» الذين يتأتى منهم اللعن عليهم وهم الملائكة والمؤمنون من الثقلين(4).

خامسا : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (597ه)

اللَاعِنُونُ» قال ابن قتيبة : أصل اللعن في اللغة: الطرد، ولعن الله إبليس، أي: طرده،... أي: الطريد وفي اللاعنين أربعة أقوال: أحدها: أن المراد بهم، دواب الأرض،.. وهو قول مجاهد، وعكرمة. والثاني : أنهم المؤمنون ، قاله عبد الله بن مسعود. والثالث:

ص: 488


1- تفسير جامع البيان للطبري / ج 2 / ص 58 - 59
2- معاني القرآن وإعرابه للزجاج / ج 1 ص 184
3- تفسير الوسيط للواحدي النيسابوري/ ج 1 ص 244
4- تفسير الكشاف للزمخشري / ج 1 ص 207

أنهم الملائكة والمؤمنون، قاله أبو العالية وقتادة والرابع أنهم الجن والإنس وكل دابة، قاله عطاء(1).

سادساً : محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي (604ه)

في قوله : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ» قولان:

أحدهما: أنه كلام مستأنف يتناول كل من كتم شيئاً من الدين. والثاني: أنه ليس يجري على ظاهره في العموم والأول أقرب إلى الصواب لوجوه:

أما قوله تعالى: «وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ» فيجب أن يحمل على من للعنة تأثير، وقد اتفقوا على أن الملائكة والأنبياء والصالحين كذلك فهم داخلون تحت هذا العموم لا محالة، ويؤكده قوله تعالى: «انَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَا تُوا وَهُمْ كُفَّارُ أَوَلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(2).

سابعاً : محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (671ه)

قوله تعالى: «وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ» قال قتادة والربيع : المراد ب_«اللَاعِنُونُ» الملائكة

والمؤمنون. قال ابن عطية وهذا واضح جارٍ على مقتضى الكلام. وقال مجاهد وعكرمة: هم الحشرات والبهائم...وقال الزجاج: والصواب قول من قال الملائكة والمؤمنون...(3).

ثامناً: محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي (745ه)

واللَّاعِنُونَ: كل من يتأتى منهم اللعن، وهم الملائكة ومؤمنو الثقلين، قاله الربيع

ص: 489


1- زاد المسير لابن الجوزي / ج 1 ص 143
2- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي / ج 2 ص 461-463
3- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي / ج 2 ص 125

بن أنس؛ أو كل شيء من حيوان وجماد غير الثقلين، قاله ابن عباس والبراء بن عازب،... أو البهائم والحشرات، قاله مجاهد وعكرمة... أو الملائكة ؛ قاله قتادة؛ أو المتلاعنون، إذا لم يستحق أحد منهم اللعن انصرف إلى اليهود، قاله ابن مسعود ؛ والأظهر القول الأول(1).

تاسعا : إسماعيل بن كثير الدمشقي (774ه)

«أَوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ» يعني : دواب الأرض. وقال عطاء بن أبي رباح كل دابة والجن والإنس.... وقال أبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة «وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ»يعني تلعنهم ملائكة الله والمؤمنون. وقد جاء في الحديث، أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان، وجاء في هذه الآية : أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون، واللَّاعِنُونَ أيضًا، وهم كل فصيح وأعجمي إما بلسان المقال، أو الحال، أو لو كان له عقل، أو يوم القيامة، والله أعلم(2).

عاشراً: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911ه)

وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة «وَيَلْعَنُهُمُ اللَاعِنُونُ». قال : من ملائكة الله المؤمنين...(3).

ص: 490


1- تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي / ج 1 ص 634
2- تفسير القرآن العظيم لابن كثير / ج 1 ص 260
3- الدر المنثور للسيوطي / ج 1 ص 295

اللعن في السنة

اشارة

قد وردت نصوص مصرحة باللعن في التراث السني أكثر من أربعمائة - 400 -حديث مصرح- باللعن (1). عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وسنذكر البعض منها.

أولاً : من لعنه الله تعالى

أ- لعن من ذبح لغير الله.

ب- لعن من آوى محدثاً.

ج_- لعن من غير تخوم الأرض.

د- لعن من لعن والديه.

ه- لعن من وقع على البهيمة.

و- لعن من عمل عمل قوم لوط.

ز- لعن من تولى قوماً بغير إذن مواليه :

[1] روى الحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «العن الله سبعة من خلقه».

فرد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على كل واحد ثلاث مرات ثم قال «ملعون ملعون ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من جمع بين المرأة وابنتها، ملعون من سب شيئاً من والديه،

ص: 491


1- موسوعة أطراف الحديث مادة لعن والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي مادة لعن

ملعون من أتى شيئاً من البهائم، ملعون من غير حدود الأرض، ملعون من ذبح لغير الله ملعون من تولى غير مواليه»(1) .

[2] وروى مسلم عن أَبي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْنَا لِعَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ أَخْبَرْنَا بِشَيْءٍ... سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «العَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ الله وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ المَنار»(2).

[3] ورواه أحمد: بنفس السند عن أَبي بَكْرِ بْن أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ ...(3).

[4] وروى الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «لعن الله من ذبح لغير الله لعن الله من غير تخوم الأرض لعن الله من كمه الأعمى عن السبيل، لعن الله من سب والديه، لعن الله من تولى غير مواليه، لعن الله من عمل عمل قوم لوط»

[قال الحاكم] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (4).

[5] روى أحمد: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ الله لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْضِ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ كَمَهَ الأَعْمَى عَنِ السَّبِيلِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمٍ لُوطٍ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمٍ لُوطٍ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمٍ لُوطٍ»(5).

ص: 492


1- المستدرك للحاكم كتاب الحدود / ج 5 / ص 274/ ح 8220
2- صحيح مسلم / كتاب الأضاحي / تحريم الذبح لغير الله / ص 761/ ح5147
3- مسند أحمد علي بن أبي طالب / ج 1 ص 135 / 858
4- المستدرك للحاكم كتاب الحدود / ج 5 / ص 274/ 8218
5- مسند أحمد عبد الله بن العباس / ج 1 ص 402 / ح 2820

[6] وروى أحمد: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْضِ لَعَنَ اللهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ لَعَنَ اللهُ مَنْ كَمَّه أَعْمَى عَنْ الطَّرِيقِ لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ الله لَعَنَ اللهُ مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ لَعَنَ اللهُ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمٍ لُوطٍ قَالها ثلاثاً»(1).

[7] روى البيهقي عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : «لعن الله من تولى غير مواليه ولعن الله من غير تخوم الأرض ولعن الله من كمه أعمى عن السبيل ولعن الله من لعن والده ولعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من وقع على بهيمة ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط»(2) .

[8] روى النسائي : عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط»(3).

ثانياً : من لعنه الله والملائكة والناس
أ. من أحدث في المدينة أو آوى محدثاً : وهم :

1 - من آوى محدثاً ، 2 - من اخفر مسلماً ، 3 - من تولى قوما بغير إذن مواليه.

[9] البخاري: عَنْ عَلي علیه السلام قَالَ: «مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ الله وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم: المَدِينَةُ حَرَمُ مَا بَيْنَ عائِرِ إِلَى كَذَا مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ... وَقَالَ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِما فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ... وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ

ص: 493


1- نفس المصدر / ابن عباس / ج 1 / ص 413 / ح 2920
2- السنن الكبرى للبيهقي / كتاب الحدود / ج 12/ ص 458 / ح 17490
3- المستدرك للحاكم / كتاب الحدود / ج 5 / ص 274/ 8218

لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين ...»(1).

[10] ورواه البخاري عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن علي علیه السلام (2).

[11] والبخاري: عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن علي علیه السلام (3).

[12] والبخاري: عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش...(4)

[13] ومسلم: عن أَبي كُرَيْبٍ عن أَبي مُعاوِيَةَ عن الأَعْمَشُ ... صحیح مسلم کتاب العتق / تحريم تولي /العتيق / ص 564 / ح 3810.

[14] ومسلم : عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش...(5)

[15] وأبو داود عن محمد بن كثير عن سفيان عن الأعمش...(6)

[16] والترمذي : عن هناد عن أبي معاوية عن الأعمش ...(7)

[17] وأحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن الأعمش ...(8)

[18] والنسائي: عن إسماعيل بن مسعود عن عبد الرحمن عن سفيان عن الأعمش ...(9).

ص: 494


1- صحيح البخاري كتاب فضائل المدينة حرم المدينة ص 339/ ح 1870
2- المصدر / كتاب الجزية / ذمة المسلمين وجوارهم ../ ص 583 / 3172
3- المصدر / كتاب الفرائض / إثم من تبرأ من مواليه / ص 1227 / ح 6755
4- المصدر / كتاب الاعتصام / ص 1321 / ح 7300
5- نفس المصدر السابق كتاب الحج / فضل المدينة / ص 492 / 3345
6- سنن أبي داود كتاب المناسك / في تحريم المدينة / ص 325 / 2034
7- سنن الترمذي / كتاب الولاء/ ما جاء فيمن تولى غير ../ ص 183 / 2127
8- مسند أحمد / مسند علي بن أبي طالب / ج 1 / ح 1041 ص 157/ [ج126/1]
9- السنن الكبرى للنسائي / كتاب الحج / منع الدجال / ص 486 / 4278

[19] روى البخاري : عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا وَلَا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ مَنْ أَحْدَثَ حَدَنَّا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(1).

[20] والبخاري: عن مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عن عَبْدِ الوَاحِدِ عن عاصِمٍ عن أَنَسٍ(2).

[21] ومسلم : عن حامد بن عمر عن عبد الواحد عن عاصم عن أنس(3)

[22] وأحمد: عن مُؤَمَّل عن حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ وَعَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسِ(4).

[23] وقال :مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن سليمان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ...»(5).

[24] ورواه مسلم عن قُتَيْبَة بنِ سَعِيدِ عن يَعْقُوبَ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِيَّ عَنْ سُهَيْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ...»(6).

ب. من تولى قوماً بغير إذن مواليه

[25] وروى أبو داود: عن حَجَّاج بن أَبِي يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُعاوِيَةُ - يَعْنِي ابْنَ عَمْرِو - حَدَّثَنَا زَائِدَةً عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «مَنْ

ص: 495


1- البخاري / كتاب فضائل المدينة / حرم المدينة / ص 339/ 1867
2- نفس المصدر السابق / كتاب الاعتصام إثم من آوى محدثا / ص 1323 / 7306
3- صحیح مسلم / كتاب الحج / فضل المدينة / ص 492 / ح 3341
4- مسند أحمد أنس بن مالك / ج 3 / ح 13546 / ص 296 / [ج 242/3]
5- صحیح مسلم / كتاب الحج / فضل المدينة / ص 493 / ح3348
6- نفس المصدر السابق كتاب العتق / تحريم تولي العتيق غير مواليه / ص 564/ ح 3807

تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(1).

[26] وروى أبو نعيم .... عن أبي ليلى الأشعري صاحب النبي صلى الله عليه و آله وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، قال : «تمسكوا بطاعة أئمتكم، ولا تخالفوهم، فإن طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وإن الله تعالى إنما بعثني أدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، فمن خلفني في ذلك فهو ولي، ومن ولي من أمركم شيئا فعمل بغير ذلك، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، وسيليكم أمراء، إن استرحموا لم يرحموا، وإن سئلوا الحقوق لم يعطوا، وإن أمروا بالمعروف أنكروا، وستخافونهم، ويتفرق ملؤكم، حتى لا يحملوكم على شيء إلا احتملتم عليه طوعا أو كرها، فأدنى الحق لكم ألا تأخذوا لهم عطاء، ولا تحضر وهم في الملأ . رواه مروان بن معاوية وعتبة بن عبد الله، عن محمد بن أبي قيس وهو محمد بن سعيد الشامي، ورواه أبو عمرو العبسي المعروف بالمصلوب»(2).

ج . من حال بين القاتل وحكم القتل:

[27] روى أَبو دَاوُد: حُدِّثْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ قَتَلَ فِي عِميًّا أَوْ رِميّاً يَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَر أَوْ بِسَوْطٍ فَعَقَلُهُ عَقَلُ خطأ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدَيْهِ فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(3).

[28] روى النسائي : أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ العَلَاءِ بْنِ هِلَالٍ... عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مَنْ قُتِلَ فِي عِمَّيَّا أَوْ رِمِّيَّا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ بِعَضًا فَعَقْلُهُ

ص: 496


1- سنن أبي داود كتاب الأدب في الرجل ينتمي ../ ص 799/ ح5114
2- معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (ت . 430 ه) / ج 5/ ص 16 / ح 7015 باب اللام - أبو ليلى الأشعري
3- نفس المصدر السابق كتاب الديات / فيمن قتل ../ ص 724 / ح 4591

عَقْلُ خَطَإٍ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدِهِ فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ»(1).

[29] ورواه النسائي : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاس(2).

[30] وابن ماجة: بنفس السند السابق : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ .. (3).

قال السندي- في شرحه للحديث: (فمن حال بينه وبينه): (فَمَنْ حَالَ بَيْنه) : أَيْ بَيْن القَاتِل ، ( وَبَيْنه ) أَيْ بَيْن القَوَد بِمَنْع أَوْلِيَاء المَقْتُول عَنْ قَتْله بَعْد طَلَبِهِمْ ذَلِكَ ... (فَعَلَيْهِ لَعْنَة الله ) أَيْ يَسْتَحِقٌ ذَلِكَ ،( لَا يَقْبَل مِنْهُ صَرْف ) قِيلَ تَوْبَة مَا فِيهَا مِنْ صَرْف الإِنْسَان نَفْسه مِنْ حَالَة المَعْصِيَة إِلَى حَالَة الطَّاعَة، (وَلَا عَدْل) أَيْ فِدَاء مَأْخُوذ مِنْ التَّعادُل وَهُوَ التَّسَاوِي لِأَنَّ فَدَاء الأَسِير يُسَاوِيه وَالْمُرَادِ التَّغْلِيظَ وَالتَّشْدِيد فِيمَنْ حَالَ بَيْنَ الحُدُودِ وَأَمْثَالَهَا ..(4).

د. لعن مَنْ ادَّعَى إِلَى غير أبيه:

[31] روى ابن ماجة : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا سَعِيدُ بْنُ أَي عَرُوبَةً عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم خَطَبَهُمْ.. قَالَ: «إِنَّ اللهَ قَسَمَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنْ المِيرَاثِ فَلَا يَجُوزُ لِوَارِثِ وَصِيَّةٌ الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعاهِرِ الحَجَرُ وَمَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ...»(5).

ص: 497


1- سنن النسائي / كتاب القسامة من قتل بحجر أو سوط / ص 689 / ح 4791
2- نفس المصدر السابق كتاب القسامة من قتل بحجر أو سوط / ص 689 / ح4792
3- سنن ابن ماجة كتاب الديات من حال ولي المقتول ../ ص 426/ ح 2635
4- حاشية السندي على النسائي / ج 6/ ص 333
5- نفس المصدر السابق كتاب الوصايا لا وصية لوارث ص 438 / 2712

[32] رواه أحمد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ الله بِمِنّىً... فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَسَمَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ نَصِيبَهُ ... الحديث»(1) .

[33] ورواه أحمد: حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَب...(2).

[34] وأيضاً: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ ..(3).

[35] وأيضاً : حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الخَفَّافُ قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ ..(4).

ه. لعن من لم يرحم ويعدل ويقسط من الخلفاء :

[36] روى أحمد : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَوْفٌ وَحَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ حَدَّثَنِي عَوْفٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِحْرَاقٍ عَنْ أَبِي كِنَانَةَ عَنْ أَي مُوسَى قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَلَى بَابِبَيْتٍ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ البَابِ ثُمَّ قَالَ : هَلْ فِي البَيْتِ إِلَّا قُرَشِيٌّ . قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ الله غَيْرُ فُلَانِ ابْنِ أُخْتِنَا فَقَالَ: ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ. قَالَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا دَامُوا إِذَا اسْتُرْحَمُوا رَحِمُوا وَإِذَا حَكَمُوا عَدَلُوا وَإِذَا قَسَمُوا أَقْسَطُوا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ..(5).

[7] ورواه ابن أبي شيبة : أبو أسامة عن عوف عن زياد بن محراق عن أبي كنانة

ص: 498


1- مسند أحمد عمرو بن خارجة / ج 4 / ح 17681/ ص 229/ [ج 4 / 186]
2- نفس المصدر السابق / عمرو بن خارجة / ج 4 / ح17683/ ص 229/ [ج 4 / 186]
3- نفس المصدر السابق / عمرو بن خارجة / ج 4 / 17686/ ص 230/ [ج186/4]
4- نفس المصدر السابق / عمرو بن خارجة / ج 4 / ح17687/ ص 230/ [ج 4 / 186]
5- نفس المصدر السابق / أبي موسى الأشعري / ج 4 / ح17687/ 230

عن أبي موسى..(1).

[38] وروى أحمد : حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ أَبِي المِنْهَالِ الرِّيَاحِي قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَي عَلَى أَي بَرْزَةَ الأَسْلَمِي... قَالَ فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ إِنِّي أَحْمَدُ اللهَ أَنِّي أَصْبَحْتُ لَائِمًا هِذَا الحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ فُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا وَفُلَانٌ هَاهُنَا يُقَاتِلُ عَلَى الدُّنْيَا يَعْنِي عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ قَالَ حَتَّى ذَكَرَ ابْنَ الأَزْرَقِ قَالَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَحَبَّ النَّاس إلى هَذِهِ العِصَابَةُ المُلَبَّدَةُ الحَمِيصَةُ بُطُوتُهُمْ مِنْ أَمْوَالِ المُسْلِمِينَ إِلَيَّ والحقيقةُ ظُهُورُهُمْ مِنْ دِمَائِهِمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «الأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْش.. لي عَلَيْهِمْ حَقٌّ وَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ مَا فَعَلُوا ثَلَاثًا مَا حَكَمُوا فَعَدَلُوا وَاسْتُرْجُوا فَرَجُوا وَعَاهَدُوا فَوَفَوْا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين»(2).

[39] وروى أيضاً : حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ..(3).

[40] وروى أيضاً : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ... حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلَامَةَ(4).

[41] وروى أيضاً : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَهْلِ أَبِي الأَسَدِ قَالَ حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الجَزَرِيُّ قَالَ قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكِ أَحَدُتُكَ حَدِيثًا ما أُحَدِّتُهُ كُل أحَدٍ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَامَ عَلَى بَابِ البَيْتِ وَنَحْنُ فِيهِ فَقَالَ: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا وَلَكُمْ عَلَيْهِمْ حَقًّا مِثْلَ ذَلِكَ مَا إِنْ اسْتُرْجُوا فَرَحُوا وَإِنْ عَاهَدُوا وَفَوْا وَإِنْ

ص: 499


1- مصنف ابن أبي شيبة كتاب الفتن / باب : 3/ ج 7 /ص 526/ ح 37709
2- مسند أحمد أبي برزة / ج 4 / ح 19828/ ص 518
3- نفس المصدر السابق / أبي برزة / ج 4 / 19828 / ص 518
4- المصدر / أبي برزة / ج 4 / ح 19800/ ص 514

حَكَمُوا عَدَلُوا فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(1).

[42] وقال أحمد: حدثنا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَهْلِ أَبِي الأَسَدِ عَنْ بُكَيْرٍ الجزري عَنْ أَنَسٍ: قَالَ: كُنَّا فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم حَتَّى وَقَفَ فَأَخَذَ بِعِضَادَةِ البَابِ فَقَالَ: «الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ... الحديث»(2).

و. لعن من أخاف أهل المدينة

[43] روى ابن أبي شيبة : عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : مَنْ أخافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ...»(3).

ثالثاً : من لعنته الملائكة
أ. من هجرت فراش زوجها :

[44] أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِذَا بَاتَتْ المَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا بَاتَتْ تَلْعَنُهَا المَلَائِكَةُ. قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى تَرْجِعَ»(4).

ب. من باع عيباً

[45] روى ابن ماجة: عَنْ وَائِلَةَ بْنِ الأَسْقَع قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ:

«مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنُهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللهِ وَلَمْ تَزَلْ المَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ»(5).

ص: 500


1- المصدر / أنس بن مالك / ج 3/ ح 12315 / ص 159
2- المصدر / أنس بن مالك / ج 3 / ح 1295 / ص 224
3- مصنف ابن أبي شيبة / كتاب الفضائل / باب: 57/ ج 6 / ص 409
4- مسند أحمد أبي هريرة / ج 2 / ص 342 ، [حديث : 7490]
5- سنن ابن ماجة / كتاب التجارات / من باع عيبا ../ ص 359/ح 2247
ج . من أشار لأخيه بحديدة :

[46] روى مسلم: عن عَمْرُو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو القَاسِمِ صلى الله عليه و آله وسلم : «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَتُهُ حَتَّى بَدَعَهُ وَإنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»(1) .

[47] وقال أحمد: عن يَزِيدِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم: قَالَ«المَلائِكَةُ تَلْعَنُ أَحَدَكُمْ إِذَا أَشَارَ لِأَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»(2).

[48] ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ صلى الله عليه و آله وسلم: «المَلَائِكَةُ تَلْعَنُ أَحَدَكُمْ إِذَا أَشَارَ لِأَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»(3).

[49] ورواه ابن أبي شيبة بنفس السند (4).

رابعاً : من لعنه الله والأنبياء وهم ستة
اشارة

أ- الزائد في كتاب الله.

ب- المكذب بقدر الله

ج_- المتسلط بالجبروت.

د- المستحل لحرم الله .

ه-التارك للسنة .

و- المستحل من العترة ما حرم الله.

ص: 501


1- صحيح مسلم كتاب البر والصلة / النهي عن الإشارة بالسلاح../ ص 977/ ح 6700
2- مسند أحمد أبي هريرة / ج 2 / ص 343/ 7495
3- مسند أحمد بن حنبل : 2 / 343، [حديث : 7495]
4- مصنف ابن أبي شيبة كتاب الفتن / ب: 1/ ج8 / ص 480 / ح 37375

[50] روى الترمذي: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم: «سِتَةٌ لَعَنْتُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللهُ وَكُلُ نَبِيٍّ كَانَ: الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللهِ وَالْمُكَذَّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ وَالمُتَسَلَّطُ بِالجَبَرُوتِ لِيُعِزَّ بِذَلِكَ مَنْ أَذَلَّ اللَّهُ وَيُذِلُّ مَنْ أَعَزَّ اللَّهُ وَالْمُسْتَحِلُّ جُرمِ اللَّه وَالمُسْتَحِلُ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي»(1).

[51] ورواه الحاكم: عن عبد الله بن جعفر بن درستويه الفارسي، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال الرجال، عن عبيد الله موهب عن عمرة عن عائشة ... الحديث(2).

[52] وأبو نعيم الأصبهاني: عن ابراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن اسحاق ثنا قتيبة ثنا ابن أبي الموالي...(3).

[53] وقال الحاكم: عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب، قال:

سمعت علي بن الحسين يحدث عن أبيه، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله والمستحل لحرم الله»(4).

رابعا : من لعنهم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

أ- من لعنه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من القبائل :

ص: 502


1- سنن الترمذي كتاب القدر/ الرضا بالقضاء/ ص 200/ ح 2154
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم كتاب الإيمان أما حديث معمر / ج 1 / ص 131/ ح 102
3- معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني / ج 2 / ص 15
4- المستدرك - للحاكم / كتاب التفسير / سورة الليل / ج 3 / ص 128 / 3991

[54] روی مسلم: حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحَ الْمِصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ الغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فِي صَلَاةٍ: «اللهُمَّ العَنْ بَنِي حِيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ و عُصَیَّةَ..»(1).

[55] وروى مسلم حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ. حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ وَهُوَ : ابْنُ عَمْرٍو عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ الحَارِثِ بْنِ خُفَافٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ خُفَافُ بْنُ إِيمَاءِ: رَكَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : «.. اللهُمَّ العَنْ بَنِي حِيَانَ وَالعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ ثُمَّ وَقَعَ سَاجِدًا قَالَ خُفَافٌ فَجُعِلَتْ لَعْنَةُ الكَفَرَةِ مِنْ أَجْلٍ ذَلِكَ»(2).

[56] مسلم : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْن أَبي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يقول والله لأقربَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الظُّهْرِ وَالعِشَاءِ الآخِرَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الكُفَّارَ(3).

[57] ورواه البخاري : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى ...(4).

[5] وروى مسلم : وحَدَّثَنَا عَمْرُو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عامِرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّة ...(5).

ص: 503


1- صحيح مسلم كتاب المساجد استحباب القنوت../ ص 237 / ح 1566
2- نفس المصدر السابق / كتاب المساجد / استحباب القنوت / ص /237 / ح 1565
3- صحيح مسلم / كتاب المساجد استحباب القنوت / ص 236 / ح1553
4- صحيح البخاري / كتاب المغازي/ غزوة الرجيع ../ ص 742/ ح 4090
5- صحیح مسلم / كتاب المساجد / استحباب القنوت ../ ص 237/ ح 1560 و 1561

[59] ورواه النسائي : عن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ...(1).

[60] ورواه أحمد عن الأَسْوَدِ بْنُ عامِرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ..(2)

[61] روى أحمد: عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ الغِفَارِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم الصُّبْحَ وَنَحْنُ مَعَهُ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ لحِيَانًا وَرِعْلًا وَذَكْوَاناً، وَعُصَيَّةَ عَصَتْ الله وَرَسُولَهُ»(3).

[62] وروى أحمد : عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَمْدَادَ العَرَبِ كَثُرُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم حَتَّى غَمُوهُ وَقَامَ إِلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ يَفْرِجُونَ عنه، حَتَّى قَامَ عَلَى عَتَبَةِ عَائِشَةَ فَرَهِقُوهُ، فَأَسْلَمَ رِدَاءَهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَوَثَبَ عَلَى العَتَبَةِ فَدَخَلَ وَقَالَ: «اللهُمَّ العَنْهُمْ ..»(4).

[63 ] وقال أيضاً : ... عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ الله العَنْ أَهْلَ اليَمَنِ فَإِنَّهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَصِينَةٌ حُصُوتُهُمْ فَقَالَ: لا، ثُمَّ لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم الأَعْجَمِينَ(5).

[64] وقال أحمد: عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَعْرِضُ يَوْمًا خَيْلًا وَعِندَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بن بَدْرِ الفَزَارِيُّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ صلى الله عليه و آله وسلم:«...لَعَنَ الله الملوك الأَرْبَعَةَ جَمَدَاءَ وَمُحْوَسَاءَ وَمِشْرَخَاءَ وَأَبْضَعَةً وَأُخْتَهُمُ العَمَرَّدَةَ». ثُمَّ قَالَ: «أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَلْعَنَ قُرَيْشًا مَرَّتَيْنِ فَلَعَنتُهُمْ وَأَمَرَنِي أَنْ أُصَلِّي عَلَيْهِمْ فَصَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ مَرَّتَيْنِ ...»(6).

ص: 504


1- السنن الصغرى للنسائي / كتاب التطبيق / باب اللعن في القنوت / ص 165 / 1079
2- مسند أحمد / انس بن مالك / ج 3 / ص 317 / ح 1733
3- نفس المصدر / إيماء بن رحضة / ج 4 / ص / 71/ ح 16575 [4/ 57]
4- مسند أحمد / ج 6 / ص 120 [107]/ح 24818
5- نفس المصدر / ج 4 / ص 226[184] / ح 17665
6- نفس المصدر / ج 4 / ص 472[4 / 387]/ ح 19364، وج 4 / ص 473[4 /487] / ح/ 19369
ب - من لعنه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من الأشخاص :

[65] روى البخاري : عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوع مِنْ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ الفَجْرِ يَقُولُ: «اللهُمَّ العَنْ فُلانا وفلانا وَفُلَانًا..» وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ(1).

[66] ورواه أحمد: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «اللهُمَّ العَنْ فُلَانًا اللهُمَّ العَنْ الحَارِثُ بْنَ هِشَامِ اللَّهُمَّ العَنْ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرِو اللهُمَّ العَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ. قَالَ: فَتَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ»(2).

[67] روى الترمذي: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَوْمَ أُحَدٍ: اللهُمَّ العَنْ أَبَا سُفْيَانَ اللهُمَّ العَنْ الحَارِثَ بْنَ هِشَامِ اللهُمَّ العَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ . قَالَ : فَنَزَلَتْ «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ ... »(3)

[68] روى البيهقي : كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام ، فنزلت «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ» إلى قوله «ظَالِمُونَ» . وقد روي هذا عن عمرو بن حمزة ... إلا أنه ذكر أبا سفيان بدل سهيل(4).

[69] روى أحمد: عن ابن عمر: أنه سمع رسول الله صلى الله علي و آله وسلم قال في صلاة الفجر، حين رفع رأسه من الركعة قال: «ربنا ولك الحمد في الركعة الآخرة، ثم قال: «اللهم العن

ص: 505


1- صحيح البخاري / كتاب المغازي ليس لك من الأمر/ ص737/ 4069
2- مسند أحمد بن حنبل / ج 2 / ص 127[93] / 5676
3- سنن الترمذي كتاب تفسير .. / باب 4/ ج 4 / ص 78 / ح 3004
4- السنن الكبرى للبيهقي / كتاب الصلاة / ج 3 / ص 49 / 3212

فلانا، وفلانا».دعا على ناس من المنافقين فأنزل الله تعالى: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ»(1) .

[70] روى الطبراني قائلاً: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بن يَحْيَى السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ بندَارٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بن الصَّبَّاح المِسْمَعِيُّ ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بن حُدَيْرٍ، أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي مجلزِ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ وَالْمُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ الحَسَنَ بن عَلِيٍّ عَمِيُّ، وَإِنَّ لَهُ كَلامًا وَرَأَيَا ، وَإِنَّهُ قَدْ عَلِمْنَا كَلامَهُ، فَيَتَكَلَّمُ كَلامًا فَلا يَجِدُ كَلامًا ، فَقَالَ : لا تَفْعَلُوا، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَصَعِدَ عَمْرُو الْمِنْبَرَ ، فَذَكَرَ عَلِيًّا وَوَقَعَ فِيهِ، ثُمَّ صَعِدَ المُغِيرَةُ بن شُعْبَةَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي عَلي علیه السلام، ثُمَّ قِيلَ لِلْحَسَنِ بن عَلَيَّ علیهما السلام: اصْعَدْ، فَقَالَ: لا أَصْعَدُ وَلا أَتَكَلَّمُ حَتَّى تُعْطُونِ إِنْ قُلْتُ حَقًّا أَنْ تُصَدِّقُونِي، وَإِنْ قُلْتُ بَاطِلا أَنْ تُكَذِّبُونِي، فَأَعْطَوْهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: بِاللَّهِ يَا عَمْرُو وَأَنْتَ يَا مُغِيرَةٌ تَعْلَمَانِ أَنْ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللهُ السَّائِقَ وَالرَّاكِبَ، أَحَدُهُمَا فُلانٌ؟» قَالا: اللهُمَّ نَعَمْ بَلَى، :قَالَ: أَنْشُدُكَ الله يا مُعاوِيَةُ وَيَا مُغِيرَةُ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم: لَعَنَ عَمْرًا بِكُلِّ قَافِيَةٍ قَالَهَا لَعْنَةً؟ قَالا: اللهُمَّ بَلَى، قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عَمْرُو وَأَنْتَ يَا مُعاوِيَةُ بن أَبِي سُفْيَانَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم لَعَنَ قَوْمَ هَذَا ؟ قَالا: بَلَى ، قَالَ الحَسَنُ : فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي وَقَعْتُمْ فِيمَنْ تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(2).

[71] وروى أيضاً : عن ابن عباس... أفطر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بعرفة، وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه، وقال: «لعن الله فلاناً، عمدوا إلى أعظم أيام الحج فمحوا زينته، وإنّما زينة الحج التلبية»(3).

ص: 506


1- مسند أحمد بن حنبل / عبد الله بن عمر / ج 2 / ص 200/ ح 6354
2- المعجم الكبير للطبراني / ج 2 / ص 202 - 203 / ح2632 / بقية أخبار الحسن بن علي رضي 203 الله تعالى عنهما
3- نفس المصدر السابق / ج 1 / ص 285 [1 / 217] / 1875

[72] وروى أيضاً .... عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إِنَّ فِي وَجْهِ سَعْدِ لَخَبَرًا. قَالَ قُتِلَ كِسْرَى قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم: لَعَنَ الله كِسْرَى إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ هَلَاكًا العَرَبُ ثُمَّ أَهْلُ فَارِسَ»(1).

[73] روى ابن عساكر عن عمرو بن مرة - وكانت له صحبة قال: جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فعرف كلامه فقال: «ائذنوا له،حية- أو ولد حية – عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنون، وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا ويُوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعظمون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق»(2).

[74] ورواه المتقي الهندي(3).

[75] والذهبي(4).

ج - لعنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على اليهود :

[76] البخاري عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر .... يقول : قاتل الله فلانا ألم يعلم أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، قال : «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها، فباعوها» تابعه جابر، وأبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم(5).

ص: 507


1- نفس المصدر السابق / ج 2/ ص 674[2 / 513] / ح 10666
2- تاریخ دمشق للإمام الحافظ ابن عساكر (ت. 571ه): 60 / 230 ، [ مروان بن الحكم الأموي]
3- كنز العمال للمتقي الهندي / ج 11 / ص 160 / ح 31726/ كتاب الفتن والأهواء والإخلاف/ قسم الأفعال/ . وينظر حديث رقم: 31727، 31728، 31729، 31730، 31731، 31732، 31737
4- ميزان الاعتدال للذهبي / ج 2 / ص 220 [2/151]
5- صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء ما ذكر عن بني.../ ص 636 / ح 3460

[77] وروى مسلم عن ابن عباس قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمرا، فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها، فباعوها»(1).

[78] وروى أحمد عن ابن عباس، ذكر لعمر أن سمرة - وقال مرة بلغ عمر أن سمرة - باع خمرا، قال: قاتل الله سمرة، إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها»(2).

[79] روى البيهقي : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم في المسجد فرفع بصره إلى السماء فتبسم وقال: «لعن الله اليهود لعن الله اليهود لعن الله اليهود إن حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه»(3).

د - لعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم السارق:

[80] روى البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «العن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده»(4).

[81] ورواه أيضا : حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبد الواحد: حدثنا الأعمش...(5).

ص: 508


1- نفس المصدر السابق / كتاب المساقاة / باب تحريم بيع الخمر / ص 595/ ح 4066
2- مسند أحمد / مسند عمر / ج 1 / ص 33 / 171
3- السنن الكبرى / كتاب الضحايا / ج 14 / ص 374/ 20178
4- صحيح البخاري / كتاب الحدود لعن السارق ../ ص 1231 / 6783
5- نفس المصدر السابق كتاب الحدود / باب قول الله تعالى ../ ص 1233 / 6799
ه - لعن رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فِي الخَمْرِ عَشْرة:

[82] روى الترمذي: أَنَسِ بْنِ مَالِكِ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم «فِي الخَمْرِ عَشْرةً عاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةً إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالمُشْتَرِي لَهَا وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ»(1).

[83] وأبو داود(2).

[84] روى ابن ماجة : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم :«لُعِنَتْ الخَمْرُ عَلَى عَشْرَةِ أَوْجُهِ بِعَيْنِهَا وَعاصِرِهَا وَمُعْتَصِرِهَا وَبَائِعِهَا وَمُبْتَاعِهَا وَحَامِلِهَا وَالمَحْمُولَةِ إِلَيْهِ وَآكِلِ ثَمَنِهَا وَشَارِبِهَا وَسَاقِيهَا»(3).

[85] روى أحمد والحاكم : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ»(4) .

و- لعن الربا وموكله وكاتبه وشاهده :

[86] روى البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم الوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَكَسْبِ البَغِيُّ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ(5).

[87] وروى البخاري: عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ ... وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُو كِلَهُ

ص: 509


1- السنن / كتاب البيوع / باب 59/ ص 309/ ج 2 / ح 1295
2- سنن أبي داوود كتاب الأشربة / ص 20 - 25/ 3674
3- سنن ابن ماجة / كتاب الأشربة / باب لعنت الخمر .../ ص 549/ ح 3380
4- مسند احمد عبد الله بن عمر / ج 2 / ص 97 / 5718
5- صحيح البخاري كتاب الطلاق مهر البغي والنكاح الفاسد/ ص 1004 / ح 5345 /

وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ وَالمُصَوِّرَ(1).

[88] روی مسلم: عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ سَأَلَ شِبَاكٌ إِبْرَاهِيمَ فَحَدَّثَنَا عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَه ...(2).

[89] وروى مسلم عن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه(3).

[90] روى أبو داود: عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَه (4).

[91] والترمذي عن جابر قال : لعن رسول الله عله الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه(5).

[92] النسائي: عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَكَاتِبُهُ إِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ وَالوَاشِمَةُ وَالمَوْشُومَةُ لِلْحُسْنِ وَلَاوِي الصَّدَقَةِ وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الهِجْرَةِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّد صلى الله عليه و آله وسلم يَوْمَ القِيَامَةِ(6).

[93] :أحمد عَنْ عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم آكِلَ الرَّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ ...(7).

ص: 510


1- نفس المصدر السابق كتاب اللباس / باب من لعن المصور / ح5962 / ص 1098
2- صحیح مسلم کتاب المساقاة / باب لعن آكل الربا ... / ح 4109 / ص 600
3- نفس المصدر السابق كتاب المساقاة / باب لعن آكل الربا ... / ح 4110 / ص 600
4- سنن أبي داود كتاب البيوع في آكل الربا / ص 536 / 3333
5- سنن الترمذي / كتاب البيوع / باب / ج 2 / ص 256 / ح 1206
6- سنن النسائي / كتاب الزينة / باب - 25/ ح 5104 / ص 727
7- مسند أحمد بن حنبل / علي بن أبي طالب / ج 1 / ص 133 / ح 847
ز- لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء :

[94] البخاري: عن مُحَمَّد بْن بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم المُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ والمتشبُهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ(1).

[95] ورواه البخاري عن مُعاذ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ (2).

[96] وأيضاً : عن مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ(3).

[9] أبو داود: بنفس السند عن مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ(4).

[98] والترمذي: عن مَحْمُود بن غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ ...(5).

[99] وأحمد: عن خَلَف بْن الوَلِيدِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ...(6).

[100] وروى أحمد عن أَسْوَد بن عامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ تُوَيْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم المُخَنَّثِينَ مِنْ الرَّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ(7).

[101] وروى أحمد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم لَعَنَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ المَرْأَةِ وَالَمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُل(8) .

ص: 511


1- صحيح البخاري / كتاب اللباس / المتشبهون بالنساء / ص 1090 / 5885
2- نفس المصدر السابق كتاب اللباس / باب إخراج المتشبهين / ص 1090 / ح 5886
3- نفس المصدر السابق الحدود / باب نفي أهل المعاصي ../ ص 1240 / 6834
4- سنن أبي داود كتاب الأدب / الحكم في المخنثين / ص 772/ ح 4930
5- سنن الترمذي/ كتاب الأدب/ المتشبهات بالرجال / ج 3 / ح 2784/ ص 531
6- مسند احمد بن حنبل / مسند ابن عباس / ج 1 / ص 225 / 1987
7- نفس المصدر السابق / مسند ابن عمر / ج 2 / ص 90 / 5327
8- نفس المصدر السابق / ج 2 / ص 435 [2 / 325] / ح 8329

[102] وروى البخاري .... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَلَانًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا(1).

[103] ورواه أحمد بطرق عدة(2).

ح - لعن الراشي والمرتشي:

[104] روى أبو داود: عَنْ عبد الله بن عمرو قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِي(3).

[105] وابن ماجة: عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :«لعنة الله على الراشي والمرتشي»(4).

[106] وأحمد: عن ابن عمر...(5).

[107] والحاكم عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما(6).

ص: 512


1- صحيح البخاري / ص 1090 [ حديث: 5886]
2- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 297 ، 312[1 / 225 ، 238] ، حدیث : [1987، 2128]، وينظر نفس المصدر السابق: 1/ 333 [1 / 254] حديث : [2295] ، و 2 / 90، 124 [2 / 66، 91] ، حدیث [5651،5327]
3- سنن أبي داود كتاب الأقضية باب في كراهية الرشوة/ ح 3580/ ص568
4- سنن ابن ماجة / كتاب الأحكام / 2 - باب التغليظ .../ ص 369/ ح2313
5- مسند احمد بن حنبل / مسند عبد الله بن عمرو / ج 2 / ص 212 / ح 7000
6- المستدرك للحاكم كتاب الأحكام / ج 5 / ص 32/ ح 7220
ط - لعن من فرق بين الوالد ،وولده، والأخ وأخيه:

روى ابن ماجة: عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا وَبَيْنَ الأَخِ وَبَيْنَ أَخِيهِ(1).

ي - لعن نباش القبور:

[109] روى مالك: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم الْمُخْتَفِي وَالْمُخْتَفِيةَ يَعْنِي نَبَّاشَ القُبُورِ(2).

ك - لعن المحلل والمحلل له:

[110] روى أبو داود: عن علي علیه السلام، قال إسماعيل: وأراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : «العن الله المحلل والمحلل له»(3).

[111] وابن ماجة : عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ(4).

[112] ورواه ابن ماجة: عَنْ ابْنِ عَبَّاس...(5).

[113] ورواه أيضاً: عن عُقْبَة بن عامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «أَلَا أُخْبِرُكُمْ

بِالتَّیسِ المُسْتَعا». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ الله . قَالَ«هُوَ المُحَلِّلَ لَعَنَ الله المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ لَهُ»(6).

ص: 513


1- سنن ابن ماجة كتاب التجارات / النهي عن التفريق ../ ص 359/ ح 2250
2- الموطأ / كتاب الجنائز / باب ما جاء في الاختفاء / ص 176 / ح 44
3- سنن أبي /دود كتاب النكاح في التحليل .../ ص 332/ ح 2076
4- سنن ابن ماجه / كتاب النكاح / المحلل ../ ص 306/ ح 1935
5- نفس المصدر السابق / كتاب النكاح / المحلل ../ ص 309/ ح 1934
6- نفس المصدر السابق / كتاب النكاح المحلل ../ ص 309/ ح 1936
ل - لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة:

ل - لعن الواصلة(1)، والمستوصلة، والواشمة(2) والمستوشمة

[114] روى البخاري: عن مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عُبَيْد الله أخبرني نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ»(3).

[115] وروى البخاري أيضاً : سألت امرأة النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقالت: يا رسول الله، إن : ابنتي أصابتها الحصبة، فامرق سقط شعرها، وإني زوجتها، أفأصل فيه؟ فقال: «لعن الله الواصلة والموصولة»(4).

[116] ورواه أيضاً : عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ : لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَمَنْ هُو فِي كِتَابِ الله ! فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»؟ قَالَتْ: بَلَى قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ(5).

[117] وروى عَنْ عَبْدِ الله رضي الله عنه قَالَ: لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الوَاصِلَة (6).

ص: 514


1- الواصلة : التي تصل شعرها بشعر آخر. (غريب الحديث - لأبن الجوزي - ج 2 / ص 471)
2- الواشمة : هو أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بالكحل
3- صحيح البخاري / كتاب اللباس / المستوشمة / ص 1097 / ح 5947
4- نفس المصدر السابق كتاب اللباس / الموصولة / ص 1096 / ح 5941
5- صحيح البخاري / ص 913 / 65 - كتاب تفسير القرآن - باب 3/ ، ح4886 ، وينظر نفس المصدر : 1096 [77 كتاب اللباس - باب: 84] ، ح 5943،5939، 5948
6- نفس المصدر السابق ص 913 / 65 - كتاب تفسير القرآن - باب: 3/ 4887

[118] والترمذي : عن سُوَيْد أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ الله بن عمر ...(1).

[119] روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة(2).

[120] وروى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر : لعن الله الواصلة والمستوصلة(3).

[121] وابن ماجة(4).

[122] روى النسائي : عن ابن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم المواصلة والمتصلة، والواشمة والموتشمة(5).

[123] روى البخاري: عن عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله رضي الله عنه : لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوشِمَاتِ وَالمتنمصاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ الله ما لي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَهُوَ فِي كِتَابِ الله (6).

[124] روى النسائي : كان عبد الله يقول : لعن الله المتوشمات، والمتنمصات والمتفلجات ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم(7).

م - لعن من مثل بالبهائم

[125] روى البخاري : عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَعَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم مَنْ مَثَّلَ

ص: 515


1- سنن الترمذي / كتاب الذبائح ما جاء في مواصلة الشعر/ ح 1759
2- صحیح مسلم / كتاب اللباس / تحريم فعل الواصلة / ص 816/ ح 5590
3- نفس المصدر السابق كتاب اللباس / تحريم فعل الواصلة / ص 815/ ح 5584
4- سنن ابن ماجة كتاب النكاح / باب الواصلة ../ ص 317 / ح 1988
5- السنن الصغرى/ كتاب الزينة/ باب 71 ص 745 / ح 5253
6- صحيح البخاري / كتاب اللباس / المستوشمة / ص 1097 / 5948
7- السنن الصغرى للنسائي / كتاب الزينة / باب 72../ ص 745 / ح 5257

بالحَيَوَانِ..(1).

[126] روى النسائي: عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «يقول : لعن الله من مثل بالحيوان»(2).

[127] روى البيهقي بسنده عن عبد الله بن عمر ...(3).

[128] روى مسلم عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه(4).

[129] روى البخاري: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ أَوْ بنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا(5).

[130] روى مسلم: عن سعيد بن جبير قال مر ابن عمر بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها، فقال ابن عمر من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعن من فعل هذا(6).

[ 131 ] روى أحمد بطرق عدة ... أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ قَالَ:

أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَلَى قَوْمٍ يَتَعَاطَوْنَ سَيْفًا مَسْلُولًا فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا أَوَلَيْسَ قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا؟» ثُمَّ قَالَ: «إِذَا سَلَّ أَحَدُكُمْ سَيْفَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يُنَاوِلَهُ

ص: 516


1- الصحيح / كتاب الذبائح والصيد/ ص 1033 / 5515
2- السنن الصغرى للنسائي / كتاب الضحايا النهي عن المجثمة / ص 643 / ح4444
3- السنن الكبرى للبيهقي / ج 13 / ص 378 / ح 18644
4- صحيح مسلم كتاب اللباس / النهي عن ضرب الحيوان../ ص 814/ ح 5571
5- صحيح البخاري كتاب الذبائح والصيد/ ص 1033/ ح 5515
6- صحيح مسلم / كتاب الصيد / النهي عن صبر البهائم / ص 753 / ح 5083

أَخَاهُ فَلْيُغْمِدُهُ ثُمَّ يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ(1).

ن - الذين يشققون الكلام

[132] روى أحمد: عَنْ مُعاوِيَةَ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم الَّذِينَ يُشَقَّقُونَ الكَلَامَ تَشْقِيقَ الشِّعْرِ(2).

س - من اتخذ شيئاً في الروح

[133] روى أحمد: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَمَرَرْنَا بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَصَبُوا طَيْرًا يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِب الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ الله مَنْ فَعَلَ هَذَا؟! إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم «قال : لَعَنَ الله مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا»(3).

ع - من مثل في الحيوان ومن وسمه في وجهه

[134 ] روى أحمد:.. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم حِمَارًا قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: «لَعَنَ الله مَنْ فَعَلَ هَذَا»(4).

[135] روى أحمد .... قالَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم: «لَعَنَ اللهُ مَنْ يُمَثِّلُ بِالحَيَوَانِ»(5).

ص: 517


1- مسند أحمد بن حنبل / ج 5 / ص 52 [5/ 42] ، حدیث : [20453]، وينظر نفس المصدر : 3/ 426 [3 / 347] ، حدیث : [14754]
2- مسند أحمد بن حنبل / ج 4 / ص 122 [4 /98] / 16905
3- مسند أحمد بن حنبل / ج 2/ ص 191 [2 / 141]/ 6264
4- نفس المصدر السابق / ج 3 /ص 364[3/ 297]/ ح 297
5- نفس المصدر السابق / ج 2 /ص 140 [2 / 103] / 5803
الشبهة الثانية

يدعي المخالفون: بأن الشيعة تلعن صحابة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الذين رضي الله عنهم وأرضاهم؟

الرد

أولاً : إن هذه المسألة من أكبر الإدعاءات على الشيعة بأنهم يلعنون الصحابة المقربين من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، بينما هنا يلتبس على المخالفين تمييز من هم الصحابة الذين رضي الله عنهم وأرضاهم، فهم يقولون بحصانة كل من رأى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، والشيعة تقول نرى أعمال الصحابة حتى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هل هم سائرون على نهجه، أم خرجوا على ذلك المنهاج الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فمثلاً: سمرة بن جندب الذي يعد من كبار الصحابة عند العامة، فقد لعنه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عندما علم أنه يبيع الخمر فقد روى مسلم : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللهُ سَمُرَة(1). أَلم يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاءُوهَا(2).

ثانياً : أليس الحق أن يلعن المسلم من لعنه الله، وأجاز بلعنه؟. وإذا أردنا معرفة من

يستحق اللعن فلن نخرج عن دائرة هذه الآيات الثلاثة:

الذين يؤذون النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

ص: 518


1- قال الفراء ... وقاتله الله : أي : لعنه الله . لسان العرب / مادة (قتل)
2- صحیح مسلم کتاب المساقاة / تحريم بيع الخمر ../ ص 595/ ح 4066. إذن فذم الخليفة عمر بن الخطاب السمرة بن جندب دليل على هدم قاعدة حصانة كل من رأى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم التي يتمسك بها علماء العامة بل يخرج أمثال هؤلاء في تلبسهم بعنوان الصحابة، وإلا لكان عمر بن الخطاب لاعن للصحابة فلا يعاب علينا أن وقع منا ما وقع منه.

وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا»

الذين يخفون أمر الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ».

الذين يكذبون على الله تعالى:«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ»، هنا نأتي بمثال عن كل آية:

أولاً : لابد من معرفة هذا السؤال :(هل للآية الكريمة الأولى مصداق خارجي؟)

أي هل هناك شخص آذى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، ولمعرفة الجواب لابد من الرجوع إلى روايات القوم. فنقول: قد روى البخاري: عنْ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «قَالَ فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي»(1).

وروى أيضاً: عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم سَأَلَتْ أَبَا بَكْرِ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا أَبو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ الله قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ (2). وعند الجمع بين الرواية والآية الكريمة المتقدمة يتبين لنا الجواب.

ثانياً : الذين يخفون أمر الله

ومن أهم الأمور المخفية هي أمر الولاية :

ص: 519


1- صحيح البخاري / كتاب فضائل الصحابة / باب 12 / ص 678
2- صحيح البخاري / كتاب فرض الخمس / باب : 1 / ص 567

عن عميرة بن سعد، قال: شهدت علياً على المنبر ناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنس بن مالك وهم حول المنبر... فقال علي: «نشدتكم بالله هل سمعتم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه»؟ فقاموا كلهم فقالوا: اللهم نعم ، وقعد رجل فقال: «ما منعك أن تقوم» ؟ قال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: «اللهم إن كان كاذباً فاضربه ببلاء حسن». قال: فلما مات رأينا بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة(1).

إذن من أخفى أمر ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يستحق اللعن من الله تعالى ومن الناس بشهادة الآية المتقدمة.

ثالثاً : الذين يكذبون على الله

إن من وضع حديثاً ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فهو كذب على الله، لأن كلام رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو ما يريده الله من عبادة أن يلتزموا فيه قال تعالى«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(2)، فإذا ثبت الكذب على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فسوف تشمل اللعنة على الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فمثلاً : قد ثبت البخاري في صحيحه هذا الحديث: لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ(3). وفي نفس الكتاب يثبت البخاري أن بيت أبي بكر يقع على بعد أميال عن مسجد الرسول صلى الله عليه و آله وسلم في منطقة السنح، فكيف يأمر الرسول بشيء مستحيل تحقيقه فيتبين أن الحديث الأول وضع مقابل حديث: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم أَمَرَ بِسَدُ الأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ عَلِيَّ(4).

ص: 520


1- حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني طلحة بن مصرف / ج 5/ ص 30
2- سورة النجم آية: 3-4
3- صحيح البخاري / كتاب فضائل الصحابة/ باب: 3/ ص666/
4- سنن الترمذي / كتاب المناقب / مناقب علي بن أبي طالب/ ج 4/ ص 481
الشبهة الثالثة

يعتقد البعض أن اللعن ليس من صفات المؤمنين، وأنها من الصفات المنبوذة في الإسلام وجاءت روايات كثيرة تدل على هذا التوجه بأن اللعن ظاهرة غير إسلامية. منها:

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ الله فَاحِشَاً وَلَا لَعَّانًا وَلَا سَبَّابًا ...(1).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَا يَنبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا»(2).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم ادْعُ عَلَى المُشرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّما بُعِثْتُ رَحمَةً»(3).

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّعَّانِینَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ»(4).

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم: «لا يَكُونُ المُؤْمِنُ لَعَّانًا»(5).

الرد

نحتاج في الرد على هذه الشبهة الإجابة عن هذا السؤال: هل هناك لعن شرعي لا يحرمه الإسلام، ولعن غير شرعي ؟ .

أولاً : إذا لم يكن هناك لعن شرعي من قبل الشارع الإسلامي المقدس، فما معنى

ص: 521


1- صحيح البخاري / كتاب الأدب/ ما ينهى من السباب / ص 1112/ ح 6046 /
2- صحیح مسلم / كتاب البر والصلة / النهي عن لعن الدواب../ ص 970/ ح 6642/
3- نفس المصدر السابق / كتاب البر والصلة / النهي عن لعن الدواب ../ ص 970/ ح 6647 /
4- نفس المصدر السابق كتاب البر والصلة / النهي عن لعن الدواب../ ص 970/ ح 6646 /
5- سنن الترمذي كتاب البر والصلة باب : 72/ ج 3 / ص 120 / ح 2019/

الآيات القرآنية والأحاديث الكثيرة لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم التي ورد فيها اللعن الصريح والتي ذكرنا منها ما يقارب (مئة حديث) في المباحث السابقة.

ثانياً:

ورد هذا المعنى (اللعن الشرعي) من بعض الصحابة وعلماء القوم، قال النووي: في شرح هذه الأحاديث: وَإِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه و آله وسلم: «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَانًا، وَلَا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُفَعاء» بِصِيغَةِ التَّكْثِير، وَلَمْ يَقُل: لَاعِنا وَاللَّاعِنُونَ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ في الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ كَثرَ مِنْهُ اللَّعن لَا لِمَرَّةٍ وَنَحْوهَا، وَلِأَنَّهُ يَخْرُج مِنْهُ أَيْضًا اللعن المباح، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْع بهِ، وَهُوَ لَعْنَهُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ ، لَعَنَ الله اليهود وَالنَّصَارَى، لَعَنَ الله الوَاصِلَة وَالوَاشِمَة، وَشَارِب الخَمْر وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِله وَكَاتِبِهِ وَشَاهِدَيْهِ، وَالْمُصَوِّرِينَ، وَمَنْ انتَمَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ، وَتَوَلَّى غَيْر مَوَالِيهِ، وَغَيَّرَ مَنَارِ الأَرْضِ، وَغَيْرهمْ مِمَنْ هُوَ مَشْهُور في الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة(1).

وقال أيضاً: «وأما لعن الإنسان بعينه ممن اتصف بشيء من المعاصي كيهودي أو نصراني،.. أو سارق أو آكل ربا فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام»(2).

وقال ابن حجر العسقلاني: «لا حجة .. لمنع لعن الفاسق المعين مطلقاً»(3).

وقال: «واحتجّ شيخنا الإمام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح وهو في الصحيح، وقد توقف فيه بعض من لقيناه بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم وعلى التسليم فليس في الخبر تسميتها، والذي قاله شيخنا أقوى فإن الملك

ص: 522


1- شرح النووي على مسلم / ج 16 / ص 149
2- الأذكار للنووي ص 354
3- فتح الباري لابن حجر العسقلاني / ج 12/ ص 89/ ح 6781

معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع والبحث في جواز لعن المعين وهو الموجود»(1).

فإذا رفض بعض علماء السنة اسلوب اللعن مطلقاً حتى على إبليس، فكيف بهم؟ إذ هم لا يعملون بما يقولون فمن أمثلة ذلك :

1 - قول ابن حجر في الصواعق المحرقة : الخوارج لعنهم الله(2).

2 - قول أبي حنيفة : لعن الله عمرو بن عبيد، هو فتح على الناس الكلام(3).

3- صرح جماعة من علماء السنة بجواز لعن يزيد بن معاوية، منهم:

أ. الإمام العلامة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى (597ه)، وألف بذلك كتاباً صرّح فيه بجواز لعن يزيد وكفّره أسماه: (الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد).

ب. القاضي أبو يعلي.

ج_ . العلامة التفتازاني.

د . جلال الدين السيوطي

ه . العلامة أبو الفضل شهاب الدين الآلوسى البغدادي(4).

وصرح الذهبي بحق الحجاج قائلاً:«وكان ظلوما، جبارا، ناصبيا خبيثا، سفاكا

ص: 523


1- فتح الباري لابن حجر العسقلاني / ج 12 / ص 90 / ح 6781
2- الصواعق المحرقة لابن حجر/ ص 186 / الفصل الثاني في فضائله رضي الله عنه وكرم وجهه
3- شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي / ص 524
4- ينظر روح المعاني للآلوسي / ج 12 ص 227 - 229 [سورة محمد الآيات 20-38]

للدماء.... فنسبُّه ولا نحبُّه، بل نبغضه في الله . فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان»(1) .

وجاء في إجابة ابن تيمية للمغولي بولاي: «ما تقولون في يزيد فقلت لا نسبه ولا نحبه فإنه لم يكن رجلا صالحا فنحبه ونحن لا نسب أحدا من المسلمين بعينه فقال أفلا تلعنونه أما كان ظالما أما قتل الحسين فقلت له نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله نقول كما قال الله في القرآن ألا لعنة الله على الظالمين ولا نحب أن نلعن أحدا بعينه وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا»(2).

وقال الفخر الرازي: «إن لعن من يستحق اللعن من القول الحسن والله أعلم»(3).

فبعد أن أوردنا أقوالاً للعلماء في مسألة اللعن نورد بعض اللعن الصادر من الصحابة.

ص: 524


1- سير أعلام النبلاء للذهبي / ج 4/ ص 343
2- مجموع الفتاوى لإبن تيمية / مجلد 2 / ج 4 / ص 253
3- تفسير الفخر الرازي / ج 2/ سورة البقرة آية: 89

لعن الصحابة للصحابة

1- عمر بن الخطاب يلعن الصحابي سمرة بن جندب

روى البخاري: قَالَ أَبُو عَبْد الله: قَاتَلَهُمْ اللهُ: لَعَنَهُمْ، قُتِلَ : لُعِنَ(1).

1- روى مسلم: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ سَمُرَةَ أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا»(2) .

2- روى البخاري: عن طَاوُسٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَنَّ فُلَاناً (3) بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللهُ فُلانًا أَلَمْ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قالَ: «قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ ...»(4).

3- روى ابن أبي شيبة عن مسروق قال : قال عمر : لعن الله فلانا فإنه أول من أذن في بيع الخمر...(5).

ص: 525


1- صحيح البخاري - (ج 7 /ص 465)
2- صحیح مسلم / كتاب المساقاة / تحريم بيع الخمر../ ص 595/ ح4066
3- انظر كيف يقوم بعض الرواة بتعمية الحقائق وتضليل الناس بعدم نقلهم الواقع كما هو، ففي رواية مسلم عن ابن عباس يذكر اسم سمرة بن جندب، وفي رواية البخاري والتي ينقلها عن نفس الطريق ابن عباس) لم يذكر فيها اسم سمرة ابن جندب بل يستخدم بدلاً منه (فلاناً)
4- صحيح البخاري - (ج 7/ ص 464)
5- مصنف ابن أبي شيبة / ج 8 ص 355

4 - رواه أيضاً : عن ابن عمر قال: قال عمر لعن الله فلانا...(1).

2 - أم المؤمنين عائشة تلعن الصحابي عمرو بن العاص

5 - روى الحاكم عن مسروق، قال : قالت لي عائشة ... بعد أن ذكر عندها أن عليّاً رضي الله عنه قتل ذا الثدية، فقالت لي : إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناسا ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد، فلما قدمت وجدت الناس أشياعاً فكتبت لها من كل شيع عشرة ممن شهد ذلك قال: فأتيتها بشهادتهم فقالت لعن الله عمرو بن العاص، فإنه زعم لي أنه قتله بمصر.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

6 - رواه البيهقي : عن مسروق ... قالت : لعن الله فلانا فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر، ثم أرخت عينيها فبكت فلما سكتت عبرتها، قالت: رحم الله عليا لقد كان على الحق ...(2).

تدعو على عثمان

7 - روى الطبري: قالت عائشة في شأن عثمان بن عفان: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر»(3).

وروى الذهبي وروى بشر بن شغاف عن عبد الله بن سلام قال: بينما عثمان يخطب فقام رجل فنال منه، فوذأته فاتذأ فقال رجل : لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلاً ، فإنه من شيعته، فقال له : لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح.

ص: 526


1- مصنف ابن أبي شيبة / ج 5/ ص 188
2- دلائل النبوة للبيهقي / ج 7 / ص 303
3- تاريخ الطبري / ج 3 / ص 12

وذأته : زجرته وقمعته .(1).

تدعو على معاوية ابن خديج وعمرو بن العاص

8 - قال ابن الأثير : وقد ذكر ابن جرير وغيره أن محمد بن أبي بكر نال من معاوية بن خديج هذا ومن عمرو بن العاص ومن معاوية ومن عثمان بن عفان أيضا، فعند ذلك غضب معاوية بن خديج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار، فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات(2).

9 - قال ابن الأثير : وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين المجاشعي [بعد انتصار علي علیه السلام في حرب الجمل] حتى اطلع في الهودج فقالت [عائشة] : إليك لعنك الله ! فقال: والله ما أرى إلا حميراء !(3).

10 - قال ابن كثير : بعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن خديج أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر ولا يقتله فقال معاوية: كلا والله أيقتلون كنانة بن بشر واترك محمد بن أبي بكر، وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء، وقد سألهم محمد بن أبي بكر أن يسقوه شربة من الماء فقال معاوية : لا سقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء أبدا، إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فتلقاه الله بالرحيق المختوم.

ص: 527


1- وقالوا لعثمان نعثلا تشبهاً له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية. والنعثل : الذكر من الضباع راجع: تاريخ الإسلام للذهبي / ج 2 / ص 155 ، وقال الخليل: قال الخليل بن أحمد الفراهيدي : النَعْثَلُ : الشَّيْخُ الأحمق، ويُقال : فيه نَعْثَلَةٌ أي حمق. وقال بعضُ الناس في عُثْمانَ : اقتُلُوا النَّعْثَلَ، يقال: شَبَّهَهُ بالضبع كما يقال في العربية: يا ثَوْرُ، يَا حِمارُ. والنَّعْثَلُ: الذيخ، وهو الذَّكَرُ من الضِبْعان راجع: كتاب العين للفراهيدي / ج 3 / ص 1811/ [نعثل]
2- البداية والنهاية لا بن كثير / ج 7 / ص 348 - 349
3- الكامل في التأريخ لابن الأثير / ج 3 / ص [3 / 129]

وقد ذكر ابن جرير وغيره أن محمد بن أبي بكر نال من معاوية بن خديج هذا ومن عمرو بن العاص ومن معاوية ومن عثمان بن عفان أيضا، فعند ذلك غضب معاوية بن خديج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار، فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات(1).

11 - وقال أبي الفداء: سنة ثمان وثلاثين فيها جهز معاوية عمرو بن العاص بعسكر إلى مصر، وكتب محمد بن أبي بكر يستنجد علياً، فأرسل إليه الأشتر فلما وصل الأشتر إلى القلزم، سقاه رجل عسلاً مسموماً فمات منه، فقال معاوية : إن الله جنداً من عسل وسار عمر وحتى وصل إلى مصر، وقاتله أصحاب محمد بن أبي بكر، فهزمهم عمرو، وتفرق عن محمد أصحابه، وأقبل محمد يمشي حتى انتهى إلى خربة فقبض عليه وأتوا به إلى معاوية بن خديح فقتله، وألقاه في جيفة حمار وأحرقه بالنار، ودخل عمرو مصر وبايع أهلها لمعاوية. ولما بلغ عائشة قتل أخيها محمد جزعت عليه وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية وعمرو بن العاص، وضمت عيال أخيها محمد إليها، ولما بلغ علياً مقتله جزع عليه وقال: عند الله نحتسبه(2).

12 - ورواه الطبري(3).

3 -الصحابي عبادة بن الصامت يشتم الصحابي معاوية بن أبي سفيان

13 - الذهبي : فأرسل فلان [معاوية] إلى أبي هريرة، فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة، أما بالغدوات، فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي،

ص: 528


1- البداية والنهاية لا بن كثير / ج 1 / ص 348 - 349
2- المختصر في أخبار البشر للملك عماد الدين أبي الفداء (732ه) / ج 1 / ص 249
3- تاريخ الطبري / ج 3 / ص 132 / سنة 37ه

فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ! قال: فأتاه أبو هريرة، فقال: يا عبادة، مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل(1).

14 - ابن عساكر أن عبادة أنكر على معاوية شيئاً فقال لا أساكنك بأرض فرحل إلى المدينة فقال له عمر ما أقدمك فأبره فقال ارحل إلى مكانك فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك فلا إمرة له(2).

4 - الصحابي سمرة بن جندب يلعن معاوية بن أبي سفيان

15 - الطبري: عن جعفر بن سليمان الضبعى قال أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ثم عزله فقال سمرة لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا(3).

5 - الصحابي معن بن يزيد يصف معاوية بن أبي سفيان

16 - ابن حجر وهذا الصحابي معن وهو من رجال معاوية وشاركه في حروبه كيف يصف معاوية، معن بن يزيد قال لمعاوية: ما ولدت قرشية من قرشي شراً منك(4).

6 - معاوية بن أبي سفيان يقتل محمد بن أبي بكر ويلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام

17- قال اليعقوبي: حج معاوية سنة أربع وأربعين، وقدم معه من الشام بمنبر فوضعه عند باب البيت الحرام... ثم كلمه الأنصار، فأغلظ لهم في القول، وقال لهم: ما

ص: 529


1- سير أعلام النبلاء للذهبي / ج 2 / ص 10
2- تاريخ دمشق لابن عساكر / ج 26 / ص 196
3- تاريخ الطبري / ج 4 / ص 217
4- الإصابة في معرفة الصحابة / ج 3 / ص 115

فعلت نواضحكم قالوا أفنيناها يوم بدر لما قتلنا أخاك وجدك وخالك ، ولكنا نفعل ما أوصانا به رسول الله قال: ما أوصاكم به؟ قالوا: أوصانا بالصبر. قال: فاصبروا. ثم أدلج معاوية إلى الشام، ولم يقض لهم حاجة.

وفي هذه السنة عمل معاوية المقصورة في المسجد وأخرج المنابر إلى المصلى في العيدين، وخطب الخطبة قبل الصلاة، وذلك أن الناس، إذا صلوا، انصرفوا لئلا يسمعوا لعن علي، فقدم معاوية الخطبة قبل الصلاة، ووهب فدكا لمروان بن الحكم ليغيظ بذلك آل رسول الله. واستعمل معاوية ابن أثال النصراني على خراج حمص، ولم يستعمل النصارى أحد من الخلفاء قبله(1).

في لعنه لعلي بن أبي طالب علیه السلام ولعن علي علیه السلام لمعاوية

18 - روى الطبري: قال ابن عباس قبّح الله رأي أبي موسى ! حدّرته وأمرته بالرأي فما عقل. فكان أبو موسى يقول: حذرني ابن عباس غدرة الفاسق، ولكني اطمأننت إليه، وظننت أنه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة. ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية، وسلموا عليه بالخلافة، ورجع ابن عباس و شریح بن هانىء إلى علي، وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمراً وأبا الأعور السُّلَمي وحبيباً وعبد الرحمن بن خالد والضحّاك بن قيس والوليد فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس والأشتر وحسناً وحسيناً(2).

19 - وقال أبو الفداء: كان خلفاء بني أمية يسبون عليّاً علیه السلام، من سنة إحدى وأربعين،وهي السنة التي خلع الحسن فيها نفسه من الخلافة، إلى أول سنة تسع وتسعين، آخر أيام سليمان بن عبد الملك، فلما ولي عمر [بن عبد العزيز] أبطل ذلك، وكتب إلى نوابه:

ص: 530


1- تاريخ اليعقوبي / ج 2 / ص 155
2- المصدر / ج 3 / ص 113/ سنة 37ه

بإبطاله، ولما خطب يوم الجمعة، أبدل السب في آخر الخطبة بقراءة قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»[سورة النحل / آية : 90]، فلم يسب علي بعد ذلك. واستمرت الخطباء على قراءة هذه الآية(1).

20 - روى أحمد بن حنبل قائلاً: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الجَدَلِي قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لِي أَيُسَبُّ رَسُولُ صلى الله عليه و آله وسلم فيكُمْ قُلْتُ مَعَاذَ الله أَو سُبْحَانَ الله أَو كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم:

يَقُولُ مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي(2).

7- لعن ابن عباس رضي الله عنه لمعاوية

21 - ورواه البيهقي : عن سعيد بن جبير :قال كنا عند ابن عباس بعرفة فقال: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبون؟ فقلت : يخافون معاوية. فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبيك اللهم لبيك، وإن رغم انف معاوية اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض علي رضي الله عنه(3).

22 - قال عبد الملك الشافعي: وروى أبو عثمان قاضي الري عن الأعمش، عن سعيد بن جبير قال : كان عبد الله بن عباس يحدث على شفير زمزم ونحن عنده فلما قضى حديثه قام إليه رجل فقال : يا بن عباس، إني رجل من أهل الشام، رأيتهم يتبرؤون من علي ويلعنونه؛ فقال ابن عباس: لعنهم الله تعالى في الدنيا والآخرة، وأعد لهم عذاباً

ص: 531


1- تاريخ أبي الفداء (المختصر في أخبار البشر) للملك عماد الدين أبي الفداء/ج1/ص278/ سنة 99ه/
2- مسند أحمد بن حنبل / ج 6/ ص 356/ ح 26804
3- السنن الكبرى للبيهقي / ج 7 / ص 245 / كتاب الحج - ثر : 9530

مهيناً، ألبعد قرابته من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؟ أو أنه لم يكن أول ذكران العالمين إيماناً بالله ورسوله، وأول من صلى وركع وعمل بأعمال البر ؟...(1).

موقف علي بن أبي طالب علیه السلام من مقتل محمد بن أبي بكر

23 - قال الطبري: فقام علي في الناس وقد أمر فنودي: الصلاة جامعة! فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد صلى الله عليه و آله وسلم، ثم قال: «أما بعد، فإن هذا صريخ محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر، قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله، وولي من عادى الله، فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعاً منكم على حقكم هذا، فإنهم قد بدء وكم وإخوانكم بالغزو، فاعجلوا إليهم بالمؤاساة والنصر»(2).

24 - وقال أيضا : حزن علي على محمد بن أبي بكر حتى رئي ذلك في وجهه، وتبين فيه، وقام في الناس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله صلى الله عليه و آله وسلم، وقال: «ألا إن مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله، وبغوا الإسلام عوجا ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله، فعند الله نحتسبه»(3).

25 - وقال أيضا : قال أبو مخنف : حدثني فُضَيل بن خَدِيجٍ، عن مالك بن الحور، أن علياً قال: «رحم الله محمداً! كان غلاماً حدثاً، أما والله لقد كنت على أن أولي المرقال(4) هاشم بن عتبة مصر، أما والله لو أنه وليها ما خلى لعمرو بن العاص وأعوانه الفجرة العَرْصة، ولما قُتِل إلا وسيفه في يده، لا بلا دم كمحمد، فرحم الله محمداً، فقد اجتهد

ص: 532


1- سمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي / ج 3 / ص 10
2- تاريخ الطبري / ج 3 / ص 134/ سنة 38ه
3- نفس المصدر السابق
4- المرقال: الذي يسرع في الحرب

نفسه، وقضَى ما عليه»(1).

8 - عمرو بن العاص يطعن في عثمان

26 - قال ابن الأثير : فاعتزل [عمر و بن العاص] بفلسطين، وكان يأتي المدينة أحياناً، وكان يطعن على عثمان، فلما قتل عثمان سار إلى معاوية وعاضده، وشهد معه صفين، ومقامه فيها مشهور(2).

9 - الصحابي بلال يلعن شيبة وعتبة وأمية

27 - ما قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم المَدِينَةَ وُعِكَ أَبو بَكْرٍ وَبِلَالٌ... وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أُقلِعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً***بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ***وَهَلْ يَبْدُوَنْ لي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

قَالَ: اللهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ(3).

10 - أبو موسى يلعن عمرو بن العاص

28 - قال عبد الملك الشافعي: أن أبا موسى قال له [أي: لعمرو بن العاص] حينئذ لعنك الله غدرت وفجرت، إنما مثلك كمثل الكلب، ثم ركله فألقاه لجنبه على الأرض، وارتحل أبو موسى، ولحق بمكة حياء، ولم يعد إلى الكوفة(4).

ص: 533


1- المصدر / ج 3 / ص 135 / سنة 38ه
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج 4 / ص 234 [3971 - عمرو بن العاص]
3- صحيح البخاري / ص 29/342 - كتاب فضائل المدينة – باب: 12/ 1889
4- سمط النجوم العوالي لعبد الملك الشافعي / ج 3 / ص 8
11 - سعيد ابن المسيب يلعن معاوية بن أبي سفيان

29- حدثنا عطاف خالد بن عن ابن حرملة قال : ما سمعت سعيد بن المسب سبّ أحدا من الأئمة، إلّا أني سمعته يقول : قاتل الله فلانا كان أول من غير قضاء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فإنه قال : الولد للفراش(1).

قال المحشي: ربما يعني معاوية فإنه قد استلحق زياد بن أبيه في سنة أربع وأربعين، ولما بلغ أبا بكرة أن معاوية استلحقه، وأنه رضى بذلك، آلى يمينا ألّا يكلمه أبدا وقال : هذا زنى أمه وانتفى من أبيه، ولا والله ما علمت سمية رأت أبا سفيان قط. انظر الاستيعاب ت 825 ، والإصابة ت 2981 والعواصم من القواصم ص 235 وما بعدها(2).

ص: 534


1- سير أعلام النبلاء للذهبي (748ه) / ج 5 / ص 229/ سعيد بن المسيب
2- سير أعلام النبلاء للذهبي / ج 4 / هامش ص 238

اللعن في عهد الدولة العبّاسيّة

روى الطبري : وفي هذه السنة [سنة 284ه] عزم المعتضد بالله على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وأمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس... وتحدث الناس أن الكتاب الذي أمر المعتضد إنشاءه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر فلما صلى الناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يقرأ، فذكر أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية فأخرج له من الديوان فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب وذكر أنها نسخة الكتاب الذي أنشئ للمعتضد بالله:

بسم الله الرحمن الرحيم، وقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شُبهة قد دخلتهم في أديانهم وفساد قد لحقهم في معتقدهم وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم ونطقت بها ألسنتهم على غير معرفة ولا روية وقلدوا فيها قادة الضلالة بلا بيئة ولا بصيرة وخالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة قال الله تعالى:«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(1) خروجا عن الجماعة ومسارعة إلى الفتنة وإيثارا للفرقة وتشتيتا للكلمة وإظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة وبتر منه العصمة وأخرجه من الملة وأوجب عليه اللعنة وتعظيما لمن صغر الله حقه وأوهن أمره وأضعف ركنه من بني أمية الشجرة الملعونة ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة قال الله عز وجل:

ص: 535


1- سورة القصص :آية 50

«يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(1) ... وأشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة وأولهم في كل حرب ومناصبة لا يرفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كل مواطن الحرب من بدر وأحد والخندق والفتح أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله ثم الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع الماضي علم الله فيهم وفى أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم فحارب مجاهدا ودافع مكابدا وأقام منابذا حتى قهره السيف وعلا أمر الله و هم كارهون فتقول بالإسلام غير منطو عليه وأسر الكفر غير مقلع عنه فعرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والمسلمون وميز له المؤلفة قلوبهم فقبله وولده على علم منه فمما لعنهم الله به على لسان نبيه صلى الله عليه و آله وسلم وأنزل به كتابا قوله «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(2). و لا اختلاف بين رسوله آية باقية حين رآه يتخلج فقال له كن كما أنت فبقى على ذلك سائر عمره إلى ما كان من مروان في افتتاحه أول فتنة كانت في الإسلام واحتقابه لكل دم حرام سفك فيها أو أريق بعدها ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» . من ملك بني أمية، ومنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه فقال النبي: «لا أشبع الله بطنه»، فبقى لا يشبع ويقول والله ما أنزل الطعام شبعا ولكن أعيا ومنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي فطلع معاوية ومنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»، ومنه الحديث المرفوع المشهور أنه قال إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي يا حنان يا منان الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ومنه انبراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكانا وأقدمهم إليه سبقا وأحسنهم فيه أثرا وذكرا علي بن أبي طالب ينازعه

ص: 536


1- سورة البقرة آية 105
2- سورة الإسراء / آية 60

حقه بباطله ويجاهد أنصاره بضلاله وغواته ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحود دينه (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره المشركون) يستهوي أهل الغباوة ويموه على أهل الجهالة بمكره وبغيه الذين قدم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الخبر عنهما فقال لعمار تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار مؤثرا للعاجلة كافراً بالآجلة خارجاً من ربقة الإسلام مستحلاً للدم الحرام حتى سفك في فتنته وعلى سبيل ضلالته ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه مجاهدا الله مجتهدا في أن يعصى الله فلا يطاع وتبطل أحكامه فلا تقام ويخالف دينه فلا يدان وأن تعلو كلمة الضلالة وترتفع دعوة الباطل وكلمة الله هي العليا ودينه المنصور وحكمه المتبع النافذ وأمره الغالب وكيد من حادّه المغلوب الداحض حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما اتبعها وتطوق تلك الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة وأباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها و اغتره الاملاء أحد أنه أراد بها بني أمية ومنه قول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم و قد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ویزید ابنه يسوق به : «لعن الله القائد والراكب والسائق»، ومنه ما يرويه الرواة من قوله : يا بني عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار .

وهذا كفر صراح يلحقه به اللعنة من الله كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ومنه ما يروون من وقوفه على ثنية أحد بعد ذهاب بصره وقوله لقائده ههنا ذبينا محمدا وأصحابه ومنه الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه و آله وسلم فوجم لها فما رؤي ضاحكا بعدها فأنزل الله: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ»(1)، فذكروا أنه رأى نفرا من بني أمية ينزون على منبره ومنه طرد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه وألحقه الله بدعوة

ص: 537


1- سورة الإسراء / آية 60

واستدرجه الإمهال والله له بالمرصاد ثم مما أوجب الله له به اللعنة قتله الله له به اللعنة قتله من قتل صبرا من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة مثل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي فمن قتل أمثالهم في أن يكون له العزة والملك والغلبة والله العزة والملك والقدرة والله عزوجل يقول: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»(1). ومما استحق به اللعنة من الله ورسوله ادعاؤه زیاد بن سمية جرأة على الله والله يقول: «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ»(2) حَكِيمًا ورسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «ملعون من ادعى إلى غير أبيه وانتمى إلى غير مواليه»، ويقول: «الولد للفراش والعاهر الحجر»، فخالف حكم الله عز وجل وسنة نبيه له جهارا وجعل الولد لغير الفراش والعاهر لا يضره عهره فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه و آله وسلم وفي غيرها من سفور وجوه ما قد حرمه الله وأثبت بها قربى قد باعدها الله وأباح بها ما قد حظره الله مما لم يدخل على الإسلام خلل مثله ولم ينل الدين تبدیل شبهه ومنه ایثاره بدین الله ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبر الخمير صاحب الديوك والفهود والقرود وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والاخافة والتهدد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على خبثه ورهقه ويعاين سكرانه وفجوره وكفره فلما تمكن منه ما مكنه منه ووطأه له وعصى الله ورسوله فيه طلب بثأرات المشركين وطوائلهم عند المسلمين فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الاسلام أشنع منها ولا أفحش مما ارتكب من الصالحين فيها وشفى بذلك عبد نفسه وغليله وظن أن قد انتقم من أولياء الله وبلغ النوى لأعداء الله فقال مجاهرا بكفره ومظهراً لشركه:

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الاسل

ص: 538


1- سورة النساء / آية: 93
2- سورة الأحزاب / آية: 5

قد قتلنا القرم من ساداتكم***وعدلنا میل بدر فاعتدل

فأهلوا واستهلوا فرحا***ثم قالوا يا يزيد لا تسل

لست من خندف إن لم أنتقم***من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل

هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله ثم من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفکه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل وشهادة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراء على الله وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوما من كفار أهل الترك والديلم لا يخاف من الله نقمة ولا يرقب منه سطوة فبتر الله عمره واجتث أصله وفرعه وسلبه ما تحت يده وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكامه واتخاذ مال الله دولا بينهم وهدم بيته واستحلال حرامه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم إياه بالنيران لا يألون له إحراقا وإخرابا ولما حرم الله منه استباحة وانتهاكا ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا ولمن أمنه الله به إخافة وترشيدا حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب واستحقوا من الله الانتقام وملؤا الارض بالجور والعدوان وعموا عباد الله بالظلم والاقتسار وحلت عليهم السخطة ونزلت بهم من الله السطوة أتاح الله لهم من عترة نبيه وأهل وراثته من استخلصهم منهم بخلافته مثل ما اتاح الله من أسلافهم المؤمنين وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين فسفك الله بهم دماءهم مرتدين كما سفك بآبائهم دماء آباء الكفرة المشركين وقطع الله دابر القوم الظالمين والحمد لله رب العالمين ومكن الله المستضعفين ورد الله الحق إلى أهله المستحقين كما قال

ص: 539

جل شأنه:«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(1). واعلموا أيها الناس أن الله انها أمر ليطاع ومثل ليتمثل وحكم ليقبل وألزم الاخذ بسنة نبيه صلى الله عليه و آله وسلم ليتبع وإن كثيرا ممن ضل فالتوى وانتقل من أهل الجهالة والسفاه ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وقد قال الله عز وجل: «فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ»(2) . فانتهوا معاشر الناس عما يسخط الله عليكم وراجعوا ما يرضيه عنكم وارضوا من الله بما اختار لكم والزموا ما أمركم به وجانبوا ما نهاكم عنه واتبعوا الصراط المستقيم والحجة البينة والسبل الواضحة وأهل بيت الرحمة الذين هداكم الله بديئًا، واستنقذكم بهم من الجور والعدوان أخيرا وأصاركم إلى الخفض والأمن والعز بدولتهم وشملكم الصلاح في أديانكم ومعايشكم في أيامهم والعنوا من لعنه الله ورسوله وفارقوا من لا تنالون القربة من الله إلا بمفارقته اللهم العن أبا سفيان بن حرب ومعاوية ابنه ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وولده اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلالة وأعداء الدين ومجاهدي الرسول ومغيري الأحكام ومبدلي الكتاب وسفاكي الدم الحرام اللهم إنا نتبرأ إليك من موالاة أعدائك ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت :«لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»(3). يا أيها الناس اعرفوا الحق تعرفوا أهله وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فانه انما يبين عن الناس أعمالهم ويلحقهم بالضلال والصلاح آباؤهم فلا يأخذكم في الله لومة لائم ولا يميلن بكم عن دين الله استهواء من يستهويكم وكيد من يكيدكم وطاعة من تخرجكم طاعته إلى معصية ربكم ... (4).

ص: 540


1- سورة القصص / آية 5
2- سورة التوبة / آية: 12
3- سورة المجادلة / آية: 22
4- تاريخ الطبري / ج 5 / ص 619 - 624 / سنة 284

الخاتمة

لقد استعرض البحث كثيراً من المواضع التي ورد فيها (اللعن) في القرآن الكريم فذُكِرت الآية التي كان (اللعن) فيها صادراً من الله تعالى، ثم الآي التي ذُكِرت فيها لعنة الله والملائكة والناس، واللاعنين ، ثم الآي التي ذكر فيها (اللعن) بصورة متفرقة، ثم عالج البحث موضوع اللعن الوارد في القرآن الكريم من خلال أقوال علماء السنة و مفسريهم.

وبعد ذلك ينتقل البحث إلى اللعن في السنة، فيذكر الأحاديث التي ورد فيها (لعنة الله ) ، ثم (لعنة الله والأنبياء) ، ثم القبائل التي لعنها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ثم الأشخاص الذين لعنهم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ثم (لعنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم) على اليهود، ثم الأحاديث التي لعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فيها مرتكبي الذنوب والكبائر .

ويورد البحث الشبهة القائلة بأن الشيعة تلعن الصحابة ويدافع البحث عنها بأنّ الشيعة لا تلعن إلا من استحق اللعن طبقاً لحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم، ولعنهم يكون لله تعالى وفي الله ويرجون منه الثواب لا في العصبية والهوى مستدلاً بجواز اللعن لصدوره من الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه و آله وسلم ، والصحابة، ومن علماء السنة الذين أجازوا اللعن.

ثم يستعرض البحث الشبهة القائلة بأن اللعن ليس من خلق وصفات المؤمن، ويرد عليها بأدلة منها: إجازة بعض علماء السنة للعن مطلقاً أو معيناً مع ذكر بعض استدلالاتهم.

ص: 541

ثم يذكر البحث الصحابة الذين لعنوا بعض الصحابة من خلال مرويات البخاري ومسلم ،وغيرها، إضافة إلى تقاتل بعض الصحابة وقتلهم لكبار الصحابة.

ثم يذكر البحث بعض مواقف اللعن في عهد الدولة العباسية واستعمال اللعن من قبل الخلفاء العباسيين

وهكذا ينتهي البحث بإلقاء الحجة على الخصم بجواز اللعن شرعاً لثبوته في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وعند الصحابة والتابعين وعند بعض علماء السنة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ص: 542

الباب السادس: الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف والغيبة في الكتاب والسنة

اشارة

ص: 543

ص: 544

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس و الرجس وطهرهم تطهيراً، أما بعد فيعد هذا الباب مساعداً للمحاور للحوار حول عقيدة الشيعة الإمامية في المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، فقد جمعنا فيه الأحاديث التي تتحدث عن الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف من أهم مصادر الحديث السنية، مع الرد على بعض الشبهات المثارة حول هذا الموضوع، ويدور الخلاف في مسألة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف حول نقطتين، النقطة الأولى حول ولادته وحياته، والنقطة الثانية حول اسم أبيه؛ فإن أغلب أهل السنة يعتقدون بأن المهدي سوف يولد، وقد عقد جماعة من علماء السنة في سننهم بابا بإسم (المهدي)؛ منهم: عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنف،وسليمان بن الأشعث السجستاني المكنى بأبي داود في سننه، والحافظ محمد بن يزيد القزويني المكنى بأبي ماجة في سننه، وجمع السيوطي معظم الأحاديث الواردة في المهدي من كتب الصحاح والسنن(1) .

كما ألف جماعة من علماء السنة كتباً مفصلة عن المهدي المنتظرعجل الله تعالی فرجه الشریف منها : عقد الدرر في أخبار المنتظر ليوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي، و العرف

ص: 545


1- ينظر: الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 6 / 39 - 41 سورة محمد / [الآيات : 16 - 18]

الوردي في أخبار المهدي للحافظ جلال الدين السيوطي، و البرهان في علامات مهدي آخر الزمان والبيان في أخبار صاحب الزمان. وأما الشيعة فكتبهم التي تتحدث عن المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف أكثر من كتب السنة، وهم يعتقدون بأنه قد ولد و هو لايزال حياً يعيش بين الناس، متخفياً غير معلن عن شخصيته وأن الناس لا يدرون أنه هو الإمام الموعود، فإذا جاء زمن ظهوره سيعلن عن نفسه ويعرف الناس بشخصه.

و السنة يعتقدون بأن المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف اسم أبيه ( عبد الله ) ، و هو عند الشيعة ابن الإمام الحسن العسكري علیه السلام والتحاور حول الأمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف لابد له من مقدمات قبل الدخول فيه، فلا يصح طرحه قبل مقدماته، ومثاله كما لو أن مسلماً أراد أن يناقش شخصاً ملحداً لا يؤمن بوجود الله تعالى، فلا يصح أن يبدأ الكافر بطرح شبهاته القائلة بأن القرآن كلام البشر لأنه لا يعقل وجود كتاب في الدنيا لغير البشر، فإذا بدأنا النقاش مع هذا الملحد من هذه النقطة فلا شك بعدم جدوى إقناعه ، وسيطالبنا بإحضار دليل عقلي على وجود كتاب لغير البشر في العالم، ومن الطبيعي أن نخسر النقاش معه ولا يمكن إقناعه أبدا، فلا بد من أن نبدأ الحوار معه من النقطة الأساسية في الخلاف، وهي إثبات وجود الله عقلاً، وبعد إقرار الكافر بوجود الخالق ننتقل معه إلى إثبات نبوة النبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم ثم ننتقل إلى النقاط الفرعية الأخرى بعد إقراره وإيمانه بالنقاط الأساسية كوجود الله تعالى، ووجود الملائكة وبعث الرسل والكتب السماوية فإن أقر بكل ذلك تمكنا من الحوار معه في الشبهة الأخيرة التي هي كون القرآن الكريم ليس من صنع البشر وإنما هو كتاب سماوي أنزله الله تعالى على نبينا محمد صلی الله علیه و آله و سلم عن طريق جبرائيل (علیه السلام)، وإن لم نفعل ذلك فسندور معه في حلقة فارغة، وهكذا سيدور الحوار حول حلقة فارغة مع الشخص الذي لا يؤمن بولادة المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، و سيكون الكلام معه عقيماً إن لم نبدأ معه من النقطة الأساسية في الخلاف، وهي إمامة الإمام علي علیه السلام بالنص، ومن بعده الأئمة عليهم السلام

ص: 546

حتى نصل إلى المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف المعتمدين على مصادرنا التي تثبت وجود المهدي . وقد قمنا بكتابة بابين بهذا الشأن؛ الأول بعنوان (دليل المحاور بولاية أمير المؤمنين علیه السلام)، والثاني بعنوان (دليل المحاور في إمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام) .

ص: 547

ص: 548

تمهيد

عبر عصور التأريخ الإسلامي كان لنظام الحكم والسياسة الأثر الكبير في نمط الحياة واتجاه الناس المذهبي، فقد كانت السلطة تفرض مذهباً معيناً على الناس، ويظهر ذلك جلياً في نظام الحكم الأموي الذي كان له الأثر الكبير في تغيير الحقائق والمفاهيم والاعتقادات، حتى وصل بهم الحال إلى التطاول على الرسول صلی الله علیه و آله و سلم وعلى أهل بيته عليهم السلام، وهذه الحقيقة لا ينكرها من له عقل سليم، فلا يخفى على أحد أن وضاع الحديث قد تطاولوا على الرسول صلی الله علیه و آله و سلم بإيعاز من الحكومة الأموية لمصالح سياسية هدفها التقليل من شأن أهل البيت علیهم السلام وبذلك مهد معاوية الطريق أمامه ليأمر أئمة المساجد بسب ولعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين عليهم السلام في المساجد والخطب، بل صار اللعن سنة جارية في صلاة الجمعة حتى إذا تركه الخطيب يعذب جلداً بالسوط؛ قال الملك عماد الدين أبو الفداء وهو من كبار مؤرخي السنة في كتابه تاريخ أبي الفداء المسمى: (المختصر في أخبار البشر ) ج : 1/ ص: 278، في باب [سنة 99ه]:

كان خلفاء بني بني أمية يسبون علياً (علیه السلام) من سنة إحدى وأربعين، وهي السنة التي خلع الحسن فيها نفسه من الخلافة إلى أول سنة تسع وتسعين آخر أيام سليمان بن عبد الملك ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ] أبطل ذلك، وكتب إلى نوابه: بإبطاله، ولما خطب يوم الجمعة، أبدل السب في آخر الخطبة بقراءة قوله تعالى«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»[النحل: 90] فلم يسب علي بعد ذلك. واستمرت

ص: 549

الخطباء على قراءة هذه الآية»

والعجيب أن خطباء السنة في جميع أنحاء العالم إلى يومنا هذا يقرؤون هذه الآية في آخر خطبة الجمعة مما يوحي أنهم متمسكون بسنة بني أمية، وهذا أبسط دليل على آثار السياسة الأموية في هذا الفكر إلى يومنا الحاضر.

ومن تلك الآثار تزويرهم لكثير من الأحاديث والحقائق، فالروايات التي تبشر بولادة الحجة المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، من ولد الحسين علیه السلام حرفوها وجعلوا مكان اسم الحسين الحسن عليهما السلام، لأهداف سياسية، وذلك لأن يزيد تسبب بقتل الحسين علیه السلام، وأن الحسن صالح معاوية، فلذا شمل التحريف لكثير من الأحاديث بحذف اسم الحسين منها واستبدال اسم الحسن مكانه، ومن هنا بدأت النظرية الأموية التي تقول بعدم ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، وأنه سيولد من أولاد الحسن . ولا عجب بوجود الأحاديث المزورة أو المحرفة في كتبهم الحديثية فهناك من عرف بأنه وضاع للحديث مثل : عبد الكريم بن أبي العوجاء؛ قال ابن حجر العسقلاني:

«عبد الكريم بن أبي العوجاء خال معن بن زائدة زنديق مغتر، قال أبو أحمد بن عدي لما أخذ ليضرب عنقه قال : لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيه الحلال وأحلل الحرام.

قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة»(1).

فأربعة آلاف حديث عدد لا يستهان به !!

و مما يدل على تحريف سنة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم على يد بني أمية ما رواه السيوطي - وهو من

ص: 550


1- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني: 61/4 [من اسمه عبد الكريم] و ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي : 4 / 386 [حرف العين/ عبد الكريم]

أكابر علماء السنة في كتابه جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) :ج: 3/ ص 271 [ح. 8780 - قسم الأقوال/ حرف الهمزة] بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال : «أول ما يبدل سنتي رجل من بني أمية».

ولعل هذا من الأسباب التي أدت لظهور فكرة شاذة تقول بأن شخصية المهدي وهمية، فلا يمكن ظهوره وهذا الرأي شاذ، فما سنورده في هذا الباب من الأحاديث يكون كافياً للرد عليه.

كذلك تعرض الباب للرد على بعض الشبهات ذات النزعة الأموية، التي تثيرها طائفة همها زرع الفتنة والتفرقة بين المسلمين، وما نطرحه في هذا الباب لا نريد به سوى لم الشمل و إيقاف التهجم والسب والشتم بأقبح الألفاظ ضدنا وضد إمامنا المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف فعلى الله نتوكل وبه نستعين.

ص: 551

ص: 552

المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف في القرآن الكريم

اشارة

الآيات الدالة على المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف في القرآن الكريم هي:

الآية الأولى

قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ»[الزخرف/ 61]

قال ابن حجر الهيتمي: «قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَعِلْمُ لِلسَّاعَةِ»[الزخرف/ 61]، قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين إن هذه الآية نزلت في المهدي»(1).

الآية الثانية

قوله تعالى:«لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ»[القدر / 3، 4 ].

لقد أجمع المسلمون بتكرار ليلة القدر كلّ عام في شهر رمضان، وسورة القدر المتقدمة ورد فيها الفعل ( تَنَزَّلُ ) بصيغة المضارع الذي يدل على الحدوث والتجدد، قال أبو جعفر النحاس المتوفى سنة 338 ه: «قال الحسن تَنَزَّلُ الملائكة بالروح أي بالنبوة، وروی معمر عن قتادة تنزل الملائكة بالروح قال بالوحي والرحمة قال أبو جعفر وهذا قول حسن»(2).

ص: 553


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 247 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- معاني القرآن للنحاس - (ج 4 / ص53)

فعلى هذا لا يمكن القول بنزولها على أي شخص كان، بل لابد من وجود شخص يكون أهلاً لنزول الملائكة عليه ، فعلى مَن تنزل في زماننا هذا؟

فلابد من نزولها على خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وهو الإمام المعصوم الذي الذي هو إمامنا المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، فالإمام حي بمقتضى هذه الآية.

ع التعالي

قال الشيخ الكليني : «وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان علي علیه السلام كثيراً ما يقول: [ما] اجتمع التيمي و العدوي عند رسول الله وهو يقرأ : «إنَّا أَنزَلْنَهُ»[القدر/ 1] بتخشع وبكاء فيقولان: ما أشد رقتك لهذه السورة؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : لما رأت عيني و وَعَى قلبي، ولما يرى قلب هذا من بعدي فيقولان وما الذي رأيت وما الذي يرى؟

قال: فيكتب لهما في التراب«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ»

قال: ثم يقول: هل بقي شيء بعد قوله عز وجل:«كُلِّ أَمْرٍ»

فيقولان لا.

فيقول: هل تعلمان من المنزل إليه بذلك؟

فيقولان: أنت يا رسول الله، فيقول: نعم،

فيقول : هل تكون ليلة القدر من بعدى ؟

فيقولان نعم، قال: فيقول: فهل ينزل ذلك الأمر فيها ؟

فيقولان: نعم، قال: فيقول: إلى مَنْ؟

فيقولان: لا ندري فيأخذ برأسي ويقول: إن لم تدريا فادريا، هو هذا من بعدي.

قال: فإن كانا ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من شدة ما يداخلهما من الرعب»(1).

ص: 554


1- الأصول من الكافي: 249/1[كتاب الحجة]

المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف في السنة الشريفة

اشارة

الأحاديث الواردة في الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف والتي حوتها أهم المصادر الحديثية عند السنة

سبب تسميته المهدي

«أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن مطر قال كعب إنما سمي المهدي لأنه لا يهدي لأمر قد خفي قال : ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية»(1).

المهدي رجل من أهل بيتي

وردت مجموعة من الأحاديث تصرح بأنَّ المهدي من أهل البيت علیهم السلام

قال ابن أبي شيبة «حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا»»(2) .

وروى أيضاً: «عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم : «المَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ يُصْلِحُهُ اللهُ فِي لَيْلَةٍ »»(3).

ص: 555


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني:10/ 317 [11 / 371] ، [ح. 20937 / باب المهدي]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 513. [ح. 37637/ ما ذكر في فتنة الدجال]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 513/7 [ح. 37633/ ما ذكر في فتنة الدجّال]

قال الحاكم النيسابوري: «أخبرني الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي، أنبأ أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن حيدر الحميري بالكوفة ، ثنا القاسم بن خليفة، ثنا أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، ثنا عمر بن عبيد الله العدوي، عن معاوية بن قرة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : قال نبي الله صلى الله عليه و آله وسلم: «ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتى يملأ الأرض جورا وظلما، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم فيبعث الله عز وجل رجلا من عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليهم مدرارا، يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره» «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(1)

قال الطبراني: حدثنا يعقوب بن إسحاق نا عفان نا عمران حدثني قتادة حدثني أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : «يملك رجل من أهل بيتي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يعيش هذا وبسط كفه اليمنى وبسط إلى جنبها أصبعين وبسط كفه اليسرى».

لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا عمران القطان»(2).

قال عبد الرزاق الصنعاني: «أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أبي هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم «بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا

ص: 556


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5 / 376 [ح. 8611 – كتاب الفتن والملاحم]
2- المعجم الأوسط للطبراني : 5 / 476 [ ح . 9460 - من اسمه يعقوب]

من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا ولا تدع الأرض من مائها شيئا إلا أخرجته حتى تتمنى الأحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان أو تسع سنين»»(1).

وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (المتوفى سنة 235ه) : «حدثنا بن عیینة عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس قال: لا تمضي الأيام والليالي حتى يلي منا أهل البيت فتى لم تلبسه الفتن ولم يلبسها ، قال : قلنا يا أبا العباس تعجز عنها مشيختكم وينالها شبابكم قال : هو أمر الله يؤتيه من يشاء»(2).

وقال أيضاً: حدثنا الفضل بن دكين وأبو داود عن ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي عن النبي قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة»

حدثنا وكيع عن ياسين عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن علي مثله ولم يرفعه»(3).

وقال أيضاً: «حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يكون عطاؤه حثياً» (4).

ص: 557


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: 10/ 316 [11 / 371] ، [ح . 20935 / باب المهدي]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 512 - 513 [ح. 37630/ ما ذكر في فتنة الدجال]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 513/7 [ح. 37633/ ما ذكر في فتنة الدجال]
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 512. [ح. 37628/ ما ذكر في فتنة الدجال]

وقال أيضاً: حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا»(1) . وروى هذا أبو داود عن عُثْمان بن أَبي شَيْبَةَ بنفس السند(2).

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني: «حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أبو دَاوُدَ الحَفَرِيُّ حَدَّثَنَا يَاسِينُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَنْ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «المَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ يُصْلِحُهُ الله فِي لَيْلَةِ»»(3).

وحدث الحاكم النيسابوري: «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا حجاج بن الربيع بن سليمان، ثنا أسد بن موسى، ثنا حماد سلمة، بن عن مطر، وأبي هارون، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، قال: «تُملأ الأرض جورا وظلما، فيخرج رجل من عترتي الحديث هذا حديث صحيح على شرط ،مسلم ، ولم يخرجاه»»(4).

المهدي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي

وردت مجموعة من الأحاديث تصرح بأنَّ المهدي من أهل البيت علیهم السلام وأنَّ اسمه يواطئ اسم النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم:

قال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ ذُرِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ

ص: 558


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة: 7 / 513 [ح . 37637/ ما ذكر في فتنة الدجال]
2- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 671 - 672[ح. 4283/ كتاب المهدي]
3- سنن ابن ماجة للحافظ محمد بن يزيد القزويني: 664 [ح. 4085 / باب خروج المهدي]
4- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5 / 455 [ح. 8852 - كتاب الفتن و الملاحم]

النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْنِي يُوَاطِيُّ اسْمُهُ اسْمِي»

قَالَ أَبي حَدَّثَنَا بِهِ فِي بَيْتِهِ فِي غُرْفَتِهِ أَرَاهُ سَأَلَهُ بَعْضُ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى أَوْ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ يَحْيَى»(1).

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرِّ عَنْ عَبْدِ الله عَنْ النبي صلى الله عليه و آله وسلم: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلِيَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِيُّ اسْمُهُ اسْمِي»».

قَالَ أَبِي حَدَّثَنَا بِهِ فِي بَيْتِهِ فِي غُرْفَتِهِ أَرَاهُ سَأَلَهُ بَعْضُ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى أَوْ يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ يَحْيَى.

[ وفي حديث آخر ]حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْش عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : «لَا تَنْقَضِي الأَيَّامُ وَلَا يَذْهَبُ الدَّهْرُ حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْنِي اسْمُهُ يُوَاطِئُ اسْمِي»»(2).

وأخرج أحمد بن حنبل أيضاً عنْ عَبْدِ الله بطريق آخر فقال: «حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «لَا تَنْقَضِي الأَيَّامُ وَلَا يَذْهَبُ الدَّهْرُ حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي اسْمُهُ يُوَاطِئُ اسْمِي»»(3).

وأخرج أحمد بن حنبل أيضاً عَنْ عَبْدِ الله بطريق آخر فقال: «حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا»، أَوْ قَالَ: «لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَيُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي»»(4).

ص: 559


1- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 490 [1 / 376] ، [ حديث : 3570]
2- مسند أحمد بن حنبل: 1/ 490، [1 / 376] ، حدیث: [3571،3570
3- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 490 [1 / 376]، [حديث : 3571]
4- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 490 [1 / 377] ، حدیث : [3572]

قال الترمذي:«حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ الكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم :«لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي». قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»(1).

قال الترمذي أيضاً: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بْنُ العَلَاءِ بْن عَبْدِ الجَبَّارِ العَطَّارُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «يَلِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي». قَالَ عَاصِمٌ وَأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمُ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَلِيَ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ..»(2)

وقال الطبراني: «حدثنا محمد بن أحمد بن لبيد ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الملك بن حميد بن أبي غنية أخبرني عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «لا تنقضي الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»(3)

وقال الإمام الحافظ أبو داود السجستاني : «وَقَالَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ «لاَ تَذْهَبُ أَوْلاَ تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي». قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَفْظُ عُمَرَ وَأَبِي بَكْرٍ بِمَعْنَى سُفْيَانَ»(4).

ص: 560


1- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي للإمام الترمذي: 243/3 - 243 [ح. 2230 / كتاب الفتن باب ما جاء في المهدي]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي للإمام الترمذي: 244/3 [ح. 2231 / كتاب الفتن باب ما جاء في المهدي]
3- المعجم الأوسط للطبراني : 5/ 135 . [ح . 6830 - من اسمه محمد]
4- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 671[ح. 4282 / كتاب المهدي]

منزلة وأفضلية المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف

اشارة

قال ابن أبي شيبة : «حدثنا أبو أسامة عن عوف عن محمد قال:«يكون في هذه الأمة خليفة لا يُفَضَّل عليه أبو بكر ولا عُمر»»(1). أي: أنَّ المهدي أفضل من أبي بكر وعمر .

وقال نعيم بن حماد «حدثنا يحيى عن السري بن يحيى عن ابن سيرين قيل له المهدي خير أو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ؟ قال هو أخير منهما ويعدل بنبي.»(2)

وقال أيضاً: «حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن محمد بن سيرين أنه ذكر فتنة تكون فقال إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر رضى الله عنهما قيل يا أبا بكر خير من أبي بكر وعمر ؟ قال قد كان يفضل على بعض الأنبياء»(3).

و قال ابن أبي شيبة أيضاً: «حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال قلت لطاوس عمر بن عبد العزيز المهدي قال قد كان مهديا وليس به إن المهدي إذا كان زيد المحسن في إحسانه وتيب عن المسيء من إساءته وهو يبذل المال ويشتد على العمال ويرحم المساكين»(4).

ص: 561


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 513 [ح . 37639/ ما ذكر في فتنة الدجال]
2- الفتن لنعيم بن حماد: 1 / 221
3- الفتن لنعيم بن حماد: 1 / 221
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 514 [ح . 37641/ ما ذكر في فتنة الدجال]

و قال أيضاً: «حدثنا أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين قال: المهدي من هذه الأمة وهو الذي يؤم عيسى بن مريم»(1).فمنزلته تفوق نبي الله عيسى بن مريم. .

رد على إشكال

أشكل بعضهم على الخبر المتقدم الَّذي يقول : بأنَّ المهدي أفضل من أبي بكر وعمر، فقال:«هذا على إطلاقه يتعارض مع قوله صلی الله علیه و آله و سلم : «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» كما أجمع أهل السنة على أن أبا بكر وعمر أفضل الصحابة.

الرد الأول

لقد ادَّعى بأنَّ أهل السنة أجمعوا على أن أبا بكر وعمر أفضل الصحابة، وادعاء هذا الإجماع غير صحيح فقد قال ابن حجر الهيتمي : «وقال أبو بكر بن عياش : لو أتاني أبو بكر وعمر وعمر وعلي رضي الله عنهم في حاجة لبدأت بحاجة علي قبلهما لقرابته من رسول الله ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي أن أقدمه عليهما»(2) .

الرد الثاني

لو كان أبو بكر وعمر أفضل من أهل البيت علیهم السلام لأمر الله تعالى بإحضارهما للمباهلة، ولكن الله تعالى خص بذلك فاطمة وأباها وبعلها وابناها علیهم السلام، وذلك في قوله تعالى:«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»«الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ»«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

ص: 562


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 513/7 [ح. 37638/ ما ذكر في فتنة . الدجال]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر : 355 ، [تتمة كتاب الصواعق باب إكرام الصحابة ومن بعدهم لأهل البيت]

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»[آل عمران/ 59-61].

جاء في صحيح مسلم، وغيره : .... ولما نزلت هذه الآية : «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»[آل عمران: 61] دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال:«اللهم هؤلاء أهلي»(1).

فإذا كان بعض الصحابة أفضل من هؤلاء لطلب الله تعالى من الرسول أن يحضرهم عوضاً عن علي والحسن والحسين وفاطمة؟!

الرد الثالث

قال الله تعالى:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)»[الأحزاب / 33] ، ولم يخص الله أبا بكر و عمر بهذه الآية...

الرد الرابع

كم كان في الصحابة أغنياء وأنفقوا الأموال الطائلة فلم ينزل فيهم شيء من القرآن، ولكن قرص الشعير التي تصدق بها علي وفاطمة والحسن والحسين مدحها الله وأثاب عليها وبشرهم بالجنة : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»«إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا»«إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا»«فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا»«وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا»«مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا»«وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا»«وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا»«قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا»«وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا»«عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا»«وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ

ص: 563


1- صحیح مسلم : 1020 [ ح. 2404 - 32 - باب فضائل علي بن أبي طالب]

حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا»«وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا»«عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا»«إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا»[الإنسان / 7-22] .

الرد الخامس

قال الله في شأن عليّ علیه السلام «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»«وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»[المائدة/ 55، 56].

الرد السادس

وردت أحاديث عديدة في كتب السنة تفيد بأنّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم أنبأ بمجيء زمان الآمر فيه بالمعروف والناهي عن المنكر يكون مثل أبي بكر و عمر، و له أجر خمسين من الصحابة، فقد قال الطبراني :

«حدثنا محمد بن العباس المؤدب ثنا داود بن مهران الدباغ ثنا المشمعل بن ملحان عن مطرح بن يزيد عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إن لهذا الدين إقبالا وإدبارا ألا وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يبقى إلا الفاسق والفاسقان ذليلان فيها إن تكلما قهرا واضطهدا وإن من إدبار الدين أن تجفوا القبيلة بأسرها فلا يبقى إلا الفقيه والفقيهان فهما دليلان إن تكلما قهرا واضهدا ويلعن آخر هذه الأمة أولها ألا وعليهم حلت اللعنة حتى يشربوا الخمر علانية حتى تمر المرأة بالقوم فيقوم إليها بعضهم فيرفع بِذَيْلِها كما يرفع بذنب النعجة فقائل يقول يومئذ: ألا وَارِ منها وَرَاءَ الحائط فهو يومئذ فيهم مثلُ أبي بكر و عمر فيكم فمن أمر يوما

ص: 564

بالمعروف ونهى عن المنكر فله أجر خمسين ممن رآني وآمن بي وأطاعني وتابعني»»(1).

وقال الطبراني أيضاً: «حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة و محمد بن العباس الأخرم الأصبهاني :قالا : ثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ثنا سهل بن عثمان البجلي ثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شيهدا فقال عمر: يا رسول الله منا أو منهم ؟ قال : منكم»(2)

وقال الطبراني أيضاً : حدثنا طالب بن قرة الأدني ثنا محمد بن عيسى الطباع

وحدثنا علي بن عبد العزيز ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني قالا ثنا ابن المبارك ثنا عتبة بن أبي حكيم ثنا عمرو بن جارية اللخمي ثنا أبو أمية الشعباتي قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله فقال : بل تأمروا بالمعروف وتتناهوا عن المنكر فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام فإن من ورائكم أيام الصبر الصابر فيه مثل القابض على الجمر للعامل في ذلك الزمان أجر خمسين رجلا وزادني غير عتبة بن أبي حكيم قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال : لا بل أجر خمسين رجلا منكم»(3).

وقال الحاكم النيسابوري: «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ العباس بن

ص: 565


1- المعجم الكبير للطبراني: 313/4 . [ح . 7713]
2- المعجم الكبير للطبراني: 5/ 132 - 133 [ح. 10240]
3- المعجم الكبير للطبراني: 262/9 [ح.18033] ، ورواه البيهقي بسنده في كتابه السنن الكبرى : 43/15 [م - 20773]

الوليد بن مزيد البيروتي ثنا محمد بن شعيب بن سابور ثنا عتبة بن أبي حكيم عن عمرو بن حارثة عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة عن هذه الآية «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ». فقال أبو ثعلبة لقد سألت عنها خبيرا أنا سألت عنها رسول الله قبلا فقال : يا أبا ثعلبة مروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر فإذا رأيت شحا مطاعا و هوی متبعا و دنيا مؤثرة و رأيت أمرا لا بد لك من طلبه فعليك نفسك و دعهم و عوامهم فإن وراءكم أيام الصبر صبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين يعمل مثل عمله هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه تعليق الذهبي في التلخيص : صحيح »(1).

وقال الترمذي: «حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالقَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيم حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِي قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الحسني فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ أَيُّة آية قُلْتُ قَوْلُهُ«يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» قَالَ أَمَا وَاللَّه لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ الله - صلی الله علیه و آله و سلم - فَقَالَ «بَلِ ائتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْتَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَع العَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ القَبْضِ عَلَى الجَمْرِ لِلْعامِل فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْر خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ». قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِ غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ الله أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ «لابَل أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. »(2).

وقال البزَّاز: «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَامِرٍ البَجَلِيُّ،

ص: 566


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5 / 241 [ح. 8077]
2- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: 4 / 109 [ح . 3058 كتاب تفسير القرآن]

قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهَا أَجْرُ خَمْسِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله خَمْسِينَ مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ مِنَّا؟ قَالَ: خَمْسُونَ مِنْكُمْ.

وَهَذَا الحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ إِلا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.»(1).

«واعلم أنه وقع خلاف في التفضيل بين الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي هذه الأمة فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى أنه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة واحتج على ذلك بخبر طوبى لمن رآني وآمن بي مرة وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات و بخبر عمر رضي الله تعالى عنه قال كنت جالسا عند النبي فقال أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا قلنا الملائكة قال وحق لهم بل غيرهم قلنا الأنبياء قال وحق لهم بل غيرهم ثم قال أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانا وبحديث مثل أمتي مثل المطر لا يدرى آخره خير أم أوله وبخبر ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها وبخير يأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وبما روى أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم أن أكتب لي بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر لأن زمانك ليس كزمان عمر ولا رجالك كرجال عمر وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم، قال أبو عمر فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها في فضل العمل إلّا أهل بدر والحديبية قال وخبر خير الناس قرني ليس على عمومه لأنه جمع المنافقين وأهل الكبائر الذين قام عليهم وعلى بعضهم

ص: 567


1- البحر الزَّخَّار المعروف بمسند البزار 5 / 178 - 179، [ح . 1776]

الحدود انتهی»(1).

الرد السابع

وأما قوله صلى الله عليه و آله وسلم : «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» فغير صحيح لأنه سيشمل قرن يزيد بن معاوية الذي كان قرنه من أفسد القرون، فقد سئل ابن الجوزي الحنبلي: هل يجوز لعن يزيد؟ فقال: ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين في السنة الأولى قتل الحسين ، و في الثانية أخاف المدينة، و أباحها، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها ؟

فقالوا نلعن.

فقال: فالعنوه، فلعنه ابن الجوزي على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر [الخليفة العبّاسى الناصر لدين الله]، و أكابر العلماء»(2).

فهل يعقل عاقل أنَّ قرن مَنْ يهدم الكعبة ويبيح الأعراض والشرف ويهتك حرمات الله وشعائر الإسلام والمسلمين يكون قرنه خير القرون؟

المهدي من ولد فاطمة عليها السلام

وردت جملة من الأحاديث تبين بأنَّ المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف من ولد فاطمة عليها السلام فقد جاء في سنن أبي داود: «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرِ الرَّقْيُّ حَدَّثَنَا أَبُو المليح الحَسَنُ بْنُ عُمَرَ عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ «الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ». قَالَ عَبْدُ الله بن

ص: 568


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 320 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 291

جَعْفَرٍ وَسَمِعْتُ أَبَا المَلِيحِ يُثْنِي عَلَى عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلِ وَيَذْكُرُ مِنْهُ صَلَاحًا»(1).

وفي سنن ابن ماجة: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ حَدَّثَنَا أَبو المَلِيحِ الرَّقِي عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أُمّ سَلَمَةَ فَتَذَاكَرْنَا المَهْدِيَّ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ «المَهْدِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ»»(2).

وقال الحاكم النيسابوري: «اخبرني أبو النضر الفقيه، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا عبد الله بن صالح، أنبأ أبو المليح الرقي، حدثني زياد بن بيان، وذكر من فضله، قال: سمعت علي بن نفيل يقول: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة، تقول: سمعت النبي يذكر المهدي، فقال: «نعم، هو حق وهو من بني فاطمة »»(3).

وقال الحاكم النيسابوري أيضاً : «وحدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي بمرو، ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم القاضي، ثنا عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبو المليح، عن زياد بن بیان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ذکر رسول الله المهدي، فقال: «هو من ولد فاطمة »»(4).

المهدي من ولد الحسن

لقد وردت رواية ضعيفة تقول بأنَّ المهدي من ولد الحسن علیه السلام: «قَالَ أَبُو دَاوُدَ حُدِّثْتُ عَنْ هَارُونَ بْنِ المَغِيرَةِ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي

ص: 569


1- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 672 [ح. 4284 / كتاب المهدي]
2- سنن ابن ماجة للحافظ محمد بن يزيد القزويني: 664 . [ح . 4086 / باب خروج المهدي]
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 454/5 .[ح . 8849 - كتاب الفتن والملاحم]
4- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 454/5.[ح. 8850 كتاب الفتن والملاحم]

إِسْحَاقَ قَالَ:

قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الحَسَنِ فَقَالَ: إِنَّ ابني هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النبي صلى الله عليه و آله وسلم وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْم نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ في الخُلقِ وَلا يُشْبِهُهُ في الخَلْقِ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً»(1). قال الألباني: ضعيف.

المهدي من الحسن والحسين عليهما السلام

روى الطبراني بسنده: «عَنْ عَلِيِّ بن عَلِيٍّ المَكِّيُّ الهِلالِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ فِي شَكَاتِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، فَإِذَا فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، قَالَ: فَبَكَتْ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهَا، فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم طَرْفَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «حَبِيبَتِي فَاطِمَةُ مَا الَّذِي يُبْكِيكِ ؟ فَقَالَتْ : أَخْشَى الضَّيْعَةَ مِنْ بَعْدِكَ، فَقَالَ: «يَا حَبِيبَتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ إِلَى الأَرْضِ اطَّلاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا أَبَاكِ فَبُعِثَ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ اطَّلَعَ اطَّلاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا بَعْلَكِ وَأَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُنْكِحَكِ إِيَّاهُ، يَا فَاطِمَةُ وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ أَعْطَانَا الله سَبْعَ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ قَبْلِنَا وَلا يُعْطَى أَحَدٌ بَعْدَنَا، أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَكْرَمُ النَّبِيِّينَ عَلَى الله، وَأَحَبُّ المَخْلُوقِينَ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا أَبُوكِ، وَوَصِي خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ وَأَحَبُّهُمُ إلى الله، وَهُوَ بَعْلُكِ، وشَهِيدُنا خَيْرُ الشُّهَدَاءِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ، وَهُوَ عَمُّكِ حَمزَةُ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَهُوَ عَمَّ أَبِيكِ، وَعَمُ بَعْلِكِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ أَخْضَرَانِ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ المَلائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّ أَبِيكِ وَأَخُو بَعْلِكِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُمَا ابْنَاكِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَهُمَا سَيِّدَا شَبَابٍ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَبُوهُمَا وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ خَيْرٌ مِنْهُما، يَا فَاطِمَةُ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ إِنَّ مِنْهُمَا مَهْدِيَّ هَذِهِ الأُمَّةِ إِذَا صَارَتِ الدُّنْيَا هَرْجًا وَمَرْجًا، وَتَظَاهَرَتِ الفِتَنُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلا كَبِيرَ يَرْحَمُ صَغِيرًا، وَلا صَغِيرَ يُوَقِّرُ كَبِيرًا، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَنْ يَفْتَتِحُ حُصُونَ الضَّلَالَةِ،

ص: 570


1- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 673 [ح. 4290 / كتاب المهدي]

وَقُلُوبًا غُلْفًا، يَقُومُ بِالدِّينِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا قُمْتُ بِهِ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ، وَيَمْلأُ الدُّنْيَا عَدْلا كَما مُلِئَتْ جَوْرًا، يَا فَاطِمَةُ لا تَحْزَنِي وَلا تَبْكِي فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَرْحَمُ بِكِ وَأَرْأَفُ عَلَيْكِ مِنِّي، وَذَلِكَ لَمَكَانِكِ مِنّي ، ومَوْضِعِكِ مِنْ قَلْبِي ، وزَوَّجَكِ اللَّهُ زَوْجَكِ وَهُوَ أَشْرَفُ أَهْلِ بَيْتِكِ حَسَبًا، وَأَكْرَمُهُمْ مَنْصِبًا، وأَرْحَمهُمْ بِالرَّعِيَّة، وَأَعْدَلُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وأَبْصَرُهُمْ بِالقَضِيَّةِ، وَقَدْ سَأَلْتُ رَبِّ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَكُونِ أَوَّلَ مَنْ يَلْحَقُنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتّي، قَالَ عَلِيٌّ علیه السلام : فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم لَمْ تَبْقَ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا بَعْدَهُ إِلا خَمْسَةٌ وَسَبْعِينَ َوْمًا حَتَّى أَلحقها الله بِهِ صلى الله عليه و آله وسلم»(1).

وهذه الرواية إن صحت فلابد من حملها على التأويل لعدم إمكان كون المهدي حقيقة من ولد الحسن والحسين لأنَّ كلَّ واحد منهما له ذريَّة خاصّة.

مدة حكومة الإمام المهدي

وردت بعض الروايات تبين مدة حكومة المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، وهذه الروايات حددت فترة حكومته من سبع إلى تسع سنوات. وقيل: يملك عشرين سنة قال ابن أبي شيبة : حدثنا أبو معاوية وابن نمير عن موسى الجهني عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «يكون في أمتي المهدي إن طال عمره أو قصر عمره يملك سبع سنين أو ثماني سنين أو تسع سنين فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وتمطر السماء مطرها وتخرج الأرض بركتها» قال وتعيش أمتي في زمانه عيشا لم تعشه قبل ذلك» (2).

وجاء في سنن أبي داود: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ

ص: 571


1- المعجم الكبير للطبراني: 2/ 190 [ح . 2609 / بقية أخبار الحسن بن علي رضي الله عنه]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 512 [ح. 37627 - كتاب الفتن / ما ذكر في فتنة الدجال]

قتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَي الخَلِيلِ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ أَمْ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ «يَكُونُ اخْتِلافُ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ كَارِهُ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ مِنَ الشَّامِ فَيُخْسَفُ بِهِمُ بِالبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ وَ عَصَائِبُ أَهْلِ العِرَاقِ فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَام ثُمَّ يَنشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بَعْثًا فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبِ وَالخَيْبَةُ لَنْ لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ فَيَقْسِمُ المَالَ وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ وَيُلْقِي الإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامٍ «تِسْعَ سِنِينَ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ «سَبْعَ سِنِينَ»(1).

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الحَدِيثِ وَقَالَ «تِسْعَ سِنِينَ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ غَيْرُ مُعادٍ عَنْ هِشَامٍ «تِسْعَ سِنِينَ»»(2).

و قال الترمذي: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدًا العَمِّيَّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الصَّدِّيقِ النَّاجِيَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ فَسَأَلْنَا نبي الله فَقَالَ «إِنَّ فِي أُمَّتِي المَهْدِي يَخْرُجُ يَعِيشُ خمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا». زيدٌ الشَّاكُ.

قَالَ قُلْنَا وَمَا ذَاكَ قَالَ «سِنِينَ». قَالَ فَيَجِيءُ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَيَقُولُ يَا مَهْدِي أَعْطِنِي أَعْطِنِي».

قَالَ فَيَحْتِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه و آله وسلم. وَأَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ اسْمُهُ بَكْرُ بْنُ

ص: 572


1- سنن أبي داود السليمان بن الأشعث السجستاني: 672. [ح. 4286 / كتاب المهدي]
2- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 672 [ح. 4287 / كتاب المهدي]

عَمْرٍو وَيُقَالُ بَكْرُ بْنُ قَيْسٍ»(1) .

وقال ابن ماجة: «حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ العُقَيْلِي حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ زَيْدِ العَمِّي عَنْ أَبِي صِدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ«يَكُونُ في أمتي المهدي إنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ وَإِلا فَتِسْعٌ فَتَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نَعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ تُؤْتَى أُكُلَهَا وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُمْ شَيْئًا وَالمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ يَا مَهْدِي أَعْطِنِي. فَيَقُولُ: خُذْ»(2).

وقال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ شَيْبَانُ عَنْ مَطَرِ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الخَدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَجْلَى أَقْنَى يَمْلَأُ الأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ قَبْلَهُ ظُلْما يَكُونُ سَبْعَ سِنِينَ»»(3). (3)

وقال عبد الرزاق الصنعاني: «أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام فيبعث إليه جيش من الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فيأتيه عصائب العراق وأبدال الشام فيبايعونه فيستخرج الكنوز ويقسم المال ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض يعيش في ذلك سبع سنين أو قال: تسع سنين»(4).

ص: 573


1- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي للإمام الترمذي : 244/3 - 245 [ح . 2232/ كتاب الفتن - باب ما جاء في المهدي]
2- سنن ابن ماجة للحافظ محمد بن يزيد القزويني: 663 - 664[ح. 4083 / باب خروج المهدي]
3- مسند أحمد بن حنبل : 22/30 [3 / 17] ، [حديث : 11136]
4- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: 316/10 [11 / 370]،[ح . 20934 / باب المهدي]

وقال النيسابوري: «أخبرني أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا النضر بن شميل، ثنا سليمان بن عبيد، ثنا أبو الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال ،صحاحا، وتكثر الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا» يعني حججا «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»»(1).

وقال أيضاً: «حدثنا عبد الله بن سعد الحافظ ثنا إبراهيم بن أبي طالب، وإبراهيم بن إسحاق، وجعفر بن محمد بن أحمد الحافظ، قالوا: حدثنا نصر بن علي، ثنا محمد بن مروان، ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم، قال:«يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فتسع، تنعم أمتي فيه نعمة لم ينعموا مثلها قط، تؤتي الأرض أكلها لا تدخر عنهم شيئا، والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول : يا مهدي أعطني فيقول: خذ»»(2).

وقال ابن حجر الهيتمي: «أخرج الروياني والطبراني وغيرهما: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى لخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الجو يملك عشرين سنة»(3).

ص: 574


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 4555. [ح. 8851 - كتاب الفتن والملاحم]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 5/ 455. [ح. 8853- كتاب الفتن والملاحم]
3- الصواعق المحرقة لابن حجر: 251 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم - الآية الثانية عشرة]

أسعد الناس بالإمام المهدي

روى ابن أبي شيبة بأنَّ أهل الكوفة هم أسعد الناس بالإمام المهدي، فقد قال:«حدثنا يعلى بن عبيد عن الأجلح عن عمار الدهني عن سالم عن عبد الله بن عمرو قال يا أهل الكوفة أنتم أسعد الناس بالمهدي» (1). وأهل الكوفة من الشيعة الإثني عشرية فهذا يعني أنَّ الشيعة هم أسعد الناس بالمهدي، فهم ينتظرون ظهوره بفارغ من الصبر و يدعون الله تعجيل ظهوره.

وفي رواية أخرى يرضى عنه ساكنو السماء وساكنو الأرض، فقد «أخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «أبشركم بالمهدي يبعثه الله في أمتي على اختلاف من الزمان وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ويرضى عنه ساكنو السماء وساكنو الأرض، يقسم الأرض ضحاحاً. فقال له رجل: ما ضحاحا ؟ قال بالسوية بين الناس ويملأ قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله حتى يأمر مناد ينادي يقول: من كانت له في مال حاجة فما يقوم من المسلمين إلا رجل واحد، فيقول : ائت السادن يعني الخازن فقل له : إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً فيقول له: أحث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً إذ عجز عني ما وسعهم قال فيرد، فلا يقبل منه، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ثم لا خير في العيش بعده قال: ثم لا خير في الحياة بعده »»(2).

ص: 575


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة: 513/7[ح. 37632 - كتاب الفتن ما ذكر في فتنة الدجال]
2- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 6 / 38 - 39[سورة محمد/ الآيات: 16 - 18]

ص: 576

بعض علائم ظهور المهدي

وردت روايات عديدة تبين بعض علائم ظهوره ، منها طلوع آية مع الشمس كما ورد في الحديث الذي رواه الصنعاني : «أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن بن طاووس عن علي بن عبد الله بن عباس قال لايخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية»(1).

ومنها خروج أهل خراسان في طلب المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، وظهور السفياني على أهل الشام، وقتل شيعة آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم بالكوفة، كما أخرج الحاكم النيسابوري فقال: «أخبرني محمد بن المؤمل ، ثنا الفضل بن محمد الشعراني، ثنا نعيم بن حماد، ثنا الوليد، ورشدين، قالا: ثنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي ،رومان، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: يظهر السفياني على الشام ، ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسا حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثم ينفتق عليهم فتق من خلفهم، فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان، ويقتلون شيعة آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي»»(2).

ومنها خروج الرايات السود من قبل ،خراسان قال ابن ماجة: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الحَذَاءِ عَنْ أبي قِلابَةَ عَنْ أَبي ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم «يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ

ص: 577


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 10 / 317 [11 / 372]،[ح . 20940 / باب المهدي]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 407/5. [ح. 8706 كتاب الفتن والملاحم]

ثَلاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّابَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلاً لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لا أَحْفَظُهُ فَقَالَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ الله المَهْدِيُّ»»(1).

وأخرج الحاكم النيسابوري أيضاً ، «فقال : أخبرنا الحسين بن يعقوب بن يوسف العدل، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، أنبأ خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان رضي الله عنه قال: «إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا، فإن فيها خليفة الله المهدي» «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »»(2).

ومنها يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ المَشْرِقِ فَيُوَطَّئُونَ لِلْمَهْدِي سُلْطَانَهُ

جاء في سنن ابن ماجة : «حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى المَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيد الجَوْهَرِي قَالاً حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ الحَرَانِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ طِيعَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرِ الحَضْرَمِي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الحَارِثِ بْنِ جَزْءِ الزُّبَيْدِي قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَخْرُجُ نَاسٌ مِنَ المَشْرِقِ فَيُوَطَّنُونَ لِلْمَهْدِي». يَعْنِي سُلْطَانَهُ»(3).

وحدث ابن ماجة أيضاً : «حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَمَّا رَآهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ لوْنُهُ قَالَ فَقُلْتُ مَا تَزَالُ نَرَى فِي وَجْهِكَ شَيْئًا نَكْرَهُهُ. فَقَالَ «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا

ص: 578


1- سنن ابن ماجة للحافظ محمد بن يزيد القزويني: 664 [ح. 4084 / باب خروج المهدي]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 407/5. [ح. 8707- كتاب الفتن والملاحم]
3- سنن ابن ماجة للحافظ محمد بن يزيد القزويني: 664. [ح. 4088 / باب خروج المهدي]

الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَ تَطْرِيدًا حَتَّى يَأْتِي قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ فَيَسْأَلُونَ الخَيْرَ فَلا يُعْطَوْنَهُ فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَدْفَعُوهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا كَمَا مَلَؤُوهَا جَوْرًا فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَأْتِهِمْ وَلَوْ حَبّوًا عَلَى الثّلجِ»»(1).

ومنها أنه يخرج بمكة في آخر الزمان، وأنصاره بعدد أهل بدر، أي: (ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً)

قال الحاكم النيسابوري : «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري، ثنا عمرو بن محمد العنقزي، ثنا يونس بن أبي إسحاق، أخبرني عمار الدهني، عن أبي الطفيل، عن محمد بن الحنفية، قال: كنا عند علي رضي الله عنه، فسأله رجل عن المهدي، فقال علي رضي الله عنه : هيهات ثم عقد بيده سبعا، فقال: «ذاك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل: الله الله ،قتل فيجمع الله تعالى له قوما قزعا(2) كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر ، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ، قال أبو الطفيل : قال ابن الحنفية: أتريده؟ قلت: «نعم»، قال: إنه يخرج من بين هذين الخشبتين، قلت: «لا جرم(3) والله لا أريهما جرم حتى أموت»، فمات بها يعني مكة حرسها الله تعالى هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه »(4).

ص: 579


1- سنن ابن ماجة للحافظ محمد بن يزيد القزويني: 663. [ح. 4082 / باب خروج المهدي]
2- القزع: قِطَع السَّحاب المتفرقة
3- لا جرم: هذه كلمة ترد بمعنى تحقيق الشيء. وقد اختلف في تقديرها، فقيل: أصلُها التبرئة بمعنى لا بُدَّ، ثم اسْتُعْمِلت في معنى حَقا. وقيل جَرَم بمعنى كسَبَ. وقيل بمعنى وجَبَ و حُقَّ
4- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 451/5 [ح. 8837- كتاب الفتن والملاحم]

قال ابن أبي شيبة:«حدثنا أبو معاوية عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي الحق بغير عدد»(1) .

وفي صحيح مسلم : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَلُ بْنُ حُجْرٍ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْر - قَالا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الجُرَيْرِي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله فَقَالَ يُوشِكُ أَهْلُ العِرَاقِ أَنْ لا يُجبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٍ وَلَا دِرْهَمٌ. قُلْنَا مِنْ أَيْنَ ذَاكَ قَالَ مِنْ قِبل العَجَم يَمْنَعُونَ ذَاكَ. ثُمَّ قَالَ يُوشِكَ أَهْلُ الشَّام أن لا يُجبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْىٌ. قُلْنَا مِنْ أَيْنَ ذَاكَ قَالَ مِنْ قِبل الرُّوم. ثُمَّ سَكَتَ هُنيَّةً ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم : «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْيِي المَالَ حَنيا لا يَعُدُّهُ عَدَدًا» . قَالَ قُلْتُ لأبِي نَضْرَةَ وَأَبِي العَلَاءِ أَتَرَيَانِ أنهُ عَمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ فَقَالاَ : لاَ»(2).

ومنها تقتل النفس الزكية، قال ابن أبي شيبة :

«حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا موسى الجهني قال حدثني عمر بن قيس الماصر قال حدثني مجاهد قال حدثني فلان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم أن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها وهو يملأ قسطاً وعدلاً وتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء مطرها وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط»(3).

ص: 580


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 512[ح. 37629/ ما ذكر في فتنة الدجال]
2- صحیح مسلم: 1211 . [ح . 2913 / كتاب الفتن واشراط ]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 7 / 514. [ح. 37642/ ما ذكر في فتنة الدجّال]

ومنها ينادي مناد من السماء إن الحق في آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم قال نعيم بن حماد المروزي المتوفى سنة 288ه:

«حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي رضي الله عنه قال بعد الخسف ينادي مناد من السماء إن الحق في آل محمد في أول النهار ثم ينادي منادٍ في آخر النهار إن الحق في ولد عيسى وذلك نحوه من الشيطان.

حدثنا عبد الله بن مروان عن سعيد بن يزيد التنوخي عن الزهري قال إذا التقى السفياني والمهدي للقتال يومئذ يسمع صوت من السماء ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي»(1).

ومنها تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا، قال الحاكم النيسابوري:

«حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق، وعلي بن حمشاذ العدل، وأبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، قالوا: ثنا بشر بن موسى الأسدي، ثنا هوذة بن خليفة، ثنا عوف بن أبي جميلة، وحدثني الحسين بن علي الدارمي، ثنا محمد بن إسحاق الإمام، ثنا محمد بن بشار، ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، ثنا أبو الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا» «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والحديث المفسر بذلك الطريق وطرق حديث ،عاصم عن زر، عن عبد الله كلها صحيحة على ما أصلته في هذا الكتاب بالاحتجاج بأخبار عاصم بن أبي النجود إذ هو إمام من أئمة المسلمين»(2).

ص: 581


1- كتاب الفتن نعيم بن حماد المروزي 209 ، والعَرْفُ الوَرْدِي في أخبار المَهْدِي للحافظ جلال الدين السيوطي، حديث قم : 166
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 454/5 [ح . 8847 كتاب الفتن والملاحم]

ص: 582

بعض أوصاف الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف:

قال الحاكم النيسابوري: «حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا عمران القطان، ثنا قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يعيش هكذا وبسط يساره وإصبعين من يمينه المسبحة، والإبهام وعقد ثلاثة «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه»»(1).

وقال الإمام الحافظ أبو داود السجستاني: «حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَامِ بْنِ بَزِيعِ عِمْرَانُ القَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «المَهْدِيُّ مِنِّى أَجْلَى الجَبْهَةِ أَقْنَى الأَنْفِ يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ»»(2) (2) . وفي الهامش: قال الألباني: حسن.

قال عبد الرزاق الصنعاني: «أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن مطر عن رجل عن أبي سعيد الخدري قال إن المهدي أقنى أجلى»(3).

قال ابن حجر الهيتمي: «وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما المهدي من ولدي

ص: 583


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 454/5. [ح. 8848- كتاب الفتن والملاحم]
2- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 672 [ح. 4285 / كتاب المهدي]
3- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 10 / 317 [11 / 371]،[ح . 20938 / باب المهدي]

وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم كما ملئت جورا يرضى الخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الجو يملك عشرين سنة»(1)

ص: 584


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: 251 [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم - الآية الثانية عشرة]

المهدي عيسى بن مريم

وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (المتوفى سنة 235ه) : حدثنا الوليد بن عتبة عن زائدة عن ليث عن مجاهد قال : المهدي عيسى بن مريم»(1).

وقد ردَّ هذا الحديث بعض علماء السنة، قال ابن حجر الهيتمي: «ثم تأويل حديث لا مهدي إلا عيسى إنما هو على تقدير ثبوته وإلا فقد قال الحاكم أوردته تعجبا لا محتجا به.

وقال البيهقي : تفرد به محمد بن خالد وقد قال الحاكم: إنه مجهول، واختلف عنه في إسناده، وصرح النسائي بأنه منكر، وجزم غيره من الحفاظ بأن الأحاديث التي قبله أي الناصَّة على أن المهدي من ولد فاطمة أصح إسنادًا»(2).

وقال الشيخ يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي في كتابه عقد الدرر في أخبار المنتظر ص 64 : «منهم من يزعم أن لا مهدي إلا عيسى بن مريم الطاهرة الزكية.

فقلت له.... من زعم أن لا مهدي إلا عيسى بن مريم، وأصر على صحة هذا الحديث وصمم ، فربما أوقعه في ذلك الحمية والإلتباس، وكثرة تداول هذا الحديث على

ص: 585


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 513/7 [ح. 37635/ ما ذكر في فتنة الدجال]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر 252 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم - الآية الثانية عشرة]

السنة الناس.

وكيف يرتقي إلى درجة الصحيح وهو حديث منكر ، أم كيف يحتج بمثله من أمعن النظر في إسناده وأفكر .

فقد صرح بكونه منكراً أبو عبد الرحمن النسائي، وإنه لجدير بذلك إذ مداره على محمد بن خالد الجندي.

وفي كتاب العلل المتناهية للإمام أبي الفرج بن الجوزي، ما نقله في توهين هذا الحديث من كلام الحافظ أبي بكر البيهقي، قال: فرجع الحديث إلى الجندي وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك غير مقبول، عن الحسن عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم وهو منقطع غير موصول.

وحكى البيهقي عن شيخه الحاكم النيسابوري، وناهيك به معرفة بعلم الحديث وعلى أحوال رواته مطلع أنه قال: الجندي مجهول وابن أبي عياش متروك وهذا الحديث بهذا الإسناد منقطع.

وقد نقل علماء الحديث في حق الإمام المهدي من الأحاديث ما لا يحصى كثرة، وكلّها معرّضة بذكره ومصرحة، وفي ذلك أدلّ دليل في ترجيحها على هذا الحديث المنكر عند من كان له بهذا الفن خبرة وبعضها لبعض مصححة.

وقد ذكر الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين من ذلك ما فيه غنية، ونبه على ترجيح رواته الجم الغفير من كان له في ذلك بغية.

ولما انتهى في كتابه إليَّ ذكر هذه الرواية بين حالها لمن له فهم ودراية، فقال قد ذكرت ما انتهى إلي من علم هذا الحديث تعجباً لا محتجاً به، وهذا غاية التوهين.

ص: 586

... فقد اتضح لمن أنصف من جملة هذا الكلام أن المهدي من ولد الزهراء فاطمة لا ابن مريم عليهما السلام

على إنَّا نقول : ولئن سلمنا صحة هذا الحديث فإنه يحمل على تأويل، إذ لا نجد لإلغاء ما يعارضه من الأحاديث الصحيحة سبيل، ولعل تأويله كتأويل : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد إذ ألفاظ الحديثين يقرب بعضها من بعض ولا يبعد، وفي الحديث من هذا النوع كثير، وليس ذلك بمحمول على نفي المنفي بل على الترجيح والتوفير، أو لعل له تأويلاً غير ذلك، فوجوه العلم متسعة المسلك.

قال الشيخ الإمام الحافظ العلامة شهاب الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي رضي الله عنه : «ولقوله صلی الله علیه و آله و سلم : «لا مهدي إلا عيسى بن مريم» وجه آخر من التأويل، وهو أن يكون على حذف مضاف، أي إلا مهدي عيسى. أي الذي يجيء في زمن عيسى علیه السلام ، فهو احتراز ممن يسمى بالمهدي قبل ذلك من الملوك وغيرهم، أو يكون التقدير إلا زمن عيسى أي الذي يجيء في ذلك الزمن، لا في غيره. والله أعلم(1).

ص: 587


1- عقد الدرر في أخبار المنتظر وهو المهدي للشيخ يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي تحقيق الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوروني، ص 64 ، ط2 ، مكتبة المنار ، الزرقاء - الاردن 1410ه

ص: 588

المهدي من ولد العباس عمي

أخرج الدار قطني في الأفراد حديث«المَهدِيُّ من ولد العباس عمي»

وقال الدارقطني : هذا حديث غريب.

وقد ردَّ جماعة من علماء السنة هذا الحديث، فقال ابن حجر الهيتمي: «قال الذهبي: تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث»(1).

فإنَّ العباسيين استغلوا مفهوم المهدوية وحاولوا أن يطبقوه عليهم لمزيد من تحقيق النصر وكسب المعركة مع الأمويين سياسياً واجتماعياً وعسكرياً. فوضعوا هذا الحديث.

و قال ابن حجر الهيتمي أيضاً: حديث المهدي من ولد العباس عمي سنده ضعيف»(2). فيسقط الإستدلال به.

ص: 589


1- الصواعق المحرقة لابن حجر 253 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم - الآية الثانية عشرة]
2- ينظر الصواعق المحرقة لابن حجر : 353 - 354 ، [ تتمة تذييل للكتاب في مناقب آل البيت / باب: خصوصياتهم الدالة على عظيم كراماتهم]

ص: 590

اسم ابيه يواطئ اسم أبي

اشارة

لقد وردت بعض الأحاديث تقول بأنَّ المهدي (اسم أبيه اسم أبي)

فمنها ما جاء في سنن أبي داود: «حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَهُمْ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ فِطْرِ - المَعْنَى وَاحِدٌ - كُلُّهُمْ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ الله عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلا يَوْمِ». قَالَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ «لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ». ثُمَّ اتَّفَقُوا «حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي». أَوْ «مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِيُّ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي». زَادَ فِي حَدِيثِ فِطْرٍ «يَمْلأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْما وَجَوْرًا»(1) (1).

