بلاغة الخطاب التداولي في عهد الإمام علي (علیه السلام)الى لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

هوية الکتاب

بلاغة الخطاب التداولي في عهد الإمام علي (علیه السلام)الى لمالك الأشتر(رضی لله عنه)

دراسة تداولية

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي

(علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی لله عنه) (19)

وحدة الدراسات اللغوية

بلاغة الخطاب التداولي

في عهد الامام (علیه السلام) علي لمالك الأشتر(رحمه الله)

دراسة تداولية

تأليف م. د. عبد الهادي كاظم كريم

إصدار

موسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4218 لسنة 2017

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علي

(علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی لله عنه) (19)

وحدة الدراسات اللغوية

بلاغة الخطاب التداولي

في عهد الامام (علیه السلام) علي لمالك الأشتر(رحمه الله)

دراسة تداولية

تأليف م. د. عبد الهادي كاظم كريم

إصدار

موسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة

الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1438ھ - 2017م

رمانة العام

المقدا

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني:

www.inahj.org

الإيميل:

Info@ Inahj.org

تنویه:

إن الاْفکار والاراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحدیث الثقلين «کتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة

ص: 5

النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی لله عنه) إلا أنموذجٌ واحد من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان

ص: 6

وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي يتم إصدارها بإذن الله تباعا، حرصا منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة المفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(بلاغة الخطاب التداولي في عهد الامام علي (علیه السلام) إلى مالك الاشتر(رحمه الله) دراسة تداولية) تحت عنوان الدراسات اللسانية التي تكشف عن طاقة اللغة التعبيرية ولباقتها في حمل المقاصد الكافية في

ص: 7

طيات تراكيبها وبما يمتلكه المنهج التداولي من سعة تدخل كل اطراف الحوار والسياق ليقف على مقاصد المتلم ومدى تأثير كلامه في مخاطبيه وكل ذلك يصب في بلاغة المتكلم وقدرته البيانية في الكشف عن دقائق أفكاره ويبثها المتلقيه.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره والحمد لله رب العالمين

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمه

الحمدُ لله ربَّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ رُسُلِهِ وَخَلِقِهِ أجمعين أبي القاسم محمد المبعوثِ رحمةً للعالمين وعلى آلهِ الأئمةِ الطيَّبينَ الطاهرينَ المعصومين، وأصحابه الغُرَّ الميامينَ الذينَ لم ينقلبوا على أعقابهمِ بعد حين.

أًمَّا بعدُ:

فإن أهلَ بیتِ رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) هم معدن العلمِ والفهمِ والمعرفةِ المتنوعةِ والعلومِ المشرعةِ على مشاربَ شتَّی وميادينَ واسعة لا تقفُ عند حدَّ مخصوص بل تكادُ أن تشملَ كلَّ علمٍ وفن؛ لذا ينهلُ منها كلُّ طالب للعلم والفهمِ والحقيقةِ، ولا غرابةَ في ذلك؛ فهم أهلٌ لذلك، ورثوا العلمَ عن آبائهم عن أجدادِهم عن رسولِ

ص: 9

الله (صلی الله علیه و آله وسلم) عن الله سبحانه وتعالى. والإمام علي بن أبي طالب (علیهما السلام) أصل هذه الأرومة العظيمة، وأساسُ سلسلتِها الذهبيِة المعهودة عند المسلمين جميعًا وعند غيرِهم أيضًا.

وجاءَ هذا الجهدُ ليبحث في جانبٍ واحډٍ وفي علمٍ واحد من العلومِ، بل في بابٍ من أبوابِ فروعهِا المتعددةِ التي أثِرت عن الإمام علي (علیه السلام)، وهو كلامه المقدس الذي وصل إلينا عبر الرواة والمصادر التاريخية و الأدبيَّة؛ ليستجلي بعضًا من الدلالات البلاغية الراقية التي انطوى عليها خِطابُهُ، والمعانَي الجميلة السَّامية التي أفادها في أثواها اللفظيَّة الرَّاهية البهيَّة التي تشِعُّ نوراً وإيماناً وعقيدةً راسخة وخُلُقاً رفيقًا وأدَبًا عظيمًا؛ فحمل عنوان (بلاغة الخطاب التداولیَّ في عهد الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) إلى واليه على مصر مالك بن الأشتر (رحمه الله علیه)، فكشف البحثُ

ص: 10

عن مظاهرَ خطابيَّة بلاغيَّة كثيرة جديرة بالاهتمام والتتبع والبحث على المستوى اللفظيّ والمستوى الدلاليّ ضمن آفاقِ اللغةِ الرحبةِ وأساليبها البلاغيّةِ المتنوّعةِ التي شکَّلت نسقاً يجاري أسلوبَ القرآن الكريم الفريدَ والمعجَّر الذي يَسَعُ ما لا يسعهُ أيُّ أسلوبٍ آخر غيرِهِ، وكذلك کشف لنا بعضًا من ملامحِ سعِة علمِهِ وطولِ باعهِ (قدس سرُّه) في هذا النَّحوِ من العلمِ وأصوِلِه العلميّةِ التي يرجعُ إليها وهي اللغةُ والنحو والدلالةُ والبلاغة على وفقِ أساليب العرب في كلامهم وطرق القول عندهم وأفانين البلاغة في منطقهم. وقصرناه على نماذج مخصوصة منها؛ لأن المجال لا يتسع لبحثها جميعًا؛ وكي يكون البحثُ منسجمًا مع الشروط التي وضعت له سابقاً.

وخطةُ البحثِ ومنهجُهُ قاماعلى مبحثين، الأول: ذكرنا فيه تعريفاتٍ ومفاهيمَ نظريَّة

ص: 11

المصطلحات البحث الأساسيَّة كالخطاب والتداولية؛ كي تعلق مفاهيمها في ذهن القارئ حين يطلع على البحث أو يروم قراءته. والمبحث الثاني: قراءة هذا العهد العظيم وبيان ما ورد فيه من مظاهر تداولیَّة في خطابِهِ على حسب ورودها فيها وكثرتها، فيجري البحثُ على وفق النماذج المختارة منه، فيتناولها بالدراسة والبيان والشرح والدلالة، ثُمَّ الانتقال إلى مثال آخر منها، وهكذا في كل واحد منها إلى إتمام البحير ونهايته بعون الله تبارك وتعالى. وكانت روافدُ البحير كتب اللسانيات، وكتب البلاغة العربيّة، وكتبَ الأدب العربي، وكتب الدراسات اللغويَّة القديمة والحديثة والدراسات الأكاديميَّة والبحِث التي تتناوش هذا العلِم بالبحثِ والدَّراسة.

وأظهر البحث أنَّ أسلوبَهَ وبلاغتَةَ (علیه السلام) كانا منسجمين مع ما يقتضيه الخطاب على وفق

ص: 12

السياق التداولي، وغيرَ خارجين عن أساليب اللغة الفصحى، وطرِق العربِ في كلامِهم للتعبيرِ عن المعاني التي يقصدونها، بل لها وجهٌ يمثَّل أنموذجا في الحسن، وينطويان على جوانب بيانية وبلاغية تم إنموذجٌا رفيعاً في الفصاحة والبلاغة وكذلك في التفسير والمعنى، لا يقرُبُ منه أيُّ ن لغويّ أدبيّ آخر سوى كلام البارئ سبحانه وتعالى في محكم كتابِهِ المعجز الذي فاقه وغيره. وأوضح البحث كذلك أنَّ أقواله (علیه السلام) في العهد تشکَّل ظاهرةً لغويَّة فريدةً في الخطاب تعانقُ نصوص القرآن الكريم المعجزة في اللغة والخطاب والأسلوب والبلاغِة وكذلك كلامه وخطبة ورسائله وكتبُةُ التي تضَّمنها سفرُهُ العظيم نهج البلاغة، ولا عجب في ذلك مطلقا فهو من آل بیتِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين زُقّوا العلمَ والفضلَ زقَّا. وفي

ص: 13

الختام لا يسعني إلَّا أن أقولَ مِنَ اللهِ تعالى التوفيقُ وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربَّ العالمين.

ص: 14

المبحث الأول الخطاب تعريف ومفهوم

ص: 15

الخطاب في اللغة

الخِطَابُ بكسر الخاء وتخفيف الطاء هو مراجعة الكلام، وفعله (خَطَبَ) ومصدره خُطبةٌ من الكلام، وخِطبةٌ لطلب المرأة§ُنظر: العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ھ)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، إيران، الطبعة الثانية، 3952علیه السلام: مادة (خَطَبَ). والمحكم والمحيط الأعظم: أبو الحسن علي بن إسماعیل بن سیده المرسي [ت: 468ھ] تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1921 ھ - 2000 م: (خطب)(1)الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفي: 393ھ)تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بیروت، الطبعة: الرابعة 1407 ھ- 1987 م:(خطب)


1- ، ويكون مصدراً للفعل (خاطبَ) أي: خاطَبَهُ يُخَاطبهُ مخاطبً، وخِطاباً

والمراجعة»(1) ، وَخَاطَبَهُ أحسن الخِطاب: واجَهَهُ بالكلام(2) ، وقد خَاطَبَه بالكلام مخاطبةً وخَاطَبَةُ وهما يتخاطَبانِ أي وجَّه أحدُهمُا كلاماً للآخر(3) . ففي المعنى اللغويّ يتجلَّى لنا أنَّ الخِطاب يتطلَّب مُخاطِباً ومُخَاطَبًا وكلامًا يُؤلَّف مادةَ الخِطَاب ومحتواه ودلالته، وهذه الأمور ما اصطُلح عليه (أركان الخِطاب) کما سيتبين لنا في مفهوم

ص: 17


1- معجم مقاییس اللغة: أبو الحسن احمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الدر الإسلامية، 1990م: مادة (خَطَبَ)
2- ينظر: أساس البلاغة: محمود بن عمر الزمخشري (ت 538ه)، تحقيق: عبد الرحيم محمود، دار الكتب المصريّة، 1953م: مادة (خَطَبَ)
3- ينظر: لسان العرب أ ابن منظور (ت 711ه) تحقیق: أَمين محمد عبد الوَهّاب و محمد الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1999م: مادة (خَطَبَ)، والمعجم الوسیط: مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، تركيا الطبعة الثانية، 1989م: مادة (خَطَبَ)

الخِطاب ودلالته الاصطلاحِييَّن.

