الفکر الإداري في عهد مالک بین النظرية و التطبیق

هوية الکتاب

الفكر الإداري في عهد مالك

بين النظرية والتطبيق

سلسلة دراسات في عهد الإمام علی (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی لله عنه)(18)

وحدة الدراسات الادارية

الفكر الإداري في عهد مالك

بين النظرية والتطبيق

تأليف

أ. د. حسين علي الشرهاني

م. م. رزاق فزع الخفاجي

اصدار

موسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4220 لسنة 2017

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علی (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی لله عنه)(18)

وحدة الدراسات الادارية

الفكر الإداري في عهد مالك

بين النظرية والتطبيق

تأليف

أ. د. حسين علي الشرهاني

م. م. رزاق فزع الخفاجي

اصدار

موسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1438ه - 2017م

رمانة العام

المقدا

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني:

www.inahj.org

الإيميل:

Info@ Inahj.org

تنویه:

إن الاْفکار والاراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

«أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»

صدق الله العلي العظيم

سورة هود: الآية 17

ص: 5

ص: 6

الإهداء

إلى كل من في الوجود بعد الله ورسوله....

إلى سندنا وقوتنا وملاذنا....

إليك يا سيدنا ومولانا يا علي بن أبي طالب....

في ليلة استشهادك....

نهدي جهدنا المتواضع....

فتقبله ما بقبول حسن....

الباحثان

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرین.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمناً متلازماً مع صلاحيّة

ص: 9

النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی لله عنه) إلا أنموذج واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة

ص: 10

بحثية علمية والموسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي يتم إصدارها بإذن الله تباعا، حرصا منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة المفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(الفكر الإداري في عهد مالك بين النظرية والتطبيق) تحت سلسلة الدراسات الادارية التي تكشف عن سياسة الإمام علي عليه السلام في إدارة الدولة وقد وقف الباحثان على بعض المبادئ الإدارية في العهد وبيان أثرها في رفع الجانبان الاقتصادي للدولة.

ص: 11

فجزى الله الباحثان خير الجزاء فقد بذلا جهدهما وعلى الله أجرهما، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 12

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وأتم الصلاة والتسليم على اشرف الخلق أجمعين محمداً و آله الطيبين الطاهرين...

يعد عهد الإمام علي عليه السلام لمالك النخعي رضي الله عنه موسوعة متكاملة لجميع قضايا الحكم والإدارة، اشتمل على أعلى درجات التطور الإنساني والتقدم الفكري، واختصر التجربة الإنسانية الايجابية على طول تاريخها، واسمي ما بلغته من رقي وإبداع، ومهما وصلت أنظمة الحكم والإدارة في التاريخ فإنها تبقى عاجزة عن إن تأتي بنظرية إدارية اقتصادية

ص: 13

قانونية إنسانية متكاملة كما جاء في هذا العهد، لذلك مهما حاولت الأقلام إن تكتب فيه فإنها تبقى قاصرة عن الوصول إلى غاياته أو ما جاء فيه من قيم عليا ونظریات عملية وعلمية.

لذلك حاولنا في بحثنا هذا إن نركز على جزئية بسيطة في هذا العهد، فتناولنا منهج الإمام علي عليه السلام في إدارته للدولة، واستخلصنا مجموعة من المبادئ الرئيسة التي تضمنها العهد لتكون مرتكزات لبحثنا، ثم أردفنا ذلك بالممارسات العملية التي طبقها الإمام عندما مارس الحكم، في محاولة لربط النظرية بالتطبيق العملي الذي كان سابقا للنظرية.

وهذا المنهج الذي اتبعناه وان كان لا يرقى إلى مستوى العهد، لكنه يبقى محاولة لفهم بعض جوانبه، لاسيما إن ضيق مساحة البحث دفعنا إلى

ص: 14

انتقاء بعض النقاط وليس كل ما جاء في العهد، فأخذنا مبدأ الرقابة الذاتية ومبدأ الرقابة الشعبية على الموظف والتي ثبتها الإمام عليه السلام في عهده، والممارسات العملية المتعلقة بها، ثم أخذنا المزايا الأخلاقية التي يجب إن يتحلى بها كبار الموظفين، والحفاظ على دماء الرعية.

ثم ناقشنا طبيعة اختيار الكادر الإداري ومواصفاته كما ورد في العهد مع التركيز على طبيعة اختيار الإمام للموظفين (عمال، ولاة، کتاب) کمارسة عملية، وأردفنا ذلك بالأساليب الوقائية التي حددها الإمام في عهده لمالك، حتی لا يسمح للفساد الإداري والمالي بالتسلل إلى مرافق الدولة.

طرح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام للعالم في عهده المالك الأشتر النظرية السياسية

ص: 15

للإسلام، وأسلوب الحكم والإدارة وفق نسق علمي مترابط ومنسجم، فكان هذا العهد أهم وثيقة تاريخية تهدف إلى إرساء قواعد العدل والمساواة، وهو اسمي صك لحقوق الإنسان استله الإمام علي عليه السلام من المنهج القرآني والنبوي.

لا ريب إن العهد امتاز بالشمولية والإحاطة بظواهر الحكم وخفاياه، ذلك لان مؤسس العهد يعتبر منظومة شاملة لكل العلوم والمعارف الكونية والإنسانية(1) ،على هذا فقد اقتبسنا من العهد بعض الفقرات التي تناولت الجوانب الإدارية في الحكم.

نسأل الله السداد..

الباحثان 21/ش. رمضان المبارك /1438ھ

ص: 16


1- جرداق، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، ص 25

المبحث الأول: خصائص الإدارة ومقومات نجاحها

أولاً: مفهوم الإدارة:

الإدارة هي فن قيادة وتوجيه أنشطة جماعة من الناس نحو تحقيق هدف مشترك(1) ،وتعرف أيضا بأنها نشاط أنساني تعاوني لتحقيق أهداف مشتركة في أحسن وجه واقصر وقت وبأقل تكلفه(2) ، ويلاحظ إن التعريفين السابقين جمعا الصفة الإنسانية والصفة الفنية للعمل الإداري، زيادة على إنهما لم يحددا وظيفة بعينها بل كانا

ص: 17


1- عبد الوهاب، مقدمة في الإدارة، ص12
2- المرجع نفسه، ص 12

شموليين وعامين(1) .

ومن التعاريف النموذجية للإدارة العامة هي تنظيم وإدارة الإفراد والموارد لتحقيق الأهداف الحكومية(2) ، وتعرف أيضا أنها فن إدارة الإعمال في مجال شؤون الدولة، كما يمكن تعريف الإدارة بأنها عملية اجتماعية مستمرة تعمل على استغلال الموارد المتاحة امثل استغلال، عن طريق التخطيط والقيادة والرقابة للوصول إلى هدف محدد(3) .

نخلص إلى إن العملية الإدارية لا تتوقف طالما إن حاجات الفرد والجماعة لا تنقطع ولا تقف عند حد معين، كما إن قوام تلك العملية الإدارية المستمرة هو العنصر الإنساني، والموارد

ص: 18


1- المرجع نفسه، ص 12
2- الهواري، الإدارة، ص4
3- حسن الشيخ، ملامح من الفكر الإداري في عند الإمام علي، ص 14

المعنوية المتمثلة بالأفكار والنظريات والأساليب التي ترسم ملامح العملية الإدارية وقدرتها على استخدام الموارد المتاحة وقيادة الناس، ومن قوامها أيضا الموارد المادية الذي تشمل الأموال والأدوات والمعدات والآلات التي يجب توافرها لكي تقوم الإدارة بوظائفها من تخطيط وتنظيم وقيادة ورقابة(1) .

ثانياً: الإدارة والقيادة:

تعرف القيادة بأنها العملية التي يتم من خلالها التأثير على سلوك الأفراد والجماعات وذلك من أجل دفعهم للعمل برغبة واضحة لتحقيق أهداف محددة أن الأساس في القيادة هو العلاقات بين القائد والتابعين، وبدون تابعين

ص: 19


1- شنشل، نظام الحكم والإدارة (عهد الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر)، ص 44

لا يوجد قيادة، وقد يطلق على شخص قائد سواء كان ذلك من متطلبات المنصب أو بالتعيين وعلى الرغم من ذلك فهو ليس بقائد. فيمكن أن نقول قائد كتيبة أو قائد فصيل ولكن ذلك لقب المنصب. أما القيادة کیا نعنيها فهي عملية أي طريقة تفكير وسلوك وليست منصب.

يفكر بعض الناس في القيادة على أنها عملية عاطفية أكثر من الإدارة فكثيراً ما نقول عن القادة أنهم أصحاب «کاریزما» أو «ملهمين» ونادراً ما نسمع عن مدير له کاریزما (أو له حضور) أو مدير مُلهم. فالإدارة مرتبطة بالرشاد، مرتبطة بالعقل أكثر من ارتباطها بالقلب. ولذلك فغالباً مانرى الكثيرين يربطون بين الإدارة والكفاءة والتخطيط، والضوابط والرقابة والتفتيش، بينما القيادة مرتبطة أكثر بمفاهیم مثل التغيير والابتكار والإبداع والرؤية والذكاء الإنساني

ص: 20

وتحمل المخاطر. وربما يكون هذا التقسيم نظرية في الفكر أكثر مما يكون في الواقع العملي.

ففي الواقع العملي من الممكن أن يقوم القادة بأنشطة كثيرة مشابهه لأنشطة الإدارة. ويصور الشكل التالي التداخل بين القيادة والإدارة.

القيادة الإدارة

أن هذا التداخل يتوقف على مستوى القائد/ المدير في الهيكل التنظيمي، كما يتوقف على نمط المدير ونظرته إلى نفسه..

ص: 21

ثالثاً : خصائص القيادة الإدارية الناجحة:

1. يتصف القائد الناجح بأنه جاد في تطبيق

برنامجه في ضوء مقدرته على التبصر في أحوال الأفراد واستخدامه بعض

السلوكيات کالموضوعية والإدراك الذاتي.

2. يتمتع القائد الناجح بمستوى من الذكاء أعلى من مستوى ذكاء أتباعه.

يتمتع القائد بسعة الأفق وامتداد التفكير وسداد الرأي أكثر من أتباعه.

1. يتمتع القائد بطلاقة اللسان وحسن

التعبير.

2. يتمتع القائد بالاتزان العاطفي والنضج العقلي والتحليل المنطقي.

3. يتمتع القائد بقوة الشخصية والطموح

ص: 22

التسلم زمام قيادة الآخرين.

4. الوعي أي معرفة النظريات ومحاولة تطبيقها عملياً وهو جزء من الخبرة الشخصية .

5. الإحساس والتعاطف والرعاية والقدرة على فهم حاجات الأفراد ورغباتهم يؤدي إلى السلوك الصحيح في التعامل وزيادة الإنتاج، فمن يتلقى النفع عليه ألا ينسى ذلك أبدا ومن يمنح الآخرين عليه ألا يتذكر ذلك أبداً.

6. الثقة لأن نقص الثقة يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير كاملة مما يؤدي إلى آثار سيئة بالنسبة للمنشأة.

7. الثقة بالآخرين.

ص: 23

8. على القائد ألا يتدخل لحل المشاكل إلا في اندر لحل المشاكل.

9. يجب على القائد أن يحسن استخدام الوقت وأن يستعمله بكفاءة.

10. يجب أن يتميز القائد بقوة الحدس.

11. يجب أن يمتلك القائد حسين للفكاهة والدعابة.

12. القادة يجب أن يكونوا حاسمين قاطعين بتعقل.

13 . القادة يجب أن يكونوا استنباطيين.

14. القادة يجب أن يكونوا ممن يمكن الاعتماد عليهم.

15. القادة يجب أن يكونوا ذوي عقول

ص: 24

منفتحة(1) .

هذه الصفات جمعت من عدداً من المراجع الحديثة التي تعني في مفاهيم الإدارة والقيادة الإبداعية لتطوير الإفراد والمؤسسات أو ما يسمى بالمصطلح الحديث (نظام الجودة)، ونلاحظ إن الصفات المذكورة أنفاً تنطبق على شخصية الإمام علي (عليه السلام) وصفاته العامة مع زيادة في ذاتيات الإمام علي (عليه السلام)، وهذا يدل على کال ذاته وسمو مقامه في عالم النور والمعنى، فهو القائل:

«علوم الكون كلها في القران، وعلوم القران كلها في السبع المثاني، وعلوم السبع المثاني كلها في البسملة، وعلوم البسملة كلها في الباء،

ص: 25


1- ريتشارد باسكال، وانطوني ج. آثوس، فن الإدارة اليابانية، دار الحمراء، بيروت، ط1، ص 7

وعلوم الباء في النقطة التي تحت الباء، وأنا تلك النقطة»(1) .

ونخلص إلى حقيقة يجب الالتفات إليها هي إن ما طرحة أمير المؤمنين (عليه السلام من أفكار و نظریات، وما طبقه في الواقع من سياسات، هي الأفضل في تحقيق العدالة والتوازن الاجتماعي والاقتصادي، وهي خلاصة ما تنشده البشرية من خلال تطورها العلمي والعملي في أنظمة الحكم والإدارة وعلم الاجتماع، لذلك يجب دراسة الفكر الاقتصادي والاجتماعي والإداري للإمام علي من جميع جوانبه، و طرحه للعالم كأمثولة لحل جميع الأزمات، وخلق المجتمع الأكمل أو ما يسمى بالمصطلح الحديث (مجتمع النخبة).

ص: 26


1- الصدر، منة المنان في الدفاع عن القران، 1/ 54

المبحث الثاني: مضامين عهد مالك الأشتر

أولاً: أهمية العهد

أبطلت حكومة الإمام علي النظرة الشائعة التي تقضي بان مفاهيم الإدارة القديمة تبني على مجموعة من النصائح والإرشادات التي توجه إلى الحكام والإداريين، وإنها تختلف عن الإدارة الحديثة من حيث الموضوعية والتطبيق العلمي، ويمكن أن نرى ذلك بوضوح من خلال التطبيقات العملية في مؤسسات الدولة إبان خلافة الإمام علي (عليه السلام) ومقارنتها مع فقرات العهد الذي دونه الإمام (عليه السلام)

ص: 27

المالك الأشتر(1) .

ولا شك بان الغاية الأساسية عند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هي إقامة دولة الحق المستندة إلى الحكم الإلهي ونشر العدل والمساواة، وقد طبق المفاهيم التي طرحها على ارض الواقع ولم يكن كلامه مجرد تنظير لا مصداق له، لذلك كان عهده المالك الأشتر منهجاً متكاملاً في السياسة والحكم والإدارة، وليس هذا الحديث من باب التحيز للمنهج العلوي ولا من قبيل المبالغة، وإنما كلام مبني على أساس البحث والدراسة. حيث توافرت في ذلك المنهج عناصر جعلته يفوق غيره من المناهج الأخرة، ومن تلك العناصر:

ص: 28


1- شنشل، نظام الحكم والإدارة (عهد الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر)، ص 45

العنصر الأول: إن ما قدمه هذا المنهج ليس انتاج اجتهاد بشري وفرضيات وضعها إنسان فهي قابلة للصحة أو الخطأ، وإنما هي حدود و تعلیمات وتشريعات صدرت عن الباري عز وجل(1) .