وفي كتاب المستدرك: حديث سفيان الثوري وشعبة، وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين، عن عاصم ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: «لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلم»»(2).

قال ابن أبي شيبة:«حدثنا الفضل بن دكين قال وحدثنا فطر عن زر عن عبد الله

ص: 591


1- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: 671[ح. 4282 / كتاب المهدي]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 356/5 [ح. 8536 كتاب الفتن والملاحم]

قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي»(1).

وفي كتاب المستدرك: «أخبرني أبو بكر بن دارم ،الحافظ ، بالكوفة، ثنا محمد بن عثمان بن سعيد القرشي، ثنا يزيد بن محمد الثقفي، ثنا حنان بن سدير، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم ، عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلا أخبرنا به، ولا سكتنا إلا ابتدأنا، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه، فقال: «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، ثم يسألونه فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبوا على الثلج، فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملك الأرض فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما»»(2).

إشكال

المهدي اسمه محمد بن عبد الله لا محمد بن الحسن

قال ابن تيمية: المهدي الذي أخبر به النبي اسمه محمد بن عبد الله لا محمد بن الحسن.

ص: 592


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة: 7 / 513[ح. 37636/ ما ذكر في فتنة الدجال]
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 375/5 [ح. 8607 - كتاب الفتن والملاحم]
الجواب :

لقد استند ابن تيمية وغيره على هذه الروايات ونحوها التي تزعم أنّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم قال : إنَّ المهدي اسم ابيه يواطئ اسم أبي

وهذه الأحاديث يجاب عنها بعدة ردود فمنها أنّها تسقط في الإعتبار ولا يصح الإعتماد عليها بسبب ضعف سندها.

الرد الأول :

أن معظم هذه الروايات وردت عن طريق ( عاصم بن بهدلة)، وسمعها ابن عيينة منه

وأضاف عليها «واسم أبيه اسم أبي» بدليل أنَّ ابن عيينة روى هذه الرواية عدة مرات من دون ذكر اسم أبيه، فلو كانت الزيادة من عاصم لما تردد فيها ابن عيينة، ويدعم هذا ما قاله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي، أبو عبد الله وهو أول من جمع «المسند» في الحديث، فقد قال:

«حدثنا ابن عيينة عن عاصم عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم، قال : «المهدي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي وسمعته غير مرة لا يذكر اسم أبيه»»(1).

وانظر الروايات المتقدمة تحت عنوان: المهدي رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي من هذا الباب حيث ذكرنا تسع روايات رويت عن عاصم لم يذكر فيها اسم أبيه، ولعلَّ هذه الإضافة «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبي»، من وضع الرواة الذين رووا عن عاصم لأنّهم هم بأنفسهم رووا أحاديث عدم الزيادة عن عاصم مع أنَّ هناك مجموعة من الرواة رووا عن عاصم عدم زيادة «وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي» ، فلو كانت الزيادة موجودة وسمعوها عن

ص: 593


1- كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي : 227

عاصم لرواها هؤلاء، وهذا الاضطراب الحاصل من الراوي كان سبباً في جعل بعض علماء السنة يتهم عاصم بضعف الحفظ.

قال الذهبي: «قال عبد الرحمن بن المبارك: قال ابن عُلية : كلّ مَن اسمه عاصم في حفظه شيء»(1)

وقال أيضاً: «عاصم بن أبي النجود أحد السبعة القراء.هو عاصم بن بهدلة الكوفي مولى بني أسد، ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت صدوق يَهِمُ .

قال يحيى القطان(2): ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ.

وقال النسائي: ليس بحافظ.

وقال الدار قطني : في حفظ عاصم شيء.

وقال أبو حاتم: محله الصدق.

وقال ابن خراش في حديثه نكرة.

قلت: هو حسن الحديث.

ص: 594


1- ميزان الإعتدال في نقد الرجال للذهبي: 4 / 4 [حرف العين / عاصم]،(المتوفى سنة : 748ه)
2- قال الذهبي «قد ألف الحفاظ مصنفات جمة في الجرح والتعديل ما بين اختصار وتطويل، فأول من جمع كلامه في ذلك الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، وتكلم في ذلك بعده تلامذته يحيى بن معين وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن أبي الفلاس، وأبو خيثمة، وتلامذتهم، كأبي زرعة، وأبى حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبى إسحاق الجوزجاني السعدي، وخلق من بعدهم مثل النسائي، وابن خزيمة، والترمذي والدولابي والعقبلي، وله مصنف مفيد في معرفة الضعفاء. و لأبي حاتم بن حبان كتاب كبير عندي في ذلك». ميزان الإعتدال في نقد الرجال للذهبي: 4/ 4[حرف العين/ عاصم]، (المتوفى سنة : 748ه)

وقال أحمد وأبو زرعة: ثقة .

قلت خرج له الشيخان لكن مقرونا بغيره لا أصلا وانفرادا.

توفّي في آخر سنة سبع وعشرين ومائة.

يحيى القطان، سمعت شعبة يقول : حدثنا عاصم بن أبي النجود - وفي النفس ما فیها.

ابن عيينة، حدثنا عاصم عن ،زر قال لي عبد الله : هل تدرى يا زر ما الحفدة؟ قلت نعم، هم حفدة الرجل من ولده وولد ولده.

قال: لا، ولكنهم الأصهار.

قال عاصم: فقال لي الكلبي : أصاب زر، وكذب الكلبي لعمر الله .

وقال أحمد بن حنبل : كان ثقة، أنا أختار قراءته.

وقال ابن سعد : ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.

وقال أبو حاتم : ليس محله أن يقال ثقة»(1).

وقال الذهبي: «عاصم بن أبي النجود الأسدي، مولاهم القارئ قال س [يعني: قال النسائي] : ليس بحافظ ، وقال الدار قطني : "في حفظه شيء»(2)

قال ابن سعد: «عاصم بن أبي النجود الأسدي، وهو عاصم بن بهدلة مولى لبني جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين بن أسد... قالوا وكان عاصم ثقة إلا أنه كان كثير

ص: 595


1- ميزان الإعتدال في نقد الرجال للذهبي: 4/ 13 - 14 [حرف العين عاصم]، (المتوفى سنة : 748ه) الطبقات الكبرى لابن سعد - (ج6 / ص321)
2- المغني في الضعفاء 1 / 508 [حرف العين]

الخطأ في حديثه»(1).

قال الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي الحنظلي الرازي المتوفى سنة 327ه: «نا عبد الرحمن قال : سألت أبا زرعة عن عاصم بن بهدلة، فقال: ثقة.

ثنا عبد الرحمن ، قال : فذكرته لأبي فقال : ليس محله هذا أن يقال هو ثقة، وقد تكلم فيه بن علية ، فقال : كأن كلّ من كان اسمه عاصماً سّيء الحفظ»(2).

قال أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي: «عاصم بن أبي النجود وهو ابن بهدلة حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبو بكر بن خلاد قال: حدثني يحيى بن سعيد قال : سمعت شعبة يقول : حدثنا عاصم بن أبي النجود، وفي النفس ما فيها»(3).

و مما تقدم يعلم أن زيادة «واسم أبيه اسم أبي» ليست بحجة في رواية عاصم. الطائفة الثانية من هذه الروايات فيها (فطر بن خليفة، اتهم بالتشيع ولا يحتج به كثير من علماء السنة ، وعليه يسقط الاستدلال بروايته عند كثير من علماء السنة.

قال الإمام الحافظ أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي: «وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود سمعت أحمد بن عبد الله بن يونس قال كنا نمر على فطر وهو مطروح لا نكتب عنه»(4).

«فطر بن خليفة [خ ، عو - مقرونا] أبو بكر الكوفي الحناط.

ص: 596


1- الطبقات الكبرى لابن سعد محمد بن سعد بن منبع الهاشمي البصري: 316/6-317
2- الجرح والتعديل : 443/6 [باب العين]
3- كتاب الضعفاء: 1044/3
4- تهذيب الكمال في أسماء الرجال : 254/8 [باب الفاء]

وقال الدار قطني لا يحتج به...

وقال أحمد بن يونس كنت أمر به وأدعه مثل الكلب.

وقال الجوزجاني: زائغ غير ثقة.

[قال عباد الرواجني في كتاب المناقب: أخبرنا أبو عبد الرحمن الأهاعي وغيره، عن جعفر الأحمر، سمعت فطر بن خليفة في مرضه يقول : ما يسرني أن مكان كل شعرة في جسدي ملك يسبح الله لحبي اهل البيت]

یحیی القطان، عن فطر، عن عطاء بن أبي رباح، قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : من أصابته مصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب.

قلت: مات سنة ثلاث أو خمس وخمسين ومائة»(1).

وذكره الذهبي أيضاً في الضعفاء فقال: «فطر بن خليفة المخزومي الخياط، عن أبي الطفيل وعدَّة، شيعي جَلْد، صدوق، وثقه أحمد وابن معين. وقال الجوزجاني: «زائغ عن الحق غير ثقة». وقال الدار قطني :«زائغ لا يحتج بحديثه . قلت خرج له البخاري مقروناً بآخر»(2)

قال أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي: «فطر بن خليفة الحناط كوفي حدثنا أحمد بن علي، حدثنا عمرو بن هشام الحراني قال: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: ما تركت الرواية عن فطر، إلا لسوء مذهبه حدثنا عبد الله قال: سمعت أبي يقول : كان فطر عند يحيى ثقة، ولكنه كان خشبيا مفرطا حدثنا عبد الله قال: سألت

ص: 597


1- ميزان الإعتدال في نقد الرجال للذهبي: 441/5-442 [حرف الفاء فطر]، (المتوفى سنة : 748ه)
2- المغني في الضعفاء 2 / 200 [ حرف الفاء]

أبي عن فطر بن خليفة، فقال: ثقة صالح الحديث حديثه حديث رجل كيس إلا أنه كان يتشيّع حدثنا محمد بن عيسى حدثنا العباس بن محمد قال: سمعت أحمد بن يونس يقول: كنت أمر بفطر بن خليفة بالكناسة في أصحاب الطعام وكان أعرج، وكان يبكر عن أصحاب الطعام ، قال : فلا أكتب عنه، وكان يتشيع، فأمر وأدعه مثل الكلب»(1).

الطائفة الثالثة من هذه الروايات لم نذكرها للإختصار، وهي لا تخلو من ضعف السند، فمنها مافيها:

يحيى بن يمان العجلي أبو زكريا الكوفي

قال الذهبي: «قال ابن سعد: «كثير الغلط»، وقال يحيى والنسائي: «ليس بالقوي»(2).

وقال الذهبي أيضاً: «يحيى بن يمان [م، عو] العجلي الكوفي.

... قال :أحمد ليس بحجة.

وقال ابن المديني : صدوق، فلج فتغير حفظه.

وعن وكيع قال: ما كان أحد من أصحابنا أحفظ للحديث من يحيى بن يمان، كان

يحفظ في المجلس [الواحد] خمسمائة حديث، ثم نسي.

وقال محمد بن عبدالله بن نمير: الحفظ سریع ،النسيان، وكان يحيى من كان سريع العباد، ذكره أبو بكر بن عياش فقال : ذاك ذاهب الحديث.

وقال ابن معين والنسائي : ليس بالقوى.

ص: 598


1- كتاب الضعفاء : 3/ 1150
2- المغني في الضعفاء 2 / 533 [حرف العين]

... قال ابن عدي عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في نفسه لا يتعمد الكذب، إلا أنه يخطئ ويشبه عليه.

يحيى بن يمان عن المنهال بن خليفة والمنهال.

قال البخاري: فيه نظر.

عن حجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن ابن عباس - أن النبي دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج.

حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف»(1).

قال الإمام الحافظ أبي الحجاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي: «قال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل : ليس بحجة.

وقال زكريا بن يحيى الساجي: ضعفه أحمد بن حنبل وقال حدث عن الثوري بعجائب لا أدري لم يزل هكذا أو تغير حين لقيناه أو لم يزل الخطأ في كتبه وروى من التفسير عن الثوري عجائب وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن يحيى بن معين : ليس بثبت لم يكن يبالي أي شيء حدث، كان يتوهم الحديث ، قال : وقال وكيع هذه الأحاديث التي يحدث بها يحيى بن يمان ليست من أحاديث سفيان.

وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين: أرجو أن يكون صدوقا.

وقال عبد الخالق بن منصور عن يحيى بن معين: ليس به بأس.

وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه صدوق، وكان قد فلج فتغير حفظه.

ص: 599


1- ميزان الإعتدال في نقد الرجال للذهبي : 7 / 230 - 231 [حرف العين/ عاصم]، (المتوفى سنة : 748ه)

وقال أبو بكر بن عفان الصوفي عن وكيع: ما كان أحد أصحابنا أحفظ من للحديث منه كان يحفظ في المجلس خمس مائة حديث ثم نسي، فلا أعلم بالكوفة أحدا أحفظ من داود ابنه وقال يعقوب بن شيبة : كان صدوقا كثير الحديث، وإنما أنكر عليه أصحابنا كثرة الغلط، وليس بحجة إذا خولف، وهو من متقدمي أصحاب سفيان في الكثرة عنه، وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود وذكر يحيى بن يمان فقال يخطئ في الأحاديث ويقلبها.. وقال النسائي: ليس بالقوي وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال أبو هشام الرفاعي عن يحيى بن يمان أحفظ عن سفيان الثوري أربعة آلاف حديث في التفسير وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن محمد بن عمران الأخنسي سمعت أبا بكر بن عياش وذكر يحيى بن يمان فقال ذاك راهب قال هارون بن حاتم مات سنة ثمان وثمانين ومئة وقال أبو هشام الرفاعي مات سنة تسع وثمانين ومئة روى له البخاري في الأدب والباقون»(1).

قال أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي: «يحيى بن يمان لا يتابع على حديثه ...

حدثنا محمد بن سعيد بن بلج قال : سمعت أبا عبد الله، يعني عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان يقول : استأذنت نوفلا في إتيان يحيى بن يمان، فقال: لا تعني نفسك فيه حدثنا أحمد بن محمود حدثنا عثمان بن سعيد قال قلت ليحيى بن معين فيحيى بن يمان في الثوري، قال: أرجو أن يكون صدوقا، قلت: كيف هو في حديثه؟ قال: ليس بالقوي»(2).

و منها ما فيها : عبيد الله بن موسى بن أبي المختار واسمه باذام العبسي

ص: 600


1- تهذيب الكمال في أسماء الرجال : 10 / 804 [باب الياء]
2- كتاب الضعفاء : 4 / 1540

«قال الذهبي: باذام أبو صالح، ضعفه البخاري»(1)

وقال يوسف بن المبرد المتوفّى (سنة 909ه): «عبيد الله بن موسى بن باذام، العبسي، أبو محمد أحد الحفاظ قال :أحمد كان صاحب تخليط حدث بأحاديث سوء خرج تلك البلايا يحدث بها .

فقيل له: فابن فضيل؟ قال : لم يكن مثله كان أستر منه وأما هو فأخرج تلك الأحاديث الرديئة»(2) .

وقال شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: «عبيد الله بن موسى بن أبي المختار واسمه باذام العبسي مولاهم الكوفي أبو محمد الحافظ

... وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يتشيع وقال يعقوب بن سفيان شيعي وإن قال قائل رافضي لم أنكر عليه وهو منكر الحديث وقال الجوزجاني وعبيدالله بن موسى أغلى وأسوأ مذهبا وأروى للعجائب وقال الحاكم سمعت قاسم بن قاسم السياري سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول عبيد الله بن موسى من المتروكين تركه أحمد لتشيعه ...»(3)

و منها مافيها : داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان بن ذكوان الطائي ويقال: الثقفي البكراوي أبو سليمان.

قال العقيلي: «داود بن محبر بن قحذم البكراوي حدثنا عبد الله بن أحمد قال سألت أبي عن داود بن المحبر فضحك وقال شبه لا شيء كان يدرك ذاك أيش الحديث حدثنا

ص: 601


1- المغني في الضعفاء 1 / 152 [حرف الباء]
2- بحر الدم (في من مدحه أحمد أو ذمه) ليوسف بن المبرد: 105
3- تهذيب التهذيب لابن حجر: 48/7

آدم بن موسى قال سمعت البخاري قال داود بن محبر منكر الحديث حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا عباس بن محمد قال سمعت يحيى يقول داود بن المحبر ليس بكذاب ولكنه كان رجلا قد سمع الحديث بالبصرة ثم صار إلى عبادان فصار من الصوفية فعمل الخوص والأسل فنسي الحديث وجفاه ثم قدم بغداد فجاء أصحاب الحديث فجعل يخطئ في الحديث لأنه لم يجالس أصحاب الحديث ولكنه كان في نفسه ليس يكذب قال يحيى وقد كتبت عن أبيه المحبر بن قحذم»(1).

قال المزي: «داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان بن ذكوان الطائي، ويقال: الثقفي، البكراوي، أبو سليمان البصري، نزيل بغداد، وهو صاحب كتاب«العقل»... قال علي بن المديني ذهب حديثه وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: كان يروي عن كل، وكان مضطرب الأمر. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.

وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث غير ثقة.

وقال أبو داود: ثقة شبه الضعيف. بلغني عن يحيى فيه كلام أنه يوثقه .

وقال النسائي : ضعيف.

وقال صالح بن محمد البغدادي: ضعيف صاحب مناكير.وقال في موضع آخر:

يكذب، ويضعف في الحديث.

وقال الدارقطني : متروك الحديث... »(2).

و منها مافيها رشدين بن سعد بن مفلح بن هلال المهري أبو الحجاج المصري وهو رشدين بن أبي رشدين، يروي عن ابن لهيعة.

ص: 602


1- ضعفاء العقيلي للعقيلي : 2 / 35
2- تهذيب الكمال للمزي: 443/8 - 447

قال الرازي: «رشدين بن سعد أبو الحجاج المصري روى عن عقيل ويونس... حدثنا عبد الرحمن حدثنا حرب بن إسماعيل [الكرماني الحنظلي] فيما كتب إليَّ قال: سألت أحمد بن حنبل عن رشدين بن سعد فضعفه وقدم ابن لهيعة عليه.

حدثنا عبد الرحمن حدثنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إليَّ قال: سمعت يحيى بن معين يقول : رشدين بن سعد لا يكتب حديثه... حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن إبراهيم قال: سمعت عمرو بن علي يقول : رشدين بن سعد المصري ضعيف الحديث.

حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول : رشدين بن سعد منكر الحديث وفيه غفلة، ويحدث بالمناكير عن الثقات، ضعيف الحديث ما أقربه من داود بن المحبر، وابن لهيعة استر، ورشدين أضعف.

حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن رشدين بن سعد فقال: ضعيف الحديث»(1)

و قال ابن حبان قال قتيبة بن سعيد كان ابن لهيعة ورشدين بن سعد لا يباليان ما دفع إليهما فيقرءانه .

حدثنا الحنبلي سمعت أحمد بن زهير : سئل يحيى بن معين عن رشدين بن سعد فقال : لا شيء.

سمعت يعقوب بن إسحاق سمعت الدارمي يقول : قلت ليحيى بن معين : رشدین بن سعد ؟

قال ليس بشي»(2).

ص: 603


1- الجرح والتعديل للرازي: 513/3
2- كتاب المجروحين لابن حبان : 1 / 303 - 304

و منها مافيها الوليد بن مسلم

«قال أبو الحسن الدارقطني: الوليد بن مسلم يرسل يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع، وعطاء، والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري، يعني مثل عبد الله بن عامر الأسلمي، وإسماعيل بن مسلم... وقال أبو بكر الإسماعيلي : سمعت من يحكي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أحمد، وسئل عن الوليد بن مسلم، فقال: كان رفاعا. وقال أبو بكر المروزي: قلت لأحمد بن حنبل في الوليد قال : هو كثير الخطأ.

وقال حنبل بن إسحاق : سمعت يحيى بن معين يقول: قال أبو مسهر كان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي، وكان ابن أبي السفر كذابا وهو يقول فيها: قال الأوزاعي.

وقال مؤمل بن إهاب، عن أبي مسهر كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم»(1).

ومنها مافيها: زائدة

قال الذهبي: «زائدة بن سليم عن [عمران بن عمير] مجهول، زائدة عن سعد قال أبو حاتم حديثه منكر.

وقال البخاري: لا يتابع على حديثه.

قلت : من موالي عثمان.

ص: 604


1- تهذيب الكمال للمزي: 96/31 - 98

2827[2961ت] زائدة بن أبي الرقاد [س] أبو معاذ.

عن زياد النميري ضعيف.

وقال البخاري : منكر الحديث، وهو بصري، له عن ثابت وجماعة.

وعنه محمد بن أبي بكر المقدمي، وغيره.

وقال النسائي: لا أدري ما هو»(1) .

ومنها مافيها : داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان بن ذكوان الطائي ويقال : الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري وهو صاحب كتاب العقل.

«داود بن المحبر بن قحذم أبو سليمان حدث بمناكير في العقل وغيره حدثونا عن الحارث بن أبي أسامة عنه كذبه أحمد بن حنبل والبخاري رحمهما الله»(2)

قال يوسف بن المبرد: «داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان الطائي: قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عنه فقال : لا يدري ما الحديث، شبه لا شيء»(3).

ومنها مافيها سليمان بن قرم

«سليمان بن قرم الضبي وهو ابن قرم بن معاذ... حدثنا عبد الرحمن قال قرئ على العباس [بن محمد] الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول : سليمان بن معاذ ليس بشيء وهو ضعيف.

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول : سليمان بن معاذ الذي يحدث عنه أبو داود ليس بالمتين.

ص: 605


1- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي: 3/ 95 [حرف الزاي زائدة]
2- كتاب الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني: 78
3- بحر الدم (في من مدحه أحمد أو ذمه) ليوسف بن المبرد: 51

حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن سليمان بن قرم فقال : ليس بذاك»(1).

«سليمان بن قرم الضبي من أهل الكوفة يروي عن الأعمش وأبي يحيى القتات روى عنه أبو الأحوص وابن فضيل... سمعت محمد بن محمود قال سمعت الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين عن سليمان بن قرم فقال : ليس بشيء»(2) .

ومنها ما فيها : أبو بكر بن دارم الحافظ

قال الذهبي المتوفّى(748ه): «أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن السري، هو الحافظ أبو بكر بن أبي دارم الكوفي. توفي بالكوفة في أولها، وكان رافضياً. يروي في ثلب الصحابة المناكير ، واتهم بالوضع»(3).

وهكذا يتبين ضعف سند الروايات التي ذكر فيها «واسم أبيه اسم أبي»، إضافة إلى ذلك فهي لا تصح للإستشهاد بها للأسباب الآتية :

السبب الأول: أنّ زيادة «واسم أبيه اسم أبي» لم تروها الكتب والمصادر الحديثية المعتبرة، بخلاف الرواية المجردة عن الزيادة، فقد رواها الترمذي في سننه، وأحمد بن حنبل في مسنده، وغيرهما، فهي أكثر رواية من الرواية التي فيها زيادة «واسم أبيه اسم أبي» ، فإذا كانت رواية الزيادة صحيحة لما تأخر هؤلاء عن روايتها، و لكانت مروية أكثر من غيرها خصوصاً إذا كان في روايتها بطلان لمذهب من خالفهم فعليه دل عدم رواية كبار الحفاظ والمحدثين لها عدم اعتبارهم لها .

السبب الثاني: أنَّ سبب وضع الزيادة في حديث «واسم أبيه اسم أبي» هو وجود

ص: 606


1- الجرح والتعديل للرازي: 136/4 - 137
2- كتاب المجروحين لابن حبان 332/1
3- تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير و الأعلام للذهبي:8 / 391 [12676 - أحمد بن محمد السري / سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة]

607

شخصين بارزين كلّ منهما اسمه محمد بن عبد الله ، وكلّ منهما ادعى أنه المهديّ، وهما: محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى الملقب بالمهدي و محمد بن عبد الله المنصور الملقب بالمهدي. ومن أهم ما يدعم هذا القول هو قرب زمن رفع الحظر عن التدوين للأحاديث وبداية ظهور التدوين وكثرة كتابة الأحاديث مع ظهور هاتين الشخصيتين، مع الأخذ بالاعتبار أن هناك الكثير من إمارات الوضع في الحديث في هذه الفترة على الكثير من الأحاديث تظهر للمتتبع.

إذن فهناك مجال كبير للوضع بعد دراسة مناشئ الوضع في الحديث.

ومما يؤكد هذا ما كان يظنه بعض علماء السنة بأنَّ المهدي هو ثالث خلفاء بني العباس، فقد قال ابن حجر الهيتمي: «جاء في الحديث الصحيح: «أن اسم المهدي يوافق اسم النبي واسم أبيه اسم أبيه».

والمهدي هذا كذلك لأنه محمد بن عبد الله المنصور ويؤيد ذلك خبر ابن عدي المهدي من ولد العباس عمي لكن قال الذهبي تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم وكان يضع الحديث»(1).

السبب الثالث: أنَّ طرق هذا الحديث لم ترو عن الأئمة علیهم السلام وإن كانت رويت في مصادر الإمامية فهي مروية عن نفس طرق أبناء العامة وذلك مراعاة للأمانة العلمية في النقل للأحاديث عن كتب المخالفين. وأنَّ عندنا من مرجحات التعارض لو قيل بالوصول إلى هذه المرحلة مخالفة أبناء العامة فكيف إذا جاءت الرواية مخالفة لما عليه إجماع وتواتر الطائفة من أن المهدي هو ابن الإمام الحسن العسكري علیه السلام

ص: 607


1- الصواعق المحرقة لابن حجر 253 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم - الآية الثانية عشرة]

فكيف يروي العاقل ما فيه فساد مذهبه إلا إذا قلنا: إنَّ روايته له عن كتب المخالفين للأمانة في النقل كما تقدم ولا يوجد عندنا حديث يروي الزيادة عن أهل البيت عليهم السلام .

السبب الرابع: أنّ العرب تطلق لفظ الاسم على اللقب والكنية أيضاً، وقد روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَماهُ أَبُو تُرَابٍ إِلا النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله وسلم»(1).

كما شاع في لسان العرب إطلاق الأب على الجد، وذلك كما جاء في قوله تعالى :

«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ»،وقوله تعالى: «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَاءِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ»[يوسف/ 38] ،

فإذا ثبت إطلاق الاسم على الكنية، والأب على الجد، فلا دليل في قوله: «و واسم أبيه اسم أبي» أنَّ المراد هو أبوه المباشر، فيكون النبي صلی الله علیه و آله وسلم، أراد بقوله: «واسم أبيه اسم أبي» ، أنه جعله علامة تدلّ على أنه من ولد الحسين علیه السلام، دون الحسن علیه السلام لأن المهدي علیه السلام من ولد الحسين علیه السلام، فيكون اسم أبيه مشابها لكنية الحسين علیه السلام، وكنيته أبو عبد الله. والحسين هو أبو المهدي، كما أنَّ أبا النبي صلی الله علیه و آله وسلم هو إبراهيم علیه السلام، فأطلق النبي على الجد اسم الأب، وعلى الكنية لفظة الاسم.

السبب الخامس: أن يكون الراوي توهم بين قوله : (ابني) و قوله (أبي) فحذف النون من (ابني) ، فقال : هو «أبي»، والمراد بابنه الحسن لأن المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف محمد بن الحسن، وأقل ما يمكن أن يقال هنا إذا جاء الاحتمال في رواية «واسم أبيه اسم» أبي بطل الاستدلال بها.

ص: 608


1- صحيح البخاري : 1135 [كتاب الأدب باب التكني بأبي تراب ح. 6204]

شبهات و ردود

الشبهة الأولى :

زعموا أن الأحاديث الواردة في السنن بشأن المهدي ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة وكلها مجروحة وضعيفة، كلها مكذوبة على رسول الله صيغت وصنعت على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم صنعها غلاة الزنادقة لما زال الملك عن أهل البيت فأخذوا يُرهبون بها بني أمية ويتوعدونهم بأنه سيخرج المهدي وقد حان وقت خروجه فينزع الملك عنهم ثم يرده إلى أهل البيت إذ أنهم أحق به وأهله.

الجواب : قد ردَّ على هذه الشبهة بعض علماء السنة فنكتفي بذكر أقوالهم، منهم الشيخ يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي في كتابه عقد الدرر في أخبار المنتظر ص : 60 ، فقال : «إن من الناس من ينكر هذا كله بالكلية... فقلت له أما من ينكر هذا كله بالكلية فلا التفات إليه، إذ لا يعلم له في ذلك مستند يرجع»

وقال الألباني في دروس للشيخ الألباني: «نعتقد بخروج المهدي محمد بن عبد الله في آخر الزمان».

وقال جلال الدين السيوطي في بداية كتابه العَرْفُ الوَرْدِي في أخبار المَهْدِي : «أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت [النبوي] يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى ب_(المهدي)، ويكون خروج الدجال وما بعده من

ص: 609

أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى - علیه السلام- ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته وفي «شرح الرسالة» للشيخ جسوس ما نصه: ورد خبر المهدي في أحاديث ذكر السخاوي أنها وصلت إلى حد التواتر اه.

وفي «شرح المواهب» نقلاً عن أبي الحسين الأبري في «مناقب الشافعي» قال: تواترت الأخبار أن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه ذكر ذلك رداً لحديث ابن ماجة عن أنس ولا مهدي إلا عيسى اه_.

وفي «مغاني الوفا بمعاني الإكتفا»: قال الشيخ أبو الحسين الآبري: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم بمجيء المهدي، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً .اه.

وفي «شرح عقيدة الشيخ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي»: ما نصه: وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم، ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة فيه عن جماعة من الصحابة

وقال بعدها وقد روى عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، مما يفيد مجموعة العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة اه_»

الشبهة الثانية

يزعم بعض المخالفين بأنَّ الإمام الحادي عشر الحسن العسكري علیه السلام توفي عقيماً ولم ينجب .

الجواب هذه الشبهة غير صحيحة فقد ثبتت ولادة الإمام المهدي (سنة 255ه)،

ص: 610

وقد ذكر بعض علماء السنة القدامى ولادته، وهذا لا يعني أنهم يعترفون بإمامته، بل أرخوا لولادة ابن الإمام الحسن العسكري علیه السلام، فنذكر آراءهم للاستدلال بأنَّ الإمام الحادي عشر الحسن العسكري علیه السلام لم يُتَوفَّ عقيماً ، بل أنجب، ومن هؤلاء العلماء:

1. الأشعري: وهو إمام من أئمة السنة واسمه أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري و إليه تنسب الطائفة الأشعرية (المولود سنة 270ه، وقيل: سنة 260ه بالبصرة)(1).

قال في كتاب مقالات الإسلاميين ج 1 / ص 6:«فالفرقة الأولى منهم وهم القطعية وإنما سموا قطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم نص على إمامة علي بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه وأن علياً نصَّ على إمامة ابنه الحسن بن علي وأن الحسن بن علي نصَّ على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نصَّ على إمامة ابنه علي بن الحسين وأن علي بن الحسين نصَّ على إمامة ابنه محمد بن علي وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه جعفر بن محمد وأن جعفر بن محمد نصَّ على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر نصَّ على إمامة ابنه علي بن موسى وأن علي بن موسى نصَّ على إمامة ابنه محمد بن علي بن موسى وأن محمد بن علي نصَّ على إمامة ابنه علي بن محمد بن علي بن

ص: 611


1- قال ابن خلكان في وفيات الأعيان وأنباء الزمان : 3/ 284: «أبو الحسن الأشعري: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله ، و هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنة، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية، وشهرته تغني عن الإطالة في تعريفه... ومولده سنة سبعين ، وقيل ستين ومائتين بالبصرة. وتوفي سنة نيف وثلاثين وثلثمائة، وقيل: سنة أربع وعشرين وثلثمائة، وقيل: سنة ثلاثين [فجأة] - حكاه ابن الهمذاني في " ذيل تاريخ الطبري " ببغداد ودفن بين الكرخ وباب البصرة.»

موسى وأن علي بن محمد بن علي بن موسى نصَّ على إمامة ابنه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى وهو الذي كان بسامراء وأن الحسن بن علي نصَّ على إمامة ابنه محمد بن الحسن بن علي...»

2. ابن حجر الهيتمي قال ابن حجر الهيتمي (المتوفى سنة 974ه): «ورجع الحسن [العسكري] إلى داره وأقام عزيزاً مكرما وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات بسر من رأى ودفن عند أبيه وعمه وعمره ثمانية وعشرون سنة ويقال إنه سُمَّ أيضاً، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمى القائم المنتظر؛ لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب»(1).

وقال أيضاً: «ومحمد الحجة هذا إنما ولد بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين»(2)

3. أحمد بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن خلكان قال أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلّكان (المتوفى سنة 681ه):

أبو القاسم المنتظر: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور ،قبله، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر ... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه - وقد سبق ذكره – كان عمره خمس سنين ....

وذكر ابن الأزرق في «تاريخ ميافارقين «أن الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع

ص: 612


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 314 [الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديها]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر 255 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين، وهو الأصح ...»(1).

4. الملك أبو الفداء: ذكر الملك أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب (المتوفى سنة 732ه):

«وكانت ولادة الحسن العسكري المذكور في سنة ثلاثين ومائتين وتوفي في سنة ستين ومائتين في ربيع الأول وقيل في جمادى الأولى بسر من رأى ودفن إلى جانب أبيه علي الزكي المذكور والحسن العسكري المذكور هو والد محمد المنتظر صاحب السرداب ومحمد المنتظر المذكور هو ثاني عشر الأئمة الإثني عشر على رأي الإمامية ويقال له القائم والمهدي والحجة.

وولد المنتظر المذكور في سنة خمس وخمسين ومائتين»(2).

5. الشيخ مؤمن الشبلنجي المصري: عقد الشيخ مؤمن الشبلنجي المصري باباً ذكر فيه ترجمة للإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف في كتابه نور الأبصار. ومما ذكر فيه قوله: «في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أمه: أم ولد يقال لها: نرجس. وقيل. سوسن. وكنيته : أبو القاسم.

ولَقَبَهُ الإمامية: بالحجة، والمهدي، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي.

صفته شاب مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، يسيل شعره على منكبيه، أقنى

ص: 613


1- وفيات الأعيان : 4 / 176 ، [562 - أبو القاسم المنتظر]
2- تاريخ ابي الفداء (المسمى المختصر في تاريخ البشر) : 1 / 361، [سنة 255ه]

الأنف، أجلى الجبهة... وهو آخر الأئمة الإثني عشر على ما ذهب اليه الإمامية...»(1).

6. أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الجمالي الفزاري القلقشندي ثم القاهري الشافعي العلامة بالأنساب (المتوفى سنة 821 ه)

قال في نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب - (ج 1 / ص 45): «الجعافرة – بطن من بني الحسين السبط من بني هاشم من العدنانية، وهم بنو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط، والحسين يأتي نسبه عند ذكره في حرف الألف واللام مع الحاء، وجعفر هذا من الأئمة الإثني عشر عند الإثني عشرية، وهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم ابنه الحسن السبط، ثم أخوه الحسين السبط،ثم ابنه علي زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر ، ثم ابنه جعفر الصادق هذا، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه علي الهادي، ثم ابنه الحسن العسكري، ثم ابنه محمد المهدي وهو الثاني عشر، وهم يعتقدون أنه حي وينتظرون خروجه».

7. الشيخ أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان بن أبان بن عبد الله البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري

قال: «(الإمام الحسن بن علي العسكري علیه السلام) وولد علي بن محمد النقي علیه السلام الحسن بن علي العسكري علیه السلام من أم ولد نوبية تدعى ريحانة، وولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وقبض سنة ستين ومائتين بسامراء، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وولد موسى بن محمد بن علي علیه السلام، محمدا وأحمد من أم ولد وولد أحمد بن موسى – محمد بن أحمد بن موسى المبرقع مات بقم، وابنه أحمد بن موسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن علي موسى أبو

ص: 614


1- نور الابصار في مناقب آل النبي المختار للشبلنجي: 2/ 181 - 182

الحسن الرضا علیه السلام (قال) وولد علي النقي بن محمد التقي علیه السلام جعفرا وهو الذي تسميه الإمامية جعفر الكذاب وانما تسمية الامامية بذلك لادّعائِهِ ميراث أخيه الحسن علیه السلام دون ابنه القائم الحجة علیه السلام لا طعن في نسبه»(1).

7. الإمام الحافظ المؤرخ أبو عبد الله شمس محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (المتوفى سنة 748ه)، قال:

«الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق.

أبو محمد الهاشمي الحسيني أحد أئمة الشيعة الذين تدعي الشيعة عصمتهم. ويقال :له الحسن العسكري لكونه سكن سامراء، فإنها يقال لها العسكر، وهو والد منتظر الرافضة.

توفي إلى رضوان الله بسامراء في ثامن ربيع الأول سنة ستين، وله تسع وعشرون سنة. ودفن إلى جانب والده وأمه أمة.

وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست و خمسين عاش بعد أبيه سنتين ثم عدم، ولم يعلم كيف مات. وأمه أم ولد»(2).

وقال الذهبي أيضاً في كتابه سير أعلام النبلاء: «قال أبو الحسين بن المنادي: مات الرمادي لأربع بقين من ربيع الآخر سنة خمس وستين ومئتين.وقد استكمل ثلاثا وثمانين سنة.

ص: 615


1- سر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري: 39 - 40
2- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام : 6 / 625 - 626 [7741/ الطبقة السادسة والعشرون]

قلت: سمعنا من طريقه جماعة أجزاء من عن عبد الرزاق.

وفيها مات إبراهيم بن الحارث البغدادي، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري، وسعدان بن نصر المخرمي، وصالح بن أحمد بن حنبل، وعلي بن حرب، وعبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي، والقدوة أبو حفص النيسابوري، وهارون بن سليمان، والمنتظر محمد بن الحسن، والرافضة تقول: لم يمت، بل اختفى في السرداب»(1).

فقول الذهبي هذا يعني أنَّ أمر ولادته مفروغ منه، لأنّ الذهبي يؤرخ لموته، فلا يمكن أن يذكر تاريخ موت شخص لم يولد وأمَّا ادّعاؤه موت المنتظر فلا يقبل قوله بموته من غير إقامة البرهان والدليل على موته.

وقد ذكر المرحوم الشيخ نجم الدين العسكري في الجزء الأول من كتاب (المهدي الموعود المنتظر) أسماء أربعين من علماء السنة الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف

قال الشيخ باقر شريف القرشي ذكر المحقق الشيخ حسين النوري في كتابه (كشف الأستار) أربعين عالما ومحققا من علماء السنة الذين يؤمنون بوجود الإمام المنتظر وضرورة ظهوره»(2)

ادعاء باطل

تدَّعي الوهابية على الشيعة بعض الأكاذيب المفتعلة ، و يتقوَّلون على الشيعة مالم تقُلْهُ الشيعة، ومن أمثلة الشبهات التي يفتعلها الوهابية ولا أساس لها من الصحة قولهم:

«المهدي الذي ينتظره الشيعة تعتقد الشيعة بأنه سوف يهدم الكعبة بعد ظهوره ويقتل قريشاً الذين هم أهل الحجاز الآن في السعودية»

ص: 616


1- سِيَرُ أعلام النبلاء للذهبي: 276/10[461 / 8] ، [2135 - الرمادي]
2- حياة الإمام المهدي المصلح الأعظم: 249
الجواب

هذا الادعاء لا يؤمن به أي شيعي، بل في كتب الشيعة خلاف ذلك؛ قال الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج 2 - ص 248: «وما أراد الكعبة أحد بسوء إلا غضب الله عز وجل لها، ونوى يوماً تبع الملك أن يقتل مقاتلة أهل الكعبة ويسبي ذريتهم ثم يهدم الكعبة فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه فسأل عن ذلك، فقالوا: ما نرى الذي أصابك إلا بما نويت في هذا البيت لأن البلد حرم الله والبيت بيت الله، وسكان مكة ذرية إبراهيم خليل الله فقال: صدقتم فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك فحدث نفسه بخير فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا في مكانهما، فدعا القوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم ثم أتى البيت فكساه الأنطاع وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الأعلاف للوحوش، ثم انصرف من مكة إلى المدينة فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الأنصار»

الشبهة الثالثة

قال ابن تيمية مهدي الرافضة لا خير فيه إذ لا نفع ديني ولا دنيوي لغيبته.

وقيل: ما فائدة هذه الحجة الغائبة منذ أكثر من 1000 سنة؟ فلا يتمكن أحد من سؤاله إذا احتاج اليه في مسألة .

نقول : هذا السؤال منشؤه العقل، ويمكن الجواب عنه بعدة أوجه:

الجواب الأول: أمر الغيبة لم يقع للمهدي فقط فلم يكن الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف أول من أخفى الله ظهوره، فقد غاب النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم عندما كان في الغار، ولا يعلم بمكانه أحد إلاّ خمسة كما قيل، فلا يستطيع أحد أن يسأله وهو غائب عنهم. كذلك لبث موسى علیه السلام

ص: 617

زمناً طويلاً ولم يظهر نبوته لبني إسرائيل حتى جاء أمر الله تعالى وأمره بالذهاب إلى فرعون، ولبث إبراهيم علیه السلام طويلا في دولة نمرود يبلغ ولم يخبرهم بأنه رسول الله، وقصة الخضرعلیه السلام التي ورد ذكرها في القرآن الكريم تصرح بأنه لم يكن شأن الخضر معلوماً لدى نبي الله موسى علیه السلام بل كان مخفياً،(1) ولم يصرح القرآن بسبب خفاء الخضر علیه السلام بل لم يذكر هل هو نبي أو إمام، أو غير ذلك، مع تصريحه بأنه كان مأموراً في فعله؛ فقد قال: «وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَلَيْهِ صَبْرًا»[الكهف/ 82]، وقد أخفى القرآن الكريم قصص وأسماء أنبياء كثيرين ومع ذلك فنحن مأمورون بالإيمان بهم، وإن لم نعرفهم أصلاً، فما العجب من خفاء المهدي وعدم ظهوره لهذا اليوم إذا كانت سنة الله قد اقتضت ذلك كما اقتضت سنته بخفاء بعض الأنبياء والصالحين لفترة معينة، بل من الأنبياء ما لم نعرف من هو ولكن علينا الإيمان به ؛ قال الله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ»[غافر / 78]

الجواب الثاني: لم يتأمل ابن تيمية، وغيره في النفع الديني والدنيوي لإنتظار الحجة المهدي، فهذا النفع شبيه بالنفع الديني والدنيوي للنصارى الذين انتظروا النبي

ص: 618


1- فقد جاء في صحيح البخاري: 123 [ح . 74 باب ماذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر]: عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالحُرُ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنِ الفَزَارِيُّ فِي صَاحِبٍ مُوسَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ خَضِرٌ. فَمَرَّ بِهِمَا أَبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبٍ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيَّهِ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - - يَذْكُرُ شَأْنه قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - - يَقُولُ «بَيْنَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ قَالَ مُوسَى لَاَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرْ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الحَوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الحَوتِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ مُوسَى فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا. فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ»»

محمداً صلی الله علیه و آله وسلم أكثر من خمس مئة سنة، وكانوا يعرفون أوصافه، فلو لم ينتظروا لما آمنوا بالنبي المنتظر صلی الله علیه و آله وسلم ، فمن كان من المنتظرين آمن به كأمثال سلمان المحمدي، ومن كان ينتظر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ومات قبل أن يدرك زمانه صلی الله علیه و آله وسلم ترحم عليه صلی الله علیه و آله وسلم كقس بن ساعدة الأيادي، فقد «قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : رحم الله قُسَّا يحشر يوم القيامة أمة وحده»(1).

ومن لم يؤمن بنبوة محمد قبل بعثته بقي على نصرانيته، أو يهوديته، فكذلك المهدي المنتظر، فمن ينتظر خروجه سوف يؤمن به عند ظهوره ومن لا ينتظره فسوف لن يؤمن به إذا ظهر، فلا حرج من انتظار المهدي طالما أنَّ الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وعدنا بظهوره.

الجواب الثالث: ذكر الشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه) العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام علیه السلام فذكر روايات عديدة بأسانيد مختلفة تفيد أنَّ الأرض لا تبقى بغير إمام، فهو أمان لأهل الأرض، ولو أنَّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله، ولساخت(2).

وقد ورد في كتب السنة ما يدعم ذلك حيث قال ابن حجر الهيتمي: «الآية السابعة: قوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ»[الأنفال/ 33]، أشار إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته وإنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو أمانا لهم وفي ذلك أحاديث كثيرة... وفي رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ...»(3)

ص: 619


1- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 1/ 166
2- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه): 1/ 194-203
3- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]، وقارن: المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3/ 359 - 360 [ح. 4773 - كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب أهل بيت رسول الله]، وكنز العمال للمتقي الهندي: 12 / 47 [كتاب الفضائل / فضل أهل البيت - ح . 34184]

وقال أيضاً: «الحديث الثاني عشر: أخرج أبو يعلى عن سلمة بن الأكوع أن النبي قال: «النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي»»(1).

وأخرج الحاكم النيسابوري بسنده بطريقين عن جابر رضي الله عنه، و عن محمد بن المنكدر «قال : قال رسول الله «وَإِنَّهُ لَعِلْمُ لِلسَّاعَة»[الزخرف/ 61]، فقال: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما يوعدون ، وأنا أمان لأصحابي ما كنتُ، فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون»[قال الحاكم:] صحيح الإسناد ولم يخرجاه»»(2).

ونقل ابن حجر عن بعض علماء السنة قوله : «إن الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته لأنهم يساوونه في أشياء مر عن الرازي بعضها ولأنه قال في حقهم اللهم إنهم مني وأنا منهم ولأنهم بضعة منه بواسطة أن فاطمة رضي الله عنها أمهم بضعته فأقيموا مقامه في الأمان»(3).

روى أحمد بن حنبل بسنده عن علي [علیه السلام] قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا

ص: 620


1- الصواعق المحرقة لابن حجر : 283 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الثاني]، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للعلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت . 694ه) : ص 26 ، وكنز العمال للمتقي الهندي: 12 / 147 [كتاب الفضائل فضل أهل البيت ح. 34183]
2- المستدرك على الصحيحين: 3/ 55 و 4 / 172 [ح .3727 - كتاب التفسر تفسير سورة حم الدخان، وح. 6024 - تابع كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب أبي أيوب الأنصاري]، وكنز العمال للمتقي الهندي : 12 / 47 [كتاب الفضائل / فضل أهل البيت - ح. 34185]
3- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».»(1)

قال ابن حجر: «وقال بعضهم يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان علماؤهم لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون وذلك عند نزول المهدي لما يأتي في أحاديثه أن عيسى يصلي خلفه ويقتل الدجال في زمنه وبعد ذلك تتابع الآيات بل في مسلم أن الناس بعد قتل عيسى للدجال يمكثون سبع سنين ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو إيمان إلا قبضه فيبقى شرار في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا...»(2).

وقد جرت سنة الله أن جعل الوصية من لدن آدم علیه السلام وأن الأرض لا تخلو من حجة لله عزّ وجل على خلقه إلى يوم القيامة، ولم يكتفِ الله تعالى بنبي واحد للبشر، فكان كل نبي يوصي أو يبشر بالنبي الذي بعده حتى انتهت بنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلی الله علیه و آله و سلم الذي أوصى بالإمامة لعلي بن أبي طالب علیه السلام من بعده وبشَّر بإثني عشر إماماً من بعده آخر هم المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وقال الشيخ الصدوق «حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر ،الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب،

ص: 621


1- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل: 356، [ح. 269]، و الصواعق المحرقة لابن حجر: 234 ،[الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم الآية السابعة]، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للعلامة محب الدين الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت. 694ه): ص 27 ، وينابيع المودة لسليمان القندوزي الحنفي: 26/12 [الباب الثالث: في بيان دوام الدنيا بدوام أهل بيته]
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: 233 - 235 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]

عن داود عن فضيل الرسان قال : كتب محمد بن إبراهيم إلى أبي عبد الله علیه السلام: أخبرنا ما فضلكم أهل البيت ؟ فكتب إليه أبو عبد الله علیه السلام: «إن الكواكب جعلت في السماء أمانا لأهل السماء، فإذا ذهبت نجوم السماء جاء أهل السماء ما كانوا يوعدون، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «جعل أهل بيتي أمانا لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما كانوا يوعدون»»(1).

ومما يدل على صحة القول بأنَّ الإمام أمان لأهل الأرض هو أنَّ الله تعالى ما عذَّب أُمَّة إِلَّا وأمر نبيّها بالخروج من أرضهم كما في قصة نوح علیه السلام«حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ»[هود/ 40] ، وقصة لوط علیه السلام«فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»[هود/ 81 ] .

الجواب الرابع: قد نبأ النبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم بغيبة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وبفائدته في حال غيبته؛ فقد قال الشيخ الصدوق : «حدثنا غير واحد من أصحابنا قالوا: حدثنا محمد بن همام، عن جعفر بن - محمد بن مالك الفرازي قال: حدثني الحسن بن محمد بن سماعة،عن أحمد بن الحارث قال: حدثني المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لما أنزل الله عزّ وجل على نبيه محمد صلی الله علیه و آله و سلم«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ»[النساء/ 59] قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أُولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟

فقال علیه السلام: هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين [من] بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، و ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى

ص: 622


1- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 1/ 197

بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي و كنيّي حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

فقال صلی الله علیه و آله و سلم: إي والذي بعثني بالنبوة إنَّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلا عن أهله»(1)

ص: 623


1- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 1/ 241

ص: 624

ما هو الدليل على إمامته وغيبته عجل الله تعالی فرجه الشریف؟

اشارة

يمكننا الاستدلال على إمامته وغيبته من كتبنا بأدلة عديدة

الدليل الأول

أنَّ الأئمة علیهم السلام حدَّدوا السنة التي يغيب فيها ؛ فقد قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بابن أبي زينب النعماني المتوفى حدود سنة 360 ه:

«أخبرنا سلامة بن محمد، قال: حدثنا علي بن داود، قال: حدثنا أحمد بن الحسن، عن عمران بن الحجاج عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة عن أم هانئ، قالت: «قلت لأبي جعفر محمد بن على الباقر عليهما السلام

ما معنى قول الله عز وجل: «فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ»«الْجَوَارِ الْكُنَّسِ»[ التكوير / 15 ، 16 ]، فقال يا أم هانئ: إمام يخنس نفسه حتى ينقطع عن الناس علمه سنة ستين ومائتين، ثم يبدو كالشهاب الواقد في الليلة الظلماء، فإن أدركت ذلك الزمان قرت عينك»(1).

وروى أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي - (المتوفى سنة : 329ه) والد الشيخ الصدوق المتوفى سنة تناثر النجوم 329ه- حديثاً مثله فقال: «سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري، قالا: حدثنا أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، عن الحسين بن الربيع المدائني قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة، عن أم هانئ،

ص: 625


1- الغيبة : 151 [في غيبة الإمام المنتظر]

قالت: لقيت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فسألته عن هذه الآية : «فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ»«الْجَوَارِ الْكُنَّسِ»[ التكوير / 15 ، 16 ]، فقال: إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستين ومائتين، ثم يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل، فإن أدركت ذلك قرت عيناك»(1) .

وقال مولى محمد صالح المازندراني: «قوله:«فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ»«الْجَوَارِ الْكُنَّسِ»[ التكوير / 15 ، 16 ]، قالوا : الخنس جمع خانس وهي الكواكب لأنها تغيب بالنهار وتظهر بالليل ، وقيل : هي الكواكب الخمسة السيارة : زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد يريد به مسیرها ورجوعها لقوله الجوار الكنس ولا يرجع من الكواكب غيرها، والكنس جمع كانس وهي الكواكب التي تغيب وترجع من كنس الظبي إذا تغیب واستتر في كناسه وهو الموضع الذي يأوي إليه، وفسره علیه السلام بإمام يخنس أي يغيب سنة ستين ومائتين وهي سنة مات أبوه علیه السلام ثم يظهر ويرجع من أفق الحق كالشهاب المتوقد في الليلة الظلماء يعرف كل أحد أنه الإمام العادل»(2).

الدليل الثاني:

إنَّ مفهوم الغيبة للإمام كان موجوداً قبل غيبة الإمام المهدي بل منذ صدر الإسلام كما سيأتي، وهذا يدل على أنَّ هذا المفهوم لا من اختراع الشيعة الإثني عشرية، بل هو ما أخبر به النبي صلی الله علیه و آله و سلم، والإمام علي علیه السلام وكذا باقي الأئمة أخبروا بغيبة المهدي. يقول الشيخ الصدوق المولود في حدود سنة 306ه أي بعد ست وأربعين سنة من وفاة الإمام الحسن العسكري، وقد عاصر زمن الغيبة الصغرى والمتوفّى سنة 381ه: «إنّ الأئمة عليهم السلام:

ص: 626


1- الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمي: 119 ، و كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه): 304/1
2- شرح أصول الكافي: 6 / 268

قد أخبروا بغيبته علیه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقل عنهم و استحفظ في الصحف ودُوّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة علیهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين... فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا قُدّست أسرارهم) أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم و اختلاف آرائهم وتباين أقطارهم و محاهم، وهذا أيضا محلل كسبيل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عليهم السلام عن رسول الله من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم، وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل.

إن الباطل كان زهوقا .... »(1).

وقد روى الشيخ الصدوق عدة أحاديث عن النبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم تنبئ بحصول غيبته نذكر ثلاثة منها :

الحديث الأول: «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن وهب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولى أولياءه، يعادي أعداءه، ذلك

ص: 627


1- كمال الدين وتمام النعمة: 31

من رفقائي وذوي مودتي وأكرم أمتي على يوم القيامة»(1).

الحديث الثاني: «حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي جميلة المفضل بن - صالح، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا و خلقا، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا و ظلما»(2).

الحديث الثالث: «حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى المتوكل رضي عنهم قالوا: حدثنا سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري، ومحمد بن يحيى العطار جميعا قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، وإبراهيم بن هاشم، وأحمد بن أبي عبد الله البرقي، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعا قالوا: حدثنا أبو علي الحسن بن محبوب السراد، عن داود بن الحصين، عن أبي بصير عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا، تكون له غيبة وحيرة حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(3).

وقد روى الشيخ الصدوق عدة أحاديث عن أمير المؤمنين علیه السلام لا تنبئ بحصول غيبة

المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف منها :

«حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا

ص: 628


1- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 1/ 245
2- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 1/ 271
3- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 1/ 272

جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال : حدثني إسحاق بن محمد الصيرفي، عن أبي هاشم عن فرات بن أحنف عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه ذكر القائم علیه السلام فقال: أما ليغيبن حتى يقول الجاهل: ما الله في آل محمد حاجة»(1).

والرواية الثانية: عن الأصبغ بن نباتة أيضاً «قال: أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فوجدته متفكرا ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين مالي أراك متفكرا تنكت في الأرض أرغبت فيها ؟ فقال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي يملأها عدلا كما ملئت جورا وظلما تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين وإن هذا لكائن ؟ فقال : نعم كما أنه مخلوق وأني لك بالعلم بهذا الأمر يا أصبغ أولئك خيار هذه الأمة مع إبرار هذه العترة، قلت: و ما يكون بعد ذلك؟ قال : ثم يفعل الله ما يشاء فإن له إرادات وغايات ونهايات»(2).

و مما أخبر به الإمام الحسن علیه السلام عن غيبة المنتظرعجل الله التعالی فرجه الشریف ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده «عن أبي سعيد عقيصا قال : لما صالح الحسن بن علي عليهما السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس، فلامه بعضهم على بيعته فقال علیه السلام: ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عَليَّ؟ :قالوا بلى قال أما علمتم أن الخضر علیه السلام لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند

ص: 629


1- کمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 1/ 285
2- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه) : 1/ 274

الله تعالى ذكره حكمة وصوابا أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عیسی بن مریم علیهما السلام خلفه، فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدير»(1).

وقد أخبر الأمام الحسين علیه السلام بعدة أحاديث تحدث عن غيبة المنتظرعجل الله تعالی فرجه الشریف، فمنها ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده «عن عبد الرحمن بن سليط قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيؤذون ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين أما إن الصابر في غيبته على الأذى و التكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم(2).

وقد أخبر الإمام علي بن الحسين علیه السلام بعدة أحاديث تحدث عن غيبة المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف

فمنها ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده «عن سعيد بن جبير قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام يقول : في القائم سنة من نوح وهو طول العمر ...

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن - إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن بسطام بن مرة، عن عمرو بن ثابت قال : قال علي بن - الحسين سيد العابدين عليهما السلام : من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عز وجل أجر ألف

ص: 630


1- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه): 1/ 296 - 297
2- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه): 1/ 298

شهيد من شهداء بدر وأحد»(1).

وكذلك روى الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام محمد الباقر وجعفر الصادق وموسى بن جعفر و الرضا و الجواد والهادي والعسكري عدة أحاديث لكل إمام تؤيد غيبة الأمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف(2).

منها : «حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي، عن أيوب بن نوح عن محمد بن سنان عن صفوان بن مهران عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمدا صلى الله عليه و آله وسلم،نبوته، فقيل له: يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته»(3).

استنتاج

نستنتج مما تقدم أن مفهوم الغيبة لم يكن مستحدثاً بل هو متوارث توارثته الشيعة من الأئمة علیهم السلام الذين توارثوه من النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم، جيلاً بعد جيل حتى أن عمر بن الخطاب ظنَّ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قد غاب، وأنَّه سيعود بعد غيبته، قال جلال الدين السيوطي:

«أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قام عمر بن الخطاب فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، توفي، وأن رسول الله والله ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كما رجع موسى،

ص: 631


1- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه): 1/ 302 - 303
2- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه): 304/1 - 2/ 358
3- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه) : 2 / 313

فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول اللهصلى الله عليه و آله وسلم مات . . . »(1) . ومن هذا النص نستنتج أن مفهوم الغيبة لم يكن من صنع الشيعة بل هو عقيدة إسلامية قديمة،، ونحن لا نعني بأن عمر بن الخطاب توهّم في تحديد المهدي بل أنَّ فكرة الغيبة إن لم تكن موجودة في صدر الإسلام لما قال بها عمر بن الخطاب، ومما يدل على ذلك توهم بعض الفرق في تحديد الإمام الغائب كما توهم عمر بن الخطاب، قال الشيخ الصدوق:

«غلطت الكيسانية بعد ذلك حتى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه - أن السيد بن محمد الحميري رضي الله عنه [المتوفى سنة 173ه أي قبل ولادة المهدي باثنين وثمانين سنة] اعتقد ذلك... حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ورأى منه علامات الإمامة وشاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنها حق ولكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة علیهم السلام وأخبره بموت محمد بن الحنفية وأن أباه شاهد دفنه، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحق عند اتضاحه له، ودان بالإمامة.

حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار النيسابوري - رضي الله عنه - قال: حدثنا علي بن محمد قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال: سمعت السيد بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي - ابن الحنفية - قد ضللت في ذلك ،زمانا، فمنَّ الله عَليَّ بالصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته و أوجب الاقتداء به، فقلت له،: يا ابن رسول الله قد روى

ص: 632


1- الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي (المتوفى 911):144/2 [سورة آل عمران الآيتان: 144-145]

لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال علیه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا، حتى يظهر فيملاً الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .

قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه، وقلت قصيدتي التي أولها:

فلما رأيتُ الناس في الدين قد غَوَوْا***تجعفَرتُ باسمِ الله فيمَنْ تَجَعفَروا

وناديتُ باسمِ الله و الله أكبرٌ***وأيقنتُ أنّ اللهَ يَعفُو ويَعْفُرُ

و دِنت بدين الله ما كنتُ دَيناً***به ونهاني سيد الناسِ جعفر»(1)

«ثم غلطت الناووسية بعد ذلك في أمر الغيبة بعدما صح وقوعها عندهم بحجة الله على عباده فاعتقدوها جهلا منهم بموضعها في الصادق بن محمد عليهما السلام حتى أبطل الله قولهم بوفاته علیه السلام وبقيام كاظم الغيظ الأوّاه الحليم، الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام بالأمر مقام الصادق علیهما السلام.

وكذلك ادَّعت الواقفية ذلك في موسى بن جعفرعلیه السلام فأبطل الله قولهم بإظهار موته وموضع قبره، ثم بقيام الرضا علي بن موسى علیه السلام بالأمر بعده، وظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه عليهم السلام»(2).

«ثم ادعت الواقفة على الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام أن الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنه القائم المهدي، فلما صحت وفاته علیه السلام بطل

ص: 633


1- كمال الدين وتمام النعمة : 1/ 43
2- كمال الدين وتمام النعمة : 1 / 46

قولهم فيه وثبت بالأخبار الصحيحة ... أن الغيبة واقعة بابنه علیه السلام دونه»(1).

الدليل الثالث على إمامة المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، وغيبته

حديث الأئمة، فلقد ذكر النبي صلی الله علیه و آله وسلم مجيء اثني عشر إماماً بعده(2)، وهذا العدد لا يتم لدى أحد من المسلمين إلا بالإقرار بإمامة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف المتمم لهذا العدد خصوصاً بعد شهادة جمع من علماء السنة بإمامتهم، وفضلهم.

ومما يدل على غيبته أنّه «كان للإمام الحسن العسكري وكلاء ثقات يعتمد عليهم، بقوا بعد وفاته عشرين سنة يخرجون كتب ابنه المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف إلى الناس، ثم انقطعت المكاتبة، ومضى أكثر رجال الإمام الحسن العسكري الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام بعده وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته وثقته فأمر الناس بالكتمان وأن لا يذيعوا شيئاً من أمر الإمام، وانقطعت المكاتبة فصح لنا ثبات عين الإمام بما ذكرت من الدليل وبما وصفت عن أصحاب الحسن علیه السلام ورجاله ونقلهم ،خبره، وصحة غيبته بالإخبار المشهورة في غيبة الإمام وأن له غيبتين إحداهما أشد من الأخرى»(3).

ص: 634


1- كمال الدين وتمام النعمة: 1/ 49
2- وذلك في أحاديث عديدة نذكر منها على سبيل المثال ما رواه أحمد بن حنبل بسنده «عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهُ جُلُوسًا فِي الْمَسْجِدِ يُقْرِئُنَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ هَلْ حَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ خَلِيفَةً؟ قَالَ : نَعَمْ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ» مسند أحمد بن حنبل: 1/ 527 - 528 [ حديث: 3858]
3- كمال الدين وتمام النعمة : 97

الدليل على حياة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف

اشارة

يستدل على حياة الإمام المهدي بأوجه عديدة

الوجه الأول: حديث الثقلين رواه الإمام الثعلبي وأحمد بن حنبل، والطبراني، عن أبي سعيد الخدري، ورواه الطبراني أيضاً بسنده عَنْ زَيْدِ بن أَرْقَمَ، وعن حُذَيْفَةَ بن أُسَيْدِ الغِفَارِيِّ، و رواه الطحاوي بسنده عن علي علیه السلام: «قال: سمعت رسول الله يقول: «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله جل جلاله من السماء وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض»»(1).

یعني أنَّ الكتاب والعترة، متلازمان لا يفترقان منذ وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى أن يردا على الحوض وعدم افتراقهما يعني استمرار وجود الكتاب مع عترة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلا بافتراض أنَّ الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف قد ولد ولكنه غائب

ص: 635


1- تفسير الكشف والبيان للإمام الثعلبي (ت. 427ه): 163/3 [ سورة آل عمران الآيات: 130 - 138] ، ورواه الحاكم النيسابوري عن زيد بن أرقم في المستدرك على الصحيحين: 3/ 359[ح. 4769 - كتاب معرفة الصحابة / ذكر مناقب أهل بيت رسول الله] ، ومسند أحمد بن حنبل: 3 / 22 [3 / 17] ، [حدیث: 11137] ، و فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل : 327،529 [ح . 416، وح.417]، و مشكل الآثار للطحاوي: 307/2 [باب/ ... من قوله يوم غدير خم لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه]، المعجم الكبير للطبراني: 2/ 196 - 199 [ ح. 2612 ، و 2613 ، و 2614، 2615، 2617/ بقية أخبار الحسن بن علي رضي الله عنه] ، و جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) للسيوطي: 9 / 118 [ح . 27616 - قسم الأقوال/ حرف الياء]

عن الأعين، إذ لو لم يكن مولوداً لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة، وهذا غير ممكن لقوله صلی الله علیه و آله وسلم:«لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض»، ومما يدعم صحة هذا القول ما قاله ابن حجر الهيتمي، فقد قال: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أن الكتاب العزيز كذلك ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي إلى آخره»(1). فمن يستحق هذا المنصب في زماننا إن لم نقل بوجود المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف؟

فنحن أمام خيارين إما عدم صحة الحديث، وهذا غير ممكن لإجماع المسلمين بصحته، وإما الإقرار بوجود متأهل من العترة للتمسك به، وهو غير معروف بل غائب عنّا.

الوجه الثاني : وردت أحاديث كثيرة في مسند أحمد وصحيح مسلم وغيرهما بعضها يقوي الآخر تصرح بأنَّ الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إثنا عشر إماماً، ف_«عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الوَدَاع: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ لَنْ يَزَالَ ظَاهِرًا عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ لَا يَضُرُّهُ مُخَالِفٌ وَلَا مُفَارِقٌ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»

قَالَ : ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَنفهَمْهُ، فَقُلْتُ لأبِي : مَا قَالَ؟ قَالَ: كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشِ»»(2).

ص: 636


1- الصواعق المحرقة لابن حجر 232 ، [الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم]
2- مسند أحمد بن حنبل: 5 / 104،105 ، 116، 115 ، 114 ،113 ، 106 ، 118، 119، 120، 122، 121، 121، 123، 129، 132، 131، 130،[4 / 93، 87، 94، 96، 97، 98، 100، 99، 101، 106، 107، 108]،[حدیث: 20845، 20923، 20850، 20924، 29936، 20952، 20960، 20977، 20979، 20981، 20982، 20993، 20991، 20995، 21005، 21016، 21020، 2176، 21089، 21095، 21106] وصحيح مسلم: 791[ح. 5 - (1821) ،6 ،7 ،8، 9 ، 10(1822) - کتاب الإمارة] انظر: المعجم الكبير للطبراني: 2 / 66 ، و 68 . [ح . 2026 و 2027 ، و 2028، 2035 / عن جابر بن سمرة]، وانظر: المعجم الأوسط للطبراني : 399/4 - 400 [ح. 6382 - من اسمه محمد]

وهذا الحديث من المسلّمات، وليس له تطبيق معقول ومقبول إلا الأئمة الإثنا عشر علیهم السلام وحاول البعض تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين أو ثلاثة من بني أمية واثنين أو ثلاثة من بني العباس غير أن هذا التطبيق غير مقبول، وكلّ من تأمل في هذا الحديث وجده إخباراً غيبيا من النبي صلى الله عليه و آله وسلم عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الأئمة الاثني عشر عليهم السلام. ولذا نجد أن ابن كثير قد استظهر بأنَّ المهدي المُبَشَّر به في الأحاديث منهم إذ قال: «هذا الحديث ثابت في الصحيحين من «حديث جابر بن سَمُرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول : «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا»... «كلهم من قريش» وهذا لفظ مسلم... ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشَّر به في الأحاديث الواردة بذكره»(1). وإن كان ابن كثير لا يقرُّ بولادته، ويعتقد بأنه سوف يولد، ولكن قد ثبت لنا إمامة الإمام الحادي عشر وهو الحسن العسكري علیه السلام، وأنه قد توفي فيلزم منه ولادة ابنه المهدي، الذي ذكر العلماء ولادته ولم يذكر أحدٌ بأنه قد مات أو أثبت وفاته فيلزم منه أن يكون حيّاً.

الوجه الثالث: أن الأرض لا تخلو من إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام، فإذا خلت أتاهم أمر الله

وقد ذكر علماء السنة بعض الروايات والآيات التي تفيد ذلك، وقد ذكرناها في الشبهة الرابعة.

ومنها ما رواه أحمد بن حنبل بسنده «عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «النجوم

ص: 637


1- تفسير القرآن العظيم لإبن كثير : 3/ 48 [المائدة: 12]

أمان لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»»(1). وأهل البيت الذين هم أمان لأهل الأرض هم الأئمة عليه السلام، فلابد من وجود إمام، فهو أمان لأهل الأرض فلا تبقى الأرض من

غير إمام.

الوجه الرابع : لقد وردت روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت بشرت بولادة المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف قبل ولادتة ونبَّأت عن غيبته قبل غيبته، فعن زرارة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «للقائم غيبة قبل قيامة قلت: و لم ؟ قال : يخاف على نفسه الذبح»(2).

و قال العلامة المجلسي: «إن من جملة ثقات المحدثين والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد وقد صنف كتاب المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني و أمثاله [ عند السنة ] قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة فوافق المخبر، وحصل كلّ ما تضمنه الخبر بلا اختلاف»(3) ذلك ما رواه عن إبراهيم الخادقي (الحارثي ط جديد)، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال : قلت له كان أبو جعفرعلیه السلام يقول : لآل محمد غيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة؟ قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من الأخرى، ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان وتضيق ،الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء،

ص: 638


1- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [فضائل الصحابة] لأحمد بن حنبل: 356، [ح. 269]، و الصواعق المحرقة لابن حجر: 234 ، [ الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي - الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم الآية السابعة]، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى للعلامة محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت. 694ه): ص 27 ، وينابيع المودة لسليمان القندوزي الحنفي : 26/1[ الباب الثالث: في بيان دوام الدنيا بدوام أهل بيته]
2- كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه): 437
3- في بحار الأنوار: 13 /200 [51 / 365]

ويشمل الناس موت وقتل و يلجؤون منه إلى حرم الله تعالى و وحرم الرسول صلى الله عليه و آله وسلم» .

الوجه الخامس : لا بدَّ لكل مسلم أن يكون له إمام يتبعه، فمن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فإذا لم يكن المهدي حيّاً ، فلا يوجد شخص في عصرنا الحاضر يصلح أن يكون إماماً قدوة يتبع، وهذا غير ممكن لما يلزم من الموت ميتة الجاهلية كما ورد في الحديث الشريف الذي رواه أحمد بن حنبل فقال: «حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم : «مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ

مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةٌ »(1)

وروى الطبراني بسنده «عَنْ شُرَيْحٍ بن عُبَيْدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم: مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةٌ»»(2).

ويدعم ذلك قوله تعالى : «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»[الرعد/ 7].

الوجه السادس : ذكر جماعة من علماء السنة منهم الزرندي الشافعي، وابن حجر الهيتمي، و يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي عن أبي جعفر أنَّه : «يظهر المهدي بمكة عند العشاء معه راية رسول الله و قميصه وسيفه و علامات ونور وبيان فإذا

صلى العشاء خطب خطبة بأعلى صوته»(3) (3) وذكروا الخطبة.

وفي هذا دليل على بقاء علیه السلام حيّاً لأن القميص والسيف والراية ليس لها وجود الآن إلا أن نقول بوجودها عند المهدي يحفظها إلى هذا اليوم.

ص: 639


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 /119 [4 / 96] ، [ حديث : 16882]
2- المعجم الكبير للطبراني: 329/8 . [ح . 16277 / شَرَيْحٍ بن عُبَيْدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ]
3- معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول عليهم السلام للزرندي الشافعي: 193، والفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي و الحاوي للفتاوي للسيوطي و عقد الدرر في أخبار المنتظر : 217
الشبهة الرابعة

لقد استدلوا بعدم جواز استمرار حياة المهدي ، بقول ما رواه الترمذي في سننه عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه و آله وسلم «أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين وأقلهم من يجوز ذلك»

الجواب

هذا الحديث لا يصح الاستشهاد به، لعدم صحة متنه، فكثير من المسلمين عاشوا أكثر من سبعين سنة، كجابر بن عبد الله الأنصاري، وأما العمر المديد، فهو ليس محالاً إذا ما قورن بالمعمرين، كنوح علیه السلام الذي عاش ألفين وخمسمائة سنة، وإدريس الذي عمر تسعمائة و خمساً وستين سنة، والخضرعلیه السلام الذي لا يزال حياً ، و إلياس علیه السلام لا يزال حياً .

«الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية - (ج 6/ ص 178)

وكذلك إدريس صعد إلى السماء ببدنه وكذلك عند أهل الكتاب أن إلياس صعد إلى السماء ببدنه ومن أنكر صعود بدن إلى السماء من المتفلسفة فعمدته شيئان:

أحدهما أن الجسم الثقيل لا يصعد وهذا في غاية الضعف...»

وقد اعترف ابن تيمية في أحد قوليه بحياة الخضر وذلك عندما سئل : « هل كان

الخضر (علیه السلام) نبيًا أو وليًا؟

وهل هو حي إلى الآن؟

وان كان حيا فما تقولون فيما روي عن النبي أنه قال لو كان حيا لزارني، هل هذا الحديث صحيح أم لا؟

فأجاب... وأما حياته فهو حي والحديث المذكور لا أصل له ولا يعرف له إسناد

ص: 640

بل المروي في مسند الشافعي وغيره أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم، ومن قال انه لم يجتمع بالنبي فقد قال ما لا علم له به فإنه من العلم الذي لا يحاط به ومن احتج على وفاته بقول النبي أرأيتكم ليلتكم هذه فانه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم احد فلا حجة فيه فانه يمكن أن يكون الخضر اذ ذاك على وجه الأرض ولأن الدجال وكذلك الجساسة الصحيح أنه كان حيا موجودا على عهد النبي وهو باق إلى اليوم يخرج وكان في جزيرة من جزائر البحر فما كان من الجواب عنه كان هو الجواب عن الخضر وهو أن يكون لفظ الأرض لم يدخل في هذا الخبر أو يكون أراد الآدميين المعروفين وأما من خرج عن العادة فلم يدخل في العموم كما لم تدخل الجن وان كان لفظا ينتظم الجن والإنس وتخصيص مثل هذا من مثل هذا العموم كثير معتاد والله أعلم»(1).

الشبهة الخامسة

إن أحاديث المهدي لم يخرج لها في صحيح البخاري وصحيح مسلم،فهي غير صحيحة.

الجواب :

لم يدَّعِ البخاري ولا مسلم أنّهما استقصيا جميع الأحاديث الصحيحة، فهناك أحاديث صحيحة كثيرة روتها الصحاح وغيرها من كتب السنة وهي ليست موجودة في الصحيحين، فإذا لم يرو البخاري أو مسلم حديثاً معيناً فلا يعني ذلك صحة عدم ذلك الحديث، إضافة إلى ذلك فبعض أحاديث الصحيحين فيها إشارة إلى المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ، وإن لم تكن صريحة.

ص: 641


1- مجموع الفتاوى : ج 4 / ص 338

ص: 642

سفراء الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف

ولد الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ليلة الجمعة الخامس عشر من شعبان (سنة: 255ه)، قيل: قبل وفاة أبيه بسنتين وسبعة أشهر ، وقيل : كانت شهادة أبيه علیه السلام (سنة: 260ه) وكان أبوه الإمام الحسن العسكري علیه السلام قد أخفى مولده، وستر أمره خوفاً عليه من القتل،

لصعوبة الوقت وشدَّة طلب حاكم ذلك الوقت له، وبعد وفاة الإمام العسكري علیه السلام كان أعداء الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف يريدون قتله فكان لابد من استتاره عن أعين الناس، ولم يكن أمر الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف الله وغيبته من الأمور المخفية على الشيعة آنذاك فقد أخبر الأئمة عليهم السلام بذلك قبل ولادته، فعن زرارة، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «للقائم غيبة قبل قيامة، قلت: و لم ؟

قال: يخاف على نفسه الذبح»(1).

وهنا دعت الحاجة لأن يكون للإمام سفير(2) (*) بينه وبين الشيعة لكي يجيب عن أسئلتهم بواسطته ويقضي حوائجهم، ويرشدهم لما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وكان للسفراء وكلاء في مختلف البلدان والمدن التي يسكنها الشيعة، وفي هذه الفترة التي استمرت سبعين سنة إلا اثني عشر شهراً وأربعة أيام. وقيل: سبعين سنة، كان الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف غائباً عن أعين عامة الناس، وتسمى (بالغيبة الصغرى)، وهؤلاء السفراء

ص: 643


1- كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة: 381ه): 437
2- السَّفِير قي اللغة الرسول والمصلح بين القوم والجمع سُفَراءُ ، والمراد به هنا (الوكيل)، وينظر وسائل الشيعة للحر العاملي: 419/30

عددهم أربعة وأولهم عثمان بن سعيد العمري، ويكنى بأبي عمر، ويقال له الزيات الأسدي، خدم الإمام الهادي علیه السلام وله من العمر أحد عشر سنة. وحكي : أنه يقال له (العمري) لأنه ينتسب من قبل الأم إلى عمر الأطرف بن علي علیه السلام

وكان وكيلاً للإمام العسكري علیه السلام أيضاً ، فقد نصَّ عليه الإمام العسكري والإمام المهدي عليهما السلام ، ومدة سفارته حوالي خمس سنوات توفّي (سنة 266ه)، وقيل توفّي (سنة 264ه) ، ودفن في الجانب الغربي ببغداد.

السفير الثاني بعد عثمان بن سعيد العمري هو ابنه محمد بن عثمان ويكنى بأبي جعفر نص عليه الإمام العسكري علیه السلام، وفي نفس الوقت نص عليه الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف كما نصَّ عليه أيضاً أبوه عثمان بن سعيد وقال في حقه اسمعوا له وأطيعوا. ومحمد بن عثمان هذا أطول نواب الإمام فترة، فكانت نيابته قرابة أربعين سنة، ، يعني من سنة 264ه، أو 265 ه إلى 305ه.

السفير الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، نصّ عليه السفير الثاني أبو جعفر بأمر صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف إذ قال السفير الثاني وعنده وجوه من الشيعة:

هو القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عجل الله تعالی فرجه الشریف، والوكيل والثقة والأمين فارجعوا في أموركم إليه وعولوا في مهامكم عليه فبذلك أمرت وقد بلغت. وكانت مدة سفارته واحداً وعشرين عاما تقريباً. وقد توفّي (سنة 326ه).

السفير الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمري، وقد نص عليه السفير الثالث الحسين بن بن روح بأمر صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف وبقي السفير الرابع في السفارة ثلاثة أعوام وتوفّي(سنة 329ه). وحصلت إشارة سماوية تلك السنة إذ تناثرت فيها النجوم فوقعت الغيبة الكبرى، وهي الغيبة الثانية التي نحن فيها، ولما حان رحيل أبي الحسن السمري

ص: 644

عن الدنيا و قرب أجله، قيل له: إلى من توصي؟

فأخرج لهم ورقة بخط الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، وكان الناس آنذاك يعرفون خط الإمام عجل الله تعالی فرجه الشریف، فخط الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف معروف في زمن حياة أبيه الإمام، وقد اطلع معظم شيعته على ولده المهدي وعلى خطه وتوقيعه فكان خطه وتوقيعه مألوفاً للناس، ولما نظروا في نص الورقة وجدوا فيها :

«بسم الله الرحمن الرحيم

ياعلي بن محمد السمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا تُوصٍ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية [ التامة ] فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، فلما كان اليوم السادس عادوا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصِيُّكَ من بعدك ؟ فقال : الله أمر هو بالغه. ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه .

روى الصدوق بسنده عن الجواد عن آبائه عن أمير المؤمنين علیه السلام قال: «للقائم منّا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبة يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يَقْسُ قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة، ثم قال علیه السلام إنّ للقائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته و يغيب شخصه»(1).

ص: 645


1- كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق (المتوفى سنة : 381ه) : 303

ص: 646

الخاتمة

لقد كانت أغلب الاستدلات التي ذكرت في هذا الباب تعتمد على المصادر السُّنية فلذا لم تُذْكَر من الآيات القرآنية إلا آيتان فقط للاستدلال بها على الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف ثم ذُكرت الأحاديث التي روتها كتب السُّنَّة بشأن تعيين هويته وأحواله الشريفة عجل الله تعالی فرجه الشریف ثم نوقشت الروايات التي تزعم بأن اسم أبي المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وهو اسم أبي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، سنداً، ومتناً، حتى ظهر عدم صحة الاستدلال بها لضعف سندها ومتنها، كذلك قدمنا بعض الأدلة والبراهين على ولادة المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، واستمرار حياته، إضافة إلى ردّ بعض الشبهات التي طرحت من قبل بعض الوهابية، فنسأل الله العلي القدير أن ينفع المؤمنين بهذا المختصر، إنَّه هو السميع العليم، والحمد لله رب العالمين.

ص: 647

ص: 648

المحتويات

مقدمة الناشر.... 3

الباب الأول / أصل الشيعة والتشيع في الكتاب والسنة ....7

مقدمة .... 9

معنى الشيعة .... 11

الآيات القرآنية التي تُنَادي بالتشيع .... 15

الأحاديث النبوية الَّتي تُنَادي بالتشيع .... 45

الشيعة بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم .... 75

منع انتشار التشيع .... 79

الصحابة الشيعة .... 87

التشيع في التابعين .... 111

دين علي علیه السلام .... 117

معاناة الشيعة بعد استشهاد أمير المؤمنين علیه السلام .... 121

التيار الأموي ومحاربة التشيع .... 125

آثار السياسة الأموية في محاربة التشيع .... 129

اختراع لفظ الروافض .... 141

تهمة ابن سبأ .... 143

تهمة فارسية التشيع .... 147

ص: 649

مصادر التشريع عند الشيعة .... 155

الخاتمة .... 157

الباب الثاني ولاية أمير المؤمنين... .... 159

المقدمة .... 161

تمهید .... 165

الإمامة في القرآن الكريم .... 171

ولاية أمير المؤمنين علي علیه السلام في الأحاديث النبوية الشريفة .... 213

الأدلة المتفرقة على إمامته وولايته .... 269

الخاتمة .... 273

الباب الثالث / البراءة من اعداء الله في الكتاب والسنة .... 275

مقدمة .... 277

البراءة في اللغة .... 279

البراءة من أعداء الله في القرآن .... 281

البراءة من أعداء الله في السنة .... 285

أقوال مأثورة في البراءة .... 295

أصناف أعداء الله الذين تجب البراءة منهم .... 327

سنة بني أمية في الشام .... 395

مناقب أموية سلفية .... 399

كاتب الوحي .... 403

هل كان معاوية كاتبًا للوحي .... 405

هل كان معاوية فقيهاً؟ .... 409

ص: 650

الخاتمة .... 411

الباب الرابع / إمامة الأئمة الأثني عشر في الكتاب والسنة .... 413

المقدمة .... 415

تمهيد .... 417

أدلَّة إمامة الأئمة الإثني عشر في القرآن الكريم .... 421

أدلة إمامة الأئمة الإثني عشر في الأحاديث النبوية الشريفة .... 433

أدلة إمامة الأئمة الإثني عشر في أقوال علماء أهل السنة .... 461

أسماء الأئمة الإثني عشر في رواياتنا .... 471

الخاتمة .... 473

الباب الخامس / حكم اللعن في الكتاب والسنة .... 475

مقدمة .... 479

تعريف اللعن .... 481

اللعن في القرآن الكريم .... 483

اللعن في السُنة .... 491

لعن الصحابة للصحابة .... 525

اللعن في عهد الدولة العبّاسيّة .... 535

الخاتمة .... 541

الباب السادس / الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف والغيبة في الكتاب والسنة .... 543

مقدمة .... 545

تمهید .... 549

المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف في القرآن الكريم .... 553

ص: 651

المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف في السنة الشريفة .... 555

منزلة وأفضلية المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف .... 561

أسعد الناس بالإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف .... 575

بعض علائم ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف .... 577

بعض أوصاف الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف .... 583

المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف عيسى بن مريم .... 585

المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف من ولد العباس عمي .... 589

اسم ابيه يواطئ اسم أبي .... 591

شبهات و ردود .... 609

ما هو الدليل على إمامته وغيبته عجل الله تعالی فرجه الشریف ؟ .... 625

الدليل على حياة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف .... 635

سفراء الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف .... 643

الخاتمة .... 647

ص: 652

المجلد 2

هوية الکتاب

العَتَبَةُ العَبَّاسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ

قِسمُ الشُّؤُونِ الفِكرِيَّةَ وَ الثِّقَافِيَّةَ

سِلسِلَةُ دَلِيلِ المحُاوِر

المجلد الثاني

تأليف : شُعبَةُ الدِّرَاسَاتِ والنَّشَرَات

وحدة التأليف

ص: 1

العَتَبَةُ العَبَّاسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ

شُعبَةُ الدِّرَاسَاتِ والنَّشَرَات

كربلاء المقدسة

ص.ب (223)

هاتف: 222600 داخلی: 175-162

www.alkafeel.net

info@alkafeel.net

العتبة العباسية المقدسة . قسم الشؤون الفكرية والثقافية شعبة الدراسات والنشرات. وحدة التأليف.

سلسلة دليل المحاور / تأليف شعبة الدراسات والنشرات وحدة التأليف الطبعة الأولى كربلاء : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة،

1436 ه / 2015

2 مجلد ؛ 24سم

المصادر.

1. الشيعة الإمامة دفع مطاعن ألف. العنوان

BP194.1.A8 2015

الفهرسة والتصنيف في مكتبة العتبة العباسية المقدسة

الكتاب: سلسلة دليل المحاور .

الكاتب: شعبة الدراسات والنشرات - وحدة التأليف.

الناشر : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.

التدقيق اللغوي: لؤي عبد الرزاق فرج الله.

الاخراج الطباعي والتصميم: علاء سعيد الأسدي - محمد قاسم النصراوي

رقم التسجيل في دار الكتب والوثائق في بغداد 955 لعام 2012م.

المطبعة دار الكفيل للطباعة والنشر.

الطبعة الثانية.

عدد النسخ: 2000

ربيع الثاني 1436 - كانون الثاني 2015

ص: 2

الباب السابع

اشارة

التَوَسُل والاستِغاثة

في الكِتَاب والسُّنَّة

ص: 3

ص: 4

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائه أجمعين ..

أما بعد.. نستعرض في بحثنا هذا مسألة التوسل والاستغاثة بالنبي والتي بدأ الخلاف فيها في بداية القرن الثامن الهجري حتى استغلتها الفرق المنحرفة عن الحق في تكفير المسلمين من الشيعة والسنة الذين يخالفونهم في بعض المعتقدات، فكانت هذه المسألة بالذات مرتكزاً لهم في اطلاق الأحكام على تكفير الآخرين وقتل الأبرياء منهم؛ وذلك باسم التوحيد، متناسين تحذير النبي لأمته من قتلهم لبعض في حجة الوداع حيث يقول صلی الله علیه و آله و سلم:«أَلا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ. قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ، ثَلاثًا ،وَيْلَكُمْ،

أوْ وَيُحكُمُ، انْظُرُوا لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضِ»(1).

ولكن نراهم اليوم يرفعون شعار التوحيد ليقتلوا الناس به محاولين إيهام الناس بأنهم حماة الاسلام من الشرك، فنراهم يطلقون صفة الشرك على المسلمين بلا تريث، ويزعمون أن من يتوسل بالنبي مشرك ومن يناديه مشرك ومن يقبل آثار النبوة مشرك

ص: 5


1- صحیح البخاري/کتاب المغازي/باب:حجة الوداع/ ص 792/ ح 4403

ومن يزوره مبتدع وغيرها من الأمور التي اعتاد المسلمون على فعلها منذ وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم حتى ظهور خوارج آخر الزمان الذين حذر النبي منهم ومن أقوالهم وأفعالهم كما جاء في أصحّ كتب السنة عن سويد بن غفلة قال قال علي: «سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم..»(1)، وخير الأقوال هو التوحيد، وهم يرفعون هذا الشعار لقتل المسلمين.

فكان أول من شدّ من هذه الأمة هو هو الشيخ ابن تيمية الحراني المتوفّى (728ه) الذي أثار في حياته الكثير من الأمور الشاذة والتي خالف بها العلماء

من بين هذه المسائل مسألة التوسل والاستغاثة بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم وزيارته صلی الله علیه و آله و سلم، فاحتاج لذلك إسقاط الكثير من الأدلة وتوهين كثير من آراء العلماء، بل كل من يعارضه بهذه المسائل، مما إضطر العلماء في ذلك العصر لمحاربة أفكاره المنحرفة والتي كان من أهمها مسألة التجسيم ، والإنتقاص من الإمام علي علیه السلام(2) ومعارضته الزيارة النبي صلی الله علیه و آله و سلم

فقد قال ابن حجر العسقلاني في ترجمة ابن تيمية (قام القضاة الثلاثة المالكي والشافعي والحنفي باستتابة ابن تيمية من عقيدة التجسم ورجوعه إلى عقيد الأشاعرة وذلك سنة (707ه) .. وفي سنة (709ه) سجن بسب قوله ( لا يستغاث بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم) . وفي سنة (719ه) منع من الفتيا.. وفي سنة (726ه-) سجن بالقلعة بسبب منعه زيارة النبي حتى مات في سجنه سنة (728ه)(3)

ص: 6


1- صحيح مسلم / كتاب الزكاة / باب التحريض ../ ص 415 / ح 154 -(1066)
2- انظر الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة - ابن حجر العسقلاني ج 1/ ترجمة: 409 / ص 155
3- انظر الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة - ابن حجر العسقلاني / ج 1 / من ص 155 إلى 149

وكان أول من كتب ورد على ابن تيمية هو العلامة تقي الدين السبكي المتوفّى (765ه) في كتابه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام فكان فيه الرد الشافي لإثبات الزيارة والتوسل والاستغاثة بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم.

وإنطفأت نار الفتنة بموت ابن تيمية الحراني في سجنه حتى أوقدها من جديد محمد بن عبد الوهاب المتوفّى (1206ه) بتبني آراء ابن تيمية في تكفير المسلمين، فقام السنة العلماء من والشيعة بالرد عليه بكتب كثيرة تبطل آراء ابن تيمية ومن تبعه من الوهابية.

وعليه كان عملنا في هذا البحث يتناول:

1 - إثبات سماع الأنبياء والأولياء بعد وفاتهم لنداء الأحياء.

2 - أدلة جواز التوسل والاستغاثة بالأنبياء والأولياء.

ص: 7

ص: 8

إثبات سماع الأنبياء والأولياء بعد وفاتهم لنداء الأحياء

إن لإثبات سماع الأنبياء والأولياء الاعلیهم السلام بعد وفاتهم دوراً كبيراً في الرد على من يعتبر أن التوسل والاستغاثة بالانبياء والأولياء هي من أنواع الشرك، كما يعبر عنها الوهابية بأنها (نداء من لا يسمع النداء أصلا)، وبالنتيجة ينسبون الشرك عن طريق التوسل والاستغاثة بالنبي وأهل بيته للشيعة وغيرهم من المسلمين السنة بدعوى أنهم يدعون ويستغيثون بالأموات التي لا تضر ولا تنفع، وهذه التهم كثيراً ما نسمعها تطلق على أتباع أهل البيت عليهم السلام بالخصوص من قبل الفرقة الوهابية ومن اتبع نهجهم التكفيري، فكان لإثبات مسألة سماع الأموات لنداء الأحياء الدور الكبير في تصور مسألة التوسل والاستغاثة بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة وأيضا تحقيقا لقول الله تعالى:«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا»(1) فلقد أرشد الله تعالى المذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان ان يأتوا

إلى رسول الله ويطلبوا منه الإستغفار لهم، وإذا استغفر لهم الرسول تاب الله عليهم وغفر لهم، فكان من الأحرى أن يتسابق المطيعون ومحبو رسول الله من أمته بالمجيء إليه ليدعو لهم عند الله، فالله جل جلاله لا يرد شفاعة نبيه وحبيبه محمد صلی الله علیه و آله و سلم، فعندما أعطى الله تعالى للنبي صلی الله علیه و آله و سلم الشفاعة وأمر المذنبين بالذهاب إليه ليستغفر لهم فهو كفيل بقضاء حوائجهم بدعاء النبي لهم.

ص: 9


1- سورة النساء/ الآيةک 64

لكن هناك من يذهب إلى أن هذه الآية خاصة في حياة النبي فقط، ولا تسري بعد وفاته فلا يجوز التوجه وقصده وطلب الدعاء منه؛ وذلك لأنهم يرون أنّ النبي بعد موته لا ينفع ولا يضر، وأنّ الأموات لا تسمع لقول الله تعالى: «إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى» (1)، بل ذهبت مجموعة منهم إلى أبعد من ذلك حيث قالوا بأن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا ينفع ولا يضر وتجرأ بعض مشايخهم بالاعتداء على رسول الله كما نقل مفتي الحرمين زيني دحلان في الدرر السنية قولهم: «عصاي هذه خير من محمد، لأنها ينتفع بها في قتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع أصلاً»(2)

وذكر السيد مرتضى العسكري في كتابه (معالم المدرستين) في إحدى رحلاته للحج قال «عندما بلغنا مدينة الرماح السعودية... واشتركنا جميعاً في أداء الفرائض جماعة.. اجتمع علينا لفيف من أهالي المدينة فحضر حشدهم من بدا عليه أنه كان من ذوي معرفتهم، وخطب فيهم وأشار إلى افراد الحاج وقال : هؤلاء مشركون .. فانبرى له أحد الحجاج وقال : لماذا نحن مشركون نحن حججنا بيت الله، زرنا قبر النبي... فإذا به يرعد ويقول له: أشركت.. ويش محمد محمد رجل مثلي !!.. فانبرى له حاج عراقي آخر وقال له: «محمد رجالا مثلك؟» فاكد قوله ثانية وقال: «محمد رجل مثلي مات فقال له الحاج نمحمد نزل عليه القرآن وينزل عليك القرآن ؟» فلم يحر جوابا ..(3)

وقد تبنى الشيخ الألباني - من شيوخ الوهابية المتأخرين - هذا الرأي أيضاً مما اضطره للطعن في رأي جمهور علماء السنة من بينهم ابن تيمية الحراني القدوة والمثل الأعلى للوهابية، ومن هذا الفعل للشيخ الألباني نعرف بأن الوهابية لا يقفون عند رأي

ص: 10


1- سورة النمل / الآية: 80
2- الدرر السنية - لمفتي الحرمين الشريفين زيني دحلان / ج 1 / ص 42
3- ينظر معالم المدرستين - للسيد مرتضى العسكري / ج 1 / ص 25

معين لعالم معین دائما يضعفون من يخالف هواهم.

ولرد هذا المعتقد الشاذ قمنا بإثبات هذا المطلب (وهو سماع الميت لنداء الاحياء) من خلال طرح الأدلة العلمية لهاتين النقطتين الآتيتين

1/ ذكر الأدلة التي تثبت الحياة للأموات بعد وفاتهم.

2/ذكر الأدلة التي تثبت سماع الميت للأحياء.

ص: 11

ص: 12

اولاً: إثبات الحياة للأموات بعد وفاتهم.

لقد صرح القرآن الكريم بحياة الأموات بعد قبض أرواحهم والتطرق لحالهم بعد وفاتهم، وأما السنة فكانت مستفيضة بالأحاديث الصادرة عن النبي والتي جاء فيها ذكر حال الأموات بعد قبض أرواحهم، وثبت فيها أن الأموات يتصفون بصفات الأحياء من صلاة وكلام وسمع وبصر وغيرها، فاذا كان الميت يتمتع بنفس الحواس من سمع وبصر وكلام وبمشاعر الفرح (للمؤمن) والألم (للكافر) فهنا تثبت لهم الحياة، وهذه الروايات قد ورد ذكرها في القرآن الكريم كما ذكرها المحدثون الكبار من أهل السنة.

القرآن الكريم

أولاً: قال تعالى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ»(1)

ثانياً: قال تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(2)

لقد نهى الله عز وجل المسلمين عن وصف الذين يُقتلون في سبيله بالأموات، بل ونهى أيضاً عن الظن بأنهم أموات بقوله عز وجل «وَلَا تَحْسَبَنَّ»وهذه الآيات تخبر المسلمين بأن الأموات الذين يُقتلون في سبيل الله أحياء عند ربهم ولكن لا نشعر بحياتهم، وهي حياة خاصة تختلف عن حياة يوم القيامة، ولا تختص بالشهداء بل تشمل

ص: 13


1- سورة البقرة / الآية: 154
2- سورة آل عمران / الآية: 169

هذه الحياة كل أموات المؤمنين وليس الشهداء فقط كما أجمع العلماء على ذلك وسيأتي لاحقاً.

قال الجصاص الحنفي المتوفّى (370ه) في أحكام القرآن:

قَوْلَهُ «لَا تَشْعُرُونَ » إِخْبَارٌ بِفَقَدِ عِلْمِنَا بِحَيَاتِهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ كَانَ الْمَرَادُ الحَيَاةَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ شَعَرُوا بِهِ وَعَرَفُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ . فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الحَيَاةُ الحادِثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ.(1)

و قال أبو جعفر الطبري المتوفّى (310ه) في تفسيره:

يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر على طاعتي في جهاد عدوّكم، وترك معاصي، وأداء سائر فرائضي عليكم، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله: هو ميت، فإن الميت من خَلقي مَنْ سلبته حياته وأعدمته حواسه، فلا يلتذ لذة ولا يُدرك نعيما، فإنّ من قتل منكم ومن سائر خَلقي في سبيلي، أحياء عندي، في حياة ونعيم، وعيش هَنِيّ، ورزق سنيّ، فَرحين بما آتيتهم من فضلي ..(2)

وقال الحافظ ابن كثير المتوفى (774ه) في تفسيرة:

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، عن الإمام الشافعي، عن الإمام مالك،عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «نَسَمَةُ المؤمن طائر تَعْلَقَ في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه».

ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضًا، وإن كان الشهداء قد خصِّصُوا بالذكر في القرآن،

ص: 14


1- أحكام القرآن - للجصاص / ج 1 / سورة البقرة / وجوب ذكر الله / ص 113
2- تفسير الطبري / ج 2 سورة البقرة: آية 145 / ص 42

تشريفا لهم وتكريمًا وتعظيما.(1)

ثالثاً: قال تعالى :«قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ»«بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ»(2)

قال أبو جعفر الطبري: يقول تعالى ذكره: قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقيه «ادْخُلِ الجَنَّةَ» فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه «يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ»«بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» يقول : يا ليتهم يعلمون أن السبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي وجعلني من الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته، كان إيماني بالله وصبري فيه، حتى قتلت فيؤمنوا بالله ويستوجبوا الجنة .(3)

لقد أخبرنا القرآن الكريم عن حال حبيب النجار بعد أن قتله قومه فذكر الله تعالى كلام حبيب النجار «يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ»«بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي» . والكلام من صفات الأحياء لا من صفات الأموات ولكن هذه الحياة لا نشعر بها كما قال تعالى في الآية السابقة «بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ» .

فنستغرب اليوم من بعض هذه الفرق التي تقوم بإغماض أعينها عن قول الله تعالى، وبث ما يخالف أوامره بين عامة أتباعهم بقولهم إن الأموات إنتهت حياتهم فلا نفع لهم بعد قبض أرواحهم، ورغم إدعائهم بأنهم أتباع السلف الصالح من علمائهم الأوائل لكن نراهم يخالفون علماءهم في الكثير من المسائل، واتبعوا أهواءهم وتركوا كلام الله وكلام علمائهم وراء ظهورهم، فبئس ما فعلوا.

ص: 15


1- تفسير ابن كثير / ج 1 / سورة البقرة: الآية (145)/ ص 255
2- سورة يس / الآيات (26 ، 27)
3- تفسير الطبري / ج 10 / سورة يس : الآيتان (26 و 27)/ ص 436

السنة النبویة

أولاً : الميت يصلي في قبره بعد موته.

روی مسلم حدثنا هداب بن خالد و شیبان بن فروخ قالا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني وسليمان التيمي عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال «أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره»(1) .

ورواه مسلم أيضا في صحيحه (2) ، والنسائي في سننه الصغرى (3) ، وأحمد في مسنده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «مررت ليلة أسري بي على موسى فرأيته قائما يصلي في قبره».

قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين (4).

ثانياً : كلام الأموات بعد وفاتهم.

1 - كلام شهداء (بئر معونة) بعد شهادتهم.

ذكر حال شهداء المسلمين الذي قتلوا في بئر معونة في السنة الرابعة للهجرة بعد شهادتهم.

روى البخاري: «قَالَ أَنَسٌ أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِثْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ

ص: 16


1- صحيح مسلم / كتاب الفضائل / باب من فضائل موسى / ص 1006 / ح 164 - (2375)
2- صحيح مسلم / كتاب الفضائل / باب من فضائل موسى ص 1006 /ح 165 - (2375)
3- سنن النسائي / كتاب قيام الليل .. / ذكر صلاة نبي الله موسى / ص 254/ ح 1631
4- مسند أحمد بن حنبل / مسند أنس بن مالك/ ج 3 / ص 120 / ح 12217

بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ»(1).

ورواه مسلم عن يحي بن يحي باسناده عن أنس بن مالك .. (2)

وكلام شهداء بئر معونة هذا يثبت حياة الأموات بعد قبض أرواحهم؛ لأن الكلام من صفات الاحياء لا الاموات.

2 - كلام شهداء (معركة احد) بعد شهادتهم.

عَنِ ابْنِ عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: الما أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بأَحدٍ جَعَلَ الله أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلُّ العَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ

قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ تُرْزَقُ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عِندَ الحَرْبِ

فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ.

قَالَ : فَأَنْزَلَ اللهُ «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتَا»(3)

3 - كلام الشهداء مع الله بعد شهادتهم.

روى مسلم في صحيحه عن مسروق قال سألنا عبدالله ( هو ابن مسعود) عن هذه الآية «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتَا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» قَالَ أَما إنا سألنا عن ذلك

فقال «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل .. فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال

ص: 17


1- صحيح البخاري / كتاب الجهاد والسير / باب : 19 / ص 519 / ح 2814
2- صحیح مسلم / كتاب الفضائل / باب من فضائل موسى / ص 1006 / ح 297 -(677)
3- سنن أبي داود / كتاب الجهاد / باب فضل الشهادة / ص 403 / 2522

هل تشتهون شيئا ؟ قالوا أي شيء نشتهي ؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا»(1)

روى أحمد في مسنده: عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: « إذا رأى ما فسح له في قبره يقول دعوني أبشر أهلي فيقال له اسكن»(2).

ثانياً : سماع الميت لكلام الأحياء.

1 - سماع كفار قريش الذين قتلوا يوم بدر كلام النبي بعد قتلهم.

روى البخاري: عن ابْنِ عُمَر : «اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم عَلَى أَهْلِ القَلِيبِ فَقَالَ «وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» . فَقِيلَ لَهُ تَدْعُو أَمْوَاتًا فَقَالَ «مَا أَنتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لا يُجيبُونَ»(3).

وفي رواية أخرى للبخاري: قَالَ مُوسَى قَالَ نَافِعُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ نَاسُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ الله تُنَادِي نَاسًا أَمْوَاتًا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ»(4).

ورواه مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة.. ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال إن رسول الله كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله قال فقال عمر فوالذي بعثه بالحق ما أخطؤا الحدود التي حد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله حتى انتهى إليهم فقال يا فلان بن فلان و یا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا.

ص: 18


1- صحیح مسلم كتاب الامارة / باب 33 /ص 818/ ح 121 - (1887)
2- مسند أحمد بن حنبل / مسند أنس بن مالك / ج 3 / ص 331 - 14559
3- صحيح البخاري / كتاب الجنائز / باب ما جاء في عذاب القبر / ص 253 / ح 1370
4- صحيح البخاري / كتاب الجنائز/ باب شهود الملائكة بدرا / ص 729 / ح 4026

قال عمر: یا رسول الله كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها؟

قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئاً.(1)

والسماع من صفات الأحياء، بل اعتراض عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ورد رسول الله عليه فيه الدليل البين على حياة الأموات بعد قبض أرواحهم.

2- سماع الميت للمشيعين الجنازتهم.

روى مسلم عن أنس بن مالك قال : قال نبي الله إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل؟(2)

ورواه مسلم أيضا قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا.(3)

3- سماع الميت لمن يسلم عليه من الأحياء.

لقد علم رسول الله المسلمين كيفية السلام على أهل القبور فروى مسلم النيسابوري في صحيحه:

عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول ( في رواية أبي بكر ) السلام على أهل الديار (وفي رواية زهير) السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم

ص: 19


1- صحیح مسلم / كتاب الجنة / باب عرض مقعد الميت ./ ص 1195 / ح 76 - (2873)
2- صحیح مسلم / كتاب الجنة / باب عرض مقعد الميت ./ ص 1194 / ح 70 - (2870)
3- صحیح مسلم / كتاب الجنة / باب عرض مقعد الميت ./ ص 1194 / ح 71 - (2870)

العافية.(1)

وروى النسائي: أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان إذا أتى على المقابر فقال السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ...(2)

وهذا يدل على انهم يسمعون الكلام ، لأن السلام على من لا يسمع ولا يفهم فيه عبثية وحاشا رسول الله من أن يأمر الناس بفعل العبث.

4 - رأي علماء السنة في مسألة سماع الميت.

أما رأي علماء السنة بمسألة حياة الانسان بعد موته وقبل يوم القيامة، فهو رأي السنة، فرأينا أن نختصر ذكر الآراء بأخذ أقوال العلماء الرافضين لمسألة التوسل والاستغاثة فاكتفينا بشيخ المتشددين إبن تيمية وتلميذيه (ابن القيم الجوزية، وابن كثير جمهور الدمشقي).

1 - ابن تيمية الحراني المتوفّى (728ه):

قسم ابن تيمية الموت قسمين:

أولاً: الموت المنفي عن البشر وهو زوال الحياة للروح والبدن وذلك لقوله تعالى: «بَلْ أَحْيَاءٌ» .

ثانياً: الموت المثبت على البشر وهو فراق الروح البدن «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ» .

قال ابن تيمية «فَالْقَلْبُ إِذَا كَانَ حَيًّا فَمَاتَ الإِنْسَانُ بِفِرَاقِ رُوحِهِ بَدَنَهُ كَانَ مَوْتُ

ص: 20


1- صحيح مسلم / كتاب الجنائز/ باب ما يقال عند دخول القبور / ص 377/ ح 104 - (975)
2- سنن النسائي / كتاب الجنائز/ باب: الأمر بالاستغفار للمؤمنين / ص 307 / ح 2042

النَّفْسِ فِرَاقَهَا لِلْبَدَنِ لَيْسَتْ هِيَ فِي نَفْسِهَا مَيِّتَةً بِمَعْنَى زَوَالِ حَيَاتِهَا عَنْهَا. وَلِهِذَا قَالَ تَعَالَى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ» وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ» مَعَ أَنَّهُمْ مَوْتَى دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ : «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ» وَفِي قَوْلِهِ : «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِتُونَ» وَقَوْلُهُ: «وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» فَالمَوْتُ المُثبتُ غَيْرُ المَوْتِ المَنْفِيِّ. المثبتُ هُوَ فِرَاقُ الرُّوحِ البَدَنَ والمنفِيُّ زَوَالُ الحَيَاةِ بِالجُمْلَةِ عَنْ الرُّوحِ وَالبَدَنِ..)(1)

2 - ابن القيم الجوزية المتوفّى (751ه):

وقد علم النبي أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية.

وهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد و إن لم يسمع المسلم الرد وإذا صلى الرجل قريبا منهم شاهدوه وعلموا صلاته وغبطوه على ذلك (2).

3- ابن كثير الدمشقي المتوفّى (774ه):

وثبت عنه صلى الله عليه و آله وسلم أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له، إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المسلم : السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بان الميت يعرف بزيارة الحي له .. (3).

ص: 21


1- مجموع فتاوى ابن تيمية / ج 10 /كتاب علم السلوك / ص 64
2- كتاب الروح - ابن القيم / ص 20
3- تفسير ابن كثير / ج 6 / سورة النساء: آية (64)/ ص 183

ص: 22

الدليل الأول

إرجاع المذنبين إلى النبي لطلب الإستغفار لهم

قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا» .

إنّ هذه الآية صريحة بالتوسل بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم، فهي جعلت من النبي شفيعاً بين الانسان العاصي وربه، فلذلك كان طلب الإستغفار من النبي لمغفرة الذنوب والمعاصي التي يرتكبها العاصي مُوجِباً لغفران الذنوب وقبول التوبة من قبل الله تعالى حيث يقول :تعالى: «لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» ، فالآية هنا تثبت شفاعة النبي في الدنيا كما ثبتت شفاعته الأخروية في آيات أخرى.

فيستفاد من الآية هذه النقاط الثلاث:

النقطة الأولى : المجيء إلى النبي (زيارته).

تفصيل هذه النقطة نستعرضه في مبحث خاص بمسألة الزيارة إن شاء الله.

النقطة الثانية : إرشاد الناس لطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه و آله وسلم

1/ قال الزمخشري المتوفّى (538ه) في تفسيره:

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» . بالتحاكم إلى الطاغوت «جَاءُوكَ» تائبين

ص: 23

من النفاق متنصلين عما ارتكبوا «فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ» من ذلك بالإخلاص، وبالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك بردّ قضائك، حتى انتصبت شفيعاً لهم إلى الله ومستغفراً «لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا»لعلموه تواباً، أي لتاب عليهم. ولم يقل. واستغفرت لهم، وعدل عنه إلى طريقة الالتفات تفخيماً لشأن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وتعظيماً لاستغفاره، وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان .. (1)

2/ قال فخر الدين الرازي المتوفّى (604ه) في تفسيره:

المسألة الثالثة: إنما قال: «وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ» ولم يقل واستغفرت لهم إجلالا للرسول عليه الصلاة والسلام، وأنهم إذا جاؤه فقد جاؤا من خصه الله برسالته وأكرمه بوحيه وجعله سفيرا بينه وبين خلقه، ومن كان كذلك فان الله لا يرد شفاعته، فكانت الفائدة في العدول عن لفظ الخطاب إلى لفظ المغايبة ما ذكرناه (2).

3/ قال ابن كثير الدمشقي (774ه):

وقوله : «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ» يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه و آله وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: «لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا»(3).

4/ قال البيضاوي المتوفّى (791ه):

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» بالنفاق أو التحاكم إلى الطاغوت.

ص: 24


1- الكشاف - للزمخشري / ج 1 / سورة النساء آية (64) ص 517
2- تفسير الرازي / ج 5 / سورة النساء آية (64) / ص 130
3- تفسير ابن كثير / ج 2 / سورة النساء: آية (64) / ص 348

«جَاءُوكَ» تائبين من ذلك وهو خبر أن وإذ متعلق به «جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ الله» بالتوبة والإخلاص . «وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ» . واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعاً، وإنما عدل الخطاب تفخيماً لشأنه وتنبيهاً على أن من حق الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظم جرمه ويشفع له ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب. «لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا» لَعلموه قابلاً لتوبتهم متفضلاً عليهم بالرحمة، وإن فسر وجد بصادف كان تواباً حالاً ورحيماً بدلاً منه أو حالاً من الضمير فيه (1).

النقطة الثالثة شمول الآية لحياة النبي صلى الله عليه و آله وسلم ومماته :

هناك مجموعة من الأدلة تثبت شمول الآية لممات النبي وهي:

أ. قول المفسرين بخصوص هذه الآية.

لقد استشهد بعض المفسرين في تفسير هذه الآية بحوادث وقعت بعد وفاة النبي مثل قصة الإعرابي الذي جاء إلى النبي بعد وفاته ليطلب منه الإستغفار له كما شرطته الآية الكريمة، واستشهاد المفسرين بتلك القصة في تفسير هم لقوله تعالى «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ» . دليل على فهمهم أن الآية عامة لحياة النبي الدنيوية والبرزخية.

قال القرطبي المتوفى (671ه):

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ» روى أبو صادق عن علي قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وحثا على رأسه من ترابه فقال: قلت يا رسول الله فسمعنا قولك، ووعيت عن الله فوعينا عنك، وكان فيما أنزل الله عليك «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ» الآية، وقد ظلمت

ص: 25


1- تفسير البيضاوي / ج 1 / سورة النساء: آية (64) / ص 222

نفسي وجئتك تستغفر لي. فنودي من القبر أنه قد غفر لك (1). (1)

قال ابن كثير الدمشقي (774ه) :

وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه «الشامل» الحكاية المشهورة عن العُتْبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يارسول الله، سمعت الله يقول : «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :

يا خير من دُفنَت بالقاع أعظُمُه***فطاب من طيبهنّ القاعُ والأَكَمُ

نَفْسي الفداء لقبر أنت ساكنه***فيه العفافُ وفيه الجود والكرمُ

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي في النوم فقال: يا عُتْبى الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له(2).

وقد إستشهد جمع من المفسرين بهذه القصة منهم : عبد الله النسفي (710ه)، وأبي حيان الأندلسي (745ه)، والثعالبي (875 ه)، والسيوطي (911ه).

ب. فتوى الفقهاء في زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم والتي تتضمن هذه الآية.

إستشهاد الفقهاء بهذه الآية في كتبهم الفقهية في باب زيارة النبي في توسلهم وإستغاثتهم بالنبي كما سوف نستعرضه في مبحث العلماء والتوسل مثل (أبي زكريا النووي الشافعي، وابن قدامة المقدسي الحنبلي، وابن حجر الهيتمي،) كما سوف نبينه في الدليل السابع لاحقا.

ص: 26


1- تفسير القرطبي / ج 5 / سورة النساء: آية (64) / ص 185
2- تفسير ابن كثير / ج 2 / سورة النساء: آية (64) / ص 348

ج. ثبوت الدعاء للأنبياء بعد وفاتهم وعدم إنقطاعه.

أي أن الموت لا يمنع الأنبياء من الأنبياء من الدعاء للمؤمنين المستحقين الدعاء، وفيه الدليل الكافي لرد أي شبهة تطرح على تخصيص هذه الآية، وفي الدليل الثاني نستعرض الأدلة التي تبين أن دعاء الأنبياء لا ينقطع حتى بعد مماتهم.

ص: 27

ص: 28

الدليل الثاني

دعاء الانبياء علیهم السلام بعد وفاتهم

1/ حديث الإسراء والمعراج ودعاء الأنبياء لنبينا محمد عند لقائه:

عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: أتيت بالبراق .. قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس.. ثم خرجت فجاءني جبريل .. ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل علیه السلام فقيل من أنت؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد بعث إليه؟ قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية.. ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة.. ففتح لنا فإذا أنا بيوسف علیه السلام إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء ..الرابعة ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير .. ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة.. ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب ودعا لي بخير ثم عرج إلى السماء السادسة.. ففتح لنا فإذا أنا بموسى فرحب ودعا لي بخير ثم عرج إلى السماء السابعة.. ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور .. - الحديث -.

الحديث رواه مسلم في صحيحه عن أنس(1) ، وكذلك أحمد في مسنده(2)، والبزار

ص: 29


1- صحیح مسلم / کتاب الایمان / باب: الاسراء برسول الله / ص 80/ ح 259 - (162)
2- مسند أحمد بن حنبل / مسند أنس بن مالك / ج 3 / ح 12513 / ص 182

في مسنده(1) ، وابن أبي شيبة في المصنف(2) ، ورواه الطبري عن أبي سعيد الخدري في تهذيب الآثار، والحارث في مسنده(3).

وقال النووي في شرح صحيح مسلم : فِيهِ اسْتِحْبَابُ لِقَاءِ أَهْل الفَضْل بالبشر وَالتَّرْحِيبِ وَالكَلَامِ الحَسَنِ وَالدُّعاءِ لَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْ الدَّاعِي (4)) .

2/ دعاء النبي بعد وفاته لأمته واستغفاره لهم.

قال الحافظ البزار في مسنده : حدثنا يوسف بن موسى، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله عن النبي قال: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض على أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت لكم .»(5)

وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح(6) ، وصححه الحافظ السيوطي في الخصائص(7).

وأخرجه الحافظ ابن سعد مرسلا عن التابعي بكر بن عبد الله: أخبرنا يونس بن محمد المؤدب ، أخبرنا حماد بن زيد عن غالب عن بكر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم

ص: 30


1- مسند البزار / أنس بن مالك / ج 13 / ح 6964 / ص 340
2- مصنف ابن ابي شيبة / ج 7 / باب: حديث المعراج / ح 36570/ ح 334
3- مسند الحارث / ج 1 / باب ما جاء في الاسراء / ص 170 / ح 27/
4- شرح النووي على مسلم / ج 2 / كتاب الإيمان / باب (74) / ص 571 / ح 259 /
5- مسند البزار / ج 5 / عبد الله بن مسعود / ص 308/ ح 1925 /
6- مجمع الزوائد / كتاب علامات النبوة / ج 8 / ص 24 / 427
7- الخصائص الكبرى - للسيوطي / ج 2 / ص 491

تعرض علي أعمالكم، فإذا رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت الله لكم »(1).

فاذن نثبت هنا بأن دعاء الأنبياء لا ينقطع بموتهم كما حاول البعض الإيهام إلى ذلك.

ص: 31


1- الطبقات الكبرى - لابن سعد / ج 2 / ذكر ما قرب لرسول الله من أجله / ص 149

ص: 32

الدليل الثالث

تعليم النبي صلى الله عليه و آله وسلم للأعمى كيفية التوسل به صلى الله عليه و آله وسلم

- عن عثمان بن حنيف ان رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقال: ادعُ الله ان يعافيني قال «ان شئت دعوت لك وان شئت أخرت ذاك فهو خير» فقال ادعه فأمره ان يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم اني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد اني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في».

والحديث صحيح رواه الترمذي في سننه وقال: حديث حسن صحيح (1) . ورواه الامام أحمد (2) والنسائي في السنن الكبرى (3) ، وابن ماجة(4)، والحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (5)، والطبراني في معجمه (6)، والبيهقي في دلائل النبوة وذكره بطرق مختلفة وقال بعدها ورويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح عن روح بن عبادة، عن شعبة .(7) ، والإمام النووي في الأذكار (8).

ص: 33


1- سنن الترمذي / ج 4 باب 119 / ص 407 / 3578
2- مسند أحمد بن حنبل / مسند الشاميين / ج 4 / ص 170 / ح .3578
3- السنن الكبرى للنسائي / ج 6 / كتاب عمل اليوم والليلة / ص 168 / ح 10494 و 10495
4- سنن ابن ماجة / كتاب إقامة الصلاة ../ باب ما جاء في صلاة الحاجة / ص 223 / ح 1385
5- المستدرك للحاكم / ج 1 كتاب صلاة التطوع / ص 424 / ح 1209
6- المعجم الكبير - للطبراني / ج 4/ ما اسند عثمان بن حنيف / ص 415 / ح 8232
7- دلائل النبوة للبيهقي / ج /6 / باب ما في تعليمه الضرير ../ ص 166
8- الاذكار - للنووي / باب: أذكار صلاة الحاجة ص 178/ ح 483

وأما متن الحديث فنلاحظ فيه:

أولا : طلب الضرير من النبي الدعاء له، فخيره النبي بين الدعاء وتأخير الدعاء.

ثانيا : أن النبي لم يدعُ اللأعمى، ولكن علمه دعاء يدعوه بعد الصلاة ركعتين.

ثالثا: الدعاء يتكون من توسل بذات النبي في أوله «اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد»، وآخره عبارة عن نداء للنبي في غيابه كما هو ظاهر من الحديث «يا محمد إني توجهت بك إلى ربي» قال المناوي في شرح الحديث:

«اللهم إني أسألك» أطلب منك «وأتوجه إليك بنبيك محمد» صرح باسمه مع ورود النهي عنه تواضعا لكون التعليم من جهته نبي الرحمة أي المبعوث رحمة للعالمين «يا محمد إني توجهت بك» أي استشفعت بك إلى ربي قال الطيبي الباء في بك للاستعانة وقوله إني توجهت بك بعد قولك أتوجه إليك فيه معنى قوله تعالى «مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»(1).

رابعا : إن الحكم المستفاد من الحديث هو جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حياته وبعد وفاته فقيام المحدثين والحفاظ بوضع الحديث ضمن كتب الأدعية فيه الدليل الكافي على تجويزهم التوسل بذات النبي صلى الله عليه و آله وسلم وفي نفس الوقت فيه رد على من يحاول ربط هذا الدعاء بدعاء النبي صلى الله عليه و آله وسلم، لأن دعاء النبي يستلزم حياته، فكان وضع الحديث ضمن الأدعية وصلاة الحاجة دليلاً على عدم تعلق هذا الدعاء بحياة النبي كما حاول البعض إيهام العوام من الناس، بل إن ظاهر الحديث فيه الكفاية لرد هذه الشبهة، لأن النبي لم يدعُ للأعمى وإنما علمه هذا الدعاء فقط ونذكر هنا بعض الأمثله على ذلك:

1/ (في كتاب الدعوات) وضعه الترمذي في سننه، والبيهقي في كتاب الدعوات.

ص: 34


1- فيض القدير - المناوي / ج 2 / حرف الهمزة / ص 169 / ح 1508

2/ ضمن عمل اليوم والليلة) وضعه النسائي في سننه الكبرى، وابن السني في كتابه.

3/ ضمن (كتاب الدعاء) وضعه الطبراني في كتابه والحاكم النيسابوري في المستدرك.

4/ ضمن ( صلاة الحاجة) ابن ماجة في سننه، والنووي في الأذكار، والهيثمي في مجمع الزوائد.

5/ في (الترغيب والترهيب) ابن خزيمة في صحيحه والمنذري.

ص: 35

ص: 36

الدليل الرابع

اشارة

شهادة الصحابة بأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم هو ملجأ وغياث الأمة في الشدة.

أولا : عمر بن الخطاب.

يصرح عمر بأن النبي هو وسيلتهم إلى الله عند القحط.

روى البخاري في صحيحه: حدثنا الحسن بن محمد، قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا، وانا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا». قال فيسقون (1). (1)

ان شهادة عمر بأنهم كانوا يتوسلون بالنبي عند القحط دليل على نظر الصحابة للنبي بأنه غياثهم في وقت الشدة، وفيه أيضا دليل على قبول النبي لفعل الصحابة وهو التوسل به وهو يؤيد ما أثبتناه في الدليل السابق الذي أثبتنا فيه تعليم النبي للصحابة كيفية التوسل به .

أما محاولة ابن تيمية تحريف معنى النص بقوله في دليل على عدول عمر عن التوسل بالنبي بقول عمر : «وانا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا» قال ابن تيمية: «فأما التوسل بذاته فى حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو

ص: 37


1- صحيح البخاري/ كتاب الاستسقاء / باب سؤال الناس الإمام ../ ص 188 / ح 1010

السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشهورا عند الصحابة والتابعين بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حيا كالعباس وكيزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا الى البدل كالعباس ويزيد» (1).

فنقول : أولاً : لا يوجد دليل على ما قاله ابن تيمية بأن عدل عمر عن التوسل بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم، بل الذي يثبت بالحديث مجرد توسل عمر بعم النبي وليس لإبن تيمية الحق تفسير فعل عمر هذا بأنه عدول، بل هناك إحتمالات كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر أنه تكريم وإحترام لعم النبي صلى الله عليه و آله وسلم.

ثانياً : لو سلّمنا جدلاً بأن عمر عدل عن التوسل بالنبي بعد وفاته، فهذا العدول لا فائدة شرعية ترجى منه لأننا مأمورون باتباع النبي ولسنا مأمورين باتباع عمر أو معاوية كما قال تعالى: «وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا» ، ومن تتّبع فترة خلافة عمر وجد فيها الكثير من الأمور التي عدل عنها عمر بن الخطاب منها متعة الحج ومتعة النساء وغيرها، وأما عدول معاوية عن التوسل بالنبي فليت معاوية عدل عن المحرمات التي إرتكبها مثل بيع الخمور والربا وشرب الخمر وغيرها كما بيناه في بحث عدالة الصحابة ضمن هذه الكراسات من سلسلة دليل المحاور.

وعليه فاحتجاج ابن تيمية بعدول عمر ومعاوية عن التوسل بالنبي ليس فيه أي حجة على تحريم وتكفير المتوسل بالنبي بعد ثبوت التوسل في حياته وبعد مماته صلى الله عليه و آله وسلم .

ص: 38


1- مجموع الفتاوى/ ج 1 / كتاب توحيد الألوهية/ ص 241
ثانيا : عبد الله بن عمر

ابن عمر يستشهد بالشعر الذي يصف النبي بغياث وملجأ وعصمة للأمة.

روى البخاري في صحيحه: حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا أبو قتيبة، قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب وأبيض يستسقى الغمام بوجهه... ثمال اليتامى عصمة للارامل..

- وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه و آله وسلم- يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ.

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى العَامُ بِوَجْهِهِ***ثِمَالَ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِل

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ .(1)(1)

إن هذا البيت من قصيدة لأبي طالب علیه السلام عندما إستسقت قريش بالنبي قبل الاسلام فقال علیه السلام هذه الأبيات ضمن قصيدته اللامية من البحر الطويل في حق النبي ومنها هذا البيت:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه***شمال اليتامى عصمة للأرامل.

ومن تأمل في هذا البيت وجده عبارة عن توسل واستغاثة بالنبي كما صرح به العلماء الذين شرحوا هذا الحديث في صحيح البخاري:

1/ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري):

قَوْله: «ثِمَالَ) بِكَسْرِ المُثَلَّثَة وَتَخفيف الميم هُوَ العِماد وَالمَلْجَأَ وَالمُطْعِم وَالمغيث والمعين وَالكَافِي، قَدْ أُطْلِقَ عَلَى كُلّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْله «عِصْمَة لِلْأَرَامِل» أَي يَمْنَعَهُمْ مِمَّا

ص: 39


1- صحيح البخاري كتاب / الاستسقاء / باب سؤال الناس الإمام ../ ص 188 / ح 1009

يَضُرُهُم ..(1)

/2 قال بدر الدين العيني في (عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري):

«قول أبي طالب هذا في الحقيقة توسل إلى الله عز وجل بنبيه لأنه حضر استسقاء عبد المطلب والنبي معه فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم وإن لم يكن في الظاهر أن أحداً سأله وكانوا مستشفعين به وهو في معنى السؤال عنه على ان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ما أراد مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب وإنما أشار إلى قصة وقعت في الإسلام حضرها» (2).

3/ قال ابن الجوزي في (كشف المشكل من حديث الصحيحين):

وقوله «ثمال اليتامى» أي معتمدهم وملجأهم

وقوله «عصمة للأرامل» أي يمتنعون به من الحاجة والشدة والأرامل يقع على الرجال والنساء(3).

ثالثا : أبو بكر الصديق.

- عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها : أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر رضي الله عنه يقضي:

«وأبيض يستسقى الغمام بوجهه***ربيع اليتامى عصمة للأرامل»

فقال أبو بكر رضي الله عنه ذاك والله رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

ص: 40


1- فتح الباري - لابن حجر / ج 2 / كتاب الاستسقاء / باب /3 ص 630 / ح 1009
2- عمدة القاري شرح صحيح البخاري - للعيني / ج 7/ كتاب الاستسقاء / ص 30
3- كشف المشكل من حديث الصحيحين - لابن الجوزي / ج 1 ص 668

رواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده (1)، ورواه ابن ابي شيبة في المصنف (2)، والحافظ البزار في مسنده وقال: وَهَذَا الحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم، وَإِسْنَادُهُ إِسْنَادٌ حَسَنُ ..(3) ، وابن ابي ماجة في سننه (4)، والحافظ الهيثمي في مجمعه وقال بعده رواه أحمد والبزار

ورجاله ثقات (5).

ص: 41


1- مسند أحمد بن حنبل / مسند ابي بكر / ج 1 / ص 9/ ح 27
2- مصنف ابن ابي شيبة / ج 6 / كتاب الفضائل / فضائل عمر / ح 31958 / ص 356
3- مسند البزار / مسند ابي بكر / ج 1 / ص 128 / ح 58
4- سنن ابن ماجة / كتاب اقامة الصلاة .. /باب: 154 / ص 207 / ح 1272
5- مجمع الزوائد / ج 8 / كتاب علامات النبوة / ص 349/ ح 14024

ص: 42

الدليل الخامس

اشارة

التوسل والإستغاثة واللجوء للنبي صلى الله عليه و آله وسلم بعد وفاته.

1 / النبي عيسى علیه السلام

استغاثة النبي عيسى بن مريم علیه السلام بالنبي عند محاربته لأعداء الله وتآمرهم عليه :

فقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي بسند صحيح في مسنده:

عن أبي هريرة يقول : سمعت رسول الله يقول والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عیسی بن مريم إماما مقسطا وحكما عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليصلحن ذات البين وليذهبن الشحناء وليعرضن عليه المال فلا يقبله ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأجيبنه (1).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح(2)، والسيوطي

في الخصائص الكبرى(3)، وصححه الألباني(4)

2/ الصحابي أبو بكر.

أبو بكر يطلب من النبي بعد وفاته أن لا ينساه عند ربه.

ص: 43


1- مسند أبي يعلى / ج 11 مسند أبي هريرة / ص 462 / ح 6584
2- مجمع الزوائد / ج 8 / كتاب ذكر الأنبياء / ص 276/ ح 13813
3- الخصائص الكبرى - للسيوطي / ج 2 / باب حياته في قبره / ص 490
4- السلسلة الصحيحة للألباني / ج 6/ ص 236 / ح 2733

وبلغ الخبر أبا بكر رضي الله عنه وهو بالسنح فجاء وعيناه تهملان وزفراته تتردد في صدره وغصصه ترتفع كقطع الجرة وهو في ذلك رضوان الله عليه جلد العقل والمقالة حتى دخل على رسول الله فأكب عليه وكشف وجهه ومسحه وقبل جبينه وجعل يبكي ويقول: بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا .. اللهم أبلغه عنا، اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك.

رواه السهيلي في الروض الأنف(1)، وشمس الدين الشامي في سبل الهدى والرشاد(2).

3/ الصحابي عبد الله بن عمر.

عبد الله بن عمر ينادي النبي وهو في قبره ليتشافي من خدر رجله.

- حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد قال: خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل اذكر أحب الناس إليك

فقال: يا محمد

رواه البخاري في الأدب المفرد عن عبد الرحمن بن سعد مولى ابن عمر(3)، وكذلك ابن سعد في الطبقات الكبرى(4)، وابن الجعد في مسنده(5)، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والنووي في الأذكار عن الهيثم بن حنش(6) .

ص: 44


1- الروض الأنف - للسهيلي / ج 1 / وفاة رسول الله / ص 434
2- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - للصالحي / ج 12 / الباب (28)/ ص 299
3- الأدب المفرد للبخاري / ب 436 : ما يقول الرجل اذا خدرت رجله / ص 235 / ح 964
4- الطبقات الكبرى - لابن سعد / ج 4 / عبد الله بن عمر / ص 115
5- مسند ابن الجعد / من حديث ابي خيثمة زهير بن معاوية/ ص 369 / ح 2539
6- الأذكار - للنووي / باب: اذكار صلاة الحاجة / ص 178 / ح 483

بل رواه ابن تيمية بكتابه الكلم الطيب واتبعه تلميذه ابن القيم الجوزية في ذلك بكتابه الوابل الطيب، ويكون بذلك ابن تيمية وتلميذه قد جعلوا الشرك ونداء الميت من

لكلم الطيب، فسبحان الله كيف صارت كلمة الشرك من الكلام الطيب !!

4 / الصحابي أبو أيوب الأنصاري.

لجوء الصحابي أبي أيوب الأنصاري لقبر النبي والشكوى والبكاء عنده بعد تسلط أمراء السوء على أمر المسلمين وعاثوا فسادا في الأرض.

فقد روى أحمد في مسنده:

عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوما فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر فقال أتدري ما تصنع فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب فقال نعم جئت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ولم آت الحجر سمعت رسول الله يقول«لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله»(1). (1)

ورواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي في التلخيص(2).

5 / الصحابي عثمان بن حنيف.

يعلم الناس كيفية التوسل بالنبي في قضاء حوائجهم .

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بن سَهْلِ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بن حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلا، كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ عَفَّانَ رضي الله عنه فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَكَانَ عُثْمَانُ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ، فَلَقِيَ ابْنَ حُنَيْفٍ فَشَكَى ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُثمان بن حُنَيفٍ: ائتِ المِيضَأَةَ فَتَوَضَّأ ، ثُمَّ

ص: 45


1- مسند أحمد بن حنبل / مسند الأنصار / ج 5 / ص 493 / ح 23648
2- المستدرک للحاکم/ ج 5 / كتاب الفتن والملاحم / ص 418 / ح 8794

ائتِ المَسْجِدَ فَصَلِّ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُل: اللهم إني أسألكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بنبِيِّنَا مُحَمَّدِ نَبِيِّ إِنِّي الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَتَقْضِي لِي حَاجَتِي وَتَذْكُرُ حَاجَتَكَ، وَرُحْ حَتَّى أَروحَ مَعَكَ ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَصَنَعَ مَا قَالَ لَهُ، ثُمَّ أَنَّى بَابَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، فَجَاءَ البَوَّابُ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطَّنْفِسَةِ حُنَيْفًا، فَقَالَ: حَاجَتُكَ؟ فَذَكَرَ حَاجَتَهُ وَقَضَاهَا لَهُ...

تفرد بهذه القصة شبيب بن سعيد الحبطي وهو ثقة من رجال البخاري ورواها عنه إبناه أحمد وإسماعيل وعبد الله بن وهب .. رواها الطبراني في المعجم الصغير(1) والبيهقي في دلائل النبوة(2)

6 / الصحابي معاذ بن جبل الأنصاري

عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر خرج إلى المسجد يوما فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله يبكي فقال: ما يبكيك يا معاذ ؟ قال: يبكيني حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: يقول: «اليسير من الرياء شرك و من عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا و إن حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة».

قال الحاكم: هذا حديث صحيح و لم يخرج في الصحيحين وقد احتجا جميعا بزيد بن أسلم عن أبيه عن الصحابة واتفقا جميعا على الإحتجاج بحديث الليث بن سعد عن عیاش بن عباس القتباني وهذا إسناد مصري صحيح ولا يحفظ له علة، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح ولا علة له (3).

ص: 46


1- المعجم الصغير للطبراني / ج 1 / من اسمه طاهر / ص 183
2- دلائل النبوة للبيهقي / ج 6 / باب ما جاء في تعليمه الضرير ../ ص 167
3- المستدرك - للحاكم / كتاب الايمان ج 1 / ص 100 / ح 4

ورواه ابن ماجة في سننه عن عيسى بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم.. (1)، ورواه الحافظ أبو نعيم الاصفهاني في الحلية(2)

7/ الصحابي بلال بن الحارث المزني.

روى ابن أبي شيبة عن مالك الداري، قال وكان خازن عمر على الطعام، قال: أصاب الناس قحط في زمن ،عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي الله فقال : يا رسول الله ! استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتى الرجل في المنام فقيل له إنت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون وقل له عليك الكيس عليك الكيس فأتى عمر فأخبره فبكى عمر ثم قال يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه(3).

قال ابن كثير في (البداية والنهاية) معلقا على هذا الحديث : وهذا إسناد صحيح(4) وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:

وَرَوَى ابْن أَبي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيح مِنْ رِوَايَة أبي صَالِحٍ السَّمَانِ عَنْ مَالِك الدَّارِي - وَكَانَ خَازِن عُمَر - قَالَ «أَصَابَ النَّاسِ قَحْط فِي زَمَن عُمَر فَجَاءَ رَجُل إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَأَتَى الرَّجُلَ في المنام فَقِيلَ لَهُ: ائتِ عُمَر» الحَدِيث. وَقَدْ رَوَى سَيْفَ فِي الفُتُوح أَنَّ الَّذِي رَأَى الْمَنَامِ المَذْكُورِ هُوَ بِلَال بن الحَارِثِ الْمُزَنِيُّ أَحَدَ الصَّحَابَة ..(5)

ورواه البيهقي في الدلائل(6)

ص: 47


1- سنن ابن ماجة / كتاب الفتن / باب من ترجى له السلامة ../ ص 643 / ح 3989
2- حلية الأولياء - للاصفهاني / ج 1 /مقدمة المصنف / ص 35/ ح 3
3- مصنف ابن أبي شيبة / ج 6 / كتاب الفضائل / ص 359/ ح 32002
4- البداية والنهاية - لإبن كثير / ج 5/ دخول سنة ثماني عشر / ص 167
5- فتح الباري - لابن حجر / ج 2 / كتاب الاستسقاء / باب 3 / ص 629 / ح 1009
6- دلائل النبوة - للبيهقي / ج 7 / باب ماجاء في رؤية النبي في المنام/ ص 47
8/ الصحابي عمر بن الخطاب.

سكوت عمر بن الخطاب على ما قام به كل من الصحابي بلال بن الحارث والصحابي معاذ بن جبل عند لجوئهما لقبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم فيه دليل على جواز اللجوء الى قبر النبي في الشدة، كما بيناه سابقاً في موقف بلال بن الحارث ومعاذ بن جبل.

9/ الحوراء زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السلام

زينب عليها السلام تندب جدها رسول الله بعد رؤية أخيها الحسين علیه السلام وأولاده وصحبه قتلى على أرض كربلاء بلا رؤوس.

فقد روى الطبري عن قرة بن قيس التميمي، قال: نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحن ولطمن وجوههن . قال : فاعترضتهن على فرس، فما رأيت منظراً من نسوة قط كان أحسن من منظر رأيته منهن ذلك اليوم، والله لهن أحسن من مها يبرين. قال : فما نسيت من الأشياء لا أنس قول زينب ابنة فاطمة حين مرت بأخيها الحسين صريعاً وهي تقول:

«یامحمداه يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه!»(1).

ورواه ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن أبي الدنيا..(2)

10/ عائشة بنت أبي بكر.

عائشة بنت أبي بكر ترشد الناس إلى قبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم لطلب الاستسقاء

روى الدارمي في سننه:«عن أبي الجَوْزَاءِ: أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُحِطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ

ص: 48


1- تاريخ الطبري / ج 3/ السنة الحادية والستون / ذكر مقتل الحسين / ص 336
2- البداية والنهاية - لإبن كثير / ج 5 / دخول سنة إحدى وستين / ص 701

قَحْطاً شَدِيداً ، فَشَكَوْا إِلَى َعائِشَةَ فَقَالَتْ : انْظُرُوا قَبْرَ النَّبِيِّ فَاجْعَلُوا مِنْهُ كِوّى إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سَقْفٌ. قَالَ: فَفَعَلُوا فَمُطِرْنَا مَطَراً حَتَّى نَبَتَ العُشْبُ وَسَمِنَتِ الإِبلُ حَتَّى تَفَتَّقَتْ مِنَ الشَّحْمِ فَسُمِّيَ عامَ الفَتْقِ» (1).

11/ أسماء بنت أبي بكر.

أسماء بنت أبي بكر إتخذت من قميص رسول الله بعد وفاته واسطة لعلاج الناس المرضى.

فقد أخرج مسلم في صحيحه قال: عن عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر وكان خال ولد عطاء قال : أرسلتني أسماء إلى عبد الله بن عمر ... فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت هذه جبة رسول الله فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتُها وكان النبي يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها (2).

ولو كان الاستشفاء بآثار النبي شركاً لرأينا إعتراض الصحابة على هذه الأفعال وبالذات إذا عرفنا أن عائلة أسماء فيها الصحابي عبد الله بن الزبير والتابعي عروة بن الزبير وابن أخيها القاسم بن محمد وهم معدودون ضمن فقهاء المدينة، فهل هؤلاء الفقهاء من الصحابة والتابعين قريبي العهد من حياة النبي لا يميزون الفعل الشركي عن غيره؟، ويأتي ابن تيمية الحراني بعد سبعة قرون من وفاة النبي ويحدد الشرك من غيره ليتهم المسلمين السابقين بالشرك!!.

ص: 49


1- سنن الدارمي / ج 1 / باب ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته / ص 56/ ح 95
2- صحيح مسلم / كتاب اللباس والزينة / باب (2) ص 894 / ح 10 - (2069)

ص: 50

الدليل السادس

اشارة

التوسل والاستغاثة بالملائكة والأنبياء

1/ التوسل بالملائكة

روى أبو بكر البزار في مسنده: حَدَّثنا موسى بن إسحاق، قال: حَدَّثنا منجاب بن الحارث، قال: حَدَّثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد، عن أبان بن صالح، عن مجاهد عن ابن عباس رَضِي الله عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ الله قال: إن الله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فلیناد أعينوا عباد الله(1).

ورواه ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن أسامة عن أبان بن صالح.. (2)، ورواه البيهقي في شعب الايمان وجاء فيه: «فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى»(3)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزار ورجاله ثقات(4).

وروي عن ابن مسعود أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا، فإن الله حاضرا في الأرض سيحبسه» .

ص: 51


1- مسند البزار / ج 11 / ما روى مجاهد عن ابن عباس / ص 181 / ح 4922
2- مصنف ابن أبي شيبة / ج /6 / كتاب الدعاء / ما يدعو الرجل إذا ضلت../ ص 92/ ح 29721
3- شعب الإيمان / ج / الباب الثالث والخمسون / ص 128 / ح 7697
4- مجمع الزوائد - للهيثمي / ج 10 / ص 138 ح / 17104

رواه الحافظ أبو يعلي الموصلي في مسنده(1)، والطبراني في المعجم الكبير(2)

ورواه الطبراني أيضا: عن عتبة بن غزوان عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «إِذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا وَهُوَ بِأَرْضِ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ فَلْيَقُلْ: " يَا عِبَادَ الله أَغِيثُونِ، يَا عِبَادَ الله أَغِيثُونِي، فَإِنَّ للَّهَ عِبَادًا لَا نَرَاهُمْ، وَقَدْ جَرَّبَ ذَلِكَ .»(3)

وذكر البيهقي في (شعب الايمان) وبسند صحيح أن الإمام أحمد بن حنبل قد استغاث بالملائكة عندما أضل الطريق في الصحراء وهو ذاهب للحج:

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج اثنتين راكباً و ثلاث ماشياً أو ثلاث راكباً و اثنتين ماشياً فضللتُ الطريق في حجة و كنت ماشياً فجعلت أقول يا عباد الله دلوني على الطريق قال: فلم أزل ذلك حتى وقفت على الطريق أو كما قال أبي (4).

وقد ذكر هذه القصة أيضا ابن مفلح الحنبلي تلميذ ابن تيمية تحت عنوان «فِيمَا يَقُولُ مَنْ انفَلَتَتْ دَابَّتُهُ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ» (5)

والغريب أن ابن تيمية جعل هذه الاستغاثة من الكلم الطيب(6)؛ رغم قوله بشرك

من يستغيث بالملائكة، فلا نعرف كيف أصبح الشرك بالله عند ابن تيمية كلاماً طيباً !!

ص: 52


1- مسند أبي يعلى الموصلي / ج 9 / مسند عبد الله بن مسعود/ ص 177 / ح 5269
2- المعجم الكبير - للطبراني / ج 5/ عبد الله بن مسعود / ص 153 / ح 10367
3- المعجم الكبير - للطبراني / ج / ما أسند عتبة بن غزوان/ ص 49 / ح 13737
4- شعب الإيمان - للبيهقي / ج 6 / الباب الثالث والخمسون/ ص 128/ ح 7697
5- الآداب الشرعية - ابن مفلح الحنبلي / ج 2/ فَصْلٌ: فيما يَقُولُ مَنْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ / ص 33
6- الكلم الطيب - لإبن تيمية فصل : الدابة تنفلت / ص 146 / ح 178
2/ توسل النبي بالأنبياء عليهم السلام .

عَنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ، قَالَ: لَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ بنتُ أَسَدِ بن هَاشِمٍ أُمُّ عَلِيِّ بن أَبِي طَالِبٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهَا، فَقَالَ: رَحِمَكِ اللَّهُ يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ تجوعين وتُشْبِعِينِي وتَعْرَيْنَ، وتُكْسِينِي ، وتَمنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبًا، وتُطْعِمِينِي تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ الله وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُغَسَّلَ ثَلاثًا، فَلَمَّا بَلَغَ المَاءُ الَّذِي فِيهِ الكَافُورُ سَكَبَهُ رَسُولُ الله بِيَدِهِ، ثُمَّ خَلَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَمِيصَهُ، فَأَلْبَسَهَا إِيَّاهُ وَكَفَّنَهَا بِبُرْدٍ فَوْقَهُ، دَعا رَسُولُ الله أَسَامَةَ بن زَيْدٍ، وَأَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ، وَعُمَرَ بن الخَطَّابِ، وَغُلامًا أَسْوَدَ يَكْفُرُونَ فَحَفَرُوا قَبْرَهَا، فَلَمَّا بَلَغُوا اللَّحْدَ حَفَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِهِ، وَأَخْرَجَ تُرَابَهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: فَاضْطَجَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ يَمُوتُ، اغْفِرْ لأُمّي فَاطِمَةَ بنتِ أَسَدٍ، وَلَقَنهَا حُجَّتَها، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيَّكَ وَالأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا..

رواه أبو نعيم الاصفهاني بالحلية :(1)، والطبراني في المعجم الكبير(2)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح وثقه ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح(3).

ص: 53


1- حلية الأولياء - لأبي نعيم الأصفهاني / ج 1 / عاصم بن سليمان الأحول / ص 143/ ح 3479
2- المعجم الكبير - للطبراني / ج 10 / فاطمة بنت أسد/ ص 337 / ح 20324
3- مجمع الزوائد / ج 9 / كتاب المناقب / فاطمة بنت أسد/ ص 304 / ح 15399

ص: 54

الدليل السابع

اشارة

العلماء والتوسل

نذكر في هذا الدليل مَن توسّل مِن علماء السنة بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم، وما روي من قصص ومواقف مروا بها، وفتاوى لمجموعة من كبار علماء السنة يظهر فيها توسلهم أو إستغاثتهم أو فتاوى صدرت عنهم في هذا الجانب، وهذه القصص وردت بكتبهم الشخصية أو بتراجمهم في كتب التراجم، وكانت هذه الحكايات يتناقلها العلماء دون إستنكار لها، حتى جاءت الفتنة بظهور ابن تيمية الذي فتح باب التكفير على مصراعيه لكل من توسّل واستغاث وتبرك بالأموات وآثارهم.

فتغير الأمر عند العلماء الذين عاصروا ابن تيمية والذين جاؤوا بعده، فجاءت الفتاوي الصريحة في هذه المسألة بعد إنكار ابن تيمية لها، والتي كانت سابقا لا يتطرق لها العلماء من جهة كونها جائزة أو غير جائزة، بل تأتي بشكل عفوي إما بتوسلهم أو بذكر موقف لعالم فيه توسّل وهذا ما يلاحظه من يطلع على العلماء الذين سبقوا ابن تيمية، أما بعده فيلاحظ التغير بذكر الجواز بذلك وإنتقاد المنكرين للتوسل، كما نلاحظه من معاصريه مثل الذهبي والسبكي والتفتازاني.

1/ الإمام التابعي سعيد بن المسيب المتوفّى (90ه) الملقب بسيد التابعين.

كان التابعي سعيد بن المسيب يعرف أوقات الصلاة من قبر النبي الذي كان يصدر همهمة في وقت الصلاة؛ وكان ذلك في معركة الحرة عندما أباح يزيد بن معاوية المدينة إلى جيشه ثلاثة أيام.

ص: 55

فقد روى الدارمي : أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: لَمَّا كَانَ أَيَّامُ الحَرَّةِ لَمْ يُؤَذِّنْ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ ثَلاثاً وَلَمْ يُقَمْ، وَلَمْ يَبْرَحْ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ المَسْجِدَ، يَسْمَعُهَا مِنْ قَبرِ النَّبِيِّ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ(1).

وَكَانَ لا يَعْرِفُ وَقتَ الصَّلاَةِ إِلا:

2/ الإمام التابعي مطرف بن عبد الله (95 ه)

التابعي الزاهد مطرف بن عبد الله يتحدث مع أصحاب القبور ليلة الجمعة، كما ذكره الذهبي في السير :

«كان مطرف بن عبد الله يبدو، فإذا كان ليلة الجمعة، أدلج على فرسه، فربما نور له سوطه ، فأدلج ليلة حتى إذا كان عند القبور، هوم على فرسه، قال: فرأيت أهل القبور صاحب كل قبر جالساً على قبره، فلما رأوني، قالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة قلت: أتعلمون عندكم يوم الجمعة؟ قالوا: نعم نعلم ما تقول الطير فيه. قلت: وما تقول الطير؟ قالوا: تقول: سلام سلام من يوم صالح

(قال الذهبي) إسنادها صحيح(2)

3/ الحافظ محمد بن المنكدر (130ه):

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:

وقال مصعب بن عبد الله حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي قال: كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه، فكان يصيبه ،صمات فكان يقوم كما هو حتى يضع خده على قبر النبي ثم يرجع. فعوتب في ذلك، فقال: إنه يصيبني خطر، فإذ وجدت ذلك،

ص: 56


1- سنن الدارمي / ج 1 / باب ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته / ص 56/ ح 93
2- سير أعلام النبلاء / ج 5 / مطرف بن عبد الله / ص 198

استعنت بقبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم(1)

ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق(2).

4/ الإمام محمد بن إدريس الشافعي (204ه) (إمام الشافعية)

قال الخطيب البغدادي في تاريخه: «أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري قال أنبأنا عمر بن إبراهيم قال نبأنا علي بن ميمون قال سمعت الشافعي :يقول اني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى»(3).

وقال السبكي في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل ما نصه:

«قال الربيع بن سليمان إن الشافعي رضى الله عنه خرج إلى مصر فقال لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به وسلمه إلى أبي عبد الله وائتني بالجواب.

قال الربيع فدخلت بغداد.. سلمت إليه الكتاب وقلت هذا كتاب أخيك الشافعي .. فقلت له أيش فيه أبا عبد الله فقال يذكر فيه أنه رأى النبي في النوم فقال له اكتب إلى أبي عبد الله فاقرأ عليه السلام وقل له إنك ستمتحن وتدعي إلى خلق القرآن فلا تجبهم فيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة.

قال الربيع : فقلت له البشارة يا أبا عبد الله، فخلع أحمد قميصه الذي يلي جلده فأعطانيه فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى الشافعي رضي الله عنه فقال

ص: 57


1- سير أعلام النبلاء / ج 5 / محمد بن المنكدر / ص 159
2- تاريخ دمشق / ج 56 / محمد بن المنكدر / ص 50
3- تاریخ بغداد / ج 1 / باب ما ذكر في مقابر بغداد/ ص 101

أيش الذى أعطاك فقلت قميصه فقال الشافعي ليس نفجعك به ولكن بُلَّه وادفع إلي الماء لأتبرك به»(1).

5/ الإمام أحمد بن حنبل (241ه) (إمام الحنابلة)

1/ الإمام أحمد يجيز التوسل بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم

وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْسَكِ المروذي التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم فِي الدُّعاءِ وَنَهَى عَنْهُ آخَرُونَ(2)

2/ الإمام أحمد يتشفى بشعرة النبي و قلعته صلى الله عليه و آله وسلم.

قال الذهبي في السير ومن آدابه قال عبدالله بن أحمد رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه و آله وسلم فيضعها على فيه يقبلها .وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به.

ورأيته أخذ قصعة النبي صلى الله عليه و آله وسلم فغسلها في حب الماء، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه.

3/ الإمام أحمد يقول بأن المطر ينزل بذكر أحد الأموات الصالحين (وهو صفوان بن سليم):

قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال في ترجمة صفوان بن سليم المدني:

وقال أبو عبد الله الأردبيلي: سمعت أبا بكر بن أبي الخصيب يقول: ذُكر صفوان بن سليم عند أحمد بن حنبل فقال: هذا رجل يستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره.

ص: 58


1- تاريخ دمشق - لإبن عساكر /ج 5/ أحمد بن محمد بن حنبل/ ص 312
2- مجموع فتاوی ابن تيمية / ج 1 / كتاب توحيد الألوهية/ ص 212
6/ الإمام الحافظ عبد الله بن عبد العزيز الدارمي صاحب (سنن الدارمي) (255ه)

(15 باب ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته)(1)

7/ الحافظ إبراهيم الحربي ( 285ه) :

لقد إشتهرت مقولة إبراهيم الحربي في معروف الكرخي، حتى صار ذكر معروف الكرخي في كتب التراجم يستلزم مقولة الحافظ ابراهيم الحربي:

وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق المجرب(2).

وذكرها أيضا ابن عساكر وابن الجوزي في صفوة الصفوة والخطيب البغدادي في تاریخ بغداد(3).

8/ إمام الأئمة الحافظ أبو بكر بن خزيمة (311 ه)

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : «وقال الحاكم (صاحب المستدرك) في تاريخ نيسابور : سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس قال فرأيت مشائخنا من تعظيمه يعني بن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا»(4)

9/ الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان المعروف (بابن حبان) (354ه)

ص: 59


1- سنن الدارمي / ج 1/ باب (15) ما أكرم الله تعالى نبيه ../ ص 56
2- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 8/ معروف الكرخي / ص 216
3- تاریخ بغداد/ ج 1/ باب ما ذكر في مقابر بغداد/ ص 100
4- تهذيب التهذيب - لإبن حجر العسقلاني / ج 5/ علي بن موسى بن جعفر عليه السلام علیهما السلام/ ص 339

قال ابن حبان في كتابه الثقات:

«ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين وقبره بسنا باذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مرارا كثيرة وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا أستجيب لي وزالت عني عني تلك الشدة وهذا شيء جربته مرارا فوجدته كذلك أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته الله عليه وعليهم أجمعين»(1).

10/ الحافظ أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة ( 360ه)
11/ الحافظ (أبو الشيخ عبد الله بن محمد الحباني الاصبهاني (369ه)
12/ الحافظ ابن المقرئ أبو بكر ، محمد بن إبراهيم الأصبهاني (381ه)

قام الحافظ ابن المقرئ بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم على علم ممن كان معه في ذلك الموقف وهما كل من الحافظ الطبراني والحافظ ابي الشيخ ولم يستنكرا ما فعله ابن المقرئ من إستغاثة بالنبي صلى الله عليه و آله وسلم.

قال الذهبي: وروي عن أبي بكر بن أبي علي قال كان ابن المقرئ يقول: كنت أنا والطبراني، وأبو الشيخ بالمدينة، فضاق بنا الوقت، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرت القبر، وقلت يا رسول الله الجوع فقال لي الطبراني: اجلس، فإما أن يكون الرزق أو الموت.

فقمت أنا وأبو ،الشيخ، فحضر الباب ،علوي ففتحنا له، فإذا معه غلامان بقفتين فيهما شيء كثير، وقال: شكوتموني إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم؟ رأيته في النوم، فأمرني بحمل شئ

عليه واله

ص: 60


1- ثقات ابن حبان/ ج 5 /كتاب من روى عن أتباع التابعين / ص 325

إليكم(1).

13/ القاضي الفقيه أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي ( 450 ه)

قال الماوردي في كيفية زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم :

«فَصْلٌ: فَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ فَمَأْمُورٌ بِهَا وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي، وَحُكِيَ عَنِ العُنْبِيٌّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ فَأَتَى أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله وَجَدْتُ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا» [النِّسَاءِ : 64] ، وَقَدْ جِئْتُكَ تَائِبًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالقَاعِ أَعْظُمُهُ***فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ القَاعُ وَالأَكَمُ

نَفْسِي الفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ***فِيهِ العَفَافُ وَفِيهِ الجُودُ وَالكَرَمُ

قَالَ العُتبِيُّ : فَغَفَوْتُ غَفْوَةً فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: يَا عُتْبِيُّ الحَقِ الأَعْرَابِيَّ، وَأَخْبِرْهُ بأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَهُ»(2)

14/ الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 ه)

روى الخطيب البغدادي في كتابه (الجامع للأخلاق) توسّلاً بالأنبياء في باب دعاء لحفظ القرآن والحديث:

عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال :«من أراد أن يؤتيه الله حفظ القرآن وحفظ

ص: 61


1- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 12 /ابن المقرئ /ص 452
2- الحاوى الكبير الماوردي/ ج 4 / كتاب الحج/ باب دخول مكة/ فصل زيارة قبر النبي/ ص 215

العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف بعسل ثم يغسله بماء مطر يأخذه قبل أن يقع إلى الأرض، ثم يشربه على الريق ثلاثة أيام فإنه يحفظ بإذن الله : اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك، أسألك بحق محمد رسولك ونبيك، وإبراهيم خليلك وصفيك، وموسى كليمك ونجيك وعيسى كلمتك وروحك ..(1).

15/ الحافظ الفقيه أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي المالكي (474ه).

قال الباجي في باب فضائل النبي صلى الله عليه و آله وسلم

ذكر العتبي قال كنت عند حجر النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فجاء أعرابي، فقال:

السلام عليك يا نبي الله «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا»وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي.. القصة.(2)

16/ الحافظ أبو شجاع شيرويه الديلمي (509 ه)

نقل الحافظ الذهبي قول الحافظ شيرويه في عدة من الحفاظ والمحدثين :

1/ قوله في المحدث أبي بكر بن لال.

قال شيرويه كان ثقة، أوحد زمانه مفتي البلد وله مصنفات في علوم الحديث

غير أنه كان مشهورا بالفقه. قال ورأيت له كتاب «السنن»، و «معجم الصحابة»، ما رأيت أحسن منه، والدعاء عند قبره مستجاب(3).

ص: 62


1- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع - للخطيب البغدادي/ باب دعاء لحفظ القرآن وأصناف العلوم / ج 5/ ص 66
2- سنن الصالحين - لأبي الوليد الباجي / باب فضائل النبي صلى الله عليه و آله وسلم/ ص 143
3- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 13 /ابن لال احمد بن علي الهمذاني / ص 37

2/ قوله في الحافظ أبي بكر محمد بن ابراهيم الأردستاني.

قال شيرويه كان ثقة يحسن هذا الشأن سمعت عدة يقولون: ما من رجل له حاجة من أمر الدنيا والآخرة يزور قبره ويدعو إلا استجاب الله له.

قال : وجربت أنا ذلك(1)

17/ الإمام الحافظ ابو الفرج ابن الجوزي الحنبلي (597ه) .

لقد أفرد ابن الجوزي في كتابه (الوفا باحوال المصطفى) باباً في الاستسقاء بقبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم مستشهدا بما قالته أم المؤمنين عائشة وسعيد بن المسيب والحافظ أبو بكر المنقري(2)

18/ فخر الدين الرازي محمد بن ضياء الدين الشافعي (604 ه)

ذكر الفخر الرازي في تفسيره كيف يقوم الأموات بإرشاد الأحياء وحل مشاكلهم: إن هذه الأرواح الشريفة العالية لا يبعد أن يكون فيها ما يكون لقوتها وشرفها يظهر منها آثار في أحوال هذا العالم فهي «فَالْمُدَبَرَاتِ أَمْرًا» أليس أن الإنسان قد يرى أستاذه في المنام ويسأله عن مشكلة فيرشده إليها؟ أليس أن الابن قد يرى أباه في المنام فيهديه إلى كنز مدفون ؟(3)

19/ محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي (616 ه)

ذكر السامري في كيفية زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم هذا التوسل بالنبي:

وإذا قدم مدينة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم استحب له أن يغتسل لدخوله ثم يأتي مسجد رسول

ص: 63


1- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 13/ محمد بن ابراهيم الاردستاني / ص 276
2- الوفا بأحوال المصطفى - لإبن الجوزي / الباب (39) الاستسقاء بقبره صلى الله عليه و آله وسلم/ ص 817
3- تفسير الرازي / ج 16/ سورة النازعات/ الآيات من (1- 5) ص 29

الله صلى الله عليه و آله وسلم ويقدم رجله اليمنى في الدخول ثم يأتي حائط القبر فيقف ناحيته ويجعل القبر تلقاء وجهه والقبلة خلف ظهره والمنبر عن يساره ثم ذكر كيفية السلام والدعاء وأطال ومنه اللهم أنك قلت في كتابك لنبيك عليه الصلاة والسلام «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ» الآية وأني قد أتيتك مستغفرا فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حال حياته اللهم إني أتوجه إليك بنبيك..(1)

20/ موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (620ه)

وكذلك ذكر ابن قدامة في كيفية زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم :

ثُمَّ تَأْتِي القَبْرَ فَتُوَلِّي ظَهْرَكَ القِبْلَةَ، وَتَسْتَقْبِلُ وَسَطَهُ، وَتَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ... اللهُمَّ إِنَّكَ قُلْت وَقَوْلُكَ الحَقُّ :«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» .

وَقَدْ أَتَيْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي، مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّي، فَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّ أَن تُوجِبَ لي الْمَغْفِرَةَ، كَمَا أَوْجَبْتِهَا لَمَنْ أَتَاهُ فِي... (2)

21/ الحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي (634 ه)

ألفّ الحافظ الكلاعي كتاباً في الاستغاثة ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون:

مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام لأبي الربيع: سليمان بن موسى الكلاعي المتوفى : سنة 634 .. (3)

وقال الذهبي في السير :

ص: 64


1- المستوعب - للسمري / ج 1 /باب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه و آله وسلم/ ص 535
2- المغني - لإبن قدامة / ج 5/ كتاب الحج / ما يستحب في زيارة مسجده و قبره / ص 214
3- كشف الظنون - حاجي خليفة / ج 3 /حرف الميم /ص 276/ رقم 12538

حدثنا عنه عالم من الجلة، سمعت أبا الربيع بن سالم يقول: صادف وقت وفاته قحط، فلما وضعت جنازته توسّلوا به إلى الله فسقوا ، وما اختلف الناس إلى قبره مدة الاسبوع إلا في الوحل(1).

22/ الامام الحافظ ابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن الشهروزي (643 ه)

قال ابن الصلاح في معرض كلامه عن معجزات النبي صلى الله عليه و آله وسلم :

«لقد انتدب بعض العلماء لاستقصائها فجمع منها ألف معجزة وعددناه مقصرا إذ فوق ذلك بأضعاف لا تحصى فإنها ليست محصورة على ما وجد منها في عصره صلى الله عليه و آله وسلم، بل لم تزل تتجدد بعده صلى الله عليه و آله وسلم على تعاقب العصور وذلك أن كرامات الأولياء من أمته وإجابات المتوسلین به في حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له صلى الله عليه و آله وسلم قواطع ومعجزات له سواطع ولا يعدها عد ولا يحصرها حد أعاذنا الله من الزيغ عن ملته وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته(2).

23/ الحافظ المؤرخ زكي الدين المنذري عبد العظيم بن عبد القوي (656 ه)

قال الحافظ المنذري في وصف آثار القاضي ابن درباس بانه شفاء للمرضى، كما

ذكره الذهبي في السير :

روى عنه الحافظ زكي الدين ،المنذري وقال: كان مشهورا بالصلاح والغزو، وطلب العلم، يتبرك بآثاره للمرضى(3)

24/ كمال الدين ابن العديم عمر بن أحمد بن هبة الله ( 660 ه)

ص: 65


1- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 15 / الحجري / ص 252
2- أدب المفتي والمستفتي - ابن الصلاح/ ج 1 /ص 210
3- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 16 / ابن درباس/ ص 39

أفرد ابن العديم في كتابه (بغية الطلب) باباً يقول فيه بأن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء:

(باب في ذكر ما بحلب وأعمالها من المزارات وقبور الأنبياء والأولياء والمواطن الشريفة التي بها مظان إجابة الدعاء)(1).

25/ المفسر محمد بن أحمد الانصاري القرطبي صاحب التفسير (671ه)

توسّل القرطبي بالنبي وأهل بيته، فقد قال في تفسيره:

وقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «وددت أنا لو رأينا إخواننا ...». الحديث. فجعلنا إخوانه، إن اتقينا الله واقتفينا آثاره حشرنا الله في زمرته ولا حاد بنا عن طريقته وملته بحق محمد وآله(2)

26/ الإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، (676 ه)

ذكر النووي في كيفية زيارة النبي قصة الأعرابي مستحسنا قولها عند قبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم:

ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال» كنت جالسا عند قبر رسول الله فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا»

ص: 66


1- بغية الطلب في تاريخ حلب - لإبن العديم ج 1 / أعمال حلب / باب ذكر حلب وأعمالها من المزارات.. ص 129
2- تفسير القرطبي / ج 8 /سورة براءة/ الآية: 101 /ص 184

وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي»(1)

27/ قاضي القضاة شمس الدین ابن خلكان الشافعي (681ه).

قال ابن خلكان في ترجمة عماد الدين زنكي:

«وسمعت من جماعة من أهل دمشق يقولون : إن الدعاء عند قبره مستجاب، ولقد جربت ذلك فصح» (2).

ووصف قبر القاضي الفقيه بكار بن قتيبة :

«وقبره مشهور هناك عند مصلى بني مسكين على الطريق تحت الكوم بينه وبين الطريق المذكور معروف باستجابة الدعاء عنده» (3).

28/ شمس الدين عبد الرحمن بن محمد ابن قدامة (682ه)

قال ابن قدامة في زيارة قبر النبي:

ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة وتستقبل وسطه وتقول: السلام عليك أيها ورحمة الله وبركاته .. اللهم انك قلت وقولك الحق «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ...(4)

29/ الحافظ شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (748ه)

ص: 67


1- المجموع شرح المهذب - النووي / ج 9 / كتاب الحج / باب صفة الحج والعمرة / ص 213
2- وفيات الأعيان - لإبن خلكان/ 715 - الملك العادل نور الدين / ج 5 / ص 187
3- وفيات الأعيان - لإبن خلكان/ 116 - القاضي بكار بن قتيبة / ج 1 /ص 280
4- الشرح الكبير / ج /3 كتاب الحج / فصل في زيارة النبي / ص 495

قال الذهبي في وصف قبر الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد الهمذاني في سير أعلام النبلاء:

مولده سنة ثلاث وثلاثمائة ومات لثمان بقين من شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ويستجاب الدعاء عند قبره. صلّى عليه أبو بكر بن ،لال، فبلغنا أنه قال : كنا نترك الذنوب من خشية الله، وثلثي ذلك حياء من هذا الشيخ رحمه الله(1).

وقال أيضا في ذكر ركن السنة أبي الحسن علي بن حميد إمام جامع همدان:

روى عن: أبي بكر بن لال، وابن تركان، وأحمد بن محمد البصير.. وكان ورعا، تقيا، محتشما، يُتبرك بقبره (2).

30/ الإمام العلامة تقي الدين علي بن عبد الشافي السبكي (756ه)

قال السبكي رادا على ابن تيمية الحراني في كتابه شفاء السقام:

اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين... وأقول (السبكي) : إنّ التوسل بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم جائز في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته، مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة (3). (3)

31/ سعد الدين التفتازاني مسعود بن عمر (793ه)

ذكر التفتازاني في شرح المقاصد كيف ينتفع الحي بالاستغاثة بالميت:

الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية

ص: 68


1- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 12 / صالح بن أحمد الهمذاني /ص 531
2- سير أعلام النبلاء - للذهبي / ج 13/ علي بن حميد الذهلي / ص 495
3- شفاء السقام في زيارة خير الأنام - للسبكي / التوسل و الاستعانة / ص 121

و اطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء سيما الذين كان بينهم وبين الميت تفارق في الدنيا ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات واستدفاع الملمات فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا ما بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها فإذا زار الحي تلك التربة وتوجهت تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقاة وإفاضات..(1)

32/ الفقيه ابن مفلح إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني (803ه)

ذكر ابن مفلح جواز التوسل بالصالحين:

وَيَجُوزُ التَّوَسُّلُ بِصَالِحٍ، وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِي: إِنَّهُ يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ فِي دُعائِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَهَا شَيْخُنَا كَمَسْأَلَةِ اليَمِينِ به..(2)

33/ الإمام تقي الدين أبو بكر بن محمد الحصني (829ه):

قال الحصني في كتابه (دفع شبه من شبّه وتمرد) :

والمراد أن الاستغاثة بالنبي واللواذ بقبره مع الاستغاثة به كثير على اختلاف الحاجات، وقد عقد الأئمة لذلك باباً، وقالوا : إن استغاثة من لاذ بقبره وشكا إليه فقره وضره توجب كشف ذلك الضر بإذن الله تعالى (3).

34/ الحافظ أبو الطيب محمد بن أحمد المكي الفاسي (832 ه)

توسل الحافظ أبو الطيب الفاسي بالنبي وآله في كتابه:

ص: 69


1- شرح المقاصد - للتفتازاني / ج 2 / ص 43
2- الفروع لابن مفلح / ج 3 باب صلاة الاستسقاء / ص 152
3- دفع شبه من شبه و تمرد / ص89

وأسال الله أن يوفقني في ذلك للسداد وأن يسعفني ومن أصلح فيه خللا نيل المراد بمحمد سيد المرسلين وآله وصحبه الأكرمين(1).

35/ الحافظ شمس الدين ابن الجزري محمد بن محمد (833 ه)

توسّل الحافظ ابن الجزري بالإمام الشافعي بقوله:

قلت ولد سنة خمسين ومائة بغزة وقيل بعسقلان ثم حمل إلى مكة وهو ابن سنتين وتوفّي بمصر سنة أربع ومائتين وذلك من ليلة الجمعة بعد المغرب آخر ليلة من رجب ودفن يوم الجمعة بعد العصر وقبره بقرافة مصر مشهور والدعاء عنده مستجاب ولما زرته قلت

زرت الإمام الشافعي***لأن ذلك نافعي

لأنال منه شفاعة***أكرم به من شافع.(2)

36/ الفقيه شهاب الدين أبو العباس الرملي الشافعي (844 ه).

(سُئِلَ) عَمَّا يَقَعُ مِنْ العَامَّةِ مِنْ قَوْهِمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ يَا شَيْخُ فُلَانٌ يَا رَسُولَ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الاِسْتِغَاثَةِ بالأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالأَوْلِيَاءِ وَالعُلَماءِ وَالصَّالِحِينَ فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ أَمْ لَا وَهَلْ لِلرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالمَشايخ إِغَاثَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَمَاذَا يُرَجِّحُ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الاِسْتِغَاثَةَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالأَوْلِيَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ جَائِزَةُ وَلِلرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إِغَاثَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِمْ؛ لِأَنَّ مُعْجِزَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ لَا تَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمْ. أَمَّا الأَنْبِيَاءُ فَلانَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ وَيَحجُّونَ كَما

ص: 70


1- ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد / المقدمة / ج 1 / ص 33
2- غاية النهاية في طبقات القراء - ابن الجزري / ج 2 / باب الميم / ص 87

وَرَدَتْ بِهِ الأَخْبَارُ وَتَكُونُ الإغَاثَةُ مِنْهُمْ مُعْجِزَةً لَهُمْ(1)

37/ ابن الضياء المكي الحنفي ( 854 ه) شيخ الأحناف بالحجاز في عصره

قال في كيفية زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم:

ونحن وفدُك يا رسول الله وأضيافك، جئنا إلى جنابك الكريم من بلاد شاسعة وأماكن بعيدة، نقصد بذلك قضاء حقك علينا، والنظر إلى مآثرك، والتيمن بزيارتك، والتبرك بالسلام عليك، والاستشفاع بك إلى ربنا عز وجل، فإن خطايانا قد قصمت ظهورنا، وأوزارنا قد أثقلت كواهلنا، وأنت الشافع المشفع، وقد قال الله تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوابَا رَحِيمًا» . وقد جئناك يا رسول الله ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا، فاشفع لنا إلى ربنا ..(2)

38/ الكمال بن الهمام الحنفي (861 ه).

قال في فتح القدير في باب زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم:

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ الله، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خِيرَةِ الله مِنْ جَميع خَلْقِهِ...

وَيَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ مُتَوَسِّلًا إلى الله بِحَضْرَةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .. ثُمَّ يَسْأَلُ النَّبِيَّ الشَّفَاعَةَ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ الله أَسْأَلُكَ الشَّفَاعَةَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ الشَّفَاعَةَ وَأَتَوَسَّلُ بِك إلى الله فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِكَ وَسُنَّتِك، وَيَذْكُرُ كُلَّ مَا كَانَ

ص: 71


1- فتاوى الرملي / ج 6 / مسائل شتى / تفضيل البشر على الملائكة / ص 274
2- تاريخ مكة المشرفة - لإبن الضياء / الباب الثاني : في تاريخ المدينة .. / كيفية زيارته صلى الله عليه و آله وسلم/ ص 176

مِنْ قَبِيل..(1)

39/ الإمام الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902 ه)

قال السخاوي في خاتمة كتابه فتح المغيث:

وأفضل الصلوات والسلام على النبي المخبر عن الله عز و جل بالوحي وغيره ولا ينطق عن الهوى سيدنا محمد سيد الأنام كلهم ووسيلتنا وسندنا وذخرنا في الشدائد والنوازل تسليما كثيرا آمين آمين آمين .(2)

40/ الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر (911 ه)

توسّل الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه (الاتقان):

وقد شرعت في تفسير جامع الجميع ما يحتاج إليه من التفاسير المنقولة والأقوال المقولة والاستنباطات والإشارات والأعاريب واللغات ونكت البلاغة ومحاسن البدائع وغير ذلك بحيث لا يحتاج معه إلى غيره أصلا وسميته ب_(مجمع البحرين ومطلع البدرين) وهو الذي جعلت هذا الكتاب مقدمة له والله أسأل أن يعين على إكماله بمحمد وآله .(3)

40/ العلامة أحمد بن محمد القسطلاني - صاحب (ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري) (923ه)

قال في كتابه المواهب اللدنية: وينبغي للزائر أن يكثر من الدعاء والتضرع

ص: 72


1- فتح القدير / ج 3 / كتاب الحج / في زيارة النبي / ص 169
2- فتح المغيث - السخاوي / ج 3/ أوطان الرواة وبلدانهم / ص 401
3- الإتقان - للسيوطي / ج 2 / النوع الثمانون - طبقات المفسرين / ص 593

والإستغاثة والتشفّع والتوسل به صلى الله عليه و آله وسلم، فجدير بمن استشفع به أن يشفّعه الله تعالى فيه . (1)

41/ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري) (926 ه)

قال الأنصاري في ما يفعله الزائر عند زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم:

ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه ثم يستقبل القبلة ويدعو بما شاء لنفسه وللمسلمين .(2)

42/ الخطيب الشربيني محمد بن أحمد الشافعي (977 ه)

قال الخطيب الشربيني في الإقناع:

يسن دخول البيت والصلاة فيه والشرب من ماء زمزم وزيارة قبر النبي ولو لغير حاج ومعتمر وسن لمن قصد المدينة الشريفة لزيارته أن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه فإذا دخل المسجد قصد الروضة وهي بين قبره ومنبره وصلى تحية المسجد بجانب المنبر ثم وقف مستدبراً القبلة مستقبلاً رأس القبر الشريف ويبعد عنه نحو أربعة أذرع فارغ القلب من علق الدنيا ويسلم بلا رفع صوت وأقله السلام عليك يا رسول الله ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر ثم يتأخر قدر ذراع فيسلم على عمر رضي الله تعالى عنهما ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به.(3)

43/ الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي (997 ه) صاحب (الصواعق المحرقة) .

قال الحافظ ابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم:

ص: 73


1- المواهب اللدنية - للقسطلاني / ج 4 / فصل زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم/ ص 593
2- فتح الوهاب - لزكريا الانصاري / ج 1 / زيارة قبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم/ ص 257
3- الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع / ج 1 / كتاب الحج / فصل محرمات الإحرام / ص 417

من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله وصار بها بين أهل الإسلام مثلة أنه أنكر الاستغاثة والتوسل به صلى الله عليه و آله وسلم، وليس ذلك كما افترى بل التوسل به حسن في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في الدنيا والآخرة.

فمما يدل لطلب التوسل به قبل خلقه وأن ذلك هو سِيرَةُ السلف الصالحِ الأنبياءِ والأولياءِ.

وقال أيضا: لا يقال لفظ التوجه والاستغاثة يُوْهِمُ أن المتوجَّهَ وَالْمُسْتَغَاثَ به أعلى من المتوجّه والمستغاثِ إليه؛ لأن التوجه من الجاه وهو علو المنزلة، وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى جاها منه، والاستغاثة طلب الغوث والمستغيث يطلب من أن يحصل له الغوث من غيره ؛ وإن كان ذلك الغير أعلى منه .

فالتوجه والاستغاثة به صلى الله عليه و آله وسلم وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يَقْصُدُ بهما أحدٌ منهم سواه، فمن لم ينشرح صدره لذلك فليبك على نفسه، نسأل الله العافية.

والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى، والنبي صلى الله عليه و آله وسلم واسطة بينه وبين المستغيث، فهو سبحانه مستغاث به، والغوث منه خلقا وإيجادا، والنبي مستغاث والغوث منه تسببا وكسبا ومستغاث به.(1)

44/ البهوتى منصور بن يونس الحنبلي (1051 ه) : شيخ الحنابلة بمصر في عصره. قوله في زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم

اللهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الحَقُّ «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» وَقَدْ أَتَيْتُكَ

ص: 74


1- الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف المكرم / جواز التوسل / ص 148 - 151

مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّكَ فَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّ أَنْ تُوجِبَ لِي المَغْفِرَةَ كَما أَوْجَبْتَهَا لَمَنْ آتَاهُ فِي حَيَاتِهِ.(1)

45/ حسن الشرنبلالي المصري الحنفي (1069ه)

قال في مراقي الفلاح في زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم :

يا رسول الله نحن وَفدك وزوار حرمك تشرفنا بالحلول بين يديك وقد جئناك من بلاد شاسعة وأمكنة بعيدة... والاستشفاع بك إلى ربنا فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا والأوزار قد أثقلت كواهلنا.. وقد قال الله تعالى «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا» وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا فاشفع لنا إلى ربك واسأله أن يميتنا على سنتك وأن يحشرنا في زمرتك وأن يوردنا حوضك وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا ندامى الشفاعة الشفاعة الشفاعة يا رسول الله ..(2)

46/ الفقيه شيخ زادة عبد الرحمن بن محمد الحنفي (1078ه)

قال الشيخ زادة في زيارة النبي صلى الله عليه و آله وسلم:

ثُمَّ يَنْهَضُ فَيَتَوَجَّهُ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ وَيَدْنُو مِنْهُ.. وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ الله.. ثُمَّ يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ، وَأَعْظَمُ الْحَاجَاتِ سُؤَالَ حُسْنِ الخَاتِمَةِ وَطَلَبُ المَغْفِرَةِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله أَسْأَلُكَ الشَّفَاعَةَ الكُبْرَى وَأَتَوَسَّلُ بِكَ إلى الله تَعَالَى فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِكَ وَسُنتِكَ وَأَنْ أَحْشَرَ في زُمْرَةِ عِبَادِ

ص: 75


1- كشاف القناع عن متن الإقناع / ج 2 / كتاب الحج / فصل اذا فرغ من الحج../ ص 599
2- مراقي الفلاح / ج 1 / كتاب الحج / فصل في زيارة النبي / ص 273

الله الصَّالِحِينَ ...(1)

47/ المحدث إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي العجلوني الدمشقي (1162 ه).

إستشهد العجلوني بهذه الأبيات بقوله : ومما يناسب إيراده هنا ما نسب لبعضهم:

قرب الرحيل إلى ديار الآخرة***فاجعل إلهي خير عمري آخره

یا رب فارحمني بجاه المصطفى***كنز الوجود وذي الهبات الباهرة

وبخير خلقك لم أزل متوسلا***ذي المعجزات وذي العلوم الفاخرة.(2)

48/ سليمان الجمل سليمان بن عمر بن منصور الأزهري الشافعي (1204ه)

عند شرحه لهذه العبارة (قَوْلُهُ: وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ) :

قالَ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ العُتبِيَّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ فَجَاءَ أَعْرَابِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهُ سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا» ، وَقَدْ جِئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّي ..

49/ مصطفى بن سعد السيوطي ( 1243ه) كان مفتي الحنابلة بدمشق.

اللهُمَّ إِنَّكَ قُلْت وَقَوْلُك الحَقُّ «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» وَقَدْ أَتَيْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّ فَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّ أَنْ تُوجِبَ لِي الْمَغْفِرَةَ كَمَا أَوْجَبْتَهَا مَنْ أَتَاهُ فِي حَيَاتِهِ.(3)

ص: 76


1- مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر / ج 1/ كتاب الحج/ الخاتمة / ص 464
2- کشف الخفاء / ج 2 / حرف الطاء المهملة / ص 43
3- مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى / كتاب الحج / فصل قبر النبي / ص 369
50/ محمد أمين الشهير بابن عابدين (1252ه) إمام الحنفية في عصره.

توسّل ابن عابدين في كتابه (حاشية رد المحتار) في الصفحة (4):

جمعت بتوفيق الإله مسائل رقاق الحواشي مثل دمع المتيم

وما ضر شمسا أشرقت في علوها*** جحود حسود وهو عن نورها عمي

وإني أسأله تعالى متوسلا إليه بنبيه المكرم وبأهل طاعته من كل ذي مقام علي معظم وبقدوتنا الامام الاعظم، أن يسهل علي ذلك من إنعامه..(1)

وفي الصفحة (84) توسل أيضا بالنبي بقوله:

وكذا يقول أسير الذنوب جامع هذه الأوراق راجيا من مولاه الكريم، متوسّلا بنبيه العظيم وبكل ذي جاه عنده تعالى أن يمن عليه كرما وفضلا بقبول هذا السعي والنفع له للعباد..(2)

51/ أبو بكر بن محمد شطا الدمياطي البكري (المتوفى : بعد 1302ه)

قال في اعانة الطالبين: ثم بعد زيارة الشيخين يذهب للسلام على السيدة فاطمة رضي الله عنها في بيتها الذي داخل المقصورة للقول بأنها مدفونة هناك، والراجح أنها في البقيع فيقول : السلام عليك يا بنت المصطفى السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا خامسة أهل الكساء السلام عليك يا زوجة سيدنا علي المرتضى السلام عليك يا أم الحسن والحسين السيدين الشابين شباب أهل الجنة في الجنة، رضي الله عنك أحسن

الرضا. ويتوسل بها إلى أبيها .( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجهه الشريف، فيقول: الحمد لله رب العالمين.

ص: 77


1- حاشية رد المحتار - لإبن عابدين / ج 1 / المقدمة / ص 4
2- حاشية رد المحتار - لإبن عابدين/ ج 1 / المقدمة / ص 84

اللهم صلّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد.

السلام عليك يا سيدي يا رسول الله إن الله تعالى أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه:«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا» وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي..(1)

ص: 78


1- حاشية إعانة الطالبين - البكري / ج 2 / باب الحج / ص 357

الدليل الثامن

اشارة

ما كتبه علماء السنة في الرد على منكري التوسل

لقد بينا في الدليل السابق بأن العلماء لم يخصصوا كتاباً مستقلاً بالتوسل والاستغاثة بالنبي قبل القرن الثامن وقبل ظهور فتوى ابن تيمية إلا ما كتبه الحافظ الكلاعي في كتابه (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام)

وبعد إنتشار فتوى ابن تيمية في القرن الثامن قام الإمام العلامة السبكي بتأليف كتاب فيه الرد على ابن تيمية اسمه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام).

ولقد أجاد السبكي بالرد على ابن تيمية مما جعل العلماء بعده يكتفون بهذا الرد خصوصاً بعد موت ابن تيمية وانحسار أتباعه وهنا ننقل آراء العلماء بهذا الكتاب وإكتفاءهم به.

1/ الإمام المحدث الفقيه ولي الدين أبو زرعة العراقي الشافعي .

قال في كتابه طرح التثريب: (وَلِلشَّيْخ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ هُنَا كَلَامٌ بَشِعٌ عَجِيبٌ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ شَدَّ الرَّحْل لِلزِّيَارَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ القُرْب بَلْ بضِدٌ ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي شِفَاءِ السَّقَامِ فَشَفَى صُدُورَ المُؤْمِنِينَ) .(1)

2/ الإمام صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي الشافعي (764ه)

ص: 79


1- طرح التثريب - أبو زرعة العراقي / ج /6 / كتاب الصيد / باب النذر / فائدة نذر إتيان مسجد النبي / ص 201

قال في كتابه الوافي بالوفيات (وكتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام) ردا عليه - أي: ابن تيمية - أيضا في إنكاره سفر الزيارة، وقرأته عليه بالقاهرة سنة سبع وثلاثين وسبع مائة من أوله إلى آخره، وكتبت عليه طبقة جاء مما فيها نظماً من المتقارب:

لقول ابن تيمية زخرف***أتى في زيارة خير الأنام

فجاءت نفوس الورى تشتكي***إلى خير حبر وأزكى إمام

فصنّف هذا وداواهم*** كان يقيناً شفاء السقام».(1)

3/ الإمام المحدث الفقيه جلال الدين السيوطي (911ه).

فقد قال في كتابه حسن المحاضرة عند ترجمته للإمام تقي الدين السبكي: «وله من المصنفات الجليلة الفائقة التي حقها أن تكتب بماء الذهب، لما فيها من النفائس البديعة، والتدقيقات النفيسة، منها ... شفاء السقام في زيارة خير الأنام» .(2)

واستقر حال المسلمين بعد موت ابن تيمية إلى أن جاء محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر وأعاد الفتنة من جديد وتبنى فكر ابن تيمية وتطبيقه، فكانت ردّة فعل العلماء هذه المرة حسب قوة الحدث الذي أحدثه ابن عبد الوهاب، فألفت كتب كثيرة ترد أفكاره وبدعه وأول هذه الكتب كان من أخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب.

1) الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية للشيخ سليمان بن عبد الوهاب شقيق محمد بن عبد الوهاب.

2) الردّ على محمد بن عبد الوهاب لمحمد بن سليمان الكردي الشافعي، أستاذ ابن عبد الوهاب وشيخه. ذكر ذلك ابن مرزوق الشافعي،وقال:« وتفرس فيه شيخه أنه

ص: 80


1- الوافي بالوفيات - للصفدي / ج 21 / ص 167
2- حسن المحاضرة في أخبار مصر و القاهرة - السيوطي / ج 1 / ذكر من كان في مصر ص 364

ضال مضل كما تفرس فيه ذلك شيخه محمد حياة السندي ووالده عبد الوهاب».

3) الأجوبة النجدية عن الأسئلة النجدية : لأبي العون شمس الدين محمد بن أحمد بن سالم المعروف بابن السفاريني النابلسي، الحنبلي، المتوفى سنة 1117 ه.

4) الأجوبة النعمانية عن الأسئلة الهندية في العقائد: لنعمان بن محمود خير الدين الشهير بابن الآلوسي البغدادي الحنفي المتوفّى سنة 1317 ه.

5) إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد للحافظ أحمد بن الصديق الغماري (1380ه).

6) الأصول الأربعة في ترديد الوهّابية لمحمد حسن صاحب السرهندي، المجددي (1346 ه).

7) إظهار العقوق ممن منع التوسل بالنبي والولي الصدوق للشيخ المشرفي المالكي الجزائري.

8) الأقوال المرضية في الردّ على الوهّابية: عطا الكسم الدمشقي الحنفي.

9) الانتصار للأولياء الأبرار للشيخ المحدث طاهر سنبل الحنفي. رد فيه مؤلفه على تطاول الوهابية على الاولياء ومقامهم.

10) الأوراق البغدادية في الجوابات النجدية للشيخ إبراهيم الراوي البغدادي، الرفاعي، رئيس الطريقة الرفاعية ببغداد.

11) البراءة من الاختلاف في الرد على أهل الشقاق والنفاق والرد على الفرقة الوهابية الضالة : للشيخ علي زين العابدين السوداني.

12) البراهين الساطعة في رد بعض البدع الشائعة للشيخ سلامة العزامي المتوفى : سنة 1379ه.

ص: 81

13) البصائر لمنكري التوسل بأهل المقابر لحمد الله الداجوي الحنفي الهندي.

14) تبرك الصحابة بآثار رسول الله لمحمد طاهر بن عبد القادر الكردي.

15) التحريرات الرائقة للشيخ محمد النافلاتي الحنفي مفتي القدس الشريف 1315ه.

16) تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء : للشيخ عبد الله بن إبراهيم الميرغني الحنفي، الساكن بالطائف.

17) التحفة الوهبية في الردّ على الوهابية : للشيخ داود بن سليمان البغدادي، النقشبندي الحنفي (299ه).

18) تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد للشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي من علماء الأزهر.

19) تقييد حول التعلق والتوسل بالأنبياء والصالحين: قاضي الجماعة في المغرب ابن كيران.

(20) التوسّل : للمفتي محمد عبد القيوم القادري الهزاروي.

21) التوسل بالنبي والصالحين لأبي حامد بن مرزوق الدمشقي الشامي.

22) التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق على محمد بن عبد الوهاب : لعبد الله أفندي الراوي

23) جلال الحق في كشف أحوال أشرار الخلق للشيخ إبراهيم حلمي القادري الاسكندري.

24) الجوابات في الزيارة لابن عبد الرزاق الحنبلي.

25) الحقائق الإسلامية في الردّ على المزاعم الوهّابية بأدلة الكتاب والسنة النبوية:

ص: 82

لمالك ابن الشيخ محمود.

26) الحق المبين في الردّ على الوهابيين : للشيخ أحمد سعيد الفاروقي السرهندي النقشبندي (1277 ه).

27) الحقيقة الإسلامية في الردّ على الوهابية : لعبد الغني بن صالح حمادة.

28) الدرر السنية في الردّ على الوهابية للسيد أحمد بن زيني دحلان. مفتي مكة : الشافعي (1304ه).

29) الدليل الكافي في الرد على الوهابي للشيخ مصباح بن أحمد شبقلو البيروتي.

30) الردّ على ابن عبد الوهاب لشيخ الإسلام بتونس إسماعيل التميمي المالكي (1248ه).

31) ردّ على ابن عبد الوهاب للشيخ أحمد المصري الأحسائي.

32) ردّ على ابن عبد الوهاب للعلامة بركات الشافعي، الأحمدي، المكي.

33) الرد على الوهّابية للشيخ صالح الكواش التونسي، وهي رسالة نقض بها رسالة لابن عبد الوهاب.

34) الرد على الوهابية للشيخ محمد صالح الزمزمي الشافعي، إمام مقام إبراهيم بمكة المكرمة.

35) الردّ على الوهّابية : لإبراهيم بن عبد القادر الطرابلسي الرياحي التونسي المالكي (1266ه).

36) الردّ على الوهّابية: لعبد المحسن الأشيقري الحنبلي، مفتي مدينة الزبير بالبصرة.

37) الردّ على الوهّابية للشيخ المخدوم المهدي مفتي فاس.

ص: 83

38) الردّ على الوهّابية لأبي حفص عمر المحجوب.

39) الردّ على الوهّابية : لقاضي الجماعة في المغرب ابن كيزان.

40) الردّ على محمد بن عبد الوهاب: للشيخ عبد الله القدومي الحنبلي النابلسي، عالم الحنابلة بالحجاز والشام (1331ه) . رد عليه في مسألة الزيارة ومسألة التوسل بالأنبياء والصالحين، وقال: إنه مع مقلديه من الخوارج، وقد ذكر ذلك في رسالته «الرحلة الحجازية والرياض الأنسية في الحوادث والمسائل».

41) رسالة في تأييد مذهب الصوفية والرد على المعترضين عليهم للشيخ سلامة العزامي (1379ه).

42) رسالة في تصرف الأولياء: للشيخ يوسف الدجوي.

43) رسالة في جواز التوسل في الردّ على محمد بن عبد الوهاب: للعلامة مفتي فاس الشيخ مهدي الوازناني.

44) رسالة في جواز الاستغاثة والتوسل : للسيد يوسف البطاح الأهدل الزبيدي نزيل مكة المكرمة. أورد فيها أقوال العلماء من المذاهب الأربعة ثم قال: «ولا عبرة بمن شدَّ عن السواد الأعظم وخالف الجمهور وفارق الجماعة فهو من المبتدعة».

45) رسالة في حكم التوسل بالأنبياء والأولياء : للشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي المصري وكيل الجامع الأزهر.

46) رسالة في الردّ على الوهّابية للشيخ قاسم أبي الفضل المحجوب المالكي.

47) الرسالة الردّية على الطائفة الوهابية : لمحمّد عطاء الله المعروف بعطا الرومي من كوزل حصار.

48) رسالة في مشاجرة بين أهل مكة وأهل نجد في العقيدة: للشيخ محمد بن ناصر

ص: 84

الحازمي اليمني (1283ه).

49) الرسالة المرضية في الردّ على من ينكر الزيارة المحمدية: لمحمد السعدي المالكي.

50) روض المجال في الرد على أهل الضلال للشيخ عبد الرحمن الهندي الدلهي الحنفي.

51) سبيل النجاة من بدعة أهل الزيغ والضلالة للقاضي عبد الرحمن قوتي.

52) سعادة الدارين في الردّ على الفرقتين الوهابية، ومقلّدة الظاهرية: لإبراهيم بن عثمان بن محمّد السمنودي المنصوري المصري.

53) سناء الإسلام في أعلام الأنام بعقائد أهل البيت الكرام ردّا على عبد العزيز النجدي فيما ارتكبه من الأوهام لإسماعيل بن أحمد الزبدي.

54) السيف الباتر لعنق المنكر على اكابر للسيد علوي بن أحمد الحداد (1222ه).

55) السيوف المشرقية لقطع أعناق القائلين بالجهة والجسمية: لعلي بن محمد الميلي الجمالي التونسي المغربي المالكي.

56) شرح الرسالة الردية على طائفة الوهابية: للشيخ محمد عطاء الله بن محمد بن اسحاق شيخ الإسلام الرومي (1226ه).

57) الصارم الهندي في عنق النجدي للشيخ عطاء المكي.

58) صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عشر في إثبات أن الوهابية من الخوارج للشريف عبد الله بن حسن باشا بن فضل باشا العلوي الحسيني الحجازي، أمير ظفار.

59) صلح الإخوان في الردّ على من قال على المسلمين بالشرك والكفران في الردّ على الوهابية لتكفيرهم المسلمين . للشيخ داود بن سليمان النقشبندي البغدادي الحنفي،

ص: 85

(1299ه).

60) الصواعق والرعود: للشيخ عفيف الدين عبد الله بن داود الحنبلي.

61) ضياء الصدور لمنكر التوسل بأهل القبور ظاهر شاه میان بن عبد العظيم میان.

62) عقد نفيس في ردّ شبهات الوهابي التعيس : الإسماعيل أبي الفداء التميمي التونسي، الفقيه المؤرخ.

63) غوث العباد ببيان الرشاد للشيخ مصطفى الحمامي المصري. 64 فصل الخطاب في ردّ ضلالات ابن عبد الوهاب: لأحمد بن علي البصري، الشهير بالقبّاني الشافعي

65) الفيوضات الوهبية في الرد على الطائفة الوهّابية : لأبي العباس أحمد بن عبد السلام البناني المغربي.

66) محق التقوّل في مسألة التوسل : للشيخ محمد زاهد الكوثري.

67) المدارج السنيّة في ردّ الوهابية: للشيخ عامر القادري.

68) مصباح الأنام وجلاء الظلام في ردّ شبه البدعي النجدي التي أضل بها العوام: للسيد علوي بن أحمد الحداد (1222 ه).

ص: 86

الباب الثَّامِنَ

اشارة

حَقِيقَةُ الصَحَابَةَ

في الكتاب والسنة

ص: 87

ص: 88

تعريف الصحابي

لغةَ:

قال ابن منظور : (صحب) صَحِبَه يَصْحَبُه صُحْبة بالضم وصحابة بالفتح وصاحبه عاشره والصَّحب جمع الصاحب مثل راكب وركب والأَصْحاب جماعة الصَّحْب... والصاحب المعاشر .(1)

اصطلاحاً:

قال أحمد بن حنبل (241ه): أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كل من صحبه شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه .(2)

وقال البخاري (256ه) : ومَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ البخاري كتاب المناقب / بَاب فَضَائِل أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم / ص 665 أَوْ رَآهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُو مِنْ أصحابه» . (3)

وقال ابن الأثير :(630ه) : وأصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على ما شرطوه كثيرون؛ فإن رسول الله شهد حنيناً ومعه اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمون فاستنفذوا حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناساً، وكذلك المدينة أيضاً، وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين ؛ فهؤلاء كلهم صحبة ..(4)

ص: 89


1- لسان العرب / ج 7 / الصاد ص 286
2- أسد الغابة / مقدمة المؤلف / فصل .. من يطلق عليه لفظ الصحبة / ج 1 / ص 120
3- البخاري كتاب المناقب / بَاب فَضَائِل أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم / ص 665
4- أسد الغابة / مقدمة المؤلف / فصل .. من يطلق عليه لفظ الصحبة / ج 1 / ص 119

و قال النووي (676ه) : اختلف في الصحابي على مذهبين الصحيح الذي قاله

المحدثون والمحققون من غيرهم: «أنه كل مسلم رأى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ولو ساعة» وبهذا صرح البخاري في صحيحه والباقون، وسواء جالسه أم لا.(1)

و قال ابن حجر (852ه) في مقدمة الإصابة: «الصحابي من لقي النبي صلی الله علیه و آله و سلم مؤمنا به ومات على الإسلام»، فيدخل في من لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض کالعمی.(2)

وقد أكد ابن حجر ما ذهب إليه البخاري في صحيحه، أن من رأى النبي صلی الله علیه و آله و سلم فهو داخل ضمن عنوان الصحابي فقال ابن حجر في فتح الباري: قَوْله : «وَمَنْ صَحِبَ النبي صلی الله علیه و آله و سلم أَوْ رَآهُ مِنْ المُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابه، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ هُوَ الرَّاجح، إِلَّا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطَ فِي الرَّائِي أَنْ يَكُون بِحَيْثُ يُمَيِّز مَا رَآهُ أَوْ يكتفي بِمُجَرَّدِ حُصُول الرُّؤْيَة؟ محلّ نَظَر، وَعَمَل مَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَة يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مِثْلَ مُحَمَّد بن أبي بكر الصِّدِّيقِ، وَإِنَّما وُلِدَ قَبْل وَفَاة النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَيَّام...

وَالَّذِي جزم به الْبُخَارِيّ هُو قَوْل أَحْمد وَالجُمْهُورِ مِنْ المُحَدِّثِينَ وَقَوْل الْبُخَارِيّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِهِ مَنْ صَحِبَهُ أَوْ مَنْ رَآهُ مِنْ الْكُفَّار .. وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيف مَنْ صَحِبَهُ أَوْ رَآهُ مُؤْمِنًا بِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَام فَإِنَّهُ لَيْسَ صَحَابِيًّا إِتَّفَاقًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَاد فِيهِ " وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ».(3)

ص: 90


1- تهذيب الأسماء واللغات - للنووي / ج 2 / فصل في المواضع / ص 419
2- الإصابة في تمييز الصحابة / الفصل الأول في تعريف الصحابي / ج 1/ ص 19
3- فتح الباري لابن حجر / كتاب فضائل أصحاب النبي باب فضائل أصحاب ../ ج 7/ ص 4

ونلاحظ أن ابن حجر يدخل من ارتد من المسلمين ثم عادو إلى الإسلام في صحابة النبي صلی الله علیه و آله و سلم أمثال الأشعث بن قيس، وربيعة بن أمية، وشبث بن ربعي وغيرهم وسار على هذا النهج كل من كتب في الصحابة من علماء السنة فكانوا يعدون هؤلاء المرتدين وغيرهم ضمن صحابة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم العدول حسب نظرية عدالة الصحابة، كما سوف نوضحه في موضوع من ارتد من الصحابة.

وقبل الدخول في البحث والذي سوف نستعرض فيه الشبهة الرئيسية في الموضوع وهي نظرية عدالة الصحابة، نتناول كلمة الصحبة في القرآن وفي السنة وفي نظر الصحابة أنفسهم.

ص: 91

ص: 92

الصحبة في القرآن الكريم

اشارة

ورود الصحبة في القرآن الكريم على عدة وجوه:

أولاً :الصحبة بين مؤمن ومؤمن:

(بين النبي موسى علیه السلام مع العبد الصالح الخضر علیه السلام)

قال الله تعالى : «قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي».. (1)

ثانياً: الصحبة بين مؤمن و كافر:

(بين النبي صلی الله علیه و آله و سلم وقومه الكافرين) و(بين النبي يوسف علیه السلام وصاحبيه الكافرين في السجن)

قال تعالى: «أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ».(2)

قال تعالى: «يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ».(3)

ثالثاً: الصحبة بين كافر وكافر:

(بين قوم النبي صالح علیه السلام الكافرين وعاقر الناقة)

قال تعالى:«فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ».(4)

رابعاً: الصحبة بين الزوج والزوجة:

قال تعالى ( في وصف الزوجة بأنها صاحبة )

ص: 93


1- سورة الكهف /آية - 76
2- سورة الأعراف / آية - 184
3- سورة يوسف / آية - 39
4- سورة القمر/ آية – 29

«يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ»«وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ»«وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ».(1)

«يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ»«وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ».(2)

نلاحظ بعد استعراض هذه الآيات الكريمة أن القرآن الكريم استعمل لفظة (الصحبة) للمؤمن والكافر على حد سواء، بل إن أكثر من صاحب النبي نوح والنبي لوط عليهما السلام هما زوجاتهما وهما في النار كما صرح بذلك القرآن الكريم.

قال تعالى :«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ».(3)

فعليه لا تكون للصحبة امتياز تعصم صاحبها من دخول النار إذا كانت أعماله سيئة، بل الأعمال الصالحة هي العاصمة والثابتة لعدالة الشخص.

ص: 94


1- سورة عبس / آيات (34-36)
2- سورة المعارج / آيات (11، 12)
3- سورة التحريم / آية – 10

الصحبة عند النبي صلی الله علیه و آله و سلم

اشارة

لقد وردت لفظة (الصحبة) في السنة النبوية في أنواع من الصحابة.

أولاً : تطلق على المخلصين.

أما الصحابة المخلصين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فالأحاديث بذكرهم كثيرة جدا ولا حاجة لذكرهم لاتفاق المسلمين على عدالتهم.

ثانياً: تطلق على المنافقين

1- روى مسلم : عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ قُلْنَا لِعَمَّارٍ أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ أَرَأيًا رَأَيْتُمُوهُ فَإِنَّ الرَّأْيَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ أَوْ عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه و آله و سلم فَقَالَ مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه و آله و سلم شَيْئًا لَمْ يَعْهَدُهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ إِنَّ فِي أُمَّتِي. قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسِبُهُ قَالَ حَدَّثَنِي حُذَيْفَةُ وَقَالَ غُنْدَرٌ أَرَاهُ قَالَ فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا «وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» : وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ» ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ مِنْ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْنَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ. (1)

2- روى أحمد: عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَجْرٌ بِمَكَّةَ قَالَ لَتَأْتِيَنَكُمْ أُجُورُكُمْ.. قَالَ فَأَصْغَى إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَرَأْسِهِ فَقَالَ إِنَّ فِي أَصْحَابِي مُنَافِقِينَ.(2)

ص: 95


1- صحیح مسلم / كتاب صفات المنافقين / ص 1165 / ح 2773
2- مسند أحمد مسند المدنيين / حديث جبير بن مطعم / ج 4 / ص 103[83] / ح 16769

3- روى البخاري: جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ.. فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ... فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ فَقَالَ فَعَلُوهَا أَمَا وَالله لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المُدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلی الله علیه و آله و سلم فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُق هَذَا المُنافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله و سلم دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ...(1)

4 - ورواه مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله : "... قَالَ عُمَرُ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا المنافِقِ فَقَالَ (أي النبي صلی الله علیه و آله و سلم) دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنْ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.(2)

نلاحظ في هذه الأحاديث أن رسول الله الا الله يُصرح بأن ضمن أصحابه منافقين، ويصف المنافق عبد الله بن أبي بن أبي سلول بالصحابي ، فوجب علينا دراسة الصحابة لكي نميز بين الصالحين والمنافقين منهم.

ثالثاً: تطلق على المفسدين الذين استحقوا نار جهنم.

1- روى البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ ثم إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ أَلَا إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤخَذُ بهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِ فَيُقَالُ لَا تَدْري مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ كَما قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ» فَيُقَالُ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ». (3)

2 - وروى البخاري : عَنْ أَبِي وَائِلِ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى

ص: 96


1- البخاري كتاب التفسير / سورة المنافقين / باب : / ص 917/ ح 4905
2- صحيح مسلم / كتاب البر والصلة والآداب / باب : 16 / ح 63 (2584)
3- صحيح البخاري / كتاب التفسير / سورة الأنبياء :باب: 1 / ص 871 / ح 4740

الحَوْضِ ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأُنَا وِهُمُ اخْتُلِجُوا دونِي فَأَقُولُ أَي رَبِّ أَصْحَابِي يَقُولُ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ».(1)

3- روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَلَا نَازِعَنَّ أَقْوَامًا ثُمَّ لَأَغْلَبَنَّ عَلَيْهِمْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ».(2)

4 - وروى مسلم عن إياس حدثني أبي قال: عدنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم رجلاً موعوكاً قال فوضعت يدي عليه فقلت والله ما رأيت كاليوم رجلاً أشد حراً فقال نبي صلى الله عليه و آله وسلم ألا أخبركم بأشد حراً منه يوم القيامة؟ هذينك الرجلين الراكبين المقفيين لرجلين حينئذ من أصحابه.(3)

5- وروى الترمذي: «وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنْ الْخَلَائِقِ إِبْرَاهِيمُ وَيُؤْخَذُ مِنْ أَصْحَابِي برِجَالِ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ».(4)

4- وروى أحمد: عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَلَأُنَازَعَنَّ أَقْوَامًا ثُمَّ لَأَغْلَبَنَّ عَلَيْهِمْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ».(5)

5- وروى مالك بن أنس : عَنْ مَالِك عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ

ص: 97


1- صحيح البخاري / كتاب الفتن :باب 1 / ص 1281 / ح 7049
2- صحيح مسلم / كتاب الفضائل / باب: 9/ ح 32 (2297)
3- صحیح مسلم / كتاب صفات المنافقين / ص 1166 / ح 2783
4- سنن الترمذي / كتاب صفة القيامة.. / ج 3 / ص 344 / ح 2423
5- مسند أحمد / مسند ابن مسعود / ج 1 ص 500 / ح 3638

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ هَؤُلَاءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ أَلَسْنَا يَا رَسُولَ اللهِ بِإِخْوَانِهِمْ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَلَى وَلَكِنْ لَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ قَالَ أَيْنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ.(1)

و مما تقدم من روايات يتبين أن هؤلاء النفر كانوا في الظاهر على خير في عهد رسول صلى الله عليه و آله وسلم ولكنهم أحدثوا المعاصي بعده فاستحقوا دخول النار دون أن تعصمهم تلك الصحبة من النار.

ص: 98


1- الموطأ / كتاب الجهاد باب الشهداء في سبيل الله (14) / ص 301/ ح 32 (991)

الصحبة عند الصحابة

1- شهادة الصحابي البراء بن عازب

فهذا الصحابي يفند نظرية عدالة الصحابي بقوله وشهادته بما أحدثه صحابه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بعده، ويؤكد قول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بأن الصحابة سوف يحدثون بعده بأمور.

روى البخاري : عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما فَقُلْتُ طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ.(1)

2- شهادة ثلاثين صحابي على أنفسهم:

بأنهم يخافون من النفاق، وهذا يكشف عدم صحة هذه النظرية، إذ لو كانت النظرية صحيحة لما خاف هؤلاء الصحابة من النفاق لأنهم لن يتأثروا بالنفاق.

روى البخاري: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ..(2)

3- شهادة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

أوصيت عائشة بأن تدفن مع النساء وليس مع النبي بسبب أمور أحدثتها بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله وسلم و إن من أبرز ما ارتكبته هو قيامها بقيادة معركة الجمل التي راح ضحيتها

ص: 99


1- صحيح البخاري / كتاب المغازي باب غزوة الحديبية / ص 756/ ح 4170
2- صحيح البخاري / كتاب الإيمان باب خوف المؤمن ../ ص 24 / ح مقدمة الباب

آلاف المسلمين.

روى ابن أبي شيبة: قالت عائشة لما حضرتها الوفاة ادفنوني مع أزواج النبي صلى الله عليه و آله وسلم فإني كنت أحدث بعده .(1)

4- شهادة الصحابي أبي بكرة : قول الصحابي أبي بكرة بأن من قتل في معركة الجمل هو في النار وقوله يشمل حتى الصحابة، منهم الزبير بن العوام وطلحة وابنه وغيرهم من الصحابة.

أ- روى البخاري: عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ [ أي الإمام علي علیه السلام] فَلَقِيَنِي أَبو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْها فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ». قُلْتُ يَا رَسُولَ الله هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمُقْتُولِ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» .(2)

ب- ورواه مسلم : عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيد يَا أَحْنَفُ قَالَ قُلْتُ أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمَّ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَعْنِي عَلِيًّا قَالَ فَقَالَ لِي يَا أَحْنَفُ ارْجِعْ (الحديث)..... (3)

ج- وروى مسلم عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة قال: قال را رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :

«إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النا» .(4)

ح- وروى مسلم : عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ إِذَا الْمُسْلِمَانِ حَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَخِيهِ السَّلَاحَ فَهُمَا عَلَى جُرْفِ جَهَنَّمَ فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ دَخَلَاهَا

ص: 100


1- مصنف ابن أبي شيبة / كتاب الجنائز باب 151 / ص 35 / ح 11856
2- صحيح البخاري / كتاب الديات / باب: 2/ ص 1246 / ح 6875
3- صحیح مسلم / كتاب الفتن وأشراط الساعة / باب: 4 / ص 1201 / ح 14 (2888)
4- صحيح مسلم / كتاب الفتن وأشراط الساعة / باب: 4 /ص 1201 / ح 15 (2888)

جَمِيعًا».(1)

5- شهادة الصحابي أنس بن مالك:

طلب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من الأنصار أن يصبروا بعده لما سوف يلاقون، فيصف أنس موقفهم الذي كانوا عليه بعد الرسول بأنهم لم يصبروا.

روى البخاري: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله وسلم مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنْ الإِبِلِ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ... فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدِ بِكُفْرِ أَتَأَلَفُهُمْ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ فَوَ اللَّهُ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قَالُوا يَا رَسُولَ الله قَدْ رَضِينَا فَقَالَ هُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه و آله وسلم فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ» قَالَ أَنَسٌ فَلَمْ يَصْبِرُوا.(2)

6 - شهادة عمرو بن العاص على صحبته لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

هنا يشهد عمرو بن العاص بأنه ترك أوامر حتّهم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عليها وجاء بما نهاهم عنه وهذا ظاهر في معركة صفين بحث دخل عمرو بن العاص ضمن الفئة الضالة ضد أمير المؤمنين علي علیه السلام.

روی أحمد: عن أَبي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبِ قَالَ: جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا هَذَا الْجُزَعُ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ قَالَ أَيْ بُنَيَّ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَسَأَخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ إِنِّي

ص: 101


1- صحیح مسلم / كتاب الفتن وأشراط الساعة / باب: 4/ ص 1201 / ح 16 (2888)
2- صحيح البخاري / كتاب المغازي / باب غزوة الطائف / ص 779 /ح 4331

وَاللَّهُ مَا أَدْرِي أَحُبًّا ذَلِكَ كَانَ أَمْ تَأَلْفًا يَتَأَلَّفُنِي (يتألفه) : أي كان رسول الله يستميل عمرو بن العاص إلى الإسلام رغم إعلان ابن العاص لإسلامه من قبل وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَينْ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحبهما ابْنُ سُمَيَّةَ وَابْنُ أَمْ عَبْدِ فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ وَقَالَ اللهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ حَتَّى مات. (1)

7- شهادة الصحابي ابن عباس : أن ليس كل من صاحب الرسول هو عدل عند عبد الله بن عباس بل العكس، فالصحابي السيء يصفه ابن عباس بالنعل ...!!

روى البزار : عن ابن عباس قال : يقول أحدهم أبي صحب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وكان مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و لَنعل خَلِقٌ خير من أبيه .(2)

وقال الهيثمي بعد ذكر الحديث رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .(3)

فهذه الأحاديث تكشف واقع الصحابة بأنهم ينظرون إلى صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم غير مانعة لهم من المنكرات والنفاق، فكانوا يحذرون الأعمال التي تؤدي إلى النفاق، وهذه الأعمال كثيرة جدا، وهناك أعمال تؤدي إلى النفاق سوف نبحثها وأهمها بغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وأيضا بغض الأنصار.

ص: 102


1- مسند أحمد/ مسند الشاميين - عمرو بن العاص / ج 4 / ص 245 / ح 17798
2- مسند البزار/ مسند ابن عباس / حديث المكيين عنه / ص 377/ ح 5068
3- مجمع الزوائد / كتاب الإيمان / ج 1 / باب 28 / ص 148 /ح 435

نظرية عدالة الصحابة

النظرية : هي إن كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه و آله وسلم ولو ساعة تثبت له العدالة ولا يجوز لأحد الانتقاص منه.

قال أبو زرعة الرازي (264ه) : «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فاعلم أنه زنديق».

وقال ابن حزم (456ه) : «الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً».

وقال الخطيب البغدادي (463ه) : «إن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن».

وقال ابن حجر العسقلاني ( 852ه) : اتفق أهل السُنّة على أنّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة» وقال أيضاً في مقدمة الإصابة »عن علي بن أبي زرعة الرازي قال : توفي النبي صلى الله عليه و آله وسلم، ومن رآه، وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة.....(1)

واستدلوا على هذه النظرية بآيات أشهرها :

1- «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ».(2)

ص: 103


1- الإصابة في تمييز الصحابة / المقدمة / ج 1 / ص 18
2- سورة آل عمران/ آية 110

2- «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ».(1)

3- «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ».(2)

نكتفي بأوضح ما استشهدوا به من الآيات في هذه الشبهة، وأما الأحاديث الموضوعة في عدالة الصحابة وفضائلهم فهي كثيرة جداً، فنتناول ذكر أغربها وأعجبها في البحث الخاص بمعاوية بن أبي سفيان (حقيقة معاوية بن أبي سفيان).

أولاً : الرد الخاص على هذه الآيات الثلاثة.

الآية الأولى:

قوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»

إن هذه الآية متقومة بشرطها، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن لم يأمر بالمعروف فقد خرج من هذه الأمة، وهذا ما أكده الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية حيث قال: «فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح لهم كما قال قتادة بَلَغَنَا أن عمر بن الخطاب في حجة حجها رأى من الناس شرعة فقرأ هذه الآية: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» ثم قال: من سره أن يكون من تلك الأمة فَلْيودّ شَرط الله فيها . رواه ابن جرير.»(3)

قال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ...»«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ

ص: 104


1- سورة الفتح / آية 18
2- سورة التوبة / آية 100
3- تفسير ابن كثير / سورة آل عمران / الآية - 110/ ج 2 /ص 75

جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا...»«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».(1)

فهذه الآية تبين أن المفلحين هم الذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فلا وجه للاستدلال بعدالة الصحابة كلهم حتى من أمر بالمنكر مثل الصحابي معاوية بن أبي سفيان الأموي.

حيث قاتل خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام وخرق أعظم نظرية عند المسلمين وهي خلافة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بالشورى وجعلها وراثة لآل أمية .

فضلا عن كونه كان يأتي بالمنكرات وعلى رؤوس الأشهاد.

فقد روى أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ دَخَلْتُ أَنا وَأَبِي عَلَى مُعاوِيَةَ.. ثُمَّ أُتِينَا بِالطَّعامِ فَأَكَلْنَا ثُمَّ أُتِينَا بِالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ نَاوَلَ أَبِي ثُمَّ قَالَ مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم...(2)

فمن المستحيل أن تشمل هذه الآية الكريمة أمثال هؤلاء الذين يفعلون المنكر ويدعون الناس إلى فعل نفس ذلك المنكر، وسوف نستعرض كل الصحابة الذين أتوا بمثل هذه المنكرات، ومن أقيم عليه الحد منهم.

الآية الثانية :

قوله تعالى: «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» فهذه الآية تشترط تمام البيعة فمن نكث البيعة لا يدخل فيمن رضي الله عنهم حيث يقول تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُتُ عَلَى

ص: 105


1- سورة آل عمران/ 102 - 104
2- مسند أحمد مسند الأنصار / بريدة / ج 5 / ص 407 / ح 23005

نَفْسِهِ».(1)وغزوة حنين كافية لكشف الذين نكثوا البيعة. فهذا هو البراء بن عازب لا يشهد إلا لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بعدم الفرار كما جاء في البخاري.

روى البخاري: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ

يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْس بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ

أنا النَّبِيُّ لَا كَذِب***أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ.(2)

وروى مسلم [قال] إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم حُنَيْنًا فَلَمَّا وَاجَهُنَا .. وَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ فَإِذَا هُمْ قَدْ طَلَعُوا مِنْ ثَنِيَّةٍ أُخْرَى فَالْتَقَوْا هُمْ وَصَحَابَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم فَوَلَّى صَحَابَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَرْجِعُ مُنْهَزِمًا ...(3)

الآية الثالثة

قوله تعالى: «وَالسَبِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ»

فهي تتحدث عن السابقين الأولين، وليست لكل الصحابة، وأكثر ما قيل بالسابقين الأولين أنهم (أهل بيعة الرضوان)، وهم بدورهم لا يتجاوز عددهم (1400) كما ذكر البخاري في صحيحه(4)، وقال أبو زرعة الرازي «توفي النبي صلى الله عليه و آله وسلم، ومن رآه، وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة» فلا نعلم كيف يستشهد بهذه الآية لكل الصحابة .! !

ص: 106


1- سورة الفتح/ آية 10
2- صحيح البخاري / كتاب المغازي باب 56 /ص 776 / ح 4315
3- صحيح مسلم / كتاب الجهاد والسير / باب غزوة حنين / ص 767 / ح 1777
4- صحيح البخاري / كتاب المغازي / باب: غزوة الحديبية / ص 754/ ح 4151

ثانياً : آيات قرآنية تنفي نظرية عدالة الصحابة.

إن ميزان عدالة الصحابي هو الإيمان والتقوى والعمل الصالح وليست مجرد رؤية النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وهذه الآيات القرآنية الآتية ترد جميع ما وضعه القوم من أحاديث في عدالة الصحابة.

الآية الأولى: قال تعالى:«قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ»

قال الطبري في تفسيره : يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرني به من عبادته، مخلصاً له الطاعة، ومُفرِدَه بالربوبية . «عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» : يعني عذاب يوم القيامة، ذلك هو اليوم الذي يعظم هوله .(1)

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لا يأمن العذاب إذا عصى ربه، فكيف بمن يعمل المنكرات أن يأمن من عذاب الآخرة، فكيف يأمن معاوية وعقبة وسمرة والمغيرة والأشعث وغيرهم بما احتطبوه على ظهورهم من معاص ومنكرات عظام، فتأتي نظرية عدالة الصحابة وتحصنهم من دخول نار جهنم ..!!

الآية الثانية: قال تعالى:«يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا»(سورة الأحزاب / آية 30)

نرى في هذه الآية كيف يضاعف العذاب لنساء النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وهن الأقرب لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من يرى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقط، فكيف بمن يأتي بالفواحش من الصحابة يقال بأنه يدخل إلى الجنة بلا حساب ويدافع عنه وكأنه معصوم من دخول النار، فهل نساء النبي الله صلى الله عليه و آله وسلم إستثناهنّ الله من هذه العصمة..!!

ص: 107


1- تفسير الطبري / ج 10 /ص 623 / سورة الزمر - آية 13

الآية الثالثة: قال تعالى:«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»(سورة الفتح / آية 29)

هذه الآية كفيلة بإسقاط نظرية عدالة الصحابة، لأنها صريحة بذكر الصحابة بقوله «وَالَّذِينَ مَعَهُ» وفيها أمران الأول : تصفهم (بالرحماء فيما بينهم) وهذه الصفة سقطت من بعض الصحابة في يوم السقيفة ويوم الجمل ويوم صفين، والأمر الثاني: الوَعْد الإلهي بالمغفرة والاجر العظيم في هذه الآية مخصص للمؤمنين الذين يعملون الصالحات وليس للذين يشربون الخمر ويقتلون النفس التي حرم الله والذين يظلمون الناس ويعملون المنكرات .

الآية الرابعة قال تعالى:«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(سورة آل عمران/ آية 104)

إذا المفلحون هم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وليس الذين يشربون الخمر ويقتلون النفس التي حرمها الله والذين يظلمون الناس ويعملون المنكرات.

الآية الخامسة : قال تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(سورة الحشر / الآية 18)

قال ابن كثير: فقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه» أمر بتقواه، وهي تشمل فعل ما به أمر، وترك ما عنه زجر. وقوله: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.

الآية السادسة : قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا

ص: 108

وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ»[الحجرات/ 15]

فأين الصحابة في معركة أحد، عندما حوصر النبي صلى الله عليه و آله وسلم بين المشركين

روى الطبري: انتهى أنس بن النضر ؛ عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوابأيديهم، فقال: ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول الله ، قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا کراما، على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ثم استقبل القوم؛ فقاتل حتى قتل.(1)

وأين الصحابة يوم حنين، فقد كانوا اثنا عشر ألف رجل وثبت مع الرسول تسعة أشخاص.

روى أحمد: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ لَمَّا اسْتَقْبَلْنَا وَادِيَ حُنَيْنٍ قَالَ انْحَدَرْنَا فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَجْوَفَ حَطُوطٍ إِنَّمَا نَنْحَدِرُ فِيهِ انْحِدَارًا قَالَ وَفِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ وَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ كَمَنُوا لَنَا فِي شِعابِهِ وَفِي أَجْنَابِهِ وَمَضَايِقِهِ قَدْ أَجْمَعُوا وَتَهَيَّنُوا وَأَعَدُّوا قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رَاعَنَا وَنَحْنُ مُنْحَطُّونَ إِلَّا الْكَتَائِبُ قَدْ شَدَّتْ عَلَيْنَا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَانْهَزَمَ النَّاسُ رَاجِعِينَ فَاسْتَمَرُّوا لَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ وَانْحَازَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم ذَاتَ الْيَمِينِ ثُمَّ قَالَ إِلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَيَّ أَنَا رَسُولُ الله أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله قَالَ فَلَا شَيْءَ احْتَمَلَتْ الإِبلُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَانْطَلَقَ النَّاسُ إِلَّا أَنَّ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم رَهْطًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ غَيْرَ كَثِيرٍ وَفِيمَنْ ثَبَتْ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَابْنُهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ وأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدِ وَهُوَ ابْنُ أَمْ أَيْمَنَ وَأَسَامَةُ بْنُ زَيْدِ .(2)

ص: 109


1- تاريخ الطبري / السنة الثالثة للهجرة / ج 2 / ص 66
2- مسند أحمد / مسند جابر / ج 3 ص 376 / ح 15037

الآية السابعة : قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(سورة المنافقون / الآية 9)

لقد حذّر الله المسلمين أن يقدموا أموالهم وأولادهم على ذكر الله، فإذا بأكثرهم يتركون رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قائما على منبره في صلاة الجمعة لأجل القليل من الطعام، فبئس التجارة التي باعوا بها عبادَةَ الله .

روى البخاري: عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَتَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا».(1)

وروى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَدِمَتْ سُوَيْقَةٌ قَالَ فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا أَنَا فِيهِمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا»..(2)

ص: 110


1- صحيح البخاري / كتاب الجمعة / باب 38 / ص 174 / ح 936
2- صحيح مسلم / كتاب الجمعة :باب: 9 صلاة الجمعة / ص 333/ ح 863

هل هناك صحابة إرتكبوا المحرمات؟

يقول صاحب نظرية ( عدالة الصحابة ) الخطيب البغدادي (463 ه) : والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة : إنها اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة ...

وهنا نستعرض أفعال بعض الصحابة المستنكرة عليهم، ومع ذلك أمضى لهم الخطيب البغدادي على عدالتهم وخالف نفسه وتعريفه للعدالة، وعلى هذا التناقض أكثر علماء القوم .

فنستعرض منهم :

أولا: من قتل النفس المحرمة.

ثانيا: من شرب الخمر.

ثالثا: من أكل أموال الناس بالباطل.

رابعا: من شهد الزور.

أولاً : من قتل النفس التي حرم الله من الصحابة.

قال تعالى:«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا».(1)

ص: 111


1- سورة النساء / الآية 93

(1) الصحابي معاوية بن أبي سفيان وقتله لحجر وأصحابه.

قام الصحابي معاوية بن أبي سفيان بقتل الصحابي حجر وأصحابه صبرا وذلك بعد اعتراض حجر بن عدي على زياد بن أبي سفيان (ابن سمية) بسبب وقوعه في سب الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام في صلاة الجمعة.

قال الطبري: فجاء رسول معاوية.. فقال لهم الحجر وأصحابه]: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم.(1)

وقال ابن الأثير : وكان [حجر] من فضلاء الصحابة ... فكتب فيه زياد إلى معاوية، فأمره أن يبعث به وبأصحابه إليه، فبعث بهم مع وائل بن حجر الحضرمي، ومعه جماعة، فلما أشرف على مرج عذراء، قال: إني لأول المسلمين كبر في نواحيها، فأنزل هو وأصحابه عذراء، وهي قرية عند دمشق، فأمر معاوية بقتلهم، فشفع أصحابه في بعضهم فشفعهم، ثم قُتِل حجر وستة معه.(2)

وقال الحسن البصري : أربع خصال كُنّ في معاوية، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة .... وقتله حجراً وأصحاب حجر، فيا ويلاً له من حجر ! ويا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر ! .(3)

قال ابن عبد البر : عن مسروق بن الأجدع قال سمعت عائشة.. تقول أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجراً وأصحابه من بينهم

ص: 112


1- تاريخ الطبري سنة 51 ه/ ج 3 / ص 229
2- أسد الغابة / باب الحاء والجيم - حجر بن عدي / ج 1 /ص 679 /
3- الكامل في التاريخ / السنة الحادية والخمسين مقتل حجر / ج 3 / ص 426

حتى يقتلهم بالشام ولكن ابن آكلة الأكباد ..(1)

إن الذين قتلهم معاوية من أنصار الإمام علي علیه السلام كثيرون، ونحن اكتفينا هنا بحجر وأصحابه لشهرتها.

(2) الصحابي خالد بن الوليد وقتله للصحابي مالك بن نويرة وأصحابه.

لقد قتل الصحابي خالد بن الوليد مَنْ بيده من الأسرى مرتين، مرة في عهد رسول

الله صلی الله علیه و آله و سلم و ومرة في عهد أبي بكر ، أما التي في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم :

روى البخاري: عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله و سلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَدِيمَةَ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا . فَقَالُوا صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُل مِنَّا أَسِيرَهُ، فَأَمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ وَالله لا أَقْتُلُ أَسِيري وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ. فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم فَقَالَ ناللهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ»، مَرَّتَيْنِ.(2)

وبقيت هواية القتل وسفك الدماء عند خالد بن الوليد ملازمة له حتى بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وذلك عندما قام بقتل الأسرى من بني حنظلة، فبعد أن أكرمه مالك بن نويرة(3) وقومه عند مجيئهم لهم وصلوا معهم قام بأسرهم دون قتال، ولكن سرعان ما غدر به خالد؛ وذلك عندما أخبره مالك بقول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لهم فلم يستقبل خالد كلام

ص: 113


1- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب الحاء/ ج 1 / ص 391
2- صحيح البخاري / كتاب الأحكام / باب : 35 / ص 1302 / ح 7189
3- (الصحابي مالك بن نويرة): بن حمزة اليربوعي التميمي . قال الطبري: بعث النبي صلی الله علیه و آله و سلم مالك بن نويرة على صدقة بني يربوع وكان قد أسلم هو وأخوه متمم بن نويرة الشاعر فقتل خالد بن الوليد مالكاً يظن أنه ارتد حين وجهه أبو بكر لقتال أهل الردة واختلف فيه هل قتله مسلماً أو مرتداً؟ وأراه (والله أعلم) قتله خطأ .. [ الإستيعاب في معرفة .. / باب الميم/ ج 3 / ص 417]

مالك، فقام بقتله وقتل الأسرى من قومه، ثم زنا بزوجته وقام بتقديم الطعام الذي تم طهيه برأس مالك وقومه بعد تقطيع رؤوسهم والتمثيل بجثثهم.

روى الطبري عن محمد بن إسحاق عن طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق أن أبا بكر من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة فأمسكوا عن أهلها.. وكان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي.. وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا المسلمون فقالوا ونحن المسلمون قلنا فما بال السلاح معكم قالوا لنا فما بال السلاح معكم قلنا فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح قال فوضعوها ثم صلينا وصلوا وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال له وهو يراجعه ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا قال أو ما تعده لك صاحبا ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال عدو الله عدى على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد.. قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال أرثاء قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك ولا يكلمه خالد.. حتى دخل على أبي بكر فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه.(1)

فهل ما ذكره مالك بن نويرة لخالد بن الوليد يتعلق بالخلافة وغصب أبي بكر لها؟ لأن خالداً عندما قتل مالك سخط عليه عمر وأبو بكر، بل أراد عمر رجمه، وعندما سمع أبو بكر بمقولة مالك غفر لخالد هذه الجرائم؟ ، فهل كان هذا الكلام عن حديث الغدير؟

ص: 114


1- تاريخ الطبري / السنة الحادية عشرة / ج 2 /ص 273

(3) الصحابي عمرو بن العاص.

قال ابن الأثير : ولما ولى [محمد] مصر، سار إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا، فانهزم محمد ودخل خربةً، فأُخرج منها وقتل، وأُحرق في جوف حمار ميت. قيل: قتله معاوية بن خديج السكوني . وقيل : قتله عمرو بن العاص صبراً.(1)

(4) الصحابي عبد الله بن الزبير.

روى ابن عبد البر في الاستيعاب لما غدر ابن الزبير بعثمان بن حنيف بعد الصلح الذي كان عقده عثمان بن حنيف مع طلحة والزبير أتاه ابن الزبير ليلاً في القصر فقتل نحو أربعين رجلاً من الزط [وهم قوم من السودان أو الهند] على باب القصر وفتح بيت المال وأخذ عثمان بن حنيف ..(2)

(5) الصحابي عبيد الله بن عمر بن الخطاب.

وروى ابن وهب عن السري بن يحيى عن الحسن أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بعد أن أسلم وعفا عنه عثمان فلما ولي علي بن أبي طالب علیه السلام خشي ابن عمر على نفسه فهرب إلى معاوية فقتل بصفين .(3)

ثانياً : من شرب الخمرة من الصحابة

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ».(4)

ص: 115


1- أسد الغابة / باب: الميم / ج 5 / ص 98
2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب الحاء (حكيم بن جبلة)/ ج 1/ ص 421
3- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب: العين / ج 3 / ص 133
4- سورة المائدة / الآية 90

لعن النبي صلی الله علیه و آله و سلم الشارب الخمرة ، وقد روى الترمذي في سننه :

عن أنس بن مالك قال : لَعَنَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم في الخُمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمُحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالمُشْتَرِي لَهَا وَالمُشْتَرَاةُ له".(1)

ورواه أبو داود(2)، و أحمد(3).

1- الصحابي معاوية بن أبي سفيان (والي الشام لعمر بن الخطاب)

روی أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَسَنَا عَلَى

الْفُرُشِ ثُمَّ أُتِينَا بِالطَّعامِ فَأَكَلْنَا ثُمَّ أُتِينَا بِالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعاوِيَةُ ثُمَّ نَاوَلَ أَبِي ثُمَّ قَالَ مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم...(4)

فهكذا معاوية يلتزم بأوامر الله، وهكذا ينهى عن المنكر..!!

2- الصحابي قدامة بن مظعون ( والي البحرين لعمر بن الخطاب).

روى النسائي : عن ابن عباس أن قدامة بن مظعون شرب الخمر بالبحرين فشهد عليه ثم سئل فأقر أنه شربه ..(5)

وروى عبد الرزاق الصنعاني في المصنف:

عن أيوب بن [أبي] تميمة يقول : لم يحدَّ في الخمر أحد من أهل بدر إلا قدامة بن

ص: 116


1- سنن الترمذي / كتاب البيوع / باب 59 / ص 309/ ج 2 / ح 1295
2- سنن أبي داوود / كتاب الأشربة / - 20 - 25 - / ح 3674
3- مسند أحمد / عبد الله بن عمر / ج 2 / ص 97 /ح 5718
4- مسند أحمد / مسند الأنصار / بريدة / ج 5 / ص 407 / ح 23005
5- السنن الكبرى للنسائي / كتاب الحد في الخمر / ج 3 / ص 253 / ح 5289

مظعون.(1)

وروى أيضا عن الزهري اخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان أبوه قد شهد بدرا أن عمر رضي عمر رضي الله عنه استعمل قدامة بن مظعون على البحرين وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر فقال يا أمير المؤمنين ان قدامة شرب فسكر ...(2)

قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين (البخاري ومسلم):

بعد أن ذكر حديث البخاري «عن عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان من أكبر بني عدي وكان أبوه شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال استعمل عمر قدامة بن مظعون على البحرين وكان شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه و آله وسلم وهو خال ابن عمر وحفصة زوج النبي صلى الله عليه و آله وسلم»

قال الحميدي: لم يزد [البخاري في الحديث] وهو طرف من حديث طويل في قصة لقدامة بن مظعون اقتصر البخاري(3)على هذا القدر لحاجته إليه فيمن شهد بدراً وقد وقع لنا بتمامه بهذا الإسناد متصلاً بقوله وكان خال ابن عمر وحفصة قال فقدم الجارود من البحرين فقال يا أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكراً وإني إذا رأيت حداً من حدود الله حق علي أن أرفعه إليك فقال له عمر من يشهد على ما تقول فقال

ص: 117


1- مصنف عبد الرزاق / كتاب الاشربة / ج 9 / ص 150 / ح 17387
2- مصنف عبد الرزاق / كتاب الاشربة / ج 9 / ص 150 / ح 17388
3- هنا نرى البخاري كيف يقتطع الحديث ولا يكمله لكي يحافظ على نزاهة الصحابة، ولكن الله فضحه بمن جاؤوا بعده من الحفاظ كالحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين المتوفى (458ه) والحاكم النيسابوري صاحب المستدرك والذي روى أكثر من مائة فضيلة للإمام علي علیه السلام على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاها، فالبخاري اقتصر على ثلاث فضائل فقط، وعلق بنهاية هذه الأحاديث الثلاثة بهذه المقولة: (فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عامَّةَ مَا يُرْوَى عَلَى عَلِيٍّ الْكَذِبُ)، فأي فضائل هذه التي ينهيها بالطعن ..!!

أبو هريرة فدعا عمر أبا هريرة فقال علام تشهد يا أبا هريرة فقال لم أره حين شرب وقد رأيته سكراناً يقيء...(1)

3- الصحابي الوليد بن عقبة الأموي (والي الكوفة لعثمان).

روى البخاري: عن عُرْوَةَ أَنْ عُبَيْدَ الله بْنَ عَدِي بْنِ الْخيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَحْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْن عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ فَقَصَدْتُ لِعُثمانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ قُلْتُ إِنَّ لي إِلَيْكَ حَاجَةً وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ ... قَالَ فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ دعا عليّاً فأمره أن يجلده فجلده ثمانين .(2)

وروى مسلم عن حضين بن المنذر أبي ساسان قال : شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم ؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أن رآه يتقيأ فقال عثمان إنه لم يتقيأ حتى شربها فقال يا علي قم فاجلده . . .(3)

وروى الذهبي: عن علقمة قال : كنا في جيش بالروم، ومعنا حذيفة، وعلينا الوليد، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم، فبلغه فقال:

لأشربن وإن كانت محرمة***وأشر بن على رغم أنف من رغما...(4)

و مما يثير الإستغراب في قضية القادة والولاة للخلفاء الثلاثة أنهم كانوا يستعملون

ص: 118


1- الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم / مسند عمر / ج 1 / ص 56 / ح 64
2- صحيح البخاري / كتاب فضائل الصحابة باب : 62 /ح 3696/ ص 673
3- صحیح مسلم / کتاب الحدود / باب حد الخمر / ح 1707 / ص 734
4- تاريخ الإسلام للذهبي / الطبقة الرابعة / ج 2 / ص 237

الطلقاء والمشبوهين أمثال الوليد بن عقبة ومعاوية وأخيه يزيد بن أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم وجعلوهم أمراء يتأمرون على صحابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المخلصين من المهاجرين والأنصار الذين نصروا الإسلام على الشرك عندما كان الطلقاء هم حماة الشرك !! ، وكان هذا الفعل غير المسؤول أو (المتعمد) هو سبب الحروب التي وُجهت ضد الإمام علي علیه السلام عند تولّيه للخلافة.

4- الصحابي عبيد الله بن عمر بن الخطاب، (قائد الخيالة في صفين لمعاوية).

قال البخاري: وَقَالَ عُمَرُ وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ الله رِيحَ شَرَابٍ وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ.(1)

قال ابن حجر العسقلاني - في شرح هذا الحديث - : عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْن يَزِيد أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْت مِنْ فُلَان رِيح شَرَاب، فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَاب الطَّلَاء، وَإِنِّي سَائِل عَمَّا شَرِبَ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِر جَلَدْته. فَجَلَدَهُ عُمَر الحَد تَامَّا «وَسَنَده صَحِيح» .

5- الصحابي سمرة بن جندب، (والي البصرة لمعاوية بعد زياد).

لقد قام الصحابي سمرة بن جندب ببيع الخمرة رغم تحريم بيعها من قبل النبي صلی الله علیه و آله و سلم. !!

روى مسلم : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله و سلم قَالَ لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا.(2)

6- الصحابي عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب (أبو شحمة)

ص: 119


1- صحيح صحيح البخاري / كتاب الأشربة / باب الباذق ومن نهى عن كل مسكر / ص 1046
2- صحيح مسلم / كتاب المساقاة / باب تحريم بيع الخمر ../ ص 664 / ح 1582

قال ابن حجر عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي وهو عبد الرحمن الأوسط يُكنّى أبا شحمة .

ذكر ابن عبد البر أبا شحمة .. فقال هو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة فضربه أبوه أدب الوالد ثم مرض فمات بعد شهر كذا أخرجه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه.

وقد أخرج عبد الرزاق القصة مطولة عن معمر بالسند المذكور وهو صحيح.(1)

7- الصحابي عقبة بن الحارث القرشي النوفلي (أبو سروعة)

روى عبد الرزاق: عن سالم عن ابن عمر قال شرب أخي - عبد الرحمن بن عمر - وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث، وهما بمصر في خلافة عمر فسكرا، فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص، وهو أمير مصر، فقالا: طهرنا، فإنا قد سكرنا من شراب شربناه ..(2)

8، 9 ، 10 - الصحابي ضرار بن الخطاب و الصحابي عبد بن الأزور و الصحابي أبو جندل.

عبد الرزاق: عن ابن جريج قال أخبرت أن أبا عبيدة [ابن الجراح ] بالشام وجد أبا جندل بن سهيل بن عمرو، وضرار بن الخطاب المحاربي، وأبا الأزور، وهم من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد شربوا ..(3)

روى البيهقي : وعن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال شرب عبد بن الأزور

ص: 120


1- الإصابة في معرفة الصحابة / حرف العين عبد الرحمن / ج 4 / ص 146
2- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني / كتاب الاشربة / ج 1 /ص 144 / 17359
3- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني / كتاب الاشربة / ج 9 / ص 154 / ح 17390

وضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهيل بن عمرو بالشام فأتى بهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال أبو جندل والله ما شربتها الا على تأويل أنيي سمعت الله يقول «لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَواْ وَءَامَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ» . فكتب أبو عبيدة إلى عمر رضي الله عنه بأمرهم..(1)

11- الصحابي أبو محجن الثقفي

ذكر ابن عبد البر القرطبي : وكان شاعراً مطبوعاً كريماً إلا أنه كان منهمكاً في الشراب لا يكاد يقلع عنه ولا يردعه حد ولا لوم لائم، وكان أبو بكر الصديق يستعين به وجلده عمر بن الخطاب في الخمر مراراً ، ونفاه إلى جزيرة في البحر وبعث معه رجلاً فهرب منه ...(2)

عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر عليهم سجنوه، وأوثقوه .. (3)

12- الصحابي رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بن خلف الجمحي.

روى النسائي: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَبيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ في الخمْرِ إِلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَا أُغَرُبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا(4)

ورواه عبد الرزاق في مصنفه .(5)

ص: 121


1- السنن الكبرى للبيهقي / كتاب السير / ج 13 / ص 416 / ح 18736
2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب الميم / ج 4 / ص 309
3- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني / كتاب الأشربة / ج 9 /ص 152 / ح 17389
4- سنن النسائي / كتاب الأشربة / باب تغريب شارب الخمر / ص 801 / ح 5678
5- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني / كتاب الأشربة / ج 9 / ص 142 / ح 17353

ثالثاً : من أكل أموال المسلمين بالباطل من الصحابة.

قال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا».(1)

(1) الصحابي معاوية بن أبي سفيان

روی مسلم عن عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فنزلنا منزلا .. إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة

جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم..» فدنوت منه فقلت أنشدك الله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ...»

قال فسكت ساعة ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله.(2)

ورواه أحمد في مسنده(3)، وابن أبي شيبه في المصنف.(4)

فهكذا معاوية يلتزم بأوامر الله كعادته، وهكذا ينهى عن المنكر..!!

(2) الصحابي عبد الله بن الزبير.

قام عبد الله بن الزبير ومن الزبير ومن معه من الطلقاء بالهجوم على بيت مال البصرة وسرقته.

ص: 122


1- سورة النساء / الآية 29
2- صحیح مسلم / كتاب الإمارة باب: 10 / ص 803 / ح 1844
3- مسند الإمام أحمد / مسند عبد الله بن عمرو / ج 2 / ص 219 / ح 510
4- مصنف ابن أبي شيبة / كتاب الفتن / ج 7 / ص 446 /ح 37098

ذكر ابن عبد البر - في الإستيعاب -:

«وقد روى أنه لما غدر ابن الزبير بعثمان بن حنيف بعد الصلح الذي كان عقده عثمان بن حنيف مع طلحة والزبير أتاه ابن الزبير ليلاً في القصر فقتل نحو أربعين رجلاً من الزط [وهم قوم من السودان أو الهند] على باب القصر وفتح بيت المال وأخذ عثمان بن حنيف . . . ).(1)

(3) الصحابي عبد الله بن سعد بن أبي سرح. (والي مصر لعثمان)

قال الطبري : فأمر عبد الله بن سعد على جنده ورماه بالرجال وسرحه إلى إفريقية.. وقال لعبد الله بن سعد إن فتح الله عز و جل عليك غداً إفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين خمس الخمس من الغنيمة نفلاً .. فاقتتلوا .. وفتح إفريقية.. وقسم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند وأخذ خمس الخمس وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان !!(2)

قال تعالى:«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ»(3)، ولا نعلم أن بني أمية لهم في الخمس حصة، ولكن لا عتب على الطلقاء في تصرفاتهم ولكن العتب على الخليفة الذي جمع القرآن ولا يعمل بما جاء به من تعاليم وكأنّ الخمس له يقسمه كيف يشاء .. !!

رابعاً : شهادة الزور.

قال تعالى: «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» .(4)

ص: 123


1- الإستيعاب في معرفة الأصحاب باب: الحاء / ج 1 / ص 421
2- تاريخ الطبري / سنة سبع وعشرين/ ج 2 / ص 597
3- سورة الأنفال / الآية: 41
4- سورة الحج/ الآية: 30

(1) شهادة زور للصحابي عبد الله بن الزبير التي تسببت بمعركة الجمل.

بعد خروج عائشة للقتال يوم الجمل نبحت عليها كلاب الحوأب فقالت:

قال ابن الأثير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ! ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت: ردوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب. فأناخوا حولها يوماً وليلة، فقال لها عبد الله بن الزبير: إنه كذب، ولم يزل بها وهي تمتنع ، فقال لها النجاء النجاء قد أدرككم علي بن أبي طالب.(1)

(2) شهادة زور لنصرة معاوية ضد أمير المؤمنين علي علیه السلام.

1- الصحابي بسر بن أرطأة

2- الصحابي يزيد بن أسد القسري

3- الصحابي حابس الطائي

4- الصحابي أبو الأعور السلمي

5- الصحابي حمزة بن مالك الهمداني

قال ابن عبد البر في الإستيعاب كان شرحبيل بن السمط [أميراً] على حمص فلما قدم جرير على معاوية رسولاً من عند علي [علیه السلام] حبسه أشهراً يتحير ويتردد في أمره فقيل لمعاوية : إن جريراً قد رد بصائر أهل الشام في أن علياً ما قتل عثمان ولا بد لك من رجل يناقضه في ذلك ممن له صحبة ومنزلة ولا نعلمه إلا شرحبيل بن السمط فإنه عدو الجرير.

فاستقدمه معاوية فقدم عليه فهيأ له رجالاً يشهدون عنده أن علياً قتل عثمان منهم

ص: 124


1- الكامل في التاريخ / السنة السادسة والثلاثين / ج 3 / ص 180

بسر بن أرطأة ويزيد بن أسد جد خالد بن عبد القسري وأبو الأعور السلمي وحابس بن سعد الطائي و مخارق بن الحارث الزبيدي وحمزة بن مالك الهمداني قد واطأهم معاوية على ذلك فشهدوا عنده أن علياً قتل عثمان ...(1)

(3) أكبر شهادة زور في الإسلام والتي قتل فيها حجر وأصحابه.

شهد التاريخ أكبر شهادة زور في الإسلام وذلك عندما قام زياد بن أبيه بالقبض على حجر وأصحابه وأراد التخلص منه إلى الأبد فأمر كبار القوم في الكوفة ليشهدوا ضد حجر عند معاوية، وكان الشهود سبعة وأربعين شاهداً والصحابة من ضمنهم أربعة عشر صحابياً (14) ، كما عدّهم الطبري في تاريخه.(2)

1- الصحابي عمرو بن حريث ..

2- الصحابي خالد بن عرفطة..

3- الصحابي عامر بن مسعود بن أمية (ابن معين له صحبة).(3)

4- الصحابي عمارة بن عقبة بن أبي معيط

5- الصحابي وائل بن حجر الحضرمي..

6- الصحابي كثير بن شهاب الحارثي (والي الري لمعاوية).

7- الصحابي السائب بن الأقرع الثقفي (والي المدائن لعمر)..

8- الصحابي لبيد بن عطارد التميمي

ص: 125


1- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب حرف الشين / ج 2 / ص 211
2- تاريخ الطبري / سنة إحدى وخمسين / ج 3 / ص 226
3- الإصابة في معرفة الصحابة / حرف العين / ج 3 / ص 129

9- الصحابي الحارث بن الأزمع الهمداني..

10- الصحابي شداد بن الأزمع الهمداني (قيل له صحبة)

11- الصحابي عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي..

12- الصحابي عبيد الله بن مسلم الحضرمي.

ص: 126

من طعن بعدالتهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

أولاً:من قاتل أمير المؤمنين علیه السلام في معركة الجمل.

فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حارب عليّاً علیه السلام من أهل الجمل بما يلي:

أ- وصفهم بالمنافقين، لأن من قاتل الإمام عليّاً علیه السلام قد بلغ أعلى مراتب البغض .

روى مسلم : عَنْ زِرٍّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ إِلَيَّ أَنْ لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ .(1)

و رواه الترمذي في سننه(2)، ورواه ابن ماجة في سننه(3)، ورواه النسائي(4)، ورواه الإمام أحمد في مسنده عن الإمام علي بن أبي طالب(5)، وعن أم سلمة: تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ لِعَليَّ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ.(6)

ب- شبههم بالمشركين الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تنزيل القرآن.

روى أحمد: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وَ إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ قَالَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ خَاصِفُ النَّعْلِ وَعَلِيٌّ يَخْصِفُ

ص: 127


1- صحيح مسلم / كتاب الإيمان ./ باب الدليل على أن حب../ ص 49/ ح 78
2- سنن الترمذي / كتاب المناقب / مناقب علي / ج 4 / ص 482 / ح 3736
3- سنن ابن ماجة / المقدمة / فضل علي بن أبي طالب / ص 34 / ح 114
4- سنن النسائي / كتاب الإيمان / علامة الإيمان / ص 717 / ح 5020
5- مسند الإمام أحمد / مسند علي بن ابي طالب / ج 1 / ص 11/ح 734
6- مسند الإمام أحمد / مسند ام سلمة / ج 6 / ص 325 / ح 26563

نَعْلَهُ.(1)

و رواه الحاكم: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال أبو بكر: أنا هو قال: لا قال عمر: أنا هو قال: لا و لكن خاصف النعل عليا فاتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وقال الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.(2)

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي سعيد الخدري، وعن الإمام علي بن أبي طالب .(3)

ج- هم أهل الغدر والخيانة، الذين يبغضون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبب بغضهم لعلي علیه السلام .

1- روى الحاكم عن حيان الأسدي سمعت عليا يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الأمة ستغدر بك بعدي و أنت تعيش على ملّتي و تقتل على سنتي من أحبك أحبني و من أبغضك أبغضني.

تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح.(4)

2- وروى الحاكم عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأودي عن علي رضي الله عنه قال : إن مما عهد إلي النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده. [قال الحاكم] هذا حديث

ص: 128


1- مسند الإمام أحمد/ مسند أبي سعيد الخدري / ج 3 / ص 41/ ح 11295
2- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة / ج 3 /ص 353 / ح 4744
3- مصنف ابن أبي شيبة كتاب الفضائل / ج 6 / ص 370 / ح 32072 و 32073
4- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة / ج 3 / ص 353 / ح 4744

صحيح الإسناد و لم يخرجاه

تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح.(1)

3- ورواه البيهقي أيضا : عن أبي إدريس الأزدي، عن علي ، قال : إن مما عهد إلي..(2)

د- الناكثين لبيعة الإمام علي علیه السلام والذين يقاتلهم بعد نكثهم لها.

روى الحاكم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالشعفات قال أبو أيوب: قلت: يا رسول الله مع من تقاتل هؤلاء الأقوام قال: مع علي بن أبي طالب/(3)

و روى الطبراني: عَنْ مِحْنَفِ بن سُلَيْمٍ، قَالَ : أَتَيْنَا أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ.. فَقُلْتُ لَهُ: أَبا أَيُّوبَ قَاتَلتَ المُشْرِكِينَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ جِئْتَ تُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وآله وسلم أَمَرَنِي بِقِتَالِ ثَلاثَةِ النَّاكِثِينَ، وَالْقَاسِطِينَ ، وَالْمارِقِينَ، فَقَدْ قَاتَلْتُ النَّاكِثِينَ، وَقَاتَلْتُ الْقَاسِطِينَ، وَأَنَا مُقَاتِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ المَارِقِينَ بِالشُّعُفَاتِ بِالطُّرُقَاتِ بِالنَّهْرَاوَاتِ، وَمَا أَدْرِي ما هم؟(4)

و من هؤلاء الصحابة الذين خرجوا على أمير المؤمنين علیه السلام في معركة الجمل:

(1) عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(2) الزبير بن العوام. قتل يوم الجمل.

ص: 129


1- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة/ ج 3 / ص 350 / ح 4733
2- دلائل النبوة للبيهقي / جماع ابواب اخبار النبي بالكوائن بعده / ج 6/ ص 440
3- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة / ج 3 / ص 350 / ح 4733
4- المعجم الكبير - للطبراني / ج 3 / ص 63 / ح 2943

(3) طلحة بن عبد الله. قتل يوم الجمل.

(4) عبد الله بن الزبير بن العوام.

(5) عبد الرحمن بن أبي بكر .

(6) عبد الرحمن بن عبيد الله (أخو طلحة).

(7) محمد بن طلحة بن عبيد الله. قتل يوم الجمل.

(8) عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد قتل يوم الجمل.

(9) يعلى بن أمية التميمي. من الطلقاء، قتل بصفين.

(10) عمرو بن الأشرف العتكي.

(11) مجاشع بن مسعود

(12) مجالد بن مسعود قتل يوم الجمل.

(13) عكراش بن ذؤيبة .

(14) عبد الله الجحمي. من الطلقاء.

(15) عبد الله بن حكيم بن مزاحم من الطلقاء قتل يوم الجمل.

(16) الأسود بن عوف الزهري. من الطلقاء.

(17) علي بن عدي بن ربيعة . من أبناء الطلقاء، قتل يوم الجمل.

(18) أبو سفيان بن حويطب من الطلقاء، قتل يوم الجمل. .

(19) عبد الله بن معبد بن الحارث.

ص: 130

(20) الخريت بن راشد الناجي.

ندم عائشة على الخروج إلى البصرة ومحاربة الإمام علي علیه السلام

ندم عائشة على خروجها على إمام زمانها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام. ومخالفتها لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث أمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم الخروج من بيوتهن :

قال تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» .(1)

روى ابن شيبة : عن عبد الله بن عبید بن عمیر :قال قالت عائشة: وددت أني كنت غصناً رطباً ولم أسِر مسيري هذا.(2)

فكان هذا موقف عائشة بعد مسيرها للخروج على إمامها ومخالفة أمر ربها عز وجل، وعدم التزامها بتحذير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه المعركة ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

روی ابن أبي شيبة : عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت»(3)، وقال ابن عبد البر القرطبي: وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وآله وسلم لعل الله وعصام بن قدامة ثقة وسائر الإسناد أشهر من أن يحتاج لذكره .(4)، وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة برقم (474).

ورواه البزار : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا ، قال : قال رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج كلاب ،حوأب، فيقتل عن يمينها، وعَن

ص: 131


1- سورة الأحزاب / الآية: 33
2- مصنف ابن ابي شيبة / كتاب الجمل / ج 7 / ص 544 / ح 37813
3- مصنف ابن ابي شيبة / كتاب الجمل / ج / ص 538 / ح 37774
4- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب النساء وكناهن : العين / ج 4 / ص 439

يسارها قتلا كثيرا، ثُمَّ تنجو بَعْدَ مَا كادت».(1)

فوصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم خروجها بالمكيدة فيه الرد الكافي على من يقول بأنها خرجت للاصلاح بين المسلمين.

ثانياً : من قاتل أمير المؤمنين علیه السلام في معركة صفين.

ا. نعتهم بالمنافقين، لأن من قاتل الإمام عليّاً علیه السلام قد بلغ أعلى مراتب البغض تجاهه.

ب. شبههم بالمشركين الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تنزيل القرآن.

ج. هم أهل الغدر والخيانة، الذين يبغضون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبب بغضهم لعلي علیه السلام

تضاف إلى هذه الصفات التي ذكرناها بالتفصيل في أهل الجمل ما يلي:

1. أنهم الفئة الباغية التي تدعو إلى النار.

روى البخاري: عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ عَلَيٍّ انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِط يُصْلِحُهُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَى ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبَنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنتَيْنِ فَرَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ أَعُوذُ بِالله مِنْ الْفِتَنِ .(2)

ورواه مسلم عن أم سلمة (3)، ورواه الترمذي عن أبي هريرة (4)، ورواه أحمد عَنْ

ص: 132


1- مسند البزار / مسند ابن عباس / ج 11 / ص 73 / ح 4777
2- صحيح البخاري / كتاب الصلاة / باب التعاون في بناء المسجد / ص 98 / ح 447
3- صحیح مسلم / كتاب الفتن / ح 2916 - 73 / ص 1213
4- سنن الترمذي / كتاب المناقب / مناقب عمار / ج 4 / ص 509 / ح 3800

ابِي سَعِيدٍ الخدري.(1)

2. القاسطين.

روى الحاكم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب تقاتل الناكثين والقاسطين و المارقين بالطرقات و النهروانات وبالشعفات قال أبو أيوب: قلت يا رسول الله مع من تقاتل هؤلاء الأقوام قال: مع علي بن أبي طالب .(2)

ومن هؤلاء الصحابة الذين يدعون إلى النار

1) الصحابي معاوية بن أبي سفيان. من الطلقاء.

2) الصحابي عمرو بن العاص.

3) الصحابي عبد الله بن عمرو.

4) عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.

4) الصحابي حبيب بن مسلمة الفهري.

5) الصحابي الوليد بن عقبة.

6) الصحابي مسلمة بن مخلد.

7) الصحابي بسر بن أرطأة.

8) الصحابي حابس بن سعد.

9) الصحابي عبيد الله بن عمر بن الخطاب

ص: 133


1- مسند الإمام أحمد / مسند أبي سعيد الخدري / ج 3 / ص 6 / ح 11017
2- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة / ج 3 / ص 350 / ح 4733

10) الصحابي شرحبيل بن السمط .

11) الصحابي الضحاك بن قيس.

12) الصحابي عقبة بن عامر .

13) الصحابي زمل بن ربيعة العذري.

خوف عمرو بن العاص بعد قتل عمار بن ياسر

روى الحاكم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال: لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال : قتل عمار و قد سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول : تقتله الفئة الباغية فقام عمرو فزعا حتى دخل على معاوية فقال له معاوية : ما شأنك فقال : قتل عمار بن ياسر ...

[قال الحاكم] صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة

تعليق الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.(1)

وروى البيهقي : «فقام عمرو منتقعا لونه فدخل على معاوية فقال قتل عمار ...

وفي رواية ابن بشران قال فقام عمرو فزعا يرتجع حتى دخل على معاوية ...(2)

ندم عبد الله بن عمر ومسروق عن التخلف في قتال الفئة الباغية.

روى الحاكم:

عن الزهري قال: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر: أنه بينا هو جالس مع عبد الله بن عمر جاءه رجل من أهل العراق فقال : يا أبا عبد الرحمن... أرأيت قول الله عز

ص: 134


1- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة / ج 4 / ص 102 / ح 5749
2- السنن الكبرى للبيهقي / كتاب قتال اهل البغي / ج 12 / ص 366/ ح 17261

وجل : «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا...» أخبرني عن هذه الآية فقال عبد الله بن عمر ما لك ولذلك انصرف عني فقام الرجل: فانطلق حتى إذا توارينا سواده أقبل إلينا عبد الله بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي شيئاً من أمر هذه الآية إلا ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعالى.

[قال الحاكم] هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه

تعليق الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.(1)

قال ابن عبد البر: وأما مسروق فذكر عنه إبراهيم النخعي أنه ما مات حتى تاب إلى الله تعالى من تخلفه عن علي [علیه السلام] وصح عن عبد الله بن عمر من وجوه أنه قال: ما آسى على شيء كما آسى أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي رضي الله عنه . (2)

ثالثاً: من قاتل الإمام علياً علیه السلام من الخوارج.

أ. نعتهم بالمنافقين، لأن من قاتل الإمام عليّاً علیه السلام قد بلغ أعلى مراتب البغض تجاهه.

ب. شبههم بالمشركين الذين حاربهم رسول اللهصلی الله علیه و آله و سلم على تنزيل القرآن.

ج. هم أهل الغدر والخيانة، الذين يبغضون رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بسبب بغضهم لعلي علیه السلام

د. هم الفرقة المارقة التي ذكرها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأبغض خلق الله إليه.

1- روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم تَمرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ المُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بالحق.(3)

ص: 135


1- المستدرك على الصحيحين / كتاب التفسير / ج 3 / ص 68 / ح 3773
2- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب : الألف / ج 1 / ص 171
3- صحيح مسلم / كتاب الزكاة / ذكر الخوارج / ح 1065 - 150 / ص 414

2- روى أحمد: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ فَيَتَمَرَّقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالحَقِّ .(1)

3- رواه أبو داود قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله و سلم تَمرُقُ مَارِقَةٌ عِندَ فُرْقَةٍ مِنْ المُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بالحقِّ .(2)

4- روى مسلم عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا لا حكم إلا الله قال علي كلمة حق أريد بها باطل إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون

الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم [ وأشار إلى حلقه ] من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه طبى شاة أو حلمة ثدي. (3)

الصحابي ذو الخويصرة التميمي

روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال «ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل». فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه ؟ «فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .. آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس».(4)

ص: 136


1- مسند الإمام أحمد / مسند أبي سعيد الخدري / ج 3 / ص 31
2- سنن أبي داود / كتاب السنة / ما يدل على ترك الكلام في الفتن / ص 735 / ح 4667
3- صحیح مسلم / كتاب الزكاة / التحريض على قتل الخوارج / ح 1066 - 157 / ص 417
4- صحيح البخاري / كتاب المناقب / علامات النبوة / ص 658 / ح 3610
رابعاً : من يستحل به الحرم المكي. (كبش قريش)

الصحابي عبد الله بن الزبير.

لقد وردت روايات عديدة تحذر من شخص يستحل به الحرم المكي وإسمه عبد الله، فكان كل من عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص يحذران عبد الله بن الزبير من البقاء في الحرم المكي ، ولا يقاتل الأمويين فيه، بل كان عبد الله بن عمرو بن العاص يسكن الطائف بسبب هذا الحديث الذي أدخل في داخله الرعب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه و آله و وصف ذنوب هذا الشخص وقاسها بذنوب الثقلين، فكان هذا الشخص هو الصحابي عبد الله بن الزبير.

1- روى أحمد: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ قَالَ لَهُ عَبْدُ الله بْنُ الزُّبَيْرِ حِينَ حُصِرَ إِنَّ عِنْدِي نَجَائِبَ قَدْ أَعْدَدْتُهَا لَكَ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَحَوَّلَ إِلَى مَكَّةَ فَيَأْتِيَكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَكَ قَالَ لَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله يَقُولُ يُلْحَدُ بِمَكَّةَ كَبْشُ مِنْ قُرَيْشِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِثْلُ نِصْفِ أَوْزَارِ النَّاسِ.(1)

2- وروى أحمد: عن إِسْحَاق بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَى عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ إِيَّاكَ وَالْإِلْحَادَ فِي حَرم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ إِنَّهُ سَيُلْحِدُ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَوْ وُزِنَتْ ذُنُوبُهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَجَحَتْ قَالَ فَانْظُرْ لَا تَكُونُهُ.(2)

3- روى الحاكم: إسحاق بن عيسى بن عاصم، عن أبيه، قال: أتى عبد الله بن عبد الله عمر بن الزبير فقال : يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو أن ذنوبه توزن بذنوب الثقلين

ص: 137


1- مسند الإمام أحمد بن حنبل / مسند عثمان بن عفان / ج 1 / ص 80/ ح 464
2- مسند الإمام أحمد بن حنبل / مسند عبد الله بن عمر / ج 2 / ص 184 / ح 6205

لرجحت»

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(1)

4- روى الذهبي: وقال عباس الترقفي: ثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يلحد بمكة رجل من قريش يقال له عبد الله عليه نصف عذاب العالم»، فوالله لا أكونه، فتحول

منها، فسكن الطائف.(2)

5- روى ابن عساكر وعن سعيد بن عمرو قال أتى عبد الله بن عمرو ابن الزبير وهو جالس في الحجر فقال يا ابن الزبير اياك والإلحاد في حرم الله عز وجل فاني اشهد السمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول «يحلها ويحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها» قال فانظر ان لا تكونه...(3)

ورغم كل هذه التحذيرات لابن الزبير إلا أنه بقى في مكة وتحديداً في الحرم وقتل به وبدمه استبيح الحرم المكي ، وكان هو المعني بقول رسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 138


1- المستدرك على الصحيحين / كتاب التفسير / ج 2 / ص 495 /ح 3512
2- تاريخ الإسلام للذهبي / الطبقة الثامنة / عبدالله بن الزبير / ج 2 / ص 548
3- تاریخ دمشق / حرف العين / عبد اله بن الزبير / ج 2 / ص 220

هذه حقيقة الصحابة

أولاً : صحابي يقتل صحابياً بعد أن نهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك.

بعد أن حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين من الإقتتال فيما بينهم، نراهم سجلوا في ذلك أروع الملاحم والقصص في قتالهم مع بعض فبعد النهي الذي نقله لنا كل الحفاظ ونكتفي بأصح كتب أهل السنة.

فقد رواه البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لَا تَرْتَدُّوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ... (1)

ورواه أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ (2)، وعن جَرِيرٍ .(3)

وروى البخاري قريبا من هذا المعنى عن الصحابي ابي بكرة: عَنْ الْحَسَن قَالَ خَرَجْتُ بِسِلَاحِي لَيَالِي الْفِتْنَةِ فَاسْتَقْبَلَنِي أَبو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْن عَمَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ

النَّارِ قِيلَ فَهَذَا الْقَاتِلُ فَما بَالُ الْمُقتُولِ قَالَ إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ.(4)

نرى الصحابة لم يقصروا في المعارك التي جرت بينهم مثل الجمل وصفين والحرة وغيرها من المواجهات فقد ضربوا رقاب بعضهم بل كانوا أشد فتكا على بعضهم

ص: 139


1- صحيح البخاري / كتاب الفتن / لا ترجعوا بعدي كفارا ../ ص 1284 / ح 7079
2- صحيح البخاري / كتاب الفتن / لا ترجعوا بعدي كفارا../ ص 1284 / ح 7077
3- صحيح البخاري / كتاب الفتن / لا ترجعوا بعدي كفارا ../ ص 1284 / ح 7080
4- صحيح البخاري / كتاب الفتن / إذا إلتقى المسلمان / ص 1285 / ح 7083

من المشركين وبالذات في معركة الجمل حيث كان أصحاب الجمل يتدافعون على حماية الجمل، فذكرونا بيوم أحد وحنين حيث تركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ثلة من المؤمنين وحدهم بين سيوف المشركين وفروا هاربين والرسول الله يناشدهم فياليتهم خافوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلما خافوا على الجمل.

(1) تهديد عمر بن الخطاب بقتل الإمام علي علیه السلام ومن معه من الصحابة.

قال الطبري: أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ... (1)

فهذا عمرلا يبالي بقتل الصحابة إذا لم يبايعوا وكان في الدار أيضا الزهراء والحسنان علیهما السلام والمقداد وسلمان وأبو ذر وطلحة والزبير وغيرهم من الصحابة.

(2) تهديد عمر بقتل خالد بن الوليد بسبب قتله الصحابي مالك بن نويرة.

قال الذهبي : وقدم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر : يا عدو الله قتلت أمراً مسلماً، ثم نزوت على امرأته لأرجمنك (2)

(3) الصحابة محمد بن أبي بكر و عمرو بن الحمق الخزاعي وعبد الرحمن بن عديس شاركا بقتل الصحابي عثمان بن عفان

روى الطبري : أنّ محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم، ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق؛ فوجدوا عثمان.. فتقدّمهم محمد بن أبي بكر ؛ فأخذ بلحية عثمان، فقال: قد أخزاك الله يا نعثل ! فقال عثمان: لست بنعثل؛ ولكني عبد الله وأمير المؤمنين. قال محمد: ما أغنى عنك معاوية

ص: 140


1- تاريخ الطبري / السنة الحادية عشر / ج 2 / 233ص
2- تاريخ الإسلام للذهبي / السنة الحادية عشر / ج 2 / ص 17

وفلان وفلان!.. ثم طعن جبينه بمشقص في يده.(1)

وروى البيهقي : كان عبد الرحمن بن عديس البلوي سار بأهل مصر إلى عثمان فقتلوه.(2)

(2) الصحابي أبو الغادية يقتل الصحابي عمار بن ياسر.

روى أحمد: عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ كُنَّا بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ .. فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا.. يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض فَإِذَا رَجُلٌ يَسُبُّ فَلَانًا فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ فِي كَتِيبَةٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ إِذَا أَنَا بِهِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَالَ فَفَطِنْتُ إِلَى الْفُرْجَةِ فِي جُرُبَّانِ الدَّرْعِ فَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ عَمارُ بْنُ يَاسِرٍ ...(3)

- عَنْ أَبِي غَادِيَةَ قَالَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ إِنَّ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ فَقِيلَ لِعَمْرٍو فَإِنَّكَ هُوَ ذَا تُقَاتِلُهُ قَالَ إِنَّمَا قَالَ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ.

(3) الصحابي معاوية بن أبي سفيان يقتل الصحابي حجر بن عدي.

وقد مرّ ذكر هذه الحادثة في السابق.

(4) الصحابي معاوية بن أبي سفيان يقتل الصحابي محمد بن أبي حذيفة.

قال الطبري: فسار معاوية وعمرو إلى محمد بن أبي حذيفة.. فلم يزالا يخدعان محمد بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر في ألف رجل فتحصن بها وجاءه عمرو

ص: 141


1- تاريخ الطبري / سنة خمس وثلاثين / ج 1 / ص 371
2- دلائل النبوة للبيهقي / جماع ابواب اخبار النبي بالكوائن بعده / ج 6 / ص 394
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل / مسند أبي الغادية / ج 4 / ص 94 / ح 16703

فنصب المنجنيق عليه حتى نزل في ثلاثين من أصحابه وأخذوا وقتلوا رحمهم الله(1)

(5) الصحابي معاوية بن أبي سفيان يقتل الصحابي عبد الرحمن بن عديس.

روى البيهقي عن يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان، أخذ ابن عديس في زمن أهل مصر فجعله في بعلبك فهرب منه فطلبه سفيان بن مجيب فأدركه رجل رام من قريش فأشار إليه بنشابة، فقال ابن عديس: أنشدك الله في دمي، فإني ممن بايع تحت الشجرة... فقتله. (2)

ثانيا: رأي الصحابة في بعضهم.

(1) الصحابي أسيد بن حضير يطعن في الصحابي سعد بن عبادة.

روى البخاري في حديث الأفك: فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَادٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَتَاوَرَ الحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله يُخفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا وَسَكَتَ ...(3)

نلاحظ في هذا الحديث صحابيين ، فأسيد بن حضير كان ممن شهد العقبة الثانية وهو من النقباء ليلة، وأما سعد بن عبادة ممن كان نقيباً شهد العقبة وبدراً، قام أسيد بوصف سعد بن عبادة بالكذاب والمنافق ، ثم حلف على أن يقتله، لولا تدخل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

(2) فاطمة تغضب من الصحابيين أبا بكر وعمر بن الخطاب.

روى البخاري: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلیها السلام بِنْتَ

ص: 142


1- تاريخ الطبري / سنة ست وثلاثين / ج 3 / ص 61
2- دلائل النبوة للبيهقي / جماع ابواب اخبار النبي بالكوائن بعده / ج 6/ ص 394
3- صحيح البخاري / كتاب تفسير القرآن باب لولا إذ سمعتموه../ ص 875/ ح 4750

رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم سَأَلَتْ أَبَا بَكْرِ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بنتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ ...(1)

(3) الصحابي عبادة بن الصامت يطعن في إمرة عثمان بن عفان ومعاوية.

روى أحمد فكتب معاوية إلى عثمان بن عفان أن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله فإما تكن إليك عبادة وإما أخلي بينه وبين الشام فكتب إليه إن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره من المدينة، فبعث بعبادة حتى قدم المدينة فدخل على عثمان في الدار وليس في الدار غير رجل من السابقين أو من التابعين قد أدرك القوم فلم يفجأ عثمان إلا وهوقاعد في جنب الدار فالتفت إليه فقال يا عبادة بن الصامت ما لنا ولك فقام عبادة بين ظهري الناس فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أبا القاسم محمداً صلى الله عليه و آله وسلم يقول أنه سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله تبارك وتعالى فلا تعتلوا بربكم. (2)

(4) أم المؤمنين عائشة تلعن الصحابي عمرو بن العاص.

روى الحاكم عن مسروق، قال: قالت لي عائشة ... بعد أن ذُكِرَ عندها أن عليا رضي الله عنه قتل ذا الثدية، فقالت لي : «إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناسا ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد»، فلما قدمت وجدت الناس أشياعاً فكتبت لها من كل شيع عشرة ممن شهد ذلك قال: فأتيتها بشهادتهم فقالت: «لعن الله عمرو بن العاص، فإنه زعم لي أنه قتله بمصر»

ص: 143


1- صحيح البخاري / كتاب الخمس / فرض الخمس / ص 567 / ح 3092 وح 3093
2- مسند أحمد بن حنبل / مسند الأنصار/ ج 5 / ص 325

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

قال الذهبي: تعليق الذهبي في التلخيص على شرط البخاري ومسلم.(1)

رواه البيهقي عن مسروق ... قالت: «لعن الله فلانا فإنه كتب إلي أنه أصابهم بنيل مصر»، ثم أرخت عينيها فبكت فلما سكتت عبرتها قالت: «رحم الله عليّاً لقد كان على الحق» . . . ) .(2)

(5) عمر بن الخطاب يصف خالد بن الوليد بعدو الله .

الذهبي: وقدم خالد على أبي بكر ، فقال له عمر يا عدو الله، قتلت امراً مسلماً، ثم نزوت على امرأته لأرجمنك.(3)

(6) خالد بن الوليد يصف عمر بن الخطاب بأنه أبغض الناس إليه.

روى عبد الرزاق: لما استخلف عمر نزع خالد بن الوليد، فأمر أبا عبيدة بن الجراح، وبعث إليه بعهده وهو بالشام يوم اليرموك، فمكث العهد مع أبي عبيدة شهرين لا يرفعه إلى خالد حياء منه، فقال خالد: أخرج أيها الرجل عهدك ، نسمع لك ونطيع، فلعمري لقدمات [أحب] الناس إلينا، وولي أبغض الناس إلينا، فكان أبو عبيدة على الخيل .(4)

(7) عمر بن الخطاب يلعن الصحابي سمرة بن جندب

روى مسلم: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا.(5)

ص: 144


1- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة / ج 4 / ص 381/ ح 6869
2- دلائل النبوة للبيهقي / جماع ابواب اخبار النبي بالكوائن بعده/ ج 6/ ص 434
3- تاريخ الإسلام للذهبي / السنة الحادية عشر / ج 2 / ص 17
4- مصنف عبد الرزاق / ج 5 / كتاب المغازي غزوة القادسية / ص 336 / ح 9841
5- مسلم كتاب المساقاة / تحريم بيع الخمر ../ ص 595/ ح 4066

روى ابن أبي شيبة عن مسروق قال : قال عمر : لعن الله فلانا فإنه أول من أذن في بيع الخمر..(1)

(8) الصحابي عبادة بن الصامت يشتم الصحابي معاوية بن أبي سفيان.

الذهبي فأرسل فلان [معاوية ] إلى أبي هريرة، فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة، أما بالغدوات، فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي، فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ! قال: فأتاه أبو هريرة، فقال: يا عبادة، مالك ولمعاوية ؟ ذره وما حمل.

(9) الصحابي معن بن يزيد يصف معاوية بن أبي سفيان.

قال ابن حجر في الإصابة وهذا الصحابي معن وهو من رجال معاوية وشاركه في حروبه كيف يصف معاوية ؟

معن بن يزيد قال لمعاوية : ما ولدت قرشية من قرشي شراً منك .(2)

(10) الصحابي سمرة بن جندب يلعن معاوية بن أبي سفيان.

روى الطبري في تاريخه: عن جعفر بن سليمان الضبعي قال أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ثم عزله فقال سمرة لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبداً(3)

(11) الصحابة الذين خرجوا على عثمان ليعزلوه عن الخلافة.

ابن الأثير : وكان بمصر محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة يحرضان على

ص: 145


1- مصنف ابن أبي شيبة / كتاب الأوائل / ج / باب /1 / ص 270 / ح 35989
2- الإصابة في معرفة الصحابة / حرف الميم / ج 5 /ص 189
3- تاريخ الطبري / سنة ثلاث وخمسين / ج 3 /ص 240

عثمان.. فلما خرج المصريون خرج فيهم عبد الرحمن بن عديس البلوي.. وخرج أهل الكوفة وفيهم زيد بن صوحان العبدي وخرج أهل البصرة فيهم حكيم بن جبلة العبدي.. وأميرهم حرقوص بن زهير السعدي ... وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن..(1)

ثالثاً : الصحابي يكذب الصحابي

(1) أم المؤمنين عائشة تكذب (الصحابي عبد الله بن عمر)

روى مسلم: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ المَيِّتُ يُعَذِّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ رَحِمَ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَنْتُمْ تَبْكُونَ وَإِنَّهُ لَيُعَذِّبُ. (2)

وروى مسلم أيضا : عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم إِنَّ المُيْتَ يُعَذِّبُ فِي قَيْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ وَهِلَ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم إِنَّهُ لَيُعَذِّبُ بِخَطِيئَتِهِ أَوْ بِذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ.(3)

[وَ هَل] إلى الشيء: ذهب وَهمُه إِليه .(4)

(2) الصحابي ابن عباس يكذب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله .

ص: 146


1- الكامل في التاريخ / سنة خمس وثلاثين / ج 3 /ص 135
2- صحيح مسلم / كتاب الجنائز / الميت يعذب ببكاء أهله / ص 361 / ح 25 - 931
3- صحيح مسلم / كتاب الجنائز / الميت يعذب ببكاء أهله / ص 361 / ح 26 - 1932
4- العين - للفراهيدي / حرف الواو (وهل) / ج 3 / ص 1987

روى مسلم عن عَبْدِ الله بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثمانَ بْنِ عَفَّانَ بِمَكَّةَ قَالَ فَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا قَالَ فَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسِ قَالَ وَإِنِّي جَالِسٌ بَيْنَهُمَا قَالَ جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ مُوَاجِهُهُ أَلَا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذِّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسِ قَدْ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ . فَلَمَّا أَنْ أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم إِنَّ المَيِّتَ يُعَذِّبُ بِبَعْضٍ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَما مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ لَا وَاللَّهُ مَا حَدَّثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ وَلَكِنْ قَالَ إِنَّ اللهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ «وَلَا َتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» ....(1)

نورواه البخاري.. فَقَالَتْ رَحِمَ اللهُ عُمَرَ وَالله مَا حَدَّثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم إِنَّ اللهَ لَيُعَذِّبُ المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ....(2)

روى مسلم: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ ..... فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَحَدَّثْتُهَا بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَتْ لَا وَالله مَا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَطُّ إِنَّ المَيِّتَ يُعَذِّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ ....(3)

(5) الصحابي أنس بن مالك يكذب ابن عمر، وابن عمر يكذبه

روى مسلم عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا قَالَ بَكْرُ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ أَنَسٌ مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ

ص: 147


1- صحيح مسلم كتاب الجنائز / الميت يعذب ببكاء أهله / ص 361 / ح 26 - 932
2- صحيح البخاري / كتاب الجنائز / قول النبي يعذب الميت ../ ص 239 / ح 1288
3- صحيح مسلم / كتاب الجنائز الميت يعذب ببكاء أهله / ص 360/ ح 22 - 929

148

(1)

لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجَّا .(1)

(6) الصحابي ابن عمر يكذب الصحابي ابن عباس.

روى مسلم : عَنْ وَبَرَةَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيَصْلُحُ لي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آنِيَ الْمُوْقِفَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسِ يَقُولُ لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمُوْقِفَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُوْقِفَ فَبِقَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا.(2)

(7) عائشة تكذب (الصحابي حذيفة بن اليمان).

روى الترمذي عن عائشة بأن النبي لا يبول قائما: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ يَبُولُ قَائِم فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا..(3)

روى البخاري عن حذيفة بأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم يبول قائما: عَنْ أَبِي وَائِلِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم سُبَاطَةَ قَوْم فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ .(4)

(8) أم المؤمنين أم سلمة تكذب أم المؤمنين عائشة.

كانت زوجة النبي صلى الله عليه و آله وسلم الله عائشة تدعي أن النبي علامات في حجرها ولم يوص الإمام علیاً علیه السلام بشيء، ولكن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه و آله وسلم تنكر ذلك وتقول بأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أوصى لعلي علیه السلام.

روى البخاري: عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ ذَكَرُوا عِنْدَ َعائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ

ص: 148


1- صحيح مسلم / كتاب الحج / باب الافراد والقرآن ../ ص 502 / ح 185 - 1232
2- صحيح مسلم / كتاب الحج / باب ما يلزم من احرم ../ ص 502 / 187 - 1233
3- سنن الترمذي / أبواب الطهارة النهي عن البول قائما / ج 1 / ص 18/ ح 12
4- صحيح البخاري / كتاب الوضوء / باب البول قائما / ص 58/ ح 224

وَصِيًّا فَقَالَتْ مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ وَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي أَوْ قَالَتْ حَجْرِي فَدَعا بِالطَّسْتِ فَلَقَدْ انْخَنَث فِي حَجْرِي فَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ. (1)

روى أحمد: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ وَالَّذِي أَحْلِفُ ِبهِ إِنْ كَانَ عَليٌّ لَأَقْرَبَ النَّاسِ عَهْدًا

بِرَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَتْ عُدْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم غَدَاةً بَعْدَ غَدَاةٍ يَقُولُ جَاءَ عَلِيٌّ مِرَارًا قَالَتْ وَأَظُنُّهُ كَانَ بَعَثَهُ فِي حَاجَةٍ قَالَتْ فَجَاءَ بَعْدُ فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً فَخَرَجْنَا مِنْ الْبَيْتِ فَقَعَدْنَا عِنْدَ الْبَابِ فَكُنْتُ مِنْ أَدْنَاهُمْ إِلَى الْبَابِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَيُنَاجِيهِ ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَكَانَ أَقْرَبَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا .(2)

وأخرجه الحاكم : عن أحمد بن جعفر القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي... فكان علي أقرب الناس عهداً هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»

تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح.(3)

ص: 149


1- صحيح البخاري / كتاب الوصايا باب الوصايا / ص 504 / ح 2741
2- مسند الإمام أحمد / مسند أم سلمة / ج 6/ ص 333 / ح 26621
3- المستدرك على الصحيحين / إسلام أمير المؤمنين / ج 3 / ص 349 / ح 4792

ص: 150

الصحابة المؤلفة قلوبهم

المؤلفة: مَن يعطون مِن الزكاة لترغيبهم في الإسلام.

1. أبو سفیان صخر بن حرب.

2. النضر بن الحارث .

3. معاوية بن أبي سفيان.

4. مخرمة بن نوفل.

5. عيينة بن حصن الفزاري

6. جبير بن مطعم.

7. حويطب بن عبد العزى.

8. الأقرع بن حابس المجاشعي.

9. سهيل بن عمرو.

10. أبو السنابل بن بعكك.

11. سهيل بن عمرو الجمحي.

12. حكيم بن حزام.

13. الحارث بن هشام المخزومي.

ص: 151

152

14. العباس بن مرداس السلمي.

15. مالك بن عوف النصري.

16. صفوان بن أمية الجمحي.

17. خالد بن قيس السهمي.

18. عبد الرحمن بن يربوع

19. العلاء بن الحارث الثقفي.

20. قيس بن مخرمة.

21. أحيحة بن أمية بن خلف .

روى الطبري - في تاريخه : عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم ويتألف به قلوبهم فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير وأعطى ابنه معاوية مائة بعير وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير ...(1)

و روى أبو نعيم الأصبهاني: عن ابن عباس قال: «كانت المؤلفة قلوبهم خمسة عشر رجلا، منهم: أبو سفيان صخر بن حرب، و الأقرع بن حابس المجاشعي.... و العلاء بن الحارث الثقفي، أعطاهم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كل رجل منهم مائة من الإبل، رغبهم في عه الإسلام، وخبروا قومهم بذلك، غير أنه أعطى عبد الرحمن بن يربوع خمسين، وأعطى حويطبا خمسين، وأعطى حكيم بن حزام سبعين، فاستزاده حتى بلغ مائة».(2)

ص: 152


1- تاريخ الطبري / السنة الثامنة للهجرة / أمر أموال هوازن وعطايا المؤلفة / ج 2 / ص 175
2- معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني / عمرو بن مرداس / ج 3 / ص 427 / ح 5139

وروى وقد عدهم ابن قتيبة الدينوري(1): وإضافة عليهم مجموعة، فكيف بمن قبض ثمن إسلامه وصحبته لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أن يعد من عدول الصحابة ؟

فهؤلاء لا تعرف عدالتهم إلا بمعرفة تاريخهم وأفعالهم بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم.

روى البخاري: عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكِ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله وسلم مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يُعْطِي رِجَالًا الْمَائَةَ مِنْ الْإِبِلِ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ قَالَ أَنَسٌ.. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ مَا حَدِيثُ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ الله فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَاتُهُمْ.. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثي عَهْدِ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفَهُمْ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ فَوَ الله لَما تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ...(2)

روى النسائي : عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ بِتُرْبَتِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرِ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسِ الْحَنْظَيِّ وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِي.. فَغَضِبَتْ قُرَيْضٌ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ فَقَالُوا تُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَتَدَعُنَا قَالَ إِنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ لأَتَأَلَّفَهُمْ.(3)

وروى الطبري: عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن قائلاً قال الرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من أصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس

ص: 153


1- المعارف - لإبن قتيبة الدينوري / أسماء المؤلفة قلوبهم / ص192
2- صحيح البخاري / كتاب المغازي/ غزوة الطائف / ص 779 /ح 4331
3- سنن النسائي / كتاب الزكاة المؤلفة قلوبهم / ص 379/ ح 2580

ولكني تألفتها ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه.(1)

ومن هذه الأحاديث نعرف بأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يستميل هؤلاء الناس إلى الإسلام بالعطاء الكثير ، وأما الصحابي جعيل الفقير الذي كان من أهل الصفة لم يعطه الرسول صلى الله عليه و آله وسلم لوثوقه بإسلامه وذلك يظهر من كلام النبي صلى الله عليه و آله وسلم بأنه ترك جُعيلاً إلى إسلامه، وما يزيد الخوف من إسلام المؤلفة هو وفاة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وهو يعطيهم يعطيهم تلك الحصة، حتى خلافة عمرالذي منع عنهم سهم المؤلفة قلوبهم، فكيف نثق بإسلام هؤلاء الصحابة الذين لم يثق الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بإسلامهم، بل قام الخلفاء الثلاثة بتمكينهم من الدولة الإسلامية الفتية فعملوا ما عملوا بكبار الصحابة، وعصيانهم الكبير على الخلفية الرابع أكبر دليل !! .

ص: 154


1- تاريخ الطبري / السنة الثامنة للهجرة / أمر أموال هوازن وعطايا المؤلفة .. / ج 2 / ص 176

حقيقة معاوية بن أبي سفيان

اشارة

إن معرفة سيرة معاوية بن أبي سفيان بما فيها من المحرَّمات والذنوب الكبيرة فيها الكفاية لإسقاط نظرية عدالة الصحابة، فالعدالة كما عرّفها الخطيب البغدادي: والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة : أنها اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة ..

فلو لاحظنا كلام «الخطيب والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة»، فهل طبق الخطيب البغدادي - صاحب نظرية عدالة الصحابة - هذا الكلام على معاوية قبل قوله : «إن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن» .(1)

فكيف صار معاوية عادلاً عند الخطيب وهو الثابت في حقه الكثير من المحرَّمات منها:

1/ قتل النفس المحرمة.

2/ شرب الخمرة.

3/ بيع الخمرة.

4/ أكل الربا.

5/ أكل أموال المسلمين بالباطل.

ص: 155


1- الإصابة في تمييز الصحابة / مقدمة الكتاب / ج 1 / ص 18

6/ لبس الحرير والذهب .