الخطاب في الاصطلاح:

يتَّصل مفهوم الخطاب الاصطلاحيّ بفهمومه اللغويّ، فقد عُرَّف بأنَّه: (توجيهُ الكلام نحو الغير للإفهام، ثم نُقِل إلى الكلام الُموَجه نحو الغير للإفهام وقد يُعبَر عنه بما يقع به التخاطب)(1) وقد ربَط علماء اللغة القدماء بين هذا المفهوم وبين تعبير القرآن الكريم فصل الخطاب الذي وصف به النبي داود

) في قوله تعالى: «وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ»(2) على الرغم من

ص: 18


1- کشَّاف اصطلاحات الفنون: محمد علي التهانوي (ت 1158 ھ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م: 2/ 5
2- سورة ص:20

دلالته المتنوعة عند المفسرین(1) ، إذ وردَ عن الجاحظ (ت 250ھ) رأيَه الذي نقله عن عمرو بن عبيد (ت 224ھ) في بيان المقصود من (فصل الخِطَاب)، فقال: "إنَّكَ إن أوتيتَ تقديرَ حُجّة الله

ص: 19


1- ينظر: جامع البيان عن تأویل آي القرآن: محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310ھ) تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1422 ھ - 2001 م: 49/20 - 52. والكشف والبيان عن تفسير القرآن: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفي: 427ھ)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1422، ھ - 2002 م: 8/ 184 – 185. وتفسير القرآن: أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزى السمعاني التميميّ الحنفيّ ثمّ الشافعيّ (المتوفي: 489ھ)، تحقيق: یاسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 ھ- 1997م: 4/ 430 / 341

في عقول المكلّفين المريدين، بالألفاظ المستحسنة في الآذانِ المقبولة عند الأذهان رغبةٌ في سرعِة استجابتهم نفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنة كُنتَ قد أوتيتَ فَصَلَ الخِطَاب(1) ، ولا يخفى أن الجاحظ هنا فَسر (فصلَ الخِطَاب) بنوعٍ من "القول تجتمع فيه الصنعة اللفظيّة والحجة المقنعة مع عدم الإثقال على السامع(2) ، وقد توسَّعَ الزمخشري في بيان المقصودَ ب(فصل الخطاب) فجعل دلالته تتکِیُ على البلاغة في إيصال المعنى مع مراعاة حال المخاطبين، فقال: " فمعنى فصل الخطاب: البين

ص: 20


1- البيان والتبيين: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، الطبعة الخامسة، 1985م: 141/1
2- بنية العقل العربي دراسة تحليليّة نقديّة لنظم المعرفة في الثقافة العربيّة: محمد عابد الجابري، بيروت، الطبعة السادسة، 2000م: 30

من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه، ومن فصل الخطاب وملخصه: أن لا يخطئ صاحبه مظان الفصل والوصل، فلا يقف في كلمة الشهادة على المستثنى منه، ولا يتلو قوله فَوَيلٌ لِلمُصَلَّينَ إلا موصولا با بعده، ولا وَاللهَّ يَعلَمُ وَأَنتُم حتی یصله بقوله لا تَعلَمُونَ ونحو ذلك، وكذلك مظانّ العطف وتركه، والإضمار والإظهار والحذف والتكرار، وإن شئت كان الفصل بمعنى الفاصل، كالصوم والزور، وأردت بفصل الخطاب: الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والصواب والخطأ"(1) و دلالة

ص: 21


1- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفي: 538 ھ)، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1407 ھ: 4/ 80

الخطاب هذه يقترب بها الزمخشريّ من دلالته عند المحدثين فالخطاب على وفق هذا المفهوم كل كلام واضح يتجنب الغموض والإبهام(1) .

وتَكلَّم ابنُ فارس عن أحوال الخطاب بين المتكلَّم والسامع أو المخاطب أو المتلقي فذكر أين من البيان معرفة تلك الأحوال لأنها توضح المعنى وتكشف الدلالة، لأنَّ المتكلَّمَ يخاطب المفرد أو المثنی أو الجمع بغير ما وضِعَ له في اللغة؛ لإضفاء معانٍ أخرى تزيد البيان و تحقق الإفهام(2) ، مُعَبراً في ذلك عن معنى الخِطَاب

ص: 22


1- ينظر: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر: عبد الغني بارة، مطابع الهيئة المصرية، 2005م: 129
2- ينظر: الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها: أحمد بن فارس (395 ھ)، تحقيق: محمد علي بيضون، دار الكتب العالمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1997م: 141 - 165

الذي هو (حالات الكلام)(1) . وربطَ عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه) معنى الخِطَاب بالنظم(2) الذي هو" تعليقُ الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض"(3) والذي يتضح لنا من خلال كلام الجرجاني أَن الخِطاب عنده يخضع إلى نظام الاتساق والترابط والانسجام بين أجزائه، وبذلك لا يتعدى الخِطَابُ كونه مستوىً تعبيرياً قادراً على شدَّ انتباه المتلقي والتأثير فيه، فضلا عن توظيف معطيات جماليّة تضفي عليه سات تتمثلُ بالإمتاع(4) ، فهو عملية أَداء وإِيصال

ص: 23


1- معجم علوم العربية: محمد التونجي، دار الجليل، بیروت، الطبعة الأولى 2003م: 213
2- ينظر : بنية العقل العربي: 84
3- دلائل الإعجاز في علم المعاني: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بیروت، 1978م: 11
4- ينظر : لسانیات النص مدخل إلى انسجام الخطاب: محمد خطابي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1991م: 95

رسالةٍ من متكلم إلى مخاطَب لتحقيق أغراضٍ معينةٍ.

وأعطى الدارسون والباحثون الغربيّون تعريفات متعددة للخطاب وتباينوا في مفهومه، فالخطاب عند (دي سوسير) الکلام(1) ، وعند (هاريس) وحدة لغويَّة ينتجها المتكلم تتجاوز في أبعادها الجملة والرسالة(2) ، وعند (بنفیست) وحدة لغويَّة تنتجها لغة جماعيَّة فهو فعلٌ کلامیٌّ منطوق يتطلب راویًا مؤثرًا في الآخر ومستمعًا(3) ، وأضاف (بيار شاردو) إلى هذا

ص: 24


1- يُنظر: تحليل الخطاب الروائي: سعيد يقطين، المركز الثقافي العربيُ، الطبعة الأولى، بيروت، 1989م: 21
2- ينُظر : المصدر السابق :17
3- ينظر: الأسلوبيَّة في النقد الأدبي الحديث، دراسة في تحليل الخطاب : د. فرحان بدري الحربيّ، المؤسسة الجامعية للنسر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1424 - 2003م: 40

وجود الاستعمال اللغوي المجمع عليه، والمقام الخطابيّ(1) . وقيل إنَّ الخِطاب هو النتاجات " الفكرّية التي يُرادُ إيصالها إلى متلق عبر نصوص مكتوبة أو مسموعة أو مرئية تقدم موقف شمولية أو جزئيا - في قضية- أو مشكلة قائمة أو مفترضة أي ما يقدم من الفكر وجهة نظر في موضوع ما"(2) . فالخطاب" نظام تعبيرٍ متقن ومضبوط "(3) . وعلاقةً الفكر بالخِطَاب علاقةٌ وطيدة، ومن خلال الخِطًاب يتجلّى لنا الفكر.

ص: 25


1- A.J.Greimas etj.courtes: semiotique, Dic tionnaire raisonne, des sciences du langage, ed. Hachette , paris: p 389
2- الخطاب العلماني العربي المعاصر تاريخه وبنيته الموضوعية: عبد الأمير زاهد، مجلة المناهج، العدد (27)، السنة (7)، 2002م: 12
3- حفريات المعرفة: میشال فوکو، ترجمة، سالم يفوت، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1987م: 34

ولكنَّ النتاج الفكري لا يمكن أن يُعدَّ خِطَاباً إِلا بوجود المتلقي لهذا النتاج؛ لأنَّ الخِطَابَ يُعَبِرَ عن علاقة بين المنشئ الذي لديه الرغبة في إيصال الفكرة والمتلقي الذي يتلقى هذه الفكرة سواء كان هذا التلقي إيجابا أم سلباً(1) .

أركان الخِطاب:

الخِطَاب "جسرٌ ممدود بين شخصين محددين اجتماعيا "(2) لذلك يقتضي وجود مخاطِب يقوم المخاطب بتوجيه الإرسال إليه(3) ؛ لأن المتكلمَ

ص: 26


1- ينظر : المصدر السابق : 12
2- التفاعل النّصي - التناصية النظرية والمنهج: نهلة فيصل الأَحمد، مطبعة مؤسسة اليمامة الصحفية، الرياض، 1623ه: 105
3- ينظر : بنية العقل العربي دراسة تحليلية نقديّة لنظم المعرفة في الثقافة العربيّة: محمد عابد الجابري، بيروت، الطبعة السادسة، 2000م: 64

به " يقومُ بعملية التركيب أي صياغة المفاهيم والمتصورّات المجردة في نسقٍ كلامي محسوس ينقلُ عبر القناة الحسية بواسطة الأداة اللسانية، وأما المتقبلُ وهو المخاطب يقوم بعملية التفكيك" (1) ، وبذلك تكون مهمة المخِاطب هي النقل الفعّال للمعلومات، أي إنَّ ما يوجهه يشترط فيه الوضوح حتى يتلقاه المخاطَب من دون عناء(2) كبير قدر الإمكان أي يشترط في الخِطَاب أن يكون ضمن المنظومة المعرفية ليتسنی له الدخول إلى عالمه وفك رموزه. وحين نعود إلى التراث الأدبيّ العربيّ القديم نجد ذلك مبثوثاً في كلام العلماء على مختلف اهتماماتهم، فقد اعتنی سيبويه كثيرا بالمقام والمتكلم والمخاطب في أكثرَ

ص: 27


1- الأسلوبية والأسلوب: عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، الطبعة الثالثة: 92
2- ينظر : لسانیات النص: 48

من موضع(1) . وقال بشر بن المعتمر (ت 210 ھ) " ينبغي للمتکلم أن يعرفَ أَقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات، فيجعلُ لكلَّ طبقةٍ من ذلك كلاماً، ولكلَّ حالةٍ من ذلك مقاماً، حتى يقسمَ أقدارَ الكلام على أقدارَ المعاني، ويقسم أقدارَ المعاني على أقدارِ المقامات، وأقدارَ المستمعين على أقدار تلك الحالات" (2) ، وقال أيضًا: "والمعنى ليس يشرف بأن يكون من معاني الخاصة، وكذلك ليس يتضعُ بأَن يكون من معاني العامة. وإِنَّما مداُر ا

ص: 28


1- ينظر: الكتاب: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (المتوفى: 180 ھ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الثالثة، 1408ھ - 1988 م:1 / 23، 67،68،50 ، ،52/2 ،38 ،238 ،108 ،159 ،103 ،54 ،55،66،90 361 /3 ،242
2- البيان والتبيين: 1/ 138 -139

الشرف على الصواب وإِحرازِ المنفعة مع موافقةِ الحال وما يجبُ لكلِ مقامٍ من مقال "(1) کما أشارَ الجاحظ إلى أركان الخطاب في تعريفهِ للبيان بقوله: "البيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتی يفضي السامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله، کائناما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام. فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع "(2) . فمن خلال هذا القول نستطيع رصدَ عناصر الخِطَاب الممثلةَ(3) ب:

ص: 29


1- البيان والتبيين: 1/ 136
2- البيان والتبيين: 1/ 76
3- ينظر: نظرية التوصيل في النقد الأدبي العربي الحديث (رسالة ماجستير): سحر کاظم حمزة، كلية التربية، جامعة بابل، 1424ه - 2003م: 36-37

1. القائل = المخاطب.

2. السامع = المتلقي.

3. الغاية = التأثير.

وكذلك فضَّل عبد القاهر الجرجاني لرأيناه يُفصلُ القول في عناصر الخطاب فقال: " فلو أنَّك عمدتَ إلى بيتِ شعرٍ أو فصل نثرٍ فعددتَ كلماته عدا كيف جاء واتفق، و أبطلت نضده ونظامه الذي عليه يبنی وفيه أفرع المعنى وأجرى، وغيّرتَ ترتيبَهُ الذي بخصوصيته أفاد کما أفاد، وبنسقه المخصوص أبان المراد نحو أن نقول في قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل). (منزل قفا ذکری من نبکِ حبيب) أخرجته من مجال البيان إلى مجال الهذيان، نعم وأسقطت نِسبتَهُ من قائله، وقطعتَ الرحِمَ بينَهُ وبين منشئه، بل أحلت أن يكون له إضافة إلى قائل، ونسب يختصُ

ص: 30

بمتكلم"(1) فمن يتأمل في هذا النص يجد عناصر الخِطَاب واضحةً، وهي القائل، والمخاطَب والقول، فضلاً عن تحقيق الترابط والاتساق والانسجام بين أجزاء الكلام.