العنصر الثاني: إن ما قدمه لنا هذا المنهج هو نظام تم تطبيقه على ارض الواقع، وأثبت نجاعته ونجاحه، فقاد الدولة الإسلامية إلى بناء حضارة امتدت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب(2) ، فلا زالت الإنسانية إلى يومنا هذا تفتخر بما قدمه الإمام لها من مبادئ وقيم.

العنصر الثالث: ملائمته كل زمان ومكان (مرونة المنهج العلوي)(3) .

ص: 29


1- المرجع نفسه، ص 45
2- المرجع نفسه، ص 45
3- المرجع نفسه، ص 45

العنصر الرابع: إن الإدارة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) لیست فعلاً میکانیکیاً بل هي مجموعة صفات وخصال تمتزج فيما بينها للحصول على المدير الجيد والإدارة الجيدة، وهذه الصفات هي التنظيم، فلا إدارة بدون تنظیم و نظام، فإذا حلَّ نقص التنظيم حلت محله الفوضى(1) .

العنصر الخامس: الإنسانية وكالها وتكاملها هدف اسمي في منهج الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بمعنى إن الذي يتحرك ويفعل الإدارة هو الإنسان ولیس الآلة، فكان لابد من معرفة الإنسان والتعرف على نقاط قوته ونقاط ضعفه، فالإدارة الجيدة هي التي تحاول أن تستثمر نقاط القوة في أعضائها وتعالج نقاط

ص: 30


1- المرجع نفسه، ص 45

الضعف فيهم(1) .

العنصر السادس: الحالة الاجتماعية في منهج أمير المؤمنين (عليه السلام)، أي أن الإدارة تشكل بمجموعها مجتمعاً منظماً تنشأ فيه العلاقات الإنسانية وتنمو فيه الروح الجماعية. وعندما تتحرك هذه الإدارة كأنها المجتمع بأسره قد تحرك وهذه النظرة تخالف أولئك الذين ينظرون إلى الإدارة وكأنها متكونة مِن أجزاء بشرية متناثرة لا يربطها رابط سوى القوانين الصارمة، كما هي البيروقراطية(2) وغيرها من نظريات الإدارة العلمية(3) .

ص: 31


1- المرجع نفسه، ص 45
2- البيروقراطية: وتعني باللغات الأوربية (مکتب) (أي تنظيم وإدارة الدولة ومؤسساتها عن طريق المكاتب). ينظر: كشك، أسس الإدارة العلمية، ص38
3- حسن الشيخ، ملامح من الفكر الإداري في عند الإمام علي، ص 15

العنصر السابع: الهدفية في المنهج الإداري العلوي، فلابد أن يكون للإدارة هدف وأن يكون هذا الهدف منسجماً مع أهداف الإنسان في الحياة، وبالتالي يجب أن تكون هذه الأهداف منصبة في بناء الإدارة القوية، وهنا نجد أنفسنا أمام دائرة متكاملة شاملة وهي المعبرة عن الفضائل الإنسانية والساعية أيضاً إلى تحقيقها في الحياة(1) .

ثانياً: مصادر العهد:

في السنة الثامنة والثلاثين للهجرة/ 658 م، بعث خليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مالك بن الحارث النخعي الأشتر رضوان الله تعالى والياً على مصر وزوده بالعهد

ص: 32


1- شنشل، نظام الحكم والإدارة، ص 46

الذي عرف بعهد مالك(1) والذي اشتمل على قواعد نظام الإدارة الإسلامية وحقوق الراعي والرعية في المنهج الإسلامي، لذا جاء بحثنا اليعني بهذه الوثيقة الدستورية الراقية في محاولة الاستخلاص القواعد الأساسية للنظام الإداري في المنهج العلوي الإسلامي، ولإثبات أسبقية ذلك النظام الإداري الإسلامي في وضع الأسس الإدارية وتوزيع المسؤوليات بالاعتماد على البناء الوظيفي للهيكل الإداري والتوزيع الأفقي للطبقات الإدارية والاجتماعية بدلا من التوزيع العمودي، الذي أتت به النظريات الإدارية الحديثة والممارسات الإدارية القديمة بما في ذلك الممارسات التاريخية، وتتجه النظريات الحديثة اليوم إلى إلغائه والاعتماد على التوزيع الأفقي

ص: 33


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 74؛ الطبري، تاریخ، 95/5

بكونه بديلا أكثر فعالية منه.

وبالنظر لقدم عمر ((عهد الأشتر)) الذي يشكل موضوع البحث لابد من التعرض لأهم المصادر التاريخية التي أوردته للوقوف على حقيقة نسبته إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): ((فقد روى هذا العهد أو أشار إليه ثلة من العلماء والمحدثين والمؤرخين، منهم:

1. ورد نص العهد کاملا في نهج البلاغة مجموع ما أختاره السيد الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام))، تحقيق: جعفر الحسيني، ط1، دار الثقلين، (قم، 1919ھ / 1998 م) وهو السفر الجامع لأغلب خطب وأقوال و مکاتبات الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) (قسم الكتب:

ص: 34

الكتاب رقم 35) للشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسی (ت: 406 ھ

1015م).

2. الشيخ النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ألأسدي (ت: 50ھ

/ 1058م): في كتابه رجال النجاشي، تحقيق: موسى الشبيري، طه، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1416ه/ 6199م)، ص7.

3. في دستور معالم الحِكم ومأثور مکارم الشيم (من کلام أمير المؤمنين عليّ کرّم الله وجهه)، للمؤلف: القاضي أبو عبد الله محمّد بن سلامة القُضاعي (ت 454ھ)، ط1، الناشر: منشورات مكتبة المفيد، (قم المقدّسة، عن نسخة مطبعة السعادة بجوار

ص: 35

محافظة مصر سنة 1332 ھ 1916 م)، (صفحة: 149) شواهد هذا العهد.

4. الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي (ت 460 ھ / 1097م): في كتابه الفهرست، تحقيق: جواد القيومي، ط1، مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر مؤسسة الفقاهة (قم، 1417ه/ 1999 م)، في ترجمته للاصبغ بن نباته، حيث قال عنه الشيخ الطوسي: ((كان الأصبغ بن نباته من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعمَّر بعده، روی عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين لَّما ولَّاه مصر)، ص 80.

5. ورواه النويري، شهاب الدین احمد بن عبد الوهاب (733ھ / 1332 م)، في

ص: 36

نهاية الأرب في فنون الأدب، مطابع کوستا توماس وشركاه، (القاهرة، د.ت)،

(الجزء السادس: صفحة 19).

6. وذكره ابن شعبة الحراني، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين، (من أعلام القرن الرابع الهجري)، صاحب کتاب تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليهم، قدم له وعلق عليه محمد الحسين الاعلمي، ط1 ، منشورات آفرند، (قم)

1427 ھ / 2007م)، في الصفحة:126.

7. وورد العهد في بحار الأنوار لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ط 2، مؤسسة الوفاء،

بیروت، 1403ھ/ 1983م)، (الجزء الثامن صفحة: 609، والجزء 77 صفحة: 260) للمجلسی، محمد باقر بن محمد تقي

ص: 37

بن مقصود علي الأصفهاني (ت: 1111ھ / 1999م).

8. وأورده الكاشاني، علم الهدی محمد بن المحسن بن المرتضى الكاشاني (ت/ 1115 ھ 1703م) في كتابه معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة، تعليق الشيخ علي الأحمدي، مؤسسة النشر الإسلامي (قم / د.ت)، (الجزء الأول ص 19).

9. وأورده خاتمة المحدثين الميرزا حسين النوري الطبرسي (ت: 1320 ھ

1902/0 م) في كتابه مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، ط1، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، (د. م، د.ت)، (الجزء الثالث، صفحة: 195)، وذكره أيضاً في خاتمة المستدرك (صفحة:218)

ص: 38

ثالثاً: مضامين العهد العامة:

لقد تضمن العهد حوالي أربعين فقرة تناولت عدة عناوین، منها:

أصول الفكر والسلوك للحاکم: الشريعة، نصرة الله، اتهام النفس، الاهتمام بنظرة الناس إلى الحاكم، لزوم حب الحاكم لمواطنيه والشعور بأنه محكوم لمن هو أعلى منه، الأصل هو العفو والعقوبة استثناء، والأصل اللين والعنف استثناء، كيف يُحَصَّن الحاكم نفسه من الغرور والظلم، القرارات يجب أن ترضي الجميع لا الخاصة فقط، موقف الحاكم من تقارير المخابرات، المتملقين والنامين، صفات المستشارين للحاکم، صفات الوزراء، وتفضيل استیزار الوجوه الجديدة، صفات الوزراء المفضلين، محاسبة الوزراء، فوائد إعطاء الحرية للمواطنين وحسن الظن بهم،

ص: 39

احترام العادات الاجتماعية وتحسينها، المشاورون الكبار في القضايا الإستراتيجية، تكوَّن كل مجتمع في العالم من فئات وطبقات، سیاسة الحاكم مع القوات المسلحة، سياسة الحاكم مع قادة الجيش، سياسة الوزراء والولاة في القضايا المشتبهة، سياسة الحاكم مع القوة القضائية، سياسة الحاكم مع الولاة وكبار الموظفين، جهاز المخابرات الخاص برئيس الدولة، السياسة المالية والضرائبية، ديوان الحاكم أو الجهاز الخاص به، سياسة الدولة مع التجار والكسبة، سياسة الحاكم مع الطبقة الفقيرة، سياسة الحاكم مع مراجعيه، برنامج يومي للحاکم، لقاءات الحاكم المباشرة مع الناس وحذف البطانة، سياسة الحاكم مع أقاربه وحاشيته، سياسة السلم والحذر مع العدو والالتزام الكامل بالاتفاقيات، تحذير الحاكم بشدة من سفك الدماء، الخطوط العامة لسياسة

ص: 40

الحاكم مع المواطنين، التثبت والاعتدال في اتخاذ القرارات، كيف يكون الحاكم حاكماً على نفسه ومسيطراً على غضبه، دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) له بالتوفيق في تحقيق أهداف الحكم

رابعاً: شروح العهد:

ومن أبرز المؤلفات التي تناولت العهد نصاً وشرحاً:

1. أحمد بن حافظ عقيل الكرماني الممتخلص بالأديب، المتوفي سنة 1329 ھ، دستور حکمت دستور حکومت: ترجمة عهد مالك اشتر، فارسي.

2. توفيق الفكیكي، الراعي والرعيه، مطبعة اسعد، منشورات دار المعارف،

بغداد، 1992 م) شرح فقرة ((كلكم راع و کلکم مسؤول عن رعيته)) من عهد

ص: 41

الإمام علي عليه السلام إلى مالك

الأشتر حين ولآه مصر،. 3. جهانگیر خان الحسيني المندي المعروف

بناظم الملك الضيائي، المتوفي ستة 1352 ها، یاستنامه: ترجمة وشرح عهد مالك الأشتر بالنظم، نظمها سنة 1327 ه

(فارسی). 4. أبو الحسن الشريف العاملي الفتوني،

المتوفي سنة 1138 ه، نصایح الملوك وآداب

السلوك، (فارسی)، | 5. رفیع الدین الطباطبائي التبريزي المعروف

باسم نظام العلماء المتوفي سنة 1329 ه

آداب الملوك. 6. عبد الحسين فضل الله، نظرية الحكم والإدارة

في عهد الإمام علي للأشتر، بیروت، دار

ص: 42

التعارف.

7. عبد الواحد بن أحمد آل مظفر المولود سنة

1310 ھ، السياسة العلوية في شرح عهد مالك الأشتر، لم اعثر على الكتاب رغم إن المؤلف توفي في سنة 1975م، وقد أورده آغا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة إلى

تصانيف الشيعة، ج 17، ص98.

8. علي أكبر بن سلطان العلماء السيد محمد النقوي اللكهنوي، المتوفي سنة 1324 ھ ریاست: ترجمة عهد مالك الأشتر، (فارسي)

9. علي الأنصاري عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر: دار سروش للطباعة والنشر - طهران، الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية، الأولى - سنة 1403ھ/ 1983 م.

ص: 43

10. علي بن میرزا أحمد، من أعلام القرن الثالث عشر، بيعة الاناخم: ترجمه و شرح عهد مالك اشتر، تاريخ التأليف 1235 ھ (فارسي)

11. ماجد بن محمد حسين البحراني، من أعلام القرن الحادي عشر، تحفه سليمانية:

ترجمه و شرح عهد مالك اشتر،(فارسي).

12. المجلسي، وله تصانیف عديدة منها: سلوك الولاة، سلوك ولاة العدل، آداب الولاة، رسالة في سلوك الولاة، ترجمه أحاديث في سلوك الولاة، ترجمه عهد مالك اشتر، هذه كلها عناوین شرحت فقرات عهد مالك الأشتر، (فارسي).

13. مجهول المؤلف، شرح عهد مالك اشتر،نسخته موجودة في مكتبة السيد

ص: 44

الگلپایگاني العامة في قم المقدسة غير كاملة، (فارسي).

14. محمد باقر الناصري، مع الإمام علي في عهده المالك الأشتر، ط 2، دار التعارف للمطبوعات، (بیروت، 1980م).

15. محمد حسن بن السيد علي الموسوي القزويني النجفي، المتوفي سنة 1358 ھ قانون الولاة في سياسته الرعاة، وهو الجزء الثاني من كتاب (تاريخ مصر قدی).

16. محمد حسين بن علي نقي الهمداني، دايات الحسام في عجائب الهدايات للحكام،، تصحیح و تحقیق علي رضا هزار، (فارسي).

17. محمد بن سليمان التنكابني مؤلف

ص: 45

کتاب قصص العلماء، شرح عهد مالك الأشتر.

18. محمد صالح الروغني شرح عهد مالك اشتر، تاریخ تأليفه سنة 1094 ھ

(فارسي).

19. محمد کاظم مهدي المدرس والخادم في الحرم الرضوي، من علماء القرن الحادي عشر، شرح عهد مالك اشتر،(فارسي).

20. محمد عبده المتوفي سنة 1320 ه، مقتبس السياسة وسياق الرياسة.

21. محمد بن المولى إسمعيل الكجوري الطهراني، المتوفي سنة 1353 ھ، أساس السياسة في تأسيس الرياسة.

22. مهدي بن محمد السويج المتوفي سنة

ص: 46

1423 ھ، القانون الأكبر في شرح عهد الإمام للأشتر، مخطوط في مكتبة نور

الرقمية على صفحات الانترنيت.

23. نوري حاتم، النظام السياسي في عهد الإمام لمالك الأشتر، بیروت، مؤسسة

المرتضي العالمية.

24. هبة الدين الشهرستاني مؤلف كتاب ما هو نهج البلاغة، عهد الأشتر.