7/ من الفئة الباغية التي تدعو الى النار .

8/ منافقٌ بسبب بغضه للإمام علي علیه السلام

9/ تغيير سنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم

10/ خيانة العهد

بل تجرأ بعض العلماء ووصف معاوية بالفقيه، فصار معاوية الفقيه الذي يأكل الربا، ويشرب الخمرة ويقتل النفس المحرمة، ويسرق ويخون العهد وغيرها مما

سوف نستعرضه في الصفحات المتبقية من سيرة هذا الفقيه المنحرف عن جادة الطريق الصحيح، ونتعرف على الفقيه الذي نحن في صدد لكلام عنه.

أولاً : قتله لأهل بيت النبيصلى الله عليه و آله وسلم و للصحابة.

قال تعالى: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»(1)، فهل إلتزم معاوية بكلام الله، هل منعه فقهه من قتل المؤمنين، بل العكس لم يوقف معاوية أي شيء لتحقيق مآربه، فكان من أسلوبه للوصول إلى أهدافه هو القتل، وهنا نستعرض بعض من قتلهم .

1/ قتله للإمام السبط الحسن بن علي عليهما السلام

قال ابن عبد البر في الاستيعاب وقال قتادة وأبو بكر بن حفص سُمّ الحسن بن علي سمته امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها من ذلك وكان لها ضرائر ... ذكر أبو زيد عمر بن شبة

ص: 156


1- [النساء/ 93]

وأبو بكر بن أبي خيثمة قالا حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو هلال عن قتادة قال دخل الحسين على الحسن فقال يا أخي إني سقيت السم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه المرة إني لأضع كبدي. فلما مات ورد البريد بموته على معاوية فقال يا عجباً من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه.(1)

قال المسعودي في مروج الذهب: وذكر أن امرأته جَعْدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السم، وقد كان معاوية دسّ إليها : إنك إن احتلْتِ في قتل الحسن وَجَّهت إليك بمائة ألف درهم، وزوّجتك من يزيد فكان ذلك الذي بعثها على سَمّه ..(2)

2/ قتله للصحابي حجر بن عدي وأصحابه رضي الله عنهم.

قال الطبري : فجاء رسول معاوية.. فقال لهم [لحجر وأصحابه]: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم.(3)

وقال ابن الأثير فأنزل هو وأصحابه عذراء، وهي قرية عند دمشق، فأمر معاوية بقتلهم فشفع أصحابه في بعضهم ، فشفعهم، ثم قتل حجر وستة معه.(4)

وقال الحسن البصري: أربع خصال كُنّ في معاوية، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة .... وقتله حجراً وأصحاب حجر، فيا ويلاً له من حجر ويا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر !.(5)

ص: 157


1- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / ج 1 / باب الحاء / الحسن بن علي/ ص 440
2- مروج الذهب - المسعودي / ج 2 / ذكر خلافة الحسن / ص 346
3- تاريخ الطبري / سنة : 51 ه/ ج 3 / ص 229
4- أسد الغابة / باب الحاء والجيم - حجر بن عدي / ج 1 / ص 679
5- الكامل في التاريخ / السنة الحادية والخمسين مقتل حجر / ج 3 / ص 426

روى ابن عبد البر: عن مسروق بن الأجدع قال سمعت عائشة.. تقول أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجراً وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام ولكن ابن آكلة الأكباد.. (1))

3/ قتله الشريكه الصحابي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.

قال الطبري في تاريخه: ذكر الخبر عن سبب هلاكه (عبد الرحمن بن خالد بن الوليد)

وكان السبب في ذلك ما حدثني عمر قال حدثني علي، عن مسلمة بن محارب؛ أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام، ومال إليه أهلها، لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد، ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه، حتى خافه معاوية، وخشي على نفسه منه لميل الناس إليه، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله، وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص، فلما قدم عبد الرحمن بن خالد الى حمص منصرفاً من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربةً مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص، فوفى له معاوية بما ضمن له، وولاه

خراج حمص، ووضع عنه خراجه.(2)

وهو ما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب(3)، وابن الأثير في أسد الغابة(4)

ثانياً : شربه للخمرة.

قال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

ص: 158


1- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / باب الحاء / ج 1 / ص 391
2- تاريخ الطبري / ج 3 / أحداث سنة 46 ه/ ص 202
3- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / ج 2 / باب العين / عبد الرحمن بن خالد/ ص 372
4- أسد الغابة - ابن الأثير / ج 3 حرف العين / عبد الرحمن بن خالد/ ص 436

فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(1)، فهل إجتنب معاوية الخمرة، بل نراه يشرب الخمرة جهارا أمام الصحابة، بل ويقدمها لضيوفه بعد أن جلس على كرسي الخلافة وتسلط على رقاب الناس، فعندما قدم عليه الصحابي بريدة الأسلمي إلى الشام، قام معاوية بتقديم الخمرة إلى بريدة، فذكره بريدة بتحريم النبي صلی الله علیه و آله وسلم لها .

فقد روى أحمد في مسنده عن عَبْدِ الله بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ دَخَلْتُ أَنا وَأَبِي عَلَى مُعاوِيَةَ فَأَجْلَسَنَا عَلَى الْفُرُش ثُمَّ أُتِينَا بِالطَّعامِ فَأَكَلْنَا ثُمَّ أُتِينَا بِالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعاوِيَةُ ثُمَّ نَاوَلَ أبي ثُمَّ قَالَ مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم...(2)

وهذه الحادثة ليست الأولى التي يكشف فيها عن تناول معاوية للخمور، بل سبق بريدة الأسلمي الصحابي الجليل عبد الرحمن بن سهل عندما إكتشف روايا خمر تحمل إلى معاوية في زمن عثمان فاعترضها، ونقل هذه الحادثة كُل من أبي نعيم الاصفهاني في معرفة الصحابة:

عن محمد بن كعب القرظي، قال: «غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمان عثمان، ومعاوية أمير على الشام، فمرت به روايا خمر تحمل لمعاوية، وبر فقام إليها عبد الرحمن برمحه، فنقر كل راوية منها ، فناوشه غلمانه حتى بلغ مثأنة معاوية، فقال: دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله، فقال: كذب والله ما ذهب عقلي، ولكن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نهانا أن ندخل بطوننا، وأسقيتنا، وأحلف بالله لئن أنا بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأبقرن بطنه ولأموتن دونه».(3)

والحافظ ابن حجر العسقلاني في الإصابة:

ص: 159


1- سورة المائدة / الآية 90
2- مسند الامام أحمد / مسند الأنصار / بريدة / ج 5 / ص 407 / ح 23005
3- معرفة الصحابة - لأبي نعيم / ج 3/ عبد الرحمن بن سهل / ص 274

وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده و ابن قانع وابن مندة من طريق ابن إسحاق عن بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب القرظي قال : غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمن عثمان ومعاوية أمير على الشام فمرت به روايا خمر .. الحديث(1)

ثالثا:بيعه للخمرة.

روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه لعن في الخمرة عشرة منهم مَنْ باع الخمرة، كما جاء في سنن الترمذي وغيره عن أنس أنه قال: «لَعَنَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم في الْخَمْرِ عَشْرةً عاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمُحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ».(2) (2)

وقد روى ابن عساكر في تاريخه حادثة تثبت أن معاوية كان يتاجر في الخمرة:

عن إسماعيل بن عمير بن رفاعة عن أبيه أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر فقال ما هذه أزيت قيل لا بل خمر تباع لفلان [أي معاوية] فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا فأمسك عنا أخاك فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال يا عبادة ما لك ولمعاوية ذره وما حمل فإن الله يقول : «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ» قال يا أبا هريرة لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم وعلى أن ننصره إذا قدم

ص: 160


1- الإصابة في معرفة الصحابة - لإبن حجر / ج 3 عبد الرحمن بن سهل / ص 338
2- سنن الترمذي / كتاب البيوع / باب 59 / ص 309 / ج 2 / ح 1295

علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة ومن وفى وفى الله له الجنة مما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو من نكث فإنما ينكث على نفسه فلم يكلمه أبو هريرة بشيء فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله فإما أن يكف عبادة وإما أن اخلي بينه وبين الشام...(1)

وروى الحديث الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، ولكن لم يذكر بداية الحديث التي فيها ذكر معاوية واكتفى بدله بكلمة ( فذكر الحديث وهذا نص كلامه كما جاء بالمسند:

عن عبد الله بن عثمان بن خثيم حدثني إسماعيل بن عبيد الأنصاري فذكر الحديث فقال عبادة لأبي هريرة يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم انا بايعناه على السمع والطاعة ...(2)

رابعا:تحليله الربا.

لقد إستمر معاوية في إرتكابه للمحرمات وإتباعه للشهوات، فنراه لا يتوانى عن أكل الربا رغم تحذير الله ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم للربا، فقال تعالى:«أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».(3)

روى مسلم في صحيحه عن أبي قلابة قال كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث قال قالوا أبو الأشعث أبو الأشعث فجلس فقلت له حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت قال نعم : غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع

ص: 161


1- تاريخ دمشق - لإبن عساكر/ عبادة بن الصامت/ ج 26 / ص 197
2- مسند الامام أحمد بن حنبل / ج 5 / ص 32 / ح 22834
3- سورة البقرة / آية: 275

الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال لنحدثن

بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وإن كره معاوية ..(1)

وروى ابن ماجة في سننه عن إسحاق بن قبيصة عن أبيه

أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم غزا مع معاوية أرض الروم. فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدراهم. فقال يا أيها الناس إنكم تأكلون الربا : سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول «لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة» فقال له معاوية يا أبا الوليد لا أرى الربا في هذه إلا من كان نظرة.

فقال عبادة أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وتحدثني عن رأيك لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك علي فيها إمرة ..(2)

خامساً:أكل أموال المسلمين بالباطل

روى مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في سفر فنزلنا منزلا .. إذ نادى منادي رسول

ص: 162


1- حيح مسلم كتاب المساقاة / باب الصرف../ ح 80 - (1587) / ص 666
2- سنن ابن ماجة / المقدمة / باب تعظیم حدیث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم / ص 17 / ح 18

الله صلى الله عليه و آله وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم».. فدنوت منه فقلت أنشدك الله أأنتَ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته أذناي ووعاه قلبي فقلت له هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ...» قال فسكت ساعة ثم قال أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله(1)

ورواه أحمد في مسنده(2)، وابن أبي شيبة في المصنف.(3)

فهذا هو خليفة المسلمين يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، بل هو شخصياً كان يسرق أموال المسلمين فيصطفي له منها ما يعجبه كما رواه ابن أبي شيبة في موقف الحكم بن عمرو عندما رفض ذلك.

روى ابن أبي شيبة حدثنا بن علية عن هشام عن الحسن قال كتب زياد إلى الحكم بن عمرو الغفاري وهو على خراسان أن أمير المؤمنين كتب أن يصطفي له البيضاء والصفراء فلا تقسم بين الناس ذهباً ولا فضة فكتب إليه بلغني كتابك تذكر أن أمير المؤمنين كتب أن يصطفي له البيضاء والصفراء وأني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين وأنه والله لو أن السماوات والأرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله جعل الله له مخرجا والسلام عليكم ثم قال للناس اغدوا على مالكم فغدوا فقسمه بينهم .(4)

ص: 163


1- صحيح مسلم / كتاب الإمارة / باب: 10 / ص 803/ ح 1844
2- مسند الإمام احمد / مسند عبد الله بن عمرو / ج 2 / ص 219 / ح 6510
3- مصنف ابن أبي شيبة / كتاب الفتن / ج 7 / ص 446 / ح 37098
4- مصنف ابن أبي شيبة / ج6 / كتاب الأمراء / باب : 1/ ح 30651 / ص 201

ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب .(1)

سادساً:لبس الحرير والذهب.

روى أبو داود في سننِهِ : عَنْ خَالِدٍ (ابن معدان الكلاعي) قَالَ وَفَدَ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِيكَرِبَ وَعَمْرُو بْنُ الأَسْوَدِ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ مِنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ مُعاوِيَةُ لِلْمِقْدَامِ أَعَلِمْتَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ تُوُفِّيَ فَرَجَعَ الْمِقْدَامُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَتْرَاهَا مُصِيبَةً قَالَ لَهُ وَلِمَ لا أَرَاهَا مُصِيبَةً وَقَدْ وَضَعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فِي حِجْرِهِ فَقَالَ «هَذَا مِنِّي وَحُسَيْنٌ مِنْ عَليٍّ» . فَقَالَ الأَسَدِيٌّ جَمْرَةٌ أَطْفَاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ فَقَالَ المِقدَامُ أَنَا فَلَا أَبْرَحُ الْيَوْمَ حَتَّى أُغِيظَكَ وَأَسْمِعَكَ مَا تَكْرَهُ. ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاوِيَةُ إِنْ أَنَا صَدَقْتُ فَصَدِّقُنِي وَإِنْ أَنَا كَذَبْتُ فَكَذَّبْنِي قَالَ أَفْعَلُ. قَالَ فَأَنْشُدُكَ بالله هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ الله نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَأَنْشُدُكَ بِالله هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَنْهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَأَنْشُدُكَ بِالله هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السَّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَوَالله لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَيْتِكَ يَا مُعاوِيَةُ. فَقَالَ مُعاوِيَةُ قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْكَ يَا مِقْدَامُ ...(2)

ورواه الطبراني كامل في المعجم الكبير.(3)

ولكن روى النسائي في سننه جزءً من الحديث واقتطع ما يخص معاوية(4)، وكذلك فعل البيهقي ذكر مقطعاً من الحديث أما القصة التي تنتقد معاوية فقد اقتطعها من الحديث..

ص: 164


1- الإستيعاب في معرفة الأصحاب / ج 1 / حرف الحاء: الحكم بن عمرو/ ص 413
2- سنن أبي داود / كتاب اللباس/ جلود النمور والسباع / ص 649 / ح 4132
3- المعجم الكبير - للطبراني / ج 9 / ص 24 ، 25 / ح 17024 - 17027
4- سنن النسائي / كتاب الفرع .. / باب النهي عن الانتفاع بجلود السباع / ص 176 / ح 4257

عن خالد قال وفد المقدام بن معد بن كرب على معاوية بن ابي سفيان فذكر قصته ثم قال المقدام يا معاوية ان انا صدقت فصدقني وان انا كذبت فكذبني قال فافعل قال فانشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ينهى عن لبس الذهب قال نعم قال فانشدك بالله هل تعلم ان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم نهى عن لبس الحرير قال نعم قال فانشدك بالله هل تعلم ان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها قال نعم .(1)

فنلاحظ البيهقي كيف اقتطع الحديث ولم يكمل قول المقداد لمعاوية: «فَوَالله لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَيْتِكَ يَا مُعاوِيَةُ» وهذا حال الأحاديث التي تكشف حقيقة معاوية وأمثاله من الصحابة.

سابعاً:من الفئة الباغية التي تدعو إلى النار.

كان معاوية قائد الفئة الباغية التي تدعو إلى النار كما وصفه النبي صلى الله عليه و آله وسلم بالفئة الباغية التي تدعو إلى النار والفئة التي بها عمار والتي قائدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام«بالفئة التي تدعو إلى الجنة»، فقد روى البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الجُنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ»(2)، فكان مقتله رضوان الله عليه أحدث ضجة في صفوف جيش معاوية، فقد روى الحاكم : (عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال : لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال : قتل عمار و قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : تقتله الفئة الباغية فقام عمرو فزعاً حتى دخل على معاوية فقال له معاوية : ما شأنك فقال: قتل عمار بن

ص: 165


1- السنن الكبرى للبيهقي / ج 5 / كتاب صلاة الخوف / باب نهي الرجال../ ص 274/ ح 6202
2- البخاري / كتاب الصلاة / باب التعاون في بناء المسجد/ ص 98/ ح 447

ياسر.(1)

وعمار بن ياسر كما هو معروف قتل بمعركة صفين قتله الصحابي أبو الغادية، كما جاء في مسند أحمد: عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ كُنَّا بِوَاسِطِ الْقَصَبِ عِنْدَ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الله بن عامِرٍ قَالَ فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ. فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا.. يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَإِذَا رَجُلٌ يَسُبُّ فَلَانًا فَقُلْتُ وَالله لَئِنْ أَمْكَتَنِي الله مِنْكَ فِي كَتِيبَةٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ إِذَا أَنَا بِهِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَالَ فَفَطِنْتُ إِلَى الْفُرْجَةِ فِي جُرُبَّانِ الدِّرعِ فَطَعَتْهُ فَقَتَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ عَمارُ بنُ يَاسِيرٍ ...(2)

ثامناً : منافق بسبب بغضه للإمام علي علیه السلام.

لقد تعددت مواقف معاوية تجاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، فبدأها بقتاله وبغضه وختمها بسبّه على المنابر ، بل وصل به البغض إلى إلغاء سنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأن الإمام عليًّا علیه السلام التزم بهذه السنة.

1/ قتاله للإمام علي علیه السلام فهو كان بمعركة صفين، فقد خرج معاوية على إمام زمانه فقاتله .

2/ سبه للإمام علي علیه السلام

فقد أمر معاوية بسبّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام على المنابر فواجه مشكلة في المدينة المنورة وهي رفض الصحابي سعد بن أبي وقاص سب الإمام علي علیه السلام.

فقد روى مسلم بصحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال أما ذكرت ثلاثا

ص: 166


1- المستدرك على الصحيحين / كتاب معرفة الصحابة / ج 4 / ص 102 / ح 5749
2- مسند الإمام أحمد بن حنبل / مسند أبي الغادية / ج 4 / ص 94 / ح 16703

قالهن له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ولما نزلت هذه الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَ نَا وَأَبْنَاءَكُمْ» دعا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي.(1)

وفي الكوفة واجه معاوية رفض الصحابي حجر بن عدي وأصحابه فقتل حجراً وأصحابه.

3/ وأما ما كان من تركه لسنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم بسبب بغضه للإمام علیه السلام

فقد جاء في سنن النسائي: - عن سعيد بن جبير عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عباس بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون قلت يخافون من معاوية فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي .(2)

تاسعاً: تغييره لسنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم.

1/ إلغاء التلبية يوم عرف عرفة.

فقد ذكرناه في المسألة السابقة عن النسائي: - عن سعيد بن جبير قال: كنت مع بن عباس بعرفات فقال ما لي لا أسمع الناس يلبون قلت يخافون من معاوية فخرج بن

ص: 167


1- صحیح مسلم / كتاب فضائل الصحابة / فضائل علي بن أبي طالب / ح 32 - (2404) / ص 1020
2- سنن النسائي / كتاب مناسك الحج / التلبية بعرفة / ص 245 / ح 9530

عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي .(1)

ورواه أيضا كل من البيهقي في سننه(2)، والحاكم النيسابوري في المستدرك(3)، وذكر ابن كثير في تاريخه عن سفيان الثوري وقال سفيان الثوري ، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه ذكر معاوية وأنه لبى عشية عرفة فقال فيه قولاً شديداً، ثم بلغه أن علياً لبى عشية عرفة فتركه .(4)

2/ زيادة الآذان في صلاة العيدين.

روى ابن أبي شيبة عن ابن المسيب : قال أول من أحدث الأذان في العيدين معاوية.(5).وغيرها من البدع مثل إدعائه زيادا وغيرها التي تثبت تغييره السنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم .

عاشراً: خيانته للعهد.

قال تعالى: «وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»(6)، وقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»(7)، فنرى في قضية

الصلح التي جرت بين الإمام الحسن علیه السلام ومعاوية، والتي إشترط فيها الإمام الحسن علیه السلام شروطا على معاوية، منها أن لا يسبّ الامام عليّاً علیه السلام، وأن يعمل بكتاب الله وسنته، وأن لا يعهد لأحدٍ بعده وتكون الخلافة للامام الحسن اذا كان حيا أو للامام الحسين، وقد إختلفت الروايات في من يخلفه:

ص: 168


1- سنن النسائي / كتاب مناسك الحج / التلبية بعرفة / ص 439/ ح 3008
2- السنن الكبرى للبيهقي / ج 7/ كتاب الحج/ باب نهي الرجال../ ص 274/ ح 6202
3- المستدرك للحاكم / كتاب الحج / ج 2 / ص 26 / ح 1741
4- البداية والنهاية / ج 6 / سنة 60 من الهجرة / ترجمة معاوية /ص 633
5- مصنف ابن أبي شيبة / كتاب الصلوات / ج 1 / ص 491/ ح 5665
6- سورة الإسراء / الآية: 34
7- صحيح البخاري / كتاب الإيمان / باب علامة المنافق / ح 33 / ص 22

1/ الشرط ينصّ على أن يخلفه الإمام الحسن أو الحسين عليهما السلام وهو الثابت عند الشيعة.

2/ الشرط ينص على أن الخلافة بعد معاوية للإمام الحسن علیه السلام. وهو أحد آراء السنة

قال ابن حجر العسقلاني في الفتح : وَذَكَرَ مُحَمَّد بن قُدَامَةَ فِي كِتَابِ الْخَوَارِجِ بِسَنَدِ قَوِي إِلَى أَبِي بَصْرَة أَنَّهُ سَمِعَ الحَسَن بن عَلى يَقُول فِي خُطْبَتِهِ عِنْدَ مُعَاوِيَة إِنِّي اشْتَرَطت عَلَى مُعَاوِيَة لِنَفْسِي الخِلَافَة بَعْدَهُ.(1)

2/ الشرط ينص على أن الخلافة بعد معاوية تكون بالشورى بين المسلمين، ولا يعهد لأحد بعده.

وهذا ما ذكره ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة:

«بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.. »(2)

والثابت المشهور في هذه المسألة ان معاوية لم ينفذ الشرط كما جاء بسند صحيح عن الزهري، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: «وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بن سُفْيَان بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الزُّهْرِي قَالَ:

كَاتَبَ الحَسَن بن عليّ مُعاوِيَة وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ فَوَصَلَتْ الصَّحِيفَة لِمُعاوِيَةَ وَقَدْ أَرْسَلَ

ص: 169


1- فتح الباري - لابن حجر / ج 13 / كتاب الفتن باب 20 / ص 81 / ح 7109، 7110
2- الصواعق المحرقة - للهيتمي / الباب العاشر : في خلافة الحسن [علیه السلام] ص 399

إِلَى الحَسَن يَسْأَلهُ الصُّلْح وَمَعَ الرَّسُول صَحِيفَة بَيْضَاء مَختُومٍ عَلَى أَسْفَلَهَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ اِشْتَرِطْ مَا شِثْت فَهُوَ لَك، فَاشْتَرَطَ الْحَسَن أَضْعاف مَا كَانَ سَأَلَ أَوَّلًا، فَلَا الْتَقَيَا وَبَايَعَهُ الْحَسَن سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا اشْتَرَطَ فِي السِّجِلَ الَّذِي خَتَمَ مُعَاوِيَةٍ فِي أَسْفَلَهِ فَتَمَسَّكَ مُعَاوِيَةٌ إِلَّا مَا كَانَ الحَسَن سَأَلَهُ أَوَلًا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ أَجَابَ سُؤَالِهِ أَوَّل مَا وَقَفَ عَلَيْهِ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَنْفُذ لِلْحَسَنِ مِنْ الشَّرْطَيْنِ شَيْء .»(1)

فلم ينفذ معاوية أياً من الشروط، فبقي ثابتاً على سبّه للامام علي علیه السلام إلى أن صارت سنة بعده لبني أمية، ولم يترك أصحاب الامام علي علیه السلام وشأنهم فظل يطاردهم، وأما خلافة المسلمين فقد ورّثها لإبنه السكير يزيد، وأخذ له البيعة من المسلمين قبل وفاته.

وبخيانة معاوية للعهد الذي قطعه على نفسه أمام المسلمين أثناء صلحه مع الإمام الحسن علیه السلام نختم حقيقة معاوية التي ختم بها حياته.

ص: 170


1- فتح الباري - لابن حجر / ج 13 / كتاب الفتن / باب 20 / ص 81 / ح 7109، 7110

الباب التاسع

اشارة

السجود على الأرض أو مَا أَنبَتَت

في الكِتاب والسُّنّة

ص: 171

ص: 172

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين سيدنا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

صبوا الله

أما بعد.. لقد أمر الله تعالى عباده بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم، حيث قال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»(1)، وقال : «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ»(2)، ومن أهم تلك الطاعات التي أمر الله بها المسلمين هي الصلاة والصلاة هي الأصل في قبول بقية الفرائض والأعمال الأخرى للإنسان المسلم كما قال الإمام الباقر علیه السلام:« إن أول ما يُحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها . . »(3)، وهي بنفس الوقت متكونة من عدة ، أركان، ومن أهم تلك الأركان السجود، فلذلك صار ترك السجود أو عدم أدائه بالشكل الذي نصت عليه الشريعة الإسلامية يُؤدي إلى بطلان السجود الذي ببطلانه تبطل الصلاة، وبالتالي عدم قبول سائر الفرائض والأعمال الأخرى المكلف بها المسلم.

ونشاهد اليوم الاختلاف الكبير بين المسلمين في فريضة الصلاة وأركانها، وكل

ص: 173


1- [الأنفال/ 1]
2- [النور/ 52]
3- الكافي - للكليني/ ج 3 كتاب الصلاة / باب من حافظ على صلاته / ص 268/ ح 4

فرقة من فرق المسلمين تدّعي أن صلاتها هي صلاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، بل إن بعض الفرق الاسلامية تطعن وتنكر على أتباع مدرسة أهل البيت علیهم السلام سجودهم، وكأن الشيعة جاؤوا ببدعة جديدة في سجودهم، وهي وضع جباههم على الأرض أو ما أنبتته، بالرغم من أن هذا السجود (وضع الجبهة على التراب أو النبات) هو سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأهل بيته عليهم السلام الذين أمرنا من قبل الله تعالى بطاعتهم واتباعهم.

بل وصل الأمر ببعضهم إلى إطلاق التهم على الشيعة بأنهم يسجدون للتربة..!! وزعم آخرون بأن الشيعة يعبدون التربة الحسينية، ومع الأسف لم يكلفوا أنفسهم بالإطلاع على رأي الشيعة وأحكامهم في هذه المسألة ومعرفة الحقيقة مباشرة من كتب الشيعة، ولكنهم اكتفوا بما ينقله المبغضون لشيعة أهل البيت عليهم السلام من إفتراء وأكاذيب.

فكان هذا البحث يتناول عرض كيفية سجود الشيعة بحسب مصادر أهل السنة لمعرفة مدى مطابقتهم لسجود النبي الله صلى الله عليه و آله وسلم عندهم ، وهل يخالف سجود الشيعة أم لا؟، ثم معرفة من هو المنحرف عن كيفية سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وما هي أسباب هذا الانحراف.

فكانت أبواب هذا البحث كالتالي:

المبحث الاول: معرفة الفرق في السجود بين السنة والشيعة.

المبحث الثاني: روايات أهل السنة المؤيدة لسجود الشيعة.

المبحث الثالث: الرد على روايات أهل السنة المخالفة لسجود الشيعة.

المبحث الرابع: لماذا انحرف أهل السنة عن سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم؟

المبحث الخامس : السجود على التربة الحسينية وشبهات المخالفين.

وبكشف هذه النقاط الخمس سوف نتعرف على من هو المخالف لكيفية سجود

ص: 174

النبي صلى الله عليه و آله وسلم في هذه المسألة المهمة في الشريعة الإسلامية، ومن الذي ابتدع في السجود وحرف سنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم مخالفاً بذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(1)«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ»(2)

ص: 175


1- [الحشر/ 7]
2- [الأحزاب/ 21]

ص: 176

المبحث الأول

معرفة الفرق في السجود بين السنة والشيعة

قبل الدخول في مفاصل هذا البحث الخاص بمسألة السجود علينا أولاً معرفة الاختلاف بين المذاهب الاسلامية في جزئيات السجود ، إن معرفة الفرق في هذه المسألة يكون في التطرق لتعريف السجود لغة وشرعاً فمن خلاله نوضح الفرق الذي وقع بين تلك المذاهب.

السجود لغة :

قال ابن منظور: سَجَدَ يَسْجُدُ سجوداً وضع جبهته بالأَرض .(1)

والجوهري: سَجَدَ: خضع.. ومنه سُجود الصلاة، وهو وضع الجبهة على الأَرْضِ...(2)

أما شرعاً :

فهنا وقع الخلاف بين المذاهب الاسلامية، فبعد أن اتفقوا على بعض جزئيات السجود اختلفوا في تحديد هوية الأرض التي يصح السجود عليها، فكان الخلاف يقع بين رأيين:

الرأي الأول: إنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل

ص: 177


1- لسان العرب / ج /6 / باب: السين / ص 175
2- الصحاح - للجوهري / ج 1 / باب: الدال فصل: السين / ص 296

ولا يلبس، وهو رأي الشيعة الامامية، قال الشيخ الطوسي - في كتابه الخلاف -: لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار ..(1)

الرأي الثاني : إن السجود يجوز على كل شيء حتى لو كان من غير جنس الأرض مثل الصوف والجلود وغيرها. وهو رأي أهل السنة والجماعة، ذكر الإمام النووي - في كتابه المجموع : قال أصحابنا لا تكره الصلاة على الصوف واللبود والبسط والطنافس وجميع الأمتعة ولا يكره فيها أيضاً هذا مذهبنا ونقله العبدري عن جماهير العلماء .(2)

وبعد معرفة الفرق بين الرأيين نستعرض مجموعة من الأدلة من مصادر الشيعة الإمامية التي تدعم الرأي الأول حسب القواعد المتبعة في مذهب الشيعة الإمامية.

فلو تتبعنا مصادر الشيعة الإمامية لرأيناها تأخذ أدلتها عن طريق أهل البيت عليهم السلام الذين أوصى النبي صلى الله عليه و آله وسلم باتباعهم والأخذ منهم وجعلهم الثقل الثاني بعد القرآن للخلاص من الضلال وذلك بالحديث المتواتر عند السنة والشيعة والمسمى بحديث الثقلين.(3)

الإمام الصادق علیه السلام قال هشام بن الحكم لأبي عبدالله علیه السلام: «أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس/(4)

وروى زرارة عن أبي جعفرعلیه السلام قال : قلت له : أسجد على الزفت – يعني القير -؟

ص: 178


1- الخلاف - للشيخ الطوسي / ج 1 / مسالة 112 / ص 353
2- المجموع / ج 4 / كتاب الصلاة / باب طهارة البدن .. وما يصلى عليه / ص 184
3- يأتي الكلام حول حديث الثقلين في المبحث الرابع ص 17
4- من لا يحضره الفقيه / ج 1 / باب 41 / ص 177 / ح 1

قال لا ولا على الثوب الكرسف(1)، ولا على الصوف ولا على شيء من ثمار الأرض ولا على شيء من الحيوان ولا على شيء من الرياش.(2)

وروى الفضل بن عبد الملك قال : قال أبو عبد الله علیه السلام لا تسجد إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض إلا القطن والكتان.

وكان الإمام المعصوم إذا رأى موضع سجوده من غير الأرض أو النبات يأتي بما يصح عليه السجود ويضعه فوق الفراش أو السجاد المصنوع مما لا يصح السجود عليه، كما جاء في كتاب التهذيب للشيخ الطوسي عن حمران عن أحدهما علیهما السلام قال: كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة(3) ، ويسجد عليها فاذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد .(4)

نكتفي بهذه المجموعة من مصادر أهل البيت علیهم السلام ؛ لأن أصل البحث يدور حول إثبات سجود الشيعة من مصادر المخالفين.

ص: 179


1- الكرسف : القطن
2- الخلاف - الطوسي / ج 1 / كتاب الصلاة/ مسألة: 112/ ص 357
3- الطنفسة هي سجادة أو بساط سميك له خمل (مصنوع من غير النبات)
4- تهذيب الأحكام - / ج 2 / كتاب الصلاة / ص 329 / ح (1234) 90

ص: 180

المبحث الثاني

روايات أهل السنة المؤيدة لسجود الشيعة

في هذا المبحث نستعرض ما جاء في كتب أهل السنة من روايات تبين كيفية سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وما هي مواضع السجود التي كان يسجد عليها النبي صلى الله عليه و آله وسلم أو أمر الناس بالسجود عليها.

وسوف نركز في هذا المبحث على سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم دون سجود غيره من الصحابة أو التابعين؛ لما ثبت عند أهل السنة أن كيفية الصلاة تؤخذ من صلاة النبي صلى الله عليه و آله وسلم، وليست هي مسألة قابلة للاجتهاد والرأي من الصحابة أو التابعين أو غيرهم، فهي مسألة محصورة به الله ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم الثابت عندهم : (وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أَصَلِّي ..)(1) ، فنراه يقيد الصلاة بصلاته الله، والسجود هو جزء من أجزاء الصلاة، فتكون معرفة كيفية سجوده بنقل الصحابة لكيفية سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم أو ما سمعوه منه بهذا الخصوص.

السجود على الأرض:

قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في الحديث المتفق عليه عند أهل السنة «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ»(2)، نأتي إلى أفراد ومصاديق الأرض التي جعلها الله مسجداً للنبي صلى الله عليه و آله وسلم يصلي عليها مثل التراب والحصى.

ص: 181


1- صحيح البخاري / كتاب الأدب / باب 27 / ص 1106 / ح 6008
2- صحيح البخاري / كتاب الصلاة / باب 56/ ص 96/ ح 438

1- سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم على التراب.

ما رواه البخاري عَنْ الصحابي أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي حيث قال:

كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم لا يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ... فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَأَمْطَرَتْ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ، وَوَجْهُهُ مُمْتَلِىءٌ طِيناً وَمَاءً .(1)

ورواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري.(2)

وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن الصحابي عبد الله بن أنيس:

أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال : رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه .(3)

2- أمر النبي صلى الله عليه و آله وسلم الصحابة بتعديل التراب مرة واحدة قبل السجود.

روى البخاري عن الصحابي مُعَيْقِيبُ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ فِي الرَّجُل يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ «إِنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَوَاحِدَةً» .(4)

ورواه مسلم عن الصحابي معيقيب في صحیحه.(5)

ص: 182


1- صحيح البخاري / كتاب فضل ليلة القدر / باب 3 / ص 363/ ح 2018
2- صحيح مسلم / كتاب الصيام / باب 40 / ص 824 / ح 213 - (1167)
3- مسند أحمد بن حنبل/ ج 3/ مسند المكيين / ص 601 / ح 16051
4- صحيح البخاري / كتاب العمل في الصلاة باب / ص 225 / ح 1207
5- صحیح مسلم / کتاب المساجد ومواضع الصلاة / ص 214 / ح 49 -(546)

3- السجود على الرمضاء (الرمل الذي إشتدت حرارته من شدة الشمس)

روی مسلم في صحيحه عن الصحابي خباب بن الارت: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الصلاة في الرمضاء فلم يشكنا»(1). ورواه النسائي في سننه .(2)

وروى البيهقى في سننه باختلاف يسير عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الشهادة الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم يشكنا.(3)

قال النووي في شرح صحيح مسلم : أي شكونا مشقة إقامة صلاة الظهر في أول وقتها لأجل ما يصيب أقدامنا من الرمضاء وهي الرمل الذي اشتدت حرارته.

4- طلب النبي صلى الله عليه و آله وسلم من صحابته تتريب وجوههم أثناء السجود.

روى الحاكم في المستدرك: عن أبي حمزة بن أبي صالح قال : كنت عند أم سلمة فدخل عليها ذو قرابة لها شاب ذو جمة فقام يصلي فنفخ فقالت: يا بني لا تنفخ فإني سمعت رسول الله يقول لعبد لنا أسود: أي رباح ترب وجهك.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال الذهبي في التلخيص : صحيح.(4)

ورواه الترمذي عن أم سلمة قالت: رأى النبيصلى الله عليه و آله وسلم غلاما لنا يقال له أفلح إذا سجد

نفخ فقال يا أفلح ! ترب وجهك .(5)

ص: 183


1- صحيح مسلم / كتاب المساجد ومواضع الصلاة / ص 242 / ح 189 -(619)
2- سنن النسائي / كتاب المواقيت / باب /2 / ص 80 / ح 499
3- السنن الكبرى للبيهقي / ج 2 / كتاب الصلاة / باب الكشف عن الجبهة ../ ص 105
4- المستدرك للحاكم / ج 1 / كتاب الصلوة / باب التأمين / ص 379 / ح 1029
5- سنن الترمذي/ ج / أبواب الصلاة / باب 280 /ص 282 / ح 381

5- السجود على الحصى.

حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي الأحوص الليثي عن أبي ذر قال: – قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح بالحصى».(1)

روى ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الظهر فآخذ قبضة من الحصى فأجعلها في كفي ثم أحولها إلى الكف الأخرى حتى تبرد ثم أضعها لجبيني حين أسجد من شدة الحر .(2)

ورواه الحاكم عن جابر بن عبد الله قال: كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فآخذ قبضة من الحصى ليبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

وقال الذهبي في التلخيص : على شرط مسلم.(3)

ورواه أبو داود في سننه.(4)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ معلقاً على هذا الحديث:

لا يجوز السُّجُود إلَّا عَلَى الجَبْهَةِ وَلَوْ جَازَ السُّجُودِ عَلَى ثَوْب هُوَ لابسه أَوْ الاقتصار مِنْ السُّجُود عَلَى الْأَرْنَبة دون الجبهة لَمْ يَكُن يحتاج إِلَى هَذَا الصَّنِيع..(5)

ص: 184


1- سنن ابن / ماجة كتاب إقامة الصلاة باب /62 / ص 168 / ح 1027
2- مصنف ابن ابي شيبة / ج 1 / كتاب الصلوات / باب /94 / ص 286 / ح 3275
3- المستدرك للحاكم / ج 1 / كتاب الصلوة / ص 301 / ح 721
4- سنن أبي داود / كتاب الصلاة / باب 4 / ص 156/ ح 399
5- عون المعبود/ ج 2 / كتاب الصلاة / باب وقت صلاة الظهر / ص 52

6- المسجد النبوي صلى الله عليه و آله وسلم مغطى بالحصى.

إنّ في إثبات أن المسجد النبوي كان مفروشا بالحصى دليلاً على جواز السجود عليه بالذات بعد قبول النبي صلى الله عليه و آله وسلم بفرشه بالحصى وهو ما أثبته البيهقي في سننه روى البيهقي في سننه عن أبي الوليد قال :

سألت ابن عمر عما كان بدء هذه الحصباء التي في المسجد قال نعم مطرنا من الليل فخرجنا لصلوة الغداة فجعل الرجل يمر على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه قال فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ذالك قال ما أحسن هذا البساط فكان ذلك أول بدئه .(1)

وجاءت روايات تثبت أن أرضية المسجد النبوي كانت مغطاة بالحصى، والتي كان عبد الله بن عمر يحملها ويقلبها كما جاء في الرواية التي ينقلها مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص التي يقول فيها:

إنه كان قاعداً عند عبدالله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال يا عبدالله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ؟ فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء

المسجد يقلبها في يده ...(2)

ص: 185


1- السنن الكبرى للبيهقي / ج 2 / كتاب الصلاة / باب الحصى في المسجد / ص 440
2- صحیح مسلم / كتاب الجنائز / ص 366/ ح 56 - (945)

السجود على النبات:

1- السجود على الحصير: (الحصير هو البساط الصغير من النبات). (1)

روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةً دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ «قُومُوا فَلأُصَلَّ لَكُمْ». قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لبَسَ، فَنَضَحْتُهُ بمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم رَكْعَتَيْن ثُمَّ انْصَرَفَ.

وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم اللهم أحسن الناس خلقا فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا وكان بساطهم من جريد النخل . (2)

وروى الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في بيت أم سليم على حصير قديم قد تغير من القدم قال ونضحته من ماء فسجد عليه .(3)

وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أنه دخل على النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه...(4)

ورواه الترمذي في سننه(5)، وابن ماجة في سننه(6)، والإمام أحمد في مسنده (7)

وقال النووي في شرح صحيح مسلم :

ص: 186


1- لسان العرب / ج 3 ب/ اب الحاء - حصر / ص 203
2- صحيح مسلم/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة / ص 257 / ح 267 - (659)
3- مسند أحمد بن حنبل / مسند أنس / ج 3 / ص 179 / ح 12483
4- صحيح مسلم / كتاب الصلاة / باب 52 / ص 369 / ح 284 - (519)
5- سنن الترمذي / ج 1 / أبواب الصلاة / باب 247 / ص 249/ ح 332
6- سنن ابن ماجة / كتاب إقامة الصلاة / باب 63 /ص 328 / ح 1029
7- مسند أحمد بن حنبل / مسند أبي سعيد الخدري / ج 3 / ص 65 / ح 11495

قَوْله : «فَقُمْت إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُول مَا لُبِسَ فَنَضَحْته بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم.. فصلى لَنَا رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ».

فِيهِ: جَوَاز الصَّلَاة عَلَى الْحَصِيرِ وَسَائِر مَا تُنْبِتهُ الْأَرْضِ ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ ..(1)

السجود على الخمرة :

الخُمْرَة : هي مقدارُ ما يَضَع الرجُل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة ص ونحوه من النَّباتِ ولا تكون حُمرة إلا في هذا المقدار وسُمِّيت خُمرة لأنّ خُيوطها مَسْتُورة بِسَعَفِها.(2)

وقال ابن حجر العسقلاني في الفتح

وَالخُمْرَة: هُوَ مُصَلَّى صَغِير يُعْمَل مِنْ سَعَف النَّخْل .(3)

أقول : اذا كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا يصلي على أي شيء.. بل إذا رأى المكان الذي يصلي عليه ليس مما يصح السجود عليه كان يطلب الخمرة المصنوعة د عليه كان يطلب الخمرة المصنوعة من النبات. وتعدد الرواة الذين نقلوا هذا الحديث يثبت أن الخمرة كانت موجودة في بيوت المسلمين أيضا .. وفي هذا دليل على أن المسلمين كانوا يستعملونها في صلاتهم. فهم من التزموا بقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي ..» فهم يشاهدون النبي صلى الله عليه و آله وسلم يتجنب السجود على أي شيء ودائما ما يطلب ما يصح السجود عليه من حصير وخمرة.. بينما إذا صلى على التراب أو الحصى لا يطلب الخمرة كما كان يصلي في المسجد الذي كانت أرضيته مفروشة بالتراب.. ثم أبدلت بالحصى، وأعداد الصحابة الذين شاهدوا النبي وهو يصلي على

ص: 187


1- شرح النووي على مسلم / ج 5 / كتاب المساجد ومواضع الصلاة / ص 169
2- النهاية في غريب الأثر / ج 1 / حرف الخاء باب الخاء مع الميم / ص
3- فتح الباري لابن حجر / ج 1 / كتاب الحيض / باب 30 / ص 567

الخمرة دون غيرها من البسط التي تعمل من غير النبات الكثير منهم

1- الصحابي عبد الله بن عباس.

فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ .(1)

2- عبد الله بن عمر.

روى أحمد بن حنبل: عَنِ الْبَهِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يُصَلِّ عَلَى الحَمْرَةِ.(2)

وروى أيضا: عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ لِعَائِشَةَ نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنْ المَسْجِدِ قَالَتْ إِني حَائِضٌ قَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ في كَفَّكِ.(3)

وروى ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يصلي على الخمرة، لا يدعها في سفر ولا حضر .(4)

إذن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا يدع الخمرة لا في السفر ولا في الحضر، وهذا يدل على أن السجود لا يصح على أي شيء من البسط دون المعمول من النبات مثل الخمرة والحصير وغيرها مما هو من النبات، ولو جاز غيرها من البسط لما احتاج النبي صلى الله عليه و آله وسلم الحمل الخمرة في سفره

3- الصحابي أنس بن مالك.

روى أحمد بن حنبل : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَدْخُلُ عَلَى أُمّ سُلَيْمٍ فَتَبْسُطُ لَهُ نِطْعاً فَيَقِيلُ عَلَيْهِ فَتَأْخُذُ مِنْ عَرَقِهِ فَتَجْعَلُهُ فِي طِيبهَا وَتَبْسُطُ لَهُ الْخُمْرَةَ فَيُصَلِّي

ص: 188


1- مسند أحمد/ ج 1 / مسند عبد الله بن عباس / ص 352/ ح 2430
2- مسند أحمد/ ج 2/ مسند عبد الله بن عمر / ص 134 / ح 5735
3- مسند أحمد / ج 2 / مسند عبد الله بن عمر / ص 118 / ح 5591
4- صحیح ابن خزيمة/ ج 2/ كتاب الصلاة / ص 105 / ح

عَلَيْهَا .(1)

4- أم المؤمنين أم سلمة.

روى أحمد بن حنبل : عَنْ أَمْ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ. (2)

5 - أم المؤمنين عائشة.

روى أحمد بن حنبل : عَنْ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ قَالَتْ إِنِّي حَائِضُ قَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِكِ .(3)

وروى أيضاً: عَنْ عَبْدِ الله الْبَهِيِّ قَالَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ نَاوِلِينِي الْحُمْرَةَ قَالَتْ أَرَادَ أَنْ يَبْسُطُهَا فَيُصَلِّ عَلَيْهَا قَالَتْ إِنَّهَا حَائِضٌ قَالَ إِنَّ حَيْضَهَا لَيْسَ فِي يَدِهَا.(4)

6- أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث.

روى البخاري في صحيحه : عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ .(5)

وروى أحمد بن حنبل : عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمَّ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ فَيَسْجُدُ فَيُصِيبُنِي ثَوْبُهُ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَنَا حَائِضٌ.(6)

وروى أحمد: عَنْ مَنْبُودٍ عَنْ أُمِّهِ سَمِعَتْهُ مِنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ وَكَانَتْ إِحْدَانَا تَبْسُطُ

ص: 189


1- مسند أحمد / ج 3/ مسند أنس / ص 126 / ح 12006
2- مسند أحمد/ ج 6/ حديث أم سلمة/ ص 335/ ح 26634
3- مسند أحمد / ج 6/ مسند عائشة / ص 112 / ح 24749
4- مسند أحمد / ج 6 / مسند عائشة / ص 118 / ح 24801
5- صحيح البخاري / كتاب الصلاة / باب 21 / ص 87 / ح 381
6- مسند أحمد / ج 6/ حديث ميمونة / ص 364/ ح 26865

لِرَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم الْخُمْرَةَ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ يُصَلِّ عَلَيْهَا.(1)

وروى أيضا: عن مَنْبُودَ أَنَّ أُمَّهُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا بَيْنَا هِيَ جَالِسَةٌ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم إِذْ دَخَلَ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَتْ مَا لَكَ شَعِئًا قَالَ أُمُّ عَمَّارٍ مُرَجِّلَتِي حَائِضٌ فَقَالَتْ أَيْ بُنَيَّ وَأَيْنَ الْحَيْضَةُ مِنْ الْيَدِ لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يَدْخُلُ عَلَى إِحْدَانَا وَهِيَ مُتَكِئَةٌ حَائِضٌ.. وَتَقُومُ وَهِيَ حَائِضٌ فَتَبْسُطُ لَهُ الْخُمْرَةَ فِي مُصَلَّاهُ وقَالَ ابْنُ بَكْرٍ حُمْرَتَهُ فَيُصَلِّي عَلَيْهَا فِي بَيْتِي ..(2)

7- أم المؤمنين أم حبيبة.

قال الترمذي بعد ذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمْ حَبِيبَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَعَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأُمْ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ ..(3)

8- الصحابية أم كلثوم بنت أم سلمة

روى ابن خزيمة: عن أبي قلابة عن أم كلثوم بنت أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يصلي على الخمرة.(4)

9 - الصحابية أم سليم.

روى أحمد: عَنْ أُمَّ سُلَيم أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يصلي على الخمرة.(5)

فهذا ما سجد عليه النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حياته هو الأرض والنبات، وهو في حال الاختيار

ص: 190


1- مسند أحمد ج 6/ حديث ميمونة / ص 364 / ح 26868
2- مسند أحمد / ج 6 / حديث ميمونة / ص 367/ ح 26892
3- سنن الترمذي / ج 1 / أبواب الصلاة / باب 246 / ص 248/ ح 331
4- صحیح ابن خزيمة / ج 2 / كتاب الصلاة / ص 204 / ح 2008
5- مسند أحمد / ج 6/ حديث أم سلمة / ص 407 / ح 27186

طبعا، أما في حال الضرورة فيجوز السجود على غير الأرض والنبات وهذا مجمع عليه بين المسلمين، وهو رأي الإمامية من الشيعة كما جاء في كتاب الخلاف للشيخ الطوسي «لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار .. »(1) ورأي الامام مالك من أهل السنة، كما جاء بالمدونة «وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ الرَّجُلُ عَلَى الطَّنَافِسِ وَبُسُطِ الشَّعْرِ وَالشَّيَابِ وَالْإِدَامِ وَكَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا وَيَرْكَعَ عَلَيْهَا وَيَقْعُدَ عَلَيْهَا وَلَا يَسْجُدَ عَلَيْهَا وَلَا يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا، وَكَانَ لَا يَرَى بَأْساً بِالْحُصْرِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا وَأَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا .. وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَسْجُدُ عَلَى الثَّوْبِ إِلَّا مِنْ حَرِّ أَوْ بَرْدِ كَتَانَا كَانَ أَوْ قُطْنَا ..».(2)

والسجود على الأرض والنبات هو المتفق عليه بين المذاهب الإسلامية كما أكد ذلك الشيخ ابن تيمية الحراني في فتاواه «وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ عَلَى الْمَفَارِش إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْأَنْطَاع المُبْسُوطَةِ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَام وَكَالْبُسُطِ وَالزَّرَايِّ المَصْبُوغَةِ مِنْ الصُّوفِ...»(3)

إذن يلخص ابن تيمية القول بالسجود ويقسمه إلى قسمين.

أولاً:ما لم يتنازعوا فيه العلماء (أي المتفق عليه).

وهو السجود على ما كان من جنس الأرض كالخمرة والحصير - وهي من النبات -

ثانياً:ما تنازع فيه العلماء.

ص: 191


1- الخلاف - للشيخ الطوسي / ج 1 مسالة /112 / ص 353
2- المدونة / ج 1 / كتاب الصلاة / السجود على الثياب والبسط / ص 74
3- مجموع فتاوی ابن تيمية / ج 22 / كتاب الصلاة / مسألة 432 / ص 93

سلسلة دليل المحاور - السجود على الأرض أو ما أنبتت

وهو السجود على ما ليس من جنس الأرض كالبسط المصنوعة من الصوف والجلود وغيرها.

ص: 192

المبحث الثالث

الرد على روايات أهل السنة المخالفة لسجود الشيعة

لقد حصر إبن تيمية الحراني ثلاثة أدلة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، تثبت جواز السجود على غير الأرض وما أنبتته، فقد قال في فتاواه (وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ عَلَى المْفَارِشِ إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ : كَالْأَنْطَاعِ الْمُبْسُوطَةِ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَام وَكَالْبُسُطِ وَالزَّرَابِيُّ المُصْبُوغَةِ مِنْ الصُّوفِ وَأَكْثَرُ أَهْل الْعِلْم يُرَخِّصُونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْل الْحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِنَّ الْفِرَاشَ لَمْ يَكُنْ مِنْ

جِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَدِيمِ أَوْ صُوفٍ. وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمُدْبُوغَةِ» رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو داود مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ سَعِيدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ. قَالَ أَبُو حَاتِم الرازي: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ مَجْهُولٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ»(1).

وهو عينه ما يلاحظه الباحث في مصادر أهل السُّنّة عن كيفية سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم علي الهلال. فيجد محاولات لبعض الحفاظ ؛ لإثبات أحاديث ضعيفة أو تحريفات معاني نصوص قاموا بها ؛ وذلك لإثبات أن ما يسجد عليه أهل السنة هو مطابق السجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم. وهذه الأبواب التي ذكروها لإثبات ذلك السجود.

ص: 193


1- مجموع فتاوى ابن تيمية / ج 22 / كتاب الصلاة / الصلاة على السجادة / ص 92

194

1- السجود على الفروة.

2- السجود على الفراش

3- السجود على البسط . (دون ذكر نوع المادة المصنوع منها البساط)

أولا : محاولة ابن خزيمة في إثبات السجود على الفروة :

لقد ذكر الحافظ ابن خزيمة في صحيحه باباً يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم صلى على الفراء المدبوغة، فقد روى في صحيحه في باب الصلاة على الفراء المدبوغة بسنده عن أبي أحمد الزبيري عن يونس بن الحارث، عن أبي عون، عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يصلي على الحصير، والفروة المدبوغة .(1)

وهذا الحديث الذي استشهد به الحافظ ابن خزيمة هو حديث ضعيف.

وقد صرح بضعف الحديث الشيخ الألباني في كتابه ضعيف أبي داود.(2)

و ممن روى هذا الحديث الحافظ ابو داود في سننه بنفس السند الضعيف ، عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ..(3)، ورواه أيضا الاإمام أحمد بن حنبل في مسنده باختلاف يسير في متنه، وبنفس السند الضعيف، عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحارث الطائفي عن أبي عون، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يصلي أو يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة.(4)

وإن سبب ضعف هذه الأحاديث تكمن في ثلاث نقاط:

ص: 194


1- صحیح ابن خزيمة / ج 2 / كتاب الصلاة / ص 103 / ح 1006
2- ضعيف أبي داود - الالباني / ح 128 / ج 1 / ص 61
3- سنن أبي داود / كتاب الصلاة / باب 93 / ص 116 / ح 659
4- أحمد بن حنبل / ج 4 / حديث المغيرة بن شعبة / ص 311 / ح 18255

النقطة الأولى : ضعف يونس بن الحارث

حيث قال الذهبي في ترجمة يونس بن الحارث - يونس بن الحارث الطائفي، عن أبي بردة بن أبي موسى وغيره. روى عباس عن يحيى ضعيف. وقال أحمد ضعيف. وكذا قال النسائي.

ومن مناكير يونس ما أنبأني ابن الدرجي عن الصيدلاني.. حدثنا يونس بن الحارث، عن محمد بن عبيد الله أبي عون الثقفي عنه أبيه ، عن المغيرة بن شعبة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة أو حصير. أخرجه أبو داود.

سئل ابن المديني عن يونس بن الحارث فقال : كنا نضعف ضعفاً شديداً .(1)

إذن نلاحظ مدى ضعف هذا الراوي، بل جعل هذا الحديث الذي نحن في صدد دراسته من مناكيره!

النقطة الثانية:جهالة عبيد الله بن سعيد الثقفي (والد أبي عون)

أما عبید الله بن سعيد فقد قال عنه أبو حاتم الرازي: مجهول.(2)

النقطة الثالثة: انقطاع السند بين عبيد الله والمغيرة بن شعبة.

فقد قال في حقه ابن حبان في كتاب الثقات عبيد الله بن سعيد الثقفى من أهل الكوفة يروي المقاطيع.(3)

وقال ابن حجر العسقلاني في كتاب تهذيب التهذيب بعد أن ذكر كلام ابن حبان في

ص: 195


1- ميزان الاعتدال / ج 7/ حرف الياء - يونس / ص 314
2- الجرح والتعديل / ج 5 / باب العين - عبيد الله / ص 381
3- ثقات ابن حبان / ج 4 / اتباع التابعين باب العين - عبيد الله / ص 88

حقه: فعلى هذا فحديثه عن المغيرة مرسل .(1)

و مما سبق نرى مدى ضعف ما استند عليه الحافظ ابن خزيمة عندما أراد إثبات أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم صلى على الفراء المدبوغة، وذلك بحديث ضعيف مرسل.

ثانيا: محاولة البخاري في إثبات السجود على الفراش :

ذكر البخاري في صحيحه باباً في الصَّلاَةِ عَلَى الْفِرَاش، وأراد من خلاله إثبات أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قد سجد على الفراش دون الأرض أو النبات، واستدل بأحاديث ليس فيها شيء من ذلك، فكل ما فيها أن عائشة زوجة النبي صلى الله عليه و آله وسلم نائمة على الفراش والنبي صلى الله عليه و آله وسلم يصلي وهي أمامه، فلا أمامه، فلا يوجد فيها أي تصريح على أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يصلي على الفراش.

فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ .(2)

وروى أيضا : أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ، اعْتِرَاضَ الجنازة.(3)

وفي رواية أخرى: كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ .(4)

فهذه الروايات الثلاث التي حاول البخاري أن يثبت فيها أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يصلي

ص: 196


1- تهذيب التهذيب / ج 5 / حرف العين - عبيد الله / ص 381
2- صحيح البخاري / كتاب الصلاة / باب 22 / ص 78 / ح 382
3- صحيح البخاري / كتاب الصلاة / باب 22/ ص 87 / ح 383
4- صحيح البخاري / كتاب الصلاة / باب 22 / ص 88/ ح 384

على الفراش هي غير دالة على مطلبه لعدة أسباب:

السبب الأول : لا يوجد أي تصريح في هذه الروايات بأن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يصلي على الفراش.

فالرواية تذكر نوم عائشة على الفراش فقط، وإن عائشة أرادت من ذكر هذه الرواية أن تثبت أن المرأة لا تقطع الصلاة في حال مرورها أمام المصلي، لتردَّ على من قال بأن المرأة والحمار والكلب يقطعون الصلاة كما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب .(1)

السبب الثاني: ثبت أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم يصلي في بيته على الخمرة.

لقد ذكرنا وأثبتناه سابقا أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يأمر نساءه باحضار الخمرة للصلاة عليها، وعليه لو سلمنا بما ذكره البخاري من هذا الحديث الغريب فلعل النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يضع خمرته في هذه الحادثة، فلم تعلم عائشة عن وجودها وذلك بسبب تصريحها بأن المكان مظلم وصغر حجم الخمرة فهي بمقدار ما يغطي الجبهة ، وفوق كل هذا هي نائمة لا تعلم أين وقعت جبهة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فهي لا تعلم إلا غمز النبي صلى الله عليه و آله وسلم الرجلها وهذا ما صرحت به في الرواية.

السبب الثالث: ما جاء في هذه الرواية من أمور غير لائقة بأخلاق النبي صلى الله عليه و آله وسلم مع الله .

فمثل هذا الكلام «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُما» فهذا الكلام غير مقبول بحق رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عند صلاته ولقائه مع الله تعالى والأمر الأغرب من ذلك هو هل الغرفة قصرت عن المساحة حتى يقوم النبي صلى الله عليه و آله وسلم بالصلاة على رجل عائشة ولا يجد مكاناً فارغاً غير هذه

ص: 197


1- صحيح مسلم / كتاب الصلاة / باب 50 / ص 202/ ح 266 - (511)

المساحة التي تضع عائشة رجلها عليها !!

السبب الرابع: انفراد البخاري بهذا الاستدلال دون بقية الحفّاظ.

فالمتتبع لكتب السنن والمصنفات لا يجد مثل هذا الباب الذي ابتكره البخاري ونسبه لسجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم (الصلاة على الفراش) في بقية الكتب، عدا ابن أبي شيبة والذي استشهد بأفعال الصحابة في هذا الباب ولم يذكر حديث عائشة فيه، ونجد الحفّاظ يضعون هذا الحديث المروي عن عائشة في أبواب غير هذا الباب:

1- ذكر مسلم النيسابوري الحديث في باب الاعتراض بين يدي المصلي.(1)

2- وذكره أبو داود في باب مَنْ قَالَ المُرْأَةُ لاَ تَقْطَعُ الصَّلاَةَ.(2)

3- وذكره الترمذي في باب لا يقطع الصلاة شيء .(3)

4- وذكره النسائي في باب ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة .(4)

5- وذكره عبد الرزاق الصنعاني في باب ما يقطع الصلاة.(5)

6- وذكره ابن حبان في باب الإباحة للمصلي أن يصلي وبينه وبين القبلة امرأة..(6)

فنلاحظ إجماع الحفّاظ على أن الحديث جاء في مسألة قطع الصلاة وليس في السجود على الفراش ولم يستدل به أحد بأنه لإثبات الصلاة على الفراش عدا البخاري.

ص: 198


1- صحیح مسلم /کتاب الصلاة / باب 51 / ص 202 / ح 267 - (512)
2- سنن أبي داود / كتاب الصلاة / باب 113 / ص 123
3- سنن الترمذي/ ج 1 / أبواب الصلاة / باب 252 / ص 252
4- سنن النسائي / كتاب الطهارة / باب 120 / ص 33
5- مصنف عبد الرزاق / ج 2 / كتاب الصلاة / باب 120 / ص 18
6- صحيح ابن حبان / ج 6/ كتاب الصلاة / باب ما يكره للمصلي ../ ص 109

ثالثا:محاولة الترمذي في إثبات السجود على الطنفسة.

لقد سار الترمذي على آثار من سبقوه في الاجتهاد، فنراه يفتي بالسجود على الطنفسة، فبعد أن ذكر الترمذي حديث أنس بن مالك عن سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم على البساط وطبعا هذا البساط هو عبارة عن حصير مصنوع من النبات كما تثبته الروايات الأخرى، ولكنه أدخل الطنفسة ضمن البساط .

فقد روى في سننه عن أبي التياح الضبعي قال سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يخالطنا حتى [إنه] كان يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ قال ونضحَ بساطاً لنا فصلى عليه [قال الترمذي] والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم ومن بعدهم لم يروا بالصلاة على البساط والطنفسة بأساً وبه يقول أحمد، و إسحق.(1)

فنلاحظ كيف أدخل الترمذي الطنفسة مع البساط من غير دليل، ولعل قائلاً يقول أن الترمذي يعتبر البساط كان مصنوعا من غير النبات، نقول له إن الروايات التي تكشف نوعية هذا البساط كثيرة ، ملأت الصحاح وغيرها، ونذكر هنا مجموعة منها :

روى الإمام أحمد عن أبي التياح عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه قال فطيما قال وكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فرآه قال أبا عمير ما فعل النغير .. فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح بالماء ثم

يقوم رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا قال وكان بساطهم من جريد النخل.(2)

وروى أيضا عن أبي التياح عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم يزور أم سليم ولها ابن صغير يقال له أبو عمير وكان النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول يا أبا عمير ما فعل النغير .. فيصلي على

ص: 199


1- سنن الترمذي / ج 1 أبواب الصلاة / باب 248 / ص 248 / ح 333
2- مسند أحمد بن حنبل / ج 3/ مسند أنس / ص 260 / ح 13214

بساط وهو حصير ينضحه بالماء.(1)

وروى أيضا ابن أبي داود عن الصحابي أنس بن مالك يذكر فيه أن البساط كان حصيراً «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ أَحْيَانَا فَيُصَلِّي عَلَى بِسَاطٍ لَنَا وَهُوَ حَصِيرُ نَنْضَحُهُ بِالْماءِ».(2)

وهكذا بقية الأحكام في مسائل السجود

ص: 200


1- مسند أحمد بن حنبل / ج 3/ مسند أنس / ص 234 /ح 12984
2- سنن أبي داود / كتاب الصلاة / باب /93 / ص 116 / ح 658

المبحث الرابع

لماذا انحرف أهل السُّنّة عن سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم

بعد أن أثبتنا كيفية سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم عند الشيعة والسنة في الأبواب السابقة؛ نحاول في هذا الباب التعرف على أسباب انحراف أهل السنة عن نهج النبي صلى الله عليه و آله وسلم، والذي بيَّنه صلى الله عليه و آله وسلم لنا في سجوده وهو السجود على الأرض والنبات والذي أثبتناه سابقا بالأحاديث الصحيحة عند مذهب أهل السنة، وعليه يكون السؤال هنا كالآتي:

هل أخطأ علماء السنة في هذه المسألة وأتوا ببدع جديدة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه و آله وسلم. أم الذين أخطأوا هم التابعون فكانوا هم المنحرفين عن سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم، أم الصحابة أنفسهم كانوا أول من خالف رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم والذين جاؤوا من بعدهم أخذوا السجود الخاطئ عنهم ؟

وللإجابة عن هذا السؤال هو أن الجميع - الصحابة والتابعين والعلماء بعدهم - أخطأوا في هذه المسألة، واشتركوا في الانحراف عن سجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم وذلك لسببين تقريبا:

السبب الاول : تركهم للثقلين اللذين أوصى بهما رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أمته بالتمسك بالثقلين (كتاب الله وعترته أهل بيته) وذلك في الأحاديث الصحيحه والمتواترة، والتي حَثّ فيها النبي صلى الله عليه و آله وسلم الناس على التمسك بالثقلين في حجة الوداع، ولكن بعض الناس خالفوا وصية رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم،

ص: 201

وتركوا أهل البيت عليهم السلام، الذين كانوا يمثلون الثقل الثاني لوصية النبي صلى الله عليه و آله وسلم لمن لا يريد أن يضل، وتمسكوا بغيرهم، بعد أن جاءت الأخبار في الحث على الثقلين منها ما رواه النسائي عن زيد بن أرقم قال:

لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمع بأذنه.(1)

قال ابو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الآثار معلقا على هذا الحديث:

«فهذا الحديث صحيح الإسناد، لا طعن لأحد في أحد من رواته، فيه أن ذلك القول كان من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم العلي بغديرخم في رجوعه من حجه إلى المدينة..»(2)

وفي صحيح مسلم جاء التذكير بالثقل الثاني وهم العترة ثلاث مرات دون تكرار الثقل الأول، حيث قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في حجة الوداع:

«ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي..»(3)

ص: 202


1- السنن الكبرى للنسائي / ج 5 / كتاب المناقب / باب 4 / ص 45 / ح 8148
2- مشكل الآثار للطحاوي / ج 2 / مشكل ماروي من كنت مولاه ../ ص 307
3- صحیح مسلم / کتاب فضائل الصحابة / باب 4 / ص 1021 / ح 36-(2408)

ورغم هذا التذكير فإن بعض الصحابة وأغلب التابعين أعلنوا محاربتهم ومخاصمتهم، وهذا العداء ظاهر في مواقف مشهورة منها سقيفة بني ساعدة، وحربا الجمل وصفين وسبهم عليّاً على المنابر في صلاة الجمعة أكثر من ثمانين سنة، وهو ما أكده ابن تيمية الحراني في منهاج السنة حيث قال:

«و معلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم لا سيما الخلفاء رضي الله عنهم لا سيما أبو بكر و عمر فإن عامة الصحابة والتابعين كانوا يودونهما و كانوا خير القرون، و لم يكن كذلك علي [علیه السلام] فإن كثيراً من الصحابة و التابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه.. »(1)

فكان هذا الموقف العدائي تجاه الولي الشرعي للمسلمين بعد النبي صلى الله عليه و آله وسلم وهو الإمام علي بن أبي طالب، ولم يقتصر هذا العداء للإمام علي علیه السلام بل تعدى لبقية الإئمة كموقف معاوية من الإمام الحسن وموقف يزيد (لعنه الله) من الإمام الحسين علیه السلام إلى آخر الأئمة الإثني عشر الذين يحفظون دين الله، كما ثبت عند القوم وبأصح كتبهم فقد روى مُسْلِمُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِبًا مَا وَلِيَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً.(2)

ورواه البخاري في صحيحه عن جابر أيضا: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَي إِنَّهُ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْش.(3)

فقدّم القومُ أناساً ليسوا بأهل لهذه الإمامة، فنراهم قدموا يزيد بن معاوية على الإمام الحسين علیه السلام ومروان وأبناءه على أبناء الحسين المعصومين الطاهرين، وخير دليل

ص: 203


1- منهاج السنة النبوية / ج 7 / فصل : البرهان الثاني عشر / ص 77
2- صحیح مسلم / كتاب الإمارة / باب 1 / ص 791/ ح 5 - (1821)
3- صحيح البخاري - 7222/ كتاب الأحكام / باب 52 / ص 170

على ذلك ما قاله شيخهم ابن تيمية الحراني في منهاجه عندما عد يزيد من الإئمة الاثني عشر الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم بالحديث السابق:

«ولفظ البخاري اثني عشر أميراً وفي لفظ لا يزال أمر الناس ماضيا ولهم إثنا عشر رجلا وفي لفظ لا يزال الإسلام عزيزا إلى إثني عشر خليفة كلهم من قريش، وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة معاوية وابنه يزيد ثم عبد الملك وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز ..».

فمن كان إمامه يزيد بن معاوية الناصبّي فاعل المنكرات وشارب الخمور(1) وقاتل أبناء الرسول صلى الله عليه و آله وسلم مقدماً على الإمام الحسين علیه السلام سيد شباب أهل الجنة، فمن أين يصل لسنة النبي (2) الصحيحة ؟

فكان ترك الثقلين هو من الأسباب المهمة في الانحراف عن سنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فأهل البيت علیهم السلام هم الممثل الشرعي لسنة النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فتركهم والتمسك بغيرهم حتما سوف يؤدي إلى الإنحراف عن النهج النبوي، وهذا ما سنثبته في السبب القادم.

السبب الثاني:التمسك بالآراء والإجتهادات المنحرفة عن سُنّة النبي صلى الله عليه و آله وسلم.

إن من أغرب الأمور التي نلاحظها على بعض المذاهب هي تمسكها ببعض البدع التي تخالف شرع الله ونبيه صلى الله عليه و آله وسلم، فنلاحظهم في مسألة السجود كيف قدّموا قول صحابي على قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فبعد أن قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، نرى أهل السنة قدموا مخالفات بعض الصحابة و اجتهاداتهم على أفعال وأقوال النبي صلى الله عليه و آله وسلم، بل هناك صحابة رفضوا أحكاماً شرعية ثابتة بالكتاب والسنة؛ لكونها لا تتماشى مع عقليتهم،

ص: 204


1- قال الذهبي في إمامة يزيد بن معاوية في كتابه سير أعلام النبلاء: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب.. وكان ناصبيا ، فظا غليظا جلفا . يتناول المسكر، ويفعل المنكر سير أعلام النبلاء - (ج 4 / ص 35)
2- صلى الله عليه و آله وسلم

مثل رفض بعض الصحابة التيمم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم(1)، ولكن في هذا البحث سوف نختصر المسألة حول السجود فقط، فنعرض أولاً إجتهاد عمر في السجود وثانياً إجتهاد الزهري في نفس المسألة.

1- فتوى الصحابي عمر في السجود على الظهر

لقد أحدث الصحابي عمر بن الخطاب سجوداً جديداً مخالفاً لسجود النبي صلى الله عليه و آله وسلم

ص: 205


1- لقد ثبت بالاحاديث الصحيحة عند أهل السنة أن بعض الصحابة رفضوا بعض الأحكام الفقهية الثابتة بكتاب الله والتي أوضحها نبيه صلى الله عليه و آله وسلم كالتيمم ،وغيرها، فنلاحظ الصحابي عمر بن الخطاب يفتي الناس بعدم التيمم في حال فقد الماء، ويأمر الناس بعدم الصلاة إذا فقدوا الماء، ولا يجوز أيضا الصلاة بالتيمم بل ينكر التيمم الثابت بكتاب الله !! فقد روى مسلم في صحيحه (كتاب الحيض / باب 28 / ح 112 - (368) ص 153 : أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء فقال لا تُصلِّ فقال عمار أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تُصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك» فقال عمر اتَّقِ الله يا عمار قال إن شئت لم أحدث به. بل الانحراف أكبر من ذلك فنرى الصحابي ابن مسعود يقدم رأي عمر على كتاب الله وسنة نبيه، ويتحجج برأي عمر في رد التيمم!! روى البخاري في صحيحه (كتاب) التيمم / ح 346 باب 7 ص 79): عن شَقِيق بْنَ سَلَمَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ فَقَالَ عَبْدُ الله لا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الماءَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم: «كَانَ يَكْفِيكَ» قَالَ أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللهِ مَا يَقُولُ فَقَالَ إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا هُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ. إذن نلاحظ عمر كيف يرفض التيمم ويوبخ عماراً لأنه ذكره بقول النبي صلى الله عليه و آله وسلم المخالف له، ثم نرى ما هو أنكر من هذا الفعل، وكيف رفض ابن مسعود قول النبيصلى الله عليه و آله وسلم لأن عمر لم يقنع به، ثم يرد على القرآن برأيه وهو تخوفه إن سمح للناس بالتيمم أن يتركوا الماء ويتيمموا فقط، وهذا هو حال من يتخلّى عن الثقلين الكتاب والعترة الطاهرة، فدينه بدع واجتهادات على القرآن والسنة النبوية

وذلك في حالة الازدحام في الصلاة، ثم تلاقف هذه المخالفة بعض التابعين وبدؤوا بوضع بعض الأحكام لها، ثم جاء دور العلماء بعدهم ليُجمّلوها ويضيفوا لها بعض التفاصيل والشروط لتصبح من المسلمات عندهم وهنا نستعرض كيف نشأ هذا السجود الجديد، ومراحل تطوره من الصحابة إلى التابعين إلى العلماء.

أ- السجود على ظهر الرجل وسبب إنشائه.

من يتابع بعض أقوال وأفعال الصحابة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم يجد الكثير من الأمور الغريبة، وفي هذا البحث نسلّط الضوء على ما يخص السجود منها مثل السجود على ظهر الرجل، فهذا السجود نشأ عندما أمر الصحابي عمر الناس أن يسجدوا على ظهور بعضهم إذا لم يسعهم المكان في المسجد !! ، لأنه كان يرفض توسعة المسجد، وفي نفس الوقت يرفض أن يصلي الناس خارج المسجد النبوي، فخلق بذلك نوعاً من الازدحام داخل المسجد خصوصاً أيام الجمع، فإن المسجد لا يستوعب هذه الأعداد الغفيرة من المصلين، وقد روى شيوخ البخاري هذه البدعة بأسانيد مختلفة عن عمربن الخطاب،كعبد الرزاق الصنعاني وابن أبي شيبة والإمام أحمد بن حنبل.

فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن سيار بن المعرور قال سمعت عمر يخطب وهو يقول : إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه ورأى قوماً يصلّون في الطريق فقال صلّوا في المسجد.(1)

وكذلك الصنعاني في مصنفه: عن أبي إسحاق عن الشعبي أن عمر قال: إن اشتد الزحام يوم الجمعة فليسجد أحدكم على ظهر أخيه .(2)

ص: 206


1- مسند أحمد بن حنبل / ج 1 / مسند عمر بن الخطاب / ص 40/ ح 218
2- مصنف عبد الرزاق / ج 1 / كتاب الصلاة باب /26 / ص 399 / ح 1558

وابن أبي شيبة: عن زيد بن وهب عن عمر قال : إذا لم يستطع الرجل أن يسجد يوم الجمعة فليسجد على ظهر أخيه .(1)

ورواه ابن أبي شيبة أيضا عن الشعبي عن سعيد بن ذي لعوة قال قال عمر إذا لم يقدر أحدكم على السجود يوم الجمعة فليسجد على ظهر أخيه.(2)

يقول شمس الأئمة السرخسي الحنفي : قَالَ: «وَمَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَجِدْ مَوْضِعاً لِلسُّجُودِ فَسَجَدَ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَجْزَأَهُ) لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيكَ فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ لَكَ، وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ حِينَ طَلَبَ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُوَسِّعَ المَسْجِدَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا مَسْجِدٌ بَنَاهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَالمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مَعَهُ فَمَنْ لَمْ يَجِدُ مَوْضِعاً فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْر أَخِيهِ.(3)

فيظهر لنا من هذه الأحاديث التي رفض بها عمر توسعة المسجد النبوي، ثم رفض الصلاة خارجه، مما أدى بطبيعة الحال إلى الازدحام في المسجد، فاضطر لحلّ هذه المشكلة بهذه البدعة؛ وذلك للتخلص من تبعية قوانينه السابقة من منع الصلاة خارج المسجد، وعدم توسعة المسجد.

ب- موقف التابعين من السجود على الظهر.

لقد خضع بعض التابعين لهذه البدعة، بل أبدعوا فيها أيضا، فنرى التابعي مجاهداً بعد قبوله لبدعة عمر وهي السجود على ظهر الرجل كما جاء في مصنف ابن أبي شيبة بسنده: عن العلاء بن عبد الكريم قال قلت لمجاهد أأسجد على ظهر رجل قال نعم.(4)

ص: 207


1- مصنف ابن ابي شيبة / ج 1 / كتاب الصلوات / باب /37 / ص 237 / ح 2726
2- مصنف ابن ابي شيبة ج 1 / كتاب الصلوات / باب 37 / ص 237 / ح 2720
3- المبسوط - للسرخسي / ج 1 / كتاب الصلاة / ص 369
4- مصنف ابن ابي شيبة / ج 1 / كتاب الصلوات باب37 / ص 237 / ح 2724

قام مجاهد بوضع بدعة جديدة مكان بدعة السجود على ظهر الرجل، فأجاز للناس السجود على رجل الرجل بدلا من ظهر الرجل ! ، كما روى ذلك عبد الرزاق الصنعاني عن [سفيان] الثوري عن العلاء عن مجاهد قال: إذا اشتد الزحام فاسجد على رجل .الرجل.. قال سفيان : فإن لم تستطع أن تسجد على رجل الرجل فقم حتى يقوم الناس ثم سجدت.(1)

نلاحظ في هذا الحديث أيضا أن سفيان الثوري وهو من العلماء الكبار عند أهل السنة يظهر قبوله لهذه البدعة الجديدة لمجاهد رغم مخالفتها للسنة، بل حتى في مخالفتها للبدعة الأساسية لعمر بن الخطاب، وكأن أحكام السجود عند القوم تؤخذ بالاجتهاد والقياس وليس من القرآن والسنة !!

وكذلك هو رأي التابعي طاووس كما ذكره ابن ابي شيبة بمصنفه عن بن أبي نجيح عن طاووس قال: «إذا لم يستطع يوم الجمعة على الأرض فأهوى برأسه فليسجد على ظهر أخيه»(2)، ورواه أيضا الصنعاني عن ابراهيم بن ميسرة عن طاووس قال: «إذا اشتد الزحام فأوم برأسك مع الإمام ثم اسجد على أخيك».

وقد خالف هذه البدعة بعض التابعين كالزهري وعطاء فقد روى ابن أبي شيبة عن الزهري قال: «إذا ازدحم الناس يوم الجمعة فلم تستطع أن تسجد فانتظر حتى إذا قاموا فاسجد».(3)

ج-العلماء و السجود على ظهر الرجل.

لقد أخذ الكثير من علماء السنة هذه البدعة وكأنها من الأحكام الشرعية، فنرى

ص: 208


1- مصنف عبد الرزاق / ج 3 / كتاب الصلاة باب /41 / ص 121 / ح 5467
2- مصنف ابن ابي شيبة / ج 1 / كتاب الصلوات/ باب 37/ ص 237/ ح 2723
3- مصنف ابن ابي شيبة / ج 1 /كتاب الصلوات / باب 403 / ص 483 / ح 5568

الإمام الشافعي والإمام أبا حنيفة والإمام أحمد بن حنبل يجوزون السجود على ظهر الرجل في الزحام يوم الجمعة، بينما يرفض الاإمام مالك هذه البدعة، وهذه آراؤهم في المسألة.

الإمام أبو حنيفة المتوفّى (150ه):

وَلَوْ زَحمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَجِدُ مَوْضِعاً لِلسُّجُودِ فَسَجَدَ عَلَى ظَهْرٍ رَجُلٍ أَجْزَاهُ لِقَوْلِ عُمَرَ أسْجُدْ عَلَى ظَهْر أَخِيكَ فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ لَكَ. وَرَوَى الحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِنْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ شَرِيكِهِ فِي الصَّلَاةِ يَجُوزُ ..(1)

الإمام مالك المتوفّى (179ه):

قَالَ ابْنُ الْقَاسِم وَقَالَ مَالِكٌ : إِنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ السُّجُودَ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَعادَ الصَّلَاةَ، قِيلَ لَهُ: فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؟ قَالَ: يُعِيدُ وَلَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ قَالَ مالك .(2)

ونقل ابن قدامة المقدسي ردَّ مالك في هذه المسألة: «قَالَ مَالِكُ : وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ إِنْ فَعَلَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله و سلم: «وَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنْ الْأَرْضِ».(3)

الإمام الشافعي المتوفى (204ه):

قال الشافعي : فإن أمكنه أن يسجد على ظهر رجل فتركه بغير عذر خرج من صلاة الإمام ..(4)

ص: 209


1- بدائع الصنائع / ج 1 / كتاب الصلاة سنن الصلاة / ص 210
2- المدونة / ج 1 / كتاب الصلاة / فيمن زحمه الناس / ص
3- المغني / ج 3 / كتاب صلاة الجمعة/ أحكام الزحام / ص 26
4- الأم - للشافعي / ج 1 / كتاب الصلاة / ص 226

الإمام أحمد بن حنبل المتوفى (241ه):

فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ هَاشِمٍ يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ الرَّجُلِ وَالْقَدَمِ، وَيُمَكِّنُ الجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالجُمُعَةِ.(1)

فنلاحظ أن الإمام مالك بن أنس يحكم بإعادة الصلاة إذا سجد المصلي على ظهر الرجل لقول النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، بينما أبو حنيفة يجوزها بشرط أن تكون الصلاة مشتركة بين الاثنين كأنهما يصليان العصر مثلا، وليس أحدهم يصلي العصر والآخر الظهر، أما كلام الشافعي فهو يبين أن الذي لا يسجد على ظهر الرجل في صلاة الجماعة فهو خارج عن الجماعة، وهذا دليل على تجويزه السجود على ظهر الرجل، وظاهر كلام الإمام أحمد قبول البدعة، بل يشترط تمكين الجبهة والإنف على ظهر أو رجل الرجل !.

ولم تقف تقف المسألة على قبول البدعة وعدمها بل إنتقلت لما هو أكبر، فنرى من وضع لهذه البدعة أحكاماً لقبولها وجوازها كما هو حال الأحناف - أصحاب أبي حنيفة - فقد وضعوا أربعة شروط لجواز السجود على ظهر الرجل كما قال ذلك ابن نجيم الحنفي: «وَشَرَطَ فِي المُجْتَبَى شَرْطًا آخَرَ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ المَسْجُودُ عَلَى ظَهْرِهِ سَاجِداً عَلَى الْأَرْضِ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مُصَلِّ سَاجِدٍ عَلَى ظَهْرٍ مُصَلٍّ لَا يَجُوزُ فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ ...» .(2)

بل تطورت هذه البدعة ودخلت عالم القياس ، لتنتقل من السجود على ظهر الرجل إلى السجود على ظهر المرأة والكلب !! قال هذا الحكم الإمام محي الدين النووي في المجموع: «أما اذا سجد على ذيل غيره أو طرف عمامة غيره أو على ظهر رجل أو امرأة من غير ان تقع بشرته على بشرتها أو على ظهر غيرهما من الحيوانات الطاهرة كالحمار والشاة وغيرهما أو على ظهر كلب عليه ثوب طاهر بحيث لم يباشر شيئاً من النجاسة

ص: 210


1- المغني / ج 3 / كتاب صلاة الجمعة / أحكام الزحام / ص 26
2- البحر الرائق / ج 1 / كتاب الصلاة / صفة الصلاة / ص 558

فيصحّ سجوده وصلاته في كل هذه الصور بلا خلاف إذا وجدت هيأة السجود».(1)

2- فتوى التابعي محمد بن مسلم الزهري

من يتابع آراء السلف - الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب - في مدرسة أهل السنة يَرَ كيف الإفتاء بالرأي واضح، وهذا ظاهر من خلال فتاواهم وأحكامهم، فنلاحظ عندما سُئل التابعي محمد بن مسلم الزهري وهو من العلماء الكبار عند أهل السنة، عن السجود على الطنفسة - سجادة سميكة لها خمل مصنوعة من غير النبات - فجوز السجود عليها بدون دليل، معتمداً بفتواه على رأي غير صائب، وهذه فتواه كما رواها «عبد الرزاق الصنعاني عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن السجود على الطنفسة قال: لا بأس بذاك كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يصلي على الخمرة.»(2)، إذن يجوّز الزهري السجود على الطنفسة لأن النبي سجد على الخمرة !!، فالزهري هنا لم يميز بين النبات وغيره، فلم تثبت رواية يذكر فيها أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم سجد على غير الأرض والنبات، فكيف يُفتي الزهري هنا لا نعلم !!.

ص: 211


1- المجموع شرح المهذب - للنووي / كتاب الصلاة / باب صفة الصلاة / ج 4 / ص 409
2- مصنف عبد الرزاق ج /1 كتاب الصلاة باب /25 / ص 300 / ح 1540

ص: 212

المبحث الخامس

اشارة

السجود على التربة الحسينية وشبهات المخالفين

الشبهة الأولى :

يحاول البعض إتهام الشيعة بأنهم يعبدون التربة الحسينية، وذلك لكون الشيعة تخصص التربة بالسجود دون غيرها

الرد :

أوّلاً : إذا كان سجود الشيعة على التربة بنظر المخالفين هو عبادة للتربة الحسينية، فعليه يكون سجود غيرهم من المسلمين على الحصى أو الحصير من الصحابة وغيرهم والثابت بالأدلة والمصادر هو عبادة للحصى أو للحصير أيضاً، بل هناك من الصحابة والتابعين من خصّص السجود فقط بالأرض، فهل نقول بأنهم يعبدون الأرض، وقد روى ذلك ابن أبي شيبة في المصنف عن وكيع قال:

حدثنا سفيان عن عبد الكريم عن أبي عبيدة قال كان عبد الله [ابن مسعود] يصلي ولا يسجد إلّا على الأرض .(1)

وروى أيضا عن حاتم عن هشام عن أبيه [عروة بن الزبير] أنه كان يكره أن يسجد على شيء دون الأرض.(2)

ص: 213


1- مصنف ابن أبي شيبة/ ج 1 / كتاب الصلوات / باب 180 / ص 353/ ح 4059
2- مصنف ابن أبي شيبة / ج 1 / كتاب الصلوات باب 180 / ص 353 / ح 4062

ثانياً: لا نعلم أن من مميزات عبادة غير الله أن تكون بالسجود على المعبود، فالمعروف أن عبادة الصنم تكون بالسجودِ له وليس عليه، فإذا كان هؤلاء ينظرون للتربة بأنها معبود للشيعة، لكان الأحرى بالشيعة السجود للتربة وليس عليها !

ثالثاً : إن المخالفين وصلوا إلى هذه النتيجة - كون الشيعة تعبد التربة الحسينية - لفرضهم أن الشيعة قد خصصوا التربة بالسجود دون غيرها، وهذا الكلام عارٍ من الصحة، فالشيعة كما هو معروف ومشهور لم تخصص التربة بالسجود وهنا ننقل فتوى شيخ الطائفة الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف: «لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يُؤكل ولا يُلبس من قطن أو كتان مع الاختيار..»(1)

والمستندة بطبيعة الحال لكلام أهل البيت علیهم السلام، حين سُئل الإمام الصادق علیه السلام عما يجوز السجود عليه كما جاء برواية الشيخ الصدوق بسنده عن هشام بن الحكم: «قال هشام بن الحكم لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس».(2)

الشبهة الثانية :

قولهم بأن التربة الحسينية هي بدعة ابتدعها الشيعة، ولم تكن في عهد النبي صلی الله علیه و آله و سلم.

الرد :

أولاً : ماهية التربة الحسينية.

إن التربة الحسينية هي عبارة عن تراب من أرض كربلاء التي استشهد عليها الإمام الحسين علیه السلام، وليست مادة أخرى اكتشفها الشيعة خارجة عن أصل التراب، فمن إسمها

ص: 214


1- الخلاف - للشيخ الطوسي / ج 1 / مسالة 112 / ص 353
2- من لا يحضره الفقيه / ج 1 / باب 41 / ص 177 / ح 1

يعرف الشخص حقيقتها فهي تراب لا غير ، ولأننا عرفنا سابقا أن شرط السجود هو الأرض وما أنبتت فلا وجود لأية بدعة هنا، فأرض كربلاء هي واحدة من تلك أراضي التي جوّز الله تعالى السجود عليها، فاتخاذ الشيعة التراب مسجداً للجبهة هو اتباع للنبي صلی الله علیه و آله و سلم وليس ابتداعاً، كما قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ»(1)، ومادة الأرض الأساسية هي التراب الذي يغطي أغلب سطح الأرض الخارجي.

ثانياً : كونها جزءاً مقتطعاً من أرض كربلاء.

وأما كون التربة جزءاً مقتطعاً من أرض معينة فلا إشكال فيه؛ لأن المهم هو السجود على الارض والنبات كما أثبتناه سابقاً بالروايات الصحيحة، فتخصيص جزء معين من الأرض أو النبات ليس فيه أي ابتداع ، وقد ثبت أن النبي والصحابة والتابعين حملوا معهم ما يصح السجود عليه، فنرى النبي الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يحمل معه الخمرة – وهي حصير صغير من النبات بمقدار ما يغطي الوجه - في السفر والحضر ليسجد عليها أينما حلت

الصلاة كما روى ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر قال «كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يصلي على الخمرة، لا يدعها في سفر ولا حضر» .(2)

وكذلك الصحابة في عهد النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان يحمل أحدهم الحصى ليسجد عليه، روى

ذلك ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن الصحابي جابر بن عبد الله قال «كنت أصلي مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الظهر فآخذ قبضة من الحصى فأجعلها في كفي ثم أحولها إلى الكف الأخرى حتى تبرد ثم أضعها لجبيني حين أسجد من شدة الحر».(3)

ص: 215


1- صحيح البخاري / كتاب الصلاة / باب 56 / ص 96/ ح 438
2- صحیح ابن خزيمة / ج 2 كتاب الصلاة / ص 105/ ح 1013
3- مصنف ابن ابي شيبة / ج 1 / كتاب الصلوات / باب 94 / ص 286 / ح 3275

وكذلك التابعون قد حملوا معهم ما يسجدون عليه، فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عون عن محمد [ابن سرين] «أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها»(1)، ورواه أيضا عن محمد بن سيرين «قال نبئت أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها».(2)، وهذا التابعي عطاء يفتي بجواز السجود على قبضة من التراب أخذت من الأرض، روى ذلك عبد الرزاق عن ابن جريج :قال قلت لعطاء أصلي في بيتي في مسجد مشيد أو بمرمر ليس فيه تراب ولا بطحاء، قال ما أحب ذلك، البطحاء أحب إلي قلت: أرأيت لو كان فيه حيث أضع وجهي فقط قبضة بطحاء أيكفيني؟ قال: نعم.(3)

وكذلك عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام في جواز حمل المدرة - قطعة طين يابسة للصلاة عليها كما جاء في التهذيب عن صالح بن الحكم قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الصلاة في السفينة فقال: إن رجلاً سأل اأبي عن الصلاة في السفينة فقال له: أترغب عن صلاة نوح علیه السلام!؟ فقلت له: آخذ معي مدرة أسجد عليها ؟ فقال: نعم. (4)

ثالثاً : ورود روايات كثيرة في مصادر أهل السنة تذكر أرض كربلاء وتربتها.

لقد وردت روايات كثيرة تذكر أرض كربلاء وما يجري فيها من مأساة على سبط

النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وطلب النبي صلی الله علیه و آله و سلم من الملائكة إحضارهم تربةً له منها، وهذه مجموعة من الروايات التي تذكر هذا الحدث المهم من حياة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم:

فقد روى الطبراني عن أم سلمة، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله و سلم جَالِساً ذَاتَ يَوْمٍ فِي

ص: 216


1- مصنف ابن ابي شيبة / ج 2 / كتاب الصلوات / باب 549/ ص 72 /ح 6605
2- مصنف ابن ابي شيبة / ج 2 / كتاب الصلوات / باب 549 / ص 72 / ح 6603
3- مصنف عبد الرزاق / ج 1 /كتاب الصلاة باب 22 / ص 298/ ح 1529
4- تهذيب الأحكام / ج 3 /كتاب الصلاة باب 28/ ص 328/ ح (897) 5

بَيْتِي، فَقَالَ: «لا يَدْخُلْ عَلَيَّ أَحَدٌ»، فَانْتَظَرْتُ فَدَخَلَ الْحُسَيْنُ علیه السلام، فَسَمِعْتُ نَشِيجَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَبْكِي، فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا حُسَيْنُ فِي حِجْرِهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: وَالله مَا عَلِمْتُ حِينَ دَخَلَ ، فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ علیه السلام كَانَ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: تُحِبُّهُ؟ قُلْتُ: أَمَّا مِنَ الدُّنْيَا فَنَعَمْ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُ هَذَا بِأَرْضِ يُقَالُ لَهَا: كَرْبَلاءُ، فَتَنَاوَلَ جِبْرِيلُ علیه السلام مِنْ تُرْبَتِهَا»، فَأَرَاهَا النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم ..(1)

وفي حديث آخر عَنْ صَالِحٍ بن أَرْبَدَ، عَنْ أُمَّ سَلَمَةَ.. قَالَ: نَعَم أتاني جبريل، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي يَقْتُلُونَهُ، وَأَتَانِي بِالتُّرْبَةِ الَّتِي يُقْتَلُ عَلَيْهَا ...(2)

وفي حديث آخر يوصي النبي صلى الله عليه و آله وسلم أم سلمة بالاحتفاظ بتربة الحسين، وبأنها سوف تتحول دما كما روى الطبراني عَنْ أَبِي وَائِلِ شَقِيقٍ بن سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ... قَالَتْ: وَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِذَا تَحَوَّلَتْ هَذِهِ التُّرْبَةُ دَماً فَاعْلَمِي أَنَّ ابْنِي قَدْ قُتِلَ»، قَالَ: فَجَعَلَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي قَارُورَةِ، ثُمَّ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَتَقُولُ: إِنَّ يَوْمَا تَحَوَّلِينَ دَمًا لَيومٌ عظيمٌ.(3)

وفي حديث عن أنس ان الملك الذي أتى للنبي صلى الله عليه و آله وسلم وهو ملك القطر، فقد روى أبو يعلي الموصلي عن أنس بن مالك قال :استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه و آله وسلم، فأذن له، وكان في يوم أم سلمة.. فبينما هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي، فاقتحم، ففتح الباب، فدخل، فجعل النبي صلى الله عليه و آله وسلم يلتزمه ويقبله، فقال الملك : أتحبه؟ قال: «نعم». قال: إن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي تقتله فيه. قال: «نعم». قال: فقبض قبضة من المكان الذي قتل به فأراه فجاء سهلة - أو تراب أحمر - فأخذته أم سلمة فجعلته

ص: 217


1- المعجم الكبير - للطبراني / ج 2/ الحسين بن علي / ص 234 / ح 2750
2- المعجم الكبير - للطبراني / ج 2/ الحسين بن علي / ص 234/ ح2750
3- المعجم الكبير - للطبراني / ج 2/ الحسين بن علي / ص 233 / ح 2748

في ثوبها ..(1)

وهناك روايات جاءت عن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام تذكر إخبار النبي صلى الله عليه و آله وسلم بما يجرى في أرض كربلاء، كما روى أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن نجي عن أبيه: انه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي رضي الله عنه اصبر أبا عبد الله اصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وماذا قال : دخلت على النبي صلى الله عليه و آله وسلم ذات يوم وعيناه تفیضان قلت يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات قال فقال هل لك إلى ان أشمك من تربته قال قلت نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.(2)

وكذلك رواه البزار عن عَبْدِ الله بْنِ نُجَيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَافَرَ مَعَ عَلَيٍّ. الحديث.(3)، ورواه الطبراني في المعجم الكبير(4)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد بعد ذكر «رواه أحمد ، وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا.»(5)

وكذلك ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم، كما في المعجم الكبير للطبراني بسنده عَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ الْحُسَيْنُ بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ، فَنَزَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَهُوَ مُنْكَبٌّ، وَلَعِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم: أَتُحِبُّهُ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، وَمَا لي لا أُحِبُّ ابْنِي»، قَالَ فَإِنَّ أُمَتَكَ سَتَقْتُلُهُ مِنْ بَعْدِكَ، فَمَدَّ جِبْرِيلُ علیه السلام يَدَهُ، فَأَتَاهُ بِتُرْبَةٍ بَيْضَاءَ،

ص: 218


1- مسند أبي يعلى الموصلي / ج 6 / مسند أنس بن مالك / ص 129 / ح 3402
2- مسند أحمد بن حنبل / ج 1 / مسند علي بن أبي طالب / ص 106 / ح 650
3- مسند البزار/ ج 3 / مسند علي بن أبي طالب / ص 101 / ح 884
4- المعجم الكبير - للطبراني / ج 2/ الحسين بن علي / الحسين بن علي / ص 231 / ح 2743
5- مجمع الزوائد / ج 9/ كتاب المناقب / مناقب الحسين / ص 217/ ح 15112

فَقَالَ : فِي هَذِهِ الْأَرْضِ يُقْتَلُ ابْنُكَ هَذَا يَا مُحَمَّدُ، وَاسْمُهَا الطَّفُ، فَلَمَّا ذَهَبَ جِبْرِيلُ علیه السلام، مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم، خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَالتُّرْبَةُ فِي يَدِهِ يَبْكِي، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ ابْنِي مَقْتُولُ فِي أَرْضِ الطَّفٌ، وَأَنَّ أُمَّتِي سَتُفْتَتَنُ بَعْدِي»، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ، وَحُذَيْفَةُ، وَعَمارُ، وَأَبُو ذَرِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ ابْنِي الحُسَيْنَ يُقْتَلُ بَعْدِي بِأَرْضِ الطَّفْ وَجَاءَنِي بِهَذِهِ التُّرْبَةِ، وَأَخْبَرَنِ أَنَّ فِيهَا مَضْجَعَهُ».(1)

وكذلك رواه أحمد في مسنده عن وكيع قال حدثني عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة .. ان النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال لإحداهما : لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علي قبلها فقال لي ان ابنك هذا حسين مقتول وان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها قال فاخرج تربة حمراء.(2)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) . (3)

إذن لتربة كربلاء مكانة عظيمة عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم وعند الملائكة بحيث يأتي جبرائيل للنبي صلى الله عليه و آله وسلم ليخبره عنها وما يحدث بها من مصاب للحسين ، بل كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم يطلب منهم أن ينقلوا له قطعة من تلك الأرض، وكان النبي صلى الله عليه و آله وسلم يوصي زوجته أم سلمة ان تحتفظ بهذه التربة لتعرفها على استشهاد الحسين ، فنلاحظ كل هذا الاهتمام بتربة كربلاء دون غيرها من بقاع الأرض، وذكر الملائكة والنبي صلى الله عليه و آله وسلم إستشهاد الإمام الحسين علیه السلام دون غيره من الأولياء، فيه الدليل الكافي لأفضلية أرض كربلاء دون غيرها وليس الاهتمام بها لهوى مذهبي أو تعصب أو غيرها من الأسباب.

ص: 219


1- المعجم الكبير - للطبراني / ج 2/ الحسين بن علي / ص 232 / ح 2746
2- مسند أحمد بن حنبل / ج 6 / حديث أم سلمة / ص /327 / ح 26580
3- مجمع الزوائد/ ج 9 / كتاب المناقب / مناقب الحسين / ص 187 / ح 15113

رابعاً : روايات أهل البيت علیهم السلام بخصوص تربة كربلاء.

إن هذه النقطة هي الأهم من بين النقاط السابقة لأنها تعطي الشرعية لأفضلية السجود على التربة الحسينية بالذات وتفضيلها على غيرها من الأراضي، فقد جاءت روايات عديدة بحق تربة كربلاء نذكر بعضاً منها :

ذكر ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب أن الإمام علي بن الحسين علیهما السلام علية التي كانت له خريطة فيها تربة الحسين إذا قام في الصلاة تغيَّر لونه ..(1)

وروى الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد عن معاوية بن عمار قال كان لأبي عبد الله [ الصادق ] علیه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله [الحسين] علیه السلام فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ثم قال: «السجود على تربة أبي عبد الله علیه السلام يخرق الحجب السبع».(2)

وروى الشيخ الصدوق في الفقيه قول الإمام الصادق علیه السلام: «السجود على طين قبر الحسين علیه السلام لا ينور إلى الأرض السابعة، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين علیه السلام كتب مسبحاً وإن لم يسبح بها».(3)

وقال الحسن بن محمد الديلمي في (الإرشاد) كان الصادق علیه السلام لا يسجد إلا على تربة الحسين علیه السلام تذلّلاً لله واستكانة إليه .(4)

وروى أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في ( الاحتجاج): عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان علیه السلام أنه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح

ص: 220


1- مناقب آل ابي طالب/ ج 4/ ص 162
2- مصباح المتهجد / ج 1 / الصلاة في مسجد الكوفة/ ص 510
3- من لا يحضره الفقيه / ج 1 / ح 829/ ص 174
4- وسائل الشيعة ج 5 / كتاب الصلاة / ص 366/ ح [6809] 4

من طين القبر، هل فيه فضل ؟ فأجاب علیه السلام: يجوز ذلك وفيه الفضل .(1)

وروى ابن قولويه في كامل الزيارات مدح رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الأرض كربلاء، كما جاء عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال : سمعته يقول: «بينما الحسين بن علي عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذ أتاه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد أتحبه، فقال: نعم، فقال: أما أن أمتك ستقتله، قال: فحزن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حزناً شديداً. فقال له جبرئيل: يا رسول صلى الله عليه و آله وسلم أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها، فقال: نعم.. ثم تناول بجناحه من التربة وناولها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ثم رجعت أسرع من طرفة عين. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : طوبى لك من تربة وطوبى لمن يقتل فيك» .(2)

وروى أيضاً عن عبد الملك بن أعين قال سمعت أبا عبد الله يقول: «ان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان في بيت ام سلمة وعنده جبرئيل ، فدخل عليه الحسين عليه السلام، فقال له جبرئيل : ان امتك تقتل ابنك هذا، الا أريك من تربة الأرض التي يقتل فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : نعم، فأهوى جبرئيل بيده وقبض قبضة منها، فأراها النبي صلى الله عليه و آله وسلم».(3)

وروى أيضاً مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأرض كربلاء عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في أناس من أصحابه، فلما مر بها اغرورقت عيناه بالبكاء، ثم قال هذا مناخ ركابهم وهذا ملقى رحالهم، وهنا تهرق دماؤهم، طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبة».(4)

ورواه الشريف الرضي عن الحميري عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن محمد بن عبيد

ص: 221


1- وسائل الشيعة / ج 5 / كتاب الصلاة / ص 366/ ح [6807]2
2- كامل الزيارات - لإبن قولويه / الباب السابع عشر / ص 61 / ح [146]5
3- كامل الزيارات لإبن قولويه / الباب السابع عشر / ص 60 / ح [145]4
4- كامل الزيارات لإبن قولويه / الباب الثامن والثمانون / ص 248 / ح [685]12

الله،عن عبد الله بن میمون عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن آبائه عليه السلام.. الحديث.(1)

وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي تكشف أفضلية أرض كربلاء على بقية الأراضي، وإن هذه الأفضلية أخذتها كربلاء بتشرفها لإحتضان الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، وما سال عليها من دمائهم الطاهرة الزكية يوم عاشوراء، فكان أئمة أهل البيت علیهم السلام بعد مقتله يأخذون من تراب كربلاء للسجود عليه، بل حتى التراب الذي أعطاه النبي صلى الله عليه و آله وسلم لأم سلمة كي تحتفظ به وتعرف من خلاله هل قتل الحسين عليه السلام أم لا، كان عن طريق تغير لون التراب إلى اللون الأحمر ، فهذا دليل على ارتباط تراب كربلاء بالحسين عليه السلام، وهذا الارتباط بين الأرض والإنسان لم يحصل إلا بين الاإمام الحسين عليه السلام وكربلاء، ولعل بعض الأحاديث توضح هذا الارتباط أكثر ، فقد قال الاإمام الصادق عليه السلام: نموضع قبر الحسين بن على عليهما السلام منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة وقال: موضع قبر الحسين عليه السلام ترعة من ترع الجنة».(2)

ص: 222


1- خصائص الأئمة – الشريف الرضي / ج 4 / ص
2- كامل الزيارات لإبن قولويه / الباب التاسع والثمانون/ ص 249/ ح [691]1

الباب العاشر

اشارة

البدعة في المتعتين

ص: 223

ص: 224

بسم الله الرحمن الرحيم

«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»

[ النساء / 24].

ص: 225

ص: 226

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يحاول عبثاً بعضُ المخالفين لمذهب أهل البيت علیهم السلام قلب الحقائق من دون تحقيق ثمَّ يرموننا بها افْتِراءً، ورجما بالغيب، فيتهموننا بالبدعة، ومن أبرز ما اتهمونا به شتا، وقذفًا، هو زواج المتعة، لذا كان من اللازم إجلاء واقع الحق والحقيقة دفاعا عن المذهب، وحرمة أبنائه المؤمنين، فقد جمعنا في هذا الكراس الأدلة الكافية للمحاور لإثبات شرعية زواج المتعة، وأنَّ المتعة قد وردت في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية الشريفة، وعمل بها الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وبعد وفاته، وأنَّ الذي حرمها هو عمر بن الخطاب أيَّام خلافته، كما أنَّه قد حرَّم متعة الحج وهي سنة صريحة لم يرد فيها تحريم في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة، كما قد جمعنا معظم الآيات القرآنية، ثمَّ الأحاديث النبوية من أهم المصادر السنية وصحاحها التي تنهى عن البدعة، وتشير إلى تكامل الدين الإسلامي، وسيلاحظ القارئ الكريم ترقيم كل حديث، والإشارة في الهامش (أسفل الصفحة) إلى المرجع أو المراجع التي ذكرت ذلك الحديث، وعند تباين ألفاظ النص أو تعدد المصادر مع تباين ألفاظ الحديث أشرنا لذلك بلفظ «ينظر، أو انظر، ونحوهما قبل ذكر المرجع أو المصدر.

و نودُّ أن ننبِّه القارئ الكريم إلى عدم إمكان جعل هذا الكراس مصدراً أساسيًا في

ص: 227

الحوار، بل هو مساعد ومعين للمحاور الذي من المفترض أن يمتلك اللباقة وسرعة البداهة في الجواب مع خزين علمي وإحاطة تامة بموضوع الحوار عند المدرستين، إضافة إلى خبرته بأساليب الكذب و التدليس التي غالباً ما ينتهجها المخالف كالاستشهاد بالنصوص المبتورة من مصادرنا، أو تضعيف بعض الرواة الموثقين عن أكثر علماء أهل السنة، أو تضعيف بعض الأحاديث المستشهد بها والتي صححها علماؤهم، وغير ذلك من الأساليب غير العلمية التي ألفَ المخالف اتِّباعها.

هذا و نأمل أن نكون قد وَفَّرْنا للمُحاور سهولة الحصول على أهم ما يحتاجه من الأدلة اللازمة للحوار حول موضوع زواج المتعة، وحج التمتع، وسيلي هذا الكراس كرَّاسُ آخر يتناول موضوع البدعة في صلاة التراويح وحذف قول (حي على خير العمل) من الأذان.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكراس عوناً للمُحاور أثناء حواره لتوضيح معالم الحقيقة، وردّ الافتراءات والأوهام المغرضة التي تسعى جاهدة لبثّ سموم التفرقة والشقاق بين المسلمين خادمة بذلك أعداء الإسلام، ومخالفة لقوله تعالى:«وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»[آل عمران/ 103].

ص: 228

تمهيد

اشارة

البدعة

من أبرز الظواهر الخطيرة في الدين الإسلامي ظاهرة البدعة التي نشأت بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه و آله وسلم، فهناك الكثير من البدع التي أدخلت في الدين مخالفة بذلك النصوص الصريحة من القرآن أو السنة، فالتشريع الإلهي أمر يختص بالله تعالى وهو توقيفي فلا يجوز الاجتهاد في مقابله، ومن العجب أنْ يَرَى أصحاب مدرسة الصحابة جواز البدعة إِنْ صدرت من الصحابي، فيحق للصحابي العمل برأيه، وإن خالف بذلك القرآن والسنة، ويعد عمل الصحابي عندهم سُنَّة وإن خالف النصوص الصريحة، وقد تأوّلوا هذه المخالفات بأنّها بدعة حسنة مستدلين بقول عمر بن الخطاب (نِعْمَتْ الْبِدْعَة!)، وذلك عندما أمر المسلمين بأن يصلوا نافلة رمضان (التراويح) جماعةً، والتي رفض الرسول صلى الله عليه و آله وسلم الإتيان بها جماعة، فدخل عمر بن الخطاب المسجد، ورأى الناس يصلون صلاة التراويح جماعة فقال : (نِعْمَتْ الْبِدْعَة)، فسمَّى أهل السنة اجتهاده هذا الذي خالف به سنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بدعة حسنة، فهكذا تسنّى لهم تمرير فكرة البدعة الحسنة التي سنها عمر بن الخطاب!! بل ذهبوا إلى تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام: البدعة الواجبة، والمستحبة و المباحة، والمحرّمة، والمكروهة؛ قال النووي في شرح «قوله صلى الله عليه و آله وسلم «وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة».

هَذَا عَامٌ مَخصُوص، وَالمُرَاد غَالِب الْبِدَع قَالَ أَهْلِ اللُّغَةِ: هِيَ كُلِّ شَيْءٍ عُمِلَ عَلَى غَيْر مِثال سابق. قَالَ الْعُلَمَاء الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام : وَاجِبَة، وَمَنْدُوبَة وَمُحَرَّمَة، وَمَكْرُوهَة،

ص: 229

وَمُبَاحَة. فَمِنْ الْوَاجِبَة : نَظْم أَدِلَّة المُتكَلِّمِينَ لِلرَّدَّ عَلَى الْمَلَاحِدَة وَالْمُبْتَدِعِينَ وَشِبْهِ ذَلِكَ. وَمِنْ المَنْدُوبَة : تَصْنِيف كُتُب الْعِلْمِ، وَبِنَاء المُدَارِس وَالرُّبُطُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْ الْمُبَاحَ: التَّبسط فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَة وَغَيْر ذَلِكَ، وَالْحَرَامِ وَالْمُكْرُوه ظَاهِرَانِ»(1)

إبطال تقسيم البدعة

إنَّ تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام بحد ذاته بدعة، فيُبْطِل هذا التقسيم الذي ابتدعوه أمورٌ:

الأمر الأول : عدم صحة منشأ هذا التقسيم؛ فالبدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، فهو تشريع وضعي يعطي لنفسه صلاحية التشريع مقابل التشريع الإلهي المقدس، ويتحدَّى تعاليم السماء، ويضاهي السُّنة الشريفة، فلا يمكن أن يتصوّر فيه غير الحرمة المطلقة، فالتقسيم ناشئ من الخلط بين المفهوم اللغوي للبدعة، والمفهوم الاصطلاحي لها، لأنها بالمعنى اللغوي تعني: الأمر المحْدَث الَّذي ليس له سابق مثال، وعلى هذا المعنى يمكن اعتبار الأمر المحدَث ممدوحًا أو مذموماً، وما نحن بصدده هو المفهوم الاصطلاحي للبدعة لا المفهوم اللغوي، وبهذا تبطل نسبة هذا التقسيم للشرع.

الأمر الثاني: النصوص المستفيضة جعلت البدعة ضدّاً مقابلاً للسنة، و أوعدت عليه بأقسى أنواع العذاب، و لا يوجد نص قرآني أو حديثي يدلّ على إباحة البدعة، و أمَّا عمل الصحابي فلا يُعدُّ حجّة إذا كان مخالفاً للنصوص الصريحة. فلا يحتاج قول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» إلى تأويل، كما حاولوا ذلك لأنَّ لفظ (كُلُّ) يدلُّ على العموم والشّمول لكلِّ بدعة، وذلك في الحديث الذي ورد في صحيح مسلم: «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ

ص: 230


1- شرح صحیح مسلم للنووي: 404/6

حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشِ يَقُولُ «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ». وَيَقُولُ «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ». وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرَ اهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ»».(1)

فلفظ (كلّ) صريح في العموم دَلَّ على ضلالة كل بدعة بدون استثناء.

الأمر الثالث: لم يكن هذا التقسيم معروفاً أو مألوفاً عند الصحابة ومما يدل على ذلك ما جاء في هذا الأثر، فقد قال الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي:

«باب فيمن يأمر بالمعروف فلا يتبع :

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ المَدَنِيُّ شَيْخٌ كَانَ بِوَاسِطٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيد المَقْبُرِيٌّ قَالَ اتَّخَذَ مَرْوَانُ مِنْبَرًا فَأَخْرَجَهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَكَانَ الإِمَامُ قَبْلَ ذَلِكَ إِنَّما يَخْطُبُ عَلَى دِكَتَيْنِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَجَاءَ أَبو سَعِيدٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ:

مَا هَذِهِ الْبِدْعَةُ يَا مَرْوَانُ؟!

فَقَالَ: أَبا سَعِيداً إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدْعَةٍ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ كَثُرُوا فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْمِعَهُمُ مَوْعِظَتى.

فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأَى بِدْعَةً فَلْيُغَيّرْهَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيَّرَهَا فِي النَّاسِ فَلْيُغَيّرْهَا فِي نَفْسِهِ» وَإِنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُغَيْرَهَا عَلَيْكَ، وَلاَ والله لا أَصَلِّ الْيَوْمَ خَلْفَكَ رَكْعَةً وَانْصَرَفَ».(2)

فإذا كان هذا التقسيم للبدعة الَّذِي أحدثوه صحيحاً أو مألوفاً عند الصحابة لما

ص: 231


1- صحیح مسلم : 334 [ح. 43 - (867) ، كتاب الحج]
2- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي : 243[ح. 770]

اعترض أبو سعيد على عمل المنبر لصلاة العيد، وبهذا يبطل هذا التقسيم للبدعة.

الأمر الرابع: إنكار بعض علماء السنة هذا التقسيم

قال الشاطبي [ت 790 ه]: «إنَّ العلماء قسموا البدع بأقسام أحكام الشريعة الخمسة، ولم يعدوها قسماً واحداً مذموماً، فجعلوا منها ما هو واجب، ومندوب،ومباح، ومكروه، ومحرَّم.

والجواب: أن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدلُّ عليه دليلٌ شرعيٌّ، بل هو في نفسه متدافع، لأنَّ مِن حقيقة البدعة أن لا يدلّ عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدلّ من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثُمَّ بدعة، و لكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخيّر فيها، فالجمع بين عدّ تلك الأشياء بدعاً وكون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين.

أما المكروه منها والمحرم فمُسلَّم من جهة كونها بدعاً لا من جهة أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت ذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية، إذن فلايصح أن يطلق القول في هذا القسم بأنه بدعة دون أن يقسم الأمر في ذلك.

وأما قسم المندوب فليس من البدع بحال وتبيين ذلك بالنظر في الأمثلة التي مثّل لها بصلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد، فقد قام بها النبي صلى الله عليه و آله وسلم في المسجد واجتمع الناس خلفه.

فإن قيل : فقد سماها عمر رضي الله عنه بدعة وحسنها بقوله: «نعمت البدعة هذه» وإذا ثبتت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الاستحسان في البدع.

فالجواب : إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أنها بدعة في المعنى؛ فمن سماها

ص: 232

بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في التسمية وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه ؟».(1)

قال ابن تيمية : «الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهيته قاعدة عظيمة عامة، وتمامها بالجواب عما يعارضها ، فإن من الناس من يقول البدع تنقسم إلى قسمين لقول عمر (نعمت البدعة)، وبأشياء أحدثت بعده وليست مكروهة للأدلة من الإجماع والقياس، وربما ضم إلى ذلك من لم يحكم أصول العلم ما عليه كثير من الناس من العادة بمنزلة من إذا قيل لهم :«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»[المائدة / 104].

وما أكثر من يحتج به من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم وقد يبدي ذوو العلم له مستندا من الأدلة الشرعية والله يعلم أن قوله لها وعمله بها ليس مستندا إلى ذلك وإنما يذكرها دفعا لمن يناظرها والمجادلة المحمودة إنما هي إبداء المدارك التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار غير ذلك فنوع من النفاق في العلم والعمل وهذه قاعدة دلت عليها السنة والإجماع مع الكتاب قال الله تعالى: «أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ»[الشورى / 21].

فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكاً الله شرع في الدين ما لم يأذن به الله، وقد يغفر له لأجل تأويل إذا كان مجتهدا، الاجتهاد الذي يعفى معه عن المخطئ؛ لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كما قال تعالى :«اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ»[التوبة/ 31].

ص: 233


1- مختصر كتاب الاعتصام للعلامة الأصولي أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي: 1/ 49

فمن أطاع أحدًا في دين لم يأذن الله به من تحليل أو تحريم أو استحباب أو ايجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي ثم قد يكون كل منهما معفوّاً عنه فيتخلف الذم لفوات شرطه، أو وجود مانعه و إن كان المقتضى له قائما ويلحق الذم من تبيَّن له الحق فتركه أو قصر في طلبه فلم يتبين له أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل ونحو ذلك، وأيضا فإن الله عاب على المشركين شيئين؛ أحدهما أنهم أشركوا به ما لم ينزل به سلطانا.

الثاني تحريمهم ما لم يحرمه الله كما بينه في حديث عياض عن مسلم ...».(1)

الأمر الخامس: الَّذي يُبطل هذا التقسيم هو عده لبعض المباحات من البدعة كالأمور العامة التي تواكب التطور الحاصل في جميع مرافق الحياة كإحداث المنتديات، و نشر الإسلام عن طريق وسائل الإعلام الحديثة، ونحوها مما لم تكن موجودة في زمان الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، والأصل فيها الإباحة والحليّة ما لم يرد فيها نص يدلّ على حرمتها، ولا يمكن تسميتها بدعة، وقد أقرَّ ابن تيمية بذلك فقال :

«كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره مذاهبهم أن الأعمال (عبادات، وعادات)؛ فالأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله؛ والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله».(2)

فالأمر الحادث لا يكون بدعة إلا إذا لم يكن له عنوانٌ شرعيٌّ عامٌّ يدخل تحته و ينتسب إليه، فإن وجد دليل عام يشمل الأمر الحادث، فإنَّ دخوله تحت عنوان هذا الدليل يخرجه عن حد الابتداع وحقيقته.

ص: 234


1- مجموعة الفتاوى لابن تيمية : 4 / 101 - 102 [كتاب مفصل الإعتقاد]
2- مجموعة الفتاوى لابن تيمية : 4 / 102 [كتاب مفصل الإعتقاد]
البدعة في ضوء الآيات القرآنية

لقد وردت بعض الايات القرآنية تنهى عن البدعة وتشير إلى تكامل الدين الإسلاميّ منها :

الآية الأولى :

قوله تعالى:«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»[المائدة / 3].

فظا هر

هذه الآية يدل على إكمال الدين وتمام النعمة.

الآية الثانية :

«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»[المائدة / 44].

الآية الثالثة

«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)»[المائدة/ 45] .

الآية الرابعة :

«وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»[المائدة/ 47] .

الآية الخامسة :

«وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ»[المائدة / 49] .

ص: 235

الآية السادسة :

«أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» [المائدة/ 50]

الآية السابعة

«وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ»[النحل/ 89].

الآية الثامنة :

«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»[آل عمران / 31].

الآية التاسعة :

«قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ»[آل عمران/ 32]

الآية العاشرة :

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ»[الأنفال/ 20].

الآية الحادية عشرة :

«قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ»[النور / 54]

الآية الثانية عشرة :

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ»[محمد / 33].

ص: 236

الآية الثالثة عشرة :

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً»[النساء / 59].

الآية الرابعة عشرة :

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»[الأحزاب/ 21].

الآية الخامسة عشرة :

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»[الأحزاب/ 21].

الآية السادسة عشرة :

«وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»[الحشر/ 7]

الآية السابعة عشرة:

«وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ»[النحل/ 116].

الآية الثامنة عشرة:

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا»[الأحزاب / 36]

ص: 237

البدعة في ضوء الأحاديث النبوية

وردت أحاديث عديدة توجب اتباع السنة والإعراض عن البدعة، ومخالفة الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم منها :

الحديث الأول :

رواه مسلم في صحيحه: «حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه و آله وسلم فِي أَمْرٍ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلی الله علیه و آله وسلم فَغَضِبَ حَتَّى بَانَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْغَبُونَ عَمَّا رُخِّصَ لِي فِيهِ فَوَ اللَّهِ لأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً».(1)

الحديث الثاني:

قال ابن ماجة: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم: مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»».(2)

الحديث الثالث:

روى جماعة من علماء السنة بطرق مختلفة عن عائشة وعن الحسين علیه السلام

«أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال :ستة لعنتهم وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله والمستحل لمحارم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله وتارك السنة».(3) وفي

ص: 238


1- صحیح مسلم: 997 [ح 128 - (2356) ، كتاب النكاح]
2- سنن ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني: 15. [ح. 1 باب اتباع سنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم]
3- المعجم الأوسط للطبراني : 453/1 [ من اسمه أحمد / ح . 1667 ] ، و الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي للإمام الترمذي: 200/3 ، [كتاب القدر/ ح . 2154] ، و المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3/ 128 [ كتاب التفسير تفسير سورة والليل إذا يغشى - ح. 3991 ومشكل الآثار للطحاوي المتوفّى (321ه):4 / 366. و جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الأثير :الجوزي: 728/10، [ح. 8456]

بعضها: «وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي»

الحديث الرابع:

روى جماعة من علماء السنة بطرق مختلفة «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ». وَيَقُولُ «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ». وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ الله وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمور مُحدَثَامُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ». ثُمَّ يَقُولُ «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَبَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ»..(1)

وفي كنز العمال: «إياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة تسير إلى النار (ذكر عن رجل)».(2)

الحديث الخامس:

ورد في كنز العمال: «تفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة أضرها على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال (كر عن عوف بن مالك)».(3)

ص: 239


1- صحیح مسلم : 334 . [ح. (43) - (867) - كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة]، ومسند أحمد بن حنبل : 3 / 481،[3 / 310/ - 311] ، [حديث : 14346] ، و السنن الكبرى للنسائي : 1 / 550 [كتاب صلاة العيدين - كيف الخطبة ، ح . 1786]
2- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: 1/ 122 ، [ ح. 1109 - كتاب الإيمان والإسلام قسم الأقوال ]
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: 1/ 119 ، [ ح. 1052 - كتاب الإيمان والإسلام/ قسم الاقوال ]

الحديث السادس:

«اتَّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا فقد كفيتم (طبراني عن ابن مسعود)».(1)

الحديث السابع:

«أهل البدع كلاب أهل النار (الدار قطني في الافراد عن أبي أمامة)».(2)

ومن العجب تراهم يجيزون الابتداع والاجتهاد مقابل النص، أما عندنا فلا يجوز الاجتهاد مقابل ما هو ثابت في القرآن أو السنة ، و قد جاء «عن أبي جعفر الباقرعلیهما السلام قال: قال جدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة ألا وقد بينهما الله عز وجل في الكتاب وبينتهما لكم في سيرتي وسنتي، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع ،بعدي من تركها صلح له أمر دينه، وصلحت له مروته و عرضه ...».(3)

ومما تقدَّم يتبيَّن عدم جواز تغيير سنة الله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، وحرمة البدعة التي تخالف النصوص الصريحة في القرآن أو السنة.

ص: 240


1- کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: 1/ 122، [ح . 1108 - كتاب الإيمان والإسلام/ قسم الأقوال]
2- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : 1/ 123 ، [ح. 1121 - كتاب الإيمان والإسلام قسم الأقوال]
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 1 /298[261 / 2]

زواج المتعة

مقالات

إنَّ زواج المتعة شرعه الله تعالى في القرآن الكريم، وأباحه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وتواترت الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام بحلية المتعة وإباحتها مضافاً إلى إجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك، و لم ينزل بها نسخ في القرآن الكريم، ولم ينه عنها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وقد تمتع الصحابة على عهد رسول الله الله و عهد أبي بكر وشطراً من خلافة عمر حتى منعها عمر بن الخطاب أيام خلافته، و يرى أهل السنة بأنَّ المتعة محرمة زاعمين أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حرَّمها وأنَّ آية الميراث ،نسختها، وقد عبّر بعض المتطرفين عن المتعة بالزنا، وأخذوا يهرجون ويقذفون الشيعة بتهم شتّى غير مكترثين بالأدلة والنصوص التي يستدلّ بها الشيعة من كتب السنة على جوازها وحليتها، ولذا كان من الضروري التصدي لهذه الافتراءات والسخريات لإثبات أنَّ المتعة هي سنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأنَّ تحريمها يعدُّ بدعة في الدين، ومخالفةً لسنة الله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم. قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»[المائدة/ 87]

ص: 241

ص: 242

دليل زواج المتعة في القرآن الكريم

لقد ورد نصٌ صريحٌ في القرآن الكريم يبيح زواج المتعة، و هو قوله تعالى:

«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»[النساء/ 24].

وردت هذه الآية تصرّح بسنة الله تعالى في جواز زواج المتعة ضمن آيات تبين شريعة الله تعالى تفصيلاً فيما أحلَّه أو حرَّمه من النساء في آية محكمة لم يرد فيها نسخ صريح في القرآن الكريم، فبدأ الله تعالى في تفصيل ذكر جميع المحرمات من النساء وبعد ذلك مباشرة شرع في ذكر ما أحله الله تعالى من النساء وبعبارة صريحة قال تعالى: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ...» فمن زعم أنها أحلت لمدة ثلاثة أيام فقط، فقد وهم لأن ذلك لو كان صحيحاً لأفرد له حكم خاص في القرآن الكريم منفصلاً عن هذا التفصيل الَّذي هو حكم ثابت، وإلّا لزم من نسخ المتعة مجملاً دون التصريح بها نسخ جميع الأحكام التي ذكرت معها، والتي تتصل بها وترتبط معها ارتباطًا مباشرًا، والآن تأمل في الآيات المتقدمة والمتأخرة عن حكم المتعة فستتضح لك صورة دقيقة عن الأحكام التي يريد أن يبينها الله تعالى لنا وهي أحكام ثابتة غير منسوخة، قال الله تعالى:

ص: 243

«وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا»«وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا»«وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا»«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا»«وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»«وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»«يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»«وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا»«يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا»[النساء/ 20، 28]

ص: 244

شبهة أبي بكر الرازي

لقد أورد أبو بكر الرازي شبهة مفادها «أنَّ هذه الآية مشتملة على أنَّ المراد منها تحریم نكاح المتعة من ثلاثة أوجهٍ:

الأولُ: أَنَّهُ تعالى ذكر المحرمات بالنكاح أولاً في قوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ» ، ثم قال في آخر الآية«وَأُحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ» كَانَ المراد بهذا التحليل ههنا ما هو المراد هناك بالتحريم هو النكاح، فالمراد بالتحليل هنا أيضاً يجب أن يكون هو النّكاح.

الثاني : قوله تعالى: «مُحْصِنِينَ»، والإحْصانُ لا يكون إلا في نكاحٍ صحيح.

الثالثُ : قوله : «مُسَافِحِينَ» سَمَّى الزِّنَا سِفَاحاً؛ لأنَّهُ لا مقصود فيه إلا سفح الماء ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النكاح والمتعة لا يراد منها إلا سفح الماء فكان سفاحاً».

الجواب

يجاب عن هذه الشبهة بوجوه

الوجه الأول: ما ذكره بعض علمائنا حيث قال:

إنَّهُ تعالى ذكر أصنافاً مِمَّنْ يَحْرُمُ وَطُءهُنَّ ثم قال «وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ» أي : وأحل لكم وَطْءُ ما وراء هذه الأصناف، فأيُّ فساد في هذا الكلام؟

الوجه الثاني: أَنَّ الزِّنَا إِنَّما سمي سفاحاً؛ لأنَّه لا يراد منه إلا سفح الماء، فالمتعةُ ليست كذلك، فإنَّ المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل الله تعالى، فَلِم قلتم إنَّ المتعة محرمة؟

ص: 245

الوجه الثالث : قد ثبتت حليَّة المتعة في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، و لو كانت سفاحاً لما أحلَّها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وإنما وقع الخلاف في نسخها.

الوجه الرابع: ذكر جماعة من الصحابة والعلماء وبعض المفسرين أنَّ المراد من قوله تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ» . هو نكاح المتعة، وفيما يلي تفصيل ذلك:

قصر الآية على نكاح المتعة

ومما يستدل به على أنَّ الآية المتقدمة مقصورة على بيان نكاح المتعة أقوال بعض الصحابة والعلماء والمفسرين، وهي:

قول مجاهد: «حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ» ، قال : يعني نكاح المتعة».(1)

قول ابن عباس: «أخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: يرحم الله عمر، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي قال: وهي التي في سورة النساء فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ» إلى كذا وكذا من الأجل، على كذا وكذا ... ».(2)

قول السدي: «وروي عن ابن عباس أيضاً ومجاهد والسدي وغيرهم: أن الآية في نكاح المتعة، وقرأ ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير، «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله عز وجل».(3)

ص: 246


1- تفسير الطبري المسمَّى جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير الطبري : 14/4[سورة النساء / آية: 24، ح . 9035] ، وينظر : الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 2/ 250[سورة النساء الآية: 24]، و تفسير القرآن العظيم لابن كثير : 2/ 185[سورة النساء]
2- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 2 / 252 [سورة النساء / الآية : 24]
3- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي عبد الحق الأندلسي المتوفى (546ه): [تفسير سورة النساء الآية 24] وانظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان 3/ 225 [ سورة النساء / الآيات: 15-28]

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يراها الآن حلالا وأخبرني أنه كان يقرأ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ» ، وقال ابن عباس: في حرف أُبي «إلى أجل».

قال عطاء وأخبرني من شئت عن أبي سعيد الخدري قال: لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقًا».(1)

قال الطبري: «حدثنا محمد بن الحسين ،قال حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ» ، فهذه المتعة : الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، وينكح بإذن وليها ، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريَّة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه».(2)

قول عطاء

«قال عطاء: وهي التي في سورة النساء «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ» إلى كذا و كذا من الأجل، على كذا و كذا، قال: وليس بينهما وراثة، فإن بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل فَنَعَمْ، وإن تفرَّقا فَنَعَمْ...».(3)

ص: 247


1- المصنَّف لعبد الرزاق: 396/7 - 397[7 / 496] ، [ باب المتعة / ح . (3307) -14098]
2- تفسير الطبري المسمَّى جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير الطبري: 14/4[سورة النساء / آية: 24، ح . 9034]
3- كتاب تفسير القرآن لأبي بكر محمد بن ابراهيم النيسابوري: 642/2[ سورة النساء: 24 ، ح. 1590 ]

قول سفيان :

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (المتوفى 327ه):

«حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي عمر ، قال : قال سفيان في قوله :«فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» . قال : هذا في المتعة كانوا قد أمروا بها قبل أن ينهوا عنها».(1)

قول مقاتل:

قال نصر بن محمد السمرقندي (المتوفى 375ه):

«فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ» قال مقاتل: يعني به المتعة، أي فما استمتعتم منهن إلى أجل مسمى»(2)

قراءة أبي بن كعب و ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطلحة بن مصرف:

قال الطبري: «حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن عيسى قال حدثنا نصير بن أبي الأشعث قال حدثني ابن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال: أعطاني ابن عباس مصحفًا فقال : هذا على قراءة أبي، قال أبو كريب قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير فيه: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى».

9037 - حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا داود عن أبي نضرة ،قال سألت ابن عباس عن متعة النساء. قال: أما تقرأ «سورة النساء»؟

قال قلت بلى قال : فما تقرأ فيها: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»؟

قلت : لا ! لو قرأتُها هكذا ما سألتك ! قال: فإنها كذا

ص: 248


1- تفسير ابن أبي حاتم الرازي (المسمّى: التفسير بالمأثور: 3/ 7[تفسير سورة النساء، ح. 5175]
2- بحر العلوم للسمرقندي: 1/ 346 ، [ سورة النساء / الآيتان 24،25]

9038 - حدثنا ابن المثنى قال حدثني عبد الأعلى قال، حدثني داود، عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فذكر نحوه.

9039 - حدثنا ابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس : «فما استمتعتم به منهن». قال ابن عباس : «إلى أجل مسمى». قال قلت ما أقرؤها كذلك ! قال: والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات.

9040 - حدثنا ابن المثنى قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير أن ابن عباس قرأ: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى».

9041 - حدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي ،عدي عن شعبة، وحدثنا خلاد بن أسلم قال أخبرنا النضر قال أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق، عن ابن عباس بنحوه.

9042 - حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : في قراءة أبي بن كعب: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»».(1)

وقال أيضاً: «حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي، عن عمرو بن مرة : أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن»».(2)

روى إمام السنة أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (المتوفّى 318ه):

ص: 249


1- تفسير الطبري المسمَّى جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير الطبري: 14/4- 15 [ سورة النساء آية : 24، ح . 9036 - 9042]
2- تفسير الطبري المسمَّى جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير الطبري: 4 / 15[سورة النساء / آية : 24 ، ح . 9044] ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 95/5

«أخبرنا الدَّبَرِيُّ، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أنَّه سمع ابن عباس يقرأ : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» . قال : وقال ابن عباس في حرف إلى أجل مسمَّى .(1)

قال الثعلبي: «روى عيسى بن عمر عن طلحة بن مصرف أنه قرأ: «فَمَا اسْتَمْتَعتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى».(2)

شبهة ابن تيمية

قال ابن تيمية : «فإن قيل : ففي قراءة طائفة من السلف فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى قيل : أولا ليست هذه القراءة متواترة وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد، ونحن لا ننكر أن المتعة أحلت في أول الإسلام لكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك.

الثاني : أن يقال هذا الحرف إن كان نزل فلا ريب أنه ليس ثابتا من القراءة المشهورة فيكون منسوخا ويكون نزوله لما كانت المتعة مباحة فلما حرمت نسخ هذا الحرف... وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذلك عليه وقال له إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر يوم خيبر فقرن علي رضي الله عنه بينهما ... فأهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن

النبي صلی الله علیه و آله و سلم والشيعة خالفوا عليا فيما رواه عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم واتبعوا قول من خالفه»(3)

الجواب

وللرد على ابن تيمية وأتباعه يقال:

ص: 250


1- كتاب تفسير القرآن: 641/2[سورة النساء : 24، ح . 1589]
2- الكشف والبيان للثعلبي : 286/3 [سورة النساء / الآيات: 22-28]
3- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية : 4 / 86 - 88

لقد تقدَّم ثبوت هذه القراءة عن جماعة من كبار الصحابة، بل ممن زعموا أنَّه أقرأ الصحابة كأيّ بن كعب، وهم الذين تلقوا القرآن من في رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بغير واسطة، والأمة ما أنكروا عليهم في هذه القراءة، فكان ذلك إجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة، وقد جاء في تفسير الرازي: «روي أن أبي بن كعب كان يقرأ «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» . وهذا أيضا هو قراءة ابن عباس، والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة، فكان ذلك إجماعًا من الأمة على صحة هذه القراءة... واذا ثبت بالاجماع صحة هذه القراءة ثبت المطلوب».(1) وهو أنَّ هذه الآية مقصورة على بيان نكاح المتعة.

وأما قوله :«هذا الحرف إن كان نزل فلا ريب أنه ليس ثابتًا من القراءة المشهورة فيكون منسوحًا ويكون نزوله لما كانت المتعة مباحة فلما حرمت نسخ هذا الحرف»، فنقول له: لم نعثر على ناسخ صريح في القرآن الكريم بل قد صرح عمران بن الحصين بعدم نسخها إذ قال : «نزلت هذه الآية (المتعة) في كتاب الله، لم تنزل آية بعدها تنسخها، فأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وتمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ولم ينهنا عنه، وقال رجل بعد برأيه ماشاء».(2)

هذا وسنذكر أقوال الصحابة التي تصرح بعد نسخ هذه الآية، وقد تقدم قول سفيان، ومقاتل، وعطاء وغيرهم أن هذه الآية يراد بها نكاح المتعة، وهكذا يسقط إدِّعاء ابن تيمية.

وأما قوله بأنَّ علياً علیه السلام نهى عن المتعة، فهذا يعارضه ما سنذكره من صريح قوله صلى الله عليه و آله وسلم: «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي»، ويقوي قوله قول جماعة من الصحابة بعدم نسخ المتعة، فالشيعة لازالت تتبع علياً، لا كما يدعيه ابن تيمية.

ص: 251


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي: 10 / 43[سورة النساء / الأية : 24]
2- الكشف والبيان للثعلبي : 286/3 [سورة النساء / الآيات: 22-28]

ص: 252

آية المتعة لم تنسخ

الدليل على عدم نسخ آية المتعة هو أقوال بعض الصحابة والتابعين، ومنهم:

قول علي بن أبي طالب علیه السلام

قال القاضي عبد الحق الأندلسي : «وروى الحكم بن عتيبة، أن علياً رضي الله عنه قال: «لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي».(1)

قال أبو حيان والرازي: «وروي عن عليّ أنه قال: لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي. وروي عن ابن عباس: جواز نكاح المتعة مطلقاً».(2)

وقال الطبري والثعلبي «قال الحكم: وقال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شَقِيٌّ».(3)

قول جابر بن عبد الله الأنصاري :

قال البيهقي: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى

ص: 253


1- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي عبد الحق الأندلسي المتوفى (546ه): 136/2 [تفسير سورة النساء الآية: 24]
2- تفسير البحر المحيط لأبي حيان : 3 / 225 - 226 ، سورة النساء / الآيات : 15-28] ، وينظر : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 10 / 41 [سورة النساء / الأية : 24]
3- تفسير الطبري المسمَّى جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير الطبري: 15/4[سورة النساء آية : 24، ح . 9043]، والكشف والبيان للثعلبي : 286/3[سورة النساء الآيات: 22-28]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عَنْهُ قَالَ قُلْتُ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهَا. قَالَ: عَلَى يَدَيَّ جَرَى الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عَنْهُ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم هَذَا الرَّسُولُ وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هَذَا الْقُرْآنُ وَإِنَّهُما كَانَتَا مُنْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلا غَيَّبْتُهُ فِي الْحِجَارَةِ وَالأُخْرَى مُتْعَةُ الحَجِّ افْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَنَّمُ حَجَّكُمْ وَأَنمُ لِعُمْرَتِكُمْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهِ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ».(1)

وقال مسلم في صحيحه: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بالمتعَةِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْن عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم .

فَلَما قَامَ عُمَرُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَكُمُ الله وَأَبِتُّوا(2) نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ إِلَى أَجَلٍ إِلا رَجَمتُهُ بِالحِجَارَةِ».(3)

وقال أيضاً: «وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْخُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مُعْتَمِرًا فَجِثْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ ثُمَّ ذَكَرُوا المُتْعَةَ

ص: 254


1- السنن الكبرى للبيهقي : 10 / 490[باب نكاح المتعة / م 14506]
2- أبتوا : يعني (اقطعوا)
3- صحیح مسلم : 492 [كتاب الحج / باب في المتعة بالحج والعمرة، 145 - (1217)]

فَقَالَ نَعَمِ اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ».(1)

وقال أيضاً: «حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقُبْضَةِ مِنَ الشَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنٍ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ.

عليه واله

حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ – يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ - عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي المُنْعَتَيْنِ فَقَالَ جَابِرٌ فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ فَلَمْ نَعُدْ لَهُما».(2)

وقال أيضاً: «وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عَطَاءُ قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ الله مُعْتَمِرًا فَجِئنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ ثُمَّ ذَكَرُوا المَتْعَةَ فَقَالَ : نَعَمِ اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ».(3)

وروى عبد الرزاق بسنده فقال: «قال أبو الزبير : سمعت جابراً يقول: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق أيام عهد النبي صلى الله عليه و آله وسلم و أبي بكر ، حتى نهى الناس في شأن عمرو بن حريث».(4)

وروى أيضاً: «عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد

ص: 255


1- صحیح مسلم : 564 [كتاب النكاح / باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة - 15 - 1405)]
2- صحيح مسلم : 564 [كتاب النكاح / باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة - 16 ، و 17 - 1405)]
3- صحیح مسلم : 564 [ح . 15 - (1405) ، كتاب النكاح]
4- المصنَّف لعبد الرزاق :7 / 398[7 / 498] ، [باب المتعة / ح . 14103]

الله يقول : استمتعنا أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم حتى نهى عمرو بن حريث. قال: وقال جابر: إذا انقضى الأجل فبدا لهما أن يتعادوا،فليمهرها مهراً آخر. قال : وسأله بعضنا كم تعتد؟

قال حيضة واحدة كن يعتددنها للمستمتع منهن».(1)

وروى أيضاً: «عن ابن جريج عن عطاء قال: لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى، قال أخبرني عن يعلى: أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف، فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس، فذكر له ،بعضنا، فقال له نعم، فلم يقر في نفسي، حتى قدم جابر بن عبد الله فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا له المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وأبي بكر وعمر ، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة - سماها جابر فنسيتها - فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر فدعاها فسألها، فقالت: نعم، قال: من أشهد؟

قال عطاء: لا أدري قالت: امي(2)، أم وليها، قال: فهلاً غيرهما.

قال: خشي أن يكون دغلا الآخر، قال عطاء: وسمعت ابن عباس يقول : يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رخصة من الله عز و جل ، رحم بها أمة محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي، قال: كأني والله أسمع قوله إلا شقي- عطاء القائل- قال عطاء: فهي التي في سورة النساء : «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ»[النساء/ 24]. إلى كذا وكذا من الأجل، على كذا وكذا، ليس بتشاور قال بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل وأن يفرقا فنعم ، وليس بنكاح».(3)

وقال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الله، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا

ص: 256


1- المصنف لعبد الرزاق: 7 /398[7 / 499]،[باب المتعة/ ح. 14105]
2- في هامش الصفحة قالت: (أمها)
3- المصنف لعبد الرزاق: 1396/7 - 397 [7/ 496] [باب المتعة / ح. 14098]

عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَعَاصِمُ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم مُتعَتَيْنِ الْحَجَّ وَالنِّسَاءَ ، وَقَدْ قَالَ حَمَّادٌ أَيْضًا : مُتْعَةَ الْحَجِّ وَمُتْعَةَ النِّسَاءِ، فَلَمّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا عَنْهُمَا فَانْتَهَيْنَا»(1). تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح من جهة عاصم بن سليمان الأحول وأما متابعة علي بن زيد – وهو ابن جدعان – فضعيف.

وقال أحمد بن حنبل أيضاً: «حَدَّثَنَا بَهْزٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: قُلْتُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنْ المتعَةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاس يَأْمُرُ بِهَا ؟

قَالَ: فَقَالَ لِي: عَلَى يَدِي جَرَى الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ عَفَّانُ: وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْهُ، خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم هُوَ الرَّسُولُ، وَإِنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم إِحْدَاهُمَا مُتْعَةُ الْحَجِّ وَالْأُخْرَى مُتْعَةُ النِّسَاءِ».(2)

تعليق شعيب الأرنؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي نضرة فمن رجال مسلم.

قول ابن عباس: روى إمام السنة أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (المتوفى 318ه):

«حدثنا اسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، قال سمعت ابن عباس

وحدثنا عليّ عن أبي عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج، قال أخبرني عطاء،

ص: 257


1- مسند أحمد بن حنبل : 12 / 445 [1/ 363] ، [حديث : 14928]
2- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 64،[1/ 52] ، [حديث : 371]

قال: سمعت ابن عباس يقول: يرحم الله عمر ! ما كانت المتعة إلا رحمةً من الله ، رحم بها أمَّةَ محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، ولو لا نهيه عنها ، ما احتاج إلى الزنا إلا شقيٌّ.

قال: و قال: كأنّي أسمع قوله الآن «"إلا شقيٌّ". عطاء القائل ذلك.... قال: وأخبرني أنّه سمع ابن عباس يراها الآن حلالاً . (اللفظ لأبي عُبيد)».(1)

وقال الثعلبي: «فقال ابن عباس : هي محكمة ورخّص في المتعة، وهي أن ينكح الرجل المرأة بولي وشاهدين إلى أجل معلوم، فإذا انقضى الأجل فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها وليس بينهما (ميراث)».(2)

قال الزمخشري : «وعن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ وكان يقرأ: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى». ويروى أنه رجع عن ذلك عند موته وقال: اللهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة، وقولي في الصرف»(3). وفي الهامش قال ابن حجر: «أما

رجوعه عن المتعة فرواه الترمذي بسند ضعيف عنه».

