القواعد و الأحکام في تفسیر مواهب الرحمن

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: السبزواري، عبد الاعلی - 1288- 1372.

عنوان العقد:مواهب الرحمن في تفسیر القرآن.برگزیده

عنوان واسم المؤلف:القواعد و الأحکام في تفسیر مواهب الرحمن/تأليف: عبد الاعلى السبزواري جمعه و حققه محمد جواد المروجي الطبسي.

مواصفات النشر: الشركة التعاونية لرواد الأعمال في الثقافة والفنون،1389.

مواصفات المظهر:304ص.

ISBN :2-41-5435-800-978

حالة القائمة: الفيفا

لسان: العربية

ملحوظة: هذا هو الكتاب المختار «مواهب الرحمن في تفسير القرآن»تأليف: عبد الاعلى السبزواري يكون.

ملحوظة: صدر هذا الكتاب بدعم من وكيل الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

ملحوظة: فهرس: ص. [295] - 397؛ أيضا مع الترجمة .

ملحوظة: نهاية.

موضوع : تفسيرات الشيعة - - قرن 14:

موضوع :فقه - قواعد.

موضوع : فقه جعفري - -قرن 14.

المعرف المضاف:الطبسي، محمد جواد، 1331 -

المعرف المضاف: الشركة التعاونية لرواد الأعمال في الثقافة والفنون

ترتيب الكونجرس:1389 8018م23س/98 BP

تصنيف ديوي:297/179

رقم الببليوغرافيا الوطنية:2007167

المتبرع الدیجیتالي : مركز خدمة مدرسة إصفهان

محرر:السید جلاالدین العمراني

ص: 1

اشارة

بِسْمِ ٱللَّٰهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

ص: 2

ص: 3

القواعد والأحكام

فی

تفسير مواهب الرحمن

للفقيه المفسّر

آية اللّه العظمى

السيّد عبد الأعلى السبزواري

جمعه و حقّقه

الشيخ محمّد جواد المروّجي الطبسي

ص: 4

سرشناسه : سبزواری، عبد الاعلی - 1288- 1372.

عنوان قراردادی :مواهب الرحمن فى تفسیر القرآن.برگزیده

عنوان و نام پدیدآور :القواعد والاحكام فى تفسير مواهب الرحمن/تأليف: عبد الاعلى

مشخصات نشر السبزواري جمعه و حققه محمد جواد المروجي الطبسي.

:شرکت تعاونی کار آفرینان فرهنگ و هنر،1389.

مشخصات ظاهری:304ص.

شابک :2-41-5435-800-978

وضعیت فهرست نویسی :فیپا

یادداشت : عربی

یادداشت : این کتاب برگزیده کتاب «مواهب الرحمن في تفسير القرآن»تأليف عبد الاعلى سبزواری میباشد.

یادداشت : این کتاب با حمایت معاونت امور فرهنگی وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامی به چاپ رسیده است.

یادداشت : کتابنامه: ص. [295] - 397؛ همچنین به صورت زیرنویس .

یادداشت : نهاية.

موضوع : تفاسیر شیعه - - قرن 14:

موضوع :فقه - قواعد.

موضوع : فقه جعفری - -قرن 14.

شناسه افزوده :طبسی، محمد جواد، 1331 -

شناسه افزوده : شرکت تعاونی کار آفرینان فرهنگ و هنر

رده بندی کنگره :1389 8018م23س/98 BP

رده بندی دیویی :297/179

شماره کتابشناسی ملی :2007167

القواعد والاحكام فى تفسیر مواهب الرحمن

تأليف: آیت اللّه العظمى السيد عبدالاعلى السبزواري

گردآوری و تحقیق:شیخ محمّد جواد المروجي الطبسي

ناشر: شرکت تعاونی کارآفرینان فرهنگ و هنر

نوبت چاپ :چاپ اول: 1389

شمارگان:2200 نسخه

شابک:2-41-5435-600-978

طراحی متن،جلد و صفحه آرایی:نشر امینان

لیتوگرافی:پیمان

چاپخانه صحافی:دالاهو/آزادی

قیمت:46،000ریال

پست الکترونیکی ناشر :Karafarin_co82@yahoo.com

كلیه حقوق این اثر برای ناشر محفوظ است.

فروشگاه و مرکز :پخش تهران - خیابان جمهوری-خیابان باستان جنوبی

کوچه نوری - بن بست اول - پلاک 2 تلفن: 66905373

این اثر با حمایت معاونت امور فرهنگی وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامی به چاپ رسیده است.

ص: 5

القواعد والأحكام

في

تفسير مواهب الرحمن

ص: 6

کلمة الموتمر

بِسْمِ ٱللَّٰهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

عن أبي عبد اللّه(علیه السلام): « مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ، وَعَمِلَ بِهِ ، وَعَلَّمَ اللَّهِ دُعِيَ في مَلَكُوتِ السَّماواتِ عَظيماً فَقِيلَ : تَعَلَّمَ لِلَّهِ ، وَعَمِلَ لِلَّهِ ، وَعَلَّمَ لِلهِ »(1).

هناك علماء وفقهاء كثيرون قد تعلّموا وتفقّهوا في الدين ، وعملوا به ، وعلّموا علوم أهل البيت (علیه السلام)على أيتام آل محمّد (علیه السلام)وجزاهم اللّه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. ولولا جهدهم الكثير لما بقي من الإسلام والأحكام شيء . ونحن الآن نتغذّى من مائدة ثمارها مئات ، بل آلاف ، من الكتب القيّمة والموسوعات الفقهيّة والحديثية قد أنتجتها أيدي هؤلاء الفقهاء الكرام .

ومن هؤلاء الكرام سماحة آية اللّه العظمى السيّد عبد الأعلى السبزواري ، فقد كان فقيه الفلاسفة وفيلسوف الفقهاء ، ومفسّراً متضلعاً لكتاب اللّه تعالى، وهو إن اشتهر بالفقه حتّى صارت إليه المرجعيّة العامّة للشيعة بعد السيّد المحقّق آية اللّه العظمى الخوئي (رحمة اللّه عليه ) ، لكنّ جامعيّته في مختلف العلوم الإسلاميّة بحيث لا يدانيه واحد من أقرانه من العلماء العظام في هذه القرون ،جعلته في مصافّ العلّامة الحلّي، والشيخ البهائي ، والنراقي ، والفيض الكاشاني.

ص: 7


1- أصول الكافي : 1 : 35.

ومع الأسف الشديد لم توضّح الجوانب اللامعة والخفية من هذه الشخصية العظيمة ، مع أنّ آثاره العلمية في العلوم العقلية والنقليّة كثيرة قد تبلغ مائة مجلّد ، ومع اشتمالها على إبداعات وآراء لم نسمع بمثلها ، لكنّ حجاب المعاصرة وحجاب التواضع والتحرّز عن الرسوم ووسائل الإعلام أوجبا اختفاء شخصيّته عن كثير من العلماء ، وقهراً الحرمان من معارفه وعلومه الزاخرة. وكان حريّاً بأن يكتب عشرات من الرسائل الجامعيّة والكتب العلميّة حول آرائه وأفكاره ، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه .

والآن فى ذكرى مائة سنة لولادة هذا العالم المثقّف ،العارف ،المفسّر الأخلاقي ،المتكلّم ،الفيلسوف ،المحدّث ، الفقيه ، الأصولي ، و باهتمام جمع من أفاضل علماء سبزوار يقام مؤتمر تمهيدي للمؤتمر اللائق بشأن هذا الفقيه المعظّم . ولا شكّ أنّ هذا بداية لطريق صعبة ودون الوصول إلى غايتها القصوى-وهو إحياء جميع آثار آية اللّه السبزواري- أعباء كثيرة لعلّ اللّه تعالى يوفق لانجاز ذلك المشروع .

ويلزم هنا أن نتقدم بالشكر أولاً للّه تبارك وتعالى على إنجاز هذا المؤتمر التمهيدي ، ونشكر جميع العلماء المساهمين في هذه الخدمة ، ولا سيّما سماحة الأستاذ حجّة الإسلام والمسلمين الطبسي مؤلّف هذا الأثر القيم .

والحمد للّه ربّ العالمين

أحمد العابدي

ص: 8

الأهداء

إلى صاحب الرسالة الإلهية

والمُرْسَل لإنقاد البشرية

والمفسّر الأوّل للقرآن الكريم

حبيب اللّه أحمد ورسول اللّه

مُحَمَّد(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)

أهدى هذا الكتاب

سيّدى تفضّل علَىَّ بالقبول

عبدك الراجي شفاعتك

ابن الرضا محمّد الجواد

ص: 9

ص: 10

کلمة المولّف

بِسْمِ ٱللَّٰهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

الحمد اللّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين

وبعد:إنّ أفضل العلوم وأشرفها ما كانت آية محكمة أو فريضة عادلة كما أشار النبي الكريم(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)،والآية المحكمة هي العلوم الإلهيّة والقرآنية التي جاء بها الرسول الأعظم(صلی اللّه علیه و آله وسلّم)من قِبل اللّه جلّ وعلا . فمن أبرز مصاديق هذه الآية المحكمة تفسير اللّه العزيز وما أنزل اللّه على نبيّه من الذكر الحكيم والقرآن المجيد الذي تولّاه كثير من رجال العلم والمعرفة من صدر الإسلام إلى عصرنا هذا .

فلا شكّ أنّ هذا الشرف الإلهي الذي تشرف به بعض المسلمين هو مصداق من مصاديق التاسّي بالنبيّ الكريم والعترة الطاهرة ، حيث أنّهم أوّل مَن فسّر القرآن وبيّن محكمه ومتشابهه ، وشرح ظاهره وأوّل باطنه، ومراده ومعانيه.

وممّن تشرف بهذا التشرّف وتزيّن بهذه الزينة المجتهد الأكبر السیّد عبد الأعلى السبزواري(رحمة اللّه)حيث قدّم أروع تفسير وأتقنها إلى روّاد العلم والفضيلة ، بل إلى جميع المسلمين مستلهماً من ذلك العين الصافية وسمّاه ب« مواهب الرحمن في تفسير القرآن».

ص: 11

وإنّي لمّا تأمّلت في هذا السفر الجليل أعجبني ذلك من عدّة جهات :

منها : إنّه(رحمة اللّه)لم يكتف بتفسير الآيات فقط ، بل أشار بعد تفسيره للآيات إلى بحوث في المقام بقوله : بحث دلالي ، بحث أدبي ، بحث قرآني ، بحث فلسفي ، بحث روائي ، بحث فقهي ، بحث كلامي ، بحث عرفاني ، بحث علمي ، بحث أخلاقي ... وبسط القول في هذه البحوث ما ناسب الآيات في المقام ، فإن دلّ هذه البحوث على شيء دلّ على سعة علمه وتبحّره في العلوم الإسلاميّة .

ومنها : أنه (رحمة اللّه)أشار في بحوثه الفقهية في ذيل الآيات إلى خمسة وعشرين قاعدة فقهيّة ، وقد بسط القول والكلام في كلّ هذه القواعد،وأشار أيضاً إلى أكثر من مائة حكم فقهي مستدلاً على هذه الأحكام بالآيات والروايات والإجماع والعقل.

ومنها:أنّه استند في بحوثه الفقهيّة إلى مائة وثمانين رواية من الروايات الفقهيّة .

ومنها:أنّه استند في بحوثه الفقهيّة إلى روايات العامّة ، وأشار إلى كتبهم ، كسنن أبي داود، وصحيح مسلم والدارقطني ، والترمذي ، والدرّ المنثور،وصحيح البخاري،وابن حبّان ،وابن ماجة ،والمصنف لعبد الرزّاق،وسنن النسائي ، والديلمي ، والبيهقي ، وأحمد ، والقرطبي ، وغير ذلك.

وقد جمعنا كلّ ما ورد في هذا التفسير القيم من البحوث الفقهيّة تحت عنوانين وبابين ، الباب الأوّل في القواعد الموجودة في هذا التفسير ، والباب الثاني في الأحكام الفقهيّة والاستدلالية ، وجمعنا كلّ هذه البحوث بحسب الكتب الفقهيّة ومواضيع فقهيّة أخرى ، وأضفنا

ص: 12

إليها المصادر التي لم يشير إليها المؤلف(رحمة اللّه)، وذلك تلبية لطلب أصحاب السماحة في المؤتمر وتقديراً للسيّد الفقيه السبزواري على تأليف مواهب الرحمن الذي هو في الحقيقة من أحسن التفاسير المكتوبة والموجودة في المكتبة العربيّة.

وفي الختام أسأل اللّه تعالى الرحمة والرضوان لمفسّرنا الكبير ، والعفو والمغفرة لعبده الذليل ، إنّه خير معين .

محمّد جواد المروّجي الطبسي

قم المقدّسة

الحوزة العلميّة

10 صفر الخير 1431

ص: 13

ص: 14

الباب الأول القواعد الفقهيّة في تفسير المواهب

القاعدة الأولى : تفضيل الذكر على الاُنثى

ص: 15

ص: 16

أشار المؤلّف(رحمة اللّه)في تفسيره ضمن بحوثه في المقام في بحثه الفقهي إلى أكثر من عشرين قاعدة فقهيّة ، وبسط الكلام في بعضها ، وأوجز في الآخر منها .

فالقواعد التي تعرّض إليها :

قاعدة تفضيل الذكر على الأنثى .

قاعدة تقريب الأقرب وتقديمه.

قاعدة الحجب ، قاعدة حرمة الإعانة على الإثم.

قاعدة نفى السبيل على المؤمنين .

قاعدة كل رياء حرام ويوجب بطلان العبادة .

قاعدة عدم جواز اتّخاذ المؤمنين الكافرين أولياء .

قاعدة الإسلام يجبّ عمّا قبله.

قاعدة الوفاء بالعقود.

قاعدة كلّ ما في الأنعام يحلّ أكله بعد التذكية .

قاعدة لا تحلّ تروك الإحرام إلا بالإحلال منه.

قاعدة كلّ صيد حلال إلا ما خرج بالدليل .

قاعدة عدم جواز هتك حرمات شعائر الدين.

قاعدة عدم جواز الإعتداء على الأشخاص الذين ينقضون عهد اللّه .

ص: 17

قاعدة حرمة الإعانة على الإثم وحسن الإعانة على الخير.

قاعدة حرمة أكل الميتة إلّا ما خرج بالدليل.

قاعدة حرمة كلّ دم يحرم شربه إلّا ما خرج بالدليل.

قاعدة كلّ حيوان قابل للتذكية.

قاعدة حلية الطيبات.

قاعدة كلّ صيد قتله جوارح الطير والسباع يحرم أكله .

قاعدة الطعام كلّه حلال إلّا ما خرج.

قاعدة كلّ أيّم يجوز نكاحها إلّا ما خرج.

قاعدة شرطيّة الطهارة للصلاة .

قاعدة كلّ شرط ورد في الكتاب واقعي .

قاعدة إتيان المكلف العمل العبادي مباشرة مع تمكّنه.

قاعدة نفي الحرج.

ص: 18

قال(رحمة اللّه) في ذيل قوله تعالى:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ )(1)

«يستفاد من الآيات المتقدّمة التي فرض اللّه تعالى فيها السهام بضميمة الآيات الأخرى الواردة في الإرث منها الآية التي تقدّم تفسيره(لِلْرِجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلْنِسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (2)، والآية التى فى آخر هذه السورة وغيرها أحكام مهمّة تعتبر كلّيّات باب الفرائض والمواريث، وقد اعتمد عليها الفقهاء في كتبهم الفقهيّة ، ونحن نذكر المهم منها ضمن مسائل.

المسألة الأولى : قاعدة تفضيل الذكر على الأنثى التي هي من القواعد في الفرائض والإرث ، والأصل فيها قوله تعالى:(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، فإنّها تقتضي تقسيم التركة إذا اجتمع الذكور والإناث من الورثة ، ولم يكن لواحد فرض على تفضيل الذكر على الأنثى في النصيب.

وإذا تأملنا في الفرائض التي فرضها الله تعالى في الإرث للرجال والنساء نرى

ص: 19


1- النساء 11:4 .
2- النساء7:4.

أنّ سهم النساء ينقص عن سهم الرجال مطلقاً ، إلّا في مورد واحد ، وهو الأبوان إذا اجتمعا فإنّ سهم الأمّ قد يزيد على سهم الأب ، كما إذا اجتمع الأب والأمّ والبنت الواحدة ، فإنّ للبنت الواحدة النصف وللأب وللأمّ السدسان والباقي يرد على البنت والأمّ دون الأب، فيزيد سهم الأمّ على الأب حينئذٍ .

ولعلّ الوجه في ذلك أنّ الأمّ أمسّ رحماً للولد من الأرب ، لما تتحمّله من المصاعب وتقاسى من الهموم في سبيل تربيته وحضانته،فلها المنزلة العظمى فی الإسلام،وفي غير هذا المورد يكون نصيب المرأة أقلّ من نصيب الرجل،فالزوج له النصف مع عدم الولد للزوجة والربع مع وجوده.

أمّا الزوجة فلها الربع مع عدم وجود الولد للزوج ، والثمن لها مع وجوده ونحو ذلك. وأمّا وجه الحكمة في كون سهم الرجل ضعف سهم الأنثى في الجملة ، فإنّه يبتني على أمرين :

أحدهما: اجتماعي اقتصادي.

والآخر: يرجع إلى الخلق التكويني ، ويسير إلى كلا الأمرين قوله تعالى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِن أَمْوَالِهِمْ)(1)،فإنّ المراد من الفضل الوارد فيها هو تعقّل الرجل واستيلاء روح التعقّل بحسب الطبع والتكوين عليهم ، وما يمتاز به الرجل من زيادة البأس الصلابة والشدّة والغلظة والخشونة ، فإنّ جميع ذلك أمور يتطلبها المجتمع الإنساني في مواطن الدفاع والأعمال الشاقة، وفي تحمّل الشدائد والمحن والثبات في الأهوال ، ونحو ذلك مما هو ضروري في الحياة ، فالرجال على الأكثر يقومون بهذه الشؤون.

ص: 20


1- النساء 34:4.

وأمّا المرأة فهي متّصفة بالإحساسات والعواطف التي لا غنى للمجتمع عنها ، فإنّ لها أثاراً عجيبة في الإنسان لما يتطلّبه من الوداعة في العيش ، والسكن ، والمحبّة ، والأنس ، والرحمة ، والرأفة . مضافاً إلى تحمّل المرأة أثقال الحمل ، والوضع ، والحضانة ، وخدمة البيت، ولا يصلح لهذا الجانب إلّا الرحمة والرأفة والإحساس اللطيف والعاطفة الرقيقة، فالرجل والمرأة يتبادلان هذين الأمرين الضروريّين وتتعادل بهما الحياة وتنتظم شؤونها فإنّها تتقوّم بهما .

وأمّا الوضع الاجتماعي ، فإنّ وضع الرجل الاجتماعي يقتضي إدارة المعاش ، والسعي فيهما ، ويجب عليه الإنفاق غالباً ، وذلك يتطلّب التدبير المالي في الانتاج والاسترباح ، فهذا إلى روح التعقّل أنسب ، إذ لا فائدة للإحساس والعواطف التي هي إلى روح التصرّف والمصرف أنسب ، ولذا كانت المرأة أكثر من الرجل ، فكانا متعاكسين في الملك والصرف ، فإذا ملك الرجل الثلثين فإنّ المرأة تذهب بنصف هذين الثلثين ، بينما تملك المرأة الثلث ، ولكنّها تملك زمام ملكه ومصرفه يستفاد ما ذكرناه من عدّة آيات- كما مرّ- وروايات .

منها:ما رواه هشام: أنّ ابن أبي العوجاء قال لمحمّد بن النعمان الأحول:ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد ، وللرجل القويّ الموسر سهمان ؟

قال: فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه(علیه السلام)، فقال : إنّ المرأة ليس عليها عاقلة ، وليس عليها نفقة ولا جهاد - وعدّد أشياء غير هذا - وهذا على الرجل ، فلذلك جعل له سهمان ولها سهم.(1)

وفي مضمونها وردت روايات أخرى»(2)

ص: 21


1- بحار الأنوار: 101 : 327.
2- مواهب الرحمان: 10 : 58.

القاعدة الثانية : تقريب الأقرب وتقديمه

المسألة الثانية : قاعدة تقريب الأقرب وتقديمه ، وأن القريب يمنع البعيد. ويدلّ عليها قوله تعالى:(آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً)(1)، فإنّه اعتبر الأقربية إلى الميت أمراً مفروغاً عنه ، ولكن الإنسان يجهل خصوصيات الأقربية ، وبضميمة الآيات الأخرى يتبيّن الأقرب والأبعد اللذان يكونان مؤثرين في زيادة السهم وقلّته .

ويدلّ على أنّ الأقرب نسباً يمنع الأبعد قوله تعالى: ﴿وأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ).(2)

فمن الآيات المتقّدمة يستفاد : أنّ أقرب الأقارب والأرحام هو الأب والأم والابن والبنت ، ومع وجودهما لا تصل النوبة إلى أولادهما ، لأن الابن والبنت يتّصلان بالميّت بدون واسطة وأولادهما يتّصلون به بواسطتهما.

ثمّ بعد هذه الطبقة تأتى الطبقة الثانية وهو اخوة الميّت وأخواته وأجداده ،فإنّهم يتّصلون بالميّت بواسطة آبائهم وأمهاتهم وهم يمنعون الأولاد.

ثمّ تأتي الطبقة الثالثة وهم أعمام الميت وعمّاته وخالاته وأخواله ، فإنّهم

ص: 22


1- النساء 4: 11.
2- الأنفال 75:8.

يتّصلون بالميّت بواسطتين : الجدودة والأبوين والأمّ ، وهكذا القياس في جميع الأفراد .

ومن ذلك يظهر أنّ ذا السببين مقدّم على ذي السبب الواحد، فإذا اجتمع الأبوين مع كلالة الأب ، فإنّ الأوّل مقدّم على الثاني ، وأما كلالة الأمّ فلا يزاحمها أحد من كلالة الأبوين أو الأب لأدلّة خاصّة».(1)

ص: 23


1- مواهب الرحمان 10 : 58.

القاعدة الثالثة : الحجب

«المسألة الثالثة: قاعدة الحجب ، ويستفاد تلك القاعدة من الآية المباركة المتقدّمة والسنّة الشريفة ، فإنّ بعض الأفراد يحجب صاحب السهم عن سهمه ، وهذا على نحوين: فإنّه تارة يحجبه عن سهم إلى سهم آخر كحجب الاخوة لنصيب الأمّ من الثلث إلى السدس ، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿فَلأُمِّهِ الثَّلْتُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ)(1)، وفي حجب الاخوة شروط في كتب الفقه .

ومنها : أن يكون الاخوة متعدّدين ، سواء كانوا ذكرين أو أخاً واختين أو أربع أخوات ، ويدلّ عليه ظاهر الآية الشريفة وبعض الأخبار والإجماع المحقّق.

ومنها : أن يكونوا للأب والأمّ ، أو للأب ، ويدلّ عليه الأخبار -كما عرفت - والإجماع أيضاً.

ومنها : أن يكون الأب حيّاً.

وغير ذلك من الشروط المذكورة في الفقه.

وأخرى يكون الحجب من سهم معيّن ولكن لا ينتقل إلى سهم آخر ، مثل حجب الابن والبنت لسهم الأب والأمّ .

المسألة الرابعة : التركة إذا قيست مع السهام، فتارة تكون مساوية للسهام،

ص: 24


1- النساء 11:4 .

مثل بنتان وأب وأمّ ، فإنّ للبنتين الثلثين وللأب السدس وللامّ السدس ، فاستغرقت السهام التركة والمال الموروث أو زوج وأخت ، فإن للأخت الواحدة النصف وللزوج النصف أيضاً.

وأخرى تكون السهام أكثر من التركة، مثل زوج وأختين أو أخوات،فإنّ للزوج النصف وللأخوات الثلثين ، وكما إذا اجتمع أبوان وبنتان وزوج ، فإنّ السهام سدسان وثلثان وربع ، وهي تزيد على التركة بربع ، إذ هي لا تزيد عن السدسين الثلثين.

وثالثة تكون السهام أنقص من التركة، كما إذا اجتمع أب وبنت واحدة ، فإنّ للأب السدس وللبنت الواحدة النصف، وهى تنقص التركة بمقدار السدسين، وكما إذا كان بنتاً فقط أو بنتين فقط أو أختين فقط.

والصورة الثانية تسمّى في اصطلاح الفقهاء بالعول، والصورة الثالثة تسمّى بالتعصيب ، وفيهما النزاع المعروف بين الإماميّة والجمهور، فإنّهم حكموا بورود النقص في مسألة العول على جميع الورثة ، كما حكموا في مسألة التعصيب بأنّ الزائد يرد على عصبة الميّت-وهم أقاربه من الذكور فقط - فحرموا الإناث معه .

ولكنّ الإماميّة شدّدوا النكير على ذلك تبعاً لما ورد من أئمة أهل البيت،واعتبروا ذلك خروجاًعن حدود اللّه تعالى وتعدَّ عليها.

ويستفاد من تشديد النكير في آخر الآيات المتقدّمة على التعدّي عن حدوده سبحانه والاقتران بين عصيان اللّه والرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلّم)، والتعدّي عن حدود الباري عزّوجلّ ، أنّ ذلك خروج عمّا فرضه اللّه تعالى ، ولعلّ ما ورد في السنّة الشريفة من إنكار العول والتعصيب مأخوذ من الآيات المتقدّمة.

وكيف كان فإنّ أئمة الهدى(علیه السلام)حكموا في مسألة العول أنّ النقص يدخل على

ص: 25

خصوص الذين لم يعيّن لهم إلّا سهم واحد وهم البنات والأخوات دون غيرهم،كالأم ّوالزوج الذين عيّن لهم اللّه تعالى فرائضهما الأعلى والأدنى في جميع الفروض،وفي مسألة التعصيب يكون الزائد للجميع حسب نسبة السهام والتفصيل يطلب من محلّه ، وتقدّم في البحث الروائي ما يتعلق بذلك أيضاً.

المسألة الخامسة : ظاهر إطلاق الآية الشريفة في الأولاد وغيرهم أنّ الأولاد يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين ، ويرث كلّ واحد منهم نصيب من يتقرب به كما تقدّم في البحث الدلالي،ويدلّ عليه أخبار كثيرة والإجماع المحقّق. المسألة السادسة : إطلاق الأزواج في قوله: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَم يَكُن لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرَّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)(1)يشمل المعقود عليها وإن لم يحصل المقاربة والدخول ، فترته ويرثها كما يتناول المطلّقة طلاقاً رجعيّاً ، لأنّها بحكم الزوجة ما دامت في العدّة ، وبعد العدّة إلى سنة يقع فيها الوفاة.

ويدلّ على ذلك الإجماع والأخبار المستفيضة ، إلّا أنّه استثنى من القسم الأوّل ما إذا تزوّج المريض زوجة فلم يدخل بها حتّى مات في مرضه الذي تزوّج بها ، ويدلّ على ذلك الأخبار والإجماع.

كما أنّ ظاهر إطلاق الآية الشريفة (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَمْ يَكُن لَكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكتُم)(2) إرث الزوجة من جميع التركة من العقار والبناء ونحو ذلك ، فلا تحرم من شيء منها ، ولكنّ الروايات المستفيضة

ص: 26


1- النساء12:4.
2- النساء12:4.

والإجماع المحقّق يدلّان على حرمانها من بعض الأشياء ، واختلف الفقهاء في تعيين ذلك تبعاً لاختلاف الأخبار ، والمتّفق بينهم أنّها تحرم من العقار بلا إشكال ، كما فصّلناه في الفقه .

المسألة السابعة : ظاهر قوله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةٌ أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)(1)أنّ الاخوة والأخوات لا يرثون مع الوالدين والأولاد ، ولا مع واحد منهم لما ذكرناه من أنّ طبقة الاخوة والأخوات بعد طبقة الوالدين والأولاد ، فإذا وجد واحد من الطبقة الأولى لا ترث الطبقة الثانية وهو متّفق عليه عند الإمامية ،ولكنّ الجمهور يورّثون الاخوة مع الأمّ ، وتعرّضنا لذلك في الفقه،فراجع مهذّب الأحكام »(2).

ص: 27


1- النساء 12:4 .
2- مواهب الرحمان 10: 58.

القاعدة الرابعة : حرمة الاعانة علی الاثم

قال(رحمة اللّه): تستفاد من الآيات المباركة بضميمة السنّة الشريفة الشارحة لها القواعد الفقهيّة التالية :

الاُولى : قاعدة حرمة الإعانة على الإثم للنهي الوارد في قوله تعالى:(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذا مِثْلُهُمْ)(1)،فإنّ الكفر والاستهزاء بآياته عزّ وجلّ من مصاديق الإثم والظلم ، فيشمل غيرهما ممّا هو منهیّ عنه ويكون إثماً.

والنهي عن القعود معهم يشمل عدم إعانتهم بالأولويّة ، أو المراد بذلك بالمنطوق ، كما عن بعض المفسّرين، ويدلّ على ذلك أيضاً قوله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )(2)، كما دلّت روايات كثيرة ذكرناها في المكاسب المحرّمة من كتاب مهذّب الأحكام.

وقد خصّصت القاعدة بموارد كالاضطرار، والتقيّة لحفظ النفس ، التي هي من باب تقديم الأهمّ على غيره ، وهدايتهم إلى الحقّ ، وغير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.

وفي قوله تعالى: (ِنَّكُمْ إِذا مِثْلُهُمْ ) دلالة واضحة على وجوب النهي عن

ص: 28


1- النساء 4: 140.
2- المائدة 2:5.

المنكر إن توفّرت شروطه من القدرة وزوال العذر والتأثير، وإلّا فإنّ من رضى بمنكر رآه وخالط أهله كان شريكهم في الإثم وإنّ لم يفعل ، وأنّ ترك المنكر مع القدرة على رفعه و توفّر سائر شروطه ذنب عظيم وخطيئة كبيرة .

وقيل : يستفاد من الآية المباركة أنّه يجوز مجالستهم في غير ما ذكر في الآية الشريفة من الاستهزاء والخوض في آيات اللّه تعالى كما لو خاضوا في حديث غيره ، لأنّ (حَتَّى) غاية للتحريم.

لكنّ الأخبار الواردة في المقام تدلّ على وجوب الإعراض عن الكفّار المستهزئين ، وتحريم الميل إليهم، ففي معتبرة عمر بن يزيد،عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)،قال:«لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم»(1)،ومثلها غيرها.

وإنّما اقتصر عزّ وجلّ في قوله تعالى:(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(2)على النهي عن القعود ، وذكر في هذه الآية الكريمة في هذه السورة(إِنَّكُمْ إِذا مِثْلُهُمْ ) لأنّ سورة الأنعام مكيّة ، وإنّما كان المسلمون في مكة عاجزين عن الإنكار ، فكان تركهم له لعجزهم .

وأمّا الآية التي في سورة النساء فقد نزلت والمسلمون يقدرون على الإنكار ، فإذا لم ينكروا مع قدرتهم عليه يكون ذلك كاشفاً عن رضى منهم فيصيرون مثلهم في الإثم أو الكفر ، لأنّ الرضا بالكفر كفر»(3).

ص: 29


1- الكافي : 2: 375.
2- الأنعام 6: 68 .
3- مواهب الرحمان : 10: 58 .

القاعدة الخامسة : نفى السبيل على المؤمنين

«الثانية:قاعدة نفي السبيل على المؤمنين المستندة لقوله تعالى:وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(1) وللأخبار الكثيرة المذكورة في أبواب متفرّقة من الفقه.

ويمكن أن يقال : إنّ هذه القاعدة فطرية ، وإن الآية المباركة والسنّة الشريفة من باب الإرشاد؛ لأنّ إكمال الدين بقوله تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً)(2)ورضاؤه تعالى به ختم النبوّة به يقتضي أن يكون متفوقاً أو ممتازاً في جميع جهاته على غيره ممّا يوجب البعد عنه تعالى،وإلّا يستلزم الخلف وتعلّق رضائه بالناقص ، لأنّ الإيمان الذي يكون للكافر عليه سبيل لم يكن على حدّ الكمال فكيف يتعلّق رضاؤه به ؟

مع أنّ الأديان السابقة كلّها تكون مقدّمة لهذا الدين ، فيستلزم عقلاً أن يكون لهذا الدين تفوّقاً كاملاً عليهم ، وأن العمدة في التفوق الحجّة ، بل هي الأصل وغيرها لا يكون تفوّقاً كما مرّ في التفسير.

ومن هنا كانت القاعدة غير قابلة للتخصيص لما عرفت أنها عقليّة ، هذا إن

ص: 30


1- النساء 4: 141 .
2- المائدة 3:5.

فسّرنا السبيل بالحجّة كما تقدّم في البحث الروائي .

وأمّا إن فسّرناه بمطلق السلطة والاستيلاء كما عن بعض الفقهاء حيث تمسّكوا بها في كتاب العتق في مسألة (ما لو أسلم العبد وكان مولاه كافراً )،وكذا(لو أسلمت الزوجة دون الزوج)،وفي الخيار عند ردّ المشتري العبد المسلم بالخيار إلى البائع الكافر فيرجع إلى البدل، فحينئذ تخرج عند كونه عقلية و تختصّ بموارد خاصّة.

ولكنّ سياق الآية المباركة يأبى عن ذلك، وأنّ المراد من نفي السبيل في نفي الحجّة .

ويمكن أن يكون المراد من الأعمّ إن صحّ الجامع بينهما ، وبقيّة الكلام موكول إلى الفقه »(1)

ص: 31


1- مواهب الرحمان 10 : 58.

القاعدة السادسة : كلّ رياء حرام ويوجب بطلان العبادة

«الثالثة : قاعدة كلّ رياء حرام ويوجب بطلان العبادة ، والدليل عليها الآية الشريفة :(الوَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ)(1)، أي مع أنهم كسالى في إقامة الصلاة يراؤن الناس ، فلا تكون العبادة له عزّ وجلّ، وقد أوعد على المرائي الويل في سورة الماعون أيضاً.

وتدلّ على ذلك الروايات المستفيضة الصادرة عن المعصومين(علیه السلام) الدالة على الحرمة ، لأنه نحو خديعة مع اللّه تعالى، ولذا عدّ سبحانه وتعالى من صفات المنافقين كما تقدّم.

وأما في غيرها مما لا يتوقف على قصد القربة ، فهو لا يوجب البطلان وإن وجب نفي الثواب ، والمؤمن يبتعد عنه دائماً لئلا يقع في شرك الشيطان.

والرياء مبغوض عنده تعالى ، ولم يترتّب على أي ثواب إلّا في الخمر ،

ففي الحديث : « مَن ترك الخمر لا اللّه أثابه اللّه»(2)

ص: 32


1- النساء142:4.
2- لم أجد الحديث بهذا اللفظ ، والموجود في بحار الأنوار وغيره : « يا علیّ ، مَن ترك الخمر لغير اللّه سقاه اللّه من الرحيق المختوم». بحار الأنوار: 76 : 650 .

ولعلّ ذلك من أجل مبغوضيّة الخمر،وشدّة كراهته تعالى له،أو بطروّ عناوين أخرى يوجب الثواب ، واللّه العالم»(1)

ص: 33


1- مواهب الرحمان 10 : 58.

القاعدة السابعة :عدم جواز اتّخاذ المؤمنين الكافرين أولياء

«الرابعة : قاعدة عدم جواز اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ، والمراد منها عدم متابعة المؤمنين الكافرين ونصرتهم في عقائدهم أو في أعمالهم التي تستلزم ترويج عقائدهم الفاسدة من بنها في المجتمع أو تقويتها أو الدفاع عنها .

وأمّا الميل القلبي إلى أعمالهم، أو تعلم كمالاتهم الدنيويّة دون عقائدهم إن لم تترتّب عليه مفسدة فلا محذور فيه ، وكيف كان فقد استدلوا على القاعدة المتقدمة بالأدلة الأربعة.

فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)(1)، وغيره من الآيات المباركة.

ومن السنّة روايات كثيرة ، منها الحديث المشهور المعروف عن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه وآله وسلّم):«الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(2)، وغيره ممّا ورد في الأبواب المتفرّقة فى كتب الفقه .

وضرورة الدين أيضاً تقتضي ذلك فضلاً عن الإجماع.

وأمّا العقل، فحكمة النبي بالفساد في متابعة عقائدهم ونصرتها ، وأنّ ذلك

ص: 34


1- النساء144:4.
2- مستدرك الوسائل : 17: 143 .

يوجب خسران الدنيا والآخرة ، ولا فرق في الفساد الذي يكون موجباً لشمول القاعدة ، بين أن يكون في الحال أو في المستقبل من الزمان ، فلو حصل للمؤمن الاطمئنان بأنّ متابعة الكافر تستلزم انقلاب عقيدته وفساد أخلاقه بتزلزل إيمانه في المستقبل يحرم عليه المتابعة .

وهذه القاعدة عقلية كشف عنها الشارع امتناناً ، إذ العقل يحكم بالبعد عن ما يضرّ بالعقيدة ويوجب فسادها كما هو واضح ، وتطبيق القاعدة على مواردها موكول إلى الفقه»(1).

ص: 35


1- مواهب الرحمان : 10: 58.

القاعدة الثامنة :قاعدة الإسلام يجب عما قبله

«الخامسة : قاعدة الإسلام يجبّ ما قبله ، وكيفية استظهارها من الآية الشريفة تقدّمت في البحث الدلالي(1)، فلاوجه للإعادة .

وعن بعض المفسّرين أنّه استشهد بقوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً)(2)للقاعدة المعروفة في القضاء من أصحاب الكبائر يعقلون في الثالثة أو الرابعة ولكن الاستشهاد بها في غير محلّه ، لعدم انطباقها على القاعدة ، وأنّ سياقها في أصول الدين والعقيدة والقاعدة أعمّ ، ولا بدّ في مورد القاعدة التمثّل بالحدّ في مرتكب الكبيرة كما هو مصبّها ، والآية الكريمة لا تدلّ على ذلك أصلاً، فإنّ محو الكفر يتحقق بالتوبة أيضاً ، أنّ القتل في القاعدة يوجب محو الذنب والغفران ، والآية المباركة تدلّ على عدم الغفران.

فالعمدة في القاعدة المذكورة الروايات الدالّة على القتل في الرابعة كما هو المشهور ، وأنّ ما ذكر لا يقع مورد القبول ، واللّه العالم .

عن ابن عبّاس ، قال :«يكره للمؤمن من أن يقول : إنّي كسلان للآية الشريفة التي هي في مقام الذمّ ، ولا بأس بقوله لقاعدة التسامح في أدلة السنن»(3).

ص: 36


1- مستدرك الوسائل : 10 : 64.
2- النساء 4: 141.
3- مواهب الرحمان: 10 : 85.

قواعد فقهيّة من آيات الوفاء

قال:«تدلّ الآيات المباركة على قواعد فقهيّة متينة ترتبط بالحياة الفرديّة والاجتماعيّة ، قد كثر الابتلاء بها وتمسّك الفقهاء بها في أكثر أبواب الفقه ، خصوصاً في المعاملات:

القاعدة التاسعة : قاعدة الوفاء بالعقود

«الأولى : قاعدة الوفاء بالعقود مطلقاً إلّا ما أخرجه الدليل ، وهي قاعدة قيّمة وركيزة في التجارات ، وعبّروا عنها بأصالة اللزوم في العقود ، إلّا إذا دلّ دليل على الخلاف ، ولا جدوى في اختلاف التعبير هنا ، ومعنى القاعدة أنّ كلّ عقد جامع للشروط المعتبرة في العقد والعاقد والعوضين - لو تحقّق في الخارج يكون ثابتاً ودائماً لا يجوز حلّه مطلقاً إلّا بسلطة الشرع كما في مورد الخيارات أو برضاء الطرفين الجامعين للشرائط الشرعيّة كما في مورد الإقالة.

بل يمكن أن يقال: إنّ كلّ إنشاء جامع للشرائط - عقداً كان أو إيقاعاً ، حتّى لو كان مبايعة مع أوليائه تعالى - يجب الالتزام بمضمونه مطلقاً ، ولا يجوز نقضه اختياراً ، إلّا إذا ورد ترخيص من الشرع في ذلك ، وما ورد في الآية الكريمة من العقود إنّما هو من باب ذكر الغالب لا التقييد ، فتأمّل .

ولا فرق في العقد بين أن يكون خلقياً كأغلب العقود ، مثل البيع والإجارة

ص: 37

وغيرهما ، أو خالقيّاً ، كالنذور والصدقات ، أو مشوباً به كالنكاح ، وكذا في الإيقاعات كالطلاق والعتق .

واستدلّ للقاعدة بالأدلّة الأربعة، فمن الكتاب آيات:

منها : قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1)، فاللزوم وإن كان حكماً وضعيّاً، ولكنّ منشأ الأمر التشريعي أو التقريري وإطلاقه يشمل كلّ عقد وعهد ، الجامعين للشرائط العقلائية في كلّ زمان ، أي أنّ وجوب الوفاء استمراري في جميع اللحظات الزمانيّة ، كما يشمل كلّ عاقد وأي نوع من أنواع الثمن أو المثمن.

ومنها : قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ) (2)، وعهد اللّه هو ما شرّعه تعالى - عقداً كان أو إيقاعاً منوطاً بقصد القربة كالعبادات أو لم يكن كذلك كالمعالات - وهو في مقابل عهد الشيطان، أي العهود التي فيها مفسدة كشف الشارع عنها بنهيه ، فكلّ عهد صدر من الخلق هو من عهد اللّه تعالى ما لم يرد فيه نهي منه سبحانه ، إذ أنّ التشريعيات كالتكوينيات ترجع إليه جلّ شأنه، وقد خصّصت الآية المباركة بموارد بيّنتها السنّة الشريفة.

ومنها : قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (3)الذي هو في مقام الإنشاء والتشريع بقرينة قوله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ )(4)، وذكر النذر ليس من باب التخصيص والتقييد ، وإنّما هو من باب ذكر أحد الأفراد للعقد بقرينة ما تقدّم.

و من السنّة روايات كثيرة :

ص: 38


1- المائدة 1:5.
2- النحل91:16.
3- الإنسان 7:76.
4- الحج 22 : 29.

منها:قوله(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«البيعان بالخيار ما لم يفترقا»(1)،فيستفاد منه أنّ الخيار حكم عارضي للعقد محدّد بزمان خاصّ،وإلّا فإنّ من ذات العقد اللزوم،ولولا ذلك لم يكن معنى لجعل الخيار إلّا بنوع من التجوّز،وهو خلاف الظاهر ،كما ذكرنا في كتابنا مهذّب الأحكام ما يتعلّق بذلك.

ومنها:قوله(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«الناس مسلطون على أموالهم»(2)،فبعد انتقال السلطنة:بالعقد،حلّها أو هدمها ، لا يجوز إلّا برضاء الطرفين، وقد استفيدت من هذه الرواية قاعدة اُخرى ، وقد عبّر عنها بقاعدة السلطنة وهي تدعم قاعدة الوفاء بالعقود ، وسيأتي البحث عن مقدار دلالتها في المورد المناسب إن شاء اللّه تعالى .

ومنها:قوله:« لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه»(3)،فجعل المناط فی الحلّيّة طيب النفس ، وليس هذا إلّا اللزوم ، فحلّ العقد من طرف واحد لا يتحقّق فيه طيب النفس فلا يحلّ المال .

وهناك روايات اُخرى ذكرت في المفصّلات ، فمن شاء فليرجع إليها .

ومن الإجماع :ما ادّعاه غير واحد من أساطين الفقهاء ، بل عدّ ذلك من المسلّمات الفقهيّة.

ومن العقل : اتّفاق العقلاء كافّة على قبح نقض العهد أو حلّ العقد من طرف واحد بلا رضا الطرف الآخر ، وعدّ ذلك عندهم غدراً ، وهو مذموم عقلاً وشرعاً .

ففي الحديث عن نبيّنا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به »(4).

ص: 39


1- مسند الإمام الشافعي : 138.
2- بحار الأنوار:272:2.
3- السنن الكبرى:182:2.
4- العدد القوية : 156 .

وهذه القاعدة من القواعد التى لم تنلها يد الخلاف كثيراً لكونها عقلائية قرّرها الشارع المقدّس ، وأن الأدلة الشرعية ترشد إلى ما قرره العقلاء.

وقد خصّصت القاعدة بموارد دلّت عليها الأدلة الشرعية :

الأوّل: الخيارات بأقسامها وأنواعها كخيار المجلس والحيوان ، وخيار العيب والغبن وغيرها ،كما هي مذكورة مفصلة في الكتب الفقهيّة ، ومن شاء فليرجع إلى كتابنا مهذّب الأحكام.

الثاني : العقود المستحدثة إن لم يدخل في أحد العقود التي كانت في عصر الشرع كما في عقد التأمين وغيره ممّا حصل في التجارات الحديثة.

الثالث : عند الشكّ فى اعتبار أمر زائد على الشروط الأوليّة المتّفقة عند العقلاء في العقد المقرّر لدى الشرع .

وبعض الفقهاء قدّس اللّه أسرارهم جعل مورداً رابعاً في المقام وهو الرجوع إليها إن لم يدلّ دليل على الجواز أو الخيار ، لكنّه داخل في القسم الأول لا أن يكون قسيماً له ، فتأمّل.

ولا بدّ من إحراز هيكل العقد عند التمسك بهذه القاعدة ، وإلّا يكون من التمسّك بالعامّ في الفرد المردّد ، فتكون الشبهة مصداقيّة ، وإحراز ذلك لا يكون إلّا بتحققّ الشرائط الرئيسيّة المتّفقة عند العقلاء كرضا الطرفين وتعيين كلّ من الثمن والمثمن .

وهذه القاعدة كما تجري في العقود التمليكيّة كذلك تجري في العقود الإذنيّة ، إلّا أنّ الشارع حكم فيها بالجواز كالوكالة والوديعة ، ولا شكّ أنّ الأدلّة الخاصّة -لفظية كانت أو لبيّة - حاكمة عليها كما ثبت ذلك في علم الأصول.

أو نقول: إنّ الجواز في العقود الإذنية من مقتضيات ذواتها تمسّكاً بقاعدة

ص: 40

السلطنة ، فإنّ الناس يأذنون إن شاءوا بما شاءوا ، فلا يكون الجواز لدليل خاصّ، وأنّ ما ورد يكون إرشاداً لما عرفت.

وعلى أي حال، فإنّ الخروج في العقود الإذنيّة إمّا خروج حكمي أوموضوعي ، فقاعدة اللزوم لا تجري فيها إلّا إذا ورد دليل خاصّ على اللزوم فيها، فتأمّل»(1).

ص: 41


1- مواهب الرحمان :311:10.

القاعدة العاشرة:كل ما في الأنعام يحل أكله بعد التذكية إلّا...

«الثانية : قاعدة كلّيّة تختصّ باللحوم من الأطعمة ، وهي : كلّ ما في الأنعام يحلّ أكله بعد التذكية إلّا ما خرج بالدليل ، ويلحق بالأنعام الحيوانات المحلّلة شرعاً كالظبي والطيور والأسماك ، فتعميم القاعدة تكون من هذه الجهة. واستندت القاعدة على الأدلة الأربعة.

فمن الكتاب آيات كثيرة:

منها : قوله تعالى :(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)(1)، فإطلاقها يشمل جميع أجزاء الحيوان ، إلّا ما أخرجه الدليل أو الاستثناء في الآية الكريمة كما يأتي.

ومنها قوله تعالى:(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(2)، فإنّ الأمر فيها للرخصة لا للوجوب وإطلاقه يشمل القاعدة.

وهناك آيات كريمة أخرى يأتي الاستدلال بها في محالّها.

ومن السنّة الشريفة روايات كثيرة:

منها:معتبرة داود بن فرقد، عن الصادق(علیه السلام): «كلّ شيء لحمه حلال فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو أنفحة كلّ ذلك حلال طيّب»(3).

ص: 42


1- المائدة 5 :1.
2- الأنعام 6: 118.
3- وسائل الشيعة : 25: 86.