ونصَّ حازم القرطاجني (ت 684ھ) على هذه العناصر من خلال نقده للأقاويل الشعرية، مضيفًا إليها عنصرا رابعًا بقوله:" تختلفُ مذاهبُها وإنحاء الاعتماد فيها بحسب الجهة أَو الجهات التي يعتني فيها بإيقاع الحِيل التي هي عمدة في إنهاض النفوس لفعل شيءٍ أَو تركه أو التي هي أعوان للعمدة وتلك الجهاتُ هي مَا يرجع إلى القول نفسه وماھ يرجع إلى القائل، أو مايرجع

ص: 31


1- أسرار البلاغة في علم البيان: عبد القاهر الجرجاني (ت 471 ھ)، تحقيق: محمد رشيد رضا، منشورات دار المعرفة بیروت، لبنان: 2

إلى المقول فيه، أو ما يرجع إلى المقول له"(1) فلو تأملنا هذا النص لوجدنا أن القرطاجني قد حدد هذه العناصر بالآتي(2) :

1. ما يرجع إلى القول نفسه = الخِطَاب

2. ما يرجع إلى القائل = المخاطِب

3. ما يرجع إلى المقول فيه = الموضوع

4. ما يرجع إلى المقول له = المخاطَب

وتطور مفهومُ الخِطَاب عند النقاد المحدثين اليكتسبَ دلالاتٍ متنوعة لتأثرهم بالدراسات

ص: 32


1- منهاج البلغاء وسراج الأدباء: ابو الحسن حازم القرطاجني، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الكتب الشرقية: 346
2- ينظر: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر مقدمة نظرية ودراسة تطبيقية : عبد الله محمد الغذامي، النادي الأدبي الثقافي، المملكة العربية السعودية، 1405 ھ- 1985م: 15-16

الأدبيّة والنقديّة الغربيّة الحديثة. إذ عَدَّ الناقدُ عبد السلام المسديّ الخطابَ الأَدبي "كياناً أفرزته علاقات معينة بموجبها التأمت أجزاؤه "(1) مميزا بذلك الخطاب الأدبيّ عن غيره من أنواع الخِطَاب الأخرى. وبذلك يغدو الخطاب هو السمة المشخصة لكل نص. وبذلك تتنوع وسائل نقل الخِطَاب. واطلق الباحثون المحدثون على الجهة المتلقية للخطاب تسميات عدة منها: المرسَل إليه، السامع، المتلقي، المخاطَب(2) .

فالتخاطب منظومةٌ تتضمنُ عناصر متعددة هي المرسل: وهو المتكلم الذي ينتجُ القول، والمتلقي: وهو المستمع الذي يتلقى القول،

ص: 33


1- الأسلوبية والأسلوب: عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، ط 3: 116
2- ينظر: نظرية التوصيل في النقد الأدبي العربي الحديث: 81 - 83

والموضوع: وهو مدار الحديث الكلامي، والمقام: وهو زمان ومكان الحدث وكذلك العلاقات بين المتفاعلين بالنظر إلى تعبيرات الوجه والإيماءات والإِشارات، والقناة: أي الوسيلة التي يتم بها التواصل كأن تكون كلام، كتابة، إشارة وشکل الرسالة: أي الشكل المقصود موعظة، خطبة، رسالة(1) .

وكذلك فإنَّ النص المكتوب يمثَّل شكلّا من أشكال الخطاب؛ لأنَّه ينتمي إلى الآخر، وفي النتيجة تكون شروط إمكان الخطاب هي نفسها شروط إمكان النص المكتوب(2) .

ص: 34


1- ينظر: لسانیات النص مدخل إلى انسجام الخطاب: محمد خطابي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1991م: 53-52
2- نظرية التأويل: بول ريكور: ترجمة: سعيد الغانمي المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - المغرب، الطبعة الثانية، 2006م: 54

التداوليَّة:

التداولية جزءٌ من علم أعم هو دراسة التعامل اللغويّ الذي هو جزءٌ من التعامل الاجتماعيّ، وهذا ما ذكره أوستين(Austin) إذ نقل اللغة من المستوى اللغوي إلى المستوى الاجتماعي الذي يدور في أفق التأثر والتأثير(1) . فالتداولية تعنى بالاتصال اللغوي ودراسته في إطاره الاجتماعي الذي له خصوصیَّات تؤثر في الفعل الكلامي(2) .

ص: 35


1- ينظر: بحث: (التداولية وتحليل الخطاب الأدبّي): راضية خفيف بكري، مجلة الموقف الأدبيّ، دمشق، اتحاد الكتّاب العرب، العدد(399) تموز، 2006م: 56
2- ينظر: بحث: (الاتصال اللسانّي بين البلاغة والتداوليَّة): سامية بنت يامنة، مجلة دراسات أدبيَّة، مجلة دورية فصلية محكمة تصدر عن مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعليمية، جامعة مستغانم، الجزائر، العدد الأول، ماي 2008م - جمادى الأولى 1439ه: 61

وكذلك فإنَّ التداولّية تركز على الدلالة القصديَّة التي لا تتجلَّى إلا في الاتصال اللغويّ الذي يضمه مقامٌ محدد وحال معينة؛ لذلك تهتمُّ التداولية باللغة التي يستعملها المتكلم، وعوامل المقام التي تؤثّر في اختياره للأدوات والألفاظ والتراكيب المعبَّرة من مقصده ومراده(1) .

وقد لَّخَصَ جورج يول آفاق الدرس التداوليّ أربعةِ مجالات هي(2) :

1- دراسة المعنى الذي يقصدُه المتكلَّم، وكذلك دراسة المعنى كما يفهمه السامع أو

ص: 36


1- يُنظر: تحليل الخطاب: ج، براون و ج، سیرل، ترجمة وتعليق: محمد لطفي الزليطي ومنير التريكي، السعودية، جامعة الملك سعود، 1997م: 32
2- ينُظر: التداوليَّة: جورج يول، ترجمة: د. قصي العتَّابي، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2010م:19 - 20

القارئ أو المخاطَب، وتحليل الالفاظ و الكليات والعبارات والتراكيب.

2- دراسة المعنى السياقي ومعرفة ما يقصدهُ الناسُ في سياقٍ معين وكيفيةٍ خاصَّة، وتأثير السياق في الكلام والقول وهذا يتضمن آلية الكلام أو النظم وهوية صاحب النص، ومعرفة أحواله: أين تكلَّم؟ ومتى؟ وفي أي ظروف؟.

3- دراسة ما يحتمله النص من دلالة وإيصاله أكثر من معنى، أي دراسة الكيفيَّة التي يصوغ بواسطتها المستمعون استدلالاتهم حول النص للوصول إلى تفسير المعنى الذي يريدهُ المتكلَّم.

4- دراسة التعبير عن التباعد النسبيّ، فكل ما يقال ويتكلَّم به يرتبط بمفهوم التباعد(علیه السلام) الماديّ والاجتماعّي والمفاهيميّ، وهذا يعتمد على خبرة مشتركة بين المتكلَّم و المستمع.

ص: 37

أمَّا البلاغة عند الدارسين المحدثين فلها أكثر من دلالة واحدة فقيل إنَّها (فن القول بشكل عام) أو هي (فن الوصول إلى تعديل موقف المستمع أو القارئ)(1)

امتشاج التداولية والبلاغة والخطاب:

التداولية تعنى بالنصَّ وعناصره و العلاقة والعلاقات التي تربط بينها وتربطها بالموقف التواصل الذي ينتظم فيما يسمى ب (سياق النصّ) المحكم بشكل منتظم وطريقةٍ منهجيَّة منتظمة، وهذا كله يصدق عليه القول المشهور عند العرب في وصفهم للبلاغة (لكل مقام مقال)؛ لأن المقام والمقال كلیها یرکَّزان على التشکیل اللغويّ الذي يتحيَّز في موقف مخصوص معين؛

ص: 38


1- ينُظر: بلاغة الخطاب وعلم النص: صلاح فضل، عالم المعرفة، الكويت، 1992م: 89

وهذا يجعل البلاغة والتداوليَّّة متفقتان في الاعتياد على اللغة بوصفها الأداة التي بها يارس الفعل على المتلقي في موقف معين مخصوص، ومن هذا يتَّضح أن البلاغة تداولیَّة في صميمها؛ لأنها تمثل ممارسة الاتصال بين المتكلم والمخاطب والسامع، وبهذا يحل إشكال علاقتها، ويتَّضح تأثير بعضها على بعض، وتلتقي البلاغة والتداولية في الاهتمام بالعناصر التي تشترك في الانجاز اللغويّ فالبلاغة تهدف إلى إيصال المعنى إلى المخاطب والسامع في مقام مخصوص، وتعنی بالسامع في إدراك المعنى الذي يريده المتكلم في مقام معين(1) ، وهذا ما أشار إليه أبو هلال العسكريّ (ت: 1395) بقوله" ربَّما كانت البلاغة في الاستماع الحسن" (2)

ص: 39


1- ينُظر: بلاغة الخطاب وعلم النص: 89 - 90
2- الصناعتين: لأبي هلال العسكري، تحقيق: علي محمد البجاوي و محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1952 م: 25

فاللفظ والتركيب في الأفق البلاغيّ حين يستعملان في مكانها المناسب وسياقها المخصوص يؤديان أثرهما الفعَّال في تحقيق مقاصد المتكلم أو صاحب النص، و هذا ما ركَّزت عليه التداولیَّة؛ لأنَّها تعني بالعلاقة بين بنية النص والموقف التواصلي المرتبط به والذي قيل فيه النص، وهذا يتطابق بشكل تام مع فكرة مقتضى الحال في المفهوم البلاغيّ، والبلاغة تركٍّز على التقنيات والوسائل البلاغيَّة التي يقتضيها النص الذي ينشئه المتكلم كي يحقق غرضه المقصود. و تنهض بالكشف عن مقاصد المتكلم وتبيَّن مراده من خلال العلاقة بين الفعل اللغوي والموقف الاجتماعيّ(1)، وترتكز على اللغة، وتمثل

ص: 40


1- ينُظر: بحث الاتصال اللسائي بين البلاغة والتداوليَّة): سامية بنت يامنة، مجلة (دراسات أدبيَّة) مجلة دوريَّة فصليَّة تصدر عن مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعليميَّة، الجزائر، جامعة مستغانم، العدد الأول، ماي / 2008م - جمادى الأولى / 1429ه: 61

منهجًا معرفیًا یعنی بمن يتكلم، وبمن يقع عليه الكلام، وبما يتكلم به أي الكلام، وهو ما تدور عليه النظريَّة التداولية ويمثل أفقها الذي تخوض فيه(1) . وجعل تشارلز موریس (Charles Morris) مستوى آخر يضاف إلى مستويات اللغة ووسائلها في الوصول إلى المعنى وفهمه فذكر في ذلك ثلاثة مستويات:

-المستوى التركيب أو النحويّ: يعنى بدراسة العلاقة الشكلية بين العلامات بعضها ببعض.