وقال السيوطي: «وأخرج عبد الرزاق عن خالد بن المهاجر قال: أرخص ابن عباس للناس في المتعة فقال له ابن عمرة الأنصاري: ما هذا يا ابن عباس...؟! فقال ابن عباس: فعلت مع إمام المتقين، فقال ابن أبي عمرة: اللهم غفرا، إنما كانت المتعة رخصة كالضرورة إلى الميتة والدم ولحم الخنزير ، ثم أحكم الله الدين بعد».(4)

قول عمران بن الحصين

قال الثعلبي : «أبو رجاء العطاردي عن عمران بن الحصين قال: نزلت هذه الآية

ص: 258


1- کتاب تفسير القرآن: 642/2[ سورة النساء: 24، ح . 1590]
2- الكشف والبيان للثعلبي : 286/3[سورة النساء / الآيات: 22-28]
3- تفسير الكشاف : 1 / 488[سورة النساء]
4- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 2/ 1252 [سورة النساء / الآية : 24]

(المتعة) في كتاب الله لم تنزل آية بعدها تنسخها فأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وتمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ولم ينهنا عنه ،وقال رجل بعد برأيه ما شاء».(1)

«وقال عمران بن حصين أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بالمتعة، ومات بعدما أمرنا بها، ولم ينهنا عنه قال رجل بعده برأيه ما شاء. وعلى هذا جماعة من أهل البيت والتابعين».(2)

قال الرازي: «قال [عمران بن الحصين]: ان الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية ،أخرى، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء، يريد أن عمر نهى عنها».(3)

قال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ.

أَنَّهُ قَالَ : تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ الله فَلَمْ يَنْهَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَعْدَ ذَلِكَ عَنْهَا، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا نَهْي»(4). تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد ضعيف.

قال أحمد بن حنبل أيضاً : حَدَّثَنَا عَبْدُ الله ، حَدَّثَنِي أبي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا حَميدٌ عَنِ الحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:

تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهَا وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهَا نَهْيُّ».(5) تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن الحسن

ص: 259


1- الكشف والبيان للثعلبي : 286/3 [سورة النساء / الآيات: 22-28]
2- تفسير البحر المحيط لأبي حيان : 3 226 ، [سورة النساء / الآيات 15-28]
3- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 10 / 44 [سورة النساء / الأية : 24]
4- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 535 ،[4/ 438] ، [حديث : 19955]
5- مسند أحمد بن حنبل : 4 /546 ،[4 / 439] ، [حديث : 19962]

البصري لم يسمع من عمران بن حصين.

قول الحكم بن عتيبة

«حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» إلى هذا الموضع: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ» أمنسوخة هي ؟

قال : لا

نوأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم. أنه سئل عن هذه الآية أمنسوخة ؟ قال : لا . وقال عليّ : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي».(1)

الدليل الثاني على عدم نسخ آية المتعة

يستدل على عدم نسخ آية المتعة ببعض الأحاديث التي وردت بصورة مطلقة تجيز المتعة دون تقيدها بزمن أو نحوه من القيود التي تدلّ على حصرها بزمن دون آخر، أو حصرها على فئة من الناس دون غيرهم، ومن هذه الأحاديث ما رواه مسلم، فقال:

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالا: خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا. يَعْنِي مُتْعَةَ

النِّسَاءِ .»(2)

وقال أيضاً: «حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْنِي حَدَّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ) حَدَّثَنَا رَوْحُ (يَعْنِي ابْنَ الْقَاسِم) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَع

ص: 260


1- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطى : 2 / 251 [سورة النساء / الآية : 24]
2- صحیح مسلم : 564. [ح. 13 - (1405) ، كتاب النكاح]

وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم أَتَانَا فَأَذِنَ لَنَا فِي المَتْعَةِ».(1)

وفي البخاري: «حَدَّثَنَا عَلِي حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَا كُنَّا فِي جَيْشِ فَأَتَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا»».(2)

وروى أحمد بن حنبل : «قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَا : خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم، فَنَادَى : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَدْ أَذِنَ لَكُمْ فَاسْتَمْتِعُوا

يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاءِ»(3). تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين وفي رواية النسائي: «أخبرنا محمد بن بشار قال : ثنا محمد يعني غندرا قال: ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاکوع قالا : خرج منادي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال: "إنَّ الله قد أذن لكم فاستمتعوا يعني

متعة النساء"»(4)

و في رواية «عبد الرزاق قال قال ابن جريج وأخبرني عمرو بن دينار عن حسن بن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع - رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم أنهما قالا: كنا في غزوة فجاء رسول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «استمتعوا».»(5)

ص: 261


1- صحيح مسلم : 564 [ح . 14 - (1405)، كتاب النكاح]
2- صحيح البخاري: 964. [ح. 5117 - 5118 / باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة آخراً]
3- مسند أحمد بن حنبل : 4 /64،[4/51 ] ، [حديث : 16540]
4- السنن الكبرى للنسائي : 326/3 [كتاب النكاح باب -81 - المتعة / ح . 2/5539]
5- المصنّف لعبد الرزاق :7 / 397[7 / 497] [باب المتعة / ح. 14100]

و من الروايات التي تبيح المتعة مطلقاً ما رواه البخاري:

«وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئب حدثني إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَع عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم أَيُّمَاا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ فَإِنْ أَحَبًّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَنَارَ كَا تَنَارَكَا». [وأضاف الراوي قائلاً]: فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنِ النبي صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّهُ مَنْسُوخٌ».(1)

فيستفاد من الإطلاق الموجود في الروايات المتقدمة عدم نسخ المتعة، وأن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أمر بها ، وأنها كانت تفعل في زمنه، بل أنَّ مِن الصحابة مَنْ كان يفتي بجواز المتعة بعد وفاة عمر بن الخطاب مستدلاً بأنها كانت تفعل في زمن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، كما قال مسلم، والبيهقي: «وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ع بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ فَقَالَ إِنَّ نَاسًا - أَعْمَى الله قُلُوبَهُمْ كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ، يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ - يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ، فَنَادَاهُ فَقَالَ إِنَّكَ لَخَلْفٌ جَافٍ فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتِ المُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إمَامِ المُتَّقِينَ [يُرِيدُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم] فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ : فَجَرِّبْ بِنَفْسِكَ فَوَالله لَئِنْ فَعَلْتَهَا لِأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ».(2)

فهذا الأثر يصرح بأنَّ الخلاف قد وقع بعد نهي عمر عنها.

تدليس في بعض صحاح العامة

روى جماعة من مشايخ السنة رواية ظاهرها يفيد بجواز زواج المتعة مطلقاً، وأنّها من الطيبات التي أحلَّها الله لنا، ولا يجوز تحريمها، وروى البخاري هذه الرواية ولكنه

ص: 262


1- صحيح البخاري : 964 [ح. 5119 / باب نهي رسول الله عن نكاح المتعة آخراً]
2- صحیح مسلم: 566[كتاب النكاح / باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة ، ح. 27 - 1406] ، و السنن الكبرى للبيهقي: 487/10 [باب نكاح المتعة / م 14500]

حذف منها لفظ (إلى أجل) ، وهذا الحذف متعمد خالف به جملة من الرواة، وهو تدليس ظاهر أراد به أن يصرف الرواية عن الزواج المؤقت إلى الزواج الدائمي، فقد قال:

«حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الله رضي عنه قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاء فَقُلْنَا أَلَا نَخْتَصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، فَرَخَّصَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَتَزَوَّجَ الْمُرْأَةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ ي«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ»[المائدة / 87]».(1)

و روى مسلم هذه الرواية بنفس طريق البخاري ذاكراً لفظ (إِلَى أَجَلٍ) الذي يفيد

بأنَّ المراد من النكاح هو نكاح المتعة، فقال:

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرِ الْهَمْدَانِي حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ وَابْنُ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله يَقُولُ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا أَلَا نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ المَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»[المائدة/ 87] .

وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي خَالِدٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ وَقَالَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا هَذِهِ الآيَةَ، وَلَمْ يَقُلْ قَرَأَ عَبْدُ الله.

وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ كُنَّا وَنَحْنُ شَبَابٌ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله أَلَا تَسْتَخْصِي وَلَمْ يَقُلْ نَغْزُو.»(2).

ص: 263


1- صحيح البخاري : 835 [كتاب تفسير القرآن باب قوله:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ»]
2- صحيح مسلم : 564 [كتاب النكاح / باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة - 11- (1404)]

وكذلك رواها أحمد بن حنبل بنفس الطريق ومن دون حذفٍ:

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَلَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله أَلَا تَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْهُ ثُمَّ رُخْصَ لَنَا بَعْدُ في أن تتزوج المرأةَ بِالتَّوْبِ إِلَى أَجَل ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».(1)

وروى أيضاً: «حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم وَنَحْنُ شَبَابٌ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله أَلا تَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا، ثُمَّ رَخَّصَ لَنا في أنْ تَنْكِحَ المرأة بالتَّوبِ إِلَى الْأَجَل ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله «ولا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ»[المائدة/ 87]»(2)

ورواها البيهقي (المتوفى 458ه)، بنفس الطريق أيضاً من دون حذف، فقال:

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عمرو بن السماك حدثنا يحيى بن أبي طالب أنبأ محمد بن عبيد (ح وأخبرنا) أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان النيسابوري حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد قالا حدثنا إسماعيل عن قيس عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وليس معنا نساء فقلنا ألا نختصي؟

فنهانا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن ذلك ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل – لفظ

حديث أبي عثمان -

ص: 264


1- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 544 [1/ 420]،[ح . 395]
2- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 560[1 / 432] ، [ح. 4112]

وفي حديث أبي عبد الله ثم رخص لنا في أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله ي«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ»الآية – أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن إسماعيل بن أبي خالد -»(1)

«وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ فِي آخَرِينَ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِي أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عَنْهُ يَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَأَرَدْنَا أَنْ نَخْتَصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ تَنْكِحَ المرأةَ إِلَى أَجَلٍ بالشَّيء...

قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ الله قَدْ رُوِيَ في حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا وَنَحْنُ شَبَابٌ».(2)

وروى أيضاً: «أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا وَنَحْنُ شَبَابٌ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ

أَلاَ نَسْتَخْصِي؟

قَالَ: «لا»، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ تَنْكِحَ المرأةَ بِالتَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ الله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة».(3)

ص: 265


1- السنن الكبرى للبيهقي: 476/10 - 477 [باب نكاح المتعة / م 14477]
2- السنن الكبرى للبيهقي : 10 / 477 [كتاب النكاح جماع أبواب الانكحة التي نهي عنها / باب نكاح المتعة : م : 14478]
3- السنن الكبرى للبيهقي: 10 / 477 [كتاب النكاح - جماع أبواب الانكحة التي نهي عنها/ باب نكاح المتعة: م: 14479]

و قال السيوطي: «وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وليس معنا نساؤنا فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخص لنا أن نتزوّج المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ»[المائدة/ 87].»(1)

فحديث ابن مسعود المتقدّم يفيد جواز زواج المتعة مطلقاً في أي زمن كان «قَالَ الشَّافِعِيُّ: ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الإِرْخَاصَ فِي نِكَاح المتعة وَلَمْ يُوَفِّتُ شَيْئًا يَدلُّ أَهُوَ قَبْلَ خَيْبر أَوْ بَعْدَهَا ...»(2)

ولذا تلاعب البخاري في الرواية كي لا يُبقي دليلا على عدم نسخ المتعة، فالرواية تصرح بأنَّ المتعة من طيبات الله التي أحلَّها الله لنا، فاستشهد الصحابي عبد الله بن مسعود بالآية الكريمة ليقول: إن المتعة من طيبات الله التي أحلّها الله لنا فلا تحرموا طيبات الله. وتلاوة هذه الآية بعد ذكر حِلّية المتعة في هذه الرواية مباشرةً خير دليل على عدم نسخ المتعة، فهل يبقى بعد هذه الآية في مثل هذه الرواية شكٍّ حول حِليَّة المتعة ومشروعيتها، وعدم نسخها ؟!!، بل فيها إيماء بأن من ينهى عنها يريد أن يحرم طيبات الله الَّتي أحلَّها الله لنا.

الدليل الثالث على عدم نسخ المتعة : تمتع بعض الصحابة

تَمتُّع بعض الصحابة في زمن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من أبي بكر، وبعضهم صدراً من خلافة عمر، خير دليل على عدم نسخ المتعة، وأنَّ عمر بن الخطاب هو الذي حرَّمها، ونسخها، ومن هؤلاء الصحابة الذين ورد ذكر تمتعهم في صحاح أهل السنة،

ص: 266


1- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 22 / 250 [سورة النساء / الآية : 24]
2- السنن الكبرى للبيهقي : 10 / 477 [كتاب النكاح جماع أبواب الانكحة التي نهي عنها/ باب نكاح المتعة : م: 14478]

ومصادرهم الحديثية:

تمتع جابر بن عبد الله الأنصاري

روی مسلم، فقال: «حدثني حَامِدُ بْنُ رَ الْبَكْرَاوِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبي نَضْرَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله فَأَتَاهُ آتِ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاس وَابْنَ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا في المتعَتَيْنِ فَقَالَ جَابِرٌ فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ فَلَمْ نَعُدُ لَهُما».(1)

وروى أيضاً: «حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبو الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقُبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ».(2)

وقال النسائي: «أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو عاصم يعني النبيل قال حدثنا زكريا بن إسحاق قال حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال كنا نعمل بها يعني متعة النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هو في زمان أبي بكر وصدرا من خلافة عمر حتى نهانا عنها».(3)

وفي رواية أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الله، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَعَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : تَمَتَّعْنَا مُتعَتَيْنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم الْحَجَّ وَالنِّسَاءَ فَنَهَانَا عُمَرُ عَنْهُما فَانْتَهَيْنَا».(4)

تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم من حديث عاصم الأحول أما متابعة علي بن زيد - وهو ابن جدعان - فضعيف.

ص: 267


1- صحیح مسلم : 564 [ح . 17 - (1405) ، كتاب النكاح]
2- صحیح مسلم : 564 . [ح . 16 - (1405) ، كتاب النكاح]
3- السنن الكبرى للنسائي : 326/3 [كتاب النكاح باب -81- المتعة / ح. 1/5538]
4- مسند أحمد بن حنبل : 30 / 436،[3 / 356] ، [حديث : 14846]

وفي رواية البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ المُزَكِّي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا في المُمتعَتَيْنِ فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُما مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ رضي الله عَنْهُ فَلَمْ نَعُدْ لَهُما .

رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ حَامِدِ بْنِ عُمَرَ الْبَكْرَاوِي».(1)

وفي كنز العمال: «عن جابر قال : تمتعنا متعة الحج ومتعة النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فلما كان عمر نهانا فانتهينا «ابن جرير».(2) (2) .

وفيه أيضاً : «عن أبي نضرة قال: سمعت عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ذكروا المتعة في النساء والحج فدخلت على جابر بن عبد الله فذكرت له ذلك فقال : أما إني قد فعلتهما جميعًا على عهد النبي صلى الله عليه و آله وسلم ثم نهانا عنهما عمر بن الخطاب فلم أعد (ابن جریر)».(3)

وفيه أيضاً : «عن جابر أنه سئل عن متعة النساء فقال: استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و أبي بكر وعمر ثم نهى عنها عمر ( عبد الرزاق ) ».(4)

ص: 268


1- السنن الكبرى للبيهقي: 10/ 489 [كتاب النكاح - جماع أبواب الأنكحة التي نهي عنها باب نكاح المتعة : م : 14505]
2- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 217/16 [كتاب النكاح المتعة، ح. 45711]
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 218/16 [كتاب النكاح المتعة، ح. 45716]
4- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 219/16[كتاب النكاح المتعة، ح. 45722]

وفيه أيضاً: «عن جابر قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأبي بكر حتى نهى عمر الناس وكنا نعتد من المستمتع منهن بحيضة (عبد الرزاق)»(1)

تمتع التابعي سعيد بن جبير

روى «عبد الرزاق عن بن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم قال: كانت بمكة امرأة عراقية تنسك جميلة لها ابن يقال له : أبو أمية، وكان سعيد بن جبير يكثر الدخول عليها قلت يا أبا عبد الله ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة؟

قال :إنا قد نكحناها ذلك النكاح للمتعة.

قال وأخبرني أن سعيدا قال له: هي أحل من شرب الماء للمتعة»(2).

تمتع أبي سعيد الخدري

روى «عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يراها الآن حلالاً، وأخبرني أنه كان يقرأ«فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»(3)، وقال ابن عباس: في حرف أُبي: «إلى أجل».

قال عطاء وأخبرني من شئت عن أبي سعيد الخدري قال : لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقا».(4)

ص: 269


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 219/16 [ كتاب النكاح المتعة، ح. 45724]
2- المصنّف لعبد الرزاق :7 / 396[7 / 495] ، [ باب المتعة / ح . 14097]
3- بإضافة لفظ (إلى أَجَل) والآية في سورة [النساء/ 24]
4- المصنف لعبد الرزاق : 7 / 397[7 / 497] ، [ باب المتعة / ح . 14099]

وقال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زَيْدٍ أَبِي الْخَوَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الصَّدِّيقِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِي قَالَ: كُنَّا تَتَمَتَّعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بالثُّوب».(1)

وفي كنز العمال: «عن أبي سعيد : لقد كان أحدنا يستمتع على القدح سويقا (عبد الرزاق)».(2)

وفيه أيضاً: «عن ابّي سعيد قال : كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بالثوب (ابن جریر)»(3)

تمتع سلمة بن أمية بن خلف

وهو سلمة بن أمية أخو يعلى بن أمية بن خلف الجمحي قد تمتع في زمن عمر بن الخطاب، كما روى «عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس قال: لم يرع عمر أمير المؤمنين إلا أُم أُراكة قد خرجت حبلى، فسألها عمر عن حملها ؟

فقالت: إستمتع بي سلمة بن أمية بن خلف، فلما أنكر صفوان على ابن عباس بعض ما يقول في ذلك، قال: فسأل عمك هل استمتع ؟».(4)

ورى أيضاً فقال: «... وقال صفوان : هذا ابن عباس يفتي بالزنى.

فقال ابن عباس: إني لا أفتي بالزنى أفنسي صفوان أم أراكة؟ فو الله إنّ ابنها لمن

ص: 270


1- مسند أحمد بن حنبل : 3/ 27[3 / 22] ، [حدیث: 11171]
2- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : 16 / 220 ، [كتاب النكاح المتعة / ح: 45734]
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : 16 / 220، [كتاب النكاح/ المتعة/ح: 45735]
4- المصنَّف لعبد الرزاق: 7 / 397 - 398[7 / 498] ، [باب المتعة / ح . 14101]

ذلك، أفزني هو ؟، قال :واستمتع بها رجل من بني جمع».(1)

تمتع معاوية بن أبي سفيان

وروی عبد الرزاق بسنده فقال: «وقال أبو الزبير: وسمعت جابر بن عبد الله يقول : استمتع معاوية بن أبي سفيان مقدمة من الطائف على ثقيف، بمولاة ابن الحضرمي يقال لها معانة.

قال جابر: ثم أدركت معانة خلافة معاوية حية، فكان معاوية يرسل إليها بجائزة في كل عام حتى ماتت».(2)

و أيضاً روى «عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: لأول من سمعت منه المتعة صفوان بن يعلى قال أخبرني عن يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس فذكر له بعضنا فقال له: نعم فلم يقرّ في نفسي حتى قدم جابر بن عبد الله، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا له المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلی اله علیه و آله و سلم ، وأبي بكر وعمر حتى إذا كان في ، آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة - سماها جابر فنسيتها - فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر، فدعاها فسألها، فقالت: نعم، قال: من أشهد؟

قال عطاء: لا أدري قالت أمي أم وليها، قال فهلا غيرهما .

قال : خشي أن يكون دغلا الآخر.

قال عطاء: وسمعت ابن عباس يقول : يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رخصة من الله عز و جل رحم بها أمة محمد صلی اله علیه و آله و سلم، فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شقي، قال:

ص: 271


1- المصنف لعبد الرزاق: 396/7 - 397 [7/ 496]، [باب المتعة / ح. (3307)-14098]
2- المصنف لعبد الرزاق: 7 / 398[7 / 498] [باب المتعة / ح. 14103]

كأني والله أسمع قوله إلا شقي- عطاء القائل- قال عطاء: فهي التي في سورة النساء: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ»[النساء/ 24] إلى كذا وكذا من الأجل، على كذا وكذا، ليس بتشاور قال: بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل وأن يفرقا فنعم وليس بنكاح».(1)

تمتع أسماء بنت ابي بكر

قال النسائي :«أخبرنا محمود بن غيلان المروزي قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن مسلم القري قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء فقالت: فعلناها على عهد رسول الله صلی اله علیه و آله و سلم».(2)

وروی سلیمان بن داود بن الجارود شيخ الإمام أحمد بن حنبل، فقال:

«حدثنا يونس قال: حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة عن مسلم القري، قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر، فسألناها عن متعة النساء، فقالت:«فعلناها على عهد النبي صلی اله علیه و آله و سلم»».(3)

قال محقق الكتاب (محمد حسن محمد حسن اسماعيل) حديث صحيح.

قال أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الهراني الأصبهاني:

«ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يوسف بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن مسلم القري قال دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء فقالت فعلناها على عهد

ص: 272


1- المصنف لعبد الرزاق: 396/7 - 397 [7/ 496] [باب المتعة/ح. (3307)-14098]
2- السنن الكبرى للنسائي : 326/3 - 327 [كتاب النكاح باب -1- المتعة / ح. 3/5540]
3- مسند الطيالسي : 2 / 287 [ح. 1742 / ما روت أسماء بنت أبي بكر عن النبي]

رسول الله صلی اله علیه و آله و سلم».(1)

فهذه الرواية تصرح بأنَّ أسماء بنت أبي بكر تمتعت في زمن رسول الله صلی اله علیه و آله و سلم، وقد روی مسلم رواية مغايرة عن هذه الرواية عن نفس الراوي، ثم تردد بإثرها في تعيين نوع المتعة، فقال: «لاَ أَدْرِي مُتْعَةُ الحَجِّ أَوْ مُتْعَةُ النِّسَاءِ»؟، وهذا التردد لا يقدح برواية النسائي، والطيالسي لتصريح روايتهما بأنَّ المتعة تخص متعة النساء، مع صحة روايتها، واليك رواية مسلم وتعليقه:

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُسْلِمِ الْقُرِّيِّ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسِ – رضي الله عنهما - عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَرَخَّصَ فِيهَا وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيْرِ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم رَخَّصَ فِيهَا فَادْخُلُوا عَلَيْهَا فَاسْأَلُوهَا قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَإِذَا امْرَأَةٌ ضَحْمَةٌ عَمْيَاءُ فَقَالَتْ قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ الله صلی اله علیه و آله و سلم فِيهَا.

- وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ - جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ فَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَفِي حَدِيثِهِ المَتْعَةُ وَلَمْ يَقُلْ مُتْعَةُ الْحَجِّ وَأَمَّا ابْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ قَالَ شُعْبَةُ قَالَ مُسْلِمٌ لا أَدْرِي مُتْعَةُ الحَجِّ أَوْ مُتْعَةُ النِّسَاءِ»/(2)

تمتع عمرو بن حريث

روى«عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أنَّ : محمد بن الأسود بن خلف أخبره أن عمرو بن حريث استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي فحملت، فذكر ذلك لعمر فسألها، فقالت: استمتع منها عمر بن حريث، فسأله،

ص: 273


1- المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم : 341/3
2- صحیح مسلم : 504 [ح . 194، 195 - (1238) - كتاب الحج باب في متعة الحج]

فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟

قال : لا أدري أقالَ : أمها، أو أختها، أو أخاها وأمها، فقام عمر على المنبر فقال : ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا، ولم يبينها إلا حددته.

قال : أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت ،منبره سمعه حين يقوله. قال: فتلقاه الناس منه».(1)

وروى أيضاً «عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قدم عمرو بن حريث من الكوفة فاستمتع بمولاة، فأتي بها عمر وهي حبلى، فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو بن حريث، فسأله فأخبره بذلك أمراً ظاهراً، :قال فهلاً غيرها ؟ فذلك حين نهى عنها .

قال بن جريج: وأخبرني من أصدق أن عليًّا قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب - أو قال : من رأي ابن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا إلا شقي».(2)

وجاء في كنز العمال:«عن سعيد بن المسيب قال: استمتع ابن حريث وابن فلان

كلاهما ولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر (ابن جرير)».(3)

تمتع ربيعة بن أمية بن خلف

روی «عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير : أن ربيعة بن أمية بن خلف تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين، إحداهما خولة بنت

ص: 274


1- المصنف لعبد الرزاق :7 / 399[7 / 500] ،[ باب المتعة / ح. 14108]
2- المصنّف لعبد الرزاق: 7 / 399[7 / 499] [باب المتعة / ح. 14106]
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 217/16 [كتاب النكاح المتعة، ح. 45704]

حكيم، وكانت امرأة صالحة، فلم يفجأهم إلا الوليدة قد حملت، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب، فقام يجر صنفة ردائه من الغضب حتى صعد المنبر فقال: إنه بلغني أن ربيعة بن أمية تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين، وإني لو كنت تقدمت في مثل هذا الرجمت».(1)

وقال السيوطي: «وأخرج مالك وعبد الرزاق عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب يجر رداءه فقال : هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت.

وأخرج عبد الرزاق عن خالد بن المهاجر قال: أرخص ابن عباس للناس في المتعة فقال له ابن عمرة الأنصاري: ما هذا يا ابن عباس...؟! فقال ابن عباس: فعلت مع إمام المتقين فقال ابن أبي عمرة : اللهم غفرا . ! إنما كانت المتعة رخصة كالضرورة إلى الميتة والدم ولحم الخنزير ، ثم أحكم الله الدين بعد».(2) (2) .

تمتع معبد بن أمية

روى عبد الرزاق بسنده إلى أن قال: قال أبو الزبير وسمعت طاووساً يقول قال ابن صفوان يفتي ابن عباس بالزنى قال فعدد ابن عباس رجالا كانوا من أهل المتعة قال فلا أذكر ممن عدد غير معبد بن أمية».(3)

وجاء في مسند الشافع«(أخبرنا): مالكٌ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُروة:

ص: 275


1- المصنّف لعبد الرزاق: 7 / 401[7 / 502] [باب المتعة/ ح. 14115]
2- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 2/ 252[سورة النساء الآية: 24]، وكنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي: 16 / 217 [ كتاب النكاح المتعة، ح. 45709]
3- المصنَّف لعبد الرزاق: 7 / 398[7 / 499] [ باب المتعة / ح . 14104]

- أَنَّ جَزْلَةَ بنت حكيم دَخلَت عَلَى عُمَر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أُمية اسْتَمْتَعَ بامرأة مُوَلَّدَة فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرجَ عُمَرُ يَجُرُّ رِداءَه فَزِعاً فقال: هذه المتعة ولوْ كُنْتُ تقدَّمْتُ فيهِ لَرَجَمْتُه «خرج فزعا أي خائفاً من هول ما سمع وهو الحمل من الزنا(1)، ثم قال لو كنت تقدمت فيه أي سبقت غيري في الفتيا لشددت العقوبة ورجمت المحصن ولكني سبقت فيه وأفتى غيري بعدم إقامة الحد فيه لوجود شبهة النكاح أي أنه كان يراه زنا لا أقل وإن كان الحد قد منعت إقامته فيه لتلك الشبهة وهو ظاهر في اشمئزاز هم منه واستقباحهم إياه»».(2)

وقال ابن حجر العسقلاني في معرض حديثه عن المتعة: «قَالَ اِبْن عَبْدِ الْبَرَ: أَصْحَابِ ابْن عَبَّاسِ مِنْ أَهْل مَكَّة وَالْيَمَن عَلَى إِبَاحَتِهَا، ثُمَّ اتَّفَقَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمَهَا، وَقَالَ اِبْن حَزْمٍ ثَبَتَ عَلَى إِبَاحَتهَا بَعْدِ رَسُول الله صلی الله علیه و آله وسلم ابْن مَسْعُود وَمُعَاوِيَة وَأَبُو سَعِيد وَابْن عَبَّاس وَسَلَمَة وَمَعْبَد إِبْنَا أُمَيَّةَ بن خَلَفَ وَجَابِرٍ وَعَمْرُو بْن حُرَيْثٍ وَرَوَاهُ جَابِرٍ عَنْ جَمِيع الصَّحَابَة مُدَّة رَسُول الله صلی الله علیه و آله وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَر إِلَى قُرْبِ آخِر خِلَافَة عُمَرَ، قَالَ: وَمِنْ التَّابِعِينَ طَاوُوسُ وَسَعِيد بْن جُبَيْرٍ وَعَطَاء وَسَائِرٍ فُقَهَاء مَكَة».(3)

تواتر الأخبار بأن عمر هو الذي حرم المتعة

لقد ظهر مما تقدم ومما سيأتي بأن عمر بن الخطاب هو الذي نسخ المتعة، وقد بلغت هذه الأخبار حد التواتر، فمنها ما رواه مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنَّه

ص: 276


1- جاء في كتاب الصحاح في اللغة للجوهري - (ج 1 / ص (293): الزِنَى يمد ويقصر، فالقصر لأهل الحجاز . قال تعالى: «وَلَا نَقْرَبُوا الزِّنَى» . والمَدُّ لأهل نجد [الزناء]
2- مسند الشافعي ترتيب السندي : 2 / 12 ، [كتاب النكاح / الباب الثالث في الترغيب في التزوج وما جاءَ في الخطب وما يَحْرُم نكاحه وغَيْرَ ذَلِكَ]
3- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: 216/9، [كتاب النكاح / باب 32/ ح: 5119]

قال: «عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله وسلم فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله كَما أَمَرَكُمُ الله، وَأَبِتُوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ إِلَى أَجَلٍ إِلا رَجَتُهُ بِالْحِجَارَةِ.»(1)

وروى الطحاوي عن عبد الله بن عمر ، فقال : حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج».(2)

وروى أيضاً عن سعيد بن المسيب، فقال: «حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن متعة النساء ومتعة الحج».(3)

وروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب، فقال: «حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: نَهَى عُمَرُ، عَنْ مُنْعَتَيْنِ مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَمُتْعَةَ الْحَجّ».(4)

ص: 277


1- صحیح مسلم : 492 [كتاب الحج / باب في المتعة بالحج والعمرة، 145 - (1217)]
2- شرح معاني الآثار للطحاوي : 2/ 213 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم محرماً في حجة الوداع / ح. 3064]
3- شرح معاني الآثار للطحاوي : 2/ 213 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم محرماً في حجة الوداع / ح . 3605]
4- الكتاب المصنف في الآثار والأحاديث لابن أبي شيبة : 9/ 300 [ كتاب النكاح / باب 148، ح . 17070] ملاحظة : لقد تعمدوا حذف هذا الحديث ووضعوا موضعه الحديث التالي : «حدثنا إبن إدريس عن داود عن سعيد بن المسيب قال نسخ المتعة الميراث وذلك في هذه النسخة التالية: الكتاب) المصنف لأبي بكر عبد الله بن محمد بن ابي شيبة : 546/3[ح. 17064 في نكاح المتعة وحرمتها]، ضبطه وصححه محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط. الثانية ؛ 2005م - 1426ه-). وقد سبق لهذه المطبعة أن تعمدت بحذف بعض الحقائق، وهذا الأمر سيؤدي إلى عدم ثقة الناس بها.

و روى أحمد بن حنبل عَنْ جَابِرٍ، فقال: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : " مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليهو آله وسلم فَنَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ فَانْتَهَيْنَا»»(1)

وروى عبد الرزّاق بسنده عَنْ جَابر، فقال: «... قال أبو الزبير سمعت جابرًا يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق أيام عهد النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأبي بكر حتى نهي الناس في شأن عمرو بن حريث».(2)

و روى أيضاً عن سويد بن غفلة ، فقال : «عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال: سمعت عمر ينهى عن متعة النساء».(3)

«وأخرج ابن أبي شيبة عن نافع أن عمر سئل عن المتعة، فقال: حرام... فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها ! قال: فهلا ترمرم بها في زمان عمر ؟».(4)

وجاء في كنز العمال: «عن الشفاء بنت عبد الله أن عمر بن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة فأغلظ فيها القول ثم قال : إنما كانت المتعة ضرورة»(ابن جرير)(5)

و «عن سعيد بن المسيب أن عمر نهى عن متعة النساء وعن متعة الحاج . (مسدد )».(6)

و«عن أبي قلابة أن عمر :قال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليهو آله وسلم أنا أنهى عنهما

ص: 278


1- مسند أحمد بن حنبل : 3 / 398[3 / 325] [مسند جابر بن عبد الله / ح. 14492]
2- المصنف لعبد الرزاق : 7 / 398[7 / 499] [باب المتعة/ ح. (3309)-14105]
3- نفس المصدر السابق : 7/ 404[7 / 505] ، [باب المتعة / ح. 14124]
4- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 22 / 252 [سورة النساء الآية : 24]
5- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 218/16 [ كتاب النكاح المتعة، ح. 45712]
6- نفس المصدر السابق : 217/16 [كتاب النكاح المتعة ، ح . 45710]

وأضرب فيها (ابن جرير كر)».(1)

و«عن عمر قال : متعتان كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم انهى عنهما واعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج.

(أبو صالح كاتب الليث في نسخته والطحاوي)»(2)

و«عن سليمان بن يسار عن أم عبد الله بنت أبي خيثمة أن رجلاً قدم من الشام فنزل عليها فقال إن العزبة قد اشتدت علي فابغيني امرأة أتمتع معها قالت: فدللته على امرأة فشارطها فاشهدوا على ذلك عدولا فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ثم إنه خرج فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب فأرسل إلي فسألني : أحق ما حدثت؟

قلت : نعم قال : فإذا قدم فآذنيني به، فلما قدم أخبرته فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي فعلته؟

قال : فعلته مع رسول الله صلى الله عليهو آله وسلم ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم مع أبي بكر، فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله ، ثم معك، فلم تحدث لنا فيه نهيا فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح ( ابن جرير)».(3)

قال السيوطي: «وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال : يرحم الله ،عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي قال : وهي التي في سورة النساء «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ» إلى كذا وكذا من الأجل، على كذا وكذا... قال : وليس بينهما وراثة، فإن بدا لهما

ص: 279


1- نفس المصدر السابق : 218/16 [كتاب النكاح المتعة، ح. 45714]
2- نفس المصدر السابق : 217/16 [كتاب النكاح المتعة، ح. 45707]
3- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 218/16 [كتاب النكاح المتعة، ح. 45718]

أن يتراضيا بعد الأجل فنعم ، وإن تفرقا فنعم... وليس بينهما نكاح. وأخبر أنه سمع ابن عباس يراها الآن حلالاً.

وأخرج ابن المنذر من طريق عمار مولى الشريد قال: سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح ؟ فقال : لا سفاح ولا نكاح. قلت: فما هي ؟! قال:هي المتعة كما قال الله».(1)

وقال القرطبي: «وروى عطاء عن ابن عباس قال: ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلا شقي»(2)

هذا ورغم نهي عمر عن المتعة إلا أنَّ ابن عباس لم يأخذ برأي عمر، وأصر على الافتاء بجوازها، قال ابن حجر العسقلاني:

«وَقَالَ عِيَاضٍ.... وَأَمَّا اِبْن عَبَّاس فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ اِبْن بَطَال: رَوَى أَهْل مَكَّة وَالْيَمَن عَنْ اِبْن عَبَّاسِ إِبَاحَة المُنْعَة، وَرُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوع بأسانيد ضَعِيفَة وَإجَازَة المتعة عَنْهُ أَصَحَ، وَهُوَ مَذْهَب الشيعة».(3)

شبهة

قيل: لو كان عمر هو الذي نهى عن المتعة لما سكتت الصحابة عليه؟ وإنَّما نهى عنها لنهي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

ص: 280


1- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 2/ 252 [سورة النساء / الآية : 24]
2- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) : 5/ 95
3- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: 216/9، [كتاب النكاح / باب 32/ح: 5119]

الجواب

لقد اشتهرت سياسة عمر بالقسوة والشّدة، وما كانت الدرة تفارقه حتى كان يجلد على أمور لا تستحق الجلد، فكان الصحابة يخشونه ويخافونه، وأصدق دليل على ذلك قوله: «فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ».(1)

فالرجم غير جائز ، ولكن لم يتجرأ أحدٌ من الصحابة أن ينكر عليه ذلك، فدلَّ أنَّهم كانوا يخافونه، ويسكتون عن كثير من اجتهاداته المخالفة للسنة، ومثال آخر على خوف الصحابة من سياساته القمعية ما قاله أبو هريرة ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حتى قبض عمر كنا نخاف السياط(2). فلم يعترض عليه أحد من الصحابة على عقوبة الجلد الجائرة ضد من يحدث بأحاديث الرسول صلى الله عليه و آله وسلم .

ومن الأمثلة والأحكام المخالفة لسنة الله و رسوله صلى الله عليه و آله وسلم التي حكم بها عمر – ولم يتجرأ أحد على معاتبته - هو معاقبته لأحد النساء بتحريم الزواج عليها طول حياتها، فقد ذكر شيخ البخاري عبد الرزاق في مصنفه هذا الأثر :

«عن معمر عن قتادة قال تسرت امرأة غلاما لها فذكرت لعمر فسألها ما حملك على هذا فقالت كنت أرى أنه يحل لي ما يحل للرجال من ملك اليمين فاستشار عمر فيها أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقالوا تأولت كتاب الله تعالى على غير تأويله فقال عمر: "لا جرم والله لا أحلك لحر بعده أبدا" . كأنه عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها وأمر العبد أن لا يقربها».(3)

وقال أيضاً: «عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن

ص: 281


1- صحيح مسلم : 492 [كتاب الحج / باب في المتعة بالحج والعمرة، 145-(1217)]
2- ينظر بالترتيب : المعجم الأوسط للطبراني : 1 / 576 [ح. 2117 - من اسمه أحمد]
3- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 7 / 196،[7 / 208] ، باب العبد ينكح سيدته / ح . 12873]

عبد الله يقول جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية نكحت عبدها فانتهرها وهم أن يرجمها وقال لا يحل لك مسلم بعده».(1)

وكذلك عاقب امرأة لمجرَّد استفسارها عن مسألة شرعية كانت تجهلها، فقد حضرت عنده امرأة تستفتيه في مسألة شرعية، فضربها حتى بالت على نفسها من شدة الضرب والخوف، قال شيخ البخاري عبد الرزاق الصنعاني:

«عن معمر عن قتادة قال جاءت امرأة إلى أبي بكر فقالت: أتدري أردت عتق عبدي وأتزوجه فهو أهون عليَّ مؤونة من غيره فقال إيتي عمر فسليه، فسألت ،عمر، فضربها عمر أحسبه قال: حتى قشعت أو قال فأقشعت ببولها ، ثم قال: لن يزال العرب بخير ما منعت نساءها ».(2)

فلم يعترض عليه أحد من الصحابة على ضرب هذه المرأة الْمُسْتَفْتِيَة في مسألة شرعيَّة !

وهكذا لم تتجرأ الصحابة على مخالفته عندما نهى عن المتعة وتوعد عليها بالرجم خوفاً من سطوته وبطشه، ومع كل ذلك فقد اعترض عليه بعض الصحابة؛ قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310ه-:

«حدثني محمد بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا عيسى بن يزيد بن دأب عن عبد الرحمن بن أبي زيد عن عمران بن سوادة قال: صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثم انصرف وقمت معه فقال: أحاجة؟ قلت: حاجة.

ص: 282


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 7 / 164،[7 / 208] ، [باب العبد ينكح سيدته / ح. 12872]
2- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 7 / 164 - 165 ، [209/7] ، [ باب العبد ينكح سيدته /ح. 12874]

قال: فالحق.

قال: فلحقت فلما دخل أذن لي، فإذا هو على سرير ليس فوقه شيء، فقلت: نصيحة، فقال: مرحبا بالناصح غدوًا وعشيًا . قلت: عابت أمتك منك أربعا.

قال: فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه، ثم قال: هات؛ قلت: ذكروا أنكَ حرمت العمرة في أشهر الحج، ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، ولا أبو بكر رضي الله عنه، وهي حلال.

قال: هي حلال، لو أنهم اعتمروا في أشهر الحجّ رأوها مجزيةً من حجهم؛ فكانت قائبةَ قُوبٍ عامها، فَقَرع حجهم، وهو بهاء من بهاء الله، وقد أصبت.

قلت: وذكروا أنك حرَّمْتَ متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.

قال :إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أحلّها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السَّعة، ثم لم أعلم أحدًا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق، وقد أصبت ... ».(1)

فهذه رخصة أيضاً من عمر فقد أباح المتعة بقوله: (فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق، وقد أصبت).

مشكل الآثار للطحاوي - (ج 13 / ص 199)

وقد ذكر الشافعي فيما حكاه لنا المزني في مختصره قوله: إن عمر بعث إلى امرأة ففزعت، وأجهضت ذا بطنها، فاستشار عمر في ذلك علياً رضي الله عنه، فقال: عليك

ص: 283


1- تاريخ الطبري : 2/ 579، [سنة : 23 - شيء من سيره مما لم يمض ذكره]

ديته، فقال: عزمت عليك أن تقوم حتى تقسمها على قومك، وقوم علي بنو هاشم، وقوم عمر بنو عدي، فدل ذلك أنه أراد بتحميل الواجب في ذلك من كان من بني عدي، وممن سواهم، وفي ذلك ما قد دل على ما ذكرنا .

أوجه الشبه بين الزواج الدائمي وزواج المتعة

المتعة ليست سفاحاً كما يظنه البعض بل هي زواج مؤقت مثله مثل الزواج الدائم حيث يشتركان في الكثير من الأحكام، ومن الأحكام المشتركة بينهما ما يلي :

1- يشترط فيهما العقد المشتمل على الإيجاب والقبول.

2- العقد فيهما لا يكون إلا بلفظ الزواج ،والنكاح والمتعة، فلا الإباحة، والإجارة مثلا.

قال سماحة السيد السيستاني أدام الله ظله في كتابه منهاج الصالحين:

في النكاح المنقطع ويقال له (المتعة) و (النكاح المؤجل) ايضاً.

مسألة :229 : النكاح المنقطع كالنكاح الدائم في توقفه على عقد مشتمل على ايجاب وقبول لفظيين، فلا يكفي في وقوعه مجرد الرضا القلبي من الطرفين، كما لا تكفي المعاطاة ولا الكتابة ولا الاشارة من غير الأخرس، والأحوط لزوماً ان يكون باللغة العربية لمن يتمكن منها ، ويكفي غيرها من اللغات المفهمة لمعناه في حق غير المتمكن منها وان تمكن من التوكيل.

مسألة 230: الفاظ الايجاب في هذا العقد ثلاثة : ( متّعت) و (زوّجتُ) و (انكحتُ) فأيها حصل وقع الايجاب به ولا ينعقد بغيرها كلفظ التمليك والهبة والاجارة.

ويتحقق القبول بكل لفظ دال على إنشاء الرضا بذلك الايجاب كقوله : (قبلتُ

ص: 284

المتعة أو التزويج أو النكاح)، ولو قال : (قبلتُ) أو (رضيتُ) واقتصر كفى .

ولو بدأ بالقبول كأن يقول الرجل : أتزوجكِ في المدة المعلومة على المهر المعلوم فتقول المرأة: (نعم)، أو يقول الرجل: (قبلتُ التزوّج بكِ في المدة المعلومة على الصداق المعلوم) فتقول المرأة: زوجتُكَ نفسي) صحّ.

مسألة 231 : إذا باشر الزوجان العقد المنقطع وبعد تعيين المدة والمهر قالت المرأة مخاطبة الرجل: (أنكحتك نفسي، أو أنكحتُ نفسي منك أو لك، في المدة المعلومة على الصداق المعلوم) فقال الرجل : قبلتُ النكاح صح العقد، وكذا إذا قالت المرأة: (زوجتُكَ نفسي، أو زوجتُ نفسي منك أو بك، في المدة المعلومة على الصداق المعلوم) فقال الرجل : قبلتُ التزويج) ، وهكذا إذا قالت المرأة: (متعتُكَ نفسي الى الاجل المعلوم بالصداق المعلوم) فقال الرجل: (قبلتُ المتعة).

ومن أقوال علماء السنة ما قاله القاضي عبد الحق الأندلسي المتوفى (546ه):

«وكانت: أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى أن لا ميراث بينهما، ويعطيها ما اتفقا عليه، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، و تستبرئ رحمها لأن الولد لاحق فيه بلا شك، فإن لم تحمل حلّت لغيره.

قال القاضي أبو محمد وفي كتاب النحاس في هذا خطأ فاحش في اللفظ، يوهم أن الولد لا يلحق في نكاح المتعة، وحكى المهدوي عن ابن المسيب: أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعف».(1)

3- لو طلقها في الدائم، أو وهبها المدة في المنقطع قبل الدخول ثبت لها نصف

ص: 285


1- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي عبد الحق الأندلسي المتوف (546ه): 36/2 [تفسير سورة النساء / الآية : 24]

المهر.

4- لا بد من إذن العمة والخالة في ابنة أخيها أو أختها فلا يتزوجها إلا بإذنها.

5- لا بد في الدائم والمنقطع من عدم وجود مانع شرعي من سبب أو نسب، أو ،رضاع، أو إحصان، أو غير ذلك.

6- لا يجوز مقاربة المتمتع بها والدائمة في حال الحيض أو النفاس.

7- الحاجة إلى العدة مع الدخول، وعدم الحاجة بدونه، أو مع اليأس.

8- الزوجة فراش مع الدخول، ويلحق الولد بالزوج حتى ولو عزل.

9- لحوق الأولاد بالأبوين، وترتب جميع الآثار على ذلك من الإرث والنفقة عليه، وكذا يجب عليه أن ينفق عليهما.

10- الحضانة وأحكامها.

11- لا يجوز للمسلمة أن تتمتع بالكافر، ولا يجوز للمسلم أن يتمتع بالمشركة وكذا الحال بالنسبة للدائم.

قال سماحة السيد السيستاني أدام الله ظله في كتابه منهاج الصالحين:

مسألة 232 : كل من لا يجوز نكاحها دواماً عيناً أو جمعاً، ذاتاً أو لعارض لا يجوز نكاحها متعة، حتى بنت أخ الزوجة أو أختها فلا يجوز التمتع بهما من دون اذن الزوجة التي هي عمتها أو خالتها ، نعم لابأس بالتمتع بالنصرانية واليهودية وان كان لا يجوز نكاحهما دواماً على الاحوط كما مر

12- الميراث بين الولد وأبويه.

13- نشر الحرمة بالنسب والمصاهرة، والرضاع.

ص: 286

آية المتعة لم تنسخ

14- الحاجة إلى إذن الولي بالبكر وغير الرشيدة، صغيرة كانت أو غيرها.

287

15- لا بد من توفر الشروط العامة من البلوغ والعقل والاختيار، أو تزويج الولي حين يكون ثمة مصلحة تعود للمُوَفَّى عليه .

قال سماحة السيد السيستاني أدام الله ظله في كتابه منهاج الصالحين:

مسألة 233 : يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر، فلو عقد بلا ذكره في العقد عمداً أو جهلاً أو نسياناً أو غفلة أو لغير ذلك بطل، وكذا لو جعل المهر مما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير، وكذا لو جعله من مال الغير مع عدم اذنه ورده بعد العقد.

مسألة 235 : يعتبر ان يكون المهر معلوماً فلا تصح المتعة بالمهر المجهول، والأحوط وجوباً ان يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات، بان يكون معلوماً بالكيل في المكيل وبالوزن في الموزون وبالعدّ في المعدود وبالمشاهدة فيما يعتبر بها.

مسألة :236: لا تقدير للمهر شرعاً، بل يصح بما تراضيا عليه قل أو كثر ولو كان كفاً من طعام.

مسألة :259 : إذا انقضت مدة المتعة أو وهبها مدتها قبل الدخول فلا عدة عليها.

وان كان بعده ولم تكن صغيرة ولا يائسة فعليها العدة وعدتها حيضتان كاملتان، ولا تكفي فيها حيضة واحدة على الاحوط وجوباً، وان كانت لا تحيض لمرض ونحوه وهي في سن من تحيض فعدتها خمسة واربعون يوماً، ولو حلّ الاجل أو وهبها المدة في اثناء الحيض لم تحسب تلك الحيضة من العدة بل لابد من حيضتين تامتين بعد ذلك على ما مر. هذا فيما إذا كانت المرأة حائلاً.

وأما لو كانت حاملاً فعدتها ان تضع حملها على الأظهر، وان كان الأحوط استحباباً أن تعتد بأبعد الأجلين من وضع حملها ومن انقضاء حيضتين أو مضي خمسة وأربعين

ص: 287

يوماً.

وأما عدة المتمتع بها من الوفاة فهي أربعة اشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً، وأبعد الأجلين منها ومن وضع حملها إن كانت حاملاً كالدائمة.

مسألة 260 : يستحب أن تكون المتمتع بها مؤمنة عفيفة، وان يسأل عن حالها قبل الزواج مع التهمة من أنها ذات بعل أو ذات عدة أم لا، وأما بعد الزواج فلا يستحب السؤال، وليس السؤال والفحص عن حالها شرطاً في الصحة.

الدليل الرابع على عدم نسخ المتعة / تضارب الروايات التي تنهى عن المتعة في كتب السنة

تضارب الروايات التي تنهى عن المتعة في كتب السنة، دليل على أنه لم يصدر من النبي صلی الله علیه و آله وسلم شيء في حرمتها، فالروايات التي تنهى عن المتعة متضاربة، فبعضها يقول : إنّها اُبيحت ثلاثة أيام فقط ثم حرمت، وبعضها يقول : بأنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نهى عنها بعد فتح مكة، وبعضها يقول: نهانا عنها يوم الفتح، وبعضها يقول : نهانا عنها يوم خيبر، وبعضها يقول: رخص في المتعة عام أَوْطَاس ثلاثة أيَّام ثم نهى عنها، وهذا التضارب يوجب تساقطها، وقد حاولوا رفع هذا التناقض الموجود بين الروايات، فقالوا: إنّها حرمت ثم أبيحت ثم حرمت ثم أبيحت، وهذا قول ضعيف لا يسنده دليل، فلا یسنده دليل، فلا يصح القول بأنّها نسخت ثم أحلت حتى وصل ذلك إلى سبع مرات.

وفيما يلي نذكر بعض هذه الروايات المتضاربة، ونقتصر على ما ورد في صحيح مسلم منها :

«حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله وسلم بِالْمُتْعَةِ عَامَ

ص: 288

الْفَتْح حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا».(1)

«وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله وسلم نَهَى يَوْمَ الْفَتح عَنْ مُتعَةِ النِّسَاءِ».(2)

«حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ - قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ - عَنِ الزُّهْرِي عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٌّ عَنْ أبيهما عَنْ عَلى أَنَّ النَّبِيَّ صلی الله علیه و آله وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحَ المَتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَن لحوم الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ ».(3)

«حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَامَ أَوْطَاسِ في المُتْعَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَى عَنْهَا».(4)

قال ابن حجر في فتح الباري: ««قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَقَدْ أُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ تَحْرِيم نِكَاح المتعة فَأَغْرَب مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَة مَنْ قَالَ فِي غَزْوَة تَبُوكَ، ثُمَّ رِوَايَة الحَسَن أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي عُمْرَة الْقَضَاء، والمشهور في تَحْرِيمهَا أَنَّ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث الرَّبيع بن سَبْرَة عَنْ أَبِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الرَّبِيعِ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّة الْوَدَاعِ، قَالَ وَمَنْ قَالَ مِنْ الرُّوَاةِ كَانَ فِي غَزْوَة أَوْطَاسِ فَهُوَ مُوَافِق لَمَنْ قَالَ عَامِ الْفَتْحِ اه_.

ص: 289


1- صحیح مسلم : 565 - 566 [كتاب النكاح / باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة، ح. 22-(1406)]
2- صحیح مسلم: 566[كتاب النكاح/ باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة ، ح. 25 - (1406)]
3- صحيح مسلم : 567 [كتاب النكاح / باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ و استقر تحريمه الى يوم القيامة، ح. 30-(1406)]
4- صحیح مسلم : 564 - 565 [كتاب النكاح / باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه الى يوم القيامة ، ح. 18(1404)]

[قال ابن حجر] فَتَحَصَّلَ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ سِتَّة مَوَاطِن: خَيْبَر، ثُمَّ عُمْرَة الْقَضَاء، ثُمَّ الْفَتْح ، ثُمَّ أَوَطَاسَ ، ثُمَّ تَبُوكَ، ثُمَّ حَجَّةِ الْوَدَاع. وَبَقِيَ عَلَيْهِ حُنَيْن لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي رِوَايَةٍ قَدْ نَبَّهت عَلَيْهَا قَبْلُ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُون ذَهِلَ عَنْهَا أَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا لِخَطَأَ رُوَاتِهَا، أَوْ لِكَوْنِ غَزْوَة أَوْطَاسِ وَحُنَيْن وَاحِدَة...»(1)

«وقال ابن العربي: وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة لأنها أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت في غزوة أوطاس ثم حرمت بعد ذلك واستقر الأمر على التحريم وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة لأن النسخ طرأ عليها مرتين ثم استقرت بعد ذلك، وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها: إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات»(2)

فهذا أمر غير معقول لأنَّ الله تعالى أحكم الحاكمين وهو أعلم بما في مصلحة العباد، فكيف يأمر بتحليل وتحريم شيء سبع مرات، فهذا التردد يكون في سنة البشر ولا يكون في سنة الله الثابتة التي لا تقبل التبديل والتحويل، كما يظهر في آيات كثيرة من القرآن الكريم، قال تعالى:«فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا»[فاطر / 43]، وقوله تعالى: «وَلَا تَجِدُ لِسُنَتِنَا تَحْوِيلًا»[الإسراء / 77] «سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»[الفتح / 23]،«سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»[الأحزاب/ 62]، فالقول بالتحليل والتحريم سبع مرات مدعاة للطعن في الدين واللعب واللغو وعدم الحكمة وحاشا الإسلام ومشرعه من كل ذلك، وهذا الاضطراب والاختلاف والتناقض

ص: 290


1- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: 210/9، [كتاب النكاح/ باب32/ح: 5119]
2- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): 5/ 95

يدل على الوضع والكذب، قال الله تعالى: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»[النساء/ 82]، وكذلك لا يمكن القول بأنَّ آية المتعة منسوخة لعدم وجود ناسخ صريح لها، قال الله تعالى: ﴿ مَا نَنسَحْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»[البقرة/ 106]، فلو كان الناسخ موجوداً لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوماً بالتواتر أو بالآحاد ، فإن كان معلوماً بالتواتر كان الصحابة الذين تمتعوا بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كابن عباس وابن مسعود وغيرهما ممن اسلفنا ذکر هم منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وذلك يوجب تكفيرهم وهو باطل قطعاً. إذن فالروايات التي يزعمون أنها تفيد تحريم نكاح المتعة ونسخه روايات مضطربة ومتناقضة وآحاد ظنية الدلالة لا تصلح أن تكون دليلاً على حرمة ما هو ثابت بالدليل القطعي اليقيني، إضافة إلى ذلك فقد تقدم ذكر الكثير من الروايات التي تناقضها وتفيد خلاف ما تفيده روايات التحريم.

الفرق بين مسألة القبلة والمتعة

هناك فرق كبير بين مسألة القبلة وما ادعوه من تحريم المتعة ثم تحليلها سبع مرات لأنَّ في مسألة القبلة حكمة إلهية، وهي استمالة قلوب اليهود والنصارى نحو الإسلام عند التوجه نحو بيت المقدس، والتحول نحو القبلة ثانية لأنها هي القبلة الأولى التي توجه إليها إبراهيم علیه السلام، ولا حكمة فيما ادعوه من تحليل المتعة وتحريمها سبع مرات هذا أوَّلاً.

ثانياً :في مسألة القبلة ورد فيها نص قرآني صريح، ولا يوجد نص قرآني صريح ينسخ المتعة.

ثالثاً : في مسألة القبلة بقى الرسول صلی الله علیه و آله وسلم سبعة عشر شهرًا يصلي إلى بيت المقدس

ص: 291

خاصة فدعا الله أن يحول قبلته إلى الكعبة وكان يقلب وجهه إلى السماء وينتظر الوحي فأنزل الله تعالى «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»[البقرة/ 144] ، وما كان في المتعة دعاء أو رغبة منه صلی الله علیه و آله وسلم بنسخها.

رابعاً: لم تتحول القبلة سبع مرات كما زعموه في المتعة، فدلَّ كل ذلك على عدم المناظرة والمماثلة بينهما.

الدليل الخامس على عدم نسخ المتعة / قول عليّ علیه السلام: «لولا أنَّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي»

قول علي علیه السلام: «لولا أنَّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي»، وهذا يدل على أنّ الناهي عن المتعة هو عمر بن الخطاب، لا رسول صلی الله علیه و آله وسلم، فقد روى الحكم بن عتيبة، أنّ علياً رضي الله عنه قال: «لولا أنَّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقيّ».(1)

«قال ابن جريج وأخبرني من أصدق أن علياً قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب - أو قال : من رأي ابن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا إلا شقي»(2)

وجاء في كنز العمال: «عن علي قال: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلا شقي.

ص: 292


1- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي عبد الحق الأندلسي المتوفى (546ه) : 36/2 [تفسير سورة النساء الآية : 24] ، وينظر : تفسير الطبري المسمى جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير الطبري : 4 / 15 [سورة النساء / آية : 24، ح . 9043] ، والكشف والبيان للثعلبي : 286/3 [سورة النساء / الآيات : 22-28] ، و الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 2 /251 [سورة النساء الآية : 24]
2- المصنّف لعبد الرزاق:7 / 372 [باب المتعة / ح. 14106]

(عبد الرزاق، أبو داود في ناسخه وابن جرير )».(1)

وكذلك ابن عباس كان يردد نفس مقولة أمير المؤمنينعلیه السلام ، فقد روى عبد الرزاق بسنده: «قال عطاء: وسمعت ابن عباس يقول: يرحم الله عمر، ما كانت المتعة إلا رخصة من الله -عز و جل ، رحم بها أمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي، قال: كأني والله أسمع قوله إلا شقي - عطاء القائل -».(2)

«وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال: يرحم الله ،عمر، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد ، ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي».(3)

الدليل السادس على عدم نسخ المتعة / إفتاء أحد كبار علماء السنة بجواز زواج المتعة

إفتاء أحد كبار علماء السنة بجواز زواج المتعة، وهو (ابْن جُرَيْجٍ)، وكان فقيه أهل مكة في زمانه وقد استمتع بسبعين امرأة؛ قال الشافعي استمتع ابن جريج بسبعين امرأة. وقال أبو عاصم كان من العباد وكان يصوم الدهر إلا ثلاثة أيام من الشهر».(4)

و جاء في فتح الباري لابن حجر العسقلاني:

ص: 293


1- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي : 219/16 [كتاب النكاح المتعة، ح. 45720]
2- المصنف لعبد الرزاق: 396/7 - 397 [7 / 496] [باب المتعة / ح . 14098]
3- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 2/ 252[سورة النساء الآية: 24]، وانظر: كتاب تفسير القرآن لمحمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري: 2/ 642 [سورة النساء: 24، ح. 1590]
4- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 1/ 307 [حرف العين من اسمه عبد الملك/ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي]

«قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَيُحْكَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ جَوَازِهَا اه_. وَقَدْ نَقَلَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه عَنْ ابْن جُرَيْجٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا بَعْدِ أَنْ رَوَى بِالْبَصْرَةِ فِي إِبَاحَتِهَا ثَمانِيَة عَشَر حَدِيثًا».(1)

أقوال علماء السنة في (ابن جُرَيْجٍ)

للتعرّف على شخصية هذا العالم نستعرض بعض أقوال علماء السنة فيه :

فهو «عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو الوليد وأبو خالد المكي أصله رومي... قال عبد الله بن أحمد قلت لأبي من أول من صنف الكتب؟

قال : ابن جريج وابن أبي عروبة. وقال عبد الوهاب بن همام عن ابن جريج: لزمت عطاء سبع عشرة سنة .

وقال ابن عيينة : سمعت أخي عبد الرزاق بن همام عن ابن جريج يقول: ما دون العلم تدويني أحد...

وقال علي بن المديني : نظرت فإذا الإسناد تدور على ستة فذكرهم، ثم قال: فصار علم هؤلاء إلى من صنف في العلم منهم من أهل مكة عبد الملك بن جريج.

قال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي وغير واحد لمن طلبتم العلم ؟ فكلهم يقول لنفسي غير ابن جريج فانه قال طلبته للناس، وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان: ابن جريج أثبت في نافع من مالك، وقال أحمد ابن جريج أثبت الناس في عطاء، وقال أبو بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة وان لم يحدثك بها ابن جريج من كتابه لم ينتفع به... وقال الميموني : سمعت أبا عبد الله غير مرة يقول كان ابن جريج من أوعية العلم، وقال المخراقي عن مالك : كان

ص: 294


1- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: 216/9، [كتاب النكاح / باب 32/ح: 5119]

ابن جريج حاطب ليل، وقال عثمان الدارمي : عن إسماعيل بن داود عن ابن معين ليس بشيء في الزهري، وقال ابن أبي مريم : عن ابن معين ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب وقال جعفر بن عبد الواحد عن يحيى ابن سعيد كان ابن جريج صدوقا ...

وقال سليمان بن النضر بن مخلد بن يزيد ما رأيت أصدق لهجة من ابن جريج، وقال أحمد عن عبد الرزاق ما رأيت أحسن صلاة من ابن جريج.

قال عمرو بن علي مات سنة تسع وأربعين ومائة، وقال القطان وغيره مات سنة خمسين وقال ابن المديني سنة إحدى وخمسين وقال غيره جاز المائة.

قلت: قال ابن سعد ولد سنة ثمانين عام الجحاف حدثنا محمد ابن عمر يعني الواقدي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة فقال يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها فلانا هي من حديثك قال نعم قال محمد بن عمر فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول : حدثنا هشام ما لا أحصي قال ومات ابن جريج في أول عشر ذي الحجة سنة خمسين ومائة وهو ابن (70) سنة وكان ثقة كثير الحديث . . . ».(1)

وقد ورد ذكر ابن جُرَيْج في مصادرنا، قال الكليني: «علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتعة فقال : القَ عبد الملك بن جريج فسله عنها فإن عنده منها علمًا، فلقيته فأملى عليَّ منها شيئًا كثيرًا في استحلالها، فكان فيما روى لي ابن جريج قال: ليس فيها وقت ولا عدد إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء، وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ويعطيها الشيء

ص: 295


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني : 305/5 - 306 [حرف العين: من اسمه عبد الملك/ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي]

اليسير وعدتها حيضتان وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما، فأتيت بالكتاب أبا عبد الله علیه السلام فعرضت عليه فقال: صدق وأقربه.

قال ابن اذينة و كان زرارة بن أعين يقول هذا ويحلف أنه الحق إلا أنَّه كان يقول: إن كانت تحيض فحيضة وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف».(1)

الدليل السابع على عدم نسخ المتعة / بطلان صحة الاستدلال بالآيات القرآنية التي زعموا أنها نسخت المتعة

بطلان صحة الاستدلال بالآيات القرآنية التي زعموا أنها نسخت المتعة، فلم يوفّقوا بآية واحدة صريحة تفيد النسخ، وما استدلوا به من الآيات لا يصلح دليلاً على النسخ.

الآية الأولى :

قوله تعالى:«وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ»«إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ»«فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»[المؤمنون/ 5-7]«وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ»«إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ»«فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ»[المعارج / 29-31]

فالآية الكريمة تكررت في سورتين من القرآن الكريم؛ في سورة المؤمنون، والمعارج، وهي لا تكون ناسخة لزواج المتعة وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : هذه الآية وردت في سورة المؤمنون و سورة المعارج، وهما مكيَّتان نزلتا قبل الهجرة، وأما آية المتعة :أي قوله تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ»

ص: 296


1- الفروع من الكافي للكليني : 451/5 [كتاب النكاح]

[النساء / 24] فهي في سورة النساء، وسورة النساء مدنية، فلا يمكن أن تكون ناسخة لنكاح المتعة المشرعة في المدينة بعد الهجرة، فالآية المتقدمة لا تنسخ الآية المتأخرة، لأنَّ المكي متقدم للمدني، فكيف يكون ناسخاً له وهو متأخر عنه ؟!

السبب الثاني: إن المتمتع بها زوجة شرعية، فالزوجة من نكاح المتعة داخلة تحت قوله تعالى:«إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ» .

السبب الثالث: سيرة الصحابة الذين تمتعوا في حياة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وبعد وفاته، وفي حياة أبي بكر، و في صدر من خلافة عمر، كابن عباس ،وغيره ممن تقدم ذكرهم، فهم أعلم بالقرآن وبناسخه ومنسوخه، فلا يعقل أنَّهم خالفوا القرآن وهم يعلمون بناسخ المتعة، فسيرتهم خير دليل على عدم النسخ.

الآية الثانية

الَّتي زعموا أنَّها نسخت المتعة هي آية الميراث.

والجواب على ذلك يقال:إنَّ المتعة خارجة عن آية الإرث بالنصوص فقد تقدم ذكر الكثير من النصوص التي تشير بأن نكاح المتعة لايتوارث فيه الزوجان،كذلك هناك حالات في النكاح لا ترث بها الزوجة زوجها كالكتابية التي مات زوجها المسلم فهي لا ترثه، فليس كل نكاح يوجب التوارث، فانتفاء الميراث لا يدل على انتفاء الزواج، كما أنَّ انتفاء النفقة لا يدلُّ على انتفاء الزواج؛ فالزوجة الناشز لا نفقة لها ومع أنَّ النفقة قد انتفت عنها إلا أنَّها مع ذلك تبقى زوجة وتجري عليها سائر الأحكام والآثار المختصّة بالزوجات، فكذلك انتفاء الميراث والنفقة في زواج المتعة لا يعني انتفاء الزواج.

الآية الثالثة :

آية الطلاق وهي قوله تعالى:«يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ

ص: 297

وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ»[الطلاق / 1] ، فإنَّ الأمر بالعدة في هذه الآية ينسخ حكم المتعة التي لا طلاق فيها ولا عدة.

والردّ يقال: إن المتعة ليست مستثناة من العدّة فعدة المتعة حيضتان كاملتان كما ذكرنا ذلك في (أوجه الشبه بين الزواج الدائمي وزواج المتعة)، ولا طلاق في المتعة لعدم الحاجة فيها إلى الطلاق، فالزواج الدائمي هو الذي يحتاج إلى الطلاق عند حصول سبب طارئ، فآية الطلاق خاصة بالدائم دون المنقطع ، لأنَّ الزواج المنقطع ينتهي بانتهاء المدة المحددة بشكل تلقائي، وحينئذ تكون آية الطلاق منصرفة إلى الدائم، ولا نظر فيها إلى المتعة حتى تكون ناسخة لها .

مناقشة ابن تيمية

قال ابن تيمية: «فإن قيل فقد تكون زوجة لا ترث كالذمية والأمة

قيل:عندهم نكاح الذمية لا يجوز، ونكاح الأمة إنما يكون عند الضرورة وهم يبيحون المتعة مطلقا ثم يقال نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث ولكن المانع قائم وهو الرق والكفر كما أن النسب سبب للإرث إلا إذا كان الولد رقيقاً أو كافراً فالمانع قائم ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه في حياته وكذلك الزوجة الذمية إذا أسلمت في حياة زوجها ورثته باتفاق المسلمين بخلاف المستمتع بها فإن نفس نكاحها لا يكون سبباً للإرث فلا يثبت التوارث فيه بحال فصار هذا النكاح كولد الزنا الذي ولد على فراش زوج فإن هذا لا يلحق بالزاني بحال فلا يكون ابنا يستحق الإرث».(1)

الجواب

للرد على ذلك يقال : إنَّ زواج الذميّة عند أهل السنة جائز، وعندنا موضع خلاف

(1)

ص: 298


1- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية: 88/4

ف_ «من أسباب التحريم: الكفر فلا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعًا لا دوامًا ولا انقطاعًا وفي الكتابية قولان أظهرهما الجواز في المنقطع. بل في الدائم أيضا وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه».(1)

وبهذا يسقط عن الاعتبار قول ابن تيمية (عندهم نكاح الذمية لا يجوز)، وأما قوله: (نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث ولكن المانع قائم وهو الرق والكفر)، فبناء على قوله هذا يقال له على قولك أيضاً يصح أن يقال: نكاح المتعة سبب للتوارث ولكن المانع قائم وهو المدة المحددة فإذا لم تحدد المدة ،ورثته، كما أن الزوجة لم يجب لها الميراث ويقع بها الطلاق من حيث كانت زوجة فقط، وإنما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية، والدليل على ذلك أن الأمة إذا كانت زوجة لم ترث، والقاتلة لا ترث، والذمية لا ترث والأمة المبيعة تبين بغير ،طلاق، والملاعنة تبين أيضا بغير طلاق، وكذلك المختلعة، والمرتد عنها زوجها، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأم، والزوجة تبين بغير ،طلاق، وكل ما عددناه زوجات في الحقيقة، فبطل ما توهم ابن تيمية، فلم يأت بشيء.

وأمَّا الشبه الذي عقده بين ابن الزنا وابن المتعة فقد أخفق فيه لأنَّ ابن المتعة هو ولد شرعي يرث أباه، ويلحق به بالنسب ولا فرق بينه وبين الابن من الزواج الدائم، و قد كان لبعض الصحابة أولاد من المتعة؛ قال المتقي الهندي: «عن سعيد بن المسيب :قال استمتع ابن حريث وابن فلان كلاهما ولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر (ابن جریر)»(2)

ص: 299


1- منهاج الصالحين (المعاملات) للسيد أبي القاسم الموسوي الخوئي: (ج 2 / ص 270)، ومنهاج الصالحين (المعاملات) للسيد محمد صادق الروحاني: (ج 2 / (مسألة 1287)
2- كنز العمال في السنن والأقوال : 217/16 [كتاب النكاح المتعة : ح. 45704].

وروى عبد الرزاق بسنده عن صفوان أنّه قال: «هذا ابن عباس يفتي بالزنا، فقال ابن عباس: إني لا أفتي بالزنى أفنسي صفوان أُم أراكة، فوالله إن ابنها لمن ذلك، أفزني هو ؟ قال : واستمتع بها رجل من بني جمح»(1)

و ذكر علماء أهل البيت علیهم السلام عبد الله بن الزبير ولد من المتعة.(2)

اسلوب متوارث

لقد دأب بعض المخالفين على استعمال اسلوب الإستفزاز عند التحاور معهم حول موضوع المتعة، فيقولون: هل ترضون أن تعطوا أخواتكم أو بناتكم للمتعة؟

وللجواب عن ذلك يقال :

ص: 300


1- المصنف لعبد الرزاق: 396/7 - 397[7 / 496] [باب المتعة / ح. (3307) - 14098]
2- ورد في كتاب جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 21 – ص 4 - 5 : ذكروا عن ابن عباس أنه لما دخل مكة وعبد الله بن الزبير على المنبر يخطب فوقع نظره على ابن عباس وكان قد أضر ، فقال معاشر الناس قد أتاكم أعمى أعمى الله قلبه؛ يسب عائشة أم المؤمنين، ويلعن حواري رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ويحل المتعة وهي الزنى المحض فوقع الكلام في أذن عبد الله بن العباس وكان متوكنا على يد غلام له يقال له عكرمة فقال له: أدنني منه فأدناه حتى وقف بإزائه، وقال: (إنا إذا ما فئة نلقاها، نرد أولاها على أخراها، قد أنصف القارة من رماها) (إلى أن قال) واما قولك يحل المتعة وهي الزنى المحض فوالله لقد عمل بها على عهد رسول الله له ولم يأتِ بعده رسول لا يحرم ولا يحلل والدليل على ذلك قول ابن صهاك متعتان كانتا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فأنا أمنع منهما وأعاقب (عليها) فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه، وانك من متعة فإذا نزلت عن عودك هذا فاسأل أمك عن بردي عوسجة، ومضى عبد الله بن العباس ونزل عبد الله بن الزبير مهرولا إلى أمه فقال : أخبريني عن بردي عوسجة وألح عليها مغضبا فقالت له: إنّ أباك كان مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وقد أهدى له رجل يقال له عوسجة بردين فشكا أبوك إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم العزوبة فأعطاه بردا منهما فجاءني فمتعني به ومضى فمكث عن برهة وإذا به قد أتاني ببردتين فمتعني بهما فعلقت بك وانك من متعة فمن أين وصلك هذا قال من ابن عباس فقالت ألم أنهك عن بني هاشم وأقل لك إنَّ لهم ألسنة لا تطاق

ليست كل الأمور المباحة يرغب فيها جميع الناس، فمن ذلك أكل الجراد مباح، ولكن أكثر الناس لا يرغبون فيه، ومن علماء السنة من أباح أكل لحم الكلاب، وغيرها من الضواري، فقد قال ابن خُوَيْز مَنْدَاد: «إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير مباح»(1) ولكن أكثر من يعتقدون بهذه الفتوى لا يرغبون بأكل لحم الكلاب، كذلك زواج المتعة نحن نعتقد بإباحته وعدم نسخه، فهذا لا يعني لزوم أو وجوب فعله، وهذا الإسلوب الإستفزازي توارثه المخالفون منذ القدم، فقد ورد في الكافي هذا الأثر :

«قال: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق فقال له: يا أبا جعفر ماتقول في المتعة أتزعم أنها حلال؟

قال: نعم ، قال : فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يستمتعن ويكتسبن عليك، فقال له أبو جعفر : ليس كل الصناعات يرغب فيها وإن كانت حلالا وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم، ولكن ماتقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنه حلال؟

فقال : نعم ، قال : فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك؟

فقال أبو حنيفة: واحدة بواحدة وسهمك أنفذ، ثم قال له: يا أبا جعفر إن الآية التي في سأل سائل(2) تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قد جاءت بنسخها، فقال له أبو جعفر : يا أبا حنيفة إن سورة سأل سائل مكية وآية المتعة مدنية وروايتك شاذة

ص: 301


1- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 7 / 12[سورة الأنعام/ آية: 145]
2- قال العلامة المجلسي: «إشارة إلى قوله تعالى:«وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ»«إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ»[المؤمنون/ 5، 6] ادعاء أن التزويج عليهما على الحقيقة و إن كان إطلاقه في الدائم أكثر و هو لا ينافي كونه حقيقة في الآخر، ولعلّ جواب مؤمن الطاق مبني على التنزل مماشاةً معه». مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: ج 20، ص: 230

رديَّة، فقال له أبو حنيفة: وآية الميراث أيضًا تنطق بنسخ المتعة، فقال أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث(1)، قال أبو حنيفة : من أين قلت ذاك؟ فقال أبو جعفر : لو أن رجلاً من المسلمين تزوج امرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيها؟ قال: لا ترث منه، :قال : فقد ثبت النكاح بغير ميراث ثم افترقا».(2)

شبهة مدفوعة

قيل لو كانت المتعة مباحة لفعلها الأئمة عليهم السلام أو النبي صلی الله علیه و آله وسلم !

والجواب عن ذلك يقال : لقد روت مصادرنا تمتع النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وكذا الأئمة عليهم السلام،

فقد «روى الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقرعلیه السلام أن عبدالله بن عطاء المكي سأله عن قوله تعالى :«وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ ...» [التحريم / 3] الآية؟(3)

فقال : إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تزوج بالحرة متعة فاطلع عليه بعض نسائه فاتهمته بالفاحشة، فقال : إنه لي حلال إنه نكاح بأجل فاكتميه، فاطلعت عليه بعض نسائه».(4)

«وروى ابن بابويه بإسناده أن علياً علیه السلام نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعة».(5)

ص: 302


1- قال العلامة المجلسي: حاصل جوابه أن المتعة خارجة عن عموم آية الإرث بالنصوص، كما أخرجتم الكتابية عنها بها نفس المصدر السابق.
2- الفروع من الكافي للكليني : 5/ 450 [ كتاب النكاح ]
3- «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ»[التحريم / 3]
4- وسائل الشيعة للحر العاملي 21 / 10 ، [كتاب النكاح، أبواب المتعة الباب 1 - إباحتها،ح. 26378-22]
5- وسائل الشيعة للحر العاملي 21 / 10 ، [ كتاب النكاح، أبواب المتعة/ الباب 1- إباحتها،ح. 26378-23]

شبهة عثمان الخميس

ادعى عثمان الخميس أن كتب الشيعة احتوت على روايات تفيد بأن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم حرم المتعة ككتاب الكافي والاستبصار، وهذا غير صحيح فقد جاءت في الكافي روايتان ظاهرهما لا يفيد حرمة المتعة، إضافة إلى أنّ العلامة المجلسي ضعفهما في كتابه: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول(1) ،و الروايتان هما كالآتي:

«عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون قال: كتب أبو الحسن علیه السلام إلى بعض مواليه لا تلحوا على المتعة، إنما عليكم إقامة السنة(2)فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الأمر بذلك ويلعنونا.

4- علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن ابن سنان، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول في المتعة دعوها أما يستحيي أحدكم أن يرى في موضع العورة(3) فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه».(4)

وأما ما ورد في تهذيب الأحكام والاستبصار فهي رواية واحدة ضعيفة السند

ص: 303


1- ينظر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول : 20 / 233 [كتاب النكاح/ باب أنه يجب أن يكف عنها من كان مستغنياً، الحديث الثالث، الحديث الرابع]
2- قال العلامة المجلسي : «أي فعلها مرة لإقامة السنة لا الإكثار منها. أو إنما عليكم القول بأنها سنة ولا يجب عليكم فعلها لتتحملوا الضرر بذلك»
3- قال العلامة المجلسي: «أي يراه الناس في موضع يعيب من يجدونه فيه لكراهتهم فيصير ذلك سببا للضرر عليه وعلى إخوانه وأصحابه الموافقين له في المذهب»
4- الفروع من الكافي للكليني : 453/5 [كتاب النكاح]

قال الشيخ الطوسي :«وأما ما رواه محمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء عن

الحسين بن عُلوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن ابائه عن علي علیه السلام قال : «حرم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة.»

فإن هذه الرواية وردت مورد التقية وعلى ما يذهب إليه مخالفو الشيعة، والعلم حاصل لكل من سمع الأخبار أنّ من دين أئمتنا عليهم السلام إباحة المتعة فلا يحتاج إلى الإطناب فيه».(1)

وقال أيضاً:«فأما ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي علیه السلام قال: حرم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة.

فالوجه في هذه الرواية أن نحملها على التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة والأخبار الأولى موافقة لظاهر الكتاب وإجماع الفرقة المحقة على موجبها فيجب أن يكون العمل بها دون هذه الرواية الشاذة».(2)

وكذلك الرواية ضعيفة السند لوقوع الحسين بن علوان وعمرو بن خالد الواسطي في سندها، أما الأول فهو سني المذهب، والثاني لم يصدر في حقه توثيق في كتب الرجال، واختلف في مذهبه هل هو سني أم زيدي فكيف يحتج على الشيعة برواية هكذا حالها.

قال السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره في كتابه معجم رجال الحديث - (ج 7 / ص- 20):

«الحسين بن علوان الكلبي : مولاهم كوفي عامي».

W

ص: 304


1- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد : 7/ 299 ، [باب تفصيل أحكام النكاح]
2- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار للشيخ الطوسي : 142/3، [ح. 511 - 5]

وقال أيضاً في معجم رجال الحديث – (ج 14 / ص 68):

«عن الكشي في ترجمة الحسين بن علوان عده من رجال العامة الذين لهم ميل ومحبة شديدة».

وقال الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي في خلاصة الأقوال - (ج 39 / ص 4) :

«(الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي.»

وقال تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي في كتاب الرجال (ج 43 / ص4)

«الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي.»

«وقال الشيخ حسن صاحب المعالم في التحرير الطاووسي (ج 1 / ص 374): «وقال في الاستبصار : 1 / 66 في ذيل الحديث 196 المروي عن محمد بن الحسن الصفار عن عبيد الله بن المنبه عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن علي عليهم السلام : «فهذا خبر موافق للعامة.. بيّن ذلك أن رواة هذا الخبر كلهم عامة ورجال الزيدية». وعده البرقي في رجاله من أصحاب الباقرعلیه السلام من دون توصيفه بالواسطي وذكره ابن داود في القسم الثاني من رجاله: 264 رقم 366 وكذا العلامة في القسم الثاني أيضا من رجاله: 241 رقم 4 . وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب: 8 / 24 رقم 41 قائلا: «عمرو بن خالد أبو خالد القرشي مولى بني هاشم، أصله من الكوفة، انتقل إلى واسط، روى عن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام نسخة، وجعفر بن محمد بن على بن الحسين عليهم السلام و ... قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : متروك الحديث ليس بشيء، وقال الاثرم عن أحمد: كذاب يروي عن زيد بن علي عن آبائه [عليهم السلام] أحاديث موضوعة، يكذب، وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : كذاب غير ثقة ولا مأمون».

ص: 305

جاء في كتاب رجال الشيخ الطوسي (ج 1 / ص 51):

«عمرو بن خالد الواسطي بتري»

وفي كتاب خلاصة الأقوال (ج 49 / ص 9):

«عمرو بن خالد الواسطي روى عن زيد بن علي له كتاب كبير كان بتريا .».

إضافة إلى ذلك فإن هذه الرواية معارضة عند الشيعة بروايات بلغت حد التواتر تفيد حلية نكاح المتعة وجوازه فكيف ترفع اليد عن تلك الروايات وتعتمد هذه الرواية الضعيفة؟!

الرواية الثالثة: وردت رواية تفيد بأن الإمام أبا عبد الله عليه السلام، حرم المتعة على رجلين من أصحابه، ولكن لا دليل فيها على حرمة المتعة لأنها خاصة بهما ومقيدة بحالة خاصة بيّن سبب المنع فيها :

«عن سهل، عن علي بن أسباط ومحمد بن الحسين جمعياً، عن الحكم بن مسكين، عن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام لي ولسلیمان بن خالد قد حرمت عليكما المتعة من قبلي ما دمتها بالمدينة، لأنكما تكثران الدخول عليَّ وأخاف أن تؤخذا فيقال: هؤلاء أصحاب جعفر»(1) و في رواية أخرى أنّه قال ذلك لإسماعيل الجعفي وعمار الساباطي.

الرواية الرابعة : عن أبي عبد الله عليه السلام في المتعة قال : ما يفعلها عندنا إلا الفواجر».(2)

هذه الرواية «لا تدل على التحريم، بل تدل على انصراف الناس عن ممارسة هذا

ص: 306


1- وسائل الشيعة للحر العاملي 21 / 23 ، [ الباب 6 - استحباب اختيار المأمونة العفيفة للمتعة،ح. 26424-5]
2- وسائل الشيعة للحر العاملي 21 / 10 ، [ كتاب النكاح ، أبواب المتعة / الباب 10 - باب عدم تحريم التمتع ... ، ح . 26441-5]

الأمر، وأن جماعة خاصة هي التي تستعمله، ولعل ذلك يعود لأسباب غير سليمة ولا شريفة، ومن المعلوم أن سوء الاستفادة من التشريع لا تعني لزوم رفع اليد عنه، وإلا للزم رفع اليد عن وجوب الصلاة فضلا عما سواها حين يساء الاستفادة منها، وتستخدم وسيلة لخداع الناس».(1)

الرواية الخامسة : وردت رواية في مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل – (ج 14 / (383) تأليف: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي:

«قال الصادق علیه السلام: يا مفضل، حدثني أبي محمد بن علي، عن آبائه يرفعه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أنه قال: إن الله أخذ الميثاق على سائر المؤمنين أن لا تعلق منه فرج من متعة، انه أحد محن المؤمن الذي تبيّن إيمانه من كفره إذا علق منه فرج من متعة. وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: ولد المتعة حرام وان الأجود أن لا يضع النطفة في رحم المتعة»

فهذه الرواية تفرد بها صاحب المستدرك، وليس لها ما يعضدها ويقويها، ومع كل ذلك فهي لا تدلّ على حرمة المتعة، بل انها تفضل عدم وضع النطفة في رحم المتعة.

ص: 307


1- زواج المتعة للسيد جعفر مرتضى: 2 / 140

ص: 308

الفرق بين الزنا وزواج المتعة

لقد زعم بعض المتطرفين أن المتعة هي الزنا ،بعينه، وهناك فرق بين الزنا و زواج المتعة، ونذكر هنا بعض الفروق بينهما :

أنَّ المتعة شرعها الله تعالى في القرآن الكريم، وفعلها الصحابة، ولم يقم الحدُّ عليهم لفعلها، و الزنا حرمه الله تعالى باتفاق جميع المسلمين.

أنَّ المتعة تكون بعقد يشتمل على الإيجاب والقبول، ولا يكفي التراضي و المعاطاة، فبعد الاتفاق والتراضي تقول المرأة للرجل: زوجتك أو أنكحتك، أو متعتك نفسي بمهر قدره (و تذكره) لمدة يوم أو يومين أو شهر أو ثلاثة أو سنة أو غيره بشرط ألّا ط ألا يزيد على عمر الزوجين عادة، فيجيبها الرجل، قبلت. عندئذ يتم العقد وتترتب عليه كلّ آثاره، ولو لم يُذكر المهر بطل».(1)

والزنا ليس كذلك، ولذا ذهب بعض علماء السنة إلى أنَّ عقد المتعة ينصرف إلى الزواج الدائم؛ قال الطحاوي: «قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ النِّكَاحَ إِذَا عُقِدَ عَلَى مُتْعَةِ أَيَّامٍ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْأَبَدِ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ».(2)

وقال الإمام برهان الدين بن مازة في كتابه المحيط البرهاني [وهو من علماء السنة] - (ج 8 / ص 536 ):

ص: 309


1- ينظر : منهاج الصالحين للسيد الخوئي: 2 / 272[ الفصل الرابع (في عقد المتعة)]، مسألة: 1302
2- شرح معاني الآثار للطحاوي: 2/ 386 [كتاب النكاح / باب نكاح المتعة]

«إذا قال الرجل لامرأة : تزوجتك إلى كذا، فقضى قاض بجواز هذا النكاح، وأبطل الأجل جاز قضاؤه؛ لأنه محل الاجتهاد، فإن عند زفر هذا النكاح صحيح، واشتراط الأجل باطل، وهذا لأن اشتراط الأجل شرط فاسد والنكاح مما لا يبطل بالشروط الفاسدة».

يشترط في المتعة أن لا تكون المرأة كافرة، فيحرم عقد المتعة على غير الكتابية من الكفار... ويكره عقد المتعة على البكر وعلى الزانية، وإذا كانت مشهورة بالزنا فالاحوط لزوماً ترك التمتع بها(1). وأمَّا الزنا فلا شروط فيه.

لو وهب المتمتع المدة قبل الدخول بها ثبت لها نصف المهر، ولو ماتت أو مات المتمتع أو انقضت المدة لم ينقص منه شيء من المهر، وان كان قبل الدخول.(2) (2)

يلحق الولد بزوج المتمتع بها إذا وطأها وإن كان قد عزل، وفي الزنا للعاهر الحجر.

ص: 310


1- ينظر : منهاج الصالحين للسيد الخوئي: 2 / 272[الفصل الرابع (في عقد المتعة)] مسألة: 1303
2- ينظر : منهاج الصالحين للسيد الخوئي: 2 / 272[ الفصل الرابع (في عقد المتعة)] مسألة : 1307

كلمة أخيرة

يظهر مما تقدم أنَّ ثبوت المتعة قد أجمع عليه المسلمون، واختلفوا في تحريمها، فتحليلها أمر قطعي لإجماعهم عليه، وتحريمها أمر ظني لاختلافهم فيه، والظني لا ينسخ القطعي، فمن المؤسف حقا أن يصف بعض المتطرفين الزواج المؤقت بالزنا ولا يتحرَّج من القذف والبهتان ضد أتباع مدرسة أهل البيت علیهم السلام ، مع أنَّ هناك فرقاً شاسعاً بين الزواج المؤقت والزنا، بل لا يوجد أي شبه بينهما، وقد ذكرنا في هذا الكراس أوجه الشبه بين الزواج الدائمي والزواج المؤقت، و أثبتنا أن زواج المتعة قد نص القرآن الكريم والرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، ولم يرد في القرآن الكريم أيّ نسخ صريح لآية المتعة، وأن طائفة من الصحابة قد تمتعوا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وعهد أبي بكر وعمر، ولم يرد نص صحيح في السنة النبوية الشريفة يحرم المتعة، وإنَّما حرَّمها عمر بن الخطاب أيام خلافته، وقد أفتى أحد كبار علماء السنّة فقيه أهل مكة ابن جريج المتوفى سنة 149ه بجواز زواج المتعة، وتمتع هو بسبعين امرأة، ومن هنا يُعْلَم أنَّ القول بحرمة المتعة بدعة مخالفة للقرآن ولسنَّة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وقد أبطلنا زَعْم من قسَّم البدعة إلى خمسة أقسام، وذكرنا الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي تفيد عدم جواز البدعة في الدين، فنسأل الله تعالى أنْ يتقبَّل عملنا هذا ويجعله ذكرى لأولي الألباب وحلقة وصل بيننا وبين من يخالفنا في الرأي والاجتهاد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 311

ص: 312

ص: 313

ص: 314

متعة الحج

بسم اللہ الرحمن الرحيم

«وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»[البقرة/ 196].

ص: 315

ص: 316

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

المتعة في اصطلاح الفقهاء تستعمل في موارد ثلاثة :

المورد الأول : متعة النساء، وقد تقدمت.

المورد الثاني: متعة الطلاق، وهي ما تصل إلى المرأة بعد الطلاق من قميص وإزار وملحفة، وإليه يشير قوله سبحانه: «لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ»[البقرة/ 236]، وهذه المتعة ليست موضع بحثنا في هذا الكرَّاس.

المورد الثالث : متعة الحجّ، وقد وردت في قوله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»[البقرة/ 196].

والمتعة في المورد الثاني والثالث إجمالاً مورد اتفاق بين فقهاء المدرستين مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ومدرسة الصحابة؛ فأقسام الحج عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام ثلاثة ،تمتع إفراد ،قران الأول فرض من كان البعد بين أهله والمسجد الحرام أكثر من ستة عشر فرسخاً، والآخران فرض من كان أهله حاضري المسجد الحرام، بأن يكون

ص: 317

البعد بين أهله والمسجد الحرام أقل من ستة عشر فرسخاً ، و لا بأس للبعيد أن يحج حج الإفراد أو القران ندباً، ولا يجوز ذلك في الفريضة، فلا يجزي حج التمتع عمن وظيفته الإفراد أو القرآن، وكذلك العكس.

يتألف حج التمتع من عبادتين تُسَمَّى أولاهما بالعمرة والثانية بالحج، وقد يطلق حج التمتع على الجزء الثاني منها، ويجب الإتيان بالعمرة فيه قبل الحج.

وتجب في عمرة التمتع خمسة أمور:

أن يحرم في أشهر الحج من أحد المواقيت بالعمرة المتمتع بها إلى الحج.

ثم يدخل مكة المعظمة، فيطوف بالبيت سبعًا

ثم يصلّي عند مقام إبراهيم ركعتين، صلاة الطواف.

ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعًا .

ثم يقصر، وهو أخذ شيء من الشعر أو الأظافر. فيحل عليه كل ما حرم عليه بالإحرام، وهذه صورة عمرة التمتع التي هي إحدى جزئي حجه. ثم ينشىء إحرامًا للحج من مكة المعظمة، في وقت يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفة والأفضل إيقاعه يوم التروية بعد صلاة الظهر ، ثم يأتي بواجبات الحج وهي ثلاثة عشر .(1)

ص: 318


1- ينظر بالترتيب : جامع المناسك للحج والعمرة: 91، 94، وأحكام الحج من تحرير الوسيلة الإمام الخميني نتل مع تعليقات اللنكراني: (ج 1 / ص 43)

متعة الحج عند فقهاء مدرسة الصحابة

قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمُقْدِسِيُّ الحنبلي: «وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ بِأَيِّ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِهَا، فَاخْتَارَ إمَامُنَا التَّمَتُّعَ، ثُمَّ الْإِفْرَادَ ثُمَّ الْقِرانَ.

وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ اخْتِيَارُ التَّمَتَّعُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةُ، وَالحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدِ، وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعِكْرِمَهُ.

وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَي الشَّافِعِي».(1)

وقال أيضاً: «مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ الله، فَيَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَقَعُ بِالنُّسُكِ مِنْ وُجُوهِ ثَلَاثَةٍ؛ تَمَتُّعِ، وَإِفْرَادٍ، وَقِرانٍ.

فَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ.

وَالْإِقْرَادُ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ مُفْرَدًا.

وَالْقِرَانُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَام بهِمَا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الحَجَّ قَبْلَ الطَّوَافِ.

ص: 319


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 382، [مسألة : 558 / كتاب الحج]

فَأَيُّ ذَلِكَ أَحْرَمَ بِهِ جَازَ».(1)

وقال أيضاً: «وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ ، وَأَبُو مُوسَى، وَعَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ، أَنْ يَحِلُّوا، وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً».

فَنَقَلَهُمْ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَى المُتعَةِ، وَلَا يَنْقُلُهُمْ إِلَّا إِلَى الْأَفْضَل» .(2)

ص: 320


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 382، [مسألة: 558 / كتاب الحج]
2- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 383، [مسألة : 558/ كتاب الحج]

بدعة الجاهلية

لقد كان العرب قبل الإسلام يحرمون العمرة في أشهر الحج ويعدونها مِنْ أفجر الْفُجُورِ في الأَرْضِ، فكانوا يفرزون العمرة عن الحج، فيجعلون العمرة بعد انقضاء شهر محرّم الذي يجعلونه شهر صفر ، فواجه النبي صلی الله علیه وآله وسلم هذه البدعة الجاهلية فقضى عليها بجعل الإهلال للحج عمرة، فأمر المسلمين بإدخال العمرة بالحج؛ قال البخاري:

«حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنها - قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنَ الْفُجُورِ في الأَرْضِ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ إِذَا بَرَا الدَّبَرْ ، وَعَفَا الأَثَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ مَنِ اعْتَمَرْ. قَالَ فَقَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وَأَصْحَابُهُ رَابِعَةً مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. قَالُوا يَا رَسُولَ الله، أيُّ الحِلِّ؟ قَالَ «الحِلِّ كُلُّه». [طرافه 1085]».(1)

وهذا الحديث يدلّ بوضوح على صعوبة تقبلهم لهذا الحكم الذي قلب عليهم اعتقادهم، فلهذا قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الحِل؟ قَالَ: «الحِلُّ كُلُّه»

ومما يدلُّ على مماطلتهم وعدم تقبلهم لهذا الحكم الذي كانوا يعتقدون بحرمته وأنه من الفجور هو ما يبدو صريحاً في قولهم: «لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا فَنَأْتِي عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا المُذْيَ»، وفي رواية مسلم «تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا

ص: 321


1- صحيح البخاري : 695 [كتاب مناقب الأنصار / باب أيام الجاهلية، ح. 3832]، وينظر: شرح معاني الآثار للطحاوي : 2 / 226 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي محرماً في حجة الوداع / ح . 3650]

المَنِيَّ»، فبَيَّن لهم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أن هذا الحكم ليس من الفجور بل هو سنة الله تعالى، فقال هم: «قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمُ لله وأصدَقُکُم وَأَبَرُّكُمْ وَلَوْلا هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ»؛ قال البخاري:

«حَدَّثَنَا المَكِّي بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءُ قَالَ جَابِرٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِ عَطَاءٌ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِي أُناسٍ مَعَهُ قَالَ أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم في الْحَجِّ خَالِصًا لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ - قَالَ عَطَاءُ قَالَ جَابِرٌ - فَقَدِمَ النَّبِي صلی الله علیه وآله وسلم صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا النَّبِي صلی الله علیه وآله وسلم أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ «أَحِلُّوا وَأَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ». قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ وَلَمْ يَعْزِمُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَهُنَّ لَهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّا نَقُولُ ما لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ الأخمسٌ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلُّ إِلَى نِسَائِنَا فنأتِي عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا المذي قَالَ وَيَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا وَحَرَّكَهَا فَقَامَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله وسلم فَقَالَ «قَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ أَتْقَاكُمْ اللَّهُ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبْركُمْ وَلَوْلاً هَدْيِي خَلَلْتُ كَما تَحِلُّونَ فَحِلُّوا فَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ». فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا».(1)

فلم يقبلوا حكم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم على الفور بل ضاقت صدورهم بهذا الحكم الذي يخالف عقائد الجاهلية، حتّى أغضبوا الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، فقد جاء في صحيح مسلم:

«حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أبي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وسلم بِالْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلی الله علیه وآله وسلم فَمَا نَدْرِي أشيءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ أَمْ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ فَقَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا فَلَوْلا الهُدي الذي

ص: 322


1- صحيح البخاري: 1331 - 1332 [كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / باب نهي النبي صلی الله علیه وآله وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته ، ح . 7367]، وينظر : صحیح مسلم: 491 [ح. 141-(1216)- كتاب الحج / باب بيان وجوه الإحرام]

معي فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ». قَالَ فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِلْنَا النِّسَاء وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الخلالُ حَتَّى إذا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» .(1)

وروى أيضاً: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ - قَالَ ابْنُ المُثنّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الحَكَم عَنْ عَلِي بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أَنَّهَا قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ خَمْسٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْتُ مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ الله أَدْخَلَهُ الله النَّارَ . قَالَ «أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرِ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ قَالَ الحَكَمُ كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ - وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الهُدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ ثُمَّ أَحِلُّ كما حَلُّوا»».(2)

الرجوع إلى بدعة الجاهلية

لقد بين رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم انا متعة الحج هي سنة الله تعالى الباقية إلى يوم القيامة، فقد أخرج مسلم، والبخاري بسندهما أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُم سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم عن متعة الحج : هل هي للأبد؟

فأجابه الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بأنّها لأَبَدٍ أَبَدٍ، ونذكر محل الشاهد من الرواية لأنها طويلة: «فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لَأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً في الأُخْرَى وَقَالَ «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ في الحج - مَرَّتَيْنِ - لا بَلْ لأَبَدٍ أَبَدٍ»».(3)

ص: 323


1- صحیح مسلم : 491 [ح . 142 (1216) - كتاب الحج / باب بيان وجوه الإحرام]
2- صحیح مسلم : 489 [ح . 130 - (1211) - كتاب الحج / باب بيان وجوه الإحرام]
3- صحیح مسلم : 492 - 493 [ح. 147 - (1218) - كتاب الحج / باب حجة النبي] ، وينظر صحيح البخاري : 1309 [ كتاب التمني / باب قول النبي عل الله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت»، ح. 7230]

وقال الطحاوي: «حدثنا أبو بكرة وعلي بن معبد قالا حدثنا مكي بن إبراهيم قال حدثنا داود بن يزيد الأودي قال سمعت عبد الملك بن ميسرة الزراد قال سمعت النزال بن سبرة يقول سمعت سراقة بن مالك بن جعشم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»، قال وقرن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في حجة الوداع».(1)

فإذا ثبت أنها باقية لأبد، فلا يحق لأحد أن يغيّرها لقوله تعالى:«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا»[الأحزاب/ 36] ، ولما تقدم من الآيات التي ذكرناها في بداية هذا الكراس تحت عنوان (البدعة في ضوء الآيات القرآنية)، ولكن للأسف الشديد أنَّ بين أيدينا من النصوص الكثيرة التي تبين مخالفة بعض الصحابة لهذه السنة، وهو اجتهاد مقابل النصوص الصريحة.

ص: 324


1- شرح معاني الآثار للطحاوي: 2/ 222 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم محرماً في حجة الوداع / ح . 3643]

متعة الحج عند الصحابة

لقد شهد جماعة من الصحابة على تمتع الحج في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وبعد وفاته، ومن هؤلاء الصحابة:

سَعْدُ بْنُ مَالك:

كان بعض المسلمين يسأل الصحابة عن المتعة، فذكر هذا الصحابي أنه تمتع قبل أن يسلم معاوية الذي نهى عن متعة الحج، قال البيهقي:

«أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الله بْنُ يَحْيَى السُّكَّرِي بِبَغْدَادَ قَالاَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورِ الرَّمَادِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِي يَعْنِي الْمُعْتَمِرَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ جَمِيعًا قَالَا حَدَّثَنَا سُلَيْمانُ التَّيْمِي حَدَّثَنِي غُنَيْمُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكِ عَنِ التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ: فَعَلْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرُ فِي الْعُرُشِ يَعْنِي مَكَّةَ وَيَعْنِي بِهِ مُعَاوِيَةَ».(1)

سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَاصِ :

سئل سعد بن أبي وقاص عن المتعة، فأجاب بأنه تمتع قبل أن يسلم معاوية الذي نهى عن متعة الحج، قال مسلم:

«وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنِ الْفَزَارِي - قَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا

ص: 325


1- السنن الكبرى للبيهقي : 7 / 32 [كتاب الحج - جماع أبواب الاختيار في افراد الحج والتمتع بالعمرة / باب من اختار التمتع بالعمرة إلى الحج: م: 8936]

مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ - أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِي عَنْ غُنَيْم بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أبي وَقَاص – رضي الله عنه - عَنِ الْمُتْعَةِ فَقَالَ فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ»(1)

عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ:

قال مسلم: «وَحَدَّثَنِيهِ حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ عَنْ مُطَرْفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّخْيرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ تَمَتَّعَ نَبِي الله صلى الله عليه و آله وسلم وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ».(2)

وقال أيضًا: «وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِي بهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ».(3)

وقال أيضًا: وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِي عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ مُطَرْفٍ قَالَ قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَدْ أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ فَلَمْ تَنزِلُ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ يَرتَئِي».(4)

وقال أيضًا: «وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَادٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مُطَرْفِ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَحَدُنُكَ حَدِيثًا عَسَى الله أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجَةٍ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَنزِلُ فِيهِ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ

ص: 326


1- صحیح مسلم : 498 [ح . 164- (1223) - کتاب الحج باب جواز التمتع]
2- صحیح مسلم : 499 [ح . 171 - (1226)، كتاب الحج]
3- صحیح مسلم: 498 [ح . 164 - (1223) - كتاب الحج باب جواز التمتع]
4- صحیح مسلم : 498 [ح . 165 - (1226) - كتاب الحج باب جواز التمتع]

وَقَدْ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَي حَتَّى اكْتَوَيْتُ، فَتُرِكْتُ ثُمَّ تَرَكْتُ الْكَيَّ فَعَادَ صحيح.

حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ المُتَنَى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بن هِلاَلٍ قَالَ سَمِعْتُ مُطَرْفًا قَالَ قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بِمِثْل حَدِيثِ مُعَاذٍ».(1)

قال البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبي إِسْحَاقَ المُزكِّي حَدَّثَنَا أَبو عَبْدِ الله: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: نَزَلَتْ آيَةُ المَتْعَةِ في كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسَدَّدٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. وَعِمْرَانُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ الْقَصِيرُ».(2)

ابن عباس :

قال البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ القاضي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاس فَأَمَرَنِي بِهَا فَرَأَيْتُ في المنام كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لِي حَجٌ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ. فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ النبي صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ أَبُو جَرَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسِ : أَقِمْ عندي وَأَجْعَلُ لَكَ سَهماً مِنْ مَالي.

قَالَ شُعْبَةُ فَقُلْتُ لَهُ: وَلِمَ قَالَ لَكَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ. رَوَاهُ البخاري في الصَّحِيح عَنْ آدَمَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرِ عَنْ شُعْبَةَ».(3)

ص: 327


1- صحیح مسلم: 498 - 499 [ح. 167 - (1226)، كتاب الحج]
2- السنن الكبرى للبيهقي : 7 / 37 [كتاب الحج - جماع أبواب الاختيار في افراد الحج والتمتع بالعمرة / باب من اختار التمتع بالعمرة إلى الحج: م: 8946]
3- السنن الكبرى للبيهقي : 7 / 37 [كتاب الحج - جماع أبواب الاختيار في افراد الحج والتمتع بالعمرة / باب من اختار التمتع بالعمرة إلى الحج: م: 8946]

قال عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي: «قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاس: قَالَ: تَمَتَّعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ عُرْوَةُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ المَتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَاهُمْ سَيَهْلَكُونَ، أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم وَيَقُولُونَ نَهَى عَنْهَا أَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ .»(1)

شهادة أم المؤمنين أم سلمة

قال الطحاوي: «حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف، وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب قالا ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران أنه قال: حججت مع موالي فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها فسمعتها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول أهلوا يا آل محمد بعمرة في حجة».(2)

ص: 328


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 386، [مسألة : 558 / كتاب الحج]
2- شرح معاني الآثار للطحاوي: 2/ 222 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم محرماً في حجة الوداع / ح . 3639 - 3640].

منع المتعة اجتهاد مقابل النص

قال مسلم: «حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرِ المُقَدَّمِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا بشرُ بْنُ الفَضَّلِ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءِ قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ : نَزَلَتْ آيَةُ المَتْعَةِ فِي كِتَابِ الله (يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ) وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آية مُتعَةِ الحَج وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم حَتَّى مَاتَ. قَالَ رَجُلٌ بِرَأْبِهِ بَعْدُ مَا شَاءَ.

وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم، وَلَمْ يَقُل: وَأَمَرَنَا بها»(1)

وقال أيضاً: «وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنه - قَالَ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَلَمْ يَنْزِلُ فِيهِ الْقُرْآنُ.

قَالَ رَجُلٌ برَأيهِ مَا شَاءَ».(2)

وقال أيضاً: (وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أبِي عَرُوبَةً عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الشَّخَيرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - رضي الله عنه - قَالَ اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجٍ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلُ فِيهَا كِتَابٌ، وَلَمْ يَنْهَنَا

ص: 329


1- صحیح مسلم: 499 [ح . 172 ، 173 - (1226)، كتاب الحج]
2- صحیح مسلم: 499 . [ح . 170 - (1226) ، كتاب الحج]

330

عَنْهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم. قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ».(1)

ويرى البيهقي بأنَّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم لم ينه عن متعة الحج ، وأن عمر بن الخطاب هو الذي نهى عنها، فقد قال:

وَلَمْ نَجِدْهُ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ مِن رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عَنْهُ وَوَجَدْنَا فِي قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عَنْهُ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِيَكُونَ أَتَمَّ هُما فَحَمَلْنَا نهيه عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ عَلَى التَّنْزِيهِ وَعَلَى اخْتِيَارِ الأَفْرَادِ عَلَى غَيْرِهِ لا عَلَى التَّحْرِيم وَبِالله التَّوْفِيقُ».(2)

ولم يكن عمر بن الخطاب جاهلاً بحكمها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم، ولكنه اجتهد مقابل النصوص الصريحة، فهو يقرّ بأنّها في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم، و يظهر هذا من كلامه صريحاً فيما روي عنه:

قال النسائي: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبِي قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: وَالله إِنِّي لأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُتْعَةِ وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ الله وَلَقَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَعْنِي الْعُمْرَةَ فِي الْحَجِّ»(3). قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.

والي عمر بن الخطاب في البصرة

لقد كان أبو موسى والياً من قبل عمر بن الخطاب على البصرة، فكان يتمتع طول حياته حتى أن بلغه نهي عمر عنها فانتهى، ثم سأل عمر عن سبب المنع، ولم يناقشه فيما

ص: 330


1- صحیح مسلم : 499 . [ح . 169 - (1226) ، كتاب الحج]
2- السنن الكبرى للبيهقي : 490/10 [كتاب النكاح - جماع الأنكحة التي نهي عنها، م:14506]
3- سنن النسائي : 401 - 402 [كتاب مناسك الحج / ب 50 - التمتع / ح . 2783]

ذكر له من جواب؛ قال مسلم: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ المُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي «أَحَجَجْتَ؟».

فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ «بِمَ أَهْلَلْتَ؟».

قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم.

قَالَ فَقَدْ «أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَأَحِلَّ».

قَالَ فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةَ مِنْ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ . قَالَ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ – رضي الله عنه – فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا مُوسَى - أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ ! - رُوَيْدَكَ بَعْضَ فُتْيَاكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدَكَ. فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ فُتْيَا فَلْيَتَئدْ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَبِهِ فَانْتَمُّوا. قَالَ فَقَدِمَ عُمَرُ – رضي الله عنه – فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِنْ تَأْخُذُ بكتاب الله فَإِنَّ كِتَابَ الله يَأْمُرُ بِالتّمام وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الهدي يَحِلَّهُ».(1)

وروى مسلم أيضًا، فقال: «وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المثنّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ المثنى حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَم عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالْمَتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : رُوَيْدَكَ بِبَعْض فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدُ حَتَّى لَقِيَهُ بَعْدُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِي الأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الْحَجِّ

ص: 331


1- صحیح مسلم : 496 [ح . 154- (1221)، كتاب الحج]، وينظر: صحيح البخاري: 325 [ح . 1795 كتاب العمرة / باب يفعل في العمر ما يفعل في الحج]

تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ».(1)

وقال أيضًا:

سلسلة دليل المحاور - البدعة في المتعتين

«وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ كِلاهُمَا عَنْ وَكِيعِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْجُرَيْرِي فِي هَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ فِي رِوَايَتِهِ ارْتَأَى رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. يَعْنِي عُمَرَ».(2)

ص: 332


1- صحیح مسلم : 497 [ح . 157 - (1222) ، كتاب الحج]
2- صحیح مسلم : 498 [ح . 166 - (1226) - كتاب الحج باب جواز التمتع]

نهي عثمان عن المتعة، ومخالفة علي علیه السلام له

قال البخاري:«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِي بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيَّا – رضي الله عنهما – وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ المُتعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا رَأَى عَلِيُّ، أَهَلَّ بِهِمَا لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَةٍ قَالَ مَا كُنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النبي صلى الله عليه و آله وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ. طرفه 1569 - تحفة 10274».(1)

وقال مسلم: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ المثنى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ الله بْنُ شَقِيق كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ المَنْعَةِ وَكَانَ عَلِي يَأْمُرُ بِهَا فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَليٍّ كَلِمَةً ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ».(2)

وقال أيضاً: «وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ - رضي الله عنهما - بِعُسْفَانَ فَكَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ أَوِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إِلَى أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم تَنهَى عَنْهُ فَقَالَ عُثْمَانُ دَعْنَا مِنْكَ. فَقَالَ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَكَ فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا».(3)

قال النسائي: «أنبأ إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال أنبأ أبو عامر وهو العقدي

ص: 333


1- صحيح البخاري : 289 ، [ح. 1563 / كتاب الحج - باب التمتع والإقران، والإفراد بالحج]
2- صحیح مسلم : 497 [ح . 158 - (1223) - كتاب الحج باب جواز التمتع]
3- صحیح مسلم : 497 [ح . 159 - (1223) - كتاب الحج باب جواز التمتع]

قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت علي بن الحسين يحدث عن مروان أن عثمان نهى عن المتعة وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة فقال علي لبيك بحجة وعمرة معاً فقال عثمان أتفعلهما وأنا أنهى عنهما، فقال علي لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأحد من الناس».(1)

وقال أيضًا: «أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى - وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ - قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ عَلِيّ بْنِ حُسَيْنِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ عُثْمَانَ فَسَمِعَ عَلِيًّا يُلَبِّي بِعُمْرَةٍ وَحَجَةٍ فَقَالَ أَلَمْ تَكُنْ تُنْهَى عَنْ هَذَا قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا فَلَمْ أَدَعْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم لِقَوْلِكَ»(2).

وقال الطحاوي: «حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا يعقوب بن حميد قال حدثنا وكيع.

وحدثنا فهد قال حدثنا الخضر بن محمد الحراني قال أنا عيسى بن يونس وأبو أسامة قالوا جميعا عن الأعمش عن مسلم البطين، عن علي بن حسين، عن مروان بن الحكم :قال كنا نسير مع عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فإذا رجل يلبي بالحج والعمرة، فقال عثمان رضي الله عنه : من هذا ؟

فقالوا عليّ . فأتاه عثمان رضي الله عنه فقال: ألم تعلم أني نهيت عن هذا؟

فقال: بلى ولكني لم أكن لأدع قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم لقولك».(3)

ص: 334


1- السنن الكبرى للنسائي : 2 / 345 [كتاب الحج / باب 49 / ح . 3703/ 5]، و سنن النسائي: 400 [كتاب مناسك الحج / ب 49 - القرآن / ح . 2725]
2- سنن النسائي: 400 [كتاب مناسك الحج / ب 49 - القران / ح . 2724] ، و السنن الكبرى للنسائي : 2 / 345 [كتاب الحج / باب 49 / ح . 4/3702]
3- شرح معاني الآثار للطحاوي: 2/ 216 - 217 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي محرماً في حجة الوداع / ح . 3616 - 3617]

وقال أيضاً: «حدثنا علي بن شيبة قال ثنا خلاد بن يحيى قال ثنا سفيان الثوري عن بكير بن عطاء قال حدثني حريث بن سليم العذري عن علي رضي الله عنه : أنه لبى بهما جميعا فنهاه عثمان رضي الله عنه فقال علي رضي الله عنه : أما إنك قد رأيت فهذا عليّ رضي الله عنه قد أخبر عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بخلاف النهي عن قران العمرة والحج وفعل في ذلك خلاف ما أمر به عثمان رضي الله عنه وأنكر على عثمان رضي الله عنه ما أمر به من ذلك فدل هذا من عليّ رضي الله عنه أنه قد كان عنده تفضيل القرآن على الإفراد عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ولولا ذلك لما أنكر على عثمان رضي الله عنه ما رأى ولا فضل رأيه على رأي عثمان رضي الله عنه في ذلك إذ كانا كلاهما إنما أمرا بما أمرا به من ذلك عن شيء واحد وهو الرأي ولكن خلافه لعثمان رضي الله عنه في ذلك دليل عندنا على أنّه قد علم فضل القران على ما سواه من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم كان قرن في حجة الوداع».(1)

وقال أيضاً: «حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا همام عن قتادة عن جري بن كليب وعبد الله بن شقيق: أن عثمان رضي الله عنه خطب فنهى عن المتعة فقام علي رضي الله عنه فلبى بهما فأنكر عثمان رضي الله عنه ذلك، فقال له عليّ رضي الله عنه : إن أفضلنا في هذا الأمر أشدنا اتباعاً له».(2)

ص: 335


1- شرح معاني الآثار للطحاوي : 23 / 217 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي محرماً في حجة الوداع / ح . 3618]
2- شرح معاني الآثار للطحاوي: 2/ 225 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم محرماً في حجة الوداع / ح .3648]

ص: 336

مخالفة أهل السنة لعمر وعثمان ومعاوية

لقد خالف أهل السنة الصحابة الذين منعوا المتعة، واتّبعوا صريح القرآن والسنة؛

قال عبد الله بن قدامة:

«فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، وَعُثمانُ، وَمُعَاوِيَةُ.

قُلْنَا: فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ نَهْيَهُمْ عَنْهَا، وَخَالَفُوهُمْ فِي فِعْلِهَا، وَالحَقُّ مَعَ الْمُنْكِرِينَ عَلَيْهِمْ دُونَهُمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إِنْكَارَ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ، وَاعْتِرَافَ عُثْمَانَ لَهُ، وَقَوْلَ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ مُنْكِرًا لِنَهْيِ مَنْ نَهَى، وَقَوْلَ سَعْدِ عَائِباً عَلَى مُعَاوِيَةَ نَهْيَهُ عَنْهَا، وَرَدِّهِمْ عَلَيْهِمْ بِحُجَجِ لَمْ يَكُنْ هُمْ جَوَابٌ عَنْهَا ، بَلْ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ نَهَى عَنْهَا فِي كَلَامِهِ، مَا يَرُدُّ تهيه ، فَقَالَ عُمَرُ : والله إنى لِأَنْهَاكُمْ عَنْهَا ، وَإِنَّهَا لَفِي كِتَاب الله، وَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ خَالَفَ كِتَابَ الله وَسُنَّةَ رَسُولِهِ، وَنَهَى عَمَّا فِيهِمَا، حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُقْبَلَ نهيه، وَلَا يُحتجَّ به».(1)

ص: 337


1- المغني لعبد الله بن قدامه : 4 / 386، [مسألة : 558/ كتاب الحج]

ص: 338

الأعذار

لقد اعتذر بعضهم عن عمر بن الخطاب بأعذار مختلفة منها إنكار نسبة منع المتعة إليه كما فعل ابن عبد الله ونسب المنع إلى عثمان.

إعتذار سالم بن عبد الله بن عمر:

قال عبد الله بن قدامة: «سُئِلَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، أَنَهَى عُمَرُ عَنْ المُتْعَةِ؟ قَالَ: لا، والله ما نهى عَنْهَا عُمَرُ، وَلَكِنْ قَدْ نَهَى عُثمان.

وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ ، فَأَمَرَ بِهَا، فَقِيلَ : إِنَّكَ تُخَالِفُ أَبَاكَ.

قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ الَّذِي يَقُولُونَ».(1)

والظاهر أن هذا الإنكار كان عن جهل منه بحال أبيه، فلا يعتد بهذا الإنكار لأن الناس واجهوه وأكَّدوا له قول أبيه، فاستسلم لهم أخيراً قائلاً: أَ فَكِتَابُ الله أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ؟.

قال عبد الله بن قدامة: «وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ، فَأَمَرَ بِهَا، فَقَالَ: إِنَّكَ تُخَالِفُ أَبَاكَ، فَقَالَ: عُمَرُ لَمْ يَقُلْ الَّذِي يَقُولُونَ.

فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، قَالَ : أَفَكِتَابُ الله أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ ؟ .

رَوَى الْأَثْرَمُ هَذَا كُلَّهُ».(2)

ص: 339


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 386 ، [مسألة: 558 / كتاب الحج]
2- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 386 ، [ مسألة : 558/ كتاب الحج ]

إعتذار أهل التصحيف

هذا الاعتذار غريب من نوعه فقد حاول بعضهم تصحيف الحديث الصحيح الذي يصرح بنهي عمر عن المتعة، فوضع مكان قول عمر : (وَاللهِ إِنِّي لَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُتْعَةِ) الذي يدل على النهي الصريح مع القسم، لفظ (وَالله إنّي لا أَنْهَاكُمْ عَنِ المُتْعَةِ) الذي يدل على عدم النهي مع القسم ، و ذلك كما يلي : الرواية الصحيحة:

قال النسائي: «أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبي قَالَ أَنْبَأَنَا أَبو حَمْزَةَ عَنْ مُطَرْفٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلِ عَنْ طَاوُسٍ عَن ابْنِ عَبَّاس قَالَ : سَمِعْتُ . يَقُولُ: وَاللَّه إِنِّي لَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُتْعَةِ وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ الله وَلَقَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَعْنِي الْعُمْرَةَ فِي الْحَجِّ »(1). قال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.

وكذلك رواها عبد الرحمن بن قدامه الحنبلي في شرحه [باب ذكر الإحرام – مشروعية العمرة في أشهر الحج](2).

وكذلك نقلها ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) عن النسائي بنفس الإسناد، والألفاظ، وقال بعد ذكر الرواية: (إسناده جيد).(3)

وذكرها أيضاً بنفس الألفاظ في كتابه (السيرة النبوية) .(4)

الرواية المُصَحَفَة : قال عبد الله بن قدامة الحنبلي :

ص: 340


1- سنن النسائي: 401 - 402 [ كتاب مناسك الحج / ب 50 - التمتع / ح .2783 ] ، والسنن الكبرى للنسائي : 349/2 [كتاب الحج / باب 50 - التمتع / ح . 5/3716]
2- الشرح الكبير على كتاب المقنع : 3/ 238 [باب ذكر الإحرام - مشروعية العمرة في أشهر الحج]
3- البداية والنهاية : 4 / 50 [ذكر حجة من ذهب إلى أنه كان قارناً وسرد الأحاديث في ذلك]
4- السيرة النبوية للحافظ ابن كثير : 50/4 [ذكر حجة من ذهب إلى أنه كان قارناً وسرد الأحاديث في ذلك]

«فَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ : إِنّي لَا أَنْهَاكُمْ عَنْ المُتْعَةِ، وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللهِ، وَلَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم».(1)

وبهذه الطريقة (إِنِّي لَا أَنْهَاكُمْ) رواها المتقي الهندي.(2)

وكذلك تجدها في رواية الإمام مجد الدين المعروف بابن الأثير الجزري.(3)

وهكذا عند عبد الرحمن بن قدامة الحنبلى في شرحه الكبير الجزء 3، ص : 235 [باب ذكر الإحرام – الخلاف في نسك النبي]،.(4) والظاهر أن التصحيف ليس من المصنف لأنه لو كان كذلك لما تغيّر لفظه بعد ثلاث صفحات أي في صفحة رقم 238 .

وهكذا الحال في كتاب المغني لعبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي، ذكرت أوَّلاً بلفظ : «لَا أَنْهَاكُمْ» ثم بعد صفحتين بلفظ: «لَأَنْهَاكُمْ».(5)

ففي كلّ هذه الكتب صُحفت الرواية تصحيفاً متعمداً، وكأنهم يظنُّون بعملهم هذا ترقيع هذا الأثر، وهذا غير صحيح، لأنَّ هذا العمل مخالف للأمانة العلمية، بل هو تزوير للتراث، ومحاولة لطمر الحقائق.

وجهة نظر عمر بن الخطاب:

روى مسلم: «عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبي مُوسَى عَنْ أَبي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِالمَتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : رُوَيْدَكَ بِبَعْضٍ فُتْيَاكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعْدُ

ص: 341


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 384، [ مسألة: 558/ كتاب الحج ]
2- کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : 164/5 [كتاب الحج والعمرة / التمتع - ح. 12472]
3- جامع الأصول في أحاديث الرسول : 30/ 100 الفصل الثالث: في التمتع وفسخ الحج/ح. 1400]
4- الشرح الكبير على كتاب المقنع : 3/ 235 [باب ذكر الإحرام - الخلاف في نسك النبي].
5- ينظر : المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 384،386، [مسألة:558/ كتاب الحج]

حَتَّى لَقِيَهُ بَعْدُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كَرِهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعْرِسِينَ بِهِنَّ فِي الأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الحَج تَقْطَرُ رُءُوسُهُمْ».(1)

اعتذار ابن حجر العسقلاني

لقد حاول ابن حجر العسقلاني تفسير وجهة نظر عمر بن الخطاب محاولاً توجيه سبب منعه للمتعة فقال :

«وَكَانَ مِنْ رَأْي عُمَر عَدَمِ التَّرَفُهُ لِلْحَجِّ بِكُلِّ طَرِيق، فَكَرِهَ لَهُمْ قُرْب عَهْدِهِمْ بِالنِّسَاءِ لِئَلَّا يَسْتَمِرَ اللَّيْلِ إِلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ بَعُدَ عَهْده بِهِ، وَمَنْ يُفْطَمْ يَنْفَطِم».(2).

فيقال لابن حجر: لقد أحل الله تعالى ذلك، ولا يجوز تحريم ما أحل الله؛ قال الله :تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»[المائدة / 87].

إضافة إلى عدم صحة ما قاله من الانفطام فمن المعلوم أنَّ الإنسان إذا منع من النساء زاد ميله وشوقه لإشباع غريزته وبعد المقاربة لا تكون رغبته وميله كما كانت قبلها، وذلك لاكتفائه بإشباع الغريزة.

ولم يكتفِ عمر بمنع الناس عن متعة الحج بل كان يعاقب عليها، وكان بعض الصحابة يخشى مجرد التصريح بشرعيتها، وهذا يظهر جلياً في بعض روايات الصحاح؛ فقد قال مسلم

«وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ المُثنّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ

ص: 342


1- صحیح مسلم : 497 ، [ح . 157 - (1222)، كتاب الحج]
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني:3 / 533 [كتاب الحج / باب 32 / ح_ 1558 ، 1559]

عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرْفٍ قَالَ بَعَثَ إِلَيَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِي مَرَضِهِ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ مُحَدَّثَكَ بِأَحَادِيثَ لَعَلَّ الله أَنْ يَنْفَعَكَ بهَا بَعْدِي فَإِنْ عِشْتُ فَاكْتُمْ عَنِّي وَإِنْ مُتُ فَحَدِّتْ بِهَا إِنْ شِئْتَ إِنَّهُ قَدْ سُلَّمَ عَلَيَّ وَاعْلَمْ أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَدْ جَمَعَ بَيْنَ حَج وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَم یَنزِلُ فِيهَا كِتَابُ الله وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَبِيُّ الله صلى الله عليه و آله وسلم، قَالَ رَجُلٌ فِيهَا بِرَأيهِ مَا شَاءَ».(1)

وقد رفض بعض الصحابة منع عمر، ووصفوه بأنه مخالف لسنة الله ورسوله صلى الله عليه و آله وسلموأنه قد فَرِضَ عليهم، فكانوا يخشون التصريح باسم عمر الذي منعها؛ فقد جاء في صحيح مسلم، والبخاري :

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ - رضي الله عنه - قَالَ اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم جَمَعَ بَيْنَ حَجٌ وَعُمْرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا كِتَابٌ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنْهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ فِيهَا رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ».(2)

وقال أيضاً: «ارْتَأَى رَجُلٌ بِرَأيهِ مَا شَاءَ يَعْنِي عُمَرَ».(3)

وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاس: إن فلانا يَنْهَى عَنْ المتعة.

قَالَ: انْظُرُوا فِي كِتَاب الله، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهَا فِيهِ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوهَا فَقَدْ صَدَقَ.

فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالاِتِّبَاعِ، وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ، الَّذِينَ مَعَهُمْ كِتَابُ اللَّهُ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، أَمْ الَّذِينَ خَالَفُوهُمَا ؟».(4)

ص: 343


1- صحیح مسلم : 499 [ح . 168 - (1226) - كتاب الحج باب جواز التمتع]
2- صحیح مسلم: 499 [ح. 169 (1226)، كتاب الحج]. ، وصحيح البخاري: 290/ [ح.1571 / كتاب الحج باب التمتع].
3- صحیح مسلم : 498 [ح. 166- (1226)- كتاب الحج باب جواز التمتع]
4- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 386، [مسألة : 558/ كتاب الحج]

«حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب :قال قلت لسالم : لم نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وفعلها الناس معه ؟

فقال أخبرني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال إنّ أتمّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحج والحج أشهر معلومات، فأخلصوا فيهن الحج، واعتمروا فيما سواهن من الشهور، فأراد عمر رضي الله عنه بذلك تمام العمرة لقول الله عز و جل وأتموا الحج والعمرة الله وذلك أن العمرة التي يتمتع فيها المرء بالحج لا تتم إلا بأن يهدي صاحبها هدياً أو يصوم إن لم يجد هدياً وإن العمرة في غير أشهر الحج تتم بغير هدي ولا صيام فأراد عمر رضي الله عنه بالذي أمر به من ذلك أي يزار البيت في كل عام مرتين وكره أن يتمتع الناس بالعمرة إلى الحج فيلزم الناس ذلك فلا يأتون البيت إلا مرة واحدة في السنة فأخبر ابن عمر رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه في هذا الحديث أنه إنما أمر بإفراد العمرة من الحج لئلا يلزم الناس ذلك فلا يأتون البيت إلا مرة واحدة في السنة لا لكراهته التمتع لأنه ليس من السنة فأما قوله إنه أتم لعمرة أحدكم و وحجته أن يفرد كل واحدة من صاحبتها فإن ما روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه يدل على خلاف ذلك وقد روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما من رأيه خلافًا لذلك أيضاً».(1)

اعتذار مصطفى ديب البغا :

قال مصطفى ديب البغا في ( منحة الباري في خدمة صحيح البخاري):

«أول من نهى عن المتعة عمر رضي الله عنه وتابعه عثمان رضي الله عنه في ذلك

ص: 344


1- شرح معاني الآثار للطحاوي: 2/ 210 [كتاب مناسك الحج / باب ما كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم محرماً في حجة الوداع / ح.3611]

وغرضهم منه الحث على تحصيل فضيلة الإفراد على أنه هو الأفضل».

ويجاب عنه بقول عبد الله بن قدامة الحنبلي: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى المُتْعَةِ عَنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ، وَلَا يَأْمُرُهُمْ إِلَّا بِالاِنْتِقَالِ إِلَى الْأَفْضَلِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنْ الْأَفْضَل إلى الأدنى، وَهُوَ الدَّاعِي إلى الخير ، الهَادِي إِلَى الْفَضْلِ، ثُمَّ أَكَدَ ذَلِكَ بِتَأَسُّفِهِ عَلَى فَوَاتِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِقَالِهِ وَحِلِّهِ، لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ، وَهَذَا ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ».(1)

حجة عمر الثانية

لقد وردت بعض الروايات تفيد اعتقاد عمر بأنَّ العمرة كانت رخصة لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وأنَّ الفصل بين الحج والعمرة نزل به القرآن الكريم، فقد روى مسلم:

«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثنّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ المُثنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاس يَأْمُرُ بِالمُتعَةِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم.

فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ قَالَ إِنَّ اللهَ كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ مَنَازِلَهُ فَأَتِمُوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الله كَمَا أَمَرَكُمُ الله وَ أَبِتُوا نِكَاحَ هَذِهِ النِّسَاءِ فَلَنْ أُوتَى بِرَجُلِ نَكَحَ امْرَأَةً إِلَى أَجَلٍ إِلا رَجَتُهُ بِالْحِجَارَةِ».(2)

«وَ حَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَ

ص: 345


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 4 / 385 ، [ مسألة: 558/ كتاب الحج ]
2- صحیح مسلم: 492 [ح. 145- (1217) - كتاب الحج / باب في المتعة بالحج والعمرة]

في الحَدِيثِ فَافْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَتَم حَجَّكُمْ وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِكُمْ».(1)

والمراد من قول عمر : (فَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ الله كَمَا أَمَرَكُمُ الله) هو أَنَّه استدلّ على إخراج العمرة عن الحجّ بقوله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ»[البقرة/ 196]، وهذا الاستدلال ضعيف لأنَّ هذه الآية التي تعني من إتمام الحج والعمرة إكمالهما في مقابل المحصر الذي لا يستطيع الإكمال، ولا دلالة فيها على إخراج العمرة عن الحج، فقد قال الله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»[البقرة/ 196].

ففي بداية الآية كان كلامه سبحانه في المحصر ، وقوله تعالى:«فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» ، هو في غير المحصر ومن حصل له الأمن وارتفع المانع كما يدل عليه قوله سبحانه: «فَإِذَا أَمِنْتُمْ» ، فعلى قسم من المكلّفين إذا أتوا بالعمرة ثمّ أحرموا للحج فعليهم ما تيسر من الهدي في يوم النحر في أرض منى.

والمراد من التمتع هو التمتع بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة فيبقى متحلّلاً متمتعاً إلى أن يحرم للحج، وعندئذ يجب عليه ما تيسر من الهدي، فالآية تصرح بأنّ صنفاً من المكلّفين، وهم الذين فرض عليهم حج التمتع يحلّ لهم التمتع بعامة المحظورات إلى زمن إحرام الحج فاستنكار التمتع بين العمرة والحجّ لأجل استلزامه تعرّس الحاج بين العمرة والحج ورواحه إلى المواقف ورأسه يقطر ماءً تقديم للرأي على الوحي

ص: 346


1- نفس المصدر السابق.

و استدل عمر أيضاً على إخراج العمرة عن الحجّ بسيرة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حيث لم يحل حتى بلغ الهدي محله.

وهذا الاستدلال ردَّ عليه ابن حجر العسقلاني فقال:

«مُحَصَّل جَوَاب عُمَر فِي مَنْعه النَّاسِ مِنْ التَّحَلُّل بِالْعُمْرَةِ أَنَّ كِتَاب الله دَالّ عَلَى مَنْع التَّحَلُّل لأمره بالإتمام فَيَقْتَضِي اِسْتِمْرَارِ الْإِحْرَامِ إِلَى فَراغ الحج، وَأَنَّ سُنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم أَيْضًا دَالَّة عَلَى ذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يُحِل حَتَّى بَلَغَ الهَدي جله، لَكِنَّ الْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ مَا أَجَابَ بِهِ يَحِلّه، هُوَ حَيْثُ قَالَ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الهَدي لأَحْلَلْت فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِحْلَالِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدي».(1)

اعتذار الرازي

يرى الرازي أَنَّ الَّذِي نہی عنه عمر هو أن يجمع الحاج بين الإحرامين ثم يفسخ الحج إلى العمرة ويتمتع بها إلى الحج، فقد قال:

«المتمتع بالعمرة إلى الحج هو أن يقدم مكة فيعتمر في أشهر الحج، ثم يقيم بمكة حلالاً ينشيء منها الحج، فيحج من عامه ذلك، وإنما سمي متمتعاً لأنه يكون مستمتعاً بمحظورات الإحرام فيما بين تحلله من العمرة إلى إحرامه بالحج، والتمتع على هذا الوجه صحيح لا كراهة فيه، وههنا نوع آخر من التمتع مكروه، وهو الذي حذر عنه عمر رضي الله عنه وقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عبد الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج ، والمراد من هذه المتعة أن يجمع بين الإحرامين ثم يفسخ الحج إلى العمرة ويتمتع بها إلى الحج ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أذن لأصحابه في ذلك

ص: 347


1- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني:3 / 533 [كتاب الحج / باب 32 / ح_ 1558 ، 1559]

ثم نسخ».(1)

وردَّ عليه العلامة المجلسي، فقال: «وهو باطل بوجوه:

الأول: إن هذا المعنى لا يفهم من التمتع عند الإطلاق، وإنما يفهم منه المعنى المعروف عند فقهاء الفريقين، ولا ريب في أن الناس قديماً وحديثاً لم يفهموا من المتعة ومنعها غير المعنى المعروف، وإنما ذلك معنى تكلفه المتعصبون لضيق الخناق.

الثاني: إن روايات عمران بن حصين في :أن ما نهى عنه الرجل وقال فيه برأيه ما شاء، هو المعنى المعروف، وإيقاع العمرة في أشهر الحج ، وظاهر أن النهي عن المتعة والقول بالرأي فيها لم يكن من غير عمر، ولذا لم يصرح عمران به تقية.

الثالث: إنه قد مر في رواية أبي موسى أنه علل عمر ما أحدثه في شأن النسك بقوله، كرهت أن يظلوا معرسين.. وظاهر أن هذا التعليل يقتضي المنع عن المتعة بالمعنى المعروف، والرواية صريحة في أن أبا موسى كان يفتي بالمتعة فحذره الرجل عن مخالفة عمر.

الرابع: إن رواية عمران بن سوادة صريحة في اعتراف عمر بأنه حرم المتعة في أشهر الحج معللاً بما ذكر فيها، وكذا رواية الترمذي عن ابن عمر صريحة في أنه نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، وكذا غيرهما مما سبق من الروايات.

الخامس: إنه لو كان ما نهى عنه وحرمه عمر أمرًا منسوخاً في زمن الرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لأنكر على عمران بن سوادة قوله : لم يحرمهما رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ولا أبو بكر، وقد صدقه وعلل التحريم بما سبق.

وبالجملة ، لا مجال للشك في أن ما حرمه عمر هو التمتع بالعمرة إلى الحج الذي

ص: 348


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 5/ 130 [سورة البقرة / الآية: 196]

صرحت روايات الفريقين بأن حكمه باقٍ إلى يوم القيامة ، وإنه للأبد، وأبد الأبد، بل إنه نهى عن أعم منه وهو الاعتمار في أشهر الحج».(1)

اعتذار عياض :

«وَقَالَ عِيَاض: الظَّاهِرِ أَنَّهُ تَى عَنْ الْفَسْخ [أي: فَسْخ الحج إِلَى الْعُمْرَة وَهِذَا] كَانَ يَضْرب النَّاسِ عَلَيْهَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِم بِنَاء عَلَى مُعْتَقَده أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ خَاصًا بِتِلْكَ السَّنَة».(2)

ومعتقده غير صحيح إذ لا أصل له صحيح، و لما رواه مسلم والبخاري من أن العمرة دخلت في الحج إلى أبد الأبد.(3)

اعتذار ابن تيمية

لم يقدِّم ابن تيمية اعتذاراً مقبولاً عن عمر بن الخطاب، بل أنكر نهي عمر عن المتعة فقد قال:

إن عمر رضي الله عنه لم يحرم متعة الحج بل ثبت عنه أن الضبي بن معبد لما قال له إني أحرمت بالحج والعمرة جميعاً فقال له عمر هديت لسنة نبيك صلى

ص: 349


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي : 30 / 635 - 637 [باب 23 – تفصيل مثالب عمر / الطعن الرابع تحريم الخليفة للمتعة]
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني:3 / 533 [كتاب الحج / باب 32 / ح_ 1558 ، 1559]
3- صحیح مسلم : 492 - 1493 .[ 147 - (1218) - كتاب الحج / باب حجة النبي ] وينظر صحيح البخاري : 1309 [ كتاب التمني / باب قول النبي : لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ح. 7230]

وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يأمرهم بالمتعة فيقولون له أن أباك نهى عنها فيقول إن أبي لم يرد ما تقولون، فإذا ألحوا عليه قال أفرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أحق أن تتبعوا أم عمر ؟

وقد ثبت عن عمر أيضا أنه قال: ولو حججت لتمتعت، وإنما كان مراد عمر رضي الله عنه أن يأمرهم بما هو الأفضل وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار في غير أشهر الحج فأراد ألا يعرى البيت طول السنة فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة والاعتمار في غير أشهر الحج مع الحج في أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الفقهاء الأربعة وغيرهم.

وكذلك قال عمر وعلي رضي الله عنهما في قوله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» قالا إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك.

أراد عمر وعلي رضي الله عنهما أن تسافر للحج سفراً وللعمرة سفراً وإلا فهما لم ينشئا الإحرام من دويرة الأهل ولا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ولا أحد من خلفائه.

والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل فالأمر بالشيء نهي عن ضدّه فكان نهيه المتعة عن على وجه الاختيار لا على وجه التحريم وهو لم يقل وأنا أحرمها كما نقل هذا الرافضي بل قال أنهى عنهما ثم كان نهيه عن متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم وقد قيل إنه نهى عن الفسخ والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء وهو من مسائل الاجتهاد فالفسخ يحرمه أبو حنيفة ومالك والشافعي لكن أحمد وغيره من فقهاء الحديث وغيرهم لا يحرمون الفسخ بل يستحبونه بل يوجبه بعضهم ولا يأخذون بقول عمر في هذه المسألة بل بقول علي وعمران بن حصين وابن عباس وابن عمر

ص: 350

وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم».(1)

الجواب

إن كلام ابن تيمية متناقض، فمرة يقول : إنّ عمر لم يحرم متعة الحج، وأنه قال: لو حججت لتمتعت، ومرة يقول: كان مراد عمر رضي الله عنه أن يأمرهم بما هو الأفضل ومرة يقول : فأراد ألا يعرى البيت طول السنة، فالأحاديث المتقدمة كفيلة بإثبات أنَّ نهي عمر كان على سبيل التحريم لقوله: «إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم هَذَا الرَّسُولُ وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هَذَا الْقُرْآنُ وَإِنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَأَنَا أَنْهَى عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا إحْدَاهُمَا مُتعَةُ النِّسَاءِ وَلا أَقْدِرُ عَلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ إِلَى أَجَلٍ إِلا غَيَّبته في الحِجَارَةِ وَالأُخْرَى مُنْعَةُ الحَجِّ افْصِلُوا حَجَّكُمْ مِنْ عُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَثم حجكُمْ وَأَنمُ لِعُمْرَتِكُمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في الصَّحِيح مِنْ وَجْهِ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ».(2)

فالعقاب لا يكون في الأمور التعبدية كالصلاة والحج ، بل يكون نتيجة ارتكاب المحرمات، وعلى رأيه يكون التمتع بالعمرة حراماً لذا توعد عليه بالعقاب.

وأما قوله: «وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار في غير أشهر الحج فأراد ألا يعرى البيت طول السنة فاذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة»، فهذه الإرادة لا شكَّ أنها تخالف إرادة الله وإرادة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وهي اجتهاد مقابل النص الصريح، وذلك لا يجوز شرعاً.

وأما قوله :«وقد ثبت عن عمر أيضا أنه قال: ولو حججت لتمتعت فلم ينقل هذا الخبر كاملاً، بل هو تدليس، وأصل الخبر هكذا: «حدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ

ص: 351


1- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية: 4 / 85 - 86
2- السنن الكبرى للبيهقي : 490/10 [باب نكاح المتعة / م 14506]

سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُوسِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: لَوِ اعْتَمَرْت، ثُمَّ اعْتَمَرْت، ثُمَّ حَجَجْت، لَتَمَتَّعْت.»(1). وهذا الأثر لا يصح الاستشهاد به لأسباب عديدة:

السبب الأول: أنه من أخبار الآحاد فلم يروه إلا ابن عباس.

السبب الثاني : يعارضه ما ثبت في صحيح مسلم والبخاري نهي عمر عن المتعة.

السبب الثالث : متن الأثر ضعيف لاشتماله على «لو» الامتناعية، التي تدل على امتناع شرطها وجوابها، أي أنه لم يحج ولم يعتمر ولم يتمتّع.

تخطئة ابن تيمية

لم يقدِّم ابن تيمية اعتذاراً مقبولاً عن عمر بن الخطاب، بل ظاهر كلامه أنَّه يُقرّ بخطئه ووصفه بأنه أقل خطاً من علي علیه السلام ، فقد قال:

«وما ذكره عن عمر رضي الله عنه فجوابه أن يقال: أولا هَبْ أن عمر قال قولا خالفه فيه غيره من الصحابة والتابعين حتى قال عمران بن حصين رضي الله عنه تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ونزل بها القرآن قال فيها رجل برأيه ما شاء أخرجاه في الصحيحين.

فأهل السنة متفقون على أن كل واحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلّا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم

فإن كان مقصوده الطعن في أهل السنة مطلقاً فهذا لا يرد عليهم وإن كان مقصوده أن عمر أخطأ في مسألة فهم لا ينزهون عن الإقرار على الخطأ إلا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وعمر

ص: 352


1- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 3 / 220 [ح. 13698 / كتاب المناسك - في المتعة من كان يراها أو يرخص فيها].

بن الخطاب رضي الله عنه أقل خطأ أقل خطأ من على رضي الله عنه وقد جمع العلماء مسائل الفقه التي ضعف فيها قول أحدهما فوجدوا الضعيف في أقوال علي رضي الله عنه أكثر مثل إفتائه أن المتوفى عنها زوجها تعتد أبعد الأجلين مع أن سنة رسول الله الله الثابتة عنه الموافقة لكتاب الله تقتضي أنها تحل بوضع الحمل وبذلك أفتى عمر وابن مسعود رضي الله عنهما .