وذكر الثلاثة ليست من باب الحصر، وإنّما يكون من باب الغالب ، وأنّها لا تحلّ الحياة كما هو واضح ، وقريب منها غيرها .

وتدلّ على هذه القاعدة قاعدة الحلّيّة في الأشياء أيضاً، وسيأتي في المورد المناسب البحث عنها .

ومن الإجماع:فهو ممّا لا شكّ فيه كما عبّر في كلمات جمع من الفقهاء.

ومن العقل قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إذ بعد إحراز الحلّيّة في المذبوح لا بدّ من الشارع بيان حرمة ما فيه ، وإلا فالتكليف به قبيح.

وكيف كان فهذه القاعدة من المسلّمات الفقهيّة ، وقد خصّصت وخرجت عنها بالدليل في الذبيحة أربعة عشر جزاً كلّها محرّمة على المشهور، وهي: الدم، والغدد ، والطحال ، والقضيب، والأنثيان، والفرث ، والمثانة ، والمرارة ، والمشيمة ، والفرج ، والعلباء ، والنخاع ، وخرزة الدماغ ، والحدقة ، والظاهر أنّ جميعها من الخبائث . هذا فى غير الطيور.

وأمّا فيها تكون خمسة : الرجيع ، والدم ، والطحال، والمرارة ، والبيضتين في بعضها .

ولعلّ تمسّك الإمام (علیه السلام)بإطلاق الآية الشريفة:(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَام ) لحلّيّة الجنين ، وأنّ ذكاته ذكاة أمه، ولأجل التنبيه على هذه القاعدة وإرشادنا لها ، فعن أبي جعفر سلام اللّه عليه : « أنّ المراد بقوله تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ) أجنّة الأنعام التي تؤخذ من بطون أمّهاتها إذا أشعرت ، وقد ذكيت الأمهات وهي حيّة فذكاتها ذكاة أمّها»(1).

ص: 43


1- بحار الأنوار98:61.

وتضمّنت هذه الرواية شروط تذكية الجنين من تذكية الأمّ،فإذا ماتت بلا تذكية ومات الجنين في جوفها حرم أكلها ، وموت الجنين قبل خروجه من بطن الأمّ ، فإذا خرج حيّاً ومات بلا تذكية حرم ، وتمام الخلقة بأن يكون قد أشعر أو أوبر ، فإذا فقد أحد هذه الشروط حرم.

وهذه القاعدة لا تجري في الأجزاء من الحيّ ، لأن قوامها التذكية كما ذكر في عنوانها ، كما أنّها تجري في موارد الشكّ في الأجزاء إن لم يدلّ دليل على الاستثناء، ولم يحرز أنها من الخبائث التي يأتي تفسيرها في الآية المباركة كالكلى وأذني القلب مثلاً، ولا فرق في منشأ الشكّ حينئذٍ ، واللّه العالم»(1).

ص: 44


1- مواهب الرحمان:311:10.

القاعدة الحادية عشر:لا تحلّ تروك الإحرام إلّا بالإحلال منه

«الثالثة : قاعدة كلّيّة مذكورة في كتاب الحجّ ، وهي : لا تحلّ تروك الإحرام إلّا بالإحلال منه.ومواطن الإحلال ثلاثة: التقصير والهدي والطواف ، بلا فرق في الإحرام بين أن يكون للعمرة مطلقاً أو للحجّ،وإن كان الإحلال في الأولى بالتقصير ، وفي الثاني بالحلق على تفصيل مذكور في محلّه،وتدلّ على هذه القاعدة الأدلّة الثلاثة.

أمّا الكتاب فآيات كثيرة مذكورة في سورتي البقرة والحجّ ، ومنها هذه الآية الكريمة :(الأُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلَّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إلى قوله تعالى: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)(1)، أي الأنعام كلّها حلّ إلّا ما كان منها وحشيّاً ، فإنّه صيد ولا يحلّ ذلك للمحرم إذا أحلّ منه .

والصيد من أهمّ تروك الإحرام كالرفث والفسوق والجدال ، ويلحق بها سائر التروك لأجل أدلّة خاصّة.

ومن السنّة روايات كثيرة مذكورة في كتاب الحجّ ، ومن شاء فليرجع إلى كتابنا مهذّب الأحكام.

ومن الإجماع: ما هو مسلّم في أصل القاعدة ويقتضيه الأصل أيضاً فيتمسك

ص: 45


1- المائدة 5 : 1 و 2.

بالقاعدة في بعض الموارد التي نوقش في الأصل . ثمّ إنّه يستفاد من الآيات الشريفة أحكام:

الأوّل : أنّه يحرم على المحرم صيد الحيوان البرّي - طيراً كان أو غيره - وذبحه وأكله وإمساكه وإتلافه لإطلاق الآية الشريفة. وأمّا ذبح الحيوان الأهلي كذبح الدجاج الأهلي أو الغنم كذلك ، فلا يجري عليه حكم الصيد البري ، فيجوز لأنّه ليس بصيد عرفاً ولا شرعاً.

الثاني: يجوز قتل السباع الضاريات، وكلّ حيوان خيف منه ، لأنّه ليس بصيد موضوعاً ، وإنّما يكون لدفع الضرر عن نفسه ، مضافاً إلى أدلّة خاصة دالّة على الجواز. نعم ، لا يجوز مع الأمن عنها كما ذكرناه في كتاب الج عن مهذّب

الأحكام.

الثالث : أنّ الأمر في قوله تعالى:(وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)(1)في قوله تعالى:(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ)(2)للرخصة ورفع الحظر يستفاد منه

العزيمة والتكليف ، أي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل»(3).

ص: 46


1- المائدة 2:5.
2- الجمعة:10:62.
3- مواهب الرحمان : 10 : 311.

القاعدة الثانية عشر:قاعدة كلّ صيد حلال إلّا ما خرج بالدليل

«الرابعة : قاعدة كلّ صيد حلال إلّا ما خرج بالدليل ، والصيد لا يطلق في اللغة إلّا على الحيوان الممتنع لأنّه أخذ الحيوان بحيلة،وفي الشرع يعتبر تملّكه في أمور،وهي أن لا يكون للحيوان مالك،وأن يستولي عليه بالأخذ أو بوقوعه شبكته أو يصير الحيوان غير ممتنع ، وأن يكون قصده الصيد ، فلو انتفى أحد هذه الأمور لم يتحقّق التمليك في الصيد شرعاً ، كما لا يطلق على الحيوان الأهلي الذي يقدر الاستيلاء عليه كالبقر والغنم ، إلّا إذا توحّش وامتنع ، فيكون صيداً لغة .

وكيف كان ، فقد دلّت الأدلّة الثلاثة على هذه القاعدة، فمن الكتاب قوله تعالى:(وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)، وإطلاقه يشمل جميع أقسام الحيوانات وفي جميع الأوقات إلّا ما خرج بالدليل كالصيد في حال الإحرام أو الصيد للّهو

واللعب ، أو ما إذا فقد أحد الشروط المتقدّمة بالنسبة إلى تمليك المالك.

ومن السنّة روايات كثيرة ذكرناها في كتاب مهذّب الأحكام والتعرّض لها يوجب الخروج عن الموضوع ، ومن شاء فليرجع إليه .

ومن الإجماع ما ادّعاه غير واحد من الفقهاء ، بل هو من المسلّمات عندهم، لأنّه من سبل العيش وإبقاء الحياة فكيف يمنعه الشارع ؟

نعم ، له أن يحدّده بما يراه وبما فيه المصلحة.

ص: 47

هذا ، ويختصّ حلّ الاصطياد بالحيوان أن يكون كلباً ومعلماً ومرسلاً والمرسل مسلّماً ، وأن يذكر اللّه تعالى عند الإرسال ، ويستند الموت إلى جرحه كلّ ذلك للأدلّة الخاصّة من الكتاب كما يأتي ، ومن السنّة ذكرناها في الفقه ، ومن أراد فليرجع إليه ، فلو فقد أحد هذه الشروط انتفت الحلّيّة وصار ميتة ، وإن حصلت الملكيّة إن توفّرت الشروط السابقة.

كما يعتبر في الآلة أن تكون سلاحاً وأن تكون قاطعة أو شائكة، وأن يستند القتل إلى الآلة ، وأن يكون الرامي مسلماً ، ويذكر اللّه تعالى عند الرمي وأن يكون الرمي بقصد الاصطياد وتستقلّ الآلة المحلّلة في القتل كلّ ذلك للأدلة الخاصّة أيضاً ، فلو انتفى أحد هذه الأمور انتفت الحلّيّة.

ويصحّ التمسّك بالقاعدة في موارد :

الأوّل : عند الشكّ في اشتراط وجود شيء أو اشتراط عدمه ولم يكن دليل معتبر عليه مثل إباحة آلة الصيد أو أصل موضوعي كالشكّ في الإحلال من الإحرام .

الثاني : حلّية اللحم بعد تحقّق الصيد وكان الحيوان ممّا يؤكل شرعاً ، فمقتضى القاعدة الحلّيّة ولا تصل النوبة إلى أصالة عدم التذكية ، إلّا إذا شكّ في وجود شرط من الشروط المتقدّمة على تفصيل مذكور فى الكتب المفصلة .

الثالث : عند الشكّ في وجود زمان قابلة للتذكية .

فتارة يحرز أنّ الزمان متسع للتذكية ، فلا يحلّ إلّا بها .

وأخرى يحرز أنّ الزمان غير قابل لها ، كما إذا كان في اللحظة الأخيرة من حياته .

وثالثة يشكّ في الزمان هل هو قابل للذبح ، فيمكن التمسّك بالقاعدة في هذه

ص: 48

الصورة ، ولكنّه مشكل ، فتدبّر ، وإن كان الاجتناب طريق النجاة.

ولا فرق في تحقيق الذكاة بالاصطياد وبين الحيوان المأكول اللحم وغيره كالسباع ، فإنّها تصير ذكيّة به ، ويجوز الانتفاع بجلدها إلّا إذا كان الحيوان نجس العين ، ولكن تحقّق الذكاة بالاصطياد بالكلب المعلّم في الحيوان غير المأكول إشكال تعرّضنا له في كتابنا مهذّب الأحكام ، وهناك فروع أخرى مذكورة في الكتب المفصلة »(1).

ص: 49


1- مواهب الرحمان: 311:10.

القاعدة الثالثة عشر:عدم جواز هتك حرمات شعائر الدين

«الخامسة : يستفاد من الآية الشريفة:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْىَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا أَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِن رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً)(1)قاعدة عدم جواز هتك حرمات شعائر الدين أو نقض إعلامه والتعدّي عن حدود اللّه تبارك وتعالى من أمره ونهيه وفرائضه وأحكامه ومواثيقه وعهوده ، ويكون عطف الأمور المذكورة في الآية المباركة من قبيل عطف الخاص على العام ، أو التقييد بعد الإطلاق، وهذا شائع في الاستعمالات المحاوريّة، وتدلّ عليها روايات كثيرة مذكورة في محالّها.

وذهب جماعة منهم الشيخ أنّه لا يجوز قتل الصيد وهو يؤم الحرم ولم يدخل فيه ، وتمسّكوا بإطلاق قوله تعالى: ﴿وَلَا آمينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) وبجملة من الأخبار .

ولكنّ الأخبار معارضة بأخبار أخرى، فالحمل على الكراهة طريق الجمع بينهما كما ذهب إليه المشهور ، وكذا الاصطياد في حدود الحرم وهو يريد من كل جانب. نعم، احترام حدود حرم اللّه تعالى لازم عقلاً ، ولكن إثبات الحكم الشرعي بما تقدّم مشكل»(2)

ص: 50


1- المائدة 2:5.
2- مواهب الرحمان : 311:10.

القاعدة الرابعة عشر:عدم جواز الاعتداء على الأشخاص الذين ينقضون عهد اللّه

«السادسة :تدلّ الآية المباركة : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم أَن صَدُّوكُمْ عَر الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا) (1)على قاعدة كلّيّة ، وهي عدم جواز الإعتداءعلى الأشخاص الذين ينقضون عهد اللّه ويصدّون المؤمنين من إقامة شعائر الدين، وأن الانتقام منهم لأجل عهد اللّه تعالى نحو اعتداء ولا يقبل الشارع به.

نعم ، لو استلزم ذلك جناية على شخص أو على أمور عامة للمسلمين فالضمان أو القصاص كما حكم به الشرع، وتدلّ عليها روايات كثيرة مذكورة في الأبواب المتفرّقة،وسيأتي في قوله تعالی:﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )(2)ما يتعلّق بالمقام»(3).

ص: 51


1- المائدة 2:5.
2- الأنعام164:6. الإسراء :17: 15 .فاطر18:35.الزمر :7:39.
3- مواهب الرحمان311:10.

القاعدة الخامسة عشر:حرمة الإعانة على الإثم وحسن الإعانة على كلّ خير

«السابعة : تدلّ الآية المباركة :(الوَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(1)قاعدة عامة ، وهي فا حرمة الإعانة على الإثم كما أن صدرها (الوَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) تدلّ على قاعدة أخرى، وهي : حسن الإعانة على كلّ خير وبرّ ، فالآية الكريمة بصدرها وذيلها تدلّ على قاعدتين عامّتين مهمتين ، والروايات الواردة فيهما فوق حدّ الإحصاء.

قال الصادق (علیه السلام)في المعتبر : وليعن بعضكم بعضاً، فإنّ أبانا رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)كان يقول : إنّ معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام »(2).

و قال(علیه السلام): « عونك الضعيف من أفضل الصدقة ».(3)

وعنه(علیه السلام): « اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه ».(4)

إلى غير ذلك من الروايات ، فإعانة المؤمن من حيث هي راجحة ومندوبة ، وقد يعرض عليها الوجوب لأجل عناوين أخرى ، ولا شك في أن ذلك هو

ص: 52


1- المائدة2:5.
2- الکافی9:8.
3- وسائل الشيعة : 15 : 141.
4- الكافى:200:2.

المتسالم عليه عند الفقهاء ، بل إنّ مقتضى المرتكزات والفطرة حسن المعاونة على البرّ والخير وقبح الإعانة على الشرّ القبيح، وأنّ الآيات المباركة والسنّة الشريفة إرشاد إليها .

ولا يخفى أنّ الإعانة المبحوث عنها، سواء أكانت راجحة أم مرجوحة ، ما إذا انحصرت جهة الراجحيّة أو المرجوحيّة في مجرّد الإعانة من حيث هي ، لا ما إذا كان المعان بها بذاته راجحاً أو مرجوحاً ، فإعانة الظلمة بنفسها محرمة في الشريعة مثل قبول الرشوة أو الإعانة على الصدقة بنفسها راجحة يثاب كل يد وإن تجاوز إلى سبعين كما في بعض الروايات.

ثم إن الإعانة بكلا قسميها تتصوّر على وجوه تبلغ عشرة،ذكرناها في كتاب مهذّب الأحكام مفصّلاً، فمن شاء فليرجع إليه.

وتقوم الإعانة بالأمور:

الأوّل : العلم بتحقق المعان عليه ، فإذا لم يعلم لم تتحقّق الإعانة.

الثاني : القصد في الجملة ولو كان حاصلاً من العلم، سواء قصد التوكّل أم قصد غير ذلك .

الثالث: تحقّق الفعل خارجاً ، ولا فرق في ذكرنا بين الإعانة الراجحة أو المرجوحة.

وأما قاعدة حرمة الإعانة على الإثم فتدلّ عليها- مضافاً إلى ما مر - روايات كثيرة منها ما عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)في الصحيح : « مَن أعان ظالماً على مظلوم لم يزل اللّه ساخطاً عليه حتى ينتزع عنه معونته»(1).

ص: 53


1- وسائل الشيعة : 16 : 57.

وعنه(علیه السلام): « العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به شركاء ثلاثتهم».(1)

وتقدّم مكرّراً أنّ المناهي الشرعية مطلقاً ظلم ، ولا بد من إحراز عنوان الإعانة للحرام من القصد والتحقّق والعلم كما مرّ ، فإذا انتفى أحد هذه الأمور أو تحقّق الحرام بعد وسائط كثيرة ولم تكن من العلّة التامّة أو جزء العلّة-كما في بيع العنب والتمر لمن يعلم أنّه يعمله خمراً - لم تتحقق للشكّ في صدق الإعانة حينئذٍ ، فلم تكن محرّمة ، والروايات الواردة الدالّة على الجواز-كما هي مذكورة في المكاسب المحرمة من كتاب البيع - ليست من باب التخصيص وإنّما هي من باب التخصص كما عرفت .

ولا فرق في الحرام الذي تكون الإعانة عليه حراماً بين أن يكون من الكبائر أو الصغائر معلوماً تفصيلاً أو إجمالاً ، مسلماً كان العامل أو كافراً ، بناءً على تكليف الكفّار بالفروع كتكليفهم بالأصول، كما هو المشهور ، كلّ ذلك للعموم والإطلاق، وإنّ الإعانة على الإثم تابعة للإثم المعان عليه ، فإن كان كبيرة فهي كبيرة وإلّا فصغيرة.

وهناك فروع للقاعدة تعرّضنا لها معها في كتاب الاجتهاد والتقليد من مهذّب الأحكام،ومن أراد فليرجع إليه،واللّه العالم».(2) (2).

ص: 54


1- الكافي :333:2.
2- مواهب الرحمان:311:10.

دلالة آية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) على قواعد فقهيّة

قال(رحمة اللّه)في ذيل الآية الثالثه من سورة المائدة:« يستفاد من الآية المباركة قواعد فقهيّة ، مضافاً إلى أحكام خاصّة .

أمّا الأولى فهي ثلاثة :

القاعدة السادسة عشر:حرمة أكل الميتة إلّا ما خرج بالدليل

الأولى : قاعدة حرمة أكل الميتة إلّا ما خرج بالدليل. كما في حالات الاضطرار ، أو ميتة السمك مع تحقّق شروط حلّيّتها ، وتختصّ هذه القاعدة بالحيوانات التي يحلُ أكلها ذاتاً كالأنعام الثلاثة وأنواع الظبي وأقسام الطيور التي فيها إحدى علامات للحلّ ، وأما غيرها من محرّمات الأكل كالفئران والسباع والحشرات وبعض الطيور الفاقدة لعلامات الحلّ ، فلا أثر لهذه القاعدة، لأنّ لحومها محرّمة مطلقاً، سواء ذكّيت أم ماتت حتف أنفها.

نعم ، للتذكية أثر خاصّ وهو طهارة جلودها فقط ، ولا أثر لها في الحشرات ، لأنها طاهرة، حيّة كانت أم ميّتة ، كما فصل في الفقه.

وأما الحيوانات التي حرم أكل لحمها بالعارض كالجلال وموطوء الإنسان ، فإنّ لحومها حرّمت بالفعل الشنيع أو بأكل النجاسة. نعم، في خصوص الجلل جعل الشارع سبباً لزواله كما هو مذكور في الفقه بخلاط الوطء ، فلا تزول الحرمة

ص: 55

مطلقاً،فيجب قتله ودفنه إن كان ممّا يراد أكله ،والجلل ليس مانعاً عن وقوع التذكية التي كانت ثابتة قبل الجلل، لإطلاقات الأدلة ، وأنّ المحرم بالذات لو كان قابلاً لها فالمحرم بالعرض بالأولى ، وكذا في الوطء.

كما أنّ القاعدة من القواعد التي لم تنلها يد التخصيص إلّا في الحيوانات البحريّة بشرائطها وفي غيرها باقٍ على عمومها ، وأمّا الاضطرار فعدّه من التخصيص لها نحو تسامح ، بل هو تخصّص -ما في موارد النسيان - إذ ما من شيء إلّا وقد أحلّه الاضطرار ، إلّا أنّه مضيّق في المقام كما يأتي .

وكيف كان فقد دلّت الأربعة على حجيتها.

أما الكتاب ، فقوله تعالى :(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )(1)، وقد تكرر هذا التعبير في القرآن الكريم أكثر من ثلاثة مواضع ، وأنّ متعلّق الحكم - الحرمة - هو الأكل لأنه النفع الشائع والغالب منها .

وأما السنّة ، فالروايات كثيرة متواترة، تقدّم بعضها في البحث الروائي ،وعن أبي جعفر الباقر(علیه السلام) : « لا تأكل من ذبيحة لم يذكر اسم اللّه عليها»(2).

وفي معتبرة محمّد بن قيس عنه(علیه السلام)أيضاً : « ما فعلت الحبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميّت ، وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرت اسم اللّه عليه »(3)، وغيرها من الروايات .

ومن الإجماع ، ممّا لا خلاف بين المسلمين، بل عدّ ذلك من ضروريّات الفقه ، كما بيّنا ذلك فى الفقه.

وأمّا العقل : فإنّه يستقذر أكل الميتة ، لأنّه لا يؤمن من الأمراض والأضرار .

ص: 56


1- المائدة 3:5.
2- الكافي:233:6.
3- تهذيب الأحكام: 37:9.

ثمّ إنّ المراد من الميتة الأعمّ ممّا مات حتف أنفه أو قتل وذبح على غير الوجه الشرعي.

وتثبت على الميتة أحكام أربعة :

الأوّل : النجاسة ، فكلّ ميّت نجس إلّا ما خرج بالدليل ، كالسمك والحشرات ممّا لا نفس سائلة لها، وما ذبح على غير الوجه الشرعي على المبنى ، وإلا فالمشهور النجاسة وهذه قاعدة مستقلة أخرى.

الثاني : عدم صحة الصلاة فيها وفي أجزائها إلّا ما استثني .

الثالث : حرمة الانتفاع منها في الجملة كما ثبت ذلك في المكاسب ، ومن شاء فليرجع إلى كتابنا مهذّب الأحكام.

الرابع : حرمة الأكل، والتفكيك بين هذه الأحكام لا يصحّ إلّا بالدليل المعتبر شرعاً»(1).

ص: 57


1- مواهب الرحمان : 382:1.

القاعدة السابعة عشر: كلّ دم يحرم شربه إلّا ما خرج بالدليل

«القاعدة الثانية : كلّ دم يحرم شربه إلّا ما خرج بالدليل ، سواء أكان دم إنسان أم حيوان ، مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم ، مسفوحاً أم غير مسفوح ، نجساً أم طاهراً كدم العلقة .

والدليل عليها قوله تعالى :(الحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)بتقريب ما تقدّم في حرمة أكل الميتة.

إن قلت : إنّ الدم الوارد في الآية المباركة هو الدم المسفوح ، فلا تصير الآية الشريفة أصلاً للقاعدة.

قلت : الدم المسفوح هو الغالب والأكثر في الدماء المراقة ، وغيره يلحق به للأدلة الدالة على ذلك في السنّة إلّا أن يدلّ دليل خاصّ على الحلّيّة.

وقول أبي الحسن الرضا(علیه السلام): « وحرم اللّه الدم كتحريم الميتة».(1)

وقريب منه غيره من الروايات، وقد ورد عن الصادق(علیه السلام)في تعليل حرمة أكل الطحال لأنّه دم.

وادّعى غير واحد من الفقهاء الإجماع على ذلك ، مضافاً إلى أنّ الدم نجس إلّا ما استثني وشرب كلّ نجس حرام بالضرورة الفقهيّة ، وإنّه من الخبائث

ص: 58


1- وسائل الشيعة : 103:24 .

التي تستقذرها الطباع السليمة ، فالعقل يحكم باجتنابه كالوزع والضفدع والقرد ، مسفوحاً أو غير مسفوح ، كالعقلة والدم في البيضة.

كما لا فرق بين أن يكون مائعاً فيشربه أو يابساً فيأكله ، كما لا فرق بين أن يكون ممتزجاً مع شيء آخر أو لا ، إلّا أن يكون مستهلكاً بحيث يراه العرف معدوماً، كلّ ذلك للقاعدة المتقدّمة.

ثمّ إنّ القاعدة لا تشمل ما تداول في هذه الأعصار من التزريق لعدم تحقّق عنوان الشرب ، كما لا تشمل ما لو انقلب الدم إلى شيء آخر ، وقد استثنيت من القاعدة المتقدّمة موارد :

منها : الدم المتخلّف في الذبيحة لإطلاق دليل حلّيّة أكل الذبيحة -كما مرّ- ويشترط فيه أن يخرج الدم عن الذبيحة بالقدر المتعارف من مثلها، وأن تكون مأكول اللحم ، وأن لا يرجع دم المذبح إلى الجوف ، كلّ ذلك لأجل أدلّة خاصّة ذكرناها في كتاب الطهارة من مهذّب الأحكام.

ومنها:الدم من غير ذي النفس ممّا حلّ أكله، فالسمك الحلال إذا أكل السمك ، وأمّا لو شرب منفرداً فلا يبعد الحرمة للقاعدة المتقدّمة ، وأنّه مع من الخبائث وإن كان طاهراً.

ومنها:القلب والكبد من الحيوان مأكول اللحم لقاعدة الحلّيّة وعموم حلّيّة الذبيحة الشامل لجميع أجزاءها الداخليّة والخارجيّة ، ولكنّ المسألة مع ذلك مورد الإشكال تعرّضنا له في الفقه .

وهذه القاعدة كسائر القواعد الفقهيّة لها امتيازات كتقدّمها على الأصول العمليّة وحجّيّة ،لوازمها ، والتمسك بها في موارد الشك.

و تثبت على الدم أحكام ثلاثة :

ص: 59

الأوّل: النجاسة ،فكلّ دم نجس إلّا ما أخرجه الدليل ، كدم الحيوان الذي لا نفس له سائلة ، كالسمك والبرغوث وغيرهما.

الثاني : عدم جواز الانتفاع منه ، إلّا إذا كان فيه غرض عقلائي معتدّ به ، فيصحَ بيعه كما ذكرناه في المكاسب.

الثالث : حرمة شربه إلّا في موارد خاصّة كما مرّ .

وأمّا الصلاة مع الدم في اللباس أو على البدن ففيه تفصيل لا يسع المقام ذكره ، ومن شاء فليرجع إلى كتاب الطهارة في شرائط لباس المصلّي ، واللّه العالم».(1)

ص: 60


1- مواهب الرحمان :382:10.

القاعدة الثامنة عشر:قاعدة كلّ حيوان قابل للتذكية

«القاعدة الثالثة:كلّ حيوان قابل للتذكية إلّا ما خرج بالدليل،والأصل في هذه القاعدة عموم قوله تعالى:(إِلَّا مَاذَكَّيْتُمْ)(1)بقرينة ما ورد في السنة الشريفة.

ودعوى أنّ الآية المباركة في مقام كيفية زهوق الروح ، فبعض منها توجب الحرمة ، وبعض توجب الحلّيّة وهو التذكية قابلة للمناقشة : لأنّ الآية الكريمة بضميمة الروايات أثبتت التذكية في الحيوانات وجعلت الحرمة للبقية ، سواء أكان الحيوان غير قابل لها ، أو أن زهوق الروح لم يكن بطريق التذكية ، فعموم الآية الشريفة بقرينة السنّة يكون أصلاً للقاعدة.

ومن السنّة ، الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة في الفقه كأبواب الصيد والذباحة ولباس المصلّي والإحرام وغيرها ، وهي كثيرة :

فمنها: صحيح ابن يقطين ،قال: «سألت أبا الحسن(علیه السلام)عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود ، قال(علیه السلام) : لا بأس بذلك»(2)،فإذا لم تكن الجلود قابلة للتذكية فجواب الإمام بنفي البأس مطلقاً لم يكن صحيحاً ، كما هو واضح .

ص: 61


1- المائدة3:5.
2- تهذيب الأحكام : 3: 211.

وفي صحيح ابن بكير ، عن أبي عبد اللّه الصادق(علیه السلام):«فإن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد ، ذكّاء الذابح أو لم یذکّه»(1).

وغيرهما من الروايات.

ومن الإجماع،ما ادّعاه صاحب الحدائق على أنّ كلّ حيوان قابل للتذكية إلّا ما خرج بالدليل،كالكلب والخنزير والإنسان ، وأيّده صاحب الجواهر كما ذكرناه في الفقه ، ومن شاء فليراجع كتابنا مهذّب الأحكام.

ويمكن استفادتها من توسعة الشارع في هذا الأمر العامّ البلوى تقريباً ، إذ لو كان حيوان غير قابل للتذكية لبيّنه الشارع كما بيّنه في الكلب والخنزير وغيرهما.

ثمّ إنّ المراد من التذكية الاستعداد بمعنى أنّ الحيوان له اقتضاء التذكية ، وأمّا أنّه هل تؤثر التذكية فيه ، فذاك بحث آخر .

والحيوان الذي يقبل التذكية بحكم الشارع على أقسام :

الأوّل : الحيوان الذي يحلّ أكله ذاتاً وإن حرم بالعارض ، كالجلّال والموطوء ، بحريّاً كالسمك أو برّيّاً ، وحشيّاً كان أو مأنوساً ، طيراً كان أو غيره ، وإنّ اختلف في كيفيّة التذكية على ما فصّل في الفقه ، ولا شكّ في وقوع التذكية في هذا القسم وهي تؤثّر فيها لطهارة لحمها وجلدها والصلاة والطواف في أجزائها وحلّيّة أكل لحمها إن لم يحرم اللحم بالعارض.

الثانى:الحيوان الذي لا يحلّ أكله وكان له نفس سائلة ولكنّه نجس العين ، كالكلب والخنزير ، فإنّه غير قابل للتذكية لغرض أنّه حرام ونجس على كلّ حال ،

ص: 62


1- الكافي:397:3.

ذكّي أو لم يذك ، فلا أثر للتذكية ، إنّ القاعدة لا أثر لها في هذا القسم ، ويلحق بهذا القسم المسوخ ، كالفيل والذئب ، لأجل دليل خاص فيجري عليها حكم عدم التذكية ولو بعد التذكية .

ولكن نسب إلى جمع من الفقهاء منهم الشهيد والمرتضى قبولها للتذكية ، مستدلّين بأدلة تعرّضنا لها في الفقه وناقشناها ، فمن شاء فليرجع إلى كتاب الأطعمة والأشربة من مهذب الأحكام.

الثالث : الحيوان الذي لا يحلّ أكله وله نفس سائلة ولم يكن نجس العين كالسباع التي تفترس الحيوانات وتأكل اللحوم، سواء أكانت من الوحوش كالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آوى وغيرها ، أم من الطيور كالصقر والبازي والباشق وغيرها ، فتؤثر التذكية فيها وبها تطهر لحومها ، وإن حرم أكلها ، وجلودها ، وحلّ الانتفاع بها في غير الصلاة والطواف ، دبغت أو لم تدبغ .

الرابع :الحشرات التي تسكن جوف الأرض ، كالفأرة وابن عرس ، فمقتضى القاعدة المتقدّمة أنّها قابلة للتذكية للشك في قبولها ، كما ذهب إليها صاحب الحدائق والجواهر ، وإن نسب إلى المشهور خلاف ذلك ، ويظهر مما تقدّم المناقشة في ثبوت الشهرة في المقام .

الخامس : الحيوان الذي ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه أصلاً ، لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحليّة ، لأنه طاهر ومحرم أكله على كل حال ، ذكي أو لم يذك ، فالقاعدة المتقدّمة لها الأثر في قسم خاص من الحيوانات-كما عرفت - وكذا في موارد الشك في المسخ.

ثمّ إنّ تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنما يكون بالذبح مع الشرائط المعتبرة من التسمية،والاستقبال ، وإسلام الذابح ، وفري الأوداج ،

ص: 63

وتتابع الفري-وكذا الاصطياد بالآلة الجمادية في خصوص الممتنع ، وأما تذكيتها بالكلب المعلم بالاصطياد مورد الإشكال والمسألة محرّرة في الفقه ، واللّه العالم.

ثمّ إنّ هنا أصلاً موضوعيّاً، وهو أصالة عدم التذكية تمنع مع جريان أصل البرائة والإباحة لأنّها أصل حكمى ، والمراد من عدم التذكية ( غير المذكى ) في اصطلاح الكتاب والسنة الميتة ، فهما وإن اختلفا مفهوماً لكنّهما متحدان شرعاً وخارجاً، ويترتب عليه أن بجريانها يحكم بالنجاسة وحرمة الأكل لأنه مع وحدة الموضوع يثبت كلّ منهما ، فلا يكون الأصل مثبتاً.

هذا وإن أمكنت المناقشة في ذلك من أنّه لا دليل على الاتحاد ، إلّا أنّ المشهور بين فقهاء الإمامية ( رضوان اللّه عليهم أجمعين) ذلك ، وأنّ مخالفة المشهور نحو تعدّ ، واللّه العاصم من الزلل .

وكيف كان ، فإنّ مورد جريان هذا الأصل في الشبهات الموضوعية فقط.

وفيها أيضاً لا بنحو السعة في أية شبهة موضوعية فرضت وتحققت ، فلو شك في أنّه هل يعتبر الاضطجاع على الأيسر أو على الأيمن في الحيوان المذبوح ؟ أو هل يعتبر أن يكون الحيوان مربوطاً بأن يشدّ يد الغنم مع إحدى رجليه أو لا ؟ أو هل يعتبر أن يكون الذابح قائماً إلى غير ذلك ، فإنّ في جميع هذه الموارد وأمثالها لا تجري أصالة عدم التذكية ، بل يرجع إلى التذكية ، بل يرجع إلى أصالة عدم الاشتراط أو إلى العموم والإطلاق.

وإنّما تختصّ أصالة عدم التذكية في خصوص الشروط التي نصّ الشارع على اعتبارها ، ثمّ شكّ في تحقّقها في الخارج، وعدم أمارة شرعيّة تدلّ عليها ، لأصالة عدم تحقّق ذلك الشرط ، فلا تحلّ الذبيحة حينئذ وتكون محكومة بالنجاسة. وتدلّ الأدلّة الشرعيّة على اعتبارها :

ص: 64

فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَيْتُمْ)، بتقرير أنّه لا تحلّ الذبيحة إلّا أحرزتم التذكية .

ومن السنّة، روايات كثيرة ، منها ما عن أبي جعفر(علیه السلام): «لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليها»(1) ، ومثله غيره.

وظهور مثل هذه الأخبار في حرمة الأكل ممّا لا ينكر ، وأمّا النجاسة فهي كما ذهب إليها المشهور.

وهناك روايات أخرى ذكرناها في كتابنا تهذيب الأصول.

ومن الإجماع ، ما ادّعاه غير واحد من الفقهاء ، وبقيّة الكلام موكول إلى علمي الأصول والفقه .

وأمّا الأحكام الخاصّة التي تستفاد من الآية المباركة فهي :

الأوّل : أنّه لا فرق في أسباب الموت والخنق وغيرهما بين أن تكون بالاختيار أو بغير الاختيار ، عن علم كانت أو جهل ، لإطلاق الآية المباركة .

نعم ، لو كان الموت والخنق والإحلال لغير اللّه تعالى وغيرها ممّا ذكر في الآية الكريمة عن علم وعمد ، فإنّه مضافاً إلى جعل الحيوان ميّتاً أنّه ارتكب محرّماً أيضاً ، لذيل الآية الشريفة :(ذلِكُمْ فِسْقٌ ) إن لم يترتّب عنوان محرم آخر، كالإسراف وغيره.

الثاني :تدلّ الآية المباركة على أن الاضطرار المتجانف للإثم لا يوجب رفع الحرمة . هذا إن كان باقياً على بغيه وتجرّؤه ، وأما لو تاب يجوز له أكل الميتة بمقدار رفع الاضطرار لتحقق عنوان غير متجانف لاثم.

ص: 65


1- الكافي: 223:6.

الثالث : لا بدّ في مورد الاضطرار من ارتكاب أخفّ المحذورين ، فلو دار الأمر بين أكل لحم الخنزير أو شاة منخنفة ، فالظاهر يتعيّن الثاني ، لأنه أخف من الأول ، وكذا بالنسبة إلى نفس الأكل ، كما في بعض الروايات يسد رمقه.

الرابع : أنّه لا يتحقق الاضطرار لو وجد سبيلاً إلى الحليّة موضوعاً أو حكماً .

الخامس : لو تحقق الاضطرار من غير مخمصة ، بل كان لأجل التداوي - مثلاً - يعتبر فيه أيضاً أن لا يكون متجانفاً لإثم كما يدلّ على ذلك قوله تعالى:(فَمَنِ اضْطُرَ غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ )(1).

السادس: أنّ المستفاد من سياق الآية المباركة أنه لو اضطرّ إلى أكل الميتة حال المخمصة ولم يكن متجانفاً لإثم ولم يأكل -أو صام - فمات أثم ، لأنه أعان على نفسه وخالف تكليفه ، فإن حفظ النفس واجب شرعاً وعقلاً.

وأمّا لو امتنع عن التداوي بالمينة أو بالخمر حتّى مات ، فإنّه لا يأثم ، لأنه لا يعلم أنّ الميتة أو الخمر يشفيه . نعم ، لو علم ذلك ولم يأكلها أو لم يشربها كان حكمه حكم الفرع الأوّل ، واللّه العالم »(2).

ص: 66


1- البقرة 173:2.
2- مواهب الرحمان : 383:10.

قواعد فقهية مستفادة من آية (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )

قال(رحمة اللّه):«يستفاد من الآية المباركة قواعد فقهيّة بيّنتها السنّة الشريفة ، كما يستفاد من أحكام خاصّة تقدّم بعضها في البحث الروائي ، أما القواعد فهي:

القاعدة التاسعة عشر:حلّيّة الطيّبات

حلّيّة الطيّبات مطلقاً إلا ما خرج بالدليل، سواء أكانت من الأطعمة ، أم من الأشربة ، أم من النكاح ، أم من غيرها ، مما يشم أو يستنشق حتى القول الطيب قال تعالى:(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ)(1)، وإن شئت عبّرت كلّ طيّب حلال إلّا ما أخرجه الشارع بالدليل ، والبحث عنها من جهات:

الأولى : في فقه القاعدة ومعنى الطيبات فيها ، فنقول : المراد من الطيب مقابل الخبيث ، وهو في اللغة كلّ ما تستلذّ به النفوس مطلقاً ولم يكن فيه أذى لها أو للبدن.

وإن شئت عبّرت:كلّ ما ترغب إليها النفوس المستقيمة ، فيمكن أن يقال: إنّ ما حرّمه الشارع لا تستلذّ به النفس للتأنيب المستتر في الضمير البشري عند ارتكاب المحارم ، أو به أذى لنفس أو للبدن ، لأنّ المحرّمات تابعة للمفاسد

ص: 67


1- الحج : 24:22.

وتترتّب العقوبات عليها مطلقاً ، فلا ترغب إليها النفوس، فتكون خبيثة من هذه الجهة .

ودعوى أنّ النهي ووعيد العذاب من الشرع والعلم كلّ منهما كيف يوجب الاتّصاف بالخباثة لأن الموضوع مؤخّر عن حكمه بمراتب ثلاثة.

غير صحيحة لأنّ ما ذكرناه لا ينافي ذلك ، وأنه من قبيل الكشف ، وأنّ الخباثة الشرعيّة تجتمع مع الخباثة النظريّة ، والأولى توجب التأنيب ، والثانية توجب الضرر ، فتأمّل .

إن قلت :إنّ في ارتكاب كثير من المعاصي تستلذّ النفس وتخمد فوران الشهوة الكامنة ، ولا أقلّ تستجاب الغرائز الجنسيّة ، وهذا المقدار من الزمان لو كان قليلاً يكفي في أن يكون العمل طيّباً وإن كان قد حرمه الشارع.

قلت : ارتكاب المعاصي التي تستلذ بها النفس على قسمين:

الأوّل : أن النفس تعلم بما يترتب عليه من المفاسد في المستقبل ، ومع ذلك أنّها تقدم على اللذّة الوقتية ، ففي الحقيقة أنها لا تستلذّ حتّى حين ارتكاب المعصية لو تفطّن وتذكر العواقب السيّئة ، كمن يقتل شخصاً لإخماد غضبه ويعلم بالعواقب التي ترد عليه من التأنيب فى الضمير والقوانين الشرعية أو الوضعية ، فحينئذٍ لم تستلذ النفس ، وعلى فرضه لم تكن مستقيمة .

الثاني : لا يعلم بالعواقب، فتارة معذور شرعاً في جهله، وأخرى ليس بمعذور ، والأوّل يكون الاستلذاذ مؤقتاً وشخصيّاً مع قطع النظر عما يترتب عليه من الأحكام الوضعيّة وحرمان النيل إلى بعض المقامات ، والثاني مضافاً إلى أنّها ليست مستقيمة لا يكون ذلك في الواقع استلذاذ مع ما يرد عليها من العواقب السيئة.

ص: 68

الثانية : في الأدلّة التي استدلّوا بها على القاعدة ، فمن الكتاب قوله تعالى:(أحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )(1)، وإطلاقه يشمل جميع أنواع الطيبات وأقسامها ، كما تقدّم ، وإن كان الغالب فيها الأكل والشرب والنكاح.

وقال تعالى في أوصاف نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم): ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)(2)، فمقتضى الآية الشريفة حلّيّة كلّ ما ترغب إليها النفوس السليمة مطلقاً إلّا ما خرج بالدليل المعتبر الشرعي كما في شرب بعض المتنجّسات مثلاً.

وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)(3)الأمر فيه للإباحة والأكل من باب الغالب كما مرّ.ومن السنّة،روايات كثيرة مختلفة التعابير،كقول الصادق(علیه السلام)في الصحيح: «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي»(4).

وفي الحديث: «أتى النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)بغراب فسماه فاسقاً ، فقال : واللّه ما هو من الطيبات»(5).

وقد ورد أن النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)أتاه الرجال من الأعراب يفتيه ما الذي يحلّ له والذي يحرّم عليه في ماله ونسكه وماشيته وعنزه وفرعه من نتاج إبله وغنمه ؟ فقال رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم): الحلّ لك الطيبات وحرّم عليك الخبائث(6).

ص: 69


1- المائدة 4:5.
2- الأعراف :157:7.
3- البقرة 168:2.
4- الفقيه : 1 : 317.
5- عوالي الكالي : 3 : 468 .
6- المعجم الكبير : 252:7. الدر المنثور : 3: 135.

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في أبواب المتفرقة من الفقه .

ومن الإجماع، ما ادّعاه غير واحد من أساطين الفقه ، بل عدّ ذلك من ضروريّات الدين.

ومن العقل حكمة النبي بأنّ اللّه تبارك وتعالى العالم بالمصالح والخفيّات إذا حرّم شيئاً كان فيه مفسدة ، فلا يكون من الطيّب وما سوى المحرّمات تستلذّه النفس وترغب إليه فيكون حلالاً طيّباً .

الثالثة : في مدى شمول القاعدة ، فإن قلنا : إنّ الخبائث هي المحرّمات الشرعيّة فقط ، فالقاعدة باقية على عمومها ولم ينلها يد التخصيص ، إلّا بطرو عناوين خارجيّة التي تغيّر الحكم.

وأمّا إن قلنا إنّ الخبائث أعمّ من المحرمات الشرعية،فالخبيث والطيب يكونان من الأمور النسبية الإضافية يختلفان باختلاف الأزمنة والأمكنة وسائر الجهات ، كما هو مفصل في الفقه ، ومن شاء فليراجع كتاب الأطعمة والأشربة من مهذب

الأحكام.

الرابعة : أنّه تبارك وتعالى ذكر مصداقاً للطيّبات، وهو لحم الحيوان الذي يصطاده الكلب المعلّم إذا استجمع فيه الشروط الآتية ، كما ذكر سبحانه وتعالى مصاديق للخبائث من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع ، بل كلّ ما يضر الإنسان ضرراً معتداً به ، فهو من الخبائث ومحرّم كما ذكر مفصلاً في الفقه »(1).

ص: 70


1- مواهب الرحمان: 10: 430.

القاعدة العشرون:كلّ صيد قتلته جوارح الطير والسباع يحرم أكله

قاعدة كلّ صيد قتله جوارح الطير والسباع يحرم أكله إلّا ما خرج بالدليل،ولم يخرج عنها إلّا قسم خاصّ من الكلب فقط ، وهو المعلّم من الكلاب مع شروط خاصة فيه كما ياتي .

بل يمكن أن يقال: إنّ تعليم الحيوان بحيث يكون تحت اختيار الإنسان وإرادته يخرجه عن السبعية نوعاً ما، ويكون الاستثناء فيه موضوعيّاً لا حكميّاً ، وعلى أي حال، فأنّ عنوان السبعية المأخوذة في القاعدة من باب الغالب لا التخصيص ، وإلا لو فرضنا أن حيواناً مألوفاً أو مأنوساً أخذ صيداً وقتله يحرم أيضاً لعدم توفر شروط التذكية فيه ، مثل ما لو صارت القطة حيواناً وقتلته أو الشاة أو البقرة كذلك .

والبحث فيها من جهات:

الأولى : في الأدلّة التي استندت القاعدة عليها .

فمن الكتاب قوله تعالى:(وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الْجَوَارِح مُكَذِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّه)(1) فهذه الشروط احترازية للحكم الذي هو الحلّيّة ، كما هو الظاهر من الآية الشريفة ، وتدلّ عليها روايات كثيرة ، فإذا لم تكن أحد هذه الشروط

ص: 71


1- المائدة 4:5 .

انتفى الحكم لقاعدة انفتاء المشروط بانتفاء شرطه المسلّمة عند العقلاء ، فإذا لم يكن يمسكه الحيوان ، أو لم يذكر اسم اللّه تعالى عليه عند إرساله ، كل ذلك يحرم أكل صيده لا يحلّ.

ومن السنّة ، روايات مستفيضة :

منها : ما عن الصادق(علیه السلام)في معتبرة الحضرمي ، قال : سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن صيد البزاة والصقور والفهد والكلب ؟

فقال : لا تأكل صيد شيء من هذه إلّا ما ذكّيتموه إلا الكلب المكلّب»(1).

وفي صحيح زرارة ، عن الصادق (علیه السلام): « وأما خلاف الكلب مما تصيده الفهود والصقور وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته لأنّ اللّه عزّوجلّ قال :(مكَلّبِينَ)، فما كان خلاف الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل إلّا أن تدرك ذكاته»(2).

وأمّا رواية زكريا بن آدم ، قال :«سألت أبا الحسن الرضاء(علیه السلام)عن الكلب والفهد يرسلان فيقتل.

فقال(علیه السلام) : هما ممّا قال اللّه:(المُكَبِينَ)، فلا بأس بأكله»(3).

ومثلها غيرها محمولة على ما إذا أدرك حياته فذكّي ، وإلّا فيردّ علمها إلى أهله ،لمعارضتها بما هو أقوى وموافقتها للتقيّة.

ومن الإجماع، ما ادّعاه غير واحد، بل عدّ ذلك من ضروريات المذهب،ولأصالة عدم التذكية المعتمد عليها في اللحوم، وقد ثبت حجّيتها في الفقه

ص: 72


1- الكافي:204:6.
2- الفقیه:315:3.
3- تهذيب الأحكام: 39:9.

والأصول ، وتقدّم البحث عنها هنا موجزاً.

الثانية : لا فرق فيما قتله جوارح الطير والسباع بين أن تكون معلّمة أو غير معلمة ، فيحرم مطلقاً ، إلا أن يدرك حياته فيذكّى ، كما لا فرق بين أن يكون معها كلب معلّم أو لم يكن ، لأصالة عدم التذكية ولمعتبرة أبي عبيدة الحذاء عن الصادق(علیه السلام): « وإن وجد معه كلباً غير معلّم فلا يأكل منه»(1).

هذا إذا لم تكن قرينة خارجيّة توجب الاطمئنان على أن كلب المعلّم قتله ، والّا فهي المتبعة كما تقدّم .

الثالثة : يعتبر في كلب الصيد الخارج عن القاعدة المتقدّمة أمور:

الأوّل :أن يكون معلماً للاصطياد لما تقدّم من الكتاب والسنة والإجماع ولأصالة عدم التذكية ، وعن الصادق(علیه السلام): «وإذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه ، فهو ذكاته»(2).

وقريب منه غيره ، وعلامة اتصاف الكلب به أن يكون الحيوان منقاداً في الإرسال والزجر وضبط الصيد لو أرسله صاحبه وأغرّه - إلا إذا كان مانع في البين - وأن ينزجر ويقف عن الذهاب والهياج إذا زجره صاحبه ، فيكون تحت اختيار الإنسان لو لم يكن مانع ، ولا يتخلّف إلا نادراً لجملة من الأخبار المذكورة في الفقه وللإجماع بين المسلمين.