25. وقار الشيرازي المتوفي سنة 1298 ھ رموز الأمارة: شرح و ترجمه عهد مالك اشتر بالنظم، (فارس)(1)

کما صدرت كتب أخرى تحدثت عن العهد

ص: 47


1- أخذت هذه المعلومات من : إسماعيل محمدي، شناسي عهد نامة إمام علي به مالک اشتر، کتاب فارسی موجود على صفحات الانترنيت

لا يسع المقام لذكرها، فنتعذر لمؤلفيها لعدم التعرض لها.

خامساً: أهداف العهد العامة:

لخَّص الإمام (عليه السلام) المهمات السياسية والإدارية لمالك في عهد التولية بالمرتكزات الأربعة الآتية: جباية الخراج، وجهاد العدو، واستصلاح الناس، وعارة البلاد(1) .

جباية الخراج: وإنا بدأ بجباية الخراج لأنه مصدر التمويل الرئيس وعاد اقتصاد الدولة وإدامة أجهزتها. وثني بالدفاع عن الأرض وجهاد العدو، ثم أتم ذلك باستصلاح الناس، وأراد بذلك إدارة شؤونهم ورعاية مصالحهم وتحقيق العدالة بينهم، وختم مهامه بعمارة البلاد وتنمية

ص: 48


1- الشامي، البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع، ص 161

الاقتصاد و توفير أسباب الطمأنينة للقوى المنتجة . وقبل تفصيل الحديث عن هذه المحاور الأربعة حرر الإمام (عليه السلام) فقرة أوجز فيها الإشارة إلى فئات المجتمع الذي وجه إليه مالکا، وساهم طبقات(1) وفيها: جنود الله العسكريون) ومنها كتاب العامة والخاصة (من يقوم بشبه مهام الوزراء) ومنها قضاة العدل، ومنها عال الإنصاف والرفق (الإداريون والجباة) ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس (المزارعون ومربو الماشية والأنعام)، ومنها التجار، وأهل الصناعات (الحرفيون) ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكنة

(فقراء المدن والريف).

ص: 49


1- المرجع نفسه، ص 162

جهاد العدو: حين شرع الإمام (عليه السلام) بتفصيل الحديث عن حقوق فئات المجتمع وواجباتها بدأ بالحديث عن الجنود الممثلين لتشكيلات الحرس النظامي والمقاتلين من المجاهدين المندوبين للدفاع أو الفتح. فامتدحهم بأنهم حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلّآ بهم(1) ولا بد من تموينهم با لدى الدولة من موارد مالية تتمثل في عائدات الخراج والجزية، وتوفير مستلزماتهم حتى يمكنهم الدفاع عن عهدتهم، فضلا عن احتياجهم إلى طبقات المجتمع من إداريين وتجار وحرفيين يوفرون لهم مستلزماتهم وسلعهم وعددهم مما لا يقوم به غيرهم، ورسم ذلك بان يختار لقيادتهم والإمرة عليهم أقومهم سيرة وأكثرهم تحريا للعدل والإنصاف، وحدد

ص: 50


1- المرجع نفسه، ص 192

لذلك شرائط و ضوابط لخصها بالقول، ((فولِ من جنودك انصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأطهرهم جيبا وأفضلهم حلها، ممن يبطيء عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويراف بالضعفاء، وينبو على الأقوياء))(1) .

وفي هذا النص حذر الإمام (عليه السلام) من خطرين:

الأول: خطر الفساد، الذي شهد ما شهد منه في زمانه، قبل توليه الأمر، وانتهى بثورة أدت إلى مصرع عثمان بن عفان.

والثاني: خطر الاستبداد الذي يعطل أحكام الشريعة، فجعل الحلم والأناة والرأفة بالضعفاء والحزم مع الأقوياء المتنفذين شرطا في من يتولى

ص: 51


1- المرجع نفسه، ص193

المسؤولية ومیزانا لاختياره(1)

استصلاح أهلها: الاستصلاح الوارد في العهد يعني الإصلاح الاجتماعي والاهتمام بشؤون الأمة والمحافظة على تماسك المجتمع، وضرورة توعية المواطنين بمبادئ الحق والعدل، وحثهم على العمل البناء، ومشاريع الخير والبر والإحسان، وتنمية مواهبهم، وصقل قدراتهم، وتحرير طاقات الأفراد، و خلق التوازن الاجتماعي، وإشاعة ثقافة الوحدة والإخاء، والتعاون والتكافل، وترسيخ مفاهيم المحبة والتسامح والإيثار، وتحقيق الانسجام بين المكونات الاجتماعية.(2)

وعمارة بلادها: إن أعمار البلاد والتنمية

ص: 52


1- المرجع نفسه، ص 143
2- المرجع نفسه، ص 144

الاقتصادية في منهج الإمام علي بن أبي طالب لا يتوقف عند حدود توفير الخدمات، وتحقيق الرفاهية الاقتصادية، بل هو برنامج متكامل من حيث التخطيط والعمل لكي يحكم كل مناحي الحياة، وذلك من خلال فتح أفاق تنموية رحبة في مجالات التعليم، والصحة، والثقافة، والأدب، والتكنولوجيا، بهدف توجيه الأمة بكل قطاعاتها إلى الاستثمار بالشكل الذي يخدم حياة الإنسان الفردية والاجتماعية، ومراعاة الصالح العام في الحاضر والمستقبل(1)

كانت هذه الأركان الأربعة المهمة التي تقوم عليها الدولة المثال، وتبنى عليها مؤسسات المجتمع المدني، لأنها تغطي بشكل عام الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وأفاق

ص: 53


1- المرجع نفسه، ص 145

التنمية والأعمار، إذا ما تفاعلت بصورة وثيقة وصحيحة فيما بينها، إذ إن العلاقة بين تلك الجوانب تحتاج إلى قيادة إدارية واعية تمتلك القدرة على التخطيط والموازنة، بحيث لا يطغی جانب على أخر، كأن يطغى الاهتمام بالسياسة على الجوانب الأخرى، أو يكون الاقتصاد أهم من التنمية، وذلك تلافيا لتدهور النظام، وبالتالي فشل وانهيار الحكومة.

بيد إن هذا البرنامج الكامل لم يجد له مجالاً للتطبيق العمليّ في مصر نتيجة عمليّة الاغتيال الّتي جرت لمالك الأشتر، ولكنها طبقت في حكومة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد جسدها باعتباره رئيساً للدولة الإسلامية والنموذج الأعلى للإسلام، ورائداً عظيما من رواد الحضارة الإنسانية.

ص: 54

المبحث الثالث: عهد الأشتر بين النظرية والتطبيق

أولاً: السياسة الإدارية في حكومة الإمام علي (عليه السلام)

عندما تولى الإمام علي (عليه السلام) الخلافة كانت الدولة الإسلامية تعيش ظروف غير طبيعية، لكنه كان على قدر المسؤولية ولم تهمه هذه الظروف بل إصر على إصلاح كل مرافق الدولة، فترك لنا أرثا عظیماً سواء على مستوى النظرية أو التطبيق الفعلي، وأول ما بدأ به هو انه طرح برنامجاً إصلاحیا متكاملاً في الخطبة التي ألقاها في يوم توليه للخلافة، قال فيها:

«أما بعد فإنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر، فعمل بطريقة ثم جعلها شوری

ص: 55

بين ستة فأفضى الأمر إلى عثمان، فعمل ما أنكرتم وعرفتم ثم حصر وقتل، ثم جئتموني طائعين فطلبتم إلي، وإنما أنا رجل منکم، لي مالكم وعلي ما عليكم، وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر، وأني حاملكم على نهج نبيكم صلی الله عليه وآله وسلم، ومنفذ فيكم ما أمرت به، إن استقمتم لي، والله المستعان، ألا إن موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته کموضعي منه أيام حياته، فأمضوا لما تأمرون به، وقفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتی نبینه لكم، فإن لنا عن كل أمر تنكرونه عذرا، ألا وان الله عالم من فوق سمائه وعرشه، إني کنت کارها للولاية على أمة محمد، حتى أجتمع رأيكم على ذلك، لأني سمعت رسول الله صلى

ص: 56

الله عليه وآله وسلم يقول: أيما وال ولي الأمر من بعدي أقيم على حد الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله، وان كان جائرا أنتفض به الصراط حتى تتزایل مفاصله، ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما يتقيها به أنفه وحر وجهه، ولكني لما اجتمع رأيكم لم يسعني تركك»(1)

ثم أنه (عليه السلام) ألتفت يميناً وشمالاً، فقال:

«إلا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا، فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة الحسان، فصار ذلك عليهم نارا وشنارا، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأمرتهم

ص: 57


1- الشرهاني، التغيير في السياسية المالية، ص 122

إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون، ويقولون حرمنا ابن أبي طالب من حقوقنا، إلا وایها رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يرى الفضل له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النير غدا عند الله، وثوابه وأجره على الله، وایما رجل استجاب لله وللرسول فصدق ملتنا، ودخل دیننا واستقبل قبلتنا، فقد أستوجب حقوق الإسلام وحدوده، فانتم عباد الله، والمال مال الله يقسم بینکم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء، وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاء، وما عند الله خير للأبرار»(1)

لقد لخّص الإمام علي بن أبي طالب (عليه

ص: 58


1- المرجع نفسه، ص 122

السلام) في هذه الخطبة الكثير من الأشياء، وأوضح للمسلمين انه عازم على تغيير أوضاع الدولة الإسلامية وإرجاعها إلى ما كانت عليه عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، فبدأ بخطوات على الصعيد العملي؛ فألغى نظام التفاوت الطبقي بين المسلمين الذي سنه عمر بن الخطاب، وغير الكادر الإداري الفاسد بموظفين على درجة كبيرة من النزاهة والكفاءة والأمانة مع إخضاعهم للتجربة وعدم السماح لهم باستغلال وظائفهم والتجاوز على الأموال أو الرعية، وذلك عبر تأسيسه لنظام رقابي شامل يشرف عليهم، كما أصلح نظام الضرائب ونظام جبايتها، ورفع الحيف عن الرعايا وراعي أهل الذمة من غير المسلمين وضمن حقوقهم(1) .

ص: 59


1- المرجع نفسه، ص 122

ثانياً: النظام الإداري للحكومة والولاية

لقد كان ابن أبي الحديد في منتهى الدقة والإنصاف حين وصف هذا (العهد) بأنه: ((نسيج وحده، ومنه تعلّم الناس الآداب والقضايا والأحكام والسياسة... وحقيق مثله أن يُقتني في خزائن الملوك))(1)

يصطلح النظام الإداري الإسلامي على الأفراد المنتمين لذلك النظام بتسمية هي (الرعية)، وقد جاء في وصية الإمام علي للأشتر:

«.. وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظيرٌ لك في الخلقِ يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ

ص: 60


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 73

فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى إن يعطيك الله من عفوه و صفحه فانك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم»(1) .

وان المسؤول الأول عن إدارة شؤون و مصالح الرعية هو الخليفة (الراعي)، الذي بدورة باختيار الطاقم الإداري وإسناد المهام الإدارية إليهم، والغرض من هذا الإسناد هو الإعانة لعدم إمكانية الفرد بطاقته البشرية المحدودة على القيام بذلك بمفرده، لذلك كان يستعين بالولاة لإدارة الأمصار البعيدة عن مركز الخلافة، ويأمرهم باتخاذ النمط الإداري المعمول به في حكومة المركز، فقد جاء في عهده (عليه السلام) للأشتر حين ولاه على مصر:

ص: 61


1- المصدر نفسه، 6/ 74

(... ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدلي وجور وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما کنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما کنت تقول فيهم وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسنِ عبادهِ»(1)

يعتمد النظام الإداري الإسلامي في توزيعه للعمل على تقسيم المجتمع (الرعية) إلى ثان طبقات وظيفية في خط أفقي تكون الإدارة العليا للمؤسسة طبقة واحدة من تلك الطبقات أي أنها تتربع فوق هرم النظام الإداري، ويلغي هذا التوزيع إلغاء کاملا للتوزيع العمودي لما يترتب عليه من تفاضل وتمايز بين الأفراد في غير مواد التفاضل، كما هو الحال في التنظيمات الإدارية

ص: 62


1- المصدر نفسه، 6/ 74

الحديثة، إذ ليس في هذا النظام ما يمثل الهرم في التوزيع، وإنما تمثل جزء منها وهي حالة فريدة لن تتكرر في أي نظام إداري بما في ذلك الأنظمة الحديثة التي تدعو اعتماد الهيكلية الأفقية بدلا من العمودية(1) ، وقد جاء في عهد الإمام (عليه السلام) للأشتر ما يؤكد ذلك بقوله:

«... واعلم إن الرعية طبقات ولا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنی يبعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عال الإنصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار وأهل الصناعات و منها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة و كل قد سمى الله له سهمه ووضع على حده فريضة

ص: 63


1- شنشل، نظام الحكم، ص 50؛ ابو جناح، قراءة في عهد التولية، ص 6

في كتابة اوسنة نبيه) صلى الله عليه وآله(عهدا منه عندنا محفوظاً»(1)

وقد كان الإمام (عليه السلام) حريصاً على تبيان كل توجيهاته لموظفيه حتى يعرفوا حدود مسؤولياتهم تجاه الرعية ويتجنبوا الإهمال والتقصير، وسنحاول إن نوجز ما جاء في ميثاق عهد الدولة وفقاً للمبادئ الآتية:

أولاً: الرقابة الذاتية على النفس

إن النظام الإداري الإسلامي متداخل مع النظام الاجتماعي الإسلامي لدرجة يبدو معها النظام اجتماعيا لا إداريا ولعل هذا السبب هو ما حال دون اعتماد الباحثين في المجال الإداري لهذا النص لاستخلاص النظام الإداري الإسلامي، وفي مقابل ذلك، فان الأنظمة الإدارية الأخرى

ص: 64


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 75

لم تكن تعر أي عناية تذكر للبعد الاجتماعي في النظام الإداري حتى العقد الثالث من القرن الماضي، إذ بدا المفكرون الإداريون يربطون الإدارة بالبعد الاجتماعي الذي تطور في ما بعد، ولا يزال قيد التطور في محاولة لمعالجة ما خلفته نظريات الإدارة البحتة -غير المعتمدة على البعد الاجتماعي - من نظرات و قصور.(1)

اوضح الإمام (عليه السلام) إن الموظف الذي تخوله السلطة وتمنحه مجموعة من الصلاحيات يجب إن لا ينتظر الرقابة منها، بل يجب إن يكون لديه وازع داخلي يمنعه من الإخلال بعمله «املك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك»(2) ، لان هذه الرقابة تمنعه من التجاوز على الرعية إذا تحققت

ص: 65


1- شمس الدين، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ص 68؛ شنشل، نظام الحكم، ص50
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 5/ 75

شروطها ومنها: إنصاف الله والناس من نفسه وخاصة أهله والمقربين من أعوانه، فيؤدي ذلك إلى ترويض النفس وإجبارها على كسر الشهوات(1) ، ينطلق الإمام علي (عليه السلام) من القاعدة الإلهية التي نصت عليها الآية الكريمة:

«قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا، وقد خاب من وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا»(2)

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) الإنسان الكامل في تزكية النفس وترويضها فهو القائل :

وأيم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله الأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، وتقنع بالملح مأدوما»(3) .