ومثل إفتائه بأن المفوضة يسقط مهرها بالموت وقد أفتى ابن مسعود وغيره بأن لها مهر نسائها كما رواه الأشجعيون عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في بروع بنت واشق وقد وجد من أقوال علي المتناقضة في مسائل الطلاق وأم الوليد والفرائض وغير ذلك أكثر مما وجد من أقوال عمر المتناقضة».(1)

الجواب

وللرد على ابن تيمية يقال :

إنَّه لم يحلّ هذه المسألة بصورة علمية بل ذهب للاستنقاص من أمير المؤمنين علیه السلام

ظانَّا أَنَّه سينته- لعمر بن بن الخطاب بذلك مُدَّعياً أنَّ عمر بن الخطاب أقل خطاً من عليٍّ علیه السلام ، و لم يُخطئ عليا الله إلا الخوارج، وابن تيمية.

وأمَّا مسألة عِلْم عليّ علیه السلام فعِلْمُهُ علیه السلام لا يقاس بأحد من الصحابة لأنه أعلمهم، وهذا من البديهيات بمكان لا ينكره إلا الجاهل أو الخارجي المبغض. كيف لا يكون علمُهُ كذلك وقد تربى في حجر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وتلقى علومه منه مباشرة ؟!

فهو أكثر الصحابة صحبة له، ويكفينا في هذا المقام أن نختار من بين النصوص والآثار التي تدلّ على علميته وأعلميته أنه لم يعرف أحد من الصحابة كان يقف بكل

ص: 353


1- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية: 84/4 .

شجاعة ويقول: سلوني سلوني إلا علياً علیه السلام ، فقد روى ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل بسندهما «حدثنا عبد الله، حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد قال: أراه عن سعيد قال : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول : سلوني، إلا علي بن أبي طالب».(1)

وروى شيخ البخاري ابن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء: كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أحد أعلم من علي ؟

قال : لا والله ما أعلمه !».(2)

وروى أيضاً عن «وَكِيعٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِي، قَالَ: خَطَبَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: لَقَدْ فَارَقَكُمْ رَجُلٌ بِالْأَمْسِ لَمْ يَسْبِقُهُ الْأَوَّلُونَ بِعِلْمٍ، وَلا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يُعْطِيهِ الرَّايَةَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ».(3)

وأما ما أورده ابن تيمية من أنّ المتوفى عنها زوجها تحلّ من عدتها بوضع الحمل فهذا عندهم، وعندنا أن عدة المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين من الأشهر أو وضع الحمل إذا كانت حاملاً، فإن وضعت قبل الأربعة أشهر لم تنقض عدتها والحجة للإمامية : الإجماع

ص: 354


1- فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ فضائل الصحابة ] لأحمد بن حنبل : 300 ، ح. 222]، والكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 5 / 313 . [ح. 26411 / من كان يستحب أن يسأل ويقول: سلوني]، وجمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير و زوائده) للسيوطي: 13 / 319 [ح . 7360 - مسند علي بن أبي طالب].
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 . [ح. 32100/ فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 6 / 374 . [ح. 32101/ فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه]

المتردد... وأيضا فإن العدة عبادة يستحق فيها الثواب، وإذا بَعد مداها زادت مشقتها

وكثر الثواب عليها ومَنْ وضعت حملها عقيب وفاة زوجها لا مشقة عليها في العدة، وإذا مضت عليها أربعة أشهر وعشرة أيام كانت المشقة أكثر والثواب أوفر فقولنا أولى من قولهم. فإن احتجوا بظاهر قوله تعالى: «وَأُوَلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمَلَهُنَّ» [الطلاق / 4] وأنه عام في المتوفى عنها زوجها وغيرها عارضناهم بقوله تعالى:«وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»[البقرة/ 234] ، وأنه عام في الحامل وغيرها. ثم لو كانت الآية التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها بدليل وهو إجماع الفرقة المحقة الذي قد بينا أن الحجة فيه».(1)

وأما قوله : «ومثل إفتائه بأن المفوضة يسقط مهرها بالموت وقد أفتى ابن مسعود وغيره بأن لها مهر نسائها»

فللرد عليه يقال :

التفويض في اللغة: الإهمال، والمراد به هنا المرأة التي تزوجت ولم يفرض لها مهر فكأنَّ المهر أهمل سميت هذه المرأة (مفوضة)، وهذه المسألة ذكرها الشيخ الطوسي، فقال: إذا مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول فلا مهر لها. وبه قال في الصحابة علي علیه السلام، وابن عباس، وزيد والزهري، وبه قال ربيعة ومالك والأوزاعي، وأهل الشام، وهو أحد قولي الشافعي، والقول الآخر: لها مهر مثلها. وبه قال ابن مسعود، وأهل الكوفة، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق.

:دليلنا أن الأصل براءة الذمة، وشغلها بذلك يحتاج إلى دليل: لا يجب بالعقد مهر المثل، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجب بالعقد مهر المثل. دليلنا: ما قلناه في

ص: 355


1- الانتصار للشريف المرتضى : 239 ، [ عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ]

المسألة الأولى سواء.

واستدل أبو حنيفة بما رواه أنه أتي عبد الله بن مسعود في رجل تزوج امرأة فمات عنها، ولم يفرض لها - وفي بعضها - قال : فاختلفوا إليه شهرا، أو قال: مرات، قال: فإني أقول فيها : أن لها صداقا كصداق نسائها، لا وكس فيه.

ولا شطط، وأن لها الميراث وعليها العدة. فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان . فقام إليه ناس من أشجع، فيهم الجراح، وأبو سنان، فقالوا: يا بن مسعود ، نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق، كان تزوجها هلال بن مرة الأشجعي كما قضيت. قال: ففرح عبد الله بن مسعود فرحا شديدا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهذا خبر واحد لا يجب عندنا العمل عليه، لأنه لم يرو من طريقنا، وإنما روي من طريق لا يعرف عدالة رواته، وما هذا صورته لا يجب العمل به. وقد أجيب عنه بأجوبة أحدها: أنه مضطرب السند فإنه روي فيه فقام رهط من أشجع ، وروي فقام ناس من أشجع، وروي: فقام معقل بن يسار، ومرة بن سنان. وتارة أبو المليح، وتارة أبو الجراح . وهذا الاضطراب يدل على ضعفه. وذكر الواقدي في كتاب خطأ الحديث، فقال: وقع هذا الحديث إلى أهل المدينة فلم يعرفه أحد من أهل العلم بها، فثبت به أنه لا أصل له، وإنما وقع إليهم من أهل الكوفة. على أنه يحتمل أن يكون فرض بعضها بغير اختيارها. وهي الصغيرة أو البكر الكبيرة ، فإن كانت ممن لا يعتبر رضاها فلها مهر مثلها عند الشافعي

وهذا لا يصح على أصلنا، فإنا لا نفصل بين الموضعين على أن الخبر تضمن قضية في عين يحتمل ما قالوه على أن ما رووه عن ابن مسعود قد خالفه أربعة من الصحابة، فكان قولهم أولى».(1)

ص: 356


1- الخلاف للشيخ الطوسي : 4 / 378 – 380، [ مسألة 18 ]

الخاتمة

لقد أثبتنا في هذا الكراس شرعية زواج المتعة في القرآن والسنة، كذلك شرعيَّة متعة الحج معتمدين على مصادر أهل السنة، وقد ظهر أنَّ تحريمهما يُعَدُّ بدعةً في الدِّين مخالفةً لسنة الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم ، وأنَّ الهدف من كلّ ما قدَّمْنَاه في هذا الكرَّاس هو التماس وجه الحق والحقيقة، والدفاع عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، وعن الإفتراءات والتهم الباطلة التي تُحاك ضده، وعن القذف القبيح الذي يقذفون به أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، وليس غرضنا انتقاص أحد أو النيل من أي شخص أو مذهب، بل بالعكس فما نقدمه نرجو أن يكون حلقة وصل بيننا وبين من يخالفنا في الرأي ليتفهَمُوا وجهة نظرنا ومداركها الشرعية في الكتاب والسنة آملين توحيد الصفوف تحت راية الإسلام لأنّ هدفنا إرضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وسلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على محمد و آل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 357

ص: 358

البَاب الحَادِي عَشَن

اشارة

البدعة في صلاة التراويح

وحَذْفِ حيَّ على خير العَمَلِ

ص: 359

ص: 360

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين. أما بعد فيُعَدُّ هذا الكرَّاس مكملاً لموضوع البدعة في المتعتين أي: (زواج المتعة ومتعة الحج)، وهو الإصدار السابع ضمن سلسلة دليل المحاور الذي ذكرنا فيه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن البدعة إضافة إلى تعريف البدعة واختلاف آراء علماء أهل السنة فيها ، فلذا لا نكرر ما ذكرناه هناك سنقتصر في هذا الكرَّاس على ذكر بدعة الإتيان بصلاة التراويح جماعة، وحذف قول (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل) من الأذان، فقد جمعنا في هذا الكراس الأدلة الكافية للمحاور التي ذكرتها أهم المصادر السنية لإثبات شرعية قول المؤذِّن (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) في الأذان، لأنَّه الأذان الأوّل الذي أمر به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأدامَهُ بعض الصحابة والتابعين، وأنَّ الَّذِي أَمَرَ بحذف (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) من الأذان هو عمر بن الخطاب أيام خلافته، إضافة إلى ابتداعه الجماعة في صلاة التراويح التي رفض الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أنْ تُصلَّى جماعة، وكذلك رفض بعض الصحابة والتابعين صلاتها جماعة، كذلك ذكرنا آراء بعض أئمة علماء السنة الذين أفتوا بأفضلية الإتيان بصلاة التراويح فرادى، وسيلاحظ القارئ الكريم -كما هو منهجنا في هذه السلسلة - ترقيم كل حديث، أو أثر، أو اقتباس مع الإشارة في الهامش (أسفل الصفحة) إلى المرجع أو المراجع التي ذكرت ذلك، وعند

ص: 361

تباين ألفاظ النص أو تعدد المصادر مع تباين ألفاظه أشرنا لذلك بلفظ (ينظر، أو أنظر، ونحوهما) قبل ذكر المرجع أو المصدر.

هذا ونرجو أن نكون قد وفّرنا للمُحاور الكريم أهم ما يحتاجه من الأدلة والنصوص للحوار حول مسألة بدعة صلاة التراويح جماعة، و بدعة حذف قول المؤذن (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ).

كما أودُّ أنْ أشير إلى أنَّ الهدف الأساسي من هذا الكرَّاس هو تيسير السبيل أمام المحاور الكريم لغرض إظهار الحق والحقيقة والدفاع عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، وعن الافتراءات والتهم الباطلة التي تُحاك ضده، وضد أتباعه، وليس غرضنا انتقاص أحد أو النيل من أي شخص أو مذهب، بل بالعكس فما نُقَدِّمه نرجو أن يكون حلقة وصل بيننا وبين مَن يخالفنا في الرأي، والاجتهاد ليتفهموا وجهة نظرنا ومداركها الشرعية في الكتاب والسُّنَّة آملين توحيد الصفوف تحت راية الإسلام لاسيما هدف الجميع إرضاء الله تعالى ورسوله الله صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 362

تمهید

صلاة التراويح هي صلاة مستحبة تُصَلَّى في ليالي شهر رمضان المبارك، ويطلق عليها بعض الفقهاء اسم (نافلة رمضان) ، ومجموع ركعاتها ألف ركعة تُقسم على ليالي الشهر، وتختص ليالي القدر بزيادة الركعات فيها.

وأمّا كيفية هذه الصلاة فالمشهور أن تُصَلَّى منها في كلّ ليلة من الليالي العشر الأولى والثانية من شهر رمضان عشرون ركعة يُسَلّم المصلِّي بين كلّ ركعتين، فيصلّي منها ثمان ركعات بعد صلاة المغرب والباقية وهي اثنتا عشرة ركعة تؤخر عن صلاة العشاء، وفي العشرة الأخيرة يصلّي منها كلّ ليلة ثلاثين ركعة يؤتي ثمان منها بعد صلاة المغرب أيضاً ويؤخر الباقية عن العشاء، فالمجموع يكون سبعمئة ركعة، فتبقى ثلاثمئة ركعة، وهي تؤدّى في ليالي القدر وهي الليلة التاسعة عشرة والحادية والعشرون والثالثة والعشرون، فيخص كل من هذه اللّيالي بمئة ركعة منها، فتتم الألف ركعة، وقد وزّع بعض فقهائنا هذه الصلاة على الشهر بنحو آخر .

وتُصَلَّى فرادى عندنا ، و لا يجوز صلاتها جماعة لأنَّ الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قد نهى عن صلاتها جماعة، ومخالفة أمره الله بصلاتها جماعة فيه دلالة واضحة على قبح هذه المخالفة وأنها مظنة العقاب، قال الله تعالى:«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا»[الأحزاب/ 36]، وعليه فلا يجوز أداؤها جماعة بعد ارتفاع الوحي، فلم تكن صلاة التراويح تُصَلَّى جماعة في عهد الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وقد تواترت النصوص في كتب السنة مصرحة بذلك، كما سيأتي تفصيلها.

ص: 363

ص: 364

صلاة التراويح في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

لقد بلغت الروايات المصرحة بنهي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عن صلاة التراويح جماعة حدّ التواتر، كذلك النصوص التي تصرّح بعدم الإتيان بها جماعة في عهد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ومنها ما رواه مالك بن أنس في (بَاب التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ) فقال :

«حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ

النَّبِيِّ صلی الله علیه و آله وسلم أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه و آله وسلم صَلَّى فِي المَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ، ثُمَّ صَلَّى اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ»، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ».(1)

وقال البخاري: «وَقَالَ المُكِّيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ سَعِيدٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ احْتَجَرَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً أَوْ حَصِيرًا، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم يُصَلِّي فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم عَنْهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه و آله وسلم «مَا

زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ

ص: 365


1- الموطأ لمالك بن أنس : 1 / 103 [كتاب الصلاة في رمضان / باب الترغيب في الصلاة في رمضان-ح. 1]

صَلاةِ المُرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلا الصَّلاةَ المُكْتُوبَةَ».(1)

وقال مسلم: «وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سَالِمٌ أَبو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْن عُبَيْدِ الله عَنْ يُسْرِ بن سَعِيدِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ قَالَ احْتَجَرَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه و آله وسلم يُصَلِّي فِيهَا -

قَالَ - فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ - قَالَ - ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا وَأَبْطَاً رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم عَنْهُمْ - قَالَ - فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم مُغْضَبًا فَقَالَ هُمْ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ المُكْتُوبَةَ».(2)

«عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 32 / ص 309)

ثم جاؤا ليلة أي ليلة ليصلوا مع النبي فلم يخرج إليهم النبي فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب أي رموه بالحصباء وهي الحصى الصغيرة»

«شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 132)

وأصل التتبع الطلب، وَمَعْنَاهُ هُنَا طَلَبُوا مَوْضِعه وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ.

قَوْله: «وَحَصَبُوا الْبَاب»

أَي رَمَوْهُ بِالحَصْبَاءِ، وَهِيَ الحَصَى الصَّغَار تَنْبِيهَا لَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ نَسي».

ص: 366


1- صحيح البخاري: 1122 . [ح. 6113 / كتاب الأدب / باب ما يجوز من الغضب والشدّة لأمرالله عز وجل].
2- صحیح مسلم : 305 [ح. 213 - (781) - كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب استحباب صلاة النافلة في بيته و جوازها في المسجد]

وقال البخاري: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ:

قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنْ خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ»، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ».(1)

وقال مسلم: «حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم صَلَّى في المَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أو الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي ، خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ». قَالَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ».(2)

فكل هذه النصوص تصرح بمنع رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم النَّاسَ أنْ يصلُّوا نافلة رمضان جماعة، فكان المسلمون يصلُّونها فرادى طوال حياته صلى الله عليه و آله وسلم، واستمروا على ذلك حتى أمرهم عمر بن الخطاب أيَّام خلافته بأن يصلُّوها جماعة.

ص: 367


1- صحيح البخاري: 211 ، [ح. 1129 / كتاب التهجد - باب تحريض النبي له على صلاة الليل والنوافل من غير ايجاب].
2- صحیح مسلم: 297 . [ح . 177 - (761) - كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في قیام رمضان و هو التراويح].

ص: 368

لم تُصَلَّ التروايح جماعة حتى خلافة عمر

من النصوص التي تدلُّ على عدم مشروعية صلاة التراويح جماعة سيرة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وسيرة الصحابة بعد وفاته حيث كانوا يصلُّونها فرادى حتى أن أمرهم عمر بن الخطاب بصلاتها جماعة، فتحوّلت هذه النافلة إلى عزيمة بتشريع من الخليفة عمر بن الخطاب، ومن هذه النصوص ما رواه مالك بن أنس، ومسلم فقال مالك:

«وحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ يُرَغْبُ فِي قِيَامَ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُقيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ في خِلَافَةِ أَبي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَاب».(1)

وقال: «عَبْد الْرَّزَّاقِ عَن مَعْمَرٍ وَمَالِك عَن الزهري عَن أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن عَن أَبِي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم كَان يَرغَب فِي قِيَام رَمَضَان مِن غَيْرِ أَن يَأْمُرَهُم بِعَزِيْمَة، وَيَقُوْل مَن قَامَ رَمَضَان إِيمَانَا وَاحْتِسَابًا غُفِر لَهُ مَا تَقَدَّم مِن ذَنْبِهِ، فَتُوُفِّي رَسُوْلُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم

وَالْأَمْرِ عَلَى ذَلِكَ ثُم كَان الْأَمْرِ كَذَلِكَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِن خِلَافَة عُمَر عَلَى

ص: 369


1- الموطأ لمالك بن أنس : 1 / 103 [كتاب الصلاة في رمضان / (1) باب الترغيب في الصلاة في رمضان-ح.2]، و أخرجه مسلم بسنده عن أبي هريرة، ينظر : صحیح مسلم: 296 [ح . 174 - (759) - كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في قيام رمضان و هو التراويح]، وينظر صحيح البخاري : 362 ، [ح . 2009 / كتاب صلاة التراويح - باب فضل من قام رمضان]

ذلك».(1)

فهذا النص يدلُّ على تشريع جديد حوّل النافلة إلى عزيمة.

عمر بن الخطاب أوّل من ابتدع الجماعة في التراويح

قال: «عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن القيام كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في رمضان يقوم النفر والرجل كذلك ها هنا والنفر وراء الرجل فكان عمر أوَّل من جمع الناس على قارئ واحد.

قال ابن جريج وأخبرني عمرو بن دينار قال جمعهم عمر على قارئ واحد».(2)

وأيضاً قال :«عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن أبي عروبة عن الحسن قال : كانوا يقرؤون بتسع وثلاثين أو إحدى وأربعين قال وكان الناس بمكة زمن عمر وغيره يصومون ويطوفون حتى جمعهم القسري».(3)

فهذا النص يدلّ على إجبار الناس على تطبيق هذا الاجتهاد المخالف للنصوص الصريحة بالقوَّة، فأصبحت نافلة رمضان وفقاً لهذا النص فرضاً.

وقال النووي: «قَوْله : «كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم يُرَغْب فِي قِيَام رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ یَأْمُرهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُول : مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه».

قَوْله: «مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرهُمْ بِعَزِيمَةٍ» مَعْنَاهُ: لَا يَأْمُرُهُمْ أَمْرٍ إِيجَابٍ وَتَحْتِيمٍ، بَلْ أَمْرٍ نَدْبِ وَتَرْغِيب، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: فَيَقُول : (مَنْ قَامَ رَمَضَان) وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي التَّرْغِيب وَالنَّدْب دون الْإِيجَابِ، وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ قِيَام رَمَضَانَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ

ص: 370


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 4 / 198[4 / 257]، [7749 - باب قيام رمضان]
2- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: 201/4[261/4]، [7779- باب قیام رمضان]
3- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني 4 /200[4 / 260] ، [7761- باب قيام رمضان]

بَلْ هُوَ مَنْدُوب.

قَوْله : «فَتُوُفِّيَ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم وَالْأَمْر عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرِ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَة عُمَر» .

مَعْنَاهُ: اسْتَمَرَّ الْأَمْر هَذِهِ المُدَّة عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِد يَقُوم رَمَضَانَ فِيهِ بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا حَتَّى انْقَضَى صَدْر مِنْ خِلَافَة عُمَر، ثُمَّ جَعَهُمْ عُمَر عَلَى أَبي بن كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَة، وَاسْتَمَرَّ الْعَمَل عَلَى فِعْلَهَا جَمَاعَةٍ، وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي صَحِيح الْبُخَارِي فِي كِتَابِ الصِّيَام».(1)

وقال ابن حجر العسقلاني:

«قَوْله: «قَالَ ابْنِ شِهَابٍ فَتُوُفِّيَ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم وَالنَّاسِ» فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِي «وَالْأَمْر» (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي التَّرَاوِيح.

وَلِأَحمَدَ مِنْ رِوَايَة ابْن أبي ذِلْب عَنْ الزُّهْرِي فِي هَذَا الْحَدِيث وَلَمْ يَكُنْ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم جَمَعَ النَّاسِ عَلَى الْقِيَام وَقَدْ أَدْرَجَ بَعْضُهُمْ قَوْل اِبْن شِهَابٍ فِي نَفْس الخبَر أَخْرَجَهُ التُّرْمِذِي مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ ابْن شِهَابٍ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْن وَهْب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة خَرَجَ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم وَإِذَا النَّاسِ فِي رَمَضَان يُصَلُّونَ فِي نَاحِيَة المَسْجِد فَقَالَ : مَا هَذَا؟ فَقِيلَ : نَاسٌ يُصَلِّي بهم أُبَيَّ بن كَعْبٍ، فَقَالَ: أَصَابُوا وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا» ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد البَر، وَفِيهِ مُسْلِم بن خَالِد وَهُوَ ضَعِيف، وَالْمَحْفُوظ أَنَّ عُمَر هُوَ الَّذِي جَمَعَ النَّاسِ عَلَى أُبَيَ بْن كَعْبٍ».(2)

وهكذا فقد ضعف ابن حجر رواية أنَّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم قد استحسن صلاة التراويح

ص: 371


1- شرح صحيح مسلم للنووي: 6/ 286 - 287 ، [كتاب صلاة المسافرين و قصرها / باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح].
2- فتح الباري شرح البخاري لابن حجر العسقلاني: 4 / 317، [كتاب صلاة التراويح / باب 1 ح 2008 - 2013]

جماعة.

وقال مالك بن أنس: «بَاب مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ:

حَدَّثَنِي مَالِكَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّى الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّ الرَّجُلُ فَيُصَلِّ بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالله إِنِّي لَأَرَانِي لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِي وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ،فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُيِّ بْنِ كَعْبٍ.

قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي تَقُومُونَ يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ».(1)

وقال البخاري: «وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضي الله عنه – - لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ، إلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أبي بن كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بصَلاةِ ،قارئِهمْ ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتي يَقُومُونَ.

يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ».(2)

فَقَولُ عُمَرُ : «إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ» يعني الاجتهاد

ص: 372


1- الموطأ لمالك بن أنس : 1 / 103 - 104 [كتاب الصلاة في رمضان / (1) باب ما جاء في قيام رمضان-ح.3]
2- صحيح البخاري : 362 ،[ ح . 2010 / كتاب صلاة التراويح - باب فضل من قام رمضان]، و المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 4 / 199 [4 / 258]، [7753 - باب قيام رمضان]

الشخصي مقابل الوحي المنزل، فلم يُسْمَع من الرسول محمد صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّه قال: «إِنِّي أَرَى كذا فيشرع أمراً باجتهاده الخاص، فلم يكن يتبع إلا ما يوحى إليه، بل نفى القرآن الكريم عنه أمر التَقَوّل على الله بما لم يقله، و ذلك بقوله تعالى: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ»«لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ»«ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ»«فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ»[الحاقة / 44-47]

فكيف يحق لمن هو دونه صلى الله عليه و آله وسلم أن يأمر بما لم يأمر به الله تعالى و لا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؟ !

ص: 373

ص: 374

لا جماعة في صلاة التراويح

اشارة

الجماعة في صلاة التراويح بدعة ابتدعها عمر بن الخطاب، ويستدل على عدم استحباب صلاة التراويح جماعة أدلّة عديدة

الدليل الأول :

صلاة التراويح من النوافل، وقد وردت الروايات باستحباب صلاة النافلة في البيت.

قال الطحاوي: «حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا عَفَّانُ، قَالَ: ثنا وُهَيْبٌ قَالَ : ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا النَّضْرِ يُحَدِّثُ عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم احْتَجَرَ حُجْرَةً فِي المَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى فِيهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم لَيَالِي ،حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ، فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ : مَا زَالَ بِكُمْ الَّذِي رَأَيْت مِنْ صَنِيعِكُمْ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، حَتَّى خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ، مَا قُمْتُمْ بِهِ، فَصَلُّوا - أَيُّهَا النَّاسُ - فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المرء في بيته، إلَّا المَكْتُوبَةَ».(1)

وقال أحمد بن حنبل : «حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ عَنِ الْعَلَاءِ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَعَنْ المَاءِ يَكُونُ بَعْدَ المَاءِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِي وَعَنْ

ص: 375


1- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي: 1/ 455 [ح. 2014 ، كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]

الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ وَعَنْ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ وَأَمَّا أَنَا فَإِذَا فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَذَكَرَ الْغُسْلَ قَالَ أَتَوَضَّأُ وُضُوئِي لِلصَّلَاةِ أَغْسِلُ فَرْجِي ثُمَّ ذَكَرَ الْغُسْلَ وَأَمَّا الماءُ يَكُونُ بَعْدَ المَاءِ فَذَلِكَ الذي وَكُلُّ فَحْل يُمْذِي فَأَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجِي وَأَتَوَضَّأُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي المَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِي فَقَدْ تَرَى مَا أَقْرَبَ بَيْتِي مِنْ المَسْجِدِ وَلَأَنْ أُصَلِّي في بَيْنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةٌ...».(1)

قال ابن ماجة: «حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الله بْنِ سَعْدِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم أيُّمَا أَفْضَلُ الصَّلاةُ في بَيْتِي أَوِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ «أَلَا تَرَى إلَى بَيْتِي مَا أَقْرَبَهُ مِنَ المَسْجِدِ فَلَأَنْ أُصَلِّي فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَلاةً مَكْتُوبَةً»».(2)

و روى البيهقي، فقال: «وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله الحِرَفيُّ في جَامِعِ الحَرْبِيَّةِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الله بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الله بْنِ سَعْدِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَعَنِ الْمَاءِ يَكُونُ بَعْدَ المَاءِ، وَعَنِ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِي، وَعَنِ الصَّلَاةِ في المَسْجِدِ، وَعَنْ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: ... وَأَمَّا الصَّلاةُ في المَسْجِدِ وَالصَّلاةُ فِي بَيْتِي، فَقَدْ تَرَى مَا أَقْرَبَ بَيْتِي مِنَ الْمَسْجِدِ، فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّي في المَسْجِدِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً، وَأَمَّا مُؤَاكَلَةُ الْحَائِضِ فَوَاكِلْهَا»».(3)

ص: 376


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 417[4 / 342]،[ح . 19031]
2- سنن ابن ماجة لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني: 222 [كتاب اقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء في التطوع في البيت - ح. 1378]
3- سنن البيهقي : 3/ 407 [كتاب الصلاة باب المذي يصيب الثوب أو البدن- م . 4232]

قال الطحاوي: «حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ : ثنا الْوُحَاظِيُّ، قَالَ : ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَرْدَانُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي فُلَانٍ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ :" صَلَاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا المَكْتُوبَةَ».(1)

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا رَبيع الجيزيُّ، قَالَ : ثنا أَسَدٌ وَأَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَا: أَنَا ابْنُ طَيعَةَ، عَنْ أَبي النَّضْرِ ، عَنْ بِشْرِ بْن سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْن ثَابِتٍ، أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المُرءِ، صَلَاتُهُ في بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ».

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم أَيْضًا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابٍ التَّطَوُّع فِي المَسَاجِدِ.

فَثَبَتَ بِتَصْحِيح مَعَانِي هَذِهِ الْآثَارِ ، مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَمَّنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم مَا يُوَافِقُ مَا صَحَّحْنَاهَا عَلَيْهِ».(2)

الدليل الثاني :

اختلاف علماء السنة في الجماعة

لقد اختلف علماء السنة في أفضلية الجماعة في صلاة التراويح، فذهب بعضهم إلى أنّ الأفضل صلاتها جماعة وذهب آخرون إلى أنّ الأفضل صلاتها فرادى؛ وقال الطحاوي الحنفي:

«قَالَ أَبو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِيَامَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، أَفْضَلُ مِنْهُ

ص: 377


1- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي: 1/ 455 [ح . 2015 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
2- شرح معاني الآثار للطحاوي :الحنفي: 1/ 455 [ح . 2016 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام].

فِي المَنَازِلِ، وَاحْتَجُوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم : إِنَّهُ «مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ بَقِيَّةِ لَيْلَتِهِ».

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ ، فَقَالُوا: بَلْ صَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَام. وَكَانَ مِنْ الْحَجَّةِ هُمْ فِي ذَلِكَ، أَنَّ مَا احْتَجُوا بِهِ مِنْ قَوْلِ أَنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرفَ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ بَقِيَّةِ لَيْلَتِهِ، كما قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم.

وَلَكِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ صَلَاةِ المُرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الْمُكْتُوبَةَ»، فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

وَذَلِكَ لَمَّا كَانَ قَامَ بِهِمْ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ فَأَرَادُوا أَنْ يَقُومَ بهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ هُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَأَعْلَمَهُمْ بِهِ أَنَّ صَلَاتَهُمْ فِي مَنَازِهِمْ وُحْدَانَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ، فَصَلَاتُهُمْ تِلْكَ فِي مَنَازِهِمْ أَحْرَى أَنْ تَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ.

فَتَصْحِيحُ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ، يُوجِبُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَر هُوَ عَلَى أَنْ يُكْتَبَ لَهُ بِالْقِيَام مَعَ الْإِمَامِ، قُنُوتُ بَقِيَّةِ لَيْلَتِهِ.

وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، يُوجِبُ أَنَّ مَا فَعَلَ فِي بَيْتِهِ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَايَتَضَادَّ هَذَانِ الْأَثَرَانِ.».(1)

الدليل الثالث :

إقرار أبي بن كعب عدم وجود صلاة التراويح جماعة في زمن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم

«عن أبي بن كعب أن عمر بن الخطاب أمره أن يصلي بالليل في رمضان فقال: إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرأوا فلو قرأت عليهم بالليل، فقال يا أمير

ص: 378


1- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي: 454/1 - 455 [كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]

المؤمنين هذا شيء لم يكن فقال : قد علمت ولكنه حسن فصلى بهم عشرين ركعة. (ابن منيع)».(1)

الدليل الرابع :

رفض بعض الصحابة لجماعة التراويح

ونذكر طائفة من أسماء هؤلاء الصحابة

عبد الله بن عمر

قال«عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يقوم خلف الإمام في رمضان».(2)

وقال الطحاوي: «حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ : ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا ، أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَام فِي رَمَضَانَ».(3)

وقال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقُومُ مَعَ النَّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، قَالَ: وَكَانَ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ لاَ يَقُومُانَ مَعَ النَّاسِ».(4)

وقال البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا أَبو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن حَدَّثَنَا أَبو عَامِرٍ مُوسَى بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ في بَيْتِهِ

ص: 379


1- كنز العمال للمتقي الهندي : 192/8 [كتاب الصلاة - ح . 23466]
2- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: 4/ 202 -203[4 / 263] ، [7773- باب قیام رمضان]
3- شرح معاني الآثار للطحاوي :الحنفي: 1 / 456 [ح. 2017 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر بن أبي شيبة : 2 / 168 [ح. 7713 من كان لا يقوم مع الناس في رمضان]

في شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِذَا انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَخَذَ إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله وسلم ثُمَّ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ».(1)

1. ابن عمر ينهى عن صلاة التراويح جماعة

لقد كان ابن عمر يعنِّف مَن يصلي التراويح جماعة، ويصفه بأنه حمار، فقد قال ابن

أبي شيبة:

«حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ أَقُومُ خَلْفَ الإِمَام فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ : تُنْصِتُ كَأَنَّكَ حِمَارٌ».(2)

وقال البيهقي: «أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ : عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الأَنْصَارِي أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَر أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَصَلِّي خَلْفَ الإِمَامِ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ: أَلَيْسَ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ : أَفَتُنْصِتُ كَأَنَّكَ حِمَارٌ؟ صَلِّ فِي بَيْتِكَ».(3)

وقال «عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال جاء رجل إلى ابن عمر قال أصلي خلف الإمام في رمضان قال أتقرأ القرآن قال نعم قال أفتنصت كأنك حمار؟!

ص: 380


1- السنن الكبرى للبيهقي : 4 / 57 [ثر (4712) باب من زعم أن صلاة التراويح وغيرها من صلاة الليل بالانفراد أفضل]
2- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر بن أبي شيبة : 2/ 168[ح. 7714/ من كان لا يقوم مع الناس في رمضان]
3- السنن الكبرى للبيهقي: 57/4 [ثر (4712) باب من زعم أن صلاة التراويح و غيرها من صلاة الليل بالانفراد أفضل]

صل في بيتك».(1)

وقال الطحاوي: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ : ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: أَصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ.

قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ :صَلِّ فِي بَيْتِك».(2)

2. إبراهيم

لقد رفض إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي المتوفّى (سنة 96ه) أن يصلي خلف الإمام صلاة التراويح، فقد قال الطحاوي: «حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، وَمُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي إِلَّا سُورَتَانِ لَرَدَّدْتها، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقومَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي رَمَضَانَ».(3)

وقال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي إِلا سُورَةٌ أَوْ سُورَتَانِ لأَنْ أَرَدَّدَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقومَ خَلْفَ الإِمَام في شَهْرٍ رَمَضَانَ».(4)

وقال الطحاوي: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ : ثنا مُؤَمَّلٌ ، قَالَ .

ص: 381


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني 4 / 202[4 / 263] ، [7772- باب قیام رمضان]
2- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي: 1 / 456 [ح . 2013 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
3- شرح معاني الآثار للطحاوي :الحنفي: 1 / 456 [ح. 2019 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر بن أبي شيبة 2 / 168 [ح . 7715 من كان لا يقوم مع الناس في رمضان]

ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ : لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي إِلَّا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ، لَكُنت أنْ أَرَدْدَهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي رَمَضَانَ».(1)

وقال «عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حمزة عن إبراهيم قال لو لم تكن معي إلا سورتان لرددتها أحبُّ إليَّ».(2)

وقال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يؤمهُمْ في المَكْتُوبَةِ، وَلاَ يَؤُمُّهُمْ في صَلاةِ رَمَضَانَ وَعَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ».(3)

وقال أيضاً: «حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الآخرِ ، عَن الأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ وَعَلْقَمَهُ لاَ يَقُومُانَ مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ».(4)

المتهجدون لم ينضموا في صفوف التراويح

قال الطحاوي: «حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ : ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ المُتَهَجِّدُونَ يُصَلُّونَ في نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ».(5)

بَعْضُ الْقَوْم كان يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ وَحْدَهُ والبعض الآخر في جماعة

ص: 382


1- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي: 12 / 456 [ح . 2022 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
2- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 4 / 203[4 / 263]، [7774 - باب قیام رمضان]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر بن أبي شيبة 2 / 168 [ح . 7716 من كان لا يقوم مع الناس في رمضان]
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر بن أبي شيبة : 2/ 168[ح. 7717/ من كان لا يقوم مع الناس في رمضان]
5- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي : 1 / 456 [ح. 2020 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]

قال الطحاوي: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ : ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ فِي رَمَضَانَ، فَيَؤُمُّهُمُ الرَّجُلُ، وَبَعْضُ الْقَوْم يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ وَحْدَهُ.

قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْت إِسْحَاقَ بْنَ سُوَيْدِ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: كَانَ الْإِمَامُ هَاهُنَا يَؤُمُّنَا، وَكَانَ لَنَا صَفٌّ يُقَالُ لَهُ: صَفُّ الْقُرَّاءِ، فَتُصَلِّي وَحْدَانَا وَالْإِمَامُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ».(1)

3. عروة

لقد كان عروة بن الزبير بن العوام المتوفّى (سنة 94ه) يصلي التراويح في البيت، فقد قال الطحاوي:

«حَدَّثَنَا يُونُسُ وَفَهْدٌ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَا يَقُومُ مَعَ النَّاسِ».(2)

4. سعيد بن جبير

كان التابعي سعيد بن جبير بن هشام الأسدي المتوفّى(سنة 95ه) يصلي التراويح منفرداً، فقد قال الطحاوي:

«حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد، قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ : لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي بِشْرٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فِي المَسْجِدِ وَحْدَهُ، وَالْإِمَامُ يُصَلِّي بِهِمْ فيه».(3)

ص: 383


1- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي : 1 / 456 [ح . 2021 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
2- شرح معاني الآثار للطحاوي :الحنفي: 12 / 456 [ح. 2023 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
3- شرح معاني الآثار للطحاوي :الحنفي: 12 / 456 [ح. 2024 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]

5 - الْقَاسم، 6 - سالم، 7 - نافع

القاسم بن محمد بن أبي بكر (وهو من التابعين)، و سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب(وهو من التابعين)، ونافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب (وهو من أئمة التابعين)، لم يكن هؤلاء الثلاثة يصلون التراويح جماعةً، قال الطحاوي:

«حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ : ثنا أَنَسُ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِمَ، وَسَالِماً، وَنَافِعًا يَنْصَرِفُونَ مِنْ المَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا يَقُومُونَ مَعَ النَّاسِ».(1)

الدليل الخامس:

فتوى مالك وأبي يوسف و الشافعي

الدليل الثالث على عدم استحباب صلاة التراويح جماعة هو رأي بعض أئمة السنة الذين قالوا باستحباب صلاتها فرادى كمالك والشافعي؛ «قال مالك والشافعي: قيام رمضان لمن قوي في البيت أحبُّ إلينا لما روى زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يصلي فيها قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، ثم جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مغضبا فقال لهم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم الصلاة في بيوتكم، فان خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» رواه مسلم ولنا إجماع الصحابة على ذلك، وجمع النبي صلی الله علیه و آله وسلم أهله وأصحابه في حديث أبي ذر وقوله: «إنّ الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة وهذا خاص في قيام رمضان فيقدم على عموم ما احتجوا به وقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم لهم ذلك معلل بخشية فرضه عليهم ولهذا ترك القيام بهم معللا بذلك

ص: 384


1- شرح معاني الآثار للطحاوي :الحنفي: 12 / 457 [ح . 2025 - كتاب الصلاة باب القيام في شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]

أو خشية أن يتخدها الناس فرضاً، وقد أمن هذا بعده».(1)

«وَقَالَ مَالِكَ وَأَبو يُوسُف وَبَعْض الشَّافِعِيَّة وَغَيْرِهِمْ: الْأَفْضَلِ فُرَادَى فِي الْبَيْت لِقَوْلِهِ صلی الله علیه و آله وسلم: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلاة المرء في بَيْته إلا المكتوبة»».(2)

الدليل السادس:

فتاوى وآراء بعض علماء السنة وأئمتهم

لقد صرّح أو أشار بعض علماء السنة وأئمتهم بتصويب صلاة التراويح فرادى ومن هؤلاء العلماء: الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأزدي المصري الطحاوي الحنفي المتوفى سنة (321ه)، فقد قال: «حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ : ثنا أَبو دَاوُد، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: أَتَيْت مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، في زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي المَسْجِدِ، وَقَوْمٌ يُصَلُّونَ عَلَى حِدَةٍ في المَسْجِدِ.

بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَيْنَا عَنْهُمْ مَا رَوَيْنَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ، كُلُّهُمْ يُفَضِّلُ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، عَلَى صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ».(3)

وهناك نصوص تفيد جواز صلاة التراويح فرادى، منها ما قاله «عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا لا يرون بأسا أن يصلي الرجل وحده في مؤخرة المسجد في رمضان والإمام يصلي».(4)

ص: 385


1- المغني لعبد الله بن قدامة الحنبلي: 1/ 80 و الشرح الكبير على متن المقنع لعبد الرحمن بن ، قدامة : 1 / 750 ، ط
2- شرح صحيح مسلم للنووي: 6 / 286 [باب الترغيب في رمضان وهو التراويح]
3- شرح معاني الآثار للطحاوي الحنفي: 1/ 457 [ح. 2026 - كتاب الصلاة/ باب القيام في 1/ شهر رمضان هل هو في المنازل أفضل أم مع الإمام]
4- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 4 / 203[4 / 263] ، [7775 - باب قیام رمضان]

وأيضاً «قال عبد الرزاق عن ابن جريج قال حدثت أن أول من قام بأهل مكة في خلافة عمر بن الخطاب زيد بن قنفذ بن زيد بن جدعان وكان من شاء قام معه ومن شاء قام لنفسه ومن شاء طاف».(1)

وأيضاً «قال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن بعض امرائهم معاوية أو غيره أراد جمع أهل مكة على قارئ واحد فقال مكره كرنبس لا تفعل دع الناس من شاء طاف ومن شاء صلى بصلاة القارئ ففعل».(2)

وهكذا ثبت عدم جواز صلاة التراويح جماعة.

الحسن بن أبي الحسن البصري يفتي بصلاة التراويح فرادى

قال ابن أبي شيبة: «حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الله أَبو مُرَيِّ، عَنْ نَصْرِ الْمُعَلِّمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الحَسَنَ فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيدٍ يَجِيءُ رَمَضَانُ، أَوْ يَحْضُرُ رَمَضَانُ، فَيَقُومُ النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ، فَما تَرَى أَقُومُ مَعَ النَّاسِ أَوْ أُصَلِّي أَنَا لِنَفْسِي؟ قَالَ: تَكُونُ أَنْتَ تَقُوهُ الْقُرْآنَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُفَاهَ عَلَيْكَ بِهِ».(3)

شبهة

لماذا لم ينه عليٌّ علیه السلام عن صلاة التراويح؟

وللجواب عن ذلك يقال : لقد وردت روايات ضعيفة، لم تذكرها كتب الصحاح تفيد أنَّ أمير المؤمنين علیه السلام لم ينة عن صلاة التراويح، وهذه الروايات هي:

ص: 386


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني 4 / 202[4 / 262] ، [7768 - باب قیام رمضان]
2- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: 1/ 201 - 202[262/4] ، [7767- باب قيام رمضان]
3- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لأبي بكر بن أبي شيبة 2 / 168 [ح . 7718 من كان : لا يقوم مع الناس في رمضان].

«عن أبي الحسناء أن علي بن أبي طالب أمر رجلا يصلي بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة (ق وضعفه).

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن علياً أمر ابن أبي ليلى أن يصلي بالناس في رمضان. (ابن شاهين).

عن ابن السائب أن عليا قام بهم في شهر رمضان (ابن شاهين).

عن أبي إسحاق الهمداني قال: خرج علي بن أبي طالب في أول ليلة من رمضان، والقناديل تزهر وكتاب الله يتلى فقال: «نور الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله تعالى بالقرآن». (ابن شاهين).

عن عرفجة قال: كان علي بن أبي طالب يأمر الناس بقيام شهر رمضان، ويجعل للرجال إماماً، وللنساء إماماً قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء. (ق).

عن علي قال : «أنا حرضت عمر على القيام في شهر رمضان، وأخبرته أن فوق السماء السابعة حظيرة يقال لها حظيرة القدس يسكنها قوم يقال لهم: الروح، فإذا كان ليلة القدر استأذنوا ربهم تبارك وتعالى في النزول إلى الدنيا، فيأذن لهم فلا يمسون بأحد يصلي أو على الطريق إلا دعوا له فأصابه منهم بركة فقال عمر : يا أبا الحسن فتحرض الناس على الصلاة حتى تصيبهم البركة فأمر الناس بالقيام». (شعب الإيمان وسنده ضعيف)».(1)

فهذه الروايات ذكرها المتقي الهندي في كنز العمال من غير ذكر السند، وهي ليست بحجة بل ساقطة، ولا أهمية لها، والذي ثبت عندنا أنَّ علي بن أبي طالب علیه السلام قد نهى عن صلاة التراويح، فقد جاء في كتاب وسائل الشيعة عن علي بن الحسن بن علي بن فضال،عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد (المدايني)، عن مصدق بن صدقة، عن عمار،

ص: 387


1- كنز العمال للمتقي الهندي : 192/8 [كتاب الصلاة - ح. 23467 - 23474]

عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال: لما قدم أميرالمؤمنين علیه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة فنادى في الناس الحسن بن علي بما أمره به أمير المؤمنين علیه السلام فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي علیه السلام صاحوا وا عمراه وا ،عمراه، فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين علیه السلام قال له: ما هذا الصوت؟ قال : يا أمير المؤمنين الناس يصيحون واعمراه وا عمراه فقال أمير المؤمنين علیه السلام: قل لهم صلوا».(1)

و في بحار الأنوار: وقد روي أن أمير المؤمنين علیه السلام لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب له إماماً يصلي بهم نافلة شهر رمضان زجرهم وعرفهم أن ذلك خلاف السنة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدموا بعضهم، فبعث إليهم الحسن علیه السلام، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة، فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا وا عمراه؟!»(2)

فلذا يكفي تنبيههم وانذارهم ولا يجب عليه أكثر من ذلك إنْ كانوا مُصِرِّين على الخطأ، وقد أخبر الله تعالى النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم بتقديم النصحية والإنذار فقال: «فَذَكَّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِرٌ»«لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ»[الغاشية / 21، 22]،«لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»[البقرة/ 272]، وقال أيضاً:«إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ»[النحل/ 37]، وقال أيضاً: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»[القصص / 56] ويذكر لنا الشيخ الكليني معاناة أمير المؤمنين علیه السلام فيقول: «ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته فقال : «قد عملت الولاة قبلى أعمالاً خالفوا فيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها

ص: 388


1- وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي - ج 5 - ص 192
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي: 31 / 7 - 8

وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم التفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزوجل وسنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم».(1)

ص: 389


1- الكافي - الشيخ الكليني : 59/8

ص: 390

مسك الختام

مما تقدم لا يصحُّ - القول كما ذهب إليه بعضهم - بأنَّ الجماعة في صلاة التراويح مستحبة، أو أَنَّهَا سُنَّةٌ بحجة أنَّ بعض الصحابة قد وَاظَبَ عَلَيْهَا ، وإِنَّما النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله وسلم قد نهى عنها خَشْيَةَ أَنْ تُكتَبَ عَلَيْنَا، فنقول : لو كان ذلك صواباً لقال النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم: لا تصلوها في حياتي جماعة، أو لقال : فإذا متُّ فصلُّوها جماعة، ولكنه لم يثبت عنه ذلك بل لم يقل به أحد، والثابت عنه صلی الله علیه و آله وسلم هو النهي عن الإتيان بها جماعة، فلا تصح مخالفة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، و أما عمل الصحابي فليس بحجة إذا كان عمله مخالفاً لعمل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، والذي يدلّ أيضاً على أنّ قيام رمضان بدعة ما ذكره القرطبيّ:

«وعن أبي أمامة الباهلي - واسمه صدى بن عجلان - قال: أحدثتم قيام رمضان ولم يكتب عليكم، إنما كتب عليكم الصيام».(1)

فإن ظنَّ ظانٌ بأن حديث «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» هو دليل على جواز قيامها جماعة، فهذا الحديث غير صحيح لما سيأتي.

حديث «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ»

جاء في سنن ابن ماجة: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ ذَكْوَانَ الدِّمَشْقِي حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ - يَعْنِي ابْنَ زَبرٍ - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْمُطَاعِ قَالَ سَمِعْتُ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً

ص: 391


1- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) للقرطبي : 17/ 171، [الحديد: 27]

بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةٌ مُوَدِّعِ فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدِ فَقَالَ «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المُهْدِيِّينَ عَضُوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِدِ وَإِيَّاكُمْ وَالأُمُورَ المُحْدَثَات فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

هذا الحديث يسقط عن الاعتبار و لا يصح الاعتماد عليه لسببين أساسيين:

1 . ضعف السند.

2 . إنتهاء أسانيده جميعاً إلى راو واحد وهو الْعَرْبَاضُ بْنَ سَارِيَةَ.

وتفصيل ذلك : أنَّ أسانيد هذا الحديث يمكن حصرها بست سلاسل وهي لا تخلو من رواة ضعاف لا يمكن الإستدلال بمروياتهم :

السلسلة الأولى : «عَنْ ثَوْر بن يزيد عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو السُّلَمِيِّ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ...» ، و فيها (ثور بن يزيد)، الذي نقل عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب أنَّه كان يبغض علي بن أبي طالب علیه السلام، ويصرح عن ذلك بالقول:

«ويقال أنه كان قدريا وكان جده قتل يوم صفين مع معاوية فكان ثور إذا ذكر علياً قال لا أحب رجلا قتل جدي... وقال أبو عاصم قال لنا ابن أبي رواد واتقوا لا ينطحنكم بقرنيه وقال أبو مسهر وغيره كان الاوزاعي يتكلم فيه ويهجوه وقال عبد الله أحمد عن أبيه ثور بن يزيد الكلاعي كان يرى القدر كان أهل حمص نفوه لأجل ذلك... وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين ثور بن يزيد ثقة وقال في موضع آخر أزهر الحرازي وأسد بن وداعة وجماعة كانوا يجلسون ويسبون علي بن أبي طالب وكان ثور لا يسبه فإذا لم يسب جروا برجله... قدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته وليس لمالك عنه رواية لا في الموطأ ولا في الكتب الستة ولا في غرائب

ص: 392

مالك للدار قطني».(1)

وبغض عليٍّ علیه السلام وحده يكون كافياً لإسقاط عدالته، وعدم قبول روايته لأنَّ حبّ عليّ من الإيمان وبغضه من النفاق والمنافق لا تقبل شهادته لأنه كاذب كما قال الله تعالى: »وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَفِقِينَ لَكَذِبُونَ»[المنافقون / 1]، والذي يدل على أنَّ بغض عليّ نفاق هو ورود الأحاديث الصحيحة مصرحة بذلك ؛ قال ابن ماجة في سننه:

«حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع وأبو معاوية وعبد الله بن نمير عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي قال: عهد إلى النبي الأمي صلى الله عليه و آله وسلم أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»(2)

قال الشيخ الألباني: صحيح.

وجاء في صحيح مسلم: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَدِي بْن ثَابِتٍ عَنْ زِرْ قَالَ قَالَ عَلَى: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النبي الأميّ صلى الله عليه و آله وسلم إلى أن لا يُحبني إِلا مُؤْمِنٌ وَلا يُبْغِضَنِي إِلا مُنَافِقٌ»»(3)

السلسلة الثانية : «الوليد بن مسلم عن العلا بن ،زبر، عن يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية ...»

ففي هذه السلسلة الوليد بن مسلم، وقد ضعفه علماء السنة؛ «قال أبو الحسن

ص: 393


1- تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: 1 / 576 - 1578 [حرف الثاء من اسمه ثور وثوير]
2- سنن ابن ماجة لمحمد بن يزيد القزويني: 32، [ح . 114/ فضل علي بن أبي طالب]
3- صحیح مسلم: 49 [ح . 131 - (78) - كتاب الإيمان باب الدليل على أنّ حب الأنصار و على رضي الله عنهم من الإيمان وعلاماته وبغضهم من علامات النفاق]

الدار قطني: الوليد بن مسلم يرسل يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع، وعطاء، والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن عطاء والزهري، يعني مثل عبد الله بن عامر الأسلمي، وإسماعيل بن مسلم... وقال أبو بكر الإسماعيلي: سمعت من يحكي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أحمد، وسئل عن الوليد بن مسلم، فقال: كان رفاعاً. وقال أبو بكر المروزي: قلت لأحمد بن حنبل في الوليد قال: هو كثير الخطأ.

وقال حنبل بن إسحاق : سمعت يحيى بن معين يقول : قال أبو مسهر : كان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي، وكان ابن أبي السفر كذابا وهو يقول فيها: قال الأوزاعي.

وقال مؤمل بن إهاب، عن أبي مسهر : كان الوليد بن مسلم يحدث بأحاديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم».(1)

وقال الذهبيّ: «قال أبو مسهر : ربما دلس الوليد بن مسلم عن كذابين.

قلت: البخاري ومسلم قد احتجا به ولكنهما ينتقيان حديثه، ويتجنبان ما ينكر له»(2). فلهذا لم يروِ البخاري و مسلم حديث (سنة الخلفاء الراشدين).

السلسلة الثالثة : يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن خالد بن معدان عن العرباض بن سارية ...

وفي هذه السلسلة راويان ضعيفان: أحدهما (يحيى بن أبي كثير)، والآخر (محمد

ص: 394


1- سير أعلام النبلاء للذهبي:8 / 136[7 / 109]، [الوليد بن مسلم]
2- تهذيب الكمال للمزي: 96/31 - 98

بن إبراهيم بن الحارث)، فأما (يحيى بن أبي كثير اليمامي) فقد تكلم فيه جماعة من علماء السنة : يحيى بن أبي كثير اليمامي.

قال الذهبيّ: «ذكره العقيلي في كتابه ولهذا أوردته فقال: ذكر بالتدليس. قلت: يروي عن أنس ولم يسمع منه.

وقال نعيم بن حماد حدثنا المبارك، عن همام، قال: كنا نحدث يحيى بن أبي كثير بالغداة، فإذا كان بالعشي قلبه عنا.

وقال حسين المعلم: قلنا ليحيى بن أبي كثير هذه المرسلات عمن هي؟ قال: أترى رجلا أخذ مدادا وصحيفة فكتب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الكذب ! قال: قلت: فإذا جاء مثل هذا فأخبرنا ؟ قال : إذا قلت بلغني فهو من الكتاب.

قال يحيى القطان: مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح».(1)

وذكره العقيليّ في الضعفاء، فقال:

«يحيى بن أبي كثير اليمامي : ذكر بالتدليس.

حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، عن همام قال: كما يحدث يحيى بن أبي كثير بالغداة، فإذا كان بالعشى قلبه عنا.

حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا همام قال: ما رأيت أصلب وجهاً من يحيى بن أبي كثير، كنا نحدثه بالغداة، فيروح بالعشي فيحدثناه.

حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود، حدثنا عبد الصمد بن

ص: 395


1- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي: 2 / 212 - 213 [ حرف الياء / يحيى]

عبد الوارث، عن أبيه، عن حسين المعلم قال: قلنا ليحيى بن أبي كثير: هذه المرسلات عمن هي؟ قال: أترى رجلاً أخذ مداداً وصحيفة فكتب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلمالكذب، قال: قلت: فإذا جاء مثل هذا فأخبرنا ، قال : إذا قلت بلغني فإنه من الكتاب، قال أبو بكر، وقال يحيى بن سعيد مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح.

حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا عمرو بن علي قال : ما حدثنا يحيى، عن قتادة بشيء مرسل، ولا عن يحيى بن أبي كثير بمرسل ولا حديث واحد، فحدثنا عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، أن ابن عباس كان لا يرى طلاق المكره شيئا، وكان عبد الرحمن يحدثنا عنهما جميعاً بمرسله.

حدثنا يحيى قال حدثنا نعيم حدثنا عبد الصمد الصمد، عن أبيه، عن حسين المعلم قال: قلنا ليحيى بن أبي كثير : إنك تحدثنا عن قوم، لم تلقهم ولم تسمع منهم، قال: ترون الكتاب وضع في القرطاس والدواة، فكتب فيه الكذب ، فقلت : لا تفعل».(1)

وأما محمد بن إبراهيم بن الحارث، فضعفه أحمد بن حنبل، «وقال العقيلي عن عبد الله بن أحمد عن أبيه في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير أو منكرة».(2)

السلسلة الرابعة :«مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِي أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ .....

وفيها (معاوية بن صالح)

«قال ابن أبي خيثمة والدوري في تاريخهما عن بن معين كان يحيى ابن سعيد لا

ص: 396


1- كتاب الضعفاء للعقيلي : 4 / 1532 [باب الياء - يحيى بن أبي كثير اليمامي]
2- تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: 7 / 6 [حرف الميم: من اسمه محمد]

يرضاه وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين صالح وقال الدوري عن ابن معين ليس بمرضي هكذا نقله ابن أبي حاتم عن الدوري وليس ذلك في تاريخه.

وقال الليث بن عبدة قال يحيى بن معين كان ابن مهدي إذا تحدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد وقال ما هذه الأحاديث.

وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد: ما كنا نأخذ عنه... وقال أبو صالح الفراء عن أبي إسحاق الفزاري ما كان بأهل أن يروي عنه... وقال يعقوب بن شيبة قد حمل الناس عنه ومنهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف ومنهم من يضعفه. وقال سعيد بن أبي مريم سمعت خالي موسى بن سلمة يقول أتيت معاوية بن صالح لأكتب عنه فرأيت عنده أراه قال الملاهي، فقال: ما هذا؟

قال: شيء يهديه إلي صاحب الأندلس قال فتركته ولم أكتب عنه».(1)

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال :

«قال أبو حاتم: لا يحتج به ، وكذا لم يخرج له البخاري... قال الليث بن عبدة، قال يحيى بن معين : كان ابن مهدي إذا حدث بحديث معاوية بن صالح زجره يحيى بن سعيد».(2)

السلسلة الخامسة : عمر بن أبي سلمة التنيسي، أنبأنا عبد الله بن العلا بن زيد، عن يحيى بن أبي المطاع، قال سمعت العرباض...»

وفيها (عمر بن أبي سلمة التنيسي»

ص: 397


1- تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني : 244/8 - 246 [حرف الميم: من اسمه معاوية]
2- میزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي: 6 / 456 - 457 حرف الميم / معاوية]

«قال إسحاق بن منصور عن ابن معين ضعيف وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به وقال العقيلي في حديثه وهم...

وقال الساجي ضعيف، وقال أحمد : روى عن زهير أحاديث بواطيل كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقلبها عن زهير».(1)

السلسلة السادسة: «بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو السُّلَمِي عَنِ الْعِرْبَاض بن سَارِيَةَ ...»

وفيها: (بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ)

قال ابن عيينة لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره

وقال ابن أبي خيثمة سئل يحيى عن بقية فقال إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره فاقبلوه أما إذا حدث عن أولئك المجهولين فلا وإذا كنى الرجل ولم يُسمّعه فليس يساوي شيئا ...

قال يحيى ولقد قال لي نعيم يعني ابن حماد كان بقية يضن بحديثه عن الثقات قال طلبت منه كتاب صفوان فقال كتاب صفوان أي كأنه قال يحيى بن معين كان يحدث عن الضعفاء بمائة حديث قبل أن يحدث عن الثقات.

قال يعقوب بقية ثقة حسن الحديث إذا حدث عن المعروفين.

ويحدث عن قوم متروكي الحديث وعن الضعفاء ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم وعن كناهم إلى أسمائهم ويحدث عمن هو أصغر منه وحدث عن سويد بن سعيد الحدثاني...

ص: 398


1- تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني : 6/ 154-155 [حرف العين: من اسمه عمرو]

وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به ... وقال ابن عدي يخالف في بعض رواياته عن الثقات وإذا روى عن أهل الشام فهو ثبت وإذا روى عن غيرهم خلط وإذا روى عن المجهولين فالعهدة منهم لا منه وبقية صاحب حديث ويروي عن الصغار والكبار ويروي عنه الكبار من الناس وهذه صفة بقية وقال أبو مسهر الغساني بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على تقية ...

وقال أبو داود سمعت أحمد يقول : روى بقية عن عبيد الله بن عمر مناكير.

وقال الجوزجاني: رحم الله بقية ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذ وإذ حدث عن الثقات فلا بأس به، وقال حجاج بن الشاعر وسئل ابن عيينة عن حديث فقال أبو العجب أنا بقية بن الوليد أنا وقال ابن خزيمة لا احتج ببقية حدثني احمد بن الحسن الترمذي سمعت احمد بن حنبل يقول توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير فعلمت من أين أتى قلت أتى من التدليس.

وقال ابن حبان لم يسبر أبو عبد الله شأن بقية وإنما نظر إلى أحاديث موضوعة رويت عنه عن أقوام ثقات فأنكرها ولعمري أنه موضع الإنكار وفي دون هذا ما يسقط عدالة الإنسان...

وقال العقيلي: صدوق اللهجة إلا أنه يأخذ عمن أقبل وأدبر فليس بشيء

وقال أبو أحمد الحاكم ثقة في حديثه إذا حدث عن الثقات لا يعرف لكنه ربما روى عن أقوام مثل الاوزاعي والزبيدي وعبيد الله العمري أحاديث شبيهة بالموضوعة أخذها عن محمد بن عبد الرحمن ويوسف بن السفر وغيرهما من الضعفاء ويسقطهم من الوسط ويرويها عمن حدثوه بها عنهم وروى ابن عدي عن بقية قال قال لي شعبة : يا أبا يحمد ما أحسن حديثك ولكن ليس له أركان وقال بقية ذاكرت حماد بن زيد بأحاديث

ص: 399

فقال : ما أجود حديثك لو كان لها أجنحة.

وقال الساجي فيه اختلاف وقال الجوزقاني إذا تفرد بالرواية فغير محتج به لكثرة وهمه مع ما أن مسلما وجماعة من الأئمة قد أخرجوا عنه اعتبارا واستشهادا إلا أنهم جعلوا تفرده أصلاً وقال الخليلي اختلفوا فيه وقال الخطيب في حديثه مناكير إلا أن أكثرها عن المجاهيل...

وقال البيهقي في الخلافيات أجمعوا على أن بقية ليس بحجة وقال عبد الحق في الأحكام في غير ما حديث بقية لا يحتج به وقال ابن القطان بقية يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك وهذا إن صح مفسد لعدالته».(1)

الأمر الثاني: الَّذي يسقط هذا الحديث عن الاعتبار و لا يصح الاعتماد عليه هو كونه من أخبار الآحاد:

إنَّ انتهاء أسانيد حديث (سنة الخلفاء الراشدين) جميعاً إلى راءٍ واحد وهو الْعِرْبَاضُ بْنَ سَارِيَةَ يجعله من أخبار الآحاد التي لا يمكن أن تكون معتمدة بشكل أساسي في مجمل القضايا الشرعية، وخصوصاً القضايا العقائدية الحساسة.

الأمر الثالث: رفض الإمام علي علیه السلام العمل بسنة أبي بكر وعمر

قال الذهبي: «ثم نودي: الصلاة جامعة وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم متقلداً سيفه فصعد المنبر ووقف طويلاً يدعو سرًّا ثمَّ تكلَّم فقال: أيُّها الناس إني سألتكم سرًّا وجهراً على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين: إما علي وإما عثمان قم إليَّ يا علي، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وقال:

ص: 400


1- تهذيب التهذيب لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني : 1/ 495 - 498[حرف الباء من اسمه بقية ]

هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر ؟

قال: «اللهم لا ، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي»، فقال: قم يا عثمان فأخذ بيده في موقف علي فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال: اللهم نعم قال فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ثم قال: اللهم اشهد اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان».(1)

فإذا كان فعل أبي بكر وعمر كسنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في وجوب العمل به لما رفض الإمام علي علیه السلام العمل به، بل رفضه للعمل على سيرتهما أدلّ دليل على عدم إرادة الخلفاء الأربعة من لفظ (الخلفاء الراشدين) في الحديث المذكور.

الأمر الرابع : اختلاف آراء الخلفاء الأربعة فيما بينهم

إنَّ اختلاف آراء الخلفاء الأربعة فيما بينهم لدرجة لا يمكن معها الجمع بين آرائهم خصوصاً في قضايا التشريع والسنة النبوية يناقض الأمر باتباعهم جميعاً، ويضعف من صحة حديث (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ» لأَنَّ الرسول صلى الله عليه و آله وسلم لا يأمر بفعل المستحيل الذي هو العمل بسنتهم جميعاً، إلا اللهم أن نقول:«إِنَّ الخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيَّينَ» هم ليسوا الخلفاء الأربعة، بل هم أئمة أهل البيت الأئمة الإثنا عشر علیهم السلام كما جاء في أحاديث كثيرة ذُكرت في مسند أحمد وصحيح مسلم وغيرهما بعضها يقوي الآخر تصرّح بعدد الخلفاء الراشدين هو نفس عدد أئمة أهل البيت علیهم السلام ف_((عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ لَنْ يَزَالَ ظَاهِرًا عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ لَا يَضُرُّهُ مُخَالِفٌ وَلَا مُفَارِقٌ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»

ص: 401


1- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للذهبي: 111/2[سنة أربع وعشرين/ خلافة عثمان رضي الله عنه]

قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي : مَا قَالَ؟ قَالَ: «كُلُهُمْ مِنْ قُرَيْش»)).(1)

ومن شواهد إختلاف الإمام علي علیه السلام مع عمر وعثمان هو أنَّ عمر نهى عن متعة الحج وتبعه عثمان وخالفهما الإمام علي علیه السلام بإتباع سنة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وقد ذكرنا ذلك سابقاً، وذلك فيما أخرجه البخاري «عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رضي الله عنهما - وَعُثمانُ يَنْهَى عَنِ المُنْعَةِ، وَأَنْ تُجمَعَ بَيْنَهُما، فلما رأى عَلِيّاً، أهَلَّ بها : لبيك بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، قَالَ : مَا كُنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النبي صلى الله عليه و آله وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ»(2)وفي رواية أخرى: «فقال عثمانُ: تَراني أنهى الناسَ ، وأنت تفعله؟ فقال: ما كنتُ لأدَعَ سُنَّةَ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لَقَوْلِ أحد».(3)

وأخرج الطبراني بسنده عن مروان بن الحكم قال : «نهى عثمان عن المتعة والإقران، فبلغ ذلك علياً، فخرج، وهو يقول : لبيك بحجة وعمرة معاً، فقال له عثمان: أليس قد نهيت عن هذا؟ قال: ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لنهي أحد».(4)

ص: 402


1- مسند أحمد بن حنبل: 5/ 105 ، 104 ، 116، 115 ، 114، 113 ، 106 ، 118 ، 119، 120 ، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 127، 128، 129، 130[4 / 93، 87، 94، 96، 97، 98، 100، 99، 101، 106، 107، 108]،[حدیث:20845، 20923، 20850، 20924، 20936، 20952، 20960، 20961، 20977، 20979، 20981، 20982، 20993، 20991، 20995، 21005، 21016، 21020، 21076، 21089، 21095، 21106]، وصحیح مسلم : 791 [ح . 5 - (1821)، 6، 7، 8، 9، 10 (1822) - كتاب الإمارة ] انظر: المعجم الكبير للطبراني : 2 / 66 ، و 68 [ح . 2026 ، و 2027 ، و 2028، 2035 / عن جابر بن سمرة]، وانظر: المعجم الأوسط للطبراني: 4/ 399 - 400 [ح. 6382 - من اسمه محمد]
2- صحيح البخاري: 289 [ح . 1563 - كتاب الحج]
3- جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري (ت . 606ه): 3 / 95 [ح. 1395 - الفصل الثاني في القرآن]
4- المعجم الأوسط للطبراني (ت . 360ه) : 3 / 41 [من اسمه علي - ح . 3806]

ومن شواهد اختلاف الإمام علي علیه السلام مع أبي بكر هو

1 . إعراض أمير المؤمنين علیه السلام ورفضه لخلافة أبي بكر

فقد رفض أمير المؤمنين علیه السلام بيعة أبي بكر، وذكر البخاري أنَّ علياً علیه السلام بقى لمدة ستة أشهر من دون أن يبايع أبا بكر أو يصالحه، يعني أنه كان على خصام معه، فلما توفيت فاطمة عليها السلام التمس مصالحته و أرسل إلى أبي بَكْرٍ أَنِ ابْتِنَا وحيداً كَرَاهِيَةً لَحْضَرِ عُمَرَ، وعنَّفه عليٌّ علیه السلام بقوله: «اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ»، وذكّره بحقه بالخلافة فقال له: «وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم نَصِيبًا » ، ثمَّ خطب عليٌّ علیه السلام الأمام الناس مبيناً سبب عدم مبايعته لأبي بكر، بأنَّه يعتقد بأحقيته بالخلافة منه، ولكن أبا بكر استبد بالخلافة فغضب عليه، إذ قال: «وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا»،

وهذا نص كلام صحيح البخاري :

فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلی أبي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النبي صلى الله عليه و آله وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهُ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أبي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، وَلاَ يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ، كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ . فَقَالَ عُمَرُ لاَ وَالله لا تَدْخَلَ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي ، وَاللَّهُ لَآتِيَنَّهُمْ. فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ «إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ، وَمَا أَعْطَاكَ، اللَّهِ وَلَمْ نَنْفَس عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ الله إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم نَصِيبًا». حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أبي بكر ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم بَكْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ، فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الخَيْرِ، وَلَمْ أَتْرُكُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلا صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَليٌّ لأبي

ص: 403

بَكْرٍ «مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ». فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرِ الظُّهْرَ رَقيَ عَلَى النبيرِ، فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَليٍّ، وَتَخَلَّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَمَ حَقَّ أَبي بَكْرٍ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةٌ عَلَى أَبي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ الله بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا ....»(1)

فلو كان حديث «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المُهْدِيِّينَ» ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أو كان المراد منه الخلفاء الأربعة لما تأخر علي علیه السلام عن الإقدام لبيعة أبي بكر، لأنَّه أحد الخلفاء المعنيين بهذا الحديث فيفترض أن يكون من الأوائل الذين يحرصون على تطبيق هذا الحديث، فتأخر الإمام علي علیه السلام عن بيعة أبي بكر، ومبايعته بعد ستة أشهر على نحو الإكراه من أجل حفظ مصلحة الإسلام العليا دليل على عدم صحة هذا الحديث أو عدم إرادة الخلفاء الأربعة في هذا الحديث.

2. اختلاف عثمان مع النبي صلى الله عليه و آله وسلم و أبي بكر وعمر

من شواهد اختلاف عثمان مع النبي و أبي بكر وعمر أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يقصر الصلاة بمنى وكذلك أبو بكر وعمر وخالفهم عثمان فصلاها أربعاً. قال البخاري :

«حَدَّثَنَا قَبيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَن الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النبي صلى الله عليه و آله وسلم رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ، فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ».(2)

فابن مسعود يتمنى أن تقبل منه ركعتان من الركع الأربع التي صلاها خلف عثمان

ص: 404


1- صحيح البخاري : 766[ح. 4240، 4241 / باب غزوة خيبر - كتاب المغازي]
2- صحيح البخاري : 304 [25- كتاب الحج / باب الصلاة بمنى ، ح . 1657]

الّذي خالف الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وخالف أبا بكر وعمر، أفلا يكون عمله بدعة ؟!!، والعجيب أنَّ عثمان في أوّل خلافته كان يقصر الصلاة ثم بدا له أن يصليها أربعاً!!

قال البخاري: «حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه و آله وسلم- بِمِنِّى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ».(1)

ومن أدلة اختلافهم ما قاله محمد الأمين الشنقيطي الأستاذ في المعاهد العلمية والكليات الشرعية في الرياض والمدينة ، وكان ضمن هيأة كبار العلماء وعضوًا في رابطة العالم الإسلامي قال في كتابه أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن – (ج 7 / ص 402)

«وخلاف عمر لأبي بكر رضي الله عنهما أشهر من أن يذكر.

كما خالفه في سبي أهل الردة فسباهم أبو بكر، وخالفه عمر.

وبلغ خلافه إلى أن ردهن حرائر إلى أهلهن إلا لمن ولدت لسيدها منهن.

ونقص حكمه، ومن جملتهن خولة الحنفية أم محمد بن علي.

وخالفه في أرض العنة فقسمها أبو بكر ووقفها عمر.

وخالفه في المفاضلة في العطاء، فرأى أبو بكر التسوية، ورأى عمر المفاضلة.

وخالفه في الاستخلاف، فاستخلف أبو بكر عمر على المسلمين، ولم يستخلف عليهم عمر أحداً إيثاراً لفعل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم على فعل أبي بكر رضي الله عنهم.

وخالفه في الجد والإخوة، مع أن خلاف أبي بكر الذي استحيى منه عمر هو خلافه

ص: 405


1- صحيح البخاري : 304 [25- كتاب الحج / باب الصلاة بمنى، ح. 1655]

في قوله: إن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله منه بريء،هو ما دون الولد والوالد فاستحى عمر من مخالفة أبي بكر في اعترافه بجواز الخطأ عليه وأنه ليس كلامه كله صواباً مأموناً عليه الخطأ.

ويدل على ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقر عند موته أنه لم يقض في الكلالة بشيء

وقد اعترف أنه لم يفهمها، قاله في إعلام الموقعين»

وهكذا لا يصحُّ الاستشهاد بحديث «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيُّين».

قول الصحابي ليس بحجة

إنَّ قول الصحابي ليس بحجة عند بعض علماء السنة خصوصاً إذا كان في الأمور الَّتي خالف بها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، و من هؤلاء العلماء أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الذي قال:

«الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ الأُصُولِ المَوْهُومَةِ: قَوْلُ الصَّحَابِيُّ.

وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيٌّ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ خَاصَّةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه و آله وسلم : «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي» وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّ الحَجَّةَ فِي قَوْلِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إذَا اتَّفَقُوا.

وَالْكُلُّ بَاطِلٌ عِنْدَنَا فَإِنَّ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالسَّهْرُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِصْمَتُهُ عَنْهُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ، فَكَيْفَ يُحْتَجُ بِقَوْلِهِمْ مَعَ جَوَازِ الْخَطَأ؟ وَكَيْفَ تُدَّعَى عِصْمَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مُتَوَاتِرَةِ؟ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عِصْمَهُ قَوْمٍ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الِاخْتِلَافُ؟ وَكَيْفَ يَخْتَلِفُ

ص: 406

المعْصُومَانِ؟ كَيْفَ وَقَدْ َاتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمَا بِالِاجْتِهَادِ ، بَلْ أَوْ جَبُوا فِي مَسَائِلِ الاِجْتِهَادِ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِد أَنْ يَتَّبِعَ اجْتِهَادَ نَفْسِهِ؟

فَانْتِفَاءُ الدَّلِيل عَلَى الْعِصْمَةِ وَوُقُوعُ الاِخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ وَتَصْرِيعُهُمْ بِجَوَازِ مُخَالَفَتِهِمْ فيهِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ وَلِلْمُخَالِفِ خمس شُبهٍ:

الشَّبْهَةُ الأُولَى قَوْلُهُمْ: وَإِنْ لَمْ تَثْبُت عِصْمَتُهُمْ، فَإِذَا تَعَبَّدنَا بِاتِّبَاعِهِمْ لَزِمَ الاِتِّبَاعُ، كَمَا أَنَّ الرَّاوِيَ الْوَاحِدَ لَم تَثْبَتْ عِصْمَتُهُ لَكِنْ لَزِمَ اتَّبَاعُهُ لِلتَّعَبدِ بِهِ، وَقَدْ قَالَ: صلى الله عليه و آله وسلم«أَصْحَابِي كَالنُّجُوم بأَيْهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ عَوَامِ أَهْلِ عَصْرِه صلى الله عليه و آله وسلمِ بِتَعْرِيفِ دَرَجَةِ الْفَتْوَى لِأَصْحَابِهِ حَتَّى يَلْزَمَ اتَّبَاعُهُمْ، وَهُوَ تَخْبِيرٌ لَهُمْ فِي الافْتِدَاءِ بِمَنْ شَاءُوا مِنْهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ غَيْرُ دَاخِل فِيهِ إِذْ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ صَحَابِيًّا آخَرَ، فَكَمَا خَرَجَ الصَّحَابَهُ بِدَلِيلٍ فَكَذَلِكَ خَرَجَ الْعُلَماءُ بِدَليلٍ، وَكَيْفَ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الإِنْبَاعِ بَلْ عَلَى الاهْتِدَاءِ إِذَا اتَّبَعَ ؟ فَلَعَلَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ لِلْعَالِم تَقْلِيدَ الْعَالِم أَوْ مَنْ يُخير الْعَامِّيَّ فِي تَقْلِيدِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْأَفْضَل.

الشَّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ دَعْوَى وُجُوبِ الاِتِّباع إنْ لَمْ تَصِحَّ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فَتَصِحُّ لِلْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه و آله وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَظَاهِرُ قَوْلِهِ:«عَلَيْكُمْ لِلْإِيجَابِ وَهُوَ عَامٌ قُلْنَا : فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا تَحْرِيمُ الْإِجْتِهَادِ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عَنْهُمْ إِذْ أَتَّفَقَ الْخُلَفَاءُ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، بَلْ كَانُوا يُخَالِفُونَ وَكَانُوا يُصَرِّحُونَ بِجَوَازِ الاِجْتِهَادِ فِيَا ظَهَرَ هُمْ، وَظَاهِرُ هَذَا تَحْرِيمُ مُخَالَفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنْ انْفَرَدَ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ شَرْطُ الاِتِّفَاقِ وَمَا اجْتَمَعُوا فِي الْخِلَافَةِ حَتَّى يَكُونَ اتَّفَاقُهُمْ اتَّفَاقَ الْخُلَفَاءِ .

ص: 407

وَإِيجَابُ اتِّباع كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُحَالٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ في مَسَائِلَ ، لَكِنَّ المَرَادَ بِالحَدِيثِ إمَّا أَمْرُ الخَلْقِ بِالِانْقِيَادِ وَبَذْلِ الطَّاعَةِ لَهُمْ، أَيْ: عَلَيْكُمْ بِقَبُولِ إمَارَتِهِمْ وَسُنَّتِهِمْ أَوْ أَمْرُ الْأُمَّةِ بأَنْ يَنْهَجُوا فِي الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا وَمُلَازَمَةِ سِيرَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم في الْفَقْرِ وَالمُسْكَنَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الرَّعِيَّةِ، أَوْ أَرَادَ مَنْعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ نَقْضِ أَحْكَامِهِمْ.

فَهَذِهِ احتمالاتٌ ثَلَاثَةٌ تُعَضِّدُهَا الْأَدِلَّهُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

الشَّبْهَةُ الثَّالِثَةَ»: قَوْهُمْ: إِنَّهُ إِنْ لَمْ يَجِبُ اتَّبَاعُ الخُلَفَاءِ فَيَجِبُ اتَّبَاعُ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه و آله وسلم : " اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".

قُلْنَا: تُعَارِضُهُ الْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ ، فَيَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الاحتمالاتُ الثَّلَاثَهُ، ثُمَّ نَقُولُ بِمُوجِبِه فَيَجِبُ الاِقْتِدَاءُ بِهِمَا فِي تَجْوِيزِ هِمَا لِغَيْرِهِمَا مُخَالَفَتَهُما بِمُوجِبِ الِاجْتِهَادِ.

ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي لَوْ اخْتَلَفَا كَمَا اخْتَلَفَا فِي التَّسْوِيَةِ فِي الْعَطَاءِ فَأَيُّهَمَا يُتَّبَعُ؟

الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَلَّى عَلِيًّا الْخِلَافَةَ بِشَرْطِ الاِقْتِدَاءِ بالشَّيْخَيْنِ فَأبي وَوَلَّى عُثمانَ فَقَبِلَ وَلَمْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.

قُلْنَا لَعَلَّهُ اعْتَقَدَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه و آله وسلم: «مِنْ بَعْدِي» جَوَازَ تَقْلِيدِ الْعَالِم لِلْعَالِم وَعَليٌّ رَضِيَ الله عَنْهُ لَمْ يَعْتَقِدْ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه و آله وسلم: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» إِيجَابُ التَّقْلِيدِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُجَرَّدِ مَذْهَبِهِ، وَيُعَارِضُهُ مَذْهَبُ عَلَيٍّ إِذْ فُهِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اتَّبَاعَهُمَا فِي السِّيرَةِ وَالْعَدْلِ وَفَهِمَ عَلِيٌّ إِيجَابَ التَّقْلِيدِ.

الشَّبْهَةُ الْخَامِسَةُ : أَنَّهُ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَلَا يَعْمَلَ لَهُ إِلَّا مِنْ سَمَاع خَبَرٍ فِيهِ.

قُلْنَا: فَهَذَا إِقْرَارٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِنَّما الحُجَّةُ الخبر، إلا أَنكُمْ أَثْبتُم الخبر

ص: 408

بِالتَّوَهُمِ الْمُجَرَّدِ وَمُسْتَنَدُنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمْ إِنَّمَا عَمِلُوا بِالخَبَرِ الْمُصَرَّح بِرِوَايَتِهِ دُونَ الْمُوْهُوم المُقَدَّرِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَفْظُهُ وَمَوْرِدُهُ، فَقَوْلُهُ لَيْسَ بِنَصٍ صَرِيحٍ فِي سَمَاع خَبَرِ بَلْ قَالَهُ عَنْ دَلِيل ضَعِيفٍ ظَنَّهُ دَلِيلًا وَأَخْطَأَ فِيهِ، وَالخَطَأُ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَرُبَّما يَتَمَسَّكُ الصَّحَابِيُّ بِدَلِيلِ ضَعِيفٍ وَظَاهِرٍ مَوْهُومٍ وَلَوْ قَالَهُ عَنْ نَصريال قاطع الصرَّحَ بِهِ.

نَعَمْ لَوْ تَعَارَضَ قِيَاسَانِ وَقَوْلُ الصَّحَابُ مَعَ أَحَدِهِمَا

فَيَجُوزُ لِلْمُجْتَهِد إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ التَّرْجِيحُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنْ يُرَجُحَ، وَكَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ المَعْنَى يَقْتَضِي تَغْلِيظَ الدِّيَةِ بِسَبَبِ الجُرْم وَقِيَاسٌ أَظْهَرُ مِنْهُ يَقْتَضِي نَفْيَ التَّغْلِيظ، فَرُبَّما يَغْلِبُ عَلَى ظَنْ المُجْتَهِدِ أَنَّ ذَلِكَ المَعْنَى الْأَخْفَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الصَّحَابِيُّ يَتَرَبَّحُ بِهِ، وَلَكِنْ يَخْتلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلافِ المجتهدين.

أَمَّا وُجُوبُ اتَّبَاعِهِ وَلَمْ يُصَرِّحُ بِنَقْلِ خَبَرٍ فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَكَيْفَ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ أَخْبَارُ آحَادٍ وَنَحْنُ أَثْبَتْنَا الْقِيَاسَ وَالْإِجْمَاعَ وَخَبَرَ الْوَاحِدِ بِطُرُقٍ قَاطِعَةٍ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَجُعِلَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ كَقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَخَبَرُهُ إِثْبَاتُ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ وَمَدَارِكِهِ فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِقَاطِعٍ كَسَائِرِ الْأُصُولِ».(1)

ص: 409


1- المستصفى في علم الأصول للغزالي: 168

ص: 410

حَذْفُ ( حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ) مِنْ الْأَذَانِ

الأذان في اللغة: مطلق الإعلان. وفي الشَّرع الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة، وفصول الأذان عندنا ثمانية عشر فصلاً، وهي : الله أكبر أربع مرات، ثم أشهد أن لا إله إلا الله، ثم أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم حي على الصلاة، ثم حي على الفلاح، ثم حيَّ على خير العمل ، ثمَّ الله أكبر ، ثم لا إله إلا الله ، كل فصل مرتان، وكذلك

الإقامة، إلا أن فصولها أجمع مثنى مثنى، إلا التهليل في آخرها فمرَّة، ويزاد فيها

بعد الحيعلات قبل التكبير قد قامت الصلاة ،مرتين فتكون فصولها سبعة عشر فصلاً. وتستحب الصلاة على محمد وآل محمد عند ذكر اسمه الشريف، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي علیه السلام بالولاية وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره وهي قول أشهد أن عليّاً أمير المؤمنين ولي الله، وأما الشهادة لعلي علیه السلام بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءاً من الأذان أو الإقامة.

ص: 411

ص: 412

فصول الأذان عند السنَّة

على ثلاثة أقوال؛ فعند أحمد بن حنبل خَمْسَة عَشْرَ فصلاً، وعند مالك سبعة عَشْرَ فصلاً، وعند الشَّافِعِيِّ تِسْعَة عَشْرَ فصلاً، قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة: «مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: «وَيَذْهَبُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهَ إِلَى أَذَانِ بِلَالٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَهُوَ : الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إلَّا الله» وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ اخْتِيَارَ أَحْمَدَ، رَحِمَهُ الله مِنْ الْأَذَانِ أَذَانُ بِلَالٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَهُوَ كَمَا وَصَفَ الخِرَقِّي.

وَجَاءَ فِي خَبَرِ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، لَا تَرْجِيعَ فِيهِ.

وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي وَإِسْحَاقُ .

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ الْأَذَانُ الْمَسْنُونُ أَذَانُ أَبِي مَحذُورَةَ، وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا، إِلَّا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّرْجِيعُ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، يَخْفِضُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ، ثُمَّ يُعِيدُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَانِ حَسْبُ، فَيَكُونُ الْأَذَانُ عِنْدَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً.

وَاحْتَجُوا بِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم لَقَّنَهُ الْأَذَانَ، وَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ

ص: 413

تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله.

تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ.

أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله» ، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الأذان».(1)

ص: 414


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 1/ 508 - 509 ، [مسألة : 121 / كتاب الصلاة - باب الأذان]

الإقامة عند السنَّة

وأمَّا الإقامة فاختلفوا فيها أيضًا قال عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة

«مَسْأَلَةٌ: قَالَ وَالْإِقَامَةُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةُ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ الله أكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إِلَّا الله» وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِقَامَةُ مِثْلُ الْآذَانِ، وَيَزِيدُ الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ... وَقَالَ مَالِكٌ : الْإِقَامَةُ عَشْرُ كَلِمَاتٍ، تَقُولُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَنَا، مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَمَّا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَالْإِقَامَهُ مَرَّةً مَرَّةً، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ : قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِي... وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: الصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ عَنْ أَبِيهِ : " ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ كَثِيرٍ ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، وَجَعَلَهَا وِتْرًا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ».

وَهَذِهِ زِيَادَةُ بَيَانِ يَجِبُ الْأَخُذُ بِهَا، وَتَقْدِيمُ الْعَمَل بِهَذِهِ الرَّوَايَةِ المشروحة.

وَأَمَّا خَبَرُ أبِي مَخذُورَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ كَانَ الْأَخُذُ بِخَبَرِ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَذَانُ بلَالٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوبَ تَقْدِيمِهِ فِي الْآذَانِ، وَكَذَا فِي الْإِقَامَةِ، وَخَبَرُ أَبِي محذُورَةَ مَتُرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي التَّرْجِيعِ فِي الْإِقَامَةِ، وَلِذَلِكَ عَمِلْنَا نَحْنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِخَبَرِهِ فِي

ص: 415

الْأَذَانِ، وَأَخَذَ بِأَذَانِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَهُمَا يَرَيَانِ إِفْرَادَ الْإِقَامَةِ».(1)

شبهة مدفوعة

لقد زعم بعض المخالفين أنَّ تكرير الشيعة قول (لا إله إلا الله)مرتين في آخر الأذان بدعة.

الجواب

هذه الشبهة لا صحة لمدَّعاها، لأنَّ هذا التكرير ليس بدعة كما توهم هذا القائل لثبوته في أذان بلال وأبي محذورة، وأفتى به جماعة من أئمة السنة وعلمائهم؛ فقد روى ابن أبي شيبة، فقال: «(من كان يقول الأذان مثنى والإقامة مرة)

حدثنا أبو بكر قال حدثنا جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي محذورة أن أذانه كان مثنى وأن إقامته كانت واحدة.

حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن أبي المثنى عن بن عمر قال كان بلال يشفع الأذان ويوتر الإقامة».(2)

وقال القرطبي: «قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي: الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى، والتكبير عندهم في أول الأذان وأول الإقامة الله أكبر أربع مرات ولا ترجيع عندهم في الأذان وحجتهم في ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى...»(3)

ص: 416


1- المغني لعبد الله بن قدامة: 1 / 510 ، [مسألة : 122 / كتاب الصلاة باب الأذان]
2- الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1 / 186 [كتاب الأذان والإقامة من كان يقول الأذان مرة و الاقامة مرة - ح. 2126 و 2127]
3- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 6 / 137.

شبهة ابن تيمية

زعم ابن تيمية أن الشيعة زادوا في الأذان (حيّ على خير العمل)، وأنها لم تكن موجودة في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ؛ إذ قال في كتابه مختصر منهاج السنة:

«وهم قد زادوا في الأذان شعارًا لم يكن يعرف على عهد النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ولا نَقَلَ أحد أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بذلك في الأذان، وهو قولهم: «حيّ على خير العمل». ونحن نعلم بالاضطرار أنَّ الأذان الذي كان يؤذنه بلال وابن أم مكتوم في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالمدينة، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظ في قباء، لم يكن فيه هذا الشعار الرافضي، ولو كان فيه لنقله المسلمون ولم يهملوه، كما نقلوا ما هو أيسر منه، فلما لم يكن في الذين نقلوا الأذان مَنْ ذَكَر هذه الزيادة، عُلم أنها بدعة باطلة».

الجواب

وللجواب عن هذه الفرية يُقال : إنَّ قول (حي على خير العمل) كان يذكر في الأذان في زمن النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، وفي أذان بعض الصحابة والتابعين، وقد ذكر ذلك جماعة من علماء السنة، حتى أنَّ البيهقي المتوفى (سنة 458ه) أفرد له باباً سماه (باب ما روي في حي على خير العمل)، فقد روى البيهقي بسنده عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يُنَادَى بِالصُّبْحِ فَيَقُولُ: «حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل»(1)، وذلك في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

ورغم تحريف النصوص، وتلاعب السياسيين والزعماء الأمويين و العباسيين في الأحاديث النبوية والآثار فلازالت هناك بعض الشواهد والآثار التي تدل على أصالة (حي على خير العمل) في الأذان، فقد ذكر جماعة من علماء السنة أنَّ عبد الله بن عمر كان يقول في أذانه (حي على خير العمل) بعد قوله (حي على الفلاح)، ومن هؤلاء

ص: 417


1- السنن الكبرى للبيهقي : 2/ 197 - 198[كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل أثر :رقم 2034]

العلماء: البيهقي في كتابه السنن الكبرى(1)، وشَيْخَا البخاري عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنف(2)، و أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة في كتابه الكتاب المصنف في الأحاديث والأخبار.(3)

وروى ابن أبي شيبة أيضاً أنَّ الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام - وهو من التابعين الثقاة عند السنة - كان يقول في أذانه حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ويصفه بأنَّه هوَ الأَذَانُ الأَوَّلُ ، فقد قال ابن أبي شيبة : ((حدثنا أبو بكر قال حَدَّثَنَا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه ومسلم بن أبي مريم أن علي بن حسين كان يؤذن فإذا بلغ حي على الفلاح قال حي على خير العمل ويقول : هو الأذان الأول».(4)

وروى البيهقي هذا الأثر أيضاً بسند آخر فقال :

«وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ كَانَ يَقُولُ فِي أَذَانِهِ إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ وَيَقُولُ: هُوَ الأَذَانُ الأَوَّلُ».(5)

ص: 418


1- السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 197 [ كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل أثر :رقم: 2031 ، 2032]
2- المصنف: 1 / 347،344 [1 / 459، 463] [باب بدء الأذان / ح. 1790 ، وح. 1801]
3- المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1 / 196 [كتاب الأذان والإقامة من كان يقول في أذانه حيّ على خير العمل - ح. 2240 - 2241]
4- (3) . (4) الكتاب المصنف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1951 [كتاب الأذان والإقامة/ من كان يقول في أذانه حيّ على خير العمل - ح. 2239]
5- السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 197 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل أثر :رقم: 2033]

وبهذا فقد تبيّن أنّ ل_( حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ) أصلاً شرعياً ثابتاً، لا كما زعم ابن تيمية بأنّها بدعة ابتدعتها الشيعة، فاتّضح كذب ابن تيمية القائل: «بأَنَّ (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) لو كان في الأذان لنقله المسلمون ولم يهملوه»، فلماذا يكذب ابن تيمية؟!!

ألم يطّلع على قول عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنف، و أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة في كتابه الكتاب المصنف في الأحاديث والأخبار، و البيهقي في كتابه السنن الكبرى،؟!! فلماذا يفتري على الشيعة بأنّها زادت في الأذان (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ)؟! فلا عجب منه لأنه اعتاد ذلك، وهي سجية له تظهر واضحة في مؤلفاته، ومما يدل على عدم صدق ابن تيمية استدلال إمام السنة البيهقي على أنَّ (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) هُوَ الأَذَانُ الأَوَّلُ ، و أنَّ بلالاً كان يقول ذلك في زمن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ثمَّ اسْتُبْدِلَ مكانها لفظ (الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ)، ثمَّ يبدي البيهقي رأيه بأنَّ زيادة (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) في الأذان لم تثبت عن النبي محمد لله، وهو يكره هذه الزيادة، فقد بدا ذلك ظاهراً بقوله:

«أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ أَبُو الشَّيْخ الأَصْبَهَانِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ رُسْتَهُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ الْمُؤَذِّنُ عَنْ عَبْدِ الله بن مُحَمَّدِ بْن عَمَّارٍ وَعَمَّارٍ وَعُمَرَ ابْنَى حَفْصٍ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ أَجْدَادِهِمْ عَنْ بِلالٍ: أَنَّهُ كَانَ يُنَادَى بِالصُّبْحِ فَيَقُولُ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله وسلم أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَها : الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَتَرَكَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ. قَالَ الشَّيْخُ [ يعني البيهقي ]: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ [أي: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ] لَمْ تَثْبت عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم فِيهَا عَلَّمَ بِلاَلاً وَأَبَا مَحْذُورَةَ وَنَحْنُ نَكْرَهُ الزَّيَادَةَ فِيهِ. وبالله التَّوْفِيقِ»(1)

ومن هذا النص الَّذِي ذكره البيهقي، يتّضح بأنَّ كلمة ( حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) قد

ص: 419


1- السنن الكبرى للبيهقي : 12 / 197 - 198 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل أثر :رقم 2034]

حَذَفَها شخص آخر غير النبي صلی الله علیه و آله وسلم واستبدل مكانها (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ)، ولكنَّ البيهقي لم يصرح باسم ذلك الشخص الذي غيّر الأذان الأوّل، ووضع فيه هذه الزيادة، وأما مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي المتوفى سنة 179ه-، فقد صرّح بأن عمر بن الخطاب هو الذي زاد في الأذان هذه الزيادة، فقد جاء في كتابه الموطأ :

«حدَّثني عن مالك، أنَّه بَلَغَه أنَّ المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يُؤَذِنُهُ لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح».(1)

محاولة فاشلة

لقد حاول علاء الدين البصير في كتابه الصلاة خير من النوم) تضعيف هذا الخبر الذي نقله مالك بن أنس، فقال:

«هذا وأختم قولي عن أثر الموطأ موجهاً كلامي لعلماء الشيعة بالطلب أن يرشدونا إلى حديث أو أثر واحد صحيح صريح يثبت أن عمر هو من أضاف عبارة (الصلاة خير من النوم) إلى الأذان.

فهذه كتب الحديث والتاريخ والسيرة أمامكم فدلونا على مثل هذا الحديث أو الأثر، ودونه خرط القتاد وشيب الغراب».

ردٌّ صائب

لم يتمكن صاحب هذه المحاولة الفاشلة من البرهنة على عدم صحة قول مالك بن أنس، فطلب أن نرشده إلى حديث أو أثر واحد صحيح صريح، فنحن قبل أن نرشده إلى أثر صريح وصحيح نقول:

ص: 420


1- الموطأ لمالك بن أنس : 1 / 79 [كتاب الصلاة / (1) باب ما جاء في النداء للصلاة]

الظاهر من كلامه هذا أنَّه لا يعتقد بصحة كلام الموطأ لمالك بن أنس، وهذا خلاف ما يراه كبار علماء السنة، فقبل أن يظهر كتاب البخاري إلى الوجود كان كتاب الموطأ أصح كتاب عند علماء السنة بعد القرآن، فكيف يشكك هذا به؟!

فقد قال الشافعي: «ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك. أخرجه ابن فهر من طريق يونس بن عبد الأعلى عنه، وفي لفظ ما وضع على الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن من كتاب مالك . وفي لفظ : ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك. وفي لفظ : ما بعد كتاب الله أنفع من الموطأ».(1)

قال أبو نعيم: «حدثنا محمد بن إبراهيم ومحمد بن عبدالرحمن قالا ثنا محمد بن زبان بن حبيب قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول : ما بعد كتاب الله تعالى كتاب أكثر صوابا من موطأ مالك»(2)

و قال جلال الدين السيوطي وهو من كبار علماء السنة، وثقاتهم: «قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني الأصبهاني قلت لأبي حاتم الرازي: موطأ مالك بن أنس لم سمي موطأ؟

فقال: شيء قد صنفه ووطأ للناس حتى قيل مُوَطَّأ مالك كما قيل جامع سفيان.

وقال أبو الحسن بن فهر : حدثنا أحمد بن إبراهيم بن فراس، سمعت أبي يقول: سمعت عليّ بن أحمد الخليجي يقول : سمعت بعض المشايخ يقول : قال مالك: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهاً من فقهاء المدينة فكلّهم واطأني عليه فسميته الموطأ».(3)

ص: 421


1- تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك لجلال الدين السيوطي: 7 [الفائدة الرابعة]
2- حلية الأولياء للإمام الحافظ أبي نعيم : 6 / 386،360 ،[مالك بن أنس / ح. 8932]
3- نفس المصدر السابق: 6

وهذا يعني أنَّ سبعين فقيهاً من فقهاء المدينة لم ينكروا عليه خبر عمر بن الخطاب الذي حذف (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل) من الأذان، واستبدل مكانها شعار (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) ، فكلّهم وافقه على هذا الخبر ، لقوله: «فكلّهم واطأني عليه فسميته الموطأ»

وقال جلال الدين السيوطي أيضاً مشيداً بكتاب مالك بن أنس: «وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد كما سأبين ذلك في هذا الشرح، فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثني منه شيء».(1)

وهذا يعنى أنه لا يستثنى منه شيئاً حتى الأثر الذي ذكر فيه أن عمر بن الخطاب زاد في الأذان (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْم)، ولذلك نراه يعزز قول مالك بن أنس بقوله:

«والأثر الذي ذكره مالك عن عمر أخرجه الدار قطني في سننه من طريق وكيع في مصنفه عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر وعن سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن بن عمر عن عمر أنه قال لمؤذنه إذا بلغت حي على الفلاح في الفجر فقل الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم».(2)

وهناك طريق آخر غير الطريقين الذين أخرجها مالك بن أنس، والدار قطني، يَدُلُّ على تغيير عمر بن الخطاب للأذان، وهو عن رجل يقال له إسماعيل، وهكذا أصبح هذا الخبر متواتراً، فقد قال شيخ البخاري أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى سنة 235ه:

«حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن رجل يقال له إسماعيل قال جاء المؤذن عمر بصلاة الصبح فقال الصلاة خير من النوم فأعجب به

ص: 422


1- تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك لجلال الدين السيوطي: 7 [الفائدة الرابعة]
2- تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك لجلال الدين السيوطي: 92 [الفائدة الرابعة]

عمر وقال للمؤذن أقرها في أذانك».(1)

ويؤيد ذلك قول البيهقي: «وروينا عن عمر بن الخطاب، أنه علمه مؤذنه»(2). أي: علمه إذا أذن المؤذن في أذان الفجر :قال الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم. وأخرج البيهقي أيضاً بسنده: عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِيُؤَذِّنِهِ: إِذَا بَلَغْتَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فِي الْفَجْرِ فَقُلِ : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ».(3)

وقال شيخ البخاري أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني: عن ابن جريج قال: أخبرني ابن مسلم : أنَّ رجلاً سأل طاووساً جالساً مع القوم فقال: يا أبا عبد الرحمن، متى قيل: الصلاة خير من النوم ؟ فقال طاووس : أما إنها لم تُقل على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لكن بلالاً سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقولها رجل غير مؤذن فأخذها منه، فأذَن بها، فلم يمكث أبو بكر إلا قليلاً حتى إذا كان عمر قال : لو نهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث وكأنه نسيه، فأذن به الناس حتى اليوم»(4)

ولعل هذا الحديث فيه تصحيف في لفظ (بلال)، ومما يدل على ذلك قول عبد الرزاق الصنعاني بسنده عن ابن جريج :قال أخبرني عمر بن حفص أنَّ سعداً أوَّلُ من قال: الصلاة خير من النوم في خلافة عمر ، فقال : بدعة ثم تركه، وإن بلالاً لم يؤذّن

ص: 423


1- الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1/ 189 [كتاب الأذان والإقامة/ من كان يقول في الأذان الصلاة خير من النوم - ح . 2159]
2- معرفة السنن والآثار للبيهقي : 1/ 449[143 ا] ، [كتاب الصلاة/ 103 - باب التثويب]
3- السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 196 [ كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب التثويب في اذان الصبح أثر رقم: 2027]
4- المصنّف لعبد الرزاق 12/ 352 - 353 [1 / 47] [باب الصلاة خير من النوم /ح. 1831]

لعمر».(1)

و على أيِّ حال فقد تبين مما تقدم أنّ هذه الزيادة زيدت في موضع (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) من الأذان. وهكذا يتّضح أن قول ( حيَّ على خير العمل) ليس بدعة من بدع الشيعة كما زعم ابن تيمية، بل هي موجودة في الأذان الأوّل الذي كان معهوداً في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وزمن أبي بكر، وأنَّ الزيادة هي قول (الصلاة خير من النوم)، وأنّها وضعت في زمن عمر بن الخطاب، ومما يدعم أنَّ هذه الزيادة لم تكن من الأذان هو اختلاف علماء السنة في جوازها، وكذلك اختلافهم في مكانها من الأذان، فلو كانت زيادة (الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) سنةً جاريةً منذ زَمَن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى وقتنا الحاضر لما أمكن حصول الخلاف فيها؛ لأنّ الأذان مستمر منذ ذلك الوقت، فكلّ يوم يُذاع الأذان مرَّاتٍ عدّة، فظهر أنَّ الخلاف بها حاصل نتيجة وضعها بعد وفاة الرسول. وهي ليست من السنة، ولم يقل بها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وإنما أضافها مؤذن عمر، وأقرَّها عمر.

بدعة قول المؤذن الصلاة خير من النوم

لقد ظهر جلياً وواضحاً مما ذكرناه سابقاً أنَّ عمر بن الخطاب حذف (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) من الأذان وجعل مكانها (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ)، وما نريد أن نبينه هنا هو اختلاف علماء السنة في هذه الزيادة التي لم تكن موجودة في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهذا دلیل آخر على عدم أصالتها في الأذان إذ لو كانت ثابتة في الأذان الأول لما اختلفوا فيها ولعلموا محلها وحكمها خصوصاً وأنَّ الأذان يسمعه المسلمون مرَّاتٍ عديدة كل يوم منذ زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وحتى عصرنا الحاضر ، ولكن اختلاف علماء السنة في أصالتها دليل ناصع على عدم صحتها، فقد ذهب بعض علماء السنة إلى استحبابها، وذهب غيرهم إلى كراهيتها، وللشافعي رأيان فيها الأول بإجازتها والثاني بكراهيتها، وكذلك

ص: 424


1- المصنف لعبد الرزاق: 1 / 353[1 / 473]، [باب الصلاة خير من النوم /ح. 1833]

اختلفوا في مكانها ، فذهب بعضهم أنّها تقال بعد قول المؤذن : (حيَّ على الفلاح)، وقيل: يقولها بعد الفراغ من الأذان ؛ قال القرطبي : «اختلفوا في التثويب(1) لصلاة الصبح -وهو قول المؤذن : الصلاة خير من النوم - فقال مالك و الثوري والليث: يقول المؤذن في صلاة الصبح - بعد قوله : حي على الفلاح مرتين - الصلاة خير من النوم مرتين وهو قول الشافعي بالعراق، وقال بمصر: لا يقول ذلك، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يقوله بعد الفراغ من الأذان إن شاء، وقد روي عنهم أن ذلك في نفس الأذان وعليه الناس في صلاة الفجر».(2)

وقال البيهقي: «كان يقول الشافعي في القديم، ثم كرهه في الجديد».(3) أي: كان يقول في فتواه القديمة بجواز قول المؤذن ( الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ)، ثمَّ كره ذلك في فتواه الجديدة.

وقال الطحاوي الحنفي المتوفى سنة 321ه: «كره قوم أن يقال في أذان الصبح (الصلاة خير من النوم9 واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان الذي أمره رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تعليمه إياه بلالاً فأمر بلالاً بالتأذين وخالفهم في ذلك آخرون فاستحبوا أن يقال ذلك في التأذين للصبح بعد الفلاح)».(4)

ص: 425


1- التثويب من ثاب يثوب ومعناه العود إلى الإعلام بعد الإعلام، كقول المؤذن (حي على الصلاة)، فإنّه يعود ويرجع إلى دعوته تارة أخرى فيقول قد قامت الصلاة) أو (الصلاة خير من النوم) أو (الصلاة الصلاة يرحمك الله) أو أي شيء آخر، وقالوا عن الصلاة خير من النوم إنّه التثويب الأوّل، وما يقوله المؤذن بعد الأذان مثل (السلام عليك أيها الأمير، حيّ على الصلاة) وأمثاله إنّه التثويب الثاني.
2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 6 / 138 [سورة المائدة/ آية : 58]
3- شرح معاني الآثار للطحاوي: 1/ 177 [كتاب الصلاة 3 - باب قول المؤذن في أذان الصبح الصلاة خير من النوم]
4- شرح معاني الآثار للطحاوي: 1/ 177 [كتاب الصلاة / 3 - باب قول المؤذن في أذان الصبح الصلاة خير من النوم]

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو أسامة عن ابن عون عن محمد قال: ليس من السنة أن يقول في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم».(1)

وقال الفضل بن دكين في كتابه فضائل الصلاة (ج 1 / ص 268)

((حدثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن عمران بن أبي الجعد، قال: سمع الأسود، مؤذنا يقول الصلاة خير من النوم... فقال: ويحك، لا تزوّد في أذان الله شيئاً ، قال : إني سمعت الناس يقولون ، قال : «فلا تقل»»

ص: 426


1- الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1/ 189 [كتاب الأذان والإقامة/ من كان يقول في الأذان الصلاة خير من النوم - ح. 2161]

اعتراض ابن عمر

لقد اعترض عبد الله بن عمر بن الخطاب على قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) فخرج من المسجد لما سمع المؤذن يقول: (الصلاة خير من النوم).

قال إمام السنّة عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ المُقْدِسِيُّ: «وَلَنَا، مَا رَوَى النَّسَائِي، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ «قُلْت: يَا رَسُولَ الله عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ، فَذَكَرَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْح ، قُلْت : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوم، مَرَّتَيْنِ ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا الله».

وَمَا ذَكَرُوهُ ، فَقَالَ إِسْحَاقُ: هَذَا شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ.

وَقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا التَّثوِيبُ الَّذِي كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْم.

وَهُوَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ المَسْجِدِ لَمَّا سَمِعَهُ».(1)

دعوى باطلة حول ( الصلاة خير من النوم )

ذهب بعض علماء السنة إلى أنَّ قول المؤذن (الصلاة خير من النوم) قد أدخلت في الأذان في زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم

فقد زعموا أنَّ بلالاً جاء إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم يؤذنه بالصلاة فقيل له أنه نائم فصرخ بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم فأدخلت في الأذان.

ص: 427


1- المغني لعبد الله بن قدامة : 512/1،[مسألة : 124 / كتاب الصلاة]

هذا الخبر رواه ابن أبي شيبة فقال : حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: جاء بلال إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم يؤذنه بالصلاة، فقيل له: إنه نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم، فأدخلت في الأذان»».(1)

وقال أحمد بن حنبل : «حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب قال أنا أبي عن بن إسحاق قال وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه :قال لما أجمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ان يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له کاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت له يا عبد الله أتبيع الناقوس قال وما تصنع به قلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك؟

قال فقلت بلى.

قال تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله الا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.

قال، ثم استأخرت غير بعيد قال : ثم تقول : إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله الا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله.

قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فأخبرته بما رأيت قال فقال رسول

ص: 428


1- الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1/ 189 [كتاب الأذان والإقامة من كان يقول في الأذان الصلاة خير من النوم - ح. 2162]

الله صلی الله علیه و آله وسلم : «ان هذه لرؤيا حق إن شاء الله»، ثم أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى الصلاة قال : فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نائم قال فصرخ بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر».(1)

قال شعيب الأرنؤوط معلقاً على هذا الحديث: «حديث حسن دون قوله: ويدعو رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى الصلاة قال: فجاءه فدعاه.. إلى آخر الخبر فهي زيادة منكرة انفرد بها ابن إسحاق في هذه الرواية وابن إسحاق مدلس ولم يسمع هذا الحديث من الزهري»

و قال الطبراني: «عن أبي هريرة، قال: جاء بلال إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم يؤذنه بصلاة الصبح، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فعاد إليه، فرأى منه ثقلة، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فذهب فأذن، فزاد في أذانه الصلاة خير من النوم، فقال له صلی الله علیه و آله وسلم: «ما

هذا الذي زدت في أذانك؟» قال: رأيت منك ثقلة فأحببت أن تنشط، فقال: «اذهب فزده في أذانك، ومر أبا بكر فليصل بالناس» «لم أبا بكر فليصل بالناس» «لم يرو هذا الحديث عن ابن قسيط إلا معمر، ولا عن معمر إلا عبد الله بن نافع».(2)

فنقول: هذه الروايات وما شابهها من الروايات لا يمكن استساغتها وقبولها لعدة لأسباب عديدة:

السبب الأول :

الرواية الأولى التي رواها ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل فيها (محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار ويقال ابن كوثان)، الذي قال عنه مالك: دجال من الدجاجلة، وقال

ص: 429


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 54 ،[4/ 43] ، [حديث : 16483]
2- المعجم الأوسط للطبراني : 5/ 338 [من اسمه محمد / ح . 7524]

عنه أحمد بن حنبل : كان يدلس، وقيل: لم يكن يحتج به في السنن، وقال حنبل بن إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول بن إسحاق ليس بحجة، قال أحمد بن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول محمد بن إسحاق ليس به بأس قال وسئل يحيى بن معين عنه مرة أخرى فقال ليس بذاك ضعيف قال وسمعت يحيى بن معين مرة أخرى يقول محمد بن إسحاق عندي سقيم ليس بالقوي وقال أبو الحسن الميموني سمعت يحيى بن معين يقول محمد بن إسحاق ضعيف وقال أبو زرعة الدمشقي قلت ليحيى بن معين وذكرت له الحجة فقلت له محمد بن إسحاق منهم فقال كان ثقة إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وذكر قوما آخرين وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين محمد بن إسحاق ثقة وليس بحجة.(1)

وأما رواية الطبراني ففيها : (معمر بن عبد الرحمن)، وهو مجهول لم يترجم له أحد من علماء الرجال.

السبب الثاني:

أنَّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم لا يمكن أن ينام في وقت أذان الفجر، ويسبقه بلال، وقد حثّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم على انتظار الصلاة، فهل يعقل أن يحثّ على شيء هو لا يفعله، هذا أَوَّلاً.

ثانياً: أ و ليس من سوء الأدب أن يشهر بلال بالنبي له ويعلن بأعلى صوته بأن الصلاة ( يا محمد) خير من النوم.

وهل وصل بلال إلى مقام التطاول على النبي صلی الله علیه و آله وسلم بإضافة جملة في الأذان لم يأمره النبي صلی الله علیه و آله وسلم بها، فيبتدعها، ويسيء بها الأدب مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم؟!

وهل كان غرضه أن يستيقظ النبي صلی الله علیه و آله وسلم من النوم ؟

ص: 430


1- ينظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للإمام الحافظ المزّي: 546/8 - 550 [باب الميم].

فإذا كان ذلك، فيكفيه النداء بصوت مرتفع، ولا حاجة له أن يقول للنبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم : (الصلاة خير من النوم)، فلماذا لم يفكر بلال بأنَّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم سيستيقظ من بقية فصول الأذان، ولا حاجة لهذه الجملة ؟!

بل لم يثبت عن بلال سوء الأدب مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم. ثم الأولى الأخذ بالرواية التي ذكرناها سابقاً وهي: أنّ عمر بن الخطاب هو الذي كان نائماً وليس الرسول صلی الله علیه و آله وسلم.(1)

إضافة إلى أنَّ هذه الإضافة ليست من السنة كما تقدم في ذكره في قول البيهقي و غيره.(2)

كذلك الفتوى الأخيرة للشافعي التي قال فيها بكراهة قول المؤذن (الصلاة خير من النوم في الأذان خير دليل على عدم زيادتها في زمن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 431


1- راجع صفحة .... من هذا الكتاب أو الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة: 1/ 189 [كتاب الأذان والإقامة من كان يقول في الأذان الصلاة خير من النوم - ح. 2159]
2- راجع صفحة.... من هذا الكتاب أو الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة: /1 189 [كتاب الأذان والإقامة من كان يقول في الأذان الصلاة خير من النوم - ح. 2161]

ص: 432

زيادات أخرى في الأذان

لم يكتفِ المخالفون ببدعة (الصلاة خير من النوم) فهناك إضافات أخرى أضافوها في الأذان كقولهم: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ)، و قولهم: (الصَّلَاةُ فِي الرحال)، فقد روى البيهقي باسناده «عَنْ نُعَيْمِ بنِ النَّحام قَالَ: كُنْتُ مَعَ امْرَأَتِي فِي مِرْطِهَا فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا سَمِعْتُ قُلْتُ : لَوْ قَالَ وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ . قَالَ : فَلَمَّا قَالَ الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ قَالَ: وَمَنْ قَعَدَ فَلاَ حَرَجَ».(1)

وعند التأمل في متن هذه الرواية يظهر لنا عدم صحة متنها لأنَّ جملة (الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ) فيها حثّ على ترك النوم والنهوض إلى الصلاة فهي تنافي جملة (وَمَنْ قَعَدَ فَلَا حَرَجَ) فإِنَّها تدل على الإباحة وترك القيام إلى الصلاة لاحرج فيه، وهذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن مُشَرّع كرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، الذي قال الله تعالى في شأنه «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»[النجم / 3، 4]، بل إنَّه صادر من رجل عادي، فلا حجية لمثل هذه الروايات و زعموا أنهم كانوا ينادون (الصلاة في الرحال) عند عدم تمكن الناس من الحضور إلى المسجد، فقد روى الترمذي باسناده

«عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ (2) ، فَلَا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِي الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ:

ص: 433


1- السنن الكبرى للبيهقي : 2/ 195 و 150 و 151 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة باب التثويب في اذان الصبح ، م : 2025 و 1903 و 1907]
2- الردغ: بمعنى الطين، وقيل: هو المطر الذي يبل وجه الأرض

كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا، قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ.

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحَ عَنْ مُسَدَّدٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبي الرَّبِيعِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدِ وَعَاصِمٍ وَمِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْن عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ».(1)

فالظاهر أنَّ كلَّ هذه الإضافات ما هي إلا محاولات لتمرير حذف لفظ (حي على خير العمل) من الأذان لأنّهم كانوا يضيفون هذه الإضافات في موضع (حي على خير العمل).

وقد أفتى تلميذ أبي حنيفة بجواز السلام أثناء الأذان، فقد«قال أبو يوسف لا أرى بأسًا أن يقول المؤذن السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله لاختصاصهم بزيادة شغل بسبب النظر في أمور الرعية فاحتاجوا إلى زيادة اعلام نظراً لهم».(2)

ولنا أن نقول: إذا كان حذفهم (حي على خير العمل) من الأذان ليس بدعة في نظرهم، وإضافتهم (الصلاة خير من النوم)، وإضافتهم (الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ) وإضافتهم (وَمَنْ قَعَدَ فَلاَ حَرَجَ) ، وإضافة (السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته) فكل هذه الإضافات ليست بدعة في نظرهم، وأنَّها جائزة عندهم ، فَلِمَ لا يجوز لنا أن نضيف (أشهد أنَّ علياً وليّ الله) في الأذان طالما أنَّها مكملة للشهادة بالرسالة، وإن لم تكن جزءً من الأذان والإقامة. فلم يقل أحد من علمائنا بأنها جزء من الأذان، وقد أفتى علماء الإمامية باستحباب قول (أشهد أن علياً ولي الله) بعد الشهادة بالرسالة – وذلك- مضافاً إلى الشهرة عملا وفتوى بين الأصحاب قديماً وحديثاً - لدليلين من (عموم) قول الإمام

ص: 434


1- السنن الكبرى للبيهقي : 2/ 19 - 150 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب الكلام في الأذان فيما للناس فيه منفعة ، ثر: 1902]
2- بدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني : 1 / 148 - 149

الصادق علیه السلام في خبر القاسم بن معاوية المروية في الاحتجاج «إذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين» و (خصوص) ما روي مرسلا: (إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر بأن يؤذن يوم الغدير وتُضاف الشهادة بالولاية لعلي علیه السلام، فاعترض

على النبي صلی الله علیه و آله وسلم بعض الأصحاب ، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «ففيم كنا؟».

وهكذا تتضح براءة الشيعة من تهمة تغيير الأذان.

(حَيَّ عَلَى خَيْر الْعَمَل) عند الصحابة والتابعين

لقد كان بعض الصحابة والتابعين ينادون ب- (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل) في الأذان ولم يعترض عليهم أحد أو ينههم أحد، فدل ذلك على أصالتها، ومنهم:

1) عبد الله بن عمر

لقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب يقول في الأذان (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) وقد ذكر ذلك جماعة من علماء السنة؛ فقد قال البيهقي : باب ما روي في حي على خير العمل)

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ فِي النَّدَاءِ ثَلَاثًا وَيَشْهَدُ ثَلَاثًا، وَكَانَ أَحْيَانًا إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاح قَالَ عَلَى إِثرَهَا حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ. وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رُبَّمَا زَادَ فِي أَذَانِهِ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ»(1)

فهذا الأثر يشهد بأنَّ عبد الله بن عمر يقول: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ في أذانه، وهذا

ص: 435


1- السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 197 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل : أثر :رقم: 2031]

الأثر روي بطرق عديدة عن نافع، فقد روي عن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عن نافع، و عن عُبَيْد الله بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، كما تقدم كذلك رَوَاهُ اللَّيْثِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، وَرَوَاهُ أَيضاً مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كما رَوَاهُ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كذلك روي عن أَبِي أُمَامَةَ، فقد أكد البيهقي على هؤلاء الرواة بقوله:

«وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعِ كَمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعِ :قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُؤَذِّنُ في سَفَرِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاح. وَأَحْيَانًا يَقُولُ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل .

وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي أَذَانِهِ.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ نُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ فِي السَّفَرِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِ أُمَامَةَ »(1)

وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى سنة 235ه:

«حدثنا أبو خالد عن بن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في أذانه الصلاة خير من النوم وربما قال حي على خير العمل.

حدثنا أبو أسامة قال نا عبيد الله عن نافع قال: كان ابن عمر زاد في أذانه حي على خير العمل»(2)

ص: 436


1- السنن الكبرى للبيهقي: 2/ 197 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل : أثر رقم: 2032]
2- الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1 / 196 [كتاب الأذان والإقامة/ من كان يقول في أذانه حيّ على خير العمل - ح. 2240 - 2241]

وقال الإمام الحافظ أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني: «عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن رجل أن ابن عمر كان إذا قال في الأذان حي على الفلاح، قال حي على خير العمل ثم يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله».(1)

وقال أيضاً: «عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقيم الصلاة في السفر يقولها مرتين أو ثلاثا يقول على حي الصلاة على حي الصلاة حي على خيرالعمل».(2)

2) بلال مؤذن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم

لقد ثبت أنَّ مؤذن رسول الله بلالاً كان يقول في أذانه (حي على خير العمل)، فهذا خير دليل على ثبوت هذه الجملة في زمن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ؛ فقد قال البيهقي:

«أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ أَبُو الشَّيْخ الأَصْبَهَانِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ رُسْتَهُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ الْمُؤَذِّنُ عَنْ عَبْدِ الله بن مُحَمَّدِ بْن عَمَّارٍ وَعَمَّارٍ وَعُمَرَ ابْنَى حَفْصٍ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ أَجْدَادِهِمْ عَنْ بِلالِ: أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي بِالصُّبْحِ فَيَقُولُ : حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَها : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَتَرَكَ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ لَم تَثْبِّتْ عَنِ النبي صلى الله عليه و آله وسلم فِيمَا عَلَّمَ بِلاَلاً وَأَبَا مَحْذُورَةَ وَنَحْنُ نَكْرَهُ الزَّيَادَةَ فِيهِ. وبالله التَّوْفِيقُ».(3)

3) علي بن أبي طالب علیه السلام

ص: 437


1- المصنّف لعبد الرزاق: 1 /344[1/ 459]، [باب بدء الأذان / ح. 1790].
2- المصنّف لعبد الرزاق : 1 / 347 [1/ 463] ، [باب بدء الأذان / ح. 1801]
3- السنن الكبرى للبيهقي : 2/ 197 - 198 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل أثر :رقم 2034]

قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (ج 2 / ص 221):

ه

(تَنْبِيهٌ) كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ يَزِيدُ (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) بَعْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاح وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيعَةِ الْآنَ)

4 ) علي بن الحسين علیه السلام

روى البيهقي أيضاً أنَّ الإمام علي بن الحسين علیه السلام ، كان يقول في أذانه حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَل ويصفه بأنَّه هوَ الأَذَانُ الأَوَّلُ، فقد قال:

«وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَقُولُ في أَذَانِهِ إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاح قَالَ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ وَيَقُولُ: هُوَ الأَذَانُ الأَوَّلُ».(1)

وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة المتوفى سنة 235ه: حدثنا أبو بكر قال نا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه ومسلم بن أبي مريم أن علي بن حسين كان يؤذن فإذا بلغ حي على الفلاح قال حي على خير العمل ويقول هو الأذان الأول».(2)

ومما تقدَّم يتّضح لكلِّ منصف لبيب أنَّ قول ( حي على خير العمل) ليس بدعة من بدع الشيعة بل هي الأصل في الأذان وأنَّ الزيادة هي قول (الصلاة خير من النوم)، وأنها وضعت في زمن عمر بن الخطاب ، ومما يدعم أنَّ هذه الزيادة لم تكن من الأذان هو اختلافهم في جوازها، واختلافهم في مكانها من الأذان فلو كانت سنة جارية منذ زمن

ص: 438


1- السنن الكبرى للبيهقي : 2 / 197 [كتاب الصلاة - جماع أبواب الأذان والإقامة / باب ما روي في حي على خير العمل أثر :رقم: 2033]
2- الكتاب المُصَنَّف في الأحاديث والأخبار لابن أبي شيبة : 1 / 195 [كتاب الأذان والإقامة/ من كان يقول في أذانه حيّ على خير العمل - ح . 2239]

رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إلى زمننا هذا لما أمكن حصول اللاختلاف فيها لأنّ الأذان لم ينقطع منذ ذلك الوقت فكلّ يوم يذاع لمرات عديدة، فظهر أنَّ الخلاف بها ظهر نتيجة وضعها بعد زمن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم .

ص: 439

ص: 440

ممن أُخِذَ الأذان

يزعمون أنَّ الأذان أُخِذ من الرؤيا التي رآها عبد الله بن زيد بن عبد ربه، ونحن نعتقد بأنَّ الرَّسول صلى الله عليه و آله وسلم تلقاه عندما عُرج به إلى السماء، فقد جاء في بحار الأنوار:

«دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن على علیهما السلام أنه سئل عن قول الناس في الأذان إن السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم فأمر بالأذان ، فقال : الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد ؟ والأذان وجه دينكم؟

وغضب وقال: بل سمعت أبي علي بن أبي طالب علیه السلام يقول: أهبط الله عز وجل ملكا حتى عرج برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم - وساق حديث المعراج بطوله إلى أن قال: فبعث الله ملكا لم ير في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فأذن مثنى وأقام مثنى، وذكر كيفية الأذان

ثم قال جبرائيل علیه السلام النبي صلى الله عليه و آله وسلم: يا محمد هكذا أذن للصلاة

وعن أبي جعفرعلیه السلام قال : كان الأذان بحي على خير العمل على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وبه أمروا أيام أبي بكر وصدرًا من أيام ،عمر ، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة، فقيل له في ذلك فقال: إذا سمع عوام الناس أن الصلاة خير العمل، تهاونوا بالجهاد، وتخلفوا عنه، وروينا مثل هذا عن جعفر بن محمد علیهما السلام».(1)

قال أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني المتوفى سنة 360ه: «حدثنا

ص: 441


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 81 / 156

النعمان بن أحمد ثنا أحمد أحمد ثنا أحمد بن محمد بن ماهان حدثني أبي ثنا طلحة بن زيد عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لما أسري به إلى السماء أوحي إليه بالأذان فنزل به فعلمه جبريل لم يرو هذا الحديث عن زياد بن سعد إلا زمعة تفرد به أبو قرة».(1) (1).

ص: 442


1- المعجم الأوسط للطبراني : 413/6 [من اسمه نعمان / ح . 9247]

الخاتمة

لقد ثبت مما ذكرناه في هذا الكراس أن إقامة الجماعة في صلاة التراويح بدعة تخالف سنة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، فهي مخالفة صريحة للنهي الصريح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، وقد صرّح فقهاؤنا بعدم جواز أدائها جماعة، كما رفض جماعة من الصحابة، والتابعين أنْ يصلّوها جماعة، إضافة إلى ذلك فقد أفتى بعض علماء السنة باستحباب صلاتها فرادى، وأنّها لم تُصَلَّ جماعة طيلة حياة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم، وكان الصحابة يُصلونها فرادى بعد وفاته في خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حتى أمرهم أمرهم عمر بن الخطاب بصلاتها جماعة، وقد ذكر البخاري أن عمر بن الخطاب سماها بدعة، فقَالَ: «نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ».

وأما قول المؤذن (حيَّ على خير العمل) في الأذان فهو أحد أجزاء الأذان الذي كان بلال يؤذن به في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، و أن عمر بن الخطاب هو الذي حذف (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) من الأذان!، واستبدل مكانها شعار (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ)، وقد واظب بعض الصحابة، والتابعين على ذكر (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) في الأذان كالإمام علي بن أبي طالب علیه السلام، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والإمام علي بن الحسين علیهما السلام. وكان الإمام زين العابدين علیه السلام يقول : هو الأذان الأول. وبهذا تتهافت الشبهات المدفوعة المغرضة التي هدفها تشتيت وحدة المسلمين وبث روح التفرقة والشقاق بينهم.

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل، وينفع به إخواننا المؤمنين، وآخر دعوانا أن الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ص: 443

ص: 444

الباب الثاني عشر

اشارة

نَفْيُ رُوْيَّةَ اللهِ

في الكتاب والسُّنْةِ والعَقِل

ص: 445

ص: 446

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين أمَّا بعد فلقد كانت حياة الإنسان في العصور السابقة بدائية اعتمدت على المحسوسات في الأعم الأغلب، فهي تختلف عما نحن عليه اليوم من التقدم والرقي العلمي الذي أصبح التعامل فيه مع الأمور غير المرئية أمراً معتاداً في حياتنا اليومية كانتقال الصورة والصوت عبر الأثير والفضاء الخارجي للفضائيات وشبكة الإنترنت والموبايل وأجهزة التحكم عن بعد، والأجهزة التي ترسل الذبذبات إلى الأقمار الصناعية إلى غيرها من الأمور التي يطول حصرها، إضافة إلى اكتشاف العوالم المجهريَّة للكائنات الحيّة وغيرها من الأمور التي لا تُرى بالعين المجردة، فتعامل الإنسان اليوم مع هذه الأجهزة التي تصدر إشارات أو ذبذبات أو صور لا نراها في الفضاء الخارجي ولكن نؤمن بوجودها رغم عدم إمكان رؤيتها - أصبح أمراً معتاداً لا ينكره أجهل الناس، فلذا أصبح من السهل الاعتقاد بالأمور الغيبية غير المرئية، وأما الإنسان في العصور القديمة فلم يصل إلى ما توصل إليه الإنسان في العصر الحاضر ، فكانت حياته تنحصر بالأمور المحسوسة، فهو لا يؤمن أو يصعب عليه الإيمان والاعتقاد إلا بالمحسوسات فلم يتقبل أغلب البشر آنذاك فكرة عدم إمكان رؤية الخالق لذا كثرت عبادة الأوثان، وطلب اليهود مِن موسى رؤية الله

ص: 447

تعالى، وجعلوها شرطاً لإيمانهم، فأخبرهم الله تعالى بعدم تمكن البصر من رؤية الله تعالى، وانتقلت هذه الفكرة إلى بعض المسلمين عن طريق اليهود، فراح الكثير منهم يلتمس الخلوات معتقداً تجلّي الخالق فيها، والأمر الذي يدعو إلى التعجب والاستغراب منهم هو إصرارهم على رؤية الله تعالى في الدنيا أو في الآخرة، وكأنَّ القوم لم يؤمنوا بالله تعالى إذا لم يروه ! كما صرح أحد أئمتهم قائلاً: «لو لم يُوقِن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله تعالى».(1) !! ، فما أشبه هذا القول بقول اليهود:«قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً»[البقرة: 55].

ومن الأمور التي تثبت هشاشة هذه العقيدة وبطلانها هو اختلافهم الشديد واضطرابهم فيها؛ فقد اضطربوا في مسألة رؤية الله عزّ وجل اضطراباً لم يسبق له مثيل في أي مسألة من مسائلهم الخلافية حتّى ذهبوا إلى تسع عشرة مقالة في رؤية الله تعالى؛ فاختلفوا هل يُرَى في الدنيا والآخرة أو يرى في الآخرة فقط، فاختلفوا في زمان ومكان رؤيته إلى أربعة أقوال الأوّل زعموا أنّهم يرون الله تعالى في الجنة خاصة، والقول الثاني زعموا أنَّ الله تعالى يُرَى يوم القيامة، والقول الثالث زعموا أَنَّه يُرَى بعد الموت مباشرة، والقول الرابع: أنه يُرَى في الدنيا والآخرة. كما اختلفوا في كيفية رؤية الله تعالى إلى عِدَّة مذاهب : الأَوَّل أَنَّه يُرى بالعين المجرَّدة، والثاني أنه يُرَى بلا كيف، والثالث أنه يتجلّى على صورة آدم والرابع : لا يُرى بالعين، وإنما يُرى بحاسة سادسة يخلقها الله تعالى يوم القيامة، كما اختلفوا في مَن يرى الله تعالى إلى ثلاثة :أقوال الأوَّل لا يراه إلاّ المؤمنون، والثاني: يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم، والثالث: يراه المنافقون دون الكفار ، فكلُّ هذا التضارب والاختلاف والتعارض يؤدي إلى تساقط هذه الأقوال والرجوع إلى أصالة البراءة من هذه الصفة الحادثة الله تعالى وهي صفة إمكان الرؤية لأنَّ

ص: 448


1- شرح أصول اعتقاد أهل السنة لهبة الله اللالكائي : 3 / 506

الأصل هو ثبوت صفات الله تعالى وعدم حدوثها، ومن صفات الله تعالى صفة عدم الرؤية، فلا يراه الإنسان في الدنيا وكذا في الآخرة فهي صفة ثابتة لا تتغير، وقد وردت آیات عديدة في القرآن الكريم تنفي إمكان روية الله تعالى كما وردت بعض الأحاديث في كتب السنة تنفي إمكان رؤية الله تعالى. وكذلك مذهب أهل البيت علیهم السلام ومن تبعهم مِن الإمامية، ومذهب المعتزلة والزيدية قائلون بامتناعها في الدنيا والآخرة، واستدلَّ الإمامية على نفي الرؤية بالعقل، والنقل عن أهل البيت عليهم السلام، ومن أدلتهم العقلية ة أنَّ الرؤية لا تصح إلا على الأجسام أو الجوهر أو الألوان، وهي تستلزم أن يكون المرئي بجهة أو مكان، والإشارة إلى المرئي والاتصال به والجهة والمكان والإشارة والاتصال تشخيص خارجي لمواضعها ، وذلك محال على الله تعالى لاستلزامه التجسيم المحال.

هذا وقد جمع هذا الكرَّاس أهم ما يحتاجه المحاور من الأدلة القرآنية والحديثية والأدلة العقلية التي تثبت بطلان نظرية رؤية الله تعالى في الدنيا أو في الآخرة، إضافة إلى الإجابة عن بعض الشبهات والإشكالات والأوهام التي اعتاد المخالف طرحها في مسألة رؤية الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكراس نافعاً لإخواننا المؤمنين ولمن يطلب طريق الرشاد.

ص: 449

ص: 450

حکم منکري الرؤية

لقد تشدّد بعض علماء السنة في مسألة رؤية الله تعالى حتى ذهبوا إلى تكفير من لم يؤمن بها، ومن هؤلاء إمام الحنابلة ؛ قال الشيخ محمد رشيد «فَالْإِمَامُ أَحْمَدُ كَفَرَ مُنْكِرِي الرُّؤيَةَ».(1)

ولم يقبلوا في ذلك أي استدلال، بل لم يكن لهم استعداد لسماع أي حديث من الأحاديث التي تنفي الرؤية، فتشدَّدوا في هذا الأمر ولعنوا كلَّ مَن يُحدِّث بحديث ينفي الرؤية، فلم يقبلوا النظر في مثل هذه الأحاديث مخالفين بذلك المنهج العلمي الصحيح لدراسة الأحاديث؛ فقد قيل لأحمد بن حنبل في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف أن الله لا يُرَى في الآخرة فقال : لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم، ثم قال أَخْزَى الله هذا».(2)

ولم يكتفوا باللعن والشتم، فقد وصل ببعضهم الحال إلى إصدار حكم القتل ضدَّ كلِّ مَن لم يؤمن برؤية الله تعالى إذ ذكروا أنه قيل لمالك: إنهم يزعمون أن الله لا يُرى، فقال مالك: السيف السيف !!

واستمرَّ هذا الجمود والتطرُّف الفكري منذ القِدَم وحتّى عصرنا الحاضر، فقد غالى مفتي السعودية عبد العزيز بن باز في فتواه فأفتى بأن من ينكر رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة لا يُصَلَّى خلفه، وهو كافر، واستدل على ذلك بما ذكره ابن القيم في كتابه

ص: 451


1- تفسير المنار لمحمد رشيد : 118/9[سورة الأعراف/ آية: 144]
2- معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول للحافظ بن أحمد حكمي : 1 / 341

«حادي الأرواح» : ذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك: إنّ قوماً يزعمون أنّ الله لا يُرى يوم القيامة، فقال مالك: السيف السيف.

وقد تنبَّه بعض علماء السنة لهذا الجمود الفكري والتطرّف، فراح يناقش المسألة بروح علمية كما فعل الشيخ محمد رشيد، فأخذ يعلل سبب تكفير أحمد بن حنبل لمنكري الرؤية فقال: «لِاعْتِقَادِهِ فِيمَا نَرَى أَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ زَنْدَقَةٍ، لَا لِأَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ نَفْسَهُ زَنْدَقَةٌ، بحَيْثُ يَرْتَدُّ المُسْلِمُ المؤمِنُ بالنُّصُوص كُلِّهَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَعَمَلِهِ إِذَا فَهِم أَنْ آيَاتِ نَفْي الرُّؤْيَةِ هُوَ الْأَصْلُ المُحَكَمُ الَّذِي يُرَدُّ إِلَيْهِ مَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي إِثْبَاتِهَا؛ إذ الاَوَّلُ هُوَ المَوَافِقُ لِلْعَقْل وَالنَّقْل وَهُوَ التَّنْزِيهُ، دُونَ الْآخَرِ المُسْتَلْزِمِ عِندَهُ لِلتَّشْبِيهِ الواجب تَأْوِيلُهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوصِ لَا لِرَدِّ شَيْءٍ مِنْهَا.

وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَعْذُرُونَ المُتَأَوّلَ وَكَذَا الْجَاحِدَ مَا لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُكَفِّرُونَهُ بِمُخَالَفَتِهِ لِلظَّوَاهِر».(1)

وقال أيضاً في سياق تضعيف حجة تلك الفتاوى التكفيرية فقال: «الرُّؤْيَةُ لَيْسَتْ مِنْ أُصولِ الْإِيمَانِ الْقَطْعِيَّةِ.

قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ نَصٌ أُصُولِيٌّ وَلَا لُغَوِيٌّ مُتَوَاتِرٌ قَطْعِيُّ الرِّوَايَةِ وَالدَّلَالَةِ يَجْعَلُهَا مِنَ الْعَقَائِدِ المُجْمَع عَلَيْهَا المَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَيْسَتْ مِمَّا كَانَ يُدْعَى إِلَيْهِ فِي تَبْلِيغ الدِّينِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَنْ يَجْهَلُهَا أَوْ يُنْكِرُهَا كَافِرًا، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ غَرِيب الْعِلْمِ إِلَّا عَلَى الَّذِي يَسْتَنبِطُهُ مِنَ الْقُرْآنِ كِبَارُ الْعَارِفِينَ، وَرُبَّمَا كَانَ فِتْنَةٌ لَنْ دُونَهُمْ - وَكَذَلِكَ كَانَ - حَتَّى إِنَّ كِبَارَ النُّظَّارِ وَعُلَمَاءَ الْبَيَانِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي كُلِّ مِنَ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْوَارِدَةِ فِيهَا: فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ(2)

ص: 452


1- تفسير المنار لمحمد رشيد: 118/9 [سورة الأعراف/ آية : 144]
2- یعنی قوله تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[الأنعام: 103]

وَالْأَعْرَافِ (1)، وَالْقِيَامَةِ(2). فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ مُثْبِتَةً وَبَعْضُهُمْ نَافِيَةً، وَالْقَاعِدَةُ فِي دِينِ الرَّحمةِ وَالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ أَنَّ الحَجَّةَ لَا تَقُومُ عَلَى جَميعِ المُكَلَّفِينَ إِلَّا فِيمَا كَانَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لُغَةً، وَأَنَّهُمْ يُعْذَرُونَ بِاخْتِلَافِ الْأَنْهَام في غَيْرِهِ».(3)

وقال أيضاً: «لَوْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ عَقِيدَةً عَامَّةً وَرُكُنَّا مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ لَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ صَريحَةٍ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، نَاطِقَةٌ بِأَنَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ عِبَانًا بِلَا كَيْفِ وَلَا إِحَاطَةٍ وَلَا تمثيل، وَلَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وسلم حِينَ عَرَّفَ الْإِيمَانَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ بَعْدَ قَوْلِهِ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ": وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِأَبْصَارِهِمْ عِيَانًا بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهِ، وَلَأَمَرَ بِتَلْقِينِ هَذَا لِكُلِّ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَتَوَاتَرَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الْجُرْيُّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَإِذَنْ لَمَا وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ، وَلَمَا اسْتَنْكَرَتْ عَائِشَةُ سُؤَالَ مَسْرُوقٍ إِيَّاهَا عَنْ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم لِرَبِّهِ حَتَّى قَفَّ شَعْرُهَا مِن اسْتِعْظَامِ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ لَمَا اسْتَنْكَرَتْ وَاسْتَكْبَرَتْ حُصُوهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم في الدُّنْيَا امْتِيَازًا لَهُ؛ لِأَنَّ رُوحَهُ فِيهَا أَقْوَى مِنْ أَرْوَاحٍ سَائِرِ المُؤمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ فَيَطِيقُ مَا لَا يُطِيقُهُ غَيْرُهُ حَتَّى مُوسَى علیه السلام وَلَقَاسَتْ هَذَا الاِمْتِيَازَ عَلَى النَّاسِ بِامْتِيَازِهِ – عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللهِ - عَلَيْهِمْ بِالْوَحْيِ وَرُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عَالَم الْغَيْبِ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه و آله وسلم كَانَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاج فِي ذَلِكَ الْعَالَم لا في عالم الْأَرْضِ».(4)

ص: 453


1- يعني: قوله تعالى:«وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»[الأعراف/ 143].
2- يعني قوله تعالى:«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»[القيامة / 22، 23]
3- تفسير المنار لمحمد رشيد : 137/9 سورة الأعراف/ آية : 144]
4- تفسير المنار لمحمد رشيد : 137/9[سورة الأعراف آية : 144]

فمسألة رؤية الله تعالى من المسائل الكلامية التي اختلفت فيها آراء علماء المسلمين، ولكل فريق منهم أدلته وحججه الخاصة التي تستند إلى الكتاب والسنة، فلا يجوز تكفير منكري الرؤية إذا كان سبب إنكارهم يستند إلى الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة إضافة إلى استلزام الرؤية إثبات الجسمية لله تعالى، وتشبيه الخالق بالمخلوق، وعدم القول بالرؤية يؤدي إلى تنزه الخالق عن صفات المخلوقين.

وسنذكر الأدلة النقلية والعقلية التي تنفي رؤية الله تعالى بالأبصار.

ص: 454

الآیات القرانیة التی تصرح بعدم امکان رؤية الله تعالى

اشارة

لقد ذكر القرآن الكريم آيات عديدة تصرح بعدم جواز رؤية الله تعالى من دون تقييد بمكان أو زمان، وأن بعضها يفيد بأنَّ طلب الرؤية ذنب يعاقب الله تعالى عليه، وهي كما يلي:

الآية الأولى : تفيد أن موسى علیه السلام يتوب إلى الله تعالى من طلب الرؤية

وأنّه أول المؤمنين الذين يؤمنون بأنَّ الله تعالى لا يُرى، وذلك قوله تعالى:«وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»[الأعراف/ 143].

فلو كانت الرؤية من أفضل نعم الجنَّة كما يزعمون لما تاب موسى من طلب الرؤية لأن طلب نعمة من نعم الجنَّة في الحياة الدنيا لا يُعدّ ذنباً .

الآية الثانية : تفيد نزول العذاب على من طلب رؤية الله تعالى من بني إسرائيل

قال الله تعالى:«وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ»[البقرة/ 55]. فالله تعالى يستعظم الرؤية ويستفظع سؤالها ويقبّحه ويعدّ الإنسان قاصراً عن أن ينالها على وجه ينزل العذاب عند سؤالها، فلو كانت الرؤية أمراً ممكناً يوم القيامة، لتلطف عليهم الله تعالى، وأخبرهم بأنهم سيرونه في الحياة الآخرة لا في الحياة الدنيا، ولكن نرى أنّ الله تعالى يقابلهم بنزول الصاعقة فيقتلهم ثمّ يحييهم

ص: 455

بدعاء موسى. علیه السلام

الآية الثالثة : تفيد أن طلب رؤية الله تعالى ذنب يعاقب الله تعالى عليه

وهو أكبر إثماً ممن طلب نزول كتاب من السماء، وذلك في قوله تعالى:«يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا»[ النساء / 153]، فلو كانت رؤية الله تعالى ممكنة يوم القيامة لما سمي طلب الرؤية ظلماً، وتعدّياً عن الحد و لأُخْبِرَ بنو إسرائيل عن جوازها القيامة، ولما عُوقِبوا على هذا الطلب لاسيما أن بني إسرائيل طلبوا من موسى أنْ يوم يجعل لهم صنماً يعبدونه فلم يُعاقبوا على طلبهم هذا بل نصحهم موسى، وبين لهم وجه خطئهم كما جاء في قوله تعالى: «وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»«إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»«قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ»[الأعراف: 138 - 140]

فيقال لمن زعم . رؤية الله تعالى يوم القيامة من أعظم نعم الجنة: لو كان زعمك صحيحاً لما ذم الله تعالى طلب الرؤية ولما وصفه بالظلم لأنَّ طلب النعمة أو النعيم أو الجنة لا يُسَمَّى ظلماً ، فقد طلبت امرأة فرعون قصراً في الجنة، فمدحها القرآن على طلبها هذا فقال: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»[التحريم / 11].