الثاني : أن يمسك الصيد لصاحبه ولا يأكل منه شيئاً لقوله تعالى :(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ )(3).

ص: 73


1- تهذيب الأحكام : 9: 29 .
2- الكافي : 6: 203 .
3- المائدة 4:5.

ولكنّ الظاهر أن الإمساك أعم من ذلك ، فلا يصير دليلاً للمقّام ، ويقول الصادق(علیه السلام)في موثّق سماعة : « فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه»(1).

وقريب منه غيره.

وهناك روايات أخرى دالّة على الجواز تعارض الروايات المتقدّمة، ولذا كان هذا الشرط موضع الخلاف بين الفقهاء.ولا يبعد الترجيح للطائفة الثانية من الأخبار ، كقول الصادق(علیه السلام)في صحيح الحلبي : « وأما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم اللّه عليه ، فكل منه وإن أكل منه»(2).

وفي بعض الروايات: «وإن أكل منه ثلثيه»(3).

وطريق الجمع بين الطائفتين حمل الطائفة الأولى على التنزيه والكراهة بقرينة الطائفة الثانية ، وهذا هو الحمل الشائع في الفقه أو حمل الطائفة الأولى على عدم تحقق التعليم ، إلا أن ما ذهب إليه المشهور من اعتبار عدم أكله هو الأحوط ، كما هو محرّر في الفقه .

الثالث : أن يرسل للاصطياد مطلقاً على سبيل الجنس ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله ، ويمكن استفادة اعتبار هذا الشرط من قوله تعالى:(مكليين)ف وقوله تعالى: (تُعَلِّمُونَهُنَّ).

وفي الحديث ، قال :«سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن مكلّب أفلت ولم يرسله صاحبه ، فصاد ، فأدركه صاحبه وقد قتله ، أيأكل منه ؟

ص: 74


1- تهذيب الأحكام : 9: 27 .
2- وسائل الشيعة : 23: 336.
3- الفقيه315:3.

فقال(علیه السلام) : لا»(1).

ثمّ إنّه يشترط في حلّية صيد الكلب أمور:

الأوّل : أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه كالصبي ، فلو أرسله الكافر بجميع أنواعه أو من كان بحكمه كالنواصب لم يحلّ أكل ما قتله بالضرورة المذهبية، وإن الصيد تذكية ، فيعتبر فيه كلّ ما يعتبر فيها ، إلا ما خرج بالدليل على الخروج . الثاني : أن يسمّي عند الإرسال ، فلو ترك التسمية عمداً لا يحلّ مقتوله للآية المباركة: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(2)، ولقول الصادق(علیه السلام):

«من أرسل كليه ولم يسم فلا يأكله»(3).

ولا يضرّ لو ترك التسمية نسياناً أو شكّ فيها ، لقول الصادق (علیه السلام): «فإن كنت ناسياً فكل منه»(4).

وكذا رواية أبان بن عثمان: «لا أدري سمّيت أم لم اسم ؟

فقال(علیه السلام):كل لا بأس»(5).

وظاهر الآية الشريفة أنه لا يشترط أن تكون التسمية حين الإرسال ، بل تكفي ولو حصلت بعده إلى حين عضة الكلب. وتدلّ عليه بعض الروايات أيضاً.

وهنا فروع أخرى تعرضنا لها في الفقه من شاء فليراجع كتاب مهذّب الأحكام.

ص: 75


1- الكافي : 6 : 305 .
2- الأنعام 6 : 121 .
3- تهذيب الأحكام: 37:9.
4- الكافي : 6: 205 .
5- الكافي : 6 : 310 .

الثالث : أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرح الكلب المعلّم وعقره ، فلو كان بسبب صدمة أو خنقة أو إتعابه في العدو أو ذهاب مرارته من جهة شدّة خوفه ، لم يحل لظاهر النصوص وللإجماع وللأصل ، ولو شك أن الموت مستند إلى الكلب أو غيره، ولم تكن في البين قرينة معتبرة تدلّ على أنه ستند إلى الكلب ، لا يحل أكله لأصالة عدم التذكية بعد عدم إحراز سببها .

الرابع : عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكنه من تذكيته ، فلو أدركه حياً وجبت التذكية .

ويدلّ عليه قوله تعالى:(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (1)، كما تدلّ عليه

روايات منها قول الصادق(علیه السلام)في المعتبر :«فإن أدركه قبل قتله ذكّاه»(2).

والمناط إدراك صاحب الكلب الصيد ، فلو أدركه شخص آخر، فإن أخذه من الكلب حيّاً يجب عليه الذبح الشرعي فلو لم يذبح حتى مات ثم وصل صاحبه تحققت التذكية.

وهناك فروع أخرى من أراد الاطلاع عليها فليراجع الفقه .

وذهب بعض الفقهاء إلى طهارة موضع العضّة من الكلب لقوله تعالى:(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)الدال على حلّيّة الأكل مطلقاً ، ولكنه مردود لعدم كون الآية المباركة في مقام البيان من هذه الجهة ، فالعمومات الدالة على أن وضع ملاقاة العضّة مع نجس العين نجس محكمة»(3).

ص: 76


1- المائدة 4:5.
2- وسائل الشيعة : 332:23.
3- مواهب الرحمان : 10: 430 .

القاعدة الحادية والعشرون:الطعام كلّه حلّ إلّا ما خرج

الطعام كلّه حلّ إلا ما خرج بالدليل، والمراد من الطعام الأعم من الحبوب والفواكه والألبان والمعادن كالملح وغيره ، بلا فرق بين أن يكون الطعام من صنائع أهل الكتاب كبعض الحلويات مثلاً،أو لم يكن كذلك كالتمر والجوز واللوز وغيرها، سواء أكان من الكفّار أم من غيرهم ، والمراد من الحل الأكل وغيره من الاستعمالات.

ومستند هذه القاعدة الأدلة التالية :

فمن الكتاب ، قوله تعالى:(أحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلّ لكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ )(1)، وغيره كما يأتي .

ومن السنّة ، روايات كثيرة تقدّم بعضها ، وفي معتبرة هشام بن سالم ، عن الصادق في قول الله تبارك وتعالى:(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ )، قال : العدس ، والحبوب ، وأشباه ذلك يعنى أهل الكتاب»(2).

ومن الإجماع ما هو متسالم عند المسلمين إلا في الذبائح،فقد ذهبت الإمامية إلى الحرمة لأدلّة وردت عن أهل البيت(علیه السلام)، ويمكن إقامة الدليل العقلي على

ص: 77


1- المائدة 5:5 .
2- تفسير العياشي : 1 : 296.

ذلك بأنّ ذلك يوجب المودة بين أصناف الناس ورفع الحزازة ، وتقريب الواقع وإظهار الحق وإرائته كما هو .

والمراد من الحلّية نفي الحرج والبأس ومتعلقها الأعم من الأكل والبيع والشراء وغيرهما من المعاملات للأصل بعد عدم ورود نهي أو دليل على التحديد من الشرع.

ثمّ إنّه قد خرج عن القاعدة موارد :

الأوّل : ما : ما إذا طرأ على ذلك عنوان خارجي آخر كالإعانة على الإثم، وتقوية الباطل ، وإهانة المؤمن أو تحقيره ، أو الظن السوء بالدين ، أو الضرر، وما إلى غير ذلك ، فحينئذ لا تجري القاعدة، وفي جميع ذلك محكوم بالحرمة ، لأن الأدلة الثانوية مقدّمة عليها كما ثبت ذلك في الأصول، كما أنّها لا تجري فيما لو وجب بطرق عناوين أخرى كإنقاذ حق وحفظ مؤمن أو استلزام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهما ، ففي جميع ذلك يجب لأن الأدلة الثانوية محكمة على القاعدة.

الثاني : اللحوم والشحوم والجلود وجميع أجزاء الحيوان لو ذبحه كافر - مشركاً كان أو كتابيّاً - و من بحكمه كالنواصب والغلاة للأدلة الدالّة على عدم حلّيّة ذبائحهم كقول الصادق(علیه السلام) الوارد في ذبيحة اليهودي : « لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه»(1).

ومعتبرة إسماعيل بن جابر:«لا تأكل من ذبائح اليهود والنصارى ، ولا تأكل من آنيتهم»(2).

ص: 78


1- الاستبصار :84:4.
2- الكافى : 6: 240.

ولأصالة عدم التذكية ، وما دلّ على الخلاف إما محمول على التقية أو قاصر سنداً ومعارض بما هو أرجح منه ، فلابد من ردّ علمه إلى أهله كما ذكرنا في الذباحة من كتاب مهذّب الأحكام.

نعم ، لا يعتبر في تذكية السمك عند إخراجه من الماء الإسلام ، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ، سواء كان كتابيّاً أم غيره ، لإطلاق قوله(علیه السلام) : «إنّما صيد الحيتان أخذها»(1).

ولكنّ لو وجده في يد الكافر ميّتاً لم يحلّ أكله لأصالة عدم التذكية ، إلّا إذا علم أنّه قد مات خارج أو أخذ بعد موته في خارج الماء،ولا يحرز ذلك بكونه في يده،ولا بقوله لو أخبر به بخلاف يد المسلم،فإنه يحكم بحليته حتى يعلم الخلاف .

الثالث: ما ثبت حرمة أكله أو شربه عندنا كالحشيش والخمر والدم والميتة والمتنجسات مطلقاً ، أو ما يستثني من الذبيحة كالنخاع وحدقة العين على ما سبق مفصلاً، ففي هذه الموارد لا مجرى للقاعدة أصلاً. ثمّ إنّه في الأطعمة المصنوعة إن كان الطعام مائعاً ولاقى يد الكافر يتنجس ويدخل في المتنجسات ، فلا يجوز شربه أو أكله ، ولكن يجوز بيعه وسائر استعمالاته ، إلا أن يشترط فيه الطهارة ، وإن لم يكن مائعاً ، فقاعدة(كل يابس ذكیّ)جارية ، فيحل شربه وسائر استعمالاته حتّى فى الصلاة ، واللّه العالم بالحقائق(2).

ص: 79


1- الفقيه :324:3.
2- مواهب الرحمان : 10 : 430 .

القاعدة الثانية والعشرون:كلّ أيم يجوز نكاحها إلّا ما خرج

«كلّ أيم يجوز نكاحها إلّا ما خرج بالدليل.وتفصيل هذه القاعدة يأتي في قوله تعالى:(وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ )(1).

إلّا أنّه نقول هنا : لا فرق في النكاح بين الدائم والمنقطع ، وأنّ الآية الشريفة في المقام ظاهرة في النكاح المنقطع لقوله تعالى:(إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )(2)، فاستعمال الأجور في المتمتعات أكثر وأشهر من غيرها.

ومن هنا ذهب الفقهاء إلى جواز التمتّع بالكتابيّة دون غيرها، لظاهر الآية المباركة والنصوص المعصومية، ويعتبر فيها جميع ما يعتبر في ما يعتبر في المسلمة، كما ذكر في الفقه ، وإن كانت تجري قاعدة الإلزام في بعض الموارد إلا أنها لا تمنع مما ذكرناه. هذا واللّه العالم بالحقائق.

وأمّا الأحكام الخاصة التي تستفاد من الآيات الشريفة فهي كما يلي:

الأوّل : لا فرق في تعليم الكلاب بين أن يكون التعليم تكوينيّاً للحيوان ، أي وراثيّاً كما يقال فى شأن بعضها ، أو تحصيليّاً بالتدريب ، سواء أكان بواسطة

ص: 80


1- النور :32:24.
2- النساء 5:4 .

معلّم بشري أي مكلّب بصيغة اسم الفاعل وهو المعلّم للكلب ومشتقّ منه أم بواسطة حيوان آخر كالباز أو كلب آخر ، ويكفي الصدق العرفي للتعليم عند أهله ، كلّ ذلك لإطلاق الآية المباركة وغيرها .

ولو صاد في أثناء التعليم فإن كان واجداً للشرائط يحل أكله للإطلاقات والعمومات ، ولا يكون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، كما هو واضح .

الثاني : لا يجب الترتيب في الإرسال وذكر اسم الله تعالى ، فلو قدّم الذكر على الإرسال - على نحو لا تخل بالموالاة أو العكس كذلك،أو قارنه-صح لإطلاق قوله تعالى:(مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)(1) بعد اتفاق المفسّرين على أن الواو ليس للترتيب . نعم ، يستفاد من جملة من الروايات المقارنة مع الإرسال وهي غير الترتيب كما هو معلوم .

الثالث : لا يستفاد من الآية المباركة(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)طهارة الكتابي ، لأن الطعام أعم من المصنوع وغيره ، كما تقدم، وفي المصنوع أيضاً يمكن أن لا يلاقي الطعام بدن الكتابي بناءً على نجاسته ، والأخبار في طهارة الكتابي ونجاسته مختلفة ، وبعضها ظاهر في أن نجاستهم عرضية لعدم اجتنابهم عن الخمر والخنزير والدم وغيرها من النجاسات ، إلا أن المشهور خلاف ذلك ، و من أراد التفصيل فليراجع المفصلات.

الرابع : يستفاد من الآية الشريفة:(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ)(2).

والروايات الواردة في تفسيرها أنّ المانع عن النكاح مطلقاً هو الارتداد والشرك ،

ص: 81


1- المائدة 4:5.
2- المائدة 5:5.

وكونها حربيّة ، وأما غيرها كالكتابيات فيجوز نكاحهن تمسّكاً بإطلاق الآية الشريفة ، ولكن على كراهة ، خصوصاً في الدائمة للجمع بين الروايات. وأمّا المسلمة ، فلا يجوز لها أن تنكح الكافر مطلقاً ، دواماً أو انقطاعاً ، كتابياً أو حربياً ، مرتداً أو غيره ، وكذا من بحكمه كالنواصب ، واللّه العالم بالحقائق»(1).

ص: 82


1- مواهب الرحمان: 10 : 430 .

القاعدة الثالثة و العشرون:كلّ شرط ورد في الكتاب واقعي

قال : « يستفاد من الآية الشريفة الأحكام والقواعد التالية :

الأوّل : شرطيّة الطهارة للصلاة وبطلانها بلا طهارة ، وهذا الشرط واقعي لها لا علمي بالأدلة الثلاثة :

فمن الكتاب الآية المباركة كما عرفت - وقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَأَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفْوَا غَفُوراً)(1).

ويمكن تأسيس قاعدة كلّيّة،وهي:«أنّ كلّ شرط ورد في الكتاب الكريم واقعي ، إلا إذا دل دليل معتبر على أنه علمیّ»، كالطهارة والاستقبال في الصلاة ، والرضاء في التجارات ، وشرائط الإرث مطلقاً وغيرها ، وما خرج بالدليل كالتسمية في الذبيحة ، وسيأتي الاستدلال على هذه القاعدة والاستثناء عنها في الآيات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

ومن السنّة، روايات كثيرة بلغت التواتر.

ص: 83


1- النساء 43:4.

ففي الصحيح عن أبي جعفر(علیه السلام): «لا صلاة إلّا بطهور»(1).

وعن علیّ(علیه السلام)في المعتبرة : « افتتاح الصلاة الوضوء»(2).

وفي الصحيح أيضاً عن الصادق(علیه السلام):«الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور، وثلث ركوع ، وثلث سجود»(3)، وغيرها من الروايات التي يستفاد منها أن الطهارة شرط واقعي للصلاة ، فإذا انتفت انتفى المشروط .

ومن الإجماع ، ما هو ضروري بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، بل وآرائهم المتشتتة .

وممّا ذكرنا يمكن استفادة قاعدة كلّيّة ، وهي :«كلّ صلاة لا تصحّ إلا مع الطهارة »،عدا صلاة الميت وفاقد الطهورين.

ولا فرق فى الظهارة المبيحة للصلاة بين مناشئها كالوضوء والتيمم -إن حصل مسوغاته - وغسل الجنابة لا مطلق الغسل المندوب وغيره ، على ما ذهب إليه المشهور من فقهائنا ( رضوان الله عليهم أجمعين ) ، وهو المؤيد المنصور.

الثانى : يستفاد من الآية المباركة اعتبار النية في الوضوء والصلاة ، لقوله تعالى(إِذَا قُمْتُمْ)، وقوله تعالى:(فَاغْسِلُوا)، وقوله تعالى:(فَاطَّهَّرُوا)(4).وغيرها من الأفعال المتقوّمة بالقصد والإرادة ، فلا تصح طهارة الساهي وصلاته ، وكذا الغافل ، بل كل صلاة فاقدة للنية ، أو كلّ عبادة إذا لم يتحقق فيها النية وقصد التقرب إليه تعالى ، محكومة بالفساد.

ص: 84


1- الفقيه : 1: 33.
2- وسائل الشيعة : 366:1.
3- الكافي : 3: 273.
4- المائدة 6:5.

الثالث : كفاية وضوء واحد أو طهارة واحدة - الصلوات متعدّدة أو كل ما يشترط فيه الطهارة ، وكذا غسل واحد وإن تعدّدت الأسباب ، كتعدّد الجماع وغيره ، لإطلاق الآية الشريفة وكثير من الروايات ، ونصوص خاصّة :

منها : قوله(علیه السام):« إذا اجتمع عليك من اللِه حقوق يكفيك غسل واحد»(1)،ويعبّر عن ذلك بقاعدة «التداخل»، وهى وإن كانت خلاف الأصل، ولكنّها الطهارات متفق علهيا ، لما تقدّم ، والتعدي عنها يحتاج إلى دليل.

ثمّ إنّ ظاهر الآية الشريفة تعميم الحكم لمطلق المكلفين-المحدثين وغيرهم - أي كل من قام إلى الصلاة ، ولكن خص ذلك بالمحدثين ، لما تقدّم من الروايات.

نعم ، ورد في بعض الروايات:«الوضوء على الوضوء نور على نور»(2)الظاهرة منه الاستحباب ، فإنّ في كل وضوء تقرباً إليه تعالى ، ولا يجري ذلك في غيره من ذوات الأسباب ، كغسل الجنابة وغيرها ، فتأمل واللّه العالم .

الرابع : مقتضى الأصل في الطهارات الغسل بالماء مع الشرائط إلا ما دلّ دليل على بدليّة التراب ، حدثاً كان أو خبثاً ، ومستند هذا الأصل الآية الشريفة ، والسنن المعصومية، وسيأتي في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ )(3)ما يتعلق به »(4).

ص: 85


1- هذا مضمون الحديث المروي في تهذيب الأحكام : 1 : 107 .
2- الفقيه : 41:1.
3- الأنبياء30:31.
4- مواهب الرحمان: 11: 59 .

القاعدة الرابعة والعشرون:إتيان المكلّف العمل العبادي مباشرة مع تمكّنه

«الخامس : يستفاد من هذه الآية المباركة وغيرها من آيات الأحكام قاعدة كلّيّة ، وهي : «إتيان المكلف العمل العبادي مباشرةً مع تمكنه ، إلا ما خرج بالدليل ، ويدل عليها قوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(1).

ومن السنة الشريفة روايات مذكورة في الأبواب المتفرّقة.

ويمكن إقامة الدليل العقلي عليها ، فإنّ التكليف-أو المسؤولية المتوجّهة إلى الشخص - لا يسقط إلّا بقيامه بالعمل بنفسه ، ولو أتى به غيره، فبمقتضى الأصل بقائه وعدم سقوطه ، والفطرة المستقيمة تدلّ على ذلك أيضاً، وأما الاستعانة في مقدّمات العمل العبادي كصب الماء في الغسل ، فيجوز - حتّى ورد ذلك في غسل الميت - ولكن في خصوص الوضوء تكره فيه ، للنصّ المحمول عليها.

السادس: ظاهر الآية الشريفة يدل على إيصال الماء إلى جميع محال الوضوء أو الغسل برفع الموانع عنها ، لأن التعبير فيها بالغَسل دون الصبّ أو الجري ، ولعل ما ورد في السنّة من وجوب إيصال الماء إلى جميع محال الوضوء أو الغُسل ، مأخوذ من الآية المباركة.

ص: 86


1- الكهف 18 : 110 .

نعم، هناك موارد خاصّة لا يضر الحجب ، لأدلة خاصّة مذكورة في الفقه يعبّر عنها بالجبيرة.

كما أنّ المستفاد من إطلاق المسح في الآية المباركة بالرأس والرّجل ، المسح على بعضهما ، لمكان الباء ، وجواز النكس في مسح الرأس ، بل إطلاقها يدلّ على جواز المسح بماء مستأنف ومطلق الرطوبة ، كما في التيمم ، حيث لا حاجة فيه إلى العلوق ، إلا أنّ الروايات البيانية وغيرها قيدت ذلك ببقية بلل الكفّ من الوضوء.

السابع :الآية المباركة تدلّ على وجوب الترتيب بالنية مقارناً لغسل الوجه ، ثم اليد اليمنى ، وبعده اليسرى ، ثم مسح الرأس ، وينتهي الوضوء بمسح القدمين ، لقوله(علیه السلام): « ابدأوا بما بدأ اللّه به »(1).

كما يستفاد منها الموالاة ، لأنّ الأمر - الوارد في أعمال الوضوء المذكورة فيها بقرينة قول الصادق الالها في صحيحة الحلبي : «اتبع وضوءك بعضه بعضاً»(2)وللروايات البيانية والإجماع - للفور ، وذكرنا معنى الموالاة في كتابنا مهذب الأحكام في باب الوضوء.

الثامن : إطلاق الآية الكريمة يقتضي كفاية مرّة واحدة في الوجه أو اليدين ، وأن الغسلة الثانية مستحبّة ، لأجل روايات خاصة، وفي المسح يكفي مرّة لظاهر الآية المباركة.

التاسع : ذكر سبحانه وتعالى في الآية المباركة أصحاب الأعذار في استعمال الماء :

ص: 87


1- فقه القرآن : 1 : 37.
2- وسائل الشيعة : 1: 446 .

فمنها : المرض ، وإطلاقه يشمل جميع أقسامه وأنواعه ، بلا فرق بين أن يحصل باستعمال الماء ، أو كان حاصلاً ويتأخر البرأ منه باستعماله ، فالمدار كله المرض الذي يضره استعماله الماء ، إما بالوجدان أو بإخبار أهل الخبرة.

نعم ، لو كان المرض لا يضره الماء كوجع الأذن مثلاً ، أو الأمراض الباطنية التي ظهرت في هذه الأعصار ، كمرض ضغط الدم ، أو بعض أقسام الصداع ، فحينئذ يجب الوضوء بلا شكّ.

ومنها:السفر، كما هو الغالب ، خصوصاً في البراري والصحاري ، ويدل على ذلك تنكير (سفر).

ومنها :مطلق الحدث الأصغر ، سواء كان المحدث مسافراً أو مريضاً أو صحيحاً في بلده ، ولكن يعجزه تحصيل الماء.

ومنها: ما يوجب الغُسل بالجماع أو الاحتلام ، والآية الشريفة ذكرت الفرد الغالب أو الأكثر من محلّ الابتلاء بالكناية كما تقدّم.

فهذه أصول الأعذار ، وما سواها يرجع إليها كما هو واضح .

العاشر : يستفاد من الآية المباركة الواردة في التيمم الأحكام التالية :

الأوّل : عدم وجود الماء الأعمّ من عدم الوجدان ، أو عدم التمكّن من استعماله ، سواء لم يجد ما يكفيه للطهارة ، أو وجد ما يكفيه لبعض الأعضاء فقط ، فهو في حكم العدم، لأن المراد من قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا )(1)لتحصيل الطهارة المبيحة لما هو مشروط بها.

الثاني : القصد مقارناً لضرب اليدين على الأرض ، لقوله تعالى:(فَتَيَمَّمُوا ).

ص: 88


1- المائدة 6:5.

الثالث : أن يكون التيمم بمسمّى الأرض ، سواء كان تراباً أم صخراً أو مدراً حصى ، لإطلاق الصعيد الوارد في الآية الكريمة.

الرابع : أن يكون طاهراً وغير مغصوب ، لإطلاق قوله تعالى : (طَیِّباً).

الخامس : أن يكون المسح بباطن الكف، لقوله تعالى: (امْسَحُوا)فإنّ المتبادر من المسح لغة وعرفاً إمرار باطن الكف على الممسوح ، إلّا أن تكون قرينة على الخلاف أو مانع شرعیّ فيه .

السادس:مقتضى إطلاق الآية الشريفة كفاية وضع اليدين معاً على ما يصحّ به التيمّم،إلّا أنّ الوارد في السنة المباركة (الضرب ) ، وهو الوضع المشتمل على الاعتماد لا مجرّد الوضع لصحيحتي الكاهلي وزرارة المذكورتين في الفقه .

ولا يشترط العلوق باليد ، لإطلاق الآية الكريمة والروايات الواردة.

السابع : مسح الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين وإلى الطرف الأعلى المتصل بالجبهة ، لأنّه القدر المتيقن من التبعيض الوارد في الآية الشريفة ، مضافاً إلى الروايات البيانية وغيرها.

الثامن : أن يكون المسح بباطن كلّ من كفّيه معاً ، لظاهر الآية الشريفة وما ورد من الروايات . نعم ، لا يجب المسح بتمام كل من الكفين ، ويكفي المسح ببعضهما على نحو يستوعب الجبهة والجبينين.

كما يكفي الضربة الواحدة ،فيه لظاهر الآية الشريفة ، سواء كان بدلاً عن الوضوء أم الغسل ، ولكنّ المسألة محل خلاف ، ولا مبرر لذكره هنا ، ومّن شاء فليرجع إلى كتابنا مهذّب الأحكام.

التاسع : مسح ظاهر الكفّين ، وحدّهما الزندان، لظاهر الآية الشريفة والروايات البيانية وغيرها .

ص: 89

العاشر: الترتيب، بأن يضرب على الأرض بعد النية ، ثمّ يمسح الوجه ، ثمّ ظاهر اليمنى باليسرى ، ثم ظاهر اليسرى باليمنى، والموالاة ، لظاهر الآية الشريفة بإعانة الروايات التي سبقت للبيان ، وذكرنا ما يتعلّق بمعنى الموالاة في الوضوء والتيمم في الفقه .

الحادي عشر: أنّ الضرب للتيمم واحد في جميع الأغسال ، لإطلاق الآية الكريمة والروايات الواردة في بيانه .

الثاني عشر: ظاهر الآية الشريفة أنّه يباح بالتيمم كل ما يباح بالطهارة المائية ، المساوقته لما قبله ، فيجوز أن يصلّي بتيمم واحد صلوات متعدّدة ، ولا يجب عليه الإعادة بعد المكنة من الماء ، ويتعقب المقام فروع كثيرة ذكرناها في الفقه ، كما

أن كل ما يبطل الوضوء يبطل التيمم أيضاً ، لما تقدّم»(1).

ص: 90


1- مواهب الرحمان: 11: 59.

القاعدة الخامسة والعشرون:نفي الحرج

يدلّ قوله تعالى:(وَمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن حَرَجٍ )(1)على قاعدة عامة تجري في جميع أبواب الفقه ، وهي قاعدة نفي الحرج»،وأنّها من أمهات القواعد الفقهيّة،وتختص بالأحكام الفرعية الإلزامية،كما هو شأن كل قاعدةفقهيّة ، ومقتضاها سقوط الحكم الحرجي إن لم يكن له بدل لا حرج فيه وإلا ينتقل الحكم إليه .

والمراد من الحرج عدم الطاقة والشدّة في امتثال الحكم ، أو إتيان التكليف من ناحية المكلّف ، وأما لو كان التكليف في حد نفسه حرجياً بحسب الظاهر-كالجهاد ، والحج ، وأداء الحقوق الشرعية ، والصوم - فلا تشمله القاعدة أصلاً، لأن التشريع كذلك ، ففي الواقع لا حرج ، فالأحكام تابعة للمصالح والمفاسد.

ثمّ إنّ الحرج المنفي فيها الحرج العرفي الشخصي،كما في المرض والخوف وغيرهما ، لاختلاف النفوس والاستعدادات حسب الأفراد ، فإذا كان في امتثال الحكم حرج بحسب الأنظار العرفية والأمزجة الخاصة يتبدل الحكم أو يرتفع .

و مستند القاعدة الأدلة الأربعة :

فمن الكتاب ، قوله تعالى :(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن حَرَجٍ)، وغيره

ص: 91


1- المائدة 6:5.

كما يأتي .

ومن السنّة ، روايات مختلفة مذكورة في أبواب متفرقة ، منها ما عن عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : قلت لأبي عبد اللّه(علیه السلام) : إنّي عثرت فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة ، كيف أصنع بالوضوء ؟

فقال(علیه السلام): تعرف هذا وأشباهه في كتاب اللّه تعالى :(الأَمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن خرج)»(1).

ومن الإجماع ، فهو ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين على اختلاف طوائفهم.

ومن العقل، حكمه بقبح التكليف في مورد الضيق والشدّة ، وأنّ العسر على الإطلاق غير مرغوب فيه، ولعلّ ما ورد عن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله وسلّم): « بعثت بالشريعة السمحاء السهلاء »(2) في مقام الامتنان إشارة إلى ذلك .

وممّا تقدّم ظهر أن استيعاب محال الوضوء بالتراب في التيمم ليكون على نحو الطهارة المائية ، حرج مرفوع لم يكلف اللّه تعالى به العباد.

وهذه القاعدة لا تجري في حلّيّة المحرمات، فمن كان في حرج من عدم الاغتياب أو التهمة أو الكذب ، لا تحل له ، للإجماع ، ولأن مفسدة الارتكاب أكثر بمراتب عن مصلحة الترخيص، وأنّها مقدّمة على جميع الأحكام والقواعد حتى قاعدة «لا ضرر».

وذكرنا في كتابنا تهذيب الأصول الفرق بين الضرر المرفوع في الشرع والحرج ، بأنّ الأوّل أعم من الثاني.

ص: 92


1- الاستبصار : 1 : 77.
2- لم نجد الحديث في مظانه .

وقاعدة « لا حرج » كقاعدة لا ضرر ترخيصية امتنانية ، لا أن تكون على نحو العزيمة ، وتظهر الثمرة فيما لو ارتكب العمل مع الحرج بناءً على الترخيص ، يصح العمل دون العزيمة.

ودعوى سقوط الأمر لأجل الحرج ، فلاوجه لصحة العلم العبادي المتقوّم بقصد الأمر.

مدفوعة بأن سقوط الأمر لا يستلزم سقوط الملاك ، ومقتضى الأصل بقاؤه إلّا انّ يدلّ دليل على سقوطه أيضاً.

والفرق بين الحرج والضرر أنّ الأوّل أعمّ مورداً من الثاني ، لشموله للمشقّة التي لا تتحمّل عادة ، وإن لم يكن نقص في البين ، وقد ثبت في محله أن الأمور إما دون الطاقة أو بقدرها أو فوقها ، والأوّل مورد في جملة من الأخبار، والثاني مورد الحرج ، والثالث مورد الضرر.

ونفي الحرج كنفي الضرر يحتاج إلى التقدير ، وفيه أقوال ذكرناها في علم الأصول ، ومن شاء فليرجع إلى كتابنا تهذيب الأصول ، واللّه العالم»(1).

ص: 93


1- مواهب الرحمان : 11 : 59.

ص: 94

الباب الثاني الأحكام الفقهيّة في تفسير المواهب

كتاب الطهارة والصلاة:نجاسة الكافر الكتابي وطهارته

ص: 95

ص: 96

أشار المؤلّف له ضمن بحوثه التي قدمها في بحثه الفقهي إلى أكثر من مائة بحث فقهي من المباحث الفقهية مستدلاً بالأدلة الأربعة إلى وجوبها أو حرمتها .

وقد جمعنا كل ذلك وقدمناها إلى روّاد العلم والفضيلة بحسب تجزئة الكتب الفقهيّة من أوّل الطهارة إلى القصاص والديات.

منها : كتاب الطهارة والصلاة ، كتاب الصوم، كتاب الحج ، كتاب الجهاد ، كتاب النكاح والطلاق ، كتاب الإنفاق والصدقات، كتاب القضاء والشهادات ، كتاب الوصيّة ، كتاب الذباحة ، كتاب الحدود والقصاص والديات، وأحكام

فقهيّة أخرى.

ص: 97

ص: 98

قال : «اختلف الفقهاء قدّس اللّه تعالى أسرارهم في نجاسة الكافر الكتابي وطهارته ، كما أنّهم اتفقوا فى نجاسة المشركين من الكفّار بالأدلّة المقرّرة ، وأن المسألة بجوانبها محرّرة في الفقه مفصلاً.

وبناءً على طهارة الكتابي كما ذهب إليها جمع من الفقهاء - فهل تشمل الأدلة الدالة على نجاسة الكفّار من المشركين الكتابى أيضاً لقوله تعالى:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِنُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(1)، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً )(2)، وغيرهما من الآيات الشريفة ، فيكون الكفّار مطلقاً محكومين بالنجاسة أو لا تشملهم ؟

الظاهر هو الثاني ، لأن عنوان الكتابي - من اليهود والنصارى والمجوس - غیر عنوان المشرك ، لما فيهم نحو إضافة إلى الدين أو إليه سبحانه وتعالى ونزول الكتاب بواسطة أنبيائهم ، فالكتابي والمشرك عنوانان متقابلان ، وإن كان بينهما عنوان مشترك وهو الكفر ، وكان بعض عقائدهم يشابه عقائد المشركين ،

ص: 99


1- التوبة 9: 30 و 31 .
2- النساء 171:4.

إلّا أنّ الأحكام مطلقاً تابعة لعناوين موضوعاتها ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا )(1)، فأفرد سبحانه وتعالى المشركين عن اليهود والنصارى.

ودعوى أن المراد من الأعم في الآية المباركة غير المنحرفة إلى الشرك ، أي دين اليهود الواقعي الذي جاء به موسى ، أو النصرانية التي جاء بها المسيح ، ، غير صحيحة ، لأن التخصيص بذلك تخصيص بالفرد المعدوم أو القليل جداً.

وإطلاق الآية الشريفة يشمل اليهود والنصارى الموجودين حال نزول الآية الكريمة وبعده وهما لا يخلوان عن الشرك كما تنص الآيات المباركة الكثيرة.

أو تخصيص الأدلّة الدالة على نجاسة المشركين بالأخبار الدالة على طهارة الكتابي ، وفيها الصحيح ، وتقدّم مراراً أنّ للشرك مراتب ، وأن الأدلّة على نجاسة الكتابي تحمل على محامل مذكورة في الكتب الفقهية المفصّلة.

وأنّ الشرك الذي محكوم بالنجاسة وعدم الغفران والضلال البعيد والحرمان عن الدخول في الجنّة ووجوب القتل إن تحققت شروطه ، هو الشرك العظيم الذي هو الشرك في الذات أي المعبود - والعبادة والصفات أو إنكار المبدأ بالكلية - فإذا لم يكن كذلك خرج عن الحكم بالنجاسة واتصف بحكم آخر ولا ينافي ذلك مبغوضيته عند الشارع.

وبالجملة : أنّ عقيدة الكتابي بالشرك لا تنافي القول بطهارتهم - لو قلنا بها - والقول بنجاسة المشركين كما عرفت من الوجوه ، وحتى لو التزمنا بنجاسة الكتابي فالاستدلال بتلك الآيات الدالة على شركهم بنجاستهم مشكل ، فتأمل جيّداً.

ص: 100


1- الحج 17:22.

هذا كله لو قلنا بطهارتهم ، وأما لو قلنا بنجاستهم فلا موضوع لهذا البحث أصلاً كما هو واضح»(1).

ص: 101


1- مواهب الرحمان : 10: 259.

عدم جواز دخول الكفّار في المساجد

قال :«قد يستدل بقوله تعالى:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ )(1)على عدم جواز دخول الكفّار والمشركين في المساجد.

بتقريب : أنّه إذا استولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فلا يمكّنون الكافر حينئذ من دخولها . والصحيح أن الآية الشريفة لوحدها لا تدل على ذلك إلا بضميمة قوله تعالى:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )(2)، وقول نبينا الأعظم:«ألا لا يحجَنّ بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان»(3).

بعد الإجماع على عدم الفرق بين المشرك وغيره من الكافرين، وكذا سائر المساجد من هذه الجهة ، كما يأتي في قوله تعالى :(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(4)، ثمّ إنّه قد يتمسك بقوله تعالى: ﴿وَ لِلِّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ )(5)على جواز التوجه إلى غير القبلة في عدة موارد ، وقد ذكرنا أنّ ذلك من باب التطبيق وهي :

الأوّل: جواز صلاة النافلة على الدابة أينما توجّهت ، كما في صحيح حريز

ص: 102


1- البقرة 114:2.
2- التوبة 28:9.
3- شواهد التنزيل : 1 : 313.
4- الأعراف 31:7.
5- البقرة 2: 115.

عن أبي جعفر(علیه السلام): « أنزل اللّه هذه الآية(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ﴾ في التطوع خاصة ، وصلّى رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)إيماءً على راحلته أينما توجّهت به حيث خرج إلى خيبر ، وحين رجع من مكّة وجعل الكعبة خلف ظهره»(1).

وروى مسلم ، عن ابن عمر:«كان رسول اللّه يصلّي وهو مقبل من مكّة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه »(2).

ورواه في «الدرّ المنثور»عن جماعة .

الثاني: صحّة صلاة الخوف والتحيّر ، كما روي عن زرارة ، عن الصادق(علیه السلام): «لا يدور إلى القبلة»(3).

وروى الترمذي عن ابن ربيعة: «كنّا مع النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة ، فصلّى كلّ رجل منّا على حياله ، فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)، فنزلت(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)»(4).

الثالث : جواز سجود التلاوة لغير القبلة ، رواه الصدوق في «العلل» عن الحلبي ، عن الصادق : « يسجد حيث توجهت دابته»(5).

الرابع: عدم قضاء صلاة الفريضة إذا صلّيت خطأ لغير القبلة ، فقد روي في الفقيه عن الصادق(علیه السلام)، وتمسّك الجمهور برواية ابن ربيعة المتقدمة ، وفيه تفصيل ذكرناه في الفقه»(6).

ص: 103


1- وسائل الشيعة333:4.
2- صحیح مسلم :488:3.
3- والمرويّ في وسائل الشيعة : 441:8. عن زرارة ، عن أبي جعفر(علیه السلام).
4- سنن الترمذي : 2: 77.
5- علل الشرائع : 358:2.
6- مواهب الرحمان: 560:1.

ما يستفاد من الأحكام من آية السكارى

قال : « يستفاد من الآية الشريفة أحكام خاصة تتعلق بالجنابة والتيمم وسائر الأعذار :

الأوّل: يدلّ قوله تعالى: (یَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى)(1)على بطلان الصلاة لو أتى بها في حال السكر من الخمر، ويجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه بعد شعوره ، ولو كان المراد من السكر النعاس، فالنهي إرشاد إلى عدم الكمال لو تحقق سائر شرائط صحتها ، إلا إذا فقد الاختيار بسبب النعاس، بحيث لا يصلح ما يقول ولا يدرك ما يتلفظ به، فتبطل الصلاة حينئذ.

كما تدلّ الآية المباركة على بطلان الصلاة حال الجنابة ، ولا ترتفع الجنابة إلا بالغسل عند التمكن من استعمال الماء أو التيمم بدلاً عنه ، إلا إذا كان هناك عذر من مرض أو سفر أو نحو ذلك .

الثاني : يدل قوله تعالى: ﴿إِلَّا عَابِرِي سَبيل)على عدم جواز مكث الجنب في المساجد ، إلا إذا كان مجتازاً فيها ، فيجوز ما عدا المسجدين ، كما دلّت عليه السنة.

الثالث : يدلّ قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ

ص: 104


1- النساء 43:4.

الْغَائِطِ أَوْ لَأَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)أنّ التيمم بدل عن الماء في كلّ ما يشترط فيه الطهارة ، فيستباح به كلّ ما يستباح بالطهارة المائية ، وتدل على ذلك جملة من الروايات ، ففي بعضها: «إن التراب أحد الطهورين»(1).

ومن ذلك يعلم أن ما ذكره فخر المحققين في الآية الكريمة من عدم جواز الطواف بالبيت للجنب المتيمم بل ولا مكثه في شيء من المساجد، وإن تيمّم تيمّماً مبيحاً للصلاة ، لأنّه عزّ وجلّ علّق دخول الجنب إلى المساجد على الإتيان بالغسل مع وجود الماء وعلى التيمم مع العدم، فحمل الطواف والمكث على الصلاة في ذلك قياس لا نقول به ، غير صحيح ، لأن الآية المباركة تبين حكم الصحيح غير المعذور مطلقاً ، المعذور مطلقاً ، فعيّن له الطهارة المائية.

ثمّ بيّنت حكم المعذور فعيّن له التيمم بدلاً عنه ، فيقوم البدل مقام المبدل عنه في جميع الأحكام ، إلا ما خرج بالدليل ، مع أن الشارع أباح للتميمم الدخول في الصلاة ، فيدل على إباحته للدخول إلى المساجد بطريق أولى ، والمسألة محرّرة في الكتب الفقهية ، فراجع .

الرابع : قد ذكر سبحانه الجنابة وبين سبباً واحداً لها في ذيل الآية المباركة ، وهو ملامسة النساء ، أي الجماع معهنّ مطلقاً ، ولها سبب ثان أيضاً وهو نزول المني مطلقاً في نوم ويقظة ، سواء كان مع شهوة أو بدونها.

الخامس : يستفاد من قوله تعالى:(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)أنّ المناط الرجوع إلى التيمّم هو عدم وجدان الماء مطلقاً، سواء كان من جهة العجز وعدم التمكن من استعماله ، أم كان من جهة فقده ، أم كان من جهة حصول الضرر

ص: 105


1- الحديث كما في أمالي الصدوق : 647 :«لأنّ التيمم أحد الطهورين».

باستعماله ، فيستفاد جميع موارد العذر المذكورة منه .

ويحتمل أن يكون المراد من عدم الوجود فقده ، ولا يشمل عدم التمكن من استعماله ، فحينئذق يستفاد بعض أفراد المعذورين من دليل آخر.

السادس: إطلاق الآية الكريمة يدلّ على كفاية الضربة الواحدة في التيمم، سواء كان بدلاً عن الوضوء أم كان بدلاً عن الغسل ، إلا أن بعض الروايات تدلّ على التعدّد في البدل عن الغسل كما أن إطلاق الآية المباركة يدل على كفاية مطلق الضرب، سواء كان تعلّق باليد شيء من التراب أم لا ، بل في بعض الروايات جواز النقض.

السابع:يستفاد من الآية الشريفة عدم احتياج غسل الجنابة إلى الوضوء ، لأنه جعل النهي عن قربان الصلاة مغيّاً بالغسل ، فلو كان مفتقراً إلى الوضوء لوجب بيانه ، وإلا كان بعض الغاية غاية ، وهو باطل»(1).

ص: 106


1- مواهب الرحمان :270:8.

دلالة الآية على حرمة الانتفاع بالخمر

قال :«يستفاد من الآيات الشريفة بعض الأحكام الفرعية الفقهية، نذكر المهمّ منها .

الأوّل : يحرم الانتفاع بالخمر لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ )(1)، لأنّ المحكوم بكونه رجساً هو الاقتراب من المذكورات ، وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى باجتنابها ، فيشمل جميع الانتفاعات ومنها الشراب ، وذكرنا ما يتعلّق بالخمر وعموم الآية يشمل جميع أنحاء التصرّف والانتفاع ، كما هو معروف عند الإمامية ، فراجع .

الثاني : يحرم الاكتساب بالميسر ، بل كلّ انتفاع بالتقريب الذي ذكرناه ف-ي الخمر ، ويدخل فيه سائر أنواع القمار ، فيحرم عمل آلته وحفظها وبيعها وإعارتها وأثمانها ، بل بيع الخشب ونحوه ليعمل آلة لذلك.

ويأتي الكلام بعينه في الأنصاب والأزلام فيدخل في عموم تحريمهما ، بيعها وشراؤها ، وبيع الخشب وشبهه ليعمل صنماً ، وتحريم أثمانها ، والتفصيل مذكور في الفقه ، فراجع كتابنا مهذب الأحكام.

الثالث : كما يحرم استعمال هذه الأمور الأربعة كذلك يحرم اقتناؤها ، بل يجب إتلافها وإخراجها عن صورها ، فيجب إهراق الخمر، ويحرم اقتناؤها

ص: 107


1- المائدة 5: 90.

إلّا أن يقصد به التخليل ، فقد استثنى منه ذلك للنصّ ، فراجع الفقه .

الرابع : يستفاد من قوله تعالى:(رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطَانِ)قذارة الخمر، كما عرفت في التفسير.

وأمّا نجاستها ، فإن قلنا بأنّ الرجس يأتي بمعنى النجس كما عن بعض الفقهاء ، فتدل الآية الشريفة عليها بالمطابقة ولا نحتاج إلى دليل آخر .

وإن قلنا بأنّ الرجس يختصّ بالقذارة المعنوية دون النجاسة ، فلابدّ من إثباتها من الرجوع إلى الأخبار ، وهي كافية في ذلك ، مضافاً إلى الإجماع ، راجع كتابنا مهذب الأحكام.

الخامس : ذكرنا بأنّ قوله تعالى:(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا )(1)فی مقام الامتنان والتوسعة على المؤمنين وكسائر القواعد الامتنانية ، فيجري عليه ما يجري من الأحكام والآثار المعروفة في علم الأصول ، فيستفاد رفع الإثم والمؤاخذة عمّا صدر من المؤمنين في حال الكفر ، أو كلّ عذر شرعي مقبول ، وهذا مما يفتح منه ألف باب ، فراجع»(2).

ص: 108


1- المائدة 5: 93.
2- مواهب الرحمان : 225:12.

أحكام مستفادة من دلالة آية المحيض

قال :«يستفاد من الآيات الشريفة ما يلي من الأحكام الفقهية:

الأوّل : الحيض دم يخرج من الرحم ذو أوصاف معلومة ، تختلف باختلاف الأمزجة والأمكنة والأزمنة ، وقد حدّدته الشريعة الإسلامية بحدود خاصة وقيود مخصوصة وردت في السنة المقدّسة ، وشرحها الفقهاء بما لا مزيد عليه ، تعرّضنا لها في كتابنا مهذب الأحكام.

وهو يختلف عن كل دم خارج عن الرحم تراه المرأة ، كالنفاس والاستحاضة ودم العذرة ، ولا فرق في حصول الحيض بين أن يكون طبيعياً أو بالعلاج ، والمناط تحقق شرائطه المعتبرة شرعاً.

والحيض من الحدث الأكبر، وهو ما يوجب الغسل كالجنابة والنفاس ، وكذا بعض أقسام الاستحاضة ، فلا يرتفع حدث الحيض إلا بالغسل ، ولا يكفي تطهير المحلّ.

الثاني: الطهارة والنجاسة من الأمور الشائعة عند الناس بلا اختصاص لهما بقوم دون آخرين أو ملة دون أخرى ، وهما ناشئان عن وجدان الأشياء ما يوجب تنفّر الطبع والرغبة عنها أو ما يوجب الإقبال والرغبة إليها.

وهذا المنشأ وإن كان بادئ الأمر محسوساً ، ولكنّ الإسلام عمّمهما بالنسبة إلى المحسوسات والمعقولات ، كالأخلاق والعقائد والأقوال والأفعال ونحو ذلك.

والنجاسة هي القذارة المحدودة شرعاً.

ص: 109

والطهارة صفة خاصة تنافي النجاسة ، وهي إما ظاهريّة - التي تحصل من زوال النجاسة والتجنّب عنها ، أو معنوية ولها مراتب كثيرة . قال تعالى:(وَثِيَابَكَ فَطَهُرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(1).

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيراً)(2).

وقال تعالى:(لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(3).