ص: 41


1- ينُظر: الوظائف التداولیَّة في اللغة العربيَّة: أحمد المتوكل، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 1985م: 8، و استراتيجيات الخطاب، مقاربة لغوية تداولية : عبد الهادي بن ظافر الشهري، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 2006م: 23

-المستوى الدلاليّ: يعنى بدراسة علاقة العلامات بما تؤول إليه من معنى.

-المستوى التداولية: يعنى بدراسة علاقة العلامات بمستعمليها وبمؤوليها(1) .

ص: 42


1- ينُظر: المقاربة التداوليَّة: فرنسواز أرمینکو، ترجمة: سعید علوش، مركز الإنماء القومي، بیروت: 8

المبحث الثاني:نماذج من المظاهر التداوليَّة في خطاب الإمام علي (علیه السلام) في عهده لواليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر النخعی (رضی لله عنه)

ص: 43

تضمن هذا العهد المبارك مظاهر تداوليَّة كثيرة في خطابه (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، ولكننا سنقتصر على ذكر نماذج متعددة منها ودراستها انسجاماً مع الشروط المسبقة التي وضعت للبحث؛ ولضيق المكان أيضاً إذ لا تتسع صفحات - لقلَّتها- هذا البحث لدراسة الأمثلة والشواهد التي تضمنت بعداً تداوليًا جميعها؛ لذا سندرسُها ببحثٍ مخصص نصَّفل القول فيه ونتم بیانه بشكل واسع مستقصًي إن شاء الله تعالى. وسنبدأ بذكر هذه النماذج على وفقِ ورودها في ذلك العهد المقدَّس بدأً من أولهِ إلى منتهاه، وما تأخَّر منها سيكون ذكره مرتبطًا بما يتَّسع له البحث إن شاء سبحانه. فمن تلك المظاهر ما يأتي:

1- وظيفة المحور: هي أن الكاتب أو صاحب النص يريد إيصال معلوماتٍ للمخاطبِ تدور

ص: 44

حول محور محدد أو نواة ماهو جديد أو مهم بالنسبة له وللمخاطب، وتكاد هذه الوظيفة تتجلى في كل ترکیب في العهد المقَّدس من أوَّلهِ إلى آخرهِ، فكل جملة فيها إشارة إلى قضية العهد الرئيسة التي جاء العهد لأجلها وهي تنظيم علاقة الوالي بأهل ولايته أو الراعي برعيته، واستحضار مخافة الله عزَّ وجل فيهم والإحسان إليهم. وهذه الوظيفة الأولى من الوظائف التي تؤديها التداولية(1) ، تتجلى بلاغتها في أنها جعلت العهد وحدةً محوريّة موضوعيَّة واحدة تقترب به من الوحدة المحورَّية في كلَّ سورة من سور القرآن الكريم المباركة في أولها وأوسطها وخاتمتها، فقد جاء في أول العهد قوله (علیه السلام): "بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ. هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللّهِ عَلِیٌّ أَمِیرُ

ص: 45


1- ينظر: الوظائف التداولة في اللغة العربية: 17 - 19، 111

الْمُؤْمِنِینَ، مَالِکَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِی عَهْدِهِ إِلَیْهِ، حِینَ وَلَّاهُ مِصْرَ: جِبَایَهَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَهَ بِلَادِهَا، أَمَرَهُ بِتَقْوَی اللّهِ، وَإِیْثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِی کِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِی لَایَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا، وَلَا یَشْقَی إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ یَنْصُرَ اللّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَیَدِهِ وَلِسَانِهِ؛ فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَکَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَأَمَرَهُ أَنْ یَکْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَیَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَهٌ بِالسُّوءِ، إِلَّا مَا رَحِمَ اللّهُ...»(1) .

وجاءَ في أوسطهِ قولُهُ (علیه السلام): «وَ اُرْدُدْ إِلَی

ص: 46


1- شرح نهج البلاغة: لابن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار احیاء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى، 1378 ھ - 1909 م: 17 / 30

اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا یَضْلَعُکَ مِنَ اَلْخُطُوبِ وَ یَشْتَبِهُ عَلَیْکَ مِنَ اَلْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: «یا أَیُّهَا اَلَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اَللّهَ وَ أَطِیعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِی اَلْأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اَللّهِ وَ اَلرَّسُولِ»(1) ، فَالرَّدُّ إِلَی اَللَّهِ اَلْأَخْذُ بِمُحْکَمِ کِتَابِهِ. وَ اَلرَّدُّ إِلَی اَلرَّسُولِ اَلْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ اَلْجَامِعَهِ غَیْرِ اَلْمُفَرِّقَهِ...(2) . وَخَتَمَ (علیه السلام) عهده المقدَّس بقوله:" وَأَنَا أَسْأَلُ اللّه بِسَعَهِ رَحْمَتِهِ ، وَعَظِیمِ قُدْرَتِهِ عَلَی إِعْطَاءِ کُلِّ رَغْبَهٍ ، أَنْ یُوَفِّقَنِی وَإِیَّاکَ لِمَا فیهِ رِضَاهُ ، مِنَ الاْءِقَامَهِ عَلَی الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَیْهِ وَإِلَی خَلْقِهِ ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِی الْعِبَادِ ، وَجَمِیلِ الْأَثَرِ فِی الْبَلاَدِ ، وَتَمَامِ النِّعْمَهِ ،

ص: 47


1- سورة النساء: 59، والآية بتمامها : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)»
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 52

وَتَضْعِیفِ الْکَرَامَهِ ، وَأَنْ یَخْتِمَ لِی وَلَکَ بالسَّعَادَهِ وَالشَّهَادَهِ ؛ إِنَّا إلَی اللّه راغبون، وَالسَّلاَمُ عَلَی رَسُولِ اللّهِصَلَّی اللّهُ عَلَیْهِ وَعلی آلِهِ الطَّیِّبِینَ الطَّاهِرِینَ»(1) .

فالخطابُ التداولیّ في العهد كلَّه يرکَّز على محور رئیس، ويدور في أُفُقِهِ هو حسن رعاية الوالي لرعيته وإطاعة الله سبحانه فيهم؛ للفوز برضاه تعالى والقاء غَضَبهِ عزَّوجل(2) .

2- وظيفةُ البؤرة: تتجلى هذه الوظيفة في ترکیب النصَّ كله من مقاطعَ متعددة تنتظم بعضها ببعض بعلاقات دلاليَّة ترجِعُ إلى وحدۃٌ دلالیَّة عليا تجمعها(3) . ويظهرُ هذا واضحًا في

ص: 48


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 117
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 118
3- ينظر: تداوليَّة الخطاب السرديّ بين القديم والحديث (أطروحة دكتوراه): دحمون کاهنة، الجزائر، جامعة مولود معمري تيزي وزو، كلية الآداب واللغات، 2016م: 51

عهد الإمام (علیه السلام) المقدس، في قوله: « ثُمَّ اعْلَمْ یا مَالِکُ، أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُکَ إِلَی بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَیهَا دُوَلٌ قَبْلَکَ، مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ، وَأَنَّ النَّاسَ ینْظُرُونَ مِنْ أُمُورِکَ فِی مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِیهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَکَ، وَ یقُولُونَ فِیکَ مَا کُنْتَ تَقُولُ فِیهِمْ، وَإِنَّمَا یسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحِینَ بِمَا یجْرِی اللَّهُ لَهُمْ عَلَی أَلْسُنِ عِبَادِهِ. فَلْیکُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَیکَ ذَخِیرَةُ الْعَمِلِ الصَّالِحِ، فَامْلِکْ هَوَاکَ، وَ شُحَّ بِنَفْسِکَ عَمَّا لَا یحِلُّ لَکَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فَیما أَحَبَّتْ أَوْ کَرِهَتْ ...»(1) .

وقوله (علیه السلام): «وَأَشْعِرْ قَلْبَکَ الرَّحْمَهَ لِلرَّعِیَّهِ، وَالْمَحَبَّهَ لَهُمْ،وَاللُّطْفَ بِهِمْ،وَلَا تَکُونَنَّ عَلَیْهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ:إِمَّا أَخٌ لَکَ فِی الدِّینِ،وَإِمَّا نَظِیرٌ لَکَ فِی الْخَلْقِ،یَفْرُطُ

ص: 49


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 30 - 31

مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَ یُؤْتَی عَلَی أَیْدِیهِمْ فِی الْعَمْدِ وَ الْخَطَإِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِکَ وَ صَفْحِکَ مِثْلِ الَّذِی تُحِبُّ وَ تَرْضَی أَنْ یُعْطِیَکَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّکَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِی الْأَمْرِ عَلَیْکَ فَوْقَکَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّکَ وَ قَدِ اسْتَکْفَاکَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلاَکَ بِهِمْ..»(1).

وقوله (علیه السلام): «وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَکَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا یَدَ لَکَ بِنِقْمَتِهِ، وَلَا غِنَی بِکَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِه وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ، وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَهٍ، وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَی بَادِرَهٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَهً، وَلَا تَقُولَنَّ: إِنِّی مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذلِکَ إِدْغَالٌ فِی الْقَلْبِ، وَمَنْهَکَهٌ لِلدِّینِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِیَرِ. وَإِذَا أَحْدَثَ لَکَ مَا أَنْتَ فِیهِ مِنْ سُلْطَانِکَ أُبَّهَهً أَوْ مَخِیلَهً، فَانْظُرْ إِلَی عِظَمِ مُلْکِ اللَّهِ فَوْقَکَ، وَقُدْرَتِهِ

ص: 50


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17/ 32

مِنْکَ عَلَی مَا لَا تَقْدِرُ عَلَیْهِ مِنْ نَفْسِکَ، فَإِنَّ ذلِکَ یُطَامِنُ إِلَیْکَ مِنْ طِمَاحِکَ، وَیَکُفُّ عَنْکَ مِنْ غَرْبِکَ، وَیَفِی ءُ إِلَیْکَ بِمَا عَزَبَ عَنْکَ مِنْ عَقْلِکَ ...»(1) .

ففي هذه النصوص الثلاثة نجد كُلَّ جملةٍ وكُلّ ترکيب فيها يتضمنا دلالة جزئيَّة ترتبط بالدلالة التي قبلها والتي بعدها برباط دلاليّ عام يتشکَّل بجمع تلك الدلالات، فيمثل هذا النص أوذاك فالنص الأول تكاد تكون بؤره الدلاليّة ذاتيَّة متوجَّةً إلى المخاطب نفسهُ (الوالي) تدعوه إلى الاعتبار والموعظة بمن سبقه من الولاة والدول، وتحذره من نفسهِ واتباع هواها

ص: 51


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 32- 33

وشهواتها. والنصَّ الثاني تتمركز دلالته على علاقة الوالي بالرعية، وكيف يجب أن تكون؟. وفي النص الثالث تتمركز الدلالة حول تحذير الوالي أو الملك أو السلطان من عصيان الله عزَّو جل و التعالي الاختيال والتكبّر والتجبر في أقوالهُ وأفعاله مع الرعيَّة أو مع الله سبحانه.