ص: 66


1- سورة الشمس، الآيات (9- 10)
2- المجلسي، بحار الأنوار، 22/ 120
3- المصدر نفسه، 22/ 120

وقوله (عليه السلام):

«وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق»(1) .

فاللبنة الأولى التي وضعها أمير المؤمنين (عليه السلام) هنا في منهجه بناء الذات الإنسانية وصيرورتها صالحةً في حركتها البشرية حياتيا في معاملاتها مع الناس أو ربها سبحانه وتعالى، وهي رياضة النفس البشرية نظريا وعمليا بمعنی تمرینها وتدريبها وبصورة مستمرة عملياعلى التقوى النفسية والسلوكية في تعاطيها الحياتي الخاص والعام، وتعطي عملية ترويض النفس قيمة إنسانية وإدارية لإقبال الدولة وقيامها عنده ويحددها بثلاث هي:

ص: 67


1- المصدر نفسه، 22/ 120

أولاً: العدل: فقال عليه السلام «ما حُصَّن الدولُ بمثل العدل»(1) ، حيث يكون العدل، قيمة سياسية أولى، بمثابة سور يحمي الدولة من السقوط أمام العدوان الخارجي.

ثانياً: (الِحذقُ) المهارة:(وبُعد النظر، والقدرة على دقة التصرف في الأمور، حيث قال: «أماراتُ الدول إنشاء الحِيَل»(2)

ثالثاً: اليقظة والانتباه حيث يقول (عليه السلام): «من دلائل الدولة قلة الغفلة»(3) ، وقوله (عليه السلام): «من أمارات الدولة التيقظ لحراسة الأمور»(4)

ص: 68


1- المصدر نفسه، 22/ 125
2- المصدر نفسه، 22/ 120
3- المصدر نفسه، 120/22
4- المصدر نفسه، 22 / 120

ويحذر منذ البداية من الإنسان الذي تسيطر عليه نفسه الإمارة بالسوء من إن يتصدى لنشوء وتأسيس الدولة وإدارتها، فقال:

«احذر الشرير عند إقبال الدولة إلا يُزيلها عنك، وعند إدبارهالِئلا يُعِين عليك»(1)

إن مبدأ الرقابة الذاتية على النفس تقدم للمسؤول أو الحاكم نموذج من أسلوب السلطة العليا في الإسلام، وتوضح تكليف إمام المسلمين، وما يجب على من يكون إمام المسلمين وخليفة الله، وفي هذا الشأن يقول (عليه السلام):

«أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش ...»(2)

ص: 69


1- الكليني، فروع الدين، 5/3 (کتاب الجهاد)
2- ينظر: النصر الله، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، رؤية اعتزالية عن الإمام علي، ص145

لذا نرى إن بعض من الحكام، انحرفوا عن القوانين الإسلامية، فأخذوا بجمع الأموال والانسياق وراء مشتهيات النفس وترك أحکام الله، فكان المسلمون يردون عليهم ويهددونهم ويقتلون بعضهم، ويثورون ضد آخرين منهم.

إن مفهوم الرقابة الذاتية هو مفهوم إبداعي جاء به الإمام (عليه السلام) أنطلاقا من التشريعات الإلهية التي سبقت التشريعات والنظم الإدارية الحديثة، وتنقسم الرقابة الذاتية إلى نوعين من الممارسة، هما:

النوع الأول: التدريب النفسي الخاصَّ بالامتناع، كالصوم عن الأكل والشرب من، والتقليل من الأكل والعادات الضارة والإفراط في الملذات، والالتزام بالمبادئ

ص: 70

الأخلاقية، مثل محاولة التغلب على السلوك اللانساني؛ كالتغلب على الغضب، وكظم الغيظ، ودفع الإساءة بالإحسان، وهذا النوع هو المعبر عنه في التشريع بجهاد النفس، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لمجموعة من المسلمين وقد جاؤوا لتوهم من إحدى الغزوات:

«مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقالوا وما الجهاد الأكبر یا رسول الله؟ فقال جهاد النفس»(1) .

ولما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) تلميذ رسول الله وخريج المدرسة المحمدية فقد كانت سيرته تزخر بالسلوك المتكامل في ضبط النفس وترويضها، فهو الصوام القوام الذي ما وضع له أدامين حتی رفع أحداهما، وما صدر منه

ص: 71


1- الكليني، الكافي، 2/ 12

شيء يخالف المبادئ الأخلاقية التي علمه إياها الله ورسوله وحاشاه من ذلك، وهو (عليه السلام) الذي تغلب على غضبه حين بصق في وجهة عمرو بن ود العامري، فتركه يجود بنفسه حتى هدأ غضبه فقتله في سبيل الله، وهو (عليه السلام) الذي تجاوز على من أفعال الكثير من الناس، واحتمل حماقات الخوارج في فترة كان فيها خليفة المسلمين ورئيس الدولة(1) .

النوع الثاني: مُمارسة أنواع التَّدريب الإداري الخاصَّ بالأعمال الإيجابيَّة: «لَن تَناَلُوا البِرَّ حَتَی تُنِفقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»(2) ومن ينكر إن الإمام علي كان يشتري ثوبين له ولقنبر فكان يعطي الثوب الأجمل لخادمه.

ص: 72


1- ينظر: النصر الله، شرح نهج البلاغة، رؤية اعتزالية عن الإمام على، ص 145
2- سورة آل عمران، الآية (92)

وأيضا من أمثلة التدريب الإداري الخاصة بالتحمل، والصبر قال تعالى: :«وإِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أجرَهُم بِغَيِر حِسَابٍ»(1) ، وفي ميدان الصبر كان الإمام أمثوله أعجزت الصبر نفسه حتى قال (عليه السلام): «سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري»(2) ، وكفى به شاهداً لنفسه.

ومن الممارسة الأخرى للتدريب الإداري: الالتزامات إزاء العهود والمواثيق والأًيمان والنذور، وهناك صور رائعة من الوفاء بالعهد رسخها الإسلام في تعامل المسلمين مع بعضهم البعض ومع غيرهم، فالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد التزم بعهوده ومواثيقه حتى مع غير المسلمين، كما حدث مع نصاری نجران الذين طلبوا منه أن يكتب لهم عهداً، وذلك بعد

ص: 73


1- سورة الزمر، الآية (10)
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 465

انصرافهم عن مباهلته، فكتب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) کتاباً بأمر الرسول جاء فيه:

«لهم بذلك جوار الله وذمة النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وبيعهم ورهبانيتهم على أن لا يعشروا ولا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به فمن أكل الربا منهم بعد ذلك فذمتي منه بريئة»(1)

وفي خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) جدد العهد والأمان للنصارى النجرانيين وكتب لهم:

«إنكم أتيتموني بكتاب من نبي الله، وفيه شرط لكم على أنفسكم وأموالكم، وإني وفيت لكم لما کتب محمد، من أتى عليهم من المسلمين فليف

ص: 74


1- حمید الله، الوثائق السياسية في العهد النبوي، ص 141

لهم، ولا يضاموا ولا يظلموا ولا ينتقص حق من حقوقهم»(1)

وجاء في عهده للأشتر فيما يخص الوفاء

بالعهود:

«وان عقدت بينك و بين عدو لك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمتك بالأمانة و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فانه ليس من فرائض الله شيء الناس اشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم و تشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر فلا تغدرن بذمتك و لا تخيسن بعهدك»(2) .

مما يؤكد اهتمامه (عليه السلام) في تقويم

ص: 75


1- المرجع نفسه، ص 145
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 77

الإدارة وسياسة الدولة من خلال الالتزام بالعهود والمواثيق، ولا شك إن المنظور الحضاري للإمام (عليه السلام) في هذا المجال قد تجاوز الزمان والمكان فنرى اليوم إن العالم بدأ يشدد على الالتزام الدولي في معاهدات الصلح والسلام.

ثاًنيا: الرقابة الشعبية على عمل الموظف

يعد هذا المبدأ من المبادئ المهمة جداً لنجاح العمل الإداري، وقدخول الإمام الرعية بمراقبة الموظف وتشکیل رأي عام على تصرفاته فكان الكتاب بمثابة تخويل للرعية لمراقبة الموظف، «إن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما کنت تنظر من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقوله فيهم، وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على السن عباده»(1) ، وهذا يعني إن الإمام

ص: 76


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، من رسالة أمير المؤمنين لواليه على البصرة، 6/ 74

(عليه السلام) جعل معیار رضا الرعية (الرأي العام شرطاً في نجاح الموظف)، لان الرأي العام يعد مصدراً رئيساً في الضغط الإيجابي على الكادر الإداري للتعامل بإيجابية مع الوظيفة.

وهذا الإجراء جعل من سكان تلك الولايات سواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة يراقبون تصرفات الولاة والعمال، ويشخصون الأخطاء التي تحصل من هؤلاء، وأمرهم بإيصال أي سلبية يرونها في ولاياتهم إليه مباشرة، أما عن طريق الكتابة له، أو عن طريق المجيء إلى العاصمة وتقديم الشكاوي(1) لذلك اعتمد (عليه السلام) مجموعة من الوسائل، من أجل تفعيل الرقابة الإدارية على العمال والولاة، ومن هذه الوسائل التي اعتمدها (عليه السلام)

ص: 77


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص 155

المخاطبة المباشرة للناس عندما يعين أحد الأشخاص في عمل ما، وهذه المخاطبة على نوعين: إما إلقاء كلمة يجعل فيها الرعية رقيبة على الوالي أو العامل، أو إلزام هؤلاء بقراءة كتب التعيين على الناس عندما يتولون أعمالهم، ويمكن التعرف على النوع الأول من الخطاب الموجه من الخليفة للناس، عندما ولى عبد الله بن عباس على البصرة بعد معركة الجمل، إذ خطب الناس في المسجد وقال لهم:

«يا معشر الناس قد استخلفت عليكم عبد الله بن العباس، فأسمعوا له وأطيعوا أمره ما أطاع الله ورسوله، فإن أحدث فيكم أو زاغ عن الحق فأعلموني أعزله عنکم...»(1) .

وهذا يعني أن أمر بقاء الوالي أو عزله

ص: 78


1- ابن أبي الحديد، شرح، 6/ 77

مرتبط بطاعته لله والرسول صلى الله عليه واله وسلم (أولاً، والعمل بمبادئ الإسلام التي تقوم على العدل والمساواة، ثم جعل الناس مصدر الرقابة على الوالي، فهو باق في عمله مادام يعمل بالحق، فإذا زاغ عن هذا المنهج فإن الخليفة خول الناس بالكتابة له، وبالفعل فقد كتبت قبيلة تميم إحدى القبائل التي كانت تسكن البصرة للخليفة، إن الوالي عبد الله بن عباس كان يستعمل الشدة في معاملتهم، نتيجة لأنهم ساندوا المتمردين في معركة الجمل(1) ، فأرسل الخليفة (عليه السلام) للولي كتابا يلومه فيه على هذا التصرف غير المقبول بحق الناس، لاسيما أن الخليفة (عليه السلام) أصدر عفوا عاما عن كل المشتركين بتلك المعركة، ولم يستخدم وسائل انتقامية مع أعدائه، فكتب له:

ص: 79


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص 155

«وقد بلغني تنمرك لبني تميم، وغلظتك عليهم..، فأربع أبا العباس رحمك الله فيما جرى على يدك ولسانك من خير أو شر، فإنا شریکان في ذلك، وكن عند صالح ظني بك، ولا يفيلن رأيي فيك»(1)

أما قراءة كتب تعيين الولاة والعمال على الناس، من أجل أن يكونوا مراقبين لأداء هذا الوالي أو العامل، ويمكن أن نأخذ مثلا على ذلك کتاب تعيين قيس بن سعد بن عبادة عندما ولاه على مصر، إذ كتب لأهل مصر:

«وقد بعثت إليكم قیس بن سعد الأنصاري أميراً فوازروه وأعينوه على الحق، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم، والشدة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم، وهو ممن أرضى

ص: 80


1- ابن أبي الحديد، شرح، 6/ 346

هديه وأرجو صلاحه ونصيحته، نسأل الله لنا ولكم عملا زاكيا وثوابا جزيلا ورحمة واسعة، والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته»(1) .

وهذا معناه أن الخليفة عرف الرعية بحقوقهم، بحيث لا يستطيع أي والي أن يتجاوز على حقوقهم، رغم ثقة الخليفة بقيس وبسيرته.

كذلك كتاب تعيين محمد بن أبي بكر الذي ولاه الخليفة (عليه السلام) على مصر بعد عزل قیس بن سعد، إذ قرأه الوالي الجديد على أهل مصر عندما وصل إليها، وفي هذا الكتاب توصيات وتشديد على الوالي في الحفاظ على حقوق الرعية، ونلمس تعريف الناس بحقوقهم وواجباتهم التي حددها الخليفة لهذا الوالي، والتي عرفها الناس من خلال قراءة هذا الكتاب

ص: 81


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص156

عليهم، لذلك لا يستطيع أن يتلاعب بالأموال أو يظلم أحداً، وسنذكر جزاًء من هذا الكتاب: ((هذا ما عهد به أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر، أمره بتقوى الله والطاعة له في السر والعلانية، وخوف الله في المغيب والمشهد، وأمره باللين للمسلم وبالغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمة، وبالإنصاف للمظلوم، وبالشدة على الظالم، وبالعفو عن الناس، وبالإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين، ويعذب المجرمين، وأمره أن يدعو من قلبه إلى الطاعة والجماعة،.. وأمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل ولا ينتقص ولا يبتدع، ثم يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمون عليه من قبل)).(1)

ص: 82


1- المرجع نفسه، ص 108

كذلك فإن الخليفة (عليه السلام) قد أعطى الحق للناس بالكتابة إليه مباشرة، في حال ظلمهم الوالي أو تجاوز على الأموال، لأن الوالي يعد أعلى سلطة في الولاية، فتكون الشكوى مقدمة إلى من هو أعلى منه في هرم السلطة وهو الخليفة، وقد رأينا ذلك في كتابة قبيلة تميم للخليفة عن تجاوز الوالي عليهم، لكن هذا الأمر سبقه توجيهات اللولاة وعال الخراج، في تلقي الشكاوى المباشرة من الناس(1) ، سواء كانت هذه الشكاوى على العمال الذين يعينهم الوالي في الإدارة المالية، أو الذين يعملون في جباية الضرائب من الناس، ويمكن أن نعرف هذا الأمر عندما نقرأ بعض فقرات الكتاب الذي أعطاه الخليفة لمالك بن الحارث الأشتر لما ولاه على مصر:

ص: 83


1- المرجع نفسه، ص 108

«أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوی من رعیتك، فإنك ألا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله، كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان الله حربا حتى ينزع أو يتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته، من إقامة على ظالم فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد»(1) .