فكما أن ظاهر البدن واللباس يستقذر بالقذارات الظاهرية، فلابد في تطهيرهما بالكيفيّة المقرّرة في الشريعة الإسلامية ، كذلك تستقذر الروح بالمعاصي والذنوب والأخلاق الرذيلة ، ولا بدّ من تطهيرها بالإيمان والتوبة والاجتناب عمّا يوجب التنفّر والكراهة وإلا حصل التباعد بينها وبين المبدأ الفياض ، فتبتعد عن محلّ القدس، وتخرج عن الصراط المستقيم ، وتهوي أخيراً إلى سواء الجحيم ، وقد اهتم الإسلام بكل منهما نهاية الاهتمام وكماله . والطهارة في جميع الكتب السماوية تكون على قسمين: إما طهارة حدثية أو طهارة خبثية .

والأولى ترفع الأحداث ، وهي : الوضوء والغسل على ما هو المقرر في الشرع الإسلامي.

والثانية: تزيل النجاسة الحاصلة بملاقاة إحدى الأعيان النجسة ، وهي في الشريعة الإسلامية إحدى عشرة : الدم والبول ، والغائط ، والمني من الإنسان وبعض الحيوانات، والميتة ، والكلب والخنزير البرّيّان ، والمشرك ، والمانع

ص: 110


1- المدثر 74 : 4 و 5 .
2- الأحزاب33:33.
3- الواقعة 79:56.

من المسكر على ما هو مفصّل في الفقه.

الثالث:يستفاد من قوله تعالى:(فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ )(1)أنّ المحرّم هو إتيان النساء في محلّ الحيض فقط ،لاختصاص العلة التي ذكرها سبحانه في الآية الشريفة بهذا الموضع،فيحرم الجماع في الفرج لا مطلق التلذذ والتمتع والمعاشرة، ويكون ذلك حداً وسطاً بين تحريم مطلق المعاشرة مع الحائض كما يفعله اليهود وبعض العرب ، وبين الإباحة المطلقة كما يفعله النصارى أو بعض مشركي العرب الذين كانوا يستحبّون المعاشرة معهنّ في هذا الوقت .

الرابع : ربّما قبل بدلالة قوله تعالى:(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ) على حرمة إتيان النساء من أدبارهنّ ، ولكنه فاسد ، لأن الآية وردت لبيان حكم خاصّ في حالة مخصوصة ، ولا دلالة لها على شيء آخر إلّا بضميمة مفهوم اللقب أو أنّ الأمر يقتضي النهي عن ضدّه ، وقد أثبتنا بطلان كلّ منهما في الأصول، و من شاء فليراجع كتابنا مهذب الأحكام. الخامس : يستفاد من قوله تعالى:(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )(2)التوسعة في إتيان النساء وجواز الاستمتاع من الزوجة من حيث المكان والزمان ، إلا ما ورد النهي عنه شرعاً ، وإطلاق الآية المباركة يشمل جواز إتيان الزوجة قبلاً ودبراً ، وهو المشهور بين فقهاء الفريقين، والمسألة مذكورة في كتب الفقه مفصلة .

السادس : ربما قيل بأن إطلاق قوله تعالى:(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ

ص: 111


1- البقرة 2: 222.
2- البقرة :223:2.

أَنَّى شِئْتُمْ) يدلّ على جواز العزل عند الجماع.

ولكنّه موهون جداً ، لأن الإطلاق إنّما يؤخذ به إذا كان في مقام البيان ، ومع العدم أو الشك في البيان لا يمكن التمسك به كما ثبت في علم الأصول.

السابع : يدل قوله تعالى: (حَتَّى يَطْهُرْنَ )(1)على كفاية نقاء المحل ولو بملاحظة مجموع الآية - بصدرها وذيلها - بعد ردّ بعضها إلى بعض كما هو الشأن في استفادة حكم من الأحكام الشرعية من الأدلّة»(2).

ص: 112


1- البقرة : 222:2.
2- مواهب الرحمان : 389:3.

المراد من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ )

قال :«ذكر المفسّرون أن المراد من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ )(1)هو الأذان ، بل قال بعضهم إنه لم يذكر في القرآن الكريم الأذان إلا في هذا الموضع ، وقد عرفت أن لا صحّة له .

واختلفوا في مشروعيّة الأذان ، فقد ذهب الجمهور إلى أنه لم يكن الأذان بمكة قبل الهجرة ، وإنّما كانوا ينادون:الصلاة جامعة ، فلمّا هاجر النبي(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)وصرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالأذان ، وبقى الصلاة جامعة لأمر عارض ، وكان النبي(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)قد أهمّه أمر الأذان حتى أريه عبداللّه بن زيد وعمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق وفي رواية أخرى أبي بن كعب - وأن عبد اللّه بن زيد أخبر النبي(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)بذلك ليلاً، وأنّ عمر قال: «إذا أصبحت أخبرت النبي(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)، فأمر النبي(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)بلالا فأذن بالصلاة أذان اليوم ، وزاد بلال في الصبح الصلاة خير من النوم ، فأقرها رسول اللّه وليست فيما أري الأنصاري(2).

ولكن ذهب الإمامية إلى أن الأذان كان بوحي إلهي ليلة المعراج ، ففي صحيح ابن سالم ، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)، قال : «لمّا أسري برسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)وحضرت الصلاة أذن جبرئيل وأقام الصلاة ،فقال(علیه السلام) : يا محمّد ، تقدّم .

فقال له رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله و سلّم) : تقدّم جبرئيل .

ص: 113


1- المائدة 5: 58.
2- الطبقات الكبرى : 1 : 247 .

فقال له : إنّا لا نتقدم على الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم»(1).

وفى رواية منصور بن حازم ، عن الصادق(علیه السلام): « لمّا هبط جبرئيل (علیه السلام)بأذان على النبيّ كان رأسه في حجر على ، فأذن جبرئيل وأقام ، فلما انتبه رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)قال :

یا علیّ ، هل سمعت ؟

قال : نعم .

قال : حفظت ؟

قال : نعم .

قال : ادع بلالاً فعلّمه ، فدعا على بلالاً فعلّمه»(2).

ولاينافي صحيح ابن سالم لصدورالأذان مرّتين من جبرئيل مرّة في السماء،والأخرى في الأرض لبيان شرعيّتهماوكيفيتهما .

ويمكن مناقشة ما ذكره الجمهور:

أوّلاً:بأن مقام النبوة يجلّ من أن يأخذ حكماً إلهيّاً وشعاراً دينياً عام البلوى برؤيا شخص من أمته ،لا سيما مع اهتمامه(صلی اللّه علیه وآله و سلّم) به وهو أولى أن يريد اللّه تعالى دون غيره .

وثانياً : معارضته بروايات صحاح على أنه بوحي إلهي ، كما عرفت.

ومن الغريب جداً أن القصة افتعلت بعد وقوع التغيير في فصول الأذان ليحتجّ بأنّ التغيير وقع في نوم رجل لا في الوحي السماوي ، ويشهد زيادة بلال في الصبح : الصلاة خير من النوم ، كما تقدّم ، على أن التثويب وهو قول الصلاة خير من النوم مورد الخلاف عندهم في كيفية درجها في الأذان ، راجع الكتب

ص: 114


1- وسائل الشيعة 5: 439.
2- عوالي اللتالي : 2: 33.

المفصّلة في خصوص الأذان والإقامة للفريقين.

ثمّ إن قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ )(1)يدل على وقوع المسخ في اليهود ، وفي أدلّة أخرى كتاباً وسنة وقوعه في غيرهم أيضاً ، والمسخ هو تحويل صورة إلى صورة أخرى أقبح من الأولى لأمور ذكر عزّ وجلّ بعضها في هذه الآية الشريفة ، ويمكن أن يتعلّق بالقلب فقط ، فالصورة صورة إنسانية والقلب قلب حيوان .

وكيف كان ، فهو عقاب إلهي كان في الأمم السابقة يعاقب به الخارجين عن طاعته المتوغلين في معصيته ، وقد ارتفع عن أمة الإسلام ببركة خاتم الأنبياء(صلی اللّه علیه وآله و سلّم) الذي أرسله اللّه عزّ وجلّ رحمة للعالمين ، وحكم المسوخ عند الإمامية أنه لا يجوز أكلها نصوصاً وإجماعاً.

ففي الصحيح عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) : «حرّم اللّه ورسوله المسوخ كلّها »(2)، ومثله غيره.

وأمّا عدد المسوخ ، فالروايات بين مقلّة ومكثرة إلى سبعمائة ، ففي الحديث عن الصادق(علیه السلام): « المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً، منهم القردة ، والخنازير ، والخفّاش ، والضبّ ، والفيل ، والدبّ ، والدعموس ، والجريث ، والعقرب ، وسهيل(3)، والقنفذ ، والزهرة(4)، والعنكبوت»(5).

وغير ذلك من النصوص.

ص: 115


1- المائدة 5 : 60.
2- وسائل الشيعة :105:24.
3- حيوان من حيوانات البحر لا الكوكب المعروف .
4- حيوان من حيوانات البحر لا الكوكب المعروف.
5- وسائل الشيعة: 24 : 109.

وأمّا طهارته فقد وقع الخلاف فيها عند الفقهاء ، والمشهور عندهم الطهارة ، كما اختلفوا في قبولها للتذكية، والمشهور عدم قبولها راجع كتابنا مهذب الأحكام.

وقد تقدّم في هذا التفسير بعض الكلام في المسخ ، فراجع .

وأمّا السحت فهو الحرام أكل السحت هو كل ما لا يحل كسبه - وعن علي(علیه السلام)«هو الرشوة في الحكم»- ومهر البغي ، وكسب الحجّام ، وعسب الفحل ، وثمن الكلب، وثمن الخمر، وثمن الميئة ، وحلوان الكاهن ، والاستعمال في

المعصية(1).

وعن الصادق(علیه السلام):«السحت أنواع كثيرة ، فأما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه»(2).

وغير ذلك من الأخبار التي تذكر فيها أنواع السحت،وفي المذكورات بحث راجع المكاسب من كتابنا مهذب الأحكام»(3).

ص: 116


1- عوالي اللتالي : 2 : 109.
2- وسائل الشيعة: 96:17.
3- مواهب الرحمان: 11: 454.

جزئيّة البسملة في كل سورة

قال: « البسملة في أوّل كلّ سورة إما جزء منها ، أو من السورة التي تسبقها ، أو آية متكرّرة في القرآن ، أو من غيره ذكرت تبركاً.

والكلّ واضح البطلان ، كما يأتى ، سوى الأوّل ، وقد وردت النصوص على ذلك ، فتكون البسملة جزء من كل سورة التي افتتحت بها إلا في سورة التوبة ، فإنّه لا بسملة لها كما ستعرف.

فعن عليّ (علیه السلام):«البسملة في أوّل كلّ سورة آية منها ، وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزولها ابتداءً للأخرى ، وما أنزل اللّه تعالى كتاباً من السماء إلّا وهي فاتحته»(1).

وعنه الا أيضاً : « أنها من الفاتحة ، وأنّ رسول اللّه(صلی اللّه و علیه وآله و سلّم)كان يقرأها ويعدّها آية منها ، ويقول : فاتحة الكتاب هي السبع المثاني»(2).

وعن أبي جعفر(علیه السلام): « سرقوا أكرم آية من كتاب اللّه بسم اللّه الرحمن الرحيم»(3).

وعن الرضا (علیه السلام): « ما بالهم قاتلهم اللّه عمدوا إلى أعظم آية في كتاب اللّه فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها»(4).

ص: 117


1- تفسير الصافي : 1 : 82.
2- بحار الأنوار 59:83.
3- مستدرك الوسائل : 4: 165 .
4- والحديث عن الصادق كما في تفسير العياشي : 1 : 21.

وفي سنن أبي داود ، قال ابن عباس:«إنّ رسول اللّه(صلی اللّه و علیه وآله و سلّم)كان لا يعرف فصل السورة أي انقضاءها حتّى ينزل عليه بسم اللّه الرحمن الرحيم»(1).

وفي صحيح مسلم ، عن أنس: «قال رسول اللّه(صلی اللّه و علیه وآله و سلّم): أنزل علىِّ أنفا سورة فقرأ:بسم اللِه الرحمن الرحيم»(2).

وروى الدارقطني عن أبى هريرة :«إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فإنّها أمّ القرآن ، أم الكتاب والسبع المثاني ، وبسم اللّه الرحمن الرحيم إحدى آياتها»(3)كنز العمال : 437:7.(4).

والأخبار في كونها جزء من سور القرآن كثيرة من الفريقين.

استحباب الجهر بالبسملة

ويستحبّ الجهر بالبسملة مطلقاً كما ورد النص بذلك ، وقد جعل ذلك من علامات المؤمن ،كما في الحديث(5)، ولعل السرّ في ذلك هو أن الجهر بها إجهار بالحق وإعلان الحقيقة الواقع.

كما تستحب الاستعاذة باللّه من الشيطان عند قراءة القرآن لقوله تعالى:(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانُ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ

مُشْرِكُونَ)(6).

ص: 118


1- الجامع الصغير : 362:2.
2- الاتقان : 1: 71.
3-
4-
5- تهذيب الأحكام : 6: 53 .
6- النحل :16 : 98 - 100 .

بل يستفاد من بعض الآيات لا سيّما سورة النساء - استحباب الاستعاذة مطلقاً ، وهي إما قولية أو فعلية واجتماعهما في واحد هو من الكمال ، وسيأتي التفصيل »(1).

ص: 119


1- مواهب الرحمان:24:1.

قوام الصلاة بفاتحة الكتاب

قال: « يظهر من الروايات المستفيضة بين الفريقين أن قوام الصلاة بفاتحة الكتاب ، فعن نبينا الأعظم(صلی اللّه و علیه و آله و سلّم)أنّه قال : « لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(1).

وقال: «كلّ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خراج»(2).

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة».

ص: 120


1- الصراط المستقيم : 2 : 199 .
2- عوالي التالي : 2 : 218.

حكم التأمين في الصلاة

قال: « وأما التأمين بعد الفاتحة فيبحث فيه: تارة بحسب الثبوت ، وأخرى بحسب الإثبات.

أمّا الأوّل: إنّ الهداية إما أن تلحظ من حيث إضافتها إلى اللّه تعالى ، فهو الهادي ، فحينئذ لا رجحان لذكر «آمين» بعدها ، كما في جميع صفاته تعالى الفعليّة ، وأمّا أن تلحظ من حيث إضافتها إلى العبد ، أي طلب الهداية منه تعالى ، فكذلك أيضاً لغرض حصول جميع مناشئ الهداية وأسبابها وموجبات إتمام الحجّة منه عزّ وجلّ ، فقد حصل المطلوب خارجاً ، فلا يعقل معنى صحيح للتأمين على ما وقع وحصل.

وإن كان المراد بها بحسب البقاء لا أصل الحدوث، فإن أضيف البقاء إليه عزّ وجلّ فهي باقية ، لأن حجته تامة وباقية ببقاء الإنسان ، ولا وجه للتأمين عليه أيضاً ، وإن أضيف العبد فهو من فعله ولا معنى لتأمين الشخص على فعله، وإن أريد به أن يوفق الله عبده لإدامة الهداية لنفسه في المستقبل ، كما وفقه في الماضي فهو خروج عن ظاهر اللفظ بلا دليل .

وأمّا الثاني : فقد نسب إلى نبينا الأعظم بأسناد غير نقية قول «آمين» بعد تمام الحمد ، فالمقام مقام الحمد لله تعالى على هذه النعمة العظيمة من وقوف العبد بين يدي اللّه تعالى ، ومخاطبته معه جلّ شأنه .

ويرشد إلى ذلك قوله تعالى :(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا

ص: 121

أَنْ هَدَانَا اللهُ)(1).

قد ورد عن الصادق(علیه السلام) : « إذا قال الإمام (وَلَا الضَّالِّينَ)، فقولوا الحمد للهّ رب العالمين»(2).

ثمّ إنّه يجوز قصد الإنشاء بجملة(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾و﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)ونحوها من الآيات الكريمة ، مع قصد القرآنية أيضاً ، لأنّ المتكلّم في مقام إيجاد مفاهيم هذه الألفاظ لفظاً ، والبناء على العمل طبقها خارجاً.

وقد أشكل عليه جمع من المفسّرين ، فإنّه من استعمال اللفظ في معنيين ، وهو غير جائز .

وهو مردود ، لأنّ الاستعمال الممتنع - على فرض امتناعه - إنّما هو في ما إذا كان المعنيان فردين مستقلين في الإرادة الاستعمالية ، كلّ منهما في عرض الآخر ، لا في ما إذا كان أحدهما استقلالياً والآخر تبعيّاً، وإلا فهو واقع كثيراً في المحاورات الصحيحة ، والمقام من هذا القبيل، فيقصد القارئ القرآنية استقلالاً والإنشائية تبعاً ، والمسألة أصولية تعرضنا لها في تهذيب الأصول»(3).

ص: 122


1- الأعراف43:7.
2- لم نجد الحديث بهذا اللفظ.
3- مواهب الرحمان: 1: 71.

ثبوت قصر الصلاة في السفر

قال اللّه: «استدلّ فقهاؤنا الأبرار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بقوله تعالى :(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ )(1)على ثبوت قصر الصلاة في السفر، وكذا استدلوا بها على قصر صلاة الخوف سفراً ،وحضراً ، وكذا صلاة المطاردة.

والآية المباركة وإن كانت مجملة من حيث بعض الشروط وبيان الكيفية ، إلا أنّ السنة الشريفة بينت خصوصيات الموضوع بياناً شافياً.

وتختص القصر بالصلاة الرباعية في السفر بالشروط المذكورة في الكتب الفقهيّة ، وهي أمور:

الأوّل :أن لا يكون السفر سفر معصية ، كالسفر لأجل شرب الخمر ، أو السرقة ، أو قطع الطريق ، وغيرها من الفواحش ، ولا يجب أن يكون طاعة ، كالسفر للجهاد أو الحج المفروض ، ولو كان مباحاً كسفر التجارة وجب القصر ، ولذا لم يقيد في الآية المباركة الضرب بكونه في سبيل اللّه تعالى كما في الآية السابقة .

الثاني : أن تتحقق المسافة الشرعيّة ، وهى ثمانية فراسخ-أو أربعة فراسخ إذا رجع في نفس يومه - أو ( 44 ) كيلومتراً على التفصيل المذكور في الكتب الفقهية.

وقد اختلفت المذاهب في هذا الشرط ، فقال أبو حنيفة: «مسيرة ثلاثة أيام

ص: 123


1- النساء 4: 101.

ولياليها بسير الإبل ، ومشي الأقدام بالاقتصاد في البرّ، وجري السفينة والريح معتدلة في البحر». وقال الشافعي:«التقدير بيوم وليلة»، والمشهور بينهم التقدير بالفراسخ ، واختلفوا ، فقال بعضهم: إنّه أحد وعشرون فرسخاً، وقال آخرون ثمانية عشر ، وآخرون خمسة عشر.

الثالث : أن يكون المسافر قاصداً للسفر، فلا قصر على الذاهل والمتردّد ، ويستفاد هذا الشرط من ظاهر الآية المباركة: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصلاة)، كما عرفت .

الرابع : استمرار القصد، فلو عدل عن قصده قبل بلوغ المسافة الشرعية أو تردد ، أتم للأدلة التي ذكرناها في كتابنا مهذب الأحكام.

الخامس : أن لا يكون ممّن بيته معه كأهل البوادي الذين ينزلون البراري في محل العشب والكلأ ومواضع القطر واجتماع الماء لعدم صدق المسافر عليهم ، وكذا لا يكون من الذين اتخذوا السفر عملاً وشغلاً لهم كالمكاري والسائق والساعي والراعي ونحوهم ، فإن هؤلاء يتمون في سفرهم الذي هو عمل لهم لعدم انقطاع ،سفرهم ، ولنصوص كثيرة مذكورة في الكتب الفقهية.

السادس : الوصول إلى حد الترخص ، وهو المكان الذي يتوارى عنه جدران بيوت البلد ، ويخفى عنه أذانه لصدق التلبس بالسفر عرفاً ، ولأدلّة أخرى مذكورة في الكتب الفقهيّة ، وهناك قواطع للسفر ذكرناها في كتابنا مهذب الأحكام.

واختلف علماء الجمهور في القصر في السفر، فقال الشافعي:«عدم وجوب القصر وأفضليّة التمام»، واستدل بقول عائشة : «أنّ رسول اللّه كان يقصر في السفر ويتم»(1).

ص: 124


1- الفتح السماوي : 2 : 516 .

وبما رواه النسائي والدارقطني :«نّ عائشة لما اعتمرت مع رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)وقالت:يا رسول اللّه ،قصرت وأتممت وصمت وأفطرت ؟

فقال: أحسنت يا عائشة»(1).

وقال مالك: «إنّه يجب القصر وجوب عزيمة لا رخصة فيه».

واستدل بما رواه النسائي وابن ماجة عن عمر أنّه قال :«صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم عليه الصلاة والسلام»(2).

وبما رواه الشيخان عن عائشة أنها قالت: «أوّل ما فرض اللّه تعالى الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر»(3).

وذهب جمع إلى أن القصر في الآية الشريفة ليس هو قصر الرباعية في السفر المبين بشروطه في كتب الفقه ، فذلك مأخوذ من السنة المتواترة ، وأما ما في المقام فهو في صلاة الخوف، كما ورد عن بعض الصحابة والشروط فيها على ظاهرها.

ولكن عرفت في التفسير بطلان ذلك ، وأما ما ذهب إليه الشافعي فهو مخالف لسنّة رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)هو مذهب أهل البيت ، وعمل الصحابة ، وأما رواية عائشة فهي مردودة من جهات كثيرة ، وقد ذكرها علماء الجمهور في كتبهم.

وأما صلاة الخوف فهي مقصورة سفراً ،وحضراً ، جماعة وفرادى ، إلا في الصبح والمغرب ، لما تقدّم من الآية المباركة والسنّة المعصومية.

والمراد من الخوف الخوف الذي يكون مقتضياً لتخفيف الصلاة ، سواء كان

ص: 125


1- المجموع :334:4.
2- أحكام القرآن : 2 : 318.
3- تفسير الآلوسي : 5: 132.

ذلك من عدوّ أو لص أو سبع أو ظالم ، لا كل خوف ولو لم يقتض ذلك .

ويستحبّ فيها الجماعة ، ولها كيفيات ثلاثة كما تقدّم في التفسير ، وذكرناها في كتابنا مهذب الأحكام.

وأما صلاة المطاردة ، وتسمّى بشدة الخوف والمراماة والمسابقة ، أي التضارب بالسيف ، فتصلى بكل وجه أمكن ، فهي تابعة للقدرة،ويبدل كلّ ما لا يقدر عليه بالأبدال الاضطرارية كما ذكرناه مفصلاً في محله »(1).

ص: 126


1- مواهب الرحمان:245:9.

كتاب الصوم:وجوب الصوم في أيام معدودات

قال:«يستفاد من الآية الشريفة الأحكام الشرعية التالية :

الأول : وجوب الصوم في أيام معدودات ، وهي شهر رمضان ، كما ذكره تبارك وتعالى في الآية التالية ، فالآية الشريفة من المبينات وليست هي منسوخة ، وما ذكر في ذلك واضح البطلان .

الثاني المرض الموجب للإفطار ، ليس المراد منه كل مرض ، كما هو ظاهر الإطلاق، بل سياق الآية المباركة يدلّ على أنّه المرض الذي يخاف فيه الشخص على نفسه من زيادته أو بطء برئه ، كما فصل في السنة المقدّسة.

الثالث: تدلّ الآية المباركة على أن السفر موجب للإفطار ، وقد حدّدته السنة بحدود وشروط مذكورة في الفقه مفصلاً، وقال بعض: إن قوله تعالى :(الوَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(1) راجع إلى الصيام في السفر ، فقالوا بأفضلية الصوم للمسافر.

ويرد عليه ما ذكرناه آنفاً مع منافاته للروايات الكثيرة الدالة على عدم الصوم في السفر ، فقد روى أحمد بن حنبل ، والبخاري ، ومسلم وأبو داود والنسائي ، عن النبي:«ليس من البر الصيام في السفر»(2).

ص: 127


1- البقرة 184:2.
2- عوالي اللثالي : 2 : 226 .

و رواه ابن حبان في صحيحه ، عن جابر ، عنه ، ورواه غيره عن كعب بن عاصم الأشعري ، عنه .

وروى ابن ماجة عن عبدالرحمن بن عوف، عن نبينا الأعظم: «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر»(1).

ورواه النسائي عن عبدالرحمن موقوفاً.

وروى عبدالرزّاق في جامعه ، عن ابن عمر ، عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلم): « إنّ اللّه تصدّق بإفطار الصائم على مرضى أمتي ومسافريهم ، أيحب أحدكم أن يتصدق على أحدٍ بصدقة ثم يظل يردّها ؟»(2).

ورواه الديلمي في «الفردوس»، وبمضمونه ورد في أحاديثنا عن أئمتنا الهداة (علیه السلام).

وروى مسلم والنسائي والترمذي ، عن جابر ، قال : « خرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)إلى مکة عام الفتح ، حتى بلغ كراع الغميم (وهو وادٍ أمام عسفان ) وصام الناس معه ، فقيل له : إنّ الناس قد شقّ عليهم الصيام، وإنّ الناس ينظرون في ما فعلت ، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب ، والناس ينظرون إليه ، فأفطر بعضهم وصام

بعضهم ، فبلغه أن أناساً صاموا ، فقال(علیه السلام): أولئك العصاة»(3).

وروي ذلك في «الكافي» و «الفقيه»عن الصادق(علیه السلام)أيضاً.

وأخرج أحمد والأربعة وجماعة عن أنس الكعبي ، عن النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلم): « أنّه دعاه إلى الطعام فاعتذر بالصيام ، فقال له(صلی اللّه علیه و آله و سلم): إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة

ص: 128


1- مستدرك الوسائل : 7: 383 .
2- المصنف : 2 : 565 .
3- نهج الحق : 442 .

والصيام»(1).

وأخرج قريباً منه النسائي عن عمر بن أميّة الضمري ، عنه(صلی اللّه علیه و آله و سلم).

وروى البيهقي في «المعرفة»عن سعيد بن المسيّب ، والمتّقي الهندي في«كنز العمّال»عن الشافعي مرسلاً عن رسول اللّه : «خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا»(2).

ورواه في «الكافي» و «الفقيه»عن الباقر(علیه السلام) ، وأمّا الروايات عند الإمامية في وجوب الإفطار في السفر فهي متواترة وعليه إجماعهم ، بل عد من ضروريات مذهبهم.

ولأجل تلك الروايات ذهب كبار الصحابة إلى أنّ الصائم في السفر عليه الإعادة ، ومع ذلك ذهب قوم إلى التخيير ، وأن من صام في السفر فقد أدّى فرضه، ومَن أفطر وجب عليه القضاء ، وبذلك مضت السنة العمليّة، واستدلوا بما رواه أحمد ومسلم وأبو داود ،عن عائشة:«أنّ حمزة بن عمر و الأسلمي قال للنبي(صلی اللّه علیه و آله و سلم):أأصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام.

فقال(صلی اللّه علیه و آله و سلم): إن شئت قصم ، وإن شئت فافطر»(3).

وفي مسلم أنّه(صلی اللّه علیه و آله و سلم)أجابه بقوله :«هي رخصة من اللّه،فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحبّ أن يصوم فلا جناح عليه»(4).

والكلّ مردود ، إذ السنّة العملية غير ثابتة ، والحديث ظاهر في الصوم المندوب

ص: 129


1- لم نعثر عليه .
2- معرفة السنن والآثار: 425:2.
3- صحيح البخاري : 2 : 237.
4- المجموع : 6 : 266 .

لا الواجب ، وعلى فرضه فهو معارض بالروايات المتقدمة وإجماع أهل البيت ، مضافاً إلى أنّ الروايات الدالة على التخيير أو الرخصة في الصوم في السفر-مع غضّ النظر عن الأسانيد - لا يعلم ورودها بعد نزول آية الصوم وتحريمه

في السفر.

وعليه فلا يبقى مجال للقول بأنّ الإفطار أفضل إن كان في الصوم مشقة، والصوم أفضل مع عدمها ، والتفصيل بأكثر من ذلك يطلب من السنّة.

الرابع: إطلاق الآية الشريفة يدل على أن السفر موجب للإفطار ، سواء كان السفر قصيراً أم طويلاً، وسواء كان فيه المشقة أم لا ، إذا توفرت الشروط كما هو مفصّل في الفقه.

الخامس : تدلّ الآية الكريمة على أن من كان يقدر على الصوم مع الإطاقة وبلوغ الجهد غير المسافر والمريض والصحيح القادر على الصوم بدون مشقة يجب عليه الإفطار والفدية على تفصيل ذكرناه في الفقه.

السادس : الآية المباركة تدلّ على أن المسافر إذا حصر والمريض إذا برئ يجب عليه القضاء.

السابع : ظاهر سياق الآية الشريفة هو السفر الاتفاقي لا الدوام به ، فإنّه حينئذ لا يوجب الترخيص في ترك الصوم ، كما هو مفصل في كتابنا مهذب الأحكام.

الثامن : المراد من الطعام الوارد في الآية المباركة هو مطلق ما يطعم ويرفع جوع المسكين والاختصاص له بالبركما عن بعض ولو كان وجه اختصاص فهو من باب الغالب ، كما هو مذكور في محلّه»(1).

ص: 130


1- مواهب الرحمان: 15:3.

كتاب الحج:وجوب الصلاة الطواف خلف المقام

قال:« قد وردت أخبار كثيرة - ربما تبلغ اثني عشر خبراً - في أنّ صلاة الطواف أن تكون خلف المقام بحسب موضعه الآن، وتحمل الروايات المطلقة أو المشتملة على لفظ عند لفظ عند المقام المقام أو أرجع إلى المقام ، أو انت المقام على الجهة ومقدار السعة ، ولعلّ وجوب تقديم المقام بحسب موضعه الثاني لأجل احترامه عن استدباره حفظاً للوحدة والنظام، وتعرّضنا للبحث في أحكام صلاة الطواف من كتاب الحج مفصلاً، ومن شاء فليراجع كتابنا مهذب الأحكام»(1).

ص: 131


1- مواهب الرحمان: 41:2.

المقصود من شطر المسجد الحرام

قال : « الوارد في الآيات المباركة إنما هو لفظ(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )(1)، والشطر في اللغة والعرف جهة الشيء ونحوه كما تقدّم ، ولم يبين الشارع الأقدس هذا الأمر النوعي العام البلوى خصوصية خاصة ، غير لفظ الشطر والتولي والتحوّل ونحوها ، وأمثالها في السنة الشريفة والمرجع في معاني هذه الألفاظ هو العرف لأنه المحكّم في كلّ ما لم يرد فيه تحديد شرعي كما هو المتتبع فی الفقه.

وما ورد من العلّامة في القبلة من الجدي ونحوها كما ذكر في الفقه - مجملة أيضاً ، ليس لها كلّيّة وليس من عادة الشرع الإيكال إلى مثله في الأمور العامة البلوى ، فهو أيضاً من قرائن كون الموضوع عرفياً ، فلا يعتبر إلا صدق التوجه التولّي شطر القبلة عرفاً من دون الابتلاء على الدقة العقلية ، ولأجل ذلك ذهب جمع من الفقهاء إلى جواز الاعتماد على ما يصمّمه خبراء الهيئة الموثوق بهم في تعيين القبلة.

ثمّ إنّ المعروف بين المسلمين أنّ القبلة هي الكعبة ، وقد دلّت عليه الأخبار المتواترة بين الفريقين.

ففي صحيح البخاري : عن ابن عمر : « أن النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلم)ركع ركعتين في قبل الكعبة

ص: 132


1- البقرة 144:2.

وقال: هذه القبلة»(1).

وفي جوامع أخبار العامة في حديث تحويل القبلة: «أنه كان إلى الكعبة».

وأما على الخاصة فقد وردت أخبار كثيرة تدلّ على أن الكعبة هي القبلة ، وفي أكثرها أنّ الكعبة هي القبلة المحوّل إليها ، ففي صحيح معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)، قال : «كان يصلّي في المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً ، ثم أعيد إلى الكعبة »(2).

وفي رواية أخرى: «أنّها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء»(3).

وإنّما ذكر المسجد الحرام في الآيات الشريفة لأجل إظهار شأنه وعظمته للناس مع إطلاق المسجد على الكعبة أيضاً ، إطلاق الكل على الجزء،فيجمع بین ما دلّ على التوجه إلى المسجد والمتواتر الدالة على أن القبلة هي الكعبة أنّ المسجد الحرام ذكر بعنوان الطريقيّة إلى الكعبة المقدّسة .

وفي بعض الأخبار: «إنّ الكعبة قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل العالم»(4).

ولا معنى لذلك إلا الطريقيّة الصرفة والمسألة فقهيّة تعرّضنا لها في كتابنا مهذّب الأحكام»(5).

ص: 133


1- صحيح البخاري : 1: 104 .
2- وسائل الشيعة : 4: 298 .
3- راجع مصباح الفقاهة : 2 : 446 .
4- الكافى : 6 : 92.
5- مواهب الرحمان : 148:2.

السعي عمل عبادي

قال :«يستفاد من قوله تعالى:(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ )(1)أَن السعي عمل عبادي يتقوّم بقصد القربة ، فبدونه أو مع قصد الرياء - نستجير باللّه منه - أو غاية أخرى ، يكون السعي فاقداً لصلاحية الإضافة إلى اللّه تعالى ، ويكون السعي باطلاً ، كما في سائر العبادات، فيفسد حينئذ أصل الحج أو العمرة ، كما هو المفصل في كتب الفقه .

والسعي بين الصفا والمروة عبارة عن المشي بينهما سبع مرات ، بدءاً من الصفا وانتهاءاً بالمروة ، كما هو مذكور في الفقه . ويصح ماشياً وراكباً ، ولا يعتبر فيه الطهارة ، لا الحدثية ولا الخبثية ولا الموالاة بين الأشواط ولا بين أبعاضها على ما فصل في الفقه .

وهو واجب كما هو عليه جمهور المسلمين، وتدلّ عليه نصوص كثيرة وإجماع الإمامية ، وتقدّم أن نفي الجناح إنّما كان لرفع توهم الحظر الذي اعتقده المسلمون باعتبار أن السعي شيء صنعه المشركون ، أو لأجل وجود الأصنام على الجبلين ، فتوقفوا من السعى بينهما كما مرّ.

ويمكن استفادة ذلك من ظاهر الآية الشريفة أيضاً، فإن إثبات كون الصفا والمروة من شعائر الله يدلّ على أن الاعتقاد كان على خلاف ذلك ، فأراد سبحانه

ص: 134


1- البقرة : 158:2.

وتعالى إعلام الناس بشعيرتهما ونفي ما كان معتقداً عندهم.

وممّا ذكرنا يعرف أن التطوع بالسعي أمر مرغوب فيه ، لأنه خير ، ومن تعظيم شعائر الله تعالى ، ولا يستفاد منه الاستحباب الشرعي المصطلح عليه في الفقه ، ولا سيّما مع القرينة المزبورة على الخلاف ، ولذلك وردت الروايات الدالة على جوب السعي لعدم التنافي بينه وبين ظاهرالآية الشريفة ، وتقدّم في البحث الروائي ذكر بعض الروايات ، والتفصيل يطلب من قسم الحج من كتابنا مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام»(1).

ص: 135


1- مواهب الرحمان: 251:2.

الحج والعمرة من العبادات

قال :«تضمّنت الآيات الشريفة كثيراً من أحكام الحج وشرحتها السنة المقدّسة شرحاً وافياً، وقد ذكره الفقهاء في كتبهم الفقهيّة ، ونحن نذكر المهم المستفاد من هذه الآيات في المقام ، وهي :

الأول : دلت الآية الشريفة: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(1)على أن الحج والعمرة من العبادات المتوقفة على قصد القربة ، كما تدلّ وجوب تامين جامعين للأجزاء والشرائط ، وعلى وجوب إتمامهما بعد الشروع ، فلا يجوز الإحلال إلا بعد تمام أفعال الحج والعمرة ، فمن أفسد حجّه أو عمرته لجهة من الجهات لا يبطلان ، ويجب عليه المضي فيه والإتمام ثم الإحلال ، وحينئذ فإن كان فيه القضاء وجب ، وإلا فلا.

وتفصيل ذلك يطلب من الفقه .

كما تدلّ على وجوب العمرة ، وأنّها بمنزلة الحج ، وتدل عليه روايات كثيرة مرويّة من الفريقين ، ذكرنا بعضها في البحث الروائي .

والآية المباركة لا تدل على أنّ الحجّ والعمرة واجبان ، فلابد من إثبات الوجوب لهما من دليل آخر .

أما الحج ، فقد دلّت الآية الشريفة :(وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ

ص: 136


1- البقرة 196:2.

سَبِيلاً )(1)، والنصوص المتواترة بين الفريقين ، بل الضرورة الدينية على وجوب حجة الإسلام مع استجماع الشرائط .

وأمّا العمرة ، فقد دلّت على وجوبها السنة كما ذكرناها في الفقه ، وتكفى عمرة التمتّع عن العمرة الواجبة ، ويكون كل منهما مندوباً بالذات ، ويجبان بالعارض من نذر ونحوه .

الثاني : أن قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَحْصِرْتُمْ )(2)يدل على أن مطلق المنع من إتمام الحج والوصول إلى بيت الله الحرام لأداء المناسك ، سواء كان السبب عدوّاً أم مرضاً أم غير ذلك ، يوجب تبدل الحكم بالنسبة إلى المحصور مطلقاً، وأن قوله تعالى:(فَإِذَا أَمِنْتُمْ)(3)لا يكون قرينة على أن المراد هو الحصر من العدوّ ، بل هو عام يشمل الأمن من رفع المانع ، ولكن تكرّر في الروايات أن المحصور غير المصدود ، فالأول هو المريض ، والثاني هو الذي يرده المشركون ، كما صدّوا النبي(صلی اللّه و علیه و آله و سلّم)عن الحجّ عام الحديبية .

والظاهر أن الحصر متعلّق بالحج والعمرة كليهما ، فلا اختصاص له بالأوّل فقط ، لأنه ذكر عقيبهما فيرجع إليهما معاً .

الثالث : يدل قوله تعالى: (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْئُ مَحِلَّهُ )(4)أن للهدي محلاً معيناً لا يجوز ذبحه في غيره ، ولكنّه تعالى أجمل ذلك ، وقد حدّدته السنة المقدّسة بمكة المكرمة أو منى ، ونظيره قوله تعالى:(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَن

ص: 137


1- آل عمران 97:3.
2- البقرة 196:2.
3- البقرة 196:2.
4- آل عمران 196:2.

الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ )(1).

ويستفاد من الآية الشريفة أنه لا يجوز الحلق والتحلل من الإحرام(حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْئِ مَحِلَّهُ)، سواء ذبح أم لا ، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبداللّه(علیه اسلام) : « سألته عن رجل أحصر فبعث الهدي ؟

قال :يواعد أصحابه ميعاداً إن كان في الحج فمحلّ الهدي يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر فليقص من رأسه ، ولا يجب عليه الحلق حتى تنقضي مناسكه ، وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها ، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل»(2).

وعليه فلو ظهر خلاف المواعدة ، وأن أصحابه لم يكونوا قد ذبحوا عنه أصلاً، أو ذبحوه بعد تحلّله ،فإنّه لا شيء عليه ، ويدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار أيضاً عن الصادق(علیه السلام):« فإن ردّوا الدراهم عليه ولم يجدوا هدياً ينحرونه وقد أحلّ ، لم يكن عليه شيء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً»(3).

أي يمسك عن النساء إذا بعث هذا في المحصور.

وأما المصدود:فإنّه يذبح في مكانه،حلا كان أو حرماً،وقد نطقت بذلك جملة من الروايات،وقد نحر رسول اللّه (صلی اللّه و علیه و آله و سلّم)هديه بعد أن صدّه المشركون في الحديبيّة وأحلّ من الإحرام ، والتفصيل يطلب من كتاب الحج من الفقه .

الرابع : أنّ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجَّ )(4)يدلّ على

ص: 138


1- الفتح 25:48.
2- الكافى : 4 : 364 .
3- وسائل الشيعة : 13 : 181.
4- البقرة 196:2.

تشريع حجّ التمتّع ، الذي هو أحد الأقسام الثلاثة في الحج ، والقسمان الآخران هما حجّ الإفراد وحجّ القرآن ، والفرق بين الأول والأخيرين هو :

1 - أنّ الأوّل وظيفة من لم يكن مقيماً وحاضراً عند المسجد الحرام ، ويدل عليه قوله تعالى:(ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام )(1)، وهو الآفاقي الذي يبعد عن المسجد الحرام بما يعادل 88 كيلومتراً ، كما حددته السنة الشريفة.

2 - أنّ الأوّل مركب من عملين هما العمرة والحج ، ولا يقع الثاني بدون الأوّل ، وأمّا الأخيران فلا يكونان كذلك ، بل هما عمل واحد وهو الحجّ ، إلا أن حج القرآن يساق فيه الهدي مع عقد الإحرام ، بخلاف حج الإفراد.

- أنّ وجوب الهدي يختص بالتمتع بخلاف القسمين الأخيرين.

وهناك فروق أخرى مذكورة في كتب الفقه .

ولا خلاف ولا إشكال في أصل تشريع حج التمتع بإجماع الأمة وأئمة الحق(علیه السلام)، والنصوص المتواترة بين الفريقين، وهو أفضل أنواع الحج مطلقاً ، لنصوص معتبرة كثيرة .

منها ما ورد عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام):«لو حججت ألفاً وألفاً لتمتعت»(2)، وهو يتحقق على نحوين:

الأوّل: أن يحرم أولاً بعمرة التمتع ، ثم بعد قضاء مناسكها والانتهاء منها يحلّ ويحرم بالحجّ ، وهذا مما لا نزاع في مشروعيّته من أحد من المسلمين،

ص: 139


1- البقرة 196:2.
2- عوالي اللثالي : 2 : 93.

ولا تختصّ مشروعيته بأصحاب محمد(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)، ويدلّ عليه قوله تعالى :(فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجَّ)، والنصوص المتواترة بين الفريقين ، منها ما عن أهل البيت(علیه السلام)، عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة »(1).

وروي عن جابر: «أنّ سراقة بن مالك قال : يا رسول اللّه ، هذا الذي أمرتنا به-يعني الإحلال بعد العمرة إلى الحجّ- لعامنا هذا ، أم إلى الأبد ؟

فقال(صلی اللّه علیه و آله و سلّم): بلى إلى الأبد ، إلى يوم القيامة(2).

ورواهما الجمهور في مجامعهم.

وأخرج البخاري وأحمد والنسائي وغيرهم:عن علي (علیه السلام)، قال : « إنّ المتعة سنة رسول الله(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) ، فلا يدعها لقول أحد من الناس»(3).

وادعى الإجماع على ذلك.

ولهذا القسم شروط مذكورة في كتب الفقه .

الثاني : أن يحرم بالحج حتّى إذا دخل مكة محرماً بحج الإفراد، يعدل عن حجّه إلى عمرة التمتع ، ويتمّ حج التمتع ، وقد وقع النزاع بين الفقهاء فيه.

أمّا عند الخاصّة : فالمشهور جوازه حتّى فى فرض العين ، ومنهم من منعه في فرض العين، وجوّزه في الندب والفرض على المتعيّن .

وأمّا عند العامة : فمنعه جمهورهم ، وهو الذي توعد عليه الخليفة الثاني ، فقال: «متعتان على عهد رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) أمّا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما:

ص: 140


1- الكافي : 245:4.
2- تهذيب الأحكام : 5: 25 .
3- السنن الكبرى :352:4.

متعة النساء ومتعة الحج».

وقد وردت في صحّته ومشروعيّته الأخبار الكثيرة عن الفريقين : ففي الصحيح عن معاوية بن عمار ، عن الصادق ، عن آبائه(علیه السلام): « لما فرغ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلّم)من سعيه بين الصفا والمروة أتاه جبرئيل عند فراغه من السعى ، فقال : إنّ اللّه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلوا ، إلا من ساق الهدى ، فأقبل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلّم)على الناس بوجهه قال : أيها الناس ، هذا جبرئيل - وأشار بيده إلى خلفه - يأمرني عن اللّه عزّوجل أن آمر الناس بأن يحلُوا إِلَّا مَن ساق الهدي ، فأمرهم بما أمرهم اللّه تعالى .

فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه ، نخرج من منى ورؤوسنا تقطر من النساء ؟! وقال آخرون : يأمرنا بشيء ويصنع هو غيره .

فقال : أيها الناس ، لو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت كما صنع الناس ، ولكن سقت الهدي ، فلا يحل من ساق الهدي حتّى يبلغ الهدي محله ، فقصر الناس وأحلوا وجعلوها عمرة .

وقام إليه سراقة بن مالك المدلجي ، فقال : يا رسول الله ، هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد ؟

فقال(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):بل للأبد إلى يوم القيامة-وشبك بين أصابعه - وأنزل اللّه بذلك قرآناً :

(فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )(1).

وقريب منه : ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة في جوامعهم ، وأحمد في مسنده ، وغيرهم ، عن الصادق وعن الباقر(علیه السلام)، عن جابر، وقد ذكرت فى مجامعهم روايات كثيرة بمضامين مختلفة.

قال القرطبي: «قد تواردت الآثار عن النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)فيه أي في مشروعية هذا

ص: 141


1- تهذيب الأحكام : 5 : 25 .

القسم - أنّه أمر أصحابه في حجّة من لم يكن معه هدي ولم يسقه ، وقد كان أحرم بالحجّ ، أن يجعلها عمرة ، وقد أجمع العلماء على تصحيح الآثار بذلك عنه (صلی اللّه علیه و آله و سلّم)، ولم يدفعوا شيئاً منها ، إلا أنّهم اختلفوا في القول بها والعمل لعلل».

ثمّ ذكر بعض تلك العلل ، وهي موهونة لمن تدبّر فيها ، ولذلك لم يعمل بها كثير من علمائهم .

وأما قول الخليفة فهو مردود من جهات، وقد ذكرت في الكتب الكلامية ، وسيأتي في الموضع المناسب في هذا التفسير إثبات أن أحداً لا يقدر أن يدفع حكماً إلهيّاً نطق به القرآن الكريم ، أو جاء به الرسول الأمين(صلی اللّه علیه و آله و سلّم).

الخامس : إطلاق قوله تعالى:(فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) يقتضي إجزاء ما صدق عليه الهدي من النعم الثلاثة ، إلا أن الفقهاء قيدوه واشترطوا في الهدي شروطاً كثيرة لأدلّة خاصة ، وهي مذكورة في كتب الفقه ، فراجع.

كما أن ظاهر الآية الشريفة أنه لا بد وأن يكون الهدي كاملاً وعن واحد فلا يجزي بعض الهدي.

السادس: ظاهر قوله تعالى:(ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ)إجزاء الصيام في تمام ذي الحجّة ، وأفضله السابع والثامن والتاسع ، كما في روايات كثيرة ، منها ما في صحيح رفاعة ، عن الصادق(علیه السلام):«عن المتمتّع لا يجد الهدي.

قال : يصوم قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .

قلت : فإن قدم يوم التروية ؟

قال(علیه السلام):يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق » الحديث(1).

ص: 142


1- الكافي : 4 : 506.

ولا يجوز له صوم أيّام التشريق إذا فاته ذلك ، وتدلّ عليه روايات كثيرة ، وإجماع الإماميّة ، منها ما في صحيح ابن سنان :«أنّ الصادق(علیه السلام)استشهد بأنّ بديل ابن ورقاء أمره رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)بأن ينادي بمنى في الناس : أن لا يصوموا.

وغيره من الأخبار المروية عن الفريقين.

السابع : الانتقال إلى الصوم هو في زمان تعذر ثمن الهدي في محلّ وجوبه ، على تفصيل مذكور في كتاب الحج من مهذّب الأحكام.

الثامن : الظاهر من قوله تعالى:(وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)أن يكون الرجوع إلى الأهل كما تدلّ عليه الروايات ، ولكنّ الرجوع على قسمين حقيقي ، وهو أن يرجع بنفسه إلى الأهل ، أو حكمي فيما إذا رجع أصحابه وأقام بمكة ، فإنّ عليه الانتظار مدة وصول أصحابه إلى الأهل ، وذكرنا أن ذلك ربّما يستفاد من قوله تعالى:(إِذَا رَجَعْتُمْ ).