3- إظهار التودد في الخطاب: الاهتمامُ بالمخاطّب والعناية به وإظهارُ التَّوددِ له واحترامُهُ كلُّ ذلك يمثَّل مظهرًا تداولیًّاله أثرٌ كبيرٌ في التأثير على المخاطَبِ واستمالتهِ واقناعهِ بالرسالةِ التي يقصدُها المتكلَّم أو صاحب النبى (المخاطِب)، وفهم محتواها ومعانيها، وهو ما يعبَّر عنه ب(منطق التأدُّب)(1) . بل إنّ هذا يُعدُّ منهجاً تربوًّیا صائبًا مثمراً في إحداث

ص: 52


1- ينظر: استراتيجيات الخطاب، مقاربة لغوية تداولية: 100

التغيير المطلوب في عمليَّة التربية والتعليم على اختلافِ مستوياتها ومراحلها. وحين نقرأُعهد الإمام (علیه السلام) لمالك (رحمه الله)، نستشفُّ حضور هذا الجانب في كلَّ فِقرةٍ من فقراته على طولهِ وامتداډير على الرغم من كثرة أساليب الأمر والنهي الحقيقييَّنِ، فقد حرصَ الإمامُ (علیه السلام) على ابداء جانب العطف والرعايةِ والتودد بمن يخاطبُهُ ويستمع إليهُ – وهذا شأنُهُ مع الناسِ كلَّهم - لأنَّهُ ينشدُ الإصلاح في كلَّ شيء في الحياة. ومن أمثلةِ ذلك ُ (عليه السلام): «وَلْیَکُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِکَ عِنْدَکَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِی مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ عَلَیْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ، بِمَا یَسَعُهُمْ وَیَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِیهِمْ، حَتَّی یَکُونَ هَمَّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِی جِهَادِ الْعَدُوِّ.فَإِنَّ عَطْفَکَ عَلَیْهِمْ یَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَیْکَ، وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّهِ عَیْنِ الْوُلَاهِ اسْتِقَامَهُ الْعَدْلِ فِی الْبِلَادِ، وَظُهُورُ مَوَدَّهِ الرَّعِیَّهِ وَإِنَّهُ لَا

ص: 53

تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَهِ صُدُورِهِمْ، وَلَا تَصِحُّ نَصِیحَتُهُمْ إِلَّا بِحِیطَتِهِمْ عَلَی وُلَاهِ الْأُمُورِ، وَقِلَّهِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْکِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ. فَافْسَحْ فِی آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیْهِمْ، وَتَعْدِیدِ مَا أَبْلَی ذُوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ کَثْرَهَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاکِلَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ اعْرِفْ لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَی، وَلَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَی غَیْرِهِ، وَلَا تُقَصِّرَنَّ بِهُ دُونَ غَایَهِ بَلَائِهِ، وَلَا یَدْعُوَنَّکَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَی أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ ما کان عظیما...»(1) .

وَإِيَّاکَ وَالاِسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ

ص: 54


1- شرح نهج البلاغة: لمحمد عبده، الطبعة الأولى، إيران - قم، توزيع: مؤسسة العطار الثقافية، العراق - النجف الأشرف، 1631ه - 2010م: 06/1 - 407

مَأْخُوذٌ مِنْکَ لِغَيْرِکَ، وَعَمَّا قَلِيل تَنْکَشِفُ عَنْکَ أَغْطِيَةُ الاُمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْکَ لِلْمَظْلُومِ. امْلِکْ حَمِيَّةَ أَنْفِکَ، وَسَوْرَةَ حَدِّکَ، وَسَطْوَةَ يَدِکَ وَغَرْبَ لِسَانِکَ؛ وَاحْتَرِسْ مِنْ کُلِّ ذَلِکَ بِکَفِّ الْبَادِرَةِ وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْکُنَ غَضَبُکَ فَتَمْلِکَ الاِخْتِيَارَ؛ وَلَنْ تَحْکُمَ ذَلِکَ مِنْ نَفْسِکَ حَتَّى تُکْثِرَ هُمُومَکَ بِذِکْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّکَ...»(1) .

4 - الفعل الكلامي الإيجابيّ: يتجلَّى هذا المظهر التداوليّ في عهد الإمام علي (علیه السلام) بالأفعال الكلاميَّة الممتلئة بالمعاني والمكتنزة بالدلالات المتشابكة التي تعكسُ نظر المتكلَّم في الحياة والعالم والإنسان وتدعو المخاطَبَ إلى إمعان النظر فيها والإفادة منها والسعي للوصول إليها. ومن هذا قوله (علیه السلام): « ثُمَّ اعْلَمْ یا مَالِکُ،

(1) .

ص: 55


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 113

أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُکَ إِلَی بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَیهَا دُوَلٌ قَبْلَکَ، مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ، وَأَنَّ النَّاسَ ینْظُرُونَ مِنْ أُمُورِکَ فِی مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِیهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَکَ، وَ یقُولُونَ فِیکَ مَا کُنْتَ تَقُولُ فِیهِمْ، وَإِنَّمَا یسْتَدَلُّ عَلَی الصَّالِحِینَ بِمَا یجْرِی اللَّهُ لَهُمْ عَلَی أَلْسُنِ عِبَادِهِ. فَلْیکُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَیکَ ذَخِیرَةُ الْعَمِلِ الصَّالِحِ...»(1) .

وقولُهُ (علیه السلام): «وَ لْیکُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَیکَ أَوْسَطُهَا فِی الْحَقِّ، وَ أَعَمُّهَا فِی الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَی الرَّعِیةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ یجْحِفُ بِرِضَی الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ یغْتَفَرُ مَعَ رِضَی الْعَامَّةِ. وَلَیسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِیةِ أَثْقَلَ عَلَی الْوَالِی مَؤُونَةً فِی الرَّخَاءِ، وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِی الْبَلَاءِ، وَ أَکْرَهَ لِلْإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُکْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً

ص: 56


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 30

عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّینِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِینَ، وَ الْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ؛ فَلْیکُنْ صِغْوُکَ لَهُمْ، وَمَیلُکَ مَعَهُمْ».

وكذلك قولُهُ (علیه السلام) : «وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ وَلاَ جَبَاناً يُضعِّفُكَ عَنِ الاْمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُشَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ. شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلاْشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الاْثَامِ، فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الاْثَمَةِ وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ. وَأَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً

(1) شرح نهج البلاغة لمحمد عبده:

602/3

.

ص: 57

عَلَى إِثْمِهِ، أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً، وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلاَتِكَ، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لاِوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ. وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يُبَجِّحُوكَ بباطِلٍ لم تَفْعَلْهُ ، فاِنَّ كَثرَةَ الإطْراءِ تُحْدِثُ الزَّهوَ وتُدْنى مِنَ العِزّةِ»(1) .

5- الفعل الكلاميّ السلبيّ: يتجلى هذا

ص: 58


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 43 - 44

الفعل التداوليّ في عهد الإمام (علیه السلام) المقدَّس بتذكير المخاطَب بالله سبحانُه وتعالى والالتزام بأوامرِه ونواهيه والتعبّد بأحكامه الشرعيَّة، و تحذير المخاطَب من غضبه عزَّ وجل وعقابهِ وما أعدَّهُ لمن خالف ذلك بهواه وعصيانه وتكبّره؛ فيخلق هذا الفعل الكلامي جوًا من القلق والخوف والرهبة فيجلب انتباه المخاطَب أو المتلقَّي ويزيدُ من جذبها نحو المتكلَّم وتُقَوّي عرى الاتصال بينهما فيؤَّدي ذلك الفعل أثرَهُ ويؤدَّي النَّصَّ رسالتَهُ وغرضَهُ في أتمَّ صورة، فيجعل ذهنها يُنشئُ تصوراتٌ متعددة وأفكارًا مختلفة تجعلها في شعور سلبيّ ناتج عمَّا ذُکِرَ من کلام. ومن أمثلة ذلك قولُهُ: «إیّاک ومُساماهَ اللَّهِ فی عظَمتِهِ،والتّشَبُّهَ بهِ فی جَبَروتِهِ ، فإنَّ اللَّهَ یُذِلُّ کُلَّ جبّارٍ، ویُهینُ کلَّ مُختالٍ»(1) .

ص: 59


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 33

وقولُهُ (علیه السلام): « إیّاکَ والدِّماءَ وسَفکَها بغَیرِ حِلِّها ؛ فإنّهُ لَیسَ شَی ءٌ أدنی لِنِقمَهٍ ، ولا أعظَمَ لِتَبِعَهٍ ، ولا أحری بِزَوالِ نِعمَهٍ ، وانقِطاعِ مُدَّهٍ ، مِن سَفکِ الدِّماءِ بِغَیرِ حَقِّها، وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُکْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَکُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَکَ بِسَفْکِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذَلِکَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ. وَلاَ عُذْرَ لَکَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لاَِنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ. وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإ وَأَفْرَطَ عَلَيْکَ سَوْطُکَ أَوْ سَيْفُکَ أَوْ يَدُکَ بِالْعُقُوبَةِ -فَإِنَّ فِي الْوَکْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً- فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِکَ نَخْوَةُ سُلْطَانِکَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ»(1) .

وقولُهُ (علیه السلام): «وَإِيَّاکَ وَالاْعْجَابَ بِنَفْسِکَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُکَ مِنْهَا، وَ حُبَّ الاْطْرَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِکَ

ص: 60


1- شرح نهج البلاغة لمحمد عبده: 13 / 416

مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ، لِيَمْحَقَ مَا يَکُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ»(1) . وقولُهُ (علیه السلام): «وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الاْحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَالخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَاللهِ وَالنَّاسِ، قَالَ اللهُ تعالی: ((كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ))(2) »(3) .

6- المجال التخييليّ: الذي يتألفُ من نسقٍ من الصور التي تتركُ أثرٌا إيجابيَّا لدى المخاطَب أو الُمتلقّي، بما يحتويه من القِيَمِ الدَّينية والإنسانيَّة، والأنظمة المعرفيَّة والاجتماعية؛ فيجعلها أكثرُ اَّتصالًا بالمتكلمِ فينجذبان إليه وإلى نصَّه وينعمان

ص: 61


1- شرح نهج البلاغة لمحمد عبده: 3/ 416
2- سورة الصف: 3
3- شرح نهج البلاغة لمحمد عبده: 3/ 417

النُّظُرُ فيه. والقراءة " أكثر من كونها مجرد إدراك حسّي لما هو مكتوب. فالنصوص الأدبيَّة تُنَشَّط ملكاتنا وتمكّننا من إعادة خلق العالم الذي تقدمه. ويمكن أن ندعو نتاج الفَّعالية الإبداعية بالبعد الفعلي للنص الذي يمنح النص واقعيته، وهذا البعد ليس النص نفسه ولا تخيل القارئ إنه نتيجة النص والتخييل معًا(1) "فالتخّيل ركن أساس في النص الأدبيّ، لأن" الأدب لا يجد سبيله إلى الظهور إلا بتلك المفارقة البارعة التي تقوم على التخييل والتمثيل اللغوي في آن واحد"(2) وهذا عمل الكاتب أو صاحب النص کي يحدث

ص: 62


1- المتخيل والتواصل، مفارقات العرب والغرب: محمد نور الدين أفاية، دار المنتخب العربي ، الطبعة الأولى، بیروت، 1993م: 18
2- عملية القراءة، مقترب ظاهراتي: فولفغانغ آیز، ضمن کتاب نقد استجابة القارئ، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1999م: 199

التأثير في المخاطب والمتلقي، وإنجاح عملية التواصل(1) . ف"التخييل هو تظاهر أي عبارة من أفعال كلام متظاهر، بها يصف فيه الكاتب عالماً متظاهرا به أو يتظاهراً بذلك ليحاكي المواقف والعالم حين يحضر الخيال"(2) وهذا الفعل الكلامي المتخيَّل يؤدي إلى اتساع أفق الكلام، ويفتح لغة الكلام على معانٍ ودلالات تداوليَّة متعددة، ويحرر الكلام من المنطوق الشفاهيّ، وقيود الزَّمان والمكان(3) .