ويمكن القول إن مثل هذه التوصيات لم تكن موجهة لمالك الأشتر فقط، بل هي تعليمات عمل عليها جميع الولاة والعمال في أرجاء الدولة الإسلامية، وجميع أوامر التعيين التي أصدرها الخليفة لهؤلاء الموظفين كانت تتضمن تعلیمات قريبة من هذا النص، ولا يخفى أن الهدف من

ص: 84


1- المرجع نفسه، ص 159

هذا الكتاب، هو أن الوالي يجب أن يستشعر هموم الناس البسطاء، ويعالج أي ظلم يقع عليهم، وهذه هي المرحلة الأولى التي أرادها الخليفة من الولاة والعمال، لذلك أوصاهم بضرورة أن تكون أبوابهم مفتوحة لاستقبال الناس في ولاياتهم، دون أن يكون هناك حجاب يفصلهم عن رعيتهم، أو وجود مجموعة من الأشخاص يشكلون حاجزا بين الوالي أو العامل وبين الناس، فكتب بعض الكتب لهؤلاء في المعنى المتقدم، إذ أنه (عليه السلام) كتب لمالك الأشتر في عهده:

«وأما بعد فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور»(1) .

ص: 85


1- المرجع نفسه، ص 159

وفي كتاب آخر وجهه إلى قیس بن سعد قال (عليه السلام): «فألن حجابك، وافتح بابك، واعمد إلى الحق»(1) .

وفي بعض الحالات التي يقع الظلم على الرعية من الوالي نفسه، ولا يجدون في ولاياتهم من ينصفهم منه، يكتبون إلى الخليفة مباشرة، وهذه الكتابة لم تقتصر على المسلمين فقط، بل تعدت ذلك إلى غير المسلمين، لأن رعايا الدولة لم يكونوا من المسلمين فقط، بل كان هناك مجاميع كبيرة تعيش في ظل الدولة من الفلاحين والصناع والتجار من غير المسلمين، ففي رواية أن الدهاقين في ولاية أصفهان كتبوا إلى الخليفة، إن عامل الخراج عمرو بن سلمة الارحبي كان لا يعاملهم باحترام، ويقسو عليهم ويحتقرهم،

ص: 86


1- المرجع نفسه، ص 159

لذلك كتب إليه الخليفة كتابا يأمره بتغيير هذا السلوك، مع هؤلاء الفلاحين الذين هم الركيزة الأساسية لاقتصاد الدولة، ونموذج التعايش بين المسلمين وغيرهم، وعليه فإن عدم دخولهم للإسلام يجب أن لا يكون مدعاة لاحتقارهم،

«أما بعد فإن دهاقين بلدك شكوا منك غلظة وقسوة، واحتقارا وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم، ولا يقصوا ويجفوا العهدهم»(1) .

وعندما تحدث خيانة من أحد العمال، كان الناس الذين يسكنون في تلك الولاية، أحد المصادر التي يعتمد عليها نظام الرقابة، من أجل تأكيد أو نفي التهمة عن شخص الوالي أو العامل، ومن الأمثلة على ذلك الشكوى التي

ص: 87


1- المرجع نفسه، ص 190

قدمها بعض المسلمين، الذين كانوا يسكنون في إصطخر ضد عامل هذه المدينة المنذر بن الجارود العبدي، ومفاد هذه الشكوى إن هذا العامل سرق بعض الأموال من تلك المدينة، لذلك عندما وردت للخليفة نفس هذه المعلومات من جهاز العيون، أحضر هذا العامل وعاقبه وعزله عن تلك الولاية(1) .

وفي بعض الحالات كان الناس يفدون إلى الخليفة من أجل تقديم الشكاوى ضد الولاة والعال، إذ تذكر الروايات أن سوده بنت عارة ومجموعة من قومها، قدموا إلى العاصمة لتقديم شكوى ضد عامل الصدقات في المنطقة التي يسكنون فيها، لأنه كان لا يلتزم بالأوامر التي أصدرها الخليفة، والمتعلقة في كيفية جباية هذه

ص: 88


1- المرجع نفسه، ص 190

الصدقات، مما نتج عنه ظلم في الجباية والتوزيع، وكانت هذه المرأة هي التي تحدثت مع الخليفة عن الأمر لذلك عندما سمع الخليفة هذه الشكوى تأثر كثيرا نتيجة للإساءة التي صدرت من هذا العامل، وبکی لأن الظلم وقع على رعايا دولته، ثم رفع (عليه السلام) يديه إلى السماء وقال: «اللهم إني لم أمرهم بظلم خلقك، ولا ترك حقك»، ثم كتب كتابا إلى العامل يأمره بحفظ الأموال التي بحوزته، لحين تعيين شخص آخر يتولى المهمة بدلا عنه:

بسم الله الرحمن الرحیم: قَد جَاءتَكُم بَينَّةُ مِن رَبَّكُم فَأَوفوا الكَيلَ وَالميزان وَلَا تَبخَسُوا النَّاسَ أشيَاءَهُم وَلَا تُفِسدُوا فِي الأَرض بَعدَ إِصلَاحِهَا ذَلِکُم خَیرٌ ٍلَکُم إِن کُنتُم مُؤمِنيِنَ، فإذا قرأت كتابي هذا فأحتفظ بما في يدك من عملنا،

ص: 89

حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام»(1) .

لكن هذا الإجراء الذي اتخذه الخليفة تبعه بالتأكيد تدقيق في صحة الشكوى المقدمة من الأهالي ضده، إذ ليس من المعقول أن يعاقبه بدون تدقيق، وربما الشخص الذي سيقبض الأموال منه كان هو الذي يدقق في هذه الشکوى(2) .

ثالثاً: تجنب التكبر والشعور بالعظمة والاستبداد

كان منهج الإمام (عليه السلام) في إدارته للدولة عياله يقوم على قاعدة رئيسة مفادها إن الولاة والعمال ليسوا أكثر من موظفين لهم واجبات محددة، ولا يحق لهم إن يستغلوا الوظيفة بأي شكل من الإشكال، أو يتكبروا على الناس

ص: 90


1- المرجع نفسه، ص 190
2- المرجع نفسه، ص 190

ويشعروا بالأبهة ويرتدوا رداء الكبرياء على عباد الله، لذلك كانت توجيهات العهد واضحة في هذا الباب: ((وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به أهة أو مخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن إليك من طاحك، ويكف عنك من غربك ويفي إليك ماعزب من عقلك، وإياك ومساماته في عظمته، أو التشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل محتال فخور))(1) ، وهذا القول يردع الوالي عن الطغيان ويضمن عدم تكبره، وضمان له من التجبر، و هما اشد ما یفسد الدول ويخرّب المجتمعات وينقض العمران. وقديما قيل: ((من استبد برأيه هلك. وقيل: ماخاب من استشار. وقيل: مشاورة

ص: 91


1- المرجع نفسه، ص 160

العقلاء مشاركة لهم في عقولهم)).(1)

وتجدر الإشارة إلى إن الإمام علي (عليه السلام) نهج نهجا آخر في الشورى، وهو طرح الأمور على الناس بصورة عامة، وهو ما كان يقوم به رسول الله وقد كانت الظروف السياسية في عهد الإمام (عليه السلام) تستدعي هذا النوع من الشوري حيث كانت القلاقل والاضطرابات تسود المجتمع الإسلامي فكان أحد أساليب جمع الكلمة هوطرح الأمور على عامة الناس لإبداء رأيهم فيها.

وينقل لنا التاريخ صورة عديدة عن مشاورات أمير المؤمنين (عليه السلام) حين كان يمثل رأس الهرم في السلطة، فيما يأتي بعضها منها:

(1)

ص: 92


1- ابن أبي الحديد، شرح،2 / 20

1. أنه (عليه السلام) شاور مالك الأشتر حول الإبقاء على ولاية أبي موسى الأشعري فكان رأي الأشتر الإبقاء عليه فأبقاه.(1)

2. تجاوب أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رأي الأكثرية حين طالبوه بعزل قيس بن سعد عن ولاية مصر بينما كان رأيه عدم عزله، فقد ورد أنه (عليه السلام) قال:

إني والله ما أصدق هذا عنه».(2)

3. لما أراد علي (عليه السلام) السير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار وقال: ((أما بعد فأنكم

ص: 93


1- ابن الأثير، الكامل، 271/3 ، نقلاً عن د. ساعد الجابري، مبدأ الشورى في منهج الإمام علي (عليه السلام)، مجلة النبأ، العدد 50، تشرين الأول 2000م
2- المصدر نفسه، 3/ 297، ونفس المرجع

ميامين الرأي مراجيح الحكم مقاويلٌ بالحق، مبارکو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدوّنا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم))، فقال الأصحاب واحدا بعد آخر وأبدوا رأيهم موافقين للمسير فاتخذ الإمام قرار الحرب ضد معاوية(1)

وعندما تصاعد إرهاب الخوارج وقتلهم العبد الله بن خباب أثار أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فجاؤوا إلى الإمام وقالوا له:علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ ير بنا إلى القوم فإذا فرغنا منهم سِرنا إلى عدوّنا في أهل الشام، فأجمع القوم على قتالهم فكانت - معركة - النهروان التي قضى فيها على الخوارج عن

ص: 94


1- المصدر نفسه، 3/ 272، ومن نفس المرجع

بكرة أبيهم(1) ، نلاحظ في هذه القضية كيف اختار أمير المؤمنين (عليه السلام) رأي الأكثرية من أصحابه الذين كانوا يريدون مقاتلة الخوارج ولو لم يفعل ذلك لكان قد

ازداد الشقاق في جيشه.

في النماذج التي تقدمت كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يأخذ برأي الشوری حتى لو كانت مخالفة لرأيه، وفي بعض المرات كانت المشورة مطابقة لرأيه، لكنه عندما يجد النص لا يأخذ بالشوری، کما ورد في حديثه مع طلحة والزبير.

إذن لابد عند الأخذ بالشوری ملاحظة الجو السياسي العام فلربما كان للشوری فوائد غير

ص: 95


1- المصدر نفسه، 3/ 276، ومن نفس المرجع

مسألة الاستفادة من الرأي. لأن الإمام (عليه السلام) هو غني عن آراء الآخرين، لكنه لا يستغني عن الشورى عندما تكون وسيلة لجمع الصف وتربية الأصحاب ونزع فتيل الفتنة.

رابعاً: الحفاظ على الدماء

كان الإنسان في دولة الإمام علي (عليه السلام) يمثل أعلي قيمة، فسعى من خلال توجيهاته وممارساته العملية إلى الحفاظ عليه وعلى کرامته، فحذر مالكاً - مع قربه الشديد منه - من التجاوز على الدماء، بل ذهب أكثر من ذلك عندما حذره من إن أي تجاوز على الدماء سيقابله الاقتصاص من شخص الوالي، ((إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها. والله سبحانه

ص: 96

مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة. فلا تقوین سلطانك بسفك دم حرام فإنذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن)).(1)

إن آفة الابتلاء بسفك الدماء بغير حلها، وهو أخطر ما امتحن الناس به، وشهدوا ما شهدوا منه من أهوال في عهود الطغاة من الذين استحوذوا على مقاليد الأمور بعد استشهاده وانقضاء عهده الشريف، فهذه الآفة المهلكة، کا یبصرها الإمام (عليه السلام) و کیا شهدت به الوقائع التاريخية وما تزال تشهد به اليوم تستدعي عند الله النقمة، وزوال النعمة، وتعجيل الأجل، وتعظيم التبعة، وتتقدم - لشناعتها عند

ص: 97


1- ابن أبي الحديد، الشرح 70/5

الله - غيرها من الخطايا في المساءلة يوم الحساب.

يعقد جورج جرداق(1) مبحثين مهمين في كتابه ((الإمام علي صوت العدالة الإنسانية)) يشغل الأول منها خمسا وأربعين صفحة وعنوانه ((علي ومبادئ الثورة الفرنسية))، ويشغل الثاني منها عدة صفحات وعنوانه ((وثيقة حقوق الإنسان))، وفيه يربط بين مبادئ هذه الوثيقة وتعليمات الإمام ووصاياه إلى ولاته وعياله ومرؤوسيه، الأمر الذي يوحي بأن الإمام (عليه السلام) قد سبق في فكره ورؤياه فلاسفة الثورة الفرنسية والمشرعين العالميين في عصرنا هذا بعدة أجيال و مراحل.

ص: 98


1- الإمام على صوت العدالة الإنسانية 302/1

خامساً: النهي عن الاحتجاب عن الرعية

من القواعد الهامة التي وضعها الإمام علي عليه السلام لموظفيه انه يجب إن يكون التواصل مع الرعية من دون حجاب، فيكون الوالي والعامل متابعً لأحوال مواطنيه، ويكون المواطن على معرفة تامة بما يدور في الدولة، فيشعر انه جزء مهم وفاعل فيها، لذلك وجه مالكا بعدم الاحتجاب فقال له في العهد: ((فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور، والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح ویشاب الحق بالباطل، وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وليست على القول سات يعرف بها الصدق من الكذب، فتحصن من الإدخال في

ص: 99

الحقوق بلين الحجاب فإنما أنت أحد رجلين: إما امرء سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك؟ من واجب حق تعطيه؟ أو خلق کریم تسديه ؟ وإما مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليكم إلا مؤونة عليك فيه من شكاية مظلمة أو طلب إنصاف))(1) ، بمعنی إن الوالي يجب أن يكون على مساس مباشر مع الناس، حتى لا تكثر التكهنات وتسود الظنون، ويحرم أصحاب الحاجات من قضاء حاجاتهم، فيتعرف على شؤونهم مباشرة من دون وساطات قد تزيف الأمور.

ومن يتصفح سيرة الإمام علي (عليه السلام) يجده أكثر التصاقا بالناس وحضوراً معهم في

ص: 100


1- ابن أبي الحديد، الشرح 5/ 70

السراء والضراء، وهذه الصفة الأخلاقية من أهم الأسباب التي رسخت محبة الإمام (عليه السلام) في قلوب الناس لاسيما المستضعفين منهم، وجعلته لا يغيب عن ذاكرة الأمة مع مرور الزمن، ويمكننا تلخيص السيرة العملية الأمير المؤمنين و نهجه في التعامل مع الجماهير با يلي:

1. مساواته لنفسه مع اضعف الناس حالا.

2. البساطة في العيش، والابتعاد عن مظاهر

البذخ التي يمارسها الحكام.

3. الاهتمام بتأمين حوائج الناس بنفسه.

4. حفظ كرامة الجماهير، والتواضع أمامهم،

ومعاملتهم بإحسان.

5. مواساة المستضعفين، والسعي الدؤوب في

تأمين مستوى معيشي لائق بهم

ص: 101

6. تطبيق العدل والمساواة في المجتمع، وإزالة

الفوارق الطبقية بين إفراد المجتمع.

7. اعتبار نفسه وولاته خداما للمجتمع، وحراساً لرعاية مصالح الناس.

8. رعاية حقوق آحاد المجتمع بصرف النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية.