التاسع : ذكرنا أن ظاهر قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )(1)أنّ الحضور مقابل النائي، وهو من لم يكن من أهل مكة وقراها ، وهو مطلق ، ولكنّ السنّة حدّدت الحضور وقيدته بما إذا كان بينه وبين مكة ما يساوي ثمانية وثمانون كيلومتراً ، لأدلة خاصة ذكرناها في كتابنا مهذّب الأحكام قسم الحج منه .

العاشر: ظاهر قوله تعالى:(الْحَجُ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ )(2)أنها أشهر معلومة عند العرب وقد أقرها الإسلام.

ويستفاد منه أن ذا الحجّة من أشهر الحج ، يصح إيقاع بعض الأعمال التي

ص: 143


1- البقرة 196:2.
2- البقرة :2: 197.

يعتبر أن تكون في الحج فيه ، كما في ثلاثة أيام الصوم، ويدل عليه صحيح عبدالرحمن بن الحجّاج.

كما يستفاد منه أنه لا يجوز الإحرام بالحجّ في غير الأشهر الثلاثة ، كما لا يصح إحرام عمرة التمتع في غيرها ، لأنها داخلة في الحج كما عرفت.

الحادي عشر: ظاهر قوله تعالى:(فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ )(1)أنّه يجوز إيقاع إحرام الحج في أي وقت من هذه الأشهر الثلاثة ، إذ أن فرض الحج يتحقق بالإحرام فيهن .

كما أنّ ظاهر قوله تعالى :(الفَمَن فَرَضَ ) أنه يجب إتمامه ، لأنه جعله فرضاً على نفسه.

الثاني عشر: يستفاد من قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ )(2)وجوب الوقوف فيها ، وأن له وقتاً محدوداً يجتمع الناس فيها ويفيضون، فإن الإفاضة لا تكون إلا بعد الكون.

كما يستفاد من قوله تعالى:(فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )(3)وجوب الوقوف ولو بقدر الذكر عند المشعر الحرام.

والمراد من الذكر:مطلق التسبيح والتهليل والدعاء ، وقد ورد في رواية أبي بصير عن الصادق :«يكفيه اليسير من الدعاء».

الثالث عشر : المستفاد من سياق قوله تعالى:(ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) أنّه الإفاضة من المشعر الحرام إلى منى،لأنّه تعالى ذكر الوقوف

ص: 144


1- البقرة 2: 197 .
2- البقرة 2 : 198 .
3- البقرة 2 : 199.

بعرفات والإفاضة ، منها ، فيكون كلاماً مستأنفاً ، لا أن يكون تأكيداً للإفاضة من عرفات ، والتأسيس خير من التأكيد لكثرة الفوائد فيه .

الرابع عشر : أن قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ)(1)مطلق من حيث الكيفية والكمّيّة ، إلا أنّ السنّة حدّدته بخمسة عشرة تكبيرة من بعد كل فريضة ، من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الثالث عشر .

وصورته المتّفق عليها من المسلمين: «اللّه أكبر، اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر، اللّه أكبر ، واللّه الحمد » ، وقد زاد أصحابنا تبعاً للمأثور عن الأئمة الهداة(علیه السلام)، ويدلّ على كلتي صورتيه عدة روايات من الخاصة والعامة.

الخامس عشر:المستفاد من سياق الآية الشريفة:(فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهُ لِمَنِ اتَّقَى) (2)أنه راجع للعموم المستفاد من حكم ما قبله ، أي الاتقاء عمّا يحرم على المحرم ، وقد فسرت في الروايات بخصوص الصيد والنساء ، وهذا هو المشهور عند الإمامية.

ثمّ إن أعمال الحج الواردة في القرآن الكريم المشروحة في السنّة المقدّسة هي:

الأول:الإحرام ،قال تعالى:﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً)(3)،وقال تعالى:(لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ )(4)،وغيرهما .

الثاني : الطواف ، قال تعالى:(وَلْيَطُوفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِينِ )(5)، وقال جلّ شأنه:

ص: 145


1- البقرة .200:2.
2- البقرة 3 : 203.
3- المائدة 96:5.
4- المائدة95:5.
5- الحج29:22.

(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ )(1).

الثالث : صلاة الطواف ، قال تعالى:(وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى)(2).

الرابع : السعي بين الصفا والمروة ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(3).

الخامس : الوقوف بعرفات ، قال تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ)(4).

السادس : الوقوف بالمشعر الحرام ، قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَام)(5).

السابع : الإفاضة إلى مني والكون فيها ، قال تعالى:(ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )(6).

الثامن : الهدي ، قال جل شأنه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(7).

التاسع : الإحلال والتقصير ، قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا )(8)،

ص: 146


1- الحج 26:22.
2- البقرة 2: 125.
3- البقرة158:2.
4- البقرة 198:2.
5- البقرة 198:2.
6- البقرة199:2.
7- الحج 36:22.
8- المائدة 2:5.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْئ مَحِلَّهُ )(1).

العاشر: أيّام منى ، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ)(2).

الحادي عشر : قضاء المناسك ، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ)(3).

ولم يذكر سبحانه في القرآن رمي الجمرات ولا العيد ، ولعل السرّ في ذلك أنّه بعد ذكر الرجم الكبير المذكور في قوله تعالى:(فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَحِيمٌ)(4)يكون جميع أنحاء الرجم من المؤمنين قولاً وعملاً من صغريات ذلك الرجم ، وأما عدم ذكر العيد ، فيمكن أن يكون قوله تعالى:(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(5)إشارة إليه»(6).

ص: 147


1- البقرة 196:2.
2- البقرة 203:2.
3- البقرة200:2.
4- الحجر 34:15.ص 77:38.
5- البقرة173:2، 182 ، 199.المائدة 5 : 39 .الأنفال69:8. التوبة5:9، 99 ، 102 .النور62:24.الحجرات14:49.الممتحنة 60: 12.المزمل20:73.
6- مواهب الرحمان 223:3.

حلّية صيد البحر في حال الإحرام

قال : «الآيات الشريفة في بيان حكم صيد البر والبحر في حال الإحرام ، ونحن نذكر ما يستفاد من ظاهرها على نحو الإيجاز ، والتفصيل موكول إلى محلّه :

الأوّل : يدلّ قوله تعالى:(وَلَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ)(1)على حرمة قتل الصيد في حال الإحرام ، ويستفاد منه تعميم تحريم القتل بأي وجه حصل ، ومن الاستقلال والمشاركة أو بالإشارة والدلالة حتّى ما جنته الدابة المسوقة والمركوبة وغلق الباب ، وتدل على التعميم الأخبار على ما هو مذكور في محلّه ، ويستفاد من تعليق الحكم على الصيد وإطلاقه الشمول لجميع الحيوانات ، الطير وغيره ، المأكول وغيره ، إلّا ما استثني بدليل.

ففي صحيح معاوية بن عمار ، عن الصادق(علیه السلام)، قال : «إذا أحرمت اتق قتل الدوابَ كلّها ، إلا الأفعى والعقرب والفأرة » الحديث(2).

الثاني:يستدلّ بظاهر النهي فی الآية الشريفة ، وظاهره التحريم في قوله تعالى:(الْوَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً)(3) على حرمة المذبوح وعدم جواز الانتفاع به فهو كالميتة، وذهب جمع من الفقهاء على عدم الحرمة ، وإنّما لا يجوز أكله لدليل خاص ، فهو كالمذبوح المغصوب ، لأصالة الحليّة

ص: 148


1- المائدة 5 : 95 .
2- الكافى 363:4.
3- المائدة 5: 96.

والروايات معارضة فيرجع إلى قواعد التعارض وعدم منافاة النهي أو التحريم في الآية لذلك ، لظهور رجوعه إلى الفعل فقط دون غيره ، فراجع كتب الفقه .

الثالث : يدلّ قوله تعالى:(وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّداً )(1)على ترتّب الإثم والجزاء على المتعمّد ، وليس القيد لإخراج الجاهل والناسي عن حكم الجزاء ، وإنّما لأجل إخراجهما عن الإثم فقط ، فيترتب على العالم الذاكر دون الجاهل

والناسي .

الرابع : يدلّ قوله تعالى :(المِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم )(2)أن الفداء إنما يكون في المماثل المقتول باعتبار الخلقة والصورة، دون جميع الجهات ، ولما كانت مظنّة الاشتباه، تعيّن الرجوع إلى الحكم العدل، فلا تجزي القيمة فإنّما خلاف المتبادر من المماثلة.

الخامس : ظاهر قوله تعالى:(مَدْيَا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)(3)، هو البلوغ العرفي ويتحقق بدخول الحرم ، فتحلّ ما يجب على المحرم من الفداء بذبحه أو نحره ، وقد فصل في الأخبار بين إحرام العمرة فيجب الذبح بمكة وإحرام الحج بمنى ، وعليه عمل الأصحاب وبها يقيّد إطلاق الآية الشريفة ، والتفصيل موكول إلى الفقه .

والمتبادر منه ذبح الهدي والتصدّق به، فلا يحصل العوض بمجرد ذبحه ، بل لا بد من صرفه فيه ، تحصيلاً للعوضية. ومن الملازمة العرفية يستفاد كون الذبح في شهر ذي الحجّة ، ولكنّه محل تأمّل .

ص: 149


1- المائدة 5 : 95 .
2- المائدة 5 : 95 .
3- المائدة 5 : 95 .

السادس : مقتضى قوله تعالى:(أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً )(1)التخيير بين الخصال الثلاث ، أي الفداء أو الطعام أو الصيام ، ولكن الطعام يكون من تقويم المماثل من النعم ، ثمّ يجعل قيمته طعاماً على المساكين مداً لكل مسكين ، وأما الصيام فلابد أن يكون مساوياً لمقدار معين من إطعام المساكين ، وهناك تفاصيل مذكورة في الفقه.

ومن ذلك يعلم أنّ من يقول بالترتيب بين الأبدال الثلاثة بمعنى أن الواجب أوّلاً الجزاء المماثل من النعم ، ومع العجز عنه الإطعام بقدره ، ثمّ الصيام بقدر المساكين ، خلاف ظاهر الآية الكريمة ، إلا أن يدل دليل عليه من نص أو إجماع فيتبع حينئذ ، راجع الفقه.

السابع : ظاهر قوله تعالى:(وَمَن عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ)(2)عدم الكفارة في العود مع العلم والعمد، فيخرج الجاهل للحكم أو الموضوع ، والناسى كذلك ، فيكون الجزاء مع العود انتقام اللّه تعالى منه في مقابل الفدية التي هي جزاء الابتداء ، وتدلّ عليه نصوص متعددة ، وتقدم الكلام فيه أيضاً.

الثامن : يدل قوله تعالى :(أَحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ )(3)على حلّية الصيد الذي لا يعيش إلا في الماء ، وقد ورد في تفسيره: «الذي يبيض في البحر ويفرّخ فيه »(4)، كما يدل قوله تعالى:(وَطَعَامُهُ)على حلّية ما يطعم من صيده ، وقد ورد في تفسيره: «أنه المالح الذي يقتات منه » ، وتقدم ما يدل عليه .

ص: 150


1- المائدة 5: 95
2- المائدة 5: 95
3- المائدة96:5.
4- الفقيه374:2.

التاسع : يدلّ قوله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُما ) (1)على حرمة الصيد وحرمة ما صيد منه حال الإحرام فإنّه يشمل كلا الأمرين، وظاهر الآية الكريمة أكل الصيد على المحرم مع قوله تعالى:(لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) (2)، فإن أحدهما يدل على المعنى المصدري ، والثاني على حرمة الصيد. وكيف كان فإن الآية المباركة بانضمام الروايات التي وردت عن المعصومين(علیه السلام)تدلّ على ما ذكرنا ، والتفصيل موكول إلى محله ، فراجع.

نعم ، وقع الكلام في أنّ الإحرام الذي لا يجوز فيه الصيد وأكله هل يرتفع يذبح الهدي وحلق الرأس أم بطواف النساء ؟ والمشهور هو الأوّل ، وتدلّ عليه النصوص الكثيرة ، فراجع(3).

ص: 151


1- المائدة 5: 96 .
2- المائدة 5: 95.
3- مواهب الرحمان 332:3.

كتاب الجهاد:حرمة قتال المشركين في الشهر الحرام

قال:«ذكرنا أن الآية الشريفة:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالُ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)(1)تدل على حرمة قتال المشركين في الشهر الحرام ، وهو المشهور بين الإمامية ، ويدلّ على مضافاً إلى ما تقدّم قوله تعالى:(فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ )(2)، وبعض الروايات.

هذا هو الحكم الأوّل ، ولكن قد يعرض على ذلك ما يوجب رفع هذا الحكم وتبديله لقاعدة الأهمّ على المهم التي هي من القواعد العقلية المهمة، ويرشد إلى ذلك لقوله تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)(3)، ولأجل ذلك قاتل الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلّم) المشركين في ذي القعدة لأنّ الذين قاتلهم الرسول ممن هتكوا حرمة الشهر وبدأوا بالقتال.

ثمّ إنّ الهجرة من الأمور الإضافية، ولها مراتب كثيرة كميّة وكيفية، شدّة وضعفاً ، وقد ذكرنا أنواعها ، وهي في اصطلاح الفقهاء الهجرة من بلاد الكفر، وقد بحثوا في وجوبها ، ولكن ذكرنا في الفقه أن الهجرة عن المعصية أو للقيام بنصرة الدين واجبة مطلقاً ، وما ورد عن أنّه لا هجرة بعد الفتح إنّما هو بالنسبة

ص: 152


1- البقرة 2 : 217.
2- التوبة 5:9.
3- البقرة217:2.

إلى بعض أقسام الهجرة لا مطلقاً.

كما أنّ الجهاد أيضاً له مراتب كثيرة ، فكل من ترك المعاصي والمشتبهات فهو مجاهد ، وإلى ذلك يشير ما ورد من أن المؤمن مجاهد»(1).

ص: 153


1- مواهب الرحمان332:3.

سقوط الجهاد عن أولى الضرر

قال :«يستفاد من الآيات(1)الشريفة الأحكام الفقهية التالية :

الأول : يستفاد من قوله تعالى:(لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ)(2)أن الجهاد واجب كفائي يسقط عن أولي الضرر ، وعمن تقوم به الكفاية ، وإلا لما كان القاعد لا لضرورة غير آثم ، ولما استحق الوعد

الحسن.

وتدلّ الآية الكريمة وغيرها على أفضلية الجهاد في سبيل اللّه تعالى ، والأخبار في ذلك كثيرة .

الثاني : يدلّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)(3)على وجوب المهاجرة من أرض لم يتمكن فيها من إقامة الشريعة ، بلا فرق بين أن تكون الإقامة فيها موجبة لارتكاب محرم أو ترك واجب ، فإنّه محرّم أيضاً.

ويدل عليه بعض الأخبار ، ففي صحيح محمد بن مسلم، عن الصادق(علیه السلام):

ص: 154


1- الآيات من 95 إلى 100 من سورة النساء.
2- النساء 4: 95.
3- النساء 97:4.

في رجل أجنب ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامداً.

قال : يتيمّم به ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه»(1)، فإنّ عموم العلة يشمل جميع ما ذكرناه .

ويدلّ على العموم أيضاً قوله :«مَن فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كانت شيراً من الأرض استوجت له الجنّة ، وكان من رفيق أبيه إبراهيم وبنيه محمد صلوات الله عليهما»(2)،فالمهاجرة واجبة على كل من لم يتمكن من إقامة دينه ، أو كانت الإقامة موبقة لدينه، ويسقط الوجوب لو كان له ظهر يحميه من المشركين من عشيرة ،ونحوها ، فيمكنه إظهار إيمانه ويكون آمناً على نفسه. ويظهر مما ذكرنا أنّ الآية المباركة عامة لا تختص بعصر النزول، وأن وجوب الهجرة باقٍ ما دام المقتضي موجوداً ، وهو الكفر والشرك وعدم التمكن من إقامة شعائر الإسلام.

وأما الحديث المروي عن نبينا الأعظم (صلی اللّه و علیه و آله و سلّم):«لا هجرة بعد الفتح»(3)، فإنّه محمول على نفي وجوب الهجرة عن مكة المكرّمة بعد فتحها ، لأنها صارت من بلاد الإسلام ولإمكان إقامة الشعائر فيها كما في كل بلاد الشرك إذا فتحت ودخل أهلها في الإسلام ، فإنّه لا يجب الهجرة منها لعدم المقتضي .

ويستفاد من الآية الشريفة استحباب الخروج من أرض يعصي اللّه فيها ويدل عليه قوله تعالى:(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)(4).

ص: 155


1- وسائل الشيعة 391:3.
2- مجموعة ورّام: 1 : 32.
3- الكافي : 5: 443.
4- العنكبوت 56:29.

وفي الحديث عن أبي عبداللّه(علیه السلام): « إذا عصي اللّه في أرض وأنت فيها فاخرج منها إلى غيرها»(1)المحمول على الاستحباب وهل تشمل الآية الكريمة الهجرة من الأرض التي لا يتمكن فيها من إقامة شعائر الإيمان ؟

فيه بحث مذكور في الكتب المفصلة.

الثالث : يستفاد من إطلاق الآية المباركة أنّ الهجرة باقية ما دام الكفر باقياً ، وأنها غير مقيدة بزمان خاص ولا بمكان معين، فعن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله سلّم): « لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»(2).مضافاً إلى الإجماع.

الرابع : مقتضى أدلة وجوب الهجرة أنّها تنقسم إلى الهجرة الواجبة والمستحبة والمباحة .

أما الأولى فكما تقدّم.

وأما الثانية كما إذا كان في بلاد الشرك، ويمكنه إظهار الشعائر الدينية والعمل بها ، ومع ذلك تستحبّ الهجرة لئلا يكثر به عددهم أو يترتب عليه عنوان يوجب رفع شأتهم.

وأمّا الثالثة كما في موارد وجود العذر في الهجرة.

الخامس : يدلّ قوله تعالى: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ)(3).

على أن كل هجرة لغرض ديني من طلب علم أو حج أو جهاد أو الفرار من بلد الشرك إلى الإسلام ، أو الهجرة من الباطل إلى الحق ، ففي الحديث : « من دخل

ص: 156


1- بحار الأنوار : 19 : 35 .
2- بحار الأنوار: 258:64.
3- النساء 100:4

إلى الإسلام طوعاً فهو مهاجر »(1).

وكذا الفرار إلى بلد يزداد فيه طاعة الله تعالي ، أو زهداً في الدنيا ، أو قناعة ، أو ابتغاء رزق طيب ، فهي هجرة إلى اللّه تعالى ورسوله ، وإن أدركه الموت في طريقه فأجره يكون على اللّه تعالى ، لأن المستفاد من الآية الشريفة هو طلب

مرضاة اللّه ورسوله ، فأين ما تحقق المقتضي شملته الآية الكريمة»(2).

ص: 157


1- الكافي : 148:8.
2- مواهب الرحمان:218:9.

عدم جواز التعرّض على النفس والعرض والمال عقلاً

قال : «القتل والقتال من دون أي مجوّز من القبائح العقلية ، فإنّ من الأصول المسلّمة لدى جميع الأمم هي أصالة احترام النفس والعرض والمال ، وعليها تدور جملة كثيرة من القوانين الوضعية ، وقد قرّرتها الشريعة المقدّسة الإلهية ، وترب عليها أحكاماً كثيرة .

كما أن قاعدة « تقديم الأهم على المهم من أمتن القواعد العقلية التي أمضاها الإسلام وجعلها محور فروع كثيرة ، ولكن إحراز الأهم لا بد أن يكون عن طريق الوحي المبين أو بفطرة من العقل الكامل السليم.

وهذه الآيات ونظائرها الواردة في الجهاد مع المشركين تدور على هاتين القاعدتين العقليتين ، وقد ذكر سبحانه في هذه الآيات جملة كثيرة من الأحكام ، أهمها:

الأول : الإذن في قتال المشركين ، وأنّه عام لا يختص بعصر دون آخر ، وحكمها باقٍ إلى أن يظهر دين اللّه عزّ وجلّ، ويكون الدين كله اللّه تعالى ، وتصير العليا ، ولا بدّ أن يكون ذلك بمحضر من النبي الأعظم (صلی اللّه علیه و آله و سلّم)ومن يتلوه تلوه في العلم والعمل والتدبير والتقوى،وهم أئمة الدين(علیه السلام)،أو من يحذو حذوهم من

العلماء الجامعين للصفات القائمين مقامهم هذا إذا كانت الفتنة الكفر والشرك.

وأما إذا كانت غيرها ممّا يخاف على معتقدات الناس الحقة ، وهتك النفوس

ص: 158

والأعراض والأموال المحترمة ، فلها حكم آخر فصلناه في الفقه.

الثاني : أن إطلاق النهي عن الاعتداء يشمل جميع أنحاء الاعتداء ، سواء كان على النفس أو في العرض، أو في المال، ولكلّ واحد من هذه الأمور الثلاثة أحكام خاصة مذكورة في كتب الفقه .

وذكرنا في كتاب الغصب من مهذب الأحكام أن الاعتداء في المال أن العين موجودة عند المعتدي يجب عليه ردّها إلى مالكها ، كما يجب ردّ قيمة المنافع المستوفاة منها ، بل وغير المستوفاة، ويقتضيه ما نسب إلى نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله سلّم): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي ».

وأمّا إذا كانت تالفة ، فإن كانت من المثليات بحسب المتعارف ، وجب عليه رد المثل ، وإن كانت من القيميّات كذلك وجب عليه ردّ القيمة ، وإن كان مردّدة بينهما ، لا بد من التراضي مع صاحب المال .

ومقتضى ظواهر أدلة الشرعية اعتبار المماثلة في كيفية جعل لكلّ شيء حداً ، وجعل لكلّ مَن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً ، فلابد من مراعاة إذن الشارع في جميع ذلك .

وما قيل من أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال ، فهو مردود ، لم يقم على إطلاقه دليل لا من العقل ولا من النقل. هذا صفوة القول ، ومن أراد التفصيل فليراجع كتابنا مهذب الأحكام.

الثالث : قد استدل الفقهاء بقوله تعالى:(الْفَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ)(1)، ونظائره من الآيات الدالة على لزوم المماثلة في الاعتداء بلزومها

ص: 159


1- البقرة 194:2.

أيضاً في الجنايات والضمانات.

الرابع :أن قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )(1)يدلّ على حرمة الإقدام على ما يخاف الإنسان على نفسه أو عرضه أو ماله ، وأمّا المجاهدة أعداء الدين، فهي ليست من الإلقاء في التهلكة لما فيها من المصالح الواقعية الكثيرة الراجعة إلى الإنسان ، ولذا لو لم تكن في مقاتلة الأعداء مصلحة ، أما لأجل الخوف من غلبتهم على المسلمين أو عدم القدرة لهم على المقاتلة ، ونحو ذلك ، يجب الصلح ، وإلا كان من إلقاء النفس في التهلكة ، ومن ذلك صلح نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله سلّم)مع المشركين في عام الحديبية وصلح عليّ(علیه السلام) في صفين وصلح الحسن(علیه السلام) مع معاوية .

وأمّا نهضة الحسين(علیه السلام) مع علمه من قرائن الأحوال أنه مقتول ومهتوك ظاهراً لا محالة ، فاختار الشهادة تقديماً للأهم على المهم ، ومن ذلك ما جاء في الكافي عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) : «لو أنّ رجلاً أنفق ما في يديه في سبيل اللّه ما كان أحسن ولا وفق ، أليس اللّه يقول: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، أي المقتصدين»(2).

فإن تفسيره (علیه السلام) المحسنين بالمقتصدين يوضح معنى التهلكة في بذل المال ، وهو يدلّ على ما ذكرناه أيضاً كما مرّ(3).

ص: 160


1- البقرة 195:2.
2- فقه القرآن : 1 : 336.
3- مواهب الرحمان58:8.

كتاب النكاح:حلّيّة نكاح المتعة مع الشرائط المقررة

قال : « تقدّم أن قوله تعالى:(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )(1) يدل على حلّية نكاح المتعة بشرائطها المقرّرة الآتية. والآية الشريفة هي الآية الوحيدة الواردة في القرآن الكريم التي وردت في هذا الموضوع بالخصوص وإن قلنا بشمول العمومات الواردة في مطلق النكاح للنكاح الموقت أيضاً.

وقد عرفت أنه اتفق المسلمون و استفاضت رواياتهم على أن المتعة نكاح شرّع في دين الإسلام، وعليه كان عمل المسلمين برهة من الزمن، ويعتبر في صحة النكاح الموقت شروط لا بد من ذكرها في المقام ، كما دلّت عليها السنّة

الشريفة:

الأول : يعتبر في الزوجين الكمال بالبلوغ والعقل ، أو إذن وليهما إن كانا قاصرين كما يعتبر في النكاح الدائم ، وهو معلوم لا ريب فيه .

الثاني : أن لا تكون المرأة ممّا يحرم نكاحها بالنسب أو السبب أو في العدة. وهذا مما لا شك فيه ، كما ذكر مفصلاً في الفقه ، ومن شاء فليراجع كتاب النكاح من مهذب الأحكام.

الثالث : ذكر الأجرة ، ويدلّ عليه الكتاب والسنة الشريفة ، فلو لم يذكر بطل

ص: 161


1- النساء 24:4.

العقد ، ولا تحديد في الأجرة ، بل يكفي فيها كل ما تراضيا عليه، وقد تقدّم في حديث جابر: «كنا نتمتع بالثوب وقبضة من التمر».

الرابع : ذكر المدّة ، وتدل عليه السنّة الشريفة والإجماع ، فلو لم تذكر يكون العقد دائماً ، كما ذكرنا في كتاب النكاح في الفقه ولا فرق فيذلك بين المدة القليلة والكثيرة ، نصاً وإجماعاً .

الخامس:إجراء صيغة العقد بأن تقول المرأة متعتك نفسي-أو أنكحتك نفسي-في مدة كذا بأجرة كذا.ويقول الرجل: قبلت النكاح كذلك.

هذا كله إذا لم تكن مفسدة أو شيء في البين ، وإلا فلاوجه للصحة ، وإذا تحققت الشروط يتم العقد بين الزوجين ، فيجوز لكل واحد منهما التمتع بالآخر ، كما في العقد الدائم ، وينفسخ العقد بانقضاء المدة أو فسخ وهبة المدّة ، وهذا بمنزلة الطلاق في العقد الدائم ، وحينئذ تصير المرأة أجنبية عن الرجل ، والولد ملحق بهما ، ويجب على الوالد الإنفاق عليه ، وتجب على المرأة العدّة إذا تمتّع الرجل بالغشيان والدخول، فلا يجوز لها التزويج بالغير بعد انقضاء العقد الأوّل مباشرة إلا بعد انقضاء العدة وهي في المتعمة حيضتان ، فإذا انقضى الحيض الثاني يجوز لها التزوّج بآخر، سواء بالعقد الدائم أم بالعقد المنقطع.

ومن أحكام النكاح الموقت أنه لا توارث بين الزوجين لأن الإرث حكم شرعي ثبت في كل مورد يدلّ عليه الدليل ، وينتفي إذا دلّ الدليل على عدمه كما فى الزوجة الكتابية والمسلمة القاتلة لزوجها .

وفي المقام دلّ الدليل على انتفائه ، وقد عرفت في البحث السابق أنه لا ملازمة شرعيّة ولا عقليّة بين الزوجيّة والإرث، بل يتبع الدليل في ثبوته ، وفصلنا القول

ص: 162

في أحكام العقد المنقطع في كتابنا مهذّب الأحكام ، فراجع .

ولا ريب أنّ المتعة من سبل المنع عن الفحشاء والمنكر كما ورد في الأحاديث السابقة بعض الأسباب التي دعت إلى مشروعية المتعة والنكاح المؤقت ، وكلّ ما كان كذلك ، فالعقل يحكم بحسنه ، بل قدیری قبح ترکه كما في أصل النكاح.

وقد ذكرنا أن نسخ التشريع على فرض وقوعه وصحته إنما كان لمصالح وقتيّة رآها الحاكم ، وحينئذ لا يمكن استفادة الحرمة الأبدية ، وعلى فقهاء المسلمين رفع اللّه تعالى شأنهم إعادة النظر في هذا الموضوع المهم في هذا العصر ، الذي كثر الفحشاء والمنكر فيه ، وانقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، وزاد جرأة الناس على ارتكاب المآتم والموبقات ، وامتازت المجالس بالمخالطة بين الجنسين من دون راع ديني ، واشتدت المخالطة بينهما بلا حجاب ، وكادت الإباحيّة أن تستولي على المجتمع الإسلامي كما تراها في المجتمع الغربي الكافر والمسؤوليّة إنّما تقع على العلماء وغيرهم، ولا أقل من سد باب الذرائع من الوقوع في الفحشاء ، حيث يحكم به جميع علماء الجمهور، بل علماء الإسلام بأجمعهم. والنكاح المؤقت مع الشروط المطلوبة من أحسن الطرق ، مع أن فرقة كبيرة من المسلمين يقولون بشرعيّته وإباحته، ويجوز لغيرهم الرجوع إلى القائلين به.

فعلى المسلمين أن يسدّوا باب الفحشاء بإحياء سنة رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)حتّى يسدّ اللّه تعالى عليهم أبواب البلاء والمحن التي عجزت عقول البشر عن معالجتها ورفعها ، واللّه الموفق للصواب»(1).

ص: 163


1- مواهب الرحمان 8: 58.

أحكام شرعيّة مستفادة من دلالة آيات الإرث

قال- في ذيل الآيات 32 - 35 من سورة النساء-:«بحث فقهي : يستفاد من الآيات الشريفة المتقدّمة أحكام شرعيّة متعدّدة نذكر المهم منها في المقام :

منها : ذكر بعضهم أنه يمكن أن يستفاد من قوله تعالى:(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ )(1)أنّ لكل منهما نصيباً من الميراث على ما قسمه اللّه تعالى ، وقد ذكرنا أن الآية الشريفة أعم من ذلك كما عرفت .

ومنها : أنه يدل قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ )(2)على أن لكل ميت وارثاً معيناً من الآباء والأقرباء يرثونه مما ترك ، وأمر عزّ وجلّ بإعطاء كلّ منهم نصيبه بالكيفية المقررة في الآيات السابقة .

كما أنّ الآية الكريمة تدلّ على أن الأقرب أولى بالميراث من الأبعد ، فأولاهم بالميت أقربهم إليه في الرحم كما في آية أولوا الأرحام.

ومنها تستفاد قاعدة كليّة مذكورة في الإرث وهي : إن الأقرب يمنع الأبعد ، و تقتضيها كثير من الروايات ، وتعرّضنا لها في كتاب الإرث من مهذب الأحكام.

وأما قوله تعالى:(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ )(3)، فإنّه يدل على أن مَن يدخل في المولى بسبب بسبب المعاقدة والمعاهدة أيضاً له نصيبه ، وقد اختلف المفسرون

ص: 164


1- النساء 32:4.
2- النساء 33:4.
3- النساء 33:4.

والعلماء في المراد من هؤلاء حتّى قال بعضهم إن الآية منسوخة ، ولكن ذكرنا أنّ الآية المباركة مطلقة تدلّ على ثبوت التوارث بالمعاهدة والمعاقدة ، فتشمل إرث الزوجين وضمان الجريرة والإمام ، كما دلت عليه السنّة الشريفة .

ففي الحديث عن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«أنا وارث مَن لا وارث له»(1).

وفى بعض الروايات عن الأئمة المعصومين(علیه السلام): إن إرث مَن لا وارث له الأنفال المختصة بالرسول(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)والإمام ، وعليه إجماع الإمامية ، وبإزاء ذلك روايات أخرى أنّه لبيت المال ، ولكن لا منافاة بينهما لأنهم (علیه السلام)تنازلوا عن حقهم لمصالح عامة.

إلّا أن لإرث هؤلاء شرائط وقيوداً مذكورة في الفقه ، فراجع كتابنا مهذّب الأحكام.

والآية الكريمة تدل على أن إرث الذين عقدت أيمانكم متأخر في الرتبة على إرث أولي الأرحام والأقربين.

ومنها : أنه يدّل قوله تعالى :(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ )(2)على أن القوامية الثابتة للرجال وتسلّطهم على النساء هي قوامية سياسية وتدبير ، كتسلّط الوالي على الرعيّة ، فلابد أن يعطى زمام الأمور الكلّيّة والجهات العامة الاجتماعية كالقضاء والحرب ونحو ذلك مما يمتاز بالتعقل والقوّة إلى الرجال.

وقد دلّت على ذلك السنة الشريفة ، وذكرها الفقهاء في مواضع متعدّدة من الفقه.

وأمّا غير ذلك من شؤون الحياة ، كالتعليم والكسب ونحو ذلك ، فإن الرجال

ص: 165


1- مغني المحتاج: 4:3.
2- النساء 34:4 .

والنساء فيها سواء للقاعدة المعروفة عند الفقهاء ، وهي قاعدة اشتراك النساء مع الرجال في الشؤون والأحكام ، إلا ما خرج بالدليل».

ويستفاد من الآية المباركة أنّ على المرأة إطاعة الزوج ، فإن له عليها قيمومة الطاعة في الحضور والحفظ في الغيبة ، ففي الحديث عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال :

«جاءت امرأة إلى رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) فقالت : يا رسول اللّه ، ما حق الزوج على المرأة ؟

فقال : أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدق من بيته إلا بإذنه ، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتّى ترجع إلى بيتها »الحديث(1).

ومنها : أنه إذا ظهرت أمارات النزاع والنشوز على المرأة وخرجت عن طاعة الزوج إما ظناً أو علماً ، فلابد من الوعظ بتذكيرها بما ورد من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ، وما ورد عن الأئمة الطاهرين المتضمنة لحقوق الزوج.

ثم الهجر في المضجع بما يفيد إعراض الزوج عنها، ومنه تحويل ظهره إليها في الفراش، أو الاعتزال عنها فيه لو اقتضى الأمر كذلك.

ثم الضرب فليكن ضرب تأديب لا ضرب عصيان ، فيقتصر على ما تؤلم ، ويضمن ما يوجب الجناية .

وهذه الأمور الثلاثة-الوعظ ، والهجران ، ثمّ الضرب - مترتبة من الأخف إلى الأشدّ ، والمعروف بين الفقهاء أن ترتب الوعظ إنّما يكون على مجرد ظهور أمارات النشوز والعصيان ، فإذا لم يفد الوعظ كان النشوز متحققاً بالفعل، فينتقل إلى الهجر، وإن تحقق الإصرار منهنّ فينتقل إلى الضرب ، كل ذلك

ص: 166


1- الكافي : 506:5 .

مغيّي بحصول الطاعة ورجوعها عن النشوز ، فإذا حصل فلا يتعرّض لهنّ بشيء ، والأمر في المقام للإباحة ، ويمكن أن يكون للندب لأنه من المعروف»(1).

ص: 167


1- مواهب الرحمان: 202:8.

عدم جواز التصرّف في أموال اليتامى

قال : « يستفاد من الآيات(1)المباركة بضميمة الروايات الواردة في الأحكام المستفادة منها أمور:

الأول : لا يجوز لأحد التصرف في أموال اليتامى ولا في أنفسهن إلا بعد مراجعة الوليّ على اليتيم أو اليتيمة كالجد - أب الأب - لو كان ، وإلا فالحاكم الشرعي على تفصيل ذكرناه في كتاب النكاح من مهذّب الأحكام ، ولا بدّ في التصرّف مطلقاً من المصلحة تعود لليتامى للآية الشريفة ، ولقوله تعالى :(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(2)، وللروايات الواردة في هذا الباب.

كما لا يجوز لليتامى التصرّف في أموالهم وأنفسهم للحجر عليهم شرعاً، كما ذكرناها في كتاب الحجر من مهذّب الأحكام.

الثاني : النشوز في الزوجة يتحقق بأمور:

منها : الخروج عن بيت الزوج بلا إذن منه إن لم يكن خروجها واجباً شرعياً ، ويدل على ذلك روايات كثيرة ذكرنا بعضها في كتاب النكاح من مهذّب الأحكام.

ومنها : عدم تمكين نفسها للزوج فيما يجب عليها التمكين ، ويدل على ذلك

ص: 168


1- سورة النساء : الآيات 27 إلى 134 .
2- ألانعام 6: 152.

الأدلّة الأربعة ، كما قرّرناها في محله .

ومنها عدم إزالة المنفّرات المضادة للتمتع بها والالتذاذ منها للروايات الدالة على ذلك ، مضافاً إلى الإجماع، وإذا تحقق النشوز يسقط وجوب النفقة عن الزوج في النكاح ويستمر السقوط ما دام النشوز باقياً للأصل ، وإذا رجعت عن النشوز وتابت رجع وجوب النفقة على الزوج وتستحقها لتحقق المقتض ورفع المانع فتشمله الإطلاقات والعمومات.

وأما نشوز الزوج فيتحقق بإظهار الخشونة لها قولاً وفعلاً، ولا يوجب نشوزه سقوط النفقة الواجبة عليه .

ثمّ إنّ مقدار النفقة من الكمّيّة موكول إلى العرف المتداول حسب كل عصر وزمان ، كما ذكرنا ذلك في كتاب النكاح من مهذّب الأحكام.

الثالث : يستفاد من قوله تعالى:(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )(1)قاعدة فقهية فيها البركة لعمومها ، وهي جريان الصلح في جميع العقود دالاً إلا ما خرج بالدليل كالنكاح - مثلاً - على ما ذكرنا في كتاب الصلح ، وتدلّ عليه كلمة(خَیرٌ) الساري في جميع العقود بلا تقييد ولا تخصيص ، وللروايات الكثيرة.

منها:ما عن نبينا الأعظم :«الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً حرم حلالاً وأحلّ حراماً ، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً »، وغيره من الروايات المستفيضة ، مضافاً إلى الإجماع.

ولا يختص الصلح بالعقود التمليكية كالبيع والإجارة وغيرهما - بل يجري في غيرها أيضاً ، فقد يفيد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو الإبراء وهكذا،

ص: 169


1- النساء 4: 128.

ولا يشترط فيه أن يكون مسبوقاً بالنزاع.

والصلح عقد لازم ، سواء كان مع العوض أو بدونه لأصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل ولم يدل دليل فيه على الخروج ، وذكرنا في كتاب البيع من مهذب الأحكام ما يتعلق بها .

ويغتفر في الصلح ما لم يغتفر في غيره من الشرائط والأحكام المعتبرة في العقود لأنه خير ، ولا قيد في الخير إن لم يقيده الشرع .

الرابع : وجوب التساوي في القسمة بالمبيت عند كل واحدة من الزوجات ، وكذا في النفقة حسب لياقة الزوجة وشرفها نعم ، لو كان الرجحان خارجاً عن القدرة كالحب والمودة فيسقط وجوب التعديل والتساوي ، كما تقدّم في التفسير.

وعن ابن مسعود في قوله تعالى:(وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ)(1)، قال : في الجماع ، ولكن ذلك مجرد دعوى منه لم تستند إلى معصوم أو دليل عقلي معتبر ، مع أن الجماع قد يكون باستطاعة الشخص-لاختلاف الأمزجة - ولا يكون كالحب والمودة ، فالمناقشة فيما ذكره واضحة ، واللّه العالم»(2).

ص: 170


1- النساء 4: 129.
2- مواهب الرحمان :400:9.

ما يستفاد من آية: ﴿وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ )

قال : يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدُ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ )(1)وما في سياقه من الآيات الشريفة والروايات ، أنّ المناط كلّه في رابطة الزواج الإيمان والاعتقاد باللّه تعالى والدين.

وقد صرّح بذلك في عدة روايات ، ففي الحديث عن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم): «إيّاكم وخضراء الدمن.

قيل : يا رسول اللّه ، وما خضراء الدمن ؟

قال : المرأة الحسناء في منبت السوء »(2).

وفي حديث آخر عنه (صلی اللّه علیه و آله و سلّم): «المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالط»(3).

و عنه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«عليك بذات الدين تربت يداك»(4).

ص: 171


1- البقرة 2 : 221.
2- الکافی 322:5.
3- مستدرك الوسائل : 327:8.
4- الكافي : 332:5.

کما تدلّ الآية الشريفة على كراهة قصد الجمال والمال والشرف والحبّ فقط في النكاح ، وتدلّ على ذلك روايات مستفيضة .

وصريح الآية الكريمة حرمة النكاح مع الكافر والكافرةاً لعموم العلة :(الواليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)إلى قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )(1)وذكرنا تفصيل ذلك في الفقه ، ومن شاء فليراجع كتاب النكاح من مهذب الأحكام»(2).

ص: 172


1- المائدة 5:5.
2- مواهب الرحمان : 375:3.

معنى الإيلاء المستفاد من الآية الشريفة

قال- في ذيل الآية الشريفة :(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُو فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(1):«ذكرنا أن الإيلاء على ما يستفاد من الآية الشريفة والسنّة المقدّسة - هو الحلف على ترك مباشرة الزوجة المدخول بها أبداً أي غير محدود - أو مدة تزيد على أربعة أشهر للإضرار بها ، فلا يتحقق الإيلاء بالحلف بغير اسم الله تعالى كما لا يقع بالحلف على ترك وطء المملوكة ولا المتمتع بها ولا غير المدخول بها ، ولا مدة لا تزيد على الأربعة أشهر ، ولا فيما إذا كان لغرض صحيح شرعي ، كمرض ونحوه ، فإنّ جميع ذلك يتحقق الحلف ولكن لا يتحقق عنوان الإيلاء الذي له أحكام خاصة .

إذا الإيلاء يخالف سائر الأيمان من جهتين :

الأولى : أنّه يجوز فيه الحنث ، بل قد يجب ، ومع ذلك فيه الكفارة على كلّ حال .

الثانية : أن سائر الأيمان لا تنعقد مع مرجوحية متعلقها بخلاف الإيلاء ، فإنّه ينعقد ولو مع مرجوحيّة المتعلق ، ويستفاد من الآية المباركة أن الإيلاء ليس محرماً ذاتياً ، بل الحرمة إنّما هي لأجل مراعاة حق المرأة ،فإذا رضيت بذلك وصبرت عليه فلا حرمة في البين ، وإلا فلها المراجعة إلى الحاكم الشرعي ،

ص: 173


1- البقرة 226:2.

فيحضر الزوج وينظره أربعة أشهر ، فإن رجع في هذه المدة وإلا أجبره على أحد الأمرين : إما الرجوع أو الطلاق ، وتفصيل هذه الأحكام يطلب من الفقه .

كما يستفاد من الآية الشريفة أيضاً أن المباشرة في أثناء الأربعة الأشهر موجبة لانحلال اليمين مع الكفّارة ، فلا تتكرّر بتكرّر الوطى للانحلال ، ولأن اللّه تعالى وعد بالمغفرة والرحمة لمن فاء مطلقاً ، إلا كفارة واحدة في المرة الأولى لأجل الدليل الخاص»(1).

ص: 174


1- مواهب الرحمان : 417:3.

ما يستفاد من الأحكام الشرعية من آية المطلقات

قال-في ذيل الآية الشريفة:(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)-:«يستفاد من الآيات الشريفة الأحكام الشرعية الفقهية التالية :

الأول : يدّل قوله تعالى:(ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)(1)أن مدة العدة ثلاثة أطهار ، كما هو الحق ، وعليه جمع كثير من الجمهور، منهم المالكية والشافعية.

وفي«الدر المنثور»: عن ابن شهاب أنّه قال: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمان يقول : ما أدركت أحداً من فقهائنا إلا وهو يقول هذا ، أي أن القرء بمعنى الطهر»(2).

فيكفي في الطهر الأوّل مسماه ولو لحظة ، فلو طلقها وقد بقيت من الطهر لحظة ذلك طهراً واحداً ، فإذا رأت طهرين آخرين بينهما حيضة واحدة انقضت أيام التربص(العدّة )».

وإذا كان المراد من القرء الحيض، فإنّ أقل الحيض ثلاثة أيام ، ولا يكون أقل منها ، وأكثره عشرة أيام لا يكون أكثر منها ، وأقل الطهر عشرة أيام لا يكون أقل منها ، وأكثره لا حد له ، والتفصيل يطلب من مهذب الأحكام - أحكام العِدة.

الثاني : أن المراد من قوله تعالى:(وَالْمُطَلَّقَاتُ ) هو الصنف الخاص منهنَّ ، أي المدخول بها وغير اليائسة وغيرهما لا تشملهنّ الآية الشريفة ، فإن غير

ص: 175


1- البقرة 2 : 228.
2- راجع السنن الكبرى : 7 : 415 .

المدخول بها لا عدّة لها حتى يجب عليها التربص ثلاثة قروء . والحامل عدتها وضع الحمل ، كما يأتي في قوله تعالى:(وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(1).

الثالث : يدل قوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ)(2). على قبول قولهن في إخبارهنّ بما في أرحامهنّ من الحمل والحيض والطهر، ولا يختص الحكم بخصوص الحمل كما ذكره بعض الفقهاء ، لأنّ هذا الزجر الشديد يناسب أن يكون على كتمان الحمل ، ولكن إطلاق اللفظ يشمل جميع ما ذكر .

الرابع : يدلّ قوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتَهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ )(3)أن الزوج إذا طلب الرجوع لا حق للمرأة في معارضة البعل في ردّها . الخامس : يستفاد من قوله تعالى :(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ )(4)أن طبيعي الطلاق على نوعين : نوع يجوز للزوج المراجعة في العِدّة وردّ الزوجة إلى العصمة الأولى ، والنوع الآخر لا يجوز للزوج ردّ الزوجة حتى تنقضي العدّة ، فلابد من عقد جديد حينئذ .

السادس : يدل قوله تعالى:(وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُدُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً )(5)عدم جواز استرداد المهر من الزوجة لأنها تملك صداقها بمجرد العقد الصحيح

ص: 176


1- الطلاق4:65.
2- البقرة :228:2.
3- البقرة :228:2.
4- البقرة : 229:2.
5- البقرة : 229:2.

الجامع للشرائط، وإن استقرّت ملكية التمام بالدخول.

وبالجملة : أنّ التصرّف في صداقها بدون رضاها يكون تصرفاً في حق الغير بدون الإذن وهو حرام بالأدلة الأربعة ، كما قررناه في كتاب الغصب من مهذب الأحكام.

وأمّا مع الرضا وطيب النفس فلابأس به لكونه حلالاً كما في قوله تعالى: (الفَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيناً مَرِيناً )(1).

السابع : يدل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)(2)على مشروعية طلاق الخلع ، ويفترق عن غيره من أقسام الطلاق بأن الأوّل إنّما يشرع إذا كان نفرة من الزوجة للزوج وبذلها الفداء عوضاً عن الطلاق ، ويدل على كلا الأمرين قوله تعالى:(فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، ويصح الفداء بكل ما يتموّل ، قليلاً كان أو كثيراً ، كان بقدر المهر أو أنقص أو أزيد .

وطلاق الخلع بأن لا يصح فيه الرجوع من الزوج ما لم ترجع المرأة فيما بذلت ، ولها الرجوع في الفدية ما دامت في العدّة ، فإذا رجعت كان له الرجوع ، ولو طلقها مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمة لم يملك العوض وحرم عليه التصرّف ، ولكن يصح أصل الطلاق وإن بطل الخلع .

الثامن : لا بد في الكراهة الموجبة لجواز الخلع من الزوجة أن تكون بحيث يخاف منها الوقوع في المعصية وعدم إقامة حدود اللّه ، وهي أحكامهالمقدسة»(3).

ص: 177


1- النساء 4 : 4 .
2- البقرة 229:2.
3- مواهب الرحمان 25:4.

كتاب الإنفاق والصدقات:محبوبية الإنفاق والصدقات

قال : « يستفاد من الآيات الشريفة أحكام شرعيّة وهي :

الأول : يستفاد من قوله تعالى:(قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ )(1)حرمة الخمر والميسر ، بل الحرمة فيها من ضروريات الدين ولا ينكرها أحد والخمر لا تختص بصنف خاص، بل كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام بإجماع أئمة الحق والمسلمين ، ونصوص سيّد المرسلين ، وأئمة الدين صلوات اللّه عليهم أجمعين .