ومن ذلك قوله (علیه السلام): «وأمَرَهُ أن یکسِرَ مِن

ص: 63


1- ينظر: تداولية الخطاب السرديّ بين القديم والتَّأخير: 27
2- تداولية الخطاب السرديّ بين القديم والتاخير: 30
3- ينظر: تداولية الخطاب السردي بين القديم والحديث: 31. وفي آفاق الكلام وتكليم النص: عبد الواسع الحميري، دار الزمان للطباعة، دمشق - سوريا، 2009م: 239

نَفسِهِ عِندَ الشَّهَواتِ ؛ فَإِنَّ النَّفسَ أمّارَهٌ بِالسّوءِ إلّا ما رَحِمَ رَبّی ، إنَّ رَبّی غَفورٌ رَحیمٌ»(1) .

فقد صوَّر النفسَ بشيءٍ صلب قابلٍ للكسر كالعود ونحوه، فحين تمیل به إلى الشهوات يجب علیه کسرها أو الكسر منها كي تفيء إلى الصواب وتستقيمَ على الطريق الصحيح، ففي هذه الصورة الحسيَّة والوصف المادي لَمِا يُكسر إشارةٌ إلى ضرورة الكسر للنفس في حال میلها نحو الشهوات أو اقتربت من ارتكابها، كحال العود الذي لابدَّ من کسره لإصلاحه أو لجعله مفيداً ونافعًا. وكذلك الحال مع الخيل الجامحة التي تمضي براكبها وقائدها صوبَ جهة لا يريدها أو لا يريد التوجُّه إليها فتجمح به نحو الهاوية أو المجهول؛ لذا عليه أن يكفَّها ويوقفها عن هذا الجموح، ويسيطر عليها

ص: 64


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 30

ويقودها نحو مقصده، وكذلك النفس الإنسانيُّة يجب أن يُوقِفَهَا العقلُ ويُسيطرَ عليها ويقودها نحو الصواب والصحيح والصالح.

ففي هاتين الصورتين يتجلَّى المعنى واضحًا لدى المخاطَبِ؛ لأنَّ مايدلَّان عليه من المعاني التداوليَّة التي يمارسه المخاطَبِ والمجتمع إلى اليوم.

ومثل ُذلك قولُهُ (علیه السلام): «فَامْلِکْ هَوَاکَ،وَشُحَّ بِنَفْسِکَ عَمَّا لَایَحِلُّ لَکَ،فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِیمَا أَحَبَّتْ أَوْ کَرِهَتْ.وَأَشْعِرْ قَلْبَکَ الرَّحْمَهَ لِلرَّعِیَّهِ، وَالْمَحَبَّهَ لَهُمْ،وَاللُّطْفَ بِهِمْ،وَلَا تَکُونَنَّ عَلَیْهِمْ سَبُعاً ضَارِیاً تَغْتَنِمُ أَکْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ:إِمَّا أَخٌ لَکَ فِی الدِّینِ،وَإِمَّا نَظِیرٌ لَکَ فِی الْخَلْقِ،یَفْرُطُ مِنهم الَّزلل، تَعرضُ لُهم العِلَل...»(1) .

ص: 65


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 32

فصور (علیه السلام) الهوى كشيءٍ يملكه الإنسان، ومن ملك شيئًا تمكَّن منه وسيطرَ عليه وتحكَّمَ بِهِ، فإن ملكتَ الهوى الذي يُسيَّر النفسَ تمکنتَ من النفسِ وسيطرتَ عليها في كلَّ شيء فلا تجعلها تسترسل في كل شيء تحبه، ولا تجعلها تحجم عمَّا کَرِهَتهُ(1) ، وبذلك تتمكن من النجاة من المهلكات، وتتجه نحو الصواب والسَّداد.

7- استعادة التاريخ والتراث: لذكر التاريخ وما ينطوي عليه التراث أثرٌ مهم في فهم النص وإيصال دلالاته إلى المخاطب والمتلقي، و خلق تفاعل اجتماعيٍّ وثقافيِ بين المتكلم أو صاحب النص وبين المَخاطَب أو المتلقي، وهذا يجعل الخطابَ ذا معرفة سیاقيَّة تداولیَّة بينهما فيتضح الموضوع والأيديولوجيات المتداخلة

ص: 66


1- ينظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 32

فيه، فالذكريات والتاريخ و القارئ والمتلقي والمخاطَب بالمعلومات؛ لأنَّها تقربهم من مخزونه الثقافي الذي تَشکَّل في الماضي المشترك بينهم جميعًا وهذا يُثري عملية فهم النص ودلالاته التي يحملها الخطاب(1) . ومن ذلك قوله (علیه السلام): « ثُمَّ اعْلَمْ یَا مَالِکُ أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُکَ إِلَی بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَیْهَا دُوَلٌ قَبْلَکَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ النَّاسَ یَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِکَ فِی مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِیهِ مِنْ أُمُورِ لْوُلاَةِ قَبْلَکَ وَ یَقُولُونَ فِیکَ مَا کُنْتَ تَقُولُ فِیهِمْ ...»(2) .

فاستحضار التاريخ في هذا القول له الأثر

ص: 67


1- يُنظر: نظرية التلقي: روبرت سي هولب: ترجمة: د. عزّ الدين اسماعيل، النادي الأدبيّ الثقافي، جدة، الطبعة الأولى : 216- 215، و تداوليَّة الخطاب السردّي بين القديم والحديث: 193 - 196
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 30

الكبير في إيصال المعنى المقصود والدلالة المبتغاة إلى المخاطَب، فالنص يفيد تحذير المخاطب (الوالي) مما وقعت به الدول المتعاقبة على مِصَر من الظلم والجور كي يتجنَّبه، وكذلكَ يفيد حثَّ الوالي على العمل الصالح وتحقيق العدل وإنصاف الناس(1) . ومنه أيضا قوله (علیه السلام): « وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِکَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَکُونَنَّ مُنَفِّراً وَلاَ مُضَيِّعاً، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَ لَهُ الْحَاجَةُ.

وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ کَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟فَقَالَ: صَلِّ بِهِمْ کَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ وَ کُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً»(2) . فقد نقل الإمام (علیه السلام) موققًا اجتماعًیا تاريخيًا شرعيًا من أجل إيصال المعنى والدلالة المقصودينِ إلى مخاطَبهِ مالك بن الحارث (رحمه الله). وكذلك قوله

ص: 68


1- ينُظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 30
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 89

(علیه السلام): «وَالْوَاجِبُ عَلَیکَ أَنْ تَتَذَکَّرَ مَا مَضَی لِمَنْ تَقَدَّمَکَ مِنْ حُکُومَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِینَا صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسلَّم أَوْ فَرِیضَةٍ فِی کِتَابِ اللَّهِ، فَتَقْتَدِی بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِیهَا،...»(1) .

فقد أحال (علیه السلام) مخَاطَبَةُ إلى ذلك التاريخ الماضي کي يستفيد منه فينتفع بالشنين الصالحة لرسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) أو للإمام نفسه (علیه السلام)، أو لغيرهما من الدول العادلة الأخرى المحفوظة سيرها وأعالها في التاريخ.

8- السياق الاجتماعيّ والموروث الشعبيّ: السياق الاجتماعي أداةٌ مُهمیَّةٌ في فهم الخطاب، يتجلى في القيم والأعراف الاجتماعيَّة والعادات والتقاليد، يمكَّن المتكَّم أو صاحب النص من إيصال المعنى الذي يقصده إلى المخاطَبِ والمتلقي

ص: 69


1- شرح نهج البلاغة لمحمد عبدة: 3/ 416 - 17 4

بالاعتماد على قراءتها وذهنها وخيالها وكفاءتها الثقافيَّة والمعرفية، والموروثُ الشعبيّ يثير المعارفَ العامَّة والخاصَّة ويحملُ معانٍي ودلالاتٍ كثيرة، يفتح أبواب الفهم ومعرفة الدلالة أمام الُمخَاطَبِ والمتلقي من أجل الوصول إلى مقاصد المتكلَّم أو صاحب النص(1) . وهما يمثلاَّن مظهراً تداولا وظیفتُهُ بيان المعنى والدلالیَّة بين المتكلم والمُخاطَب. ومنه قول الإمام (علیه السلام): «وأَشْعِرْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیَّةِ،والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ،ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إمَّا أَخٌ

ص: 70


1- يُنظر : النظريَّة الأدبية المعاصرة: رامان سلدن، ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998م: 172 وعلم النَّص: جولیا کرستيفيا، ترجمة: فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، الدار البيضاء - المغرب، 1991م: 36، تداولية الخطاب السردي بين القديم والحديث: 192 - 195

لَكَ فِي الدِّينِ،وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ...فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ،مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ الله مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه؛فَإِنَّکَ فَوْقَهُمْ،ووَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ،والله فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ...»(1) .

ففي قول الإمام (علیه السلام) هذا توظيفٌ للسياق الاجتماعي في خطابه لمالك بن الحارث الأشتر (رحمه الله) يتجلى في نقل حال الرعية والناس وواقعهم الذي يجب على الوالي مراعاته و تفهمه في إعذارهم فيه وتقبله منهم في اظهار العفو لهم واسباغ الصفحِ عليهم، وكذلك يتجلى السياق الاجتماعي في قوله (علیه السلام): "... فإنَّهم صنفان: إمَّا أخٌ لكَ في الدين وإمَّا نظيرٌ لك في الخَلق..."

ص: 71


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 30-31

فزيادٌة على كونه جاء تعليلاً لمراعاة الرعيَّة و الناس وضرورة الإحسان إليهم والرأفة بهم والعطف عليهم وإظهار المودَّة لهم من الوالي أو السلطان او الملك، فيه إشارةٌ إلى ذلك المبدأ العظيم وهو وحدة الأصل والخَلق، ووحدة الدين، الذي يقتضي المساواة بين الناس، وعدم الترفُّع عنهم والتعاليّ والتكبر عليهم؛ لأنهم النسيج الاجتماعيّ البشريّ الإنسانيّ الذي جاء منه، وينتمي إليه كلُّ إنسان. ومما يتَّصل بالموروث الشعبيّ قوله (علیه السلام): «ولا تكون عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم» الذي ذهبَ معناه مذهَبَ الأمثال، إذ فيه إشارةٌ لا كانوا عليه قبل مجيئ الدين الإسلاميّ العظيم، إذ كان كثير منهم يمته الإغارة والسلب والنهب كالسَّبعُ حين يغير على فرائسه، ففي هاتين الجملتين رفضٌ شديدٌ لهذا العمل، وتَهکُّم كبير له، وسخرّيةٌ لاذعة لمن

ص: 72

يقوم بذلك من الولاة والحكَّام. ومن ذلك ايضًا قَولُهُ(علیه السلام): « وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَی الْعَامَّةِ...»(1) .