9. عدم الحد من الحريات المشروعة للناس حتى بالنسبة للذين خالفوه ولم يبايعوه، وتحذيره لولاته بعدم إيقاع العقوبة بأحد إلا بعد ارتكابه جريمة تخالف الشرع

10. الإقرار بدور الأمة وانعقادها في أمر القيادة السياسية والإدارية والاجتماعية.(1)

ص: 102


1- عبد الله ، نظرية التنظيم والإدارة في فكر الإمام علي (عليه السلام)، ص 198

سادساً: الحذر من البطانة

سعى الإمام علي (عليه السلام) إلى تحقيق اعلي درجات العدالة في المجتمع الإسلامي، وان يتمتع الجميع بالحقوق نفسها بغض النظر عن القرابة مع الحاكم، وقد شهدت مدة خلافة عثمان بن عفان استئثار بالسلطة والأموال والإقطاعات من قبل بطانته المتمثلة ببني أمية، فوضع الأمر حدا لهذه الآفة التي فتكت بالمجتمع وشککت بعدالة الإسلام، وألزم بقية الموظفين بالالتزام التام بنهج الخلافة، فكتب في عهده لمالك: ((ثم إن للوالي خاصة وبطانة، فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف، فاحسم مؤونة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، ولا تقطعن الأحد من خاصتك وحامتك قطيعة، ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة، تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك، يحملون مؤونته على

ص: 103

غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك، وعيبه عليك في الدنيا والآخرة، وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخواصك حيث وقع، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة ذلك محمودة، وان ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك، واعدل عنهم ظنونهم بأصحارك، فانفي ذلك أعذارا تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق))(1) ، وقد ارتبط هذا الإجراء ارتباط وثيقاً بنهج الإصلاح الذي اتبعه الإمام (عليه السلام) في خلافته، وهو في الوقت نفسه يراعي مبدأ حقوق الإنسان الذي نادت به المنظمات في العصر الحديث.

وقد كانت توجيهات الإمام (عليه السلام)

ص: 104


1- ابن أبي الحديد، الشرح 5/ 70

تحمل بين طياتها تشخیصاً دقیقاً لواقع هذه الطبقة، فعدها طبقة نفعية غير مستعدة للتضحية عندما تتعرض الدولة لأزمة، وهي أثقل طبقة من حيث المؤونة في أوقات الرخاء، أي أنها ليس لها إلا أدوار سلبية في الدولة، وكان هذا التشخيص بناءً على تجارب شخصية مر بها الإمام (عليه السلام)، إذ تعامل مع هذه الطبقة في عهد عثمان بن عفان وكيف أسهمت في الثورة عليه وقتله من قبل المسلمين، فحجمها عندما تولى الخلافة وسحب امتیازاتها وصادر أموال الدولة التي استحوذت عليها بحكم قربها من الخليفة عثمان بن عفان.

كما أنه (عليه السلام) لم يسمح لأقربائه بتولي المسؤوليات في الدولة أو استغلال قربهم منه، فجعل الإمام (عليه السلام) هذا الأمر نظاماً عاما في الدولة، وفرض على الولاة الحذر من

ص: 105

استغلال المقربين منهم لسلطاتهم: «وألزِم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع، وابتغ عاقبته با يثقل عليك منه، فإن مغبة ذلك محمودة»(1) ، ونظراً لقرب المستشارين والوزراء من الحاكم بطبيعة موقعهم ووظيفتهم، فان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أشركهم في بطانة الحاكم، غير إن تميزهم وإثرهم في قيادة الدولة جعلته يفرد لهم فقرة خاصة توضح للحاكم من يمكن إن يعتمده منهم كمستشار، ومن يجب عليه إن يبعد عنه، فبدأ بالبخل الذي هو من أكثر الأخلاق دمامة والتي هي صفة ملازمة بطانة السوء، قال تعالى «وَمَن یَبخَل فَانَّمَا يَبخَلُ عَن نَّفسِهِ وَاللهَّ الغَنِيُّ

ص: 106


1- المصدر نفسه، 70/5

وَأَنتُم الفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوا یَستَبِدل قوماً غَيرَکُم ثُمَّ لَا يَكُونُوا امثَالکُم»(1) ، فقال: ((ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل أي يمنعك ببخله عن البذل والإحسان والعطاء، ويعدك الفقر))(2) أي يخوفك من الفقر إذا ما بادرت بالبذل والعطاء ف((البخيل بعيد عن الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار))(3) کما يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم و((جاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخیل.(4)

وأما الصفة الأخرى الواجب تجنبها في المستشارين فهي الجبن فقال ((ولا جبانا يضعفك

ص: 107


1- سورة محمد، الآية
2- المجلسي، بحار الأنوار، 22/ 103
3- المصدر نفسه، 22/ 150
4- المصدر نفسه، 22 / 156

عن الأمور)) إذ كما يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم)) لا ينبغي للمؤمن إن يكون بخيلاً ولا جباناً))(1) .

أما الصفة الثالثة المبغوضة في المستشار بحسب نص الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهي الحرص، قال ((ولا حريصاً یزین لك الشرة بالجور))(2) .

ولخص الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد ذلك السبب الجامع لذم هذه الصفات في الإنسان عموما وفي المستشار خاصة فقال: ((فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتی يجمعها سوء الظن بالله))(3) ، أي إن هذه الصفات

ص: 108


1- شنشل، نظام الحكم، ص 189؛ نادر، النظام الإداري الإسلامي، ص163
2- المرجع نفسه، ص 189
3- المرجع نفسه، ص 189

هي صفات مناقضة للإيمان بالله تعالى، وبالتالي فإن تواجدها في بطانة الحاكم وخاصته أو في أي جزء من أجزاء إدارة الدولة إنما تترتب عليه المفاسد والمظلوميات وانتهاك الحقوق.(1)

وعليه، فان مواصفات البطانة السيئة والمستشارين التي يجب على الحاكم أو المدير إن يتجنبها ويتحاشاها حسب ما يفهم من النص هي: ((الحقد، الضغينة، الحسد، الوشاية، الانتقاص من الناس وإظهار عيوبهم، السعي للمآرب والمكاسب الشخصية بدون وجه حق کالانتفاع من العطايا الخاصة أو المناصب أو الصلاحيات أو ما إلى ذلك من مكاسب دنيوية، الجشع، البخل، الجبن، الحرص، قلة المروءة، الكذب، قلة الغيرة، الانجرار وراء

ص: 109


1- المرجع نفسه، ص 189

هوى النفس ورغباتها، التدليس والمخادعة وإخفاء العيوب بقصد الغش))(1) .

سابعاً: طبيعة اختيار العمال والولاة

وضع الإمام علي (عليه السلام) منهاجاً متكاملاً عند اختياره للعمال والولاة، فراعی فيهم الكفاءة والخبرة والسمعة الطيبة والانتساب إلى البيوتات الصالحة والالتزام الديني والتربية العالية، وذلك حفاظاً على إدارة الدولة بصورة امثل، لاسيما بعد الاعتراضات التي واجهت الخليفة عثمان عندما حول الدولة الإسلامية إلى ضيعة لبني أمية بعد إن ولأهم على ولايات المسلمين وتغافل عن سوء تصرفهم، فبدأ الإمام بتصحيح الأوضاع في كل مفاصل الدولة الإسلامية فكان تغيير الكادر الإداري على رأس

ص: 110


1- ابن أبي الحديد، شرح، 5/ 50

سلمه الإصلاحي، لذلك ألزم ولاته بإتباع النهج نفسه في ولاياتهم، لاسيما إن النظام الإداري للدولة الإسلامية كان يقوم على اللامركزية، إذ أن الولايات الإسلامية كانت تتمتع بنوع من الحكم اللامركزي مع ارتباطها بالمركز، أي إن الولاة كان عندهم حيز كبير من الحرية في إدارة ولاياتهم، ويعود ذلك إلى اتساع الدولة الإسلامية، وصعوبة الاتصالات بين الولايات والمركز، كذلك بعد المسافة ووعورة الطرق، الأمر الذي أدّى إلى إعطاء الولاة مجموعة من الصلاحيات، لتسهيل حكم ولاياتهم، لكن على الرغم من مميزات هذا النظام، فإنه قد يعد خطرا إذا ما تَوّلى أشخاص غير مناسبين إدارة هذه الولايات، وهذا ما لمسناه من خلال التأكيد الشديد للإمام الواليه على مصر إذ قال له: ((وتوخَّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة

ص: 111

والقدم في الإسلام المتقدمة فإنهم أكرم أخلاقا وأصځُّ إعراضا واقل في المطامع إشراقاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً))(1) .

ويحذر الإمام (عليه السلام) مالكا إن يكون الاختيار بناءً على المحاباة والأثرة، ويحدد له بان يكون الاختیار بناءً على الاختبار والتجربة، وان يراعي بالاختيار أولئك الذين يتمتعون بحياء يمنعهم من استغلال وظائفهم، وهذا الحياء قرنه الإمام عليه السلام بالتربية العالية في البيوت الصالحة التي تعلم أبناؤها فضائل الأخلاق

وهذه النقاط الرئيسة لها انعكاسات إيجابية على الإدارة، لان الاختیار بناءٌ على الشروط المتقدمة يعني اختيار عمال على درجة عالية من

ص: 112


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص 179

الأخلاق يعني أنهم قادرون على صيانة أنفسهم من الوقوع في الخيانة، واستغلال وظائفهم، لاسيما انه أوصاه بان يعطيهم رواتب تتناسب مع عملهم حتى لا ينظروا إلى الأموال التي تحت أيديهم، وهي في حجة على هؤلاء إن خانوا أماناتهم، عندما تولى الإمام علي الخلافة سعی التطبيق هذه السياسة على أرض الواقع، بعد أن شخص العلل وحاول أن يضع لها حلولا، وكان رأيه إن إحدى الآفات الرئيسية التي سببت الأزمة السياسية والاقتصادية، هي تعيين أشخاص غير مناسبين في المواقع الإدارية، لاسيما من له مساس مباشر بأموال المسلمين، لذلك كان رأي الإمام علي معالجة هذه المشكلة بالتحديد، وأول إجراء اتخذه هو تغيير الكادر الإداري في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وهذا التغيير لم یکن من أجل التغيير فقط، بل من أجل معالجة المشكلة السياسية

ص: 113

والاقتصادية التي تعاني منها الدولة الإسلامية، وهذه المعالجة كانت ترتكز على إصلاح الإدارة المالية للدولة الإسلامية، وهذا الإصلاح يقوم على اختيار موظفين كفيئين قادرين على صيانة أموال المسلمين، وهؤلاء الموظفون هم الولاة وعال الخراج والجزية والصدقات، واختيارهم كان يعتمد على مجموعة من المعايير وضعها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مع ارتباط هذا الاختيار للموظفين الكفوئين، بنظام رقابي شديد طبقه على ولايات الدولة الإسلامية، والقائمة التي اختارها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) للعمل کولاة وعال خراج تتوفر فيها الصفات المذكورة آنفا، فقسم كبير من هؤلاء الذين اختارهم لهذه الوظائف هم من الصحابة الأوائل الذين سبقوا الناس في دخول الإسلام، وهم من أهل الورع والتقوى

ص: 114

وعاشوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة من الزمن تعلموا من خلالها كل تفاصيل الإسلام والفقه الإسلامي، ولم يؤشر عليهم سلبيات في الفترة التي سبقت خلافة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لذلك فإنهم قادرون على تطبيق تعاليم الإسلام في الولايات والمدن التي تقع تحت سلطتهم، وهو أمر مهم في الإصلاح الاقتصادي الذي انتهجه الخليفة، لان هؤلاء يتحلون بصفات الإيمان والعلم بالأحكام الشرعية، والشجاعة والبذل والتضحية، وهذه هي صفات المسلمين الأوائل.(1)

ومن هذه الأسماء عثمان بن حنيف الذي ولاة الخليفة على ولاية البصرة، وهو أحد الصحابة من الأنصار أسلم عند هجرة الرسول صلى الله

ص: 115


1- المرجع نفسه، ص 179

عليه واله وسلم إلى المدينة، واشترك في معركة احد وجميع المعارك التي بعدها، وكذلك أخاه سهل بن حنيف الذي ولاه الخليفة علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المدينة، كان من خيار الصحابة الأوائل أسلم عند هجرة الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وهو من الصحابة الذين اشتركوا في معركة بدر الكبرى وجميع المعارك التي بعدها، ومن الذين ثبتوا يدافعون عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم في معركة احد عندما حاصره المشركون وفر أغلب الصحابة، إذ بايعه على الموت في تلك المعركة. كما عين الخليفة أبا أيوب الأنصاري على المدينة، وهو من الصحابة الأوائل من الأنصار أسلم قبل هجرة الرسول صلى الله عليه واله وسلم إلى المدينة، وبايع بيعة العقبة عندما كان الرسول صلى الله عليه واله وسلم في مكة، وبعد وصول الرسول

ص: 116

صلى الله عليه واله وسلم إلى المدينة سكن في بيته، واشترك أبو أيوب في معركة بدر وجميع المعارك التي بعدها، ومن الولاة الآخرين حذيفة بن البيان الذي كان واليا على المدائن، وهو من الصحابة الأوائل من حلفاء الأنصار، اشترك في معركة احد وجميع المعارك التي بعدها، وكانت له مكانة كبيرة عند الرسول صلى الله عليه واله وسلم، واشترك في الفتوحات الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وكان أحد قادة الجيوش الإسلامية في هذه الفتوحات.