ومنه الفقاع ، فإنّه خمر استصغره الناس كما في الحديث ، كما أنّه لا يختص الميسر بصنف خاص من القمار ، بل يشمل كل ما يسمى قماراً وإن لم يكن مثل ما كان شائعاً في عصر التنزيل.

الثاني : يستفاد من قوله تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(2)محبوبية الإنفاق والصدقات مطلقاً ، ولا يختص بخصوص قسم خاص من الإنفاق مطلقاً آداباً وشروطاً مذكورة في كتب الفقه .

الثالث : أن حفظ اليتيم ومراعاته ، والقيام بشؤونه من التكاليف النظامية ، وقد يصير تكليفاً عينياً لأجل أمور كما هو مفصل في الفقه ، وقد اهتم الشرع

ص: 178


1- البقرة 219:2.
2- البقرة 219:2.

بهذا الموضوع ، وورد في فضله روايات كثيرة، ففي الحديث عن نبينا الأعظم(صلی اللّه و علیه و آله و سلّم)فيما رواه الفريقان: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى »(1)، ويتضاعف الثواب لأجل عروض عناوين خاصة ، كما إذا انطبق عنوان القرابة والرحميّة ، كما يتضاعف إذا كان أنثى ونحو ذلك.

واليتيم:كلّ صبي انقطع عن أبيه وهو محجور عن التصرف في أمواله ويرتفع حجره إذا بلغ رشيداً وانقطع يتمه بعد بلوغه لقول نبينا الأعظم في جوامع كلماته المباركة التي اختص بها : « لا يتم بعد احتلام ، ولا رضاع بعد فطام»(2).

ولا يجوز لأحد التصرّف فى أموال اليتامى ونفوسهم إلا مع وجود المصلحة ، وقيل يكفي عدم المفسدة، وقد ذكرنا التفصيل في الفقه في كتاب النكاح من مهذب الأحكام.

الرابع : لا يختص اليتم بمن علم انتسابه إلى أب معلوم مات بعد ولادة اليتيم ، بل يشمل اللقيط في بلاد الإسلام وعلم بموت والده ولو بالقرائن .

الخامس : يجوز للمتصدّي لأمور اليتيم بالوجه الشرعي أن يأخذه أجره مثل عمله من مال اليتيم إذا لم يقصد المجانية لأصالة احترام العمل ، إلا ما خرج بالدليل ، ولو لم يكن لليتيم مال يجري عليه من بيت المال والمتصدّي لذلك الحاكم الشرعي ، أو من يكون مأذوناً من قبله.

السادس: أطلق سبحانه إصلاح اليتامى ولم يقيده بقيد، وهو من الأمور المتشرّعة ، ولكن لا بدّ من الاهتمام بالتربية الدينية لهم لأنها أكبر إصلاح لهم

ص: 179


1- مستدرك الوسائل : 2 : 474 .
2- الكافى : 5: 443.

وأهم ، ومَن فقد العلم والآداب فهو أشد يتماً وإن كان في حياة والده ، وسيأتي فى الآيات المناسبة ذكر بقية أحكام اليتامى»(1).

ص: 180


1- مواهب الرحمان: 358:3.

ما يستفاد من آيات الإنفاق من الأحكام الفقهية

قال- في ذيل قوله تعالى :(مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةٌ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )(1)-:«يستفاد من الآيات الشريفة الأحكام الفقهية التالية :

الأوّل : أن الإنفاق والصدقات مطلقاً ، واجبة كانت أو مندوبة ، متقوّمة بقصد القربة ، فما لم تضف إلى الله تعالى تكون باطلة ، ولا تبرأ الذمة لو كانت من الصدقات الواجبة وتجب الإعادة ، وقد ذكرنا أن الإضافة إليه عزّ وجلّ في كل عمل بمنزلة روح ذلك العمل.

الثاني : إطلاق الآيات الشريفة الواردة في الإنفاق المالي في سبيل اللّه يشمل الإنفاق الواجب ، كالزكاة والخمس والكفارات والنفقات الواجبة والإنفاق المندوب كأصل الوقف والسكنى والعمرى والوصايا والهدية والهبة وغيرها.

ويشترط في قبول جميع ذلك قصد سبيل اللّه تعالى ، والإخلاص فيها ، وعلى قدر الإخلاص يتحقق مقدار الثواب وما أعده اللّه تعالى من عظيم الأجر وعدم إبطالها بالمن والأذى.

والإنفاق ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة التكليفية فهو إما مباح ، أو واجب ، أو مندوب ، أو مكروه ، أو إحرام ، والأخير لا وجه له إلا العصيان واستحقاق

ص: 181


1- البقرة 261:2.

العقاب ، والبقية إن قصد بها وجه الله وسبيله ففيها الثواب وعظيم الأجر، وإن خلت عن ذلك دخلت عن الرياء وما يفسدها ، يصح أن يترتب الثواب العظيم ويترتب الثواب على الإنفاق المكروه بعد ما كان أصل الذات محبوباً ، وهو ليس بعادم النظير ، مثل الصلاة في الأمكنة المكروهة والأزمنة المكروهة.

الثالث:إطلاق قوله تعالى:(فِي سَبِيلِ اللهِ)يشمل القصد التفصيلي، وهو معلوم لكلّ أحد ،والقصد الإجمالي الارتكازي كما إذا قصد الشخص أن كل ما يفعله من الأفعال المباحة في زمان معيّن يكون اللّه تعالى ، ثمّ فعل فعلاً غافلاً عن هذا القصد ، لكن كان بحيث لو التفت إليه لكان بانياً على قصده، فهذا أيضاً من قصد سبيل اللّه. ويكفي قصد سبيل اللّه عن النائب والوكيل في تحقق الثواب ما لم يتحقق المن والأذى ، فإنّهما يهدمان العمل ويبطلانه،بل قد يحرم الإنفاق حينئذ لاشتماله على إيذاء الغير وهتكه .

ولا فرق في المن والأذى بين ما إذا كان بعد الإنفاق بلا فصل ، أو معه كان بعنوان المن والأذى ، أو لم يكن ، ولكن انطبق العنوان عليه .

الرابع : إيذاء المؤمن والمنّة عليه يجتمع فيه حق الله تعالى وحق الناس لكثرة السنة الشريفة من عناية الله تعالى بشأن المؤمن ، فلا يكفي فيه مجرّد ما ورد في الاستغفار والتوبة ما لم يجلب رضاه .

الخامس : إطلاق قوله تعالى:(لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى )(1)يشمل ما إذا حصلا من صاحب المال أو من وسيطه ، كالوكيل والنائب عنه ، لأن المستفاد من مجموع الآية الشريفة أن ذاتهما مبغوضتان ، ومن رذائل الصفات وخبائث الأخلاق مطلقاً ، فالنهي يشمل الجميع ، ولكن لو قصد الموكل القربة ومرضاة

ص: 182


1- البقرة 264:2.

اللّه تعالى وتنزّه عن المنّة والأذيّة ، وقصد الوكيل المنّة والأذيّة أثم الوكيل من دون أن يمحق ثواب أصل العمل.

السادس : تجب الإعادة في الصدقات الواجبة لو كانت بعنوان المن والأذى ولا تجزي لقوله تعالى:(لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنْ وَالْأَذَى)، والنهي في العبادة يوجب الفساد ، كما ثبت في محله.

السابع : يستفاد من قوله تعالى:(كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ )(1)مبغوضية الرياء واستلزامه بطلان العمل، ويكون المرائي آثماً، سواء تعلق الرياء بجميع العمل ، أم بجزء من أجزائه ، أم بشرط من شروطه.

هذا إذا كان العمل عباديّاً ، وأما إذا لم يكن المورد عبادة ولم يعتبر في تحققه قصد القربة ، فإنّه لا يوجب البطلان ، ولكنّه يوجب الحرمان عن الثواب. وهو من رذائل الأخلاق ومن الصفات الخبيثة جداً ينافي الاستكمالات مطلقاً، وإنه يرجع إلى إرادة غير الواقع بصورة الواقع ، ويجتمع فيه أنواع من الأخلاق الذميمة والصفات الرذيلة ، كالغش والمكر والخديعة وغير ذلك.

ولعلّ تعدّد أسمائه في السنة المقدّسة كما تقدّم - لأجل تعدد مصاديقه ، فهو من المقبحات الذاتية ، سواء كان بين الخلق بعضهم مع بعض ، أو بين الخلق والخالق ، فإن قبحه أعظم وأشنع،وقد كنّي في علم الأخلاق ب- (أمّ الخبائث) كما كني الخمر بذلك.

الثامن : يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ )(2)أن الحق نوعي ، لا أن يكون شخصياً، فليس للفقير أن يأخذ الخبيث

ص: 183


1- البقرة 264:2.
2- البقرة 267:2.

ولا تبرأ ذمة المالك بذلك. وإطلاق الآية الشريفة يشمل الصدقات الواجبة والصدقات المندوبة .

التاسع : إطلاق قوله تعالى :(وإِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) يشمل المباشرة والتسبّب ، كما يشمل جميع أنحاء الإبداء والإخفاء،سواء كان في جميع الصدقات أو في البعض،وتقدّم أنّ الإبداء في الصدقات الواجبة والإخفاء في غيرها»(1).

ص: 184


1- مواهب الرحمان : 4 : 420 .

حرمة البخل وقبح جمع المال

قال في ذيل الآية الشريفة: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ)(1)-:«تدلّ على حرمة البخل وقبح جمع المال وادّخاره ، ولكن المستفاد من مجموع الأدلّة الواردة في الكتاب والسنة أن جمع جمع المال وادّخاره ينقسم

حسب الأحكام الخمسة التكليفية :

الأوّل : ما إذا كان واجباً وهو ما إذا جمعه الإنسان لأن يصرفه في النفقات الواجبة - خالقة كانت أو خلقية - وهي كثيرة ، كالإنفاق على الأولاد أو إعطاء الدين ، وغيرهما ممّا ذكر فى الكتب الفقهية .

الثاني : ما إذا كان مندوباً ، وهو الجمع للصرف في الخيرات والمبرات الراجحة شرعاً.

الثالث : ما إذا كان مكروهاً ، وهو الجمع والادخار للإنفاق في الأغراض المرجوحة شرعاً غير البالغة حدّ الحرمة كجملة من الإنفاقات التي تنفق لأجل التفاخر بين الناس والمراءاة معهم .

الرابع : ما إذا كان محرّماً ، وهو الجمع للصرف في الأغراض المحرمة شرعاً.

الخامس : ما إذا كان مباحاً ، وهو ما إذا لم يترتب عليه أية جهة راجحة أو مرجوحة ، لو لم نقل بأن جمع المال حيث هو مرجوح شرعاً ، كما يستفاد

ص: 185


1- آل عمران 3: 180.

من جملة من الأخبار ، كقول رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) : « الدنيا جيفة ، وطلابها كلاب»(1).

وقول مولانا الصادق(علیه السلام):«واللّه ما تناولت من دنياكم إلا ما اضطررت إليها»(2).

إلى غير ذلك مما روي عن المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين»(3).

ص: 186


1- مصباح الشريعة : 137 .
2- لم نجد الحديث .
3- مواهب الرحمان :136:7.

رجحان إيتاء المال وبذله في إعانة المحتاجين

قال -في ذيل الآية الشريفة : (لَيسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكين)-:«تدلّ الآية المباركة على جملة من الأحكام الفقهية :

الأوّل : أنّها تدلّ على رجحان إيتاء المال وبذله في إعانة المحتاجين والهدايا وصرفه في الخير ، وهو محبوب عقلاً أيضاً ، إلا أنّه قد يكون واجباً كالزكاة والكفّارات والنذور وأداء الديون.

وقد يكون مندوباً ، وهو في ما إذا كان يراعى فيه الوظيفة الشرعية ولم يصل إلى الصرف المحرّم ، وله مصاديق كثيرة مذكورة في كتب فقه الفريقين ، والظاهر أن قوله تعالى:(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)ناظر إلى القسم الثاني لذكر الزكاة بعد ذلك ، ويمكن أن تكون الزكاة مثالاً لجميع الحقوق الواجبة المالية.

الثاني : القيد في قوله تعالى :(عَلَى حُبِّهِ ) قيد توضيحي إن رجع إلى حب المال ، لأنه أمر غريزي مركوز في الإنسان ، أو أنه يرجع إلى حفظ النفس من الهلاك ، وهو أمر فطري أيضاً. وإن رجع اللّه تعالى يصح أن يكون احترازياً ، لأن الناس يختلفون في ذلك.

إلّا أن يقال إن الآية وردت في وصف الأبرار وصرفهم للمال لا يكون إلا للّه تعالى. قال عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَبَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا

ص: 187

نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً)(1).

الثالث : لا يعتبر الفقر في ما ذكر من الأصناف سوى المسكين لعدم كون دفع المال من باب الصدقة الواجبة ، بل أعم منها . نعم ، لو كان بعنوان الصدقة الواجبة يعتبر الفقر في موردها .

الرابع: ذكر تعالى السائلين والسؤال إن كان لأجل الاضطرار وحفظ النفس يجوز ، بل قد يجب ، وإن كان لغير ذلك يكره ، بل قد يحرم، فعن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم): « من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر»(2).

و عن الصادق(علیه السلام): « ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم-إلى أن قال:-والذي يسأل الناس وفي يده ظهر غنى»(3).

وعن أبي جعفر(علیه السلام):«لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً ، ولو يعلم المعطي ما في العطية ما ردّ أحد أحداً ، ومَن سأل وهو يظهر غنى ، لقي الله مخموشاً وجهه يوم القيامة»(4).

ويكره ردّ السائل مطلقاً ، فقد ورد عن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)أيضاً: «للائل حق وإن جاء على ظهر فرسه »(5).

الخامس : يستفاد من الآية الكريمة أنه يجوز صرف الزكاة في جميع الموارد التي ورد فيها مع تحقق الشرائط المذكورة في الفقه .

ص: 188


1- الإنسان 8:76 و 9.
2- الكافي : 4 : 19.
3- بحار الأنوار: 3: 216 .
4- الكافي : 20:4.
5- مستدرك الوسائل : 7: 203.

السادس: الظاهر أن المراد من قوله تعالى :(ذَوِي الْقُرْبَى)قرابة المعطي ، ولكن يحتمل أن يكون قرابة الرسول(صلی اللّه علیه و آله و سلّم) كما في قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(1)»(2).

ص: 189


1- الأنفال 41:8.
2- مواهب الرحمان : 391:2.

كتاب القضاء و الشهادات:مشروعيّة الحكم والقضاء بين الناس

قال: « الآيات الشريفة المتقدّمة من أهم الآيات القويمة التي تدلّ على مشروعيّة القضاء والحكم بين الناس، وتذكر دعائهما في الإسلام ، وهي الحكم والقاضي والمقتضي عليه، وقد أكد عزّ وجلّ عليها وذكر خصوصياتها، ففي الحكم قال عز وجل :(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ )(1)، وهو يدل على وجوب الحكم بين الناس بما أنزل اللّه تعالى فيختص بالعالم بكونه مما أنزله اللّه تعالى وهو حكم اللّه.

ويستفاد منه أن غير ذلك هو ممّا لم ينزله اللّه تعالى ، فيكون حكماً جاهليّاً وهو يشمل الحكم بالجواز عالماً به أو غير عالم،والحكم بالحق مع الجهل به ،والثلاثة حكم الجاهلية الذي أنكره عزّ وجلّ غاية الإنكار في قوله:(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ )(2).

ولعلّ ما ورد من أنّ الحكم حكمان:حكم اللّه وحكم الجاهلية.وما ورد في تقسيم الحكم والقضاة إلى أربعة-كما عرفت سابقاً - كل ذلك مأخوذ من هذه الآيات الشريفة.

ص: 190


1- المائدة 5: 49.
2- المائدة 50:5.

وفي القاضي ذكر عزّ وجل:(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُ أَهْوَاءَهُمْ)(1)وهو يدلّ على وجوب الحكم بالحق الذي يثبت بالطرق الشرعية المعروفة ، فلا يجوز اتباع الهوى الذي هو خارج عن الطرق الشرعيّة ويشمل ذلك جميع ما ورد في آداب القاضي والقضاوة في الإسلام ، منها وجوب الإنصاف والإنصات والتسوية بين الخصوم ، ونحو ذلك .

وأمّا الميل القلبي مع الحكم بين الخصوم بالحق ، فالآية الشريفة لا تشمله وإن دلّت بعض الروايات على كراهته أيضاً ، بل وحرمته في بعض الموارد. وبين سبحانه وتعالى أن عدم الحكم بما أنزله اللّه يجعل القاضي كافراً أو ظالماً أو فاسقاً. وفي المقضي له أو عليه ، فقد ذكر عزّ وجل:(فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ )(2)

وقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ )(3).، فإنّه يدل على لزوم مراعاة الحكم ووجوب الإذعان للحكيم ، فإنّه الحق الذي ينبغى اتِّباعه ، وإلا كان ظالماً لنفسه فيصيبه اللّه بذنبه ، بل يدل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(4). أن اليقين في الأحكام الربوبية من مقامات العبودية»(5).

ص: 191


1- المائدة 5: 49 .
2- المائدة 5: 49 .
3- المائدة 50:5 .
4- المائدة 50:5 .
5- مواهب الرحمان : 11 : 324.

ما يستفاد من آية(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ )

قال : « يستفاد من الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في الأحكام المستفادة منها أمور:

الأول : ذهب جمع من الفقهاء إلى قبول شهادة الولد على والده ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى :(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ )(1)بدعوى أن الآية المباركة صريحة في وجوب إقامتها ويستلزم ذلك قبولها .

الثاني : السنة المعصومية ، فعن أبي الحسن الرضا(علیه السلام): «أقم الشهادة للّه ولو على نفسك أو الوالدين»(2).

وقول الصادق(علیه السلام): « أقيموا الشهادة على الوالدين والولد»(3)، ومثلهما غيرهما من الروايات .

الثالث : يستفاد من كلام الشهيد وغيره.

ويمكن المناقشة في جميع ذلك ، أما الآية الكريمة فسياقها الشهادة في أصول الدين - لا مطلق الشهادة - بقرينة صدر الآية الكريمة(شُهَدَاءَ لِلَّهِ)، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا

ص: 192


1- النسا 135:4.
2- الكافى 381:7.
3- الفقيه :49:3.

آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(1).

وما يأتي من الروايات فلامجال للتمسك بإطلاق الآية الشريفة بعد احتمال أنّ الشهادة في أصول الدين.

وأمّا السنّة فلا مجال للتمسك بها لإعراض المشهور عنها وهجر العمل بإطلاقها ، فيسقط عن الاعتبار كما ذكرنا في كتابنا تهذيب الأصول ، مضافاً إلى معارضتها بالأقوى منها ، مثل قول الصادق(علیه السلام) في الصحيح: « لا تقبل شهادة الولد على والده»(2)، وقريب منه غيره .

وأما كلماتهم الشريفة ، فإنّها لا تصير دليلاً ما لم يبلغ حد الإجماع ، وقد ادعى الإجماع على عدم قبول شهادة الولد على الأب غير واحد من الأعلام. نعم، ما تقدّم يصلح للاحتياط كما ذكرناه في الفقه.

ويمكن رفع الاختلاف والجمع بين الروايات بأن ما دلّ على الجواز في ما إذا كان الوالد غير مبال بدينه ومتجر في مخالفة الأحكام الإلهية ، وأن شهادة ابنه عليه موجبة لإرشاده وهدايته.

وما دلّ على عدم الجواز فيما إذا كان الأب من أصحاب الوجوه والشرف وملتزماً بالانقياد للأحكام الشرعيّة، فتكون شهادة الابن على والده نحو إهانة له وخلافاً لاحترامه ، ولا تكون من المعروف المأمور به في الكتاب والسنة ، وهذا نحو جمع عرفي كما ذكرناه في كتاب الشهادات من مهذب الأحكام ، والحمد لله .

ولا فرق فيما تقدم بين الأب والأم ، وهل يشمل الحكم الجد والجدة ؟

ص: 193


1- المجادلة 22:58 .
2- الفقيه : 42:3 .

وجهان يظهران مما تقدّم.

الرابع : أن الشهادة لا يغير الواقع عمّا هو عليه ، بل الحكم الصادر من الحاكم الجامع للشرائط يكون كذلك أيضاً ، لأن المدار المأمور به هو الواقع الحق، فإذا انكشف يسقط ما سواه ، وأن الشهادة طريق الوصول إليه ، وعن نبينا الأعظم : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون ، ولعل بعضكم ألحن بحجّته من بعض ، وإنما أقضي على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ به ، فإنّما أقطع له قطعة من النار»(1).

الخامس : يختص وجوب أداء الشهادة بموارد الاستشهاد لقوله تعالى :(لَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)(2)، ومع عدمه فهو بالخيار في الأداء لقول ابي جعفر(علیه السلام):«إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار، إن شاء شهد وإن شاء سكت»(3).

السادس : لا يتوقف تحمّل الشهادة على الاستشهاد والاستدعاء من المشهود ، فإذا سمع ما تصح الشهادة تقبل الشهادة ، فلو سمع الإقرار والعقد أو الإيقاع أو رأى ما تصح الشهادة به كالقتل، فلا يعتبر فيها القصد في خصوص الشهادة ولا الاستشهاد لوجود المقتضى وفقد المانع وأصالة البرائة عن شرطية الاستدعاء والاستشهاد بعد توفّر سائر الشروط كالعدالة وغيرها.

وهناك فروع ذكرناها في كتاب الشهادات من مهذب الأحكام ، ومن شاء فليرجع إليه ، والفرق بين الإقرار والشهادة أن الأوّل إخبار بما يرجع إلى نفس

ص: 194


1- وسائل الشيعة : 223:27.
2- البقرة 2: 282.
3- الكافي : 7: 381.

المخبر ، والشهادة إخبار على الغير بما علم به بالحضور فيه، كما ذكرنا في محله»(1).

ص: 195


1- مواهب الرحمان : 10 : 27.

حرمة الترافع إلى قضاة الجور

قال : «الترافع إلى قضاة الجور ، ومَن لم يوجد فيه شرائط القضاء ،حرام بالأدلة الأربعة.

فمن الكتاب آيات شريفة ، منها ما تقدّم.

ومنها : قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكّام)(1)، بتقريب : أن حكام الجور لا اعتبار لحكمهم لأنهم يتعاطون الرشوة ، وهذا الملاك لو وجد في حكّام العدل تسقط ولايتهم،وغيرهما من الآيات المباركة .

ومن السنة ، روايات كثيرة تبلغ حد التواتر تدلّ على الحرمة وضعاً وتكليفاً وتقدّم بعضها .

ومن الإجماع ، ما هو مسلّم بين جميع الفقهاء على حسب اختلاف آرائهم ، بل مذاهبهم.

ومن العقل، أنه تأييد وتقرير للباطل وهو قبيح ، فإذا ترافع إليهم كان عاصياً ، سواء كان معه الحق في الواقع أم لا ، بل لا يحلّ ما أخذ بحكمهم إن كان ديناً ، وكذا في العين على إشكال فيها تعرّضنا له في الفقه ، إلا أنه استثني من ذلك ما لو توقف استيفاء الحقِّ وعدم ضياعه على الترافع إليهم على سبيل الانحصار

ص: 196


1- البقرة 2 : 188 .

ولم تكن مفسدة أخرى في البين لانصراف ما تقدّم من الأدلة عن مثل ذلك وشمول ذلك ، وشمول أدلّة نفي الضرر له ، ولقاعدة تقديم الأهم على المهم ، خصوصاً في صورة الحرج بشمول أدلته لذلك.

ولا فرق فيما تقدّم بين المسلم وغيره لإطلاق الأدلة ، ولأن الكفار مكلفون بالفروع ، كما أنّهم مكلفون بالأصول، وأنّ الواقع حجّة على جميع الناس ، وقد تعرّضنا في الفقه لما يتعلق بتكليف الكفّار بالفروع ومن شاء فليرجع إلى مهذب الأحكام»(1).

ص: 197


1- مواهب الرحمان: 390:8.

كتاب الذباحة:حرمة التصرفات في الميتة

قال:«تدل الآية الشريفة على جملة من الأحكام الشرعية :

منها : أن إطلاق قوله تعالى: (حَرَّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )(1) يشمل جميع التقلبات والتصرفات في الميتة ، أكلاً وانتفاعاً وغيرها ، وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة الشارحة للآية المباركة.

ففي الحديث عن النبي(صلی اللّه علیه و آله وسلّم): « لا تنتفعوا من الميتة بشيء»(2).

وفي حديث عبداللّه بن حكيم ، عنه(علیه السلام): « لا تنتفعون بإهاب ولا عصب»(3).

و عن الصادق(علیه السلام): « لا ينتفع بشيء منها ولو بشع منها »(4).

هذا بالنسبة إلى الانتفاعات التي يشترط فيها الطهارة ، وأما في غيرها مثل التسميد والزرع ونحوها مما لا يشترط فيه الطهارة ، فلادليل على الحرمة.

ومنها : أن إطلاق قوله تعالى:(الْمَيْتَةُ)يشمل جميع أنواع الميتة ، سواء كانت برّيّة أو بحرية ، ميتة ما له نفس سائل-أي الدم الخارج عن العروق حين الذبح - وميتة ما ليس له نفس سائل، وإن كانت الأخيرة غير محكومة

ص: 198


1- المائدة 5: 3.
2- الموجود في عوالي الثالي : 1 : 321 : « لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ».
3- عوالي الثالي : 1 : 97.
4- لم نعثر عليه .

بالنجاسة ، كما تشمل القطعة المبانة من الحيوان الحي، وفي ذلك روايات كثيرة من الفريقين ، فعن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) : « ما قطع من البهيمة وهي حية يكون ميتة»(1)، كما أن إطلاق الآية المباركة يشمل حرمة جميع أجزاء الميتة.

وعن بعض علماء العامة جواز الانتفاع بجلد الميتة ، بل طهارته بالدبغ ، واستدل بالحديث المروي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله وسلّم)حين مرّ على شاة ميمونة ، فقال : «هلا أخذتم إهابها»(2).

ولقوله(صلی اللّه علیه و آله وسلّم): « أيما أهاب دبغ فقد طهر»(3).

وقد ناقشنا ذلك في الفقه مفصلاً ، وكذا قول علي(علیه السلام) في البحر: «أكل ميتته»محمول على الطهارة لا حلّيّة الأكل.

ومنها : قوله تعالى:(وَالدَّمُ)(4) يشمل القليل والكثير وحرمة جميع التقلبات والتصرفات والانتفاعات منه ، كما يشمل جميع أنواع الدم.

ومنها : المراد من قوله تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)(5)،أن يكون الذبح لغيره تعالی سواء ذكر غير اسم اللّه تعالى، كما يفعله الوثنيون والمشركون أو ذبح للأصنام والأوثان من دون ذكر اسم عليه أبداً ، والمناط في حلّية الذبيحة ذكر اسم

اللّه عليها ، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(6)فالإهلال بالذبيحة لغير الّله شيء كما أن الإهلال بها اللّه تعالى شيء آخر .

ص: 199


1- المغني : 54:11.
2- عوالي اللتالي : 1: 43 .
3- عوالي اللئالى : 42:1 .
4- المائدة 5: 3 .
5- المائدة 5: 3 .
6- الأنعام 6: 121.

ففي القسم الأخير لو أهل الذبيحة اللّه تعالى وتصدق بلحمها على فقراء مشهد أو مزار رغب الشارع في زيارته ، فهو حلال لا إشكال فيه .

فما عن بعض أنّه لا يحل تمسكاً بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ علیه) أو أنه إهلال لغير اللِه تعالى خلط بين موضوعين لا ربط لأحدهما بالآخر، فإن الذبح كان الله تعالى ومصرفه كان للمنذور له أو الفقراء.

وبعبارة أخرى:أن ذلك كان على نحو الطريقيّة إلى اللّه تعالى والتقرب إليه عزّوجلّ لا الموضوعية المنذور له أو الفقراء.

ومنها : يستفاد من قوله تعالى:(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ )(1)أن الاضطرار يرفع الحكم التكليفي ، لأنّ التكليف محدود بالقدرة ، ولا تكليف في ما لا قدرة للمكلف عليه والاضطرار إلى الفعل الحرام أو ترك الواجب ينافي القدرة ، لأنّ المضطر لا يقدر على الترك في الأوّل كما لا يقدر على الفعل الثاني ، والمناط في القدرة القدرة العرفية التي يعتمد عليها الناس في أمور معاشهم وجميع أغراضهم .

نعم ، قد يتبدّل الحكم في صورة الاضطرار إلى حكم آخر ، ولكنه يحتاج إلى دلیل بالخصوص . والاضطرار الحاصل للإنسان المبيح لتناول المحرّم على قسمين :

الأوّل: ما لا ينتهي إلى اختياره.

الثاني : ما ينتهي إلى اختياره.

ولا ريب في أنّه لا تكليف ولا عقاب في الأول.

ص: 200


1- البقرة 173:2.

وامّا الثاني فلا ريب في أنّ العقل يحكم باختيار أقل القبيحين ، لأنّ الأمر يدور بين إهلاك النفس وأكل الميتة - مثلاً ، ولا إشكال في كون إهلاك النفس أقبح من أكل الميتة ، وأمّا الخطاب فهو باق على ملاكه لبقاء العقاب لغرض الانتهاء إلى الاختيار ، فمن ذهب إلى سفك دم معصوم أو هتك عرض محترم أو غصب مال كذلك ، فاضطرّ حينئذ إلى أكل الحرام ، يعاقب على الأكل فيكون حكم القرآن الكريم موافقاً للعقل السليم.

ومن ذلك يعلم أن الاضطرار المبيح لأكل المحرمات كالميتة والدم ونحوهما - محدود في الشريعة المقدّسة بحدّ خوف التلف على النفس في ترك الأكل، ثم الأكل بقدر سد الرمق من دون تعد عنه.

وفي المقام فروع كثيرة أخرى تعرضنا لها في كتب الفقه»(1).

ص: 201


1- مواهب الرحمان 358:2.

وجوب التسمية عند الذبح

قال:« يستفاد من الآيات(1)الشريفة الأحكام التالية :

الأوّل: يشترط في حل الذبيحة التسمية عند الذبح ، فيحلّ أكل ما ذكر اسم اللّه عليه ، لقوله تعالى:(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ )(2)، وظاهر الآية كون التسمية صادرة عن الذابح ، فلو سمّى غيره لا يجزئ ولم تحل الذبيحة .

الثانى : إطلاق الآية يدلّ على أنّ ترك التسمية حرام، سواء أكان الترك عمداً أم نسياناً ، إلا أن المشهور المدعى عليه الإجماع ، أن الترك لو كان نسياناً لا يوجب الحرمة ، ويدلّ عليه بعض النصوص ، خلافاً لبعض الجمهور.

وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو بالعمد قولان ، اختار جمع الثاني لظاهر الآية الكريمة على حرمة ما لم يذكر اسم اللّه عليه ، فخرج عنه صورة النسيان فقط ، ولأصالة عدم التذكية عند التذكية عند الشك فيها .

الثالث : الواجب في التسمية ذكر اللّه تعالى مع التعظيم ، مثل بسم اللّه ، واللّه أكبر ، وسبحان اللّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلا اللّه ، ونحو ذلك ، فلو اقتصر على اسم الجلالة لا يجزئ ، كما لا يجزئ ذكر الصفات المختصة به سبحانه ، كالقديم والرحمن ،ونحوهما ، وإطلاق اسم اللّه تعالى على ما يشمل الصفة شائع،

ص: 202


1- الأنعام 114:6 - 121 .
2- الأنعام 6: 118 .

وهو المعني في قوله تعالى: وَلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )(1).

الرابع : إطلاق الآية الكريمة ، عدم اشتراط الذكورة ولا البلوغ ولا الطهارة ولا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة ، وكذا الحائض ، والجنب ، والطفل إذا كان مميّزاً ، والأعمى، والأغلف، وولد الزنا ، ويدلّ عليه الإجماع ونصوص خاصة. الخامس: ظاهر الآية شمول ذبائح جميع فرق المسلمين عدا النواصب والمحكوم بكفرهم كالمجسمة، ويدلّ على كلا الحكمين المستثنى والمستثنى منه الإطلاق والإنفاق ونصوص خاصة.

وأمّا ذبائح الكفّار ، مشركين أم غيرهم ، فلا إشكال في حرمتها ، لنصوص عديدة تدلّ على حرمة ذبيحة مطلق من حكم بكفره شرعاً ، سواء كان كافراً أصليّاً أو مرتدّاً ، مليّاً كان أو فطرياً ، ويدل عليه الإجماع أيضاً.

وأمّا ذبيحة أهل الكتاب فهي موضع خلاف، والمشهور عند الإمامية حرمتها لنصوص خاصة ، والتفصيل يطلب من كتب الفقه .

السادس : تحلّ الميتة - وهي التي لم يذكر اسم اللّه عليها عمداً - مع الاضطرار إلى الأكل منها ، والمراد بالضرورة هي التي يخاف معها التلف أو المرض أو الضعف الشديد الذي لا يمكن معه أداء الأعمال مع الضرورة إليها ، ولا يشترط الإشراف على الموت لوجوب حفظ النفس وضرورة كلّ شخص بحسب حاله ، وترتفع الضرورة بتناول ما يزول معه الضرر من غير زيادة عملاً للعلة ،وتدلّ على جميع ذلك نصوص متعدّدة ، وعموم الآية :(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )(2)

يشمل الفاعل والمستباح .

ص: 203


1- الأعراف 180:7.
2- الأنعام 6: 119 .

أمّا الأوّل بأن لا يكون باغياً ولا عادياً ، وأما الثاني فهو كل ما لا يؤدّي إلى ارتکاب حرام ، كقتل محقون الدم ، ولا ما أباح الشارع دمه كالزاني المحصن والمرتد عن قطرة وغيرهما، وتفصيل ذلك مذكور في الفقه.

السابع : المستفاد من مجموع الآية الكريمة اشتراط التذكية في حلية الأكل من الحيوان المذكى ، وهي الحالة الخاصة التي تحل بالحيوان المذبوح إذا تحققت شرائطها ، وإذا شك في تحققها في الخارج فالمرجع أصالة عدم التذكية التي أثبتوها بالإجماع والنصّ ، وقد وقع الخلاف في أنّها أمر وجودي أو عدمي ، وقد اشتملت الآية على كليهما ، وإن كان المعروف أنها أمر وجودي ، ويترتب عليها آثار علمية كما هو الأمر كذلك فى أنّها أمر بسيط أو مركب ، والتفصيل في كتب الأصول .

الثامن : يحرم ارتكاب الإثم ،مطلقاً، سواء كان ظاهراً يتعلّق بطرف آخر خارجي كالغيبة والقتل ونحو ذلك ، أو باطناً وهو ما لم يكن كذلك كالشرك والارتداد وغير ذلك ، أو ما كان ظاهراً جلياً ، وما كان خفياً فيحرم ارتكابه في أي مظهر كان ، ولا يختص بالزنا واللواط والقتل ونحوها كما قيل»(1).

ص: 204


1- مواهب الرحمان :345:14.

كتاب الوصيّة:أهمّيّة الوصيّة وعظيم شأنها

قال:« يستفاد من الآيتين(1)الشريفتين بعض الأحكام الفقهيّة ، نذكر المهم منها ، والتفصيل موكول إلى محله :

الأول : تدلّ الآية الكريمة :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ )(2)على أهمية الوصيّة وعظيم شأنها ، وتأكد أمرها ، لا سيما إذا ظهرت أمارات الموت وعلائمه ، وهي في الحقوق الواجبة خالقية كانت أم خلقيّة واجبة ، وفي غيرها مستحبّة استحباباً مؤكّداً ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات .

الثاني : يستحب الإشهاد على الوصية وتثبيت أمرها وعدم إهمالها ، لئلا تؤول إلى الضياع والشهادة فيها إما أن تكون من أهل دينه وهو الإسلام ، وإن تعذر ذلك ، كما إذا كان في سفر فآخران من أهل الذمة.

الثالث : ظاهر الآية الشريفة اشتراط قبول شهادة أهل الكتاب ، مضافاً إلى التعدّد والعدالة عند أهل ملّته-كما هو الظاهر من الآية - بأمور ثلاثة ، وعليه جماعة من الأصحاب قدس اللّه أسرارهم.

ص: 205


1- المائدة 5 : 106 - 108.
2- المائدة 5 : 106.

أولاً : أن تكون فى حالة السفر أو في حال الضرورة؛ لأن المناط هو عدم ضياع مال المسلم ، وقد تقدّم في صحيحة ضريس التعليل بذلك كما عرفت في البحث الروائي ، فراجع .

ثانياً : تحليفه بعد الشهادة بعد الريبة لظاهر قوله تعالى :(فَيُقْمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ)(1).

ثالثاً: أن تكون الشهادة والحلف في مجمع من الناس بقوله تعالى :(تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ )(2) .

الرابع :قد يقال : إن مقتضى إطلاق الآية الكريمة نفوذ شهادة الكافر مطلقاً ، كتابياً كان أم غيره ، ذمّيّاً أم حربياً ، لكن عرفت أن ظاهر الآية اختصاص الحكم بالذمّي من أهل الكتاب ، فإنّ وجوده في جميع المسلمين ومن بعد صلاتهم قرينة على كونه من أهل الذمة ، وإلا لا ينبغي وجود الحربي بين المسلمين، وتدل على الاختصاص نصوص معتبرة كما تقدّم في البحث الروائي .

الخامس : يستفاد من ظاهر العطف :(أَوْ آخَرَانِ مِن غَيْرِكُمْ )(3) اعتبار عدالة أهل الذمة في مذهبهم في قبول شهادتهم في ذلك ، وتدل على ذلك رواية حمزة بن حمران المتقدمة.

السادس: تدلّ الآية الكريمة على أن الشاهد الكافر يحلف مع حصول الريبة في التهمة لا بدون ذلك ، كما أنه إذا حصلت أمارة تدلّ على الخيانة يحلف الوارث أو من يقوم مقامه من الأولياء المطلعين على ذلك على بطلان دعوى الشاهدين ، أو نفي العلم بذلك ، فينقض شهادتهما ويأخذ منهما المال ، وهذه

ص: 206


1- المائدة 106:5.
2- المائدة 106:5.
3- المائدة 106:5.

أحكام مختصة بالوصيّة ، فتكون مخصصة لقوله (علیه السلام): « مَن حلف فليصدق ، ومَن حُلف له فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله في شيء »(1)، أو نقول : إنّ الحلف إنّما يتوجه عليهما بعد ظهور الخيانة ، ولا بيّنة لهما على صدق قولهما ، فلا يكون منافياً للأدلة.

السابع : ظاهر الآية الكريمة اختصاص جواز شهادة الكافر بالوصية ، فلا تسمع في غيرها مطلقاً ، وتدل عليه نصوص خاصة ، كما عرفت ، وهل تختص بالوصية بالمال ؟

قيل : نعم لظاهر الآية ، والصحيح الإطلاق ، فيشمل الولاية.

الثامن : تدلّ الآية الكريمة على جواز التغليظ في اليمين بالوقت لقوله تعالى :(مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ)(2)وبالمكان وأمور أخرى كما دلّت عليه النصوص ، ولا يجب ذلك ، كما ذهب إليه بعض للأصل ، ويحمل النص على الإرشاد.

التاسع : تتضمن هاتان الآيتان ما تثبت به الوصيّة ، فهي التي تتكفل جهة الإثبات»(3).

ص: 207


1- الاستبصار 54:3.
2- المائدة 5 : 106 .
3- مواهب الرحمان : 12 : 373 .

رجحان الوصية والاهتمام بها

(كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )(1).

قال : « يستفاد من الآية أمور:

الأوّل: تدلّ الآية على رجحان الوصيّة والاهتمام بها، وقد أكد تعالى عليها بأنحاء التأكيد ، كما ورد في السنة المقدّسة أيضاً، ولا بد أن يراعى فيها جميع الشروط المذكورة في الكتب الفقهيّة ، منها العدل والمعروف ، وعدم الإضرار بالورثة ، كما يستفاد من قوله تعالى : من قوله تعالى:(بِالْمَعْرُوفِ).

الثاني : أن الوصيّة في الآية الشريفة هي الوصيّة التمليكية لما ذكر فيها الخير. وأمّا الوصيّة العهديّة ، فلا يشترط فيها وجود المال ، بل يكفي فيها وجود نفع للموصي .

الثالث : إطلاق الآية الشريفة يشمل الوصيّة بالقول أو الكتابة أو الإشارة المفهمة مع العذر.

الرابع : تدلّ الآية على عدم تقوم الوصية بالوصي ، بل تتحقق بدونه ، والمعتبر إنفاذ الوصيّة ولو من قبل الحاكم الشرعي.

الخامس : يستفاد من الآية الشريفة حرمة التبديل ، وأنه من الكبائر، وقد دلّت

ص: 208


1- البقرة 2: 180.

عليه نصوص خاصة .

السادس: يمكن أن يكون الإذن في الإصلاح من باب الإرشاد إلى الحكم إن كان الموصي جاهلاً بالحكم ويصح أن يكون من باب النهي عن المنكر إن كان عالماً به ، ويصح تصدّيه من كل أحد يعرف الحكم ، ولا بد أن يكون هذا الإصلاح مطابقاً للموازين الشرعيّة ، وإلا فلا يجوز ، فقد ورد عن نبينا الأعظم الصلح جائز بين المسلمين ما لم يحلّل حراماً أو يحرم حلالاً (1)».(2)

ص: 209


1- نهج الحق : 484.
2- مواهب الرحمان: 2 : 440.

كتاب الحجر:إطلاق الآية في شمول كلّ يتيم

قوله تعالى:(وآتُوا الْيَتامى أموالهم ولا تتبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كبيراً)(1).

قال : « يستفاد من الآيات المباركة المتقدمة أحكام :

الأوّل : أن إطلاق الآية الشريفة :(الوَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)يشمل كل يتيم ، ذكراً كان أو أنثى ، صغيراً كان أو كبيراً ، إن كان محجوراً عليه ، كما لا فرق بين من عين الأب له قيماً أو لا.

نعم ، لو كان الجد موجوداً فالولاية له ، ولا فرق في مال اليتيم بين ما إذا وصل إليه بإرث أو غير ذلك من الهدايا والمنح ، فإن جميع ذلك ماله ، فتشمله الآية الكريمة .

الثاني : مقتضى الآية الشريفة وما وردت من الروايات أنّه يجوز لليتيم التصرف في أمواله مع تحقق الشرائط ، وهى أن يكون التصرف بإذن الولي-شرعيّاً كان الولي أو تكوينياً-وأن يكون فيه المصلحة لليتيم كما فصلناها في كتابنا مهذب الأحكام ، وأن يكون التصرف سائغاً شرعاً كما يجوز للولي التصرف في أموال اليتيم بشرط عدم المفسدة ، بل مع وجود المصلحة ، كل ذلك كما

ص: 210


1- النساء 2:4.

فصلناه في الفقه .

الثالث : لا تختص حرمة تبدّل الخبيث بالطيب بأموال اليتامى ، بل يجري ذلك في تبدل كلّ مال كذلك ، ولو كان من الكبير والرشيد مع عدم مجوز شرعي ، لأن ذلك أكل بالباطل .

وقال تعالى:(وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)(1).

وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * إذَا كَالُوهُمْ أَو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )(2)، ولكن في أموال اليتامى تكون الحرمة أشد وأكثر تنفّراً من غيرها ، ولذا أكد النهي فيها.

ولو فعل ذلك أحد لا يملك الطيب وتشتغل ذمّته برده إلى صاحبه ومع التلف ينتقل إلى العوض بالمثل أو القيمة .

الرابع : أن قوله تعالى:(أَلَّا تَعُولُوا )(3)عام يشمل النفقة عام يشمل النفقة وغيرها ، والتودد الخارجي ، بل الميل القلبي أيضاً.

نعم ، ما كان خارجاً عن الاختيار في القسم الأخير، فهو معفو عنه ، وإن كان تحت الاختيار وترتب عليه الأثر ويكون داخلاً فى أحد الأوّلين.

الخامس : مقتضى إطلاق الآية الشريفة وما ورد من الروايات أن السفيه كما هو محجور عليه في ذمته فلا يصح أن يتعهد مالاً أو عملاً، كذلك لا يصح اقتراضه وضمانه ولا بيعه ولا شراؤه بالذمة ولا تزويجه، وكذا لا يصح أن يجعل نفسه أجيراً وعاملاً للمضاربة والمزارعة والمساقاة وغير ذلك للحجر عليه شرعاً،

ص: 211


1- البقرة :2 : 188 .
2- المطففين 83 :1 - 3.
3- النساء 3:4.

كما أن المراد من عدم نفوذ تصرّفات السفيه هو عدم استقلاله في ذلك ، فلو كان بإذن الولي صح ونفذ .

السادس: لو أحرز رشد السفيه سلّم إليه أمواله ، كما نصت عليه الآية الشريفة وغيرها من الروايات ، ولو لم يحرز رشده و اشتبه حاله ، يختبر السفيه بما يناسب شأنه ، بتفويضه البيع والشراء والإجارة وغيرها مما يناسبه ، وكذا السفيهة ، وقد فصلنا ذلك في الفقه ، ومن شاء فليراجع كتابنا مهذب الأحكام.

السابع : يجب دفع أموال السفيه إليه فوراً بعد تحقق الرشد وإحرازه لأصالة فورية دفع مال الغير إليه كما أثبتها الفقهاء وذكرناها في الفقه .

الثامن : الاستعفاف لأولياء اليتامى عن التصرّف في أموال اليتامى حسن وليس بواجب شرعاً ، لأنه يجوز أخذ أجرة عمله وإن كان غنياً كما أثبتناه في الفقه.

وكما أن الأكل بالمعروف كذلك ليس بواجب عليه ، بل له أن يرفع اليد عن ذلك ويعطي الجميع لليتيم»(1).

ص: 212


1- مواهب الرحمان : 289:7.

كتاب الحدود:عدم جواز إقامة الحدّ على الذي التجأ إلى الحرم

قال السيّد :«استدلّ الفقهاء بقوله تعالى:(وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )(1) على عدم إقامة الحدّ في الحرم على من التجأ إليه، وقد تظافرت الأخبار بذلك ، فعن الصادق(علیه السلام)في معتبرة الحلبي ، قال : «سألته عن قول اللّه تعالى:(وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً)قال : إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فر إلى الحرم ، لم ينبغ لأحد أن يأخذه من الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ، ولا يطعم ، ولا يقى ، ولا يكلّم ، فإذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد ، لأنه لم يرع للحرم حرمة»(2).

وفي صحيح معاوية بن عمّار ، عن الصادق(علیه السلام) ، قال :«قلت له:رجل قتل رجلاً في الحلّ ثمِ دخل الحرم ؟ فقال :

لا يقتل ، ولا يطعم ، ولا يقى ، ولا يبايع، ولا يأوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ .

قلت : فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق ؟

قال : يقام عليه الحدّ صاغراً ، إنه لم ير للحرم حرمة ، وقد قال اللِه تعالى :

ص: 213


1- آل عمران 97:3.
2- الكافي :226:4.

(فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ )(1)يقول هذا في الحرم،فقال:(فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)(2)»(3).

أقول : وهناك روايات تدل على ذلك ، والحكم متفق عليه عند الإمامية ، وقد أقيمت عليه شواهد كثيرة في جميع الأعصار،وهذا من خصائص الحرم الإلهي،وقيل بالحاق الحرم النبوي بالحرم الإلهي،ولكن الحكم لم يثبت عند الجميع،فلا ترفع اليد عن الأصول المعتبرة النافية للتكليف ،بل عن الإطلاقات والعمومات ، وأما كونه أمناً بالنسبة إلى حيوان الحرم ونباته ، فقد وردت روايات تدل على أنه يحرم إيذاؤهن وتهييجهنّ وقلع النبات ،لا سيما على المحرم ، والمسألة مذكورة في باب تروك الإحرام من أبواب الحج ، وتقدّم ما يدل على ذلك في البحث الروائي .