وقد استنكر القرآن الكريم طلب الرؤية استنكاراً شديداً، ووصفه كَمَنْ يَتَبَدَّلُ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ وحذر المسلمين منه فقال :«أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا

ص: 456

سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ»[البقرة: 108]، قال الثعلبي: «أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ» محمداً «كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ» سأله قومه فقالوا: أرنا الله جهرة».(1)

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى :«كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ»: «سؤالهم إياه أن يريهم الله جهرة».(2)

فكيف تكون رؤية الله تعالى من أعظم النعم ووصف الله تعالى طلبها بِتَبَدُّلِ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ وحذر المسلمين منها ؟! خصوصاً وأنَّ القرآن الكريم لم يترك نعمة من نعم الجنة إلا ذكرها، فكيف يترك ذكر أفضل نعمة ؟!

فلو كانت رؤية الله تعالى من أفضل نعم الجنَّة كما يزعم مثبتو الرؤية لما تركها القرآن الكريم، فمن أين لهم هذا الافتراء على الله تعالى ؟!

الآية الرابعة : تذم الكفار لطلبهم رؤية الله تعالى.

وذلك في قوله تعالى:

«وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا»[الفرقان: 21]

الآية الخامسة : تنفي بصورة مطلقة رؤية الله تعالى بالبصر؛ قال الله تعالى

«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[الأنعام / 103].

ص: 457


1- الكشف والبيان للثعلبي : 257/1 [سورة البقرة، الآيات : 107-109]
2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : 49/2[سورة البقرة/ آية : 108]

الآية السادسة : تنفي أن يكون مثيل لله، فهي تنفي الرؤية والجسمية والتشبيه عن الله تعالى.

قال الله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءُ وَهُوَ السَّمِيعُ»[الشورى: 11]

وهكذا يُلاحظ أنّ الآيَاتِ المتقدمة تنفي رؤية الله تعالى بالبصر بصورة صريحة وواضحة بخلاف الآيات التي يستدلون بها على إثبات الرؤية فإنها لا تدل على ما يزعمون بصورة صريحة، كقوله تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ»[يونس : 26 ] ، وسيأتي ذكر الآيات التي يستدلون بها على رؤية الله تعالى.

ص: 458

نفي رؤية الله تعالى في الأحاديث والآثار

اشارة

لقد وردت أحاديث عديدة في كتب السنة تنفي رؤية الله تعالى نذكر طائفة منها:

الحديث الأول : يفيد أن المسلم سَيُكَلِّمُهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ

فينظر فلا يرى شيئاً ! فهو خير دليل على عدم رؤية الله يوم القيامة.

قال البخاري: «... قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ الله وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمرَةٍ».(1)

وقال أيضاً: «قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا سَيُكَلَّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمرَةٍ». قَالَ الأَعْمَشُ وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ خَيْثَمَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ وَلَوْ «بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»(2). وروي هذا الحديث في صحيح مسلم أيضاً.(3)

ص: 459


1- صحيح البخاري: 1191 [كتاب الرقاق / باب من نوقش الحساب عذب - حديث : 6539]
2- صحيح البخاري : 1357 [كتاب التوحيد باب كلام الرب عز وجل يوم حديث : 7512].
3- صحیح مسلم : 394 [ح . 67 - (1016) - كتاب الزكاة / باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة].
الحديث الثاني : يفيد أنَّ الله لا يُرى أبداً

ولا يستطيع أحد أن يراه بعد الموت أو يوم القيامة أو في الجنَّة؛ حيث جاء فيه: «مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَرَى الله»، فإن قيل: هذا يختص بالحياة الدنيا.

فالجواب: إنَّ لفظ الحديث مخصص لزمن الاستقبال بقرينة «أَنْ يَرَى الله»، فإِنَّ (أَنْ) المصدرية تُعَيّن زمن الفعل المضارع للاستقبال،فالرؤية في الحديث منتفية بزمن الاستقبال ؛ والحديث جاء في سنن ابن ماجة:

«حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمُيِّتَ يَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ فَيُجْلَسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي غَيْرِهِ غَيْرَ فَزع وَلَا مَشْعُوفٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنتَ فَيَقُولُ: كُنتُ في الإسلام. فَيُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ الله فَصَدَّقْنَاهُ.

فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ اللهُ فَيَقُولُ: مَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللَّهُ. فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ الله...»».(1)

قال محمد ناصر الدين الألباني في (صحيح وضعيف سنن ابن ماجة) بعد ذكر هذا الحديث: «صحيح».

وروى هذا الحديث ابن حبان بسنده عن أبي هريرة أيضاً.(2)

الحديث الثالث: نفي عائشة لإمكان رؤية الله تعالى

قال مسلم: «... عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ مُتَكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ : يَا أَبَا عَائِشَةَ

ص: 460


1- سنن ابن ماجة : 692[كتاب الزهد / باب ذكر القبر والبلى-ح. 4268]
2- ينظر : صحيح ابن حبان: 16 / 489

ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّه الْفِرْيَةَ. قُلْتُ مَا هُنَّ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه و آله وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّه الْفِرْيَةَ. قَالَ وَكُنْتُ مُتَكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: يَا أُمّ المُؤْمِنِينَ أَنْظِرِينِي وَلَا تَعْجَلِينِي أَلَمْ يَقُلِ الله عَزَّ وَجَلَّ «وَلَقَدْ رَءاهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ» ، «وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى» . فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وسلم فَقَالَ: "إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ التي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المُرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. فَقَالَتْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ الله يَقُولُ «لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» أَوَلَمْ تَسْمَعُ أَنَّ الله يَقُولُ «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ اللهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَأَئِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ، مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلَيٌّ حَكِيمٌ»...».(1)

فعائشة هنا تذكّر مسروقاً وكأنها تقول له: كيف تعتقد برؤية الله تعالى ألم تَسْمَعْ أنَّ الله يَقُولُ »لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطيف الخبير» ؟!، ألم تعرف أن الله لا يكلم البشر مباشرة إلا وَحْيَا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، فإذا كان الكلام مباشرة لا يجوز، فكيف تجوز الرؤية ؟!

قال محمد رشید بعد ذكر هذا الحديث: «فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَائِشَةَ تَنْفِي دَلَالَةَ سُورَةِ النَّجْمِ عَلَى رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم لِرَبِّهِ بِالحَدِيثِ الْمَرْفُوع، وَتَنْفِي جَوَازَ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا أَوْ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالاِسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» وَقَوْلُهُ : «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَائِ حِجَابٍ»(2) فَلَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ فِي الآخِرَةِ ثابتة أو كانت عَقِيدَةً يُطَالَبُ المُسْلِمُونَ بِالْإِيمَانِ بِهَا لَمَا جَهِلَتْهَا عَائِشَةُ.

وجاء في صحيح البخاري: «... عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله

ص: 461


1- صحیح مسلم : 88 [ح 28 - (177) - كتاب الإيمان باب في ذكر سدرة المنتهى]
2- تفسير المنار لمحمد رشيد : 134/9[سورة الأعراف آية : 144]

عنها - قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ ، وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ، وَخَلْقُهُ سَادٌّ مَا بَيْنَ الأُفُق».(1)

وجاء في صحيح مسلم : ... «عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى»«فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»«فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»؟.

قَالَتْ: إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ علیه السلام كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ المَرَةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِي صُورَتُهُ فَسَدَّ أَفْقَ السَّمَاءِ».(2)

وجاء في صحيح مسلم أيضاً عن : ... «مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها - يَا أُمَّتَاهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وسلم رَبَّهُ فَقَالَتْ لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ، مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه و آله وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ. ثُمَّ قَرَأَتْ لَا «تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصاَر وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ».«وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآئِ حِجَابٍ» . وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا» وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ ي«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ - علیه السلام- فِي صُورَتِهِ مَرَّتَننِ»(3). ورواه مسلم أيضاً بإسناده عن مسروقٍ.(4)

وقال البخاري: «... عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلی الله علیه و آله وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»[الأنعام / 103]

ص: 462


1- صحيح البخاري : 594[كتاب بدء الخلق / باب إذا قال أحدكم آمين - حديث : [3234]
2- صحیح مسلم : 88 [ح. 290 - (177) - كتاب الإيمان باب معنى قول الله عز وجل «وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً» أُخْرَى وهل رأى النبي ربه ليلة الإسراء]
3- صحيح البخاري : 906 [كتاب تفسير القرآن سورة النجم - حديث : 4855]
4- صحیح مسلم : 88 [ح. 289 - (177) - كتاب الإيمان باب معنى قول الله عز وجل وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزَلَةً أُخْرَى وهل رأى النبي صلی الله علیه و آله وسلم به ليلة الإسراء]

وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلا الله».(1)

فلو كانت رؤية الله تعالى ممكنة يوم القيامة لما قالت عائشة: «لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ»، ولما استشهدت على عدم الرؤية بقوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» ، فعائشة تريد نفي الرؤية مطلقاً، أي سواء كانت الرؤية في الدنيا أو في الآخرة، ودليل أنها تريد نفي إمكان الرؤية مطلقاً هو تفسير أحد كبار علماء السنة لقولها حيث قال ابن حبان: وخبر عائشة أنه لا تدركه الأبصار فإنما معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة إلَّا مَن يتفضل عليه من عباده بأن يجعله أهلاً لذلك».(2)

ولكن ابن حبان أخطأ عندما فسَّر الإدراك بمعنى الإحاطة، لأنه لو كان الإدراك بمعنى الإحاطة لما استشهدت عائشة على عدم رؤية النبي صلی الله علیه و آله وسلم عل بقوله تعالى : «لاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» ، ولاعترض عليها (مسروق) بأن الآية لا تصلح لها شاهداً، فسكوت (مَسْرُوق) ينبئ عن فهمه لمعنى الإدراك بمعنى الرؤية، واستشهاد عائشة وسكوت مَسْرُوق خير دليل على دلالة الإدراك في الآية على معنى الرؤية.

وقد توهم الرازي بقوله : «... إنّ عائشة رضي الله عنها تمسكت بهذه الآية في نفي الرؤية، فنقول : معرفة مفردات اللغة إنما تكتسب من علماء اللغة».(3)

فهذا يعني أنَّ عائشة تجهل لغتها الحجازية، وأنَّ ابن منظور الأفريقي صاحب لسان العرب والجوهري التركي صاحب صحاح اللغة أفهم من عائشة في لغتها، وأفهم من أهل الحجاز في لغتهم لأنهم من علماء اللغة، وهذه المقولة لم يقلها أحد من

ص: 463


1- صحيح البخاري : 1334 [كتاب التوحيد / باب قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» - حديث : 7380]
2- صحيح ابن حبان : 1 / 259
3- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 13 / 105 [سورة الانعام / الآية: 103]

علماء اللغة، لأنهم يأخذون معاني مفردات اللغة من العرب الأوائل، ويستشهدون بأشعارهم، وهذا التصرف ليس غريباً من بعض علماء الجمهور، فتراهم يسقطون عائشة إذا اقتضت الحاجة لإسقاطها، ويرفعون غيرها لموافقة قول الغير لأهوائهم، كما قَالَ «مَعْمَر بْن رَاشِد حِين ذَكَرَ اِخْتِلَاف عَائِشَة وَابْن عَبَّاس(1): مَا عَائِشَةَ عِنْدَنَا بِأَعْلَمَ مِنْ اِبْن عَبَّاس، ثُمَّ إِنَّ اِبْن عَبَّاس أَثْبَتَ شَيْئًا نَفَاهُ وَالمُثبت مُقَدَّم عَلَى النَّافِي، هَذَا كَلَام صَاحِب التحرير».(2)

ولنا أن نتساءل هنا ونقول : لماذا قدمتم ابن عباس هنا وأخذتم برأيه، ولم تأخذوا برأيه عندما أفتى بحلية المتعة، وقرأ قوله تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً»!(3)

فمتى رأيتم رواية ابن عباس توافق أهواءكم قلتم بأنه أعلم من عائشة، وإذا وجدتم رواية عائشة توافق أهواءكم قلتم قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «خذوا ثلثي دينكم من هذه الحميراء»(4). فأين الأمانة العلمية والإنصاف؟!!

وبهذا يندفع قول من زعم أن إدراك الأبصار في هذه الآية لا يراد به الرؤية.

قال ابن حجر «قوله : «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيا أَوْ مِن وَرَائِ حِجَابٍ» : هُوَ

ص: 464


1- يقصد باختلاف عائشة وابن عباس أن عائشة نفت رؤية النبي في المعراج لربه، وان ابن عباس أثبتها
2- شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 9/3 [كتاب الإيمان / باب (77) -ح. 286]
3- جاء في الكشف والبيان للثعلبي : 286/3 [سورة النساء / الآيات : 22-28]: «روی داود عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن المتعة فقال: أما تقرأ سورة النساء؟ قلت: بلى، قال: فما تقرأ «فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً» ؟ قلت: لا أقرأها هكذا. قال ابن عباس: والله لهكذا أنزلها الله، [أقسم ابن عباس] ثلاث مرّات»
4- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي : 31/3 [سورة القدر الآيتان : 2،3]

دَلِيل ثَانٍ اِسْتَدَلَّتْ بِهِ عَائِشَة عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ مِنْ نَفْي الرُّؤْيَة، وَتَقْرِيره أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى حَصَرَ تَكْلِيمه لِغَيْرِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهِ، وَهِيَ الْوَحْي بِأَنْ يُلْقِي فِي رَوْعه مَا يَشَاء، أَوْ يُكَلِّمهُ بِوَاسِطَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، أَوْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ رَسُولًا فَيُبَلِّغَهُ عَنْهُ، فَيَسْتَلْزِم ذَلِكَ انْتِفَاء الرُّؤْيَة عَنْهُ حَالَة التَّكَلُّم».(1)

فإن قيل : إنَّ ابن عباس أثبت الرؤية؟

قلنا: قد أجاب ابن حجر العسقلاني عن ذلك بأنَّ ابن عباس كان يريد من الرؤيا الرؤيا بالقلب؛ فقد قال: «وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق أَبِي الْعَالِيَة عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ فِي قَوْله تَعَالَى «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»«وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى» قَالَ: رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ مِنْ طَرِيق عَطَاء عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ وَأَصْرَحَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق عَطَاء أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاس قَالَ : لَمْ يَرَهُ رَسُول الله صلى الله عليه و آله وسلم بِعَيْنِهِ ، إِنَّمَا رَآهُ بقَلْبِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِن الجُمْع بَيْن إِثْبَات ابْن عَبَّاس وَنَفَي عَائِشَةَ بِأَنْ يُحْمَل نَفْيهَا عَلَى رُؤيَة الْبَصَر وَإِثْبَاتِه عَلَى رُؤْيَة الْقَلْب».(2)

وقال مسلم: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ».(3)

فلو كانت الرؤية ممكنة لتمكّن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من رؤيتة في المعراج.

ص: 465


1- فتح الباري لابن حجر العسقلاني : 784/8 [كتاب التفسير / سورة 53 / باب 1/ ح . 4855]
2- فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 782/8 - 783 [كتاب التفسير / سورة 53 / باب 1/ح. 4855]
3- صحیح مسلم: 87 [ح . 284- (176) - كتاب الإيمان / باب معنى قول الله عز وجل و«وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى»وهل رأى النبي ربه ليلة الإسراء]
الحدیث الرابع

قال مسلم: «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم : هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ : " نُورٌ أنِّي أَرَاه"».(1)

ومعنى الحديث كما جاء في لسان العرب: «كيف أراه وحجابه النور أي أن النور يمنع من رؤيته»(2)، فنفى النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم امكان رؤية الله تعالى وهذا النفي مطلق غير مقيد فلا يمكن رؤيته في الأرض ولا في السماء، ولا يوم القيامة حتى في عروج النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم إلى السماء الَّذي يعدُّ معجزة خارقة عظيمة رأى فيها الملائكة، و أشياء أخرى، ولم يتمكن من رؤية الله تعالى.

الحديث الخامس

قال :مسلم : .... عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ یَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»».(3)

قال النووي في تفسير هذا الحديث: «وأما الحجاب فأصله في اللغة المنع والستر وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة والله تعالى منزه عن الجسم والحد والمراد هنا المانع من رؤيته، و سَمَّى ذلك المانع نورًا أو نارًا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة الشعاعهما والمراد بالوجه الذات والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه جميع المخلوقات

ص: 466


1- صحیح مسلم : 89 . [ح . 291 - (178) - كتاب الإيمان باب قوله : نور أنى أراه]
2- لسان العرب لابن منظور : 322/14 [نور]
3- صحیح مسلم: 89[. 293 - (179) - كتاب الإيمان باب فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه و آله وسلم «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ». وَفِي قَوْلِهِ «حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبْحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»]

لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات ولفظة «مِن» لبيان الجنس لا للتبعيض والتقدير : لو أزال المانع من رؤيته وهو الحجاب المسمّى نورًا أو ناراً وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته».(1)

فهذا الحديث يفيد استحالة رؤية الله تعالى دائماً بسبب تقييده ب_(لو) الشرطية الامتناعية التي تفيد انتفاء شرطها وجوابها، أي: انتفاء كشف الحجاب، فكشف الحجاب ممتنع لأنه إن كشف الله تعالى الحجاب أدى إلى إحراق الخلق، كما حصل للجبل من الدك عندما تجلى الله له؛ قال الله تعالى: «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا»[الأعراف / 143] . وحَمْلُ هذا الحديث على الرؤية في الدنيا دون القيامة تعسف لخلوه من القرائن الدالة على اختصاصه بالحياة الدنيا دون الآخرة.

الحديث السادس

جاء في صحيح مسلم : ... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»«وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى»، قَالَ : رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ».(2)

فهذا خير دليل على أن الرؤيا تكون بالقلب لا بالعين لقوله عزّ وجلّ «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»، أي لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد.

الحديث السابع

يفيد عدم تمكن الملائكة من رؤية الله تعالى ؛ فقد روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : " إن الله خلق إسرافيل منذ يوم خلقه صافاً قدميه لا يرفع بصره بينه وبين

ص: 467


1- شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 17/3 [كتاب الإيمان / باب (79)-ح. 293]
2- صحیح مسلم: 87-88 [ح. 285 - (176) - كتاب الإيمان باب معنى قول الله عز وجل «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى» . وهل رأى النبي ربه ليلة الإسراء]

الرب تبارك وتعالى سبعون نورًا ما منها من نور يدنو منه إلا احترق ". رواه الترمذي وصححه».(1)

«رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا " سَأَلْتُ جِبْرِيلَ هَلْ تَرَى رَبَّكَ؟ قَالَ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، وَلَوْ رَأَيْتُ أَدْنَاهَا لَاحْتَرَقْتُ " وَرَوَاهُ عَنْهُ سَمَّوَيْهِ بِلَفْظِ : " سَبْعِينَ أَلْفَ حِجَابٍ مِنْ نُورٍ وَنَارٍ " وَفِي النَّهَايَةِ لابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: «لله دُونَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَابًا لَوْ دَنَوْنَا مِنْ أَحَدِهَا لَأَحْرَقَتْنَا سُبْحَاتُ وَجْهِ رَبِّنَا وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَحِيحَةُ المَعْنَى، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةَ الْإِسْنَادِ لَا يُؤَيَّدُهَا مِنَ الصَّحَاحِ».(2)

ومِن هنا يُفْهَم بأنَّ الله تعالى لو كان يُرَى لرأته الملائكة قبل كل مخلوق لأنها الأقرب الله تعالى، فهي تسمع كلام الرحمن وتتكلم معه، وعلى اتصال مستمر مع الله تعالى، تُنَفِّذُ أوامره، ومنهم حملة العرش، و «تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ»[المعارج: 4] ، فإذا كانت الملائكة لا تتمكن من رؤيته، فكيف يراه الإنسان؟!

الحديث الثامن

يفيد أن الرؤية غير واقعة يوم القيامة لأن رداء الكبرياء هو الذي يحول دون الرؤية؛ قال البخاري: «عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِبَتْهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ"».(3)

ص: 468


1- مشكاة المصابيح للتبريزي : 3/ 245 ، [ باب صفة النار وأهلها]
2- تفسير المنار لمحمد رشيد : 124/9 [سورة الأعراف آية : 144]
3- صحيح البخاري: 910 [كتاب تفسير القرآن باب قوله «وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ» ، ح . 4878]

وفي صحيح مسلم .... عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ : " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ"».(1)

فرِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ هُوَ مَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ إِرَادَةِ احْتِجَابِ الْأَعْيُنِ عَنْ رُؤْيَتِهِ. ومن العجيب أنهم اعتبروا هذا الحديث دليلاً على رؤية الله تعالى؛ فقد «قال الكرماني ما حاصله إن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية، فَكَأَنَّ في الكلام حذفاً تقديره بعد قوله إلّا رداء الكبرياء فإنه يمُنَّ عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه»(2). وهذا الحذف لا يجوز لسببين؛ الأوّل: أنَّ الأصل في الكلام أن يحمل على ظاهره دون تقدير محذوف، والسبب الثاني: هذا الحذف الاعتباطي لا يستند إلى أي قاعدة لغوية أو نحوية، فلا يجوز في مثله في اللغة

العربية، فالحديث صريح بعدم جواز الرؤية وحمله على تقدير محذوف مكابرة لإثبات صحة مذهبهم في رؤية الله تعالى.

وقال محمد رشيد معلقاً على هذا الحديث : «قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ مِنَ الْفَتْح نَقْلاً عَنِ الْكِرْمَانِيِّ بَعْدَ عَدِّهِ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ: ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّه غَيْرُ وَاقِعَةٍ، وَأَجَابَ - أَي الْكِرْمَانِيُّ - بِأَنَّ مَفْهُومَهُ بَيَانُ قُرْبِ النَّظَرِ، إِذْ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَعَبَّرَ عَنْ زَوَالِ المَانِعِ عَنِ الْأَبْصَارِ بِإِزَالَةِ الرِّدَاءِ - وَ حَاصِلُهُ أَنَّ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ مَائِعٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ، فَكَأَنَّ فِي الْكَلَام حَذْفًا تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: «إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ «فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِهِ... إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ - وَفِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ مَا لَا يَنْبَغِي لِحُفَّاظِ السُّنَّةِ الاِعْتِدَادُ بِهِ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مِثْلَهُ، وَمَا هُوَ أَمْثَلُ مِنْهُ مِنْ تَأْوِيلَاتِهِمْ».(3)

ص: 469


1- صحیح مسلم: 89 ، [ح. 296 - (180) - كتاب الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم]
2- تحفة الأحوذي للمباركفوري : 197/7 [باب ما جاء في صفة غرف الجنة]
3- تفسیر المنار لمحمد رشيد : 124/9 - 125 [سورة الأعراف آية: 144]

ص: 470

أدلَّة المعتزلة العقلية على عدم رؤية الله

لقد استدل أصحاب مذهب الاعتزال على عدم رؤية الله تعالى بوجوه عقلية، ونقليَّة، ومن الوجوه العقلية ما يلي: «أولها : أن الحاسة إذا كانت سليمة وكان المرئي حاضراً اً وكانت الشرائط المعتبرة حاصلة وهي أن لا يحصل القرب القريب ولا البعد البعيد ولا يحصل الحجاب ويكون المرئي مقابلاً أو في حكم المقابل فإنه يجب حصول الرؤية، إذ لو جاز مع حصول هذه الأمور أن لا تحصل الرؤية جاز أن يكون بحضرتنا بوقات وطبلات لا نسمعها ولا نراها وذلك يوجب السفسطة.

قالوا إذا ثبت هذا فنقول: إن انتفاء القرب القريب والبعد البعيد والحجاب وحصول المقابلة في حق الله تعالى ممتنع ، فلو صحت رؤيته لوجب أن يكون المقتضي لحصول تلك الرؤية هو سلامة الحاسة وكون المرئي تصح رؤيته. وهذان المعنيان حاصلان في هذا الوقت. فلو كان بحيث تصح رؤيته لوجب أن تحصل رؤيته في هذا الوقت. وحيث لم تحصل هذه الرؤية علمنا أنه ممتنع الرؤية.

والحجة الثانية : أن كل ما كان مرئياً كان مقابلاً أو في حكم المقابل والله تعالى ليس كذلك، فوجب أن تمتنع رؤيته.

والحجة الثالثة: قال القاضي: ويقال لهم كيف يراه أهل الجنة دون أهل النار؟ إما أن يقرب منهم أو يقابلهم فيكون حالهم معه بخلاف أهل النار وهذا يوجب أنه جسم يجوز عليه القرب والبعد والحجاب.

ص: 471

والحجة الرابعة : قال القاضي: إن قلتم إن أهل الجنة يرونه في كلِّ حال حتى عند الجماع وغيره، فهو باطل، أو يرونه في حال دون حال وهذا أيضاً باطل؛ لأن ذلك يوجب أنه تعالى مرة يقرب وأخرى يبعد. وأيضاً فرؤيته أعظم اللذات، وإذا كان كذلك وجب أن يكونوا مشتهين لتلك الرؤية أبداً. فإذا لم يروه في بعض الأوقات وقعوا في الغم والحزن وذلك لا يليق بصفات أهل الجنة...».(1)

ص: 472


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 13 / 106 [سورة الانعام / الآية: 103]

أدلَّة علمائنا العقلية على عدم رؤية الله

لقد دلَّت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والأخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول (صلوات الله عليهم) على امتناع رؤية الله تعالى مطلقاً أي في الدنيا و الآخرة، ومن الأدلة العقلية الدالة على امتناع رؤية الله تعالى ما يلي:

أوّلاً - أنَّ كلَّ مَن استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلّا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه، ولا بدَّ أن يكون مقابلاً لعين الرائي وكلّ ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.(1)

ثانياً - أنَّ الرؤية إما أن تقع على الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي وإما أن تقع على بعضه فيكون مُبَعضاً مركباً متحيّزاً وكلّ ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم ممن يقول بالرؤية.

ثالثاً- أنَّ كلَّ مرئي بجارحة العين مشارٌ إليه بحدقة العين وأهل التنزيه مِن

ص: 473


1- وأمَّا أتباع ابن تيمية فهم يثبتون الجهة الله تعالى وأنه يعاين؛ قال شيخهم خالد بن عبد الله بن محمد المصلح في الدرس السابع عند شرحه لمعة الاعتقاد : «وكذلك خالف في هذا الأشاعرة، فهم يقولون بأن المؤمنين يرون ربهم ، لكنهم يخالفون أهل السنة والجماعة في هذا الإثبات، فيقولون: يرونه من غير معاينة ،ولا ،مواجهة وهذا القول انفردوا به دون سائر الناس، وهو من عجائب الأقوال؛ لأن إثبات الرؤية في غير جهة ومن غير معاينة أمر لا يعقل، إذ لابد للرؤية من أن يكون المرئي في جهة وأن يعاين، وإلا فلا تقع رؤية»

الأشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالى عن أن يشار إليه بحدقة كما ينزهونه عن الإشارة إليه بإصبع أو غيرها.

رابعاً - أنَّ الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيّز الممكنات ما لم تتصل أشعة البصر بالمرئي ومنزّهو الله تعالى من الأشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شيء ما بذاته جلَّ وعلا.

خامساً - أنَّ الاستقراء يشهد أنَّ كلَّ متصور لابد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً من أشياء محسوسة، أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها؛ فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة، والثاني كقول الشاعر:

أعلامُ ياقوتٍ نُشِر***نَ عَلى رماح من زَبَرْجَدْ

ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً مِن عِدَّة أشياء أدركه البصر، والثالث : كالألم واللذة والرَّاحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته، وحيث إِنَّ الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوّره ممكناً.

ص: 474

الرؤية تنافي صفات الله

إنَّ القول بالرؤية ينافي صفات الله تعالى؛ فمن صفات الله تعالى أنَّه غني لقوله تعالى: «وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ»[التغابن : 6] ،«لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»[لقمان: 26]،«يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»[فاطر: 15]، فالله تعالى خالق كل شيء، ومن مخلوقات الله تعالى الزمان والمكان، فإذا قيل إنَّ الله تعالى لا يرى في الحياة الدنيا وإنَّما يُرى يوم القيامة أو في الجنَّة لزم احتياج الله تعالى إلى الزمان والمكان الذي يُرى فيه لأنّ الزمان والمكان سيكونان الوسيلة والواسطة لرؤية الله تعالى، كما أنَّ البث التلفزيوني لا يُرَى وهو بحاجة إلى الأقمار الصناعية وإلى جهاز التلفاز وغيره كي نتمكن من رؤيته، فكذلك القول برؤية الله تعالى بحاجة إلى زمان ومكان لرؤيته وهذه الصفة هي صفة نقص وعدم كمال وحاشا الله من ذلك؛ لأنَّ الله تعالى لا يحتاج إلى مخلوقاته بحيث تصفونه بأنه لا يُرَى إلا في الجنَّة أو يوم القيامة.

ثانياً: إذا قيل إنَّ الله تعالى يُرَى في الآخرة ولا يُرَى في الدنيا لزم وصف الله تعالى بصفتين متضادتين وصفات الله تعالى ثابتة في الدنيا والآخرة. قال ابن تيمية:

«بِأَنَّ صِفَاتِ الله تَعَالَى لَيْسَتْ كَصِفَاتِ المُخْلُوقِينَ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ مُقَدَّسٌ عَنْ كُلِّ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ حُدُوثُهُ أَوْ نَقْصُهُ»(1)

ثالثاً: إِنَّ مِن صفات المخلوقات التغيُّرُ من حال إلى حال ومن صفة إلى صفة بِخِلَافِ صِفَاتِ اللَّهِ فَإِنَّهَا بَاقِيةٌ ثابتة، فالله تعالى حي قيوم في الدنيا والآخرة، فلا تختلف

ص: 475


1- الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز في الصفات لابن تيمية : 1 / 4

صفاته في الدنيا عن صفاته في الآخرة، فكيف تتغير صفته التي عليها في الدنيا وهي عدم إمكان رؤيته عن صفته في الآخرة وهي إمكان رؤيته ؟! فالتغير من صفات المخلوقات لا من صفات الله تعالى.

فإن قيل : إِنَّ التغيُّرُ يحصل في صفة رؤية الله تعالى لمخلوقاته، فقبل خلقها لا يبصرها من القدم ويبصرها بعد خلقها.

فالجواب: لم تتغير صفة الله تعالى هنا وهو أنه بصير وستبقى هذه الصفة ثابتة له ولا تنتقل إلى ضدها، بخلاف صفة عدم رؤيته في الدنيا فإنها ستنقلب إلى ضدها وهي جواز الرؤية في الآخرة وهذا محال ، وقد وصف الله تعالى نفسه بأنَّه لا يُرَى، فلا يجوز أن نصفه بضد ما وصف به نفسه.

رابعاً: إِنَّ كلمات الله تعالى ثابتة لا تتبدل ؛ قال الله تعالى :«لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)»[الروم: 30]، وقد نفى الله تعالى إمكان رؤيته بآيات عديدة منها قوله تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا»[الفرقان: 21]، فالقول بأنَّ الله يُرَى يلزم منه تبديل كلمات الله تعالى وهذا غير ممكن. قال الله تعالى : «اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا»[النساء: 87] .

ص: 476

مخالفة الوهابية للأدلة العقلية

اشارة

إنَّ مِن الأمور العجيبة مخالفة الوهابية العقلاء في الأمور العقلية، فهم يثبتون الله تعالى الجسمية والجهة، وأنه فوق يشار إليه بالبنان، وفيما يلي نذكر أقوالهم الغريبة خالفوا بها إجماع المسلمين:

القول الأول : الله جسم

يرى الوهابية أنَّه إذا لزمهم الأمر من رؤية الله تعالى أن يكون جسماً ، فلا مانع لديهم مِن ذلك، فإنَّه جسم، ولكنه لا كالأجسام؛ قال ابن عثيمين:

والرد عليهم : "إن كان يلزم من رؤية الله تعالى أن يكون جسماً، فليكن ذلك، لكننا نعلم علم اليقين أنه لا يماثل أجسام المخلوقين؛لأنّ الله تعالى يقول:«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»[الشورى: 11] ، على أن القول بالجسم نفياً أو إثباتاً مما أحدثه المتكلمون وليس في الكتاب والسنة إثباته ولا نفيه".(1)

وقولهم لا كالأجسام لا ينفي تشبيه الخالق بالمخلوق لأن الجسم هو الكتلة التي تشغل حيزاً من الفراغ ولها وزن فهل في عقيدة الوهابية أن الله تعالى له ثقل و وزن؟!

القول الثاني : الله له وزن

قال ابن تيمية: «... قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض

ص: 477


1- شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية 1 / 458 ، شرحه : سماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين، خرج أحاديثه: سعد بن فواز الصميل، دار ابن الجوزي

مثلهن ثم جعل ما بين كل سماءين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السماوات سماء إلا لها أطيط كأطيط العلا في أول ما يرتحل من ثقل الجبار فوقهن» وهذا الأثر وإن كان هو رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا يدافعها ولا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم مِن أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله: «من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على

هذا الوجه.

وقد ذكر ذلك القاضي أبو يعلى الأزجي فيما خرجه من أحاديث الصفات وقد ذكره من طريق السنة عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثني أبو المغيرة حدثتنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد أبيها خالد بن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش.

قال القاضي وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه بإسناده حدثنا عن ابن مسعود وذكر فيه: فإن مقدار كلّ يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيه ثلاث ساعات فيطلع منها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذي يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش وذكر الخبر القاضي فقال أعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره وأن ثقله يحصل بذات الرحمن إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته».(1)

«قال أبو سليمان الخطابي : وقوله: «إِنَّهُ لَيَئِطُ بِهِ» معناه: إِنَّهُ ليعجز جلاله وعظمته

ص: 478


1- بیان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية الحراني : 573/1-574

حتى يئط به، إذ كان معلوماً أنَّ أَطِيطَ الرَّحْلِ بالرَّاكِبِ إِنَّما يكونُ لِقُوَّةِ ما فَوْقَهُ وَلِعَجْزِهِ عنِ احْتِمَالِهِ»».(1)

وبعد أن أثبتوا الجسمية والوزن الله تعالى، فهل يشغل هذا الجسم حيزاً من الفراغ؟ وإذا كان كذلك فهل يمكن تحديد الجهة التي يشغلها ؟

الجواب ستجده فيما يأتي :

القول الثالث: الله له مكان وحدَ

«وقال الأثرم : قلت لأحمد: يحكى عن ابن المبارك: «نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه بِحَدٍّ» فقال أحمد : هكذا عندنا »».(2)

وذكر هذا الخبر ابن تيمية في كتابه تلبيس الجهمية ج 1، ص 436 .

وبعد أن أثبتوا الجسمية والوزن الله تعالى، وأنَّه يشغل حيزاً من الفراغ مع تحديد الجهة التي يشغلها وهي السماء السابعة، فهل هناك عنوان سكني له في هذه السماء؟ فهذا ما قالوا به في القول الآتي:

القول الرابع: الله يسكن في الجنَّة

قال ابن تيمية: «قال: وقد احتج ابن مندة على إثبات الجهة بأنه لما نطق القرآن بأن الله تعالى على العرش وأنه في السماء وجاءت السنة بمثل ذلك وبأن الجنة مسكنه وأنه في ذلك وهذه الأشياء أمكنة في أنفسها فدل على أنه في مكان.

قلت: وهذا الكلام من القاضي وابن مندة ونحوهما يقتضي أن الجهة أمر وجودي ولهذا حكوا عن النفاة أنه ليس في جهة ولا خارجًا منها وأنها غيره وفي كلامه الذي

ص: 479


1- إثْبَات الحَدِّ لله عَزَّ وَجَلَّ للدشتي : 50
2- إثبات الحّدِّ لله عَزَّ وَجَلَّ للدشتي: 19

سيأتي ما يقتضي أن الجهة والحد هي من الله تعالى وهو ما حاذى لذات العرش فهو الموصوف بأنه جهة وحد ثم ذكر أن ذلك من صفات الذات».(1)

وبعد كلّ هذا التجسيم والتحديد، أجازوا رؤيته والإشارة باليد إليه:

القول الخامس: الله يشار إليه باليد

قال ابن تيمية: «وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يرى أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يرى في الآخرة وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم».(2)

ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا له صفات كصفات البشر وشكلاً كشكل آدم !

القول السادس: الله قاعد على الكرسي في الجنَّة

عن أنس حدثنا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «يأتوني حتى أمشي بين أيديهم، حتى نأتي باب الجنة، فأستفتح، فيؤذن لي فأدخل على ربي فأجده قاعداً على كرسي العزة، فأخرّ له ساجدا"».(3)

القول السابع: صورة آدم على صورة الرحمن

روى مسلم: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم وَفِي حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبُ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»».(4)

ص: 480


1- بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية : 1/ 436
2- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 2 / 58 [فصل : الرد على وجوب اتباع مذهب الإمامية]
3- إِثْبَات الحَدِّ لله عَزَّ وَجَلَّ للدشتي : 74-75
4- صحیح مسلم: 1096 . [ح . 115 - (2612) - كتاب البر والصلة والآداب/ باب النهي عن ضرب الوجه

وفي رواية على صورة الرحمن، وقد ألف حمود التويجري وهو أحد مشايخ الوهابية كتاباً في هذا الشأن أسماه: "عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن». جاء فيه والقول بأنَّ الضمير فيه عائد إلى غير الله تعالى هو قول الجهمية ومن تبعهم على قولهم الباطل من علماء أهل السنة في المائة الثالثة فما بعدها»(1)

وقال ابن باز في مقدمته لهذا الكتاب : «وقد أجاد وأفاد وأوضح ما هو الحق في هذه المسألة وهو أن الضمير في الحديث الصحيح في خلق آدم على صورته يعود إلى الله عزوجل».

القول الثامن: الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى

«... عن عبد الله بن حُنَيْنٍ قال : بينا أنا جالس إذ جاءني قتادة بن النعمان فقال لي: انطلق بنا يا بن حنين إلى أبي سعيد الخدري، فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى. فانطلقنا حتى دخلنا» على أبي سعيد فوجدناه مستلقياً رافعاً رجله اليمنى على اليسرى، فسلمنا، وجلسنا. فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رِجْلِ أبي سعيد فَقَرَصَهَا قَرْصَةً شديدةً فقال أبو سعيد: سبحان الله يا بن آدم! لقد أوجعني ! فقال له : ذلك أردت. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى فوضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال : لا ينبغي لأحد من خلقي أن يفعل هذا» فقال أبو سعيد: لا جرم، والله لا أفعله أبداً».(2)

وروى الدشتي بسنده «قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله: والله عز وجل عرشُ ، وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل على عرشه، وله حدٌّ، والله

ص: 481


1- عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن : 6
2- إِثبات الحَدِّ لله عَزَّوَجَل للدشتي : 79

أعلم بِحَدِّهِ، يتحرك، ويتكلم ، وينظر ، ويضحك، ويفرح»».(1)

ونكتفي بهذا القدر من الأوصاف التي شبَّهوا بها الخالق بالمخلوق مخالفين بذلك إجماع المسلمين، ومخالفين قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»[الشورى: 11]، فجعلوا له مكاناً معيناً يُشار إليه بالأيدي، وهذا يخالف قوله تعالى: «وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ»[الأنعام: 3]، فالله تعالى ليس في مكان معين ولا شبيه له ولا مثيل. وهذه العقيدة غريبة عن عقيدة المسلمين، وقد ردَّ علماء أهل السنة قديماً وحديثاً عليها، وممن ردَّ عليهم من العلماء القدماء الشيخ أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الكبير المتوفى سنة 756ه في كتابه «السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل» يردُّ به على نونية ابن القيم و هو تلميذ ابن تيمية.

ومن المؤسف أننا نجد أتباع المذهب السلفي بعد أخذهم بظواهر النصوص يتطرّفون في آرائهم دائماً حتى أنَّهم يُفَسِّقون أو يُكَفِّرون كلَّ مَن خالفهم في الرأي، ويعتقدون أنهم على حق دون سواهم من المسلمين، وأنّهم أعلم الناس على وجه الأرض، يقول أحد علمائهم القدماء، وهو أبو محمد محمود بن أبي القاسم بن بدران الآنمي الدشتي (المتوفّى سنة 661ه): «ولا يكون على وجه الأرض أحد أعلم بالكتاب والسنة من أصحاب الحديث، فمن يخالفهم ولا يقول ما قالوه، ولا يعتقد ما اعتقدوه؛ فهو مبتدع ضال مضل».(2)

ص: 482


1- إِثْبَات الحَدِّ لله عَزَّوَجَلَّ للدشتي : 31
2- إِثْبَاتِ الحَدِّ لله عَزَّوَجَل للمدشتي: 8

اتّباع اليهود

إن عقيدة إمكان رؤية الله تعالى هى عقيدة مكتسبة من اليهود الذين يعتقدون بالتجسيم، وأنَّ الله تعالى على صورة الإنسان، ولذلك طلبوا من موسى رؤية الله تعالى وقد اقتبس ابن تيمية عقيدة التجسيم والرؤية منهم ولذا تراه يوافقهم في عقيدة التجسيم ويصححها، فقد قال: «وقد علم أن التوراة مملوءة بإثبات الصفات التي تسميها النفاة تجسيما، ومع هذا فلم ينكر رسول صلی الله علیه و آله وسلم وأصحابه على اليهود شيئاً من ذلك، ولا قالوا أنتم مجسمون، بل كان أحبار اليهود إذا ذكروا عند النبي صلی الله علیه و آله وسلم شيئًا من الصفات أقرهم الرسول على ذلك وذكر ما يصدقه كما في حديث الحبر الذي ذكر له إمساك الرب سبحانه وتعالى للسماوات والأرض المذكور في تفسير قوله تعالى:«وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»[الزمر: 67]، وقد ثبت ما

يوافق حديث الحبر في الصحاح عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم من غير وجه من حديث ابن عمر(1)

ص: 483


1- وحديث الحبر الذي في البخاري هو : «جَاءَ جَبْرٌ مِنَ الأحْبَارِ إلى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه و آله وسلم فَقَالَ : يَا مَحَمَّدُ، : « إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَ الأَرَضِينَ عَلى إِصْبَعِ، وَالشَّجَرَ عَلى إِصْبَعِ، وَالماءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعِ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلى إِصْبَعِ، فَيَقُولُ أَنَا المُملِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلی الله علیه و آله وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذْهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ الله صلی الله علیه و آله وسلم «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»»، فابن تيمية بنى عقيدته على عقائد اليهود مستدلاً بهذا الحديث الذي ظنَّ الراوي فيه أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ضحك تصديقاً لقول الحبر، ولا دلالة ظاهرة في الحديث على التصديق، فالمتأمل هنا يعلم أن الضحك لا يكون للتصديق بل للتعجب من ضعف عقل اليهودي الذي يجسّم الله تعالى، والدليل على ذلك هو تلاوته صلی الله علیه و آله وسلم للآية، أي أنَّ اليهود لم يُقدِّرُوا الله حق قدره، وقد وصفهم القرآن بالكفر بالله وبرُسُله وبقتلهم الأنبياء، فهم أجهل الناس بالله تعالى إذْ وصفوا الله بالبخل، فقالوا:«يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ»[المائدة : 64] ، وعبدوا العجل الذي صنعه السامري ، وظنُّوا أَنَّه السامري، وظنُّوا أَنَّه ربهم حتى قال عنهم القرآن «وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ»[البقرة: 93]، وقد بلغ جهلهم بالله حتى ظنوا أنه صنم من الأصنام؛ كما جاء في قوله تعالى: «وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»[الأعراف: 138]، وبلغ من جهلهم بالتوراة حتى شُبِّهوا بالحمار: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا»[الجمعة: 5]، فلو تمعَّن الراوي وتدبَّر هذه الآيات وغيرها لعرف مغزى ضحك الرسول صلی الله علیه و آله وسلم من الحبر اليهودي ولعلم ماذا يعنيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بقوله : «مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزُ»[الحج: 74]، ولما قال إِنَّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم ضحك تصديقاً ، بل لقال إنَّه ضحك من عدم معرفة اليهود بالله حق معرفته. أفَيُصَدِّق أحدكم أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقر لليهود بكل هذه الاعتقادات الباطلة التي ذمّهم القرآن بها؟!

وأبي هريرة وغيرهما ».(1)

ومن الشواهد على اكتساب ابن تيمية عقيدته من اليهود والنصارى هو قوله : فمَن نظر فيها بأيدي أهل الكتاب من التوراة والإنجيل علم علماً يقينا لا يحتمل النقيض أن هذا وهذا جاءا من مشكاة واحدة لاسيما في باب التوحيد والأسماء والصفات فإن التوراة مطابقة للقرآن موافقة له موافقةً لا ريب فيها، وهذا مما يبين أن ما في التوراة من ذلك ليس هو من المبدل الذي أنكره عليهم القرآن بل هو من الحق الذي صدقهم عليه ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه و آله وسلم وأصحابه ينكرون ما في التوراة من الصفات ولا يجعلون ذلك مما يدله اليهود ولا يعيبونهم بذلك ويقولون هذا تشبيه وتجسيم كما يعيبهم بذلك كثير النفاة ويقولون: إن هذا مما حرفوه بل كان الرسول إذا ذكروا شيئاً من ذلك صدقهم عليه كما صدقهم في خبر الحبر كما هو في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود، وفي غير ذلك ... »(2). فهذه وثيقة اعتراف من ابن تيمية بإتباع اليهود وإتباع توراتهم المحرفة.

ص: 484


1- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية: 249/2 [فصل: الرد على نفاة صفات الله تعالى]
2- درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية: 9/3 [الوجه الخامس والعشرون]

الأدلة القرآنية لمثبتي الرؤية

يستدلُّ المثبتون لرؤية الله تعالى يوم القيامة ببعض الآيات القرآنية المختلف في تفسيرها، والتي لا تدلُّ بصورة صريحة وواضحة على الرؤية، فكلُّها متشابهة وليست محكمة ولم يُذكر في القرآن الكريم آية واحدة محكمة واضحة تدلُّ على أنَّ الله يُرَى بخلاف الآيات التي تنفي الرؤية فإنَّها محكمة، وواضحة الدلالة على عدم إمكان رؤية الله تعالى، وفيما يلي نذكر الآيات التي يستدلون بها على رؤية الله تعالى ثم نذكر الردود التي تُبطل استدلالهم: الآية الأولى: قوله تعالى:«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ »[القيامة / 22، 23]

والآية الثانية: قوله تعالى : «ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ»«لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ»[ ق : 35،34].

والآية الثالثة: قوله تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ»[يونس: 26]

والآية الرابعة: قوله تعالى : «كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَيذٍ لَّمَحْجُوبُونَ»[المطففين : 15]

والآية الخامسة: قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»[الكهف: 110 ] .

والآية السادسة: قوله تعالى: «وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا» [الإنسان: 20]

والآية السابعة: قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا»[الكهف: 107].

ص: 485

والآية الثامنة: قوله تعالى:«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[الأنعام: 103]. وللرد على هذه الأدلة يقال:

الرد على دليلهم الأول

لقد استدلَّ مثبتو الرؤية بقوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ »[القيامة / 22، 23] ، فزعموا أنّهم يرون الله تعالى يوم القيامة أو بعد الموت، أو في الجنة على اختلافهم في ذلك. والصحيح أن النظر في هذه الآية لا يُراد به الإبصار ودليل ذلك أمور عديدة نجملها بالردود التالية:

الردّ الأول

ما صرح به إمام المفسرين عند السنة، وهو «مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المخزومي المقري مولى السائب بن أبي السائب... قال عبد السلام بن حرب عن مصعب: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد وبالحج عطاء. وقال الفضل بن ميمون: سمعت مجاهدًا يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة... وقال ابن معين، وأبو زرعة : ثقة.

وقال الثوري: عن سلمة بن كهيل ما رأيت أحدا أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلَّا عطاء وطاوسًا ومجاهدًا ... وعن مجاهد قال: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث مرات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت؟... وقال ابن سعد: كان ثقة فقيها عالما كثير الحديث. وقال ابن حبان كان فقيها ورعا عابدا متقنا . وقال أبو جعفر الطبري: كان قارئا عالما قال العجلي مكي تابعي ثقة ... وقال الذهبي في آخر ترجمته: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به وقال الذهبي: قرأ عليه عبد الله بن كثير».(1)

ص: 486


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني : 48/8 - 50 [حرف الميم: من اسمه مجاهد]

وبعد أن عرفنا أقوال علماء السُّنَّة في مجاهد نذكر تفسيره لهذه الآية:

تفسير مجاهد

«أخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : «إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» [ القيامة / 23] قال : تنتظر منه الثواب».(1)

ولم ينفرد مجاهد بهذا التفسير، بل في تفسير عكرمة(2)، والصحابي عبد الله بن عمر:« تنتظر أمر ربها» ؛ قال القرطبي في تفسيره: «وقيل : إن النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب. وروي عن ابن عمر ومجاهد . وقال عكرمة تنتظر أمر ربها. حكاه الماوردي عن ابن عمر وعكرمة أيضاً».(3)

وكذلك فسّرها أبو صالح ؛ قال ابن أبي شيبة : «حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ «وُجُوهٌ يَوْمَذِ نَاضِرَهُ» . قَالَ : حَسَنَةٌ «إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» . [القيامة/ 22، 23] قَالَ: تَنتَظِرُ الثَّوَابَ مِنْ رَبِّهَا».(4)

وأخرجه ابن جرير أيضاً.(5)

ومما يؤيِّد تفسير مجاهد، و عكرمة، وعبد الله بن عمر، وأبي صالح أَنَّ اسْتِعْمَالَ النَّظَرِ بِمَعْنَى الإِنْتِظَارِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ الكريم، كَقَوْلِهِ تعالى : «مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً

ص: 487


1- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 476/6[سورة القيامة / الآيات: 20-25]
2- عكرمة مولى بن عباس الذي قالوا عنه أنه من أوعية العلم، وإمام في التفسير، ووثقه غير واحد، قال عكرمة : «كل شيء أحدثكم في القرآن، فهو عن ابن عباس»
3- الجامع لأحكام القرآن : 19 / 74 [سورة القيامة / آية : 22-25]
4- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة : 209/7 [حديث عبد الأعلى/ح. 35356]
5- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 476/6[سورة القيامة / الآيات: 20-25]

تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَحْصِّمُونَ»[يس/ 49]، وقوله تعالى : «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»[البقرة/ 210]، وقوله تعالى «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ»[الأنعام / 158]، «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ»[الأعراف/ 53]، «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»[النحل / 33] ، «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»[الزخرف/ 66] ، «وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ»[النمل: 35] «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»[البقرة: 280] .

الرد الثاني: تفسير ابن راهويه

قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي، أبو يعقوب بن راهويه (ولد سنة 161 ه- وتوفي سنة : 238ه):

«وقوله : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ »[القيامة / 22، 23] يقول: يومئذ مشرقة إلى الله، ناظرة إلى الجنة».(1)

ومن خلال تفسير الصحابي عبد الله بن عمر، والتابعي عكرمة، وإمام المفسرين مجاهد وغيرهم من أئمة علماء السنة يتضح أن الآية لا دلالة فيها على رؤية الله تعالى، فهي غير محكمة، ولا يصحُّ بناء عقيدة الرؤية عليها.

ص: 488


1- مسند ابن راهويه: 673/3

شبهة واشتباه

قال محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي المتوفى سنة 741ه:

«وجوه يومئذ ناضرة بالضاد أي ناعمة ومنه نضرة النعيم إلى ربها ناظرة هذا من النظر بالعين وهو نص في نظر المؤمنين إلى الله تعالى في الآخرة وهو مذهب أهل السنة وأنكره المعتزلة وتأولوا «نَاظِرَةٌ» بأن معناها منتظرة، وهذا باطل لأن نظر بمعنى انتظر يتعدى بغير حرف جر ، تقول : نظرتك أي انتظرتك وأما المتعدي ب_«إلَى» فهو من نظر العين، ومنه قوله «وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ»».(1)

الجواب

الجواب عن هذا الاشتباه يكون من وجوه:

الوجه الأول : لا يشترط في الفعل «نَظَرَ» «التعدي ب_«إلى» إذا كان بمعنى النظر بالعين بل يأتي الفعل «نَظَرَ» متعدياً بنفسه، والدليل على ذلك قوله تعالى:«إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا»[النبأ: 40] ، فما : اسم موصول مفعول به لينظر قال أحمد بن محمد الخراط أستاذ النحو في جامعة الإمام محمد بن سعود في المدينة المنورة: ««ما» : اسم موصول مفعول به و« نظر» قد يتعدى بنفسه».(2)

وجاء في تفسير هذه الآية : «يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ» أي : يُشاهد ما قدَّمه من خير وشر. و«ما» موصولة، والعائد محذوف، أو استفهامية، أي: ينظر الذي قدمته يداه، أو أيُّ شيءٍ قدمت يداه؟»(3). فالفعل «نَظَرَ تعدَّى إلى المفعول بنفسه بدون اقترانه بحرف

ص: 489


1- التسهيل لعلوم التنزيل للغرناطي الكلبي : 4 / 165[سورة القيامة آية: 23]
2- المجتبى من مشكل إعراب القرآن الكريم للخراط : 1 / 583، [ سورة النازعات/ آية رقم: 40]
3- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة : 223/8 [ سورة النبأ ]

الجر «إلی»، ومعناه النظر بالعين.

وكذلك ورد الفعل «انْظُرُوا» غير مُعدَّى بحرف الجر «إلى» ومعناه النظر بالعين وذلك في قوله تعالى :

«يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ»[الحديد: 13] فالفعل «أنظُرُونَ»ا يحتمل وجهين الأول: انتظرونا، والثاني: أنظروا إلينا، قال القرطبي: «فالمراد من قوله : «أنظرُونَا» انظروا إلينا، لأنهم إذا نظروا إليهم ، فقد أقبلوا عليهم، ومتى أقبلوا عليهم وكانت أنوارهم من قدامهم استضاؤوا بتلك الأنوار، وإن كانت هذه الحالة إنما تقع عند مسير المؤمنين إلى الجنة كان المراد من قوله: «انظُرُونَا» يحتمل أن يكون هو الانتظار وأن يكون النظر إليهم».(1)

وقال ابن عجيبة : «أنظُرُونَا» أي : انتظرونا... وقيل: من النظر، أي: التفتوا إلينا وأبصرونا».(2)

وبهذا يبطل ما قالوه بأن الفعل «نظر) بمعنى النظر بالعين لا يأتي إلا متعدّياً بحرف الجر «إلى» .

الوجه الثاني : أن «نظر» المتعدية بحرف الجر «إلى» لا يشترط في معناه الدلالة على الرؤية بالعين؛ لأنّها تأتي بمعاني عديدة منها أنها تأتي بمعنى أهلك، كقول الشاعر لبيد:

«في قروم سادة مِن قومه***نَظَرَ الدهرُ إليهم فابتهل

ص: 490


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 196/29 [سورة الحديد/ الآية: 13]
2- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة : 316/7 [سورة الحديد]

[أي] فاجتهد في إهلاكهم».(1)

«قال أبو علي، وأمَّا قولهم نَظَر الدهرُ إليهم فمعناه أهلكهم وأنشد: نَظَر الدهر إليهم فابْتَهَلْ . وقال : حكاه الخليل».(2)

فالفعل «نظر» هنا تعدَّى بحرف الجر «إلى» ومعناه «أهلك»، وحينئذ لا يلزم كون الفعل «نَظَرَ» مع حرف الجر «إلى» بمعنى «نظر العين».

وورد الفعل «ينظرون» مُعدَّى بحرف الجر «إلى» ولا يراد به النظر بالعين وذلك في قوله تعالى: «أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ»«وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ»«وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ»«وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» [ الغاشية: 17 – 20]، أي أينكرون البعث فلا ينظرون نظر اعتبار ، فهذا حضّ على التأمل ؛ قال الراغب: «فذلك حث على تأمل حكمته في خلقها».(3)

وورد الفعل «يَنْظُر» متعدِّياً بحرف الجر «إلى» بمعنى: يرحم أو يعطفُ كما في قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»[آل عمران 77] وقال الدرويش : معنى قوله تعالى : «وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ» . ولا يعطف عليهم بخير مقتًا مِن الله لهم، كقول القائل : أنْظُرْ إِليَّ نَظَرَ اللهُ إليك، بمعنى تَعَطَّفْ تَعَطَّفْ عليَّ تعطَّفَ الله عليك بخير ورحمة».(4)

وقال طنطاوي: «قوله: «وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ» لا يعطف عليهم ولا يرحمهم ولا يحسن

ص: 491


1- أساس البلاغة للزمخشري: 34 [ب ه ل]
2- المخصص لابن سيده : 108/1 [ باب التشعث ]
3- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم : 553 [ نظر]
4- إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درویش: 1 / 543 [سورة آل عمران الآيات 76 - 77]

إليهم، وذلك كما يقول القائل لغيره : انظر إليَّ ، يريد: ارحمني واعطف عليَّ».(1)

وجاء في كتاب المخصص: وأما قوله: «وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ» فمعناه لا يَرْحمهم».(2)

وروى البخاري بسنده قول: «رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم : "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ...».(3)

وروی مسلم بسنده عن : «عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . ...»(4). فقد ورد لفظ (لَا يَنْظُرُ) في الحديثين المتقدمين بمعنى لا يرحم ؛ قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي: وقوله ثلاثة لا ينظر الله إليهم أي لا يرحمهم».(5)

وقال إمام السنة النووي في شرح الحديث المتقدِّم: «ومعنى لا ينظر إليهم أي يعرض عنهم ونظره سبحانه وتعالى لعباده رحمته ولطفه بهم».(6)

وورد الفعل «لينظر» متعدياً بحرف الجر «إلى» بمعنى: ليتأمل وذلك في قوله تعالى:

«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ»«أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا»«ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا»«فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا»«وَعِنَبًا وَقَضْبًا»«وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا»«وَحَدَائِقَ غُلْبًا»«وَفَاكِهَةً وَأَبًّا»[عبس: 24 - 31].

فهذه موارد استعمل فيها النظر معدى بحرف الجر «إلى» ولا يراد به رؤية العين،

ص: 492


1- التفسير الوسيط للقرآن الكريم لمحمد سيد طنطاوي (شيخ الأزهر): 2/ 55[سورة آل عمران]
2- المخصص لابن سيده : 108/1 [ باب التشعث ]
3- صحيح البخاري: 425 [كتاب المساقاة / باب إثم من منع ابن السبيل من الماء- حديث: 2358]
4- صحیح مسلم: 58 . [ح. 171 - (106) - كتاب الإيمان باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار]
5- مشارق الأنوار على صحاح الآثار : 12/2[حرف النون فصل الاختلاف والوهم]
6- شرح صحيح مسلم للنووي: 2 / 475 [كتاب الإيمان / باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار]

ومجيء النظر هنا معدَّى ب_«إلى» - وهو ليس بمعنى الرؤية- مبطلٌ للحصر الذي زعمه الغرناطي وغيره(1) من كون النظر المتعدي ب_«إلى» لا يأتي إلا بمعنى نظر العين.

الوجه الثالث: أنَّ «نظر» بمعنى «انتظر» جاءت متعدية بحرف الجر «إلى»، وقد ذكر ذلك الخليل الفراهيدي وابن منظور وغيرهما فقالوا: «ويقول القائل للمُؤَمَّل يرجوه : إنَّها انظُرُ إلى الله ثُمَّ إليكَ، أي أتوقع فضل الله ثم فضْلَكَ».(2)

وقال الزمخشري: «من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، تريد معنى التوقع

والرجاء. ومنه قول القائل:

وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْكَ مِنْ ملك***وَالْبَحْرُ دُونَكَ زِدْتَني نِعَمَا

ص: 493


1- جاء في شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ : 1 / 136 : «أَنَّ كلمة النظر وما اشتُقَّ منها : تارَةً تتعدى بنفسها فيكون المعنى الانتظار ؛ يعني تصل إلى المفعول بنفسها فيكون معناه الانتظار. وتارَةً تتعدى ب_(في) فيكون المعنى التفكر والاعتبار. وتارَةً تتعدى ب_(إلى) فيكون المعنى الرؤية، وقد يكون مع الرؤية الانتظار بحسب السياق، لكن لا يمكن أن تتعدى ب_(إلى) ويكون انتظاراً بلا رؤية لا يمكن، ولم يأتِ في أي شاهد في لغة العرب ولا في القرآن ولا في السنة أنَّ النظر يتعدى ب_(إلى) ويكون معناه الانتظار المجرد من الرؤية ، بل النظر إذا تَعَدَّى ب_(إلى) صار معناه الرؤية، وقد يكون على قِلَّةٍ مع الرؤية الانتظار، وهذا له نظائر في اللغة يطول الكلام بيانها. وجاء في تفسير القرطبي : قال الثعلبي وقول مجاهد إنها بمعنى تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه، فتأويل مدخول، لأن العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا نظرته؛ كما قال تعالى: «هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ» ، «هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ» ، «وَمَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً» وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا نظرت فيه، فأما إذا كان النظر مقرونا بذكر إلى، وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان. وقال الأزهري إن قول مجاهد تنتظر ثواب ربها خطأ؛ لأنه لا يقال نظر إلى كذا بمعنى الانتظار، وإن قول القائل نظرت إلى فلان ليس إلا رؤية عين، كذلك تقوله العرب؛ لأنهم يقولون نظرت إليه : إذا أرادوا نظر العين، فإذا أرادوا الانتظار قالوا نظرته»
2- كتاب العين للخليل الفراهيدي : 8 / 156 ، ولسان العرب لابن منظور : 191/14 [ نظر]

وسَمِعْتُ سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم، ويأوون إلى مقائلهم، تقول: عُيَيْنَتِي نُوَيْظِرَة إلى الله وإليكم ، والمعنى: أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه».(1)

ورُدَّ على أنَّ (نَظَرْتُ إِلَيْكَ) في قول الشاعر المتقدم بمعنى السؤال لا بمعنى الانتظار لأن الانتظار لا يستعقب العطية (2). و لا حجة في هذا الرد لأن حمل النظر بمعنى السؤال يأباه معنى البيت إذ يصير المعنى: (سألتُ إليك)، وهذا غير وارد في اللغة، وإنما مراد الشاعر: (انتظرت إلى نعمك أو عطائك).

وقال محمد رشيد: «وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ [ الفعل نظر] بِهَذَا المَعْنَى [ أي انتظر ] مُتَعَدِّيًا ب_ِ- " إلى "».(3)

ومن شواهد مجيء (نظر) بمعنى الانتظار معدى ب_«إلى» قول جرير:

«و ينازلونَ إذا يقال نزالِ***منْ كُلَّ أبيضَ يستضاءُ

نظر الحجيج إلى خروج هلالِ».(4)

ومن شواهد مجيء اسم الفاعل «ناظر» بمعنى منتظر قول جميل بثينة:

«إني إليكِ، بما وَعَدْتِ، لَنَاظِرٌ***نظرَ الفقيرِ إلى الغنيِّ المكثرِ»(5)

أي: إنِّي منتظرٌ إليك بسبب وعدك الَّذي وَعَدْتِنيه كانتظار الفقير إلى الغني المكثر.

وقد وهم القرطبي في تفسير هذا البيت فقال: «أي إني أنظر إليك بذل؛ لأن نظر

ص: 494


1- تفسير الكشاف للزمخشري : 650/4[سورة القيامة / آية : 22]
2- ينظر: التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 202/30 [سورة القيامة/ الآيتان: 22 و 23]
3- تفسير المنار : 9/ 117[سورة الأعراف آية 144]
4- دیوان جرير: 500/1
5- ديوان جميل بثينة : 1 / 44 ، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: 108/8

الذل والخضوع أرق لقلب المسؤول»(1). والدليل على ذلك باقي الأبيات التي تلت هذا

البيت والتي تدل على أن المراد منه إليكِ منتظر(2). إضافة إلى ذلك لا معنى لقوله: «إني أنظر إليك بذل بسبب وعدكِ الَّذي وَعَدْتِنيه».

وقال حسان:

وجوهٌ يوم بدرٍ ناظراتٌ***إلى الرحمن يأتي بالفلاحِ»(3)

أي منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم.

وهذا يدلُّ على أن لفظ «ناظِرَةٌ» بمعنى منتظرة في قوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»[القيامة : 22، 23]، لورود اسم الفاعل «ناظر»بمعنى منتظر في الشعر والنثر حال كونه مُعَدَّى بحرف الجر «إلى».

الوجه الرابع : أنَّ قولهم في الانتظار: نظرتك بغير حرف جر إنما ذلك في الانتظار لمجيء الإنسان بنفسه، فأما إذا كان منتظراً لرفده ،ومعونته، فقد يقال فيه: نظرت إليه كقول الرجل : وإنما نظري إلى الله ثم إليك، وقد يقول ذلك من لا يبصر، كقول الأعمى في مثل هذا المعنى : عيني شاخصة إليك.(4)

فقوله تعالى :«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»[القيامة : 23] ليس المراد منه الانتظار لمجيء الله تعالى

ص: 495


1- الجامع لأحكام القرآن : 19/ 75 [سورة القيامة / آية : 22-25]
2- حيث قال جميل بثينة: «إني إليكِ بما وعدتِ لناظرٌ***نظرَ الفقيرِ إلى الغَنِيّ المُكْثِرِ يَعِدُ الديونَ وليس يُنْجِزُ موعداً***هذا الغريم لنا وليس بمُعسِرِ ما أنتِ والوَعْدَ الذي تَعِدِينَنِي***إلاّ كبرق سحابةٍ لم تُمطِرِ قلبي نصحتُ له فرَدَّ نصيحتي***فمَتَى هَجَرْتِيهِ فمنه تَكَثّرِي»
3- شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ : 1 / 136
4- ينظر : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 201/30 [سورة القيامة/ الآيتان: 22 و 23]

بنفسه، وإنما الانتظار لرحمة الله تعالى، وثوابه على تقدير حذف المضاف أي: إلى ثواب ربها ناظرة :أي: منتظرة.

الوجه الخامس: لو سلمنا جدلاً أن لفظ «ناظِرَةٌ» يراد به النظر بالعين، فتقديم الجار والمجرور عليه يفيد الحصر كما قرره علماء البلاغة والزمخشري في تفسير الكشاف لأنَّه إذا تقدم الجار والمجرور على عامله أفاد معنى الحصر كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ»[الشورى / 53]، وقوله تعالى: «وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى»[النجم / 42] أَيْ: لَا إِلَى سِوَاهُ، وَلَمَا كَانَ عَدَمُ نَظَرِهِمْ إِلَى غَيْرِ رَبِّهَا مَمْنُوعٌ عَقْلًا وَنَقْلًا وَجَبَ حَمْلُ النَّظَرِ عَلَى مَعْنَاهُ الْآخَرِ وَهُوَ الْاِنْتِظَارُ، بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَنتَظِرُ الخَيْرَ مِنْ غَيْرِهِ (1). فلو كان المراد به الرؤية لاقتضى أنهم لا يرون شيئاً غير الله تعالى مع ما هو معروف عقلاً ونقلاً من رؤية بعضهم لبعض ، ورؤيتهم لما أعد الله لهم من النعيم، وحينئذٍ يبطل ما زعموه من أنَّ «إِلَى رَبِّها نَاظِرَةٌ» بمعنى النظر بالعين.

الوجه السادس: لقد اعترف العلماء بسمو فنون بلاغة القرآن ومن هذه الفنون فن الوصل وهو العطف بالواو بين جملتين متناسبتين تتفقان في الخبرية والإنشائية لفظاً ومعنى أو معنى فقط وبينهما مناسبة تامة فلا يجوز العطف بالواو إذا لم يكن بين الجملتين مناسبة في المعنى ولا ارتباط كقولك: عليٌ كاتبٌ والحمامُ طائرٌ.

فإنَّه لا مناسبة بين كتابة عليّ وطيران الحمام، فالمانع من العطف هو التباين بين الجملتين ولهذا وجب الفصل وترك العطف لأنَّ العطف يكون للربط ولا ربط هنا بين الجملتين، ومن شواهد ارتباط الجملتين مع المناسبة التامة بينهما في القرآن الكريم قوله تعالى : «إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ»»وَإِنَّ الْفُجَارَ لَفِي جَحِيمٍ» [الانفطار : 13، 14]، فكلا

ص: 496


1- ينظر: تفسير الكشاف للزمخشري: 649/4[سورة القيامة / آية: 22]، وتفسير المنار لمحمد رشيد 9 / 117 [ سورة الأعراف آية 144]

الجملتين متفقتان في الخبرية لفظاً ومعنىً ، وكذلك لفظ (الأبرار) في الآية الأولى يقابله (الفجار)، و(النعيم) يقابله (الجحيم)، وكذلك قوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»«وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ»«تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ»[القيامة : 22 - 25]، فانسجام الآيات وترابطها وتقابلها من حيث المعنى يأبى تفسير لفظ ناظرة بمعنى النظر بالعين، فهذه الآيات التي توسطت بينها الواو قسمت الناس يومئذ إلى طائفتين؛ طائفة سعيدة تنتظر رحمة الله ودخول الجنَّة، والأخرى مكفهرة تعيسة تنتظر العذاب، فالسعادة يقابلها التعاسة وانتظار الرحمة يقابله انتظار العذاب، والطائفة الأولى هي «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»

أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من ثواب الله «إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» . أي منتظرة لرحمته ودخول جنته، و الطائفة الأخرى مقابلة و مباينة للطائفة الأولى في أحوالها «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ» . أي كالحة مكفهرة لما تتوقعه من العذاب «تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ» أي تتوقع أن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها، ولو فُسّر النظر هنا بالرؤية لتقطع هذا الوصل بين الآيات، وتفكك رباطها، وذهب انسجامها، إذ لا تقابل بين الرؤية وما وصفت به تلك مِن ظنها أمراً يقطع فقارها، فتأبى البلاغة العربية وبلاغة القرآن الكريم حمل لفظ «نَاظِرَةٌ» على معنى الرؤية، لأن ذلك يؤدّي إلى تفكك المعنى وانسجامه، ويخل بترابط الآيات مع بعضها البعض.

الوجه السابع : لم يرد في كلام العرب إسناد النظر إلى الوجوه والمراد منه الرؤية، إذ يتعسّر الحصول على شاهد له في كلام العرب، فكيف يجوز وروده في القرآن الكريم مع خلو اللغة منه ؟ !

فإن قيل: «إنَّه إسناد مجازي كما في قوله تعالى: «تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ» والماء يجري في النهر لا النهر» أُجِيبَ بأنه يلزمكم أن تقبلوا المجاز في غير هذه الآية من القرآن الكريم كقوله تعالى : «يَدُ اللهِ»[الفتح / 10] ، ونحوها مما أنكرتم المجاز فيه.

ص: 497

فإن قيل : إن الانتظار محله القلوب لا الوجوه، فكيف ينتظر الوجه ؟

فالجواب: إن حمل الوجوه على أصحابها وارد في القرآن الكريم، فالانتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظاً فهو لأصحابها معنىً، ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله تعالى: «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ»«تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ»[ القيامة : 24، 25]، كما جاز إسناد الخشوع والعمل والنصب إليها في قوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ»[ الغاشية: 2] ويؤكده قوله من بعد: «تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً»«تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ»«لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ»[الغاشية: 4 - 6] .

الوجه الثامن : النظر إلى شيء لا يستلزم منه الرؤية، قال الراغب: «يقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره».(1)

فالرؤية مُسَبَّبة عن النظر متأخرة عنه لأنَّ النظر تقليب الحدقة نحو الشيء التماساً لرؤيته، والرؤية الإدراك بالباصرة بعد التقليب، وعلى هذا تكون الرؤية أخصَّ مِن النظر، وحينئذ فلا دلالة في الآية الكريمة على رؤية الله تعالى لأن النظر إلى الشيء لا يشترط به الرؤية.

الوجه التاسع: أنَّ لفظ «إلى» في الآية الكريمة ليس بحرف جر، وإنّما هو اسم بمعنى النعمة؛ قال المرتضى: «هاهنا وجه غريب في الآية حكى عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها بل يصح الاعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الانتظار بالقلب أم الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالى : «إلَى رَبِّهَا»[القيامة : 23 ] إلى أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم، وفي واحدها أربع لغات الأمثل: قَفَا و أَلَى

ص: 498


1- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم : 553[ نظر ]

مثل رَمَى، وإلى مثل مِعَى، وإلي مثل حني قال أعشى بكر بن وائل:

أبيض لا يرهب الهزال***ولا يقطع رحما ولا يخون إلي.

أراد أنه لا يخون نعمة. وأراد تعالى : إلى ربها فأسقط التنوين للإضافة [ أي أصله: إلًى ] ، فإن قيل : فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رائية لنعمه وثوابه، قلنا : ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لأنه إذا جعل إلى حرفاً ولم يعلقها بالرب تعالى فلابد من تقدير محذوف، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف لأن إلى فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره. والله أعلم بالصواب».(1)

الوجه العاشر: إقرار بعض علماء السنَّة بضعف الاستدلال بهذه الآية على ثبوت الرؤية ؛ كابن عاشور الذي قال في تفسير الآية: «فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإجمال دلالة ظنية، لاحتمالها تأويلات تأولها المعتزلة بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخول رؤيتها لغير أهل السعادة»(2)

إشكال ورد

أشكل بعضهم على أن تفسير النظر بالانتظار في الآية الكريمة لا يمكن لوجهين؛ الوجه الأوَّل: أن في الانتظار تنغيصاً يتنافى مع إكرام الله لعباده الأوفياء يوم القيامة، والوجه الثاني : أن انتظار رحمة الله مِن قبل عباده المؤمنين أمر حاصل في الدنيا، فكيف يوعدون به في الآخرة؟

ص: 499


1- الأمالي للسيد المرتضى : 1/ 28
2- التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور : 29 / 353 [سورة القيامة آية : 22]

الرد

الآية الكريمة وما بعدها تصور لنا يوم الحساب، وأنَّ الناس صنفان؛ صنف ينتظر رحمة الله والدخول في الجنَّة، وصنف يظن أنه سيعذَّب« تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ» [القيامة : 25]، وهذا قبل دخول الفجّار إلى النار، وقبل دخول الأبرار إلى الجنَّة، وهذا ثابت في القرآن والسنة النبوية ولا يجوز إنكاره ، فالانتظار لا يكون تنغيصاً إذا كان لأمر محبوب بل فيه سرور ولذة، وإذا كان الانتظار لأمر مخيف ففيه ألم وعذاب.

وأما الوجه الثاني فانتظار الدنيا يختلف عن انتظار الآخرة لأنَّ انتظار الدنيا عواقبه غير مأمونة ؛ لأنّ الإنسان غير عارف بنتيجة مصيره، وهل سيجتاز الامتحان فيها، فما تخفيه له الأيام من أعمال غير متيقن والانتظار في يوم القيامة عاقبته مأمونة لأنَّ الملائكة تزف له البشارة بالجنة«تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»[فصلت: 30].

الرد على دليلهم الثاني

الدليل الثاني الذي يستدل به مثبتو الرؤية على رؤية الله تعالى من القرآن الكريم هو قوله تعالى :«ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ»«لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ»[ ق : 34، ،35] ، فقالوا في تفسير قوله تعالى: «وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ» إن جابر وأنس قالا : " هو النظر إلى وجه الله الكريم ".

ويُرَدُّ قولهم من وجوه عديدة؛ الوجه الأول: أنه لا دلالة ظاهرة في الآية تدل على أنَّ المراد من المزيد هو رؤية الله تعالى.

الوجه الثاني: ما روي عن جابر وأنس هو رأيهما الشخصي وليس بحجة لأنَّ الذي

ص: 500

روي في كتب السنة عن الصحابة أنهم اختلفوا في رؤية الله تعالى.(1)

الوجه الثالث: أن التفسير الصحيح لهذه الآية هو : أن المؤمنين يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما شاءوا ، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه، وهو قوله: «وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ» ، يعني الزيادة لهم في النعيم مما لم يخطر ببالهم.

الرد على دليلهم الثالث

ومما يستدلون به على الرؤية قوله تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»[يونس: 26]، فقالوا: «الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله».

وللجواب عن ذلك يقال:

الرد الأوّل: ليس في الآية لفظ صريح يدل على رؤية الله تعالى، ولفظ «وَزِيَادَةٌ» ليس فيه دلالة قريبة أو بعيدة على رؤية الله تعالى فلفظة الزيادة مبهمة غير دالة على الرؤية وضعاً ولا استعمالاً.

الرد الثاني: اختلف الصحابة في تفسير هذه الزيادة؛فروي عن علي بن أبي طالب علیه السلام أَنَّه قال: «الزِّيَادَةُ: غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُوَةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ».(2)

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ» قَالَ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ «وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ»[ق: 35] ، يَقُولُ : يَجْزِيهِمْ بِعَمَلِهِمْ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. وَقَالَ : «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا

ص: 501


1- راجع اختلاف عائشة وابن عباس في رؤية النبي الله لربه في شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 9/3[كتاب الإيمان / باب (77) -ح. 286]
2- تفسير الطبري : 552/6[سورة يونس / الآية: 26/ ح. 17649]

يُظْلَمُونَ [الأنعام: 160]».(1)

وروي «عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ» قَالَ: الزَّيَادَةُ : بِالْحَسَنَةِ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ».(2)

«وَقَالَ آخَرُونَ: الْحُسْنَى وَاحِدَةٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ بِوَاحِدَةٍ. وَالزِّيَادَةُ: التَّضْعِيفُ إِلَى تمامِ الْعَشْرِ ... وَقَالَ آخَرُونَ الحُسْنَى : حَسَنَةٌ مِثْلُ حَسَنَةٍ. وَالزَّيَادَةُ: زِيَادَةٌ مَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرِضْوَانٌ... وَقَالَ آخَرُونَ الزَّيَادَةُ مَا أَعْطُوا في الدُّنْيَا ...».(3)

الرد الثالث: اختلف المفسرون في تفسير هذا اللفظ ؛ قال الرازي: «وأما اللفظ الثالث: وهو الزيادة، فنقول: هذه الكلمة مبهمة ولأجل هذا اختلف الناس في تفسيرها، وحاصل كلامهم يرجع إلى قولين:

القول الأول : أن المراد منها رؤية الله سبحانه وتعالى ... القول الثاني : أنه لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية. قالت المعتزلة ويدلّ على ذلك وجوه : الأول: أن الدلائل العقلية دلَّت على أن رؤية الله تعالى ممتنعة. والثاني: أن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه ورؤية الله تعالى ليست من جنس نعيم الجنة. الثالث: أن الخبر الذي تمسكتم به في هذا الباب هو ما روي أن الزيادة، هي النظر إلى وجه الله تعالى، وهذا الخبر يوجب التشبيه؛ لأن النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جهة المرئي، وذلك يقتضي كون المرئي في الجهة؛ لأن الوجه اسم للعضو المخصوص، وذلك أيضاً يوجب التشبيه. فثبت أن هذا اللفظ لا يمكن حمله على الرؤية، فوجب حمله على شيء آخر، وعند هذا قال الجبائي: الحسنى عبارة عن الثواب المستحق، والزيادة هي ما يزيده

ص: 502


1- تفسير الطبري : 552/6[سورة يونس / الآية: 26 / ح . 17652]
2- تفسير الطبري : 552/6[سورة يونس/ الآية: 26/ح. 17654]
3- تفسير الطبري : 552/6 [سورة يونس/ الآية: 26]

الله تعالى على هذا الثواب من التفضل. قال: والذي يدل على صحته القرآن وأقوال المفسرين؛ أما القرآن فقوله تعالى: «لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ»[ فاطر : 30 ] وأما أقوال المفسرين فنقل عن علي رضي الله عنه أنه قال : «الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة». وعن ابن عباس أن الحسنى هي الحسنة، والزيادة عشر أمثالها وعن الحسن عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وعن مجاهد: الزيادة مغفرة الله ورضوانه وعن يزيد بن سمرة: الزيادة أن تمر السحابة بأهل الجنة».(1) الرد الرابع: زعموا في تفسيرهم لهذه الآية أن الزيادة هي رؤية المؤمنين الله تعالى، وأنها أعظم النعيم، وتفسيرهم هذا يناقض رواياتهم، فقد قالوا: «دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه في عرصات القيامة والكفار أيضاً كما في الصحيحين في حديث التجلي يوم القيامة».(2)

ولنا أن نتساءل هنا كيف تكون رؤية الله تعالى من أعظم النعم إذا كان الكافر والمنافق يراه أيضاً؟! فهذا هو التناقض بعينه الذي يبطل زعمكم وادعاءكم بالرؤية.

الرد الخامس: الأحاديث الَّتي ذكروها لِتُفَسِّر هذه الآية بالرؤية لا حجة فيها لأن سندها ضعيف، فمنها ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، فقال: «حدثني أبو خيثمة حدثنا روح بن أسلم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب : أن النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم قال في هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال هو النظر إلى الله عز وجل».(3)

ص: 503


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي: 17 / 63 سورة يونس/ الآية: 26]
2- توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عیسی 2 / 569
3- السنة لعبد الله بن أحمد: 1 / 243 [ح. 444]

قال محقق الكتاب د. محمد سعيد سالم القحطاني: «إسناده ضعيف».

وقال الصابوني في صفوة التفاسير : «[ وزيادة ] وهي النظر إلى وجه الله الكريم» وَرَدَ هذا في حديث صحيح أخرجه مسلم في الإيمان أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم»، هكذا زعم الصابوني ، وهذا الحديث الذي رواه مسلم يرد عليه أربعة أمور:

الأمر الأوّل: لا دليل فيه على تفسير قوله تعالى «وَزِيَادَةٌ» بمعنى النظر لوجهه الكريم، وهو ظاهر لكلِّ مَن يتأمَّل في لفظ الحديث، والحديث هو :

«حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَی عَنْ صُهَيْب عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجُنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟

فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّض وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الجُنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ – قَالَ - فَيَكْشِفُ الحِجَابَ فَما أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ»».(1)

فهذا الحديث لم يصرح بتفسير أي آية من آيات القرآن الكريم.

الأمر الثاني: أنَّ النظر لا يلزم أن يكون بمعنى الرؤية، قال الراغب: «يقال نظرت إلى كذا إذا مدَدْتَ طرفك إليه رأيته أو لم تره».(2)

الأمر الثالث: كشف الحجاب في الحديث المتقدِّم يجوز أن يكون كناية عن مزيد الإكرام ورفع الدرجات، وفتح أبواب العطاء غير المحدود، وهذا الذي يتعين أن يحمل عليه كشف الحجاب والنظر إلى الله في الحديث؛ لدفع التعارض بين آيات الله الَّتي تنفي

ص: 504


1- صحیح مسلم: 90 [ح . 297 - (181) - كتاب الإيمان / باب إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ المُؤْمِنِين فِي الآخِرَةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى]
2- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم : 553[ نظر]

الرؤية وأحاديث رسوله صلى الله عليه و آله وسلم.

الأمر الرابع: الحديث المتقدِّم فيه حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بن دينار البصري أبو سَلَمَة مولى تميم الذي ضعفه بعض علماء الجرح والتعديل ؛ حتى قال عنه الألباني: «أن حماد(1) له أوهاماً».(2)

«وقال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين إلَّا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري...».(3)

«وقال الذهلي: قلت لأحمد في عليّ بن عاصم وذكرت له خطأ، فقال أحمد : كان حماد بنسلمة يخطئ و أو مى أحمد بيده خطأ كبيراً ولم يَرَ بالرواية عنه بأسًا».(4)

روايات الطبري التي فسَّرت الزيادة بالرؤية روى الطبري روايات لا يصح الاستدلال بها على أنَّ الزيادة في الآية المتقدمة تدلّ على الرؤية، وذلك لأنَّ أغلبها تنقل لنا أقوال الصحابة أو التابعين الذين فسَّروا الزيادة في الآية المتقدمة بالنظر إلى وجه الله مع ما فيها من ضعف السند كما سيأتي، وأما التي نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم فمنها مرسلة كمروية عبد الرحمن بن مهدي عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم(5) فإنَّه ليس من الصحابة حتى يروي عنه صلى الله عليه و آله وسلم مباشرة، والأخرى فيها حماد(6)، وقد تقدَّم بيان

ص: 505


1- هكذا قال الألباني: (أن حماد) برفع حماد والصحيح: (أنَّ حماداً ...) لأنّ اسم أن يكون منصوباً وخبرها مرفوعاً. وكذلك أخطأ بقوله: « له أوهاماً»، والصحيح أن يقول: «له أوهامٌ» برفع أوهام لأنه مبتدأ مؤخّر
2- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة لمحمد ناصر الألباني : 2 / 333
3- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني : 2 / 425 [حرف الحاء: من اسمه حماد]
4- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني : 706/5 [حرف العين من اسمه علي]
5- ينظر: تفسير الطبري : 551/6 [سورة يونس / الآية : 26 / ح . 17640]
6- ينظر: تفسير الطبري : 551/6[سورة يونس/ الآية : 26 / ح. 17641]

ضعفه وأنه صاحب أوهام، والأخرى فيها محمد بن حميد وإبراهيم بن المختار(1)؛ فأمَّا ابن حميد فهو أبو عبد الله الرازي، ذكره ابن عدي في ضعفاء الرجال، فقال: «حدثني محمد بن ثابت سمعت بكر بن مقبل يقول سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ثلاثة ليس لهم عندنا محاباة فذكر فيهم محمد بن حميد ...

سمعت ابن حماد يقول : قال السعدي: محمد بن حميد الرازي كان رديء المذهب غير ثقة».(2)

و «قال يعقوب بن شيبة السدوسي : محمد بن حميد الرازي كثير المناكير .

وقال البخاري: حديثه فيه نظر.

وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني رديء المذهب غير ثقة.

وقال فضلك الرازي: عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث لا أحدث عنه بحرف.... وقال أبو العباس أحمد بن محمد الأزهري سمعت إسحاق بن منصوريقول: أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار بين يدي الله أنهما كذابان».(3)

وأما إبراهيم بن المختار فقال ابن حجر العسقلاني: «قال ابن معين: «ليس بذاك». وقال زُنيج: تركته ولم يرضه.

وقال البخاري : "فيه نظر".

ص: 506


1- ينظر: تفسير الطبري : 551/6[سورة يونس / الآية: 26 / ح . 17646]
2- الكامل في ضعفاء الرجال لابن عُدي الجرجاني : 529/7 - 530 [138/ 1759 محمد بن حميد]
3- تهذيب الكمال للمزي : 653/8 [باب الميم / 5794 - محمد بن حميد]

قلت : وذكره ابن حبان في الثقات وقال : "يتقي حديثه من رواية بن حميد عنه»».(1)

وهكذا تسقط هذه الروايات التي ذكرها الطبري فلا حجة فيها .

ص: 507


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 1/ 179 - 180 [حرف الألف من اسمه إبراهيم]

ص: 508

تفسير بعض الصحابة أو التابعين

الروايات التي ذكرها الطبري والتي تفيد تفسير بعض الصحابة أو التابعين لقوله تعالى: «وَزِيَادَةٌ» بالنظر إلى وجه تعالى، لا يصح الاستدلال بها، وذلك السببين؛ الأوَّل: ضعف سندها؛ فالروايات الخمس الأولى التي رواها الطبري:اثنتان منها عن أبي بكر ، و اثنتان منها عن عامر بن سعيد، والخامسة عن حذيفة وهي تزعم أنهم فسَّروا الزيادة في الآية المتقدمة: «النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ»(1). وهذه الروايات لا يصح الاستدلال بها لضعف سندها بسبب وجود أبي إسحاق في سندها، وهو عمرو بن عبد الله بن عبيد السبيعي الكوفي المشهور بالتدليس، فقد ذكره جلال الدين السيوطي في كتابه أسماء ،المدلسين وقال عنه : «مشهور بالتدليس»(2). وذكره ابن حجر العسقلاني في المرتبة الثانية من المدلسين.(3)

وقال برهان الدين الحلبي الشافعي: «عمرو بن عبد الله السبيعي:

وقد ذكره أيضا فيهم ابن الصلاح قال الذهبي في ميزانه في ترجمته من أئمة التابعين بالكوفة و اثباتهم إلا أنه شاخ ونسي ولم يختلط وقد سمع منه سفيان بن عيينة وقد تغير قليلا ثم نقل عن الفسوي قال ابن عيينة: حدثنا أبو إسحاق في المسجد ليس معنا ثالث قال الفسوي فقال بعض أهل العلم كان قد اختلط وإنما تركوه مع ابن عيينة

ص: 509


1- تفسير الطبري : 6 / 549[سورة يونس / الآية : 26/ ح. 17625 - 17629]
2- أسماء المدلسين : 1 / 77،[حرف العين / عمرو بن عبد الله أبو إسحاق]
3- طبقات المدلسين لابن حجر العسقلاني: 1 / 37[المرتبة الثالثة].

لاختلاطه».(1)

وذكره الذهبي في الضعفاء عند ترجمته لسليمان بن مهران الأعمش، فقال:

«قال وهب بن زمعة سمعت ابن المبارك يقول: "إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق". وقال جرير : " سمعت مغيرة يقول: " أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق و أعمشكم هذا". كأنه عنى الرواية عمن جاء».(2)

وأمَّا الرواية السادسة التي رواها الطبري، وفيها أن أبا إسحاق قد فسر قوله تعالى: «وَزِيَادَةٌ» فقال: «النظر إلى وجه الرحمن»(3). فهي ضعيفة لأنَّ في سندها يحيى بن طلحة اليربوعي يروي عن شريك عن أبي إسحاق، فقد ذكره الذهبي في الضعفاء وقال: «يحيى بن طلحة اليربوعي عن شريك قال النسائي: "ليس بشيء"»(4)، وذكره النسائي في الضعفاء والمتروكين وقال عنه: «ليس بشيء».(5)

وذكره ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب وقال : «قال النسائي: "ليس بشيء"، وذكره بن حبان «في الثقات» وقال: " كان يغرب عن أبي نعيم وغيره".

قلت: وكَذَّبَه علي بن الحسين بن الجنيد وخَطَّأه الصغاني».(6)

وأمَّا الرواية السابعة والثامنة التي رواهما الطبري ففيهما أنَّ أبا موسى الأشعري فسّر

ص: 510


1- الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط لبرهان الدين الحلبي الشافعي (المتوفى: 841ه) : 1 / 273
2- المغني في الضعفاء للذهبي : 1 /445 [2628 - سليمان بن مهران الأعمش]
3- تفسير الطبري : 549/6[سورة يونس / الآية : 26 / ح. 17630]
4- المغني في الضعفاء للذهبي: 2 / 520 [6996 - يحيى بن طلحة اليربوعي]
5- الضعفاء والمتروكين للنسائي: 1/ 253 [641- باب الياء].
6- تهذيب التهذيب لابن حجر : 9 / 250 [حرف الياء : من اسمه يحيى / 7854 - يحيى بن طلحة بن أبي كثير اليربوعي]

قوله تعالى: «وَزِيَادَةٌ» ، فقال: «النظر إلى وجه الرحمن»(1). فهي ضعيفة لوجود أبي بكر الهذلي فيها الذي وصفه علماء الجرح والتعديل بالضعف والكذب، واسمه: «سلمى بن عبد الله بن سلمى أبو بكر الهذلي بصري وهو ابن بنت حميد بن عبد الرحمن الحميري... حدثنا ... مزاحم بن زفر الكوفي، قال: سألت شعبة عن أبي بكر الهذلي، فقال: دعني لا أقيء.

حدثنا... عمرو بن علي الصيرفي، قال: سمعت يحيى يعني بن سعيد ذكر أبا بكر الهذلي، فلم يرضه، ولم أسمعه ولا عبد الرحمن يحدثان عنه بشيء قط قال : وسمعت يزيد بن زريع يقول عدلت عن أبي بكر الهذلي عمداً.

حدثنا ... يحيى بن معين :قال كان غندر يقول : كان أبو بكر الهذلي إمامنا وكان يكذب.

حدثنا عبد الرحمن انا أبو بكر بن أبي خيثمة، فيما كتب إليَّ ، قال : سمعت يحيى بن معين يقول : أبو بكر الهذلي ليس بشيء.

حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول : أبو بكر الهذلي ليس بقوي لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به حدثنا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة عن أبي بكر الهذلي فقال: بصري ضعيف».(2)

وأما الرواية التاسعة التي رواها الطبري ففيها أنّ أبا موسی الأشعري يروي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنَادِيًا يُنَادِي أَهْلَ الْجَنَّةِ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ: إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمُ الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ، فَالحُسْنَى الجنَّةُ، وَالزَّيَادَةُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ

ص: 511


1- تفسير الطبري : 6 / 550 [سورة يونس / الآية: 26 / ح. 17631 و 17632]
2- الجرح والتعديل للرازي : 4 / 287 - 288 [باب السين: باب من روى عنه العلم ممن يسمى سلمى - 1365/6484]

الرَّحْمَنِ»(1). وهذه الرواية ضعيفة أيضاً ولا يصح الاحتجاج بها لأنها رويت عن طريق أبان بن أبي عياش الذي وصف بالكذب ؛ قال الذهبي: «أبان بن أبي عياش فيروز.وقيل دينار الزاهد أبو إسماعيل البصري . أحد الضعفاء وهو تابعي صغير، يحمل عن أنس وغيره.

وهو من موالي عبد القيس . قال شعیب بن حرب سمعت شعبة يقول : لئن أشرب من بول حمار حتى أروى أحبّ إليَّ من أن أقول: حدثنا أبان بن أبي عياش.

وروى ابن إدريس وغيره عن شعبة قال : لئن يزني الرجل خير من أن يروى عن أبان....

وقال ابن إدريس : قلت لشعبة : حدثني مهدي بن ميمون، عن سلم العلوي، قال: رأيت أبان بن أبي عياش يكتب عن أنس بالليل، فقال شعبة: سلم يرى الهلال قبل الناس بليلتين.

وقال أحمد بن حنبل: قال عباد بن عباد أتيت شعبة أنا وحماد بن زيد فكلمناه في أن يمسك عن أبان بن أبي عياش قال : فلقيهم بعد ذلك فقال: ما أراني يسعني السكوت عنه .

قال أحمد: هو متروك الحديث كان وكيع إذا مر على حديثه يقول رجل، ولا يسميه، استضعافاً له.

وقال يحيى بن معين : متروك . وقال مرة: ضعيف.

وقال أبو عوانة: كنت لا أسمع بالبصرة حديثا إلا جئت به أبان، فحدثني به عن الحسن حتى جمعت منه مصحفا ، فما أستحل أن أروي عنه.

ص: 512


1- تفسير الطبري : 6 / 550[سورة يونس / الآية : 26 / ح . 17633]

وقال أبو إسحاق السعدي الجوزجاني: ساقط.

وقال النسائي : متروك ، ثم ساق ابن عدي لأبان جملة أحاديث منكرة.

وقال يزيد بن هارون قال شعبة: داري وحماري في المساكين صدقة إن لم يكن أبان بن أبي عياش يكذب في الحديث.... وقال عبدان عن أبيه عن شعبة: لولا الحياء من الناس ما صليت على أبان.... وقال معاذ بن معاذ : قلت لشعبة: أرأيت وقيعتك في أبان تبين لك أو غير ذلك ؟ فقال : ظن يشبه اليقين.

وقال عبد الله بن أحمد بن شبويه : سمعت أبا رجاء يقول: قال حماد بن زيد كلمنا شعبة في أن يكف عن أبان بن أبي عياش لسنه وأهل بيته، فضمن أن يفعل، ثم اجتمعنا في جنازة فنادى من بعيد: يا أبا إسماعيل، إني قد رجعت عن ذلك، لا يحل الكف عنه، لأنَّ الأمر دين...».(1)

وأما الرواية العاشرة، وما بعدها حتى الرواية الرابعة عشرة التي رواها الطبري فهي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي فسر قوله تعالى: «وَزِيَادَةٌ» ، فقال :«النظر إلى وجه ربهم».(2)فلا يصح الاحتجاج بها لأن تفسير عبد الرحمن بن أبي ليلى للآية ليس بحجة فهو من التابعين، وهو يعبر عن رأيه الشخصي.

السبب الثاني الذي لا يصح معه الاستدلال بالروايات المتقدمة للطبري هو أن قول الصحابي ليس بحجة عندنا، وكذلك عند بعض علماء السنة فلا يصح الاحتجاج بقوله، ومن هؤلاء العلماء أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الَّذي قال:

«الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ الْأُصُولِ الموهُومَةِ: قَوْلُ الصَّحَابِي.

ص: 513


1- ميزان الاعتدال للذهبي: 1 / 124 - 126 [حرف الألف/ 15(2156) - أبان]
2- تفسير الطبري : 6 / 550 [سورة يونس / الآية : 26 / ح. 17634-17638]

وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَايِّ حُجَّةٌ مُطلَقًا، وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَقَوْمٌ إلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ صلی الله علیه و آله وسلم: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي» وَقَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِذَا اتَّفَقُوا.

وَالْكُلُّ بَاطِلٌ عِنْدَنَا فَإِنَّ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالسَّهْرُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِصْمَتُهُ عَنْهُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ، فَكَيْفَ يُحْتَجُ بِقَوْهِمْ مَعَ جَوَازِ الْخَطَأ؟ وَكَيْفَ تُدَّعَى عِصْمَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ؟ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عِصْمَةُ قَوْمٍ يَجُوزُعَلَيْهِمْ الاخْتِلَافِ؟ وَكَيْفَ يَخْتَلِفُ الْمَعْصُومَانِ؟ كَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمَا بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ أَوْجَبُوا فِي مَسَائِلِ الإِجْتِهَادِ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدِ أَنْ يَتَّبِعَ اجْتِهَادَ نَفْسِهِ؟ فَانْتِفَاءُ الدَّلِيل عَلَى الْعِصْمَةِ وَوُقُوعُ الاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ وَتَصْرِيحُهُمْ بِجَوَازِ مُخَالَفَتِهِمْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ ...».(1)

الرد على دليلهم الرابع

الآية الرابعة التي يستدلون بها على رؤية الله تعالى قوله تعالى: «كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ»[المطففين: 15]، فزعموا أن تخصيص الكفار بالحجب عن رؤية الله تعالى يدل على أن المؤمنين لا يكونون محجوبين عن رؤية الله عز وجل. أي يفهم من الآية أن المؤمنين يرونه، وهذا المفهوم يسمى مفهوم المخالفة، وليس في منطوق الآية ما يفيد ذلك.

ويُرَدُّ على زعمهم هذا بردود عديدة:

الرد الأول: أنَّ استدلالهم بالآية على رؤية الله تعالى غير صحيح لأنهم لم يستدلُّوا بمنطوق الآية بل بمفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة لا يعمل به إلا بعض العلماء، وإنما

ص: 514


1- المستصفى في علم الأصول للغزالي : 168

يعمل به في المسائل الفرعية الظنية لا في العقائد ومن أمثلة مفهوم المخالفة في المسائل الفرعية : قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «في الغنم السائمة زكاة» ، فالمفهوم منه أن الغنم المعلوفة ليس فيها زكاة

الرد الثاني: أنَّ لفظ محجوب في اللغة لم يكن ذا دلالة واحدة، ولذا «أجابت المعتزلة عن هذا من وجوه أحدها : قال الجبائي : المراد أنهم عن رحمة ربهم محجوبون أي ممنوعون، كما يقال في الفرائض : الإخوة يحجبون الأم على الثلث، ومن ذلك يقال: لمن يمنع من الدخول هو حاجب، لأنه يمنع من رؤيته وثانيها : قال أبو مسلم : «لَمَحْجُوبُونَ» أي غير مقربين والحجاب الرد وهو ضد القبول والمعنى هؤلاء المنكرون للبعث غير مقبولين عند الله وهو المراد من قوله تعالى: «وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ»[آل عمران: 77] ، وثالثها: قال القاضي الحجاب ليس عبارة عن عدم الرؤية، فإنه قد يقال: حجب فلان عن الأمير، وإن كان قد رآه من البعد، وإذا لم يكن الحجاب عبارة عن عدم الرؤية سقط الاستدلال، بل يجب أن يحمل على صيرورته ممنوعاً عن وجدان رحمته تعالى.

رابعها : قال الزمخشري: كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للمكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا المهانون عندهم».(1)

وقال الشريف الرضي: «والمراد بذكر الحجاب هاهنا أنهم ممنوعون من ثواب الله سبحانه، مذودون عن دخول جنته ودار مقامته. وأصل الحجب المنع. ومنه قولنا في الفرائض: الإخوة يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس. أي يمنعونها من الثلث ويردّونها إلى السدس. ومن ذلك أيضا قولهم: حجب فلان عن باب الأمير. أي ردّ عنه، ودفع دونه. ويجوز أن يكون كذلك معنى آخر، وهو أن يكون المراد أنهم غير مقربين عند

ص: 515


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 31/ 87 [سورة المطففين / الآيتان: 7-17]

الله سبحانه بصالح الأعمال واستحقاق الثواب. فعبّر سبحانه عن هذا المعنى بالحجاب. لأن المبعد المقصى يحجب عن الأبواب، ويبعد من الجناب».(1)

الرد الثالث: لو سلَّمنا جَدَلاً بأن لفظ (محجوب) في هذه الآية له دلالة واحدة وهي أن معناه: لا يُرى، فحينئذ إذا قيل: زيد محجوب عنا، فمعناه أننا لا نراه، وليس المعنى أنه لا يرانا، وإذا قيل: نحن محجوبون عن زيد فمعناه هو لا يرانا، وليس المعنى أننا لا نراه، ففي الآية الكريمة الآية الكريمة أنَّ صيغة «لَمَحْجُوبُونَ» اسم مفعول، ونائب الفاعل ضمير يعود إلى الكفار أو المنافقين، فلو كان لفظ (محجوب)معناه ممنوع أن يُرى، صار ظاهر معنى الآية: (إِنَّ الكافرين والمنافقين هم المحجوبون عن الله تعالى) فالله لا يراهم لأنهم محجوبون عنه، وليس معناها أنهم لا يرون الله تعالى لأنَّ الآية لم تقل : إِنَّ الله تعالى محجوب عنهم، بل قال الله تعالى: «كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَذٍ لَمَحْجُوبُونَ» ، فظاهر الآية حينئذ سيكون تخصيص الله تعالى بالحجب عن رؤية الكافرين أو المنافقين، ولا دلالة فيها على أنهم لا يرونه، فمفهوم المخالفة على هذا سيكون أن المؤمنين غير محجوبين عن الله عز وجل، فالله يرى المؤمنين ولا يرى الكافرين والمؤمنون لا يرونه، وبدون شك هذا ليس مراد الآية، فثبت أن لفظ «لَمَحْجُوبُونَ» في هذه الآية لا يراد منه عدم الرؤية كما زعموا، ولا بد أن يحمل على معنى آخر غير معنى الرؤية، وقد حمله بعض المفسرين على معنى محجوبون عن إحسانه ، وقيل : عن كرامته وقيل : عن رحمته وثوابه ومغفرته.

وبهذا يسقط استدلالهم بهذه الآية على رؤية الله تعالى.

الرد على دليلهم الخامس

ومما يستدلون به على رؤية الله تعالى قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»[الكهف:

ص: 516


1- تلخيص البيان في مجازات القرآن: 361[قوله سبحانه: «كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَيذٍ لَمَحْجُوبُونَ»]

110]، فأوَّلوا اللقاء بالرؤية؛ قال الرازي: «وكذا القول في جميع الآيات المشتملة على اللقاء».(1)

الجواب

من العجب أن الرازي الذي زعم حمل اللقاء على الرؤية في جميع الآيات المشتملة على اللقاء نراه يفسر اللقاء بغير معنى الرؤية، وذلك قوله : «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ» أي يتوقعون نيل ثوابه والخلاص من عقابه»(2). ثم نراه يرمي غيره بأنَّه استدلَّ بهذه الآية على الرؤية، ويذكر رد المعتزلة عليهم الذي يكون أقوى من ردودهم، وهذا نص قوله:

استدل بعض الأصحاب بقوله : «مُلَاقُو رَبِّهِمْ» على جواز رؤية الله تعالى.

وقالت المعتزلة : لفظ اللقاء لا يفيد الرؤية والدليل عليه الآية والخبر والعرف. أما الآية فقوله تعالى: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ»[التوبة: 77] والمنافق لا يرى ربه ، وقال : «وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا»[الفرقان: 68] وقال تعالى في معرض التهديد «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ»[البقرة: 223] فهذا يتناول الكافر والمؤمن، والرؤية لا تثبت للكافر فعلمنا أن اللقاء ليس عبارة عن الرؤية. وأما الخبر فقوله علیه السلام: «من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» وليس المراد رأى الله تعالى لأن ذلك وصف أهل النار، وأما العرف فهو قول المسلمين فيمن مات لقي الله ، ولا يعنون أنه رأى الله عز وجل، وأيضاً فاللقاء يراد به القرب ممن يلقاه على وجه يزول الحجاب بينهما. ولذلك يقول الرجل إذا حُجب عن الأمير ما لقيته بعد وإن كان قد رآه ، وإذا أذن له في الدخول عليه يقول : لقيته، وإن كان ضريراً،

ص: 517


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 13 / 107 [سورة الأنعام/ الآية: 103]
2- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 3/ 47 [سورة البقرة الآيتان: 45 و 46]

ويقال: لقي فلان جهداً شديداً ولقيت من فلان الداهية. ولاقى فلان حمامه، وكل ذلك يدل على أن اللقاء ليس عبارة عن الرؤية. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى: «فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ»[القمر: 12]. وهذا إنما يصح في حق الجسم ولا يصح على الله تعالى».(1)

هذا وقد وردت آيات عديدة ذكر فيها اللقاء ولا يراد منه الرؤية كقوله تعالى: و«وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ»[الروم: 16]، وقوله تعالى: «وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ»[المؤمنون: 33] وقوله تعالى : «فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ»[السجدة: 14]، فالمراد من اللقاء هنا الحضور يوم القيامة للحساب، ولا دلالة فيه على الرؤية.

الرد على دليلهم السادس

الدليل السادس الذي يستدل به مثبتو الرؤية على رؤية الله تعالى من القرآن الكريم هو قوله تعالى: «وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا»[الإنسان : 20]

قال الرازي: «فإن إحدى القراءات في هذه الآية مَلِكًا بفتح الميم وكسر اللام وأجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلَّا الله تعالى وعندي التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها».(2)

الجواب

هذه القراءة شاذة فلا يستدلّ بها على رؤية الله تعالى لأنَّ الرؤية من المسائل العقائدية فلا يستدلّ عليها إلا بالأدلّة القطعية لا بالقراءات الشاذة التي لا يحتج بها على الحكم الشرعي فضلاً عن العقيدة، وسياق الآية يدلّ على أنَّه هو الملك بضم الميم وسكون

ص: 518


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 3 / 48 [سورة البقرة الآيتان: 45 و 46]
2- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي: 13 / 108 [سورة الأنعام / الآية: 103]

اللاّم وكأنه سبحانه يقول: وإذا رميت ببصرك الجنّة رأيت نعيماً لا يوصف ومُلكاً كبيراً لا يقدر قدره.(1)

والآية نظير قوله : «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا»[الأحزاب/ 47] .

الرد على دليلهم السابع

الآية السابعة التي يستدلون بها على رؤية الله تعالى قوله تعالى :«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا»[الكهف: 107]، قال الرازي: «دلَّت هذه الآية على أنه تعالى جعل جميع جنات الفردوس نزلاً للمؤمنين والاقتصار فيها على النزل لا يجوز بل لا بدَّ وأن يحصل عُقَيْب النزل تشريف أعظم حالاً من ذلك النزل وما ذاك إلا الرؤية».(2)

الجواب

ليس في هذه الآية أيّ دليل على الرؤية لا من قريب ولا من بعيد، وادعاء الرازي في غير محله، وهذا من أوهام الرازي.

الرد على دليلهم الثامن

الآية الثامنة التي يستدلون بها على رؤية الله تعالى قوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[الأنعام: 103]؛ قال الرازي: «إنَّ لفظ الْأَبْصَارُ» صيغة جمع دخل عليها الألف واللام فهي تفيد الاستغراق فقوله: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» يفيد أنه لا يراه جميع الأبصار ، فهذا يفيد سلب العموم ولا يفيد عموم السلب

ص: 519


1- ينظر : كتاب رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل لجعفر السبحاني
2- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 13 / 108 [سورة الأنعام / الآية: 103]

إذا عرفت هذا فنقول: تخصيص هذا السلب بالمجموع يدلّ على ثبوت الحكم في بعض أفراد المجموع، ألا ترى أن الرجل إذا قال: إنَّ زيداً ما ضَرَبَهُ كُلُّ الناسِ، فإنه يفيد أَنَّه ضَرَبَهُ بعضُهم.

فإذا قيل : إنَّ محمداً صلی لله علیه و آله وسلم ما آمَنَ به كلُّ الناس، أفاد أنه آمن به بعض الناسِ، وكذا قوله: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» : معناه : أنه لا تُدْرِكُهُ جميع الأبصار، فوجب أن يفيد أنه تدركه بعضُ الأبصار أقصى ما في الباب أن يقال هذا تمسك بدليل الخطاب. فنقول: هَبْ أنه كذلك إلّا أنه دليل صحيح لأن بتقدير أن لا يحصل الإدراك لأحد البتة كان تخصيص هذا السلب بالمجموع من حيث هو مجموع عبثاً، وصون كلام الله تعالى عن العبث واجب».(1)

الجواب

إنّ الألف واللام الداخلة على كلمة (الأبصار) ليست لتعريف الجنس كي تفيد الاستغراق كما توهّم الرازي، وإنَّما هي لتعريف العهد أي الأبصار المعهودة وهي أبصار الناس، والدليل على ذلك أن المراد من الأبصار في الآية الكريمة هي أبصار العقلاء، لا جميع أبصار المخلوقات التي منها العاقل وغير العاقل كي يقول أنها تفيد استغراق جميع الأبصار، فالألف واللام في (الأبصار) هي للعهد الذهني، أي: الأبصار المعهودة في أذهاننا، وهم العقلاء، وهذه الألف واللام إذا دخلت على صيغة الجمع لا تفيد الاستغراق لجميع أفراد الجنس ، فقوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» لا يفيد سلب العموم، كما توهم الرازي.(2)

ص: 520


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي: 13 / 102 [سورة الانعام / الآية: 103]
2- عموم السلب يكون النفي فيه لكل فرد ويسمى شمول النفي ويكون بتقديم أداة العموم ك_(كل و جميع) على أداة النفي نحو كلُّ ظالم لا يفلح المعنى: لا يفلح أحد من الظلمة، ويشترط أن تكون أداة العموم غير معمولة لما بعدها كما مثل، فإن كانت معمولة للفعل سواء تقدمت لفظاً أو تأخرت أفاد الكلام سلب العموم ونفي الشمول غالباً نحو: كلَّ ذنبٍ لم أصنع، ولم أصنع كلَّ ذنبٍ. وسلب العموم يكون النفي فيه للمجموع غالباً ويسمَّى نفي الشمول، ويكون بتقديم النفي أداة على أداة العموم نحو: لم يضرب زيد كلَّ الأولاد فيحتمل أنه ضرب بعض الأولاد،ويحتمل نفي الضرب عن الجميع كما جاء نفي محبة الله تعالى عن الجميع في قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ»[لقمان: 18]. وأما في قوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» . فقد تقدمت أداة النفي فقط ولا توجد أداة للعموم، فزعم الرازي غير صحيح لعدم العموم في لفظ «الْأَبْصَارُ» فيسقط استدلاله.

إضافة إلى ذلك أنَّ سلب العموم لا يكون مطّرداً في كلِّ موضع تقدَّم فيه النفي على أداة العموم، فعلماء البلاغة يَرُدُّونَهُ إلى الذوق السليم أو القرائن لأنه قد يقدم النفي على العموم والمراد عموم السلب لا سلب العموم كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، فالنفي هنا شامل لكلّ فرد، وبهذا يتضح عدم صحة قول الرازي. لأنَّه غير مطّرد بل مقيد بالذوق السليم و القرائن.

ص: 521

ص: 522

بقية شبهة الرازي

ثمَّ أردف الرازي قائلاً: «لا نسلم أن إدراك البصر عبارة عن الرؤية والدليل عليه: أن لفظ الإدراك في أصل اللغة عبارة عن اللحوق والوصول قال تعالى: «أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ»[الشعراء: 61] أي لملحقون وقال: «حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ»[ يونس : 90 ] أي لحقه، ويقال : أدرك فلان فلاناً، وأدرك الغلام أي بلغ الحلم، وأدركت الثمرة أي نضجت. فثبت أن الإدراك هو الوصول إلى الشيء.

إذا عرفت هذا فنقول: المرئي إذا كان له حد ونهاية وأدركه البصر بجميع حدوده وجوانبه ونهاياته، صار كأن ذلك الإبصار أحاط به فتسمى هذه الرؤية إدراكاً، أما إذا لم يحط البصر بجوانب المرئي لم تسمّ تلك الرؤية إدراكاً. فالحاصل أن الرؤية جنس تحتها نوعان: رؤية مع الإحاطة. ورؤية لا مع الإحاطة. والرؤية مع الإحاطة هي المسماة بالإدراك فنفي الإدراك يفيد نفي نوع واحد من نوعي الرؤية، ونفي النوع لا يوجب نفي الجنس. فلم يلزم من نفي الإدراك عن الله تعالى نفي الرؤية عن الله تعالى، فهذا وجه حسن مقبول في الاعتراض على كلام الخصم».(1)

الجواب

قوله «لا نسلم أن إدراك البصر عبارة عن «الرؤية» في غير محله خصوصاً وأنَّ عائشة قد استدلت على عدم رؤية النبي صلی الله علیه و آله وسلم لربه بقوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[الأنعام: 103]، ولولا فهم عائشة للإدراك

ص: 523


1- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي: 13 / 104 [سورة الانعام / الآية: 103]

بمعنى الرؤية لما استشهدت بهذه الآية على عدم رؤية النبي صلی الله علیه و آله وسلم لربه. كذلك لو كان الإدراك بمعنى الإحاطة بالمرئي كما زعم الرازي لما استشهدت عائشة بهذه الآية لصحة الاعتراض عليها حينئذ بأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم رأى ربه ولكن لم يدركه ببصره كاملاً، ثمَّ إِنَّ تفسير الرازي للإدراك بإحاطة البصر الجميع حدود وجوانب ونهايات المرئي يرد عليه كون معظم الأشياء التي نراها أننا لا نحيط بها لأننا نراها من جهة واحدة فقط ولا نحيط بجميع حدودها وجوانبها ونهاياتها، فتكون هذه الصفة غير مختصة بالله تعالى، لأن بقية الأشياء يصح أن يقال عنها (لا تدركها الأبصار)، فحينئذ ما فائدة الإخبار بهذه الصفة عن الله تعالى إذا كانت معظم المخلوقات كذلك ؟!

ثمَّ من أين لهم أن يحملوا هذه الآية على أنها صفة الله تعالى يوم القيامة وليس فيها قرينة قريبة أو بعيدة تدلّ على أن الله تعالى يرى يوم القيامة ولكن لا يدرك؟!!!

إضافة لذلك فإنَّ صفات الله تعالى أزلية لا تختص بزمن دون آخر، فكيف يكون من صفته أنَّه لا يُرَى في الدنيا ويرى يوم القيامة؟!!

هذا وإنَّ قول الرازي يستلزم التشبيه والتجسيم لأنه جعل الله تعالى حداً ونهايةً والبصر لا يدركه كلّه.

قال أحمد بن علي المكنى بأبي بكر الرازي الجصاص الحنفي: «قَوْله تَعَالَى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» يُقَالُ : إِنَّ الْإِدْرَاكَ أَصْلُهُ اللَّحُوقُ، نَحْو قَوْلِكَ: أَدْرَكَ زَمَانَ المُنصُورِ، وَأَدْرَكَ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَدْرَكَ الطَّعَامَ أَي لَحِقَ حَالَ النُّضْج، وَأَدْرَكَ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَةَ، وَأَدْرَكَ الْغُلَامَ إِذَا لَحَقَ حَالَ الرِّجَالِ وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لِلشَّيْءِ تُحوقُهُ لَهُ بِرُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَدْرَكْت بِبَصَرِي شَخْصًا مَعْنَاهُ رَأَيْته بِبَصَرِي، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِدْرَاكُ الْإِحَاطَةَ لِأَنَّ الْبَيْتَ مُحِيطٌ بِمَا فِيهِ وَلَيْسَ

ص: 524

مُدْرِكًا لَهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» . مَعْنَاهُ: لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ، وَهَذَا تَمَدُّحْ بِنَفْيِ رُؤْيَةِ الْأَبْصَارِ(1) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» وَمَا تَمَدَّحَ اللهُ بِنَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ إِثْبَاتَ ضِدّهِ ذَمٌّ وَنَقْصٌ ، فَغَيْرُ جَائِزٍ إِثْبَاتُ نَقِيضِهِ بِحَالٍ، كَمَا لَوْ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُ الصَّفَةِ ب_«لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» لَمْ يَبْطُلْ إِلَّا إِلَى صِفَةِ نَقْصٍ، فَلَمَّا تَقَدَّحَ بِنَفْي رُؤْيَةِ الْبَصَرِ عَنْهُ لَمْ يَجْزْ إِثْبَاتُ ضِدِّهِ وَنَقِيضِهِ بِحَالٍ؛ إذْ كَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ نَقْصٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَخصُوصًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» لِأَنَّ النَّظَرَ مُحْتَمِلٌ لمِعَانٍ مِنْهُ انْتِظَارُ الثَّوَابِ كَمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ لَمْ يَجْزُ الاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِمَا لَا مَسَاغَ لِلتَّأْوِيلِ فِيهِ.

وَالْأَخْبَارُ المُروِيَّةُ فِي الرُّؤْيَةِ إِنَّمَا المُرَادُ بِهَا الْعِلْمُ لَوْ صَحْتُ، وَهُوَ عِلْمُ الضَّرُورَةِ الَّذِي

ص: 525


1- هذه التفاتة جميلة من الجصاص وذلك لأنَّ المتمعّن بالآيات المتقدمة على هذه الآية يجدها في معرض تمدح الخالق ببيان قدرته وعظمته وجلاله، ولعله يظهر لأقل تأمل في الآيات التالية : «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ»«فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»«وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»«وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ»«وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»«وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ»«بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»«ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ»«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[الأنعام: 95 - 103] . و لقد حاول بعض السلفية تبعاً لابن تيمية الاعتراض بأنَّ عدم الرؤية لا يعد مدحاً لمشاركة غيره في ذلك كالرياح والأرواح فإنَّها لا تُرَى؟، فيجاب بأنَّ المسلمين اتفقوا على أنَّ قوله تعالى: «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» تمدح بهذه الصفة، فهل يمكنكم أن تقولوا: بأنَّ الكواكب تشاركه في ذلك لأنها لا تنام؟!

لَا تَشُوبُهُ شُبْهَةٌ وَلَا تَعْرِضُ فِيهِ الشُّكُوكُ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ بِمَعْنَى الْعِلْم مَشْهُورَةٌ فِي اللُّغَةِ».(1)

وقوله: «والرؤية مع الإحاطة هي المسماة بالإدراك فنفي الإدراك يفيد نفي نوع واحد من نوعي الرؤية» غير صحيح، فقد ردَّ عليه الشيخ جعفر السبحاني في كتابه (رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل) قائلاً: ونحن بدورنا نسأله: ما الدليل على أنّ الإدراك إذا اقترن بالبصر يكون بمعنى الإدراك الإحاطي، مع أننا نجد خلافه في الأمثلة التالية، نقول: أدركت طعمه أو ريحه أو صوته ، فهل هذه بمعنى أحطنا إحاطة تامة بها، أو أنه بمعنى مجرد الأدراك بالأدوات المذكورة من غير اختصاص بصورة الإحاطة مثل قولهم أدرك الرسول، فهل هو بمعنى الإحاطة بحياته أو يراد منه إدراكه مرة أو مرتين، ولم يفسّره أحد من أصحاب المعاجم بما ذكره الرازي.

وحاصل الكلام أنّ اللفظة إذا اقترنت ببعض أدوات الإدراك كالبصر والسمع يحمل المعنى الكلّي أي اللحوق والوصول، على الرؤية والسماع، سواء كان الإدراك على وجه الإحاطة أو لا، وأما إذا تجرّدت اللفظة عن القرينة تكون بمعنى نفس اللحوق قال سبحانه: «وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»[يونس:90] ومعنى الآية: (حَتَّى إِذَا لَحِقَهُ الْغَرَقَ) ورأى نفسه غائصاً في الماء استسلم وقال: (آمَنْتُ...).

وقال سبحانه: «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى»[طه: 77] أي لا تخاف لحوق فرعون وجيشه بك وبمن معك من بني إسرائيل.

وقال سبحانه: «فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ»[الشعراء: 61] فأثبت الرؤية ونفى الدرك، وما ذلك إلا لأنّ الإدراك إذا جُرِّد عن المتعلّق لا يكون

ص: 526


1- أحكام القرآن للجصاص : 169/4 [سورة الإنعام / باب النهي عن مجالسة الظالمين]

بمعنى الرؤية بتاتاً، بل بمعنى اللحوق.

نعم إذا اقترن بالبصر يكون متمحّضاً في الرؤية من غير فرق بين نوع ونوع، وتخصيصه بالنوع الاحاطي لأجل دعم مذهبه افتراء على اللغة.

ص: 527

ص: 528

الأدلة الحديثية لمثبتي الرؤية

اشارة

يستدل المثبتون لرؤية الخالق يوم القيامة بأحاديث يعتقدون بصحتها، وهي كما

الحديث الأول

«... عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَنَاسٌ : يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ في الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ الله قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَر لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟». قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ الله النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعَهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ الله في غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بالله مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ الله في الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَبعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ...».(1)

وروی مسلم هذه الرواية أيضاً.(2)

وهناك رواية أخرى مثلها رواها مسلم فقال: «... عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي أَنَّ نَاسًا في زَمَن رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ الله : «نَعَمْ». قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ

ص: 529


1- صحيح البخاري : 1195 [كتاب الرقاق / باب الصراط جسر -جهنم حدیث : 6573]
2- صحیح مسلم: 90 - 91 [ح . 299 - (182) - كتاب الإيمان / باب مَعْرِفَةِ طَرِيقِ الرُّؤْيَةِ]

تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟». قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ الله سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَاب إِلا يَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله مِنْ بَر وَفَاجِرٍ وَغُيَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ هُم مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ قَالُوا عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا. فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ الله فَيُقَالُ هُمْ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ الله مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ. فَيُقَالُ لَهُمْ مَاذَا تَبْغُونَ فَيَقُولُونَ عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا - قَالَ - فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الله تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا.

قَالَ فَمَا تَنتَظِرُونَ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِالله مِنكَ لا تُشْرِكُ بِالله شَيْئًا - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بهَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ الله لَهُ بِالسُّجُودِ وَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ الْقَاء وَرِيَاءَ إِلا جَعَلَ الله ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّما أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا. ثُمَّ يُضْرَبُ الجُسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ

ص: 530

وَيَقُولُونَ اللهُمَّ سَلِّمْ سَلِّم»....».(1)

مناقشة الحديث الأول

لمناقشة الحديث المتقدم يقال:

أولاً: - وردت فيه عبارات إن حملت على الحقيقة أدت إلى معاني لا تليق بالخالق عزّ وجل، كقوله: "فَيَأْتِيهِمُ الله في غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ"، وقوله" وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ يدلّ" على أنَّ الله تعالى له صور لا صورة واحدة، وهذا هو التجسيم بعينه، لأن الصورة لا تكون إلا للأجسام؛ قال النووي: «قال المازري وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث(2) فأجراه على ظاهره وقال: « الله تعالى صورة لا كالصور» وهذا الذي قاله ظاهر الفساد لأن الصورة تفيد التركيب وكل مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هو مركباً فليس مصوراً... وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث. قال العجب من ابن قتيبة في قوله : «صورة لا كالصور»... ويقال له :أيضا : إن أردت بقولك صورة لا كالصور أنه ليس

بمؤلف ولا مركب فليس بصورة حقيقة وليست اللفظة على ظاهرها».(3)

ثانياً: - هذه الرواية تدل على أن الله تعالى يتحول من شكل إلى آخر ومن صورة إلى أخرى، وهذا التحول و التغير سمة من سمات الحدوث التي تنزه عنها الخالق، لأنّ الحدوث منافٍ لصفات الله تعالى الأزلية الثابتة.

ص: 531


1- صحیح مسلم: 91 - 93 [ح . 302 - (183) - كتاب الإيمان / باب مَعْرِفَةِ طَرِيقِ الرُّؤْيَةِ]
2- يعني : في حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِب الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»
3- شرح صحیح مسلم للإمام النووي : 4[03/16 كتاب البر والصلة والآداب / باب (32) - باب النهي عن ضرب الوجه / ح. 112-(2612)]

ثالثاً: - عبارة: «فَيَأْتِيهِمُ الله فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ» تفيد أن ذات الله تحلُّ بالأجسام أو أنَّ الأجسام تحل فيه، فكأنّ الله سبحانه صوراً متعدّدة يعرفون بعضها وينكرون البعض الآخر. وكأن الله تعالى مرئي في الدنيا لهذه الأمة بمن فيها من المنافقين وهم يعرفون صورته حتى إذا جاءهم في غيرها أنكروه واستعاذوا بالله منه !!

وهذا يعني أن الله تحول من صورة إلى صورة أخرى وحلّ في الصورة الثانية، فهذا تجسيم لذات الله تعالى ووصف الله بصفة غير صحيحة تفيد أنه عزّ وجل يتغير من صورة لصورة ومن حال لحال، والله أزلي غير حادث ولا هو محل للحوادث إضافة إلى أنه لا تدركه الأبصار ، فكيف أدركوا تلك الصورة وقالوا: (نَعُوذُ بِالله مِنْكَ)، وإذا أولتم هذا الحديث ولم تقبلوه على ظاهره كنتم قد عارضتم أنفسكم لأنكم رفضتم تأويل صفات الله تعالى في القرآن الكريم كصفة اليد والوجه وغيرهما، فكيف تقبلون التأويل في هذا الحديث؟!!

رابعاً: وصف الله تعالى بالإتيان ثم الذهاب والعودة في صورة أخرى يفضي إلى التشبيه، وهو تشبيه الخالق بالمخلوق، فإن قيل : إن صفات الله تعالى أيضاً تؤدي إلى التشبيه ككونه كريم و عليم وسميع ونحو ذلك، فالجواب أنَّ هذه الأمور معنوية لا حسيَّة ، بخلاف الضحك والإتيان.

وإنْ أُوِّل إتيان الله تعالى برؤيته، فالرؤية أيضاً تفيد تشبيه الخالق بالمخلوق لأنها من الصفات الحسية التي اتصف بها البشر. إضافة إلى أن مذهب ابن تيمية وأتباعه لا يؤولون صفات الله بل يقبلونها على ظاهرها، ولذا قال محمد بن صالح العثيمين في شرح ألفية ابن مالك عند ذكر مبحث كان وأخواتها:

«وهذا يعتبر تحريفًا للنص من أجل المذهب، كقول الأشاعرة: «وَجَاءَ رَبُّكَ»

ص: 532

[الفجر: 22] أي: وجاء أمرُ ربِّكَ، دَخَلُوا {أَمْرُ} من أجل إيش؟ مَذْهَبِهِمْ؛ إِنَّ الذي يأتي أمرُ الله وليس الله» . فلم يقبل التأويل بل أخذ بظاهر النص.(1)

خامساً:- الرواية الأخيرة تفيد أنهم قد رأوا الله تعالى قبل يوم القيامة، وذلك قوله: «أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا». ولنا أن نتساءل: متى كانت الله تعالى صورة رَأَوْهُ بها؟!

فمتى رأى المسلمون ربهم حتى إذا جاءهم يوم القيامة في صورة غير الصورة التي رأوه بها ينكرونه ولا يعرفونه وإذا جاءهم في الصورة التي رأوه فيها عرفوه وقالوا أنت ربنا؟!

فإن قيل : أن معرفتهم بصورة الله الصحيحة لا تستلزم تقدم رؤيته تعالى لإمكان أن يعرفوه من أوصافه في القرآن ومن وصف رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

فالجواب: إن أوصاف الله تعالى في القرآن أو في الحديث ليس لها صورة معينة، وهلاً ذكرتم لنا هذه الآيات أو الأحاديث التي تبين هذه الصورة المزعومة التي يعرفونها؟!

سابعاً: شبهت الرواية رُؤْيَةِ الله تَعَالَى بُرُؤْيَةِ الشَّمْس في الظهيرَةِ وَالْقَمَر لَيْلَةَ الْبَدْر، فهو من تشبيه الخالق بمخلوقاته، والله تعالى لا شبيه له ولا نظير.

ثامناً: - زعم مثبتو الرؤية أنّهم يرونه بلا كيف، وهذا خلاف صريح الروايات المتقدمة التي بينت أن رؤيته تعالى تكون بكيفية واضحة، وذلك صريح في قوله «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟. «قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ

ص: 533


1- وذكر علماء النحو أنَّ المضاف يحذف لقيام قرينة تدلّ عليه، ويقام المضاف إليه مقامه فيعرب بإعرابه كقوله: «وَجَاءَ رَبُّكَ»[الفجر: 22] أي أمرُ ربِّك فحذف المضاف وهو أمر وأعرب المضاف إليه وهو ربك بإعرابه

يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ» ؛ يعني كما ترون الشمس والقمر والشمس والقمر يريان بكيفية ظاهرة، ويؤيد ذلك قوله : " فيأتيهم ربهم في صورة غير صورته التي يعرفون" وقوله من بعد: " فيأتيهم ربهم في صورته التي يعرفون " فإن تمييزهم ما بين صورتيه المزعومتين واضح في أن الرؤية بكيفية، فكيف يدعي مدع بعد هذا أنهم يرونه بلا كيف؟!

الحديث الثاني

«... عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ «قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوا»؟ قُلْنَا: لَا قَالَ «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلَةٍ مَعَ آفَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهِ مِنْ بَر أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْل الْكِتَاب ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ الله فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ اللَّه صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِينَا، فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ الله فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ للَّه صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تَسْقِينَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهِ مِنْ بَر أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ هُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقُ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّما نَنتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الْجُبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ : هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ أيَّةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ. فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ثُمَّ يُؤْتَى بِالجُسْرِ

ص: 534

فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ...»

و

وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا ... عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «يُحبَسُ المُؤمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبَّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا ...» قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمْ الجنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ الثَّانِيَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ الله أَنْ يَدَعَنِى، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ قَالَ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءِ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ قَالَ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمْ الجنَّةَ قَالَ فَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : فَأَخْرُجُ فَأَخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُم الجنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ الله أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَة ...»(1)

مناقشة الحديث الثاني

يرد على هذا الحديث بنفس ما رُدّ به على الحديث الأوَّل، ويضاف إليه قوله: "هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ"،فتزعم هذه الرواية أنّ العلامة التي بينهم وبين الله تعالى هي الساق، فلا يعرف المؤمنون والمنافقون ربهم إلا عن طريق الساق، وهذه الساق مجهولة! فهل يمكنكم أن تعرفونا كيف تكون هذه الساق لاسيما وأن علماءكم اختلفوا فيها ؛ قال النووي: «وفسَّر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر ولهذا يقولون قامت الحرب على ساق وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد شمَّر ساعده وكشف عن ساقه للاهتمام به قال

ص: 535


1- صحيح البخاري : 1345 - 1346 [ كتاب التوحيد / باب قول الله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَذٍ نَاضِرَةُ»«إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» - حديث: 7440]

القاضي عياض، وقيل المراد بالساق هنا نور عظيم وورد ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم .

قال ابن فورك : ومعنى ذلك ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والألطاف.

قال القاضي عياض: وقيل قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين من ظهور جماعة من الملائكة على خلقة عظيمة لأنه يقال ساق من الناس كما يقال رجل من جراد،وقيل قد يكون ساق مخلوقا جعله الله تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة، وقيل : معناه كشف الخوف وإزالة الرعب عنهم وما كان غلب على قلوبهم من الأهوال فتطمئن حينئذ نفوسهم عند ذلك ويتجلى لهم فيخرون سجدًا».(1)

فالحاصل : أن هذه الساق غير معلومة على وجه اليقين، فإذا جهلوا معرفتها في الدنيا ولم يتفق علماؤهم على معنى هذه العلامة (الساق)، فكيف تكون لهم علامة لمعرفة الله تعالى يوم القيامة ؟!

والأمر العجيب أنهم لم يعرفوا الله تعالى من صفاته التي وُصِفَ بها في القرآن الكريم كقوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»[الشورى: 11]، بل عرفوه من الساق الَّتي فسرها بعض علمائهم بجسم فجعلوها ساقاً عظيمة جداً خارجة عن السوق الَّتي اعتادوا أن يروها، فقال: «قد يكون ساق مخلوقا جعله الله تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة».(2)

إضافة إلى ذلك ما توحيه العبارة التالية في الحديث المتقدم من التجسيم والتشبيه والحلول: " فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا "!!، فصار

ص: 536


1- شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 29/3 - 30 [كتاب الإيمان / باب (81) - ح . 302(183)]
2- شرح صحیح مسلم للإمام النووي : 29/3 - 30 [كتاب الإيمان / باب (81) - ح .302(183)]

للرَّب دار يستأذن عندها الرَّسول للدخول على الربِّ؟!! ، ثمَّ يؤذن له بالدخول فيدخل الرسول وعندما يراه في داره يقع ساجداً ! ، وهذا يعني أنَّ هناك مكاناً يحوي الرب ويحيط به والله تعالى منزّه عن الحلول والجسمية، فلا يحويه مكان.

الحديث الثالث

«حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبي صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضُ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الجُنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ - قَالَ - فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ».(1)

هذه الرواية فيها حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وقد تُكلّم فيه كما تقدم ذكر ذلك في «الرد على دليلهم الثالث حتى قال الألباني: «أنَّ حماد له أوهاماً».(2)

وبسقوط سنده لا يصار إلى مناقشة متنه.

الحديث الرابع

«حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَن

عُمَارَةَ عَن أَبِي بُرْدَةَ عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله وسلم : «يَجْمَعُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْأُمَمَ فِي صَعِيدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَدَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ مَثْلَ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَتْبَعُونَهُمْ حَتَّى يُقْحِمُوهُمْ النَّارَ ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَنَحْنُ عَلَى مَكَانٍ

ص: 537


1- صحیح مسلم: 90 [ح . 297 - (181) - كتاب الإيمان / باب إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ المُؤْمِنِين فِي الآخِرَةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى]
2- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني: 333/2

538

رَفِيعٍ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتُمْ؟

فَتَقُولُ: نَحْنُ المُسْلِمُونَ، فَيَقُولُ مَا تَنتَظِرُونَ؟

فَيَقُولُونَ: نَنتَظِرُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ فَيَقُولُ: وَهَلْ تَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ كَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ، فَيَقُولُونَ نَعَمْ إِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ، فَيَتَجَلَّى لَنا ضَاحِكًا فَيَقُولُ أَبْشِرُوا أَيُّهَاالمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا جَعَلْتُ مَكَانَهُ فِي النَّارِ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا».(1)

مناقشة الحديث الرابع

هذه الرواية (والعياذ بالله) تنسب الجهل الله تعالى؛ فتقول: «ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَنَحْنُ عَلَى مَكَانٍ رَفِيعِ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَنَقُولُ: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَيَقُولُ مَا تَنْتَظِرُونَ؟، فَيَقُولُونَ : نَنتَظِرُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ». وكأنَّ الله تعالى لا يعرفهم! ولا يعرف ماذا ينتظرون!

إضافة إلى ذلك تقول الرواية: «فَيَتَجَلَّى لَنَا ضَاحِكًا»، والسؤال هنا: كيف عرفوا أنّه يضحك ؟ فالضحك هو الصوت الذي يحدثه الإنسان هو الصوت الذي يحدثه الإنسان عند تأثره واستغرابه، فهل سمعوا قهقهة الله تعالى فعرفوا أنه يضحك أو رأوا تبسمه فقالوا إنه ضاحك، وعلى أي حال فلا يخلو كلّ هذا من تشبيه الخالق بالمخلوق، وبهذا لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية التي تشبه الخالق بالمخلوق وتنسب الله تعالى الجهل «سُبْحَانَهُ وَتَعَلَى عَمَّا يَصِفُونَ»[الأنعام: 100].

هذا أهم ما يستدلون به من الأحاديث التي يعتقدون بصحتها، وهناك روايات أخرى ضعيفة السند أو غير صحيحة المتن لا تصلح للاستشهاد بها نذكرها مع بيان سبب ضعفها، وهي كما يأتي:

ص: 538


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 498 [4 / 4086] ، [ح. 19676 / مسند الكوفيين]

الرواية الأولى

«حدثني أبو بكر الصاغاني حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن سابور عن عطية عن ابن عباس رضي الله عنه «وُجُوهٌ يَوْمَذٍ نَاضِرَةٌ»[القيامة : 22] يعني حسنها إلى ربها ناظرة قال نظرت إلى الخالق عز و جل [ قال د. محمد سعيد سالم القحطاني]: إسناده ضعيف».(1)

الرواية الثانية

«حدثني أحمد بن منيع حدثنا علي بن ثابت عن موسى بن عبيدة عن محمد بن بن كعب القرظي في قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة قال نضر الله عز و جل تلك الوجوه حسنها للنظر إليه [ قال د. محمد سعيد سالم القحطاني ]: إسناده ضعيف».(2)

الرواية الثالثة

و أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قول الله :«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»[القيامة : 22 ، 23] قال: « ينظرون إلى ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة».(3)

وهذا الحديث يفهم منه نفي الرؤية البصرية لأنه منع تكيفها بكيفية معينة، وتحديدها بحد معين، ووصفها بصفة معلومة، فالنتيجة لا يصدق على مثل هذه الرؤيا بالرؤية البصرية.

الرواية الرابعة

«حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ تُوَيْرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم

ص: 539


1- السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل : 1 / 262
2- السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل : 1 / 260
3- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطى : 6 / 470 [سورة القيامة/ الآيات: 20-25]

قَالَ «إنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجنَّةِ مَنْزِلَةَ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى جِنانِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وَإِنَّ أَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّه مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ عُدْوَةً وَعَشِيَّةٌ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»(1) تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف جداً.

الرواية الخامسة

«وأخرج الدار قطني في الرؤية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء الرب عز وجل إلى المؤمنين، فوقف عليهم والمؤمنون على كوم فيقول : هل تعرفون ربكم عز وجل ؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه فيقول لهم الثانية: هل تعرفون ربكم ؟ فيقولون : إن عرفنا نفسه عرفناه.

فتجلى لهم عز وجل فيضحك في وجوههم فيخرون له سجداً».(2)

هذا الحديث ينسب الضحك إلى الله تعالى، فهو يشبه الله تعالى بالإنسان، لأنَّ صفة الضحك خاصة بالإنسان دون غيره والله تعالى ليس كمثله شيء.

الرواية السادسة

«وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدار قطني عن جابر عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم أن الله ليتجلى للناس عامة وتجلى لأبي بكر خاصة».(3)

وهذا الحديث موضوع بشهادة جماعة من علماء السنّة، فقد قال عنه أبو المحاسن محمد بن خليل القاوقجي: «موضوع»(4)، وقال نور الدين علي بن محمد بن سلطان

ص: 540


1- مسند أحمد بن حنبل : 2 / 88[2 / 64] ، [ح.5316 / مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب]
2- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 6/ 471[سورة القيامة/ الآيات: 20-25]
3- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 471/6[سورة القيامة / الآيات: 20-25]
4- اللؤلؤ المرصوع للقاوقجي: 1 / 55

المشهور بالملا علي القاري: «ومما وضعه جهلة المنتسبين إلى السنة في فضل الصديق حديث إن الله يتجلى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة.»(1)، وقال السيوطي: «رواه الخطيب عن أنس مرفوعا وقال لا أصل له... و رواه أبو نعيم عن جابر مرفوعا وفي إسناده محمد ده محمد بن خالد الختلي وهو كذاب»(2)

وقال السيوطي أيضاً: «تفرد به محمد بن خالد خالد وهو كذاب»(3)

وقال إسماعيل بن محمد الجراحي العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس : وباب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات كحديث إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة».(4)

الرواية السابعة

«أخرج النسائي والدار قطني وصححه عن أبي هريرة قال : " قلنا يا رسول الله هل نری ربنا ؟ قال: هل ترون الشمس في قوم لا غيم فيه وترون القمر في ليلة لا غيم فيها ؟قلنا : نعم قال: فإنكم سترون ربكم عز و جل حتى إن أحدكم ليحاضر ربه محاضرة فيقول عبدي: هل تعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : ألم تغفر لي؟ فيقول: بمغفرتي صرت إلى هذا"».(5)

ص: 541


1- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة المعروف بالموضوعات الكبرى: 1 / 476
2- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة لجلال الدين السيوطى: 1 / 330 [باب مناقب الخلفاء الأربعة وأهل البيت وسائر الصحابة عموما وخصوصا رضي الله عنهم ومناقب غيرهم من الناس]
3- اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي: 1 / 263
4- كشف الخفاء للعجلوني: 2 / 419
5- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 471/6 [سورة القيامة / الآيات: 20-25]

الرواية الثامنة

«حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ عَنْ عُمَارَةَ الْقُرَشِيِّ عَنْ أبي بُرْدَةَ قَالَ وَفَدْتُ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ فَكَانَ الَّذِي يَعْمَلُ فِي حَوَائِجِنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا قَضَيْتُ حَوَائِجِي رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا رَدَّ الشَّيْخُ فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ قُلْتُ لَهُ إِنِّي ذَكَرْتُ حَدِيثًا، حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ذَهَبَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا وَبَقِيَ أَهْلُ التَّوْحِيدِ فَقَالَ هُمْ مَا تَنتَظِرُونَ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ قَالُوا إِنَّ لَنَا رَبَّا كُنَّا نَعْبُدُهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ نَرَهُ فَيُقَالُ هُمْ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ تَعْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُقَالُ لَهُمْ وَكَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ فَقَالُوا إِنَّهُ لا شِبْهَ لَهُ فَيَكْشِفُ هُمْ عَنْ حِجَابٍ فَيَنْظُرُونَ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا وَيَبْقَى قَوْمٌ فِي ظُهُورِهِمْ مِثْلُ صَبَاحِي الْبَقَرِ فَيُرِيدُونَ أَنْ يَسْجُدُوا فَلا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الله تَعَالَى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادِي ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَقَدْ جَعَلْتُ بَدَلَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ رَجُلا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي النَّارِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لأَبِي بُرْدَةَ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتَ أَبَاكَ حَدَّثَكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وسلم هَذَا فَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَلاثَةَ أَيْمَانِ [قال الألباني]: إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان».(1)

الرواية التاسعة

«أخرج الدار قطني عن عبد الله بن عمرو قال: ليخلون الله عز وجل بكم يوم القيامة واحداً واحداً في المسألة حتى تكونوا في القرب منه أقرب من هذا، وأشار إلى شيء قريب».(2)

ص: 542


1- السنة لعمرو بن أبي عاصم: 1 / 280 - 281 . [ح . 630 - باب قول الله سبقت رحمتي غضبي]
2- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطى : 472/6[سورة القيامة / الآيات: 20-25]

فهذا الراوي مشبه بل مجسم لأنه يشير إلى شيء قريب ليبين مقدار المسافة المكانية الفاصلة بين العبد وربه.

الرواية العاشرة

«قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَ بْن عَطَاءٍ عَنْ وَكِيع بْنِ عُدُسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَكُلُّنَا يَرَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ قَالَ «يَا أَبَا رَزِينِ أَلَيْسَ كُلُّكُمْ يَرَى الْقَمَرَ مُخْلِيًا بِهِ» قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ «فَاللَّهُ أَعْظَمُ»(1). قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لجهالة حال وكيع بن عدس.