ومن الولاة الآخرين عبد الله بن عباس الذي ولاه الخليفة على البصرة، وهو من قدماء الصحابة، أسلم في مكة وهاجر مع الرسول صلى الله عليه واله وسلم إلى المدينة، وكان يسمى البحر لسعة علمه، وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه واله وسلم والإمام علي عليه السلام،

ص: 117

ومن المقربين من الخليفة وسيرته كانت محمودة في عهد الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وهو من الفقهاء المعروفين في عهدهم.(1)

كان قیس بن سعد بن عبادة والي مصر من أوائل الصحابة، وهو ابن سعد بن عبادة أحد سادات الخزرج الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه واله وسلم قبل هجرته إلى المدينة، وأحد النقباء الأثيني عشر الذين أختارهم الرسول صلى الله عليه واله وسلم ليكونوا ممثلين عنه في المدينة، وقيس من شجعان العرب و کر مائهم المشهورين، وذو رأي صائب ومن بيت سيادة، وكان صاحب شرطة رسول الله، وكان أبو قتادة الأنصاري والي المدينة من أوائل الصحابة من الأنصار، اشترك في معركة احد وجميع معارك

ص: 118


1- المرجع نفسه، ص 176

المسلمين، وكان يسمى فارس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وكان قرظة بن كعب الأنصاري من الصحابة الأوائل، اشترك في معركة احد مع الرسول والمعارك التي تلتها، وكان أحد إبطال المسلمين في الفتوحات الإسلامية.(1)

ومن الولاة الآخرين الذين اعتمد عليهم الخليفة (عليه السلام) في إدارة الدولة الإسلامية عمر بن أبي سلمة الذي وليَ على البحرين وفارس قبل معركة صفين، وهو ابن الصحابي أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي أول من هاجر إلى المدينة من المسلمين، ثم اشترك في معركة بدر وأحد، فجرح في معركة أحدثم توفي بعد هذه المعركة متأثرا بهذا الجرح، وعندما استشهد تزوج الرسول صلى الله عليه واله وسلم أمه أم سلمة

ص: 119


1- المرجع نفسه، ص 177

هند بنت أبي أمية بن المغيرة، فكان عمر قد تربی في حجر الرسول، وكان يسمى ربيب الرسول، وكان مخنف بن سلیم والي الإمام على أصبهان، وهو من الصحابة أسلم في عهد الرسول صلى الله عليه واله وسلم وسكن في الكوفة، وكذلك كان الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي أحد عال الإمام على منطقة الجبل، وهو من الصحابة أسلم في عهد الرسول، وكان فاضلا خيرا له دین وعبادة سكن الكوفة بعد تأسيسها، وكان عبد الرحمن بن أبزي الذي ولاه الخليفة على خراسان، من الصحابة الأوائل وروي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم بعض الأحاديث.(1)

وسنكتفي بهذا الإيجاز السريع عن سيرة الولاة والعمال، الذين اختارهم الخليفة علي من

ص: 120


1- شنشل، نظام الحكم، ص 190

أجل العمل في الولايات الإسلامية، وهؤلاء الذين ذكرناهم هم من الصحابة فقط، أما الآخرون فقد كانوا من التابعين الذين عاشوا مع الصحابة وتعلموا منهم، والهدف من هذا الإيجاز التعرف على دقة اختيار الخليفة لعماله، والذي يعني معالجة للمشاكل الاقتصادية والمالية التي خلفها العهد السابق لخلافة الإمام، فهؤلاء لم يكن من بينهم من أتهم بسرقة أموال المسلمين أو قصر في المهمة الموكلة إليه، إذ لم تسجل كتب التاريخ وغيرها أي تصرف سيء قام به هؤلاء الموظفون، سواء لأموال المسلمين أو لإدارة الدولة أو للرعايا الذين كانوا ولاة عليهم.(1)

ص: 121


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص 177

ثامناً: طبيعة اختيار الكادر الإداري

نهج الإمام (عليه السلام) في إدارته للدولة الإسلامية منهجاً دقیقاً مترابطاً لا ثغرات فيه، فالتفت إلى كل المفاصل وعالج سلبياتها ووضع حلولاً لكن مشكلات الدولة، ولم تكن حلوله مبنية على النتائج فقط، بل انه أوجد علاجاً استبقيا وقائياً، فركز على حسن اختيار الموظف وضرورة تمتعه بمميزات تتناسب مع الوظيفة المكلف بها، حتى يضمن أحسن أداء وظيفي، لذلك كان العهد فيه توجيهات دقيقة لمالك للالتزام بهذا المنهج، فحدد له الكيفية التي يختار بها کادره الإداري، . وقد قدمنا في النقطة السابقة توصياته في اختيار العال -، وكان من ضمن هذا الكادر الكتاب الذين يمثلون في الوقت الحاضر مدراء المكاتب أو أمناء السر أو حتى الوزراء

ص: 122

في الحكومات التي تعتمد النظام الفدرالي(1) ، فكتب له: ((ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الأخلاق، ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ، ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مکاتبات عالك عليك، وإصدار جواباتها على الصواب عنك وفيما يأخذ الك ويعطي منك. ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ماعقد عليك))(2) ، وهذا تفصيل دقيق لمواصفات الموظف الذي يشغل هذه الوظيفة المهمة، فكان معيار الأخلاق على رأس هذه المواصفات، زيادة على تمتعه بالحكمة والكياسة والحنكة والقدرة على الحفاظ على

ص: 123


1- شنشل، نظام الحكم، 190
2- ابن أبي الحديد، شرح، 5 / 55

الإسرار، لاسيما انه يتعامل مکاتبات الوالي ومراسلاته مع عاله وقادة الجيش وغيرهم، کما اشترط فيه إن يكون خبيرا في المكاتبات متقناً لها، حتى لا تلتبس عليه الأمور ويكون ضابطاً العمله.(1)

ثم ينتقل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الفقرة الثالثة والخمسين من عهده البيان الأسلوب الأمثل لتوزيع المهام بين الكتاب، فيؤكد على مبدأ التخصصية في العمل من جهة وتوزيع العمل في مجموعات من الجهة الأخرى، فيقول ((واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم)) أي انه لا يجب إن تستند المهام للكتاب بصورة عشوائية وإنما يجب إن يختص كل كاتب بعمل ما من جملة الإعال، والسبب في ذلك

ص: 124


1- شنشل، نظام الحكم، 190

هو إن هذه المهام والإعمال کما سبقت الإشارة تمتاز بالحساسية من جانب وتحتاج إلى الكفاءة العالية من جانب الآخر ولذلك كان من بين الاشتراطات حضور البديهية وعدم الغفلة، ولا يمكن تحصيل المستوى العالي من الكفاءة المهنية والقدرة على القيام بالعمل بوجهه الصحيح إلا من خلال أمرين:

1. المداومة على ممارسة العمل نفسه، والذي يضمن تعزيز المهارة حتى تتحول إلى مقدرة تلقائية لدى الفرد على القيام بالعمل .

2. التفرغ للقيام بالعمل وعدم التشتت بسبب الانشغال بالعديد من الإعال، لان المطلوب بالدرجة الأولى هو ((الكيف))

ص: 125

وليس (الكم)) في العمل(1)

ولم يقتصر تحديد مواصفات الموظف على الكتاب و العال وغيرهم بل شمل القضاة الذين ترتكز عليهم العدالة وهم الوجه القانوني للدولة، فحدد له طبيعة اختيارهم، ووضع شروطاً عدة لذلك و ألزمه بإتباعها، منها انه يجب إن يكون أنبه الناس عقلاً وأكثرهم وعياً بالأمور، لا يتعب من تحري الحق ولا يأنف من الرجوع عن الخطأ ومراجعة إحكامه، ويكون صارما إن تبين له الحكم بعيدا عن الطمع والإغراء، كما اشترط عليه إن يجري على القضاة أرزاقا کافية تكفل لهم حياة كريمة حتى لا يقعوا في مهاوي الإغراء، وفي الوقت نفسه اشترط عليه إن يعطيهم الدافع المعنوي فيرفع مكانتهم في المجتمع، ولا يسمح

ص: 126


1- السعد، حقوق الإنسان عند الإمام علي، ص96

بالتجاوز عليهم، وبذلك يكون للقاضي منزلة خاصة في الدولة والمجتمع فيضمن بذلك استقلال القضاء وقوته، ((ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك، في نفسك ممن لاتضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الف إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصر مهم عند اتضاح الحكم. ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء. وأولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك . فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان

ص: 127

أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا)).(1)

إن الحديث عن كفاءة الإمام علي (عليه السلام) لا تستوعبها وريقات هذا البحث لذلك سنكتفي بالقول بان علي بن أبي طالب كان قبل توليه الخلافة يمثل ما تمثله اليوم محاكم التمييز التي تملك الحق في إبرام الإحكام ونقضها، فقدعد الإمام (عليه السلام) وجود أخطاء في القضاء دليل على سلبية الحكم لذلك حين كان بعض الخلفاء يصدر إحكاما في قضايا معينة وهو يظن انه فصل فيها وفقاً لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه و آله، فكان علي يملك سلطة التدخل ووقف تنفيذ الحكم الصادر عن الخليفة ثم تعاد القضية إلى المناقشة ليدلي فيها

ص: 128


1- ابن أبي الحديد، شرح، 5/ 60

علي برأيه وقضائه، ويبدو إن ما كان يمارسه الإمام هو تأكيد لحق المحكوم عليهم بتمييز الإحكام الصادرة ضدهم أمام جهة ذات إمكانية علمية وقدرة قضائية اسمي من الجهة المصدرة للإحكام، فيقول الإمام علي (عليه السلام) ((لا عدل أفضل من رد المظالم (وان) ((أحسن العدل نصرة المظلوم)).(1)

إما في السيرة العملية للإمام (عليه السلام) إثناء خلافته، فقد تطور القضاء في عهده إذ كان الإمام المجدد الأمثل لمفاهيم القضاء والمطور الأفضل للمجتمع الإسلامي والمفسر الأعظم البواطن الشريعة ووضعها مواضعها مما يلائم الظروف على صعيد التطور ومسايرة الزمن على مدى التقدم فهو (عليه السلام) أول من فرق

ص: 129


1- السعد، حقوق الانسان، ص97

بين الشهود، واثبت محاضر التسجيل، ناهيك عن وضع الإمام بعض العلوم الأخرى مثل علم النفس والبايولوجي والرياضيات وغيرها من العلوم في خدمة العملية القضائية وتحقيقاً اللعدالة في المجتمع، فضلاً عن ذلك كان الإمام (عليه السلام) أول من أسس دیوان ((متابعة المظالم))، وكان هدفه النظر في الشكاوى التي يرفعها المواطنون ضد الولاة والحكام إذا انحرفوا عن طريق الحق وجاروا على الرعية، وسلبوهم حقوقهم المادية والمعنوية وفي ذلك كله تأكید دعوة الإمام ضرورة تطوير القضاء وتقديم أفضل أداء ممكن لإزالة الظلم.(1)

ص: 130


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص210

تاسعاً: السياسة الوقائية والقضاء على الفساد

وتبدأ الرقابة في فكر الإمام (عليه السلام) من أصغر الأمور، وتصحيح الأوضاع منذ بدايتها، وليس انتظار الأمور حتی تکبر، وتتفاقم، ثم يكون التنكيل والانتقام، وبالمحصلة فالرقابة في فكرِه إنّما هي تحصين العمال ضد الغش والخيانة، وبعبارة أخرى هي وقاية وليست علاجا، وقد قيل قدیما: ((درهُم وقاية خيرٌ من قنطار علاج))(1) ، ونستطيع أن نتلمس ذلك كله من خلال النصوص التي وردت إلينا عن الإمام علي (عليه السلام)، وهو يوصي عماله على مصر بضرورة تعاهد عاله بالمراقبة، وتفقد شؤونهم، والسؤال عن أحوالهم؛ ليتضح لنا كم كان هدف الرقابة نبيلا، وكم كانت

ص: 131


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص210

غايتها سامية جليلة، بقوله: ((...ثُمّ تَفَقّد مِن أُمُورِهِم مَا يَتَفَقّدُ الوَالِدَانِ مِن وَلَدِهِمَا وَ لَا يَتَفَاقَمَنّ فِي نَفسِكَ شَيءٌ قَوّيتَهُم بِهِ وَ لَا تَحقِرَنّ لُطفاً تَعَاهَدتَهُم بِهِ وَ إِن قَلّ فَإِنّهُ دَاعِيَةٌ لَهُم إِلَي بَذلِ النّصِيحَةِ لَكَ وَ حُسنِ الظّنّ بِكَ وَ لَا تَدَع تَفَقّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتّكَالًا عَلَي جَسِيمِهَا فَإِنّ لِليَسِيرِ مِن لُطفِكَ مَوضِعاً يَنتَفِعُونَ بِهِ وَ لِلجَسِيمِ مَوقِعاً لَا يَستَغنُونَ عَنهُ))(1)

فالرقابة عند الإمام علي (عليه السلام) إنّما هي منع الانزلاق في مهاوي الخطأ والظلم، وليس القبض على العامل متلبسا بجُرمِه، فالربح كل الربح في تحصين العمال والولاة من الخيانة للإمام والأمة، كما أن الرقابة في فلسفة الإمام علي كلها حُنوٌ ومودة، وهي کتفقد الوالدين لشؤون

ص: 132


1- ابن أبي الحديد، شرح، 5 / 66

ولدهما، والوقوف على احتياجاته؛ لتجنيبه ما يكره وما يكرهون من الأمور، فهي أذن رقابة الأب العطوف، وليست رقابة المتسلط الجبار.(1)

لقد كان الإمام علي (عليه السلام) يختار العمال وفق معايير خاصة منها الأمانة والدين والخبرة وغيرها، إلا أنه لم يكتف بهذا الإجراء بل تعداه إلى وضع نظام متكامل يدقق على العال أعمالهم، وجزء من هذا النظام كان العيون التي يستقي منها الخليفة معلوماته عن تصرفات هؤلاء الولاة والعمال في ولاياتهم البعيدة عن مركز الدولة، ويمكن أن نقول إن هذه النظام يشبه نظام الاستخبارات في وقتنا الحالي، لأن هؤلاء العيون لا يعرفهم سوى الخليفة، ويكتبون إليه مباشرة عن السلبيات والإيجابيات التي

ص: 133


1- الشرهاني، التغيير في السياسة المالية، ص210

يرونها في مناطق عملهم، لذلك نرى أن الإمام علي (عليه السلام) كان يعلم بكل الأشياء التي تجري في الولايات الإسلامية، وقد أدى هذا النظام الرقابي فاعليته في مراقبة تصرفات الموظفين التابعين للدولة الإسلامية، لأن الولاة كانوا حذرين في التعامل مع أموال المسلمين، وأصبحت لديهم قناعة أنهم لم يكونوا مطلقي اليد بهذه الأموال، وليس لديهم أي حصانة إذا خانوا الأمانة التي في أيديهم، لذلك كانوا حريصين على أداء أعمالهم بصورة جيدة.(1)

ومن خلال وصية الإمام علي (عليه السلام) المالك الأشتر ندرك بان هناك جهازين للعيون، أحدهما تابع للخليفة يراقب الولاة والعمال، والآخر تابع للولاة يراقب عيال الخراج والجزية،

ص: 134


1- المرجع نفسه، ص211

لاسيما أن الدولة الإسلامية كانت مترامية الأطراف، وعلى الرغم من أن المصادر لا تذكر لنا أسماء العيون، الذين كان يضعهم الخليفة في الولايات والمدن التابعة لها، فإن وجودهم كان أكیدا وغير قابل للشك، لأن الإجراءات التي اتخذها الإمام علي (عليه السلام) بحق بعض الولاة والعمال، تبين أنه كان يعتمد على العيون في معرفة الأخبار، إذ جاء في أغلب الكتب التي وجهها لولاته وعاله الذين تجاوزوا على أموال المسلمين، كذلك في الأخطار التي تتعرض لها الولايات والمدن الإسلامية عبارة (قد بلغني)، وفي هذا دلالة على أن الذي أبلغ الإمام (عليه السلام) هو جهاز العيون الذي وضعه في كل أرجاء الدولة الإسلامية، وفي أحيان أخرى نراه يصرح أن مصدر معلوماته جاء عن طريق عيونه، كما في الكتاب الذي وجهه إلى قثم بن

ص: 135

عباس والي مكة، عندما وجَّه معاوية حملة على هذه المدينة، إذ قال له: ((فإن عيني بالمغرب كتب إلي يخبرني...))، وتبين كتب الخليفة إلى الولاة والعمال حجم المعلومات (الاستخبارية)، التي كانت تصل للخليفة عن تصرفات هؤلاء الولاة والعمال.(1)