وقد تظافرت الأخبار أيضاً في أنه أمن من العذاب يوم القيامة ، منها ما عن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم): « مَن مات في أحد الحرمين بعثه اللّه من الآمنين»(4) ، ولا بدّ من تقييده بما إذا دفن فيه مع وجود سائر الشرائط »(5).

ص: 214


1- البقرة 194:2.
2- البقرة 2: 193.
3- تهذيب الأحكام : 5: 463 .
4- الكافي : 4 : 548 .
5- مواهب الرحمان:184:6.

ما يستفاد من الأحكام الفقهية من آية القصاص

قال:«هذه الآية الشريفة تتضمن من الأحكام ما يلي:

الأوّل: يستفاد من قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحَرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتَّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(1)أنّ الحكم الأولي في الجنايات مطلقاً هو القصاص ، والتبديل إلى الدية إنّما يكون لجهات أخرى ، ولفظ(كُتِب)يشمل الحكم الأولي والثانوي.

الثاني : أنّها مسوقة لبيان التساوي والتكافؤ بين الدماء ، خلاف ما كانت عليه العادة في الجاهلية كما تقدّم. وقد ذكر فيها بعض الأفراد ، إلا أنها لا تدلّ على الحصر فيهم ، وقد وردت في السنة الشريفة ما يبيّن حصول التكافؤ والتساوي القصاص ، ومن ذلك التفرقة بين دية الرجل والمرأة وقتل واحد لجماعة أو بالعكس ، وقتل العبد للحرّ، فإنّ لكلّ واحد من هذه أحكاماً خاصة مذكورة في الفقه مفصلاً.

الثالث : أن إطلاق قوله تعالى:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ )(2)يدلّ على

ص: 215


1- البقرة : 178:2.
2- البقرة 179:2.

القصاص في الجناية ، سواء كانت في القتل أو القطع أو الجرح ، كما هو مفصل في قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالأذْنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاص)(1).

الرابع : أن إطلاقها يشمل ما إذا كانت الجناية عمدية أو خطأيّة، ولكنّها خصصت بالأولى لقوله تعالى:(وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ )(2).

كما أنها خصصت بموارد :

منها : قتل الأب لابنه وإن كان عمديّاً للإجماع والنصوص.

ومنها : قتل الحرّ للعبد إجماعاً ونصوصاً.

ومنها:قتل المسلم للكافر على ما هو المفصل في الفقه»(3).

ص: 216


1- المائدة 45:5.
2- النساء 92:4.
3- مواهب الرحمان :424:2.

ما يستفاد من آيات قتل المؤمن

قال:« يستفاد من الآيات المباركة الأحكام التالية :

الأول : أن القتل ينقسم إلى أقسام :

فتارة القتل العمدي، ويدل عليه قوله تعالى :(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ) (1)، وحكمه: القود كما يستفاد من سياق الآية المباركة ، ومن قوله تعالى:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )(2)، ويتحقق العمد بقصد القتل غالباً ، كما تدلّ عليه جملة من الأخبار .

وأخرى القتل الخطائي ، وهو الخالي عن القصد إلى القتل ، ويدل عليه قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خطاً)(3)، وحكمه : ثبوت الدية على العاقلة والكفارة.

ففي صحيح الحلبي : عن الصادق(علیه السلام): «إنّ العمد كلِ من اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو حجراً أو بعصا أو بوكزة ، فهذا كله عمد ، والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره »(4)، وغيره من الروايات ، كما ذكرنا في الفقه .

وثالثة الخطأ الشبيه بالعمد ، وهو أن يقصد الفعل دون القتل ، وتدلّ عليه جملة

ص: 217


1- النساء 93:4 .
2- البقرة 179:2.
3- النساء 93:4.
4- تهذيب الأحكام : 155:10.

من الأخبار :

منها :رواية العلاء بن الفضيل ، عن الصادق(علیه السلام)، قال : «الخطأ الذي يشبهالعمد الذي يضرب بالحجر أو بالعصا الضربة أو الضربتين لا يريد قتله»(1)، وحكمه : الدية ، ويدخل في هذا القسم علاج الأطباء المرضى فيتفق الموت.

ثمّ إنّه يلحق بالخطأ المحض من ألقى الشارع قصده كفعل الصبي أو المجنون ، وكذا يكون منه ما يصدر من النائم كالضرّة إذا انقلبت على غيرها فمات، على تفصيل مذكور في كتب الفقه.

الثاني: مقتضى الآيات الشريفة أنّه لا يجوز في الموارد التي ثبتت الدية القصاص، وكذا العكس إلا إذا رضى الطرفان بذلك فيشمله الأصل والإطلاق والعموم.

نعم ، لو لم يمكن القصاص في مورد تثبت الدية لا محالة لقاعدة عدم ذهاب الجناية هدراً في الشرع.

الثالث : صريح قوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ )(2) ، كما تقدّم في الفقه.

الرابع : لزوم الكفّارة والدية في قتل الخطأ، وأنّ الكفارة مترتبة وهي تحرير رقبة مؤمنة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، كما هو مقتضى «ما» ، والشرط الدالان على التعقيب والشهر أعم من الهلالي والعددي ، كما أن التتابع هو اتصال أحدهما بالآخر ، وهو يحصل بصيام الشهر الأول واتصاله بالثاني ولو بيوم واحد ، لأن المأمور به التتابع بين الشهرين لا بين جميع أيامهما ، ومع عدم القدرة على الصيام فإطعام ستين مسكيناً.

ص: 218


1- الکافی :282:7.
2- النساء 92:4.

الخامس : الدية في القتل العمدي من مال القاتل نفسه ، وكذا دية القتل في شبه العمد ، وأما دية القتل في الخطأ المحض فهي على العاقلة ، ويدل على هذا التفصيل الأخبار الكثيرة الواردة عن الأئمة الهداة كما ذكرناها في كتاب مهذب الأحكام.

السادس : المقتول خطأ إن كان من قوم من أهل الحرب وهو مؤمن معاهدين ، سواء كانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم ، لهم عهد فتجب الكفارة والدية ، كما لو قتل في دار الإسلام وتكون ديته لورثته المسلمين خاصة إن وجدوا وإلا فهي للإمام ،و على ذلك دلت جملة من الروايات وقام الإجماع،فتكون هذه الآية المباركة تخصيصاً لأدلّة الدية .

السابع : يستفاد من الآية المباركة أنّ الدية لا بد وأن تؤدى إلى ورثة المقتول ، يقتسمونها كسائر تركة الميت بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصية ، كما فصل في الفقه ولو لم يكن للميّت وارث تكون الدية للإمام (علیه السلام)لانّه وارث من لا وارث له .

الثامن : يستفاد من الآيات الكريمة أن الدية حق الورثة ، فيملكون إسقاطها بالعفو ، ولذا حثّ سبحانه وتعالى على العفو عنها ، سمّى العفو صدقة تنبيها على فضله ، وأنّه كلّ معروف صدقة بخلاف الكفّارة في التحرير والصوم ، فإنّها حق اللّه تعالى ، فلا تسقط بعفو الأولياء بالصدقة وإسقاطهم لها»(1).

ص: 219


1- مواهب الرحمان : 172:9.

شروط اخرى لقطع يد السارق

قال : « اشترط الفقهاء في السرقة التي يترتب عليها الأحكام المزبورة أموراً:

الأوّل : أن يكون الأخذ سراً، فلا تقع السرقة علناً وإن كان حراماً، وتسمى سلباً ونهباً ، كما عرفت.

الثاني : أن يكون أخذ المال بغير إذن صاحبه ، كما عرفت .

الثالث : أن لا يدعى شبهة محتملة فيه.

الرابع : أن لا يكون أميناً كالمستودع والأجير ، ومثلهما الضيف ، وأن لا يكون والداً ولا مملوكاً ، فلو سرق الأب مال ولده أو المملوك من مال سيده فلا قطع ولا مكرهاً على السرقة.

الخامس : أن يكون المسروق بمقدار ربع دينار، فلا قطع فيما دون ذلك ، و تثبت السرقة بالبينة والإقرار مرّتين ، وهناك فروع مذكورة في الفقه من شاء فليراجع كتابنا مهذّب الأحكام»(1).

ص: 220


1- مواهب الرحمان 262:11.

أحكام متفرقة : التحية نوع من العبادة

قال : « يستفاد من سياق الآية الشريفة : (وَإِذَا حُيَّتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَبُوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )(1)جملة من الأحكام الشرعية :

الأول : أن التحيّة هي نوع من العبادة ، فيثاب عليها إن لم يتحقق مانع من ذلك ، ويدل عليه قوله(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«المراد من التحية في الآية السلام وغيره من البرّ». وتقدّم ما يدلّ على تحدد الثواب على اختلاف التحية بالسلام .

الثانى : أن السلام من المستحبّات الكفائية لظاهر سياق الآية المباركة ، ولقول الصادقال: «إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم»(2)، فلو كان الداخلون جماعة فسلّم أحدهم ، يسقط استحبابه عن الباقين ، ولكن مقتضى إطلاق بعض الروايات بقاء استحباب السلام بالنسبة إلى الباقين ، مثل قول أبي جعفر(علیه السلام): «إنّ اللّه عزّوجلّ يحب إفشاء السلام»(3).

وعن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه و آله و سلّم)،قال:«السلام اسم من أسماء اللّه تعالى وضعه اللّه في الأرض فافشوه بينكم»(4).

ص: 221


1- النساء 86:4 .
2- الكافى: 147:2.
3- تحف العقول: 300 .
4- مستدرك الوسائل : 342:8.

مع أنّه من الآداب المجامليّة الممدوحة عقلاً وشرعاً.

الثالث : وجوب ردّ التحيّة لظاهر الآية الشريفة ولجملة من الروايات أيضاً، كما مر بعضها ، وعمومها يشمل كل أنواع التحية ، وفي جميع الحالات ، إلا أن في الصلاة تختص الردّ ب(السلام عليكم) فقط كما ذكرنا في كتابنا مهذب الأحكام ، فلا تشمل غيره من أنواع البر والإحسان ، وإن كان الأفضل والأولى الردّ ، لما مرّ من قول الصادقين(علیه السلام) :«المراد من التحية في الآية اللام ، وغيره من البر»، وتقدّم التسميت في التعطيس ، وذكرنا في مهذب الأحكام ما يتعلق بذلك.

الرابع : يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم ، فلو قال: سلام عليكم يجب في الجواب والردّ أن يكون كذلك.

ففي صحيح ابن مسلم، قال: دخلت على أبي جعفر(علیه السلام)وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك.

فقال(علیه السلام): السلام عليك.

فقلت: كيف أصبحت ؟

فسكت ، فلمّا انصرف قلت أردّ السلام وهو في الصلاة ؟

قال : نعم مثل ما قيل له »(1).

والمسألة محرّرة في كتب الفقه بشقوقها .

الخامس : يجب الردّ فوراً ، لأنه المناسق من الأدلة عرفاً ، كما أنه مقتضى المرتكزات في ردّ التحيات القولية مضافاً إلى الإجماع.

السادس: ردّ السلام واجب كفائي ، فيسقط بردّ واحد عن البقية ، ويدل عليه

ص: 222


1- وسائل الشيعة : 267:7.

الإجماع والنصوص الكثيرة ، منها : ما رواه غياث بن إبراهيم ، عن الصادق(علیه السلام):«إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردّ واحداً أجزأه عنهم»(1).

هذا بالنسبة إلى الوجوب .

وأما بالنسبة إلى استحباب الردّ ، فالظاهر بقاؤه وعدم سقوطه عن الباقين، لأنه نحو مجاملة وتودّد وتحبّب، ولا ريب في رجحانه ذلك كلّه .

السابع : مقتضى عموم الآية الكريمة جواز سلام الأجنبى على الأجنبية وبالعكس ، إذا لم يكن هناك ريبة أو خوف فتنة ، ويدل على ذلك روايات كثيرة.

وما دلّ على الخلاف مثل خبر غياث : « لا تسلّم على المرأة»(2)أو«لا تبدوا النساء بالسلام»(3)فمحمول على ما إذا تحقق عنوان الريبة أو الخوف أو الفتنة جمعاً وإجماعاً.

الثامن : يجوز السلام على الكافر، خصوصاً إذا استلزم ترغيبه للإسلام ، فإنّه من مكارم الأخلاق التي اهتم بها الإسلام أشدّ الاهتمام ، ودعا إليها الناس ، وما ورد في بعض الأخبار من النهي عن السلام عليهم ابتداء أكما في خبر غياث،قال أمير المؤمنين(علیه السلام):«لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ،وإذا سلّموا عليكم فقولوا وعليكم»(4)، ونحوه غيره يمكن حملها على الكراهة بقرينة ما ورد في بعض الأخبار : قلت لأبي الحسن الرضا (علیه السلام): أرأيت إن احتجت إلى الطبيب وهو نصراني أسلّم عليه وأدعوا له ؟

ص: 223


1- الكافي : 2 : 147.
2- وسائل الشيعة : 234:30.
3- الكافي : 5 : 524.
4- الكافي : 2 : 148.

قال: نعم، إنّه لا ينفعه دعاؤك»(1)، فإذا لم ينفعه السلام ولا الدعاء ، لا وجه للحرمة.

نعم ، هو مرجوح ، لأنه نحو اعتناء بالمسلّم عليه ، فلا يليق بمن يعادي اللّه ورسوله ذلك لو لم يكن راجحة في البين ، كالدعوة إلى الإسلام، والضرورة ونحوها .

وأما جواب سلام الكافر فواجب لما مرّ .

التاسع : استحباب الردّ بالأحسن في غير حال الصلاة بأن يقول في سلام عليكم ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته كما مرّ في البحث الروائي ويجوز الردّ بالمثل ولو كانت التحية بالشر.

فالرد الأحسن بالحلم والعفو أو المكافأة بالخير، ولو أراد المثلية تكون جزاء سيّئة ، ولكن في وجوب ردّ مثل هذه التحية منع ، لأن المنساق من أدلّة التحية ووجوب ردّها أن تكون التحية من الخير والبركما مر ، وأما لو كان غير ذلك كما لو سلّم تحقيراً للمؤمن أو تهديداً للقتل أو قصد بسلامه إيذاء الطرف المقابل لا تشمله الأدلّة المتقدّمة، وإن التمسك بالعموم تمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما هو واضح .

وهناك فروع كثيرة متعلقة بالسلام والتحيّة مذكورة في الكتب الفقهية والأخلاقية ، ومن شاء فليراجع إليهما»(2).

ص: 224


1- الكافي : 2 : 150 .
2- مواهب الرحمان :127:9.

حرمة أخذ الأجرة على تدوين المصحف

قال:«قد استدل بالآية المباركة :(يَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ )(1)على حرمة أخذ الأجرة على تدوين المصحف الشريف وحرمة بيعه ، وأصل المسألة مذكورة في الكتب الفقهيّة ، وقد استدلوا على الحرمة - أيضاً - بأدلّة أخرى لكنها قاصرة عن إثباتها.

فمقتضى الأصول والأدلّة والقواعد الجواز ، إلا أن يدل دليل معتبر بالخصوص على الحرمة ، وقد ذكرنا التفصيل في الفقه، ومن أراد المزيد فليراجع كتابنا مهذب الأحكام»(2).

ص: 225


1- البقرة :79:2.
2- مواهب الرحمان: 1 : 428 .

حرمة السحر

قال : « المحرّمات في الشريعة المقدّسة تارة تكون المفاسد فيها شخصية فقط كشرب السمّ مثلاً، وأخرى تكون شخصية ونوعية كالظلم ، وثالثة تكون منهما ، مضافاً إلى معرضية المعارضة مع النبوات السماوية كالسحر.

وحيث إنّ العقل يستقل بقبح الجميع ، خصوصاً الأخيرتين ، فلابد وأن تكونا محرّمتين في جميع الشرائع الإلهيّة .

فالسحر محرّم في شريعتي موسى وعيسى(علیهما السلام)، وقد ورد في سفر اللاويين الإصحاح التاسع عشر من التوراة: لا تلتفتوا إلى الجانّ ، ولا تطلبوا التوابع النفاثات في العقد فتتجسسوا .

وقال في الإصحاح العشرين منه : وإذا كان رجل أو امرأة جان أو تابعة ، فإنّه يقتل بالحجارة يرجمونه دمه عليه.

ثمّ إنه استدل بعض الفقهاء بقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ)(1)على جواز تعليم السحر وتعلمه ، لأنّ المنزل هو الله تعالى ، والملك معصوم ، فلا يعقل أن يكون محرّماً .

وفيه : إنّ التأمل في مجموع الآية الشريفة صدرها وذيلها يدلّ على أنّ الاستدلال بها على الحرمة أولى من الاستدلال بها على الجواز ، فإنّها قد عدّت

ص: 226


1- البقرة : 102:2.

السحر في عرض الكفر ، فكيف يستدل بها على الجواز ؟

نعم، قد يعرض الجواز لعناوين خارجيّة كما تزول حرمة الكذب لعروض عناوين توجب رفع الحرمة ، والمسألة محرّرة في الكتب الفقهية ، فراجع المكاسب من كتابنا مهذب الأحكام»(1).

ص: 227


1- مواهب الرحمان 504:1.

دلالة الآيات الكريمة على حرمة الربا

قال :« تدلّ الآيات الشريفة على الأحكام الفقهية التالية :

الأوّل : تدلّ الآيات الكريمة على حرمة الربا ، وأنه من الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار ، ومن الموبقات التي تقضي على الفرد والنوع ، ويدل على ذلك السنة الشريفة وإجماع المسلمين ، ودليل العقل أيضاً ، بل لا اختصاص لحرمة الربا بالشريعة المقدّسة الإسلامية ، فهو محرّم في جميع الشرائع الإلهية ، فهو الأمور العامة النظامية المحرمة ، ويدل على كونه محرّماً عند اليهود قوله تعالى :(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ)(1).

الثاني : الربا مما اجتمع فيه حق الله وحق الناس ، فهو محرم من جهتين وتشتدّ حرمته عند شدة حاجة المأخوذ منه ، فلا تنفع فيه التوبة فقط، بل لا بدّ من ردّ ما أخذه المرابي إلى المأخوذ منه ، ويجري عليه جميع أحكام الغصب م-ن بطلان الصلاة فيه وحرمة التصرّف فيه ، وبطلان أداء الحقوق الواجبة أو المندوبة منه ، ووجوب ردّه إلى صاحبه ، وتدلّ على ذلك الأدلّة الأربعة ، كما فصلناها كتاب الغصب من مهذب الأحكام، ومنها قول نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه ئ آله و سلّم): « على الید ما أخذت حتّى تؤدّى»(2).

الثالث : الربا إما قرضي أو معاملي .

ص: 228


1- النساء 4 : 161 .
2- فقه القرآن : 2 : 74

والأوّل: دفع المال قرضاً بشرط الزيادة على المقترض حين الأداء.

والثاني : بيع أحد المثلين بمثله مع الزيادة في أحدهما إذا كان من المكيل د الموزون كبيع كيلو حنطة بكيلو وربع منها ، ولكلّ واحد من القسمين أحكام خاصة مفصلة في كتب الفقه ، ولا أثر لرضاء الطرفين في حلية الربا بعد نهي الشارع عنه وإلغاء هذا الرضا كما في المعاوضات المحرمة، فيكون وجوده کالعدم .

الرابع : ظاهر قوله تعالى:(فَلَهُ مَا سَلَفَ)(1)سقوط الضمان بالنسبة إلى ما مضى إذا أتلفه ، كما يظهر ذلك من السنّة الشريفة أيضاً. وأمّا شموله لعدم وجوب الردّ فيما أخذه ولم يتصرّف فيه فمشكل ، فلابد حينئذ من الرجوع إلى السنة .

الخامس : إطلاق قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)(2)يشمل كل زيادة ربوية ، سواء كانت عيناً أم منفعة أو انتفاعاً أو حقاً، ومنها رباء النسيئة الذي كان متعارفاً في الجاهليّة ، وهو أن يدفع المال لمقترضه إلى مدة على أن يأخذ كل شهر قدراً معيناً ، ثمّ عند حلول الدين وتعذر الأداء يزيد المديون في الحق ويزيد الدائن على الأجل.

السادس : يدل قوله تعالى:(فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ )(3)على رفع حكم الربا فيما إذا لم تبلغه الحجة الظاهرية ، كما قد رفع حرمته في جملة من الموارد ، منها ربا الأب مع ابنه ، وربا السيد مع عبده ،

ص: 229


1- البقرة 275:2.
2- البقرة 278:2.
3- البقرة 275:2.

وريا الزوج مع زوجته ، وقد فصل ذلك في الفقه.

السابع : يدلّ قوله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةِ فَنظِرَةٌ إِلَى مَيْرَة )(1)على وجوب ردّ الدين إلى صاحبه عند المطالبة وحرمة الطلب عند ثبوت عسر المديون ويجب إنظاره ، وتدل على ذلك جملة من الروايات، منها ما ورد عن أبي عبداللّه الصادق(علیه السلام)في رسالته التي كتبها إلى أصحابه: «إيّاكم وإعار أحد من إخوانكم المسلمين ، وأن تعروه بشيء يكون لكم قبله ، فإنّ أبانا رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله و سلّم) كان يقول : ليس للمسلم أن يعسر مسلماً ، ومن أنظر مسلماً أظله اللّه يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله»(2).

ولو استدان أحد ولم ينو أداء الدين لا يجوز له التصرف في المال المقترض لقول نبينا الأعظم(صلى اللّه عليه وآله و سلّم): « من استدان ولم ينو الأداء فهو كاللص والسارق»(3).

هذا في عدم قصد الأداء فضلاً عن قصد عدم الأداء.

والظاهر من قوله تعالى: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةِ)امتداد وقت الانتظار إلى حصول اليسار، وتدلّ عليه جملة من الأخبار ، كما أن إطلاقه يشمل كل دين بلا اختصاص له بدين الربا ، فهو من القواعد الامتنانية في أبواب الديون والمعاملات .

الثامن : إطلاق قوله تعالى:(وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ )(4)شموله لكلّ أنواع الصدقة حتّى احتساب الدين من الزكاة أو الحقوق الأخرى الواجبة ، بل يشمل

ص: 230


1- البقرة 280:2.
2- الكافي 9:8.
3- انظر كتاب الصلاة للمؤمن : 458.
4- البقرة 2: 280.

إبراءه كلاً أو بعضاً.

ويستفاد منه أنّ الصدقة أفضل من الانتظار، وإن كان الأخير واجباً ، ولا خير ذلك بعد استفادته من الأدلّة .

التاسع : يدل قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )(1)على بطلان التمثيل الظاهري (القياس ) لأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد التي لا يعلمها إلا اللّه تعالى.

العاشر: إن إطلاق قوله تعالى:(فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ)(2)يشمل التوبة بعد العلم بالحرمة ، كما يشمل الجهل بالتحريم.

وبعبارة أخرى يشمل الربا في الجاهلية قبل تشريع الحكم والربا في الإسلام بعد التوبة .

الحادي عشر: يستفاد من قوله تعالى:(فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ )(3)على توسعة الأمر في المعاملات الربوية في الجملة ، فهو ظاهر في بطلان الزيادة في الربا ، أما بطلان أهل المعاملة فلا يمكن استفادته من الآية الشريفة،بل ظاهرها الصحة،ويمكن استفادة ذلك من قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)(4) الدال على صحة المعاملة ووجوب ردّ الفضل الذي أخذه زائداً على رأس ماله .

هذا إذا لم يقم دليل معتبر على الخلاف ، وقد فصلنا القول في باب الربا

ص: 231


1- البقرة 275:2.
2- البقرة 275:2.
3- البقرة 279:2.
4- البقرة 278:2.

من كتابنا مهذّب الأحكام.

الثاني عشر : إطلاق قوله تعالى :(الذِينَ يَأْكُلُونَ الرَّبَا )(1)يشمل الربا القرضي والربا المعاملي ، لفرض صدق الربا على كلّ منهما، ويدلّ عليه أيضاً تفريق الآية بين الربا والبيع ، وسياق قوله تعالى:(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى ميسرة )(2) ظاهر في الربا القرضي»(3).

ص: 232


1- البقرة 275:2.
2- البقرة 280:2.
3- مواهب الرحمان : 4: 456.

حرمة تغيير ما خلقه الله

قال:«ذكرنا في التفسير أن الخلق في قوله تعالى:﴿فَلَيْغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)(1)أعمّ من الخلق الصوري (أي الطبيعي ) أو الفطري الذي هو الدين ، فالآية المباركة تدلّ على حرمة تغيير ما خلقه الله تعالى ممّا نصّ الشارع على حرمته كالتمثيل بالناس ،والخصاء في الإنسان، وحلق اللحية في الرجل ، وغيرها مما هو محرّم شرعاً.

وهل تشمل الآية المباركة ما لم يرد فيه من الشرع نص على تحريمه، كتغيير بعض الحيوانات الدائر فى هذه الأعصار من الكبير إلى الصغير ، كما في الفيل والفرس ، وإجراء بعض العلميّات التجميلية في الإنسان إن لم يكن فيها دفع ضرر أو حفظ صحة ، وغير ذلك من الأمور المستحدثة في هذه الأعصار ؟

وجهان ، مقتضى العمومات والإطلاقات غير القابلة للتقييد هو الحرمة ، فتشمل كل تغيير للحيوان وتبديله إلى حيوان آخر مثلاً.

ومقتضى قوله تعالى:(خَلْقَ اللهِ)أن المناط في الحرمة هو المعارضة مع خلق اللّه سبحانه وتعالى بإيجاد خلق جديد، فتقتصر الحرمة على ما كان كذلك ، أي ما يعرض فيه خلق اللّه عزّوجلّ، فلا تشمل ما لم يكن كذلك في الإنسان

ص: 233


1- النساء 4: 119 .

كان أو في الحيوان أو في النبات.

هذا كله إن لم يحصل إيذاء أو إسراف ، وإلا فالحكم واضح »(1).

ص: 234


1- مواهب الرحمان: 347:9.

حرمة الغيبة

قال :«من المعاصي الكبيرة الغيبة ، وهي أن يذكر خلف إنسان ما هو مستور يغمّه لو سمعه ، فإن كان صدقاً سمّي غيبة ، وإلا فهو البهتان الذي هو أشد من الغيبة ، بل من الموبقات .

ولا فرق في الغيبة بين أن يكون بقصد الانتقاص أو لم يكن كذلك ، لإطلاق ما يأتى من الأدلة كما لا فرق في العيب المستور بين أن يكون في بدنه أو في خلقه أو في نسبه أو في قوله أو في دينه أو في دنياه ، وسواء كان الذكر بالقول أو الكتابة أو بالحكاية بوجود العيب في الشخص المغتاب - بالفتح - كالإشارات والتمثيليات ،ففي جميع ذلك تتحقق الغيبة.

وتدل على أنها أم الرذائل الأخلاقية ، ومن المعاصي الكبيرة الأدلة الأربعة ، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْناً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ )(1)، فشبه سبحانه وتعالى لما يناله المغتاب - بالكسر - من عرض المغتاب - بالفتح - بأفحش وجه كما هو معلوم .

وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ )(2)، أي الذي لا يبالي بالغيبة أعراض الناس.

ص: 235


1- الحجرات 12:49.
2- الهمزة 104 : 1.

وقال تعالى:(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ )(1)، فإِنَّ الجهر بالسوء ، سواء كان أمام الطرف أو خلفه، مبغوض عند الله تعالى ، وإن إطلاق السوء فيها كما يشمل الغيبة والبهتان يشمل الكذب، بل يشمل ترك التقيّة المكلف لها أيضاً ، فإنّه سوء للعامل أو الغافل .

ومن السنّة روايات كثيرة بلغت حد التواتر ، فعن نبينا الأعظم (صلی اللّه علیه و آله و سلّم): « مَن اغتاب امرءاً مسلماً بطل صومه ، ونقض وضوءه ، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة من الجيفة يتأذى بها أهل الموقف ، وإن مات قبل أن يتوب مات مستحلاً لما حرّمه اللّه تعالى»(2)المحمول في بطلان الصوم ونقض الوضوء على المرتبة النازلة من الكمال ، أو على الاستحباب بالقضاء أو التجديد ، والمراد من الاستحلال عدم المبالاة فى ارتكاب الغيبة .

وعن الصادق(علیه السلام):« الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه»(3)، إلى غير ذلك من الروايات المذكورة في كتب الأحاديث.

ومن الإجماع ما هو مسلّم بين المسلمين بجميع مذاهبهم، بل عد حرمتها من الضروريات الدينية.

و من العقل حكمه بالقبح ، لأنه نوع من التعدي على الغائب وظلم عليه لغرض أنّه يغمّه ويتأذى لو سمع يذكر ما فيه .

ويعتبر فيها أمور:

الأوّل : وجود سامع بقصد إفهامه ، فلو لم يكن سامع لا تكون غيبة .

ص: 236


1- النساء 148:4 .
2- الفقيه : 15:4.
3- الكافي: 356:2. كشف الريبة : 10 .

الثاني : تعيين المغتاب وتشخيصه ، فلو قال:واحد من أهل البلد سارق لا يكون غيبة ، أو قالأحد من أولاد زيد جبان لا يكون غيبة ، أو قال : أحد أولاد الجار فاسق لا يكون غيبة ، وإن حرم من جهة انطباق عنوان الهتك أو الإهانة

بالانتقاص.

الثالث : أن لا يكون المغتاب - بالفتح - داخلاً في المستثنيات التي سنذكرها .

الرابع : أن يكون المغتاب - بالكسر - جامعاً لشرائط التكليف ، ولو فقد أحد هذه الشروط انتفى الحكم ، وإن تحقق مفهوم الغيبة لغةً في بعض الموارد.

وقد استثنى من حرمة الغيبة موارد كثيرة مذكورة في كتب الفقه، ولكنّ أهمها هي :

الأول : المتجاهر بالفسق، فتجوز غيبته في العيب المتجاهر فيه دون العيب المستتر فيه إن قصد من غيبته ارتداعه عن فسقه بعد وصول الخبر إليه ، أو يحذّر الناس عنه .

فعن نبينا الأعظم (صلی اللّه علیه و آله و سلّم): « اذكر الفاسق بما فيه كي يحذره الناس»(1)، فإذا علم أنّه لا يؤثر فيه كغالب الفسّاق الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم وران قلوبهم،ففي غيبته إشكال من إمكان شمول قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )(2).

ودعوى سياق الآية الشريفة في غير المورد تحتاج إلى دليل،ومن شمول إطلاق بعض الروايات مثل قوله(علیه السلام): « مَن ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له»

ص: 237


1- المجموع 232:20.
2- النور 19:24.

إن لم يدع الانصراف عن المورد.

نعم ، تجوز من جهة تحذير الناس في عدم وقوعهم في المهالك.

الثاني : الظالم لغيره ، فيجوز للمظلوم غيبته في ظلمه للانتصار، وبلا تعدّي لقوله تعالى:(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ)(1)،وإطلاق الآية الكريمة يشمل جميع أنواع الظلم ومراتبه ، إلا إذا كان الظلم على نحو لا يعتنى به لدى عرف المتشرعة ، ولا يحصل منه إيذاء ، فالآية المباركة منصرفة عنه.

ولا فرق في ذلك بين ما كان في مجلس عام أو لم يكن فيه، كما لا فرق في الظلم من أن يطرأ على المغتاب أو على من ينتسب إليه ، كما إذا غصب زید دار عمرو فمات عمرو ، فيجوز لورثته غيبة زيد انتصاراً لحقهم ، وكذا لا فرق بين أن يكون الظالم حيّاً أو ميتاً ، كل ذلك لإطلاق الآية الشريفة .

وهل تجوز الغيبة في ما لو وقع الظلم على شخص لا ينتسب إلى المغتاب-بالكسر - أصلاً ، إلا من باب الاخوة الإيمانية ولم يرد إليه نفعاً ؟

مقتضى الأدلة عدم الجواز ، إلا من باب النهي عن المنكر إن توفرت شرائطه.

الثالث : نصح المستشير لو استشاره شخص في أمر ذي بال ، كالتزويج وشراءعقار أو جعل وكيل أو اتخاذ أجير وغيرها ، فيجوز نصحه ولو استلزمت الغيبة .

ولا فرق في ذلك بین أن يكون ابتداء ومن دون الاستشارة أو معها ، وهناك موارد أخرى مذكورة في الكتب الفقهية ، كالخوف على الدين، فيجوز غيبته ، لئلا تترتب عليه مفسدة دينية أو كجرح الشهود وقدح المقالات الباطلة وغيرها، ومن شاء التفصيل فليرجع إلى كتابنا مهذب الأحكام»(2).

ص: 238


1- النساء 148:4.
2- مواهب الرحمان: 10 : 110 .

حرمة القعود مع الخائضين

قال :«تدلّ الآيات الكريمة على جملة من الأحكام الشرعية :

منها:حرمة الخوض بجميع مظاهره التي تقدّم ذكرها، وقد بيّن عزّوجلّ حرمته بذكر اللازم ، وهو وجوب الإعراض عنهم ، كما قال تعالى:(فَأَعْرض عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )(1)، ولكن الحرمة ترتفع بالانتقال إلى حديث آخر غير الخوض.

ومنها:حرمة القعود مع الخائضين وسماع أقوالهم لدلالة النهي في قوله تعالى:(فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى)(2).

ومنها : وجوب تذكير الخائضين لقوله تعالى: ﴿وَلكِن ذِكْرَىٰ)(3)إما بالقول أو الفعل أو الإنكار القلبي ، كما هو معروف في مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن التذكير في الآية يشملها جميعاً أو التغيير كما ورد في الحديث الذي تقدّم نقله .

ومنها:عدم مؤاخذة الإنسان بما يصدر منه فى حال النسيان لقوله تعالى:(وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى)(4)، فإن الحرمة إنما تتحقق بعد الذكران .

ص: 239


1- الأنعام 6 : 68 .
2- الأنعام 6 : 68 .
3- الأنعام 69:6.
4- الأنعام 68:6.

ويدلّ عليه : حديث الرفع المروي عند الفريقين عن نبينا الأعظم(صلی اللّه علیه وآله و سلّم) : « رفع عن أمتي النسيان »(1)،والمراد من الرفع هو رفع المؤاخذة لا رفع الحكم،فإنّه خلاف الامتنان المستفاد من سياق الحديث الشريف، ولذا تثبت الكفارة والإعادة والقضاء وتفصيل الكلام موكول إلى علم الأصول ، فراجع.

ومنها: إنّ الاضطرار إلى مجالسة الكفّار والمشركين قد يوجب الوقوع في الخوض ، ولكنّه لا يضر إذا كان الذي يريد القعود معهم متقياً في نيته،بأن لا يكون من نيّته مشاركتهم في الخوض وسماعه منهم،ولا يريد الدخول معهم في الخوض ، ويدل عليه قوله تعالى: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ)(2)»(3).

ص: 240


1- وسائل الشيعة :373:4.
2- الأنعام 69:6.
3- مواهب الرحمان 13 : 500 .

الإباحة المطلقة في جميع الأشياء

قال: « استدل الفقهاء بقوله تعالى:(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(1)لإثبات الإباحة المطلقة في جميع الأشياء ، إلا ما دل دليل بالخصوص على تحريمه وتمسكوا بغيرها من الآيات المباركة أيضاً على ما سيأتي وبالروايات بل والعقل، وبيّنوا في علم الأصول ما يتعلق بذلك»(2).

وقال: «قد استدل بالآية الشريفة:(أكُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ )(3)على إباحة الأشياء وحلّيّتها وجعلوها أصلاً عبروا عنه بأصالة الإباحة العقلية والنقلية ، وقد حرّرنا البحث عنه في كتابنا تهذيب الأصول ، فلاوجه للتعرّض هنا بعد ذلك .

كما استدلّ بها على أنّ الرزق يطلق على الحلال فقط ، لأن الأمر يدلّ على الإباحة في المقام ، وحيث لا يتصوّر الإباحة في الحرام ، فلا يصدق عليه الرزق .

ولكن يرد عليه : أن من شروط ظهور اللفظ في شيء إحراز كون المتكلّم في مقام بيان ذلك الشيء وإقامة الحجّة عليه ، وهو غير محرز في المقام ، ويكفي في عدم صحة التمسك بالإطلاق،الشك في ذلك على ما هو المتعارف في

ص: 241


1- البقرة 29:2.
2- مواهب الرحمان : 1 : 203.
3- البقرة 60:2.

المحاورات ، وقد حرّرنا ذلك في أصول الفقه، ويأتي في الآيات المناسبة ما يتعلق بالرزق إن شاء اللّه تعالى »(1) .

ص: 242


1- مواهب الرحمان: 1: 371.

استدلال آخر لإباحة الأشياء وحلّيّتها

قال : « استدل الفقهاء بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً )(1)وجملة أخرى من الآيات الكريمة على إباحة الأشياء وحليتها إلا ما قام الدليل المعتبر على الحظر والحرمة من الكتاب العزيز والسنة المقدّسة والإجماع المعتبر ، فإنّ هذه الآية الشريفة صريحة في الإذن بالانتفاع فيما ليس فيه نهي شرعي.

ولكن عن جمع آخرين عكس ذلك ، وقالوا بحرمة الانتفاع بالأشياء مطلقاً وأن الأصل في الأشياء الحظر إلا ما دلّ الدليل على الإباحة ، واستدلوا بأدلّة قابلة للمناقشة ، تعرّضنا لتفصيلهما في الأصول ، ومن شاء فليراجع كتابنا تهذيب

الأصول.

ثمّ إنّه قد يستدلّ بمثل هذه الآيات على بطلان التقليد مطلقاً في فروع الدين ، فضلاً عن أصوله ، لأنّه تعالى إنّما ذمّ الكفّار باتباعهم لآبائهم ، ولا ريب في بطلان الاستدلال.

أمّا أوّلاً: فلأن الآيات الشريفة ظاهرة في التقليد في أصول الدين ، وإنما ذمّ تعالى الكفّار باتباعهم الآباء في الباطل والدعوة إلى الأوثان والأصنام، ولم يقل أحد من المسلمين بجواز التقليد كذلك.

ص: 243


1- البقرة :2 : 168 .

وأما ثانياً : فلأنّ التقليد في الحقِّ ومتابعة من يحكم عن السنة المقدّسة المنتهية إلى اللّه تعالى متابعة له عزّ وجلّ، والتقليد كذلك أصل من أصول الدين ، وملجاً يلجأ إليه الجاهل الذي لا يمكنه النظر والاستدلال.

والتقليد والمتابعة في أمور الدين مأخوذ على نحو الطريقية لا الموضوعية بوجه من الوجوه ، والبحث محرّر في الفقه والأصول، فراجع كتابنا مهذّب الأحكام.

ثم إن التقليد المبحوث عنه في المقام هو التقليد في أمور الدين ، وقد ذكرنا أنّه لا يجوز في أصول الدين، وأمّا في فروعه فهو فرض العامي الذي لا يتمكن من استنباط الأحكام من الأدلة الشرعيّة ، وأما التقليد والمتابعة في غير ذلك من أمور المعاش كلّها - كالصنائع والحرف وغيرها - ممّا ليس فيه منع شرعي ، فهو صحيح ، بل قد يجب إن كان من الواجبات النظامية ، ولم يرد نهي شرعي عنه ، كما أنّه ليس من متابعة خطوات الشيطان»(1).

ص: 244


1- مواهب الرحمان: 343:2.

دلالة الأدلة الاربعة على حليّة الطيّبات

قال :«تشمل الآيات(1)على جملة من الأحكام الفرعية الشرعية، نذكر المهم منها ونحيل البقية إلى كتب الفقه ، وهي :

الأوّل: حلّيّة الطيبات التي تدلّ عليها الأدلة الأربعة ، ولا ريب أن المعلوم من الحكمة المتعالية الإلهيّة حلّيّة الطيبات وحرمة الخبائث في هذا النظام الكياني الموافق للنظام العملي الربّاني الذي تحيّرت العقول في حسنه وكماله وتمامه ، ولا يتوهم نظام أحسن ولا أكمل ولا أتمّ منه ، ولو فرض توهم ذلك فهو يرجع إلى قصور في المدرك - بالكسر - لا نقص في المدرك - بالفتح-، وبعد كون الحكم من العقليات بالنسبة إلى حكمة الحكيم المطلق لا وجه للتفصيل بذكر الآيات والروايات ، لأن كل إرشاد إلى حكم العقل ، فالآية الشريفة :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ )(2)إرشاد إلى ما ارتكز في النفوس من حلّية الطيبات ، فيدور الأمر بين الأهم والمهم ، فيحكم العقل بتقديم الأهم حينئذ ، لما حكم بحلّية الطيِّبات .

والمستفاد من الآية الكريمة مفروغيّة الحكم في حلية الطيبات إنما تنهى عن تحريم الإنسان ، فإنّه تشريع باطل وتدخل في سلطان اللّه عزّوجلّ ، وقد فصل الشرع المبين الطيِّبات في جميع مجالات الحياة: المآكل والملبس والنكاح

ص: 245


1- المائدة 5 : 87 - 89.
2- المائدة 5 : 87.

والنوم ، بحيث لا يدع مجالاً للشك والترديد ، وخلاف ذلك يكون من التشريع المحرّم ، ويدل على ما ذكرنا ما رواه العياشي عن عبد الله بن سنان ، قال : « سألته عن رجل قال لامرأته : طالق أو مماليكه أحرار إن شربت حراماً أو حلالاً .

فقال(علیه السلام): أما الحرام فلا يقربه ، حلف أو لم يحلف ، وأما الحلال فلا يتركه ، فإنه ليس له أن يحرم ما أحل اللّه ، لأن اللّه يقول :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)،فليس عليه شيء في يمينه من الحلال»(1)، فإنه بعد وضوح الأمر وبيان الحلال والحرام ، وأن الخبائث يجب الاجتناب عنها ، والطيبات لا يجوز تركها وتحريمها، فكل حكم على خلاف ذلك يكون من التشريع المحرّم الباطل .

الثاني: يستفاد من قوله تعالى:(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالاً طَيِّباً )(2)على حلّيّة أكل الطيبات بالخصوص التي يستدل بها الفقهاء في باب الأطعمة والأشربة وإن كانت هذه القاعدة من صغريات القاعدة المعروفة في الفقه ،وهي قاعدة الحلّية التي تجري في كل الأشياء إلا ما خرج بالدليل ، ودلّت عليها النصوص الكثيرة.

وكذا جميع الآيات التي تدلّ على إباحة الطيّبات ، فإنّها تدل على أصالة إباحة كلّ ما ينتفع به إذا خلى من المفسدة ، والطيبات إما أن يرد من الشرع المبين في بيانها شيء فيتبع لا محالة ، وكذا إذا عيّنها العرف ، وأما إذا شك في مورد أنّه من الطيب ، فإنّ القاعدة تقتضي الرجوع إلى أصالة الإباحة والحلية ، والتفصيل يطلب من الفقه ، فراجع.

ص: 246


1- الفقيه : 497:3.
2- المائدة 5 : 88 .

الثالث : يدلّ قوله تعالى:(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ )(1)على أن اللغو في الأيمان لا حكم لها ، إلا أنه إذا تمت المقابلة بينه وبين صحيح الأيمان من حيث ترتب الكفارة على حنث الأخيرة أنّ الأولى إنما يكون حكمها من حيث الكفّارة أيضاً، فيبقى نفس الحلف اللغوي على الإباحة لا يستفاد من هذه الآية حكمه ، لكن قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا)(2)يدلّ على مرجوحيّة الحلف مطلقاً.

الرابع : تدلّ الآية الكريمة على أن كفارة اليمين مخيرة ومرتبة كما عرفت ، ولا بد في الكفّارة من النية المشتملة على قصد العمل وقصد القربة ، لأن الكفارة عبادة ، وقصد كونه عن الكفارة.

ويتحقق عدم الوجدان بالنسبة إلى الإطعام والكسوة والعتق بالعرفي منه ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة ، وهذا هو المستفاد من إطلاق قوله تعالى:(فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ )(3)، ويعتبر التوالي في الثلاثة لظاهر الآية الكريمة، ويتخيّر في الإطعام الذي يكون المناط فيه الإشباع بين إشباع المساكين أو تسليمهم الأثمان ، كما يجوز التبعيض ولا يتقدّر الإشباع بمقدار، بل المدار على أن يأكلوا بمقدار شبعهم قل أو كثر ، كل ذلك لإطلاق الآية الكريمة والنصوص الخاصة.

وأما التسليم فلابد أن يكون بمقدار مدّ من الطعام لا أقل ، والأفضل مدان ، كما دلّت عليه بعض النصوص كما عرفت ، ولا بدّ فيهما من كمال العدد ،

ص: 247


1- المائدة 5 : 89 .
2- البقرة 224:2.
3- المائدة 5: 89.

ولا يجزي التكرار على واحد لظاهر الآية الكريمة.

ويجزي من الإشباع كل ما يتعارف التغذي والتقوّت لغالب الناس من أصناف الأطعمة والخبز من أي جنس كان ، ويكفي الخبز وإن كان مع الأدام كان أفضل، لبعض النصوص.

ففي الخبر قال الصادق(علیه السلام): «الوسط الخلّ ، والزيت ، وأرغفة الخبز واللحم ، والصدقة مدّ من الحنطة لكل مسكين»(1)، وتقدّم بعض النصوص ، فراجع.

ويتساوى الكبير والصغير في الإطعام على المسكين لظاهر الإطلاق ، اللهم إلا إذا كان الصغار منفردين من دون اختلاط مع الكبار ، فلابد من إشباع ضعف العدوّ ، ففي المقام عشرين مسكيناً لبعض النصوص.

وأما الكسوة ، فالمناط منها ما يعد لباساً عرفاً للمنساق من ظاهر لفظ الكسوة والثوب الوارد في النصوص ، والظاهر منها كونه مخيطاً ، من غير فرق بين الجديد وغيره ما لم يكن منخرقاً ،وبالياً، للإطلاق ، ولا بدّ من العدد في المكسو أيضاً، فلا يجزي التكرار ، ولا فرق بين الصغير والكبير ما لم يتناه في الصغر ، كل ذلك لإطلاق الآية الكريمة وظاهرها عدم اعتبار القيمة ، بل لا بد من بذل العين والمعتبر في الرقبة أن يكون مسلماً مطلقاً ، فلا يجزي الكافر، لظاهر الإطلاق وللنصوص.

هذا موجز الكلام ، والتفصيل يطلب من الفقه ، راجع كتابنا مهذب الأحكام»(2).

ص: 248


1- الكافي : 7: 452 .
2- مواهب الرحمان: 186:12.

تقسيم الأحكام الشرعية

قال - في ذل الآيات من قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ )(1)إلى قوله تعالى:(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالحَقِّ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ )(2)- : «بحث فقهي : جعل الأحكام مطلقاً، شرعية كانت أم غيرها ، على أقسام :

الأول:ما إذا تعلق الحكم بالطبيعة من حيث الأفراد الانبساطية ، ويلزمه محبوبية الاجتماع فيه ، بل قد يتعلق الأمر الندبي بها مستقلة ، كالصلاة فرادى وجماعة وغيرها من العبادات التي يكون الاجتماع فيها مطلوباً ومرغوباً فيه.

الثاني : أن يكون الاجتماع فيه مطلوباً مستقلاً، فتسري المطلوبية فيه إلى كلّ فرد أيضاً، ويكون ذلك مطلوباً ، لا أن يكون هدراً وباطلاً. والاعتصام بحبل الله تبارك وتعالى من هذا القبيل، فيتعلّق التكليف بالجميع ، كما تعلّق بالأفراد مستقلاً أيضاً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك .

الثالث : أن يتعلّق بالجميع ولكن ليس من قدرة كل أحد امتثال هذا التكليف بنفسه من نفسه ، كالتكليف بحمل حجر فقيل لا يقدر على حمله إلا جماعة ، ولا وجه حينئذ لتعلّق التكليف بكل فرد مستقلاً، بل هو ثابت للجميع ، وليس الاعتصام بحبل الله تعالى من هذا القبيل ، وهناك أقسام أخرى لعلنا نتعرّض

ص: 249


1- آل عمران 102:3.
2- آل عمران108:3.