فهذا القول يذکَّرنا بما تعارف عليه الناس بقولهم (خير الأمور أوسطها) ولكنَّ الإمامَ (علیه السلام) قُيدَ هذا المعنى بلفظ (الحق) فاختيار الأوسط من الأمور ليس على اطلاقه يشمل كلَّ شيء، بل أوسط الأمور في قربها من الحق.

وكذلك يتجلَّى البعد التداولي في خِطابه (علیه السلام) في ربط النَّص بالسياق الاجتماعيّ؛ إذ قسَّمه على وفقِ فِقرات متعددة ثُمَّ خصَّصَ كلَّ فِقرة بطبقةٍ من طبقات المجتمع أو بفِئة من فِئاتِه، وهو ما

ص: 73


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 36

عبَّرَ عنه ب(الرعيّة)، فذكر (علیه السلام) عامَّة الناس ثُمَّ الولاة ثُمَّ حاشية الولاة، ثم أهلَ الذَّمة من الديانات الأخرى، ثُمَّ الجنود ثُمَّ الفقراء أهل الحاجة والمسكنة، ثُمَّ الصالحين وذوي الأحساب، ثم القضاة، ثُمَّ عمال الدولة الموظفين، ثُمَّ المزارعين وأهل الخراج، ث كتاب الولاة، ثُمَ التجَّار وأهل الصناعات، ثم الطبقة السفلى وهم الذين لا حيلة لهم والمحتاجينَ والفقراء والبؤساء وأهل العاهات والمرض المزمن(1) .

9- الرمز: الرموز لها بُعدٌ تداوليّ؛ لذا تستعمل كأدوات ووسائل في النصوص الإبلاغيَّة وفي الخطابات؛ لإيصال المعاني، فتقوم بوظيفة التوصيل والتأثير؛ لأنّ لها دلالاتٍ تداولیَّهً متعارفاً عليها بين المتكلَّم أو صاحب النصَّ وبين

ص: 74


1- ينظر : شرح نهج البلاغة لمحمد عبده: 400/4

المخاطَب أو المتلقي أو القارئ أو المستمع(1) . وفي هذا العهد المقدَّس نكاد لا نجد فيه مثالًا ظاهراً وواضحًا وضوحًا تامًا؛ لأن الهدف الرئيس الذي جاء لأجله، والظروف التي قيل فيها، وحال التخاطب ووظيفته اللذي سيق لهما هذا العهد تقتضي جميعها وتستعي كلها أن یکون الخطاب ولغته مباشرین و ظاهرین و واضحين فيما يحملانه من معاني ودلالات كثيرة ومتنوعة ومختلفة تبتعد عن التميز والتأويل والتورية؛ كي لا تفهم خطأ ولا تفتر باطلا ولا تؤول تأويلا فاسدا؛ فيضيع الهدف من العهد ويفقد الأثر المرجو منه. ولكننا قد نجد فيه دلالة رمزية أو يحتملهان منه، كقول الإمام (علیه السلام): «وَلْيَكُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِى مَعُونَتِهِ ؛

ص: 75


1- ينُظر: تداوليَّة الخطاب السرديّ بين القديم والحديث: 208

وَ أَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ ، بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ ، حَتّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِى جِهَادِ الْعَدُوِّ؛ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْك»(1) . فقد يَدّل على أنُّ الوالي الأمين الذي يخاف الله تعالى لا يكون غنيًا على الرغم من كونه والیًا؛ لأنَّه لا يسرق من بیت المال بدليل أنه (علیه السلام) لم يُشر إليه في ظاهر النص بالصدقة ومساعدة أهل الجنود وأسرهم کي لا يقلق الجندعلى أحوال ذويهم وأهليهم وهم في سوح المعارك يجاهدون الأعداء فيؤثر ذلك عليهم، فإذا اطمأنوا عليهم توحد همهم واقتصر على مقارعة الأعداء، فكون الوالي ليس غنيا يقربه من تحقيق العدالة بين الناس ويكون آثر في مواساتهم وعطف قلوبهم عليه بالإضافة إلى مواساة الموسرين لهم.

ص: 76


1- شرح نهج البلاغة لمحمد عبده: 3/ 406

10-التحفُّظات الخطابيَّة (الأقوال المضمرة): أغلب النصوص الأدبيَّة العالية تتضمن أقوالا مضمرة لها معاني ودلالات متنوعة ومختلفة يقصدها المتكلَّم أو صاحب النص بين ألفاظ النص وتراكيبه على الرغم من عدم ذكر أقوالها، فالأقوال المضمرة هي" كتلة المعلومات التي يمكن للخطاب أن يحتويها، ولكن تحقيقها في الواقع يبقى رهن خصوصيات سياق الحديث"(1) وهذا الإضمار يتطلّب أسلوبًا خطابيًا مشحوذًا و محبوکًا بالبلاغة وتوظيفاتها الناجعة. وهو مظهر تداولي مقيد أيضا بظروف الخطاب ومواقف وأحوال التي تستلزم الإضمار وتستدعيه على وقتی حال المتكم والتخاطب والمتلقي والمستم، فهناك أحوال تجعل الإضمار في الخِطاب ضرورة

ص: 77


1- C.K. oreccioni: L'imlicite,ed. Armand colin, par is 1986: p 39

کي يوصل الرسالة ومقصد المتكلَّم کیا یریدهُ، وهناك أحوال للخطاب تأبى الإضمارَ وتُبِعدُهُ عن ساحة النصَّ والخِطَاب؛ لأنَّ ظروفَها، وحالَ المتكلم والخاطب يقتضيان المباشرة في الكلام والوضوح والبيان في المعاني والدلالات، وهذا الاقتضاء ينافي الإضرار، وهذا الحال ينطبق بشكل تام على نص عهد الإمام (علیه السلام) بل على أركان عملية التخاطب كلها صاحب النص، المخاطب، الص، موقف الخطاب أو ظروفه؛ لذا نكاد لا تجد أمثلة للإضمار في هذا العهد المقدس؛ لأنه بيانٌ الأمور الدولة كلها و تنظیم المؤسَّاتها، وعلاقة رؤسائها بمرؤوسيها من القادِة والموظَّفين والعمِال وعامة الناس، وهذه أحوال متعددة مختلفة تقتضى المباشرة في الخِطاب، وإتمام الذكر، ووضوح الدلالة والبيان، ولكنَّنا قد نجده في جملةٍ أو جملتين كما في قوله (علیه السلام):

ص: 78

وَلْیَکُنْ أَبْعَدَ رَعِیَّتِکَ مِنکَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَکَ أَطْلَبُهُم لِمَعایِبِ النّاسِ، فَإِنَّ فِی النّاسِ عُیُوبا الْوالی أَحَقُّ مَنْ سَتَرَها، فَلا تَکْشِفَنَّ عَمّا غابَ عَنکَ مِنها، فَإِنَّما عَلَیکَ تَطهیرُ ما ظَهَرَلَکَ وَ اللّه ُ یَحْکُمُ عَلی ما غابَ عَنکَ، فَاْستُرِ العَوْرَهَ مَا استَطَعْتَ، یَسْتُرِ اللّه ُ مِنکَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِن رَعِیَّتِکَ»(1) .

فلم يُفصَّل (علیه السلام) الذكرَ في أنواع العيوبِ، ومواطن العورةِ، ومواضع الستر، وما لا يجوز للوالي الكشف عنه، وما يجب عليه ستره، فذكر كل ذلك بصورة عامَّة، وما كان متفرَّعاً

ص: 79


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 17 / 36

عنه مضمٌر معلومٌ في ذهن الُمخاطَبِ والمتلقي والسامعِ، فلا موجِبَ لذكره و لا زيادةَ بیان له، إنَّ اضمارَهُ أفصحُ وأبلغُ من ذكره.

ص: 80

الخاتمة

بعدَ رحلة الَمخرِ هذه في عُبابِ العهدِ المقدّس للإمام علي (علیه السلام) لواليه على مِصرَ مالکِ بنِ الحارثِ الأشتر النَّخَعي؛ بحثًا عن مظاهرِ الخطاب التداولیّ وبلاغتِهِ؛ والتقاطِ دُررو و نفايه في ذلك وما سطره (ح) من بصمات أقواله المقدسة في هذا العلم اللسانيّ، وَسَأوجزُ ما رصدتُهُ من نتائجَ في متن البحثِ وصفحاته، في النقاط الآتية:

1- یُمثَّل هذا العهد المقدّس مصدرًا معرفيَّا عميقًا لا سبرَ أغوارِهِ ونواحيه، يَعجَزُ كلُّ من أرادَ النَّسجَ على منوالِهِ أو الإتيانَ بما يَقرُبُ منه، في الماضي والحاضر والمستقبل.

2- يمكن يُمثَّل مصدرًا تشريعيًّا تُستَمَدِ منه القوانين و المبادئ والأنظمة الوضعيَّة لكلَّ دساتیر

السما

مد منه

ص: 81

الدول ِوالشعوب في العالَم الإسلاميّ والعربيّ والإنسانيّ، وهو صالحٌ لذلك في كلَّ عصرٍ وزمان، في القديمِ والحديث والمستقبل.

3- إنَّهُ يُمثَّل تطبيقًا لكل المبادئ الإسلاميَّة الصحيحة الحلقَّة العادلة في تنظيم علاقة الناسِ بعضهم ببعض في التعامل الإنسانيّ مع الآخر، التي جاء بها القرآن الكريم، والسُّنة النبوية الصحيحة، وما ورد عن أهل البيت (علیه السلام).

4 - إنَّه يُمثَّلُ ثروةً لغوّيهٍ كبيرة تسعُ علومَ اللغةِ كلَّها، وكذلك تسمعُ الدراسات والنظريَّات والمناهج اللغوَّية الحديثة.

5- كان خطابُهُ (علیه السلام) في هذا العهد المقدَّس أنموذجا لغويَّا راقيًا تجلت فيه مظاهر النظريَّة التداولة في أبهى ألفاظها وتراكيبها وصورها.

6- شکَّل خِطابُهُ نَسقًا تداولیًا متوازيًا

ص: 82

ومتساويًا في هذا العهد المقدَّس، في التعبير وإيصال المعنى والدلالة والتأثير.

7-خلقت المظاهر التداولیَّة في خطابه (علیه السلام) إطارًا تواصليَّا مستمرًا بينه وبين مخاطَبِهِ من أوَّل جملةٍ في العهد المقدَّس إلى آخر جملةٍ فيه.

8- المظاهر والمكونات التداولیَّة في الخطاب جعلت مواضيع العهد المقدّس تتمحور حول قضايا رئيسة تدور حولها معاني فرعية في كل فقرة من فقراته.

9- أدَّت وظيفة البؤرة بعدٌا تداولیًا تمثّل في رفدِ المخاطَبِ بمعلوماتٍ كثيرةٍ و أخبار، فخلقت ربطاً تواصليًا بين المتُكلَّم والمخاطَب.

10- تجلى الخطاب التداولي في هذا العهد المقدّس بالأفعال الكلاميَّة المباشرة بنسبةٍ كبيرة جدا كأفعال الأمر، والنهي، والتحذير،

ص: 83

والنفي والتوكيد والنداء؛ لأنَّها أنسبُ من غيره في هذا العهد؛ لانسجامها مع أحوال المتكلَّم والُخاطَب وموضوع الخطاب والغرض منه أو الهدف، وكذلك المقاصد المبتغاة.