وقد وجَّه (عليه السلام) کتباً شديدة اللهجة إلى مجموعة من الولاة بناءً على هذه المعلومات، مع العلم أن قسماً منهم كان من كبار الصحابة مثل عثمان بن حنيف وعبد الله بن عباس، لأنه على الرغم من الثقة التي أعطاها لهؤلاء الولاة، كان يريد أن يحمي الناس منهم، إذا ما استعملوا صلاحياتهم بصورة غير شرعية، كذلك كان يريد أن يحميهم من أنفسهم أيضا، ومن الأمثلة على

ص: 136


1- المرجع نفسه، ص 212

المعلومات التي وصلت للخليفة عن الولاة، إن والي البصرة عثمان بن حنیف قَبِلَ دعوة أحد أغنياء البصرة لتناول وجبة طعام في بيته، فكتب اله الخليفة كتابا بهذا الشأن، وسوف نأخذ جزء من هذا الكتاب من أجل التعرف على رقابة الخليفة على ولاته وعماله: ((أما بعد يا ابن حنیف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة قد دعاك إلى مأدبة، فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان، وتنقل لك الجفان، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو...، ألا وان لكل مأموم إماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعامه بقرصيه، ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد...))(1)

ص: 137


1- ابن ابی الحدید، شرح، 6 / 86

وعلى الرغم من أن المعلومات التي بلغت الخليفة جاءت عن طريق العيون، لكن ربما تكون هذه العيون التي أبلغت الخليفة غير معينة من قبله، بل تطوع من بعض المسلمين الذين يسكنون في هذه الولاية، مثل كتاب أبي الأسود الدولي إلى الخليفة الذي اخبره عن تصرف والي البصرة عبد الله بن عباس، الذي تولى البصرة بعد عثمان بن حنیف، إذ كتب له أن الوالي أخذ عشرة آلاف درهم من بیت المال، فكتب الخليفة للوالي يأمره برد هذه الأموال، وبالفعل أرجعت هذه الأموال إلى بيت المال، وكتب إلى أبي الأسود الدؤلي: ((أما بعد فقد فهمت كتابك، ومثلك نصح الإمام والأمة، ووالى على الحق، وفارق الجور، وقد كتبت إلى صاحبك، فيما كتبت فيه من أمره ولم أعلمه بكتابك فيه، فلا تدع إعلامي ما يكون بحضرتك، مما النظر فيه للأمة

ص: 138

صلاح))، ومن خلال قراءة هذا الرد نستنتج أنه عين أبا الأسود عينا للدولة بصورة رسمية في تلك الولاية.(1)

وعلى الرغم من الشدة التي أتصف بها الخليفة مع العمال المقصرين، إلا أننا في الوقت نفسه نلمس منه حرصه على عدم تصديق كل المعلومات التي ترد إليه، فقد كان يرسل إلى الولاة والعمال الذين ترد معلومات عنهم، ويتبع معهم مجموعة من الإجراءات لمعرفة حقيقة هذه الأعمال، ولا يعاقب أحدا منهم إلا عندما يقر على نفسه بارتكاب الجناية، وفي الحالات التي كانت فيها المعلومات الواردة صحيحة، فإن الخليفة كان يحاسب هؤلاء المقصرين، وأول هذه العقوبات هو عزلهم عن العمل في إدارة الدولة، واسترجاع

ص: 139


1- الشرهاني، التغيير، ص 212

ما أخذوه من أموال بالنسبة للمتجاوزين على أموال المسلمين.(1)

ولابد من الإشارة إلى نقطة مهمة جدا، وهي ظهور سلبيات على الولاة وعمال الخراج، مع أن الخليفة كان يدقق في اختيار هؤلاء، ولا يعُنيَّن أحداً منهم إلا بعد توفر مجموعة من المميزات فيه كما ذكرنا سابقا، ونحن نعتقد أن هذه المسألة كانت للإمام أكثر من كونها عليه، لأن هذه السلبيات كانت موجودة بكثرة في الفترة التي سبقت خلافته، والفترة التي تلتها، لكن لم تكن هناك محاسبة لهؤلاء، فلم يضطر أحد من الولاة أو العال أن يهرب بأموال المسلمين، مادام يتصرف كيفما يشاء ومن دون حساب، أما في عهد الإمام علي عليه السلام فقد اختلفت الأمور، فهو

ص: 140


1- المرجع نفسه، ص213

لا يرضى بأي تصرف مهما كان بسيطا، إذا لمس فيه إساءة للمسلمين أو لأموالهم، كما أن هؤلاء الذين عينهم ممن توافرت فيهم الصفات المطلوبة الإشغال هذه الوظائف، ولم تسجل عليهم ملاحظات قبل قيامهم بالعمل، والسلبيات التي ظهرت كانت بعد مباشرتهم في أعمالهم، لذلك لا يتحمل الخليفة الإساءات التي ظهرت منهم، لاسيما أنه لم يسمح لهم بالاستمرار في الإساءة فعزل قسم منهم وعاقب القسم الآخر.(1)

ثم إن الإمام علي (عليه السلام) اتخذ أسلوبا أخر من الرقابة الإدارية وهو التفتيش الإداري على الموظفين الذين يعملون بمعيتهم، وكان هذا النظام يستند على محورين مهمين؛ أولهما: إرسال مفتشين إلى المناطق، وثانيهما: استدعاء

ص: 141


1- المرجع نفسه، ص 113

الخليفة لهؤلاء الولاة ومراجعة حساباتهم المالية، والتدقيق عن تصرفاته.(1)

وهؤلاء المفتشين لم يحدد لهم الإمام وقت من أجل القيام بهذا العمل، بل يرسلهم حسب الحاجة إلى هذا الإجراء، كما أنه لا يوجد موظفون خاصون للقيام بهذه المهمة، بل كان الإمام يرسل من يثق به من أجل القيام بهذه المهمة، ومن النصوص الواردة لنا عن هذا الإجراء هو تكليف الحليفة لمالك بن کعب الأرحبي عامل عين التمر، بالقيام بمهمة التفتيش في أراضي السواد، أما الجانب الآخر من التفتيش فهو إرسال الخليفة للعمال والولاة من أجل الحضور إلى العاصمة وتدقيق حساباتهم وأعمالهم، وهذا الإجراء كان مكملا لإرسال

ص: 142


1- المرجع نفسه، ص 114

الموظفين إلى الولايات، ويمكن أن نلمس من خلال الرواية التي ذكرت أن الإمام أرسل إلى والي أذربيجان الأشعث بن قیس(1) من أجل الحضور إلى العاصمة، بعد أن بلغه إن هذا الوالي أخذ بعض الأموال من ولايته، فلما حضر إلى العاصمة ألزمه إرجاع الأموال إلى بيت المال.(2)

ص: 143


1- المرجع نفسه، ص 115
2- المرجع نفسه، ص 116

الخاتمة

نحن اليوم بأمس الحاجة إلى استلهام الدروس والعبر من تجربة الإمام علي في الحكم، لاسيما ونحن نعاني نكوصاً كبيراً في كل جوانب الحياة وعلى جميع المستويات سواء كانت السياسية أو الإدارية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وبعد إن فشلت القوى السياسية الإسلامية في تطبيق نظرية الإمام علي في الحكم التي طالما نادت بها قبل إن تتسلم الحكم. فأصبنا بإحباط كبير نتيجة لهذه التجربة الفاشلة التي أساءت للنظرية الإسلامية في الحكم، فساد شعور اليأس من تحقيق الأهداف التي طالما نشدناها.

والذي نعيشه اليوم من انتكاسة هو نسخة قريبة من تجربة عثمان بن عفان في الحكم

ص: 144

إذ استلم الحكم على أساس تطبيق النظرية الإسلامية، لكنه عندما تولى الخلافة لم يستطع كبح جماح أقاربه، الذين اعتبروا الخلافة ملكا لهم يستطيعون التصرف به کما يشاؤون، کا عبر أبو سفیان بن حرب بن أمية عن هذا المعنى بقوله: ((أعندكم احد من غيركم، قالوا: لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة...))، وحسب المعنى المتقدم فإن خلافة المسلمين أصبحت ملکا لبني أمية، فأصبحت الدولة وأموالها مغنا لهم، واعتبروا العباد خولا لهم، ولم ينته الأمر إلا عندما ثار المسلمون وقتل عثمان بن عفان.

ونخلص في نهاية المطاف إلى النتائج الأساسية لهذا البحث:

ص: 145

1. هي إن المنهج الإداري العلوي لا يفرض فرضیات تنم عن ترف فکري إنما يقدم نظرية علمية تلائم كل زمان و مکان بدلیل إن الأنظمة الإدارية الحديثة حذت بنفس الحذو وان اختلفت الرؤى العقائدية، وكما وان تلك النظرية الإدارية التي قدمها أمير المؤمنين من خلال عهده لمالك الأشتر كان قد طبقها فعلا على ارض الواقع خلال فترة خلافته المباركة. ولذلك يمكن القول بان النظام الإداري في الفكر العلوي يعد بكل جدارة أول نموذج متكامل وشامل للإدارة.

2. يمثل النظام الإداري جزء من منظومة متكاملة من الأنظمة المترابطة والمتفاعلة في ما بينها والتي تهدف في محصلتها للرقي بحياة الإنسان والمجتمع.

ص: 146

3. إن اهتمام النظام الإداري الإسلامي العلوي بالعنصر البشري هو اهتمام لا يماثله فيه أي نظام أخر، لذا يعد النظام الإداري الإسلامي هو أول نظام إداري اجتماعي تربوي

4. يتمتع النظام الإداري الإسلامي العلوي بمستوى عال من المرونة.

5. النظام الإداري الإسلامي العلوي نظام أفقي لا يعترف بالهرمية التقليدية التي بنيت عليها أغلب الأنظمة الإدارية.

نسأل الله تعالى بحق كتابه الحكيم ونبيه الكريم وال بيته المعصومين عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم أن يوفقنا بما يخدم الفكر الإسلامي ويُسهم في تطوير المجتمع الإنساني، انه سميع مجيب الدعاء.

ص: 147

• القران الكريم

أولاً: المصادر

• ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، الكامل في التاريخ، ط4، تحقيق: مكتبة التراث، مؤسسة التاريخ العربي، بیروت، 1414ھ/ 1994م).

• ابن أبي الحديد، أبو حامد عبد الحميد بن هبه الدين المدائني، شرح نهج البلاغة، ط2، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، 1384ھ / 1965م).

• الطبري، محمد بن جریر، تاریخ الرسل والملوك،

تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، طه، دار المعارف، (القاهرة، 1428ه / 2006 م).

• الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الرازي، فروع الكافي، ضبطه وصححه وعلق عليه: محمد جعفر شمس الدين، ط1، دار

ص: 148

التعارف للمطبوعات، بیروت، 1992م).

• المجلسي، محمد باقر بن محمد الأصفهاني، بحار الأنوار الجامعة لدرر إخبار الأئمة الأطهار، ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403ھ / 1983م).

ثانياً: المراجع

• إسماعيل، محمدي، شناسي عهد نامة إمام علي به مالک اشتر، کتاب فارسی موجود على صفحات الانترنيت الجابري، ساعد، مبدأ الشورى في منهج الإمام

علي ، مجلة النبأ، العدد 50، تشرين الأول 2000.

• جرداق، جورج، الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام صوت العدالة الإنسانية، الطبعة الأولى سنة 1958 .

• أبو جناج،صاحب، السياسة الإدارية عند الإمام علي، قراءة في عهد التوليه لمالك الأشتر، (د. م، د.ت).

• حسن الشيخ، محمد، ملامح من الفكر الإداري في عند الإمام علي علیه السلام، ط1، دار البيان العربي، بيروت، 1993.

ص: 149

• ريتشارد باسكال ، وانطوني ج. آثوس، فن الإدارة اليابانية، (مترجم إلى العربية)، دار الحمراء، بيروت، ط1.

• السعد، غسان، حقوق الإنسان عند الإمام علي، ط2، بغداد، 2008 م.

• الصدر، محمد محمد صادق ،منة المنان في الدفاع عن القران ،ط1، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع (د. م /2002 م)، ج1. الشامي، حسين بركة، البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع في عهد الإمام علي لمالك الأشتر، ط2، دار الإسلام، بغداد، 2008. الشرهاني، حسين، التغيير في السياسة المالية للدولة الإسلامية في خلافة علي بن أبي طالب، ط1، تموز للطباعة والنشر، دمشق، 2013 م.

• شمس الدين، أية الله محمد مهدي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، الطبعة الثالثة، 1412ه 1992م، دار الثقافة للطباعة والنشر.

• شنشل، فلاح حسن، نظام الحكم والإدارة في الإسلام عهد الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر، رسالة ماجستير منشورة على صفحات الانترنيت.

ص: 150

• كشك، محمد بهجت جاد الله، أسس الإدارة العلمية، (د.م د.ت).

• عبد الله، عيسى مكي، نظرية التنظيم والإدارة في فكر الإمام علي علیه السلام ، ط1، مكتبة الروضة الحيدرية، النجف، 2009.

• النصر الله، جواد، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، رؤية اعتزالية عن الإمام علي، ط1، منشورات ذوي القربی، (قم، 1384ه)

• عبد الوهاب، علي محمد، مقدمة في الإدارة، معهد الإدارة العامة، 1982.

• الملاح، نادر، النظام الإداري الإسلامي، الطبعة الأولى، 1429ه/.2008م إدارة المكتبات العامة.

• الهواري، سيد، الإدارة، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1982.

ص: 151

المحتويات

مقدمة المؤسسة... 9

مقدمة ...13

المبحث الأول: خصائص الإدارة ومقومات نجاحها ... 17

أوّلا: مفهوم الإدارة : ... 19

ثانياً: الإدارة والقيادة: ... 22

ثالثاً: خصائص القيادة الإدارية الناجحة: ... 22

المبحث الثاني: مضامین عهد مالك الأشتر ... 27

أولاً: أهمية العهد ... 27

ثانياً: مصادر العهد: ... 32

ثالثاً: مضامين العهد العامة : ... 39

رابعاً: شروح العهد: ... 41

خامساً: أهداف العهد العامة : ... 48

المبحث الثالثعهد الأشتر بين النظرية والتطبيق ... 55

أولاً: السياسة الإدارية في حكومة الإمام علي (علیه السلام) ...55

ثانياً: النظام الإداري للحكومة والولاية ...60

ص: 152

أولاً: الرقابة الذاتية على النفس ... 64

ثانياً: الرقابة الشعبية على عمل الموظف ...76

ثالثاً: تجنب التكبر والشعور بالعظمة والاستبداد ... 90

رابعاً: الحفاظ على الدماء ... 96

خامساً: النهي عن الاحتجاب عن الرعية ...99

سادساً: الحذر من البطانة ... 103

ثامناً : طبيعة اختيار الكادر الإداري ... 122

تاسعاً: السياسة الوقائية والقضاء على الفساد ... 131

الخاتمة ... 144

أولاً: المصادر ... 149

ص: 153

ص: 154

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.