لها في المقامات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما شروط وآداب كثيرة مذكورة في كتب الفقه ، وقد تعرضنا لها في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مهذب الأحكام.

ويستفاد من قوله تعالى:(وَلِنَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(1)أصل الوجوب ، وأنه كفائي -كما ذكرنا - مضافاً إلى علم الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، ومعرفته بوجوبهما ، لأن الخير معروف لدى كل أحد ، وأن المعروف هو كل الخير كما عرفت »(2).

ص: 250


1- آل عمران 104:3.
2- مواهب الرحمان 225:6.

التكاليف تتنزل على مراتب القدرة

قال السيد السبزواري :«من المسلمات في الفقه أن التكاليف تتنزل ع-ل-ى مراتب القدرة والاستطاعة ، فليس تكليف العاجز والمضطر في الصلاة - مثلاً - تكليف القادر المختار ، واستدلوا على ذلك بحكم العقل المقرّر بالكتاب والسنّة. قال تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(1).

وقال تعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ )(2).

إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.

وعن نبينا الأعظم(صلی اللّه و علیه و آله و سلّم):«إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم »(3)،وقد تقدّم أحد مباحثنا السابقة تفصيل الكلام فيه.

وقوله تعالى :(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )(4)-حسب ما ورد في تفسيرها من السنة الشريفة - من أدلة توسعة التكليف ، تبين مراتب التكليف تبعاً لأحوال المصلين،فالصحيح يصلّي قائماً والمريض يصلّي جالساً ، ومن لا يقدر على الجلوس يصلّي على جنبه.

ففي الكافي : عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر (علیه السلام)في قول الله عزّ وجلّ :

ص: 251


1- البقرة 286:2.
2- الحج 78:22.
3- بحار الأنوار:33:22.
4- آل عمران 3 : 191 .

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ) قال : الصحيح يصلّي قائماً وقعوداً، والمريض يصلي جالساً، (وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)الذي يكون الأضعف من المريض الذي يصلي جالساً»(1).

أقول : المراد من قوله(علیه السلام): «قائماً وقعوداً »بالنسبة إلى صلاة النافلة ، فإن المكلّف مخيّر في إتيانها قائماً أو قاعداً ، وأما الصلاة الواجبة فإنّه يتعين فيها القيام إن كان صحيحاً.

وفي تفسير العياشي : عن أبي جعفر(علیه السلام)في قول الله عزّ وجلّ:(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قياماً): الأصحاء ، (وَقُعُوداً ) يعني المرضى ،(وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )

قال : أعل ممّن يصلي جالساً وأوجع »(2).

أقول: الروايات في ذلك كثيرة ، قد فصلنا القول في كتابنا مهذب الأحكام، فراجع»(3).

ص: 252


1- تفسير العياشي : 1: 211 .
2- تفسير العياشي : 1 : 211.
3- مواهب الرحمان : 7: 197

تقسيم المرتد إلى الملّى والفطري

قال:«علمت أنه ليس المراد من الارتداد في الآية(1)الكريمة ما هو المصطلح منه عند الفقهاء ، الذي يختص بالرجوع عن الإيمان إلى الكفر ، وهو ينقسم إلى قسمين:

فطري ، أي الذي انعقدت نطقته في حال إسلام أحد أبويه أو كليهما ، ثمّ دخل في الإسلام ، ثمّ ارتدّ عنه .

وملّي ، وهو مَن لم يكن كذلك.

ولكلّ واحد منهما أحكام خاصة ذكرناها في كتابنا مهذّب الأحكام ، إلا أنّ المراد منه في الآية الشريفة هو قطع الإسلام بما يوجب الكفر ، ومن أهم موجباته التي ذكرها عزّ وجلّ هو تولّي الكافرين لقطع صلته بالإسلام ، كما هو صريح قوله تعالى:(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(2).

ومنها : إنكار النصّ والقيام على من نصبه اللّه عزّوجل خليفة وإماماً ، وهذا هو الذي تدلّ عليه الآية الكريمة أيضاً بذكر أوصافه ، فسرته بعض الروايات التي ذكرنا في البحث الروائي ، فيكون الارتداد المذكور من الكائنات التي أخبر اللّه تعالى عنها قبل وقوعها ، وهو إعلام لمن كان في حياة الرسول(صلی اللّه علیه و آله وسلّم) بما يقع

ص: 253


1- المائدة 54:5.
2- المائدة 5: 51 .

بعد وفاته،ومن ذلك تعرف أن الارتداد المذكور في الآية الشريفة يشمل ما ذكرها الفقهاء أيضاً،فهو أعم من الحقيقي والتنزيلي»(1).

ص: 254


1- مواهب الرحمان : 11: 379 .

وجوب التوبة

«التوبة من الذنب واجبة على الإنسان بالأدلة الأربعة :

الأوّل : الكتاب الكريم ، وتدلّ عليه آيات كريمة :

منها : قوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(1).

ومنها : قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةٌ نَصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سِيِّئَاتِكُمْ)(2).

إلى غير ذلك من الآيات:(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )(3)، ومن أجل الحسنات الفرائض .

الثاني : السنّة الشريفة والأخبار في وجوبها متواترة بين الفريقين بمضامين مختلفة :

ففي الكافي : عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر(علیه السلام)في قول اللّه عزّوجلّ:(الوَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(4)قال : الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه ، ولا يحدث نفسه بالتوبة ، فذلك الإصرار »(5).

ص: 255


1- النور 31:24.
2- التحريم 8:66.
3- هود 114:11.
4- آل عمران 3: 135.
5- وسائل الشيعة : 15: 338 .

وفي مهج الدعوات:عن الرضا(علیه السلام)، عن آبائه ، قال :«قال رسول اللّه(صلى اللّه عليه وآله وسلّم):اعترفوا بنعم اللّه ربكم وتوبوا إلى اللّه من جميع ذنوبكم ، فإنّ اللّه يحبّ الشاكرين من عباده»(1).

وفي الكافي أيضاً : عن أبي الحسن الماضي(علیه السلام)، قال : «ليس منّا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد اللّه ، وإن عمل سيئاً استغفر اللّه منه وتاب إليه»(2).

وفي الكافي:عن أبي بصير،قال:«قلت لأبي عبداللّه(علیه السلام):(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)(3) قال : هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً.

قلت : وأينا لم يعد ؟

فقال(علیه السلام):يا أبا محمّد، إن اللّه يحبّ من عباده المفتن النواب»(4).

الثالث : الإجماع من جميع المسلمين على وجوب التوبة ، وهو مما لا ريب فیه.

الرابع : دليل العقل، فإن حدوث المخالفة والبقاء عليها قبيح عقلاً، وترك كل قبيح عقلي واجب عقلاً وشرعاً ، ولا يتحقق ذلك إلا بالتوبة .

وبتقريب آخر:أن المعاصي من المهلكات وأنّها تجلب الضرر على العامي،ولا ريب في وجوب دفع الضرر عقلاً»(5).

ص: 256


1- وسائل الشيعة : 16 : 76 .
2- الكافي : 453:2 .
3- التحريم 8:66.
4- الكافى : 2 : 433 .
5- مواهب الرحمان 268:2.

فوريّة وجوب التوبة

قال-بعد ما ثبت أصل وجوبها - :«يكون هذا الوجوب فوريّاً، وتدلّ عليه أمور:

الأوّل: ظاهر أدلّة وجوب التوبة عن المعاصي.

الثاني : قوله تعالى:(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(1).

الثالث : أن بقاء العصيان في النفس من أقذر القدرات المعنوية ، والفطرة تحكم بفوريّة إزالتها .

الرابع : الإجماع القائم على الفورية.

الخامس : الأخبار الكثيرة الدالة عليها :

منها:رواية مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد(علیه السلام)، عن آبائه(علیه السلام)،قال:«قال رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله وسلّم): طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كل ذنب استغفر اللّه»(2).

وفي وصيّة النبي (صلی اللّه علیه و آله وسلّم)لأبي ذرّ،قال:«اتق اللّه حيثما كنت ، وخالق الناس بخلق حسن ، وإذا عملت سيّئة فاعمل حسنة تمحوها»(3).

ص: 257


1- النساء 17:4.
2- ثواب الأعمال : 165 .
3- وسائل الشيعة : 11: 104 .

وفي وصيّة لقمان لابنه :«يا بني ، لا تؤخر التوبة ، فإن الموت يأتي بغتة»(1).

ومنها :الروايات الكثيرة الدالة على إمهال العاصي سبع ساعات ، فقد ورد فی الكافي:عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه(علیه السلام) :«مَن عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال استغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرّات لم تكتب عليه»(2).

ويستفاد من مجموع هذه الأخبار أنّ التوبة من الطاعات، ومن الأمور العبادية»(3).

ص: 258


1- إرشاد القلوب : 1 : 73.
2- الكافي :437:2.
3- مواهب الرحمان 269:2.

أقسام الأيمان بحسب الآية الشريفة

قال فى-ذيل قوله تعالى:(وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ )(1)-:«يستفاد من الآية الشريفة أحكام:

الأوّل: يمين التأكيد والتثبيت ، كما إذا قال : واللّه إنّ هذا اليوم يوم الجمعة ، وهو كذلك.

الثاني : ما تقرن بالطلب والسؤال وحثّ المسؤول على إنجاح المقصود ، كقول الحالف : أسألك باللّه أن تقضي لي حاجتي ، والدعوات المأثورة مشحونة بذلك.

الثالث: ما تقع تأكيداً لما التزم به ، كقول القائل : واللّه الأرض - مثلاً-.

ولا يترتب شيء على القسم الأوّل سوى الإثم لو كان كاذباً في حلفه ، وهي من المعاصي الكبيرة ، وتسمّى باليمين الغموس ، لأنّها تغمس صاحبها في النار. وفي بعض الأخبار: «إنّها تذرّ الديار بلاقع من أهلها»(2).

وكذا لا أثر بالنسبة إلى القسم الثاني ، ولا كفارة أيضاً على الحانث ولا على المحلوف عليه لو لم ينجح المقصود.

وأما القسم الأخير ففيه شرائط مذكورة في الفقه ، ويترتب على حنته الإثم والكفارة.

ص: 259


1- البقرة 224:2.
2- اعلام الدين : 403 .

الرابع : لا أثر لليمين إلا إذا كانت باللّه عزّ وجل أو بأسمائه المقدّسة المختصة به لفظاً أو بالقرينة الظاهرية ، فاليمين بغير ذلك لا أثر لها ولو كان عظيماً .

الخامس: الأيمان الصادقة كلها مكروهة ، سواء كانت على الماضى أو على المستقبل، وتتأكد الكراهة في الأوّل ، فعن أبي عبداللّه(علیه السلام)في الموثق :

«لا تحلفوا باللّه صادقين ولا كاذبين ، فإنّه عزّ وجلّ قال :(وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةٌ لأيمَانِكُمْ)(1).

وعن أبي عبد اللّه(علیه السلام)في موثق ابن سنان،قال:«اجتمع الحواريون إلى عيسى(علیه السلام)فقالوا:يا معلم الخير ، أرشدنا .

فقال : إن موسى نبي اللّه(علیه السلام)أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين ولا صادقين»(2).

نعم ، لو أراد بها دفع مظلمة عن نفسه أو عرضه أو غيرهما ، جاز بلا كراهة ، والتفصيل يطلب من الفقه.

السادس : يتعلّق اليمين بكل مباح فيه غرض صحيح غير منهي عنه عنه شرع شرعاً ، كما يتعلق بترك كلّ حرام أو مكروه، وبفعل كلّ واجب أو مندوب ، ولا يتعلق بغير ذلك ، بل يكون لغواً وباطلاً »(3).

ص: 260


1- الفقيه 373:3.
2- الکافی :542:5.
3- مواهب الرحمان : 410:3 .

حكم تحرير ما في البطن

قال : « تحرير ما في البطن اللّه تعالى في المقدّسات الدينية - أمكنة كانت أم غيرها - على وجوه:

الأوّل: التحرير على نحو يوجب التضييع والضياع ، وإهماله عن الكمالات ، وهذا لا يجوز ولا يصح في أية شريعة من الشرائع الإلهية.

الثاني : التحرير على نحو يوجب سموّ النفس وجمعها للكمالات المعنوية ، ولكن بحيث يخرج عن مراقبة الوالدين بالكلية والخروج عن ولايتها الشرعية والتكوينية ، وهذا لا يجوز أيضاً.

الثالث : نفس القسم السابق مع ثبوت الولاية عليه بما ثبتت في الشريعة الإلهيّة ، وهذا صحيح ولا محذور فيه ، ولم يرد ردع في الشريعة الإسلامية عنه ، لفرض وجود المقتضى للصحة ، وفقد المانع عنها ، نظير دفع المولود للرضاعة إلى المرضعة مع بقاء سلطة الوالدين عليه ، أو دفعه إلى معلّم خاص ليعلمه بعض الكمالات.

الرابع : التحرير مع انقطاع سلطنة الأبوين عن الولد بحيث لم يكن لهما أمر ونهي بالنسبة إليه ،ولا يعمل الولد لهما ، وإن ثبتت البنوّة التكوينية لهما. وهذا أيضاً صحيح إذا أقدم الوالدان باختيارهما على ذلك وألقيا وجوب إطاعتهما عنه وأخلصوه لطاعة اللّه تعالى فقط .

ويظهر من التواريخ أن التحرير في تلك الأعصار كان من هذا القسم.

ص: 261

ثمّ إنّ التبتل والانقطاع عن النكاح على أقسام:

الأول : أن يكون لأجل الرياضات غير المشروعة ، وهذا غير جائز ، وقد دلّت عليه الأدلة الكثيرة ، قال رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلّم):«مَن رغب عن سنّتي فليس منّى»(1)،وهذه الرهبانية التي ابتدعت في بعض الأديان ، قال تعالى:(وَرَهْبَانِيَّةٌ ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ )(2).

الثاني: أن يكون لأجل مانع في البين، كالعنة وأمثالها ، ولا يتصف ذلك بالحرمة لفرض عدم القدرة.

الثالث : ما إذا كان مع وجود المقتضي والقدرة على النكاح ، لكن كان في البين أهم ديني يقتضي تقديمه على النكاح ، والحصر في يحيى من هذا القسم ، وهو جائز بل راجح ، و تشخيص ذلك لا بد أن يكون من ناحيته تبارك وتعالى »(3).

ص: 262


1- دعائم الإسلام : 2 : 164 .
2- الحديد 27:57.
3- مواهب الرحمان 5: 323 .

شمول آية الأرحام لكلّ رحم

وقال في ذيل:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )(1): «إطلاق الآية الشريفة وغيرها من الآيات والروايات يشمل كل رحم، ذكراً كان أو أنثى ، صغيراً كان أو كبيراً، نسبياً كان أو سبياً، وارثاً كان أو غير وارث ، قاطعاً كان أو وصولاً، بل صلة القاطع أحبّ عند اللّه تبارك وتعالى من صلة الرحم الوصول لدلالة الروايات المتواترة على ذلك.

والمراد من الرحم ما ينتهي إلى رحم واحد بحسب الاجتماع العرفي ، إلّا إذا دلّ دليل من الشرع على الخلاف كما في رحم آل محمّد صلوات اللّه عليهم الذي وسع فيه إلى يوم القيامة ، بل وفيها ، ولذا أكد في الشرع أولوية الأرحام في إيصال الصدقات والخيرات ، وتقدّمهم على غيرهم»(2).

ص: 263


1- النساء 1:4 .
2- مواهب الرحمان : 7 .

في بيان وجه الإرث والسبب فيه

قال-في ذيل الآية الشريفة:(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلْنِسَاء نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أوْ كَثرَ نَصِيباً مَقْرُوضاً )(1). تبيّن وجه الإرث والسبب فيه ، وأنّه الولادة والأقربيّة، واستفاد الفقهاء من مثل هذه الآية الشريفة الأصل الأوّل في الإرث الذي هو النسب ، وهو يبتني على أمرين: الولادة والأقربية في الرحم ، والآية المباركة تدل على أن الرجال والنساء مشتركان في حصة من الميراث على الإجمال ، ويرتان النوعان معاً إذا كانا متساويين في الدرجة والقرابة ، وإلا فالأقرب يمنع الأبعد .

ومن ذلك يظهر بطلان التعصيب،فإنّ الله تعالى فرض للنساء كما فرض للرجال في التركة وشرك بينهما،واختصاص بعض الورثة بها وحرمان الآخر عما زاد من الفرض ، خلاف مقتضى الآية الشريفة كما أن مقتضى قوله تعالى: (نَصِيباً مَفْرُوضاً)أن الإرث من النوافل القهرية ، ودخول النصيب في ملك الوارث يكون بغير الاختيار ، فلا يخرج عنه إلا بسبب شرعي.

ثم إن ظاهر قوله تعالى:﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(2) أن الأمر بالرزق محمول على الندب لا على الوجوب ، كما في الأمر بالقول السديد أيضاً لقرائن متعدّدة في الآية

ص: 264


1- النساء 7:4 .
2- النساء 8:4 .

الشريفة ، وما وردت في السنة من الروايات .

والمعروف بين الإمامية أنها غير منسوخة،وادّعى الإجماع عليه ، ولكن في تفسير العياشي،عن أبي بصير،عن الصادق(علیه السلام)أنّه قال: «نسختها آية الفرائض»(1)، والظاهر أنّه لا منافاة بين آية الفرائض وهذه الآية الشريفة بعد ظهورها فى الندب .

وعلى فرض الوجوب أنّ آية الفرائض تدلّ على تحديد الفرائض وتعيين السهام ، وهذه الآية الكريمة تدلّ على القسمة على الإجمال من غير تعيين سهم ، فلاموجب للنسخ .

ويمكن أن يكون المراد من النسخ في الحديث مطلق الرفع في الروايات لا النسخ المصطلح في علم الأصول ، فحينئذ تصح الرواية ولا تنافي بين الآيتين الشريفتين.

والخطاب في الآية المباركة للأولياء أو الأوصياء وغيرهم من القضاة أن يرزقوا أولي القربى غير الوارثين ، سواء كانوا أغنياء أم فقراء ، قبل قسمة التركة أو بعدها ، مما صار إليهم مع القول المعروف الحسن حين الإعطاء أو الرد بالإحسان ، إذا لم يعطوهم شيئاً.

ثم إن مقتضى قوله تعالى:(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِن خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(2)حرمة أكل مال اليتيم ظلماً،وأما إذا لم يكن على النحو المذكور،فيجوز لوجود الإذن الشرعي فيه ، والخطاب في الآية الكريمة للأولياء والأوصياء ومن يتصدّى أمور اليتامى»(3).

ص: 265


1- تفسير العياشي : 1 : 77 .
2- النساء 9:4.
3- مواهب الرحمان 320:7.

ص: 266

الفهارسُ الفَنِيَّةُ

اشارة

1- فهرس الآيات القرآنية

2 - فهرس الاحاديث الشريفة

3- فهرس مصادر التحقيق

4 - فهرس الموضوعات

ص: 267

ص: 268

1 - فهرس الآيات الكريمة

الفاتحة - 1

2 (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ...122

5 (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ...122

6 (هْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ...122،117

7 (وَلَا الضَّالِّينَ )...122

البقرة - 2

3 (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الربا)...232

6 (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ )...206

6(كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رُزْقِ اللهِ )...241

29(هو الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ ...241

79(لتشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ ...225

102(ومَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْن )...226

114(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)...102

115(وللّه الْمَشْرقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فقم وجه اللّه ) ...103،102

125(انّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ...146

125(وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى )...146

ص: 269

144(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )...132

158(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ )...134

168(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا ...243،69

173(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاعَ وَلَا عَادٍ ...200،66

173(انّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ )...147

177(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ...187

178(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي...215

179(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ )...217،215

180(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ...208

182(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ...147

184(وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )...127

188(وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ )...211،196

193(فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ )...214

194(فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ...214،19

195(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )...160

196(إِذَا رَجَعْتُمْ )...143

196(فمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) ...247

196(ثلاثة أَيَّامٍ فی الحَجِّ)...142

196(حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )...138،137

196(ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ ...143،139

196(فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ)...138،137

196(فَإِنْ أَحْصِرْتُمْ )...137

196(فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)...142

ص: 270

196(فمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجَّ )...141،140

196(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )...136

196(وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )...147

197(الْحَجُ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ )...143

197(فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَج )...144

198فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ )...146،144

198(فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )...146،144

199(ثم أَفِيضُوا مِن حَيْثُ أَفَاضَ...146،144

199(إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ...147

200(فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ...147

200(فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَ كُمْ )...145

203(فَمَن تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأخَّرَ ...145

203(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ )...147

217(وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ )...152

217(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ ...152

219(قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ )...178

219(وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )...178

221(وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ وَلَأَمَةٌ ...171

222(حَتَّى يَطْهُرْنَ )...112

222(فاذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ )...111

222(فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ )...111

223(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَوْلَكُمْ ...111

296(لِلذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْيَمَةِ أَشْهُرٍ فَإِن ...173

ص: 271

228(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ ...175

228(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ )...176

228(وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ)...176

229(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ )...176

229(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ...177

229(فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )...177

229(وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُدُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً )...176

232(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )...251

252(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ تَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ ...249

260(وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ ...260،259،247

261(مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ ...181

264(کالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ )...183

264(لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى )...183،182

267(وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم ...183

271(إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هی)...184

271(فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ )...231

275(فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) ...231،229

275(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )...231

278(یا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا )...231،229

280(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى ...232،230

280(وأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ )...230

282(وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذا ما دعوا )...194

286(لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )...251

ص: 272

آل عمران - 3

97(وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمَناً )...213

97(وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ ...136

102(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَانِهِ 249

104(وَلتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ ...250

135(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )...255

180(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن ...185

191(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ )...252،251

النساء - 4

1(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ ...263

2(وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ ...210

3(أَلَّا تَعُولُوا )...211

4(انّ الذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ...154

4(فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِنْهُ نَفْاً فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِينَاً ) ...177

5(إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )...80

7(للرِجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ ...264،19

8(وَاذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ...264

9(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِن خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً...265

11(آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ ...22

11(فَلأُمِّهِ التَّلْتُ فَإِن كَانَ ...24

11(للذكر مِثْلُ حَظِّ الْأنْثَيَيْنِ ...19

ص: 273

11(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأَنْتَيْنِ...19

12(وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةٌ أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ ...27

12(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن ...26

12(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَمْ يَكُن لَكُمْ وَلَدٌ ...26

17(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ...257

17(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )...161

32(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَبْنَ )...164

33(وَالَّذِينَ عَفَدَتْ أَيْمَانُكُمْ)...164

33(وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ ...164

34(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللّه...165،20

43(إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ )...104

43(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُو )...105

43(وَإِن كُنتُم مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ ...104

43(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ ...104،83

86(وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ...221

92(وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ ...218،216

92(لَا يَسْتَوِي الْفَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِى...154

92(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إلا خطأ ) ...217

93(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ ...217

100(وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ )...156

101(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن ...124،123

119(فَلَیُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ...233

128(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ...169

ص: 274

129(وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ ) ...170

135(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ فِهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أو ...192

140(إِنَّكُمْ إِذَا مِثْلُهُمْ ...29،28

140(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ ...28

141(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ...36

141(وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ...30

142(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى ...32

144(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ ...34

148(لَا یُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ)...238،237

161(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ )...228

171(ولا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً )...99

المائدة - 5

1(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ...45،43،42

1(أوْفُوا بالعقود ...38

2(وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)...146،47،46،45

2(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ...52،28

2(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ...50

2(ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ ...51

2(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا ...50

3(اِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ...65،61

3(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ ...30

3(حُرَّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ...198،58،56،55

ص: 275

3(وَالدَّمُ )...199

3(ذَلِكُمْ فِسْقٌ...65

3(وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ ...199

4(أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ...69،67

4(تُعَلِّمُونَهُنَّ)...74

4(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ...81،76،73

4(مُكَلِّبِينَ)74،72

4(وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَذِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا ...71

5(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذينَ أُوتُوا ...177،81،77

5(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن ...172،81

6(إِذَا قُمْتُمْ )...84

6(فَاطَّهَّرُ )...84

6(فَاغْسِلوا )...84

6(فَلَمْ تَجِدُوا )...88

6(فَتَيَمَّمُوا )...88

6(طَیِّباً)...89

6(فامْسَحُوا )...89

6(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن حَرَجٍ )...92،91

39(وإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )...147

49(فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن ...191

49(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ )...191،190

45(وَ كتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ...216

50(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ) ...191،190

ص: 276

50(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ ...191

51(ومن يَتَوَلَّهُم مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )...253

58(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ )...113

60(وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْفِرْدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ) ...115

87(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ ...246،245

88(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالاً طَيِّباً )...246

90(رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطَانِ )...108

90(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ ...107

92(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ )...247

95(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...108

95(لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرم )...151،148،145

95(مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)...149

95(وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمَّداً )...149

95(هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ )...149

95(وَمَن عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ )...150

95(أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ ...150

96(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ )...150

96(و حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً )...151،148،145

89(فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ )...247

106(أَوْ آخَرَانِ مِن غَيْرَكُمْ )...206

106(تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاة ) ...207،206

106(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ...205

ص: 277

الأنعام - 6

68(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ...29

68(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)...239

68(وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ )...239

69(وَلَكِن ذِكْرَى )...239

69(وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ ) ...240

118(فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ...202،42

199(الَّا مَا اضطُرِرتُم إلَيهِ)...203

121(ولَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) ...200،199،75

152(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )...168

164(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ...51

الأعراف -7

31(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلَّ مَسْجِدٍ ...102

43(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِتَهْتَدِي لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ ...122

157(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ...69

180(وَ لِلّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )...203

الانفال - 8

41(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا فَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ عُمْسَهُ وَلِلرَّسُولِ ...189

69(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ...147

75(وأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّه...222

ص: 278

التوبة - 9

5(فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ )...152

5(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )...147

28(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )...102

30(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى ...99

31(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ...99

99(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )...147

102(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )...147

هود - 11

114(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ )...255

الحجر - 15

34(فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَحِيمٌ )...147

النحل - 16

91(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ...38

98(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ ...118

99(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ ...118

100(إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ )...118

ص: 279

الإسراء - 17

15(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ...51

الكهف - 18

110(وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )...86

الأنبياء - 21

30(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) ...82

الحج - 22

17(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ ...100

24(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ...67

29(وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ...38

29(وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )...154

36(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا ...146

78(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ )...251

النور - 24

19(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ...237

21(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ ...255

32(وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ...80

62(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )...147

ص: 280

العنكبوت - 29

56(يا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةً فَإِيَّايَ...155

الأحزاب - 33

33(إنما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ ...110

فاطر - 35

18(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ...51

ص - 38

77(فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)...147

الزمر - 39

7(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ...51

الفتح - 48

35(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ ...137

الحجرات - 49

12(وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ ...235

14(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ...147

ص: 281

الواقعة - 56

79(لا مَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ )...110

الحديد - 57

27(وَرَهْبَانِيَّةٌ ابْتَدَعُوهَا مَا )...262

المجادلة - 58

22(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ...193

الممتحنة - 60

12(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ...147

الطلاق - 65

4(وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)...176

التحريم - 66

8(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ...256،255

الجمعة - 68

10(إِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ...46

ص: 282

المزمّل - 73

30(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )...147

المدثر - 74

4(وَثِيَابَكَ فَطَهُرْ )...110

5(الرُّجْزَ فَاهْجُ )...110

الانسان -76

7(یُوفُونَ بِالنَّذرِ...38

8(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً ...187

9(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ ) ...187

المطفّفين - 83

1(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ )...211

2(الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) ...211

3(وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ )...211

الهُمزة - 104

1(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لَمَزَةٍ )...235

ص: 283

ص: 284

2 - فهرس الروايات الشريفة

«ابدأوا بما بدأ اللّه به ...87

«اتق اللّه حيثما كنت ، وخالق الناس بخلق ...257

«أحسنت يا عائشة ...125

«احل لك الطيبات وحرم عليك الخبائث ...69

«إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ...251

«اذكر الفاسق بما فيه كى يحذره الناس ...237

«الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ...34

«ألا لا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ...102

«الدنيا جيفة ، وطلابها كلاب ... 186

«إن اللّه تصدّق بإفطار الصائم على مرضى أمتي ومسافريهم ...128

« إِنَّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة والصيام ...129

«أنا وارث مَن لا وارث له ...165

«أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ...179

«أنزل علىَّ آنفاً سورة ...118

«إن شئت فصم ، وإن شئت فافطر ...129

«إن معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في ...52

ص: 285

«أولئك العصاة ...128

«إيّاكم وخضراء الدمن ...171

«أيما أهاب دبغ فقد طهر ...199

«أيها الناس ، إنّما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون ، ...194

«بعثت بالشريعة السمحاء السهلاء ...92

«بل إلى الأبد ، إلى يوم القيامة...140

«البيعان بالخيار ما لم يفترقا ...39

«تنتفعوا من الميتة بشيء ...198

«تنتفعون بإهاب ولا عصب ...98

«خياركم الذين إذا سافروا قصّروا الصلاة وأفطروا ...129

«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ...140

«رفع عن أمتي النسيان ...240

«السلام اسم من أسماء اللّه تعالى وضعه اللّه في ...221

«الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ...128

«الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً وأحل ...169

«الصلح جائز بين المسلمين ما لم يحلل حراماً أو يحرم حلالاً ...209

«على اليد ما أخذت حتى تؤدى ...228،159

«عليك بذات الدين تربت يداك ...171

«كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خراج...120

«لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب »...198ه

«لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من ...156

«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ... 120

«لا هجرة بعد الفتح ...155

ص: 286

«لايتم بعد احتلام ، ولا رضاع بعد فطام ...179

«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ...39

«لكلّ غادر لواء يوم القيامة يُعرف به ...39

«للسائل حق وإن جاء على ظهر فرسه ...188

«ليس من البر الصيام في السفر ...127

«ما قطع من البهيمة وهي حية يكون ميتة ...199

«المراد من التحيّة في الآية السلام وغيره من البر ...221

«المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالط ...171

«مَن استدان ولم ينو الأداء فهو كاللص والسارق...230

«مَن اغتاب امرءاً مسلماً بطل صومه ، ونقض وضوءه ...236

«مَن رغب عن سنتي فليس منّي ...262

«من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر ...188

« مَن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين ...214

«الناس مسلطون على أموالهم» ...39

«والله ما هو من الطيبات ...69

« هلا أخذتم إهابها ...199

«هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن ...129

«يا على ، من ترك الخمر لغير ...32ه

الأمام علي علي(علیه السلام)

«افتتاح الصلاة الوضوء ...84

«أكل ميتته ...199

«إنّ المتعة سنة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،فلايدعها لقول أحدمن الناس...140

ص: 287

«أنها من الفاتحة ، وأن رسول اللّه(صلی اللّه و علیه وآله و سلّم)كان...117

«البسملة في أوّل كل سورة آية منها ...117

«لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ...223

«هو الرشوة في الحكم»...116

الامام الباقر(علیه السلام)

«إذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار...194

«الأصحاء ،(وَقُعُوداً)يعنى المرضى ،(وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)...252

«الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه ....255

«إنّ الله عزّ وجلّ يحب إفشاء السلام ...221

«أن المراد بقوله تعالى : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةً ...43

«أنزل اللّه هذه الآية( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ )...103

«إنّها تذرّ الديار بلاقع من أهلها ...259

«جاءت امرأة إلى رسول اللّه(صلی اللّه و علیه وآله و سلّم)فقالت : يا رسول اللّه ...166

«سرقوا أكرم آية من كتاب اللّه بسم اللّه الرحمن الرحيم ...117

«السلام عليك ...222

«الصحيح يصلّى قائماً وقعوداً ...2552

«لا تأكل من ذبيحة لم يذكر اسم اللّه عليها ... 56

«لا تأكل من ذبيحة ما لم ...65

«لا صلاة إلا بطهور ...84

«لو حججت ألفاً وألفاً لتمتعت ...139

«لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً ...188

«ما فعلت الحبالة فقطعت منه شيئاً ...56

ص: 288

الأمام الصادق(علیه السلام)

«اتبع وضوءك بعضه بعضاً ...87

«اجتمع الحواريون إلى عيسى(علیه السلام)فقالوا : يا معلم ...260

«إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثم فرّ إلى الحرم ...213

«إذا أحرمت اتق قتل الدواب كلها ...148

«إذا سلّم من القوم واحد أجزاً عنهم ...221

«إذا سلّم من القوم واحد أجزاً عنهم ، وإذا ردّ واحداً أجزأه ...223

«إذا عصى الله في أرض وأنت فيها فاخرج منها ...156

«إذا قال الإمام( وَلَا الضَّالِّينَ )، فقولوا الحمد لله ربّ ...122

أقيموا الشهادة على الوالدين والولد ...192

«الله في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه ...52

«أمّا الحرام فلا يقربه ، حلف أو لم يحلف ...246

«إنّ العمد كل من اعتمد شيئاً فأصابه ...217

«إن الكعبة قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، ...133

«إنّ المرأة ليس عليها عاقلة ، وليس عليها ...21

«إنما صيد الحيتان أخذها ...79

«أنها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء ...133

«إيَّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين ، ...230

«تعرف هذا وأشباهه في كتاب اللّه تعالى ...92

«ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ولهم عذاب ...188

«حرم اللّه ورسوله الموخ كلها ...115

«الخطأ الذي يشبه العمد ...218

ص: 289

«الحت أنواع كثيرة ، فأما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه ...116

«الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ...84

«العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به شركاء ثلاثتهم ...54

«العدس ، والحبوب ، وأشباه ذلك يعني أهل الكتاب ...77

«عونك الضعيف من أفضل الصدقة ...52

«الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه ...236

«فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه ...74

«فإن أدركه قبل قتله ذكاه ...76

«فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هدياً ينحرونه ...138

«فإن كان غير ذلك مما نهيت ...62

«فإن كنت ناسياً فكل منه ...75

«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طوبى لمن وجد في صحيفة عمله ...257

«كان يصلي في المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً ...133

«كل لا بأس عن مكلب أفلت ولم يرسله صاحبه ... 75

«كل شيء لحمه حلال فجميع ما ...42

«كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي ...69

«لا تأكل صيد شيء من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلب ...72

«لا تأكل من ذبائح اليهود والنصارى ، ...78

«لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه ...78

«لا تبدوا الناء باللام ...223

«لا تحلفوا باللّه صادقين ولا كاذبين ...260

«لا تسلّم على المرأة ...223

«لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس ...29

ص: 290

«لا تقبل شهادة الولد على والده ...193

«لأنّ التيمم أحد الطهورين ...105ه

«لا يدور إلى القبلة ...103

«لا يقتل ، ولا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يبايع ، ...213

«لا ينتفع بشيء منها ولو بشع منها ...198

«لما أسري برسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وحضرت الصلاة أذن... 113

«لما فرغ رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)من سعيه ...141

«لما هبط جبرئيل(علیه السلام)بأذان على ...114

«لو أنّ رجلاً أنفق ما في يديه في سبيل اللّه ما كان أحسن ...160

«المراد من التحية في الآية السلام ، وغيره من البر ...222

«المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً ، منهم القردة ، ...115

«مَن أرسل كلبه ولم يسم فلا يأكله ...75

«من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل اللّه ...53

«مَن عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات ...258

«مَن فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كانت شيراً ...155

«نسختها آية الفرائض ...265

«وإذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم اللّه ...73

«والله ما تناولت من دنياكم إلا ما اضطررت إليها ...186

«وأمّا خلاف الكلب مما تصيده الفهود ...72

«وأما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم ...74

«وإن وجد معه كلباً غير معلم فلا يأكل منه ...73

«الوسط الخلّ ، والزيت ، وأرغفة الخبز، واللحم ...248

«وليعن بعضكم بعضاً ، فإن أبانا رسول اللّه(صلی اللّه و علیه و آله وسلّم)كان ...52

ص: 291

«يا أبا محمّد ، إن الله يحب من عباده المفتن النواب ...256

«يتيمم به ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه ...155

«يجد حيث توجهت دابته ...103

«يصوم قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ...142

«يكفيه اليسير من الدعاء ... 144

«يواعد أصحابه ميعاداً إن كان في الحج ...138

الامام الکاظم(علیه السلام)

«لا باس بذلک...61

«ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ...256

الامام الرضا(علیه السلام)

«أقم الشهادة للّه ولو على نفسك أو الوالدين ...192

«قال رسول اللّه(صلی اللّه و علیه و آله وسلّم): اعترفوا بنعم اللّه ربكم وتوبوا إلى اللّه ...256

«ما بالهم قاتلهم اللّه عمدوا إلى أعظم آية في كتاب اللّه ...117

«نعم ، إنّه لا ينفعه دعاؤك ...224

«وحرم اللّه الدم كتحريم الميتة...58

«هما ممّا قال اللّه :(مُكَلِّبِينَ)، فلا بأس بأكله ...73

ص: 292

روايات متفرّقة

«إذا اجتمع عليك من اللّه حقوق يكفيك غسل واحد --- 85

«إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم اللّه الرحمن .أبو هريرة...118

«إن التراب أحد الطهورين ---105

«أن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ركع ركعتين في قبل الكعبة. ابن عمر...132

«إن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كان لا يعرف فصل .ابن عباس...118

«أنّ رسول اللّه كان يقصر في السفر .عایشه...132

«أنه المالح الذي يقتات منه.---...150

«أوّل ما فرض اللّه تعالى الصلاة .عایشة...125

«الذي يبيض في البحر ويفرّخ فيه ---150

«صلاة السفر ركعتان تمام غیر قصر على لسان .عمر...125

«كان رسول اللّه يصلي وهو مقبل من مكة إلى.ابن عمر...103

«كنّا مع النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في سفر في ليلة مظلمة فلم.ابن ربیعة...103

«ما أدركت أحداً من فقهائنا إلا وهو يقول هذا .ابن عبدالرحمن...175

«مَن ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له --- 237

«مَن حلف فليصدق ، ومَن حُلف له فليرض --- 207

«من دخل إلى الإسلام طوعاً فهو مهاجر --- 157

«الوضوء على الوضوء نور على نور --- 85

«يا بني ، لا تؤخّر التوبة ، فإن الموت يأتي بغتة .لقمان ...258

«يكره للمؤمن من أن يقول : إني كسلان للآية الشريفة. ابن عباس ...36

ص: 293

ص: 294

3 - فهرس مصادر التحقيق

الاتقان ... أبو بكر السيوطي

أحكام القرآن ... أحمد بن عليّ الجصاص

إرشاد القلوب ...الحسن بن أبي الحسن الديلمي

الاستبصار ...محمّد بن الحسن الطوسي

أعلام الدين ...الحسن بن أبي الحن الديلمي

أمالي الصدوق ...محمد بن علي بن بابويه=الصدوق

بحار الأنوار ...محمد باقر المجلي

تحف العقول ...ابن شعبة الحراني

تفسير الألوسي ... السيد محمود الألوسي البغدادي

تفسير الصافي ...ملا محسن الفيض الكاشاني

تفسير العياشي ...محمد بن مسعود العياشي

تهذيب الأحكام ...محمد بن الحسن الطوسي

ثواب الأعمال وعقاب الأعمال... محمد بن علي بن بابويه = الصدوق

الجامع الصغير ...جلال الدين السيوطي

الدر المنثور ...أبو بكر السيوطي

دعائم الإسلام ...القاضي نعمان المصري

سنن الترمذي ...محمد بن عيسى الترمذي

ص: 295

السنن الكبرى ...أحمد بن الحسين البيهقى

شواهد التنزيل ...الحاكم الحكاني

صحيح البخاري ...محمد بن إسماعيل البخاري

صحیح مسلم ... الحجاج بن مسلم القشيرى

الصراط المستقيم ...علي بن يونس العاملي

الطبقات الكبرى ...محمد بن سعد الواقدي

العدد القوية ...علي بن يوسف المطهر الحلى

علل الشرائع ...محمد بن علي بن بابويه = الصدوق

عوالى اللئالى ...ابن أبي جمهور الأحسائي

الفتح السماوي ... المناوى

فقه القرآن ... القطب الراوندي = سعيد بن هبة الله

الكافي ...محمد بن يعقوب الكليني

كتاب الصلاة ...محمّد المؤمن القمّي

كشف الريبة ... الشهيد الثاني

كنز العمال ...على المتقي الهندي

المجموع ... محيي الدين النووي

مجموعة ورام ... ورام بن ابی فراس

مستدرك الوسائل ...الميرزا حسين النورى

مسند الإمام الشافعي ...محمد بن ادریس الشافعی

مصباح الشريعة ...المنسوب للإمام الصادق(علیه السلام)

مصباح الفقاهة ...محمّد على التوحيدي

المصنف...عبد الرزاق الصنعاني

المعجم الكبير ...سليمان بن أحمد الطبراني

ص: 296

معرفة السنن والآثار ...البيهقي

المغني ... عبداللّه ابن قدامة

مغني المحتاج ...محمد بن أحمد الشربيني

من لا يحضره الفقيه ...محمّد بن علىّ بن بابويه=الصدوق

مواهب الرحمان ...السيّد عبد الأعلى السبزواري

وسائل الشيعة ...محمد بن الحسن الحرّ العاملي

نهج الحق ...الحسن بن يوسف = العلّامة الحلّى

ص: 297

ص: 298

4 - فهرس الموضوعات

كلمة المؤتمر ...7

الإهداء ...9

كلمة المؤلّف ...11

الباب الأول

القواعد الفقهية

في تفسير المواهب

15-93

القاعدة الأولى : تفضيل الذكر على الأنثى ...19

القاعدة الثانية : تقريب الأقرب وتقديمه ...22

القاعدة الثالثة : الحجب ...24

القاعدة الرابعة : حرمة الإعانة على الإثم ...28

القاعدة الخامسة : نفي السبيل على المؤمنين ...30

القاعدة السادسة : كلّ رياء حرام ويوجب بطلان العبادة ...32

القاعدة السابعة : عدم جواز اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء ...34

القاعدة الثامنة : قاعدة الإسلام يجب عما قبله ...36

قواعد فقهيّة من آيات الوفاء

القاعدة التاسعة : قاعدة الوفاء بالعقود ...37

ص: 299

القاعدة العاشرة : كلّ ما في الأنعام يحل أكله بعد التذكية إلا ...42

القاعدة الحادية عشر : لا تحلّ تروك الإحرام إلا بالإحلال منه ...45

القاعدة الثانية عشر : قاعدة كلّ صيد حلال إلا ما خرج بالدليل ...47

القاعدة الثالثة عشر : عدم جواز هتك حرمات شعائر الدين ...50

القاعدة الرابعة عشر : عدم جواز الاعتداء على الأشخاص الذين ...51

القاعدة الخامسة عشر حرمة الإعانة على الإثم وحسن الإعانة....52

دلالة آية(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ )على قواعد فقهيّة

القاعدة السادسة عشر حرمة أكل الميتة إلا ما خرج بالدليل ...55

القاعدة السابعة عشر كل دم يحرم شربه إلا ما خرج بالدليل ...58

القاعدة الثامنة عشر : قاعدة كل حيوان قابل للتذكية ...61

قواعد فقهية مستفادة من آية (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )

القاعدة التاسعة عشر : حلّيّة الطيبات ...67

القاعدة العشرون : كل صيد قتلته جوارح الطير والسباع يحرم أكله...71

القاعدة الحادية والعشرون : الطعام كله حل إلا ما خرج ...77

القاعدة الثانية والعشرون كلّ أيم يجوز نكاحها إلا ما خرج ...80

القاعدة الثالثة والعشرون : كلّ شرط ورد في الكتاب واقعي ...83

القاعدة الرابعة والعشرون : إتيان المكلف العمل العبادي مباشرة ...86

القاعدة الخامسة والعشرون : نفي الحرج ...91

ص: 300

الباب الثاني

الأحكام الفقهية

في تفسير المواهب

265-95

كتاب الطهارة والصلاة : ...99

نجاسة الكافر الكتابي وطهارته...99

عدم جواز دخول الكفّار في المساجد...102

ما يستفاد من الأحكام من آية السكارى ...104

دلالة الآية على حرمة الانتفاع بالخمر ...107

أحكام مستفادة من دلالة آية المحيض ...109

المراد من قوله تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ )...113

جزئيّة البسملة في كل سورة ...117

استحباب الجهر بالبسملة ...118

قوام الصلاة بفاتحة الكتاب ...120

حكم التأمين في الصلاة ...121

ثبوت قصر الصلاة في السفر...123

كتاب الصوم: ...127

وجوب الصوم في أيام معدودات ...127

كتاب الحج : ...131

وجوب الصلاة الطواف خلف المقام ...131

المقصود من شطر المسجد الحرام ...132

السعي عمل عبادي ...134

الحج والعمرة من العبادات ...136

ص: 301

حلية صيد البحر في حال الإحرام...148

كتاب الجهاد :...152

حرمة قتال المشركين في الشهر الحرام ...152

سقوط الجهاد عن أولى الضرر ...154

عدم جواز التعرّض على النفس والعرض والمال عقلاً ...158

كتاب النكاح :...161

حلّيّة نكاح المتعة مع الشرائط المقرّرة ...161

أحكام شرعيّة مستفادة من دلالة آيات الإرث...164

عدم جواز التصرف في أموال اليتامى ...168

ما يستفاد من آية: ﴿وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ )...171

معنى الإيلاء المستفاد من الآية الشريفة ...173

ما يستفاد من الأحكام الشرعية من آية المطلقات ...175

كتاب الإنفاق والصدقات :...178

محبوبية الإنفاق والصدقات ...178

ما يستفاد من آيات الإنفاق من الأحكام الفقهية ...181

حرمة البخل وقبح جمع المال ...185

رجحان إيتاء المال وبذله في إعانة المحتاجين ...187

كتاب القضاء والشهادات : ...190

مشروعية الحكم والقضاء بين الناس ...190

ما يستفاد من آية (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ )...192

حرمة الترافع إلى قضاة الجور ...196

كتاب الذباحة : ...198

حرمة التصرفات في الميتة ...198

ص: 302

وجوب التسمية عند الذبح ...202

كتاب الوصيّة : ...205

أهمية الوصية وعظيم شأنها ...205

رجحان الوصية والاهتمام بها ...208

كتاب الحجر :...210

إطلاق الآية في شمول كلّ يتيم ...210

كتاب الحدود :...213

عدم جواز إقامة الحد على الذي التجأ إلى الحرم ...213

ما يستفاد من الأحكام الفقهية من آية القصاص ...215

ما يستفاد من آيات قتل المؤمن ...217

شروط أخرى لقطع يد السارق ...220

أحكام أخرى :...221

التحية نوع من العبادة ...221

حرمة أخذ الأجرة على تدوين المصحف ...225

حرمة السحر ...226

دلالة الآيات الكريمة على حرمة الربا ...228

حرمة تغيير ما خلقه الله ...233

حرمة الغيبة ...235

حرمة القعود مع الخائضین...239

الإباحة المطلقة في جميع الأشياء ...241

استدلال آخر لإباحة الأشياء وحليتها ...243

دلالة الأدلّة الأربعة على حلّيّة الطيبات...245

تقسيم الأحكام الشرعية ...249

ص: 303

التكاليف تتنزل على مراتب القدرة ...251

تقسيم المرتد إلى الملّي والفطري ...253

وجوب التوبة ...255

فورية وجوب التوبة ...257

أقسام الأيمان بحسب الآية الشريفة ...259

حكم تحرير ما في البطن ...261

شمول آية الأرحام لكل رحم...263

في بيان وجه الإرث والسبب فيه ...264

الفهارس الفنية

267 - 304

1 - فهرس الآيات الكريمة ...269

2 - فهرس الروايات الشريفة ...285

3 - فهرس مصادر التحقيق ...295

4 - فهرس الموضوعات ...299

ص: 304

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.