11- أركان الخطاب الرئيسة (المتكلَّم، المُخاطَب، الرسالة النَّص)) بشكل واضح ومستمر في كلَّ جملةٍ وفي كلَّ فِقرة وفي كل موضوع، في نسقٍ خطابيٍ واحد من أول العهد المقدس إلى آخره، فلم يختفٍ رکنٌ منها، ولم يتبدل نسقها، وهذا يظهر البعد التداولي للخطاب بشكل واضحٍ جلي؛ يكشف عن أهمية موضوع الخطاب الكبيرة وأمانة المتكلَّم العظمى ومسؤولية المُخاطَب ووظيفته الجسيمتين.

12 - كان للموروث المعرفي والثقافي أثرٌ في

ص: 84

إيصال المعنى ودلالات النَّص من خلال ترصيع الخطاب بالآيات القرآنية وتضمينها، والأحاديث النبوَّية، والأخبار التاريخيَّة مِمَّا يؤدي إلى تعزيز عملية التلقي والفهم والتأويل لدى الُمخاطَب والقارئ والمستمع.

13- تجلَّى المظهر التداولیَّ في خطابِهِ (علیه السلام) في ربط النَّص بالسياق الاجتماعيّ؛ إذ قسَّمه على وفقٍ فقرات متعددة، ثُمَّ ختم كل فقرة بطبقة من طبقات المجتمع أو بفئة من فئاته، وهو ماعر عنه ب(الرّعية)، فذكر (علیه السلام) عامَّة الناس ثُمَ الولاة، ثم حاشية الولاة، ثم أهلَّ الذَّمة من الديانات الأخرى، ثُمَ الجنود ثُمَ الفقراء أهل الحاجة والمسكنة، ثُمَ الصالحين وذوي الأحساب، ثُمَ القضاة، ثم عال الدولة (الموظفين)، ثُمَّ المزارعين وأهل الخراج، ثم كتاب الولاة، ثُمَّ التجَّار وأهل الصناعات، ثُمَّ الطبقة السفلى وهم الذين

ما

ص: 85

لا حيلة لهم والمحتاجيَن والفقراء والبؤساء وأهل العاهات والمرض المزمن.

14- وكذلك تجلَّى البُعد التداوليّ في خطاب هذا العهد المقدَّس في أسلوب المتكلم الخُلقيّ في إظهار المودَّة واللين للمخاطَبّ. وكذلك في الفعل الكلاميّ الإيجابيّ والسلبيّ. وفي المجال الوصفيّ التخييلي في رسم الصور ونقلها إلى المخَاطَب.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على رسولِهِ الكريمِ وآلِهِ الطيَّبين الطاهرين المعصومين. والسلامُ علیکم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.

ص: 86

روافدُ البحث

أولاً: الكتب المطبوعة:

- أَساس البلاغة: محمود بن عمر الزمخشري (ت 538ه)، تحقيق: عبد الرحيم محمود، دار الكتب المصريّة، 1953م.

- استراتيجيات الخطاب، مقاربة لغوية تداولية: عبد الهادي بن ظافر الشهري، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 2004م.

- أسرار البلاغة في علم البيان: عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه)، تحقيق: محمد رشید رضا، منشورات دار المعرفة، بیروت، لبنان .

- الأسلوبيَّة في النقد الأدبيّ الحديث، دراسة في تحليل الخطاب: د. فرحان بدري الحربيّ،

ص: 87

المؤسسة الجامعيَّة للنسر والتوزيع، بیروت، الطبعة الأولى، 1424ه - 2003م.

- الأسلوبية والأسلوب: عبد السلام المسدي، الدار العربية للكتاب، الطبعة الثالثة .

- إشكالية تأصيل الحداثة في الخِطَاب النقدي العربي المعاصر: عبد الغني بارة، مطابع الهيئة المصرية، 2005م .

- بلاغة الخطاب وعلم النص: صلاح فضل، عالم المعرفة، الكويت، 1992م.

- بنية العقل العربي دراسة تحليليّة نقديّة النظم المعرفة في الثقافة العربيّة: محمد عابد الجابري، بيروت، الطبعة السادسة، 2000م .

- البيان والتبيين: أَبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، الطبعة الخامسة، 1980م .

ص: 88

- تحليل الخطاب: ج، براون و ج، سیرل، ترجمة وتعليق: محمد لطفي الزليطي ومنير التريكي، السعودية، جامعة الملك سعود، 1997م .

- تحليل الخطاب الروائي: سعيد يقطين، المركز الثقافي العربيّ، الطبعة الأولى، بيروت، 1989م.

- التداوليَّة: جورج يول، ترجمة: د. قصي العتابي، دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى، 2010م.

- التفاعل النَّصي - التناصية النظرية والمنهج: نهلة فيصل الأحمد، مطبعة مؤسسة اليمامة الصحفية، الرياض، 1423 ه .

- تفسير القرآن: أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزیّ السمعانيّ

ص: 89

التميميّ الحنفيّ ثم الشافعيّ (المتوفي: 489ه)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 ه- 1997م.

- جامع البيان عن تأویل آي القرآن: محمد بن جریر بن یزید بن کثیر بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310ه). تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1922 ه -2001م.

- حفريات المعرفة: ميشال فوكو، ترجمة، سالم يفوت، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 1987م.

- الخطاب العلماني العربي المعاصر تاريخه وبنيته الموضوعية: عبد الأمير زاهد، مجلة

ص: 90

المناهج، العدد(27)، السنة (7)، 2002م .

- الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحيَّة قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر مقدمة نظرية ودراسة تطبيقية: عبد الله محمد الغذَّامىّ، النادي الأدبي الثقافي، المملكة العربية السعودية، 1405 ه - 1980م.

- دلائل الإعجاز في علم المعاني: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق: محمد رشيد رضا، دار المعرفة بیروت، 1978م .

- شرح نهج البلاغة: لابن أبي الحديد، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار احياء الكتب العربية، عیسی البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى، 1378 ه - 1959 م.

- شرح نهج البلاغة: لمحمد عبده، الطبعة الأولى، إيران - قم، توزيع: مؤسسة العطار

ص: 91

الثقافيَّة، العراق - النجف الأشرف، 1431ه - 2010م .

- الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها: أحمد بن فارس(390 ه)، تحقيق: محمد علي بيضون، دار الكتب العالمية، بيروت، الطبعة

الأولى، 1997م.

- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفي: 1393)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة: الرابعة 1407 ه - 1987 م.

- الصناعتين: لأبي هلال العسكري، تحقيق: علي محمد البجاوي و محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1952م.

- علم النَّص: جولیا کرستیفیا، ترجمة: فرید

ص: 92

الزاهي، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، الدار البيضاء - المغرب، 1991م .

- عملية القراءة، مقترب ظاهراتي: فولفغانغ آیز، ضمن کتاب نقد استجابة القارئ، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1999م.

- العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 ه)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، إيران، الطبعة الثانية، 1952 ه- .

- في آفاق الكلام وتكليم النص: عبد الواسع الحميري، دار الزمان للطباعة، دمشق - سوريا، 2009م.

- الكتاب: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (المتوفي: 180 ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون،

ص: 93

مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الثالثة، 1408 ه - 1988 م.

- کشَّاف اصطلاحات الفنون: محمدعلی التهانوي (ت 1158 ه)، دار الكتب العلمية، بیروت، الطبعة الأولى، 1998م: 2/ 5.

- الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538ه)، دار الكتاب العربي - بیروت، الطبعة: الثالثة - 1407 ه.

- الكشَّاف والبيان عن تفسير القرآن: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفي: 727ه)، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1422، ه - 2002م.

- لسان العرب ابن منظور (ت 711ه)

ص: 94

تحقيق: أَمين محمد عبد الوَهّاب و محمد الصادق العبيدي، دار إِحياء التراث العربي، بیروت، الطبعة الثالثة، 1999م.

- لسانیات النص مدخل إلى انسجام الخِطاب: محمد خطابي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1991م .

- المتخيل والتواصل، مفارقات العرب والغرب: محمد نور الدين أفاية، دار المنتخب العربي، الطبعة الأولى، بيروت، 1993م.

- المحكم والمحيط الأعظم: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي [ت: 458 ه] تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 ه - 2000م.

- معجم علوم العربية: محمد التونجي، دار الجليل، بیروت، الطبعة الأولى 2003م .

ص: 95

- معجم مقاییس اللغة: أبو الحسن احمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الدر الإسلامية، 1990م.

- المعجم الوسیط: مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، تركيا الطبعة الثانية، 1989م.

- المقاربة التداولية: فرنسواز آرمینکو، ترجمة: سعید علوش، مركز الإنماء القومي، بيروت.

- منهاج البلغاء وسراج الأدباء: ابو الحسن حازم القرطاجني، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الكتب الشرقية .

- النظريَّة الأدبيَّة المعاصرة:رامان سلدن، ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998م: 172.

- نظرية التلقي: روبرت سي هولب: ترجمة: د. عزّ الدين اسماعيل، النادي الأدبيّ الثقافي،

ص: 96

جدَّة، الطَّبعة الأولى.

- نظرية التأويل: بول ريكور: ترجمة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - المغرب، الطبعة الثانية، 2006م.

- الوظائف التداولیَّة في اللغة العربيَّة: أحمد المتوكل، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 1985م: 8.

ثانياً: الأطاريح الجامعيَّة والرَّسائل:

- تداوليَّة الخطاب السرديّ بين القديم والحديث (أطروحة دكتوراه): دحمون کاهنة، الجزائر، جامعة مولود معمري تيزي وزو، کلية الآداب واللغات، 2014م.

- نظرية التوصيل في النقد الأدبي العربي الحدیث (رسالة ماجستير): سحر کاظم حمزة، كلية التربية، جامعة بابل، 1424ه - 2003م.

ص: 97

ثالثاً: البحوث المنشورة:

- بحث: (التداولية وتحليل الخطاب الأدبيّ): راضية خفيف بكري، مجلة الموقف الأدبي، دمشق، اتحاد الكتّاب العرب، العدد(399) تموز، 2004م .

- بحث: (الاتصال اللسانيّ بين البلاغة والتداوليَّة): سامية بنت يامنة، مجلة دراسات أدبيَّة، مجلة دورية فصلية محكمة تصدر عن مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعليمية، جامعة مستغانم، الجزائر، العدد الأول، ماي 2008م - جمادى الأولى 1929ه.

رابعاً: الكتب الأجنبية

A.J.Greimas etj.courtes: semiotique, Dic tionnaire raisonne,des sciences du lan .gage, ed. Hachette , paris

C.K. oreccioni: L'imlicite,ed. Armand colin, . par is 1986

ص: 98

المحتويات

مقدمة المؤسسة ... 5

مقدمة ...9

المبحث الأول: الخطاب تعریف و مفهوم: ... 15

الخطاب في اللغة : ... 16

الخطاب في الاصطلاح:....18

أركان الخطاب: ...26

التداوليّة : ... 35

امتشاج التداولية والبلاغة والخطاب: ... 38

المبحث الثاني: نماذج من المظاهر التداولة في خطاب الإمام علي (علیه السلام) في عهده لواليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر(علیه السلام) ...43

الخاتمة ... 81

روافد البحث: ...87

ص: 99

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.