مناقشة الروايات المتقدمة

هذه الروايات لا يصح الركون إليها في منطق الشرع والعقل بوجوه

الأوَّل: لأنها ضعيفة الإسناد.

الثاني: مخالفتها للقرآن الكريم، فهي تثبت الله صفات الجسم ولوازم الجسمانية، وتشبه الله تعالى بمخلوقاته.

الثالث : جميع الروايات التي تثبت الرؤية متضاربة؛ فبعضها يثبت الرؤية في الجنّة والأخرى تثبت الرؤية في ساحة المحشر فيحصل التضارب بينها فتتساقط . لذا لا يصح الاعتماد على هذه الروايات في العقائد لأنَّ المطلوب فيها الإذعان وعقد القلب ونفي الريب والشك عن وجه الشيء، وهو لا يحصل من الأخبار الضعيفة الإسناد المخالفة للقرآن الكريم والمتضاربة.

ص: 543


1- مسند أحمد بن حنبل : 4 / 15[4 / 11] ، [ح.16192 / مسند المدنيين]

ص: 544

الدليل العقلي لمثبتي الرؤية

ذهب أكثر أهل السنة إلى جواز رؤيته تعالى في الدنيا عقلاً، فقالوا: إن رؤية الله تعالى جائزة في الدنيا عقلاً، لأنه تعالى علق رؤية موسى علیه السلام على استقرار الجبل، أي: إِنَّ الله تعالى قال: «لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي»[الأعراف: 143]، واستقرار الجبل في نفسه أمر ممكن، والمعلق على الممكن ممكن، أي: لما كان استقرار الجبل ممكنا كانت رؤية الله تعالى ممكنة، ولأنها لو كانت ممتنعة لم يسألها موسى بقوله : «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» ، لأنَّ موسى لا يخفى عليه الجائز المستحيل في حق الله تعالى، فهو لا يطلب المحال، فدلَّ سؤال موسى على أنَّه كان يعتقد جوازها فتكون جائزة وإلا لزم جهل موسى النبي بما يجوز على الله وبما يمتنع. هذا ملخص وَهمِ مثبتي الرؤية وشبهتهم.

رد دليلهم العقلي

لقد استدلوا على جواز رؤية الله تعالى في الدنيا عقلاً بدليلين؛ الأول تعليق الشرط على أمر ممكن أي: إنَّ الله تعالى اشترط جواز الرؤية باستقرار الجبل، و استقرار الجبل ممكن فالرؤية ممكنة، وأجاب عن هذا الوهم أحد علماء السنة وهو الشيخ محمد الطاهر بن عاشور قائلاً:«علق الشرط بحرف «إنْ»(1) لأنَّ الغالب استعمالها في مقام ندرة وقوع

ص: 545


1- يعني: إنَّ الله تعالى قال :«لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي»[الأعراف: 143]. فذكر «إن» الشرطية التي يندر حصول شرطها، فاستقرار الجبل أمر نادر، بل ممتنع لأنَّ «إنْ» الشرطية هنا بمنزلة «لو» التي يمتنع حصول شرطها بدلالة قرينة السابق

الشرط أو التعريض بتعذره ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلومًا لله انتفاؤه صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة تقتضي أن رؤية الله تعالى جائزة عليه تعالى خلافًا لما اعتاد كثير من علمائنا من الاحتجاج بذلك ، وقوله «فَسَوْفَ تَرَانِي» ليس بوعد بالرؤية على الفرض لأنَّ سبق قوله : «لَن تَراني» أزال طماعية السائل الرؤية ولكنه إيذان بأن المقصود من نظره إلى الجبل أن يرى رأي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية الله تعالى بالأحرى من عدم ثبات قوة الجبل فصارت قوة الكلام أن الجبل لا يستقر مكانه من التجلي الذي يحصل عليه فلستَ أنتَ بالذي تراني لأنك لا تستطيع ذلك، فمنزلة الشرط هنا منزلة الشرط الامتناعي الحاصل بحرف «لو» بدلالة قرينة السابق».(1)

وأما دليلهم الثاني بطلب موسى الرؤية، فيجاب عنه بأنَّ موسى كان عالماً بعدم إمكان رؤية الله تعالى، وإنّما أراد إظهار شأنه تعالى على الجماعة الحاضرين معه والطالبين رؤيته القائلين له: «أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً»[النساء : 153] ، فقال ذلك القول ليسمعوا الجواب ب_«لَن تَرَانِي» [الأعراف: 143]، وليعلموا أنَّ رؤيته غير ممكنة، وليرجعوا عن اعتقادهم. والذي يدلّ على أنّ السؤال وطلب الرؤية لم يكن باختيار موسى أمور:

الأمر الأوّل: الذي يدلّ على أن السؤال وطلب الرؤية لم يكن باختيار موسى هو تصريح موسى علیه السلام بأنَّ ذلك كان من فعل السفهاء كما جاء في قوله تعالى: «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ»[الأعراف: 155].

الأمر الثاني: قول الله تعالى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً

ص: 546


1- التحرير والتنوير لابن عاشور : 92/9 - 93 [سورة الأعراف آية : 143]

فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ»[البقرة/ 55] . فهذه الآية تصرح بأن طلب الرؤية كان من بني إسرائيل، وجعلوه شرطاً لإيمانهم.

فموسى علیه السلام لم يطلب الرؤية باختياره وإنما كان برغبة من الذين اختارهم موسى لميقات الله، فلما رجعوا وجدوا قومهم قد عبدوا العجل، و يدل على هذا قوله تعالى:«يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا»[النساء/ 153]، فهذه الآية تصرح بأنَّ طلب الرؤية كان أولاً ثم اتخاذ العجل ثانياً، وذلك للعطف بثُمَّ التي تفيد التعقيب أي قوله تعالى: «ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ» . فتبيَّن أن عبادة العجل حصلت بعد طلبهم رؤية الله تعالى، وبعد صعقهم، وليس كما توهمه بعض مفسري العامة من أنّ حضورهم للميقات كان لأجل التوبة من عبادة العجل. والذي يؤيد هذا ما قاله الثعالبي: «وقوله تعالى: «ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ» : «ثُمَّ» : للترتيب في الأخبار، لا في نَفْس الأمر، التقديرُ؛ ثم قَدْ كان مِنْ أَمْرِهِمْ أَن اتَّخَذُوا العِجْلَ، وذلك أنَّ اتخاذ العِجْل كان عند أَمْرِ المُضِيَّ إلى المناجاة، ولم يكن الَّذِينَ صُعِقُوا مِمَّنِ اتخذوا العِجْلَ ، لكنَّ الذين اتخذوه كانوا قد جاءتهم البيِّنَاتُ».(1)

فقول الثعالبي:(ولم يكن الَّذِينَ صُعِقُوا مِمَّنِ اتخذ العِجْلَ)، إقرار بأن الذين عبدوا العجل هم أناس آخرون، فإذا لم يكونوا الَّذِينَ صُعِقُوا ممن اتخذ العجل، فبطل زعم مَن قال : إنهم ذهبوا للاعتذار عن عبادة العجل، لأنّهم لم يعبدوا العجل كما يقول الثعالبي بل الباقون هم الذين اتخذوا العجل، فإذا لم يذنبوا لماذا يذهبون للتوبة عن فعل لم يفعلوه وفعله غيرهم؟!!!

ص: 547


1- الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي : 1 / 400 [تفسير سورة النساء / آية 153]

فالنتيجة : أن ذهابهم لم يكن لغرض التوبة.

الأمر الثالث: الذي يدلّ على أن السؤال وطلب الرؤية لم يكن باختيار موسى هو أنّ طلب الرؤية لم يتكرر مرتين وإنما هو مرة واحدة وكان ذلك في الميقات. ثمَّ بعد أن رجع موسى من الميقات وجدهم قد عبدوا العجل، وذلك لقوله تعالى:«وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»[الأعراف/ 143].

والذي يدل على أن عبادة العجل حصلت بعد الميقات قوله تعالى: «وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى»«قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى»«قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ»«فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي»«قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ»[طه/ 83-87] ، فالنتيجة أن طلب الرؤية لم يكن باختيار موسى وإنما كان بطلب قومه.

الأمر الرابع: الذي يدلّ على أن السؤال وطلب الرؤية لم يكن باختيار موسى هو أنّ طلب الرؤية كان في الميقات، وليس هناك ميقاتان بل هو ميقات واحد لقوله تعالى:«وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ»[الأعراف/ 155].

الأمر الخامس : الذي يدل على أن السؤال وطلب الرؤية لم يكن باختيار موسى هو

ص: 548

قول بعض المفسرين الذين ذكروا أن طلب الرؤية كان مِن قوم موسى:

فقد جاء في الدر المنثور: «أخرج عبد بن حميد عن الفضل بن عيسى بن أخي الرقاشي. إن بني إسرائيل قالوا: ذات يوم لموسى ألست ابن عمنا ومنا وتزعم أنك كلَّمت رب العزة، فإنَّا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فلما أن أبوا إلا ذلك أوحى الله إلى موسى: أن اختر من قومك سبعين رجلاً. فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً خيرة ، ثم قال لهم: اخرجوا . فلما برزوا جاءهم ما لا قبل لهم به فأخذتهم الرجفة، قالوا:يا موسى ردَّنا. فقال لهم موسى: ليس لي من الأمر شيء سألتم شيئاً فجاءكم، فماتوا جميعاً، قيل : يا موسى ارجع . قال : رب إلى أين الرجعة ؟ «قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا»[الأعراف: 155] إلى قوله«فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ»[الأعراف: 156]».(1)

وجاء في تفسير الكشف والبيان: فقال ابن إسحاق والسدي: إنهم لما أتوا ذلك المكان قالوا لموسى : اطلب لنا نسمع كلام ربنا فقال: «أفعل»، فلمَّا دنا موسی علیه السلام الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى يغشي الجبل كله ودَنا موسى ودخل فيه وقال للقوم «ادنوا» وكان موسى إذا كلَّمه ربَّه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه، فضرب دونه الحجاب ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وهو عمود فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره فيها : افعل لا تفعل فلما فرغ انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فماتوا جميعاً».(2)

وفي تفسير البحر المحيط : «اختلفوا في هذا الميقات أهو ميقات المناجاة ونزول

ص: 549


1- الدر المنثور للسيوطي : 3/ 237[سورة الأعراف/ آية 154]
2- الكشف والبيان للثعلبي : 4 / 288 - 289 [سورة الأعراف، الآيات: 153-156]

التوراة أو غيره، فقال نوف البكالي ورواه أبو صالح عن ابن عباس: وهو الأوّل بيّن فيه بعض ما جرى من أحواله وأنه اختار من كل سبط ستة رجال فكانوا اثنين وسبعين فقال ليتخلف اثنان فإنَّما أمرت بسبعين فتشاحُوا فقال مَن قعد فله أجر من ،حضر فقعد كالب بن يوقنا ويوشع بن نون، واستصحب السبعين بعد أن أمرهم أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ثمَّ خرج بهم إلى طور سيناء لميقات ربِّه وكان قد أمَرَهُ ربّه أنْ يأتيه في سبعين من بني إسرائيل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتّى تغشى الجبل كله ودَنا موسى ودخل فيه وقال للقوم : ادنوا فدنوا حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجداً فسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه فطلبوا الرؤية فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم فقالوا: ي«َمُوسَى لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً» . قال الزمخشري : فقال «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» . يريد أن يسمعوا الردّ والإنكار من جهته، فأجيب ب_«لَن تَرَاني» ورجف الجبل بهم وصعقوا انتهى، وقيل: هو ميقات آخر غير ميقات المناجاة ونزول التوراة، فقال وهب بن منبه: قال بنو إسرائيل لموسى إن طائفةً تزعم أنّ الله لا يكلمك، فخذ منا من يذهب معك ليسمعوا كلامه فيؤمنوا، فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من قومه سبعين من خيارهم ثم ارتق بهم الجبل أنت وهارون واستخلف يوشع، ففعل فلما سمعوا كلامه سألوا موسى أن يريهم الله جهرة فأخذتهم الرجفة».(1)

وفي تفسير مقاتل: «وَأَخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا» ، من اثني عشر سبطاً، ستة ستة، فصاروا اثنين وسبعين رجلاً، قال موسى : إنما أمرني ربي بسبعين رجلاً، فمن قعد عنِّي فلم يجيء فله الجنة، فقعد يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا، «للِمِيقَاتِنَا» ، يعنى لميعادنا، يعنى الأربعين يوماً، فانطلق بهم، فتركهم في أصل الجبل، فلما نزل موسى

ص: 550


1- تفسير البحر المحيط لأبي حيَّان : 4 / 397 - 398 [سورة الأعراف/ الآيتان : 155-156]

إليهم، قالوا : «أَرِنَااللَّهَ جَهْرَةً»[ النساء : 153 ]، فأخذتهم الرجفة، يعنى الموت عقوبة ﴿ لما قالوا، وبقى موسى وحده يبكي ، «فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ» ما أقول لبنى إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت خيارهم، «ربِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم» ، یعنی أمتّهم «مِن قَبْلُ وَإِيَّايَ» معهم من قبل أن يصحبوني ، «أَتُهْلِكُنا» عقوبة «مَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا» ، وظنَّ موسى علیه السلام أنها عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل، فهم السفهاء، فقال موسى : «إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ» ، يعنى ما هي إلا بلاؤك، «تُضِلُّ بِهَا» بالفتنة «مَن تَشَاءُ وَتَهْدِى» من الفتنة «مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ»[ آية : 155]، قال: فلم يعبد العجل منهم إلا اثنا عشر ألفاً».(1)

فموسى علیه السلام كان عارفًا باستحالة الرؤية، ولم يكن طالباً بسؤاله المستحيل وإنّما أراد أن يبرهن لقومه أن الرؤية أمر مستحيل بعدما ألحوا في طلبها حتّى قالوا «يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً»[البقرة: 55]

الدليل الثاني: الذي يبطل استدلالهم بقصة موسى ما قاله السيد المرتضى في أماليه: «استدل بهذه الآية كثير من العلماء الموحدين على أنه تعالى لا يرى بالأبصار من حيث نفي الرؤية نفياً عاماً بقوله تعالى: «لَن تَرَانِي»[الأعراف: 143]، ثم أكد ذلك بأن علق الرؤية باستقرار الجبل الذي علمنا أنه لم يستقر وهذه طريقة للعرب معروفة تبعيد الشيء لأنهم يعلقونه بما يعلم أنه لا يكون كقولهم لا كلمتك ما أضاء الفجر وطلعت الشمس، وكقول الشاعر:

إذا شاب الغراب رجوت أهلاً***وصار القير كاللبن الحليب..

ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى «يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ»[الأعراف: 40]، وليس لأحد أن يقول إذا علق الرؤية باستقرار الجبل وكان

ص: 551


1- تفسير مقاتل بن سليمان: 1 / 413 [سورة الأعراف آية : 143]

ذلك في مقدوره تعالى فيجب أن تكون الرؤية معلقة به أيضا في مقدوره تعالى بأنه لو كان الغرض بذلك التبعيد لعلّقه بأمر يستحيل كما علق دخولهم الجنة بأمر يستحيل من ولوج الجمل في سم الخياط وذلك أن تشبيه الشيء بغيره لا يجب أن يكون من جميع الوجوه ولما علّق وقوع الرؤية باستقرار الجبل وقد علم أنه لا يستقر علم نفي الرؤية وما عدا ذلك من كون الرؤية مستحيلة وغير مقدورة واستقرار الجبل بخلافها يخرج عن ما هو الغرض في التشبيه على أنه إنما علق تعالى جواز الرؤية باستقرار الجبل في تلك الحال التي جعله فيها دكا وذلك محال لما فيه من اجتماع الضدين فجرى مجرى جواز الرؤية في الاستحالة وليس يجب في كل ما علق بغيره أن يجرى مجراه في سائر وجوهه حتى إذا كان أحدهما مع انتفائه مستحيلا كان الآخر بمثابته مستحيلا لأنَّ تعليق دخول الكفار الجنة إنما علق بولوج الجمل في سم الخياط ودخول الكفار الجنة لم يكن مستحيلا بل معلوم أن الأول في المقدور وإن كان لا يحسن والثاني ليس فيه المقدور وهذه الجملة كافية في تأويل هذه الآية وبيان ما فيها والحمد لله وحده».(1)

الدليل الثالث: الذي يبطل استدلالهم بقصة موسى علیه السلام هو إِنْ سلَّمنا أنَّ موسى علیه السلام طلب الرؤية ولكن طلبه كان لأجل إرادة هداية قومه فطلب أمراً محالاً وهو يعلم أنه محال لغرض تنبيههم على خطئهم كما أن إبراهيم علسه السلام أراد هداية قومه فادعى أمراً محالاً وهو يعلم أنه محال لغرض تنبيه قومه على خطئهم، كما جاء في قوله تعالى: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ»«فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ»«فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ»«إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا

ص: 552


1- الأمالي للسيد المرتضى : 4 / 127-128

مِنَ الْمُشْرِكِينَ»[الأنعام: 76 - 79]، فالذي سوّغ وجوز لإبراهيم علیه السلام أن يكرر كلمات الشرك هو إرشاد قومه وتنبيههم على ضلالتهم كما أنه تعمد الكذب لنفس الغرض وذلك في قوله تعالى: «قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ»«قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ»[الانبیاء: 62 ، 63] ، فهذا اسلوب من اسالیب التي ایدها الله تعالی بقوله «وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ»[الأنعام: 83]فكذلك موسى أراد هداية قومه وتنبيههم على خطئهم فطلب الرؤية وهذا لا يعني أنَّ الرؤية جائزة لأنَّ موسی طلبها.

كذلك يقال: لو كانت رؤيته تعالى جائزة عقلاً لما عُدَّ طلبها أمرًا عظيما، ولما سماه ظلمًا، ولما أرسل عليهم صاعقة ولما قال تعالى: «يفَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ»[النساء: 153].

اعتراض ورد

اعترض بعضهم بأنَّ موسى علیه السلام لو لم يسأل الرؤية لنفسه لما تاب عن سؤاله إضافة لذلك لو سأل الرؤية لغيره لم يقل : «رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ» ، ولقال: ربِّ أَرهم ينظرون إليك.

الجواب إن موسى علیه السلام سارع إلى التوبة لشعوره بالتورط بما سأل، وإن كانت له نية حسنة يعلمها الله تعالى، وإنما المقام يقتضي الاستئذان من الله قبل الإقدام على مثل هذا السؤال. وأمَّا سبب عدم قوله: «رب أرهم ينظرون إليك» لأنَّ طلب الرؤية لنفسه وعدم تحققها أبلغ في إقناعهم باستحالة الرؤية لكونه كليم الله ورسوله فمرتبته أعلى من مرتبتهم ، فإذا تعذرت عليه كانت عليهم أشدَّ تعذراً.

ص: 553

سؤال سلفي

يتساءل بعض السلفية قائلاً : أين كان أصحاب موسى عندما طلب موسى الرؤية؟

الجواب

إن الميقات الذي ذهب إليه موسى هو نفس الميقات الذي اختار به موسی قومه فكان معه اثنان وسبعون رجلًا والباقي في مصرهم، فقد جاء في تفسير مقاتل:

«وَأَخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا» ، من اثني عشر سبطاً، ستة ستة، فصاروا اثنين وسبعين رجلاً، قال موسى: إنما أمرني ربي بسبعين رجلاً، فمن قعد عنِّي فلم يجئ فله الجنة، فقعد يوشع بن نون وكالب بن يوقنا «لِمِيقَاتِنَا»، يعني لميعادنا، يعني الأربعين يوماً، فانطلق بهم، فتركهم في أصل الجبل، فلما نزل موسى إليهم، قالوا:«أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً» [ النساء : 153 ] ، فأخذتهم الرجفة، يعني الموت عقوبة لما قالوا وبقى موسى وحده يبكي».(1)

فالميقات هو واحد، وقال السلفي الشنقيطي: وقوله هنا : «وَوَاعَدْنَكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ» الأظهر أن ذلك الوعد هو المذكور في قوله: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ» ، وقوله: «وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».(2)

وجاء في تفسير التحرير والتنوير

«تذكير بنعمة أخرى نشأت بعد عقاب على جفاء طبع فمحل المنة والنعمة هو قوله : «ثُمَّ بَعَثْنَاكُم» ، وما قبله تمهيد له وتأسيس لبنائه كما تقدم في قوله : «وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»[البقرة: 51 ] الآية. والقائلون هم أسلاف المخاطبين وذلك أنهم

ص: 554


1- تفسير مقاتل بن سليمان: 417/1 ، [سورة الأعراف آية: 155]
2- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي : 74/4

قالوا لموسى «لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً» .

والظاهر أن هذا القول وقع منهم بعد العفو عن عبادتهم العجل كما هو ظاهر ترتيب الآيات روى ذلك البغوي عن السدي، وقيل: إن ذلك سألوه عند مناجاته وأن السائلين هم السبعون الذين اختارهم موسى للميقات وهم المعبر عنهم في التوراة بالكهنة وبشيوخ بني إسرائيل».(1)

رد على إشكال

زعم بعض السلفية أن الله تعالى واعد موسى أولاً ولم يكن أحد مع موسى عند ذهابه للميقات، فكلّمه الله تعالى وطلب موسى رؤية الله، ثم عاد ومعه نسخ التوراة لقومه، فوجد قومه يعبدون العجل، ثم اختار موسى من قومه سبعين رجلاً ليعتذروا إلى الله عن عبادة قومهم للعجل، وترتيب هذه الأحداث جاءت في قوله تعالى:«وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»«وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»«قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ»«وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ»«سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ»«وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ

ص: 555


1- التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور : 1/ 506[سورة البقرة آية : 51]

حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»«وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ»«وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»«وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»«قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»«إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ»«وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ»«وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ»«وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ»[الأعراف/ 142-155]. والنتيجة أنَّ موسى هو الذي طلب الرؤية بنفسه، وأنَّ الميقاتين مختلفان.

الجواب

لا يوجد دليل في هذه الآيات على أن اختيار موسى لقومه جاء بعد رجوعه من الميقات، فإنّ ترتيب الآيات في هذه السورة لا يعني أن ميقات موسى كان أولاً، ثم ميقات السبعين رجلًا، فلو كان الأمر كذلك لعطف قوله تعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ...) بالفاء، وليس بالواو ، لأن الفاء تفيد للترتيب بالعطف بخلاف الواو، فإنَّها لا تدلّ على الترتيب بالعطف ودليل ذلك قوله تعالى: «أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ»«هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ»«إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا

ص: 556

نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ»[المؤمنون/ 35-37] ، فلو كانت الواو للترتيب لكانت هذه الآية تدلّ على أن الكفار يؤمنون بالحياة بعد الموت، فليس مرادهم حياة بعد الموت لأنهم لم يكونوا يعترفون بها فلم يبق مرادهم إلا الحياة التي قبل الموت ولو كانت الواو مرتبة لتناقض كلامهم هذا مع وروده في القرآن العظيم، فتبين أن الواو في قوله تعالى: «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا» : لا تفيد إرادة الترتيب، وأن حضورهم إلى الميقات كان لأجل رؤية الله تعالى.

ثانياً : قول بعض المفسرين الذي يفهم منه أن الميقات كان واحداً كقول مقاتل الذي تقدم وكذلك قول السلفي الشنقيطي : وقوله هنا: «وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ» الأظهر أن ذلك الوعد هو المذكور في قوله: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ» ، وقوله : «وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».(1) وكذلك قول صاحب التحرير والتنوير المتقدم فإنه ذكر قولين في هذه المسألة.

نولقد عقد السيد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره فصلا طويلًا في سياق تفسير آية سورة الأعراف المذكورة آنفا على مسألة رؤية الله عز وجل وأورد كثيرًا مما روي وقيل فيها من أحاديث وأقوال وخلافات كلاميين وتأويلات متنوعة للنصوص، وانتهى به الكلام إلى القول إنه ليس هناك نص قطعي الرواية والدلالة على الرؤية البصرية. وليست من العقائد الدينية الضرورية العلم كما أنها ليست مما كان يدعى إليها في تبليغ الدين مع التوحيد والرسالة.

و نحن بدورنا نقول إنه ليس في القرآن فيما يتبادر لنا من النصوص شيء صريح وقطعي بإمكان رؤية الله عز وجل في الدنيا والآخرة. وفيه ما ينفي عنه المماثلة لأي شيء ما لا يمكن أن يتحقق أي معنى من معاني الرؤية البصرية إلا بها وفيه ما ينفي

ص: 557


1- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي : 74/4

احتمال إدراك الأبصار له. وفي الأحاديث المأثورة ما فيه نفي لإمكان الرؤية مطلقًا. وإذا كان من الحقِّ أن يقال إن الأحاديث التي تذكر إمكان ذلك في الآخرة عديدة وقوية السند ولا يصح إنكارها، فإنَّ اتصال الأمر بالحياة الأخروية يسوغ عطفها على هذه الحياة المغيبة التي يجب الإيمان بها على إطلاقها. ونحن نرى بعد أن الخلاف والجدل والكلام في هذه المسألة وأمثالها مما يتصل بذات الله عز وجل لا طائل من ورائه لأنه متصل بالحقيقة الإلهية الكبرى التي يجب الإيمان بوجوب وجودها استدلالاً من الكون ورسالات الرسل دون الدخول في بحث كنهها أو ماهيتها الذي لا سبيل إلى الوصول منه إلى نتيجة إيجابية، مع ملاحظة الضابط القرآني المحكم القاطع الذي ينطوي في الآية [11] من سورة الشورى وهو «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ، ومع ملاحظة أنَّ الألفاظ المستعملة فيما يتصل بذات الله تعالى إنما تستعمل للتقريب والتمثيل للسامعين من البشر بأسلوب خطابهم ومفهوماتهم فلا محل للدخول بسببها في متاهات لانهاية لها».(1)

ادعاء سلفي باطل

لقد زعم بعض الوهابية أن رؤية الله تعالى هي مذهب أهل البيت عليهم السلام وأن رؤية الله تعالى في الآخرة ثابتة في كتب الشيعة، واستدلوا ببعض أدعية الإمام زين العابدين وبما جاء في كتاب لآلي الأخبار لمحمد التوسيركاني حيث نقل من حديث طويل يصف أهل الجنة وفيه: «فبيناهم كذلك إذ يسمعون صوتا من تحت العرش يا أهل الجنة كيف ترون منقلبكم ؟ فيقولون: خير المنقلب منقلبنا وخير الثواب ثوابنا، قد سمعنا الصوت واشتهينا النظر إلى أنوار جلالك وهو أعظم ثوابنا وقد وعدته ولا تخلف الميعاد، فيأمر الله الحجب فيقوم سبعون ألف حجاب فيركبون على النوق والبراذين

ص: 558


1- التفسير الحديث لأبي يعقوب السجستاني محمد عزة دروزة: 2/ 201 - 202

و عليهم الحلي والحلل فيسيرون في ظل الشجر حتى ينتهوا إلى دار السلام، وهي دار الله دار البهاء والنور والسرور والكرامة ، فيسمعون الصوت فيقولون: يا سيدنا سمعنا الذاذة منطقك، فأرنا نور وجهك، فيتجلى لهم سبحانه وتعالى حتى ينظرون إلى نور وجهه - تبارك وتعالى - المكنون من عين كلّ ،ناظر، فلا يتمالكون حتى يخروا على وجوههم سجدا فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك يا عظيم. قال: فيقول عبادي! ارفعوا رؤوسكم ليس هذه بدار عمل إنما هي دار كرامة ومسألة ونعيم قد ذهبت عنكم اللغوب والنصب، فإذا رفعوها رفعوها وقد أشرقت وجوههم من نور وجهه سبعين ضعفا... ثم يقول : يا ملائكتي طيبوهم فتأتيهم ريح من تحت العرش بمسك أشد بياضاً من الثلج تغير وجوههم وجباههم وجنوبهم تسمى المثيرة فيستمكنون من النظر إلى نور ،وجهه فیقولون يا سيدنا حسبنا لذاذة منطقك والنظر إلى نور وجهك لا نريد به بدلا ولا نبتغي به حولا فيقول الرب تبارك وتعالى : إني أعلم أنكم إلى أزواجكم مشتاقون، و أن أزواجكم إليكم مشتاقات، فيقولون: يا سيدنا ما أعلمك بما في نفوس عبادك ؟! فيقول : كيف لا أعلم وأنا خلقتكم، وأسكنت أرواحكم في أبدانكم، ثم رددتها عليكم بعد الوفاة فقلت : اسكني في عبادي خير مسكن ارجعوا إلى أزواجكم، قال: فيقولون:

يا سيدنا اجعل لنا شرطا ، قال : فإن لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة إلى الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدون ...».

و ما روي في بحار الأنوار: عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فإن الله لم يبين ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا» إلى قوله : «يَعْمَلُونَ»(1). ثم قال : إن الله كرامة في عباده المؤمنين

ص: 559


1- السجدة / آية: 17، 16

في كل يوم جمعة، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكا معه حلة فينتهي إلى باب الجنة فيقول : استأذنوا لي على فلان فيقال له: هذا رسول ربك على الباب، فيقول: لأزواجه أي شيء ترين علي أحسن؟ فيقلن : يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئا أحسن من هذا بعث إليك ربك، فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى فلا يمر بشيء إلا أضاء له حتى ينتهي إلى الموعد، فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فإذا نظروا إليه خروا سجدا فيقول : عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة قد رفعت عنكم المؤونة، فيقولون: يارب وأي شيء أفضل مما أعطيتنا؟ أعطيتنا الجنة، فيقول : لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا، فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعفا مثل ما في يديه، وهو قوله: «وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ». وهو يوم الجمعة، إن ليلتها ليلة غراء ويومها يوم أزهر ، فأكثروا فيها من التسبيح والتكبير والتهليل والثناء على الله والصلاة على محمد وآله قال فيمر المؤمن فلا يمر بشيء».(1)

وجاء في بحار الأنوار: «عن الاسدي عن النخعي عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : قلت له : أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة ؟ قال : «نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة». فقلت: متى؟ قال: «حين قال لهم: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى».(2) ، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ .

قال أبو بصير فقلت له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه وكفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون»

ص: 560


1- سورة ق/ آية: 35
2- سورة الأعراف / آية: 172

واستدلوا بقول الإمام زين العابدين علیه السلام في الصحيفة السجادية: «وَأَقْرِرْ أَعْيُنَنا يَوْمَ لِقائِكَ بِرُؤْيَتِكَ»، وقال في دعاء آخر: «وَامْنُنْ بِالنَّظَرِ إِلَيْكَ عَلَيَّ، وَانْظُرْ بِعَيْنِ الْوُدَّ وَالْعَطْفِ إلَى، وَلا تَصْرِفْ عَنِّي وَجْهَكَ»

وقال في دعاء آخر: «وَمَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إلى وَجْهِكَ». وقال في دعاء آخر: «وَلا تَحْجُبْ مُشْتَاقِيكَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى جَمِيلِ رُؤْيَتِكَ». وقال في دعاء آخر: «وَاجْعَلْ فِيمَا عِنْدَكَ رَغْبَتِي شَوْقاً إلى لِقائِكَ»

الجواب

يرد على هذه الشبهة بأمور عديدة؛ أولاً: الرواية الأولى نقلها التوسيركاني من بحار الأنوار

للعلامة المجلسي وهي رواية مرسلة تفرد بها المجلسي.

ثانياً: العلامة المجلسي علق على هذه الروايات قائلاً: «المراد من الرواية إما مشاهدة نور أنواره المخلوقة له، أو النبي وأهل بيته الذين جعل رؤيتهم بمنزلة رؤيته، أو غاية المعرفة التي يعبّر عنها بالرؤية، والأول أنسب بهذا المقام».

وقال أيضاً: «بيان: تجلَّى لهم أي ظهر لهم بنور من أنوار جلاله (فإذا نظروا إليه) أي إلى ذلك النور، ويحتمل أن يكون التجلي للقلب والنظر بين القلب».

ثالثاً : فَسَّر أمير المؤمنين علیه السلام المراد من الرؤية بأنها تكون بالقلب لا بالبصر، فقد جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: «عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «جاء حبر إلى أمير المؤمنين علیه السلام فقال يا : أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره. قال: وكيف رأيته قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الإبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق

ص: 561

الإيمان».

وقد نفى أمير المؤمنين علیه السلام رؤية الله تعالى عندما طلب منه اليهودي وصف الله تعالى؛ قال الشيخ الصدوق:

«أخبرني أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ، قال : حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظا من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زید، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، قال: حضرت مجلس عليّ علیه السلام في جامع الكوفة ، فقام إليه رجل مصفر اللون – كأنه من متهودة اليمن - فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح عليّ علیه السلام ربَّه وعظمه عز وجل وقال :

«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هُوَ أَوَّلٌ بِلَا بَدِی ءٍ مِمَّا، وَ لَا بَاطِنٍ فِیمَا وَ لَا یَزَالُ مَهْمَا وَ لَا مُمَازِجٍ مَعَ مَا وَ لَا خَیَالٍ وَهْماً لَیْسَ بِشَبَحٍ فَیُرَی وَ لَا بِجِسْمٍ فَیَتَجَزَّأَ وَ لَا بِذِی غَایَهٍ فَیَتَنَاهَی وَ لَا بِمُحْدَثٍ فَیُبْصَرَ وَ لَا بِمُسْتَتِرٍ فَیُکْشَفَ وَ لَا بِذِی حُجُبٍ فَیُحْوَی کَانَ وَ لَا أَمَاکِنَ تَحْمِلُهُ أَکْنَافُهَا وَ لَا حَمَلَهَ تَرْفَعُهُ بِقُوَّتِهَا وَ لَا کَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ یَکُنْ بَلْ حَارَتِ الْأَوْهَامُ أَنْ تُکَیِّفَ الْمُکَیِّفَ لِلْأَشْیَاءِ وَ مَنْ لَمْ یَزَلْ بِلَا مَکَانٍ وَ لَا یَزُولُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَ لَا یَنْقَلِبُ شَأْناً بَعْدَ شَأْنٍ الْبَعِیدُ مِنْ حَدْسِ الْقُلُوبِ الْمُتَعَالِی عَنِ الْأَشْیَاءِ وَ الضُّرُوبِ الْوَتْرُ عَلَّامُ الْغُیُوبِ فَمَعَانِی الْخَلْقِ عَنْهُ مَنْفِیَّهٌ وَ سَرَائِرُهُمْ عَلَیْهِ غَیْرُ خَفِیَّهٍ الْمَعْرُوفُ بِغَیْرِ کَیْفِیَّهٍ لَا یُدْرَکُ بِالْحَوَاسِّ وَ لَا یُقَاسُ بِالنَّاسِ وَ لا تُدْرِکُهُ الْأَبْصارُ وَ لَا تُحِیطُ بِهِ الْأَفْکَارُ وَ لَا تُقَدِّرُهُ الْعُقُولُ وَ لَا تَقَعُ عَلَیْهِ الْأَوْهَامُ فَکُلُّ مَا قَدَّرَهُ عَقْلٌ أَوْ عُرِفَ لَهُ مِثْلٌ فَهُوَ مَحْدُودٌ وَ کَیْفَ یُوصَفُ بِالْأَشْبَاحِ وَ یُنْعَتُ بِالْأَلْسُنِ الْفِصَاحِ مَنْ لَمْ یَحْلُلْ فِی الْأَشْیَاءِ فَیُقَالَ هُوَ فِیهَا کَائِنٌ وَ لَمْ یَنْأَ عَنْهَا فَیُقَالَ هُوَ عَنْهَا بَائِنٌ وَ لَمْ یَخْلُ مِنْهَا فَیُقَالَ أَیْنَ وَ لَمْ یَقْرُبْ مِنْهَا بِالالْتِزَاقِ وَ لَمْ یَبْعُدْ عَنْهَا بِالافْتِرَاقِ بَلْ هُوَ فِی الْأَشْیَاءِ بِلَا کَیْفِیَّهٍ وَ هُوَ أَقْرَبُ إِلَیْنَا مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ وَ أَبْعُدْ مِنَ

ص: 562

الشَّبَهِ مِنْ کُلِّ بَعِیدٍ لَمْ یَخْلُقِ الْأَشْیَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِیَّهٍ وَ لَا مِنْ أَوَائِلَ کَانَتْ قَبْلَهُ بَدِیَّهٍ بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ وَ أَتْقَنَ خَلْقَهُ وَ صَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ فَسُبْحَانَ مَنْ تَوَحَّدَ فِی عُلُوِّهِ فَلَیْسَ لِشَیْ ءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ وَ لَا لَهُ بِطَاعَهِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ انْتِفَاعٌ إِجَابَتُهُ لِلدَّاعِینَ سَرِیعَهٌ وَ الْمَلَائِکَهُ لَهُ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ مُطِیعَهٌ کَلَّمَ مُوسی تَکْلِیماً بِلَا جَوَارِحَ وَ أَدَوَاتٍ وَ لَا شَفَهٍ وَ لَا لَهَوَاتٍ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی عَنِ الصِّفَاتِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ إِلَهَ الْخَلْقِ مَحْدُودٌ فَقَدْ جَهِلَ الْخَالِقَ الْمَعْبُودَ...».(1)

رابعاً: قول الإمام زين العابدين في الصحيفة السجادية، المناجاة الثانية عشرة: مناجاة العارفين

بسم الله الرحمن الرحيم

إلهِي قَصُرَتِ الالْسُنُ عَنْ بُلُوغ ثَنَآئِكَ، كَما يَلِيقُ بِجَلالِكَ، وَعَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إِدْراكِ كُنْهِ جَمالِكَ، وَانْحَسَرَتِ الأَبْصَارُ دُونَ النَّظَرِ إلى سُبُحاتِ وَجْهِكَ، وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إلى مَعْرِفَتِكَ إِلَّا بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ ...».

وجاء في الصحيفة السجادية أيضاً: «الدّعاء الأوّل: وكان من دعائه علیه السلام إذ ابتدأ بالدعاء بالتحميد الله عز وجل والثناء عليه فقال: «الحَمْدُ للهِ الْأَوَّلِ بِلا أَوَّل كَانَ قَبْلَهُ، وَالآخِر بِلا آخِر يَكُونُ بَعْدَهُ الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَ عَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ الْوَاصِفِينَ ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ اَبَتِدَاعَاً، وَ اخْتَرَعَهُمْ عَلَى مَشِيَّتِهِ احْتِرَاعاً، ثُمَّ سَلَكَ ِبهمْ طَرِيقَ إِرَادَتِهِ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ تَحَبَّتِهِ لا يَمْلِكُونَ تَأخِيراً عما قَدَّمَهُمْ إلَيْهِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ تَقَدُّماً إِلَى مَا أَخَّرَهُمْ عَنْهُ، وَ جَعَلَ لِكُلِّ رُوحٍ مِنْهُمْ قُوتَا مَعْلُوماً مَقْسُوماً مِنْ رزْقه ...»(2)

ص: 563


1- التوحيد للشيخ الصدوق : 78 [بيانه في معنى الإرادتين]
2- الصحيفة السجادية : 32، الدعاء الأول

خامساً: قول الإمام الباقرعلیه السلام الذي ينفي الرؤية، فقد جاء في الكافي: «محمد بن أبي عبد الله عمن ذكره عن محمد بن عيسى عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: لا تدركه الإبصار وهو يدرك الأبصار؟ فقال: «يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟!».(1)

سادساً: قول الإمام أبي عبد الله علیه السلام الذي ينفي رؤية البصر الله تعالى، كما جاء في الكافي: «محمد بن يحيى، عن أحمد محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد بن سنان، عن أبي عبد الله له في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»[الأنعام: 103] قال: إحاطة الوهم ألا ترى إلى قوله : «قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ» [الأنعام: 104 ] ليس يعني بصر العيون «فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ»[الأنعام: 104 ] ليس يعني من البصر بعينه «وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا»[الأنعام: 104] ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال فلان بصير بالشعر و فلان بصير بالفقه و فلان بصير بالدراهم، و فلان بصير بالثياب الله أعظم من أن يرى بالعين»(2)

وروى الكليني عن : «أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبد الله علیه السلام قال : ذاكرت أبا عبد الله علیه السلام لا فيما يروون من الرؤية فقال: «الشمس جزء من سبعين جزءًا من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزءًا من نور العرش والعرش جزء من سبعين جزءًا من نور الحجاب والحجاب جزء من سبعين جزءًا من نور الستر فإن كانوا صادقين فليملأوا أعينهم من الشمس

ص: 564


1- الكافي للكليني : 99/1 [كتاب التوحيد/ باب في إبطال الرؤية]
2- الكافي للكليني : 98/1 [كتاب التوحيد/ باب في إبطال الرؤية]

ليس دونها سحاب».(1)

سابعاً: قول الإمام الرضا علیه السلام فقد روي عن : «أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة المحدّث أنْ أُدْخِله على أبي الحسن الرضا علیه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرَّة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية، فقال أبو الحسن علیه السلام: «فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والأنس «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»[الأنعام: 103]، «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا»[ طه : 110 ] ، «ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءُ» [الشورى: 11]، أليس محمد؟ قال:

بلی.

قال : كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعًا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم

إلى الله بأمر الله فيقول:«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»[الأنعام: 103]، «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا»[طه: 110]، «ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءُ» [الشورى: 11]، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علمًا وهو على صورة البشر؟! أما تستحون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر؟!

قال أبو قرة: فإنه يقول: «وَلَقَدْ رَوءَاهُ نَزَلَةً أُخْرَى» [النجم: 13]، فقال أبو الحسن علیه السلام إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى؛ حيث قال «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی»[ النجم : 11] يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال «لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَتِ رَبِّهِ الكبرى»[ النجم : 18] ، فآيات الله غير الله وقد قال الله: «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا»[ طه : 110]، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة. فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات ؟ فقال أبو الحسن علیه السلام: «إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع

ص: 565


1- الكافي للكليني : 98/1 «كتاب التوحيد / باب في إبطال الرؤية ]

المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء؟».(1)

ثامناً: قول الإمام الهادي علیه السلام، فقدر روي في الكافي أيضاً: «عن أحمد بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث علیه السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب: «لا تجوز الرؤية، ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء [لم] ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان ذلك التشبيه لأن الأسباب لابد

من اتصالها بالمسببات».(2)

هذا وقد روي في الكافي عن «محمد بن أبي عبد الله، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبتُ إلى أبي محمد علیه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا

ص: 566


1- الكافي للكليني : 96/1 [كتاب التوحيد / باب في إبطال الرؤية]
2- الكافي للكليني : 12 / 97 [كتاب التوحيد / باب في إبطال الرؤية]. وورد في هامش كتاب الكافي توضيح لهذه الرواية فقال: «حاصل الكلام أنه علیه السلام استدل على عدم جواز الرؤية بأنها تستلزم كون المرئي جسمانياً ذا جهة وحيز ، وبين ذلك بأنه لابد أن يكون بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر وظاهره كون الرؤية بخروج الشعاع وان أمكن أن يكون كناية عن تحقق الإبصار بذلك وتوقفه عليه فإذا لم يكن بينهما هواء وانقطع الهواء وعدم الضياء الذي هو أيضًا من شرائط الرؤية عن الرائي و المرئي لم تصح الرؤية بالبصر، وكان في ذلك أي في كون الهواء بين الرائي والمرئي، الاشتباه يعنى شبه كلّ منهما بالآخر لأن الرائي متى ساوى المرئي وماثله في النسبة إلى السبب الذي أوجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ومشابهة أحدهما الآخر في توسط الهواء بينهما وكان في ذلك التشبيه أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي بالرائي من حيث الوقوع في جهة ليصح كون الهواء بينهما فيكون متحيزا ذا صورة وضعية فإن كون الشيء في طرف مخصوص من طرفي الهواء وتوسط الهواء بينه وبين شيء آخر سبب عقلي للحكم بكونه في جهة ومتحيزا وذا وضع وهو المراد بقوله: لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات ويحتمل أن يكون ذلك تعليلا الجميع ما ذكر من كون الرؤية متوقفة على الهواء إلى آخر ما ذكر»

يراه؟ فوقع علیه السلام: «يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم عليَّ وعلى آبائي أن يُرَى»، قال وسألته هل رأى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ربه ؟ فوقع علیه السلام: «إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبَّ».(1)

ومن هذه الأحاديث المتقدمة نعلم أنَّ أئمة أهل البيت علیهم السلام ينفون الرؤية البصرية لله عز وجل، علماً بأنَّ هناك أحاديث أخرى كثيرة عنهم علیهم السلام تبين مذهبهم مذهبهم عليهم السلام بنفي رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة، ولم تُذكر هنا لأجل الاختصار.

ص: 567


1- الكافي للكليني : 1 / 95 [كتاب التوحيد / باب في إبطال الرؤية]

ص: 568

أقوال علمائنا في الرؤية

لقد أثبت علماؤنا امتناع رؤية الله تعالى بالبصر في الحياة الدنيا وفي الآخرة لتضافر الآيات القرآنية على نفيها بدلالات مختلفة، ولصريح أقول المعصومين علیهم السلام النافية لرؤية الله بالأبصار كما تقدَّم بعضها، إضافة لاستلزام الرؤية إثبات التجسيم والتشبيه للخالق جل وعلا، وقد فسروا المراد من الرؤية بالرؤية القلبية ؛ قال الشيخ الصدوق :

«معنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك و ارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك ويعلم حقيقة قدرة الله عز وجل، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ»[ق: 22]، فمعنى ما روي في الحديث أنه عز وجل يُرَى أي يُعْلَم علما يقينًا، كقوله عز وجل : «أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا»[الفرقان: 45] و وقوله : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ»[البقرة : 258]، وقوله : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ»[البقرة: 243]، وقوله : «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ»[الفيل : 1]، وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين، وأما قول الله عز وجل: «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ»[الأعراف: 143]، فمعناه لما ظهر عز وجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي يكون بها الجبال سرابا والتي ينسف بها الجبال نسفا تدكدك الجبل فصار ترابا لأنه لم يُطق حمل تلك الآية، وقد قيل:

ص: 569

إنه بدا له من نور العرش ».(1)

وقال الطباطبائي: «... يشعر ما في قوله : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»[النجم: 11]، من نسبة الرؤية إلى الفؤاد الذي لا شبهة في كون المراد به هو النفس الإنسانية الشاعرة دون اللحم الصنوبري المعلق على يسار الصدر داخلا.

نظير ذلك قوله تعالى:«كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ »«كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ»[المطففين: 14، 15 ] ، دلّ على أن الذي يحجبهم عنه تعالى رين المعاصي والذنوب التي اكتسبوها فحال بين قلوبهم أي أنفسهم وبين ربهم فحجبهم عن تشريف المشاهدة، ولو رأوه لرأوه بقلوبهم أي أنفسهم لا بأبصارهم وأحداقهم.

وقد أثبت الله سبحانه في موارد من كلامه قسماً آخر من الرؤية وراء رؤية الجارحة كقوله تعالى: «كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ»«لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ»«ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ»[ التكاثر : 5 - 7] وقوله «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»[الأنعام: 75]، وقد تقدم تفسير الآية في الجزء السابع من الكتاب، وبينا هناك أن الملكوت هو باطن الأشياء لا ظاهرها المحسوس.

فبهذه الوجوه يظهر أنه تعالى يثبت في كلامه قسما من الرؤية و المشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسية، و هي نوع شعور في الإنسان يشعر بالشيء بنفسه من غير استعمال آلة حسية أو فكرية، وأن للإنسان شعورًا بربه غير ما يعتقد بوجوده من طريق الفكر واستخدام الدليل بل يجده وجدانا من غير أن يحجبه عنه حاجب، ولا يجره إلى الغفلة عنه إلا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود مشهود لا زوال علم بالكلية ومن أصله فليس في كلامه تعالى ما يشعر بذلك البتة بل

ص: 570


1- التوحيد للشيخ الصدوق : 129 [باب ما جاء في الرؤية]

عبر عن هذا الجهل بالغفلة و هي زوال العلم بالعلم لا زوال أصل العلم.

فهذا ما بينه كلامه سبحانه، ويؤيده العقل بساطع براهينه، وكذا ما ورد من الأخبار عن أئمة أهل البيت علیهم السلام ... والذي ينجلي من كلامه تعالى أن هذا العلم المسمى بالرؤية واللقاء يتم للصالحين من عباد الله يوم القيامة كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى :«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»[القيامة : 22، 23]، فهناك موطن التشرف بهذا التشريف، وأما في هذه الدنيا والإنسان مشتغل ببدنه ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية، و هو سالك لطريق اللقاء و العلم الضروري بآيات ربه، كادح إلى ربه كدحاً ليلاقيه فهو بعد في طريق هذا العلم لن يتم له حتى يلاقي ربه، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ»[الإنشقاق: 6] ، و في معناه آيات كثيرة أخرى تدل على أنه تعالى إليه المرجع و المصير و المنتهى، وإليه يرجعون و إليه ينقلبون.

فهذا هو العلم الضروري الخاص الذي أثبته الله تعالى لنفسه و سماه رؤية و لقاء».(1)

وقال الشيخ جعفر السبحاني: «كان المرتقب من أئمة الحديث والكلام الإشارة إلى قسم آخر من الرؤية الذي لا يتوقف على الأعين والأبصار، ينالُها الأمثل فالأمثل من المؤمنين، قال سبحانه: «كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ»«لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ»«ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ»[ التكاثر : 5 - 7]، فمن علم عين اليقين يرى لهيب الجحيم من هذه النشأة لا بعين مادية ولا بصر جسماني، إنّما هي رؤية أخبر عنها الكتاب ولا تتوقف على الجهة والمقابلة ولا التجسيم والمشابهة، وليس المراد من الرؤية في الآية العلم القطعي، فإنّ العلم إن كان قطعياً غير الرؤية، قال سبحانه: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ

ص: 571


1- الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي : 8 / 200-201 [سورة الأعراف، الآية: 138 - 154]

مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»[الأنعام: 75]».(1)

ص: 572


1- رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل للعلامة الشيخ جعفر السبحاني : 109

اختلاف أهل السنة في رؤية النبي لله تعالى

اختلف علماء أهل السنة في رؤية النبي صلی الله علیه و آله وسلم لربه بعينيه ليلة المعراج فذهبوا إلى أربعة أقوال:

القول الأول : أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم رأى ربه بعينيه ليلة المعراج، واختار هذا القول النووي، وأبو الحسن الأشعري وأتباعه؛ قال النووي: إن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم واثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه».(1)

«وحكى أصحاب المقالات عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه».(2)

القول الثاني: أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم لو لم ير ربه ليلة المعراج ،بعينيه، وإنما رآه بعين قلبه. قال النووي: «عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رأى» [ النجم : 11]، قال: «رأى جبريل له ستمائة جناح». هذا الذي قاله عبد الله رضي الله عنه هو مذهبه في هذه الآية، وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد انه رأى ربه سبحانه وتعالى، ثمَّ اختلف هؤلاء، فذهب جماعة إلى أنه له رأى ربه بفؤاده دون عينيه،

وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينيه ؛ قال الإمام أبو الحسن الواحدي: قال المفسرون هذا إخبار عن رؤية النبي صلی الله علیه و آله وسلم ربه عز و جل ليلة المعراج قال ابن عباس وأبو ذر وإبراهيم

ص: 573


1- شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 3/ 9 [كتاب الإيمان / باب (77)-ح. 286]
2- شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 3/ 7 [كتاب الإيمان / باب (77)-ح. 283]

التيمي راه بقلبه قال وعلى هذا رأى بقلبه ربه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده أو خلق لفؤاده بصراً حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين».(1)

قال ابن حجر: «قُلْتُ : جَاءَتْ عَنْ ابْن عَبَّاس أَخْبَارٍ مُطْلَقَة وَأُخْرَى مُقَيَّدَة، فَيَجِب حَمْلٍ مُطْلَقَهَا عَلَى مُقَيَّدهَا، فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق عِكْرِمَة عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ، قَالَ: أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةِ لِإِبْرَاهِيم وَالْكَلَام مُوسَى وَالرُّؤْيَة مُحَمَّدٍ؟ وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ «إِنَّ الله اِصْطَفَى إِبْرَاهِيم بالخلةِ» الحَدِيث وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيق عَبْد الله بن أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَر أَرْسَلَ إلَى اِبْن عَبَّاس: هَلْ رَأَى مُحَمَّد رَبَّهُ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق أَبِي الْعَالِيَة عَنْ ابْنِ عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى»«وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزَلَةً أُخْرَى» قَالَ: رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ وَلَهُ مِنْ طَرِيق عَطَاء عَنْ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ وَأَصْرَح مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق عَطَاء أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاس قَالَ: لَمْ يَرَهُ رَسُول الله بِعَيْنِهِ، إِنَّمَا رَآهُ بِقَلْبِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِن الجمْع بَيْن إِثْبَات ابْن عَبَّاس وَنَفْى عَائِشَة بأنْ يُحْمَل نَفْيهَا عَلَى رُؤْيَة الْبَصَر وَإِثْبَاته عَلَى رُؤْيَة الْقَلْب. ثُمَّ المُرَاد برُؤيَةِ الْفُؤَاد رُؤيَة القلب لا مُجرَّد حُصُول الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ صلی الله علیه و آله وسلم كَانَ عَالَّا بِالله عَلَى الدَّوَامِ بَلْ مُرَاد مَنْ أَثْبَتَ لهُ أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ أَنَّ الرُّؤْيَة الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ خُلِقَتْ فِي قَلْبه كَما يَخْلُق الرُّؤْيَة بِالْعَيْنِ لِغَيْرِه وَالرُّؤْيَة لَا يُشْتَرَط لها شَيْء مَخصُوص عَفْلًا، وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَة بِخَلْقِهَا فِي الْعَيْن».(2)

القول الثالث: «رأى النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم به في المنام على صورة أمرد شاب شطط في رجليه نعلا الذهب»(3). وهذا مذهب ابن تيمية ؛ قال الشيخ علي بن خضير الخضير في الزناد في

ص: 574


1- شرح صحيح مسلم للإمام النووي: 10/3 [كتاب الإيمان / باب (77)-ح. 287]
2- فتح الباري لابن حجر العسقلاني : 783/8 [كتاب التفسير / سورة 53 / باب 1/ ح. 4855]
3- تفسير المظهري لمظهري محمد ثناء الله : 1/ 6699

شرح لمعة الاعتقاد (1 / 54 ) :

«ثم هل رآه رؤية قلب ومنام في الدنيا أم لا؟

والصحيح أنه رآه في المنام، وهو اختيار ابن تيمية، وهو مضمون قوله صلی الله علیه و آله وسلم: " رأيت ربي في أحسن صورة " ، وهذا المشهور بحديث اختصام الملأ الأعلى. وهذا الحديث ألف فيه ابن رجب رسالة».

القول الرابع: التوقف في المسألة ؛ قال النووي: ووقف بعض مشايخنا في هذا».(1)

قال ابن حجر: (رَجَّحَ الْقُرْطُبِيّ فِي " المُفْهِم " قَوْل الْوَقْف فِي هَذِهِ المُسْأَلَة وَعَزَاهُ الجماعة مِنْ المُحَقِّقِينَ، وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَاب دَلِيل قَاطع، وَغَايَة مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلطَّائِفَتَيْنِ ظَوَاهِر مُتَعَارِضَة قَابِلَة لِلتَّأْوِيلِ، قَالَ وَلَيْسَتْ المُسْأَلَة مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ فَيَكْتَفِي فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ الظنية، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ المُعْتَقَدَات فَلَا يَحْتَفِي فِيهَا إِلَّا بِالدَّلِيل الْقَطْعِيّ».(2)

ص: 575


1- شرح صحيح مسلم للإمام النووي : 3/ 7 [كتاب الإيمان / باب (77)-ح. 283]
2- فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 783/8 [كتاب التفسير / سورة 53 / باب 1 / ح . 4855]

ص: 576

رؤيا الله في المنام

من الأمور العجيبة أنه قد أجاز علماء السنة رؤيا(1) الله تعالى في المنام؛قال الآلوسي : ومن الناس من حمل الرؤية في رواية الدار قطني على الرؤية المنامية، وظاهر كلام السيوطي أن الكيفية فيها لا تضر وهو الذي سمعته من المشايخ قدس الله تعالى أسرارهم، والمسألة خلافية، وإذا صح ما قاله المشايخ وأفهمه كلام السيوطي فأنا والله تعالى الحمد قد رأيت ربي مناماً ثلاث مرات وكانت المرة الثالثة في السنة السادسة والأربعين والمائتين والألف بعد الهجرة، رأيته جل شأنه وله من النور ما له متوجهاً جهة المشرق فكلمني بكلمات أنسيتها حين استيقظت، ورأيت مرة في منام طويل كأني في الجنة بين يديه تعالى وبيني وبينه ستر حبيك بلؤلؤ مختلف ألوانه فأمر سبحانه أن يذهب بي إلى مقام عيسى علیه السلام ثم إلى مقام محمد صلی الله علیه و آله وسلم فذهب بي إليهما فرأيت ما رأيت والله تعالى الفضل والمنة».(2)

وقال ابن عثيمين: «وسئل الشيخ : هل ثبت أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم رأى الله عز وجل في اليقظة وفي المنام؟

فأجاب بقوله : رؤية الله عز وجل في اليقظة لم تثبت حتى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم رأى ربه بعينه. ولا يمكن لأحد أن يرى الله تعالى في الدنيا

ص: 577


1- قال صاحب تفسير المنار: «إِنَّ الْعَرَبَ خَصَّتْ مَا يُرَى فِي النَّوْمِ بِاسْمِ «الرُّؤْيَا» بِالْأَلِفِ، وَمَا يَقَعُ فِي الْيَقَظَةِ بِاسْمِ «الرُّؤْيَةِ»»
2- تفسير الآلوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم ) : 50/5 [سورة الأعراف الآيات: 143 - 153]

بعينه يقظة لأن موسى لما قال «رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ» قال الله له : «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»[الأعراف : 143]، أما في المنام فقد ورد حديث في السنن صححه كثير من الحفاظ أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم رأى ربه في المنام وقد شرح ابن رجب هذا الحديث في رسالة مختصرة فأحيل السائل عليها».(1)

وبعضهم أنكر الرؤيا في المنام؛ قال ابن المطرز : «(فِي الْوَاقِعَاتِ) قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ مُضَيٍّ: إنَّ الرَّحَبِيَّ يَقُولُ إنّي رَأَيْتُ الله في المنام فَقَالَ ذَلِكَ وَهُم لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».(2)

وسئل أحد مشايخ الوهابية فقيل له: «هل يستطيع كلّ أحد أن يرى ربه في المنام، وما صحة الكلام المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حول هذا الموضوع؟

فأجاب : نعم رؤية الله في المنام ثابتة يثبتها جميع الطوائف، جميع الطوائف يثبتون الرؤية في المنام إلَّا الجهمية من شدة إنكارهم للرؤية حتَّى أنكروا رؤية الله في المنام، يقول شيخ الإسلام: إن جميع الطوائف أثبتوا رؤية الله في المنام إلا الجهمية من شدة إنكارهم للرؤية حتى أنكروا رؤية الله في المنام، ولا يلزم من هذا التشبيه، ويَرَى الإِنسانُ ربَّه على اعتقاده؛ فإن كان اعتقاده صحيحا رأى ربه في صورة حسنة، وإن كان اعتقاده سيئًا رأى ربَّه في صورة تناسب اعتقاده، ولا يلزم من هذا التشبيه، و لما كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم صحيحا في اعتقاده قال في الحديث الصحيح: "رأيت ربي في أحسن صورة" في المنام»(3)

فمن قوله ويرى الإنسان ربَّه على حسب اعتقاده؛ فإن كان اعتقاده صحيحًا رأى

ص: 578


1- مجموعة فتاوى و رسائل ابن عثيمين : 11 / 2
2- المغرب في ترتيب المعرب لأبي الفتح ناصر الدين بن المطرز : 2 / 270
3- شرح الاقتصاد في الاعتقاد لعبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي: 1 / 371

ربَّه في صورة حسنة» يعني أنَّ الوهابي يرى ربه في صورة له وجه ويدان وأصابع بعدد أصابع الإنسان، وخُنصر، وقدمان، ورجلان واضعهما على الكرسي، وله ساق، وعين، وأذن ، ويضحك أحسن الضحك ويقعد على الكرسي فما يفضل من الكرسي إلا أربع أصابع !!!، فرؤية صورة بهذه الأوصاف تدعو إلى التجسيم وتشبيه الخالق بالمخلوق. قال الله تعالى: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»[الجاثية : 23].

وقد نفى أئمة أهل البيت علیهم السلام الإمكان رؤيا الله في المنام، كما تقدم ذكر أقوالهم.(1)

ص: 579


1- جاء في كتاب روضة الواعظين: سئل الصادق علیه السلام: «هل يرى الله في المعاد؟ فقال سبحان الله تبارك وتعالى عن ذلك علوا كبيرا إن الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية والله خالق الألوان، والكيفية. وقيل له علیه السلام: إنَّ رجلا رأى ربه في منامه فما يكون ذلك؟ فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تعالى لا يرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة»

ص: 580

أين يرون الله تعالى؟

لقد اختلفوا في مكان الرؤية ، فذهب جماعة إلى أن الله تعالى يرى في الدنيا والآخرة، وذهب آخرون إلى أنَّه لا يرى في الدنيا، ودليلهم قوله تعالى : «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي»[الأعراف: 143]، وحديث «إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»(1). ولكنَّهم اختلفوا في تعيين وقت الرؤية بعد الحياة الدنيا، فذهبوا إلى أقوال القول الأول : أنّ الرؤية تكون بعد الموت، وهو مذهب جماعة من أهل السنة أنهم يعتقدون بأن الرؤية تكون بعد الموت، وهناك رواية في مسلم تدلّ على ذلك: «قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتِ الأَنْصَارِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه و آله وسلم أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ يَوْمَ حَذَرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ «إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ أَوْ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ». وَقَالَ: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ»(2)».

وقال الآلوسي إنّ شيخه و القطب الرازي ذهبا إلى أن موسى رأى ربه بعد الصعق لأن الصعق موت، وهذا نص كلامه»

«وبعد هذا كلّه نقول: إنَّ الناس قد اختلفوا في أنَّ موسى علیه السلام هل رأى ربه بعد هذا الطلب أم لا، فذهب أكثر الجماعة إلى أنه علیه السلام لم يره لا قبل الصعق ولا بعد. وقال الشيخ الأكبر قدس سره: إنه رآه بعد الصعق وكان الصعق موتاً، وذكر قدس سره أنه

ص: 581


1- ينظر أضواء البيان لمحمد الشنقيطي : 2 / 40 [سورة الأعراف/ آية: 149]
2- صحیح مسلم : 1217 [كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر ابن صياد-ح. 169]

سأل موسى عن

ذلك فأجابه بما ذكر، والآية عندي غير ظاهر في ذلك، وإلى الرؤية بعد الصعق ذهب القطب الرازي في تقرير كلام للزمخشري».(1)

القول الثاني : أنَّ الرؤية تكون في الجنَّة

استدلوا على أن رؤية الله تعالى تكون في الجنة بما يلي:

«... عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الجُنَّةَ - قَالَ - يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى:تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضُ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الجُنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ – قَالَ - فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ»».(2)

و«... عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الله بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وسلم قَالَ: جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إلا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ».(3)

القول الثالث: أن الرؤية تكون يوم الحشر

ودليلهم ما رواه البخاري بسنده: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ الله هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ : " هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟". قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟". قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ الله . قَالَ :" فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ

ص: 582


1- تفسير الآلوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم) : 51/5 سورة الأعراف الآيات: 143 - 153]
2- صحیح مسلم: 90 . [ح . 29 - (181) - كتاب الإيمان / باب إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ المُؤْمِنِين فِي الآخِرَةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى]
3- صحیح مسلم: 89 [ح . 296 - (180) - كتاب الإيمان باب إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِين فِي الآخِرَةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى]

يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِالله مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ الله في الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ أَنتَ رَبُّنَا، فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ»...».(1)

وهذا التضارب في الأقوال والروايات يجعلها تتساقط ولا دليل فيها على الرؤية.

ص: 583


1- صحيح البخاري : 1195 [كتاب الرقاق / باب الصراط جسر جهنم- حديث: 6573]

ص: 584

من يرى الله تعالى؟!

بعد أن ذكرنا اختلافهم في مكان الرؤية نذكر اختلافهم في الذين يرونه، فقيل : لا يراه إلّا المؤمنون وقيل : يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم، وقيل: يراه المنافقون دون الكفار، وهذه الأقوال الثلاثة المتعارضة والمتضاربة تنسب إلى إمام واحد من أئمتهم ؛ قال ابن القيم: «دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة، بل والكفار أيضًا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة، وسيمرُّ بك عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة :أحدها: أن لا يراه إلا المؤمنون، والثاني: يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك، والثالث: يراه المنافقون دون الكفار، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه».(1)

وجاء في شرح قصيدة ابن القيم: «دلَّت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه في عرصات القيامة والكفار أيضاً كما في الصحيحين في حديث التجلي يوم القيامة».(2)

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدار قطني عن جابر عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم: «أن الله ليتجلى

ص: 585


1- حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن قيم الجوزية: 67 / 5[الباب الخامس والستون: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم]
2- توضیح المقاصد وتصحيح وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى : 2 / 569

للناس عامة وتجلى لأبي بكر خاصة»».(1)

قال إمام السنة العلامة أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي ابن عجيبة المتوفى سنة 1224ه:

«وقد ورد أنه يتجلّى لفصل ،عباده، فيجلس على كرسيه».(2)

فهذه الأقوال متضاربة، وهي ناتجة من أحاديث متضاربة، وقد حاول بعضهم الدفاع عن هذا التضارب فقال: «إنَّ الكافرين يرون الله تعالى يوم القيامة، ثمّ يحجبون فلا يرونه بعد ذلك لتكون لهم الرؤية حسرة وعذاباً» ، وهذا الادعاء لا أساس له مِن الصحة لعدم وجود دليل يدل عليه، فمِنْ أَيْنَ أتيتم به؟

إضافة لهذا لو كان زعمكم صحيحاً لأدخل الله الكافرين الجنَّةَ أيضاً، ثم يخرجهم منها لتكون عليهم حسرة وعذاباً، وهذا لم يثبت، فتبيَّن بطلان دفاعكم.

ص: 586


1- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي: 471/6[سورة القيامة / الآيات: 20-25]
2- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة: 115/8 [سورة القلم]

كيف يرون الله

ذهب بعض علماء السنَّة إلى أن الله تعالى يرى في الجنّة واختلف هؤلاء اختلافاً شديداً في كيفية رؤية الله تعالى، فذهب بعضهم إلى أنَّه يرى بالعين؛«قال مالك بن أنس: الناس ينظرون الله عزّ و جل يوم القيامة بأعينهم»(1)

والقول الثاني: أنه يُرى بلا كيف؛ قال الآلوسي: «وما ذكره الزمخشري عن الأشياخ أنهم قالوا إنه تعالى يُرَى بلا كيف هو المشهور ".(2)

وقال بعض العدلية فيهم:

وجماعة سموا هواهم سُنَّة***لجماعة حمر لعمري موكفه

قد شبهوه بخلقه وتخوَّفُوا***شنع الورى فتستّروا بالبلكفه».(3)

والقول الثالث: زعموا أنهم يرونه على شكل إنسان؛ قال ابن عجيبة:

«وقوله تعالى: «يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ» . أي: يوم يتجلّى لعباده بنور من نور ذاته، على صورة آدم، تشريفاً لهذا الآدمي، وفي الحديث: «إن الله خلق آدم على صورته» أي: على صورته التي يتجلّى بها لعباده في المحشر وفي الجنة، ولا يفهم هذا إلا الغواصون في بحر

ص: 587


1- حلية الأولياء للإمام الحافظ أبي نعيم : 6 / 356 ،[38- مالك بن أنس / ح. 8911]
2- تفسير الآلوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم) : 50/5 [سورة الأعراف الآيات: 143 - 153]
3- تفسير الآلوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم) : 46/5[سورة الأعراف الآيات: 143 - 153]

الأحدية».(1)

قال ابن عجيبة أيضاً: «فالعارفون يعرفون الله في جميع تجلياته، ولا ينكرونه في شيء منها، وأما ما ورد في حديث التجلي الأول لأهل المحشر فيُنكرونه، ويقولون: «حتّى يأتينا ربّنا» ، فإنما يقول ذلك علماء الظاهر أهل الدليل، وأما العارفون فقد عرفوه وأقروه، وسكتوا ستراً للسِّر الذي عرفهم به، ولذلك كتب ابن العربي الحاتمي إلى الفخر الرازي فقال: تعال نُعرّفك بالله اليوم، قبل أن يتجلّى لك يوم القيامة، فتُنكره فيمن يُنكره.

وقال الورتجبي : أخبر الله سبحانه أنه يكشف يوم الشهود لعشاقه وأحبابه ومشتاقيه وعُرفائه عن بعض صفاته الخاصة، ويتجلّى منها لهم، وهو كشف في ستر الغَيرة عن أسرار القِدَم، فيُشاهدونها، فيُدعون إلى السجود مِن حيث غشيتهم أنوار العظمة، حتّى لا يحرقوا في كَشفِ سرّ الصفة؛ فإنها موضع العظمة والكبرياء، وبدو لطائف أنوار أسرار الذات تظهر في لباس الالتباس، حتى لا يفنيهم فناء لا بقاء بعده، والمقصود منه زوائد المحبة، والنظر إلى وجود العظمة.

قلت وحاصل كلامه أنّ الحق تعالى إنما تجلّى لعباده في الصورة الآدمية، حتى کشف عن ساقه غِيرةً على سر الربوبية أن يظهر، وهو المراد بقوله: يكشف لعشاقه عن بعض صفاته، ويتجلى منها :أي من تلك الصورة لهم، وهو كشف في ستر الغيرة. وأيضاً: لو كشف لهم عن أسرار جبروته بلا واسطة لاحترقوا، لكن تجلّى بأنوار صفاته ليطيقوا رؤيته، يظهر لهم في لباس الالتباس، وهو إظهار الصورة الآدمية، ليبقوا بين فناء وبقاء، بين سكر وصحو، ولو تجلّى بأسرار ذاته الأصلية لاحترقوا، أو سكروا بلا

ص: 588


1- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة : 115/8 - 116 [سورة القلم]

صحو، وفنوا بلا بقاء. والله تعالى أعلم».(1)

«قال النسفي ولا كشف ثم ولا ساق، ولكن كنّى به عن شدة الأمر؛ لأنهم إذا ابتلوا بالشدّة كشفوا عن الساق، وقال: كشفت الحرب عن ساقها، وهذا كما تقول للشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثَمَّ ولا غل، وإنما هو كناية عن البخل، وأمّا مَن شَبّه فلضيق عطفه وقلّة نظره في علم البيان، ولو كان الأمر كما زعم المشبه ؛ لكان من حق الساق أن يُعرَّف؛ لأنها ساق معهودة عنده . أه_. قلت: انظر الثعلبي، فقد نقل أحاديث الحشر، وكلها تدلّ على أنَّ كشف الساق حقيقة، وذكر حديث أبي موسى أنَّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال:«يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ» . قال: عن نور عظيم يخرون له سجداً»، ثم ذكر حديث الحشر بتمامه، ومن كحل عينيه بإثمد التوحيد الخاص لم يصعب عليه أمثال هذه المتشابهات؛ إذ الحق جلّ جلاله غير محصور، بل يتجلّى كيف شاء، وقد ورد أنه يتجلّى لفصل عباده، فيجلس على كرسيه، وورد أيضاً في حديث كشف الساق أنه يتقدّم أمامهم بعد كشف الساق

وسجود المؤمنين له، ثم ينطلق بهم إلى الجنة. ذكر الحديث المنذري وغيره، ونقله المحشي الفاسي في سورة البقرة، عند قوله : «هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ »[البقرة: 210 ] الآية، وليس هذا تجسيم ولا حصر؛ إذ ما في الوجود إلا تجليات الحق، ومظاهر ذاته».(2)

القول الرابع : يتجلّى بأنواع شتّى؛ فقد جاء في التفسير المظهري: «إن الله سبحانه تجليات على أنواع شتى منها تجليات صورته وذلك في عالم المثال وليس هي رؤية في الحقيقة كما رأى النبي صلى الله عليه و آله وسلم ربه في المنام على صورة أمرد شاب شطط في رجليه نعلا الذهب وعند ذلك التجلي يقول القائلون في الموقف نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا، ومنها ما يكون على غير شبه ومثال في الموقف وفيه شائبة من الظلية... ومنها ما يكون في

ص: 589


1- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة: 116/8[سورة القلم]
2- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة : 115/8 [سورة القلم]

الجنة بلا شائبة الظلية المعبر عنها بقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى و زيادة».(1)

القول الخامس: أنَّه يرى من غير معاينة ولا جهة، وهذا قول الأشاعرة؛ قال الشيخ خالد بن عبد الله بن محمد المصلح السلفي: «الأشاعرة ، فهم يقولون: بأن المؤمنين یرون ربهم، لكنهم يخالفون أهل السنة والجماعة في هذا الإثبات، فيقولون: يرونه من غير معاينة ولا مواجهة، وهذا القول انفردوا به دون سائر الناس، وهو من عجائب الأقوال؛ لأن إثبات الرؤية في غير جهة ومن غير معاينة أمر لا يعقل، إذ لابد للرؤية من أن يكون المرئي في جهة وأن يعاين، وإلا فلا تقع رؤية».(2)

قال أبو حيان الأندلسي: «ذهب أكثر المسلمين إلى إثبات الرؤية. فقال الكرامية: يرى في جهة فوق وله تحت ويرى جسماً، وقالت المشبهة : يرى على صورة، وقال أهل السنة: لا مقابلاً، ولا محاذياً، ولا متمكناً، ولا متحيزاً، ولا متلوناً، ولا على صورة ولا هيأة، ولا على اجتماع وجسمية، بل يراه المؤمنون يعلمون أنه بخلاف المخلوقات كما علموه كذلك قبل. وقد استفاضت الأحاديث الصحيحة الثابتة في رؤية الله تعالى، فوجب المصير إليها».(3)

القول السادس: «أنا سلمنا أن المراد لا يدركه المبصرون بأبصارهم لكنه لا يفيد المطلوب أيضًا لجواز حصول إدراك الله تعالى بحاسة سادسة مغايرة لهذه الحواس كما يدعيه ضرار بن عمرو الكوفي، فقد نقل عنه أنه كان يقول : إن الله تعالى لا يرى بالعين

ص: 590


1- تفسير المظهري لمظهري محمد ثناء الله : 1/ 6699
2- شرح لمعة الاعتقاد لخالد بن عبد الله بن محمد المصلح دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، الدرس السابع.
3- تفسير البحر المحيط : 371/1 [سورة البقرة الآيات: 54-57]

وإنما يرى بحاسة سادسة يخلقها سبحانه له يوم القيامة، واحتج عليه بهذه الآية وهي قوله تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»[الأنعام: 103]فقال: إنها دلّت على تخصيص نفي إدراك الله تعالى بالبصر وتخصيص الحكم بالشيء يدلّ على أنَّ الحال في غيره بخلافه فوجب أن يكون إدراك الله تعالى بغير البصر جائزا في الجملة، ولما ثبت أن سائر الحواس الموجودة الآن لا تصلح لذلك ثبت أنه تعالى يخلق يوم القيامة حاسة سادسة بها تحصل رؤية الله تعالى وإدراكه».(1)

القول السابع: عدة أقوال ذكرها «الحَافِظُ فِي الْكَلَام عَلَى تَفْسِيرِ «وُجُوهٌ يَوْمَيذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» مِنْ شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنَ الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: وَاخْتَلَفَ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ في مَعْنَاهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: يَحْصُلُ لِلرَّائِي الْعِلْمُ بِالله - تَعَالَى - بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ المريَّاتِ، وَهُوَ عَلَى وِفْقِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: " كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ " إِلَّا أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِهَةِ والْكَيْفِيَّةِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى العِلْم.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ المُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا حُصُولُ حَالَةٍ فِي الْإِنْسَانِ نِسْبَتُهَا إِلَى ذَاتِهِ الْمُخْصُوصَةِ؛ نِسْبَةُ الْأَبْصَارِ إِلَى المُرْئِيَّاتِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِ لله نَوْعُ كَشْفٍ وَعِلْمٍ إِلَّا أَنَّهُ أَنَّمُ وَأَوْضَحُ مِنَ الْعِلْمِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مِنَ الْأَوَّلِ اه_. ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَعَقَّبَ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ، وَإِنَّما قَالَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ : إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ لَا فِيهِ مِنَ التَّفْوِيضِ وَعَدَمِ التَّحْدِيدِ، وَهَذَا المَعْنَى هُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَأَوْضَحَهُ فِي كِتاب " المَحَبَّةِ مِنَ الْإِحْيَاءِ "

ص: 591


1- روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 233/4 [سورة الأنعام الآيات: 84-110]

بما يُعْهَدُ مَنْ قَرَأ الْإِحْيَاءَ مِنْ بَيَانِهِ وَفَصَاحَتِهِ».(1)

ص: 592


1- تفسير المنار لمحمد رشيد : 133/9 سورة الأعراف آية : 144]

أول من ينظر إلى الله الأعمى

«أخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: أول من ينظر إلى الله تبارك وتعالى الأعمى».(1)

من هذه الرواية نفهم أن الرؤيا ليست بصرية وإلا لما تمكن الأعمى من النظر.

ص: 593


1- الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي : 475/6 [سورة القيامة / الآيات: 20-25]

ص: 594

اختلاف أهل السنة في الرؤية

اشارة

إنَّ التخبط والاختلاف الشديد في جواز رؤية الله عزّ وجل يدلّ على أنَّ القول برؤية الباري عزّ وجل من البدع التي أُدخلت في الدين الإسلامي، فلو كان القول بالرؤية صادراً مِن عند الله تعالى لما ظهر فيه هذا الاختلاف الشديد، ولأصبح من الأمور المتفق عليها بين المسلمين كاتفاقهم بوجوب الصلاة والصوم والحج وغيرها من الأمور الواجبة وكاتفاق المسلمين بحرمة الخمر والزنا ونحوها من المحرمات، وهذه الحجة العقلية - وهى أنَّ القول الصادر من الله تعالى لا اختلاف فيه - أثبتها الله تعالى في القرآن الكريم محتجاً بها على كون القرآن من عند الله تعالى، وذلك في قوله تعالى :«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»[النساء/ 82]، وهذا يعني أنّ القول الصادر من عند غير الله تعالى نجد فيه اختلافاً، كما هو الحال في شأن الرؤية، فقد اختلفوا في رؤية البارئ بالأبصار على تسع عشرة مقالة كما قال أبو الحسن الأشعري في «مقالات الإسلاميين»(1). وهذا الاضطراب والاختلاف والتناقض يدلُّ على الوضع والكذب. وفيما يلي سنستعرض بعض هذه المقالات والادعاءات.

القول الأول

قالوا: يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا ولسنا ننكر أن يكون بعض من تلقاه في الطرقات، وأجاز عليه بعضهم الحلول في الأجسام وأصحاب الحلول إذا رأوا إنساناً يستحسنونه لم يدروا لعلَّ إلههم فيه. وأجاز كثير ممن أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته

ص: 595


1- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري : 1 / 213

وملامسته ومزاورته إياهم وقالوا إن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك. حكى ذلك عن بعض أصحاب مضر وكهمس.(1)

قال ابن تيمية : «ومنهم من يجوز على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا ومنهم من يزعم أن الله تعالى ذو أعضاء وجوارح و أبعاض لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح».(2)

وقال أيضاً: «كثير من الجهال أهل الحال وغيرهم يقولون إنهم يرون الله عيانا في الدنيا وأنه يخطو خطوات».(3)

القول الثاني

حُكِيَ عن أصحاب عبد الواحد بن زيد أنهم كانوا يقولون: إِنَّ الله سبحانه يُرَى على قدر الأعمال فمن كان عمله أفضل رآه أحسن.(4)

قال ابن تيمية: «وفي النساك... من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين».(5)

القول الثالث

قال ابن تيمية: «وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور الجميلة ويقول إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده أو صفات معبوده أو مظاهر جماله ومن هؤلاء من

ص: 596


1- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري 1 / 213
2- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 271/2 [فصل : تحرير الأسماء التي تسمى بها الله]
3- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 2/ 273 [فصل : تحرير الأسماء التي تسمى بها الله]
4- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري: 1 / 214 ، وينظر : منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 271/2 [فصل : تحرير الأسماء التي تسمى بها الله]
5- منهاج السنة النبوية لابن تيمية : 271/2[فصل: تحرير الأسماء التي تسمى بها الله]

يسجد للأمرد ، ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والإتحاد العام لكنه يتعبد بمظاهر الجمال لما في ذلك من اللذة له فيتخذ إلهه هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف ومنهم من يقول إنه يرى الله مطلقاً ولا يعين الصورة الجميلة بل يقولون إنهم يرونه في صور مختلفة».(1)

القول الرابع

«كثير من النساك يظنون أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم وسبب ذلك أنه يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله تعالى وعبادته من الأنوار ما يغيب به عن حسه الظاهر حتى يظن أن ذلك هو شيء يراه بعينه الظاهرة وإنما هو موجود في قلبه، ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة التي يراها خطاب الربوبية ويخاطبها أيضا بذلك ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه وإنما هو موجود في نفسه كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله فهذه الأمور تقع كثيراً في زماننا وقبله ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود في الخارج، وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان ويرى نورًا أو عرشا أو نورًا على العرش ويقول أنا ربك ومنهم من يقول أنا نبيك وهذا قد وقع لغير واحد ومن هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك ويكون المخاطب له جنياً كما قد وقع لغير واحد».(2)

القول الخامس

قال ابن تيمية: «وأهل الوحدة القائلون بوحدة الوجود كأصحاب ابن عربي وابن

ص: 597


1- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية : 2/ 272 [ فصل: تحرير الأسماء التي تسمى بها الله ]
2- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية: 2 / 272[فصل: تحرير الأسماء التي تسمى بها الله]

سبعين وابن الفارض يدعون أنهم يشاهدون الله دائما فإن عندهم مشاهدته في الدنيا والآخرة على وجه واحد إذ كانت ذاته الوجود المطلق الساري في الكائنات».(1)

وقال عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية : «ويؤكد محمد أمين الكردي هذه الرؤية في الدنيا فيقول فإذا جاهد فيه - أي الذكر - حق جهاده وصدق فيه : ظهرت النتيجة وهي:رؤية جناب الحق سبحانه وتعالى بعين البصيرة على الدوام والمداومة عليها مع المجاهدة التامة يكون دائما في التقرب وأبدًا في التحبب حتّى تنتهي مراقبته إلى المشاهدة من غير حجاب»(2)

القول السادس

اضطراب مذهب أبي حامد الغزالي؛ وذلك قوله: «الأصل التاسع العلم بأنه تعالى مع كونه منزها عن الصورة والمقدار مقدسا عن الجهات والأقطار مرئياً بالأعين والأبصار في الدار الآخرة دار القرار لقوله تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَيذٍ نَاضِرَةٌ»«إِلَى رَبَّهَا نَاظِرَةٌ» . ولا يرى في الدنيا تصديقًا لقوله عز وجل : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» ولقوله تعالى في خطاب موسى علیه السلام لَن تَرَانِي».(3)

«وليت شعر من لم يفهم إلا حبّ المحسوسات كيف يؤمن بلذة النظر إلى وجه الله تعالى وماله صورة ولا شكل ... قال بعضهم:

وهَجْرُه أعظمُ من نارِهِ * وَوَصْلُه أَطيبُ مِن جَنّتِه

وما أرادوا بهذا إلا إيثار لذة القلب في معرفة الله تعالى على لذة الأكل والشرب

ص: 598


1- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية : 2/ 273 [ فصل: تحرير الأسماء التي تسمى بها الله ]
2- الطريقة النقشبندية : 1 / 91
3- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي: 1/ 138 [كتاب قواعد العقائد الأصل التاسع]

والنكاح فإن الجنة معدن تمتع الحواس فأما القلب فلذته في لقاء الله فقط».(1)

وقال أيضاً: «أعلم أن المدركات تنقسم إلى ما يدخل في الخيال كالصور المتخيلة والأجسام المتلونة والمتشكلة من أشخاص الحيوان والنبات وإلى مالا يدخل في الخيال كذات الله تعالى وكلّ ما ليس بجسم كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها... وهذه المشاهدة والتجلي هي التي تسمى رؤية فإذن الرؤية حق بشرط أن لا يفهم من الرؤية استكمال الخيال في متخيل متصور مخصوص بجهة ومكان فإن ذلك مما يتعالى عنه رب الأرباب علواً كبيراً بل كما عرفته في الدنيا معرفة حقيقية تامة من غير تخيل وتصور وتقدير شكل وصورة فتراه في الآخرة كذلك، بل أقول المعرفة الحاصلة في الدنيا بعينها هي الَّتي تستكمل فتبلغ كمال الكشف والوضوح وتنقلب مشاهدة ولا يكون بين المشاهدة في الآخرة والمعلوم في الدنيا اختلاف إلا من حيث زيادة الكشف والوضوح كما ضربناه

من المثال في استكمال الخيال بالرؤية ، فإذا لم يكن في معرفة الله تعالى إثبات صورة وجهة فلا يكون في استكمال تلك المعرفة بعينها وترقيها في الوضوح إلى غاية الكشف أيضًا جهة وصورة لأنها هي بعينها لا تفترق منها إلا في زيادة الكشف كما أن الصورة المرئية المتخيلة بعينها إلا في زيادة الكشف وإليه الإشارة بقوله تعالى : «يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا» . إذ تمام النور لا يؤثر إلا في زيادة الكشف ولهذا لا يفوز بدرجة النظر والرؤية إلا العارفون في الدنيا لأن المعرفة هي البذر الذي ينقلب في الآخرة مشاهدة كما تنقلب النواة شجرة والحب زرعًا ومن لا نواة في أرضه كيف يحصل له نخل ومن لم يزرع الحب فكيف يحصد الزرع فكذلك من لم يعرف الله تعالى في الدنيا فكيف يراه في الآخرة ولما كانت المعرفة على درجات متفاوتة كان التجلي أيضًا

ص: 599


1- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي: 1612/2 - 1613 [كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا]

على درجات متفاوتة فاختلاف التجلى بالإضافة إلى اختلاف المعارف كاختلاف النبات بالإضافة إلى اختلاف البذر إذ تختلف لا محالة بكثرتها وقلتها وحسنها وقوتها وضعفها فإن قلت فهذه الرؤية محلها القلب أو العين في الآخرة فاعلم أن الناس قد اختلفوا في ذلك وأرباب البصائر لا يلتفتون إلى هذا الخلاف ولا ينظرون فيه بل العاقل يأكل البقل ولا يسأل عن المبقلة، ومَن يشتهي رؤية معشوقه يشغله عشقه أن يلتفت إلى أن رؤيته تخلق في عينه أو جبهته بل يقصد الرؤيا ولذتها سواء كان ذلك بالعين أو غيرها، فإن العين محل وظرف لا نظر إليه ولا حكم له والحق فيه أن القدرة الأزلية واسعة فلا يجوز أن نحكم عليها بالقصور عن أحد الأمرين هذا في حكم الجواز فأما الواقع في الآخرة من الجائزين فلا يدرك إلا بالسمع.

والحق ما ظهر لأهل السنة والجماعة من شواهد الشرع أن ذلك يخلق في العين ليكون لفظ الرؤية والنظر وسائر الألفاظ الواردة في الشرع مجرى على ظاهره إذ لا يجوز إزالة الظواهر إلا لضرورة والله تعالى أعلم».(1)

القول السابع

أنّه يرى في المنام: «قال القاضي عياض: لم يختلف العلماء في جواز صحة رؤية الله تعالى في المنام، وإن رئي على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام؛ لتحقق أن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى؛ إذ لا يجوز عليه التجسيم ولا اختلاف الحالات، بخلاف رؤية النبي صلی الله علیه و آله وسلم فكانت رؤيته تبارك وتعالى في النوم من باب التمثيل والتخييل. وقال القاضي أبو بكر - رحمه الله -: رؤية الله تعالى في النوم أوهام وخواطر في القلب بأمثال لا تليق به بالحقيقة، ويتعالى سبحانه وتعالى عنها، وهي دلالات للرائي على أمر مما كان

ص: 600


1- إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي: 2 / 1613 - 1617 [كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا]

أو يكون، كسائر المرئيات. وقال غيره: رؤية الله في المنام حقٌ وصدقٌ لا كذب فيها؛ لا في قول ولا في فعل».(1)

القول الثامن

«نقل أن ضرار بن عمرو الكوفي كان يقول : إن الله تعالى لا يرى بالعين، وإنما يرى بحاسة سادسة يخلقها الله تعالى يوم القيامة».(2)

القول التاسع

«وقالت البكرية إن الله يخلق صورة يوم القيامة يُرَى فيها ويُكَلِّم خلقه منها».(3)

القول العاشر

«وقال الحسين النجار أنه يجوز أن يحول الله العين إلى القلب ويجعل لها قوة العلم فيعلم بها ويكون ذلك العلم رؤية له أي علماً له».(4)

القول الحادي عشر

«وَأَمَّا صُوفِيَّةُ الحقَائِقِ المُسْتَقِلُونَ فَجُمْهُورُ أَهْل الْوَحْدَةِ مِنْهُمْ يُدْخِلُونَها فِي مَسَائِل الْوَحْدَةِ، فَغُلَاةُ وَحْدَةِ الْوُجُودِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ إِلَّا وُجُودٌ وَاحِدٌ لَهُ مَظَاهِرٌ وَمَجَالِي، فَهُمْ يُثْبِتُونَ الرُّؤيَةَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ وَإِلَّا فَالرَّائِي وَالمَرْئِيُّ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ، يَعْنُونَ أنَّ الرَّبَّ عَيْن الْعَبْدِ، وَالْعَبْدَ عَيْنُ الرَّبِّ ، فَاللَّهُ - تَعَالَى - يَرَى نَفْسَهُ بِمَا يَتَجَلَّى فِيهِ مِنْ صُوَرِ عَبِيدِهِ أَوْ مَا

ص: 601


1- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس القرطبي : (8 / 156) [كتاب الرؤيا/ من باب رؤية النبي في المنام]، وفيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير لمحمد المناوي: 6 / 171[ حرف الميم / ح . 8688]
2- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للرازي : 13 / 103 [سورة الأنعام / الآية: 103]
3- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري: 1 / 215
4- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري: 1 / 55

شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ».(1)

القول الثاني عشر

«وَأَمَّا أَصْحَابُ وَحْدَةِ الشُّهُودِ مِنْهُمْ فَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى يَتَجَلَّى لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِن في الدُّنْيَا تجليا غَيْرَ كَامِلٍ، وَفِي الْآخِرَةِ تَجَلِّيًا كَامِلًا فَيَفْنَى الْعَبْدُ بِهَذَا التَّجَلِّي عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ كُلِّ مَا سِوَى رَبِّهِ فَلَا يَرَى غَيْرَهُ ، وَهُوَ يَرَاهُ بِكُلِّ رُوحِهِ الْمُدْرِكَةِ لَا بِعَيْنَيْهِ فَقَطْ ، وَمِنْ كَلَام ابْنِ الْفَارِضِ فِيهِ (إِذَا مَا بَدَتْ لَيْلَی فَكُلِّي أَعْيُنٌ)، فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ بآلةِ الْبَاصِرَةِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَرْوَاحِ المَحْبُوسَةِ فِي هَيَاكِلِ الْأَجْسَادِ الْمُقَيَّدَةِ بِسُنَن الله كَمَا تَقَدَّمَ آنفًا، فَهِيَ كَالمَحْبُوس فِي سِجْنِ لَهُ نَوَافِذُ وَكُوًى قَلِيلَةٌ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يُحَاذِيها دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا وَرَاءَ السِّجْنِ، وَهُمْ يُثْبِتُونَ تَجَلِّيهِ تَعَالَى فِي الصُّوَرِ المُخْتَلِفَةِ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَالًا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ؛ بَلْ يُبْقُونَ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهَا كَجُمْهُورِ السَّلَفِ».(2)

القول الثالث عشر

أن الله تعالى لا يرى بمرتبة الألوهية ويرى بمرتبة الربوبية، فقد جاء في كتاب فيض القدير: «مرتبة الألوهية والله تعالى لا يرى بها إنما يرى بمرتبة الربوبية».(3) (3).

القول الرابع عشر

لا يمكن رؤية الله في الحياة الدنيا إلا لبعض الأنبياء فإنَّها ممكنة في بعض الأحوال، ويراه المؤمنون بعد الموت؛ كما جاء في كتاب فيض القدير : «(إنكم) أيها المؤمنون (لن تروا ربكم) بأعينكم يقظة (عزّو جلَّ حتى تموتوا) فإذا متم رأيتموه في الآخرة رؤية منزهة

ص: 602


1- تفسير المنار لمحمد رشيد : 137/9[سورة الأعراف آية : 144]
2- تفسير المنار لمحمد رشيد : 144/9 [سورة الأعراف آية : 144]
3- فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير لمحمد المناوي : 351/2[حرف الهمزة / ح. 1831]

الله

603

عن الكيفية أما في الدنيا يقظة فلغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممنوعة ولبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ممكنة في بعض الأحوال كما في تفسير القاضي».(1)

القول الخامس عشر

امتنع كثير من القوّل انه يرى في الدنيا ومن سائر ما أطلقوه وقالوا انه يرى في الآخرة واختلفوا أيضاً في ضرب آخر فقال قائلون نری جسماً محدوداً مقابلاً لنا في مكان دون مكان، وقال زهير الأثري : ذات الله عز و جل في كل مكان وهو مستو على عرشه، ونحن نراه في الآخرة على عرشه بلا كيف، وكان يقول : إن الله يجيء يوم القيامة إلى مكان لم يكن خاليًا منه وأنَّه ينزل إلى السماء الدنيا ولم تكن خالية منه، واختلفوا في رؤية الله عز و جل بالأبصار هل هي إدراك له بالأبصار أم لا، فقال قائلون هي إدراك له بالأبصار وهو يدرك بالأبصار، وقال قائلون: يُرَى الله سبحانه بالأبصار ولا يدرك بالأبصار، واختلفوا في ضرب آخر فقال قائلون نرى الله جهرة ومعاينة، وقال :قائلون: لا نرى الله جهرة ولا معاينة ومنهم من يقول أحدق إليه إذا رأيته، ومنه من

يقول:لا يجوز التحديق إليه، وقال قائلون منهم ضرار وحفص الفرد: إن الله لا بالأبصار ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها وندرك ما هو بتلك الحاسة... وأجمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب، فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة : إن الله يرى بقلوبنا بمعنى إنا نعلمه بها وأنكر ذلك الفوطي وعباد، وقالت المعتزلة والخوراج وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية : إن الله لا يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة ولا يجوز ذلك عليه، واختلفوا في الرؤية الله بالأبصار : هل يجوز أن تكون؟ أو هي كائنة لا محالة على مقالتين: فقال قائلون:

ص: 603


1- فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير لمحمد المناوي: 707/2[حرف الهمزة / ح . 2546]

يجوز أن يرى الله سبحانه في الآخرة بالأبصار، وقال: نقول إنه بتاتا، وقال نقول: انه يُرَى بالأبصار، وقال قائلون: نقول بالأخبار المروية وبما في القرآن أنه يرى بالأبصار في الآخرة بتاتا يراه المؤمنون وكلّ المجسمة إلا نفرًا يسيرًا يقول بإثبات الرؤية وقد يثبت الرؤية من لا يقول بالتجسيم».(1)

وهكذا يتضح للقارئ الكريم هشاشة فكرة رؤية الله تعالى، وعدم صحة الاستدلال بالنصوص التي اعتمدوها مع اختلاف كلمتهم في الرؤية، فهي من البدع الدخيلة على الإسلام.

ص: 604


1- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري : 1 / 213-217

الخاتمة

لقد أثبت في المباحث المتقدمة نفي إمكان رؤية الله تعالى بالأبصار في الدنيا والآخرة فذُكِرَت الآيات القرآنية التي تدلُّ على تنزيه الله تعالى عن إمكان رؤيته، ثمَّ الأحاديث الصحيحة عند السنَّة الدَّالة على عدم إمكان رؤية الله تعالى، ثم الأدلة العقلية على امتناع رؤية الله تعالى ثم ذُكِرَتِ الأدلة القرآنية لمثبتي الرؤية مع ذكر الردود الشافية عليها، وبعد ذلك ذُكِرَتِ الأدلة الحديثيَّة لمثبتي الرؤية التي يعتقدون بصحتها والتي روتها صحاحهم، ثُمَّ نُوقشت مناقشة جادة أدت إلى تداعيها وبَيَّنَتْ عدم صحة الركون إليها، كما ذَكَرَ هذا البحث الروايات التي رُويت في غير صحاحهم مع بيان ضعف سندها وعدم صحتها بحيث لا تصلح للاستشهاد بها على رؤية الله تعالى، إضافة إلى ذلك فقد تمَّ إبطال الدليل العقلي لمثبتي الرؤية مع الرد على كثير من شبهاتهم و ادعاءاتهم.

وقد بُيِّنَت المسائل الخلافية بين مثبتي الرؤية كاختلافهم في رؤية النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم لله تعالى، واختلافهم في رؤية الله تعالى في المنام واختلافهم في زمان ومكان رؤية الله تعالى، واختلافهم في تشخيص الذين يرون الله تعالى واختلافهم في تعيين كيفية رؤية الله تعالى، مع ذكر خمسة عشر قولاً مختلفاً لمثبتي الرؤية، وهكذا يتضح للقارئ الكريم هشاشة فكرة رؤية الله تعالى التي طبّلُوا لها حتَّى وصل بهم الأمر إلى تكفير منكر الرؤية.

نسأل الله تعالى أن يتقبَّل منَّا هذا الجهد اليسير ويجعله نافعاً للمُحاور ولجميع المؤمنين ولمن يسعى لمعرفة الحق والحقيقة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 605

ص: 606

فَهْرَس

المَراجِع والمصَادِر

ص: 607

ص: 608

فهرس المراجع والمصادر

القرآن الكريم

حرف الألف

الآداب الشرعية والمصالح المرعية : لأبي عبد الله محمد بن مفلح الحنبلي (ت 763ه)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عمر القيام مؤسسة الرسالة، بيروت. ط3، 1419ه-، 1999م.

آية الولاية للسيد علي الميلاني: (معاصر)، الناشر : مركز الأبحاث العقائدية – قم، ط 1 - 1421ه.

إبن حنبل حياته وعصره آراؤه وفقهه للإمام محمود أبو زهرة، الناشر: دار الفكر العربي، القاهرة، ط - 1418ه.

الإتقان في علوم القرآن جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

الاحتجاج: لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت 548ھ)، ط 1 - 1426ه- أحكام القرآن لأبي بكر أحمد بن علي الجصاص (ت 370ه)، ضبط وتخريج: عبد السلام محمد علي شاهين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2 - 1424ه.

إحياء علوم الدين لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي (ت 505 ه)، الناشر : دار المعرفة - بيروت، ط 1 - 1425ه.

أخبار أبي حنيفة وأصحابه للقاضي أبي عبد الله حسين بن علي الصيمري (ت ؟؟؟)، الناشر: عالم الكتب - بيروت، ط - 1405ه.

أخبار مكة لعبد الله بن محمد بن العباس الفاكهي ( ت 353ه)، تحقيق د. عبد الملك عبد الله ،دهیش دار ،خضر ، 1414ه، بيروت.

أدب المفتي والمستفتي ابن الصلاح عثمان بن عبد الرحمن الشهروزي (ت643ه)، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - بيروت.

الأدب المفرد : لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256ه)، دار الحديث - القاهرة.

ص: 609

الأذكار لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت 676ه)، الناشر : دار الحديث - القاهرة.

الأذكار لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت 676ه-، الناشر: دار الفكر بيروت.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم تفسير أبي السعود) لمحمد بن محمد بن مصطفى العمادي (ت 951ه) دار إحياء التراث العربي - بيروت.

الإرشاد في معرفة علماء الحديث : لأبي يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي (ت 446ه)، تحقیق د. محمد سعيد بن عمر إدريس ، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، ط 1 - 1409ه.

أساس البلاغة: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار الله (ت 538ه) تحقيق محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط: 1، 1419ه- 1998م

الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ت 460ه)، تحقيق وتعليق السيد حسن الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، ط - 1363 .

الاستيعاب في معرفة الأصحاب ابن عبد البر الأندلسي (ت463ه)، تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1422ه.

أسد الغابة في معرفة الصحابة لعلي بن محمد الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630ه)، تحقيق الشيخ علي محمد معوض ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1429ه.

الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (الموضوعات الكبرى): لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي (ت 597ه)، تحقيق: محمد الصباغ، الناشر: دار الأمانة بيروت، ط - 1391ه.

إسعاف المبطأ برجال الموطأ لجلال الدين السيوطي (ت 911ه)، تحقيق وتعليق: موفق فوزي جبر، الناشر: دار الهجرة - بيروت.

أسماء المدلسين جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمود محمد محمود حسن نصار، الناشر: دار الجيل - بيروت، ط 1 .

الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني : (ت 852ه)، راجع نصوصه صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر - بيروت، ط 1 - 1421ه

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي(ت

ص: 610

1393ه) تحقيق مكتب البحوث والدراسات الناشر : دار الفكر - بيروت، ط - 1415ه.

أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو رية، البطحاء، ط 5.

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش ت 1403ه-)، الناشر: دار الإرشاد

سوريه ، ط4 - 1415ه-.

الأعلام: خير الدين الزركلي (ت 1397ه) ، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، ط 15 - 2002م.

الأغاني: لأبي الفرج الأصفهاني (ت 356ه)، تحقيق: سمير جابر، ط2- دار الفكر- بيروت.

الاغتباط بمن رمي من الرواة بالاختلاط لبرهان الدين الحلبي الشافعي (ت 841ه)، تحقيق: علاء الدين علي رضا الناشر: دار الحديث القاهرة - مصر، ط 1 - 1988م.

اقتضاء الصراط المستقيم: لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه)، دراسة وتحقيق: ناصر عبد الكريم العقل الناشر: دار عالم الكتب - بيروت، ط 7 - 1419ه.

الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع للخطيب محمد بن أحمد الشافعي (ت 977ه)، الناشر: دار المعرفة - بيروت.

الأمالي للسيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت 436ه)، تحقيق : السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، ط 1 - 1325ه.

الأمالي المطلقة: لابن حجر العسقلاني(ت 852ه)، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، ط 1 - 1416ه.

الإمامة والتبصرة: لأبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي(ت 329ه)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي - قم المقدسة.

الانتصار الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت 436ه)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط - 1415 .

أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) للبيضاوي (ت 682ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1424ه.

حرف الباء

بحار الأنوار العلّامة محمد باقر المجلسي (ت 1110ه)، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، محمد الباقر البهبودي ، الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط3 - 1403ه.

ص: 611

بحر الدم في من مدحه أحمد أو ذمه ليوسف بن المبرد: (ت 909ه)، تحقيق وتعليق: د: روحية عبد الرحمن السويفي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط1 - 1413ه.

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم المصري (ت 970ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1418ه. البحر الزخار المعروف بمسند البزار: لأبي بكر أحمد بن عمر البزار (ت) (292ه-)، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله ، الناشر : مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنوّرة، ط - 1424ه

بحر العلوم لأبي ليث نصر بن محمد السمر قنددي : (ت 383ه)، تحقيق: علي محمد، و عادل أحمد، و د. زكريا عبد المجيد الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1 - 1413ه.

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد : لأحمد بن محمد ابن عجينة (ت 1224ه)، تحقيق: عمر أحمد الراوي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1426ه.

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : لأبي بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي (ت 587ه-)، الناشر:المكتبة الحبيبية - باكستان، ط 1 - 1409ه.

البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي (774ه)، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، الناشر: دار الفكر - بيروت، ط3 - 1419ه

بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807ه)، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، الناشر : دار الطلائع - القاهرة. بغية الطلب في تاريخ حلب كمال الدين ابن العديم عمر بن أحمد بن هبة الله ( 660 ه)،

البلغة فى تراجم أئمة النحو واللغة للفيروز آبادي (ت 817ه)، تحقيق: محمد المصري، جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت، ط. الأولى؛ 1407ه.

حرف التاء

تاريخ أبي الفداء (المسمى المختصر في تاريخ البشر) : لعماد الدين إسماعيل أبي الفداء(ت 732ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 -1417ه.

تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير والأعلام لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 - 1426ه.

تاریخ بغداد لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463ه)، الناشر : دار الفكر - بيروت.

تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) : لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310ه)،

ص: 612

الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 3- 1426ه.

تاريخ مدينة دمشق: لعلي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر (571ه)، دراسة وتحقيق: علي شيري الناشر: دار الفكر، بيروت، 1415ه.

تاريخ مكة المشرفة : لابن الضياء المكي الحنفي (ت 854ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

تاريخ اليعقوبي: لأحمد بن إسحاق اليعقوبي (ت 284ه)، علق عليه ووضع حواشيه: خليل المنصور الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 -1433ه.

تحرير الوسيلة السيد الخميني (ت 1409ه)، مع تعليقات اللنكراني.

التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد لمحمد الطاهر بن عاشور (1393ه)، الناشر : دار سحنون – تونس، ط - 997 10 م.

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي : لأبي العلا محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري (ت 1353ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1410ه.

تذكرة الحفاظ : محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، وضع حواشيه الشيخ زكريا عميرات الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 3 - 1428ه. تذكرة الخواص (المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة): لسبط ابن الجوزي (ت 654ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت ط 1 - 1426ه

التسهيل لعلوم التنزيل : لمحمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي: (ت 741ه)، الناشر : دار الكتاب العربي - بيروت، ط 4 - 1403ه.

التعديل والتجريح: لسليمان بن خلف الباجي: (ت 474ه)، تحقيق : الأستاذ أحمد البزار، ط - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - مراكش / تونس.

التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام: لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي السهيلي (ت 581ه)، تحقيق : عبد الله مهنا، الناشر: دار الباز - بيروت، و عباس أحمد الباز - مكة المكرمة، ط 1 - 1407ه.

تفسير ابن أبي حاتم الرازي (المسمَّى التفسير بالمأثور) لابن أبي حاتم الرازي (ت 327ه)، ضبط : أحمد فتحي عبد الرحمن الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1427ه.

تفسير ابن عبد السلام لعز الدين بن عبد السلام الشافعي (660 ه)، الناشر : دار الحزم بيروت، ط 1 - 1416ه.

ص: 613

تفسير البحر المحيط : لأبي حيان الأندلسي (ت 745ه)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، و الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق د. زكريا عبد المجيد النوقي د. أحمد النجولي الجمل الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 – 1422ه.

تفسير البغوي: لأبي محمد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي الشافعي (ت 510ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1424ه.

التفسير الحديث : لأبي يعقوب السجستاني محمد عزة دروزة، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - القاهرة 1383ه.

تفسير الدر المنثور : للسيوطي (ت 911 ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1424ه.

تفسير السراج المنير : لمحمد بن أحمد الشربيني: الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

تفسير السمرقندي : لأبي ليث نصر بن محمد السمر قنددي : (ت 383ه)، تحقيق وتعليق: علي محمد و عادل أحمد عادل أحمد، و د. زكريا عبد المجيد الناشر : دار الكتب العلمية،بيروت، ط 1 - 1413ه.

تفسير الطبري المسمّى (جامع البيان في تأويل القرآن) محمد بن جرير الطبري (ت 310ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط4 - 1426ه. تفسير تفسير القرآن لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت 318ه)، تحقيق: الدكتور سعد بن محمد السعد، الناشر : دار المآثر - المدينة النبوية، ط 1 - 1423ه.

تفسير القرآن العظيم: الإسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774ه)، تعليق و إخراج: هاني الحاج، ط - المكتبة التوفيقية - مصر .

التفسير الكبير (مفاتيح الغيب للرازي الشافعي (ت 606ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1425ه.

تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل : لأبي القاسم جار الله محمود الزمخشري (ت 538ه)، ضبط وتصحيح محمد عبد السلام شاهين الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت، ط4 - 1427ه.

تفسير الكشف والبيان المعروف بتفسير الثعلبي: لأبي إسحاق أحمد الثعلبي (ت 427ه)، دراسة وتحقيق أبي محمد بن عاشور الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1 - 1422ه.

تفسير الماوردي (النكت والعيون) : لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي(ت 450ه)،

ص: 614

تحقيق السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

تفسير المظهري للمولوي محمد ثناء الله الهندي الحنفي (ت 1216ه)، تحقيق: غلام نبي ،تونسي، الناشر: مكتبة الرشديه - باکستان، ط-1412ه.

تفسير مقاتل بن سليمان لمقاتل بن سليمان (ت 150ه)، تحقيق أحمد فريد الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1424ه.

تفسير المنار: لمحمد رشيد (ت)، الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب،ط- 1990م.

تفسير الوسيط : لعلي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

التفسير الوسيط للقرآن الكريم لمحمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر (1430ه)

تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104ه)، تحقيق وتصحيح وتذييل : الشيخ محمد الرازي، الناشر: دار إحياء التراث العربي-بيروت.

تقريب التهذيب ابن حجر العسقلانيت (852ه)، ضبط ومراجعة صدقي جميل العطار، الناشر : دار الفكر - بيروت، ط 1 - 1415ه.

التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت 676ه)، المكتبة الشاملة.

تلخيص البيان في مجازات القرآن للشريف الرضي (ت 406ه)، حققه وقدّم له: محمد عبد الغني حسن الناشر : دار الأضواء - بيروت، ط 2 -1406ه. تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: لجلال الدين السيوطي (ت 911ه)، تحقيق: الشيخ محمد عبد العزيز الخالدي الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1418ه.

تهذيب الآثار للطبري: (ت310ه) تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني - مصر.

تهذيب الأحكام للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر : دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 1.

تهذيب الأسماء واللغات لأبي زكريا محيي الدين بن شرف، النووي (ت 676ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ت 852ه)، الناشر: دار الفكر / بيروت، ط 1 - 1415ه.

ص: 615

تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ يوسف المزي (ت 742ه)، تحقيق: عمرو سيد شوكت الناشر : دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 - 1425ه.

تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ يوسف المزي (ت 742ه)، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف :لناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1 - 1407ه.

التوحيد للشيخ الصدوق (ت 381ه)، تحقيق وتصحيح وتعليق : السيد هاشم الحسيني، الناشر: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة.

توضيح المقاصد وتصحيح القواعد (في شرح قصيدة ابن القيم): لأحمد بن إبراهيم بن عيسى، تحقيق زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، ط 3 - 1406 .

حرف الثاء

الثقات لمحمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت354ه)، الناشر : مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن الهند، ط 1 - 1393ه.

الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب لمحمد ناصر الدين الألباني (1420)

حرف الجيم

جامع أحاديث الشيعة للسيد حسين الطباطبائي البروجردي(ت 1383ه)، المطبعة العلمية - قم ، ط - 1399ه.

جامع الأصول في أحاديث الرسول: لأبن الأثير الجزري (ت. 606ه)، تحقيق: أيمن صالح ،شعبان، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 -1418ه.

جامع بيان العلم وفضله محمد بن أحمد القرطبي (ت 671ه)، دراسة وتحقيق: أبو عبد الرحمن فواز أحمد زمرلي، الناشر: مؤسسة الريان دار ابن حزم، ط 1 - 1424ه.

جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي: (795ه) ، الناشر : دار المعرفة، بيروت، ط 1 - 1408ه

الجامع لأحكام القرآن محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1 - 1422ه.

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع : لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463ه)، تحقيق : د. محمود الطحان مكتبة المعارف - الرياض، 1403

جامع المناسك للحج والعمرة: إصدار الهيئة العليا للحج والعمرة دائرة الارشاد النجف الأشرف، ط 1 - 1428ه.

ص: 616

الجرح والتعديل : لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد ابن إدريس الرازي(ت 327ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، مط- مجلس دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن الهند، ط1 - 1371ه.

الجرح والتعديل : لعبد الرحمن بن أبي حاتم محمد ابن إدريس الرازي (ت 327ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 - 1422ه.

جمع الجوامع : لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911) تخريج وتعليق وضبط: خالد عبد الفتاح شبل الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1421ه.

الجواهر الحسان في تفسير القرآن لعبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (ت 875ه)، تحقيق: أبو محمد الغماري الإدريسي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1 - 1416ه.

الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف المكرّم لأحمد بن محمد بن محمد بن علي، ابن حجر الهيتمي، السعدي، الأنصاري (ت973ه)، الناشر : دار جوامع الكلم - القاهر.

حرف الحاء

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح : لابن القيم الجوزي (ت 751ه)، مطبعة المدني- القاهرة. حاشية الآجرومية: لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي النجدي (ت 1392ه) ، ط 4 - 1408ه.

حاشية إعانة الطالبين : لأبي بكر بن محمد شطا الدمياطي البكري (المتوفى: بعد 1302ه)، الناشر: دار الفكر - بيروت.

حاشية رد المحتار لمحمد أمين الشهير بابن عابدين (ت 1252ه)، الناشر : دار الفكر - بيروت.

الحاوي للفتاوي: لجلال الدين للسيوطي (ت911ه)، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1421ه.

حسن المحاضرة في أخبار مصر و القاهرة: لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي(ت 911ه)،

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت 430ه)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 3 - 1427ه.

حياة الإمام المهدي المصلح الأعظم للشيخ باقر شريف القرشي (ت 1433ه)، الناشر : شریعت، ط 1 - 1427ه.

ص: 617

حرف الخاء

خصائص الأئمة: لأبي الحسن محمد بن الحسين الشريف الرضي(ت 406ه)، تحقيق: محمد هادي الأميني، الناشر : مجمع البحوث الإسلامية – إيران، ط - 1406ه.

خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه)، المطبوع مع مناقب الأسد الغالب: لابن الأثير الجزري (ت 630ه)، تحقيق: الشيخ على أحمد عبد العال الهطاوي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1426ه.

الخصائص الكبرى لجلال الدين السيوطي (911ه)، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.

الخلاف لأبي محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق: جماعة من المحققين، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي - قم المشرفة، ط - 1407ه.

حرف الدال

الدر المنثور في التفسير المأثور: لجلال الدين للسيوطي (ت 911ه): الناشر: دار اكتب /العلمية بيروت، ط 2 - 1424ه.

درء تعارض العقل والنقل : لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه)، تحقیق: محمد رشادسالم ، الناشر : دار الكنوز الأدبية، الرياض، ط - 1391ه.

الدرر السنية : لمفتي الحرمين الشريفين زيني دحلان.

الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر العسقلاني(ت 852ه)، الناشر: دار الجيل - بيروت.

دفع شبه من شبه وتمرد لتقي الدين أبو بكر بن محمد الحصني (ت 829ه)، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث - القاهرة.

دلائل النبوة : أحمد بن الحسين البيهقي ( ت 458ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

حرف الذال

ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت 694ه): الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1427ه.

ذكر أخبار إصبهان للحافظ أبو نعيم الأصبهاني (ت 430ه): مط - بريل، ط - 1934م.

ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد: لمحمد بن أحمد المكي الفاسي(ت 832ه)،

ص: 618

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

حرف الراء

رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل للشيخ جعفر السبحاني(معاصر).

رجال الطوسي لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ه) تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي- قم المقدسة، ط - 1415ه.

الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز في الصفات: لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه).

الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي(ت 748ه)، تحقيق: محمد إبراهيم الموصلي، الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت، ط - 1412ه.

روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : الشهاب الدين الآلوسي (ت 1270ه)، ضبط وتصحيح علي عبد الباري عطية، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1426ه.

الروض الأنف: لعبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي (ت581ه).

حرف الزاء

زاد المسير في علم التفسير : لعبد الرحمن بن علي بن محمد، ابن الجوزي (ت 597ه)، خرج آياته وأحاديثه ووضع حواشيه : أحمد شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، ط 2 - 1422ه.

زواج المتعة : للسيد جعفر مرتضى (؟؟؟)، الناشر : دار السيرة، بيروت، ط 1 - 1422ه.

حرف السين

سر السلسلة العلوية : لأبي نصر سهل بن عبد الله بن داود البخاري (ق4)، قدم له وعلق عليه السيد محمد صادق آل بحر العلوم الناشر : المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، ط1 - 1381ه.

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة لمحمد ناصر الألباني ت 1420 الناشر: دار المعارف - المملكة العربية السعودية، ط 1 - 1412ه.

السلسلة الصحيحة للألباني (ت 1420) ، الناشر : مكتبة المعارف - الرياض.

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي : لعبد الملك الشافعي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، و علي محمد معوّض ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1419ه.

السُّنة: لأبي بكر الخلال (ت 311ه)، تحقيق: د. عطية الزهراني، الناشر: دار الراية - الرياض، ط 1 - 1410ه.

ص: 619

السُّنة: لعبد الله أحمد بن بن حنبل (ت290ه) تحقيق د. محمد سعيد سالم القحطاني الناشر: دار ابن القيم - السعودية، ط 1 - 1406ه.

سنن ابن ماجة لمحمّد بن يزيد القزويني (275ه) ، ضبط أحمد شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 - 1423ه.

سنن أبي داود للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275ه)، ضبطه محمد عبد العزيز الخالدي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط 2 - 1426ه.

سنن الترمذي (الجامع الصحيح) محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279ه)، :تحقیق محمود محمد محمود حسن نصار الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 - 1421ه.

سنن الدارمي: لأبي محمد عبد الله بن الرحمن بن بهرام الدارمي (ت 255ه)، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت.

سنن الصالحين: لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المالكي (474ه)، الناشر: دار ابن حزم - بيروت.

السنن الكبرى لأحمد بن الحسين البيهقي (ت 458ه)، الناشر دار الفكر - بيروت، ط - 1426ه.

السنن الكبرى لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه)، تحقيق: عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1411ه.

سير أعلام النبلاء: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، الناشر: الفكر - بيروت، ط 1 - 1417ه.

السيرة النبوية: لإسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774ه)، تحقيق : صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر - بيروت، ط 1 - 1426ه.

حرف الشين

شذرات الذهب في أخبار من ذهب لعبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089ه)، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط، الناشر: دار بن كثير - دمشق، ط - 1406ه.

شرح أصول اعتقاد أهل السنة : لأبي القاسم هبة الله اللألكائي الطبري (ت 418ه)، تحقيق د. أحمد سعد حمدان الناشر : دار طيبة - الرياض ، ط - 1402ه.

شرح أصول الكافي محمد صالح المازندراني (ت 1081ه)، مع تعاليق الميرزا أبو الحسن الشعراني تصحيح السيد علي عاشور الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط- 1421ه.

ص: 620

شرح الاقتصاد في الاعتقاد لعبد العزيز بن عبد الله الراجحي (معاصر)، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية.

شرح صحيح مسلم : لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت 676ه)، مراجعة: الشيخ خليل الميس الناشر: دار القلم - بيروت، ط 1 - 1407ه. شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي (ت 321ه)، تحقيق ومراجعة: محمد ناصر الألباني الناشر : الدار الإسلامية - عمان الأردن، ط 1 - 1419ه. شرح العقيدة الطحاوية لصالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، خرج أحاديثه سليمان القاطوني، دار المودة، المنصورة / مصر، ط 1، 1432ه / 2011م.

شرح العقيدة الواسطية لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه)، شرح: الشيخ محمد الصالح العثمين خرج أحاديثه : سعد بن فواز الصميل، الناشر: دار ابن الجوزي.

شرح عمدة الفقه لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه).

الشرح الكبير على كتاب المقنع : لأبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة (ت 682ه)، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت.

شرح لمعة الاعتقاد لخالد بن عبد الله بن محمد المصلح دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، الدرس السابع.

شرح معاني الآثار : لأحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الشهير بالطحاوي(ت 321ه)،خرج أحاديثه إبراهيم شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت،ط 2 - 1427ه.

شرح المقاصد في علم الكلام سعد الدين التفتازاني مسعود بن عمر (ت793ه)، الناشر: دار المعارف النعمانية - باكستان، ط 1 - 1401ه.

شرح نهج البلاغة: عبد الحميد بن محمد بن أبي الحديد المعتزلي(ت656ه)، تحقيق: محمد الفضل إبراهيم، الناشر: المكتبة العصرية - بيروت، ط - 1428ه. شعب الإيمان أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458ه)، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد ،حامد الناشر: مكتبة الرشد - الرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، ط 1 - 1423ه.

شفاء السقام في زيارة خير الأنام لتقي الدين علي بن عبد الشافي السبكي (ت756ه)، الناشر: دار الكتاب العلمية - بيروت.

شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني الحنفي (ق5) تحقيق: محمد باقر

ص: 621

المحمودي، ط 3 - 1427ه.

شيخ المضيرة أبو هريرة: لمحمود أبو رية (معاصر) الناشر: دار المعارف – مصر، ط3.

حرف الصاد

الصحاح في اللغة لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت393ه)، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، ط4 - 1407ه.

صحیح ابن حبان لمحمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 2 - 1414ه.

صحیح ابن خزيمة لمحمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت 311ه)، تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الناشر : المكتب الإسلامي- بيروت، ط2- 1413ه.

صحيح البخاري: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256ه)، ضبط : حمود محمد محمود حسن نصَّار ، الناشر : دار الكتب العلمية / بيروت، ط 5 - 1428ه.

صحيح الجامع الصغير لمحمد ناصر الدين الألباني: (ت1420ه)، الناشر: المكتب الإسلامي، ط - 1408ه.

صحیح مسلم : لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261ه)، الناشر: مؤسسة المختار - القاهرة، ط 1 - 1426ه.

صحيح وضعيف الجامع الصغير، لمحمد ناصر الدين الألباني: (ت1420ه).

الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين (ت 94ه)، الناشر : جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة.

الصواعق المحرقة لأحمد بن محمد بن محمد بن علي، ابن حجر الهيتمي (ت 973ه)، الناشر : دار الكتب العلمية / بيروت، ط - 1420ه.

حرف الضاد

ضعفاء العقيلي: لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي (ت 322ه)، تحقیق د عبد المعطي أمين ،قلعجي، الناشر : دار الكتب العلمية / بيروت، ط 2 - 1418ه.

الضعفاء والمتروكين: لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه)، تحقيق: بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، ط 1 - 1405ه.

ضعيف أبي داود لمحمد ناصر الدين الألباني (1420ه)

حرف الطاء

ص: 622

طبقات المدلسين لابن حجر العسقلاني (ت 852ه)، تحقيق: د. عاصم بن عبد الله القريوتي، الناشر: مكتبة المنار - عمان، ط 1 - 1403ه.

الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منبع الهاشمي البصري (ت 230ه)، دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية / بيروت، ط 2 - 1418ه.

طرح التثريب لأبي زرعة العراقي (ت 826ه)

حرف الظاء

ظلال الجنة في تخريج السنة لمحمد ناصر الدين الألباني (ت)، المطبوع بضميمة كتاب السنة لابن أبي عاصم ت (287ه-)، الناشر : المكتب الإسلامي، بيروت، ط 3 - 1413ه.

حرف العين

عقد الدرر في أخبار المنتظر وهو المهدي: الشيخ يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي (ت685ه)، تحقيق : الشيخ مهيب بن صالح بن عبد الرحمن البوروني، ص 64 ، ط2، مكتبة المنار، الزرقاء - الاردن 1410ه.

عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن: حمود التويجري، الناشر: دار اللواء، الرياض - السعودية ، ط 2 - 1409ه.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري: للعيني (ت 855ه)، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت.

عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب محمد العظيم آبادي (ت 1329ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1415ه.

حرف الغين

غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين محمد بن محمد ابن الجزري (ت833ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري: (ت 850) تحقيق : الشيخ زكريا عميران ، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1416ه.

غريب الحديث لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي (ت 597ه)، تحقيق د. عبد المعطي أمين ،قلعجي، دار الكتب العلمية - بيروت ط 1، 1985.

الغيبة: لأبي عبد الله محمد بن ابن إبراهيم بن جعفر النعماني (ت حدود 360ه)، تحقيق: فارس حسون كريم ، ط 1 - 1426ه.

ص: 623

حرف الفاء

الفائق في غريب الحديث : لجار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 583ه) ، وضع حواشيه إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط - 1417ه.

الفتاوى لشهاب الدين أبو العباس الرملي الشافعي (844ه).

الفتاوى الحديثية: أحمد شهاب الدين بن حجر الهيتمي المكي(973ه)، دار الفكر.

فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني (852ه)، تحقيق: عبد العزيز بن باز الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1410ه.

فتح القدير: للكمال بن الهمام الحنفي (ت 861ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250ه)، الناشر : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت.

فتح المغيث: لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902ه)، الناشر : دار الكتب العلمية بيروت.

فتح الوهاب: لزكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري (ت926ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

الفتن لنعيم بن حماد المروزي (ت 288ه)، تحقيق وتقديم : الدكتور سهيل زكار، الناشر: دار الفكر / بيروت، ط - 1414 ه

الفروع لإبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني، ابن مفلح (ت 763ه).

الفصل في الملل والأهواء والنحل: لأبى محمد علي بن حزم الأندلسي (ت 456ه)، الناشر: مكتبة الخانجي القاهرة - مصر.

فضائل الصحابة (فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (ت 256ه)، تحقيق: حسن حميد السيد الناشر : إيران ، ط - 1425ه.

فقه السيرة: لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505ه)، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: دار القلم - دمشق، ط7 - 1998م.

الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية : للشيخ محمد جميل (معاصر)، الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر، ط 1 - 1425ه..

الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة لجلال الدين السيوطي (ت 911ه)، الناشر: دار الكتب العليمة - بيروت.

ص: 624

فيض القدير شرح الجامع الصغير لمحمد عبد الرؤوف المناوي (ت 1031ه)، تصحيح: عبد السلام الناشر : دار الكتب العلمية / بيروت، ط3 -1427ه.

حرف الكاف

الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، تحقيق: بوران الضناوي الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1428ه.

الكافي: لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت329ه)، تحقيق: علي أكبر غفاري، الناشر : دار الكتب الإسلامية - إيران ، ط 7 - 1383ه . ش .

كامل الزيارات: لأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (ت368ه)، الناشر : دار المرتضى - بيروت.

الكامل في التاريخ: لعلي بن أبي الكرم محمد الشيباني المعروف بابن الأثير(ت 360ه)، تحقيق: الشيخ خليل مأمون شيحا، الناشر : دار المعرفة- بيروت، ط 2 - 1428ه.

الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (365ه) ، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1418ه.

کتاب الأم لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت 204ه)، الناشر: دار الفكر بيروت، ط 2 - 1403ه .

كتاب الروح: ابن القيم الجوزي (ت 751ه)، الناشر: مكتبة صفا - القاهر، ط 1 - 2002م.

كتاب الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني (ت 435ه)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد بن اسماعيل السلفي، الناشر : دار الصميعي السعودية، ط 1 - 1420ه. كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175ه) تحقيق د. مهدي المخزومي .ود. إبراهيم السامرائي، الناشر: مؤسسة دار الهجرة - إيران، ط 2 - 1409ه.

كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175ه-)، تحقيق: د.مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي، ط 2 - 1425ه.

كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لمحمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354ه)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد الناشر: دار الباز - مكة المكرمة.

كتاب الموطأ لمالك بن أنس (ت 179ه) تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: لأبي القاسم جار الله

ص: 625

محمود الزمخشري الخوارزمي (ت538ه)، تصحيح : محمد عبد السلام شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 4 - 1427ه.

كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس الحنبلى البهوتي (ت 1051ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: لإسماعيل بن محمد بن عبد الهادي الشهير بالجراحي العجلوني (ت 1162ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - ،بيروت، ط 3 - 1408ه.

كشف الظنون مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة وبكاتب چلبي (1067ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

كشف المشكل من حديث الصحيحين: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي (ت 597ه)، الناشر: دار الوطن - الرياض.

كشف المشكل من حديث الصحيحين: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي (ت597ه)، تحقيق: د . مصطفى الذهبي الناشر : دار الحديث القاهرة، ط- 1429ه . (المطبوع في ذيل كتاب صحيح البخاري)

الكلم الطيب لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه)، الناشر: المكتب الاسلامي - بيروت

كمال الدين و تمام النعمة لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الشيخ الصدوقت (381ه)، تقديم الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت، ط 2 - 1424ه.

كنز العمال: المتقي الهندي (975ه)، تحقيق: محمود عمر الدمياطي، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1419ه.

الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة : نجم الدين محمد بن محمد الغزي (ت 1061ه)

حرف اللام

اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: لجلال الدين السيوطي (ت 911ه)، الناشر: دار الكتب العليمة، بيروت.

اللؤلؤ المرصوع : محمد بن خليل بن إبراهيم أبو المحاسن القاوقجي الطرابلسي الحنفي (ت 1305ه) تحقيق فوّاز أحمد زمرلي الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت.

اللباب في علوم الكتاب : لأبي حفص عمر بن علي ابن عادل الدمشقي الحنبلي(ت

ص: 626

(775ھ)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط1.

لسان العرب: محمد بن مکرم بن منظور (ت711ه)، الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3.

لسان الميزان لابن حجر العسقلاني (ت 852ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1416ه.

حرف الميم

المبسوط: لشمس الدين السرخسي(ت 483ه)، الناشر: دار المعرفة – بيروت، ط- 1406ه.

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر : لعبد الرحمن بن محمد الحنفي (ت 1078ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085ه)، تحقيق: أحمد الحسيني، الناشر: مكتب نشر الثقافة الإعلام الإسلامي، ط 2 - 1408ه.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807ه)، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1422ه.

المجموع شرح المهذب لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت 676ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

مجموع الفتاوى: لأبي العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1426ه.

مجموعة فتاوى ورسائل ابن عثيمين (ت 1421)

المحبر لمحمد بن حبيب البغدادي ( ت 245ه) ، مطبعة الدائرة، ط - 1361ه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت 546ه)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد الناشر: دار الكتب العلمية - ،بيروت، ط 1 - 1413ه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للقاضي عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت 546ه)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1422ه.

المجتبى من مشكل إعراب القرآن الكريم للخراط ت ؟؟؟

ص: 627

المخصص: لابن سيده علي بن إسماعيل ت (458ه)، تحقيق: خليل إبراهيم جفال الناشر : دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1 - 1417ه.

مختصر كتاب الاعتصام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790ه)، اختصره وهذَّبه: علوي بن عبد القادر السَّقَاف.

مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي): لعبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي (ت 710ه).

المدونة الكبرى: لمالك بن أنس (ت179ه)، الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت. مرآة العقول في شرح أخبار الرسول صلى الله عليه و آله وسلم : للعلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت 1110ه)، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 3 - 1369ه.

مراقي الفلاح لحسن الشرنبلالي المصري الحنفي (ت 1069ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح : للملا على القاري ( 1014ه)

مروج الذهب ومعادن الجواهر لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 346ه)،نقحه وصححه شارل بلا الناشر: دار صادر - بيروت

المستدرك على الصحيحين : للحاكم النيسابوري (ت 405 ه)، تحقيق: د. محمود مطرجي، الناشر: دار الفكر - بيروت، ط - 1422ه-، وبهامشه کتاب تلخیص المستدرك: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)،

المستصفى في علم الأصول لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505ه) تصحيح: محمد عبد السلام عبد الشافي، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط - 1417ه.

المستوعب لمحمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي (ت616ه)، الناشر: دار الخضر - بيروت.

مسند ابن الجعد لأبي الحسن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري (ت 230ه) : الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

مسند ابن راهويه: (ت 238ه)، تحقيق: الدكتور عبد الغفور برد البلوسي، الناشر: مكتبة الإيمان - المدينة المنورة، ط 1 - 1412ه.

مسند أبي داود الطيالسي لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي(ت 204ه)، تحقيق: محمد حسن محمد حسن اسماعيل، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1425ه.

ص: 628

مسند أبي يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي (ت 307ه)، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق.

مسند أحمد أحمد بن حنبل (241ه) ، رقم أحاديثه : محمد عبد السلام ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 - 1413ه.

مسند الحارث : (282ه)، الناشر : مركز خدمة السنة والسيرة النبوية - المدينة المنورة.

المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (ت 430ه) تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1417ه.

مشارق الأنوار على صحاح الآثار: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544ه)، الناشر : المكتبة العتيقة ودار التراث.

مشكاة المصابيح للتبريزي: (معاصر)، تحقيق: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، ط3 - 1405ه.

مشكل الآثار لأحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الشهير بالطحاوي (ت 321ه)، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - الهند، ط 1 - 1333ه .

مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير لمحمد ناصر الدين للألباني (ت 1420ه).

مصباح المتهجد لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (460ه)، الناشر: مؤسسة الأعلمي- بيروت.

المصنف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211ه)، تحقيق: أيمن نصر الدين الأزهري الناشر : دار الكتب العلمية/ بيروت، ط 1 - 1421ه.

مصنف ابن أبي شيبة في الأحاديث والآثار عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت 235ه)، ضبطه وصححه محمد عبد السلام شاهين الناشر : دار الكتب العلمية / بيروت، ط 2 - 1426ه.

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى لمصطفى بن سعد السيوطي (ت1243ه).

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول للحافظ بن أحمد حكمي: (ت 1377ه)، تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر ، دار ابن القيم الدمام -السعودية، ط 1 - 1410ه.

معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول : للزرندي الشافعي (ت 750ه)، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية.

ص: 629

المعارف: لابن قتيبة الدينوري (ت 276ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت.

معالم المدرستين للسيد مرتضى العسكري (معاصر) ، ط: البحرين – دار كميل.

معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النحاس (ت 338ه)، تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني، الناشر : جامعة أم القرى / المملكة العربية السعودية ، ط 1 - 1409ه.

معاني القرآن وإعرابه لإبراهيم بن محمد بن السري الزجاج (ت 311ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360ه)، تحقيق: محمد حسن الشافعي، الناشر : دار الفكر / عمان، ط - 1420ه.

المعجم الصغير: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

المعجم الكبير : لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360ه)، ضبط أحاديثه : أبو محمد الأسيوطي، الناشر : دار الكتب العلمية / بيروت، ط 1 - 1428ه.

معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت 502 ه)، ضبطه وصححه : إبراهيم شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط - 1425ه.

المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي تاليف : أ. ي. فنسنك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: مكتبة بريل / ليدن (1936م) .

معرفة الثقات لأحمد بن عبد الله بن صالح العجلي: (ت 261ه)، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي الناشر: مكتبة الدار - المدينة المنورة، ط 1 - 1405ه.

معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني: (ت 430ه)، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل ومسعد عبد الحميد السعدني، الناشر : دار الكتب العلمية -بيروت، ط 1-1422ه

معرفة علوم الحديث: للحاكم النيسابوري (ت 405ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - ط 2 - 1397ه.

المغرب في ترتيب المعرب لأبي الفتح ناصر الدين بن المطرز(ت 610)، تحقيق: محمود فاخوري و عبد الحميد مختار، الناشر: مكتبة أسامة بن زيد – سورية، ط 1 - 1979م.

المغني في الضعفاء لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، تحقيق: أبي الزهراء حاتم القاضي الناشر : دار الكتب العلمية / بيروت، ط 1 -1418ه.

ص: 630

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم : لأبي العبّاس القرطبي (656ه) ، ضبط وتصحيح : أحمد عبد السلام الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1427ه.

مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت 260ه)، الناشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط3.

الملل والنحل: لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (548ه)، تحقيق: محمد سيد گيلاني، الناشر : دار المعرفة - بيروت، ط - 1404ه.

من لا يحضره الفقيه: لأبي جعفر محمد بن علي القمي الصدوق (ت 381ه)، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

المناقب: للموفق بن أحمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي (ت 568ه)، تحقيق: فضيلة الشيخ مالك المحمودي ، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي/ قم المقدّسة، ط 5 - 1425ه.

مناقب آل محمد (المسمى بالنعيم المقيم لعترة النبأ العظيم): لشيخ الشافعية أبي محمد بن عبد الواحد الموصلي(ت 657ه) موسسة الاعلمی - بیروت ط 1 - 1424ه.

مناقب الأسد الغالب ممزق الكتائب و مظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب لمحمد بن عبد الله ابن الجزري (ت833ه) تحقيق : الشيخ علي أحمد عبد العال الهطاوي، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1426ه.

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية لأبى العباس أحمد بن تيمية (ت 728ه)، خرّج أحاديثه: محمد أيمن الشبراوي، الناشر: دار الحديث - القاهرة، ط - 1425ه.

منهاج الصالحين للسيد الخوئي (ت 1413ه).

المواهب اللدنية لأحمد بن محمد القسطلاني (ت 923ه)، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت.

ميزان الاعتدال في نقد الرجال: لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه)، تحقيق وتعليق : الشيخ علي محمد معوض ، و الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، ط 2 - 1429ه.

الميزان في تفسير القرآن للعلامة محمد حسين الطباطبائي (ت 1412ه)، تحقيق: الشيخ أياد باقر سلمان الناشر : دار إحياء التراث العربي-بيروت، ط 1 - 1427ه.

ص: 631

حرف النون

نظرات في الكتب الخالدة لحامد حفني داود (معاصر)، الناشر: دار العلم للطباعة ، القاهرة - مصر، ط1 - 1399ه.

نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور لأبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي (ت 885ه)، الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1424ه.

نهج البلاغة خطب الإمام علي جمع الشريف الرضي ( 406ه)، ضبط: د. صبحي الصالح، الناشر: دار الأسوة - التابعة لمنظمة الأوقاف والشؤون الخيرية، ط 5 - 1425ه.

نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار: لمؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجيت بعد(1308ه)، تحقيق الاستاذ سامي الغريري، مط- فاضل، ط1.

حرف الهاء

الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد: حمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي (ت: 398ه)، تحقيق: عبد الله الليثي، الناشر: دار المعرفة، بيروت - لبنان،ط. الأولى؛ 1407ه.

هدي الساري مقدمة فتح الباري الحافظ ابن حجر العسقلاني (852ه): تحقيق: عبد العزيز بن باز الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط - 1410ه.

حرف الواو

الوافي بالوفيات لخليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت 764ه)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر : دار إحياء التراث العربي- بيروت، ط - 1420ه.

الوفا بأحوال المصطفى: لعبد الرحمن بن علي ابن جوزي(ت 597ه)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

وفيات الأعيان وأنباء أباء الزمان لابن خلكان (ت 681ه)، تحقيق: د. إحسان عباس، الناشر: دار صادر بيروت

حرف الياء

ينابيع المودة لذوي القربى الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294ه)، الناشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت، ط 1 - 1418ه.

ص: 632

المحتويات

الباب السابع

التوسل والإستغاثة في الكتاب والسنة....3

مقدمة....5

إثبات سماع الأنبياء والأولياء بعد وفاتهم لنداء الأحياء....9

اولاً : إثبات الحياة للأموات بعد وفاتهم....13

الدليل الأول إرجاع المذنبين إلى النبي لطلب الإستغفار لهم....23

الدليل الثاني : دعاء الانبياء عليهم السلام بعد وفاتهم....29

الدليل الثالث تعليم النبي صلی الله علیه و آله وسلم للأعمى كيفية التوسل به صلی الله علیه و آله وسلم....33

الدليل الرابع شهادة الصحا-ة بأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم هو ملجأ وغياث الأمة في الشدة....37

الدليل الخامس التوسل والإستغاثة واللجوء للنبي صلی الله علیه و آله وسلم بعد وفاته....43

الدليل السادس التوسل والاستغاثة بالملائكة والأنبياء....51

الدليل السابع العلماء والتوسل....55

الدليل الثامن ما كتبه علماء السنة في الرد على منكري التوسل....79

الباب الثامن

حقيقة الصحابة....87

تعريف الصحابي....89

ص: 633

الصحبة في القرآن الكريم....93

الصحبة عند النبي صلی الله علیه و آله وسلم....95

الصحبة عند الصحابة....99

نظرية عدالة الصحابة....103

هل هناك صحابة إرتكبوا المحرمات؟....111

من طعن بعد التهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم....127

هذه حقيقة الصحابة....139

الصحابة المؤلّفة قلوبهم....151

حقيقة معاوية بن أبي سفيان....155

الباب التاسع

السجود على الأرض أو ما أنبتت في الكتاب والسنة....171

مقدمة....173

معرفة الفرق في السجود بين السنة والشيعة....177

روايات أهل السنة المؤيدة لسجود الشيعة....181

الرد على روايات أهل السنة المخالفة لسجود الشيعة....193

لماذا انحرف أهل السنة عن سجود النبيصلی الله علیه و آله وسلم....201

السجود على التربة الحسينية وشبهات المخالفين....213

الباب العاشر

البدعة في المتعتين....223

مقدمة....227

تمهید....229

ص: 634

زواج المتعة....242

دليل زواج المتعة في القرآن الكريم....243

آية المتعة لم تنسخ....253

شبهة عثمان الخميس....303

الفرق بين الزنا وزواج المتعة....309

كلمة أخيرة....311

متعة الحج....315

تمهید....317

متعة الحج عند فقهاء مدرسة الصحابة....319

بدعة الجاهلية....321

متعة الحج عند الصحابة....325

منع المتعة اجتهاد مقابل النص....329

نهي عثمان عن المتعة، ومخالفة علي علیه السلام له....333

مخالفة أهل السنة لعمر وعثمان ومعاوية....337

الأعذار....339

الخاتمة....357

الباب الحادي عشر

البدعة في صلاة التراويح وحذف حي على خير العمل....358

مقدمة....361

تمهيد....363

صلاة التراويح في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم....365

ص: 635

لم تُصَلَّ التروايح جماعة حتى خلافة عمر....369

لا جماعة في صلاة التراويح....375

مسك الختام....391

حَذْفُ (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) مِنْ الأَذَانِ....411

فصول الأذان عند السنّة....413

الإقامة عند السنة....415

اعتراض ابن عمر....427

زيادات أخرى في الأذان ممن أُخِذَ الأذان....441

الخاتمة....443

الباب الثاني عشر

نفي رؤية الله في الكتاب والسنة والعقل....445

مقدمة....447

حكم منكري الرؤية....451

الآيات القرآنية التي تصرح بعدم إمكان رؤية الله تعالى....455

نفي رؤية الله تعالى في الأحاديث والآثار....459

أدِلَّة المعتزلة العقلية على عدم رؤية الله....471

أدلّة علمائنا العقلية على عدم رؤية الله....473

الرؤية تنافي صفات الله....475

مخالفة الوهابية للأدلة العقلية....477

اتباع اليهود....483

ص: 636

الأدلة القرآنية لمثبتي الرؤية....485

تفسير بعض الصحابة أو التابعين....509

بقية شبهة الرازي....523

الأدلة الحديثية لمثبتي الرؤية....529

الدليل العقلي لمثبتي الرؤية....545

أقوال علمائنا في الرؤية....569

اختلاف أهل السنة في رؤية النبي عصلی الله علیه و آله وسلم لله تعالى....573

رؤيا الله في المنام....577

أين يرون الله تعالى؟....581

من يرى الله تعالى؟!....585

كيف يرون الله....587

أول من ينظر إلى الله الأعمى....593

اختلاف أهل السنة في الرؤية....595

الخاتمة....605

فهرس المراجع والمصادر....609

ص: 637

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.